70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَرْضِ الْمُشْتَرِكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نَصِيبِهِ)
[1312] قَوْلُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْكَافِ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَيْسٍ ثِقَةٌ قَالَ أَبُو داود مات في فتنة بن الزُّبَيْرِ
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ) أَيْ بُسْتَانٍ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْحَائِطِ (حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَى شَرِيكِهِ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى النَّدْبِ إِلَى إِعْلَامِهِ وَكَرَاهَةِ بَيْعِهِ قَبْلَ إِعْلَامِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ
ويَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ
ويَكُونُ الْحَلَالُ بِمَعْنَى الْمُبَاحِ وَهُوَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا لَوْ أَعْلَمَ الشَّرِيكَ بِالْبَيْعِ فَأَذِنَ فِيهِ فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ الْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ
وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مُتَعَقِّبًا عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ إِنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ مَا لَفْظُهُ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ اسْمُ الْحَلَالِ مُخْتَصًّا بِمَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ
فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلَالِ
وقَالَ فِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَيْعُ قَبْلَ العرض على الشريك
قال بن الرِّفْعَةِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ
وقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عُرْضَ الْحَائِطِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ
فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ وفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ
وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ
(وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ (قَتَادَةُ وَلَا أَبُو بِشْرٍ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ في الخلاصة(4/450)
سُلَيْمَانُ بْنُ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ
وعَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ عَنْهُ قَتَادَةُ وَأَبُو بِشْرٍ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ انْتَهَى
(وَلَا نَعْرِفُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ لَعَلَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ (سَمِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُخَابَرَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ)
[1313] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) أَمَّا الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَانِيهِمَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ
وأَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا (وَالْمُعَاوَمَةِ) مُفَاعَلَةٍ مِنَ الْعَامِ كَالْمُسَانَهَةِ مِنَ السَّنَةِ وَالْمُشَاهِرَةِ مِنَ الشَّهْرِ
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَوْ الشَّجَرِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ ثِمَارُهُ
وهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ فَهُوَ كَبَيْعِ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ (وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْعَرَايَا فِي بَابِ الْعَرَايَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(4/451)
72 - باب [1314] قَوْلُهُ (غَلَا السِّعْرُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نرخ أَيْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ (سَعِّرْ لَنَا) أَمْرٌ من تسعير وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ أَهْلِ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إِلَّا بِسِعْرِ كَذَا فَيَمْنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغْلِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ
ولِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ انْتَهَى
(الْقَابِضُ الْبَاسِطُ) أَيْ مُضَيِّقُ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمُوَسِّعُهُ (وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَصْدَرُ ظَلَمَ وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِكَسْرِ لَامٍ وَفَتْحِهَا وَقَدْ يُنْكَرُ الْفَتْحُ انْتَهَى
وقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ
والتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ
والْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أن تكون تجارة عن تراض) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ
وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ
وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ
وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ
قَالَ الْحَافِظُ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا بن حِبَّانَ
وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ
فَقَالَ بَلِ ادْعُوا اللَّهَ
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ
فَقَالَ بَلِ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ
قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ(4/452)
وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ نَحْوُهُ وعن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي النَّيْلِ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْغِشِّ فِي الْبُيُوعِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغِشُّ ضِدُّ النُّصْحِ مِنَ الغشش وهو المشرب لكدر انْتَهَى
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ غَشَّهُ لَمْ يَمْحَضْهُ النُّصْحَ أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ كَغَشَشَهُ وَالْغِشُّ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِنْهُ انْتَهَى
وقَالَ فِي الصُّرَاحِ غِشٌّ بِالْكَسْرِ خيانت كردن
[1315] قَوْلُهُ (مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَا جُمِعَ مِنَ الطَّعَامِ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الصُّبْرَةُ الطَّعَامُ الْمُجْتَمِعُ كَالْكَوْمَةِ وَجَمْعُهَا صُبَرٌ (مِنْ طَعَامٍ) الْمُرَادُ مِنَ الطَّعَامِ جِنْسُ الْحُبُوبِ الْمَأْكُولِ (فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الصُّبْرَةِ (فَنَالَتْ) أَيْ أَدْرَكَتْ (بَلَلًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ (قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ) أَيْ الْمَطَرُ لِأَنَّهَا مَكَانَهُ وَهُوَ نَازِلٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ
رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا (مَنْ غَشَّ أُمَّتِي لَيْسَ مِنِّي) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ مِنِّي
قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي الْأُصُولِ ومعناه ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعلمي وَحُسْنِ طَرِيقَتِي كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَرْضَ فِعْلَهُ لَسْتَ مِنِّي
وَهَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا
وكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَكْرَهُ تَفْسِيرَ مِثْلِ هَذَا أَوْ يَقُولُ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْلِ بَلْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ انْتَهَى
وهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ (وأبي الحمراء) أخرجه بن ماجه وبن عباس وبريرة لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا (وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ(4/453)
74 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْبَعِيرِ أَوْ الشيء من الحيوان)
أو السمن أَيْ غَيْرِ الْبَعِيرِ
[1316] قَوْلُهُ (اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنْ رَجُلٍ (سِنًّا) أَيْ جَمَلًا لَهُ سِنٌّ مُعَيَّنٌ (فَأَعْطَى) وفي نسخة فأعطاه (سنا خير مِنْ سِنِّهِ) أَيْ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَقْرَضَ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بِاسْتِقْرَاضِ السِّنِّ بَأْسًا مِنَ الْإِبِلِ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اقْتِرَاضِ الْحَيَوَانِ
وفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ جَمِيعِ الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطئها فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ
ويَجُوزُ إِقْرَاضُهَا لِمَنْ لَا يملك وطئها كَمَحَارِمِهَا وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى
والْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وبن جَرِيرٍ وَدَاوُدَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
والثَّالِثُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَرْضُ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ
وهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ النَّسْخُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قُلْتُ جَوَازُ اقْتِرَاضِ الْحَيَوَانِ هُوَ الرَّاجِحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وهو حديث قد روي عن بن عباس مرفوعا أخرجه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنيُّ وَغَيْرُهُمَا وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ رَجَّحُوا إِرْسَالَهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ اخْتِلَافٌ وفِي الْجُمْلَةِ هُوَ حَدِيثٌ صَالِحٌ لِلْحُجَّةِ
وادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
والْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ مُمْكِنٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ نَسِيئَةً مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ(4/454)
أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا بِاتِّفَاقٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ مِنَ الْحَدِيثِ بَقِيَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَمِ فِيهِ
واعْتَلَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا حَتَّى لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمِثْلِيَّةِ فِيهِ
وأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهِ بِالْوَصْفِ بِمَا يَدْفَعُ التَّغَايُرَ وَقَدْ جَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ التَّزْوِيجَ وَالْكِتَابَةَ عَلَى الرَّقِيقِ الْمَوْصُوفِ بِالذِّمَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَرْضُ إِلَّا فِي الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَالَ وَلَنَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبَيْعِ لَا الْقَرْضِ يُقَالُ إِنَّ مَنَاطَهُمَا وَاحِدٌ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَقَرْضُهَا جَائِزٌ فَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَقَرْضُهُ جَائِزٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ النَّسِيئَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
قَالَ وَمَحْمَلُ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدِي أَنَّهُ اشْتَرَى الْبَعِيرَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ أُعْطِيَ إِبِلًا بَدَلَ ذَا الثَّمَنِ فَعَبَّرَ الرَّاوِي بِهَذَا انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ تَأْوِيلُهُ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ لَفْظُ اسْتَقْرَضَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
[1317] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ طَلَبَ مَنَّهُ قَضَاءَ الدَّيْنِ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ
ولِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ يَتَقَاضَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا (فَأَغْلَظَ لَهُ) أَيْ فَعَنَّفَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْإِغْلَاظُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَدْحٌ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ كَافِرًا مِنَ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا وَكَأَنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ مِنْ جَفَاءِ الْمُخَاطَبَةِ (فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ) أَيْ أَرَادَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُؤْذُوهُ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ لَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَدَبًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(دَعُوهُ) أَيْ اتْرُكُوهُ وَلَا تَزْجُرُوهُ (فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا) أَيْ صَوْلَةَ الطَّلَبِ وَقُوَّةَ الْحُجَّةِ لَكِنْ مع مراعاة الأدب المشروع
قال بن الْمَلِكِ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الدَّيْنُ أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ حَقٌّ فَمَاطَلَهُ فَلَهُ أَنْ يَشْكُوَهُ وَيُرَافِعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ وَيُعَاتِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَقَالِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ
(اشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا) قَالَ الْحَافِظُ وفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْتَمِسُوا لَهُ مِثْلَ سِنِّ بَعِيرِهِ (فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ) لأن بَعِيرَهُ كَانَ صَغِيرًا وَالْمَوْجُودُ كَانَ رَبَاعِيًا خِيَارًا كما في(4/455)
رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِيَةِ (فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) فِيهِ جَوَازُ وَفَاءِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمِثْلِ الْمُقْتَرَضِ إِذَا لَمْ تَقَعْ شَرْطِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي الزِّيَادَةِ إِنْ كَانَتْ بِالْعَدَدِ مُنِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِالْوَصْفِ جَازَتْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قوله (حدثنا روح بن عبادة) بن الْعَلَاءِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ التَّاسِعَةِ
[1318] قَوْلُهُ (اسْتَسْلَفَ) أَيْ اسْتَقْرَضَ (بَكْرًا) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ شَابًّا مِنَ الْإِبِلِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَكْرُ بِالْفَتْحِ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْغُلَامِ مِنَ النَّاسِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلنَّاسِ انْتَهَى
(فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ) أَيْ قِطْعَةُ إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ (إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ جَمَلٌ خِيَارٌ وَنَاقَةٌ خِيَارٌ أَيْ مُخْتَارٌ وَمُخْتَارَةٌ (رَبَاعِيًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سِتُّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ حِينَ طَلَعَتْ رَبَاعِيَتُهُ (أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ فَيُقَالُ كَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي الصَّدَقَاتِ لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ مِنْهَا
والْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ اشْتَرَى مِنْهَا بَعِيرًا رَبَاعِيًا مِمَّنْ اسْتَحَقَّهُ فَمَلَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَنِهِ وَأَوْفَاهُ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ مِنْ مَالِهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا
فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ قِيلَ فِي أَجْوِبَتِهِ غَيْرُهُ مِنْهَا أَنَّ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ حِينَ جَاءَتْ وَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وروى بن مَاجَهْ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ بلفظ خير الناس خيرهم قضاء(4/456)
75 - (باب [1319] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ))
بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ سَهْلًا فِي الْبَيْعِ وَجَوَادًا يَتَجَاوَزُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ إِذَا بَاعَ
قَالَ الْحَافِظُ السَّمْحُ الْجَوَادُ يُقَالُ سَمَحَ بِكَذَا إِذَا جَادَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُسَاهَلَةُ (سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ) أَيْ التَّقَاضِي لِشَرَفِ نَفْسِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَطْعِ عَلَاقَةِ قَلْبِهِ بِالْمَالِ
قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ
ولِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَفَعَهُ أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَايِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عبد الله بن عمرو ونحوه
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَقَرُّوهُ
[1320] قَوْلُهُ (غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِلَخْ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِيهِ حَثٌّ لَنَا عَلَى التَّأَسِّي بِذَلِكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا (إِذَا اقْتَضَى) أَيْ إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بالرفق واللطلف لَا بِالْخَرْقِ وَالْعُنْفِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذكر الترمذي أنه سئل عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ حَسَنٌ انْتَهَى
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى(4/457)
76 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ)
[1321] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ) أَيْ يشتري قال القارىء حَذْفُ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ ثَوْبَ الْكَعْبَةِ وَالْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَالسُّبَحَ (فَقُولُوا) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاللِّسَانِ جَهْرًا أَوْ بِالْقَلْبِ سِرًّا
قَالَهُ القارىء
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ جَهْرًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْآتِي (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَيْ لَا جَعَلَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ذَاتَ رِبْحٍ وَنَفْعٍ
ولَوْ قَالَ لَهُمَا مَعًا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكُمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ) بِوَزْنِ يَطْلُبُ وَمَعْنَاهُ أَيْ يَطْلُبُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (ضَالَّةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الضَّالَّةُ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا حَارَ
وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَتُجْمَعُ عَلَى ضَوَالَّ انْتَهَى
(فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ) وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا
وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُقُودِ وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ
قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ
وأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ مجمعهم ولا بدلهم مِنْهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي اليوم والليلة وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ(4/458)
مُسْلِمٍ
ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مُسْلِمًا قَدْ أَخْرَجَ الشَّطْرَ الثَّانِيَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ) وَهُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَخَّصَ(4/459)
14 - (كتاب الأحكام)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بَيَانُ آدَابِهِ وَشُرُوطِهِ وَكَذَا الْحَاكِمُ وَيَتَنَاوَلُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْخَلِيفَةَ وَالْقَاضِيَ
والْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ وَمَادَّةُ الْحُكْمِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَهُوَ الإتقان بالشيء ومنعه من العيب
بَاب مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القاضي [1322] قَوْلُهُ (فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ) أَيْ اقْبَلِ الْقَضَاءَ بينهم (قال أو تعافيني) بِالْوَاوِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ
أَيْ أَتَرْحَمُ عَلَيَّ وَتُعَافِينِي (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْقَضَاءِ (فَبِالْحَرِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فُلَانٌ حَرِيٌّ بِكَذَا وَحَرِيٌّ بِكَذَا أَوْ بِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ كَذَا أَيْ جَدِيرٌ وَخَلِيقٌ وَالْمُثَقَّلُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ تَقُولُ حَرِيَّانِ وَحَرِيُّونَ وَحَرِيَّةٌ وَالْمُخَفَّفُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ (أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ في حديث(4/460)
عُمَرَ وَدِدْتُ أَنِّي سَلِمْتُ مِنَ الْخِلَافَةِ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي
الْكَفَافُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ مَكْفُوفًا عَنِّي شَرُّهَا انْتَهَى
قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَاجْتَهَدَ فِي تحري الحق واستفرغ جحده فِيهِ حَقِيقٌ أَنْ لَا يُثَابَ وَلَا يُعَاقَبَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَوَلِّيهِ وفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدَ عَلَى أَنَّنِي رَاضٍ بِأَنْ أَحْمِلَ الْهَوَى وَأَخْلُصَ مِنْهُ لَا عَلَيَّ وَلَا لي
قَالَ وَالْحَرِيُّ إِنْ كَانَ اسْمَ فَاعِلٍ يَكُونُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ نَحْوَ بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ
أَيْ الْخَلِيقُ وَالْجَدِيرُ كَوْنُهُ مُنْقَلِبًا مِنْهُ كَفَافًا وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا فَهُوَ خَبَرٌ وَالْمُبْتَدَأُ مَا بَعْدَهُ وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ كَوْنُهُ مُنْقَلِبًا ثَابِتٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ (فَمَا أَرْجُو) أَيْ فأي شيء أرجو (بعد ذلك) أي بعد ما سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ
وفِي الْمِشْكَاةِ فَمَا رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَيْ فَمَا رَدَّ عُثْمَانُ الْكَلَامَ على بن عُمَرَ (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) فِي التَّرْغِيبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهَبٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إذهب فكن قاضيا قال أو تعفيني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ
قَالَ تُعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا ذَهَبْتَ فَقَضَيْتَ
قَالَ لَا تَعْجَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من عاذ بالله فقد عاد بِمَعَاذٍ قَالَ نَعَمْ
قَالَ فَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا
قَالَ وَمَا يَمْنَعُكَ وَقَدْ كان أبوك يقضي قال لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْجَهْلِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْجَوْرِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِحَقٍّ أَوْ بِعَدْلٍ سَأَلَ التَّفَلُّتَ كَفَافًا فَمَا أَرْجُو مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ
رواه أبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِاخْتِصَارٍ عَنْهُمَا وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُوهَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ذَكَرهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ (حديث بن عمر حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مُطَوَّلًا كَمَا عَرَفْتَ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ) فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ (وَعَبْدُ الْمَلِكِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْمُعْتَمِرُ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا(4/461)
واحدا في القضاء وله في صحيح بن حبان آخر انتهى
[1323] (وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ) بِضَمِّ وَاوٍ فَكَافٍ مُخَفَّقَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ فُوِّضَ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا يُعَانُ مِنَ اللَّهِ (وَمَنْ جُبِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُجْبِرَ (فَيُسَدِّدُهُ) أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ
[1324] قَوْلُهُ (عَنْ بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَالُ بن أَبِي مُوسَى الْفَزَارِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ خيثمة) هو بن أَبِي خَيْثَمَةَ الْبَصْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَغَى) أَيْ طَلَبَ فِي نَفْسِهِ (وَمَنْ أُكْرِهَ) أَيْ أُجْبِرَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى) أَيْ حَدِيثُ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِذِكْرِ خَيْثَمَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِغَيْرِ ذِكْرِ خَيْثَمَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَطَرِيقُ خَيْثَمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ التِّرْمِذِيُّ والحاكم انتهى
[1325] (مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْلِيَةِ (أَوْ) لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (جُعِلَ قَاضِيًا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جَعَلَهُ السُّلْطَانُ قَاضِيًا (فَقَدْ ذُبِحَ) بصيغة المجهول (بغير سكين) قال بن الصَّلَاحِ الْمُرَادُ ذُبِحَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا إِنْ رَشَدَ وَبَيْنَ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِنْ فَسَدَ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إنما عدل عَنِ الذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُخَافُ مِنْ هَلَاكِ دِينِهِ دُونَ بَدَنِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
والثَّانِي أَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ فِيهِ إِرَاحَةٌ لِلْمَذْبُوحِ وَبِغَيْرِ السِّكِّينِ كَالْخَنْقِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ الْأَلَمُ فِيهِ أَكْثَرَ فَذُكِرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّحْذِيرِ
ومِنَ النَّاسِ مَنْ فُتِنَ بِمَحَبَّةِ الْقَضَاءِ فَأَخْرَجَهُ عَمَّا يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ مِنْ سِيَاقِهِ فَقَالَ إِنَّمَا قَالَ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ لِيُشِيرَ إِلَى الرِّفْقِ بِهِ وَلَوْ ذُبِحَ بِالسِّكِّينِ لَكَانَ أَشَقَّ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ(4/462)
وله طرق وأعله بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ
ولَيْسَ كَمَا قَالَ وَكَفَاهُ قُوَّةً تَخْرِيجُ النَّسَائِيِّ لَهُ
وذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي يصيب ويخطىء)
[1326] قَوْلُهُ (فَاجْتَهَدَ) عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى تَأْوِيلِ أَرَادَ الْحُكْمَ (فَأَصَابَ) عَطْفٌ عَلَى فَاجْتَهَدَ أَيْ وَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ اللَّهِ (فَلَهُ أَجْرَانِ) أَيْ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ وَأَجْرُ الْإِصَابَةِ وَالْجُمْلَةُ جَزَاءُ الشَّرْطِ (فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنما يؤجر المخطىء عَلَى اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ عِبَادَةٌ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُوضَعُ عَنْهُ الْإِثْمُ وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جَامِعًا لِآلَةِ الِاجْتِهَادِ عَارِفًا بِالْأُصُولِ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقِيَاسِ
فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ وَلَا يُعْذَرُ بِالْخَطَأِ بَلْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْوِزْرُ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ
وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَةِ دُونَ الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الشَّرِيعَةِ وَأُمَّهَاتُ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلتَّأْوِيلِ فَإِنَّ مَنْ أَخْطَأَ فِيهَا كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِي الْخَطَأِ وَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ مَرْدُودًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عمرو بن العاص) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدّارَقُطْنيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ(4/463)
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي كَيْفَ يَقْضِي)
[1327] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَوْنٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عن الحارث بن عمرو) هو بن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي ويقال بن عَوْنٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وفِي الْمِيزَانِ مَا رَوَى عَنِ الْحَارِثِ غَيْرُ أَبِي عَوْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ (قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة وَالْمُرَادُ بِهِ رَدُّ الْقَضِيَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُرِدْ الرَّأْيَ الَّذِي يَرَاهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِ حَمْلٍ عَلَى كِتَابٍ وَسُنَّةٍ انْتَهَى
وقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَجْتَهِدُ رَأْيِي الْمُبَالَغَةُ قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِ اللَّفْظِ وَبِنَاؤُهُ لِلِافْتِعَالِ لِلِاعْتِمَالِ وَالسَّعْيِ وَبَذْلِ الْوُسْعِ
قَالَ الرَّاغِبُ الْجُهْدُ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَالِاجْتِهَادُ أَخْذُ النَّفْسِ بِبَذْلِ الطَّاقَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ
يُقَالُ جَهَدْتُ رَأْيِي وَاجْتَهَدْتُ أَتْعَبْتُهُ بِالْفِكْرِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرَّأْيَ الَّذِي يَسْنَحُ لَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَوْ يَخْطِرُ بِبَالِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ بَلِ أَرَادَ رَدَّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ
وفِي هَذَا إِثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ بالقياس كذا في المرقاة (الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ
[1328] قَوْلُهُ (عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ كُورَةٌ بِالشَّامِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه(4/464)
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدّارَقُطْنيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ وَعَنْهُ أَبُو عَوْنٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أبي عون هكذا وأرسله بن مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ عَنْهُ وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَكْثَرُ مَا كَانَ يُحَدِّثُنَا شُعْبَةُ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقَالَ مَرَّةً عَنْ مُعَاذٍ وَقَالَ بن حَزْمٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَارِثَ مَجْهُولٌ وَشُيُوخَهُ لَا يُعْرَفُونَ قَالَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهِ التَّوَاتُرَ وَهَذَا كَذِبٌ بَلْ هُوَ ضِدُّ التَّوَاتُرِ لِأَنَّهُ مَا رَوَاهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْحَارِثِ
فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَوَاتِرًا وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يُسْنَدُ وَلَا يُوجَدُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ
وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَذْكُرُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عليه وإن كان معناه صحيحا
وقال بن طَاهِرٍ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ مُفْرَدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اعْلَمْ أَنَّنِي فَحَصْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَسَانِيدِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فلم أجد له غير طريقين أحدهما طَرِيقُ شُعْبَةَ وَالْأُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ عَنْ مُعَاذٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ انتهى
وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ لَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ سُمِّيَ كَيْفَ وَشُهْرَةُ أَصْحَابِ مُعَاذٍ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدْقِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخْفَى وَلَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِهِ مُتَّهَمٌ وَلَا كَذَابٌ وَلَا مَجْرُوحٌ بَلِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فِي ذَلِكَ
كَيْفَ وَشُعْبَةُ حَامِلُ لِوَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ إِذَا رَأَيْتَ شُعْبَةَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَمٍ عَنْ مُعَاذٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَقَلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
وقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ
وقَوْلُهُ إِذَا اخْتَلَفَ المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وتراد الْبَيْعَ
وَقَوْلُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
وإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ
ولَكِنْ لَمَّا نَقَلَهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنُوا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا
فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنُوا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وقَدْ جَوَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ وَجَعَلَ لَهُ عَلَى خَطَئِهِ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ أَجْرًا وَاحِدًا إِذَا كَانَ قَصْدُهُ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ وَاتْبَاعَهُ
وقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُونَ فِي النوازل ويقيسون(4/465)
بَعْضَ الْأَحْكَامِ عَلَى بَعْضٍ وَيَعْتَبِرُونَ النَّظِيرَ بِنَظِيرِهِ
ثم بسط بن الْقَيِّمِ فِي ذِكْرِ اجْتِهَادَاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَقَدْ اجْتَهَدَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُغْنِهِمْ كَمَا أَمَرَهُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُرْعَةَ النُّهُوضِ فَنَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى
واجْتَهَدَ آخَرُونَ وَأَخَّرُوهَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلَّوْهَا لَيْلًا نَظَرُوا إِلَى اللَّفْظِ
وهَؤُلَاءِ سَلَفُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأُولَئِكَ سَلَفُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ
وقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ الْفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا الْمَقَايِيسَ فِي الْفِقْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ
قَالَ وَأَجْمَعُوا بِأَنَّ نَظِيرَ الْحَقِّ حَقٌّ وَنَظِيرَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ التَّشْبِيهُ بِالْأُمُورِ وَالتَّمْثِيلُ عَلَيْهَا
انْتَهَى مَا فِي الْأَحْكَامِ
قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال بن الْقَيِّمِ لَكِنَّ مَا قَالَ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ الْبَابِ فَفِيهِ عِنْدِي كَلَامٌ
(بَاب مَا جَاءَ في الإمام العادل)
[1329] قوله (عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيِّ الْجَدَلِيِّ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ ضَعَّفَهُ الثَّوْرِيُّ وَهُشَيْمٌ وبن عَدِيٍّ وَحَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يخطىء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا انْتَهَى
وقَالَ فِي الْمِيزَانِ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ يكتب حديثه ضعيف وقال بن مَعِينٍ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ (إِنَّ أحب الناس) أي أكثرهم محبوبية قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَسْعَدَهُمْ بِمَحَبَّتِهِ (وَأَدْنَاهُمْ) أَيْ أَقْرَبَهُمْ (مِنْهُ مَجْلِسًا) أَيْ مَكَانَةً وَمَرْتَبَةً قَالَهُ القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَقْرَبَهُمْ مِنْ مَحَلِّ كَرَامَتِهِ وَأَرْفَعَهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً (إِمَامٌ جَائِرٌ) أَيْ ظَالِمٌ قوله (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ
قوله (حدثنا(4/466)
عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) الْقَيْسِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (حدثنا عمران القطان) هو بن داود بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَبُو الْعَوَّامِ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (عن بن أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ الْأَسْلَمِيُّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ وَلَمْ يَزَلْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بالكوفة سنة سبع وثمانين
ووهم القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ فَقَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ
[1330] قَوْلُهُ (اللَّهُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِنَّ اللَّهَ (مَعَ الْقَاضِي) أَيْ بِالنُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ (مَا لَمْ يَجُرْ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ مَا لَمْ يَظْلِمْ (تَخَلَّى عَنْهُ) أَيْ خَذَلَهُ وَتَرَكَ عَوْنَهُ (وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ) لَا يَنْفَكُّ عَنْ إِضْلَالِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَأَقَرُّوهُ انْتَهَى
وفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَحِفْ عَمْدًا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ المناوي ضعيف لضعف جعفر بن سليمان القارىء انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي لَا يَقْضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ)
حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُمَا [1331] قَوْلُهُ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ هو بن الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ الْكُوفِيُّ صَاحِبُ عَلِيٍّ
قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ) أَيْ تَرَافَعَ إِلَيْكَ خَصْمَانِ (فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ الْمُدَّعِي (حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ(4/467)
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ
وذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَهُمَا حَاضِرَانِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَفِي الْغَائِبِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ
وذَلِكَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْغَائِبِ حُجَّةٌ تُبْطِلُ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَدْحَضُ حُجَّتَهُ
قَالَ الْأَشْرَفُ لَعَلَّ مُرَادَ الْخَطَّابِيِّ بِهَذَا الْغَائِبِ الْغَائِبُ عَنْ مَحَلِّ الْحُكْمِ فَحَسْبُ دُونَ الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ (فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُعَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
والْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ هَكَذَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ
قَالَ فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ
ورَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي إِمَامِ الرَّعِيَّةِ)
[1332] قَوْلُهُ (قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ أَبُو طَلْحَةَ أَوْ أَبُو مَرْيَمَ صَحَابِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى
وقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ يُكَنَّى أَبَا مَرْيَمَ الْجُهَنِيُّ وَقِيلَ الْأَزْدِيُّ شَهِدَ أَكْثَرَ الْمُشَاهَدِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَمَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ) أَيْ يَحْتَجِبُ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْخُرُوجِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ وَالْخَلَّةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ
فَالْحَاجَةُ وَالْخَلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ (إِلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ) أَيْ أَبْعَدَهُ وَمَنَعَهُ عَمَّا يَبْتَغِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلَى حَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ
قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِاحْتِجَابِ الْوَالِي أَنْ يَمْنَعَ أَرْبَابَ الْحَوَائِجِ وَالْمُهِمَّاتِ أَنْ يَدْخُلُوا عليه فيعرضوها له ويعسر عليهم إنهاوها
واحْتِجَابُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَيُخَيِّبَ آمَالَهُ انْتَهَى(4/468)
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كُلُّكُمْ رَاعٍ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ
[1333] قَوْلُهُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (عَنْ أَبِي مَرْيَمَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْمَذْكُورُ (نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ
(بَاب مَا جَاءَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ)
[1334] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَاضٍ) أَيْ بِسِجِسْتَانَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ مُتَخَاصِمَيْنِ (وَهُوَ غَضْبَانُ) بِلَا تَنْوِينٍ أَيْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الاجتهاد والفكر في مسألتهما قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ النَّهْيُ عَنِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنَ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَخْتَلُّ بِهِ النَّظَرُ فَلَا يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ
قَالَ وَعَدَّاهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ به القلب تعلقا بشغله عَنِ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَهُوَ قِيَاسُ مَظِنَّةٍ عَلَى مَظِنَّةٍ
وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي إِلَّا هُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ
وسَبَبُ ضَعْفِهِ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ الْقَاسِمَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ
وظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ الحقيقي إلى(4/469)
الْكَرَاهَةِ فَلَوْ خَالَفَ الْحَاكِمُ فَحَكَمَ فِي حَالِ الْغَضَبِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إِنْ صَادَفَ الْحَقَّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِلزُّبَيْرِ فِي حَالِ الْغَضَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ
فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلنَّهْيِ إِلَى الْكَرَاهَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنِ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ فِي رِضَائِهِ وَغَضَبِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا عِصْمَةَ تَمْنَعُهُ عَنِ الْخَطَأِ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ
وفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنِ اسْتَبَانَ لَهُ الْحُكْمُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ
قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ وَهُوَ تَفْصِيلٌ مُعْتَبَرٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ نُفَيْعٌ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُصَغَّرًا صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي هَدَايَا الْأُمَرَاءِ)
[1335] قَوْلُهُ (فِي أَثَرِي) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرٍ وَسُكُونٍ أَيْ عَقِبِي (فَرُدِدْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرَّدِّ أَيْ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ (قَالَ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا) فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِأُوصِيَكَ وَأَقُولَ لَكَ لَا تُصِيبَنَّ أَيْ لَا تَأْخُذَنَّ (فَإِنَّهُ غُلُولٌ) أَيْ خِيَانَةٌ وَالْغُلُولُ هُوَ الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِمَا غَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ألفين أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ الْحَدِيثَ (لِهَذَا) أَيْ لِأَجْلِ هَذَا النُّصْحِ (وَامْضِ) أَيْ اذْهَبْ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَامْضِ بِالْفَاءِ
[1336] قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ (وَالْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْأُولَى أَخْرَجَهُ أبو داود (وأبي حميد) أخرجه البيهقي وبن عدي قال الحافظ إسناده ضعيف(4/470)
(وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ وَعَزَاهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ)
الرَّاشِي هُوَ دَافِعُ الرِّشْوَةِ وَالْمُرْتَشِي آخِذُهَا
قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ) زَادَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَالرَّائِشَ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الرِّشْوَةُ وَالرُّشْوَةُ الْوَصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَا الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ فَالرَّاشِي مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ
والْمُرْتَشِي الْآخِذُ وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا أَوْ يَسْتَنْقِصُ لِهَذَا
فَأَمَّا مَا يُعْطَى تَوَصُّلًا إِلَى أَخْذِ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ
رُوِيَ أن بن مَسْعُودٍ أُخِذَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ
ورُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظلم
انتهى كلام بن الْأَثِيرِ
وفِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قِيلَ الرِّشْوَةُ مَا يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِلٍ
أَمَّا إِذَا أَعْطَى لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ أَوْ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا فَلَا بَأْسَ بِهِ
وكَذَا الْآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِصَابَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ
لَكِنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ
لِأَنَّ السَّعْيَ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ عَلَيْهِ قَالَ القارىء كذا ذكره بن الْمَلِكِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ إِلَّا قَوْلَهُ وَكَذَا الْآخِذُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يُنَافِيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِسْنَادُهُ لَا مَطْعَنَ فِيهِ (وَعَائِشَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مُخَرِّجًا أَحَادِيثَ الْبَابِ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وأم سلمة فينظر من أخرجهما (وبن حَدِيدَةَ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ فِي أسد الغابة عن أبي نعيم وبن مَنْدَهْ أَنَّهُ الصَّوَابُ
قَالَ(4/471)
وَقِيلَ أَبُو حَدِيدَةَ انْتَهَى
بِالْمَعْنَى وفِي بَعْضِهَا بن حَيْدَةَ وفِي أَبِي حَدِيدٍ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ عَزَاهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِلَى أَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ غير حديث بن عَمْرٍو وَوَهِمَ أَيْضًا بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّ أبا داود زاد في روايته لحديث بن عَمْرٍو لَفْظَ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ عند أبي داود
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي الْحُكْمِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُتْقِنٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ
[1337] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ)
[1338] قَوْلُهُ (لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ هُوَ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنَ الرِّجْلِ وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ مِنَ الْيَدِ
وهُوَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنَ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ
وقِيلَ الْكُرَاعُ مَا دُونَ الْكَعْبِ من الدواب
وقال بن فَارِسٍ كُرَاعُ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفُهُ
كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكُرَاعِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ
قَالَ(4/472)
الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وزَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ وَلَوْ بَعُدَ الْمَكَانُ لَكَانَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِجَابَةِ مَعَ حَقَارَةِ الشَّيْءِ أَوْضَحَ وَلِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ هُنَا كُرَاعُ الشَّاةِ وَأَغْرَبَ الْغَزَّالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ
ولَا أَصْلَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ انْتَهَى
قُلْتُ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لَأَجَبْتُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ كُرَاعُ الْغَمِيمِ
وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ
ولَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَسَلْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ كِسْرَى أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَنَّ الْمُلُوكَ أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ
وفِي النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ قَدِمُوا مَعَهُمْ بِهَدِيَّةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ قَالُوا لَا بَلْ هَدِيَّةٌ فَقَبِلَهَا وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَكَلَ مَعَهُمْ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ شَهِيرَةٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ)
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ [1339] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ) أَيْ تَرْمُونَ الْمُخَاصَمَةَ إِلَيَّ (وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ(4/473)
فِي عَدَمِ عِلْمِ الْغَيْبِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ
وأَنَّ الْبَشَرَ لَا يعلمون عن الْغَيْبِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
وأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ
وأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالظَّاهِرِ وَلَا يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَيَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ كَوْنِهِ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ
ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِيَقِينِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ
لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بإتباعه والاقتداء فأقواله وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى لَهُ حُكْمَهُمْ فِي عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ لِيَكُونَ حُكْمُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُ فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ انْتَهَى
(وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَلْحَنُ بِمَعْنَى أَبْلَغَ لِأَنَّهُ مِنْ لَحِنَ بِمَعْنَى فَطِنَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْطَنَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي حُجَّتِهِ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى
(فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ أَيْ الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يؤول بِهِ إِلَى النَّارِ
وقَوْلُهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنما يأكلون في بطونهم نارا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْبَاطِلَ وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا
فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلُّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ
ولَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا
وإن شهد بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَالِ فَقَالَ نُحِلُّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَةِ
وهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ (وَعَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَهُ أَلْفَاظٌ(4/474)
12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي)
وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ [1340] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ (وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ (غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي) أَيْ بِالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي (هِيَ أَرْضِي) أَيْ مِلْكٌ لِي (وفِي يَدِي) أَيْ وَتَحْتَ تَصَرُّفِي (إِنَّ الرَّجُلَ) أَيْ الْكَنَدِيَّ (فَاجِرٌ) أَيْ كَاذِبٌ (إِلَّا ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْيَمِينِ (لَمَّا أَدْبَرَ) أَيْ حِينَ وَلَّى عَلَى قَصْدِ الْخُلْفِ (عَلَى مَالِهِ) أَيْ عَلَى مَالِ الْحَضْرَمِيِّ (لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّهُ (عَنْهُ) أَيْ الْكَنَدِيِّ (مُعْرِضٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ وَالسُّخْطِ عَلَيْهِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ رحمته نحو قوله تعالى لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم قوله (وفي الباب عن بن عمر) لينظر من أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى النَّاسُ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
وفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي والْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ(4/475)
مُسْلِمٌ
[1341] قَوْلُهُ (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي) وَهُوَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ أَوْ مَنْ لَوْ سَكَتَ لَخُلِّيَ (وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ فَكُلِّفَ حُجَّةً قَوِيَّةً وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَجَانِبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوِيٌّ فَقُنِعَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ وَهِيَ الْيَمِينُ
قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ فزاي مفتوحة أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ (يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَرَكَ الناس حديثه
وقال بن مَعِينٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ
وقَالَ الْفَلَّاسُ مَتْرُوكٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ شُيُوخِ شُعْبَةَ الْمُجْمَعِ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَكِنْ كَانَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى
[1342] قَوْلُهُ (قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرْعِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ)
[1343] قَوْلُهُ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ) قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي كَانَ لِلْمُدَّعِي(4/476)
شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَدَلًا مِنَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ فَلَمَّا حَلَفَ قَضَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ادَّعَاهُ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ
وَخِلَافِهِمْ فِي الْأَمْوَالِ
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدّارَقُطْنيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَقَضَى بِهِ أمير المؤمنين بالعراق
(وجابر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَسُرَّقَ) بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَصَوَّبَ الْعَسْكَرِيُّ تَخْفِيفَهَا بْنِ أَسَدٍ الْجُهَنِيِّ
وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ ثُمَّ الاسكندرية وحديثه أخرجه بن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشاهد حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَزَادَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَدْ كَانَ أَصَابَ سُهَيْلًا عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ مَدَنِيُّونَ ثِقَاتٌ وَلَا يَضُرُّهُ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ نَسِيَهُ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ رَبِيعَةُ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ نَفْسِهِ انْتَهَى
ورَوَى بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح وقال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ إِنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْحَافِظَانِ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
[1344] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) هُوَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنْ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ قَالَ بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ تُوفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ
(عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ)
حديث جابر هذا أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ أَيْضًا
[1345] قَوْلُهُ (وَهَذَا(4/477)
أصح) أي كونه مرسلا أصح قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ هُوَ مُرْسَلٌ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ جَعْفَرٌ رُبَّمَا أَرْسَلَهُ وَرُبَّمَا وَصَلَهُ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَصَلَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ
وقَدْ صَحَّحَ حديث جابر أبو عوانة وبن خُزَيْمَةَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ
وبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ من رواية علي وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
قَالَ الْحُفَّاظُ أَصَحُّ أَحَادِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ بن عباس
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي صِحَّتِهِ
قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا حَسَنَانِ انْتَهَى
(وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَنْدَلُسِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
قَالُوا لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ
واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى واستشهدوا بشهيدين مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان وبقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وقد حكى البخاري وقوع المراجعة ذلك ما بين أبي الزناد وبن شُبْرُمَةَ فَاحْتَجَّ أَبُو الزِّنَادِ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ عنه بن شُبْرُمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا
قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا تَتِمُّ لَهُ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ يَعْنِي الْكُوفِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا وَرَدَ مُتَضَمِّنًا لِزِيَادَةٍ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ هَلْ يَكُونُ نَسْخًا وَالسُّنَّةُ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ أَوْ لَا يَكُونُ نَسْخًا بَلْ زِيَادَةً مُسْتَقِلَّةً بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ إِذَا ثَبَتَ سَنَدُهُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ
والْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْكُوفِيُّينَ وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْحِجَازِيِّينَ
ومَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذلك(4/478)
لا تنهض حجة بن شُبْرُمَةَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُعَارِضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ
وقَدْ أَجَابَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ حَاصِلِ بَحْثِهِ هَذَا لَكِنَّ مُقْتَضَى ما يحثه إِنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُمَا مِنَ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ
وهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ الْحَنَابِلَةُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ
وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقُرْآنِ نَسْخٌ وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا تَنْسَخُ الْمُتَوَاتِرَ وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْخَبَرُ بِهَا مَشْهُورًا
وأُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ وَلَا رَفْعَ هُنَا
وأَيْضًا فَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّسْخِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الزِّيَادَةِ كَالتَّخْصِيصِ نَسْخًا اصْطِلَاحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وراء ذلكم وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْعَمَّةِ مَعَ بِنْتِ أَخِيهَا وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ
وكَذَلِكَ قَطْعُ رِجْلِ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
وقَدْ أَخَذَ مَنْ رَدَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ وَمِنَ الْقَيْءِ وَاسْتِبْرَاءِ الْمَسْبِيَّةِ وَتَرْكِ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْوِلَادَةِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالسَّيْفِ وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ وَيَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنَ الْقَتِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ
وأَجَابُوا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ أَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا لشهرتها
فيقال لهم وأحاديث القضاة بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ نَفْسًا وفِيهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ فَأَيُّ شُهْرَةٍ عَلَى هَذِهِ الشُّهْرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ لِذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ كَذَا فِي النَّيْلِ(4/479)
14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ رجلين فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا)
نَصِيبَهُ [1346] قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ شَقِيصًا) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ شِقْصًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الشِّقْصُ وَالشَّقِيصُ النَّصِيبُ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (أَوْ قَالَ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ حِصَّةً وَنَصِيبًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَكَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَكَانَ لَهُ (مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَيْ قِيمَةَ بَاقِيهِ (بِقِيمَةِ الْعَدْلِ) أَيْ تَقْوِيمِ عَدْلٍ مِنَ الْمُقَوِّمِينَ أَوِ الْمُرَادُ قِيمَةٌ وَسَطٌ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْعَبْدِ (مَا عَتَقَ)
مِنْ نَصِيبِ الْمُعْتَقِ هَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ لِلشَّرِيكِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَلْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا رَقَّ
ومَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ أَوِ اسْتَسْعَى الشَّرِيكُ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ لَكِنَّ الشَّرِيكَ إِمَّا أَنْ يَسْتَسْعِي أَوْ يَعْتِقَ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَقَالَا أَيْ صَاحِبَاهُ لَهُ ضَمَانُهُ غَنِيًّا وَالسِّعَايَةُ فَقِيرًا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِعَدَمِ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا
ومَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ لِلِاكْتِسَابِ حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَتَهُ لِلشَّرِيكِ
وقِيلَ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ الشَّرِيكَ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنَ الْمِلْكِ كَذَا فِي اللَّمَعَاتِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَاهُ) أَيْ الْحَدِيثَ المذكور [1347] (سالم عن أبيه) أي عن بن عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ نَافِعٌ(4/480)
عَنْهُ ثُمَّ أَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِلَخْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
[1348] قَوْلُهُ (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَزْنًا وَاحِدًا هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) أَيْ يَبْلُغُ قِيمَةَ بَاقِيهِ
وفِي رواية مسلم من عتق شقصا في عبد أعتق كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ (قُوِّمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ من التقويم (قيمة عدل) أي تقديم عَدْلٍ مِنَ الْمُقَوِّمِينَ أَوِ الْمُرَادُ قِيمَةٌ وَسَطٌ (يُسْتَسْعَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِالِاكْتِسَابِ وَالطَّلَبِ حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ عَتَقَ
كَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ
وقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ سَيِّدَهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنَ الرِّقِّ (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ نَحْوَهُ) يَعْنِي بِذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ السِّعَايَةَ فِي هَذَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِالِاسْتِسْعَاءِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَبُو حَنِيفَةَ(4/481)
وَصَاحِبَاهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَآخَرُونَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ يَعْتِقُ جَمِيعُهُ فِي الْحَالِ وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَحْصِيلِ قِيمَةِ نصيب الشريك وزاد بن أَبِي لَيْلَى فَقَالَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ بِمَا أَدَّاهُ لِلشَّرِيكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَبَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً إِلَّا النَّصِيبُ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ وَعَنْ عَطَاءٍ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِبْقَاءِ حِصَّتِهِ فِي الرِّقِّ
وخَالَفَ الْجَمِيعَ زُفَرُ فَقَالَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَتُقَوَّمُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَتُؤْخَذُ إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَتُرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا انْتَهَى
(وقالوا بما روي عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ
(وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ ليس في نسخة صحيحة ذكر إسحاق ها هنا وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِمَا سَبَقَ انْتَهَى
واسْتُدِلَّ لَهُمْ بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِأَحَادِيثَ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وأُجِيبَ مِنْ قِبَلِهِمْ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ مُدْرَجٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأُجِيبَ مِنْ جَانِبِ الْأَوَّلِينَ عن حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِسْعَاءِ هُوَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ
هُوَ مُدْرَجٌ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ مَرْفُوعَانِ وِفَاقًا لِصَاحِبَيِ الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مُؤَيِّدَاتٍ لِهَاتَيْنِ الزِّيَادَتَيْنِ فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ الْمُعْسِرَ إِذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهَا وَهِيَ الرِّقُّ ثُمَّ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي عِتْقِ بَقِيَّتِهِ فَيُحَصِّلُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لِشَرِيكِ سَيِّدِهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ به البخاري
قال الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ
فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ بِأَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْدُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى يُحَصِّلَ ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَهَذِهِ مِثْلُهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ هَذَا الْجَمْعِ مُعَارَضَةٌ أَصْلًا
قَالَ الْحَافِظُ وهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى الرِّقُّ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ إِذَا لَمْ يَخْتَرِ الْعَبْدُ الِاسْتِسْعَاءَ فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ يَعْنِي بِحَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِنَا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ(4/482)
مَمْلُوكِهِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَلَاصَهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرِيكٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وفِي لَفْظٍ هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ انْتَهَى
وفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي وَغَيْرِهِ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَى)
بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحُكِيَ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ فَتْحُ أَوَّلِهِ مَعَ السُّكُونِ انْتَهَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ عُمْرَى أَيْ جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَيَّ وَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ
وقَدْ تَعَاضَدَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذَلِكَ وَالْفُقَهَاءُ فِيهَا مُخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُهَا تَمْلِيكًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا كَالْعَارِيَةِ وَيَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ انْتَهَى
قُلْتُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَى إِذَا وَقَعَتْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْآخِذِ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ إِلَّا إِنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِلَى مَا يَتَوَجَّهُ التَّمْلِيكُ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ
حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُعَمَّرُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفَذَ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ
وقِيلَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ
وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَارِيَةِ أَوِ الْوَقْفِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وعَنِ الْحَنَفِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْعُمْرَى يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ وفِي الرُّقْبَى إِلَى الْمَنْفَعَةِ
وعَنْهُمْ إِنَّهَا بَاطِلَةٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الظَّاهِرُ
[1349] قَوْلُهُ (الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِأَهْلِ الْعُمْرَى وَهُوَ الْمُعَمَّرُ لَهُ (أَوْ مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
ورَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ
وحَدِيثُ سَمُرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ كَلَامٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ الْعُمْرَى سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْمِيرَاثِ (وَجَابِرٍ) أخرجه(4/483)
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِأَلْفَاظٍ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم بلفظ العمرى جائزة (وعائشة وبن الزبير ومعاوية) أما حديث بن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ
وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
ق [1350] وله (أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عُمْرَى) قَالَ القارىء هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأُعْمِرَ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (وَلِعَقِبِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَمَعَ كَسْرِهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْعَقِبُ هُمْ أَوْلَادُ الْإِنْسَانِ مَا تَنَاسَلُوا قَالَهُ النَّوَوِيُّ
(فَإِنَّهَا) أَيْ الْعُمْرَى (لِلَّذِي يُعْطَاهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لِأَنَّهُ أعْطَى) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ وَقِيلَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الدَّافِعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ (هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ) بِالنَّصْبِ أَيْ الدَّارُ لَكَ مُدَّةَ حَيَاتِكَ (وَلِعَقِبِكَ) وَلِأَوْلَادِكَ (فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْمِرَهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَا تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْمُعْمِرِ (إِذَا مَاتَ الْمُعْمِرُ) أَيْ الْمُعْمِرُ لَهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ
واحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ أَيُّمَا وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْمَرْ لَهُ كَذَلِكَ لَمْ يُورَثْ مِنْهُ الْعُمْرَى بَلْ يَرْجِعُ إِلَى الْمُعْطَى
وبِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا
قَالَ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إِذَا قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا
واعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي الْقَدِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ فَكَقَوْلِ الْجُمْهُورِ
(وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ وَلِعَقِبِهِ
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ(4/484)
رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجُمْهُورِ
واحْتَجُّوا بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَنَّ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا
وَبِمَا رَوَى هُوَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَمْسِكُوا أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ لَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ بِهِ إِعْلَامُهُمْ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِلْكًا تَامًّا لَا يَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ أَبَدًا
فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ فَمَنْ شَاءَ أَعْمَرَ وَدَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتَوَهَّمُونَ أَنَّهَا كَالْعَارِيَةِ وَيَرْجِعُ فِيهَا
وهَذَا دَلِيلِي لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتِ الْعُمْرَى الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ فَيَجْتَمِعُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلِعَقِبِهِ
ثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِذَا مُتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ
فَهَذِهِ عَارِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي أَعْطَى وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلُغِيَ ثَالِثُهَا أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ
فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ (يَعْنِي بِهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَعَلَ الْأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْعَقْدُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ
وعَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ
وقِيلَ الْقَدِيمُ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَالْجَدِيدِ
وقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ قَتَادَةَ حَكَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي صُورَةَ الْإِطْلَاقِ فَذَكَرَ لَهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا الْعُمْرَى أَيْ الْجَائِزَةُ إِذَا أُعْمِرَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ
فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ لِلَّذِي يَجْعَلُ شَرْطَهُ
قَالَ قَتَادَةُ وَاحْتَجَّ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَا يَقْضُونَ بِهَا
فَقَالَ عَطَاءٌ قَضَى بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ انْتَهَى(4/485)
16 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقْبَى)
عَلَى وَزْنِ حُبْلَى
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الرُّقْبَى هُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ مُتَّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مُتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الْمُرَاقَبَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ موت صاحبه انتهى
قال القارىء الرُّقْبَى لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ انْتَهَى
وقال الحافظ في الفتح العمرى والرقبى متحد الْمَعْنَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَ الرُّقْبَى مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الْجُمْهُورَ
وقَدْ روى النسائي بإسناد صحيح عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ انْتَهَى
[1351] قَوْلُهُ (الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِمَنْ أُعْمِرَ لَهُ (وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِمَنْ أُرْقِبَ لَهُ
وروى النسائي عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَلَمْ يُجِيزُوا الرُّقْبَى) وَحَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ
قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الرُّقْبَى مِثْلُ الْعُمْرَى إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ
وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ في الهبة(4/486)
17 - (باب ما ذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ)
بَيْنَ النَّاسِ [1352] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ مِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ
قَوْلُهُ (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) خَصَّهُمْ لَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِمْ بَلْ لِدُخُولِهِمْ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِمْ (إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا) كَمُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يبيت عند ضرتها
(أو أحل حراما) كالصلح عَلَى أَكْلِ مَالٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
(وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) أَيْ ثَابِتُونَ عَلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ عَنْهَا (إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا) فَهُوَ بَاطِلٌ كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَطَأَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ يَشْتَرِطَ نُصْرَةَ الظَّالِمِ أَوْ الْبَاغِي أَوْ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَانْتَهَتْ رِوَايَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ شُرُوطِهِمْ
وفِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ
وقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ
وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ
وتَرَكَهُ أَحْمَدُ وَقَدْ نُوقِشَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِهِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ أَمَّا التِّرْمِذِيِّ فَرَوَى مِنْ حَدِيثِهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَحَّحَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِهِ
وقَالَ بن كَثِيرٍ فِي إِرْشَادِهِ قَدْ نُوقِشَ أَبُو عِيسَى يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي تَصْحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا شَاكَلَهُ انْتَهَى
واعْتَذَرَ لَهُ الْحَافِظُ فَقَالَ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ كَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَكَرَ فِيهِ طُرُقَهُ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ وَالطُّرُقَ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ الَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حَسَنًا انْتَهَى(4/487)
18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبًا)
[1353] قَوْلُهُ (أَنْ يَغْرِزَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ يَضَعَ (خَشَبَةً) بِالْإِفْرَادِ الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وغيره خشبة بالجمع
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ اللَّفْظَانِ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْجِنْسُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى قَدْ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمْرَ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ أَخَفُّ فِي مُسَامَحَةِ الْجَارِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ انْتَهَى
(فَلَا يَمْنَعْهُ) بِالْجَزْمِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَلَهُ جَارٌ فَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ (فَلَمَّا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (طَأْطَأُوا) أَيْ نَكَّسُوا وفِي رواية بن عيينة عند أبي داود فنكسوا رؤوسهم (عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَوْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ (لَأَرْمِيَنَّ بِهَا) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَأُلْقِيَنَّهَا أَيْ لَأُشِيعَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِيكُمْ ولأقر عنكم بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِيَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَتَعْمَلُوا بِهِ رَاضِينَ لَأَجْعَلَنَّهَا أَيْ الْخَشَبَةَ عَلَى رِقَابِكُمْ كَارِهِينَ
قَالَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وقَالَ إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ كَانَ يَلِي إِمْرَةَ المدينة
وقد وقع عند بن عَبْدِ الْبَرِّ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَعْيُنِكُمْ وَإِنْ كَرِهْتُمْ
وهَذَا يُرَجِّحُ التَّأْوِيلَ الْمُتَقَدِّمَ
كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس) أخرجه بن ماجه (ومجمع بن جارية) أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وغيرهما من أهل الحديث وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ(4/488)
قَالَهُ الْحَافِظُ
وقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي الْقَدِيمِ قَالَ وَعَنْهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ
وهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ
وحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ
والنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِرِضَاهُ انْتَهَى
(مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالُوا إِلَخْ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْكُوفِيُّونَ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ
فَعُمُومَاتٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا عُمُومَاتٌ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا
وحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا تَقَدَّمَ اسْتِئْذَانُ الْجَارِ
كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ
وفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ فَإِذَا تَقَدَّمَ الِاسْتِئْذَانُ لَمْ يَكُنْ للجار المنع لا إذا لم يتقدم
9 - مَا جَاءَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ صَاحِبُهُ [1354] قَوْلُهُ (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) أَيْ فِي لَفْظِ قُتَيْبَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ اخْتِلَافٌ وَمَعْنَى حَدِيثِهِمَا وَاحِدٌ (الْيَمِينُ) أَيْ الْحَلِفُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (على ما يصدقك به صاحبك) قال القارىء أَيْ خَصْمُكَ وَمُدَّعِيكَ وَمُحَاوِرُكَ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّوْرِيَةُ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْمُسْتَحْلِفِ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِ الْحَالِفِ فَلَهُ التَّوْرِيَةُ
قَالَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ انتهى كلام القارىء
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِاسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ وَوَرَّى فَنَوَى غَيْرَ مَا نَوَى الْقَاضِي
انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ الْقَاضِي وَلَا يَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ
وهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِجْمَاعُ
فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ
ولَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ حَلَفَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي وَغَيْرُ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ غَيْرِ الْقَاضِي وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ
وهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ
وهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ(4/489)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الطَّرِيقِ إِذَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَمْ يُجْعَلُ)
[1355] قَوْلُهُ (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ وَبَشِيرٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (اجْعَلُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ) قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْمُعْتَدِلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْبُنْيَانِ الْمُتَعَارَفِ
قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ قَدْرَ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكَةِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرْضِ قَدْرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَضُرَّ غَيْرَهُ
والْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِتَسْلُكَهَا الْأَحْمَالُ وَالْأَثْقَالُ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَلِبَيْعِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ طَرْحِهِ عِنْدَ الْأَبْوَابِ وَالْتَحَقَ بِأَهْلِ البنيان من قعد للبيع في حالة الطَّرِيقِ
فَإِنْ كَانَتِ الطَّرِيقُ أَزْيَدَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْقُعُودِ فِي الزَّائِدِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مُنِعَ لِئَلَّا يُضَيِّقَ الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى
[1356] قَوْلُهُ (عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ مُصَغَّرًا مُخَضْرَمٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (إِذَا تَشَاجَرْتُمْ) مِنَ الْمُشَاجَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تَنَازَعْتُمْ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ قَوْلُهُ (فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا قَدْرُ الطَّرِيقِ فَإِنْ جَعَلَ الرَّجُلُ بَعْضَ أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ طَرِيقًا مُسْبَلَةً لِلْمَارِّينَ فَقَدْرُهَا إِلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا وَلَيْسَ هَذِهِ الصُّورَةَ مُرَادَةُ الْحَدِيثِ
وإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ أَرْضٍ لقوم وأرادوا إحيائها فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ
وإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ هَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ
أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ
لَكِنْ لَهُ عِمَارَةُ مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الْمَوَاتِ(4/490)
وَيَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارِّينَ انْتَهَى
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ فَاجْعَلُوهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ
وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ والطبراني
وعن أنس أخرجه بن عَدِيٍّ
وفِي كُلٍّ مِنَ الْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ مَقَالٌ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا النسائي
1 - مَا جَاءَ فِي تَخْيِيرِ الْغُلَامِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إِذَا افْتَرَقَا أَيْ بِالطَّلَاقِ
[1357] قَوْلُهُ (خَيَّرَ غُلَامًا) قال القارىء أَيْ وَلَدًا بَلَغَ سِنَّ الْبُلُوغِ وَتَسْمِيَتُهُ غُلَامًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَآتُوا الْيَتَامَى أموالهم) وَقِيلَ غُلَامًا مُمَيِّزًا انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْغُلَامُ الْمُمَيِّزُ (بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ) قَالَ القارىء وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وأَمَّا عِنْدَنَا فَالْوَلَدُ إِذَا صَارَ مُسْتَغْنِيًا بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ قِيلَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ
والْخَصَّافُ قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الفتوى
قال بن الْهُمَامِ إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ السِّنَّ الَّذِي يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ كَسَبْعٍ مِثْلًا أَخَذَهُ الْأَبُ
ولَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُلَامِ ذَلِكَ
وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ
وعِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يُخَيَّرُ فِي سَبْعٍ
لِهَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً
وإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (وَجَدِّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الطَّلَاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ(4/491)
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ
فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأب ها هنا والأم ها هنا ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي رَافِعِ بْنِ سِنَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ شَبَهُهُ
وقَالَ رَافِعٌ ابْنَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْعُدْ نَاحِيَةً وَقَالَ لَهَا اقْعُدِي نَاحِيَةً فَأُقْعِدَتِ الصَّبِيَّةُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ ادْعُوهَا فَمَالَتْ إِلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجة وصححه بن حبان وبن الْقَطَّانِ
قَوْلُهُ (وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو مَيْمُونَةَ الْفَارِسِيُّ الْمَدَنِيُّ الْأَبَّارُ
قِيلَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ أَوْ سُلَيْمَانُ أَوْ سُلْمَى
وقِيلَ أُسَامَةُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
ومِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَارِسِيِّ وَالْأَبَّارِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَدَنِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ إِنَّهُ وَالِدُ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ وَلَا يَصِحُّ
رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَغَيْرُهُ
وذَكَرَ الْحَافِظُ أَسْمَاءَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَارِسِيِّ وَالْأَبَّارِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أنه إذا تنازع الأب والأم في بن لَهُمَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ تَخْيِيرُهُ
فَمَنِ اخْتَارَهُ ذَهَبَ بِهِ
وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
وأَخْرَجَ أيضا عن علي أنه خير عمارة الجدامي بين أمه وعمته وكان بن سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ
وقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يُخَيَّرُ وَقِيلَ إِلَى خَمْسٍ
وذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ إِلَى دُونِ سَبْعِ سِنِينَ أُمُّهُ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَالذَّكَرُ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
والثَّانِيَةُ أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِهِ
والثَّالِثَةُ أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالذَّكَرِ وَالْأُمُّ بِالْأُنْثَى إِلَى تِسْعٍ ثُمَّ يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهَا
والظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ هُوَ هِلَالُ بْنُ(4/492)
عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَدَنِيٌّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَيُقَالُ هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَهِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ الْعَامِرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ وبعضهم نسبة إلى جده فقال بن أُسَامَةَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
2 - مَا جَاءَ أَنَّ الْوَالِدَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ [1358] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ التَّيْمِيُّ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَمَّتِهِ) لَا تعرف قال بن حِبَّانَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ) أَيْ أَحَلَّهُ وَأَهْنَأَهُ (مِنْ كَسْبِكُمْ) أَيْ مِمَّا كَسَبْتُمُوهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ لِقُرْبَهِ لِلتَّوَكُّلِ وَكَذَا بِوَاسِطَةِ أَوْلَادِكُمْ كَمَا بَيَّنَهُ بقَوْلِهِ (وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ) لِأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ بَعْضُهُ وَحُكْمُ بَعْضِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ وَسُمِّيَ الْوَلَدُ كَسْبًا مَجَازًا
قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ هَنِيئًا
وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنْتَ وَمَالُكَ لأبيك
قال بن رَسْلَانَ اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ عنه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأبيك
قال بن الْقَطَّانِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي
فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لوالدك
الحديث
وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن الْجَارُودِ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَيْضًا وَعَنِ بن مسعود عند الطبراني وعن بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى(4/493)
وقال الشوكاني أخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ أَحْمَدَ (يَعْنِي لَفْظَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ أبو حاتم وأبو زرعة وأعله بن الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عَمَّتِهِ وَتَارَةً عَنْ أُمِّهِ وَكِلْتَاهُمَا لَا يُعْرَفَانِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالُوا إِنَّ يَدَ الْوَالِدِ مَبْسُوطَةٌ فِي مَالِ وَلَدِهِ يَأْخُذُهُ مَا شَاءَ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ يُنْتَهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ
فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مُشَارِكٌ لِوَلَدِهِ فِي مَالِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ
وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّرَفِ وَالسَّفَهِ
وقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ مُؤْنَةُ الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) قَالَ بن الْهُمَامِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مِلْكًا نَاجِزًا فِي مَالِهِ
قُلْنَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ
وأَمْوَالَهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا
وَمِمَّا يَقَعُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَعْنِي أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ مَا أُوِّلَ أَنَّهُ تَعَالَى وَرَّثَ الْأَبَ مِنَ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مَعَ وُجُودِهِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا إِنَّهَا منكرة ونقل عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ حَمَّادٌ ووهم فيه انتهى
3 - مَا جَاءَ فِيمَنْ يُكْسَرُ لَهُ الشَّيْءُ مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الْكَاسِرِ [1359] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أبو داود الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَهْدَتْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ كَمَا رَوَاهُ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ(4/494)
أَنَسٍ وَوَقَعَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهَا وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَفْصَةُ وَبَعْضُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ وَبَعْضُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَفِيَّةُ
قَالَ الْحَافِظُ وَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ هِيَ زَيْنَبُ لِمَجِيءِ الْحَدِيثِ مِنْ مَخْرَجِهِ وَهُوَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقِصَصٌ أُخْرَى لَا يَلِيقُ بِمَنْ تَحَقَّقَ أَنْ يَقُولَ فِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ الْمُرْسِلَةُ فُلَانَةُ وَقِيلَ فُلَانَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيرٍ انْتَهَى
(بِقَصْعَةٍ) بِوَزْنِ صَحْفَةٍ وَبِمَعْنَاهُ (طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٍ بِإِنَاءٍ) فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْقِيَمِيَّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَلَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ
ويُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ وَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ لِلرَّسُولِ
وبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْقِيَمِيَّ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مُطْلَقًا
وفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أُخْرَى مَا صَنَعَهُ الْآدَمِيُّ فَالْمِثْلُ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْقِيمَةُ
وعَنْهُ أَيْضًا مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْقِيمَةُ وَإِلَّا فَالْمِثْلُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ
وأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّ الْقَصْعَتَيْنِ كَانَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتَيْ زَوْجَتَيْهِ فَعَاقَبَ الْكَاسِرَةَ بِجَعْلِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ الصَّحِيحَةَ فِي بَيْتِ صَاحِبَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَضْمِينٌ
وتُعُقِّبَ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ مَنْ كَسَرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ
وبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ
[1360] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ قَاضِي بَعْلَبَكَ أَصْلُهُ وَاسِطِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (اسْتَعَارَ قَصْعَةً) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الصَّادِ قَالَ فِي الْقَصْعَةِ الصَّحْفَةُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ كاسه بزرك (وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وإنما أراد عندي سويد) هو بن عَبْدِ الْعَزِيزِ (الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ) يَعْنِي أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ وَهِمَ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فَرَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ قَصْعَةً إِلَخْ فَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ
والْمَحْفُوظُ هُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَهْدَتْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخ(4/495)
24 - (باب ما جاء في حد بلوغ الرجل وَالْمَرْأَةِ)
[1361] قَوْلُهُ (عُرِضْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ للذَّهَابِ إِلَى الْغَزْوِ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَابِ عَرْضِ الْعَسْكَرِ عَلَى الْأَمِيرِ (فِي جَيْشٍ) أَيْ فِي وَاقِعَةِ أُحُدٍ وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (وَأَنَا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَلَمْ يَقْبَلْنِي) وفِي رواية للشيخين فلم يجزني
وزاد البيهقي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ (فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ فِي جَيْشٍ) يَعْنِي غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ (فَقَبِلَنِي) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَأَجَازَنِي أَيْ فِي الْمُقَاتَلَةِ أَوِ الْمُبَايَعَةِ وَقِيلَ كَتَبَ الْجَائِزَةَ لي وهي رزق
وزاد البيهقي وبن حِبَّانَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْتُ
وقَدْ صحح هذه الزيادة أيضا بن خُزَيْمَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ) بِكَسْرِ التَّاءِ يُرِيدُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً دَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْمُقَاتِلِينَ وَأُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ اسْمُهُ وإذا لم يبلغها عدمن الذُّرِّيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سنة أجربت عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَيُكَلَّفُ بِالْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَيَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَيُفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِنْ أُونِسَ رُشْدَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ
وقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَقَرَّهُ عليه راويه نافع
وأجاب الطحاوي وبن الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ الْمَذْكُورَةَ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْقِتَالِ
وذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ
وأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ أَنَّهُ كَانَ(4/496)
عِنْدَ تِلْكَ السِّنِّ قَدِ احْتَلَمَ فَلِذَلِكَ أَجَازَهُ
وتَجَاسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِضَعْفِهِ لَا لِسِنِّهِ
وإِنَّمَا أَجَازَهُ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ
ويَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج ورواه أبو عوانة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ
وهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ لِجَلَالَةِ بن جُرَيْجٍ وَتَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ
وقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ فَانْتَفَى مَا يُخْشَى من تدليسه
وقد نص فيها لفظ بن عمر لقوله ولم يرني بلغت وبن عُمَرَ أَعْلَمُ بِمَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي قِصَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالُوا إِذَا اسْتَكْمَلَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا
وبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا
وإِذَا احْتَلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ
وكَذَلِكَ إِذَا حَاضَتِ الْجَارِيَةُ بَعْدَ تِسْعٍ وَلَا حَيْضَ وَلَا احْتِلَامَ قَبْلَ بُلُوغِ التِّسْعِ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْهِدَايَةِ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ والإحبال والإنزال إذا وطىء
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً
وهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
وقالا إِذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَدْ بَلَغَا
وهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْغُلَامَ أَوْ الْجَارِيَةَ إِذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (فَالْإِنْبَاتُ يَعْنِي الْعَانَةَ) يُرِيدُ إِنْبَاتَ شَعْرِ الْعَانَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد بلفظ فكان يكشف عن مونزر الْمُرَاهِقِينَ فَمَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ جُعِلَ فِي الذَّرَارِيِّ وفِي الْإِنْبَاتِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ
وقَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَتْلَ مَنْ أَنْبَتَ لَيْسَ لِأَجْلِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلضَّرَرِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا
ورُدَّ هَذَا التَّعَقُّبُ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْكُفْرِ لَا(4/497)
لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَطَلَبُ الْإِيمَانِ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ فَرْعُ التَّكْلِيفِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يغزوا إلى البلاد البعيدة كتبوك وبأمر بِغَزْوِ أَهْلِ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ مَعَ كَوْنِ الضَّرَرِ مِمَّنْ كَانَ كَذَلِكَ مَأْمُونًا وَكَوْنُ قِتَالِ الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْقَوْلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ مَنْشَأُ ذَلِكَ التعقب
ومن القائلين بهذا شيخ الاسلام بن تَيْمِيَةَ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي مُصَنِّفَ الْمُنْتَقَى
ولَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
5 - (بَاب فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ)
[1362] قَوْلُهُ (مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ خَفِيفَةٌ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ (وَمَعَهُ لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلَمٌ قَالَ الْمُظْهِرُ وَكَانَ ذَلِكَ اللِّوَاءُ عَلَامَةَ كَوْنِهِ مَبْعُوثًا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ (بَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (أَنْ آتِيَهِ) أَيْ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِرَأْسِهِ) أَيْ بِرَأْسِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وفِي رِوَايَةٍ لأبي داود وللنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ
والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا مِنْ قطعيان الشَّرِيعَةِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَفَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ قُرَّةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلِلْحَدِيثِ أَسَانِيدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَذَكَرَهُ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى النَّيْلِ(4/498)
26 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ)
فِي الْمَاءِ الْمُرَادُ بِالْأَسْفَلِ الْأَبْعَدُ أَيْ يَكُونُ أَرْضُ أَحَدِهِمَا قَرِيبَةً مِنَ الْمَاءِ وَأَرْضُ الْآخَرِ بَعِيدَةً مِنْهَا
[1363] قَوْلُهُ (أَنَّ رجلا من الأنصار) زاد البخاري رِوَايَتَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا
قَالَ الدَّاوُدِيُّ بَعْدَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَقِيلَ كَانَ بَدْرِيًّا فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ شُهُودِهَا لِانْتِفَاءِ النِّفَاقِ مِمَّنْ شهدها
وقال بن التِّينِ إِنْ كَانَ بَدْرِيًّا فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يَسْتَكْمِلُونَ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ اجْتَرَأَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِنِسْبَةِ الرَّجُلِ تَارَةً إِلَى النِّفَاقِ وَأُخْرَى إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ زَائِغٌ عَنِ الْحَقِّ إِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا وَلَمْ يَكُنْ الْأَنْصَارُ مِنْ جُمْلَةِ اليهود
ولو كان مغموضا عليه في دينه لم يصفوا بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِنَّهُ وَصْفُ مَدْحٍ
والْأَنْصَارُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ يُرْمَى بِالنِّفَاقِ فَإِنَّ الْقَرْنَ الْأَوَّلَ وَالسَّلَفَ بَعْدَهُمْ تَحَرَّجُوا وَاحْتَرَزُوا أَنْ يُطْلِقُوا عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِالنِّفَاقِ وَاشْتَهَرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ
والْأَوْلَى بِالشَّحِيحِ بِدَيْنِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ أَذَلَّهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِتَمَكُّنِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَغَيْرُ مُسْتَبْدَعٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الِابْتِلَاءُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (خَاصَمَ الزُّبَيْرَ) أَيْ بن العوام بن صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ حَاكَمَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ شَرْجٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ
والْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَسِيلُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْحَرَّةِ لِكَوْنِهَا فِيهَا وَالْحَرَّةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَادِيَانِ يَسِيلَانِ بِمَاءِ الْمَطَرِ فَيَتَنَافَسُ النَّاسُ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ) يَعْنِي لِلزُّبَيْرِ (سَرِّحْ الْمَاءَ) أَمْرٌ مِنَ التَّسْرِيحِ أَيْ أَطْلِقْهُ وَأَرْسِلْهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَمُرُّ بِأَرْضِ الزُّبَيْرِ قَبْلَ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ فَيَحْبِسُهُ لِإِكْمَالِ سَقْيِ أَرْضِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيُّ تَعْجِيلَ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ
اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ شَرِّجْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَلَطٌ (فَأَبَى) أَيْ الزُّبَيْرُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ (اسْقِ يَا زُبَيْرُ(4/499)
بهمزة وصل من الثلاثي
وحكى بن التِّينِ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الرُّبَاعِيِّ قَالَهُ الْحَافِظُ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) فَإِنَّ أَرْضَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ (أن كان بن عَمَّتِكَ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ أَيْ حَكَمْتَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أنْ كَانَ أَوْ بِسَبَبِ أنْ كَانَ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِأَنْ أَوْ لِأَنْ
وحرف الجر يحذف معها لِلتَّخْفِيفِ كَثِيرًا فَإِنَّ فِيهَا مَعَ صِلَتِهَا طُولًا
أي وهذا التقديم والترجيح لأنه بن عَمَّتِكَ أَوْ بِسَبَبِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنْ كان ذا مال وبنين أي لا تطعه مع هذا الْمِثَالِبِ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ (فَتَلَوَّنَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ) أَيْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَالْجَدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْمُسَنَّاةُ وَهُوَ مَا وُضِعَ بَيْنَ شَرَبَاتِ النَّخْلِ كَالْجِدَارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْحَوَاجِزُ الَّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ وَيُرْوَى الْجُدُرَ بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ جَمْعُ جِدَارٍ وَالْمُرَادُ جُدْرَانُ الشَّرَبَاتِ الَّتِي فِي أُصُولِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ حَتَّى تَصِيرَ شَبَهَ الْجِدَارِ وَالشَّرَبَاتُ بِمُعْجَمَةٍ وَفَتَحَاتٌ هِيَ الْحُفَرُ الَّتِي تُحْفَرُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ (فَلَا وَرَبِّكَ) لَا زَائِدَةٌ (لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر) أَيْ اخْتَلَطَ (بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أنفسهم حرجا) ضيقا أو شكا (مما قضيت ويسلموا) يَنْقَادُوا لِحُكْمِكَ (تَسْلِيمًا) مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْآيَةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ صَحِيحِهِ (نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّذِي أَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ(4/500)
27 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُعْتِقُ مَمَالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ)
وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ [1364] قَوْلُهُ (أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ) جَمْعُ عَبْدٍ أَيْ سِتَّةَ مَمَالِيكَ (فَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا) كَرَاهَةً لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِعِتْقِ الْعَبِيدِ كُلِّهِمْ وَعَدَمِ رِعَايَةِ جَانِبِ الْوَرَثَةِ (ثُمَّ دَعَاهُمْ) أَيْ طَلَبَهُمْ (فَجَزَّأَهُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ أَيْ فَقَسَّمَهُمْ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجَزَّأَهُمْ (ثَلَاثًا وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً) أَيْ أَبْقَى حُكْمَ الرِّقِّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ
ودَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَنْفُذُ عَنِ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَكَذَا التَّبَرُّعُ كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي المنتقى
قوله (وهي قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقُرْعَةَ فِي هَذَا وفِي غَيْرِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَذَكَرَ فِيهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وجْهُ إِدْخَالِهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْحُقُوقُ فَكَمَا تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ وَالنِّزَاعُ بِالْبَيِّنَةِ كَذَلِكَ تُقْطَعُ بِالْقُرْعَةِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وأنكرها بعض الحنفية
وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِهَا وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَابِطَهَا الْأَمْرُ الْمُشْكِلُ
وفَسَّرَهَا غَيْرُهُ بِمَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَتَقَعُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ فَيُقْرَعُ لِفَصْلِ النِّزَاعِ
وقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي لَيْسَ فِي الْقُرْعَةِ إِبْطَالُ الشَّيْءِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بَلِ اذَا وَجَبَتِ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْدِلُوا ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعُوا(4/501)
فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ لَهُ بِالْقُرْعَةِ مُجْتَمِعًا مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْمِلْكِ مَشَاعًا فَيُضَمُّ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ الَّذِي صَارَ لِشَرِيكِهِ
لِأَنَّ مَقَادِيرَ ذَلِكَ قَدْ عُدِلَتْ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا أَفَادَتِ الْقُرْعَةُ أَنْ لَا يَخْتَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَيَخْتَارُهُ الْآخَرُ فَيَقْطَعُ التَّنَازُعَ
وهِيَ إِمَّا فِي الْحُقُوقِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَإِمَّا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ
فَمِنَ الْأَوَّلِ عَقْدُ الْخِلَافَةِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي صِفَةِ الْإِمَامَةِ
وكَذَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْأَقَارِبِ فِي تَغْسِيلِ الْمَوْتَى وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالْحَائِضَاتِ إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَالْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِبَاقِ إِلَى الصف الأول
وفي إحياء الموات
وفِي نَقْلِ الْمَعْدِنِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ
والتَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالتَّزَاحُمِ عَلَى أَخْذِ اللَّقِيطِ وَالنُّزُولِ فِي الْخَانِ الْمُسْبَلِ وَنَحْوِهِ وفِي السَّفَرِ بِبَعْضِ الزوجات وفي ابتداء القسم والدخول ابتداء النِّكَاحِ وفِي الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ إِذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَلَمْ يَسَعْهُمُ الثَّالِثُ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ مِنْ صُوَرِ الْقَسْمِ الثَّانِي أَيْضًا وَهُوَ تَعْيِينُ الْمِلْكِ وَمِنْ صُوَرِ تَعْيِينِ الْمِلْكِ الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
(وَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَرَوُا الْقُرْعَةَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ
(وَقَالُوا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ) أَيْ مِنَ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ (الثُّلُثُ) أَيْ ثُلُثُهُ (يُسْتَسْعَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُلُّ عَبْدٍ (فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) فَإِنَّ ثُلُثَهُ قَدْ صَارَ حُرًّا قَوْلُهُ (وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ)
[1365] قَوْلُهُ (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَأَصْلُهُ مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ لِلْقَرَابَةِ فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ (مَحْرَمٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُقَالُ مُحْرَمٌ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّحْرِيمِ
والْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ مِنَ(4/502)
الْأَقَارِبِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَهُوَ بِالْجَرِّ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَا رَحِمٍ لَا نَعْتُ رَحِمٍ ولعله من باب جر الجواد كَقَوْلِهِ بَيْتُ ضَبٍّ خَرِبٍ وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٍ
(فَهُوَ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (حُرٌّ) أَيْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ الرَّفْعَ مِنَ الثِّقَةِ زِيَادَةٌ لَوْلَا مَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُقَالٌ انْتَهَى
والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ سَمُرَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَقَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّ مَوْلِدَهُ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (الْعَمِّيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صدوق يخطى مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العلم) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى
وذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْلَادُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ
وذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عليه الولد(4/503)
وَالْوَالِدَانُ وَالْإِخْوَةُ وَلَا يَعْتِقُ غَيْرُهُمْ انْتَهَى
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَنِي الْأَعْمَامِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِحَقِّ الْمِلْكِ
واسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّ غَيْرَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رَدُّ الشَّهَادَةِ وَلَا يَجِبُ بِهَا النفقة مع اختلاف الدين فأشبه قرابة بن الْعَمِّ وَبِأَنَّهُ لَا يَعْصِبُهُ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ كَابْنِ الْعَمِّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ نَصْبَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ فِي مُقَابَلَةِ حديث سمرة وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مُنْصِفٌ
والِاعْتِذَارُ عَنْهُمَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَقَالِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاضَدَانِ فَيَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قَوْلُهُ (وَلَا يُتَابَعُ ضَمْرَةُ بْنُ ربيعة على هذا الحديث) قال الحافظ بْنُ رَبِيعَةَ الْفِلَسْطِينِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنَ التَّاسِعَةِ انْتَهَى
وفِي الخلاصة وثقه أحمد وبن معين والنسائي وبن سَعْدٍ (وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِمَ فِيهِ ضَمْرَةُ
والْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
ورَدَّ الْحَاكِمُ هَذَا بِأَنْ رَوَى مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْإِسْنَادِ الواحد
وصححه بن حزم
وعبد الحق وبن القطان كذا في التلخيص
وحديث بن عمر هذا أخرجه بن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ الَّتِي ذكرها الترمذي
9 - (باب فِيمَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ)
[1366] قَوْلُهُ (فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ) يَعْنِي مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ إِلَّا بَذْرُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ كذا نقله القارىء عن بعض العلماء الحنفية
ونقل عن بن الْمَلَكِ أَنَّهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهَا إِلَى يَوْمِ تَفْرِيغِهَا انْتَهَى
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَلَهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ مَا أَنْفَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى الزَّرْعِ مِنَ الْمُؤْنَةِ فِي الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ وَقِيمَةِ الْبَذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وقِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ قِيمَةُ الزَّرْعِ فَتُقَدَّرُ قِيمَتُهُ وَيُسَلَّمُهَا الْمَالِكُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَضَعَّفَهُ الْخَطَّابِيُّ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ تَضْعِيفُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نقله(4/504)
التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِنْ تَحْسِينِهِ
وضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَافِعٍ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَسْمَعْ عَطَاءٌ مِنْ رَافِعٍ وَكَانَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ شَرِيكٍ
ولَا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ سَيِّءُ الْحِفْظِ
كَذَا فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قال بن رَسْلَانَ قَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ
أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ بَذْرًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَاسْتَرْجَعَهَا صَاحِبُهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا مَالِكُهَا وَيَأْخُذَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ أَوْ يَسْتَرْجِعُهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ أَخَذَهَا مُسْتَحِقُّهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ فَإِنَّ الزرع لغاصب الأرض لانعلم فِيهَا خِلَافًا
وذَلِكَ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ وَضَمَانُ نَقْصِ الْأَرْضِ وَتَسْوِيَةِ حُفَرِهَا
وإِنْ أَخَذَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا مِنَ الْغَاصِبِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِيهَا لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ وَخُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَيَكُونَ الزَّرْعُ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ
وبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ
ويَكُونُ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ عِنْدَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ
ومِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ مَا أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى زَرْعًا فِي أَرْضِ ظَهِيرٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ زَرْعِ ظَهِيرٍ فَقَالُوا إِنَّهُ لَيْسَ لِظَهِيرٍ وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ
قَالَ فَخُذُوا زَرْعَكُمْ وَرُدُّوا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ تَابِعُ الْأَرْضِ
ولَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ مُطْلَقًا
فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْبَذْرِ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الزَّرْعَ لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه الزرع فِيهَا
وأَمَّا إِذَا اسْتَرْجَعَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَيْضًا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَكِنَّهُ إِذَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ كَانَ مُخَصِّصَا لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ وفِي الْبَحْرِ أَنَّ مَالِكًا وَالْقَاسِمَ يَقُولَانِ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَاحْتَجَّ لِمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّرْعُ لِلزَّرَّاعِ وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا
ولَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيُنْظَرْ فِيهِ
وَقَالَ بن رَسْلَانَ إِنَّ حَدِيثَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ
ورَدَ فِي الْغَرْسِ الَّذِي لَهُ عِرْقٌ مُسْتَطِيلٌ فِي الْأَرْضِ
وحَدِيثُ رَافِعٍ وَرَدَ فِي الزَّرْعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ
ولَكِنْ مَا(4/505)
ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ أَرْجَحُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (حَدَّثَنَا مَعْقِلُ بْنُ مَالِكٍ الْبَصْرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَزَعَمَ الْأَزْدِيُّ أَنَّهُ مَتْرُوكٌ فَأَخْطَأَ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ الْأَصَمِّ) هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمُّ الرِّفَاعِيُّ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ وَرُبَّمَا دَلَّسَ وَوَهِمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصَمِّ وَالرِّفَاعِيِّ كَابْنِ حِبَّانَ (عَنْ عَطَاءٍ) هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النُّحْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَلَدِ)
[1367] قَوْلُهُ (أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَ) أَيْ أَعْطَى وَوَهَبَ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّحْلُ الْعَطِيَّةُ وَالْهِبَةُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ (ابْنًا لَهُ) هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ نَفْسُهُ
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا
(غُلَامًا) أَيْ عَبْدًا (يُشْهِدُهُ) أَيْ يَجْعَلُهُ شَاهِدًا (فَارْدُدْهُ) أَيْ ارْدُدِ الْغُلَامَ إِلَيْكَ
وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وُلْدِكَ مِثْلَ هَذَا
قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ
قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ
وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ
وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً
قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا إِذًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْوَلَدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَ الْوَلَدِ حَتَّى فِي الْقُبْلَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضًا صَحَّ وَكُرِهَ وَاسْتُحِبَّتِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّسْوِيَةِ أَوْ الرُّجُوعُ فَحَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ
قَالَ(4/506)
وَتَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَنْ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ
وبِهِ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ
وهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
وقَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ
وعَنْ أَحْمَدَ تَصِحُّ
ويَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ
وعَنْهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ كَأَنْ يَحْتَاجَ الْوَلَدَ لِأَمَانَتِهِ وَدِينِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ الْبَاقِينَ
وقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ إِنْ قُصِدَ بِالتَّفْضِيلِ الْإِصْرَارُ
قَالَ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ أَوْجَبَهُ أَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقَ مُحَرَّمَانِ
فَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا يَكُونُ مُحَرَّمًا
وَالتَّفْضِيلُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَ وَلَدِهِ فِي النَّحْلِ وَالْعَطِيَّةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ
وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّسْوِيَةِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الْعَدْلُ أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَرَ حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ حَظُّهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ لَوْ أَبْقَاهُ الْوَاهِبُ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ
وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَا فَرَّقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى
وَظَاهِرُ الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ
فلوا كُنْتُ مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ
أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ)
بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَغَلِطَ مَنْ حَرَّكَهَا وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ لُغَةً مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَقِيلَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَقِيلَ مِنَ الْإِعَانَةِ وفِي الشَّرْعِ انْتِقَالُ حِصَّةِ شَرِيكٍ إِلَى شَرِيكٍ كَانَتِ انْتَقَلَتْ إِلَى أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الْعَرَضِ الْمُسَمَّى
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
[1368] قَوْلُهُ (جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ
وأَجَابَ عَنْهُ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ هُوَ الشَّرِيكُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الشَّرِيدِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بن سويد(4/507)
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا قَسْمٌ إِلَّا الْجِوَارُ
فَقَالَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ
رَوَاهُ أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ
ولِابْنِ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا الشَّرِيكُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْجَارُ بِسَقَبِهِ
وأَخْرَجَهُ أيضا أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
(وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَرَوَى) أَيْ عِيسَى بْنُ يُونُسَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا (وَلَا نَعْرِفُ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ وَهِمَ فِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وغيره وهو الصواب انتهى
قال بن الْقَطَّانِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِقَةٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَعْنِي عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ سَمُرَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ حديث حسن) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ
وقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ
وفِيهِ قِصَّةُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ أَبِي رَافِعٍ انْتَهَى(4/508)
32 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْغَائِبِ)
[1369] قَوْلُهُ (الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ) أَيْ بِشُفْعَةِ جَارِهِ كَمَا في رواية أبي داود (ينتظر) بصيغة المجهول (به) أي بالجار قال بن رَسْلَانَ يُحْتَمَلُ انْتِظَارُ الصَّبِيِّ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَبْلُغَ
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا الصَّبِيُّ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ
وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُزَيْغٍ وَكَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُزَيْغٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيِّنٌ لَيْسَ بِمَتْرُوكٍ
وقَالَ بن عَدِيٍّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ قَاضِي تُسْتَرَ وَعَامَّةُ أَحَادِيثِهِ لَيْسَتْ بِمَتْرُوكَةٍ انْتَهَى
(وَإِنْ كَانَ غَائِبًا) بِالْوَاوُ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَبِإِسْقَاطِهَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (إِذَا كَانَ طريقهما) أي طريق الجارين أو والدارين قَوْلُهُ
(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمَشْهُورِينَ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ لِتَفَرُّدِهِ عَنْ عَطَاءٍ بِخَبَرِ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ
قَالَ وَكِيعٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لَوْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ حَدِيثًا آخَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الشُّفْعَةِ لَطَرَحْتُ حَدِيثَهُ
وقَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى الْقَطَّانَ يَقُولُ لَوْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ حَدِيثًا آخَرَ كَحَدِيثِ الشُّفْعَةِ لَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى ثِقَةٌ
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ فِي الشُّفْعَةِ مُنْكَرٌ وَهُوَ ثِقَةٌ انْتَهَى
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ
وكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ
وسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وقَالَ يَحْيَى لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ
وقَدْ أنكره(4/509)
النَّاسُ عَلَيْهِ
وقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرَ عَبْدِ الْمَلَكِ تَفَرَّدَ بِهِ
ويُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ هَذَا
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يُخْرِجَا لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ
ويُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَاهُ لِتَفَرُّدِهِ بِهِ وَإِنْكَارِ الْأئمَةِ عَلَيْهِ
وجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ رَأْيًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَدْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قَوْلُهُ (فَإِذَا قَدِمَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ) وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّيْرُ مَتَى بَلَغَهُ لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَعْثِ بِرَسُولٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ غَيْبَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامَ فَمَا دُونَهَا وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ فَوْقَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ
3 - (بَاب مَا جاء حُدَّتْ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ السِّهَامُ فَلَا شُفْعَةَ)
[1370] قَوْلُهُ (إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) أَيْ إِذَا قُسِمَ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَى وَوَقَعَتِ الْحُدُودُ أَيْ الْحَوَاجِزُ وَالنِّهَايَاتُ
قَالَ بن الْمَلِكِ أَيْ عُيِّنَتْ وَظَهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْقِسْمَةِ وَالْإِفْرَازِ (وَصُرِّفَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بُيِّنَتْ (الطُّرُقُ) بِأَنْ تَعَدَّدَتْ وَحَصَلَ لِكُلِّ نَصِيبٍ طَرِيقٌ مَخْصُوصٌ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ صُرِّفَتِ الطُّرُقُ أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا كَأَنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ أَوْ التصريف انتهى
وقال بن مَالِكٍ مَعْنَاهُ خَلَصَتْ وَبَانَتْ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّرْفِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا شُفْعَةَ) اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِالْخُلْطَةِ لَا بِالْجِوَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ إِلَّا للخليط(4/510)
ولَا يَرَوْنَ لِلْجَارِ شُفْعَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى مَعْدُومٍ فِي الْجَارِ
وهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فَتَأَذَّى بِهِ فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى مُقَاسَمَتِهِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِنَقْصِ قِيمَةِ مِلْكِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ (وَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهُمْ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ (وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ (وَقَالَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَهُوَ الْقُرْبُ وَالْمُلَاصَقَةُ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ
قَالَ وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بن مخرمة فوضع يده على إحدى مَنْكِبَيْ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ
فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتاعَنَّهُمَا
فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ
قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهِمَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَإِنَّمَا أُعْطَى بِهِمَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إياه
قال الحافظ في الفتح قال بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ
وأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرِيكُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ شَرِيكَ سَعْدٍ فِي الْبَيْتَيْنِ وَلِذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ
قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الشَّرِيكِ جَارًا فَمَرْدُودٌ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَارَبَ شَيْئًا قِيلَ لَهُ جَارٌ وَقَدْ قَالُوا لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ جَارَةٌ
لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُخَالَطَةِ انتهى
وتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ يَمْلِكُ بَيْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ سَعْدٍ لَا شِقْصًا شَائِعًا مِنْ مَنْزِلِ سَعْدٍ وَذَكَرَ عمر بن شبة أَنَّ سَعْدًا كَانَ اتَّخَذَ دَارَيْنِ بِالْبَلَاطِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَكَانَتِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْجِدِ مِنْهُمَا لِأَبِي رَافِعٍ فَاشْتَرَاهَا سَعْدٌ مِنْهُ
ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ فَاقْتَضَى(4/511)
كَلَامُهُ أَنَّ سَعْدًا كَانَ جَارًا لِأَبِي رَافِعٍ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارَهُ لَا شَرِيكًا
وقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يَقُولُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ لِأَنَّ الْجَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوِرِ مَجَازٌ فِي الشَّرِيكِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ التجرد وقد قامت القرينة منا عَلَى الْمَجَازِ فَاعْتُبِرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ
فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَصْرُوفُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَارُ أَحَقَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مِنَ الشَّرِيكِ
والَّذِينَ قَالُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ قَدَّمُوا الشَّرِيكَ مُطْلَقًا ثُمَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ الْجَارَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاوِرٍ فَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ أَحَقُّ بِالحَمْلِ عَلَى الْفَضْلِ أَوْ التَّعَهُّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ
4 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الشَّرِيكَ شَفِيعٌ)
[1371] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَلَاوَةِ كَلَامِهِ انْتَهَى
قَالَ فِي الْقَامُوسِ السُّكَّرُ بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُعَرَّبُ شكر
وقَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُصَغَّرًا عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَكَانَ قاضيا على عهد بن الزُّبَيْرِ
قَوْلُهُ (وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يُمْكِنُ نَقْلُهُ أَوْ لَا لَكِنِ الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِالْإِرْسَالِ
قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ) أَيْ كَوْنُهُ مُرْسَلًا أَصَحُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ روى(4/512)
البيهقي من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ
وأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِرُوَاتِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَلَمْ يَرَوُا الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبَعَةٌ أَوْ حَائِطٌ
الحديث رواه مسلم
قال القارىء فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْأَرَاضِيِ وَالدُّورِ وَالْبَسَاتِينِ دُونَ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ
وهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى
واحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وعَنْ أَحْمَدَ تَثْبُتُ فِي الْحَيَوَانَاتِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَنْقُولَاتِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ معلول بالإرسال
(اللُّقَطَةُ الشَّيْءُ يُلْتَقَطُ وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ)
وقَالَ عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ
وقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْعَامَّةُ تُسَكِّنُهَا كَذَا قَالَ وَقَدْ جَزَمَ الْخَلِيلُ بِأَنَّهَا بِالسُّكُونِ
قَالَ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ اللَّاقِطُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنِ الَّذِي سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ والحديث الفتح
كَذَا فِي الْفَتْحِ والضَّالُّ فِي الْحَيَوَانِ كَاللُّقَطَةِ في غيره
[1374] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ غَفْلَةَ) بِفَتْحِ المعجمة والفاء(4/513)
أَبُو أُمَيَّةَ الْجُعْفِيُّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي زَمَنِهِ رَجُلًا وَأَعْطَى الصَّدَقَةَ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ نَفَضُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَهِدَ الْفُتُوحَ وَنَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانِينَ أَوْ بَعْدَهَا (قَالَ خَرَجْتُ) أَيْ فِي غَزَاةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (مَعَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ أَيْضًا (وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ) هُوَ الْبَاهِلِيُّ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْلِ لِخِبْرَتِهِ بِهَا وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى بَعْضِ الْمَغَازِي فِي فُتُوحِ الْعِرَاقِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ (قَالَا) أَيْ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ (دَعْهُ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَلْقِهِ (تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ) كَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْجِلْدِ أَوْ مِثْلِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ السباع (لأخذته ولأستمتعن بِهِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ (فَقَدِمْتُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ (فَقَالَ أَحْسَنْتَ) أَيْ فِيمَا فَعَلْتَ (وَقَالَ أَحْصِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِحْصَاءِ (عِدَّتَهَا) أَيْ عَدَدَهَا (وَوِعَاءَهَا) الْوِعَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَوِكَاءَهَا) الْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الصرة وغيرهما
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم
[1372] قَوْلُهُ (ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا) فِي النِّهَايَةِ الْوِكَاءُ هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَالْكِيسُ وَنَحْوُهُمَا
(وَوِعَاءَهَا) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (وَعِفَاصَهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وِعَاءَهَا
فِي الْفَائِقِ الْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أو غير ذلك
قال بن(4/514)
عَبْدِ الْمَلَكِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا لِيُعْلَمَ صِدْقَ وَكَذِبَ مَنْ يَدَّعِيهَا
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا فِي أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى اللُّقْطَةَ وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا هَلْ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وأحمد إلا أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَإِلَّا فَبِبَيِّنَةٌ
لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِي الصفة بأن يسمع الملتقط بصفها فَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ اخْتِلَاطًا لَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ إِذَا جَاءَ مَالِكُهَا
انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ إن صحت هذه اللقطة لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا وَهِيَ فَائِدَةُ
قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا إِلَخْ
وإِلَّا فَالِاحْتِيَاطُ مَعَ مَنْ لَمْ يَرَ الرَّدَّ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ اعْرِفْ عِفَاصَهَا
عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ أَوْ لِتَكُونَ الدَّعْوَى فِيهَا مَعْلُومَةً
قَالَ الْحَافِظُ قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْفَتْحِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
(فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا) أَيْ مَالِكُ اللُّقَطَةِ (فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِ مَالِكِ اللُّقْطَةِ خِلَافًا لِمَنْ أَبَاحَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا ضَمَانٍ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ غَاوِيَتُهَا أَوْ مَتْرُوكَتُهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا حُكْمُهَا (هِيَ لَكَ) أَيْ إِنْ أَخَذْتَهَا وَعَرَّفْتَهَا وَلَمْ تَجِدْ صَاحِبَهَا فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَمْلِكَهَا (أَوْ لِأَخِيكَ) يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَهَا
والْمَعْنَى إِنْ أَخَذْتَهَا فَظَهَرَ مَالِكُهَا فَهُوَ لَهُ أَوْ تَرَكْتَهَا فَاتَّفَقَ أَنْ صادفهافهو أَيْضًا لَهُ
وقِيلَ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَلْتَقِطْهَا يَلْتَقِطْهَا غَيْرُكَ (أَوْ لِلذِّئْبِ) بِالْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهِ
أَيْ إِنْ تَرَكْتَ أَخَذَهَا الذِّئْبُ وفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْتِقَاطِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ تَرَكْتَهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالبا
بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْتِقَاطِهَا وَتَمَلُّكِهَا وَعَلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ لَهَا وَهِيَ كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ لِيَدُلَّ عَلَى اطِّرَادِ هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَعْجِزُ عَنِ الرَّعْيِ بِغَيْرِ رَاعٍ (احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ) أَيْ خَدَّاهُ (أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مَالَكَ وَلَهَا) أَيْ شَيْءٌ لَكَ وَلَهَا
قِيلَ مَا شَأْنُكَ مَعَهَا أَيْ اتْرُكْهَا وَلَا تَأْخُذْهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا الْحِذَاءُ بِالْمَدِّ النَّعْلُ وَالسِّقَاءُ بِالْكَسْرِ الْقِرْبَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا بَطْنُهَا وَكُرُوشُهَا فَإِنَّ فِيهِ رُطُوبَةً يَكْفِي أَيَّامًا كَثِيرَةً مِنَ الشُّرْبِ
فَإِنَّ الْإِبِلَ قَدْ يَتَحَمَّلُ مِنَ الظماء ما لا يتحمله سواء مِنَ الْبَهَائِمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنَّهَا تَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ وَقَطْعِ الْأَرْضِ وَعَلَى قَصْدِ الْمِيَاهِ وَوُرُودِهَا ورعي الشجر(4/515)
وَالِامْتِنَاعِ عَنِ السِّبَاعِ الْمُفْتَرِسَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِالْوَاوِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ بَعْضُ الْقَرَائِنِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ (وَالْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى وَعِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِغَيْرِ الْوَاوِ عَلَى مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِالْوَاوِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَارُودِ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْهُ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ
وأَمَّا حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
وأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَكْرَارٌ
قَوْلُهُ (رَخَّصُوا فِي اللُّقَطَةِ إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا
وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ صَاحِبَهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ إِمْضَاءِ الصَّدَقَةِ أَوْ تَغْرِيمِهِ
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إِلَّا إِنْ كَانَ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَمَا فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بن كعب
وبهذا قال عمر وعلي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يُعَرِّفُهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) اسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حمار وفيه وإن لم يجيء صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
رواه أحمد وبن مَاجَهْ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُ اللُّقْطَةَ بَعْدَ أَنْ(4/516)
يُعَرِّفَ بِهَا حَوْلًا
وهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَبِهِ قَالَتِ الْهَادَوِيَّةُ
واسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ مَالُ اللَّهِ
قَالُوا وَمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ إِنَّمَا يَتَمَلَّكُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ
وذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي نَفْسِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الشَّامِلَةِ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَقَوْلِهِ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وفِي لَفْظٍ فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ
وفِي لَفْظٍ فَاسْتَنْفِقْهَا
وفِي لَفْظٍ فَهِيَ لَكَ
وأَجَابُوا عَنْ دَعْوَى أَنَّ الْإِضَافَةَ (يعني إضافة المال إن الله في قوله فهو مال الله) تدل عَلَى الصَّرْفِ إِلَى الْفَقِيرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ الله الذي أتاكم انْتَهَى
(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْتَفِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا عَرَفْتَ (لِأَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَصَابَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهَا
وكَانَ أُبَيٌّ كَثِيرَ الْمَالِ مِنْ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
ومَيَاسِيرُ جَمْعُ مُوسِرٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْيُسْرُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَالْيَسَارُ وَالْمُسَارَّةُ وَالْمَيْسَرَةُ مُثَلَّثَةُ السِّينِ السُّهُولَةُ وَالْغِنَى وَأَيْسَرَ إيسَارًا وَيُسْرَى صَارَ ذَا غِنًى فَهُوَ مُوسِرٌ جَمْعُهُ مَيَاسِيرُ انْتَهَى
وقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ أُبَيٌّ كَثِيرَ الْمَالِ قَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ اسْتَشَارَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَتِهِ فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ أَهْلِكَ
فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَسَّانَ وَغَيْرِهِمَا
والْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ
وقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ فُتِحَتِ الْفُتُوحُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَهَا) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ
وأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بالانتفاع بها وإذا يأذن الْإِمَامُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الِانْتِفَاعُ بِاللُّقَطَةِ
قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَتَمَشَّى إِذَا ثَبَتَ عَدَمُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ (فَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ لَمْ تَحِلَّ إِلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ لَمْ تَحِلَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصَابَ دِينَارًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَهُ) يَأْتِي تَخْرِيجُ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ
(وكان(4/517)
عَلِيٌّ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ) وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ
(وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا كَانَتِ اللُّقَطَةُ يَسِيرَةً أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا يُعَرِّفَهَا إِلَخْ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ إِبَاحَةُ الْمُحَقَّرَاتِ فِي الْحَالِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
وفِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وفِي الخلاصة وثقة وكيع وبن معين وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وقَوْلُهُ وَأَشْبَاهُهُ يَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ يَسِيرٍ
وقَوْلُهُ يَنْتَفِعُ بِهِ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُوجَدُ فِي الطُّرُقَاتِ مِنَ الْمُحَقَّرَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْرِيفٍ وَقِيلَ إِنَّهُ يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ والْجَوْزَجَانِيُّ وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً حَبْلًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا وفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِضَعْفِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ بن خزيمة متابعة
وروى عن جماعة وزعم بن حزم أنه مجهول وزعم هو وبن الْقَطَّانِ أَنَّ يَعْلَى وَحَكِيمَةَ الَّتِي رَوَتْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْلَى مَجْهُولَانِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ يَعْلَى صَحَابِيٌّ مَعْرُوفُ الصُّحْبَةِ قال بن رَسْلَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعْمُولًا بِهِ لِأَنَّ رِجَالَ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِتَعْرِيفِ سَنَةٍ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ سَنَةً هُوَ الْأَصْلُ الْمَحْكُومُ بِهِ عَزِيمَةً وَتَعْرِيفُ الثَّلَاثِ رُخْصَةً تَيْسِيرًا لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ الْيَسِيرَ يَشُقُّ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ سَنَةً مَشَقَّةً عَظِيمَةً بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَلْتَقِطُ الْيَسِيرَ والرخصة لا تعارض العظيمة بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ
ويُؤَيِّدُ تَعْرِيفَ الثَّلَاثِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينَارٍ وَجَدَهُ فِي السُّوقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِّفْهُ ثَلَاثًا
فَفَعَلَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ فَقَالَ كُلْهُ
انْتَهَى
وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُقَيَّدَ مُطْلَقُ الِانْتِفَاعِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِالتَّعْرِيفِ بِالثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْحَقِيرِ إِلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهِ ثَلَاثًا حَمْلًا(4/518)
لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ مَأْكُولًا فَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا جَازَ أَكْلُهُ وَلَمْ يَجِبِ التَّعْرِيفُ بِهِ أَصْلًا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكورة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَكْلِ التَّمْرَةِ إِلَّا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ
وَلَوْلَا ذلك لأكلها وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا وَجَدَتْ تَمْرَةً فَأَكَلَتْهَا وَقَالَتْ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْفَسَادَ
قَالَ فِي الفتح يعني أنها لو تركتها فلو تُؤْخَذْ فَتُؤْكَلْ لَفَسَدَتْ
قَالَ وَجَوَازُ الْأَكْلِ هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ انْتَهَى
ويُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يُقَيَّدُ حَدِيثُ التَّمْرَةِ بِحَدِيثِ التَّعْرِيفِ ثَلَاثًا كَمَا قُيِّدَ بِهِ حَدِيثُ الِانْتِفَاعِ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَجْرِ لِلْمُسْلِمِينَ عَادَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ
وأَيْضًا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَكَلْتُهَا أَيْ فِي الْحَالِ
وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَكَلْتُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهَا ثَلَاثًا
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ التَّعْرِيفِ بِالْحَقِيرِ فَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعَرَّفُ بِهِ سَنَةً كَالْكَثِيرِ وَحَكَى عَنِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعَرَّفُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِّفْهَا سَنَةً
قَالُوا وَلَمْ يُفَصِّلْ
واحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَعَلُوهُمَا مُخَصِّصِيْنِ لِعُمُومِ حَدِيثِ التَّعْرِيفِ سَنَةً وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا سَلَفَ
قَالَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ قُلْتُ الْأَقْوَى تَخْصِيصُهُ بِمَا مَرَّ لِلْحَرَجِ انْتَهَى يَعْنِي تَخْصِيصَ حَدِيثِ السَّنَةِ بِحَدِيثِ التَّعْرِيفِ ثَلَاثًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
[1373] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ المهملة (بن سعيد) المدني العابد مولى بن الْحَضْرَمِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (فَإِنِ اعْتُرِفَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ اللُّقَطَةِ (فَأَدِّهَا) أَيْ أَدِّ إِلَى رَبِّهَا الْمُعْتَرِفِ (ثُمَّ كُلْهَا) أَيْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إِلَى سَنَةٍ وفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْكُلَ اللُّقَطَةَ وَيَتَصَرَّفَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ غنيا لإطلاقا الْحَدِيثِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مكررة وليس في تكرارها فائدة(4/519)
36 - (باب ما جاء فِي الْوَقْفِ)
[1375] قَوْلُهُ (أَصَابَ عُمَرُ) أَيْ صَادَفَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (أَرْضًا بِخَيْبَرَ) هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِثَمَغٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ وَثَمَغٌ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ وَقِيلَ بِسُكُونِ الْمِيمِ وبعدها عين مُعْجَمَةٌ (لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ) أَيْ قَبْلَ هَذَا أَبَدًا (أَنْفَسَ) أَيْ أَعَزَّ وَأَجْوَدَ وَالنَّفِيسُ الْجَيِّدُ الْمُغْتَبَطُ بِهِ يُقَالُ نَفُسَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ نَفَاسَةً (فَمَا تَأْمُرُنِي) أَيْ فِيهِ فَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ وَأَجْعَلَهُ لِلَّهِ وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ طَرِيقٍ أَجْعَلُهُ لَهُ
(حَبَّسْتُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُخَفَّفُ أَيْ وَقَفْتُ (وَتَصَدَّقْتُ بِهَا) أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا
وفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْلَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهَا لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقَ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ إِلَخْ
وهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ عُمَرَ شَرَطَ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ عَلَى عُمَرَ لِوُقُوعِهِ مِنْهُ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ (تَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ) وفِي الْمِشْكَاةِ وَتَصَدَّقَ بِهَا إِلَخْ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ (وَالْقُرْبَى) تَأْنِيثُ الْأَقْرَبِ كَذَا قِيلَ
والْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ وَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ ويؤيده قوله تعالى وآت ذا القربى قاله القارىء
وقَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُمْ مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمْ قُرْبَى الْوَاقِفِ وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ (وفِي الرِّقَابِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَقَبَةٍ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ فِي أَدَاءِ دُيُونِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْأَرِقَّاءَ وَيَعْتِقَهُمْ (وفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوِ الْحَاجُّ قاله القارىء
(وبن السبيل) أي ملازمته وَهُوَ الْمُسَافِرُ (وَالضَّيْفُ) هُوَ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ يُرِيدُ الْقِرَى (لَا جُنَاحَ) أَيْ لَا إِثْمَ (عَلَى مَنْ وَلِيَهَا) أَيْ قَامَ بِحِفْظِهَا وَإِصْلَاحِهَا (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قدر ما(4/520)
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ قُوتًا وَكِسْوَةً (أَوْ يُطْعِمُ) مِنَ الْإِطْعَامِ (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ) أَيْ مُدَّخِرٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَلِيَهَا (قَالَ فَذَكَرْتُهَا لِابْنِ سِيرِينَ) القائل هو بن عَوْنٍ
ووَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَحَدَّثْتُ بِهِ بن سِيرِينَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْقَائِلُ هُوَ بن عَوْنٍ
بَيَّنَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أسامة عن بن عَوْنٍ قَالَ ذَكَرْتُ حَدِيثَ نَافِعٍ لِابْنِ سِيرِينَ فَذَكَرَهُ انْتَهَى
(فَقَالَ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا) أَيْ غَيْرَ مُجَمِّعٍ لِنَفْسِهِ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ
قَالَ بن الْأَثِيرِ أَيْ غَيْرَ جَامِعٍ يُقَالُ مَالٌ مُؤَثَّلٌ وَمَجْدٌ مُؤَثَّلٌ أَيْ مَجْمُوعٌ ذُو أَصْلٍ وَأَثْلَةُ الشَّيْءِ أَصْلُهُ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ التَّأَثُّلُ أَصْلُ الْمَالِ حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْدَهُ قَدِيمٌ وَأَثْلَةُ كُلِّ شيء أصله
(قال بن عَوْنٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ رَجُلٌ آخَرُ إِلَخْ) وَقَعَ في النسخة المطبوعة الأحمدية بن عَوْفٍ بِالْفَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ (فِي قِطْعَةِ أَدِيمٍ أَحْمَرَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَدِيمُ الْجِلْدُ أَوْ أَحْمَرُهُ أَوْ مَدْبُوغُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي إِجَازَةِ وَقْفِ الْأَرْضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَجَاءَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْحَبْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ وَخَالَفَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ فَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ قَالَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يُجِيزُ بَيْعَ الْوَقْفِ فَبَلَغَهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ مَنْ سمع هذا من بن عَوْنٍ فَحَدَّثَهُ بِهِ ابْنُ عُلَيَّةَ فَقَالَ هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ وَلَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ لَقَالَ بِهِ
فَرَجَعَ عَنْ بَيْعِ الْوَقْفِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ انْتَهَى كَذَا فِي الْفَتْحِ
[1376] قَوْلُهُ (انْقَطَعَ عن عَمَلُهُ) أَيْ أَعْمَالُهُ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُرَادُ فَائِدَةُ عَمَلِهِ لِانْقِطَاعِ عَمَلِهِ يَعْنِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ (إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) فَإِنَّ أَجْرَهَا لَا يَنْقَطِعُ (صَدَقَةٍ جارية(4/521)
بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ هِيَ الْوَقْفُ وَشَبَهُهُ مِمَّا يَدُومُ نَفْعُهُ (وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَوَلَدٍ صَالِحٍ يدعو له) قال بن الْمَلِكِ قَيَّدَ الْوَلَدَ بِالصَّالِحِ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ دُعَاءَهُ تَحْرِيضًا لِلْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَبِيهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
7 - (باب ما جاء في العجماء أن جَرْحُهَا جُبَارٌ)
[1377] قَوْلُهُ (الْعَجْمَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا سُمِّيَتْ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ (جُرْحُهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ (وَالْبِئْرُ) بِالْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ (جُبَارٌ) فَمَنْ حفر بيرا فِي أَرْضِهِ أَوْ فِي أَرْضِ الْمُبَاحِ وَسَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ لَا قَوَدَ وَلَا عَقْلَ عَلَى الحافر وكذلك المعدن قاله القارىء
(وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه وإنما المعنى أن من استأجر لِلْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ مَثَلًا فَهَلَكَ فَهُوَ هَدَرٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنِ اسْتَأْجَرَهُ
(وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ) الرِّكَازُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ الْمَالُ الْمَدْفُونُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّكْزِ بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رِكْزًا إِذَا دَفَنَهُ فَهُوَ مَرْكُوزٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (فَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ(4/522)
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بِمَعْنَى الْمَدْفُونِ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ
وأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا (فَمَنْ وَجَدَ رِكَازًا أَدَّى مِنْهُ الْخُمْسَ) قال البخاري في صحيحه قال مالك وبن إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمْسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمْسُ فَهُوَ قَوْلُهُ فِي القديم كما نقله بن الْمُنْذِرِ وَاخْتَارَهُ
وأَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمْسُ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابَ الزَّكَاةِ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ أَيْ فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ رُكِزَ الْمَعْدِنُ إِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ فَقَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ له الشيء وربح ربحا كثيرا وكثر تمره أَرَكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَهُ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنَّهُ يَكْتُمُهُ وَلَا يُؤَدِّي الْخُمْسَ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ قوله وقال بعض الناس إلخ قال بن التِّينِ الْمُرَادُ بِبَعْضِ النَّاسِ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْكُوفِيُّينَ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ
قَالَ بن بَطَّالٍ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ كَالرِّكَازِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ الْعَرَبِ أَرْكَزَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ رِكَازًا وَهِيَ قِطَعٌ مِنَ الذَّهَبِ تُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ
والْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ تَفْرِقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِوَاوِ الْعَطْفِ
فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ الْقَائِلَ الْمَذْكُورَ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ الشَّيْءُ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاشْتِرَاكِ في الأسماء لاشتراك فِي الْمَعْنَى إِلَّا إِنْ أَوْجَبَ لَكَ مَنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمْسُ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ لَهُ أَرْكَزَ فَكَذَلِكَ الْمَعْدِنُ
وأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ نَاقَضَ إِلَخْ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا أَجَازَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَكْتُمَهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَصِيبًا فِي الْفَيْءِ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُمْسَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْخُمْسَ عَنِ الْمَعْدِنِ انْتَهَى
وقَدْ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذكرها بن بَطَّالٍ وَنُقِلَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ مَعْدِنًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ
وبِهَذَا يَتَّجِهُ اعْتِرَاضُ الْبُخَارِيِّ
والْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْمَعْدِنَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ لِاسْتِخْرَاجِهِ بِخِلَافِ الرِّكَازِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الشَّرْعِ أَنَّ مَا غَلُظَتْ مُؤْنَتُهُ خُفِّفَ عَنْهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ(4/523)
وَمَا خُفِّفَتْ زِيدَ فِيهِ
وَقِيلَ إِنَّمَا جُعِلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ فَنُزِّلَ مَنْ وَجَدَهُ مَنْزِلَةَ الْغَنَائِمِ فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ انْتَهَى
8 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي إِحْيَاءِ أَرْضِ الْمَوَاتِ)
بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُزْرَعْ وَلَمْ تُعَمَّرْ وَلَا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ أَحَدٍ وَإِحْيَاؤُهَا مُبَاشَرَةُ عمارتها وتأثير شيء فيها
قوله (من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً) الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ شُبِّهَتْ عِمَارَتُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَعْطِيلُهَا بِالْمَوْتِ
قَالَ الزُّرْقَانِيُّ مَيِّتَةٌ بِالتَّشْدِيدِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ إِذَا خُفِّفَ تُحْذَفُ مِنْهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَالْمَيِّتَةُ وَالْمَوَاتُ وَالْمَوْتَانِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بِالْمَيِّتَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا انْتَهَى
(فَهِيَ لَهُ) أَيْ صَارَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهَا قُرْبٌ مِنَ الْعُمْرَانِ أَمْ بُعْدٌ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا قَرُبَ
وضَابِطُ الْقُرْبِ مَا بِأَهْلِ الْعُمْرَانِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ رَعْيٍ وَنَحْوِهِ
واحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْجُمْهُورِ مَعَ حَدِيثِ الْبَابِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَمَا يُصْطَادُ مِنْ طَيْرٍ وَحَيَوَانٍ
فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ أَوْ صَادَهُ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ
كَذَا فِي الْفَتْحِ
قُلْتُ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ
وحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنه صح
واسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثم لكم من بعدي فمن أحيى شَيْئًا مِنْ مَوْتَاتِ الْأَرْضِ فَلَهُ رَقَبَتُهَا
أَخْرَجَهُ بن يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَصَّ بِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ
قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْكُبْرَى مَمْنُوعَةٌ
لِحَدِيثِ الْبَابِ وَلِقَوْلِهِ في هذا الحديث فمن أحيى شَيْئًا إِلَخْ فَتَفَكَّرْ
واسْتُدِلَّ لَهُ أَيْضًا بِحَدِيثِ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ
قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ انْتَهَى (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ أَحَدُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ (ظَالِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ(4/524)
فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ وَظَالِمٍ نَعْتٌ لَهُ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى صَاحِبِ الْعِرْقِ أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ أَوِ الَى الْعِرْقِ أَيْ لَيْسَ لِعِرْقٍ ذِي ظُلْمٍ
ويُرْوَى بِالْإِضَافَةِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ صَاحِبُ الْعِرْقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الأرض
وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ وَبَالَغَ الْخَطَّابِيُّ فَغَلَّطَ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ انْتَهَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ فَيَغْرِسَ فِيهَا غَرْسًا غَصْبًا لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَالرِّوَايَةُ لِعِرْقٍ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ فَجَعَلَ الْعِرْقَ نَفْسَهُ ظَالِمًا وَالْحَقُّ لِصَاحِبِهِ أَوْ يَكُونُ الظَّالِمُ مِنْ صِفَةِ صَاحِبِ الْعِرْقِ وَإِنْ رُوِيَ عِرْقٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَكُونُ الظَّالِمُ صَاحِبَ الْعِرْقِ وَالْحَقِّ الْمُعْرِقِ وَهُوَ أَحَدُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ انْتَهَى [1378] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَقَرَّ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ
[1379] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) هَذَا الْمُرْسَلُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَالُوا) أَيْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ (لَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ محمد رحمه الله في الموطإ أبعد ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مُرْسَلًا وَأُثِرَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِهِ مَا لَفْظُهُ قَالَ محمد وبهذا نأخذ من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهِيَ لَهُ
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَا يَكُونُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ الْإِمَامُ
قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا أَحْيَاهَا أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَكُنْ لَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى ما أخرجه النسائي عنه بلفظ من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ
(وَعَمْرِو بْنِ عوف المزني جد كثير) أخرجه(4/525)
بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِكَثِيرٍ وَضَعَّفَهُ عَنْ أحمد والنسائي وبن مَعِينٍ جِدًّا كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
(وَسَمُرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ
قَوْلُهُ (قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ) هُوَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ الْإِمَامُ الْحُجَّةُ قَالَ أَحْمَدُ مُتْقِنٌ
وهُوَ الْيَوْمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنَ الْمُحَدِّثِينَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (قُلْتُ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَغْرِسُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْقَائِلُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ المثنى (قال) أي أبو الوليد
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَطَائِعِ)
جَمْعُ قَطِيعَةٍ تَقُولُ أَقَطَعْتُهُ أَرْضًا جَعَلْتُهَا لَهُ قَطِيعَةً
وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَخُصُّ بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ مِنَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَيَصِيرُ أَوْلَى بِإِحْيَائِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى إِحْيَائِهِ وَاخْتِصَاصُ الْإِقْطَاعِ بِالْمَوَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ
وحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْإِقْطَاعَ تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَيْئًا لِمَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ
قَالَ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الْأَرْضُ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لِمَنْ يَرَاهُ مَا يُجَوِّزُهُ إِمَّا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ فَيُعَمِّرَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ مُدَّةً
انْتَهَى كَذَا فِي الْفَتْحِ
[1380] قَوْلُهُ (قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ قَيْسٍ) قَرَأَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِهِ قُتَيْبَةَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي وَإِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَكَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ كَمَا قُلْتَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ إِلَيْهِ فَاهِمٌ لَهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ وَلَا مُقِرِّ لَفْظٍ صَحَّ السَّمَاعُ وَجَازَتِ الرِّوَايَةُ بِهِ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ الشَّيْخِ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْفُنُونِ
وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيِّينَ نُطْقَهُ بِهِ انْتَهَى
كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قُلْتُ قَدْ أَقَرَّ قُتَيْبَةُ بَعْدَ قِرَاءَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ وَنَطَقَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (الْمَأْرِبِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى مَأْرِبَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وكسر الراء وقيل(4/526)
بفتحها موضع باليمين (عَنْ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (بْنِ شَرَاحِيلَ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وفتح الميم وتشديد الياء (بن قَيْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ مَجْهُولٌ (عَنْ شُمَيْرٍ) بِضَمِّ الشين المعجمة وفتح الميم مصغرا بن عَبْدِ الدَّارِ الْيَمَامِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (وَفَدَ) أَيْ قَدِمَ (اسْتَقْطَعَهُ) أَيْ سَأَلَهُ أَنْ يُقَطِّعَ إِيَّاهُ (الْمِلْحَ) أَيْ مَعْدِنَ الْمِلْحِ (فَقَطَّعَ لَهُ) لِظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْرِجَ مِنْهُ الْمِلْحَ بِعَمَلٍ وَكَدٍّ (فَلَمَّا أَنْ وَلَّى) أَيْ أَدْبَرَ (قَالَ رَجُلٌ مِنَ المجلس) وهو الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ (الْمَاءَ الْعِدَّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَالْعِدُّ الْمُهَيَّأُ (قَالَ) أي الرجل قال بن الملك والظاهر أنه أبيض الراوي قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ الرَّجُلُ وَإِلَّا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَهُ فَرَجَعَهُ مِنِّي انْتَهَى
قُلْتُ عِنْدِي أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ شُمَيْرٌ الرَّاوِي عَنْ أَبْيَضَ فَتَفَكَّرْ (قَالَ أَيْ شُمَيْرٌ) الرَّاوِي (وَسَأَلَهُ) أَيْ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ سَأَلَ أَبْيَضُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ مَا قَالَ الشَّيْخُ (عَنْ مَا يُحْمَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْأَرَاكِ بَيَانٌ لِمَا وَهُوَ الْقُطَعَة مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الْأَرَاكُ
قَالَ الْمُظْهِرُ الْمُرَادُ مِنَ الْحِمَى هُنَا الْإِحْيَاءُ إِذِ الْحِمَى الْمُتَعَارَفُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ (مَا لَمْ تَنَلْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ لَمْ تَصِلْهُ خِفَافُ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ مَا كَانَ بِمَعْزِلٍ مِنَ الْمَرَاعِي وَالْعِمَارَاتِ
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يَجُوزُ بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ لِاحْتِيَاجِ أَهْلِ الْبَلَدِ إِلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الْإِبِلِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْخِفُّ الْجَمَلُ الْمُسِنُّ
والْمَعْنَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْمَرْعَى لَا يُحْمَى بَلْ يُتْرَكُ لِمُسَانِّ الْإِبِلِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الضِّعَافِ الَّتِي لَا تَقْوَى عَلَى الْإِمْعَانِ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمُهُ اللَّهُ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحْمَى مَا تَنَالُهُ الْأَخْفَافُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا إِلَّا وَتَنَالُهُ الْأَخْفَافُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قوله (فأقربه وَقَالَ نَعَمْ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ(4/527)
بِقَوْلِهِ قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لِشَيْخِهِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ وَقَالَ نَعَمْ
وهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ
وقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْكِتَابِ في شرح قوله فأقربه الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلٍ وَأَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لِلزُّبَيْرِ نَخِيلًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
[1381] قَوْلُهُ (أَقْطَعَهُ) أَيْ أَعْطَى وَاثِلًا (أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ اسْمُ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ
وهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ بِالْعَلَمِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ بِضَمِّ الْمِيمِ بَلَدٌ وَقَبِيلَةٌ (وَبَعَثَ لَهُ) أَيْ مَعَ وَائِلٍ (معاوية) الظاهر أن المراد به هو بن الحاكم السلمى وبن جَاهِمَةَ السُّلَمِيُّ
وأَمَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ هُوَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَرَامِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقُ هَذَا الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ في كل مقام قاله القارىء
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغَرْسِ)
بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ غَرَسَ بِالْفَتْحِ نشاندن درخت
[1382] قَوْلُهُ (يَغْرِسُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَرَسَ الشَّجَرَ يَغْرِسُهُ أَثْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ كَأَغْرَسَهُ وَالْغَرْسُ(4/528)
الْمَغْرُوسُ (أَوْ يَزْرَعُ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ غَيْرُ الْغَرْسِ (زَرْعًا) نَصَبَهُ وَكَذَا نَصَبَ غَرْسًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (فَيَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَغْرُوسِ أَوْ الْمَزْرُوعِ (إِنْسَانٌ) وَلَوْ بِالتَّعَدِّي (أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ الصَّدَقَةِ عَلَى أن كانت تامة انتهى
قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَأْكُولِ وَأُنِّثَ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ انْتَهَى
والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ وفِيهِ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ
وفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْغَرْسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيَّ (وَأُمِّ مُبَشِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُشَدَّدَةِ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَدِيثُهَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَزَيْدِ بْنِ خالد) لينظر من أخرجه وفي الباب عن أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ الزَّرْعِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
1 - (باب ما جاء فِي الْمُزَارَعَةِ)
الْمُزَارَعَةُ هِيَ أَنْ يُعَامِلَ إِنْسَانًا عَلَى أَرْضٍ لِيَتَعَهَّدَهَا بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحُبُوبِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
والْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ
[1383] قَوْلُهُ (عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ) وَهُمْ يُهَوَّدُ خَيْبَرَ وَهُوَ موضع قريب الْمَدِينَةِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ) أَيْ بِنِصْفِهِ فَالشَّطْرُ هُنَا بِمَعْنَى النِّصْفِ وَقَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى النَّحْوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام أَيْ نَحْوَهُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ خَيْبَرَ يَعْنِي مِنْ نَخْلِهَا وَزَرْعِهَا
والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ بِالْجُزْءِ الْمَعْلُومِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ ثُمْنٍ وَهُوَ الْحَقُّ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن أنس(4/529)
لينظر من أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ
أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ
(وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ (وَجَابِرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرَوْا بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ الْمُسَاقَاةُ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ أَشْجَارَهُ إِلَى غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ فِيهِ وَيُصْلِحَهَا بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى سَهْمٍ مُعَيَّنٍ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ وَالْمُزَارَعَةُ عَقْدٌ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَذَلِكَ
والْمُسَاقَاةُ تَكُونُ فِي الْأَشْجَارِ وَالْمُزَارَعَةُ فِي الْأَرَاضِي وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَهُمَا فَاسِدَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وعِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَالْآخَرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ جَائِزٌ
وقِيلَ لَا نَرَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنَعَ عَنْهُمَا إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَقِيلَ زُفَرُ مَعَهُ
وقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَالدَّلِيلُ لِلْأَئِمَّةِ مَا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْزِيهِ أَوْ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَاحِيَةً مِنْهَا مُعَيَّنَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُنْتَقَى
وقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَمَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اجْتِنَابِهَا نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا فَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ هُوَ لِلتَّنْزِيهِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ وَلَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ
وهُوَ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ هُوَ عُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُخَابَرَةَ لِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَجَمِيعِ الشَّجَرِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الثَّمَرَةِ
وبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَأُلْحِقَ الْمُقْلُ بِالنَّخْلِ لِشَبَهِهِ بِهِ وَخَصَّهُ أَبُو دَاوُدَ بِالنَّخْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ بِثَمَرَةٍ مَعْدُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ
وأَجَابَ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الْمَالِ بِبَعْضِ نَمَائِهِ فَهُوَ كَالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَمَجْهُولٌ وَقَدْ صَحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ
فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ فِي إِبْطَالِ نَصٍّ أَوِ إِجْمَاعٍ مَرْدُودٍ
وأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ قِصَّةِ خَيْبَرَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَقَرُّوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطَوْا نِصْفَ الثَّمَرَةِ
فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِحَقِّ الْجِزْيَةِ فَلَا يدل على(4/530)
جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعْظَمَ خَيْبَرَ فُتِحَ عنوة وبأن كثيرا منها قسم بين العانمين وَبِأَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ مِنْهَا فَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مِلْكَهُمْ مَا أَجْلَاهُمْ عَنْهَا
واسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَهُ فِي جَمِيعِ الثَّمَرِ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ نَخْلٍ وَشَجَرٍ
وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَجَرٍ انْتَهَى
(وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ) أَيْ مَالِكِهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الْبَذْرِ مِنَ الْعَامِلِ أَوْ الْمَالِكِ لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِ فِي الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
واحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْعَامِلَ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ بَاعَ الْبَذْرَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَجْهُولٍ مِنَ الطَّعَامِ نَسِيئَةً وَهُوَ لَا يَجُوزُ
وأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا انْتَهَى
(وَهُوَ قَوْلُ مالك بن أنس والشافعي) والراجح أَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالْمُسَاقَاةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ كِلَاهُمَا جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا عَرَفْتَ
(وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنَ الْمُزَارَعَةِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبَالَغَ رَبِيعَةُ فقال لا يجوز كراءها إِلَّا بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ
وقَالَ طَاوُسٌ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ مُطْلَقًا وَذَهَبَ إليه بن حَزْمٍ وَقَوَّاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
2 - (بَاب مِنْ الْمُزَارَعَةِ)
[1384] قَوْلُهُ (أَنْ يُعْطِيَهَا) أَيْ نَهَى عَنْ أَنْ يُعْطِيَهَا (بَعْضَ خَرَاجِهَا) أَيْ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ (أَوْ بِدَرَاهِمَ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا لَكِنْ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ خَرَاجِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ
فَقَدْ أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ بأن مجاهدا لم يسعه من رافع
قال الحافظ(4/531)
ورواية أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ فِي حِفْظِهِ مَقَالٌ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرِ الدَّرَاهِمَ
وقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ انْتَهَى
(فَلْيَمْنَحْهَا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيَجُوزُ كَسْرُ النُّونِ وَالْمُرَادُ يَجْعَلُهَا مَنِيحَةً وَعَارِيَةً أَيْ لِيُعْطِهَا مَجَّانًا (أَخَاهُ) لِيَزْرَعَهَا هُوَ (أَوْ لِيُزْرِعْهَا) أَيْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ
[1385] قَوْلُهُ (لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ
ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عمرو بن دينار قال قلت لطاؤوس لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا
فَقَالَ إن أعلمهم يعني بن عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا
وقَالَ لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا
(لَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ) مِنَ الرِّفْقِ وَهُوَ اللُّطْفُ مِنْ بَابِ نَصَرَ
قَالَ فِي الصُّرَاحِ رَفِقَ بِالْكَسْرِ نرمي كَردن ضد العنف صلته بِالْبَاءِ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّفْقُ بِالْكَسْرِ مَا اسْتُعِينَ بِهِ رَفِقَ بِهِ وَعَلَيْهِ مُثَلَّثَةٌ رِفْقًا وَمَرْفِقًا كَمَجْلِسٍ وَمَقْعَدٍ وَمِنْبَرٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا أَتَى رَجُلَانِ قَدِ اقْتَتَلَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا طَرِيقَ الْمَزَارِعِ فَسَمِعَ رَافِعٌ قَوْلَهُ لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ
وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ إِلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ رَافِعٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا مُخْتَصِرَةٌ وَبَعْضُهَا مُطَوَّلَةٌ وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالنِّصْفِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/532)
مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدِ اسْتَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ لِحَدِيثِ رَافِعٍ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ رَافِعٍ فَرْدٌ وَأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ
وأَشَارَ إِلَى صِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ حَيْثُ رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَمِّهِ مفسرة للمراد وهو ما بينه بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ إِرَادَةِ الرِّفْقِ وَالتَّفْضِيلِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ انْتَهَى(4/533)
15 - (أبواب الدِّيَاتِ)
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الديات جمع دية قال في الغرب الدية مصدر ودي القاتل والمقتول إِذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النفس
ثم قيس لِذَلِكَ الْمَالِ الدِّيَةُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ
ولِذَا جُمِعَتْ وَهِيَ مِثْلُ عِدَّةٍ فِي حَذْفِ الْفَاءِ قَالَ الشُّمُّنِيُّ وَأَصْلُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى الْجَرْيِ وَمِنْهُ الْوَادِي لِأَنَّ الْمَاءَ يَدِي فِيهِ أَيْ يَجْرِي وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ودية مسلمة إلى أهله وَبِالسُّنَّةِ وَهِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ وَدَيْتُ الْقَتِيلَ أَدِيهِ دِيَةً إِذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ وَاتَّدَيْتُهُ أَيْ أَخَذْتُ ديته انتهى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ كَمْ هِيَ من الابل)
[1386] قَوْلُهُ (عَنْ خِشْفٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ المعجمتين وبالفاء (بن مَالِكٍ) الطَّائِيِّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (فِي دِيَةِ الْخَطَأِ) أَيْ فِي دِيَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ
اعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَجَعَلُوا فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وفِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَهُوَ مَا كَانَ بِمَا مِثْلُهُ لَا يُقْتَلُ(4/534)
فِي الْعَادَةِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْإِبْرَةِ مَعَ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِلْقَتْلِ دِيَةً مُغَلَّظَةً
وهِيَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا
وقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا إِنَّ الْقَتْلَ ضَرْبَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَالْخَطَأُ مَا وَقَعَ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْمَقْتُولِ أَوْ لِلْقَتْلِ بِمَا مِثْلُهُ لَا يُقْتَلُ فِي الْعَادَةِ وَالْعَمَلُ مَا عَدَاهُ وَالْأَوَّلُ لَا قَوَدَ فِيهِ
والثَّانِي فِيهِ الْقَوَدُ
ولَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا وَإِيجَابُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ عَلَى فَاعِلِهِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
(عِشْرِينَ ابْنَةَ مَخَاضٍ) هِيَ الَّتِي تَطْعَنُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْإِبِلِ (وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورًا) بِالنَّصْبِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وفِي الْمِشْكَاةِ ذكور بالجر قال القارىء بِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ كَمَا فِي الْمَثَلِ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ
كَذَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وفِي بَعْضِهَا ذكورا بالنصب وهو ظاهر
انتهى كلام القارىء
فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ نُسْخَةَ التِّرْمِذِيِّ التي كانت عند القارىء كَانَ فِيهَا ذُكُورٍ بِالْجَرِّ (وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ) قال في مجمع البحار بنت اللبون وبن اللَّبُونِ وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سَنَتَانِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ أُمُّهُ لَبُونًا أَيْ ذَاتَ لَبَنٍ بِوَلَدٍ آخَرَ (وَعِشْرِينَ جَذَعَةً) هُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ (وَعِشْرِينَ حِقَّةً) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ القاف وهي الداخلة في الرابعة
قوله (وأبو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَثَلَاثُونَ بِنْتِ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَعَشَرَةُ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٌ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمَنْ دُونَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ رَاشِدٍ الْمَكْحُولِيَّ وقد وثقه أحمد وبن معين والنسائي وضعفه بن حِبَّانَ وَأَبُو زُرْعَةَ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ
قوله (حديث بن مَسْعُودٍ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَكِنْ فِيهِ بَنِي مَخَاضٍ بَدَلَ بن لَبُونٍ وَبَسَطَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْقَوْلَ فِي السُّنَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا وفِيهِ عِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ
وقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ
وضَعَّفَ الْأَوَّلَ مِنْ أَوْجُهٍ عَدِيدَةٍ وَقَوَّى رِوَايَةَ أَبِي عُبَيْدَةَ بِمَا رواه عن ابراهيم النخعي عن(4/535)
بن مَسْعُودٍ عَلَى وَفْقِهِ
وتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَهِمَ فِيهِ وَالْجَوَادُ قَدْ يَعْثِرُ
قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي جَامِعِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعِنْدَ الْجَمِيعِ بَنِي مَخَاضٍ
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَقَدْ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ وَقَدْ رأيته في كتاب بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ إِمَامٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ بَنِي لَبُونٍ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ الدَّارَقُطْنِيُّ غَيَّرَهُ فَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِيهِ مِنْ فَوْقٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تؤخذ في ثلاث سنين) روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
قَالَ أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ
وفَرَضَ فِيهِ الدية كاملة في ثلاث سنين ثلثا الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَالنِّصْفُ فِي سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فِي عَامِهِ
وأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ عُمَرَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ
ولَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي طَرِيقٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَجَعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا دُونَ النِّصْفِ فِي سَنَةٍ
وَلَفْظُهُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى إِنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْأَعْطِيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالنِّصْفَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثَ فِي سَنَةٍ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَضَى بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وفِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي عَطِيَّاتِهِمْ
وقَضَى بِالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ فِي سَنَةٍ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ
كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَرَأَوْا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بكسر القاف جمع عاقل وهو رافع الدِّيَةِ وَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى أُطْلِقَ الْعَقْلُ عَلَى الدِّيَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِبِلًا
وعَاقِلَةُ الرَّجُلِ قَرَابَاتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهُمْ عَصَبَتُهُ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ عَلَى بَابِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ
وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ
وأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لَكِنَّهُ خَصَّ مِنْ عُمُومِهَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ
لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أُخِذَ بِالدِّيَةِ لَأَوْشَكَ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ
لِأَنَّ تَتَابُعَ الْخَطَأِ مِنْهُ لَا يُؤْمَنُ وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ تَغْرِيمٍ لَأُهْدِرَ دَمُ الْمَقْتُولِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أُفْرِدَ بِالتَّغْرِيمِ حَتَّى يَفْتَقِرَ لِآلِ الْأَمْرِ إِلَى الْإِهْدَارِ بَعْدَ الِافْتِقَارِ فَجُعِلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ
لِأَنَّ احْتِمَالَ فَقْرِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنَ احْتِمَالِ فَقْرِ الْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّهُ إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ تَحْذِيرُهُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ أَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ مَعَ تَحْذِيرِهِ نَفْسَهُ
والْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ(4/536)
تَعَالَى
وعَاقِلَةُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ
فَيُبْدَأُ بِفَخْذِهِ الْأَدْنَى فَإِنْ عَجَزُوا ضُمَّ إِلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِمْ
وهِيَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ أُولِي الْيَسَارِ مِنْهُمْ انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى الرِّجَالِ دون النساء والصبيان من العصبة) قال فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ غَرِيبٌ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ
لَمْ أَجِدْهُ انْتَهَى
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنِ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ انْتَهَى
(وَيُحَمَّلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْمِيلِ (كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُبْعُ دِينَارٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى نِصْفِ دِينَارٍ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُنْقَصُ مِنْهَا
كَذَا ذَكَرُهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ
وهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ
وقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلا درهما أو درهما وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ لأنه صلة فيعتبر بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ إِذْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ انْتَهَى
(فَإِنْ تَمَّتِ الدِّيَةُ) أَيْ فَبِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ الدِّيَةُ (نُظِرَ إِلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ فَأُلْزِمُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِلْزَامِ
قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ (دُفِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الْقَاتِلُ (وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الرُّكُوبَ وَالْحَمْلَ (وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً) بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ (وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ وَهِيَ الْحَامِلُ وَتُجْمَعُ خِلْفَاتٌ وَخَلَائِفُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا (وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ الدِّيَةِ
قَوْلُهُ(4/537)
(حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ كَمْ هِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ)
[1387] قَوْلُهُ (إِنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ
قَوْلُهُ (وفِي حديث بن عُيَيْنَةَ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) رَوَى أَبُو داود من سنته عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتَلَفُوا فِي الْفِضَّةِ فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاللَّهِ إِلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ في قول له إلى أنها اثني عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ انْتَهَى
واسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ درهم الحديث
ولا يخفى أن حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَكَثْرَةُ طُرُقِهِ تَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ إِذَا وَقَعَتْ مِنْ طَرِيقِ ثِقَةٍ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهَا انْتَهَى (وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الدِّيَةَ عَشْرَةَ آلَافٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ(4/538)
الْكُوفَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن في الاثار موقوفا
وكذلك بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ الدِّيَةَ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ) اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وفِيهِ وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ القاسم بن إبراهيم قالا وَبَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ كَانَتْ مُصَالَحَةً لَا تَقْدِيرًا شَرْعِيًّا
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ بَلْ هِيَ مِنَ الْإِبِلِ لِلنَّصِّ وَمِنَ النَّقْدَيْنِ تَقْوِيمًا إِذْ هُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَمَا سِوَاهُمَا صُلْحٌ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُوضِحَةِ)
[1390] بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تَرْفَعُ اللَّحْمَ مِنَ الْعَظْمِ وَتُوَضِّحُهُ
قَوْلُهُ (قَالَ فِي الْمَوَاضِحِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جَمْعُ مُوضِحَةٍ (خَمْسٌ خَمْسٌ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ فِي النيل وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَصَحَّحَاهُ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ)
[1391] قَوْلُهُ (دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ) أَيْ حَتَّى الْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي(4/539)
الْمَفَاصِلِ (عَشْرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لِكُلِّ إِصْبِعٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الخمسة إلا الترمذي
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وأخرجه أيضا بن حبان في صحيحه وقال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْحَقُّ
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ فِي الْخِنْصَرِ سِتًّا مِنَ الْإِبِلِ وفِي الْبِنْصَرِ تِسْعًا وفِي الْوُسْطَى عَشْرًا وفِي السَّبَّابَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وفِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ
ورُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ وفِي الَّتِي تَلِيهَا عَشْرٌ وفِي الْوُسْطَى عَشْرٌ وفِي الَّتِي تَلِيهَا ثَمَانٍ وفِي الْخِنْصَرِ سَبْعٌ
وهُوَ مَرْدُودٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
[1392] قَوْلُهُ (هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ هَذِهِ وَهَذِهِ (الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ) أَيْ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِبْهَامُ أَقَلَّ مَفْصِلًا مِنَ الْخِنْصَرِ إِذْ فِي كُلِّ إِصْبِعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَجِبُ فِي كُلِّ إِصْبِعٍ يَقْطَعُهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَإِذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ أَنَامِلِهِ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ إِصْبِعٍ إِلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَإِنَّ فِيهَا نِصْفَ دِيَةِ إِصْبِعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أُنْمُلَتَانِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنَامِلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا مسلما(4/540)
رضخ 5
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَفْوِ)
[1393] قَوْلُهُ (فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ مُعَاوِيَةَ) أَيْ اسْتَغَاثَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الرَّجُلِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ اسْتَعْدَاهُ اسْتَعَانَهُ وَاسْتَنْصَرَهُ (وَأَلَحَّ) مِنَ الْإِلْحَاحِ (الْآخَرُ) أَيْ الَّذِي دَقَّ سِنَّهُ (فَأَبْرَمَهُ) مِنَ الْإِبْرَامِ أَيْ فَأَمَلَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَرَمُ السَّآمَةُ وَالضَّجَرُ وَأَبْرَمَهُ فَبَرِمَ كَفَرِحَ وَتَبَرَّمَ أَمَلَّهُ فَمَلَّ انْتَهَى
وقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ بَرِمَ بِهِ أَيْ سَئِمَهُ وَمَلَّهُ (مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ) مِنْ نَحْوِ قَطْعٍ أَوْ جُرْحٍ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) أَيْ عَفَا عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ يُصَابُ وَمُخَصِّصٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمَاوِيًّا وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْعِبَادِ فَخُصَّ بِالثَّانِي لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ وَهُوَ الْعَفْوُ عَنِ الْجَانِي
وقَالَ الْمَنَاوِيُّ أَيْ إِذَا جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى آخَرَ جِنَايَةً فَعَفَا عَنْهُ لِوَجْهِ اللَّهِ نَالَ هَذَا الثَّوَابَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ) قال المنذري في الترغيب وروى بن مَاجَهْ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ عَنْ أَبِي السَّفَرِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَوْلَا الِانْقِطَاعُ
قَوْلُهُ (وَأَبُو السَّفَرِ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ ويقال بن يُحْمِدَ الثَّوْرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ سَعِيدُ بْنُ يُحْمِدَ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِيهِ أَحْمَدُ أَبُو السَّفَرِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْهُذَلِيُّ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة انتهى(4/541)
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ رُضِخَ رَأْسُهُ بِصَخْرَةٍ)
الرَّضْخُ الدَّقُّ وَالْكَسْرُ
[1394] قَوْلُهُ (عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ) جَمْعُ وَضَحٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْحُلِيِّ مِنَ الْفِضَّةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِبَيَاضِهَا (فَأَخَذَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (فَرَضَخَ رَأْسهَا) أَيْ رَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (أُدْرِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَدْرَكَهَا النَّاسُ (وَبِهَا رَمَقٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بَقِيَّةُ الرُّوحِ وَآخِرُ النَّفَسِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَازِ الْقَوَدِ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بِهِ الْمَقْتُولُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم وقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وفِيهِ مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ بَعْضُ مَنْ يُجْهَلُ وَإِنَّمَا قَالَهُ زِيَادٌ فِي خُطْبَتِهِ
وهَذَا إِذَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي وَقَعَ الْقَتْلُ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ فِعْلُهُ لَا إِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ بِإِيجَارِهِ الْخَمْرَ أَوْ اللِّوَاطَ بِهِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ ذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ وَالْكُوفِيُّونَ ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلا أَنَّ الِاقْتِصَاصَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالسَّيْفِ
واسْتَدَلُّوا بحديث النعمان بن بشير عند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ منها لا قود إلا بالسيف وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ
وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَخْرَجَهُ البيهقي والطبراني من حديث بن مسعود
وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا
وهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا لَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا مِنْ ضَعِيفٍ أَوْ مَتْرُوكٍ حَتَّى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدِيثٌ منكر
وقال عبد الحق وبن الْجَوْزِيِّ طُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ(4/542)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إِسْنَادٌ
ويُؤَيِّدُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُقَوِّي بَعْضُ طُرُقِهِ بَعْضًا حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وأبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ
وَإِحْسَانُ الْقَتْلِ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ
ولِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِضَرْبِ العنق مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي أَصْحَابِهِ فَإِذَا رَأَوْا رَجُلًا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ قَالَ قَائِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ ضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ مُثْلَةٌ
وقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
(بَاب مَا جَاءَ فِي تَشْدِيدِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ)
[1395] قَوْلُهُ (لَزَوَالُ الدُّنْيَا) اللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ (أَهْوَنُ) أَيْ أَحْقَرُ وَأَسْهَلُ (عَلَى اللَّهِ) أَيْ عِنْدَهُ (مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الدُّنْيَا عِبَارَةٌ عَنِ الدَّارِ الْقُرْبَى الَّتِي هِيَ مَعْبَرٌ لِلدَّارِ الْأُخْرَى وهي مزرعة لها وما خلقت السماوات وَالْأَرْضُ إِلَّا لِتَكُونَ مَسَارِحَ أَنْظَارِ الْمُتَبَصِّرِينَ وَمُتَعَبَّدَاتِ الْمُطِيعِينَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتُ هَذَا باطلا أَيْ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ بَلْ خَلَقْتَهَا لِأَنْ تَجْعَلَهَا مَسَاكِنَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَأَدِلَّةً لَهُمْ عَلَى مَعْرِفَتِكَ
فَمَنْ حَاوَلَ قَتْلَ مَنْ خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ فَقَدْ حَاوَلَ زَوَالَ الدُّنْيَا
وبِهَذَا لُمِحَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أحد يقول الله الله
قال القارىء وإليه الايعاء بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جميعا الاية
قوله (وفي الباب عن سعد وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حديث(4/543)
حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
(بَاب الْحُكْمِ فِي الدِّمَاءِ)
[1396] قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ الْعِبَادِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فِي الدِّمَاءِ) خَبَرُ إِنَّ قَالَ النووي هذا التعظيم أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَأْثِيرِ خَطَرِهَا
ولَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ
لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقٍّ لِلَّهِ وَهَذَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَالْأَظْهَرُ أن يقال لأن ذَلِكَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ وَهَذَا فِي الْمَأْمُورَاتِ أَوْ الْأَوَّلُ فِي الْمُحَاسَبَةِ وَالثَّانِي فِي الْحُكْمِ لِمَا أخرج النسائي عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ
وفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان
[1398] قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ(4/544)
اشْتَرَكُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ لِلْمُضِيِّ فَإِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ فَاعِلٌ وَالتَّقْدِيرُ لَوِ اشْتَرَكَ أَهْلُ السَّمَاءِ (فِي دَمِ مُؤْمِنٍ) أَيْ إِرَاقَتِهِ
والْمُرَادُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) أَيْ صَرَعَهُمْ فِيهَا وَقَلَّبَهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَبَّهُ بِوَجْهِهِ أَيْ صَرَعَهُ فَأَكَبَّ هُوَ وَهَذَا مِنَ النَّوَادِرِ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ لَازِمًا وَفَعَلَ مُتَعَدِّيًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
وقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَا يَكُونُ بِنَاءُ أَفْعَلَ مُطَاوِعًا لِفِعْلٍ بَلْ هَمْزَةُ أَكَبَّ لِلصَّيْرُورَةِ أَوْ لِلدُّخُولِ فَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا كَبٍّ أَوْ دَخَلَ فِي الْكَبِّ وَمُطَاوِعُ فَعَلَ انْفَعَلَ نَحْوُ كَبَّ وَانْكَبَّ وَقَطَعَ وَانْقَطَعَ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَالصَّوَابُ كَبَّهُمْ اللَّهُ
ولَعَلَّ مَا فِي الْحَدِيثِ سَهْوٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
وقَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ هَذَا عَلَى الْأَصْلِ
وكَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَلِأَنَّ الجوهري ناف والرواة مثبتون قال القارىء فِيهِ إِنَّ الْجَوْهَرِيَّ لَيْسَ بِنَافٍ لِلتَّعْدِيَةِ بَلْ مُثْبِتٌ لِلُّزُومِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ اللُّزُومِ نَفْيُ التَّعْدِيَةِ هَذَا وَقَدْ أَثْبَتَهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ كَبَّهُ قَلْبَهُ وَصَرَعَهُ كَأَكَبَّهُ وَكَبْكَبَهُ فَأَكَبَّ وَهُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ
(بَاب مَا جَاءَ في الرجل يقتل ابنه أيقاد مِنْهُ أَمْ لَا)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَوَدُ الْقِصَاصُ وَقَتْلُ الْقَاتِلِ بَدَلَ الْقَتِيلِ وَقَدْ أَقَدْتُهُ بِهِ أُقِيدُهُ إِقَادَةً وَاسْتَقَدْتُ الْحَاكِمَ سَأَلْتُهُ أَنْ يُقِيدَنِي وَاقْتَدْتُ مِنْهُ أَقْتَادُ
[1399] قَوْلُهُ (عَنْ سُرَاقَةَ بن مالك) أي بن جعثم الْمُدْلِجِيِّ الْكِنَانِيِّ كَانَ يَنْزِلُ قَدِيدًا وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَكَانَ شَاعِرًا مُجِيدًا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ
قَوْلُهُ (يُقِيدُ الْأَبَ) مِنَ الْإِقَادَةِ أَيْ يُقْتَصُّ لَهُ (مِنَ ابْنِهِ) بِكَسْرِ النُّونِ مِنَ للالتقاء أَيْ لِأَجْلِهِ وَبِسَبَبِهِ
والْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ قِيلَ كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نسخ ذكره بن الْمَلِكِ (وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ) بِكَسْرِ اللَّامِ لِلِالْتِقَاءِ (مِنْ أَبِيهِ) قَالُوا الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْوَالِدَ سَبَبُ وُجُودِ الْوَلَدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَبَبًا لِعَدَمِهِ
كَذَا فِي اللَّمَعَاتِ
قَالَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ وَلَعَلَّ الِابْنَ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ(4/545)
حَدِيثِ سُرَاقَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وفِيهِ اضْطِرَابٌ واختلاف على عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقِيلَ عَنْ عَمْرٍو قِيلَ عَنْ سُرَاقَةَ قِيلَ بلا واسطة وهي عند أحمد وفيها بن لهيعة
[1401] قَوْلُهُ (لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ) صَوْنًا لَهَا وَحِفْظًا لِحُرْمَتِهَا فَيُكْرَهُ (وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) أَيْ لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِقَتْلِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي إِيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إِعْدَامِهِ
كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
وقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ حَفِظْتُ عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيتُهُمْ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَبِذَلِكَ أَقُولُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْقَطِعَةٌ
وأَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ انْتَهَى(4/546)
10 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)
إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ [1402] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ) أَيْ إِرَاقَتُهُ وَالْمُرَادُ الْإِنْسَانُ فَإِنَّ الْحُكْمَ شَامِلٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (مُسْلِمٍ) صِفَةٌ مُقَيِّدَةٌ لامرىء (يَشْهَدُ) أَيْ يَعْلَمُ وَيَتَيَقَّنُ وَيَعْتَقِدُ
قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ يَشْهَدَ حَالٌّ جِيءَ بِهَا مُقَيِّدَةٌ لِلْمَوْصُوفِ مَعَ صِفَتِهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ هُمَا الْعُمْدَةُ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ
كَيْفَ تصنع بلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وقَالَ الْقَاضِي يَشْهَدُ مَعَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ جَاءَتْ لِلتَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ هُوَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا كَافٍ لِلْعِصْمَةِ
(إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ) أَيْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَزِنَا الْمُحْصَنِ وَالِارْتِدَادُ
فَفَصَّلَ ذَلِكَ بِتَعْدَادِ الْمُتَّصِفِينَ بِهِ الْمُسْتَوْجِبِينَ الْقَتْلَ لِأَجْلِهِ فَقَالَ (الثَّيِّبُ الزَّانِي) أَيْ زِنَا الثَّيِّبِ (وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ) أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَحِلُّ قَتْلُ النَّفْسِ قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَهَا عُدْوَانًا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِوَلِيِّ الدَّمِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِأَحَدٍ سِوَاهُ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ انْتَهَى
(وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ تَرْكُ التَّارِكِ وَالْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ صِفَةٌ مُوَلَّدَةٌ لِلتَّارِكِ لِدِينِهِ أَيْ الَّذِي تَرَكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَانْفَرَدَ عَنْ أَمْرِهِمْ بِالرِّدَّةِ الَّتِي هِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوِ اعْتِقَادًا فَيَجِبُ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ وَتَسْمِيَتُهُ مُسْلِمًا مَجَازِيًّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا بِالْبِدْعَةِ أَوْ نَفْيِ الْإِجْمَاعِ كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ إِلَخْ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ
قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نَفْسًا مُعَاهِدَةً)
بِكَسْرِ الْهَاءِ مَنْ عَاهَدَ الْإِمَامَ عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ ذِمِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَنْ عاهده(4/547)
الْإِمَامُ
قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِالْمُعَاهَدَةِ مَنْ كَانَ لَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ شَرْعِيٌّ سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ
[1403] قَوْلُهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً) أَيْ رَجُلًا مُعَاهِدًا (لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الذِّمَّةُ وَالذِّمَامُ وَهُمَا بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ وَالضَّمَانِ وَالْحُرْمَةِ وَالْحَقِّ
وسُمِّيَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِدُخُولِهِمْ فِي عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانِهِمْ انْتَهَى
(فَقَدْ أَخْفَرَ بذمة الله) قال في المجتمع خَفَرْتُهُ أَجَرْتُهُ وَحَفِظْتُهُ وَالْخِفَارَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الذِّمَامُ وَأَخْفَرْتُهُ إِذَا أَنْقَضْتُ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ وَهَمْزَتُهُ لِلسَّلْبِ (فَلَا يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يَرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ وَأَرَاحَ يُرِيحُ إِذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ والثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ
قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْيَاءِ هُوَ أَجْوَدُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
قَالَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ عاما التخصيص بِزَمَانٍ مَا لِمَا تَعَاضَدَتِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ غَيْرُ مُخَلَّدٍ فِي النَّارِ وَمَآلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَوْ عُذِّبَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى
(وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ عَامًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
والْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَتُوجَدُ
قَالَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وفِي رِوَايَةٍ سَبْعِينَ عَامًا وفِي الْأُخْرَى مِائَةَ عَامٍ وفِي الْفِرْدَوْسِ أَلْفَ عَامٍ وَجُمِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ وَتَفَاوُتِ الدَّرَجَاتِ فَيُدْرِكُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَمَنْ شَاءَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا وما بين ذلك
قاله بن العربي وغيره ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ طُولُ الْمَسَافَةِ لَا تَحْدِيدُهَا انْتَهَى
قُلْتُ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ وَذَكَرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ خَمْسَ مِائَةِ عَامٍ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَهَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ ثم ذكر وجه الجمع عن بن بَطَّالٍ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَرْبَعِينَ أَقَلُّ زَمَنٍ يُدْرِكُ بِهِ رِيحَ الْجَنَّةِ مَنْ فِي الْمَوْقِفِ وَالسَّبْعِينَ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ ذُكِرَتْ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْخَمْسُ مِائَةٍ ثُمَّ الْأَلْفُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ الْبُعْدَى أَفْضَلُ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ الْقُرْبَى وَبُيِّنَ ذَلِكَ
وقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ رَأَيْتُ نَحْوَهُ في كلام بن الْعَرَبِيِّ وَنَقَلَ كَلَامَهُمَا فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن ماجه(4/548)
12 - باب [1404] قَوْلُهُ (وَدِيَ الْعَامِرِيَّيْنِ) الَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ (بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِثْلَ دِيَةِ المسلمين
وأخرج البيهقي عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْعَامِرِيَّيْنِ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ
وأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْمُعَاهَدِينَ دِيَةَ الْمُسْلِمِ (وَكَانَ لَهُمَا) أَيْ لِلْعَامِرِيَّيْنِ (عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَلِذَلِكَ قَتَلَهُمَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
والرَّاوِي عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ) الْعَبْسِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ الْأَعْوَرُ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَالَهُ الْحَافِظُ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ)
[1405] قَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) أَيْ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَرِيبٌ كَانَ حَيًّا فَصَارَ قَتِيلًا بِذَلِكَ الْقَتْلِ (فَهُوَ) أَيْ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ يَعْنِي وَلِيَّ الْمَقْتُولِ (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) يَعْنِي الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ أَيَّهُمَا اخْتَارَ كَانَ لَهُ (إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْمُرَادُ بِالْعَفْوِ أَخْذُ الدِّيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدية
ولأبي داود وبن مَاجَهْ
وعَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ بِلَفْظِ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ(4/549)
وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ
أَيْ إِنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ
قَالَ وفِي الْحَدِيثِ إِنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ
واخْتُلِفَ إِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إِجَابَتُهُ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى ذَلِكَ
وعَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ إِلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ
واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ
بِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا أَوْ طِفْلًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغَ الطِّفْلُ وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ كَعْبِيٌّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ [1406] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ جَعَلَهَا مُحَرَّمَةً مُعَظَّمَةً وَأَهْلُهَا تَبَعٌ لَهَا فِي الْحُرْمَةِ (وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) أَيْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَرَّمَهَا إِبْرَاهِيمُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) اكْتَفَى بِطَرَفَيِ الْمُؤْمِنِ بِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ (فَلَا يَسْفِكَنَّ) أَيْ فَلَا يَسْكُبَنَّ (فِيهَا دَمًا) أي بالجرح والقتل
قال القارىء وَهَذَا إِذَا كَانَ دَمًا مُهْدَرًا وَفْقَ قَوَاعِدِنَا وَإِلَّا فَالدَّمُ الْمَعْصُومُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ فِي حُرْمَةِ سَفْكِهِ (وَلَا يَعْضِدَنَّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ وَلَا يَقْطَعْ (فِيهَا شَجَرًا) وفِي مَعْنَاهَا النَّبَاتُ وَالْحَشِيشُ (فَقَالَ) أَيْ الْمُتَرَخِّصُ عَطْفٌ على ترخيص (فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ
وَبِهِ تَمَّ جَوَابُ الْمُتَرَخِّصِ ثُمَّ ابْتَدَأَ وَعَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ فَقَالَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي إِلَخْ (ثُمَّ هِيَ) أَيْ مَكَّةُ (ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ قَتَلُوا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي هُذَيْلٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ دِيَتَهُ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ (مِنْ هُذَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَإِنِّي عَاقِلُهُ) أي(4/550)
مُؤَدٍّ دِيَتَهُ مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَةِ الدِّيَةِ بِالْعَقْلِ (فَمَنْ قُتِلَ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ اخْتِيَارَيْنِ وَالْمَعْنَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ (إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا) أَيْ قَاتَلَهُ (أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ) أَيْ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بِلَفْظِ أَوْ مَكَانَ الْوَاوِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول من أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبَلٍ وَالْخَبَلُ الْجُرْحُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ
الْحَدِيثَ
ورَوَاهُ أَيْضًا أبو داود وبن مَاجَهْ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ
[1407] قَوْلُهُ (قُتِلَ رَجُلٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَدَفَعَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَى وَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ (مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ) أَيْ مَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) أَيْ الْقَاتِلُ (إِنْ كَانَ صَادِقًا) يُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ الْعَمْدُ لَا يَسَعُ فِيهِ كَلَامُ الْقَاتِلِ إِنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ فِي الْحُكْمِ
نَعَمْ يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ خَوْفًا مِنْ لُحُوقِ الْإِثْمِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ دَعْوَى الْقَاتِلِ (فَخَلَّاهُ) أَيْ تَرَكَ الْقَاتِلَ (الرَّجُلُ) بِالرَّفْعِ أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ (وَكَانَ) أَيْ الْقَاتِلُ (مَكْتُوفًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَكْتُوفُ الَّذِي شُدَّتْ يَدَاهُ مِنْ خَلْفِهِ (بِنِسْعَةٍ) بِكَسْرِ نُونٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ فَمُهْمَلَةٍ قِطْعَةُ جِلْدٍ تُجْعَلُ زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ (فَخَرَجَ) أَيْ الْقَاتِلُ (يُسَمَّى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الْقَاتِلُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه(4/551)
14 - (باب بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ)
[1408] قَوْلُهُ (أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (بِتَقْوَى اللَّهِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَعَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى خَاصَّتِهِ أَيْ وفِي مَنْ مَعَهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا) نُصِبَ عَلَى انْتِزَاعِ الْخَافِضِ أَيْ بِخَيْرٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَنْ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ أَوْصَى بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَى بِخَيْرٍ فِي مَنْ مَعَهُ من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه وَالْخَيْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِشَارَةٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَشُدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَأْتِي ويذر
وأن يسهل على من معه من الْمُسْلِمِينَ وَيَرْفُقَ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا (فَقَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَرْضَاتِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ (قَاتِلُوا مَنْ كفر بالله) جملة موضحة لا غزوا (اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا) وفِي الْمِشْكَاةِ فَلَا تَغُلُّوا
قال القارىء أَعَادَ قَوْلَهُ اغْزُوا لِيُعَقِّبَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ انْتَهَى
وهُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ
(وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدال أي لا تنقضوا العهد
وقيل لا تُحَارِبُوهُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ كَقَتَّلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ
وفِي الْقَامُوسِ مَثَّلَ بِفُلَانٍ مَثَلًا وَمُثْلَةً بِالضَّمِّ نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ مَثَّلْتُ بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ بِهِ مَثَلًا إِذَا قَطَعْتَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهْتَ بِهِ وَمَثَّلْتَ بِالْقَتِيلِ إِذَا جَدَعْتَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ
وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ فَأَمَّا مَثَّلَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ انْتَهَى
(وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ طِفْلًا صَغِيرًا (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهَا مسلم بطولها
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَسَمُرَةَ وَالْمُغِيرَةِ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَأَبِي أَيُّوبَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ انْتَهَى
قُلْتُ ذَكَرَ بَعْضًا مِنْهَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ(4/552)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُثْلَةَ) أَيْ حَرَّمُوهَا فَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْحُرْمَةَ
قَوْلُهُ (عَنْ شَدَّادِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ أَوْسٍ) بفتح الهمزة وسكون الواو بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِّ قَبْلَ السِّتِّينَ أو بعدها وهو بن أَخِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
[1409] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلْإِنْسَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَوْجَبَ مُبَالَغَةً لِأَنَّ الْإِحْسَانَ هُنَا مُسْتَحَبٌّ وَضَمَّنَ الْإِحْسَانَ مَعْنَى التَّفَضُّلَ وَعَدَّاهُ بِعَلَى
والْمُرَادُ بِالتَّفَضُّلِ إِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ بِتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِهِ
وقَالَ الشُّمُّنِيُّ عَلَى هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِحْسَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ عَلَى أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَتَبَ وَالتَّقْدِيرُ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْإِحْسَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ (فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) وَبِكَسْرِ الْقَافِ الْحَالَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسْتَحِقَّةُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا وَالْإِحْسَانُ فِيهَا الاختيار أَسْهَلِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا أَلَمًا (وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ يُرْوَى بِفَتْحِ الذَّالِ وَبِغَيْرِ هَاءٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفِي بَعْضِهَا بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ (وَلْيُحِدَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ سِكِّينَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحِدَّ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا (وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَسْتَرِيحَ وَتَبْرُدَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرَاحَ الرَّجُلُ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَالِاسْمُ الرَّاحَةُ وَهَذَانِ الْفِعْلَانِ كَالْبَيَانِ لِلْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتْلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا وَحْدًا وَنَحْوِ ذَلِكَ
وهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الجوامع انتهى
قال القارىء قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَكُرِهَ السَّلْخُ قَبْلَ التَّبَرُّدِ وَكُلُّ تَعْذِيبٍ بِلَا فَائِدَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ
ولِمَا أَخْرَجَ الحاكم في المستدرك عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ هَلَّا أَحْدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَأَبُو الْأَشْعَثِ اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ آدَةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالصَّوَابُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ(4/553)
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ وَيُقَالُ ادة جد أبيه وهو بن شَرَاحِيلَ بْنِ كَلْبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ انْتَهَى
وكَذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَنِينُ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ وَالْجَمْعُ أَجِنَّةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أجنة في بطون أمهاتكم
[1411] قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا ضَرَّتَيْنِ) قَالَ فِي القاموس الضرتان زوجتان وَكُلُّ ضَرَّةٍ لِلْأُخْرَى وَهُنَّ ضَرَائِرُ
بِحَجَرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطَاطٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ خَيْمَةٍ (غُرَّةٌ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وبالتنوين (عبدا) بَيَانٌ لِلْغُرَّةِ (أَوْ أَمَةٌ) أَوْ لَيْسَ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّنْوِيعِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْغُرَّةُ الْعَبْدُ نَفْسُهُ أَوِ الْأَمَةُ وَأَصْلُ الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ
وكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ يَقُولُ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أبْيَضُ أَوْ أَمَةٌ بَيْضَاءُ
وسُمِّيَ غُرَّةً لِبَيَاضِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَةِ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَلَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْغُرَّةُ عِنْدَهُمْ مَا بَلَغَ ثَمَنُهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ
وإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا فَإِنْ سَقَطَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً
وقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْحَدِيثُ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ
وقِيلَ إِنَّ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي انْتَهَى
(وَجَعَلَهُ) أَيْ الْغُرَّةَ (عَلَى عَصَبَةِ الْمَرْأَةِ) أَيْ الْقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْوَلَدِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا
قَوْلُهُ (قَالَ الحسن) هو بن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
[1410] قَوْلُهُ(4/554)
(أَنُعْطِي) مِنَ الْإِعْطَاءِ وفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ إِلَخْ (وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ) وفِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ تَصْوِيتُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ (فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يَبْطُلُ وَيُهْدَرُ مِنْ طَلَّ الْقَتْلُ يَطُلُّ فَهُوَ مَطْلُولٌ وَرُوِيَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ (إِنَّ هَذَا لَيَقُولُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ) وفِي حَدِيثِ مُرْسَلِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ إِنَّ هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ
وفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فقال سجع كسجع الأعراب وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ أَسْجَعُ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَهَانَتِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ وَلَمْ يَعِبْهُ بِمُجَرَّدِ السَّجْعِ دُونَ مَا تَضَمَّنَ سَجْعُهُ مِنَ الْبَاطِلِ أَمَّا إِذَا وُضِعَ السَّجْعُ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الْكَلَامِ فَلَا ذَمَّ فِيهِ وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ إِلَى التَّسْجِيعِ وَإِنَّمَا جَاءَ اتِّفَاقًا لِعِظَمِ بَلَاغَتِهِ وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَقَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ الْغَالِبُ وَمَرَاتِبُهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِي قَوْلِهِ فِي حديث بن عباس أسجع الجاهلية وكهانتها دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ السَّجْعِ إِنَّمَا هو ما كان في ذَلِكَ الْقَبِيلِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ إِبْطَالُ شَرْعٍ أَوِ إِثْبَاتُ بَاطِلٍ أَوْ كَانَ مُتَكَلَّفًا
وقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا غَيْرَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ نَعَمْ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْجَنِينِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ) قَالَ الْحَافِظُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ
وكَذَا وَقَعَ عند عبد الرزاق في رواية بن طاؤوس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ فِي الْمَرْأَةِ وفِي(4/555)
الْجَنِينِ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ
وأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَرَسِ فِي الْمَرْفُوعِ وَهْمٌ وَأنَّ ذَلِكَ أُدْرِجَ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِلْغُرَّةِ
وذَكَرَ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ بِلَفْظِ فَقَضَى أَنَّ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً قَالَ طَاوُسٌ الْفَرَسُ الغرة قال الحافظ ونقل بن المنذر والخطابي وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ فَرَسٌ وَتَوَسَّعَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالُوا يُجْزِئُ كُلُّ مَا وقع عليه اسم الغرة انتهى
6 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)
[1412] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ المهملة وتشديد الراء المكسورة بن طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو جُحَيْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ اسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَكَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَرَوَى عَنْهُ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ
قَوْلُهُ (هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ) الْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ
أَوْ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ رَئِيسُهُمْ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا سِيَّمَا عَلِيًّا أَشْيَاءَ مِنَ الْوَحْيِ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُمْ عَلَيْهَا
وقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَحَدِيثُهُمَا فِي مُسْنَدِ النَّسَائِيِّ (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ) أَيْ شَقَّهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ وَالْغُصْنَ (وَبَرَأَ النَّسَمَةَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ خَلَقَهَا وَالنَّسَمَةُ النَّفْسُ وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ (مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَالَ لا
إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ
(وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ) عَطْفٌ عَلَى فَهْمًا وفِي رِوَايَةٍ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ
والْمُرَادُ بِالصَّحِيفَةِ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبَةُ قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَأَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَزْعُمُونَ فَذَكَرَ كَمَا نَقَلْنَا عَنِ الْحَافِظِ ثُمَّ قَالَ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْهُ عِلْمًا وَتَحْقِيقًا لَا يَجِدُهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ(4/556)
يَخُصَّ بِالتَّبْلِيغِ وَالْإِرْشَادِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ
وإِنَّمَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ وَاسْتِعْدَادِ الِاسْتِنْبَاطِ
فَمَنْ رُزِقَ فَهْمًا وَإِدْرَاكًا وَوُفِّقَ لِلتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِهِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهِ فُتِحَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْعُلُومِ وَاسْتَثْنَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا لَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْعِلْمِ (قَالَ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ) وفِي رِوَايَةٍ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (قَالَ فِيهَا الْعَقْلُ) أَيْ الدِّيَةُ وَأَحْكَامُهَا يَعْنِي فِيهَا ذِكْرُ مَا يَجِبُ لِدِيَةِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِبِلِ وَذِكْرُ أَسْنَانٍ تُؤَدَّى فِيهَا وَعَدَدِهَا
(وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ فِيهَا حُكْمُ تَخْلِيصِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ (وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ قِصَاصًا سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ
وهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري وبن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وقِيلَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ
وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا احْتِجَاجَ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَخْطَأَ إِذْ قِيلَ إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ
وقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَتَيْنِ وَمَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولًا فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا وَالْمُسْتَأْمَنُ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وِفَاقًا وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الْفَتْحِ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عَلَى دَرَجِ الْبَيْتِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ
وفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
والْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَفْظُ الْكَافِرِ صَادِقٌ
عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا هُوَ صَادِقٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَحَادِيثُ أُخْرَى
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ(4/557)
عن معمر عن الزهري عن سالم عن أَبِيهِ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ إِلَى عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَغَلَّظَ عليه الدية
قال بن حَزْمٍ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا إِلَّا مَا رُوِينَاهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَارِبَهُ ثُمَّ أَلْحَقَهُ كِتَابًا
فَقَالَ لَا تَقْتُلُوهُ وَلَكِنِ اعْتَقِلُوهُ
وأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي أَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ فَلَيْسَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ
ومِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيُّ
وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَدِيثُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ
قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ كَمَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ
والْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْمُعَاهَدِ لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِمَنْ كَانَ مُعَاهَدًا مِثْلَهُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ إِجْمَاعًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَافِرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْحَرْبِيِّ كَمَا قُيِّدَ فِي الْمَعْطُوفِ لِأَنَّ الصِّفَةَ بَعْدَ مُتَعَدِّدٍ تَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ
ويُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَفْهُومُ صِفَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الْعَمَلِ بِهِ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ
ومِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ
عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ يُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ وَقَدْ أُجِيبَ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَكَذَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي الْجَوَابِ عَنْ مُتَمَسَّكَاتِهِمُ الْأُخْرَى فعليك أن تراجع الفتح
7 - قوله (حدثنا بن وَهْبٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ
[1413] قَوْلُهُ (قَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا عَرَفْتَ
قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ إِلَخْ
(دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ عَقْلُ الْكَافِرِ بِحَذْفِ لَفْظِ الدِّيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الدِّيَةُ وفِي لَفْظٍ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمُ اليهود والنصاري
رواه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ
وفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ مِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أهل الكتاب يؤمئذ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ
قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ(4/558)
أَلْفًا الْحَدِيثَ وفِيهِ تَرَكَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي هَذَا الْبَابِ حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وصححه بن الْجَارُودِ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) وَحُجَّتُهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ
أَخْرَجَ أَثَرَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَالْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ فِي النَّيْلِ وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وأخرج بن حزم في الايصال من طريق بن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّحَاوِيُّ وبن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل بن لهيعة
وروى البيهقي عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ ثمانمائة درهم وفي إسناده بن لَهِيعَةَ
وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامر نحوه وفيه أيضا بن لهيعة وروى نحو ذلك بن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه بن لَهِيعَةَ (وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَثَرِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَبِمَا ذَكَرْنَا (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فدية مسلمة إلى أهله قَالُوا إِطْلَاقُ الدِّيَةِ يُفِيدُ أَنَّهَا الدِّيَةُ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ
ويُجَابُ عَنْهُ أَوَّلًا بِمَنْعِ كون المعهود ها هنا هُوَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُعَاهَدِينَ وَثَانِيًا بِأَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ كُلِّهَا ضَعِيفَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَبَيَّنَ عِلَلَهَا ثُمَّ قَالَ وَمَعَ هَذِهِ الْعِلَلِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ وَكَوْنِهِ قَوْلًا وَهَذِهِ فِعْلًا وَالْقَوْلُ أَرْجَحُ مِنَ الْفِعْلِ انْتَهَى(4/559)
18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ)
[1414] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ يُقْتَلُ (وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ) أَيْ مَنْ قَطَعَ أَطْرَافَ عَبْدِهِ قَطَعْنَا أَطْرَافَهُ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ طَرَفَ الْحُرِّ لَا يُقْطَعُ بِطَرَفِ الْعَبْدِ فَثَبَتَ بهذا الانفاق أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا حَسَنٌ غَرِيبٌ
وكَذَا وَقَعَ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي نُسَخٍ مِنَ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا لَفْظَ حَسَنٌ غَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إِلَى هَذَا)
قَالَ فِي النَّيْلِ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ إِلَّا عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَأَخَذَ بِحَدِيثِهِ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ
وتَأَوَّلُوا الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ كَانَ عَبْدَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ مَانِعًا (وَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ انْتَهَى(4/560)
19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ هَلْ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا)
[1415] قَوْلُهُ (الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْعُقُولِ وَالْعَاقِلَةِ
أَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ الدِّيَةُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا جَمَعَ الدِّيَةَ مِنَ الْإِبِلِ فَعَقَلَهَا بِفِنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَيْ شَدَّهَا فِي عُقُلِهَا ليسلها إِلَيْهِمْ وَيَقْبِضُوهَا مِنْهُ فَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا بِالْمَصْدَرِ يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرَ يَعْقِلُهُ عَقْلًا وَجَمْعُهَا عُقُولٌ وَكَانَ أَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلَ ثُمَّ قُوِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا
والْعَاقِلَةُ هِيَ الْعَصَبَةُ وَالْأَقَارِبُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ الَّذِينَ يُعْطُونَ دِيَةَ قَتِيلِ الْخَطَأِ وَهِيَ صِفَةُ جَمَاعَةٍ عَاقِلَةٍ وَأَصْلُهَا اسْمُ فَاعِلَةٍ مِنَ الْعَقْلِ وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ انْتَهَى
(حَتَّى أَخْبَرَهُ) أَيْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الضَّحَّاكُ) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ المهملة (بن سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ) بِكَسْرِ الْكَافِ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ كَانَ مِنْ عُمَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ بِشَجَاعَتِهِ يُعَدُّ بِمِائَةِ فَارِسٍ وَكَانَ يَقُومُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ تَفْسِيرِيَّةٌ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ (وَرِّثْ) أَمْرٌ مِنَ التَّوْرِيثِ أَيْ إِعْطَاءِ الْمِيرَاثِ (امْرَأَةَ أَشْيَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَسُكُونِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ وَكَانَ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ رواية بن شهاب عن عمر وزاد قال بن شِهَابٍ وَكَانَ قَتْلَهُمْ أَشْيَمَ خَطَأً (الضِّبَابِيِّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى مَنْسُوبٌ إِلَى ضباب قلعة بالكوفة وهو صحابي ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ (مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَرَجَعَ عُمَرُ أَيْ عَنْ قَوْلِهِ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ أَوَّلًا ثُمَّ تَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ
وهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ وَلَا الزَّوْجَ وَلَا الْمَرْأَةَ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ عُمَرُ يَذْهَبُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إِلَى ظَاهِرِ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا تَجِبُ(4/561)
دِيَتُهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ
وإِذَا مَاتَ بَطَلَ مِلْكُهُ فَلَمَّا بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ تَرَكَ الرَّأْيَ وَصَارَ إِلَى السُّنَّةِ انْتَهَى
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ
وفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ آخَرَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِصَاصِ)
بِكَسْرِ الْقَافِ مَصْدَرٌ مِنَ الْمُقَاصَّةِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ أَوْ فِعَالٌ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ أَيْ تَبِعَهُ وَالْوَلِيُّ يَتْبَعُ الْقَاتِلَ فِي فِعْلِهِ وفِي الْمُغْرِبِ الْقِصَاصُ هُوَ مُقَاصَّةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلَ وَالْمَجْرُوحِ الْجَارِحَ وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ إِيَّاهُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مُسَاوَاةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
[1416] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ) الْعَضُّ أَخْذُ الشَّيْءِ بِالسِّنِّ وفِي الصُّرَاحِ الْعَضُّ كزيدن مِنْ سَمِعَ يَسْمَعُ وَضَرَبَ يَضْرِبُ (فَنَزَعَ) أَيْ الْمَعْضُوضُ (يَدَهُ) أَيْ مِنْ فِيِّ الْعَاضِّ (فَوَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (ثَنِيَّتَاهُ) أَيْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ وَالثَّنِيَّتَانِ السِّنَّانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَالْجَمْعُ الثَّنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ تَحْتُ (فَاخْتَصَمُوا) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَاخْتَصَمَا (فَقَالَ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ (كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ الذَّكَرُ مِنَ الْإِبِلِ (لَا دِيَةَ لَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْهُ كَالْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا شَابَهَهَا فَلَا قِصَاصَ وَلَا أَرْشَ فَأَنْزَلَ الله تعالى والجروح قصاص أَيْ يُقْتَصُّ فِيهَا إِذَا أَمْكَنَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالذَّكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْحُكُومَةُ
كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أعني فأنزل الله تعالى والجروح قصاص لَمْ أَجِدْهَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَسَلَمَةَ بن أمية) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ (وَهُمَا أَخَوَانِ) فِي التَّقْرِيبِ سَلَمَةُ بْنُ أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ(4/562)
21 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ)
[1417] قَوْلُهُ (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ) بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ
قَوْلُهُ (حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ) أَيْ فِي أَدَاءِ شَهَادَةٍ بِأَنْ كَذَبَ فِيهَا أَوْ بِأَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ ذَنْبًا أَوْ دَيْنًا فَحَبَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ صِدْقَ الدَّعْوَى بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ خَلَّى عَنْهُ (ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ) أَيْ تَرَكَهُ عَنِ الْحَبْسِ بِأَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَالْمَعْنَى خَلَّى سَبِيلَهُ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ فِيهِ أَنَّ حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَشْرُوعٌ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الْبَيِّنَةُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَجَدُّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ وَلَهُ صُحْبَةٌ
وفِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى
قُلْتُ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقَالَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مِنْ دُونِ بَهْزٍ ثِقَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ
وقال في تهذيب التهذيب وقال بن حبان كان يخطىء كَثِيرًا فَأَمَّا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَهُمَا يَحْتَجَّانِ بِهِ وَتَرَكَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى إسماعيل بن إبراهيم) هو بن عُلَيَّةَ (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ هَذَا الْحَدِيثَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَاهُ أَوْ عَمَّهُ قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِيرَانِي بِمَ أُخِذُوا
فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَ أُخِذُوا
فَأَعْرَضَ عَنْهُ
فَقَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قال فقام أخوه أو بن أَخِيهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَالَ
فَقَالَ لَقَدْ قُلْتُمُوهَا أَوْ قَائِلُكُمْ وَلَئِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ إِنَّهُ لَعَلَيَّ وَمَا هُوَ عَلَيْكُمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ
وأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ قَوْمِي فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ تَحْبِسُ جِيرَانِي فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ
فَقَالَ إِنَّ نَاسًا لَيَقُولُونَ إِنَّكَ تَنْهَى عَنِ الشَّرِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ(4/563)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُ قَالَ فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا بِالْكَلَامِ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا فَيَدْعُوَ عَلَى قَوْمِي دَعْوَةً لَا يُفْلِحُونَ بَعْدَهَا أَبَدًا
فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ حَتَّى فَهِمَهَا
فَقَالَ قَدْ قَالُوهَا أَوْ قَائِلُهَا مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَكَانَ عَلَيَّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ انْتَهَى
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)
[1418] قَوْلُهُ (وَحَاتِمُ بْنُ سِيَاهٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تحتانية وآخرها هاء منونة مقبول مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة
قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ عَنْ مَالِهِ (فَهُوَ شَهِيدٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ لَا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
[1419] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ أَبُو طَالِبٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وأبي هريرة وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقَيْنِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي
قَالَ فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ
قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قاتلني قال قَاتِلْهُ
قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي
قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ
قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ
وفِي لَفْظِ أَحْمَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي قَالَ انْشُدِ اللَّهَ
قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ انْشُدِ اللَّهَ
قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ
قَالَ قَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ(4/564)
فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ
وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيَكَ عَنْهُ بِلَفْظِ وَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ من حديث بن عُمَرَ مَا كَانَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ
كَذَا في النيل
وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
اعْلَمْ أَنَّ الْحَافِظَ قَدْ تَعَقَّبَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنَ التَّلْخِيصِ مَنْ زَعَمَ أن حديث بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ وفِي هَذَا التَّعَقُّبِ نَظَرٌ
فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفِيهِ قِصَّةٌ وَقَدِ اعْتَرَفَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ من طريق بن عَمْرٍو وَذَكَرَ الْقِصَّةَ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وهو الحق لأحاديث الباب
(قال بن الْمُبَارَكِ يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ وَلَوْ دِرْهَمَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ مُقَاتَلَةُ مَنْ أَرَادَ أَخْذَ مَالِ إِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إِذَا كَانَ الْأَخْذُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْمُقَاتَلَةَ وَاجِبَةٌ
وقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا تَجُوزُ إِذَا طَلَبَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ
ولَعَلَّ مُتَمَسَّكُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمُقَاتَلَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَى مَنْ رَامَ غَصْبَهُ
وأَمَّا الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ فَعُمُومُ أَحَادِيثِ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فَلَا يَعْدِلُ الْمُدَافِعُ إِلَى الْقَتْلِ مَعَ إِمْكَانِ الدَّفْعِ بِدُونِهِ
ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْشَادِ اللَّهِ قَبْلَ الْمُقَاتَلَةِ وَكَمَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَ الْمَالِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ أَرَادَ إِرَاقَةَ الدَّمِ وَالْفِتْنَةَ في الدين والأهل
وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ أَوْ نَفْسُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ الْمُقَاتَلَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ
قال بن الْمُنْذِرِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إِذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ انْتَهَى
ويَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ مَنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وحَمَلَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَادِيثَ(4/565)
الْبَابِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا إِمَامٌ
وَأَمَّا حَالَةُ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَلْيَسْتَسْلِمْ الْمَبْغِيُّ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يُقَاتِلُ أَحَدًا
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ
[1420] قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (وَأَثْنَى) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَوْلُهُ (مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ) بِالرَّفْعِ أَيْ الْإِنْسَانُ الذي أراد إنسان آخَرَ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ
(بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ ظُلْمًا (فَقَاتَلَ) أَيْ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ الَّذِي هُوَ مَالِكُ الْمَالِ دُونَ مَالِهِ (فَقُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَالِكُ الْمَالِ (فَهُوَ) أَيْ مَالِكُ الْمَالِ الْمَقْتُولُ (شَهِيدٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ
[1421] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا أَبِي) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا قَادِحٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطٍ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ دَفْعِهِ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِهِ ظُلْمًا (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ) أَيْ فِي الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ) أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ) أَيْ فِي الدَّفْعِ عَنْ بُضْعِ حَلِيلَتِهِ أَوْ قَرِيبَتِهِ (فَهُوَ شَهِيدٌ) لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُحْتَرَمٌ ذَاتًا وَدَمًا وَأَهْلًا وَمَالًا فَإِذَا أُرِيدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ فَإِذَا قُتِلَ بِسَبَبِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ(4/566)
23 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَسَامَةِ)
بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ مَصْدَرُ أَقْسَمَ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَيْمَانُ وَاشْتِقَاقُ الْقَسَامَةِ مِنَ الْقَسَمِ كَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْجَمْعِ وَقَدْ حَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْقَسَامَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْحَالِفِينَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ
وقَالَ فِي الضِّيَاءِ إِنَّهَا الْأَيْمَانُ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ إِنَّهَا فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْأَيْمَانِ قَالَهُ فِي النَّيْلِ
وقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَسَبَبُ الْقَسَامَةِ وُجُودُ الْقَتْلِ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَرُكْنُهَا قَوْلُهُمْ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا
وشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا حُرًّا عَاقِلًا
وقَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي قَسَامَةِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ صُورَةُ قَتِيلِ الْقَسَامَةِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ وَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ قَتْلَهُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي
كَأَنْ وُجِدَ فِي مَحَلَّتِهِمْ وَكَانَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
[1422] قَوْلُهُ (عَنْ بُشَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الْحَارِثِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِالْوَاوِ قَبْلَ عَنْ وَكَذَلِكَ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالَا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ إِلَخْ
وقَالَ وفِي الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ إِلَخْ (أَنَّهُمَا) أَيْ سَهْلًا وَرَافِعًا (وَمُحَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (أَقْبَلَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَقْبَلَ (وَحُوَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا وَقَدْ رُوِيَ التَّخْفِيفُ فِيهِ وفِي مُحَيِّصَةَ (قَبْلَ صَاحِبِهِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ وَهُوَ(4/567)
الظَّاهِرُ (كَبِّرْ الْكُبْرَ) الْأَوَّلُ أَمْرٌ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قَدِّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ وَأَسَنُّ بِالْكَلَامِ إِرْشَادٌ إِلَى الْأَدَبِ (مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ) أَيْ قَتْلَهُ (فَقَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا) وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ (صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا)
وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ
أَيْ يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنَ الْيَهُودِ فَتُبَرِّئُكُمْ مِنْ أَنْ تَحْلِفُوا (أَعْطَى عَقْلَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ دِيَتَهُ
زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ عِنْدِهِ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ لِتَصْرِيحِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِقَوْلِهِ مَنْ عِنْدَهُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ دَفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ صَدَقَةً بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَجَّانًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ
وقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ قَالَ حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فِي الْحَجِّ
وعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْعِنْدِيَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد وَبِهِ أَخَذَ كَافَّةُ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ الْأَخْذِ بِهِ وَرُوِيَ التَّوَقُّفُ عَنِ الْأَخْذِ بِهِ عَنْ طَائِفَةٍ فَلَمْ يَرَوُا الْقَسَامَةَ وَلَا أَثْبَتُوا بِهَا فِي الشَّرْعِ حُكْمًا
وهَذَا مَذْهَبُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَسَالِمِ بْنِ(4/568)
عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَتَادَةَ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَإِلَيْهِ يَنْحُو الْبُخَارِيُّ
ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُنَافِي مَا صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ أَنَّ كَافَّةَ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ انْتَهَى
(وَقَدْ رَأَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ إِلَخْ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا أَمْ لَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ
وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ
وقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ
واخْتَلَفُوا فِي مَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الورثة ويجب الحق بحلفهم
وقال أصحاب أبو حَنِيفَةَ يُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَتَحَرَّاهُمْ الْوَلِيُّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَمَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ
فَإِذَا حَلَفُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ نقلا عن النووي(4/569)
16 - (أبواب الحدود)
(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ)
[1423] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ علي) هو بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (رُفِعَ الْقَلَمُ) كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّكْلِيفِ (عَنْ ثَلَاثَةٍ) قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةٍ بِالْهَاءِ وفِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثٍ بِغَيْرِ هَاءٍ
ولَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ
(عَنِ النَّائِمِ) وَلَا يَزَالُ مُرْتَفِعًا (حَتَّى يَسْتَيْقِظَ) مِنْ نَوْمِهِ وَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ فِيمَا بَعْدَهُ (وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ) وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَكْبُرَ
وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَبْلُغَ
قَالَ السُّبْكِيُّ لَيْسَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَكْبَرَ
مِنَ الْبَيَانِ وَلَا فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ
مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي رِوَايَةَ حَتَّى يَحْتَلِمَ
فَالتَّمَسُّكُ بِهَا لِبَيَانِهَا وَصِحَّةِ سَنَدِهَا أَوْلَى (وَعَنِ الْمَعْتُوهِ) أَيْ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ (حَتَّى يَعْقِلَ) أَيْ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدارمي وأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ(4/570)
المذكور والحديث أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيٍّ) أَيْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَسَانِيدَ عَدِيدَةٍ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ وَعَنِ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ) أَيْ مَكَانَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ (وَلَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ هَلْ سَمِعَ الْحَسَنُ أَحَدًا مِنَ الْبَدْرِيِّينَ قَالَ رَآهُمْ رُؤْيَةً رَأَى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا
قِيلَ هَلْ سَمِعَ مِنْهُمَا حَدِيثًا قَالَ لَا رَأَى عَلِيًّا بِالْمَدِينَةِ وَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَلَمْ يَلْقَهُ الْحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ
وقَالَ الْحَسَنُ رَأَيْتُ الزُّبَيْرَ يُبَايِعُ عَلِيًّا
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ لَمْ يَرَ عَلِيًّا إِلَّا أَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ غُلَامٌ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ النِّيمَوِيُّ اتِّصَالُ الْحَسَنِ بِعَلِيٍّ ثَابِتٌ بِوُجُوهٍ فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الصَّغِيرِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانِ بْنِ سَالِمٍ الْقُرَشِيِّ الْعَطَّارِ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ رَأَى عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ الْتَزَمَا وَرَأَى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا الْتَزَمَا
ومِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ
قَالَ سَأَلْتُ الْحَسَنَ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّكَ لَمْ تُدْرِكْهُ
قَالَ
يا بن أَخِي لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَلَوْلَا مَنْزِلَتُكَ مِنِّي مَا أَخْبَرْتُكَ إِنِّي فِي زَمَانٍ كَمَا تَرَى
وكَانَ فِي عَمَلِ الْحَجَّاجِ كُلُّ شَيْءٍ
سَمِعْتَنِي أَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَيْرَ أَنِّي فِي زَمَانٍ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ عَلِيًّا
ومِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بْنُ أَشْرَسَ قَالَ أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَاهِلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ الْحَدِيثَ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي إِتْحَافِ الْفِرْقَةِ بِوَصْلِ الْخِرْقَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّيْرَفِيُّ شَيْخُ شُيُوخِنَا هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ حَوْثَرَةُ وَثَّقَهُ بن حبان وعقبة وثقة أحمد وبن مَعِينٍ
قُلْتُ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَفِي سَنَدِهِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ
وأَمَّا قَوْلُ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ فَلْيُنْظَرْ كَيْفَ إِسْنَادُهُ
وأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ
فَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْ عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ قَادِحَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هذا الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ) لَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ عَنْ وَهُوَ الصَّحِيحُ (عَنْ أَبِي ظبيان عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ(4/571)
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَلِيٌّ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أبي ظبيان عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ وَهِيَ حُبْلَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهَا فَقَالَ لَهُ علي أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة فذكره وتابعه بن نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَصَرَّحَ فِيهِ بالرفع
أخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا
لَكِنْ لم يذكر فيهما بن عَبَّاسٍ جَعَلَهُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ وَرَجَحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمَرْفُوعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخَذَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي إِيقَاعِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ فعن بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ يَلْزَمُهُ إِذَا عَقَلَ وَمَيَّزَ وَحْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يُطِيقَ الصِّيَامَ وَيُحْصِيَ الصَّلَاةَ وعند عطاء إذا بلغ اثنا عشر سَنَةً وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ إِذَا نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ انْتَهَى
قُلْتُ وَحَدِيثُ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (وَأَبُو ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وسكون الموحدة (اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبِ) بْنِ الْحَارِثِ الْجَنْبِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي درء الحدود)
[1424] قوله (ادرأوا الْحُدُودَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَمْرٌ مِنَ الدَّرْءِ أَيْ ادْفَعُوا إِيقَاعَ الْحُدُودِ (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ وَقَدْرَ طَاقَتِكُمْ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْحَدِّ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ الْحُدُودُ (مَخْرَجٌ) اسْمُ مَكَانٍ أَيْ عُذْرٌ يَدْفَعُهُ (فَخَلُّوا سَبِيلَهُ) أَيْ اتْرُكُوا إِجْرَاءَ الْحَدِّ عَلَى صَاحِبِهِ
ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضمير له للمسلم المستفاد مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا
فَالْمَعْنَى اتْرُكُوهُ أَوْ لا(4/572)
تتعرضوا له (فإن الإمام إن يخطىء) أَيْ خَطَؤُهُ (فِي الْعَفْوِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (خَيْرٌ من أن يخطىء فِي الْعُقُوبَةِ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا في رواية لأن يخطىء بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ
قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيَّ فَإِنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَلَكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ فِي الْعَفْوِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ فِي الْحُدُودِ
فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاذُ
قَالَ الطِّيبِيُّ نَزَّلَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ
وَجَعَلَ الْخِطَابَ فِي الْحَدِيثِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ رَجُلٍ وَبُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ أَبِكَ جُنُونٌ ثُمَّ قَوْلُهُ أَحْصَنْتَ وَلِمَاعِزٍ أَبِهِ جُنُونٌ ثُمَّ قَوْلُهُ أَشَرِبَ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْرَأَ الْحُدُودَ بالشبهات انتهى
قال القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لَا يُلَائِمُهُ
قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِالسَّتْرِ مُطْلَقًا وَلَا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا لَفْظُ خَيْرٌ
كَمَا لَا يَخْفَى
فَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَئِمَّةِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ عُذْرٍ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَاعِزٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَلْقِينِ الْأَعْذَارِ انتهى كلام القارىء
قَالَ الطِّيبِيُّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ مُظْهَرًا أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ حَثًّا عَلَى إِظْهَارِ الرَّأْفَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا
وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ بِالْوَاوِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ
قَالَ الشوكاني وفي الباب عن علي مرفوعا أدرأوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ
وفِيهِ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فِيهِ حَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال أدرأوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ادْفَعُوا الْقَتْلَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
ورُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاذٍ أَيْضًا مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مُنْقَطِعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ
ورواه بن حَزْمٍ فِي كِتَابِ الِاتِّصَالِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عليه
قال الحافظ وإسناده صحيح
ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عمر بلفظ لأن أخطىء فِي الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ
فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْحَارِثِيِّ من طريق مقسم عن بن عباس مرفوعا بلفظ ادرأوا(4/573)
الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ
ومَا فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ الْمَعْرُوفُ فَقَدْ شَدَّ مِنْ عَضُدِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَصْلُحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ لَا مُطْلَقِ الشُّبُهَاتِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ آثَارُهُمْ
(باب مَا جَاءَ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ)
[1425] قَوْلُهُ (مَنْ نَفَّسَ) مِنَ التَّنْفِيسِ أَيْ فَرَّجَ وَأَزَالَ وَكَشَفَ (عَنْ مُسْلِمٍ) كُرْبَةً بِضَمِّ الْكَافِ فُعْلَةٌ مِنَ الْكَرْبِ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يُحْزَنُ بِهَا وَجَمْعُهَا كُرَبٌ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَالنُّونُ فِيهَا لِلْإِفْرَادِ وَالتَّحْقِيرِ أَيْ هَمًّا وَاحِدًا مِنْ هُمُومِهَا أَيُّ هَمٍّ كَانَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا (مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا) أَيْ بَعْضِ كُرَبِهَا أَوْ كُرْبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنْ كُرَبِهَا (نَفَّسَ اللَّهُ) أَيْ أَزَالَهَا وَفَرَّجَهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً (مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَنْفِيسُ الْكَرْبِ إِحْسَانٌ لَهُمْ وَقَدْ قَالَ تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وَلَيْسَ هَذَا مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا تُجَازَى بِمِثْلِهَا وَضِعْفِهَا إِلَى عَشْرَةٍ إِلَى مِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى غَيْرِ حِسَابٍ عَلَى أَنَّ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تُسَاوِي عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا
ويَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْوِينُ التَّعْظِيمِ وَتَخْصِيصُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ دُونَ يَوْمٍ آخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ إِمَّا فِي الْكَمِّيَّةِ أَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ (من ستر على مسلم) وفي حديث بن عُمَرَ مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا أَيْ بَدَنَهُ أَوْ عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه
وهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَيْسَ(4/574)
مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُرْفَعَ قِصَّتُهُ إلى الوالي فإذا رأى في مَعْصِيَةً فَيُنْكِرُهَا بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ وَإِنْ عَجَزَ يَرْفَعُهَا إِلَى الْحَاكِمِ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ
كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أَيْ لَمْ يَفْضَحْهُ بِإِظْهَارِ عُيُوبِهِ وَذُنُوبِهِ (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) وفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ
أَيْ مَنْ كَانَ سَاعِيًا فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ وفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى فَضِيلَةِ عَوْنِ الْأَخِ عَلَى أُمُورِهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا بِجِنْسِهَا مِنَ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَلْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بِهِمَا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ إِذِ الْكُلُّ عَوْنٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ عنه مرفوعا أبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لفظه من ستر عورة أخيه فكأنما استحي موؤدة فِي قَبْرِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ رِجَالٌ أَسَانِيدُهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ذَكَرْتُ بَعْضَهُ فِي مختصر السنن انتهى
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ إِلَخْ) أَيْ بِالِاتِّصَالِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ (وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حُدِّثْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ)
فَفِي رِوَايَةِ أَسْبَاطٍ انْقِطَاعٌ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ فَإِنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ الترمذي وحسنه والنسائي وبن مَاجَهْ انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدِي تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ
[1426] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) قال الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وَلَا يُسْلِمُهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لا(4/575)
يَخْذُلُهُ بَلْ يَنْصُرُهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَسْلَمَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا أَلْقَاهُ فِي التَّهْلُكَةِ وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمْتَهُ إِلَى شَيْءٍ لَكِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ فِي الْهَلَكَةِ
وقَالَ بَعْضُهُمْ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ أَيْ لَا يُزِيلُ سَلَمَهُ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا الصُّلْحُ
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ) أَيْ فِي قَضَائِهَا (وَمَنْ فَرَّجَ) مِنَ التَّفْرِيجِ أَيْ أَزَالَ وَكَشَفَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حديث بن عُمَرَ) هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ لَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِلَى الشَّيْخَيْنِ بَلْ عَزَاهُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ
(باب مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ)
[1427] قَوْلُهُ (قَالَ لِمَاعِزٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزَّايِ (أَحَقٌّ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ (مَا بَلَغَكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ بَلَغَكَ (وَقَعْتَ عَلَى جَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ) أَيْ جَامَعْتَهَا (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ هَلْ يَقُولُ الْإِمَامُ لِلْمُقِرِّ لَعَلَّكَ لمست أو غمزت
وذكر فيه حديث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّتِهِ وفِيهِ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ لَا يَا رَسُولَ الله الحديث
قال الحافظ هذه التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِجَوَازِ تَلْقِينِ الْإِمَامِ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ مَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ جَهِلَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) لينظر من أخرجه (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ(4/576)
5 - (باب مَا جَاءَ فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمُعْتَرِفِ إِذَا رَجَعَ)
[1428] قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى) هَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى إِذْ لَفْظُهُ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ
والْمُرَادُ أَنَّ ما عزا قد زني
قاله القارىء
قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَا يَخْفَى (ثُمَّ جَاءَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ) أَيْ بَعْدَ غيبته عن المجلس
قاله القارىء
قُلْتُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ على ذلك إلا أن عليه دليل آخَرَ فَلْيُنْظَرْ (فَأَمَرَ بِهِ) أَيْ بِرَجْمِهِ (فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَجَالِسِ الِاعْتِرَافِ (فَأُخْرِجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُمِرَ بِإِخْرَاجِهِ (إِلَى الْحَرَّةِ) وَهِيَ بُقْعَةٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ (فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ) أَيْ أَلَمَ إِصَابَتِهَا (فَرَّ) أَيْ هَرَبَ (يَشْتَدُّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَسْعَى وَهُوَ حَالٌ (حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ عَظْمُ ذَقَنِهِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ (فَضَرَبَهُ) أَيْ الرَّجُلَ (بِهِ) أَيْ بِاللَّحْيِ (وَضَرَبَهُ النَّاسُ) أَيْ آخَرُونَ بِأَشْيَاءَ أخر (وَمَسَّ الْمَوْتَ) عَطْفٌ عَلَى مَسَّ الْحِجَارَةَ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ ذَلِكَ إِذَا جُعِلَ إِشَارَةً إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ مِنْ فِرَارِهِ مِنْ مَسِّ الْحِجَارَةِ كَأَنَّ قَوْلَهُ إِنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ تَكْرَارًا لِأَنَّهُ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبْهَمًا
وقَدْ فُسِّرَ بِمَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) وَلَعَلَّهُ كُرِّرَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ انْتَهَى
(هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) وفِي رِوَايَةٍ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فيتوب الله عليه
قال القارىء أَيْ عَسَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ فِعْلِهِ فَيَرْجِعَ الله عليه بقبول توبته
قال بن الملك فيه أن المقر على نفسه بالزنى لَوْ قَالَ مَا زَنَيْتُ أَوْ كَذَبْتُ أَوْ رَجَعْتُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَلَوْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْبَاقِي
وقَالَ جَمْعٌ لَا يَسْقُطُ إِذْ لَوْ سَقَطَ لَصَارَ مَاعِزٌ مَقْتُولًا خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ
قُلْنَا إِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ هَرَبَ وَبِالْهَرَبِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ
وتَأْوِيلُ قَوْلِهِ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ أَيْ لِيُنْظَرْ فِي أَمْرِهِ أَهْرَبَ مِنْ ألم الحجارة أو رجع عن إقراره(4/577)
بالزنى قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخَذَهُمْ بِقَتْلِهِ حَيْثُ فَرَّ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ قَوَدٌ إِذَا قُلْتُ لَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخَذَهُمْ بِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ تَصْلُحُ أَنْ يُدْفَعَ بِهَا الْحَدُّ وَقَدْ عُرِضَتْ لَهُمْ شُبْهَةٌ أَيْضًا وَهِيَ إِمْضَاءُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نفسه بالزنى إِذَا رَجَعَ فِي خِلَالِ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَقَالَ كَذَبْتُ أَوْ مَا زَنَيْتُ أَوْ رَجَعْتُ سَقَطَ مَا بَقِيَ مِنَ الْحَدِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ انْتَهَى
[1429] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَقِيبَ قَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحسن بن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ إِلَخْ
قَوْلُهُ (حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ لِتَحَقُّقِ حَالِهِ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُصِرُّ عَلَى إِقْرَارِ مَا يَقْتَضِي هَلَاكَهُ مَعَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّوْبَةِ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ حَالِ الْمُسْلِمِ وَصِيَانَةِ دَمِهِ وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَجْنُونِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ (قَالَ أَحْصَنْتَ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أي هل تزوجت (فلما أذلفته الْحِجَارَةُ) أَيْ أَصَابَتْهُ بِحَدِّهَا فَعَقَرَتْهُ مِنْ ذَلَقَ الشَّيْءَ طَرَفَهُ (فَرَّ) أَيْ هَرَبَ (فَأُدْرِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَدْرَكَهُ النَّاسُ مِنَ الْإِدْرَاكِ بِمَعْنَى اللُّحُوقِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا) أَيْ أَثْنَى عَلَيْهِ (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَصَلَّى عَلَيْهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَاشِيَةِ السُّنَنِ رَوَاهُ ثَمَانِيَةُ أَنْفُسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ
وذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْأَنْفُسِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ مَنْ سَكَتَ عَنِ الزِّيَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِنَفْيِهَا انْتَهَى
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ وبن جريج عن(4/578)
الزُّهْرِيِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ
سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ يَصِحُّ قَالَ رَوَاهُ مَعْمَرُ
فَقِيلَ لَهُ رَوَاهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ قَالَ لَا
انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي جَزْمِهِ بِأَنَّ مَعْمَرًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَعَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِهَا إِنَّمَا هُوَ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنَ الْحُفَّاظِ فَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ لَكِنْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَوِيَتْ عِنْدَهُ رِوَايَةُ مَحْمُودٍ بِالشَّوَاهِدِ
فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَهُوَ فِي السُّنَنِ لِأَبِي قُرَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ لَا
قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ
فَهَذَا الْخَبَرُ يَجْمَعُ الِاخْتِلَافَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ النَّفْيِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ حِينَ رُجِمَ
ورِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
قَالَ الْحَافِظُ وَيَتَأَيَّدُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي قِصَّةِ الْجُهَنِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ وَرُجِمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ لَوَسِعَتْهُمْ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ من اشترط التكرار في الإقرار بالزنى حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
ويَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَجِيئِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّكْرَارَ قَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِشُبْهَةٍ دَاخَلَتْهُ فِي أَمْرِهِ
ولِذَلِكَ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا
وفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ أَشَرِبْتَ خَمْرًا فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَا يَجِدُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَزَنَيْتَ قَالَ نَعَمْ
فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَرُدَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ لَا أَنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ شَرْطٌ انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّةً أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَاخْتَارَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَجَابَ عَنْ جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَإِذَا قَدْ تَقَرَّرَ لَكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ عَرَفْتَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْأَرْبَعَ لَا تَكْفِي أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأَمْكِنَةِ فَرْعُ تَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ الْوَاقِعِ فِيهَا
وإِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ الْأَصْلُ تَبِعَهُ الْفَرْعُ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا لَوْ فَرَضْنَا اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعًا لَمْ يَسْتَلْزِمْ كَوْنَ مَوَاضِعَهِ مُتَعَدِّدَةً أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ مِمَّا لَا يُخَالِفُ فِي إِمْكَانِهِ عَاقِلٌ وَأَمَّا شَرْعًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ(4/579)
عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَاقِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فَضْلًا عَنْ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ ثُمَّ أَجَابَ الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعَدُّدِ مَوَاضِعِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى النَّيْلِ (وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي بَابِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ
وأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدَتْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ وَقَعَ الْإِقْرَارُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَدَّ الشَّوْكَانِيُّ هَذَا الْجَوَابَ فِي النَّيْلِ فَقَالَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا تَرْبِيعُ الْإِقْرَارِ أَفْعَالٌ وَلَا ظَاهِرَ لَهَا
وغَايَةُ مَا فِيهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِقْرَارِ مَرَّةً إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَرْبَعٍ
ثُمَّ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ
وظَاهِرُ السِّيَاقَاتِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ لِقَصْدِ التَّثَبُّتِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ لَهُ أَبِكَ جُنُونٌ ثُمَّ سُؤَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ
فَتُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا التَّرَاخِي عَنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ صُدُورِ الْإِقْرَارِ مَرَّةً عَلَى مَنْ كَانَ أَمْرُهُ مُلْتَبِسًا فِي ثُبُوتِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِهِ وَالصَّحْوِ وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وأَحَادِيثُ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِصِحَّةِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ إِقْرَارِهِ عَنِ الْمُبْطِلَاتِ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُشَفَّعَ فِي الْحُدُودِ)
[1430] قَوْلُهُ (أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ) وفِي الْمِشْكَاةِ أَهَمَّهُمْ بِالتَّذْكِيرِ أَيْ أَحْزَنَهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْهَمِّ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ يُقَالُ أَهَمَّنِي الأمر إذا قلقك وَأَحْزَنَكَ (شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بِنْتِ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ (الَّتِي سَرَقَتْ) أَيْ وَكَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَيْضًا
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا (فَقَالُوا) أَيْ(4/580)
قَوْمُهَا (مَنْ يُكَلِّمُ) أَيْ بِالشَّفَاعَةِ (فِيهَا) أَيْ فِي شَأْنِهَا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ (مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ (إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أُسَامَةَ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى يَجْتَرِئُ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِدْلَالِ وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُسَامَةَ (فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ) أَيْ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَفَاعَةٍ حَسَنَةٍ مَقْبُولَةٌ وَذُهُولًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يكن له كفل منها
(أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ (ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ) أَيْ بَالَغَ فِي خطبته أو أظهر خطبته قاله القارىء
وقَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ خطب (إنما أهلك) بصيغة الفاعل قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (الَّذِينَ مَنْ قَبْلَكُمْ) يَحْتَمِلُ كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ (أَنَّهُمْ كَانُوا) أَيْ كَوْنُهُمْ إِذَا سَرَقَ إِلَخْ أَوْ مَا أَهْلَكَهُمْ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ إِذْ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا (إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ) أَيْ الْقَوِيُّ (تَرَكُوهُ) أَيْ بِلَا إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ) أَيْ الْقَطْعَ أَوْ غَيْرَهُ (وَايْمُ اللَّهِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَسُكُونِ يَاءٍ وَضَمِّ مِيمٍ وَبِكَسْرٍ وَبِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَيُكْسَرُ فَفِي الْقَامُوسِ وَإِيمُنِ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَإِيمُ اللَّهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ
والتَّقْدِيرُ أَيْمُنُ اللَّهِ قَسَمِي
وفِي النِّهَايَةِ وَأَيْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ وفِي هَمْزِهَا الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ وَالْوَصْلُ
وفِي شَرْحِ الْجَزَرِيَّةِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ الْأَصْلُ فِيهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ لِسُقُوطِهَا وَإِنَّمَا فُتِحَتْ فِي هَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ نَابَ مَنَابَ حَرْفِ الْقَسَمِ وَهُوَ الْوَاوُ فَفُتِحَتْ لِفَتْحِهَا وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مُفْرَدٌ وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْيُمْنِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَرَكَةُ اللَّهِ قَسَمِي
وذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ
وفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ وَأَيْمُ اللَّهِ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَوَصْلِهَا أَصْلُهُ أَيْمُنُ فَلَمَّا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حُذِفَ النُّونُ فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَقَالُوا أَمُ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ انْتَهَى
وفِيهِ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْقَامُوسِ
(لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ إِلَخْ) إِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِفَاطِمَةَ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ(4/581)
مسعود بن العجماء ويقال بن الأعجم وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ من أخرجه
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وفِي الْبَابِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ
فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ إِنَّمَا الشَّفَاعَةُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِذَا بَلَغَ إِلَيْهِ فَقَدْ لُعِنَ الشَّافِعُ وَالْمُشَفَّعُ
رَوَاهُ مَالِكٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ
(باب مَا جَاءَ فِي تَحْقِيقِ الرَّجْمِ)
[1432] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الكتاب) هذا مقدمة للكلام وتوطية لِلْمَرَامِ رَفْعًا لِلرِّيبَةِ وَدَفْعًا لِلتُّهْمَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ فِقْدَانِ تِلَاوَةِ آيَةِ الرَّجْمِ بِنَسْخِهَا مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهَا (وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ وفِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ خَبَرُهُ وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
أَيْ الثَّيِّبُ وَالثَّيِّبَةُ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ في الموطإ
قال القارىء وَالْأَظْهَرُ تَفْسِيرُهُمَا بِالْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ (وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ) أَيْ تَبَعًا لَهُ وفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ أَوْ وَاجِبٌ (عَلَى مَنْ زَنَى) أَيْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (إِذَا أَحْصَنَ) أَيْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا قَدْ تَزَوَّجَ حُرَّةً تَزْوِيجًا صحيحا وجامعها (أو الاعتراف) أي الإقرار بالزنى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1431] قَوْلُهُ (فإني قد(4/582)
خَشِيتُ أَنْ يَجِيءَ أَقْوَامٌ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَ مَا خَشِيَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَ الرَّجْمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمُعْظَمُهُمْ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَوْقِيفٍ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ الْحَدِيثَ
وَوَقَعَ فِي رواية سعيد بن إبراهيم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدِ النَّسَائِيِّ وَأَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ مَا بَالُ الرَّجْمِ وَإِنَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجَلْدُ
أَلَا قَدْ رَجَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْضَرَ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَصْلُهُ فِي الصحيحين
(باب مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ)
[1433] قَوْلُهُ (وَشِبْلٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ هو بن خالد أو بن خُلَيْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ
قال الحافظ شبل بن حامد أو بن خُلَيْدٍ الْمُزْنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى
وقَدْ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ شِبْلٍ فِي الْحَدِيثِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ (فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَابِ نَصَرَ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَضَمَّنَ أَنْشُدُكَ مَعْنَى أُذَكِّرُكَ
فَحَذَفَ الْبَاءَ أَيْ أُذَكِّرُكَ رَافِعًا نَشِيدَتِي أَيْ صَوْتِي هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ مُؤَكَّدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَفْعُ صَوْتٍ
وبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ رَفْعَ الرَّجُلِ صَوْتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا (لَمَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) لَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَلَا
وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَلَا قَضَيْتَ
قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ لِضَرُورَةِ افْتِقَارِ الْمَعْنَى إِلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْفِعْلُ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَيُرَادُ بِهِ النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فِيهِ الْمَفْعُولُ
والْمَعْنَى هُنَا لَا أَسْأَلُكَ(4/583)
إِلَّا الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا جَوَابَ الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْحَصْرِ
تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَا تَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا الْقَضَاءَ
فَالتَّأْكِيدُ إِنَّمَا وَقَعَ لِعَدَمِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهِ لَا لِأَنَّ لِقَوْلِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ مَفْهُومًا وَالْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ عَلَى عِبَادِهِ
وقِيلَ الْمُرَادُ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلُ أَوْلَى
لِأَنَّ الرَّجْمَ وَالتَّغْرِيبَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْآيَةُ الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا انْتَهَى
(فَقَالَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ أَجَلْ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ نَعَمْ
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي كَانَ عَارِفًا بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا فَوَصَفَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ أَوِ اسْتَدَلَّ بِحُسْنِ أَدَبِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَتْرِكِ رَفْعِ صَوْتِهِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَفَعَهُ وَتَأْكِيدِهِ السُّؤَالَ عَلَى فِقْهِهِ
وقَدْ وَرَدَ أَنَّ حُسْنَ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ وأورده بن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِ رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَهُ الْحَافِظُ
(اقْضِ) أَيْ احْكُمْ (إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) أَيْ أَجِيرًا وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْخَادِمِ وَعَلَى الْعَبْدِ (عَلَى هَذَا) ضَمَّنَ عَلَى مَعْنَى عِنْدَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَسِيفًا فِي أَهْلِ هَذَا وَكَانَ الرَّجُلُ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْأُمُورِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا وَقَعَ لَهُ مَعَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَزَنَى) أَيْ الْأَجِيرُ (بِامْرَأَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (فَأَخْبَرُونِي) أَيْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (فَفَدَيْتُ مِنْهُ) أَيْ ابْنِي (بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ) أَيْ أَعْطَيْتُهُمَا فِدَاءً وَبَدَلًا عَنْ رَجْمِ ابْنِي (فَزَعَمُوا) أَيْ قَالُوا وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَخْبَرُونِي (أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ ضَرْبَ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ (وَتَغْرِيبَ عَامٍ) أَيْ إِخْرَاجَهُ عَنِ الْبَلَدِ سَنَةً (وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ (الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ (وَاغْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الْغَدْوَةِ كَمَا أَنَّ رُحْ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الرَّوَاحِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ كُلٌّ فِي مَعْنَى الْآخَرِ أَيْ فَاذْهَبْ (يَا أُنَيْسُ) تَصْغِيرُ أَنَسٍ وَهُوَ بن الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ (عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ إِلَيْهَا وفيه تضمين(4/584)
أَيْ حَاكِمًا إِلَيْهَا (فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) قَالَ القارىء بِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَرْبَعَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنِ اعْتَرَفَتِ الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فَارْجُمْهَا انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ إِلَخْ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ شِبْلٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَرَوَوْا بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ شِبْلٍ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَشِبْلُ بْنُ خَالِدٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَوَى شِبْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/585)
وهذا الصحيح وحديث بن عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التهذيب شبل بن حامد
ويقال بن خالد ويقال بن خليد ويقال بن مَعْبَدٍ الْمُزْنِيُّ
رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ حَدِيثَ الْوَلِيدَةُ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا وَعَنْهُ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وخالفهم بن عُيَيْنَةَ فَرَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْعَسِيفِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ رَوَاهُ النسائي والترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ
قَالَ وَحَدِيثُ بن عيينة خطأ وروى البخاري حديث بن عُيَيْنَةَ فَأَسْقَطَ مِنْهُ شِبْلًا
قَالَ الدَّوْرِيُّ عَنِ بن مَعِينٍ لَيْسَتْ لِشِبْلٍ صُحْبَةٌ انْتَهَى
(وَرُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (أَنَّهُ قَالَ شِبْلُ بْنُ حَامِدٍ وَهُوَ خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ شِبْلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُقَالُ أَيْضًا شِبْلُ بْنُ خُلَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ
[1434] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حِطَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الرَّقَاشِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (خُذُوا عَنِّي) أَيْ حُكْمَ حَدِّ الزنى (فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أَيْ حَدًّا وَاضِحًا وَطَرِيقًا نَاصِحًا فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة إِلَى قَوْلِهِ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَكُمْ لِيُوَافِقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَمَعَ هَذَا فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَبْدَأٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُنْتَهَى الْفِتْنَةِ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حِينَ شُرِعَ الْحَدُّ فِي الزاني والزانية
والسبيل ها هنا الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لهن سبيلا
(الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ) أَيْ حَدُّ زِنَا الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ (جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ الرَّجْمُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الثَّيِّبَ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ (وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ) أَيْ حَدُّ زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ ضَرْبُ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَنَفْيُ سَنَةٍ) أَيْ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْبَلَدِ سَنَةً
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري والنسائي
قَوْلُهُ (وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وهو قول إسحاق) وهو قول(4/586)
داود الظاهري وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
واسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَبِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ ضَرَبَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي أَثَرِ عَلِيٍّ هَذَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلْمُحْصَنِ مِنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ الْمُحْصَنُ بَلْ يُرْجَمُ فَقَطْ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْلِدْ مَاعِزًا بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِهِ
قَالُوا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَلْدِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ التَّأَخُّرِ الْمُدَّعَى فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُ جَلْدِ مَاعِزٍ لِلنَّسْخِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّأَخُّرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
ومَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ تَأَخُّرِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ مُقْتَضِيًا لِإِبْطَالِ الْجَلْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى
ولَا رَيْبَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُحْصَنِ أَنَّهُ زَانٍ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ كَحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ
ولَا سِيَّمَا وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ بِأَخْذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْهُ فَقَالَ خُذُوا عَنِّي
فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بَعْدَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِسُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ أَوْ عَدَمِ بَيَانِهِ لِذَلِكَ أَوِ إِهْمَالِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ
قَالَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَلَا سِيَّمَا كَوْنُ الْمَكَانِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ الْجَلْدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قَالَ وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّةٍ مِنَ السِّنِينَ لَمَّا جَمَعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهُ النَّاسِخُ وَعَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
واسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِعَدَمِ ذِكْرِ الْجَلْدِ فِي رَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ
لِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لِقِيَامِ(4/587)
أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَلْدِ
وأَيْضًا عَدَمُ الذِّكْرِ لَا يُعَارِضُ صَرَائِحَ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْإِثْبَاتِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعُدْمِ وَمَنْ عَلِمَ حجة على من لم يعلم انتهى
[1435] قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ) وَهِيَ الْغَامِدِيَّةُ (فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا) إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ قَرَابَتِهَا رُبَّمَا حَمَلَتْهُمْ الْغَيْرَةُ وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا مَا يُؤْذِيهَا فَأَمَرَهُ بِالْإِحْسَانِ تَحْذِيرًا مِنْ ذَلِكَ (فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عِنْدَ وُقُوعِ الرَّجْمِ عَلَيْهَا لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَبْدُو مِنَ الْإِنْسَانِ
ولِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ قَاعِدَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا لِمَا فِي ظُهُورِ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الشَّنَاعَةِ (ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَاعِزٍ
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ
ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
وقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الْمُتَقَدِّم فِي بَابِ دَرْءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُعْتَرِفِ إِذَا رَجَعَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ بَاقِي النَّاسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ وَغَيْرُهُمْ
والْخِلَافُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي
وبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فَيُصَلِّي عَلَى الْفُسَّاقِ وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهِمْ
وقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى الْمَرْجُومِ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ
وقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلِّي على ولد الزنى
واحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ وفِيهِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ يُصَلُّونَ عَلَى الْمَرْجُومِ كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ
وأَجَابَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ ضَعَّفُوا رِوَايَةَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ لم يذكروها(4/588)
وَالثَّانِي تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ أَوْ دَعَا فَسُمِّيَ صَلَاةً عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي اللُّغَةِ
وهَذَانِ الْجَوَابَانِ فَاسِدَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا اضْطَرَّتِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَى ارْتِكَابِهِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَسِعَتْهُمْ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوَسِعَتْهُمْ (مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ) أَيْ أَخْرَجَهَا وَدَفَعَهَا كَمَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ مَالَهُ يَجُودُ بِهِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا البخاري وبن مَاجَهْ
0 - (باب مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ)
[1436] قَوْلُهُ (رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً) فِيهِ دَلِيلٌ لمن قال إن حد الزنى يُقَامُ عَلَى الْيَهُودِ كَمَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِحْصَانِ
كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ
وعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَالِكِيَّةِ الْإِسْلَامُ شَرْطٌ (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ فَقَالُوا تُسَخَّمُ وُجُوهُهُمَا وَيُخْزَيَانِ
قَالَ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إِلَخْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِطُولِهِ
[1437] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَرِيكٌ) هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الكوفي القاضي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ
قوله (وفي الباب عن بن عمر والبراء وجابر وبن أَبِي أَوْفَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جزء وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ فِي رجم أهل(4/589)
الْكِتَابِ
وأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وأَمَّا حَدِيثُ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزَءٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ إِلَى وَجْهِ الْغَرَابَةِ فَلَا تَكْرَارَ فِي الْعِبَارَةِ فَتَفَكَّرْ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا اخْتَصَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَخْ) وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَالَ بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنى) قال بن الْهُمَامِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ
وكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ
وبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا فَلَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الثَّيِّبُ الْحُرُّ يُجْلَدُ عِنْدَنَا وَيُرْجَمُ عِنْدَهُمْ لهذا الحديث يعني لحديث بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ الْوَقْفَ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْإِحْصَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِحْصَانِ الْقَذْفِ انْتَهَى
وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا وأن ذلك إنما كان عند ما قدم المدينة ثم نزلت آية حد الزنى وَلَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَزَلَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَالرَّجْمُ بِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَتْلُوٍّ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ
ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْفَى ما فيه من التعسف
ولذ لم يرض به بن الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْهَلَ ممَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنْ يُقَالَ حِينَ رَجْمَهُمَا كَانَ الرَّجْمُ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَوْنُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَإِلَّا لَمْ يَرْجُمْهُمْ لِانْتِسَاخِ شَرِيعَتِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِمَا نَزَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنِ الرَّجْمِ لِيُبَكِّتَهُمْ بِتَرْكِهِمْ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فَحَكَمَ بِرَجْمِهِمَا بِشَرْعِهِ الْمُوَافِقِ لِشَرْعِهِمْ
وإِذَا لَزِمَ كَوْنُ الرَّجْمِ كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِنَا حَالَ رَجَمَهُمْ بِلَا اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الْمُقَيِّدُ لِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ تَارِيخٌ يُعْرَفُ بِهِ
أَمَّا تَقَدُّمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أو تأخره(4/590)
فَيَكُونُ رَجْمُهُ الْيَهُودِيَّيْنِ وَقَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مُتَعَارِضَيْنِ
فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرَهُ قَدْ رَجَّحُوا وَقْفَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَدَارُهُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ
وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّفْيِ)
الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ التَّغْرِيبُ وَهُوَ إِخْرَاجُ الزَّانِي عَنْ مَحَلِّ إِقَامَتِهِ سَنَةً
[1438] قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْمَشْهُورُ فَقِيهٌ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُمِيَ بِسَرِقَةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْإِجَازَةِ وَالْوِجَادَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ (ضَرَبَ) أَيْ جَلَدَ الزَّانِيَ وَالزَّانِيَةَ مِائَةَ جَلْدَةٍ (وَغَرَّبَ) مِنَ التَّغْرِيبِ أَيْ إِخْرَاجِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ عَنْ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ سَنَةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وفِيهِ عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ
وأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ وفِيهِ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عام
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ والدارقطني قال الحافظ في التلخيص وصححه بن الْقَطَّانِ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/591)
النفي رواه أبي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَبْسُوطَةٌ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالتَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ بَكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَجُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ
ومِنْهُمْ عُثْمَانُ رضي الله تعالى عنه فعند بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ جَلَدَ امْرَأَةً فِي زِنًا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَى مَوْلًى يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى خَيْبَرَ نَفَاهَا إِلَيْهِ
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ
وقَدِ ادَّعَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الزَّانِي الْبِكْرِ إِلَّا عن الكوفيين
وقال بن الْمُنْذِرِ أَقْسَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ إِنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ
وهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وخطب عمر بذلك على رؤوس الْمَنَابِرِ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا
وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَحَادِيثِ النَّفْيِ مَسَالِكُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ بِهِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وَالثَّانِي أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّعْزِيرِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إِلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا
وأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ وَعَبْدُ الرزاق عن إبراهيم قال قال بن مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ سَنَةً
قَالَ وَقَالَ عَلِيٌّ حَسْبُهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ النَّفْيُ حَدًّا مَشْرُوعًا لَمَا صَدَرَ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ
وَالثَّالِثُ أَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا تَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأُصُولِهِمْ لَا يُسْكِتُ خَصْمَهُمْ انْتَهَى
قُلْتُ أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ دُونَ الزَّانِي
وأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرواه عنه إبراهيم النخعي وليس له سماع منه
قال(4/592)
أَبُو زُرْعَةَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ
وقَالَ بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَلْقَ النَّخَعِيُّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
وقال أَبُو حَاتِمٍ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَائِشَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا وَأَدْرَكَ أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ
كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
وأَمَّا قَوْلُهُمْ بِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا تَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ فَفِيهِ أَنَّ أَحَادِيثَ التَّغْرِيبِ قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الشُّهْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا وَرَدَ مِنَ السُّنَّةِ زَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ عَنْهَا بِذَلِكَ وَقَدْ عَمِلُوا بِمَا هُوَ دُونَهَا بِمَرَاحِلَ كَحَدِيثِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ وَحَدِيثِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ
2 - (بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا)
[1439] قَوْلُهُ (فَقَالَ تُبَايِعُونِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي
والْمُبَايَعَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمُعَاهَدَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأن لهم الجنة قَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا
قَالَ الْحَافِظُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَى آخِرِهَا وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ أَيْ ثَبَتَ عَلَى الْعَهْدِ ووفى بالتخفيف وفي الراء بِالتَّشْدِيدِ وَهُمَا بِمَعْنًى (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أُطْلِقَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْخِيمِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْمُبَايَعَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِوُجُودِ الْعِوَضَيْنِ أَثْبَتَ ذِكْرَ الْأَجْرِ فِي مَوْضِعِ أَحَدِهِمَا وَأَفْصَحَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بِتَعْيِينِ الْعِوَضِ فَقَالَ بِالْجَنَّةِ
وعَبَّرَ هُنَا بِلَفْظِ عَلَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَالْوَاجِبَاتِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ (فَهُوَ) أَيْ الْعِقَابُ (كَفَّارَةٌ لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فَالْمُرْتَدُّ إِذَا قُتِلَ عَلَى ارْتِدَادِهِ لَا يَكُونُ الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةً انْتَهَى
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا لَكِنْ حَدِيثُ عُبَادَةَ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَيُمْكِنُ يَعْنِي عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى
وقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ هُنَا بَسْطًا حَسَنًا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْفَتْحَ (فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ(4/593)
يَشْمَلُ مَنْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ وَقَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ
ومَعَ ذَلِكَ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ هَلْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ أَوْ لَا وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَمَا لَا يَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ سِرًّا وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ
وقِيلَ بَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ وَيَعْتَرِفَ بِهِ وَيَسْأَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَمَا وَقَعَ لِمَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ
وفَصَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِنَ بِتَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا
كَذَا فِي الْفَتْحِ
قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ سِرًّا وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ
هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنً كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَأَمَّا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلًا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ) رَوَاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى
قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي
قَالَ لَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
قَالَ سَعِيدٌ فَلَمْ تُقِرَّ بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ
3 - (باب مَا جَاءَ فِي إقامة الحد على الإماء)
[1441] قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أَيْ يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ جمع(4/594)
رَقِيقٍ أَيْ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ (مَنْ أُحْصِنَ) أَيْ تَزَوَّجَ (مِنْهُمْ) أَيْ وَمِنْهُمْ فَفِيهِ حَذْفٌ وتغليب (ومن لم يحصن) قال الطِّيبِيُّ وَتَقْيِيدُ الْأَرِقَّاءِ بِالْإِحْصَانِ مَعَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ يُرَادُ بِهِ كَوْنُهُنَّ مُزَوَّجَاتٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب حَيْثُ وَصَفَهُنَّ بِالْإِحْصَانِ فَقَالَ فَإِذَا أُحْصِنَّ
وحُكْمُ (وَإِنَّ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ (فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ) أَيْ جَدِيدَةُ زَمَانٍ (فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَفْعُولُ فَخَشِيتُ وَجَلَدْتُهَا مُفَسِّرٌ لِعَامِلِ أَنَا الْمُقَدَّرِ بَعْدَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ
كَقَوْلِ الْحَمَاسِيِّ وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِلْ عَلَى النَّفْسِ ضَيْمَهَا فَلَيْسَ إِلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيلُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمُعْتَرَضُ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ (أَوْ تَمُوتَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَقَالَ أَحْسَنْتَ) فِيهِ أَنَّ جَلْدَ ذَاتِ النِّفَاسِ يُؤَخَّرُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ نِفَاسَهَا نَوْعُ مَرَضٍ فَتُؤَخَّرُ إِلَى زَمَانِ الْبُرْءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1440] قَوْلُهُ (إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدكم فليجدها ثَلَاثًا إِلَخْ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ هَكَذَا إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ فيه الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ فَلْيَبِعْهَا ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تُحَدُّ إِذَا زَنَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَدَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَكِنِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مُصَرِّحَةٌ بِالْجَلْدِ فِي الثَّالِثَةِ وكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَبِهَا يُرَدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الزَّجْرِ عَدَلَ إِلَى الْإِخْرَاجِ عَنِ الْمِلْكِ دُونَ الْجِلْدِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بقوله فليبعها
وكذا وافقه على ذلك بن دقيق العيد وهو مردود قاله الشوكاني
(وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ أَيْ وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا قَلِيلًا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَرْكُ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي وَهَذَا الْبَيْعُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُسْتَحَبٌّ
وقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ الثَّمِينِ بثمن حقير(4/595)
إِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَفِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَهُ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكْرَهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَيَرْتَضِيهِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّ الزَّانِيَةَ تَسْتَعِفُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَعِفَّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا لِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ رَأَوْا أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السُّلْطَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ
وإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيُّ
وذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ كَانَ ثَمَّ إِمَامٌ وَإِلَّا كَانَ إِلَى سَيِّدِهِ
وذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كان أمر بحدها إِلَى الْإِمَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُ حَدِّهَا إِلَى السَّيِّدِ
واسْتَثْنَى مَالِكٌ أَيْضًا الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وفِي وَجْهٍ لَهُمْ آخَرَ يُسْتَثْنَى حَدُّ الشُّرْبِ
ورُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ السيد إلا حد الزنى وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يَحُدُّ الْمَمْلُوكَ سَيِّدُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ صالحا قامة الحد أم لا
وقال بن حَزْمٍ يُقِيمُهُ السَّيِّدُ إِلَّا إِذَا كَانَ كَافِرًا (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ هُوَ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ
وقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا إِلَّا الْإِمَامُ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَقُولُ الزَّكَاةُ وَالْحُدُودُ وَالْفَيْءُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى السُّلْطَانِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا نَعْلَمُ لَهُ مخالفا من الصحابة
وتعقبه بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ خَالَفَهُ اثْنَا عَشَرَ صَحَابِيًّا وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ يُجْلَدَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ لَا
وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ بَقَايَا الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَةَ مِنْ وَلَائِدِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذَا زَنَتْ
ورَوَاهُ الشافعي عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى أَقْوَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ(4/596)
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يُقِيمُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ دُونَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ حد الزنى على عبده وأمته
وروى الشافعي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى
وأَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَطَعَتْ يَدَ عَبْدٍ لَهَا
وأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا
وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّتْ جَارِيَةً لَهَا زَنَتْ
(وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِدَلَالَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عليه
4 - مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّكْرَانِ [1442] قَوْلُهُ (عَنْ مِسْعَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وبالراء المهملات هو بن كِدَامٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ ثَانِيهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (ضَرَبَ الْحَدَّ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ) وفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ جُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ جُعِلَ بَدَلَ كُلِّ نَعْلٍ سَوْطًا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالسَّائِبِ وبن عَبَّاسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وفِيهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ
ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ
وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ وَقَالَ اضْرِبُوهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ الْحَدِيثَ
وأَمَّا حديث السائب وهو بن يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ نَضْرِبُهُ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ صَدْرًا مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا فِيهَا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ
وأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ أَنَّ الشُّرُبَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُونَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ(4/597)
وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوفِّيَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوفِّيَ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ مَاذَا تَرَوْنَ الْحَدِيثَ
وأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ جيء بالنعمان أو بن النُّعْمَانِ شَارِبًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ فَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ فَضَرَبْنَاهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ (أَبُو الصِّدِّيقِ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكْسُورَةِ (النَّاجِيُّ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ (اسمه بكر بن عمرو) وقيل بن قَيْسٍ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
[1443] قَوْلُهُ (بِجَرِيدَتَيْنِ) الْجَرِيدَةُ سَعَفَةُ النَّخْلِ سُمِّيَتْ بِهَا لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَةً عَنِ الْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النَّخْلِ (نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ
وفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ) أَيْ أَرَى أَنْ تُجْعَلَ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ إِنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر وإذا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَجَلَدَ عُمَرُ في حد الخمر ثمانين
قال بن الْهُمَامِ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرُوِيَ الْحَدِيثُ مُقْتَصَرًا عَلَى هَذَا مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أُخْرَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن حد السكران ثمانون) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُخَالَفَةُ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ إِلَى أَنَّ حَدَّ السَّكْرَانِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً
وذَهَبَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَفَعَلَهَا عَلِيٌّ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ
واسْتَدَلَّ الأولون بأن عمر جلد(4/598)
ثمانين بعد ما اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ
قَالَ وَدَعْوَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلَ إِمَارَةِ عُمَرَ وَبَعْدَهَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ بَلْ جَلَدَ تَارَةً بِالْجَرِيدِ وَتَارَةً بِالنِّعَالِ وَتَارَةً بِهِمَا فَقَطْ وَتَارَةً بِهِمَا مَعَ الثِّيَابِ وَتَارَةً بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْمَنْقُولُ مِنَ الْمَقَادِيرِ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّخْمِينِ
ولِهَذَا قَالَ أَنَسٌ نَحْوَ أَرْبَعِينَ
فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَتَكُونُ جَمِيعُهَا جَائِزَةً فَأَيُّهَا وَقَعَ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْجَلْدُ الْمَشْرُوعُ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ
فَالْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْجَلْدُ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ
ولَا دَلِيلَ يَقْتَضِي تَحَتُّمَ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعِينَ بِالْجَزْمِ كَمَا عَرَفْتَ
5 - ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه [1444] قوله (عن عاصم) هو بن بهدلة وهو بن أبي النجود الكوفي الْمُقْرِئُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ (فَإِنْ عاد في الرابعة فاقتلوه) قال القارىء الْمُرَادُ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ أَوْ الْأَمْرُ لِلْوَعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا إِلَى أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُقْتَلُ
وقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ انْتَهَى
قُلْتُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ ذَهَبَ التِّرْمِذِيُّ وَاخْتَارَهُ
وأما قول القارىء بِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ كَمَا نقله القارىء نَفْسُهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّرِيدِ وَالشُّرَحْبِيلِ بْنِ أَوْسٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي الرَّمَدِ الْبَلَوِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ
فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ
وزَادَ أَحْمَدُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فِي الرَّابِعَةِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ
كَذَا فِي المنتقي ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ مَعْنَاهُ إِذَا اسْتَحَلَّ وَلَمْ يَقْبَلِ التَّحْرِيمَ انْتَهَى
ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وأَمَّا حَدِيثُ الشَّرِيدِ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
وأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وأَمَّا حديث جرير وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وأَمَّا(4/599)
حَدِيثُ أَبِي الرَّمَدِ الْبَلَوِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ
قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَمُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَصَحُّ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا النسائي وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هُوَ صَحِيحٌ
وأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا) أَيْ قَتْلُ شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا عَادَ فِي الرَّابِعَةِ (فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ في مسنده عن بن إِسْحَاقَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ فَكَانَ نَسْخًا (وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُوَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
وقَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُرَادُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ قَالَتْ يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ
وهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ مَنْسُوخٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وقَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ(4/600)
مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ التَّابِعِينَ
وذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ يَدْعُو لَهُ وَذُكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ قَالَ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وأَمَّا أَبُوهُ ذُوَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ فَلَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
(وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْتَلُ الشَّارِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ لَا فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلى أنه يقتل ونصره بن حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُ وَدَفَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْقَتْلِ
وهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الباب عن بن عَمْرٍو
وذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشَّارِبُ وَأَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ انْتَهَى(4/601)
16 - (باب مَا جَاءَ فِي كَمْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ)
[1445] قَوْلُهُ (كَانَ يَقْطَعُ) أَيْ يَدَ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ أَيْ كَانَ يَأْمُرُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُبَاشِرُ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ (فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ يَخْتَصُّ هَذَا بِالْفَاءِ وَيَجُوزُ ثم بدلها ولا تجوز الواو
وقال بن جِنِّيٍّ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ وَلَوْ زَادَ
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صَاعِدًا
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَا فَوْقَهُ بَدَلَ فَصَاعِدًا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا بن مَاجَهْ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحَاوَلَ الطَّحَاوِيُّ تَعْلِيلَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْفُوعَةِ بِرِوَايَةِ وَلَدِهِ الْمَوْقُوفَةِ
وَأَبُو بَكْرٍ أَتْقَنُ وَأَعْلَمُ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُخَالِفُ الْمَرْفُوعَ
لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَتْوَى
وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَرَامَ هُنَا تَضْعِيفَ الرِّوَايَةِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَتِهِ انْتَهَى(5/3)
[1446] قَوْلُهُ (قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِجَنٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ هُوَ التُّرْسُ لِأَنَّهُ يُوَارِي حَامِلَهُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ رُبُعِ دِينَارٍ الْمُتَقَدِّمَةَ لِأَنَّ رُبُعَ الدِّينَارِ كَانَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ
وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ رُبُعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُبُعُ الدِّينَارِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرْفَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ
وَكَانَ كَذَلِكَ بَعْدَهُ
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَيْمَنَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أيمن فأخرجه الطحاوي
قوله (حديث بن عُمَرَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَطَعَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) وأخرج بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُقْطَعُ الْخَمْسُ إِلَّا فِي خَمْسٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا فِي رُبُعِ دِينَارٍ) أَخْرَجَ بن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ أُتِيَ عُثْمَانُ بِسَارِقٍ سَرَقَ أُتْرُجَّةً فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ حِسَابِ الدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَقَطَعَ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جعفر عن أبيه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَطَعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِينَارٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ولكنه منقطع(5/4)
(وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا قَالَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) وَرُوِيَ عَنْهُمَا الْقَطْعُ فِي أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ نَقَلَهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمَا فِي الْبَحْرِ انْتَهَى (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ (رَأَوُا الْقَطْعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) قَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْ ثُبُوتِ الْقَطْعِ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ
وَاخْتَلَفُوا فِي مَا يُقَوَّمُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِرُبُعِ الدِّينَارِ إِذَا كَانَ الصَّرْفُ مُخْتَلِفًا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَصْلُ فِي تَقْوِيمِ الْأَشْيَاءِ هُوَ الذَّهَبُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى قَالَ إِنَّ الثَّلَاثَةَ الدَّرَاهِمَ إِذَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ تُوجِبِ الْقَطْعَ انْتَهَى
قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُعْتَبَرٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُقَوَّمُ بِالْآخَرِ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي تَقْوِيمِ العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد (وقد روى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ إِلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رواه القاسم بن عبد الرحمن عن بن مسعود
والقاسم لم يسمع من بن مسعود) أخرج قول بن مَسْعُودٍ هَذَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ
(وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ فقهاء العراق واحتجوا بقول بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَوَّمُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وأخرج(5/5)
عن أَبُو دَاوُدَ أَنَّ ثَمَنَهُ كَانَ دِينَارًا أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا أَدْنَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ ثَمَنُ الْمِجَنِّ قَالَ وَثَمَنُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ قَالُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيرِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَرْجَحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ وَأَصَحَّ وَلَكِنْ هَذِهِ أَحْوَطَ وَالْحُدُودُ تُدْفَعُ بِالشُّبُهَاتِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كَأَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا دُونَهَا
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عن بن الْعَرَبِيِّ قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ مَعَ جَلَالَتِهِ
ويجاب بأن الروايات المروية عن بن عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي إِسْنَادِهَا جَمِيعًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ عَنْعَنَ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ إِذَا جَاءَ بِالْحَدِيثِ مُعَنْعَنًا فَلَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ ما في الصحيحين عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ
وَقَدْ تَعَسَّفَ الطَّحَاوِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مُضْطَرِبٌ ثُمَّ بَيَّنَ الِاضْطِرَابَ بِمَا يُفِيدُ بُطْلَانَ قَوْلِهِ وَقَدِ اسْتَوْفَى صَاحِبُ الْفَتْحِ الرَّدَّ عَلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ أَجَابَ الْحَافِظُ عَمَّا أَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ جَوَابًا حَسَنًا شَافِيًا وَقَدْ أَجَابَ أَيْضًا عَنِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَجَادَ فِيهِ وَأَصَابَ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ وَلَوْ ثَبَتَتْ لَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ ثُمَّ شُرِعَ الْقَطْعُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا فَوْقَهَا فَزِيدَ فِي تَغْلِيظِ الْحَدِّ كَمَا زِيدَ فِي تَغْلِيظِ حَدِّ الْخَمْرِ
وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا إِخْبَارٌ عَنْ فِعْلٍ وَقَعَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية بن عُمَرَ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ حِكَايَةَ فِعْلٍ فَلَا يُخَالِفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ
فَإِنَّ رُبُعَ دِينَارٍ صَرْفُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ
7 - (باب مَا جَاءَ فِي تَعْلِيقِ يَدِ السَّارِقِ)
[1447] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ) هُوَ بن أرطأة (سمعت فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (بْنَ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَعُلِّقَتْ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَجْهُولًا (فِي عنقه) أي ليكون عبرة ونكالا
قال بن(5/6)
الْهُمَامِ الْمَنْقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِهِ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إِنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ قَطْعِهِ لِيَكُونَ سُنَّةً انْتَهَى وَقَالَ فِي النَّيْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيقِ يَدِ السَّارِقِ فِي عُنُقِهِ لأن في ذلك من الزجر مالا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ السَّارِقَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَقْطُوعَةً مُعَلَّقَةً فَيَتَذَكَّرَ السَّبَبَ لِذَلِكَ وَمَا جَرَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنَ الْخَسَارِ بِمُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ النَّفِيسِ وَكَذَلِكَ الْغَيْرُ يَحْصُلُ لَهُ بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَسَاوِسُهُ الرَّدِيئَةُ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ سَارِقًا فَمَرُّوا بِهِ وَيَدُهُ مُعَلَّقَةٌ فِي عُنُقِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدَ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
(لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُمَا مُدَلِّسَانِ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ
قَالَ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ بطريقة انتهى
8 - (باب في الخائن والمختلس والمنتهب)
الخائن مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً وَيُظْهِرُ النُّصْحَ لِلْمَالِكِ
وَالْمُخْتَلِسُ الَّذِي يَسْلُبُ الْمَالَ عَلَى طَرِيقَةِ الْخِلْسَةِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَنْ يَأْخُذُهُ سَلْبًا وَمُكَابَرَةً
وَالْمُنْتَهِبُ هُوَ مَنْ يَنْتَهِبُ الْمَالَ عَلَى جِهَةِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ
[1448] (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ) قال بن الْهُمَامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَدِيعَةِ فَيَأْخُذَهُ وَيَدَّعِيَ ضَيَاعَهُ أَوْ يُنْكِرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ
وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقُصُورِ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي يَدِ الْخَائِنِ وَحِرْزِهِ لَا حِرْزِ الْمَالِكِ عَلَى الْخُلُوصِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حِرْزَهُ وَإِنْ كَانَ حِرْزَ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ أَحْرَزَهُ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ حِرْزٌ مَأْذُونٌ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ) لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ لَا مُخْتَفٍ فَلَا سَرِقَةَ وَلَا قَطْعَ (وَلَا مختلس) لأنه الْمُخْتَطِفُ لِلشَّيْءِ مِنَ الْبَيْتِ(5/7)
وَيَذْهَبُ أَوْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ
فِي الْمُغْرِبِ الِاخْتِلَاسُ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ ظَاهِرٍ بِسُرْعَةٍ (قَطْعٌ) اسْمُ لَيْسَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى إِيجَابَ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا كَالِاخْتِلَاسِ وَالِانْتِهَابِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعَ هَذَا النَّوْعِ بِالِاسْتِغَاثَةِ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَسْهِيلِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهَا فَيَعْظُمُ أَمْرُهَا وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتُهَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا في المنتقى وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عند بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ
وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ بن ماجة أيضا والطبراني في الأوسط
وعن بن عباس عند بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ وَضَعَّفَهُ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وبن حِبَّانَ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَذْكُرِ اخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ وَالْمُنْتَهِبُ وَالْخَائِنُ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَزُفَرُ وَالْخَوَارِجُ إِلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ وَذَلِكَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمُ الْحِرْزَ انْتَهَى
قُلْتُ وَالرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ والحنيفة
لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ بِمَجْمُوعِهَا صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ
9 - (باب مَا جَاءَ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كثر)
[1449] قوله (لا يقطع في ثمر ولا كثر) يفتح الْكَافِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْجُمَّارُ قَالَ فِي القاموس(5/8)
وَالْكَثْرُ وَيُحَرَّكُ جُمَّارُ النَّخْلِ أَوْ طَلْعُهَا وَقَالَ الْجُمَّارُ كَرُمَّانٍ شَحْمُ النَّخْلِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْكَثَرُ بِفَتْحَتَيْنِ جُمَّارُ النَّخْلِ وَهُوَ شَحْمُهُ الَّذِي فِي وَسَطِ النَّخْلَةِ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ وَسَطَ النَّخْلِ يُؤْكَلُ الْكَثْرُ الطَّلْعُ أَوَّلَ مَا يُؤْكَلُ انْتَهَى
قُلْتُ الْمُرَادُ بِالْكَثْرِ هُوَ الْجُمَّارُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِي سَرِقَةِ شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحْرَزَةً أَوْ غَيْرَ مُحْرَزَةٍ وَقَاسَ عَلَيْهِ اللُّحُومَ وَالْأَلْبَانَ وَالْأَشْرِبَةَ وَالْخُبُوزَ وَأَوْجَبَ الْآخَرُونَ الْقَطْعَ فِي جَمِيعِهَا إِذَا كَانَ مُحْرَزًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّمَارِ الْمُعَلَّقَةِ غَيْرِ الْمُحْرَزَةِ
وَقَالَ نَخِيلُ الْمَدِينَةِ لَا حَوَائِطَ لِأَكْثَرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا مُحْرَزًا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الْجَرِينَ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرَةِ لِلْمَارِّ بِهَا وَحَسَّنَهُ
وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ والبيهقي وصححه البيهقي وبن حِبَّانَ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ تَلَقَّتِ الْعُلَمَاءُ مَتْنَهُ بِالْقَبُولِ
0 - (باب ما جاء أن لا يقطع الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ)
[1450] قَوْلُهُ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ المشددة والثاني(5/9)
بِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ (عَنْ شِيَيْمِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ مِثْلِهَا بَعْدَهَا (بْنِ بَيْتَانِ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ بَيْتِ الْقِتْبَانِيِّ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَفِي الْمُغْنِي شِيَيْمُ بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَفَتْحِ تَحْتِيَّةٍ أُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ (عَنْ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ (بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا الْأَزْدِيُّ الشَّامِيُّ وَمِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ويقال بن أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ (لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ وَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَطْعِ فِي الْغَزْوِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ الْمَرْفُوعُ انْتَهَى
وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال جَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (وَقَدْ رَوَاهُ غير بن لَهِيعَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ هَذَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالح أخبرنا بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِجَالُ إِسْنَادِ أَبِي دَاوُدَ ثِقَاتٌ إِلَى بُسْرٍ قَالَ وَفِي إِسْنَادِ النَّسَائِيِّ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَةِ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ وَقِيلَ لَا وَأَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِنِينَ وَلَهُ أَخْبَارٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَغَمَزَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
وَنَقَلَ فِي الخلاصة عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَأَنَّهُ رَجُلُ سَوْءٍ وَلِيَ الْيَمَنَ وَلَهُ بِهَا آثَارٌ قَبِيحَةٌ انْتَهَى
(وَقَالَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُقَالُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ) أَيْ بِزِيَادَةِ لَفْظِ أَبِي بَيْنَ بُسْرٍ وَأَرْطَاةَ(5/10)
قَوْلُهُ (كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ) قَالَ الْعَزِيزِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ انْتَهَى
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوْزَاعِيَّ رَأَى فِيهِ احْتِمَالَ افْتِتَانِ الْمَقْطُوعِ بِأَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ رَأَى أَنَّهُ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَالْأَمِيرُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْغَزْوِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الدَّفْعِ وَلَا يُغْنِي عَنَّا فَيُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَقْفِلَ الْجَيْشُ
قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ الْقَطْعِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَغَانِمِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي حَدِيثَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ وَحَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّ حَدِيثَ بُسْرٍ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَبَيَانُهُ أَنَّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ الْغَزْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ بُسْرٍ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَكُونُ غَازِيًا وَقَدْ لَا يَكُونُ
وَأَيْضًا حَدِيثُ بُسْرٍ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ فِي عُمُومِ الْحَدِّ انْتَهَى
1 - (باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ)
[1451] قَوْلُهُ (وَأَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ) بِكَسْرِ مِيمٍ وَكَافٍ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي مِسْكِينٍ وَيُقَالُ مِسْكِينٌ التَّمِيمِيُّ أَبُو الْعَلَاءِ الْقَصَّابُ الْوَاسِطِيُّ رَوَىَ عَنْ قَتَادَةَ وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ
قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ مُرَّةُ رَجُلٌ صَالِحٌ ثِقَةٌ انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ الثَّالِثَةِ (رُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ صُحْبَةٌ ثُمَّ سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ بِحِمْصٍ (لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِيكَ مَكَانَ فِيهَا وَالْخِطَابُ لِلرَّجُلِ (لَئِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ) أَيْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ جَعَلَتْ جَارِيَتَهَا حَلَالًا وَأَذِنَتْ لَهُ فِيهَا (لَأَجْلِدَنَّهُ مِائَةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود جلدتك مائة
قال بن الْعَرَبِيِّ يَعْنِي أَدَّبْتُهُ تَعْزِيرًا(5/11)
أَوْ أَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ تَنْكِيلًا لَا إِنَّهُ رَأَى حَدَّهُ بِالْجَلْدِ حَدًّا لَهُ
قَالَ السِّنْدِيُّ بعد ذكر كلام بن الْعَرَبِيِّ هَذَا لِأَنَّ الْمُحْصَنَ حَدُّهُ الرَّجْمُ لَا الْجَلْدُ وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحَلَّتْ جَارِيَتَهَا لِزَوْجِهَا فَهُوَ إِعَارَةُ الْفُرُوجِ فَلَا يَصِحُّ لَكِنِ الْعَارِيَّةُ تَصِيرُ شُبْهَةً ضَعِيفَةً فَيُعَزَّرُ صَاحِبُهَا انْتَهَى
[1452] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ نَحْوُهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَكْسِرُهَا وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا
قَالَ النَّسَائِيُّ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ رَوَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ غَيْرُ الْحَسَنِ يَعْنِي قَبِيصَةَ بْنَ حُرَيْثٍ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ سَمِعَ سَلَمَةَ بن المحبق في حديثه نظر
وقال بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَالْحُجَّةُ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يُبَالِي أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ سَمِعَ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْحُدُودِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ النُّعْمَانِ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَحَادِيثُ النُّعْمَانِ كُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ انْتَهَى (إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنُ عُرْفُطَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى مَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ(5/12)
الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ الْمُقَدَّمُ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ انْتَهَى
2 - (باب مَا جَاءَ فِي المرأة إذا استكرهت على الزنى)
[1453] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُعَمَّرٌ) بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي التقريب معمر في التشديد بن سُلَيْمَانَ النَّخَعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَخْطَأَ الْأَزْدِيُّ فِي تَلْيِينِهِ
وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (اُسْتُكْرِهَتِ امْرَأَةٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جَامَعَهَا رَجُلٌ بِالْإِكْرَاهِ (فَدَرَأَ) أَيْ دَفَعَ (وَأَقَامَهُ) أَيِ الْحَدَّ (عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا) أَيْ جَامَعَهَا (وَلَمْ يذكر) أي الراوي
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ (أَنَّهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ لَهَا مَهْرًا) أَيْ عَلَى مُجَامَعَتِهَا
قَالَ المظهر وكذا بن الْمَلَكِ لَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ لَهَا بِإِيجَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ وَائِلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) هَذَا صَحِيحٌ (وَلَا أَدْرَكَهُ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَشْهُرٍ) هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن(5/13)
عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي فَحَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ الْحَدِيثَ
فَقَوْلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ كُنْت غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ قَدْ وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حَمْلٌ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْقَوْلَ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ نَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ لَا أَخُوهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ
قُلْتُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِلُ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي هُوَ عَلْقَمَةُ لَمْ يَقُلْ فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ
[1454] قَوْلُهُ (تُرِيدُ الصَّلَاةَ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ) أَيْ قَابَلَهَا (فَتَجَلَّلَهَا) أَيْ فَغَشِيَهَا بِثَوْبِهِ فَصَارَ كَالْجُلِّ عَلَيْهَا (فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا) قَالَ الْقَاضِي أَيْ غَشِيَهَا وَجَامَعَهَا كَنَّى بِهِ عَنِ الْوَطْءِ كَمَا كَنَّى عَنْهُ بِالْغَشَيَانِ (فَانْطَلَقَ) أَيِ الرَّجُلُ الَّذِي جَامَعَهَا (وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ) أَيْ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي جَلَّلَهَا (فَقَالَتْ إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ) أَيِ الْمَارَّ الَّذِي لَمْ يُجَلِّلْهَا (فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا) أَيِ التَّجْلِيلَ وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ مِنْهَا وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمَارَّ مَا كَانَ فَعَلَ بِهَا (وَمَرَّتْ عِصَابَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَمَرَّتْ عِصَابَةٌ (فَأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذِي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا) وَكَانَ ظَنُّهَا غَلَطًا (أَنَا صَاحِبُهَا) أَيْ أَنَا الَّذِي جَلَّلْتُهَا وَقَضَيْتُ حَاجَتِي مِنْهَا لَا الَّذِي أَخَذُوهُ وَأَتَوْا بِهِ عِنْدَك (فَقَالَ لَهَا(5/14)
اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ) لِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً (وَقَالَ لِلرَّجُلِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ يَعْنِي الرَّجُلَ الْمَأْخُوذَ (قَوْلًا حَسَنًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ (وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا ارْجُمُوهُ) لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَرِفًا بِمَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ وَكَانَ مُحْصَنًا (وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ) أَمَّا كَوْنُ عَلْقَمَةَ أَكْبَرَ مِنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ
وَأَمَّا سَمَاعُ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَاتٌ عَدِيدَةٌ
مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقِصَاصِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ الْحَدِيثَ
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي بَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْبَرِيِّ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَنْبَأَنَا قَيْسُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
فَقَوْلُهُ إِنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْبُخَارِيِّ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى سَمَاعِ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ
فَالْحَقُّ أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ
فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَدُوقٌ إِلَّا إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ انْتَهَى
وَقَدْ قَالَ فِي أَوَائِلِ التَّقْرِيبِ إِنِّي أَحْكُمُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ مِنْهُمْ بِحُكْمٍ يَشْمَلُ أَصَحَّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَعْدَلَ مَا وُصِفَ بِهِ انْتَهَى
فَظَهَرَ أَنَّ أَعْدَلَ الْأَقْوَالِ وَأَصَحَّهَا أَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
قُلْتُ قَوْلُ الْحَافِظِ فِي التَّقْرِيبِ بِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
فَقَوْلُ الْحَافِظِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْحَافِظَ كَانَ قَائِلًا أَوَّلًا بِعَدَمِ سَمَاعِ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ فَرَجَعَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّقْرِيبِ بِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ يَرُدُّهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(5/15)
23 - (باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقَعُ عَلَى الْبَهِيمَةِ)
[1455] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو) فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ الْمَدَنِيِّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ من الخامسة (فاقتلوه) قال القارىء أَيْ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا أَوْ أَرَادَ بِهِ وَعِيدًا أَوْ تَهْدِيدًا (وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ) قِيلَ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ مِنْهَا حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ أَنْ يَلْحَقَ صَاحِبَهَا الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا لِإِبْقَائِهَا
وَفِي شَرْحِ الْمُظْهِرِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرْ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِنَّهُ يُعَزَّرُ
وَقَالَ إِسْحَاقُ يُقْتَلُ إِنْ عَمِلَ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ وَالْبَهِيمَةُ قِيلَ إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً تُقْتَلُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْقَتْلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعَدَمُ الْقَتْلِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إِلَّا لِأَهْلِهِ (فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ لَا عَقْلَ لَهَا وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا فَمَا بَالُهَا تُقْتَلُ (فَقَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْعِلَلِ وَالْحُكْمِ (وَلَكِنْ أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (أَوْ يَنْتَفِعَ) بِهَا أَيْ بِلَبَنِهَا وَبِشَعْرِهَا وَتَوْلِيدِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ (وقد عمل بها ذاك الْعَمَلُ) أَيِ الْمَكْرُوهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا بَعْدُ (وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ) هُوَ بن أَبِي النَّجُودِ (عَنْ أَبِي رَزِينٍ) هُوَ مَسْعُودُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) هذا قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ الْحَكَمُ أَرَى أَنْ يُجْلَدَ وَلَا يُبْلَغَ بِهِ الْحَدُّ
وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي
قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ عَاصِمٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو انتهى(5/16)
قُلْتُ عَطَاءٌ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ وَالْحَكَمُ هَذَا هو بن عُتَيْبَةَ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ
وَالْحَسَنُ هَذَا هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ (أَيْ أَبُو دَاوُدَ بِقَوْلِهِ حَدِيثُ عَاصِمٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عمرو بن أبي عمرو) أن بن عَبَّاسٍ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُخَالِفُهُ انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ عَاصِمٍ الموقوف على بن عَبَّاسٍ (أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَحَدِيثُ عَاصِمٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَمَلُهُمْ عَلَى حَدِيثِ عَاصِمٍ الْمَوْقُوفِ يَعْنِي أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى
4 - (باب مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ)
[1456] قَوْلُهُ (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ) أَيْ عَلِمْتُمُوهُ (يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) أَيْ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ اللِّوَاطَةَ (فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ)
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أن حد الفاعل حد الزنى أَيْ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ
لِأَنَّ التَّمْكِينَ فِي الدُّبُرِ لَا يُحْصِنُهَا فَلَا يُحْصِنُهَا حَدُّ الْمُحْصَنَاتِ
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَدْ قِيلَ فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِمَا هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ رَمْيُهُمَا مِنْ شَاهِقٍ كَمَا فُعِلَ بِقَوْمِ لُوطٍ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ انْتَهَى(5/17)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا (فَقَالَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَعَاصِمٌ مَتْرُوكٌ
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الرَّجْمَ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَمَ لُوطِيًّا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهَذَا نَأْخُذُ يُرْجَمُ اللُّوطِيُّ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ محصن
وروى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عَاصِمًا هَذَا مَتْرُوكٌ وَأَمَّا رَجْمُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لُوطِيًّا فَهُوَ فَعَلَهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا حَدُّ اللُّوطِيِّ حَدُّ الزَّانِي وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَيُجْلَدُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْبِكْرُ وَيُغَرَّبُ وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ التَّلَوُّطَ نوع من أنواع الزنى لِأَنَّهُ إِيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ فَيَكُونُ اللَّائِطُ وَالْمَلُوطُ بِهِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْبِكْرِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ(5/18)
حَدِيثُ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ
أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا أَعْرِفُهُ وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْتَهَى
وَرَوَاهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَفِيهِ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ
وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ شُمُولِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمَا فَهُمَا لَاحِقَانِ بِالزَّانِي بِالْقِيَاسِ
وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْوَارِدَةَ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ مُطْلَقًا مُخَصَّصَةٌ لعموم أدلة الزنى الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهَا اللُّوطِيَّ وَمُبْطِلَةٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ الشُّمُولِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ إِلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ اللُّوطِيُّ فَقَطْ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي خُصُوصِ اللُّوطِيِّ وَالْأَدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الزَّانِي عَلَى الْعُمُومِ
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ لهذا بحديث لأن أخطىء في العفو خير من أن أخطىء فِي الْعُقُوبَةِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَالنِّزَاعُ لَيْسَ هُوَ فِي ذَلِكَ
[1457] قَوْلُهُ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عمل قوم لوط) أخوف أفعل تفصيل بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ أَفْعَلَ إِلَى مَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْصَى الْأَشْيَاءَ الْمُخَوَّفَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ أَخْوَفُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجة(5/19)
25 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُرْتَدِّ)
[1458] أَيْ فِي حُكْمِ الَّذِي ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلِيًّا حَرَقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأَطْعَمَهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا فَحَفَرَ حَفِيرَةً ثُمَّ أَتَى بِهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَرَمَاهُمْ فِيهَا ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْحَطَبَ فَأَحْرَقَهُمْ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ ورسوله
وزعم أبو المظفر الإسفرائيني فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنَّ الَّذِينَ أَحْرَقَهُمْ عَلِيٌّ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّوَافِضِ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَهُمُ السبائية وَكَانَ كَبِيرُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَابْتَدَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ رِوَايَةً تؤيد ما زعمه الإسفرائيني في الملل والنحل (فبلغ ذلك بن عباس) وكان بن عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَوْ كُنْتُ أَنَا) أَنَا تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْ كُنْتُ أَنَا بَدَلَهُ (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ مَنْ عَامٌّ يُخَصُّ مِنْهُ مَنْ بَدَّلَهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الظَّاهِرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فِي الظَّاهِرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ بِالنَّارِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فقال صدق بن عباس) قال الحافظ وفي رواية بن علية فبلغ عليا فقال ويح أم بن عَبَّاسٍ كَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِحَذْفِ أُمِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ وَرَأَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ وَيْحَ بِأَنَّهَا كَلِمَةُ رَحْمَةٍ فَتَوَجَّعَ لَهُ لِكَوْنِهِ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَاعْتَقَدَ مُطْلَقًا فَأَنْكَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا رِضًا بِمَا قَالَ وَأَنَّهُ حَفِظَ مَا نسيه بناء على أحد مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ وَيْحَ أَنَّهَا تُقَالُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ كَمَا حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ انْتَهَى
قُلْتُ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ويح أم بن عَبَّاسٍ الْمَدْحُ وَالتَّعَجُّبُ(5/20)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ لَفْظَ (مَنْ) فِي قَوْلَهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ عَامٌّ شَامِلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلَا تُقْتَلُ) أَيِ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ كَالْمُرْتَدِّ وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالذِّكْرِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ النَّهْيَ عَلَى الْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِذَا لَمْ تُبَاشِرِ الْقِتَالَ وَلَا الْقَتْلَ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ لَمَّا رَأَى الْمَرْأَةَ مَقْتُولَةً مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ مَنِ الشَّرْطِيَّةَ لا تعم المؤنث وتعقب بأن بن عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْخَبَرِ قَدْ قَالَ تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ وَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ امْرَأَةً ارْتَدَّتْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وقد أخرج ذلك كله بن الْمُنْذِرِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا فِي قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ لَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا
وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنى رَجْمُ الْمُحْصَنِ فَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى قَتْلُ الْمُرْتَدَّةِ انْتَهَى
6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ شَهَرَ(5/21)
شمشير بركشيدن ازنيام وَالسِّلَاحُ بِالْكَسْرِ آلَةُ الْحَرْبِ وَحَدِيدَتُهَا وَيُؤَنَّثُ وَالسَّيْفُ وَالْقَوْسُ بِلَا وَتَرٍ وَالْعَصَا
[1459] قَوْلُهُ (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ) وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقِتَالِهِمْ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخْوِيفِهِمْ وَإِدْخَالِ الرُّعْبِ عَلَيْهِمْ وَكَأَنَّهُ كَنَّى بِالْحَمْلِ عَنِ الْمُقَاتَلَةِ أَوِ الْقَتْلِ لِلْمُلَازَمَةِ الغالبة قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَمْلِ مَا يُضَادُّ الْوَضْعَ وَيَكُونُ كِنَايَةً عَنِ الْقِتَالِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَمْلِ حَمْلُهُ لِإِرَادَةِ الْقِتَالِ بِهِ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَلَيْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَمَلَهُ لِلضَّرْبِ بِهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّشْدِيدِ فِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ مَنْ شَهَرَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَفِي سَنَدِ كُلٍّ مِنْهَا لِينٌ لَكِنَّهَا يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ رَمَانَا بالنبل فليس مناوهو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ اللَّيْلُ بَدَلَ النَّبْلِ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مِثْلُهُ (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا أَوْ لَيْسَ مُتَّبِعًا لِطَرِيقَتِنَا لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُقَاتِلَ دُونَهُ لَا أَنْ يُرْعِبَهُ بِحَمْلِ السِّلَاحِ عَلَيْهِ لِإِرَادَةِ قِتَالِهِ أَوْ قَتْلِهِ
وَنَظِيرُهُ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ
وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ يَسْتَحِلُّهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمِ بِشَرْطِهِ لَا بِمُجَرَّدِ حَمْلِ السِّلَاحِ
وَالْأَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ
وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَيَقُولُ مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَيَرَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ تَأْوِيلِهِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ
وَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ قَاتَلَ الْبُغَاةَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْبُغَاةِ وَعَلَى مَنْ بَدَأَ بِالْقِتَالِ ظَالِمًا انْتَهَى
قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَمَّا حديث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ حَدِيثِ الباب
وأما حديث بن الزُّبَيْرِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ(5/22)
27 - (باب مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّاحِرِ)
[1460] قَوْلُهُ (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ يُرْوَى بِالتَّاءِ وَبِالْهَاءِ وَعَدَلَ عَنِ الْقَتْلِ إِلَى هَذَا كَيْ لَا يَتَجَاوَزَ مِنْهُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ حَدَّ السَّاحِرِ الْقَتْلُ لَكِنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ فَقِيهًا ضَعِيفَ الْحَدِيثِ مِنِ الْخَامِسَةِ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ هُوَ ثِقَةٌ وَيَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَرْوِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا
وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ قَالَ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَنَا يَعْنِي السَّاحِرَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ كَافِرٌ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ
وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُ كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ(5/23)
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا أَوِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَاتَ بِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ وَقَدْ لَا يَقْتُلُ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ العاقلة لا تجمل مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْغَالِّ مَا يُصْنَعُ بِهِ)
[1461] قَوْلُهُ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ
وَالْغُلُولُ هُوَ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ (فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِحَرْقِ مَتَاعِ الْغَالِّ
(قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَعَنِ الْحَسَنِ وَيُحْرَقُ مَتَاعُهُ كُلُّهُ إِلَّا الْحَيَوَانَ وَالْمُصْحَفَ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ(5/24)
الْأَئِمَّةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا فِي الْغُلُولِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ سَالِمًا أَمَرَ بِذَلِكَ وَصَحَّحَ أَبُو دَاوُدَ وَقْفَهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَالِّ وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ) الْحَرَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الرَّاءُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَصْدَرُ حَرِقَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَقَ مَتَاعَهُ يَعْنِي فِي حَدِيثِهِ الَّذِي سَاقَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ بِحَرْقِ رَحْلِ الْغَالِّ انْتَهَى
9 - (باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يقول للاخر يَا مُخَنَّثٌ)
بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُكْسَرُ هُوَ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِانْكِسَارِ كَلَامِهِ وَقِيلَ قِيَاسُهُ الْكَسْرُ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهُ وَالتَّشَبُّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ تَكْلِيفًا
وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ لَعْنِ الْمُخَنَّثِينَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ
[1462] قَوْلُهُ (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ) أَيِ الْمُسْلِمُ (يا يهودي) قال القارىء وَفِي مَعْنَاهُ يَا نَصْرَانِيُّ وَيَا كَافِرُ (فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ) أَيْ سَوْطًا (وَإِذَا قَالَ يَا مُخَنَّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ يَا يَهُودِيُّ فِيهِ تَوْرِيَةٌ وَإِيهَامٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُفْرُ وَالذِّلَّةُ لِأَنَّ الْيَهُودَ مَثَلٌ فِي الصَّغَارِ وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي أَرْجَحُ لِلدَّرْءِ فِي الْحُدُودِ وَعَلَى هَذَا الْمُخَنَّثُ انْتَهَى (وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ) أَيْ(5/25)
مَنْ وَقَعَ بِالْجِمَاعِ مُتَعَمِّدًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ يُقْتَلُ قَالَ الْمُظْهِرُ حَكَمَ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا زَجْرٌ وَإِلَّا حُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الزُّنَاةِ يُرْجَمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا وَيُجْلَدُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَا حَاجَةَ لِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الزَّجْرِ
قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَقُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ الْمُزْنِيُّ أَنَّ رَجُلًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ قُرَّةَ فِي بَابِ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ
قَوْلُهُ (قَالُوا مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ) أَيْ جَامَعَهَا (وَهُوَ يَعْلَمُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِتَحْرِيمِهَا (فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ) أَيْ فعليه أن يقتل يعني يجب قتله وهوالظاهر وَعَلَيْهِ تَدُلُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إن عليه حد الزنى فَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
0 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعْزِيرِ)
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنَ العزر بمعنى الرد والردع
قال بن الهمام وهو مشروع بالكتاب قال تعالى فاضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِيِّ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي ثُبُوتِ التَّعْزِيرِ مَا لَفْظُهُ وَأَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بِعَشْرٍ فِي الصِّبْيَانِ
فَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الْحَافِظُ التَّعْزِيرُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَزْرِ وَهُوَ الرَّدُّ وَالْمَنْعُ وَاسْتُعْمِلَ فِي الدَّفْعِ عَنِ الشَّخْصِ كَدَفْعِ أَعْدَائِهِ عَنْهُ وَمَنْعِهِمْ مِنْ إِضْرَارِهِ ومنه وآمنتم(5/26)
برسلي وعزرتموهم وَكَدَفْعِهِ عَنْ إِتْيَانِ الْقَبِيحِ وَمِنْهُ عَزَّرَهُ الْقَاضِي أَيْ أَدَّبَهُ لِئَلَّا يَعُودَ إِلَى الْقَبِيحِ وَيَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ انْتَهَى
[1463] قَوْلُهُ (لَا يُجْلَدُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ مَجْزُومًا (فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرِ ضَرْبَاتٍ (إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا وَرَدَ عَنِ الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنى وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِمَا
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا عُقُوبَةُ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لَا الْأَشْيَاءُ الْمَخْصُوصَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ
وَعَرَّفَ الشَّرْعُ إِطْلَاقَ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ عُقُوبَةٍ لِمَعْصِيَةٍ من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَى بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ له وإليها ذهب بن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي التَّأْدِيبِ لِلْمَصَالِحِ كَتَأْدِيبِ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ يُطْلِقُ الْحُدُودَ عَلَى الْعُقُوبَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِنَّ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ
ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ قُلْتُ وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجُلِدَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ
قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّعْزِيرِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْلُغُ أَدْنَى(5/27)
الْحُدُودِ وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَدِّ الْحُرِّ أَوِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ
وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُسْتَنْبَطُ كُلُّ تَعْزِيرٍ مِنْ جِنْسِ حَدِّهِ وَلَا يُجَاوِزُهُ
وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَصِّلْ
وَقَالَ الْبَاقُونَ هُوَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي ثَوْرٍ
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تَجْلِدْ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ
وَعَنْ عُثْمَانَ ثَلَاثِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بلغ بالسوط مائة وكذا عن بن مَسْعُودٍ
وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَطَاءٍ لَا يُعَزَّرُ إِلَّا مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا فَلَا يُعَزَّرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْلُغُ أربعين وعن بن أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ جَلْدَةً وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَبْلُغُ ثَمَانِينَ
وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ وَلَيْسَ لِمَنْ خَالَفَهُ مُتَمَسِّكٌ يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ
وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ فَنَقَلَ عَنِ الْجُمْهُورِ عَدَمَ الْقَوْلِ بِهِ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بطل نهر معقل فَلَا يَنْبَغِي لِمُنْصِفٍ التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ عِنْدَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوا كُلَّ
قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فما امن في دينه كمخاطر(5/28)
18 - (أبواب الصَّيْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
(بَاب مَا جَاءَ مَا يُؤْكَلُ مِنْ صيد الكلب)
وما لا يؤكل [1465] قَوْلُهُ (إِنَّا نُرْسِلُ كِلَابًا لَنَا مُعَلَّمَةً) الْمُرَادُ بِالْمُعَلَّمَةِ الَّتِي إِذَا أَغْرَاهَا صَاحِبُهَا عَلَى الصَّيْدِ طَلَبَتْهُ وَإِذَا زَجَرَهَا انْزَجَرَتْ وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ حَبَسَتْهُ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِهِ
وَاخْتُلِفَ مَتَى يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ يَكْفِي مَرَّتَيْنِ
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُعْظَمُ لِاضْطِرَابِ الْعُرْفِ وَاخْتِلَافِ طِبَاعِ الْجَوَارِحِ فَصَارَ الْمَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ
قُلْتُ فَإِنْ أَكَلَ قَالَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ
وَفِي رواية أخرى له إذا أرسلت كلابك المعلمة وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وإن قتلن(5/29)
إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ تَحْرِيمُ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا
وَقَدْ عُلِّلَ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَحِلُّ وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَا بَأْسَ بِسَنَدِهِ
وَسَلَكَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ طُرُقًا مِنْهَا لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ حُمِلَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا إِذَا قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَرِوَايَةُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورَةُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي تَضْعِيفِهَا وَأَيْضًا فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ صَرِيحَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْلِيلِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَوْفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مُتَأَيِّدَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْلِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكم) فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ الَّذِي يُمْسِكُهُ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ لَا يُبَاحُ
وَيَتَقَوَّى أَيْضًا بِالشَّاهِدِ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِذَا أَرْسَلْتَ الْكَلْبَ فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ اخر عن بن عباس وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ
وَمِنْهَا لِلْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ حَمْلُ حَدِيثِ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ
وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى (وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا شَارَكَهُ فِيهِ كَلْبٌ آخَرُ فِي اصْطِيَادِهِ
قَالَ الْحَافِظُ مَحَلُّهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ حَلَّ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ أَرْسَلَاهُمَا مَعًا فَهُوَ لَهُمَا وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَوْ سَمَّى عَلَى الْكَلْبِ لَحَلَّ (إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ قَالَ الْخَلِيلُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ ولا نصل
وقال بن دريد وتبعه بن سِيدَهْ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٌ رِقَاقٌ فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمِعْرَاضُ نَصْلٌ عَرِيضٌ لَهُ ثِقَلٌ وَرَزَانَةٌ وَقِيلَ عُودٌ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخِذَافَةِ وَقِيلَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ آخِرُهَا عَصَا(5/30)
مُحَدَّدٌ رَأْسُهَا وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ وَقَوَّى هَذَا الْأَخِيرَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ المشهور
وقال بن التِّينِ الْمِعْرَاضُ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَا خَزَقَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ نَفَذَ يُقَالُ سَهْمٌ خَازِقٌ أَيْ نَافِذٌ (وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ
وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ حِلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
[1464] قَوْلُهُ (مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ) أَيْ مَا صدت بسهمك (فان لم تجدوا غيرها فاغسلوا بِالْمَاءِ ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) قَالَ الْبَرْمَاوِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ آنِيَتَهُمْ بَعْدَ الْغَسْلِ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهَا
وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَتِهِمْ بَعْدَ الْغَسْلِ بِلَا كَرَاهِيَةٍ سَوَاءٌ وجد غيرها أو لا فتحمل الكراهية فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآنِيَةُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةَ النَّجَاسَةِ
وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الْأَوَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ غَالِبًا وَذَكَرَهُ أَبُو داود في سنته صَرِيحًا
قَالَ النَّوَوِيُّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطْلَقًا وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مُقَيَّدًا قَالَ إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ وَقَالَ فَالنَّهْيُ بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ الْمَغْسُولَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ(5/31)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أراد الترمذي به غير حديث الْمَذْكُورِ وَلَهُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ
قَوْلُهُ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَعَائِذُ الله أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ) وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ
مات سنة ثمانين
(باب ما جاء في صيد كلب المجوسي)
[1466] (عن سلمان الْيَشْكُرِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ وَبِكَافٍ مضمومة هو بن قَيْسٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (نُهِينَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ صَيْدِ كَلْبِ الْمَجُوسِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْكَفَرَةِ لَا يَحِلُّ صَيْدُ جَارِحَةٍ أَرْسَلَهَا هُوَ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحِلُّ مَا اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُسْلِمُ حَيًّا فَيَذْبَحَهُ وَإِنِ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي إِرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ فهو حرام انتهى
وأخرج عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قَبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ غَيْرَ نَاكِحِي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم
قال القارىء وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا شَرَطَ كَوْنَ الذَّابِحِ مُسْلِمًا لقوله تعالى (إلا ما ذكيتم) وَكِتَابِيًّا وَلَوْ كَانَ الْكِتَابِيُّ حَرْبِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاتُهُمْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْكِتَابِيُّ غَيْرَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بِذِكْرِ الْمَسِيحِ أَوْ عزير لا تحل ذبيحته لقول تعالى (وما أهل لغير الله به) لَا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مَجُوسِيًّا لِمَا سَبَقَ أَوْ وَثَنِيًّا لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي عَدَمِ التَّوْحِيدِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ الخ) في إسناده شريك وهو بن عبد الله النخعي الكوفي(5/32)
وحجاج وهو بن أَرْطَاةَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ (وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ نَافِعٍ الْمَكِّيُّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ وَيُقَالُ يَسَارٌ وَيُقَالُ نَافِعُ بْنُ يَسَارٍ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أبو عاصم القارىء الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ
رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَغَيْرُهُ
قَالَ بن معين والعجلي والنسائى ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ وَلَمْ يَسْمَعِ التَّفْسِيرَ مِنْ مُجَاهِدٍ أَحَدٌ غَيْرُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَنْ يَرْوِي عَنْ مُجَاهِدٍ التَّفْسِيرَ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ كتاب القاسم انتهى
(باب فِي صَيْدِ الْبُزَاةِ)
بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ الْبَازِيِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَازِيُّ ضَرْبٌ مِنَ الصُّقُورِ وَقَالَ فِيهِ الصَّقْرُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيدُ مِنَ الْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ
قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْبَازِيُّ أَفْصَحُ لُغَاتِهِ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ وَالثَّانِيَةُ بَازٍ والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما بن سِيدَهْ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ بَازِيَانِ وَفِي الْجَمْعِ بُزَاةٌ كَقَاضِيَانِ وَقُضَاةٍ وَيُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَصِيدُ صقور وهو أشد الْحَيَوَانِ تَكَبُّرًا وَأَضْيَقُهَا خُلُقًا انْتَهَى
[1467] قَوْلُهُ (مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عليك قلت وإن قتل قَالَ إِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَمُجَالِدٌ هَذَا هُوَ بن سَعِيدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ بن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو(5/33)
عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ انْتَهَى
قُلْتُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مجالد يذكر الْبَازُ فِيهِ وَخَالَفَ الْحُفَّاظَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ بَأْسًا) قَالَ الْحَافِظُ وَفِي مَعْنَى الْبَازِ الصَّقْرُ وَالْعُقَابُ وَالْبَاشِقُ وَالشَّاهِينُ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْبُزَاةُ وَهُوَ الطَّيْرُ الَّذِي يُصَادُ بِهِ) مِنَ الْجَوَارِحِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا علمتم من الجوارح فَسَّرَ الْكِلَابَ وَالطَّيْرَ الَّذِي يُصَادُ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ فَسَّرَ مُجَاهِدٌ الْجَوَارِحَ فِي الْآيَةِ بِالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَا روى عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَيْدِ الْكَلْبِ وَالطَّيْرِ وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صَيْدِ الْبَازِيِّ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَقَالُوا إِنَّمَا تَعْلِيمُهُ إِجَابَتُهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ الْبَازُ إِذَا أَكَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْكَلْبُ إِذَا أَكَلَ كُرِهَ وَإِنْ شَرِبَ الدَّمَ فَلَا بَأْسَ انْتَهَى
(وَالْفُقَهَاءُ أَكْثَرُهُمْ قَالُوا يَأْكُلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْبَازِيِّ إِنَّمَا هُوَ إِجَابَتُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ)
[1468] قَوْلُهُ (فَأَجِدُ فِيهِ مِنَ الْغَدِ سَهْمِي) أَيْ فِي بَعْضِ زَمَنِ الِاسْتِقْبَالِ فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ كقوله تعالى (منهم من كلم الله) أَوْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ للصلاة من يوم الجمعة) وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ فِيهِ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قبل ومن بعد) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ) قال بن الْمَلَكِ وَإِنْ رَأَيْتَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَلَا تَأْكُلْ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ سَبَبُ قَتْلِهِ يَقِينًا(5/34)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي قَالَ كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ قَالَ ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَصِلَّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ
وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَصِلَّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَا لَمْ يُنْتِنْ وَيَتَغَيَّرْ رِيحُهُ يُقَالُ صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ لُغَتَانِ
(باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ)
[1469] قَوْلُهُ (إِلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَلَا تأكل) وجهه أنه يَحْصُلَ حِينَئِذٍ التَّرَدُّدُ هَلْ قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوِ الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ السَّهْمَ أَصَابَهُ فَمَاتَ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ السَّهْمُ حَلَّ أَكْلُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1470] قَوْلُهُ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِلَخْ) لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ وُجْدَانِ الصَّيْدِ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرَ مَسْأَلَةِ مَا إِذَا خَالَطَتِ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ كِلَابًا أُخْرَى وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَا إِذَا وَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ فَتَفَكَّرْ(5/35)
قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ كُرِهَ لَهُ أَكْلُهُ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ أَنَّهُ كُرِهَ أَكْلُ صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا خَالَطَهُ كَلْبٌ آخَرُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الذَّبِيحَةِ إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ)
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِذَا وَجَدَ الصَّيْدَ فِي الْمَاءِ غَرِيقًا حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى
وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهَا لِقَطْعِ الْحُلْقُومِ مَثَلًا فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَلْبِ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ فَلَا يَأْكُلُ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ
(بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمِعْرَاضِ)
بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وَمَا لا يؤكل(5/36)
[1471] قَوْلُهُ (مَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ) أَيْ بِطَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وفي رواية كل ما خرق وماأصبت بِعَرْضِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ فَهُوَ وَقِيذٌ
زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَلَا تَأْكُلْ وَوَقِيذٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مَا قُتِلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ
وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّهْمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ وَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاتَهُ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَشَبَةِ الثَّقِيلَةِ وَالْحَجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُثْقِلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (والعمل عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ في الحديث
(باب ما جاء في الذبح بالمروة)
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْحِجَارَةُ الْبَيْضَاءُ وَبِهِ سُمِّيَتْ مَرْوَةُ مَكَّةَ
وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَرْوَةُ حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَرْوَةُ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ تُورِي النَّارَ أَوْ أَصْلَبُ الْحِجَارَةِ
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ وَيُجْعَلُ مِنْهُ كَالسِّكِّينِ
[1472] قَوْلُهُ (صَادَ أَرْنَبًا) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ يُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ خركوش (أَوِ اثْنَتَيْنِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَتَعَلَّقَهُمَا) أَيْ عَلَّقَهُمَا
قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا كَتَعْلِقَةٍ (فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالْمَرْوَةِ وَعَلَى أَنَّ الْأَرْنَبَ حَلَالٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ وَرَافِعٍ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ(5/37)
صفوان فأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجة
وأما حديث رافع وهو بن خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ
وَحَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَغَلَبُوا فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الْأَرْنَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِنَ التَّابِعِينَ
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنَ الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْأَرْنَبِ قَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ قُلْتُ فَإِنِّي آكُلُ مَا لَا تُحَرِّمُهُ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نُبِّئْتُ أَنَّهَا تُدْمِي
وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ جِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا
زَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرَّمَهَا وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ الْأَرْنَبِ) وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَسْمَاءَهُمْ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ
قَوْلُهُ (وَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ صَفْوَانَ) بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ أَيْ رَوَاهُ بِالشَّكِّ وَرِوَايَةُ عَاصِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ (وَمُحَمَّدُ بْنِ صَفْوَانَ أَصَحُّ)
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ هو الصواب
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ صَفْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّعْبِيُّ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا) أَيْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صفوان وجابر بن عبد الله كليهما(5/38)
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الْمَصْبُورَةِ)
أَيِ الَّتِي تُحْبَسُ وَتُرْمَى بِالنَّبْلِ حَتَّى تَمُوتَ
[1473] قَوْلُهُ (عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَبَطَهُ الشُّمُنِّيُّ بِكَسْرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ كُلُّ حَيَوَانٍ يُنْصَبُ وَيُرْمَى لِيُقْتَلَ إِلَّا أَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الطَّيْرِ وَالْأَرْنَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْثُمُ بِالْأَرْضِ أَيْ يَلْزَمُهَا وَيَلْتَصِقُ بِهَا (وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ) أَيْ تُحْبَسُ وَيُرْمَى إِلَيْهَا (بِالنَّبْلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بِالسَّهْمِ حَتَّى تَمُوتَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَالنَّهْيُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِذَبْحٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وأنس وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ
وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ
وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
[1474] قَوْلُهُ (عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ) أَيْ عَنْ أَكْلِهِ (مِنَ السِّبَاعِ) أَيْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالدُّبِّ وَالْقِرَدَةِ وَالْخِنْزِيرِ (وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ (مِنَ الطَّيْرِ) أَيْ عَنْ أَكْلِ سِبَاعِهِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَرَادَ بِكُلِّ ذِي نَابٍ مَا يَعْدُو بِنَابِهِ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا وَأَرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ مَا يَقْطَعُ وَيَشُقُّ بِمِخْلَبِهِ كَالنِّسْرِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِيِّ وَغَيْرِهَا (وَعَنْ(5/39)
لُحُومِ الْحُمُرِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حِمَارٍ (الْأَهْلِيَّةِ) أَيِ الْإِنْسِيَّةِ ضِدُّ الْوَحْشِيَّةِ (وَعَنِ الْمُجَثَّمَةِ) سَبَقَ ذِكْرُهَا وَسَيَأْتِي أَيْضًا (وَعَنِ الْخَلِيسَةِ) أَيِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ فَمِ السِّبَاعِ فَتَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تُذَكَّى وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَخْلُوسَةً مِنَ السَّبُعِ أَيْ مَسْلُوبَةً مِنْ خَلَسَ الشَّيْءَ إِذَا سَلَبَهُ (وَأَنْ تُوطَأَ) أَيْ عَنْ أَنْ تُجَامَعَ (الْحَبَالَى) بِفَتْحِ الْحَاءِ جمع الحبلى (وحتى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ) يَعْنِي إِذَا حَصَلَتْ لِشَخْصٍ جَارِيَةٌ حُبْلَى لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تضع حملها
قال القارىء وكذا إذا تزوج حبلى من الزنى ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ
وَقَالَ الْمُظْهِرُ إِذَا حَصَلَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ مِنَ السَّبْيِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَحِيضَ وَيَنْقَطِعَ دَمُهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا
(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ الْقُطَعِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَقَائِلُهَا هو الترمذي
(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَكَاةِ الْجَنِينِ)
أَيْ فِي ذَبْحِهِ وَالْجَنِينُ هُوَ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّذْكِيَةُ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ يُقَالُ ذَكَّيْتُ الشَّاةَ تَذْكِيَةً وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ
[1476] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ(5/40)
قَوْلُهُ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) مَرْفُوعَانِ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِأَنَّهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَيَحِلُّ بِهَا كَمَا تَحِلُّ الْأُمُّ بِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَذْكِيَةٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى وَسَتَعْرِفُ تَخْرِيجَهَا
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدارقطني وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا مُجَالِدًا وَلَكِنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَمُجَالِدٌ لَيْسَ إِلَّا فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ فِيهَا ضَعِيفٌ وَالْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَطِيَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطِيَّةُ فِيهِ لِينٌ وقد صححه مع بن حبان بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص قال بن الْمُنْذِرِ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ) هو الثوري (وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ)
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَيْضًا مَالِكٌ وَاشْتَرَطَ أن يكون قد أشعر
وقال أَبُو حَنِيفَةَ بِتَحْرِيمِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَإِنَّهَا لَا تُغْنِي تَذْكِيَةُ الْأُمِّ عَنْ تَذْكِيَتِهِ
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَاتُهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَكَاةُ مَا كَانَ فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ خَلْقُهُ ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ فَذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ يَكْرَهُ أَكْلَهُ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى
وَكَانَ يُرْوَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ انْتَهَى
قُلْتُ اسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْجَنِينِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ هَذَا اسْتِبْعَادٌ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ بِمُقَابَلَةِ النُّصُوصِ(5/41)
وَلَعَلَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَوْ حَمَلَهَا عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهَا وَقَالَ قَوْلَهُ إِذَا تَمَّ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الذَّبِيحَةِ جَنِينٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ نَابِتَ الشَّعْرِ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْخَلْقِ فَهُوَ مُضْغَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ بِحِلِّهِ مُطْلَقًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ اتفاقا
ودليل من قال بالحل مطلقاأو مُقَيَّدًا بِتَمَامِ الْخِلْقَةِ حَدِيثُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ رَوَاهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَوَّلُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ بِاللَّفْظِ المذكور أبو داود وبن ماجة والترمذي وحسنه وبن حِبَّانَ وَأَحْمَدُ
الثَّانِي جَابِرٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْلَى الثَّالِثُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي سَنَدِهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ضعيف
الرابع بن عُمَرَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ
الْخَامِسُ أَبُو أَيُّوبَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ
السَّادِسُ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
السابع بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
الثَّامِنُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ أَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ حَدِيثُهُمَا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ
الْحَادِيَ عَشَرَ عَلِيٌّ حَدِيثُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ
قَالَ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ حَدِيثَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ لَا يَصِحُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَضَعْفُ بَعْضِ طُرُقِهِ غَيْرُ مُضِرٍّ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ وَهَذَا حَسَنٌ
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ رُوِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ فَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا يُقَالُ لِسَانُ الْوَزِيرِ لِسَانَ الْأَمِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ الرَّفْعُ صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ
وَيُوَضِّحُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ السَّائِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَالنَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَفَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ أَقْوَى
هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ انْتَهَى مَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
قُلْتُ قَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْكَلَامَ عَلَى أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
فَإِنْ قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَنْ ذَكَاتِهِ فَفِي النِّهَايَةِ لِلْجَزَرِيِّ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ
فَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَتَكُونُ ذَكَاةُ الْأُمِّ هِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَبْحٍ مُسْتَأْنَفٍ وَمَنْ نَصَبَ كَانَ التَّقْدِيرُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ نُصِبَ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ يُذَكَّى تَذْكِيَةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ(5/42)
فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ وَصِفَتَهُ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَبْحِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ بِنَصْبِ الذَّكَاتَيْنِ أَيْ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ انْتَهَى
قُلْتُ نَعَمْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ هُوَ الرَّفْعُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ فِيهِمَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْحَضَهُ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلَهُ قَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ جَوَازِ أَكْلِ الْجَنِينِ إِذَا ذُكِّيَتْ أُمُّهُ وَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ لِلْجَنِينِ ذَكَاةٌ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى أَكْلَ الْجَنِينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْجَنِينَ يُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ (يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ) تُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَتَدْحَضُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى النِّيَابَةِ عَنْهَا انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا لَا يُغْنِي شَيْئًا فَقَالُوا الْمُرَادُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ بِلَفْظِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَرُوِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ انْتَهَى
وَاسْتَدَلَّ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِعُمُومِ قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة)
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَنِينَ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ دَاخِلَةٍ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ
اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ قَدْ أَشْعَرَ احْتَجَّ بِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
وَأَيْضًا قَدْ رُوِيَ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى مَرْفُوعًا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ وَفِيهِ ضَعْفٌ
وَأَيْضًا قد روى من طريق بن عُمَرَ نَفْسِهِ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ قَالَ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَلِتَعَارُضِهِمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِمَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ مُطْلَقًا
وَمَالِكٌ أَلْغَى الثَّانِيَ لِضَعْفِهِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْمَوْقُوفِ فَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ انْتَهَى(5/43)
قَوْلُهُ (وَأَبُو الْوَدَّاكِ اسْمُهُ جَبْرُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ (بْنُ نَوْفٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْفَاءِ الْهَمْدَانِيُّ الْبِكَالِيُّ كُوفِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الرَّابِعَةِ
0 - (باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَبٍ)
النَّابُ السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب
قال بن سِينَا لَا يَجْتَمِعُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ نَابٌ وَقَرْنٌ مَعًا
وَذُو النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ كَالْأَسَدِ والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ما له نَابٌ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَا يَفْتَرِسُ الْحَيَوَانَ وَيَأْكُلُ قَسْرًا كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى
وَالْمِخْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ
[1477] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ) جَمْعُ السَّبُعِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا الْمُفْتَرِسُ مِنَ الْحَيَوَانِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ
[1478] قَوْلُهُ (الْحُمُرَ الْإِنْسِيَّةَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَلُحُومَ الْبِغَالِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَالِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الحق وخالف فِي ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الشَّوْكَانِيُّ عن البحر(5/44)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِرْبَاضِ بن سارية وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عِرْبَاضٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ أكل المصبورة
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي النَّيْلِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ بسند لابأس بِهِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ انْتَهَى
[1479] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ) الْآيَةَ فَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَأَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَهُوَ قَوْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة وأما مالك فقال بن العربي المشهور عنه الكراهة
قال بن رَسْلَانَ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ
وَكَذَا قال القرطبي
1 - (باب ما جاء مَا قُطِعَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ)
[1480] قَوْلُهُ (وَهُمْ يَجُبُّونَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَقْطَعُونَ (أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ) بِكَسْرِ النُّونِ(5/45)
جَمْعُ سَنَامٍ (وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَمْعُ أَلْيَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ طَرَفُ الشَّاةِ (مَا يُقْطَعُ) مَا مَوْصُولَةٌ (مِنَ الْبَهِيمَةِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ (وَهِيَ حَيَّةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَهُوَ) أَيْ مَا يُقْطَعُ وَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ (مِيتَةٌ) أَيْ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ أكله
قال بن الْمَلَكِ أَيْ كُلُّ عُضْوٍ قُطِعَ فَذَلِكَ الْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْهُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَنُهُوا عَنْهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَدِينِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وقد أخرجه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي إِسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَفِيهِ مقال
2 - (باب مَا جَاءَ فِي الذَّكَاةِ فِي الْحَلْقِ وَالَّلبَّةِ)
بِفَتْحِ الَّلامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ
قَالَ فِي النَّهَايَةِ هِيَ الْهَزْمَةُ الَّتِي فَوْقَ الصَّدْرِ وَفِيهَا تُنْحَرُ الْإِبِلُ انْتَهَى قِيلَ وَهِيَ آخِرُ الْحَلْقِ وقال في الصراح لبة سر سينة
[1481] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ الدَّارِمِيُّ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ وَفِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَهَذَا أَشْهَرُ مَا قِيلَ فِيهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ فِي آخِرِ الباب(5/46)
قَوْلُهُ (أَمَا تَكُونُ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ أَيْ أَمَا تَحْصُلُ (الذَّكَاةُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الذَّبْحُ الشَّرْعِيُّ إِلَّا (فِي الْحَلْقِ واللبة) هِيَ الْمَنْحَرُ مِنَ الْبَهَائِمِ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ فَالسُّكُونُ أَيْ فِي فَخْذِ الْمُذَكَّاةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الذَّكَاةِ (لَأَجْزَأَ عَنْكَ) أَيْ لَكَفَى طَعْنُ فَخِذِهَا عَنْ ذَبْحِكَ إِيَّاهَا (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ هَذَا فِي الضَّرُورَةِ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ قَوْلُهُ لَوْ طَعَنْتَ إِلَخْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ هَذَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالتَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ هَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّافِرَةِ وَالْمُتَوَحِّشَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الصَّيْدِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ رُوَاتَهُ مَجْهُولُونَ وَأَبُو الْعُشَرَاءِ لَا يُدْرَى مَنْ أَبُوهُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ تَفَرَّدَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ يَعْنِي أَبَا الْعُشَرَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ فِي الذَّكَاةِ قَالَ هُوَ عِنْدِي غَلَطٌ وَلَا يُعْجِبُنِي وَلَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ وَاسْمِهِ وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ
وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (وَلَا نَعْرِفُ لِأَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي غَيْرِ السُّنَنِ عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَحَسَّنَهَا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاسْتَحْسَنَهُ جِدًّا كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (فَقَالَ بَعْضُهُمِ اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ قِهْطِمٍ) فِي الْقَامُوسِ الْقِهْطِمُ كَزِبْرِجٍ اللَّئِيمُ ذُو الصَّخَبِ وَعَلَمٌ (وَيُقَالُ يَسَارُ بْنُ بَرْزٍ بفتح الموحدة وسكون المهملة وبالزاي ويقال بن بلز) بفتح الموحدة وسكون اللام وبالزاي(5/47)
13 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْوَزَغِ)
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْوَزَغُ بِفَتْحِ وَاوٍ وَزَايٍ وَبِمُعْجَمَةٍ دَابَّةٌ لَهَا قَوَائِمُ تَعْدُو فِي أُصُولِ الْحَشِيشِ وَقِيلَ إِنَّهَا تَأْخُذُ ضَرْعَ النَّاقَةِ فَتَشْرَبُ لَبَنَهَا انْتَهَى
قُلْتُ يُقَالُ لَهَا فِي لِسَانِنَا الْهِنْدِيَّةُ كركب
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ وَزَغٌ جانوري جون كربشه انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْقَرَاحِ كربشه بروزن أقمشه كربسه كه بِمَعْنَى جلباسه هِنْدِيٌّ جهيكلي انْتَهَى
[1482] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً بِالضَّرْبَةِ الْأُولَى كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ
قَالَ النَّوَوِيُّ سَبَبُ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فِي قَتْلِهِ أَوَّلَ ضَرْبَةٍ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِقَتْلِهِ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَهُ رُبَّمَا انْفَلَتَ وَفَاتَ قَتْلُهُ وَالْمَقْصُودُ انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ بِالظَّفْرِ عَلَى قَتْلِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ شَرِيكٍ)
أَمَّا حَدِيثُ بن مسعود فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ وَمَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فَلَهُ حَسَنَةٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا مَنْ قَتَلَ وَزَغًا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ شَرِيكٍ فَأَخْرَجَهُ عَنْهَا الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم(5/48)
14 - (باب ما جاء في قتل الْحَيَّاتِ)
جَمْعُ حَيَّةٍ [1483] قَوْلُهُ (اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) أَيْ كُلَّهَا عُمُومًا (وَاقْتُلُوا) أَيْ خُصُوصًا (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ صَاحِبَهُمَا وَهِيَ حَيَّةٌ خَبِيثَةٌ عَلَى ظَهْرِهَا خَطَّانِ أَسْوَدَانِ كَالطُّفْيَتَيْنِ
وَالطُّفْيَةُ بِالضَّمِّ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَالْخُوصُ بِالضَّمِّ وَرَقُ النَّخْلِ الْوَاحِدَةُ بِهَاءٍ وَالْمُقْلُ بِالضَّمِّ صَمْغُ شَجَرَةٍ
وَفِي النِّهَايَةِ الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ شُبِّهَ بِهِ الْخَطَّانِ اللَّذَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ فِي قَوْلِهِ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ (وَالْأَبْتَرَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى ذَا قِيلَ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ الْمَقْطُوعَ الذَّنَبَ لِقِصَرِ ذَنَبِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَثِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيَّاتِ (فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ) أَيْ يَطْلُبَانِهِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ وَيُعْمِيَانِ الْبَصَرَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا لِخَاصِّيَّةِ السُّمِّيَّةِ فِي بَصَرِهِمَا (وَيُسْقِطَانِ) مِنَ الْإِسْقَاطِ (الْحَبَلَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْجَنِينَ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا بِالْخَاصَّةِ السُّمِّيَّةِ
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَعَلَ مَا يَفْعَلَانِ بِالْخَاصَّةِ كَاَلَّذِي يُفْعَلُ بِقَصْدٍ وَطَلَبٍ وَفِي خَوَاصِّ الْحَيَوَانِ عجائب لا تنكر
وقد ذكر في خَوَاصَّ الْأَفْعَى أَنَّ الْحَبَلَ يَسْقُطُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ النَّظَرَيْنِ وَفِي خَوَاصِّ بَعْضِ الْحَيَّاتِ أَنَّ رُؤْيَتَهَا تُعْمِي وَمِنَ الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظُورُ مَتَى وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى إِنْسَانٍ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ وَنَوْعٌ آخَرُ إِذَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ صَوْتَهُ مَاتَ
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا إِلَّا الْجَانَّ الْأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ
وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ يَعْنِي الْحَيَّاتِ وَمَنْ تَرَكَ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ خِيفَةً فَلَيْسَ مِنَّا
وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ(5/49)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وقد روى عن بن عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ) بِضَمِّ اللَّامِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ (نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَانٍّ الْحَيَّةُ الدَّقِيقَةُ
وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ أَيْ صَوَاحِبِهَا لِمُلَازَمَتِهَا (وَهِيَ) أَيْ جِنَّانُ الْبُيُوتِ (الْعَوَامِرُ) أَيْ لِلْبُيُوتِ حَيْثُ تَسْكُنُهَا وَلَا تُفَارِقُهَا وَاحِدَتُهَا عَامِرَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهَا لِطُولِ عُمُرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ عُمَّارُ الْبُيُوتِ وَعَوَامِرُهَا سُكَّانُهَا مِنَ الْجِنِّ
وَأَخْرَجَ هذه الرواية الشيخان في حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً أَقْتُلُهَا نَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ لَا تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فَقَالَ إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وهن العوامر
قوله (ويروى عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا) زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ هَذَا هُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَانَ زَيْدُ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ وَكَانَ طَوِيلًا بَائِنَ الطُّولِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ لَهُ فِي الْكُتُبِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
قُلْتُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
[1484] قَوْلُهُ (إِنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا) أَيْ سِوَاكِنَ (فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلَاثًا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ ضَيِّقُوا أَيْ قُولُوا لَهَا أَنْتِ فِي حَرَجٍ أَيْ ضِيقٍ إِنْ عُدْتِ إِلَيْنَا فَلَا تَلُومِينَا أَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْكِ بِالتَّتَبُّعِ وَالطَّرْدِ وَالْقَتْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ
قَالَ القاضي عياض روى بن الْحَبِيبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ أَنْشَدْتُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا وَلَا تَظْهَرُوا لَنَا وَنَحْوِهِ عَنْ مَالِكٍ (فَإِنْ بَدَا) أَيْ ظَهَرَ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بعد التحريج (فاقتلوه)(5/50)
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ
قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ فَلَيْسَ بِجِنِّيٍّ مُسْلِمٍ
بَلْ هُوَ إِمَّا جِنِّيٌّ كَافِرٌ وَإِمَّا حَيَّةٌ وَإِمَّا وَلَدٌ مِنْ أَوْلَادِ إِبْلِيسَ أَوْ سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِتَمَرُّدِهِ وَعَدَمِ ذَهَابِهِ بِالْإِيذَانِ وَكُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالدَّابَّةِ يُسَمَّى شَيْطَانًا
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْجِنِّ بَلْ هُوَ شَيْطَانٌ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إِلَى الْإِضْرَارِ بِكُمْ
قَوْلُهُ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ) رَوَاهُ فِي آخِرِ الْمُوَطَّأِ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ
[1485] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) أَنْصَارِيٌّ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَقُتِلَ بِدُجَيْلٍ وَقِيلَ غَرِقَ بِنَهْرِ الْبَصْرَةِ وَقِيلَ فُقِدَ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وثمانين في وقعة بن الْأَشْعَثِ حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ سَمِعَ أَبَاهُ وَخَلْقًا كثيرا من الصحابة ومنه الشعبي ومجاهد وبن سِيرِينَ وَخَلْقٌ وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ تَابِعِي الْكُوفِيِّينَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي حَرْفِ العين
وقال في حرف اللام بن أَبِي لَيْلَى اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى يَسَارٌ الْأَنْصَارِيُّ وُلِدَ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ وقد يقال بن أَبِي لَيْلَى أَيْضًا لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ إِمَامٌ مَشْهُورٌ فِي الْفِقْهِ صَاحِبُ مَذْهَبٍ وقول وإذا أطلق المحدثون بن أَبِي لَيْلَى فَإِنَّمَا يَعْنُونَ أَبَاهُ وَإِذَا أَطْلَقَ الفقهاء بن أَبِي لَيْلَى فَإِنَّمَا يَعْنُونَ مُحَمَّدًا وَوُلِدَ مُحَمَّدٌ هَذَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (قَالَ قَالَ أَبُو لَيْلَى) الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ
قَوْلُهُ (إِنَّا نَسْأَلُكَ بِعَهْدِ نُوحٍ) وَلَعَلَّ الْعَهْدَ كَانَ حِينَ إِدْخَالِهَا فِي السَّفِينَةِ (أَنْ لَا تُؤْذِيَنَا) هَذِهِ الْيَاءُ يَاءُ الضَّمِيرِ لَا يَاءُ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهَا سَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ فَتَكُونُ سَاكِنَةً سَوَاءٌ قُلْنَا إن أن(5/51)
مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ وَالتَّقْدِيرُ نَطْلُبُ مِنْك عَدَمَ الْإِيذَاءِ أَوْ مُفَسِّرَةٌ وَلَا نَاهِيَةٌ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ أَيْ لَا تُؤْذِينَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى قَتْلِ الْحَيَّاتِ أَجْمَعَ فِي الصَّحَارِيِ وَالْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا نَوْعًا وَجِنْسًا وَلَا مَوْضِعًا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ عَامَّةً وَقَالَتْ تُقْتَلُ الْحَيَّاتُ أَجْمَعُ إِلَّا سَوَاكِنَ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُنَّ لَا يُقْتَلْنَ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ وَزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِنَّ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ جَمِيعِ الْحَيَّاتِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ تُنْذَرُ سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فِي الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ بَدَيْنَ بَعْدَ الْإِنْذَارِ قُتِلْنَ
وَمَا وُجِدَ مِنْهُنَّ فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ
وَقَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تُنْذَرُ إِلَّا حَيَّاتُ الْمَدِينَةِ فَقَطْ وَأَمَّا حَيَّاتُ غَيْرِ الْمَدِينَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ وَالْبُيُوتِ فَتُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُقْتَلُ الْأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارِ سَوَاكِنَ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا
وَلِكُلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ قَوِيٌّ وَدَلِيلٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ)
[1486] قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَأَبِي أَيُّوبَ)
أَمَّا حديث بن عمر(5/52)
فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ اقْتُلْ كُلَّ كَلْبٍ بِالْمَدِينَةِ الْحَدِيثَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِزِيَادَةٍ (وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ شَيْطَانٌ) وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو لَيْلَى فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ إِنَّهُ شَيْطَانٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ الْكَلْبِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِبِلِ إِنَّهَا جِنٌّ وَهِيَ مَوْلُودَةٌ مِنَ النُّوقِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ لَهُمَا بِالشَّيْطَانِ وَالْجِنِّ لِأَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَرُّ الْكِلَابِ وَأَقَلُّهَا نَفْعًا
وَالْإِبِلُ شِبْهُ الْجِنِّ فِي صُعُوبَتِهَا وَصَوْلَتِهَا وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ فِي تَخْصِيصِ كِلَابِ الْمَدِينَةِ بِالْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَهْبِطَ الْمَلَائِكَةِ بِالْوَحْيِ وَهُمْ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَجَعَلَ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ شَيْطَانًا لِخَبَثِهِ فَإِنَّهُ أَضَرُّ الْكِلَابِ وَأَعْقَرُهَا وَالْكَلْبُ أَسْرَعُ إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَى جَمِيعِهَا وَهِيَ مَعَ هَذَا أَقَلُّهَا نفعا وأسوأها حِرَاسَةً وَأَبْعَدُهَا مِنَ الصَّيْدِ وَأَكْثَرُهَا نُعَاسًا
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ الْعَقُورِ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ إِلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ جَمِيعِ الْكِلَابِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهَا حَتَّى الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ انْتَهَى
6 - (باب مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا مَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ)
[1487] قَوْلُهُ (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا) يُقَالُ اقْتَنَى الشَّيْءَ إِذَا اتَّخَذَهُ لِلِادِّخَارِ أَيْ حَبَسَ وَأَمْسَكَ (أَوِ اتخذ(5/53)
كَلْبًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (لَيْسَ بِضَارٍ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ الْمُنَوَّنَةِ أَيْ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ الضَّارِي مِنَ الْكِلَابِ مَا يَهِيجُ بِالصَّيْدِ يُقَالُ ضَرَا الْكَلْبُ بِالصَّيْدِ ضَرَاوَةً أَيْ تَعَوَّدَهُ انتهى
وقال الحافظ ضرا الكلب وَأَضْرَاهُ صَاحِبُهُ أَيْ عَوَّدَهُ وَأَغْرَاهُ بِالصَّيْدِ (وَلَا كلب ماشية) هو ما يُتَّخَذُ مِنَ الْكِلَابِ لِحِفْظِ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ رَعْيِهَا (نقص) بصيغة المجهول
قال القارىء وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي الْمِشْكَاةَ بِالْمَعْلُومِ وَهُوَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اللُّزُومُ أَيِ انْتَقَصَ (كُلَّ يَوْمٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قِيرَاطَانِ) فاعل أو نائبه
قال القارىء أَيْ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ الْمَاضِي فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى التَّهْدِيدِ لِأَنَّ حَبْطَ الْحَسَنَةِ بِالسَّيِّئَةِ لَيْسَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقِيلَ أَيْ من ثواب عمله المتقبل حِينَ يُوجَدُ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا نَقَصَ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ وَلَا يَكْتُبُ لَهُ كَمَا يَكْتُبُ لِغَيْرِهِ مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ لَا يَكُونُ حَبْطًا لِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَنَى النَّجَاسَةَ مَعَ وُجُوبِ التَّجَنُّبِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ وَجَعَلَهَا وَسِيلَةً لِرَدِّ السَّائِلِ وَالضَّعِيفِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ
فَقِيلَ لِامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ وَقِيلَ لِمَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيعِ الْكَلْبِ لَهُمْ وَقَصْدِهِ إِيَّاهُمْ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ لِاِتِّخَاذِهِمْ مَا نُهِيَ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَعِصْيَانِهِمْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لِمَا يُبْتَلَى بِهِ وُلُوغُهُ فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَسُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كل يوم قيراط
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ(5/54)
[1488] قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَهُ زَرْعٌ) أراد بن عُمَرَ بِذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ حِفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ صَاحِبُ زَرْعٍ دُونَهُ وَمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْكَامِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب وسفيان بن أبي زُهَيْرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1490] قَوْلُهُ (إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ (اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراط) وفي رواية بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَةِ قِيرَاطَانِ
وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ فَقِيلَ الْحُكْمُ لِلزَّائِدِ لِكَوْنِهِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ الْآخَرُ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِنَقْصِ قِيرَاطٍ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِنَقْصِ قِيرَاطَيْنِ زِيَادَةً فِي التَّأْكِيدِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْ ذَلِكَ فَسَمِعَ الرَّاوِي الثَّانِي وَقِيلَ يَنْزِلُ عَلَى حالين فنقص القراطين بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْإِضْرَارِ بِاِتِّخَاذِهَا وَنَقْصُ الْقِيرَاطِ بِاعْتِبَارِ قِلَّتِهِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ نَقْصُ الْقِيرَاطَيْنِ بِمَنِ اتَّخَذَهَا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خَاصَّةً وَالْقِيرَاطُ بِمَا عَدَاهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا هَلْ هُمَا كَالْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا فَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ وَقِيلَ اللَّذَانِ فِي الْجِنَازَةِ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ وَاَللَّذَانِ هُنَا مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ وَبَابُ الْفَضْلِ أَوْسَعُ مِنْ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (أَنَّهُ رَخَّصَ فِي إِمْسَاكِ الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ) إِذَا أَمْسَكَهُ لِحِفْظِ الشَّاةِ الواحدة فإنه كلب ماشية
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّرْعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى(5/55)
الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذُهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا فَتَمَحَّضَ كَرَاهَةَ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي الْكِلَابُ فِيهِ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ لِأَنَّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا امْتَنَعَ اتِّخَاذُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ نَقَصَ الْأَجْرُ أَمْ لَا
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ كَذَا فِي النَّيْلِ
[1489] قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ) أَيْ جِنْسَهَا (أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ (مِنَ الْأُمَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ) أَيْ خَالِصَ السَّوَادِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ إِفْنَاءَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَإِعْدَامَ جِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ وَضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ يَقُولُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِنَّ فَاقْتُلُوا شِرَارَهُنَّ وَهِيَ السُّودُ الْبُهْمُ وَأَبْقُوا مَا سِوَاهَا لِتَنْتَفِعُوا بِهِنَّ فِي الْحِرَاسَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أمثالكم) أَيْ أَمْثَالُكُمْ فِي كَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى الصَّانِعِ وَمُسَبِّحَةً لَهُ
قَالَ تَعَالَى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أَيْ يُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوِ الْحَالِ حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ
فَبِالنَّظَرِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهَا بِالْقَتْلِ وَالْإِفْنَاءِ وَلَكِنْ إِذَا كَانَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ كَقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ جَازَ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى(5/56)
17 - (باب مَا جَاءَ فِي الذَّكَاةِ بِالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَصَبُ مُحَرَّكَةٌ كُلُّ نَبَاتٍ ذِي أَنَابِيبَ
[1491] قَوْلُهُ (إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا) لَعَلَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ بِخَبَرٍ أَوْ بِقَرِينَةٍ وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى بِضَمِّ الْمِيمِ مُخَفَّفٌ مَقْصُورٌ جَمْعُ مُدْيَةٍ بِسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مُدَى الْحَيَوَانِ أَيْ عُمُرَهُ وَالرَّابِطُ بَيْنَ قَوْلِهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا الْعَدُوَّ وَصَارُوا بِصَدَدِ أَنْ يَغْنَمُوا مِنْهُمْ مَا يَذْبَحُونَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَبْحِ مَا يَأْكُلُونَهُ لِيَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا لَقُوهُ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةِ شِبْهِهِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ قَالَ عِيَاضٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالرَّاءِ
وَذَكَرَهُ أَبُو ذَرٍّ بِالزَّايِ وَقَالَ النَّهْزُ بِمَعْنَى الدَّفْعِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَمَا مَوْصُولَةٌ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهَا فَكُلُوا وَالتَّقْدِيرُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَهُوَ حَلَالٌ فَكُلُوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِذْنَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْإِنْهَارُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَيْئَيْنِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا وَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا (مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ أَوْ ظُفْرٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي بَعْضِهَا سِنًّا أَوْ ظُفْرًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ) اخْتُلِفَ فِي هَذَا هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْفُوعِ أَوْ مُدْرَجٌ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُوَ قِيَاسٌ حُذِفَتْ مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَكُلُّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ وَطَوَى النَّتِيجَةَ لدلالة الاستثناء عليها
وقال بن الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ قَرَّرَ كَوْنَ الذَّكَاةِ لَا تَحْصُلُ بِالْعَظْمِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَعَظْمٌ
قَالَ وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مَنْ نَقَلَ الْمَنْعَ مِنَ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يعقل وكذا وقع في كلام بن عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَذْبَحُوا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ
وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمُشْكِلِ هَذَا(5/57)
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ إِنَّهُ لَا يُجْزِي
وَقَرَّرَهُمِ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ
قَالَهُ بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ نَهَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِمَا تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا يَقْطَعُ بِهِ غَالِبًا إِلَّا الْخَنْقُ الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ وَسَائِرِ مَا يَذْبَحُ بِهِ الْكُفَّارُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ وَأَمَّا مَا يَلْحَقُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّشَبُّهُ
وَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ
وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ السِّنُّ إِنَّمَا يُذَكَّى بِهَا إذا كانت منتزعة فَأَمَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فَلَوْ ذَبَحَ بِهَا لَكَانَتْ مُنْخَنِقَةً
يَعْنِي فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ الْمُنْتَزِعَةِ بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِهِ بِالسِّنِّ الْمُنْفَصِلَةِ
قَالَ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ظُفْرَ الْإِنْسَانِ لَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ فِي السِّنِّ
لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الظُّفْرَ الَّذِي هُوَ طِيبٌ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ لَا يَقْوَى فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ هُوَ جِسْمٌ صُلْبٌ كَالصَّدَفِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ رَقِيقٌ مُحَدَّدٌ يُقَالُ لَهُ أَظْفَارُ الطِّيبِ
قَالَ فِي بَحْرِ الْجَوَاهِرِ أَظْفَارُ الطِّيبِ أَقْطَاعٌ صَدَفِيَّةٌ فِي مِقْدَارِ الظُّفْرِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِطْرِ انْتَهَى
قُلْتُ وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ مِقْدَارِ الظُّفْرِ أَيْضًا
قَوْلُهُ (لَمْ يَذْكُرْ) أَيْ وَالِدُ سُفْيَانَ (فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (عَنْ عَبَايَةَ عَنْ أَبِيهِ) بَلْ ذَكَرَ عَنْ عَبَايَةَ عَنْ رَافِعٍ وَتَرَكَ ذِكْرَ أَبِيهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
8 - (باب مَا جَاءَ فِي الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ)
إِذَا ند فصار وحشيا يرمى بسمكم أَمْ لَا
[1492] قَوْلُهُ (عَنْ عَبَايَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة (بن رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ رَاءٍ وَخِفَّةِ فَاءٍ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ثقة (بن(5/58)
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ (فَنَدَّ بَعِيرٌ) أَيْ هَرَبَ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ (وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ) أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَخْذِهِ (فَحَبَسَهُ اللَّهُ) أَيْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَفَ (إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ) وَفِي رِوَايَةِ البخاري أن لهذه الابل (أو ابد كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَابِدُ جَمْعُ آبِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي قَدْ تَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ مِنَ الْإِنْسِ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ (فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا) أَيْ فَأَيُّ بَهِيمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ تَهْرُبُ وَتَنْفِرُ (فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا) أَيْ فَارْمُوهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ
وَالْمَعْنَى مَا نَفَرَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ كَالصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ فِي حُكْمِ الذَّبْحِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَحَلُّ الذَّبْحِ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ إِذَا تَوَحَّشَ وَنَفَرَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِ مَذْبَحِهِ يَصِيرُ جَمِيعُ بَدَنِهِ فِي حُكْمِ الْمَذْبَحِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ مَنْكُوسًا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ حُلْقُومِهِ فَطُعِنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ فَمَاتَ كَانَ حَلَالًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
(قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قال الحافظ في الفتح قد نقله بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ فَقَالُوا لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْإِنْسِيِّ أَوِ الْوَحْشِ إِلَّا بِتَذْكِيَتِهِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَبَّتِهِ
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ رَافِعٍ انْتَهَى
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الصَّوَابُ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْبَابِ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ غضيان عَنْ يَزِيدَ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَاشْتَرَى جَذُورًا فَنَدَّتْ فَعَرْقَبَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمَرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن مَسْعُودٍ أَنْ يَأْكُلُوا
فَمَا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ مِنْهَا بَضْعَةً ثُمَّ أَتَوْهُ بِهَا فَأَكَلَ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا وَقَعَ الْبَعِيرُ فِي الْبِئْرِ فَاطْعَنْهُ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وكل
وأخرج بن ابي(5/59)
شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَاشِدٍ السَّلْمَانِيِّ قَالَ كُنْتُ أَرْعَى مَنَائِحَ لِأَهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فَتَرَدَّى مِنْهَا بَعِيرٌ فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقَنِي بِذَكَاتِهِ فَأَخَذْتُ حَدِيدَةً فَوَجَأْتُ بِهَا فِي جَنْبِهِ أَوْ سَنَامِهِ ثُمَّ قَطَّعْتُهُ أَعْضَاءً وَفَرَّقْتُهُ عَلَى أَهْلِي فَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوهُ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَقُمْتُ عَلَى بَابِ قَصْرِهِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا لَبَّيْكَاهُ يَا لَبَّيْكَاهُ فَأَخْبَرْتُهُ خبره
فقال كل وأطعمني
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَايَةَ بِلَفْظِ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي رَكِيَّةٍ فَنَزَلَ رَجُلٌ لِيَنْحَرَهُ
فَقَالَ لَا أقدر على نحره فقال له بن عُمَرَ اذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ
ثُمَّ اقْتُلْ شَاكِلَتَهُ يَعْنِي خَاصِرَتَهُ
فَفَعَلَ فَأُخْرِجَ مُقَطَّعًا فَأَخَذَ مِنْهُ بن عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ
قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِثْلَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَهُوَ الصَّوَابُ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَحْوُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَمَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ كَذَلِكَ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرَا بَيْنَ عَبَايَةَ وَرِفَاعَةَ وَاسِطَةَ وَالِدِ عَبَايَةَ ولذلك قال الترمذي وهذا أصح(5/60)
19 - (أبواب الْأَضَاحِيِّ)
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع الأضحية (
(باب ما جاء في فضل الْأُضْحِيَّةِ)
)
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَذْبُوحِ يَوْمَ النَّحْرِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ أُضْحِيَّةٌ وَإِضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَالثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى [1493] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْحَذَّاءُ المديني) رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ وَعَنْهُ ت س وَقَالَ صَدُوقٌ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ) الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ فِي حِفْظِهِ لِينٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وثقة بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ سَالِمٍ وَسَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ وعنه بن ابي فديك وبن وهب حسن الترمذي حديثه ووثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (ما عمل ادمى) وفي رواية أبو ماجة بن آدَمَ (مِنْ عَمَلٍ) مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ أَيْ عَمَلًا (يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَحَبَّ) بِالنَّصْبِ صِفَةُ عَمِلَ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ هو أحب قاله القارىء (مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ) أَيْ صَبُّهُ (وَأَنَّهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ إِهْرَاقُ الدَّمِ(5/61)
قَالَهُ الطِّيبِيُّ (بِقُرُونِهَا) جَمْعُ قَرْنٍ (وَأَشْعَارُهَا) جَمْعُ شَعْرٍ (وَأَظْلَافُهَا) جَمْعُ ظِلْفٍ وَضَمِيرُ التَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ أن المهراق دمه أضحية قال القارىء قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ يَعْنِي أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ يَوْمَ الْعِيدِ إِرَاقَةُ دَمِ الْقُرُبَاتِ
وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ شَيْءٍ مِنْهُ لِيَكُونَ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ أَجْرٌ وَيَصِيرُ مَرْكَبُهُ عَلَى الصِّرَاطِ انْتَهَى
(وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ رِضَاهُ (بِمَكَانٍ) أَيْ مَوْضِعِ قَبُولٍ (قَبْلَ أَنْ يَقَعَ من الأرض) وفي رواية بن مَاجَهْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِحَذْفِ مِنْ أَيْ يَقْبَلُهُ تَعَالَى عِنْدَ قَصْدِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ دَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ (فَطِيبُوا بِهَا) أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ (نَفْسًا) تَمْيِيزٌ عَنِ النِّسْبَةِ
قال بن الْمَلَكِ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُهُ وَيَجْزِيكُمْ بِهَا ثَوَابًا كَثِيرًا فَلْتَكُنْ أَنْفُسُكُمْ بِالتَّضْحِيَةِ طَيِّبَةً غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كل ذنب عملتيه وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَذَكَرَهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وفيه عطية وقد قال بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ من الصوف حسنة رواه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ عَائِذُ اللَّهِ الْمُجَاشِعِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يصح حديثه ووثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ(5/62)
تنبيه قال بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال بن الْعَرَبِيِّ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ إِلَخْ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رواه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا كُلُّهُمْ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ إِلَخْ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ آنِفًا
(باب في الأضحية بكبشين)
قوله [1494] (قَوْلُهُ (بِكَبْشَيْنِ (اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَدَدِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنَّ الْأُضْحِيَّةَ بِسَبْعِ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنَ الْبَعِيرِ لِأَنَّ الدَّمَ الْمُرَاقَ فِيهَا أَكْثَرُ وَالثَّوَابُ يَزِيدُ بِحَسْبِهِ
وَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ يُعَجِّلُهُ
وَحَكَى الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتِحْبَابَ التَّفْرِيقِ عَلَى أَيَّامِ النَّحْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ لَكِنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَرَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى (أَمْلَحَيْنِ) الْأَمْلَحُ بالحاء المهملة قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ
وَقِيلَ هُوَ النَّقِيُّ الْبَيَاضِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَلْحَةُ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ كَالْمَلَحِ مُحَرَّكَةٌ كَبْشٌ أَمْلَحُ وَنَعْجَةٌ مَلْحَاءُ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَيُقَالُ هُوَ الْأَغْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ وَيُقَالُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ انْتَهَى
(ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَعْرِفُ آدَابَ(5/63)
الذَّبْحِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيَحْضُرْ عِنْدَ الذَّبْحِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيهَا لِلْقَادِرِ لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ يُكْرَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْهَدَهَا انْتَهَى
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتَهُ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي خَبَرَيْنِ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتَه أَنْ يَذْبَحْنَ نَسَائِكَهُنَّ بأيديهن وسنده صحيح
قال بن التِّينِ فِيهِ جَوَازُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ
وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ
وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ أن تؤكل فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهَا وَلَا تُبَاشِرَ الذَّبْحَ بِنَفْسِهَا انْتَهَى
كَلَامُ الْحَافِظِ (وَسَمَّى وَكَبَّرَ) أَيْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَالْوَاوُ الْأُولَى لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ الذَّبْحِ (وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) جَمْعُ صَفْحٍ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ الْجَنْبُ
وَقِيلَ جَمْعُ صَفْحَةٍ وَهُوَ عَرْضُ الْوَجْهِ وَقِيلَ نَوَاحِي عُنُقِهَا وَفِي النِّهَايَةِ صَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جِهَتُهُ وَنَاحِيَتُهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِ الْأُضْحِيَّةِ الْأَيْمَنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ضِجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِيَدِهِ الْيَسَارِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ بِلَفْظِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا
(وعائشة وأبي هريرة) أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ موجوئين الحديث
قال الحافظ في الفتح بن عقيل المذكور في سنده مختلف انتهى
(وجابر) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ موجئين الْحَدِيثَ (وَأَبِي أَيُّوبَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بكبشين جذعين موجئين أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَأَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجئين خصيين الحديث (وبن عُمَرَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي(5/64)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قوله (حدثنا شريك) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي الْحَسْنَاءِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَبُو الْحَسْنَاءِ عَنِ الْحَكَمِ وَعَنْهُ شَرِيكٌ اسْمُهُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ حَدَّثَ عَنْهُ شَرِيكٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ انْتَهَى
(عَنِ الحكم) هو بن عتيبة ثقة ثبت (عن حنش) قال القارىء بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هو بن عَبْدِ اللَّهِ السِّبَائِيُّ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ وَقَدِمَ مِصْرَ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ انتهى
قلت حنش هذا ليس بن عَبْدِ اللَّهِ السَّبَئِيَّ بَلْ هُوَ حَنَشٌ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْكُوفِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ
[1495] قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ)
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ
وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ عَلَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا
فَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيًّا وَأَوْصَاهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَبْشٍ أَوْ بِكَبْشَيْنِ فَعَلِيٌّ قَدْ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ وَقَدْ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَرَنِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَدَعُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا أَتْرُكُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَنَشٌ هُوَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ الصَّنْعَانِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ واحد وقال بن حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ وَكَانَ كَثِيرَ الْوَهْمِ فِي الْأَخْبَارِ يَنْفَرِدُ عَنْ عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وشريك هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ انْتَهَى
قُلْتُ وَأَبُو الْحَسْنَاءِ شَيْخُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ فالحديث ضعيف(5/65)
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْمَيِّتِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ رَخَّصَ بِحَدِيثِ الْبَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عنه ولا يضحي وَإِنْ ضَحَّى فَلَا يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا وَيَتَصَدَّقْ بِهَا كُلِّهَا)
وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ فِي غُنْيَةِ الْأَلْمَعِيِّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ قَوْلَ مَنْ رَخَّصَ فِي التَّضْحِيَةِ عَنِ الْمَيِّتِ مُطَابِقٌ لِلْأَدِلَّةِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ مَنَعَهَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي كَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَدْ كَانُوا مَاتُوا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ كُلُّهُمْ
وَالْكَبْشُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُضَحِّي بِهِ عَنْ أُمَّتِهِ كَمَا كَانَ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ كَانَ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ أُمَّتِهِ بِلَا تَفْرِقَةٍ
وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ الْكَبْشِ كُلِّهِ وَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا بَلْ قَالَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَكَانَ دَأْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ وَأَهْلُهُ وَيُطْعِمُ مِنْهَا الْمَسَاكِينَ وَأَمَرَ بِذَلِكَ أُمَّتَهُ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ خِلَافُهُ
فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَعْضِ أَمْوَاتِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَعَنْ بَعْضِ أَمْوَاتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ تِلْكَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا
نَعَمْ أَنْ تُخَصَّ الْأُضْحِيَّةُ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ دُونِ شَرِكَةِ الْأَحْيَاءِ فِيهَا فَهِيَ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ انْتَهَى
مَا فِي غُنْيَةِ الْأَلْمَعِيِّ مُحَصَّلًا
قُلْتُ لَمْ أَجِدْ فِي التَّضْحِيَةِ عَنِ الْمَيِّتِ مُنْفَرِدًا حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فَضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ
فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ عَنِ الْمَيِّتِ مُنْفَرِدًا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْأَضَاحِيِّ)
[1496] قَوْلُهُ (بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَحْلٌ فَحِيلٌ كَرِيمٌ مُنْجِبٌ فِي ضِرَابِهِ انْتَهَى(5/66)
وَكَذَلِكَ فِي نِهَايَةِ الْجَزَرِيِّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْكَرِيمُ الْمُخْتَارُ لِلْفَحْلَةِ وَأَمَّا الْفَحْلُ فَهُوَ عَامٌّ فِي الذُّكُورَةِ مِنْهَا وَقَالُوا فِي ذُكُورَةِ النَّخْلِ فِحَالٌ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْفُحُولِ مِنَ الْحَيَوَانِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِالْفَحِيلِ كما ضحى بالمخصي انتهى
وقال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ ضَحَّى بِكَبْشٍ فَحْلٍ أَيْ كَامِلِ الْخِلْقَةِ لم تقطع أنثياه يرد رواية موجوئين
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ) أَيْ فَمُهُ أَسْوَدُ (وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ) أَيْ قَوَائِمُهُ سُودٌ مَعَ بَيَاضِ سَائِرِهِ (وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ) أَيْ حَوَالَيْ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أيضا النسائي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَهُ صَاحِبُ الِاقْتِرَاحِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ فَأَتَى بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ
فَقَالَ يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ الْحَدِيثَ
(باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَضَاحِيِّ)
[1497] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَعُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (رَفَعَهُ) أَيْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا
(قَالَ لَا يُضَحَّى بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا) بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ أَيْ عَرَجُهَا وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمَشْيُ (بَيِّنٌ عَوَرُهَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَمَاهَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَبِالْأَوْلَى فِي الْعَيْنَيْنِ (وَلَا بِالْمَرِيضَةِ بَيِّنٌ مَرَضُهَا) وهي التي لا تعتلف قاله القارىء (وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) أَيِ الْمَهْزُولَةِ(5/67)
(الَّتِي لَا تُنْقَى) مِنَ الْإِنْقَاءِ أَيِ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هِيَ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا نِقْيَ لِعِظَامِهَا يَعْنِي لَا مُخَّ لَهَا مِنَ الْعَجَفِ يُقَالُ أَنْقَتِ النَّاقَةُ أَيْ صَارَ فِيهَا نِقْيٌّ أَيْ سَمِنَتْ وَوَقَعَ فِي عِظَامِهَا الْمُخُّ
قَوْلُهُ (نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ) يَعْنِي نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَوْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَعْنِي مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحُ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ انْتَهَى
(باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَضَاحِيِّ)
[1498] قَوْلُهُ (أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنُ وَالْأُذُنَ) بِضَمِّ الذَّالِ وَيُسَكَّنُ أَيْ نَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَنَتَأَمَّلُ فِي سَلَامَتِهِمَا مِنْ آفَةٍ تَكُونُ بِهِمَا كَالْعَوَرِ وَالْجَدْعِ قِيلَ وَالِاسْتِشْرَافُ إِمْعَانُ النَّظَرِ
والأصل فيه وضع يدك على حاجبك كيلا تَمْنَعُكَ الشَّمْسُ مِنَ النَّظَرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّرَفِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ(5/68)
يطلع على شيء أشرف عليه
وقال بن الْمَلَكِ الِاسْتِشْرَافُ الِاسْتِكْشَافُ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ هُوَ من الشرفة وهي خيار المال أي أمرنا أَنْ نَتَخَيَّرَهُمَا أَيْ نَخْتَارَ ذَاتَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ الْكَامِلَتَيْنِ (وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيِ الَّتِي قُطِعَ مِنْ قِبَلِ أُذُنِهَا شَيْءٌ ثُمَّ تُرِكَ مُعَلَّقًا مِنْ مُقَدَّمِهَا (وَلَا مُدَابَرَةٍ) وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ دُبُرِهَا وَتُرِكَ مُعَلَّقًا مِنْ مُؤَخَّرِهَا (وَلَا شَرْقَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ مَشْقُوقَةِ الْأُذُنِ طُولًا مِنَ الشَّرْقِ وَهُوَ الشِّقُّ وَمِنْهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ فِيهَا تُشَرَّقُ لُحُومُ الْقَرَابِينِ (وَلَا خَرْقَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ مَثْقُوبَةِ الْأُذُنِ ثُقْبًا مُسْتَدِيرًا وَقِيلَ الشَّرْقَاءُ مَا قُطِعَ أُذُنُهَا طُولًا وَالْخَرْقَاءُ مَا قُطِعَ أُذُنُهَا عَرْضًا
قَوْلُهُ (الْمُقَابَلَةُ مَا قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا) أَيْ مِنْ قُدَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ شَاةٌ قُطِعَتْ أُذُنُهَا مِنْ قُدَّامٍ وَتُرِكَتْ مُعَلَّقَةً وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُدَّامٍ (وَالْمُدَابَرَةُ مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ) أَيْ مِنْ مُؤَخَّرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُدَابَرَةُ أَنْ قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِ الشَّاةِ شَيْءٌ ثُمَّ يُتْرَكُ مُعَلَّقًا كَأَنَّهُ زَنَمَةٌ انْتَهَى (وَالشَّرْقَاءُ الْمَشْقُوقَةُ) أَيِ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الشَّرْقَاءُ هِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ بِاثْنَتَيْنِ شَرِقَ أُذُنَهَا يَشْرَقُ شَرْقَاءَ إِذَا شَقَّهَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ شَرِقَ الشَّاةَ شَرْقًا شَقَّ أُذُنَهَا وَشَرِقَتِ الشَّاةُ كَفَرِحَ انْشَقَّتْ أُذُنُهَا طُولًا فَهِيَ شَرْقَاء انْتَهَى
(وَالْخَرْقَاءُ الْمَثْقُوبَةُ) أَيِ الْمَثْقُوبَةُ الْأُذُنُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخَرْقَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا ثُقْبٌ مُسْتَدِيرٌ وَالْخَرْقُ الشَّقُّ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ الْخَرْقَاءُ مِنَ الْغَنَمِ الَّتِي فِي أُذُنِهَا خَرْقٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أخرجه الخمسة وصححه الترمذي وبن حبان والحاكم انتهى(5/69)
5 - (باب فِي الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ فِي الْأَضَاحِيِّ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضَّائِنُ خِلَافُ الْمَاعِزِ مِنَ الْغَنَمِ جَمْعُ ضَأْنٍ وَيُحَرَّكُ وَكَأَمِيرٍ وَهِيَ ضَائِنَةٌ جَمْعُ ضَوَائِنَ انْتَهَى
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ ضَائِنٌ ميش نر خِلَافُ مَعْزٍ وَالْجَمْعُ ضَأْنٍ مِثْلُ رَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَضَأَنٌ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مِثْلُ حَارِسٍ وَحَرَسٍ انْتَهَى
وَالْجَذَعُ مُحَرَّكَةٌ قَبْلَ الثَّنِيِّ وَهِيَ بِهَاءٍ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ وَلَيْسَ بِسِنٍّ تَنْبُتُ أَوْ تَسْقُطُ وَالشَّابُّ الحدث جَمْعُ جِذَاعٍ وَجِذْعَانٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الْجَذَعِ مِنْ أَسْنَانِ الدَّوَابِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهَا شَابًّا فَتِيًّا فَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْمَعْزِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ الْبَقَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنَ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَقِيلَ أَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُ بَعْضَ هَذَا فِي التَّقْدِيرِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ وَصْفٌ لِسِنٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَمِنَ الضَّأْنِ مَا أَكْمَلَ السَّنَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ دُونَهَا
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ بن سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَمَانِيَةٍ وَقِيلَ عَشْرَةٍ
وَحَكَى الترمذي عن وكيع أنه بن ستة أشهر أو سبعة أشهر
وعن بن الأعرابي أن بن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة وبن الْهَرَمَيْنِ يُجْذَعُ لِثَمَانِيَةٍ إِلَى عَشْرَةٍ
قَالَ وَالضَّأْنُ أسرع إجذاعا من المعز وأما الجذع فهو مِنَ الْمَعْزِ فَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثانية ومن البقر ما أَكْمَلَ الثَّالِثَةَ وَمِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ انْتَهَى
[1499] قَوْلُهُ (عَنْ كِدَامٍ) قَالَ فِي التقريب كدام بالكسر والتخفيف بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى (عَنْ أَبِي كِبَاشٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ السُّلَمِيُّ أَوِ الْعَيْشِيُّ وَقِيلَ هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ أَبُو كِبَاشٍ لَقَبٌ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (جَلَبْتُ غَنَمًا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (فَكَسَدَتْ) أَيِ الْغَنَمُ (عَلَيَّ) أَيْ لِعَدَمِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِيهَا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ (نِعْمَ أَوْ نِعْمَتْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ) كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّرَاءِ(5/70)
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هلال عن أبيها) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَرْفُوعًا لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ (وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ بِلَفْظِ ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَاعٍ مِنَ الضَّأْنِ (وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أخرج أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ بَلْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِ أَبِي كِبَاشٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ حكى غيره عن بن عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ الْجَذَعَ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الضَّأْنِ أَوْ غَيْرِهِ
وَبِهِ قال بن حَزْمٍ وَعَزَاهُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَخْ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُسْتَحَبُّ لَكُمْ إِلَّا مُسِنَّةٌ فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ الْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ
[1500] قَوْلُهُ (أَعْطَاهُ غَنَمًا) هُوَ أَعَمُّ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (يَقْسِمُهَا فِي أَصْحَابِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ(5/71)
الضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُقْبَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (ضَحَايَا) حَالٌ أَيْ يَقْسِمُهَا حَالَ كَوْنِهَا ضَحَايَا (فَبَقِيَ عَتُودٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْخَفِيفَةِ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مَا قَوِيَ وَرَعَى وَأَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَالْجَمْعُ أَعْتِدَةٌ وَعِتْدَانٌ وَتُدْغَمُ التَّاءُ فِي الدال فيقال عدان وقال بن بطال العتود الجذع من المعز بن خَمْسَةِ أَشْهُرٍ (أَوْ جَدْيٌ) أَوْ لِلشَّكِّ وَالْجَدْيُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ ذَكَرُهَا جَمْعُهُ أَجْدٍ وَجِدَاءٌ وجديان بكسرهما كذا في القاموس
(باب في الاشتراك في الأضحية [1501] (فَحَضَرَ الْأَضْحَى))
أَيْ يَوْمُ عِيدِهِ (فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْخَاصٍ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي بَيَانًا لِضَمِيرِ الْجَمْعِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ مَرْفُوعٌ بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ اشْتَرَكْنَا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ (وَفِي الْبَعِيرِ عَشْرَةً) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاكُ عَشْرَةِ أَشْخَاصٍ فِي الْبَعِيرِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ(5/72)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْأَشَدِّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَبِي أَيُّوبَ) لِيُنْظَرَ من أخرج حديثهما
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ
[1502] قَوْلُهُ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهُ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَدَنَةُ مُحَرَّكَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَفِي الْفَتْحِ إِنَّ أَصْلَ الْبُدْنِ مِنَ الْإِبِلِ وَأُلْحِقَتْ بِهَا الْبَقَرَةُ شَرْعًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) أَيْ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاكِ السَّبْعَةِ فِي الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ يُجْزِئُ أيضا البعير عن عشرة واحتج بحديث بن عَبَّاسٍ) أَيِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَدَنَةِ فَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وبن خُزَيْمَةَ تُجْزِئُ عَنْ عَشْرَةٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ هنا يعني في الأضحية لحديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ فِي الْهَدْيِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي بِهَا حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْبَقَرَةُ فَتُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ فقط اتفاقا في الهدي والأضحية انتهى
[1503] قَوْلُهُ (عَنْ حُجَيَّةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مصغرا قال في التقريب صدوق(5/73)
يخطىء مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ شَبِيهٌ بالمجهول
وقال بن سَعْدٍ
كَانَ مَعْرُوفًا وَلَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَهُ الْعِجْلِيُّ تابعي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى (فَالْعَرْجَاءُ) أَيْ مَا حُكْمُهَا
هَلْ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا أَمْ لَا قَالَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْسِكَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ الْمَذْبَحَ وَهُوَ الْمُصَلَّى أَيْ فَيَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْسِكَ (فَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ قَالَ لَا بَأْسَ) أَيْ بِالتَّضْحِيَةِ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَى رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ قَالَ لَا يَضُرُّكَ الْحَدِيثَ وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَضْحِيَةُ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالنِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ الْمَرْفُوعَ الْآتِي يُخَالِفُهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (أُمِرْنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ أَمَرَنَا بِصِيَغَةِ الْمَعْلُومِ وَأَوْ لِلشَّكِّ (أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الِاسْتِشْرَافِ أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ وَتَنْظُرَ كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يَسْتَبِينَ الشَّيْءَ وَأَصْلُهُ مِنَ الشَّرَفِ الْعُلُوُّ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَيَكُونُ أَكْثَرَ لِإِدْرَاكِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ أَيْ نَتَأَمَّلَ سَلَامَتَهُمَا مِنْ آفَةٍ تَكُونُ بِهِمَا وَقِيلَ هُوَ مِنَ الشُّرْفَةِ وَهِيَ خِيَارُ الْمَالِ أَيْ أُمِرْنَا أَنْ نَتَخَيَّرَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ والبزار وبن حبان والحاكم والبيهقي وأعله الدَّارَقُطْنِيَّ
وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
[1504] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ) أَيْ مَكْسُورَةِ الْقَرْنِ وَمَقْطُوعِ الْأُذُنِ قَالَهُ بن الْمَلَكِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءٌ بَارِدٌ وَقِيلَ مَقْطُوعُ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ وَالْعَضْبُ الْقَطْعُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
(قَالَ قَتَادَةُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) وَفِي(5/74)
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قُلْتُ يَعْنِي لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا الْأَعْضَبُ (فَقَالَ الْعَضَبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُ قَرْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ والجمهور إلى أنها تجزىء التَّضْحِيَةُ بِمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَ يُدْمِي وَجَعَلَهُ عَيْبًا
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ إِنَّ الْعَضْبَاءَ الشَّاةُ الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَكْسُورَةَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنَ الْقَرْنِ مِقْدَارًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُقَالُ لَهَا عَضْبَاءُ لِأَجْلِهِ أَوْ يَكُونُ دُونَ النِّصْفِ إِنْ صَحَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنِّصْفِ الْمَرْوِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لُغَوِيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ كَذَلِكَ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَضْبِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ فِي الْفَائِقِ الْعَضْبُ فِي الْقَرْنِ دَاخِلُ الِانْكِسَارِ وَيُقَالُ للانكسار في الخارج القصم وكذلك في خارج القصم الْقَامُوسِ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ فِيهِ الْقَصْمَاءُ الْمَعْزُ الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الْخَارِجِ انْتَهَى
فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْمَكْسُورَةَ الْقَرْنِ الْخَارِجِ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَأَمَّا الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ فَكَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنَ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ مِقْدَارًا يَسِيرًا إِلَخْ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(باب مَا جَاءَ أن الشاة الواحدة تجزيء عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ)
[1505] قَوْلُهُ (كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ) أَيِ الْوَاحِدَةِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الموطأ كنا نصحي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ (فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ) مِنَ الْإِطْعَامِ (حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ) أَيْ تَفَاخَرُوا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ تباهى الناس بعد وفي رواية في موطأه ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَصَارَتْ) أَيِ الضَّحَايَا (كَمَا تَرَى)
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَصَارَتْ مباهاة(5/75)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ في الموطأ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي البناية بعد ما ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَحَدِيثُ أَنَّهُ ذَبَحَ كَبْشًا عَنْ أُمَّتِهِ وَبِهَذِهِ الْأَخْبَارِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَوَازِ الشَّاةِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا انْتَهَى
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَهُوَ الْحَقُّ
قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ كَمَا قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي سريحة قال أحملني أهلي على الجفاء بعد ما عَلِمْتُ مِنَ السُّنَّةِ كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ يُضَحُّونَ بالشاة والشاتين والان يبخلنا جيراننا رواه بن مَاجَهْ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَحَدِيثُ أَبِي سريحة إسناده في سنن بن مَاجَهْ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ انْتَهَى
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ(5/76)
هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهُوَ خِلَافُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تُجْزِئُ إِلَّا عَنِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى كَذَا فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَبْلَ هَذَا وَيَشْكُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي مَنْعِهِمُ الشَّاةَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشٍ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ إِلَخْ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأَتَى بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ
ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ
ثُمَّ ضحى به ورواه مُسْلِمٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَوْلُهُ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَثُرُوا
وَرُوِيَ عَنْ أبي هريرة وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مَخْصُوصَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ
قُلْتُ تَضْحِيَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أُمَّتِهِ وَإِشْرَاكُهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَخْصُوصٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا تَضْحِيَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَآلِهِ فَلَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْسُوخًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُضَحُّونَ الشَّاةَ الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّضْحِيَةُ عَنِ الْأُمَّةِ وَإِشْرَاكُهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ أَلْبَتَّةَ
وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الطَّحَاوِيُّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إِلَى اللَّحْمِ أَوْ فَقِيرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فَيَذْبَحُ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُطْعِمُ اللَّحْمَ أَهْلَ بَيْتِهِ أَوْ يُشْرِكُهُمْ فِي الثَّوَابِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَأَمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فَلَا فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ لِوُرُودِ النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ نَقْلًا عَنِ الْبِنَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ
قُلْتُ كَمَا ورد النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبِلِ والبقرة كذلك(5/77)
ورد النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ مِنْ أَهْلِ أَبْيَاتٍ شَتَّى
وَثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الشَّاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ كَمَا عَرَفْتَ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الشَّاةِ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ بَاطِلٌ جِدًّا
وَأَمَّا حَمْلُهُمْ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إِلَى اللَّحْمِ أَوْ فَقِيرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَجِدُ سَعَةً يُضَحِّي الشَّاةَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا يُشْرِكُ أَهْلَهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يَجِدُ سَعَةً يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ هَذَا التَّفْرِيقُ بَطَلَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا سَرِيحَةَ كَانَ ذَا سَعَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَمَعَ هَذَا كَانَ يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَمْ يَحْمِلْهُ أَهْلُهُ عَلَى الْجَفَاءِ وَلَمْ يُبَخِّلْهُ جِيرَانُهُ
باب [1506] قَوْلُهُ (عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ
قَوْلُهُ (فَأَعَادَهَا) أَيْ فَأَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ أَيِ الْأُضْحِيَّةُ أَوَاجِبَةٌ هِيَ (عليه) أي على بن عمر رضي الله عنه (فقال) أي بن عُمَرَ (أَتَعْقِلُ) أَيْ أَتَفْهَمُ (ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يثبت عند بن عُمَرَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِ السَّائِلِ نَعَمْ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سلمة في مصنفه بسند جيد إلى بن عُمَرَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هذا الحديث وتحسين الترمذي فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ الحجاج والظاهر أنه بن أَرْطَاةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ جَبَلَةَ بِلَفْظِ عن(5/78)
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح كأن الترمذي فهم من كون بن عُمَرَ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَوَابِ نَعَمْ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْمُسْلِمُونَ إلى أنها ليست من الخصائص وكان بن عُمَرَ حَرِيصًا عَلَى اتِّبَاعِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الغني وسنة على الفقير
وفي رسالة بن أَبِي زَيْدٍ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَهَا وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سَلِيمٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ وَفِيهِ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا صِفَةُ الْوُجُوبِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ انْتَهَى
كَلَامُ الشَّيْخِ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سَلِيمٍ رَفَعَهُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ وَجَدَ سَعَةً فلا يقربن مصلانا فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْإِيجَابِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَصَلِّ لربك وانحر) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَخْصِيصُ الرَّبِّ بِالنَّحْرِ لَهُ لَا لِلْأَصْنَامِ فَالْأَمْرُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْقَيْدُ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْكَلَامُ وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ تَخْصِيصِ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْرِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ حَالَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّدْرِ وَلَهُمْ دَلَائِلُ أُخْرَى لَكِنْ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ(5/79)
واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وبن عَدِيٍّ وَالْحَاكِمُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهَةَ أَنْ يَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنِ بن عباس وبلال وأبي مسعود وبن عُمَرَ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ آثَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا أَلَّا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى
وَلَهُمْ دَلَائِلُ أُخْرَى لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كلام
فنقول كما قال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[1507] قَوْلُهُ (أَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي) أي كل سنة
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَمُوَاظَبَتُهُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ انْتَهَى
قُلْتُ مُجَرَّدُ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلٍ لَيْسَ دَلِيلَ الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ) وَرَوَاهُ عن نافع بالعنعنة
(باب فِي الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)
[1508] قَوْلُهُ (فَقَامَ خَالِي) اسْمُهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ (هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ) يَعْنِي بِسَبَبِ كَثْرَةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ يَتَشَبَّعُ الطَّبْعُ وَيَتَنَفَّرُ عَنْهُ وَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ لَا يَكْثُرُ اللَّحْمُ فَلِذَا أني(5/80)
عَجِلْتُ إِلَخْ كَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ هَكَذَا هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مَقْرُومٌ وَمَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ يُقَالُ قَرِمْتُ إِلَى اللَّحْمِ وَقَرِمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَلِذَلِكَ صَوَّبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَكِلْتَاهُمَا صَوَابٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْعِيدَيْنِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ وَصْفَهُ اللَّحْمَ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى وَبِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيهِ بِالذَّبَائِحِ فَالنَّفْسُ تَتَشَوَّقُ لَهُ يَكُونُ مُشْتَهًى وَمِنْ حَيْثُ تَوَارُدُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْثُرَ مَمْلُولًا فَانْطَلَقَتْ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ فَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى أَرَادَ ابْتِدَاءَ حَالِهِ وَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَرَادَ انْتِهَاءَهُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَعْجَلَ بِالذَّبْحِ لِيَفُوزَ بِتَحْصِيلِ الصِّفَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (نَسِيكَتِي) أَيْ ذَبِيحَتِي (عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ عند أهل اللغة
قال بن التِّينِ مَعْنَى عَنَاقُ لَبَنٍ أَنَّهَا صَغِيرَةُ سِنٍّ تَرْضَعُ أُمَّهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ) الْمَعْنَى أَنَّهَا أَطْيَبُ لَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْآكِلِينَ لِسِمَنِهَا وَنَفَاسَتِهَا (وَلَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ بَعْدَك) أَيْ جَذَعَةٌ مِنَ الْمَعْزِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن جابر) أخرجه أحمد ومسلم (وجندب) وهو بن سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَنَسٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَعُوَيْمِرِ بْنِ أَشْقَرَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(5/81)
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَهْلِ الْقُرَى فِي الذَّبْحِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وهو قول بن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حجة على هؤلاء
0 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الْأُضْحِيَّةِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)
[1509] قَوْلُهُ (لَا يَأْكُلْ أَحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ ذُبِحَتْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الذبح عنه قال وهذا أظهر ورجح بن الْقَيِّمِ الْأَوَّلَ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الرَّابِعِ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فلينظر من أخرجه
1 - (باب فِي الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ)
[1510] قَوْلُهُ (لِيَتَّسِعَ ذَوُو الطَّوْلِ) أَيْ أَصْحَابُ الطَّوْلِ وَذَوُو جَمْعُ ذُو وَالطَّوْلُ بِفَتْحِ الطَّاءِ(5/82)
وَسُكُونِ الْوَاوِ الْقُدْرَةُ وَالْغِنَى وَالسَّعَةُ (فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ الأكل بمقدار وللرجل أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ بِقَرِينَةٍ
قَوْلُهُ وَأَطْعِمُوا (وادخروا) بتشديد الدال المهملة وكأن أصله إذ تخروا فَأُبْدِلَتْ تَاءُ الِافْتِعَالِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأُبْدِلَتِ الذَّالُ الْمُعْجَمَةُ أَيْضًا بِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ أَيِ اجْعَلُوهَا ذَخِيرَةً
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَنُبَيْشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النعمان وأنس وأم سلمة) أما حديث بْنِ مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى نَسْخِ تَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَادِّخَارِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ علي وبن عمر أنهما يحرمان الامساك(5/83)
12 - (باب فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ)
[1512] قَالَ فِي النِّهَايَةِ
قَوْلُهُ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) هَكَذَا جَاءَ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ
وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ النَّهْيِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ فِي الْإِسْلَامِ (وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ هَذَا التَّفْسِيرُ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ الْحَدِيثُ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَحْسِبُ التَّفْسِيرَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو قُرَّةَ فِي السُّنَنِ الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَعْمَرٍ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَوْلُهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ خَفِيفَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ (كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ يُقَالُ نُتِجَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ إِذَا وَلَدَتْ وَلَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا الْفِعْلُ إِلَّا هَكَذَا وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَيَذْبَحُونَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ
قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ يَأْكُلُونَهُ وَيُلْقَى جِلْدُهُ عَلَى الشَّجَرِ قَالَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ
وَاسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ الْجَوَازَ إِذَا كَانَ الذَّبْحُ لِلَّهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْفَرَعُ حَقٌّ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكَهُ حَتَّى يَكُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ أَوِ بن لَبُونٍ فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ يُلْصَقُ لَحْمُهُ بِوَبَرٍ وَقَوْلُهُ نَاقَتَك
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهُ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ يَذْبَحُ أَحَدُهُمْ بَكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِهِ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حكمها فاعلم أنه لا كراهيه عليهم فِيهِ وَأَمَرَهُمِ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ حَقٌّ أَيْ لَيْسَ بِبَاطِلٍ وَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ فَإِنَّ(5/84)
مَعْنَاهُ لَا فَرَعَ وَاجِبٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ أَيْ لَيْسَ فِي تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
قَالَ النَّوَوِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ عَلَى أَنَّ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ مُسْتَحَبَّانِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ نُبَيْشَةَ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْطِلِ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ مِنْ أَصْلِهِمَا وَإِنَّمَا أَبْطَلَ صِفَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَمِنَ الْفَرَعِ كَوْنُهُ يُذْبَحُ أَوَّلَ مَا يُولَدُ وَمِنَ الْعَتِيرَةِ خُصُوصَ الذَّبْحِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ
هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي الْفَتْحِ
وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو داود والنسائي وصححه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعِ بْنِ عَدَسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ
قَالَ وَكِيعُ بْنُ عَدَسٍ فَلَا أَدَعُهُ
وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْعَتِيرَةَ تُسْتَحَبُّ
وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ بن سيرين تفرد بذلك
ونقل الطحاوي عن بن عون أنه كان يفعله ومال بن الْمُنْذِرِ إِلَى هَذَا وَقَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُمَا وَفَعَلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالْإِذْنِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ شَيْءٍ كَانَ يُفْعَلُ
وَمَا قَالَ أَحَدٌ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِي فِعْلِهِمَا ثُمَّ نَقَلَ عن العلماء تركهما إلا بن سِيرِينَ وَكَذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى النَّسْخِ وَبِهِ جَزَمَ الْحَازِمِيُّ وَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ فِي كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ نُبَيْشَةَ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه وصححه الحاكم وبن الْمُنْذِرِ وَلَفْظُهُ قَالَ نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ قَالَ إِنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتَك حَتَّى إِذَا اسْتُعْمِلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
قَالَ خَالِدٌ قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ كَمِ السَّائِمَةُ قَالَ مِائَةٌ (وَمِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ) تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْمُنْتَقَى وَفَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(5/85)
13 - (باب ما جاء في الْعَقِيقَةُ)
بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ
وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيُّ أَصْلُهَا الشَّعْرُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَسُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يَحْلِقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعْرَ عِنْدَ الذَّبْحِ
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَقِّ وهو الشق والقطع ورجحه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَطَائِفَةٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعَقِيقَةُ اسْمُ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ عَنِ الْوَلَدِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُعَقُّ مَذَابِحُهَا أَيْ تُشَقُّ وَتُقْطَعُ
قَالَ وَقِيلَ هي الشعر الذي يحلق
وقال بن فَارِسٍ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ وَالشَّعْرُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى عَقِيقَةً يُقَالُ عَقَّ يَعُقُّ إِذَا حَلَقَ عَنِ ابْنِهِ عَقِيقَتَهُ وَذَبَحَ لِلْمَسَاكِينِ شَاةً
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَمِمَّا وَرَدَ فِي تَسْمِيَةِ الشَّاةِ عَقِيقَةً مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عطاء عن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لِلْغُلَامِ عَقِيقَتَانِ وَلِلْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَوَقَعَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ انْتَهَى
[1513] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالْكَافِ تُرِكَ صَرْفُهُ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُوسُفُ بْنُ مَاهِكِ بْنِ بَهْزَادَ الْفَارِسِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَوَقَعَ في آخر الحديث قال داود يعني بن قَيْسٍ الرَّاوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْ الْمُكَافِئَتَانِ قَالَ الشَّاتَانِ الْمُشَبَّهَتَانِ تُذْبَحَانِ جَمِيعًا انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لَا يُؤَخَّرُ ذَبْحُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْآخَرِ
وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ الْمُكَافِئَتَانِ الْمُتَقَارِبَتَانِ
قَالَ الخطابي أي في السنن
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَعْنَاهُ مُتَعَادِلَتَانِ لِمَا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ فِي وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ بِلَفْظِ شَاتَانِ مِثْلَانِ
وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قِيلَ مَا الْمُكَافِئَتَانِ قَالَ الْمِثْلَانِ
وَمَا أشار إليه(5/86)
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مِنْ ذَبْحِ إِحْدَاهُمَا عَقِبَ الْأُخْرَى حَسَنٌ وَيُحْتَمَلُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا انْتَهَى
(وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَعَنْ مَالِكٍ هُمَا سَوَاءٌ فَيَعُقُّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً
وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ
وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّ بِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُتَوَارِدَةَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِلْغُلَامِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ
وَاسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ بِالْقِيَاسِ لَا بِالْخَبَرِ وَبِذِكْرِ الشَّاةِ وَالْكَبْشِ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْغَنَمُ لِلْعَقِيقَةِ وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو الشيخ الأصبهاني ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر وقال البندينجي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِجْزَاءِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا وَفِيهِ حَدِيثٌ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي الشَّيْخِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ يَعُقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اشْتِرَاطِ كَامِلَةٍ
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا أَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالسَّبْعِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ سَنَدُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورِ هَكَذَا حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قال أخبرنا أيوب عن عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ الْحَدِيثَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
وَأَمَّا سَنَدُ حَدِيثِ أَبِي الشَّيْخِ بِلَفْظِ كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ يَعُقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مَسْعَدَةَ بْنَ الْيَسَعِ الْبَاهِلِيَّ
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَسْعَدَةُ بْنُ الْيَسَعِ الْبَاهِلِيُّ سَمِعَ مِنْ مُتَأَخِّرِي التَّابِعِينَ هَالِكٌ كَذَّبَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ خَرَقْنَا حَدِيثَهُ مُنْذُ دَهْرٍ انْتَهَى
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَمْ يَرُدَّهُ عَنْ حَدِيثٍ إِلَّا مَسْعَدَةُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَأْتِي (وَأُمِّ كُرْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الراء(5/87)
وَبِالزَّايِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كُنَّا نَذْبَحُ الشَّاةَ يَوْمَ السَّابِعِ وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ في إسناده عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
(وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَيَأْتِي (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو الشَّيْخِ مَرْفُوعًا أَنَّ الْيَهُودَ تَعُقُّ عَنِ الْغُلَامِ كَبْشًا وَلَا تَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ فَعُقُّوا عَنِ الْغُلَامِ كَبْشَيْنِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ كَبْشًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ(5/88)
شَاةً وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَسَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عنه الأذى (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا آخَرَ وَتَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا
قَوْلُهُ (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فَقَالَا يَعُقُّ عَنِ الصَّبِيِّ وَلَا يَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ وَخَالَفَهُمِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْحَقُّ وَحُجَّتُهُمُ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِذِكْرِ الْجَارِيَةِ فَلَوْ وُلِدَ اثْنَانِ فِي بَطْنٍ اسْتُحِبَّ عَنْ كُلِّ واحد عقيقة ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اللَّيْثِ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافَهُ (فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا) كَذَا أَبْهَمَ مَا يُهْرَاقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ [1515] شَاةٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَأَمِيطُوا) أَيْ أَزِيلُوا وَزْنًا وَمَعْنًى (الْأَذَى) قَالَ بن سِيرِينَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَذَى حَلْقَ الرَّأْسِ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ تَفْسِيرِ الْأَذَى انْتَهَى
وَقَدْ جَزَمَ الْأَصْمَعِيُّ بِأَنَّهُ حَلْقُ الرَّأْسِ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ كَذَلِكَ
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عن رؤسهما الْأَذَى وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الرأس فقد وقع في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَيُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
4 - (باب الْأَذَانِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ)
[1514] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ) أَيْ أَذَّنَ بِآذَانِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُنِّيَّةِ الْأَذَانِ في أذن المولود
قال القارىء وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُؤَذِّنُ فِي الْيُمْنَى وَيُقِيمُ فِي الْيُسْرَى إِذَا وُلِدَ الصَّبِيُّ
قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ مَرْفُوعًا مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ
كَذَا فِي الْجَامِعِ الصغير للسيوطي انتهى كلام القارىء(5/89)
قُلْتُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ أَرَهُ عنه مسندا وقد ذكره بن المنذر عنه وقد روى مرفوعا أخرجه بن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ وَأُمُّ الصِّبْيَانِ هِيَ التَّابِعَةُ مِنَ الْجِنِّ انتهى
قوله (هذا حديث صحيح) قال المنذر فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَفِي إِسْنَادِهِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ غمزه الامام مالك وقال بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا وَانْتَقَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ به وقال بن عَدِيٍّ هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ
وَقَالَ بن خُزَيْمَةَ لَا أَحْتَجُّ بِهِ لِسُوءِ حِفْظِهِ كَذَا فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فِي التَّأْذِينِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ
فَإِنْ قُلْتُ كَيْفَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا عَرَفْتَ
قُلْتُ نَعَمْ هُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي رَوَاهُ أبو يعلي الموصلي وبن السُّنِّيِّ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِشَاةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي
(وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ(5/90)
15 - باب [1517] قَوْلُهُ عَنْ عُفَيْرِ بِالتَّصْغِيرِ بْنِ مَعْدَانَ الْحِمْصِيِّ الْمُؤَذِّنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ عَنْ سُلَيْمٍ بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ فَضِيلَةَ الْكَبْشِ الْأَقْرَنِ عَلَى غَيْرِهِ لِعِظَمِ جُثَّتِهِ وَسِمَنِهِ فِي الْغَالِبِ انْتَهَى
(وَخَيْرُ الْكَفَنِ الْحُلَّةُ) أَيِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُلَّةُ وَاحِدُ الْحُلَلِ وَهِيَ بُرُودُ الْيَمَنِ وَلَا يُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى يَكُونَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ انْتَهَى
قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَالْمَقْصُودُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالثَّوْبَانِ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ السُّنَّةُ وَالْكَمَالُ فَثَلَاثٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْتَهَى
وَهِيَ نَوْعٌ مُخَطَّطٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ
قَالَ الْمُطَهَّرُ اخْتَارَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَبْيَضَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ كُفِّنَ في السحولية
وحديث بن عباس كفنوا فيها موتاكم انتهى
قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ الْحُلَّةَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لا يتم الاستدلال
وقال بن الْمَلَكِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اخْتِيَارِ الْبِيضِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْحُلَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
وَعُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِسَنَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ عُفَيْرٌ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ
6 - باب [1518] قَوْلُهُ (عَنْ مِخْنَفِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَمِنْبَرٍ (بْنِ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ(5/91)
قَوْلُهُ (كُنَّا وُقُوفًا) أَيْ وَاقِفِينَ (مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ) يَعْنِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ (هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ) أَيِ الذَّبِيحَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى رَجَبٍ لِوُقُوعِهَا فِيهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْعَتِيرَةِ
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ انْتَهَى
وَقَالَ فِي بَحْثٍ الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ مِنَ الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ الْخَطَّابِيُّ لَكِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ
قُلْتُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ عَبْدُ الحق إسناده ضعيف
قال بن الْقَطَّانِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي رَمْلَةَ وَاسْمُهُ عَامِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا يَرْوِيهِ عن بن عون انتهى
وقال الحافظ في التقريب عَامِرٌ أَبُو رَمْلَةَ شَيْخٌ لِابْنِ عَوْنٍ لَا يعرف من الثالثة
7 - (باب العقيقة شاة)
[1519] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِ المولود فضة(5/92)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ)
فَإِنْ قُلْتُ كَيْفَ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَّنَهُ بِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا وَزَنَتْ شَعْرَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِوَزْنِهِ فِضَّةً رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ
فَذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ الْبَابِ قَالَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ حَسَنًا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَعُقُّ عَنِ ابْنِي بِدَمٍ قَالَ لَا وَلَكِنِ احْلِقِي شَعْرَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ عَلَى الْأَوْفَاضِ يَعْنِي أَهْلَ الصُّفَّةِ
قال البيهقي وتفرد به بن عَقِيلٍ
وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا قَالَ وَفِي الْأَحْمَدَيْنِ مِنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ من حديث عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ سَبْعَةٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ يُسَمَّى وَيُخْتَنُ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُثْقَبُ أُذُنُهُ وَيُعَقُّ عَنْهُ وَتُحْلَقُ رَأْسُهُ وَتُلَطَّخُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِ رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَفِيهِ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى مَعَ قَوْلِهِ تُلَطَّخُ رَأْسُهُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ فَلَعَلَّ إِمَاطَةَ الْأَذَى تَقَعُ بَعْدَ اللَّطْخِ وَالْوَاوُ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَأَمَّا زِنَةُ شَعْرِ أُمِّ كُلْثُومٍ وزينب فلم أره انتهى كلام الحافظ
8 - باب [1520] قَوْلُهُ (خَطَبَ ثُمَّ نَزَلَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ(5/93)
الْآتِي نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ
(نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ) فِيهِ ثُبُوتُ وُجُودِ الْمِنْبَرِ فِي الْمُصَلَّى وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ
[1521] قَوْلُهُ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إِذَا ذَبَحَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ بِالْوَاوِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ
قَوْلُهُ (وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إنه لا يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ انتهى
9 - (باب من العقيقة)
[1522] قَوْلُهُ (الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ هَذَا فِي الشَّفَاعَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ فَمَاتَ(5/94)
طِفْلًا لَمْ يَشْفَعْ فِي أَبَوَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَازِمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا فَشَبَّهَ الْمَوْلُودَ فِي لُزُومِهَا وَعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِأَذَى شَعْرِهِ وَلِذَلِكَ فَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى انْتَهَى
وَالَّذِي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني أسنده عنه البيهقي وأخرج بن حَزْمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَقِيقَةِ كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ قَوْلًا آخَرَ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ العقيقة
قال بن حَزْمٍ وَمِثْلُهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ انْتَهَى (يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ) أَيْ مِنْ يَوْمِ الولادة وهل يحسب يوم الولادة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السَّبْعَةِ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ الْوِلَادَةِ إِلَّا إِنْ وُلِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الحسبان وَاخْتَلَفَ تَرْجِيحُ النَّوَوِيِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ أَنْ يُحْسَبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ يُذْبَحُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ إِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّابِحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَيَّنُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ إِلَّا إِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوِ امْتِنَاعٍ
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عن الحسن والحسين مؤول
قَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ حِينَئِذٍ كَانَا مُعْسِرَيْنِ أَوْ تَبَرَّعَ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ قَوْلُهُ عَقَّ أَيْ أَمَرَ أَوْ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ضَحَّى عَمَّنْ لم يضح عن أُمَّتِهِ وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِ وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ يُعَقُّ عَنِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ (وَيُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُنِّيَّةِ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي البزار وصحيحي بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا
وَفِي معجم الطبراني الأوسط عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ لِلْمَوْلُودِ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى وَسَمُّوهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ يَوْمَ يُولَدُ
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِهِ حِينَ وُلِدَ فَسَمَّاهُ الْمُنْذِرَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ قَالَ وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْحَدِيثَ (وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ) أَيْ جَمِيعُهُ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنِ الْقَزَعِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّ حَدِيثَ(5/95)
الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُذْبَحَ عَنِ الْغُلَامِ الْعَقِيقَةُ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ يَوْمُ السَّابِعِ فَيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عَقَّ عَنْهُ يَوْمُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ لَمْ أَرَ هَذَا صَرِيحًا إِلَّا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ وَنَقَلَهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ
وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ فَقِيهًا وَكَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ مِنَ الشَّاةِ إِلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) قَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ الْعَقِيقَةِ لَفْظُ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ بِالْقِيَاسِ لَا بِالْخَبَرِ انْتَهَى
قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ الِاشْتِرَاطُ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ أَصْلًا بَلْ وَلَا بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ فَالَّذِينَ قَالُوا بِالِاشْتِرَاطِ لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ الشَّاتَيْنِ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَهُوَ الْحَقُّ لَكِنْ لَا لِهَذَا الْإِطْلَاقِ بَلْ لِعَدَمِ وُرُودِ ما يدل ها هنا عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ وَالْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ بِدُونِ دَلِيلٍ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
فَائِدَةٌ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَّ طَبْخُهَا كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ إِلَّا رِجْلَهَا فَتُعْطَى نِيئَةً لِلْقَابِلَةِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(5/96)
فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ أَنَّهُ لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْعَقِيقَةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حديث لكنه مرسل قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ الَّتِي عَقَّتْهَا فَاطِمَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنْ ابْعَثُوا إِلَى بَيْتِ الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ الْبَزَّارُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ أَيْضًا
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِنَّهُمْ تَرَكُوا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيلَ سَرَقَهُ مِنْهُ
ثَانِيهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمُسْتَمْلِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ وَدَاوُدَ بْنِ مُحَبَّرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ وَدَاوُدَ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الْهَيْثَمَ ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ فَالْحَدِيثُ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ ثُمَّ قَالَ فَلَوْلَا مَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى مِنَ الْمَقَالِ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا وَذَكَرَ مَا فِيهِ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ إِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمْ بِالْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَيُحْتَمَلُ أَوْ يُقَالُ إِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالُوا فِي تَضْحِيَتِهِ عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَبْدَأِ وَقْتِ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فَقِيلَ وَقْتُهَا وَقْتُ الضَّحَايَا أَوْ مِنْ وَقْتِ الضُّحَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّهَا تُجْزِئُ فِي اللَّيْلِ وَقِيلَ لَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقِيلَ تُجْزِئُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ إِذَا ما ت الْمَوْلُودُ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ هَلْ يُعَقُّ عَنْهُ أَمْ لَا فَقِيلَ لَا يُعَقُّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْعَقِيقَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِالْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ وَأَنَّهَا تَفُوتُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
وَقَالَ أَيْضًا إِنْ مَاتَ قَبْلَ السابع سقطت العقيقة
وفي رواية بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الْأَوَّلِ عُقَّ عَنْهُ فِي السابع الثاني
قال بن وَهْبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَقَّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الثَّالِثِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ(5/97)
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِالْيَوْمِ السَّابِعِ فَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَأَمَّا رِوَايَةُ السَّابِعِ الثَّانِي وَالسَّابِعِ الثَّالِثِ فَضَعِيفَةٌ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا مَرَّ
0 - (باب تَرْكِ أَخْذِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ)
[1523] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ أَوْ (عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَأَوْ لِلشَّكِّ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ (فَلَا يَأْخُذَنَّ) بِنُونِ التَّأْكِيدِ (مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَن ظُفْرًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (وَالصَّحِيحُ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ) أَيْ بِالْوَاوِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى مَالِكٍ وَعَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فِي عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عُمَرُ وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ عَمْرٌو
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ الْجَنْدَعِيُّ انْتَهَى
قَالَ فِي التَّقْرِيب عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عِمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ بِالتَّصْغِيرِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ وَقِيلَ اسْمُهُ عُمَرُ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ نَحْوَ هَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا (وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ) رَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ سعيد بن(5/98)
الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
واحتج الشافعي وآخرون بحديث عائشة قال كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَقَالَ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
(وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ)
وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ كَمَا عَرَفْتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ إِلَخْ أَيْ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَاحْتَجَّ) أَيِ الشَّافِعِيُّ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ) إِلَخْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَحَمَلَ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ
وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا مَا لَفْظُهُ فَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ رَوَوْهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مَرْفُوعًا
فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ الْحَدِيثَ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ الْحَدِيثَ قِيلَ لِسُفْيَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرْفَعُهُ فَقَالَ لكني أرفعه(5/99)
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ سَمِعْت أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ الْحَدِيثَ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْ شَرْحِ الْآثَارِ
وَهَذِهِ الطُّرُقُ الْمَرْفُوعَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَوْقُوفَ هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَرْفُوعُ
وَقَدْ أَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهَا الْمَرْفُوعِ فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهَا مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ كِلَيْهِمَا مَرْفُوعَانِ صَحِيحَانِ وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْجِيحٌ لِأَنَّهُ قَوْلِيٌّ أَوْ يُقَالُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ حَدِيثَهَا مَحْمُولٌ عَلَى كراهة التنزيه والله تعالى أعلم(5/100)
20 - (أبواب النذور والأيمان)
الخ النُّذُورُ جَمْعُ نَذْرٍ وَأَصْلُهُ الْإِنْذَارُ بِمَعْنَى التَّخْوِيفِ وَعَرَّفَهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّهُ إِيجَابُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحُدُوثِ أَمْرٍ وَالْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَصْلُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ الْيَدُ وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ يَمِينَ صَاحِبِهِ
وَقِيلَ لِأَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى مِنْ شأنها حفظ الشيء فسمى الحلف بذلك الحفظ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا وَيُجْمَعُ الْيَمِينُ أَيْضًا عَلَى أَيْمُنٍ كَرَغِيفٍ وَأَرْغُفٍ وَعُرِّفَتْ شَرْعًا بِأَنَّهَا تَوْكِيدُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ لِلَّهِ وَهَذَا أَخْصَرُ التَّعَارِيفِ وأقربها
بَاب مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نذر في معصية [1524] قَوْلُهُ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا وَفَاءَ فِي نَذْرِ مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا قَدَّرَ الْوَفَاءَ لِأَنَّ لَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمَاهِيَّةِ فَإِذَا نُفِيَتْ يَنْتَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِذًا يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْوَفَاءِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ انْتَهَى
(وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ(5/101)
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ النَّذْرُ نَذْرَانِ فَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي طَاعَةٍ فَذَلِكَ لِلَّهِ فِيهِ الْوَفَاءُ وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ
وَهَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
[1525] قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ النَّسَائِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يَعْنِي فَرَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ انْتَهَى
قُلْتُ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَقَالَ(5/102)
النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ حَدِيثُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ السَّكَنِ فَأَيْنَ الِاتِّفَاقُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَدِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ وَقَعَ مِنْهُ النَّذْرُ فِي الْمَعْصِيَةِ هَلْ يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا وَعَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ نَعَمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِتَعَدُّدِهَا وَتَعَدُّدِ طُرُقِهَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَاللَّهُ تعالى أعلم
[1526] قَوْلُهُ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) الطَّاعَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ يُتَصَوَّرُ النَّذْرُ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ بأن يؤقت كَمَنْ يَنْذُرُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّذْرِ وَاجِبًا وَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِرُ
وَالْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِوَفَاءِ النَّذْرِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ وَفِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ ولا يلزمه الكفارة إذا لَوْ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
قال القارىء لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ وَلَا عَلَى إِثْبَاتِهَا
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ القارىء(5/103)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (قَالُوا لَا يَعْصِي اللَّهَ) هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ (وَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ إِلَخْ) فِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا
(باب لا نذر في ما لا يملك بن آدَمَ)
[1527] قَوْلُهُ (لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ)
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود
(باب في فِي كَفَّارَةِ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ)
[1528] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) مُحَمَّدٌ هذا هو بن يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الثَّقَفِيُّ(5/104)
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَجْهُولٌ قَالَ وَصَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ) بْنِ كَعْبٍ الْمِصْرِيُّ التَّنُوخِيُّ أَبُو عَبْدِ الْحَمِيدِ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ النَّاذِرُ بِأَنْ قَالَ إِنِّي نَذَرْتُ نَذْرًا أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا كَانَ مِنَ النُّذُورِ غَيْرَ مُسَمًّى
قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَحَمَلَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ أَوِ الْكَفَّارَةِ
وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ وَقَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَنْذُورَاتِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَ بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لِأَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَأَمَّا النُّذُورُ الْمُسَمَّاةُ إِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَتْ مَقْدُورَةً وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً مَقْدُورَةً فَالظَّاهِرُ الِانْعِقَادُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ فِي قِصَّةِ النَّاذِرَةِ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ لِعُمُومِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ
هَذَا خُلَاصَةُ مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِ زِيَادَةِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود والنسائي وبن ماجه
وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ رَجَّحُوا وَقْفَهُ(5/105)
4 - (باب فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا)
[1529] قَوْلُهُ (لَا تَسْأَلْ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ (الْإِمَارَةَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيِ الْحُكُومَةَ (فَإِنَّك إِنْ أَتَتْكَ) أَيْ حَصَلَتْ لَك الْإِمَارَةُ (عَنْ مَسْأَلَةٍ) أَيْ بَعْدَ سُؤَالِكَ إِيَّاهَا (وُكِلْتَ إِلَيْهَا) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُخَفَّفَةً أَيْ خُلِّيتَ إِلَيْهَا وَتُرِكْتَ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إِعَانَةٍ فِيهَا (أُعِنْتَ عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِعَانَةِ أَيْ أَعَانَكَ اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْإِمَارَةِ (فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي مُوسَى)
أَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(5/106)
5 - (باب فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ)
[1530] قَوْلُهُ (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ
نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ لَفْظُ ثُمَّ وَلَفْظُهُ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَكَذَلِكَ وَقَعَ لَفْظُ ثُمَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَخْرَجَ نَحْوَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهَا انْتَهَى
فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ بن الْمُنْذِرِ رَأَى رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَهْلِ الرَّأْيِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُ قَبْلَ الْحِنْثِ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَثْنَى الصِّيَامَ فَقَالَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ
وقال أهل الرأي تجزئ لا الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ
وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَخَالَفَهُ بن حَزْمٍ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَبِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لَفْظُ ثُمَّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ
وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) فَإِنَّ الْمُرَادَ إِذَا حَلَفْتُمْ فَحَنِثْتُمْ(5/107)
وَرَدَّهُ مُخَالِفُوهُ فَقَالُوا بَلِ التَّقْدِيرُ فَأَرَدْتُمِ الْحِنْثَ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَرَدَّهُ مَنْ أَجَازَهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَمْ تَسْقُطْ عَمَّنْ لَمْ يَحْنَثِ اتِّفَاقًا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَرْضٌ وَإِخْرَاجَهَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ فَلَا يَقُومُ التَّطَوُّعُ مَقَامَ الْمَفْرُوضِ
وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِرَادَةُ الْحِنْثِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ عِدَّةَ من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشرة صَحَابِيًّا وَتَبِعَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وقد عرفت مما سلف أن المتوجه الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ
وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحِنْثِ لَكَانَ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ
قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْكَفَّارَةِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهَا قبل الحلف فلا تجزىء اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزىء اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث فَفِيهَا الْخِلَافُ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ إِتْيَانِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَإِتْيَانَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ الْكَفَّارَةُ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّهُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يُعْبَأُ به
قال الحافظ كأنه يشر إِلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ ويَحْيَى ضَعِيفٌ جِدًّا
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِلَفْظِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَمَدَارُهُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيٍّ وَالَّذِي زَادَ ذَلِكَ حَافِظٌ فهو المعتمد انتهى
(باب فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ)
[1531] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ(5/108)
اللَّهِ مَانِعٌ مِنَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ يَحِلُّ انْعِقَادُهَا
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَادَّعَى عليه بن الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا قَالَ وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا رَوَى بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ قَطُّ فِي يَمِينٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَفَّارَةٍ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاتِّصَالِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ النَّفَسِ
وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَكَلَّمْ
وَقَالَ عَطَاءٌ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يصح بعد أربعة أشهر
وعن بن عَبَّاسٍ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ
وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْعَتَاقَ قَالَ لِحَدِيثِ إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تُطَلَّقْ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ انْتَهَى
قَالَ فِي النيل حديث بن عُمَرَ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَلَهُ طُرُقٌ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ(5/109)
[1532] قَوْلُهُ (لَأَطُوفَنَّ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ أَيْ وَاللَّهِ لَأَطُوفَنَّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ قَسَمٍ
وَالْقَسَمُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقْسَمٍ بِهِ (عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً) قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي الْعَدَدِ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا مَا لَفْظُهُ فَمُحَصَّلُ الرِّوَايَاتِ سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَمِائَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِرَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سَرَارِيَّ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا تِسْعُونَ وَالْمِائَةُ فَكُنَّ دُونَ الْمِائَةِ وَفَوْقَ التِّسْعِينَ فَمَنْ قَالَ تِسْعُونَ أَلْقَى الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ مِائَةً جَبَرَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ نَفْيُ الْكَثِيرِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ
وَقَدْ حَكَى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ امْرَأَةٍ ثَلَاثُ مِائَةِ مَهِيرَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ وَنَحْوُ مَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ صَرِيحَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ انْتَهَى (تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا)
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَطَافَ عَلَيْهِنَّ) أَيْ جَامَعَهُنَّ قَوْلُهُ (إِلَّا امْرَأَةً نِصْفَ غُلَامٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِلَّا وَاحِدَةً سَاقِطًا أَحَدَ شِقَّيْهِ (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَأَطُوفَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِتِسْعِينَ امْرَأَةٍ كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ
قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِيَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ قِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَهَا وَقَعَ مَا أَرَادَ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهَا عِنْدَ مَا وَعَدَ الْخَضِرَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَمَّا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ(5/110)
أَمْرِهِمَا
وَقَدْ قَالَهَا الذَّبِيحُ فَوَقَعَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين) فَصَبَرَ حَتَّى فَدَاهُ اللَّهُ بِالذَّبْحِ
قَوْلُهُ (لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عوانة كما في الفتح
(باب فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ)
[1533] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَقُولُ وَأَبِي وَأَبِي) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ يَعْنِي يُقْسِمُ بِأَبِيهِ وَيَقُولُ وَأَبِي وَأَبِي (فَقَالَ أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)
قَالَ الْعُلَمَاءُ السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ خَاصَّةً لَكِنْ قَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ بِاللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهَا بِبَعْضِ الصِّفَاتِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِاللَّهِ الذَّاتَ لَا خُصُوصَ لَفْظِ اللَّهِ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ الْمَنْعُ فِيهَا وَهَلِ الْمَنْعُ للتحريم قولان عند المالكية كذا قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمُ الْكَرَاهَةُ وَالْخِلَافُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ جَزَمَ الظَّاهِرِيَّةُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَاكِيًا عَنِ الْغَيْرِ أَيْ مَا حَلَفْتُ بِهَا وَلَا حَكَيْتُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِي
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عقيل عن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِيرُ لِتَصْدِيرِ الْكَلَامِ بِحَلَفْتُ وَالْحَاكِي عَنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى حَالِفًا
وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي أَوْ يَكُونُ ضِمْنَ حَلَفْتُ مَعْنَى تَكَلَّمْتُ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ(5/111)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقُتَيْلَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ فَأَخْرَجَهُ الشيخان
وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا لَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ
وَأَمَّا حَدِيثُ قُتَيْلَةَ وَهِيَ قُتَيْلَةُ بِالْمُثَنَّاةِ وَالتَّصْغِيرِ بِنْتُ صَيْفِيٍّ الْأَنْصَارِيَّةُ أَوِ الْجُهَنِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتُ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ) هُوَ إِمَامٌ مَشْهُورٌ لَهُ تَصَانِيفُ نَافِعَةٌ مِنْهَا غَرِيبُ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ اسْمُهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْبَغْدَادِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُصَنِّفٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ حَدِيثًا مُسْتَنِدًا بَلْ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي شَرْحِ الْغَرِيبِ يَقُولُ (لَا آثُرُهُ عَنْ غَيْرِي) أَيْ لَا أَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِي قَالَ فِي الصُّرَاحِ الْأَثَرُ نَقْلُ كردن سخن وَمِنْهُ حَدِيثٌ مَأْثُورٌ أَيْ يَنْقُلُهُ خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ
[1534] قَوْلُهُ (أَدْرَكَ عُمَرَ وَهُوَ فِي رَكْبٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ
وَفِي مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بن شيبة من طريق بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بَيْنَمَا أَنَا رَاكِبٌ أَسِيرُ فِي غَزَاةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا (لِيَحْلِفْ حَالِفٌ بِاللَّهِ أَوْ لِيَسْكُتْ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّجْرُ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا خُصَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ أَوْ خُصَّ لِكَوْنِهِ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِيهِ جَوَابَانِ(5/112)
أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِاللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ
فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحَلِفُ كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِمْ عَقْرَى حَلْقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ فِيهِ إِضْمَارُ اسْمِ الرَّبِّ كَأَنَّهُ قَالَ وَرَبِّ أَبِيهِ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ
وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بعض مشائخه أَنَّهُ قَالَ هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ وَاللَّهِ قُصِرَتِ اللَّامَانِ وَاسْتَنْكَرَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا وَقَالَ إِنَّهُ يَجْزِمُ الثِّقَةُ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلَانِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْحَلِفَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْعَقِدُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
(باب [1535] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ)
أَوْ أَشْرَكَ) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظِ أَوْ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ أَوْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا وَأَشْرَكَ بِالْوَاوِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِالْوَاوِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَسْمَعْهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ من بن عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ منصور عنه(5/113)
قال كنت عند بن عُمَرَ وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي عبد الرحمن السلمي عن بن عمر انتهى (من قال في حلفه باللات وَالْعُزَّى) صَنَمَانِ مَعْرُوفَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْحَالِفَ بِذَلِكَ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَعَاطَى صُورَةَ تَعْظِيمِ الصَّنَمِ حَيْثُ حَلَفَ به
قال جمهور العلماء من حلف باللات وَالْعُزَّى أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْنَامِ أَيْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ أَنَا مُبْتَدِعٌ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاحْتَجَّ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُظَاهِرِ مَعَ أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُنْكَرٌ وَتُعُقِّبَ بِهَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا حَتَّى يُقَامَ الدَّلِيلُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَاسْتَثْنَوْا أَشْيَاءَ لَمْ يُوجِبُوا فِيهَا كَفَّارَةَ إِصْلَاحٍ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ انْتَهَى
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (الرياء شرك) روى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ الْحَدِيثَ
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْآيَةَ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا) الْآيَةَ تَمَامُهَا (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) قَالَ لَا يُرَائِي يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الشِّرْكِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرِّيَاءُ وَأُطْلِقَ الشِّرْكُ عَلَى الرِّيَاءِ تَغْلِيظًا وَمُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهُ(5/114)
9 - (باب في من يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ وَلَا يَسْتَطِيعُ)
[1536] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ القطان) هو عمران بن داود بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَبُو الْعَوَّامِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ
قَوْلُهُ (مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَفِيهِ تَعْذِيبُهُ نَفْسَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَشْيَ وَيَرْكَبَ وَأَمَّا قوله وفي تَعْذِيبُهُ نَفْسَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بن عامر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا لِتَخْرُجْ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا
وَالْحَدِيثُ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مَعْنَاهُ
[1537] قَوْلُهُ (يُهَادَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بَيْنَ ابْنَيْهِ) أَيْ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِهِ (فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا) أَيْ مَا حَالُ هَذَا الشَّيْخِ (قَالُوا نَذَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَمْشِيَ) وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ(5/115)
نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ)
هَذَا فَاعِلُ الْمَصْدَرِ وَنَفْسَهُ مَفْعُولُهُ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) أَيْ لِعَجْزِهِ عَنِ الْمَشْيِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا إِذَا نَذَرَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَمْشِيَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ شَاةً) قَدْ وَقَعَ فِي حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ أُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا وَقَدْ بسط الكلام ها هنا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فليرجع إلى النيل
0 - (باب في كراهية النذور)
[1538] قَوْلُهُ (لَا تَنْذُرُوا) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا (فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي) أَيْ لَا يَدْفَعُ أَوْ لَا يَنْفَعُ (مِنَ الْقَدَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ السَّمَاوِيِّ (شَيْئًا) فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ (وإنما يستخرج به) أي يسبب النَّذْرِ (مِنَ الْبَخِيلِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَخِيلِ يُعْطِي بِاخْتِيَارِهِ بِلَا وَاسِطَةِ النَّذْرِ
قَالَ الْقَاضِي عَادَةُ النَّاسِ تَعْلِيقُ النُّذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَنَهَى عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْبُخَلَاءِ إِذِ السَّخِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتَعْجَلَ فِيهِ وَأَتَى بِهِ فِي الْحَالِ وَالْبَخِيلُ لَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ يُسْتَوْفَى أو لا فَيَلْتَزِمُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَيَحْصُلُ لَهُ وَيُعَلِّقُهُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ شَيْئًا أَيْ نَذْرٍ لَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَلَا يَرُدَّ شَرًّا قُضِيَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ النَّذْرَ قد يوافق القدر فيخرج من البخيل مالا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ
وَقَالَ(5/116)
الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّأَكُّدُ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلُبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضُرًّا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَلَا تَنْذُرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ
قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ بِنَفْسِهِ كَمَا زَعَمُوا وَكَمْ نَرَى فِي عَهْدِنَا جَمَاعَةً يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنْ غَالِبِ الْأَحْوَالِ حُصُولَ الْمَطَالِبِ بِالنَّذْرِ
وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُسَهِّلُ الْأُمُورَ وَهُوَ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ وَالنُّذُورُ كَالذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلِ فَيَكُونُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَيْفَ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ الخيرة من عباده بقوله (يوفون بالنذر) وَ (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي محررا) وَأَمَّا مَعْنَى وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْبَذْلَ وَالْإِنْفَاقَ فَمَنْ سَمَحَتْ أَرِيحَتُهُ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَشَرَعَ النُّذُورَ لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ مِنْ مَالِ الْبَخِيلِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهُوا النَّذْرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ غَرِيبٌ وَهُوَ أَنْ يَنْهَى عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فُعِلَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّذْرَ مَكْرُوهٌ وَكَذَا عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْكَرَاهَةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
وروى ذلك عن القاضي(5/117)
حسين والتولي وَالْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ النَّهْيِ عَلَى نَذْرِ الْمُجَازَاةِ فَقَالَ هَذَا النَّهْيُ مَحَلُّهُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ فِعْلَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى حُصُولِ الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَهُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ بَلْ سَلَكَ فِيهَا مَسْلَكَ الْمُعَارَضَةِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْفِ مَرِيضَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَا عَلَّقَهُ عَلَى شِفَائِهِ وَهَذِهِ حَالَةُ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إِلَّا بِعِوَضٍ عَاجِلٍ يَزِيدُ عَلَى مَا أَخْرَجَ غَالِبًا وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ قَالَ وَقَدْ يَنْضَمُّ إِلَى هَذَا اعْتِقَادُ جَاهِلٍ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَعَهُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ ذَلِكَ النَّذْرِ وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَالْحَالَةُ الْأُولَى تُقَارِبُ الْكُفْرَ وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ صَرِيحٌ
قَالَ الْحَافِظُ بَلْ تَقْرُبُ مِنَ الْكُفْرِ ثُمَّ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ حَمْلَ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ فَيَكُونُ إِقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ قصة بن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ فإنها في نذر المجازاة انتهى
1 - (باب وَفَاءِ النَّذْرِ)
[1539] قَوْلُهُ (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ(5/118)
اللَّهُ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْكَافِرِ مَتَى أَسْلَمَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْكَافِرِ وَحَدِيثُ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَفَ بِأَنَّ عُمَرَ قَدْ تَبَرَّعَ بِفِعْلِ ذَلِكَ أَذِنَ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ طَاعَةٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلصَّوَابِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا وَيَرُدُّ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَصْلُحُ لِمَنِ ادَّعَى عَدَمَ الِانْعِقَادِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِوَقْتِ صَوْمٍ وَقَدْ أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَوْجَبَهَا
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يَوْمًا بَدَلَ لَيْلَةٍ وقد جمع بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ نَذْرَ اعْتِكَافِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَنْ أَطْلَقَ لَيْلَةً أَرَادَ بِيَوْمِهَا وَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اعتكف وصم أخرجه أبي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بديل ولكنه ضعيف وقد ذكر بن عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى يَوْمًا شَاذَّةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَذْرِهِ شَيْئًا وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا صَوْمَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلَخْ) وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لا كما قال بن الْقَيِّمِ إِنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ رُوِيَ عن علي وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلَّا أَنْ يُوجِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ السُّوسِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ وَأَخْرَجَهُ الحاكم مرفوعا وقال صحيح الاسناد(5/119)
12 - (باب كَيْفَ كَانَ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
[1540] قَوْلُهُ (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ لَا لِنَفْيِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ تَقْلِيبُ أَحْوَالِهَا لَا تَقْلِيبُ ذَوَاتِهَا وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ بِمَا ثَبَتَ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِهِ
قَالَ القاضي أبو بكر بن الْعَرَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا وَصَفَ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ تَعَالَى وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّ مَنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعْلُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَجَازٌ إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ
قَالَ الرَّاغِبُ تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ قَالَ وَيُعَبِّرُ عَنِ الْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا مسلما
3 - (باب في ثواب مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً)
ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثَوَابِ الْعِتْقِ ثُمَّ عَقَدَ فِيمَا بَعْدُ بَابًا آخَرَ بِلَفْظِ باب ما جاء في فضل من أعتق وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَضْلِ الْعِتْقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي هذا تكرار بِلَا فَائِدَةٍ وَلَوْ عَقَدَ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى لَكَانَ أَحْسَنَ
[1541] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ فَاضِلٌ(5/120)
(عن سعيد بن مرجانة) هو بن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ حِجَازِيٌّ وزعم الذهلي أنه بن يَسَارٍ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) هَذَا مُقَيِّدٌ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِلَّا مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (أَعْتَقَ اللَّهُ) مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْجَاهُ اللَّهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ (بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ وَالْمَعْنَى أَنْجَى اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ عُضْوًا مِنَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ مِنَ النَّارِ (حَتَّى يُعْتِقَ) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (فَرْجَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ فَرْجَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ (بِفَرْجِهِ) أَيْ بِفَرْجِ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ
وَاسْتَشْكَلَهُ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الْفَرْجُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَنْبٌ يوجب النار إلا الزنى فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا يَتَعَاطَى مِنَ الصَّغَائِرِ كَالْمُفَاخَذَةِ لَمْ يَشْكُلْ عِتْقُهُ مِنَ النَّارِ بِالْعِتْقِ وإلا فالزنى كَبِيرَةٌ لَا تُكَفَّرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ
قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعِتْقَ يُرَجَّحُ عِنْدَ الْمُؤَازَاةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِحَسَنَاتِ الْمُعْتِقِ تَرْجِيحًا يوازي سيئة الزنى انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالْفَرْجِ بَلْ يَأْتِي فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ فِي الْغَصْبِ مَثَلًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عائشة وعمرو بن عبسة وبن عَبَّاسٍ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ المهملة فأخرجه أبو داود
وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَأْتِي
وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ
(حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(5/121)
قَوْلُهُ (وَهُوَ مَدِينِيٌّ ثِقَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مكثر
4 - (باب في الرجل يلطم خادمه)
فِي الْقَامُوسِ اللَّطْمُ ضَرْبُ الْخَدِّ وَصَفْحَةِ الْجَسَدِ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةً لَطَمَهُ يَلْطِمُهُ وَفِي الصُّرَاحِ لَطَمَ طابنجه زدن مِنْ بَابِ ضَرَبَ [1542] يَضْرِبُ (مَا لَنَا خَادِمٌ إِلَّا وَاحِدَةٌ) لَفْظُ الْخَادِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَدَمَهُ يَخْدِمُهُ وَيَخْدُمُهُ خِدْمَةً فَهُوَ خَادِمٌ وَهِيَ خَادِمٌ وَخَادِمَةٌ (فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْتِقَهَا) فِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ بِهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ فِيهِ وَإِزَالَةُ إِثْمِ ظُلْمِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ(5/122)
15 - (باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام)
في بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِهَا بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ
[1543] قَوْلُهُ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) هُوَ أَبُو يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَهُوَ صَغِيرٌ ومات في فتنة بن الزُّبَيْرِ
قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّهُ جَمِيعُ الْمِلَلِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا (غَيْرِ الْإِسْلَامِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ مِلَّةٍ (كَاذِبًا) أَيْ فِي حَلِفِهِ (فَهُوَ كَمَا قَالَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ التَّهْدِيدَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمَ كَأَنْ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلَ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ وَنَظِيرُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ أَيِ اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ مَنْ كفر
وقال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى أكفر بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَاذِبٌ كَذِبَ الْمُعَظِّمِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ وَقَالَ اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ ونحوه إن فعلت ثم فعل فقال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إِلَّا إِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الكفارة
قال بن الْمُنْذِرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حلف باللات وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً زَادَ غَيْرُهُ وَكَذَا قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئَ أحد عليه
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَقَوْلِهِمْ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحَلِفَ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحِنْثِ أَوِ الْمَنْعِ
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِقَوْلِهِ كَاذِبًا وَالْكَذِبُ يُدْخِلُ الْقَضِيَّةَ الْإِخْبَارِيَّةَ الَّتِي يَقَعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً وَلَا يَقَعُ أُخْرَى وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِنَا وَاللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ بَلْ هِيَ لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَكُونُ صُورَةُ الْحَلِفِ هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ
وَالثَّانِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ(5/123)
كَاذِبًا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً بَلْ جَعَلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى كَذِبِهِ قوله فهوكما قَالَ
قَالَ وَلَا يَكْفُرُ فِي صُورَةِ الْمَاضِي إِلَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْظِيمَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِكَوْنِهِ تَنْجِيزًا مَعْنًى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ لَمْ يَكْفُرْ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنْ يَكْفُرَ بِالْحِنْثِ بِهِ كَفَرَ لِكَوْنِهِ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إِذَا كَانَ كَاذِبًا
وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَإِنِ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ مَا ذَكَرَ كَفَرَ وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ
6 - بَاب [1544] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الضَّمْرِيِّ مَوْلَاهُمُ الْإِفْرِيقِيُّ صَدُوقٌ يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيِّ) بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا اسْمُهُ جُعْثُلٌ بِضَمِّ الجيم والمثلثة بينهما مهملة ساكنة بن هَاعَانَ بِتَقْدِيمِ الْهَاءِ الْقِتْبَانِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ فَقِيهٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْيَحْصَبِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مِصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ(5/124)
قَوْلُهُ (إِلَى الْبَيْتِ) أَيْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ (حَافِيَةً) أَيْ غَيْرَ مُنْتَعِلَةٍ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ بِتَعَبِهَا وَمَشَقَّتِهَا (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الصُّنْعِ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ (فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ)
وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ تَرْكَبَ جَزْمًا وَأَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ أَنْ تَمْشِيَ وَأَنْ تَرْكَبَ لِأَنَّ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ شَيْخًا ظَاهِرَ الْعَجْزِ وَأُخْتُ عُقْبَةَ لَمْ تُوصَفْ بِالْعَجْزِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ إِنْ قَدَرَتْ وَتَرْكَبَ إِنْ عَجَزَتِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ مَنْ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ ولا يستطيع(5/125)
17 - (باب قضاء النذر عن الميت)
[1546] قوله (اقض عَنْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَضَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَنِ الْمَيِّتِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مَالِيٌّ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ إِلَّا إِنْ وَقَعَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ
وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفُوا فِي نَذْرِ أُمِّ سَعْدٍ هَذَا فَقِيلَ كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا وَقِيلَ كَانَ صَوْمًا وَقِيلَ عِتْقًا وَقِيلَ صَدَقَةً
وَاسْتَدَلَّ كُلُّ قَائِلٍ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي قَضِيَّةِ أُمِّ سَعْدٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَذْرًا فِي الْمَالِ أَوْ نَذْرًا مُبْهَمًا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا كَكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ زَكَاةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً لَا يَلْزَمُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ يَلْزَمُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّبَرُّعِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) أصله في الصحيحين
8 - (باب فِي فَضْلِ مَنْ أَعْتَقَ)
[1547] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ حصين بالتصغير) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُ أَبُو الْهُذَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ
قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ مِنَ الْمُعْتَقِينَ مُسْلِمًا(5/126)
فَلَا أَجْرَ لِلْكَافِرِ فِي عِتْقِهِ إِلَّا إِذَا انْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ (أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مُعْتِقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ مُثَابٌ عَلَى الْعِتْقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَثَوَابِ الرَّقَبَةِ الْمُسْلِمَةِ (كَانَ فَكَاكُهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً أَيْ خَلَاصُهُ (يُجْزِئُ) بِالْهَمْزَةِ مِنَ الْإِجْزَاءِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى هَذَا الْحَدِيثَ وَعَزَاهُ إِلَى الترمذي بلفظ يجزئ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى قوله يجزئ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنَ الْقُرَبِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّلَامَةِ مِنَ النَّارِ وَأَنَّ عِتْقَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى
وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى تَفْضِيلِ عِتْقِ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ
وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عِتْقَهَا يَسْتَلْزِمُ حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ وَمُجَرَّدُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ مَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ فِكَاكِ الْمُعْتَقِ إِمَّا رَجُلًا أَوِ امْرَأَتَيْنِ وَأَيْضًا عِتْقُ الْأُنْثَى رُبَّمَا أَفْضَى فِي الْغَالِبِ إِلَى ضَيَاعِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى التَّكَسُّبِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي قَوْلِهِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ عُضْوًا مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَ فِي الرَّقَبَةِ نُقْصَانٌ لِتَحْصِيلِ الِاسْتِيعَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَلِأَحْمَدَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيِّ وَزَادَ فِيهِ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا من النار يجزئ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا(5/127)
21 - (أبواب السِّيَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
السِّيَرُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ سِيرَةٍ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى أَبْوَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّهَا مُتَلَقَّاةٌ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في غزواته
(بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ)
[1548] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِيهِ تَشَيُّعٌ قَلِيلٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ
(أَلَّا نَنْهَدَ إِلَيْهِمْ) أَيْ لَا نَنْهَضَ إِلَيْهِمْ (قَالَ دَعُونِي) أَيِ اتْرُكُونِي (أَدْعُوهُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ) أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْقِتَالِ (فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الَّذِي لَنَا) أَيْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ (وَعَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا (وَأَعْطَوْنَا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ عَنْ يَدٍ مُوَاتِيَةٍ بِمَعْنَى مُنْقَادِينَ أَوْ عَنْ يَدِكُمْ بِمَعْنَى مسلمينبأيديكم غَيْرَ بَاعِثِينَ بِأَيْدِي غَيْرِكُمْ أَوْ عَنْ غِنًى(5/128)
وَلِذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ مِنَ الْفَقِيرِ أَوْ حَالٌ مِنَ الْجِزْيَةِ بِمَعْنَى نَقْدًا مُسَلَّمَةً عَنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ أَوْ عَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ إِبْقَاءَكُمْ بِالْجِزْيَةِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ (وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ) حَالٌ ثَانٍ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ ذَلِيلُونَ (وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ تَكَلَّمَ فِيهَا (وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ كَاشَفْنَاكُمْ وَقَاتَلْنَاكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ مُسْتَوٍ فِي الْعِلْمِ بِالْمُنَابَذَةِ مِنَّا وَمِنْكُمْ بِأَنْ نُظْهِرَ لَهُمُ الْعَزْمَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَنُخْبِرَهُمْ بِهِ إِخْبَارًا مَكْشُوفًا
وَالنَّبْذُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فِي الْأَجْسَامِ وَالْمَعَانِي وَمِنْهُ نَبَذَ الْعَهْدَ إِذَا أَنْقَضَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وأما حديث بن عمر فأخرجه مسلم وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَطُّ إِلَّا دَعَاهُمْ
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا
قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ سَلْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وَرَأَوْا أَنْ يُدْعَوْا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الْعَدُوِّ (وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) يَعْنِي إِسْحَاقَ بْنَ رَاهُوَيْهِ (وَأَنْ تُقَدَّمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقَدُّمِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا دَعْوَةَ الْيَوْمَ(5/129)
إِلَخْ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى اشْتِرَاطِ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ قَبْلَ انْتِشَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَمْ يُقَاتَلْ حَتَّى يُدْعَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ قُوتِلَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَالدَّعْوَةُ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ كُنَّا نَدْعُو وَنَدَعُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْحَالَيْنِ المتقدمين انتهى
باب [1549] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا) أَيْ إِذَا حَقَّقْتُمْ عَلَامَةً فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ (فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا) أَيْ حَتَّى تُمَيِّزُوا الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
(بَابُ في البيات والغارات)
جَمْعِ الْغَارَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ أَنْ يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُؤْخَذَ(5/130)
بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ انْتَهَى
وَقَالَ فِيهِ أَغَارَ أَيْ هَجَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَالْغَارَةُ اسم من الاغارة
[1550] قَوْلُهُ (وَكَانَ إِذَا جَاءَ بِقَوْمٍ لَيْلًا لَمْ يَغُرْ عَلَيْهِمْ) مِنَ الْإِغَارَةِ (حَتَّى يُصْبِحَ) لِيَعْرِفَ بِالْأَذَانِ أَنَّهُ بِلَادُ الْإِسْلَامِ فَيُمْسِكُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ فَيُغِيرُ (خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ) جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ الْمِجْرَفَةُ مِنَ الْحَدِيدِ وَمِيمُهُ زَائِدَةٌ مِنَ السَّحْوِ بِمَعْنَى الْكَشْفِ وَالْإِزَالَةِ لِمَا يُكْشَفُ بِهِ الطِّينُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (وَمَكَاتِلِهِمْ) جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ الْكَبِيرُ (قَالُوا مُحَمَّدٌ) أَيْ هَذَا مُحَمَّدٌ أَوْ جَاءَ مُحَمَّدٌ (وَافَقَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ الْخَمِيسَ) بِالنَّصْبِ وَالْمَعْنَى جَاءَ مُحَمَّدٌ مَعَ الْخَمِيسِ وَهُوَ الْجَيْشُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مُقَسَّمٌ خَمْسَةً الْمُقَدِّمَةُ وَالسَّاقَةُ وَالْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ وَالْقَلْبُ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) خَبَرًا أَوْ دُعَاءً (إِنَّا) أَيْ مَعْشَرَ الْإِسْلَامِ أَوْ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَإِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجِبِ خَرَابِ خَيْبَرَ
وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ من أنه تعالى قدر نزوله بساحتهم بعد ما أنذروا أثم أَصْبَحَهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ السَّاحَةُ الْفَضَاءُ وَأَصْلُهَا الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْكُفَّارِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ
أَيْ بِئْسَ صَبَاحُهُمْ لِنُزُولِ عَذَابِ اللَّهِ بِالْقَتْلِ وَالْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ
[1551] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ) أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ (أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ) الْعَرْصَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَيْنَهُمَا هِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ بِغَيْرِ بِنَاءٍ مِنْ دَارٍ وَغَيْرِهَا (ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ
قَالَ الْمُهَلَّبُ حِكْمَةُ الْإِقَامَةِ لِإِرَاحَةِ الظَّهْرِ وَالْأَنْفُسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ إِذَا كَانَ فِي أَمْنٍ مِنْ عَدُوٍّ طَارِقٍ
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ إقامة
وقال بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا كَانَ يُقِيمُ لِيُظْهِرَ تَأْثِيرَ الْغَلَبَةِ وَتَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ وَقِلَّةَ الِاحْتِفَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ(5/131)
إلينا
وقال بن الْمُنِيرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَقَعَ ضِيَافَةُ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمَعَاصِي بِإِيقَاعِ الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار الْمُسْلِمِينَ
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الضِّيَافَةِ نَاسَبَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الضِّيَافَةَ ثَلَاثَةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
(بَاب فِي التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ)
[1552] قَوْلُهُ (حَرَّقَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ) أَيْ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ نَخْلِهِمْ وَقَطْعِهَا وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ كَالْمَوَاهِبِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ كَالْبَغَوِيِّ (وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مَوْضِعُ نَخْلٍ لِبَنِي النَّضِيرِ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لينة) أَيْ أَيِّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ مِنْ نَخْلِهِ (أَوْ تركتموها) الضَّمِيرُ لِمَا وَتَأْنِيثُهُ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ بِاللِّينَةِ (قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) أي لم تقطعوها (فبإذن الله) أَيْ فَبِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ الْمُقْتَضِي لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ (وَلِيُخْزِيَ الفاسقين) أَيْ وَفَعَلْتُمْ أَوْ أَذِنَ لَكُمْ فِي الْقَطْعِ بِهِمْ لِيَجْزِيَهُمْ عَلَى فِسْقِهِمْ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ هَدْمِ دِيَارِ الْكُفَّارِ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ زِيَادَةً لِغَيْظِهِمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ اللِّينَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَنْوَاعُ التَّمْرِ كُلِّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ
وَقِيلَ كِرَامُ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ الْأَشْجَارِ وَقِيلَ إِنَّ أَنْوَاعَ نَخْلِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وعشرون نوعا(5/132)
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا إِلَخْ) قال القارىء وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ شَجَرِ الْكُفَّارِ وَإِحْرَاقِهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ
قال بن الْهُمَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَكَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَبِذَلِكَ هَذَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُونَ مَا يُمَكِّنُهُمْ مِنَ التَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ
لَكِنْ إِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إِلَّا لَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ونهى أبو بكر الصديق أَنْ يَقْطَعَ شَجَرًا مُثْمِرًا أَوْ يُخَرِّبَ عَامِرًا وَعَمِلَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجُّوا بِوَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِجُيُوشِهِ أَلَّا يَفْعَلُوا أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ
وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْدِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصَابُوا ذَلِكَ فِي خِلَالِ الْقِتَالِ كَمَا وَقَعَ فِي نَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الطَّائِفِ وَهُوَ نَحْوُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِالتَّغْرِيقِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا نَهَى أَبُو بَكْرٍ جُيُوشَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الْبِلَادَ سَتُفْتَحُ فَأَرَادَ إِبْقَاءَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوَاضِعَ لَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا) الْمَعْنَى أَنَّ الْجُيُوشَ قَدْ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (فَأَمَّا بِالْعَبَثِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ (فَلَا تُحْرَقُ) وَكَذَا لَا تُخَرَّبُ (إِذَا كَانَ أَنْكَى فِيهِمْ) أَنْكَى أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ النِّكَايَةِ قَالَ فِي(5/133)
الْقَامُوسِ نَكَى الْعَدُوَّ وَفِيهِ نِكَايَةٌ قَتَلَ وَجَرَحَ
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ نِكَايَة جراحت كردن وبد سكاليدن وكشتن دشمن رامن بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ
(باب مَا جَاءَ فِي الْغَنِيمَةِ)
[1553] قَوْلُهُ (عَنْ سَيَّارٍ) بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ
قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ) أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ إِمَّا قَالَ فَضَلَّنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ قَالَ فَضَّلَ أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ (وَأَحَلَّ لَنَا الْغَنَائِمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَغَانِمُ وَمِنْهُمْ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ لَكِنْ كَانُوا إِذَا غَنِمُوا أَشْيَاءَ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ وَجَاءَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَصَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْغَنِيمَةِ يَصْرِفُهَا كَيْفَ شَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ إِنْ مَضَى لَمْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ أَصْلًا قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ تَحْتَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (وَسَيَّارٌ هَذَا يُقَالُ لَهُ سَيَّارٌ مَوْلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ إِلَخْ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَابِعِيٌّ شَامِيٌّ أَخْرَجَ له الترمذي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَيَّارٌ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيُّ قَدِمَ الْبَصْرَةَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ(5/134)
قَوْلُهُ (فُضِّلْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْضِيلِ (عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ) أَيْ بِسِتِّ خِصَالٍ (أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ) قَالَ الْحَافِظُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ تَقَعُ فِيهِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةُ بِالْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ انتهى
وقال بن رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ مَا لَفْظُهُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عن الفحشاء والمنكر والبغي) قَالَ الْحَسَنُ لَمْ تَتْرُكْ هَذِهِ الْآيَةُ خَيْرًا إِلَّا أَمَرَتْ بِهِ وَلَا شَرًّا إِلَّا نَهَتْ عَنْهُ
وَالثَّانِي مَا هُوَ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْتَشِرٌ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى
(ونصرت بالرعب) زاد أبي أُمَامَةَ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا مَا دُونَهَا فَلَا لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَالظَّاهِرُ اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية منها شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى
(وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ) زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي (وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ مَوْضِعَ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ قَالَ بن التَّيْمِيِّ قِيلَ الْمُرَادُ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا لِأَنَّ عِيسَى كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الداؤدي وَقِيلَ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأُبِيحَ لَهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا نَجَاسَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمُ الصَّلَاةُ فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِعِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَثَبَتَتِ الْخُصُوصِيَّةُ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ البزار من حديث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَحَدٌ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ (وَطَهُورًا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ(5/135)
الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا سِيقَ لِإِثْبَاتِهَا وَقَدْ روى بن المنذر وبن الْجَارُودِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا جُعِلَتْ لِيَ كُلُّ الْأَرْضِ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَمَعْنَى طَيِّبَةً طَاهِرَةً فَلَوْ كَانَ مَعْنَى طَهُورًا طَاهِرًا لَلَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ (وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً)
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَتِهِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِالْحَادِثِ الَّذِي وَقَعَ وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ
وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ مِنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ فَثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ بَعْثَتِهِ بَلْ إِثْبَاتُ أَوَّلِيَّةِ إِرْسَالِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِتَنْصِيصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي عِدَّةِ آيَاتٍ عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ نُوحٍ كَانَ إِلَى قَوْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ (وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
(بَاب فِي سَهْمِ الْخَيْلِ)
[1554] قَوْلُهُ (قَسَّمَ فِي النَّفَلِ) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّفَلُ بِالتَّحْرِيكِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهُ أَنْفَالٌ (وَلِلرَّجُلِ بِسَهْمٍ) الْمُرَادُ مِنَ الرَّجُلِ صَاحِبُ الْفَرَسِ وَالْمَعْنَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَفِي لَفْظٍ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ(5/136)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ وبن عباس وبن أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا حَدِيثُ مُجَمِّعٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ قُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ مِائَةِ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّ حديث بن عُمَرَ أَصَحُّ قَالَ وَأَتَى الْوَهْمُ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُ مِائَةِ فَارِسٍ وَإِنَّمَا كانوا مائتي فارس
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ بخيبر سهمين سهمين
وأما حديث بن أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنَا فَرَسٌ فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ مِنَّا سَهْمًا وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَاسْمُ هَذَا الصَّحَابِيِّ عَمْرُو بْنُ مُحْسِنٍ كذا في المنتقى
قوله (وحديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ (قَالُوا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة عن أبي أسامة وبن نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ
وَأَجَابَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِهِ الْمُخْتَصِّ به وقد رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فقال للفرس
وكذلك أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لَهُ عَنِ بن أَبِي شَيْبَةَ وَكَأَنَّ الرَّمَادِيَّ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى
وَقَدْ أخرجه أحمد عن أبي أسامة وبن نُمَيْرٍ مَعًا بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَعَلَى هَذَا التأويل(5/137)
أَيْضًا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مِثْلَ رِوَايَةِ الرَّمَادِيِّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ نُعَيْمٍ عَنِ بن الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ
وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بحديث مجمع بْنِ جَارِيَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَفِيهِ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا
وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا وَالْأَسَانِيدُ الْأُولَى أَثْبَتُ وَمَعَ رُوَاتِهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ سَهْمًا فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِقَرَابَتِهِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِدَلَائِلَ أُخْرَى لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ قَادِحٍ لِلِاسْتِدْلَالِ
(باب مَا جَاءَ فِي السَّرَايَا)
جَمْعُ السَّرِيَّةِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرِيَّةُ هِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَ مِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا السَّرَايَا سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السَّرِيِّ النَّفِيسِ
[1555] قَوْلُهُ (خَيْرُ الصَّحَابَةِ) بِالْفَتْحِ جَمْعُ صَاحِبٍ وَلَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالَةٍ غَيْرَ هَذَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَرْبَعَةٌ) أَيْ مَا زَادَ عَنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْمُسَافِرُ لَا يَخْلُو عَنْ رَحْلٍ يَحْتَاجُ إِلَى حِفْظِهِ وَعَنْ حَاجَةٍ يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً لَكَانَ الْمُتَرَدِّدُ وَاحِدًا فَيَبْقَى بِلَا رَفِيقٍ فَلَا يَخْلُو عَنْ خَطَرٍ وَضِيقِ قَلْبٍ لِفَقْدِ الْأَنِيسِ وَلَوْ تَرَدَّدَ اثْنَانِ كَانَ الْحَافِظُ وَحْدَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي الرُّفَقَاءَ إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَمَرِضَ أَحَدُهُمْ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ رَفِيقَيْهِ وَصِيَّ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ بِإِمْضَائِهِ إِلَّا وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً كَفَى شَهَادَةُ اثْنَيْنِ
وَلِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ يَكُونُ مُعَاوَنَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَتَمَّ وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أيضا(5/138)
أَكْثَرُ فَخَمْسَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِمَّنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمْ لَا مِمَّنْ فَوْقَهُمْ (وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَا يُغْلَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا (اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) قَالَ الطِّيبِيُّ جَمِيعُ قَرَائِنِ الْحَدِيثِ دَائِرَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ وَاثْنَا عَشَرَ ضِعْفَا أَرْبَعٍ وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِذَلِكَ إِلَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَاشْتِدَادِ ظَهْرَانَيْهِمْ تَشْبِيهًا بِأَرْكَانِ الْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ مِنْ قِلَّةٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ صَارُوا مَغْلُوبِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِلَّةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ سِوَاهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونُوا قَلِيلِينَ وَالْأَعْدَاءُ مِمَّا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى كُلُّ أَحَدٍ فَعَنْ هَذِهِ الْأَثْلَاثِ جَيْشٌ قُوبِلَ بِالْمَيْمَنَةِ أَوِ الْمَيْسَرَةِ أَوِ الْقَلْبِ فَلْيَكْفِهَا وَلِأَنَّ الْجَيْشَ الْكَثِيرَ الْمُقَاتِلَ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُقَاتِلُونَ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ وَإِنَّمَا غُلِبُوا مِنْ إِعْجَابٍ مِنْهُمْ قَالَ تَعَالَى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذَا أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عنكم شيئا) وَكَانَ عَشْرَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَلْفَانِ مِنْ مُسْمِلِي فَتْحِ مَكَّةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَاقْتَصَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ ثُمَّ زَايٍ أَبُو عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ
(باب مَنْ يُعْطَى الْفَيْءَ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَيْءُ هُوَ مَا حصل المسلمين مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ كَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ لَهُمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِمُ انْتَهَى(5/139)
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَيْءِ هُنَا مَالُ الْغَنِيمَةِ
[1556] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ غَيْرُ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (أَنَّ نَجْدَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ (الْحَرُورِيَّ) نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةِ حَرُورَاءَ بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ رَاءٍ أُولَى مُخَفَّفَةٍ وَكَسْرِ ثَانِيَةٍ وَبَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْكُوفَةِ وَنَجْدَةُ هَذَا هُوَ بن عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ الْخَارِجِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُقَالُ لَهُمِ النَّجَدَانُ مُحَرَّكَةً
قَوْلُهُ (يُحْذَيْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحَذْوِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُعْطَيْنَ قَالَ في القاموس الحذوة بالكسر العطية (وأما يسهم بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْإِسْهَامِ) وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ إِذَا حَضَرَتِ الْقِتَالَ مَعَ الرِّجَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُنَّ بَلْ يُعْطَيْنَ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأُمِّ عَطِيَّةَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ يُسْهَمُ لَهُنَّ قَالَ وَأَحْسِبُهُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ حَشْرَجٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَ سِتِّ نِسْوَةٍ فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِيهِ الْغَضَبَ فَقَالَ مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله خرجنا نغزل الشعر ونعين فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ قَالَ قُمْنَ فَانْصَرِفْنَ حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ(5/140)
خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ قَالَ فَقُلْتُ لَهَا يَا جَدَّةُ وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَالَتْ تَمْرًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ حَشْرَجٌ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ انْتَهَى
(قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ إِلَخْ) هَذَا مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ (يَقُولُ يُرْضَخُ لَهُنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرَّضْخِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَضَخَ لَهُ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ
(باب هَلْ يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ)
[1557] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ خَيْبَرَ (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَى يَأْبَى قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَ حَرَّمَ اللَّحْمَ عَلَى نَفْسِهِ فَسُمِّيَ آبِي اللَّحْمِ (مَعَ سَادَتِي) جَمْعُ سَيِّدٍ (فَكَلَّمُوا فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَكَلَّمُوا فِيَّ أَيْ كَلَّمُوا فِي حَقِّي وَشَأْنِي أَوَّلًا بِمَا هُوَ مَدْحٌ لِي ثُمَّ أَتْبَعُوهُ بِقَوْلِهِمْ إِنِّي مَمْلُوكٌ انْتَهَى (فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقْلِيدِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ أَمَرَنِي أَنْ أَحْمِلَ السِّلَاحَ وَأَكُونَ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَتَعَلَّمَ الْمُحَارَبَةَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ أَيْ أَجُرُّ السَّيْفَ عَلَى الأرض من قصر قامتي لصغر سني (فأمرني بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَهُوَ سَقَطُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَثَاثُ الْبَيْتِ قَالَ(5/141)
فِي الْقَامُوسِ الْخُرْثِيُّ بِالضَّمِّ أَثَاثُ الْبَيْتِ أَوْ أَرْدَأُ الْمَتَاعِ وَالْغَنَائِمِ (وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا) أَيْ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ كَلِمَاتِهَا الَّتِي تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَإِبْقَاءِ بَعْضِهَا الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ كَلِمَاتٍ شِرْكِيَّةٍ وَعَمَّا مَنَعَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُسْهَمَ لِلْمَمْلُوكِ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ)
هَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ [1558] قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرِ) الْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْوَبَرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا مَوْضِعٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً وَنَجْدَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ شجاعة(5/142)
قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) أَيْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِطُولِهِ
فَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبْرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ تُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ جِئْتُ لِأَتْبَعَكَ فَأُصِيبُ مَعَكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ فَرَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ فَانْطَلِقْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا كَمَا عَرَفْتَ الْآنَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا يُسْهَمُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْعَدُوَّ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ (وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ) هَذَا مُرْسَلٌ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَمَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا شَهِدُوا الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالذِّمِّيِّينَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الرَّضْخِ وَهُوَ الْعَطِيَّةُ الْقَلِيلَةُ جَمْعًا بَيْنَ الأحاديث
وقد صرح حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِمَا يُرْشِدُ إِلَى هَذَا الْجَمْعِ فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ سَهْمٌ مَعْلُومٌ وَأَثْبَتَ الْحَذِيَّةَ وَهَكَذَا حَدِيثُهُ الْآخَرُ فإنه(5/143)
صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ دُونَ مَا يُصِيبُ الْجَيْشُ وَهَكَذَا حَدِيثُ عُمَيْرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَخَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَثَاثِ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ حَشْرَجٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَطِيَّةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهَكَذَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورِ مِنَ الْإِسْهَامِ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَمَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا مِنَ الْإِسْهَامِ لِلصِّبْيَانِ كَمَا لَمَّحَ إِلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ أَرَادَ بِالْمُصَنِّفِ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مُرْسَلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا لَفْظُهُ وَيُحْمَلُ الْإِسْهَامُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ عَلَى الرَّضْخِ انْتَهَى
[1559] قَوْلُهُ (قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا (فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ
قَالَ بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ لِكَوْنِهِمْ وَصَلُوا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي
قال بن بَطَّالٍ لَمْ يَقْسِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ إِلَّا فِي خَيْبَرَ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تُجْعَلْ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَسَمَ لِأَصْحَابِ السَّفِينَةِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ وَكَذَلِكَ أَعْطَى الْأَنْصَارَ عِوَضَ مَا كَانُوا أَعْطُوا الْمُهَاجِرِينَ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْهِمْ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ بِمَا أَعْطَى الْأَشْعَرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَالِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بإسناد صحيح وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وقال الصحيح موقوف وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ(5/144)
11 - (باب مَا جَاءَ فِي الِانْتِفَاعِ بِآنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ)
قوله (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ فَمُوَحَّدَةٌ (الْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَنُونٍ نِسْبَةً إِلَى خُشَيْنِ بْنِ نَمِرٍ فِي قُضَاعَةَ اسْمُهُ جُرْهُمٌ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا نَزَلَ بِالشَّامِ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ
[1560] قَوْلُهُ (عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ) أَيْ عَنِ الطَّبْخِ فِيهَا وَالْقُدُورُ جَمْعُ الْقِدْرِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ (اُنْقُوهَا) مِنَ الْإِنْقَاءِ (غَسْلًا) تَمْيِيزٌ (وَاطْبُخُوا فِيهَا) أَيْ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ بِالْغَسْلِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ وَفِي لَفْظٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمُ الْحَدِيثَ انْتَهَى
وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ قَالَ لَا تَأْكُلُوا فيها إلا إن لا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَلْ هُوَ لِنَجَاسَةِ رُطُوبَتِهِمْ أَوْ لِجَوَازِ أَكْلِهِمُ الْخِنْزِيرَ وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ ذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْكُفَّارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نجس وَالْكِتَابِيُّ يُسَمَّى مُشْرِكًا إِذْ قَدْ قَالُوا (الْمَسِيحُ بن الله) (وعزير بن اللَّهِ)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَتِهِمْ وَهُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قُلْنَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ غَنِيَّةٌ عَنْهُ فمنها ما(5/145)
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ يَهُودِيٌّ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا
قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ حُرِّمَتْ رُطُوبَتُهُمْ لَاسْتَفَاضَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ نَقْلُ تَوَقِّيهِمْ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالَاتِهِمُ الَّتِي لَا يَخْلُو مِنْهَا مَلْبُوسًا وَمَطْعُومًا وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَقْضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ
قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ إِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمْ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِكَوْنِهَا نَجِسَةً إِذْ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَجْعَلْهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وُجْدَانِ غَيْرِهَا إِذِ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ إِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى سَوَاءٍ وَلِسَدِّ ذَرِيعَةِ الْمُحَرَّمِ أَوْ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ لِمَا يُطْبَخُ فِيهَا لَا لِرُطُوبَتِهِمْ كَمَا تُفِيدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ
إِنَّا نُجَاوِرُ أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِآنِيَةٍ يُطْبَخُ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَيُشْرَبُ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّجَسُ لُغَةً الْمُسْتَقْذَرُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ذُو نَجَسٍ لِأَنَّ مَعَهُمُ الشِّرْكَ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَلَا يَتَجَنَّبُونَ النَّجَاسَاتِ فَهِيَ مُلَابِسَةٌ لَهُمْ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ آيَةِ الْمَائِدَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لِحُكْمِهَا وَآيَةُ الْمَائِدَةِ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى الْمَنْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الْكُفَّارِ حَتَّى تُغْسَلَ إِذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنَ النَّصَارَى بِمَوْضِعٍ مُتَظَاهِرًا فِيهِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ مُتَمَكِّنًا فِيهِ أَوْ يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِآنِيَةِ مَنْ سِوَاهُمْ جَمْعًا بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ غَسْلَ الْكُلِّ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّيْدِ (وَنَهَى عَنْ كُلِّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ
قَوْلُهُ (عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرًا وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَوَقَعَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّيْدِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَهُوَ الصَّوَابُ(5/146)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
2 - (بَابٌ فِي النَّفَلِ)
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ النَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ زِيَادَةٌ يُخَصُّ بِهَا بَعْضُ الْغُزَاةِ وَهُوَ أَيْضًا الْغَنِيمَةُ انْتَهَى
قُلْتُ الْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ
[1561] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ الْأَسْوَدُ الْحَبَشِيُّ ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ يُنَفِّلُ) مِنَ التَّنْفِيلِ (فِي الْبَدْأَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ (الرُّبُعَ) أَيْ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ (وَفِي الْقُفُولِ) أَيِ الرُّجُوعِ (الثُّلُثَ) أَيْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ إِذَا غَابَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ الرُّبُعَ وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلُّ النَّاسِ نَفَّلَ الثُّلُثَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَدْأَةُ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ وَإِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبُعُ وَيُشْرِكُهُمْ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَفَلُوا مِنَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَةً كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُثُ لِأَنَّ نُهُوضَهُمْ بَعْدَ الْقَفْلِ أَشَقُّ لِكَوْنِ الْعَدُوِّ عَلَى حَذَرٍ وَحَزْمٍ انْتَهَى
وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَنْفِيلَ الثُّلُثِ لِأَجْلِ مَا لَحِقَ الْجَيْشَ مِنَ الْكَلَالِ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْقِتَالِ لَا لِكَوْنِ الْعَدُوِّ قَدْ أَخَذَ حِذْرَهُ مِنْهُمْ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمَعْنِ بْنِ يَزِيدَ وبن عمر وسلمة بن الأكوع) أما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَفَلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ وَنَفَلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ(5/147)
وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا نَفَلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حديث عباده حديث حسن وأخرجه أحمد وبن ماجه وصححه بن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (تَنَفَّلَ سَيْفَهُ) أَيْ أَخَذَهُ زِيَادَةً عَنِ السَّهْمِ (ذَا الْفَقَارِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَامَّةُ يَكْسِرُونَهَا كَذَا فِي الْفَائِقِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ سَيْفِهِ (وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَالرُّؤْيَا الَّتِي رَأَى فِيهِ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّهُ هَزَّ ذَا الْفَقَارِ فَانْقَطَعَ مِنْ وَسَطِهِ ثُمَّ هَزَّهُ هَزَّةً أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ وَقِيلَ الرُّؤْيَا هِيَ مَا قَاتَلَ فِيهِ رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلَمًا فَأَوَّلْتُهُ هَزِيمَةً وَرَأَيْتُ كَأَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (فَقَالَ يُخْرِجُ الْخُمُسَ ثُمَّ يُنَفِّلُ مِمَّا بَقِيَ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ(5/148)
أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنَ الْخُمُسِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمُسَ عَلَى أَقْوَالٍ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ
3 - (باب مَا جَاءَ فِي مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ)
قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ) اسْمُهُ نَافِعٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَافِعُ بْنُ عَبَّاسٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ أَوْ تَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَقْرَعُ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِلُزُومِهِ وَكَانَ مَوْلَى عَقِيلَةَ الْعَقَارِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
[1562] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا أَيْ لِمَنْ قَتَلَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَتْلِ الْقَتِيلِ (فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ قَتَلَ (سَلَبُهُ) بِالتَّحْرِيكِ هُوَ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ
قَوْلُهُ (وَفِي الحديث قصة) رواها الشيخان في صحيحهما
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَنَسٍ وَسَمُرَةَ)
أَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَفِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى وَعَنْ عَوْفٍ وَخَالِدٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(5/149)
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَمْ لَا
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ السَّلَبِ الْخُمُسَ) رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ أَوْ يُخَمِّسَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ قَالَهُ فِي النَّيْلِ (وَقَالَ الثَّوْرِيُّ النَّفَلُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ)
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ إِلَّا إِنْ شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ (وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الْخُمُسَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَخْمِيسِ السَّلَبِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأن لله خمسه) الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدٍ الْمَذْكُورِ وَجَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْآيَةِ
4 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى يقسم)
[1563] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ) أَيْ عن بيعها واشترائها حتى تقسم
قال القارىء قَالَ الْقَاضِي الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ عَدَمُ الْمِلْكِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَعِنْدَ مَنْ يَرَى الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمُقْتَضِي لَهُ الْجَهْلُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ في المغنم أجناس مختلفة انتهى
وتبعه بن الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ
قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَحَدٌ مِنْ(5/150)
الْمُجَاهِدِينَ نَصِيبَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ وَالْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ لَا يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لينظر من أخرجه
قوله (وهذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بن إبراهيم الباهلي البصري قال أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَعَلَّهُ بن أَبِي الْقُمُوسِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ
5 - (باب مَا جَاءَ في كراهية وطىء الحبالى من السبايا)
الْحَبَالَى بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ الْحُبْلَى وَالسَّبَايَا جَمْعُ سَبِيَّةٍ
[1564] قَوْلُهُ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (نَهَى أَنْ تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا حتى تستبرىء بِحَيْضَةٍ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْبِكْرِ وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ على العدة فإنها تجب مع العلم براءة الرَّحِمِ
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَعْلَمْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَأَمَّا مَنْ عَلِمَتْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّهَا
وَقَدْ روى عبد الرزاق عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ عَذْرَاءَ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا إِنْ شَاءَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ مُؤَيِّدَاتٍ لِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَحَيْثُ تُعْلَمُ الْبَرَاءَةُ لَا يَجِبُ وَحَيْثُ لَا يُعْلَمُ وَلَا يظن يجب(5/151)
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تيمية وبن الْقَيِّمِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ الْجَلَالُ وَالْمُقْبِلِيُّ وَالْمَغْرِبِيُّ وَالْأَمِيرُ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَعْقُولَةٌ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ مَئِنَّةٌ كَالْحَمْلِ وَلَا مَظِنَّةٌ كَالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ تَعَبُّدِيٌّ وَأَنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَكَذَا فِي حَقِّ الْبِكْرِ وَالْآيِسَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رُوَيْفِعٍ) بِالتَّصْغِيرِ
وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَفِي لَفْظٍ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحْنَ ثَيِّبًا مِنَ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ
رَوَاهُ أَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عِرْبَاضٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تستبرىء بِحَيْضَةٍ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ
قَوْلُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْكُوفِيُّ سَكَنَ الشَّامَ رَوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ وَخَلْقٌ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَلِيُّ بْنُ يُونُسَ قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عِيسَى بن يونس
6 - (باب ما جاء في فِي طَعَامِ الْمُشْرِكِينَ)
[1565] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ طَعَامِ(5/152)
النَّصَارَى) وَفِي رِوَايَةٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (لَا يَتَخَلَّجْنَ فِي صَدْرِك طَعَامٌ) وَفِي رِوَايَةٍ شَيْءٌ مَكَانَ طَعَامٍ وَيَتَخَلَّجْنَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ لَا يَدْخُلَنَّ قَلْبَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ نَظِيفٌ وَبِالْمُعْجَمَةِ لَا يَتَحَرَّكَنَّ الشَّكُّ فِي قَلْبِكَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَصْلُ الِاخْتِلَاجِ الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ (ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ) أَيْ شَابَهْتَ لِأَجْلِهِ أَهْلَ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُهُمْ إِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلُ النَّهْيِ
وَالْمَعْنَى لَا تَتَحَرَّجْ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَإِنَّهُ مِنْ دَأْبِ النَّصَارَى وَتَرْهِيبِهِمْ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْمُوجِبِ أَيْ لَا يَدْخُلَنَّ فِي قَلْبِكَ ضِيقٌ وَحَرَجٌ لِأَنَّكَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ فَإِنَّكَ إِذَا شَدَّدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمِثْلِ هَذَا شَابَهْتَ فِيهِ الرَّهْبَانِيَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ وَعَادَتُهُمْ قَالَ تَعَالَى (وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم) الْآيَةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (قال محمود) هو بن غَيْلَانَ (عَنْ مُرِّيٍّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ المكسورة (قَطَرِيٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مري بلفظ النسب بن قَطَرِيٍّ بِفَتْحَتَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفًا الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ من الثالثة انتهى قلت ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ سِمَاكٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ) قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ لَفْظَ طَعَامِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(5/153)
17 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّبْيِ)
[1566] قَوْلُهُ (أخبرني حيي) بضم أوله ويائين من تحت الأولى مفتوحة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا) أَيْ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ (فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَمَةٍ وَوَلَدِهَا بِنَحْوِ بَيْعٍ حَرَامٌ قَبْلَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ وَتُعُقِّبَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ
8 - (باب مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى وَالْفِدَاءِ)
[1567] قَوْلُهُ (هَبَطَ عَلَيْهِ) أَيْ نَزَلَ عَلَيْهِ
(فَقَالَ) أَيْ جِبْرِيلُ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خيرهم) بصيغة(5/154)
الْأَمْرِ مِنَ التَّخْيِيرِ (يَعْنِي أَصْحَابَكَ) أَيْ يُرِيدُ بِالضَّمِيرِ أَصْحَابَكَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مِنْ عَلِيٍّ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّوَاةِ
وَالْمَعْنَى قُلْ لَهُمْ أَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ (الْقَتْلَ أو الفداء) بالنصب فِيهِمَا أَيْ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ أَوِ الْفِدَاءَ
وَالْمَعْنَى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى وَلَا يَلْحَقُكُمْ ضَرَرٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ
(عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَابِلٌ) كَذَا وَقَعَ فِي بعض النسخ وفي بعضها قابل بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (مِثْلَهُمْ) يَعْنِي بِعَدَدِ مَنْ يُطْلَقُونَ مِنْهُمْ يَكُونُ الظَّفْرُ لِلْكُفَّارِ فِيهَا وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ (قَالُوا) أَيِ الصَّحَابَةُ (الْفِدَاءَ) أَيِ اخْتَرْنَا الْفِدَاءَ (وَيُقْتَلَ مِنَّا) بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ عَلَى الْفِدَاءِ أَيْ وَأَنْ يُقْتَلَ مِنَّا في العام المقبل مثلهم قال القارىء وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا أي اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِثْلُ مَا افْتَدَى الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ
قَالَ تَعَالَى (أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنفسكم) وَإِنَّمَا اخْتَارُوا ذَلِكَ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي إِسْلَامِ أُسَارَى بَدْرٍ وَفِي نَيْلِهِمْ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَشَفَقَةً مِنْهُمْ عَلَى الْأُسَارَى بِمَكَانِ قَرَابَتِهِمْ مِنْهُمْ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَلِمَا صَحَّ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَمْرِ أُسَارَى بَدْرٍ أَنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ كَانَ رَأْيًا رَأَوْهُ فَعُوتِبُوا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ تَخْيِيرٌ بِوَحْيٍ سَمَاوِيٍّ لَمْ تَتَوَجَّهِ الْمُعَاتَبَةُ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الله تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) إِلَى قَوْلِهِ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وَأَظْهَرَ لَهُمْ شَأْنَ الْعَاقِبَةِ بِقَتْلِ سَبْعِينَ مِنْهُمْ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى (أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا)
وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا التَّأْوِيلُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَعَلَّ عَلِيًّا ذَكَرَ هُبُوطَ جِبْرِيلَ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَانِهَا فَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ
وَمِمَّا جَرَّأَنَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ والسمع قد يخطيء وَالنِّسْيَانُ كَثِيرًا يَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ ثُمَّ إِنَّ الحديث يروى عَنْهُ مُتَّصِلًا وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مُرْسَلًا فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْقَوْلَ لِظَاهِرِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْحَدِيثِ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالِامْتِحَانِ وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ امْتَحَنَ اللَّهُ تَعَالَى أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) الْآيَتَيْنِ وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنما نحن فتنة) وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ وَجَعَلَ الْمِحْنَةَ فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْعَامِلُ تَعَلُّمَ السِّحْرِ فَيَكْفُرَ وَيُؤْمِنَ بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بَيْنَ(5/155)
أَمْرَيْنِ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَأَنْزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ هَلْ هُمْ يَخْتَارُونَ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ أَعْدَائِهِ أَمْ يُؤْثِرُونَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدَاءِ فَلَمَّا اخْتَارُوا الثَّانِيَ عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)
قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ وَمَدْخُولٌ فَإِنَّهُ إِذَا صَحَّ التَّخْيِيرُ لم يجز العتاب والتعبير فَضْلًا عَنِ التَّعْذِيبِ وَالتَّعْزِيرِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ من تَخْيِيرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ لَوِ اخْتَرْنَ الدُّنْيَا لَعُذِّبْنَ فِي الْعُقْبَى وَلَا فِي الْأُولَى وَغَايَتُهُ أَنَّهُنَّ يُحْرَمْنَ مِنْ مُصَاحَبَةِ الْمُصْطَفَى لِفَسَادِ اخْتِيَارِهِنَّ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى
وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْمَلَكَيْنِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيمِ السِّحْرِ فَنَعَمِ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ وَابْتِلَاءٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ لِأَحَدٍ وَلِهَذَا قال المفسرون في قوله تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) إِنَّهُ أَمْرُ تَهْدِيدٍ لَا تَخْيِيرٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْ يُؤْثِرُونَ الْأَعْرَاضَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدْيَةِ فَلَمَّا اخْتَارُوهُ عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) الْآيَةَ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ الْجَسِيمَةِ فَإِنَّهُمْ مَا اخْتَارُوا الْفِدْيَةَ لَا لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَلِلشَّفَقَةِ عَلَى الرَّحِمِ وَلِرَجَاءِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَوْ فِي أَصْلَابِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْهُمِ اجْتِهَادًا وَافَقَ رَأْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَايَتُهُ أَنَّ اجْتِهَادَ عُمَرَ وَقَعَ أَصْوَبَ عِنْدَهُ تَعَالَى فَيَكُونُ مِنْ مُوَافَقَاتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُسَاعِدُنَا مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُعَضِّدُهُ سَبَبُ النُّزُولِ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى يَا بن الْخَطَّابِ قُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُ فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ يَا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي وَصَاحِبُكَ فَقَالَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الاية انتهى
قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ أَوَّلًا كَانَ بِالْإِطْلَاقِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهُ بِالتَّقْيِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فأخرجه البخاري(5/156)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُشْعِرُ بِالطَّعْنِ فِيهِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَكُونُ صحيحا انتهى
قال القارىء وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا فَيَصْلُحُ لِلطَّعْنِ فِي الْجُمْلَةِ انتهى
قلت الأمر كان قَالَ الطِّيبِيُّ
[1568] قَوْلُهُ (أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَبِالرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بالكوفة (اسمه عمر بن سعد) بن عبيد ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ
(فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا
قَوْلُهُ (وَعَمُّ أَبِي قِلَابَةَ هُوَ أَبُو الْمُهَلَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبِاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ (وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ)
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَذْهَبُ(5/157)
الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْأُسَارَى الْكَفَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى الْإِمَامِ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَحَظُّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ أَصْلًا
وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ لَا تُقْتَلُ الْأَسْرَى بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ
وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِغَيْرِ فِدَاءٍ
وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ أَصْلًا لَا بِفِدَاءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِمَّا منا بعد وإما فداء حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِكَرَاهَةِ فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لولا كتاب من الله سبق الْآيَةَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ حِلِّ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنِ بن عَبَّاسٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَاضِيَانِ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنُّ وَأَخْذُ الْفِدَاءِ وَوَقَعَ مِنْهُ الْقَتْلُ فَإِنَّهُ قَتَلَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ مُعَيْطٍ وَغَيْرَهُمَا وَوَقَعَ مِنْهُ فِدَاءُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ فَكِّ الْأَسِيرِ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْأَسِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ)
[1569] قَوْلُهُ (وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) قَالَ بن الْهُمَامِ مَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ قَتْلِ النساء(5/158)
وَالصِّبْيَانِ إِجْمَاعٌ
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الشَّامِ وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الشُّيُوخَ الْحَدِيثَ قَالَ لَكِنْ يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالشُّيُوخِ وَالرُّهْبَانِ إِلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إِذَا قَاتَلُوا بَعْدَ الْأَسْرِ وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ الْمَلِكُ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ فِي بَعْضِ كلام بن الْهُمَامِ هَذَا تَأَمُّلٌ فَتَأَمَّلْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بريدة ورباح ويقال رباح بن الربيع) قال الحافظ في الفتح رباح بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ أنه بالموحدة (والأسود بن سريع وبن عَبَّاسٍ وَالصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ رَبَاحٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ فأخرجه أحمد
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ حَتَّى لَوْ تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ وَجَعَلُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ وَلَا تَحْرِيقُهُمْ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فَقَالُوا إِذَا قَاتَلَتِ الْمَرْأَةُ جَازَ قَتْلُهَا وَقَالَ بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ إِلَى قَتْلِهَا إِذَا قَاتَلَتْ إِلَّا إِنْ بَاشَرَتِ الْقَتْلَ أَوْ قَصَدَتْ إِلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ هَذِهِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ غَنِمْتُهَا فأردفتها خلفي فما رَأَتِ الْهَزِيمَةَ فِينَا أَهْوَتْ إِلَى قَائِمِ سَيْفِي لتقتلني فقتلتها(5/159)
فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ حجاج بن أرطأة وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الأنصاري
ونقل بن بَطَّالٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَمَّا النِّسَاءُ فَلِضَعْفِهِنَّ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ فَلِقُصُورِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ وَلِمَا فِي اسْتِبْقَائِهِمْ جَمِيعًا مِنَ الِانْتِفَاعِ إِمَّا بِالرِّقِّ أَوِ الْفِدَاءِ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى بِهِ انْتَهَى (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيَاتِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْغَارَةُ بِاللَّيْلِ (وَقَتْلِ النِّسَاءِ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْكُفَّارِ (وَالْوِلْدَانِ) عُطِفَ على النساء (وهو قول أحمد إسحاق رَخَّصَا فِي الْبَيَاتِ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ فِي الْبَيَاتِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ انْتَهَى
[1570] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ اللَّيْثِيُّ صَحَابِيٌّ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ
قَوْلُهُ (هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُمْ مِنْهُمْ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ فِي الْحِكَمِ تِلْكَ الْحَالَةُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبَاحَةَ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ بَلِ الْمُرَادُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْآبَاءِ إِلَّا بِوَطْءِ الذُّرِّيَّةِ فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ جَازَ قَتْلُهُمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُطْلَقًا انْتَهَى
قَالَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ إلى بن أَبِي الْحُقَيْقِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ مُرْسَلًا كَأَبِي دَاوُدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصعب انتهى(5/160)
20 - باب [1571] قَوْلُهُ (فِي بَعْثٍ) أَيْ فِي جَيْشٍ (وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ) هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي التحريق فكره ذلك عمر وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي سَبَبِ كُفْرٍ أَوْ فِي حَالِ مُقَاتَلَةٍ أَوْ فِي قِصَاصٍ وَأَجَازَهُ عَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُمَا
قَالَ الْمُهَلَّبُ لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّحْرِيمِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ بِالْحَدِيدِ وَقَدْ أَحْرَقَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّارِ فِي حَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَحَرَّقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَكَذَلِكَ حَرَّقَ عَلِيٌّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وأبو داود
1 - (باب ما جاء في الغلول)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ الْغُلُولُ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْغُزَاةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ مُخْتَصًّا بِهِ وَلَا يُحْضِرُهُ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ لِيَقْسِمَهُ بَيْنَ الْغُزَاةِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْآخِذُ أَمِيرَ الْجَيْشِ أَوْ أَحَدَهُمْ(5/161)
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّعَامِ وَالْعُلُوفَةِ وَنَحْوِهِمَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا انْتَهَى
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْغُلُولُ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَكُلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ خُفْيَةً فَقَدْ غَلَّ وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهَا مَغْلُولَةٌ أَيْ مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غُلٌّ وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ يَدَ الْأَسِيرِ إِلَى عُنُقِهِ ويقال لها جامعة أيضا انتهى
[1572] قَوْلُهُ (وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْكِبْرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ (وَالدَّيْنِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وسكون التحتانية (دَخَلَ الْجَنَّةَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَيْسَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ
اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ هَذَا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شرطهما
[1573] قوله (عن سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ) أَيْ مَنْ فَارَقَ رُوحُهُ جَسَدَهُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التَّرْغِيبِ (الْكَنْزِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالزَّايِ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْكَنْزُ لُغَةً الْمَالُ الْمَدْفُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الْوَاجِبُ لَمْ يَبْقَ كَنْزًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مَكْنُوزًا لُغَةً وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ كُلُّ مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ (هَكَذَا قَالَ سَعِيدٌ الْكَنْزِ) يَعْنِي بِالْكَافِ وَالنُّونِ وَالزَّايِ (وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ فِي حَدِيثِهِ الْكِبْرَ) يَعْنِي بِالْكَافِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ(5/162)
(وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَصَحُّ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الْكَنْزُ مُقَيَّدٌ بِالزَّايِ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ بِالرَّاءِ
[1574] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سِمَاكٌ أَبُو زُمَيْلٍ) بِضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا وَسِمَاكٌ بِكَسْرِ أوله وتخفيف الميم وهو بن الْوَلِيدِ الْيَمَامِيُّ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِنَّ فُلَانًا قَدِ اسْتُشْهِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارَ شَهِيدًا (قَالَ كَلَّا) زَجْرٌ وَرَدٌّ لِقَوْلِهِمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ إِنَّهُ شَهِيدٌ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ بَلْ هُوَ فِي النَّارِ بِسَبَبِ غُلُولِهِ (بِعَبَاءَةٍ) الْعَبَاءُ وَالْعَبَاءَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْأَكْسِيَةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَبَاءُ كِسَاءٌ كَالْعَبَاءَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ على تحريم الغلول من غير فرق بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِأَنَّ الْغَالَّ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالشَّيْءُ الَّذِي غَلَّهُ مَعَهُ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ)
[1575] قَوْلُهُ (يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى) وَفِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ نَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وبن مَاجَهْ قَالَتْ غَزَوْتُ مَعَ(5/163)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الزَّمْنَى
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ
وَالْجِهَادُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ
قَالَ بن بَطَّالٍ دَلَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ
مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ليس لهن أن يتطوعن بِالْجِهَادِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُغَايَرَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُنَّ مِنَ السَّتْرِ وَمُجَانَبَةِ الرِّجَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ لَهُنَّ مِنَ الْجِهَادِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ)
قَوْلُهُ (عَنْ ثُوَيْرٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مُصَغَّرًا
[1576] قوله (إن كسرى) بكسر الفاء وَفَتْحِهَا لَقَبُ مُلُوكِ الْفُرْسِ (فَقَبِلَ مِنْهُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عنه رواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْهُ قَالَ أَهْدَى النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارُورَةً مِنْ غَالِيَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عُمِلَ لَهُ الْغَالِيَةُ
قَالَ الْعَيْنِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي هَدَايَا الْمُلُوكِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَالنَّجَاشِيُّ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَدِيثِ فِي(5/164)
الْبَابِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْدَاهُ لَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّجَاشِيِّ نَجَاشِيٌّ آخَرُ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ لَمْ يَسْلَمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمُ الْحَدِيثَ
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ فَكَسَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةً مِنْ سُنْدُسٍ
ولأنس حديث آخر رواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَشَّقَةً مِنْ سُنْدُسٍ فَلَبِسَهَا أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ وَضَعَّفَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ الْمُمَشَّقَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ هُوَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَغْرَةُ وَلِأَنَسٍ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عِمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ نَاقَةً فَقَبِلَهَا
وَعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ حَدِيثًا مُطَوَّلًا وَفِيهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاةِ الْأَرْبَعِ فَقُلْتُ بَلَى
فَقَالَ إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ فَاقْضِ دَيْنَكَ
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ كَانَ مُحَمَّدٌ أَحَبَّ رَجُلٍ فِي النَّاسِ إِلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا تَنَبَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ شَهِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ الْمَوْسِمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ تُبَاعُ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا لِيُهْدِيَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً فَأَبَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُهُ قَالَ إِنَّا لَا نَقْبَلُ شَيْئًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْنَاهَا بِالثَّمَنِ فَأَعْطَيْتُهُ حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةِ
انْتَهَى مَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَأَوْرَدَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ ثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ وهو ضعيف قوله (وثوير هو بن أَبِي فَاخِتَةَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ (اِسْمُهُ) أَيِ اسْمُ أَبِي فَاخِتَةَ (سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
4 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ)
[1577] قَوْلُهُ (عَنْ عِيَاضِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ (بْنِ حِمَارٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ التَّمِيمِيِّ الْمُجَاشِعِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَعَاشَ إِلَى حُدُودِ الْخَمْسِينَ(5/165)
قَوْلُهُ (إِنِّي نُهِيتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي آخِرِهِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ الرِّفْدُ وَالْعَطَاءُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ الَّذِي يعدي مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَهْدَى لَهُ
فَقَالَ إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ الْمُشْرِكِينَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ
قَوْلُهُ (واحتمل أن يكون هذا بعد ما كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ ثُمَّ نَهَى عَنْ هَدَايَاهُمْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَمَعَ الطَّبَرِيُّ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِيمَا أُهْدِيَ لَهُ خَاصَّةً وَالْقَبُولَ فِيمَا أُهْدِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجَوَازِ مَا وَقَعَتِ الْهَدِيَّةُ فِيهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً
وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ بِهَدِيَّتِهِ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْقَبُولَ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى بِذَلِكَ تَأْنِيسُهُ وَتَأْلِيفُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْقَبُولُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ فَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا التَّخْصِيصِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِهَدَايَا ضِبَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى(5/166)
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَصْلَ هُوَ عَدَمُ جَوَازِ قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ لَكِنْ إِذَا كَانَتْ فِي قَبُولِ هَدَايَاهُمْ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ خَاصَّةٌ فَيَجُوزُ قَبُولُهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ)
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ) قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ يَهِمُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ صَدُوقٌ (عن أبي بكرة) صحابي اسمه نقيع بْنُ الْحَارِثِ
[1578] قَوْلُهُ (فَسُرَّ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَصَارَ مَسْرُورًا بِهِ (فَخَرَّ) مِنَ الْخَرُورِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ وغيره وقال بن مَعِينٍ إِنَّهُ صَالِحُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ يَهِمُ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَالَ البيهقي في الباب عن جابر وبن عُمَر وَأَنَسٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى
قُلْت وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينِ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ فِي الْخَوَارِجِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشُّكْرِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ سُجُودِ الشُّكْرِ مَا لَفْظُهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ تَوَاتُرِ النِّعَمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ وَإِنْكَارُ وُرُودِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِثْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مَعَ وُرُودِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا(5/167)
الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا مِنَ الْغَرَائِبِ
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ سُجُودِ الشُّكْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَجْدَةِ ص هِيَ لَنَا شُكْرٌ وَلِدَاوُدَ تَوْبَةٌ
6 - (باب مَا جَاءَ فِي أَمَانِ المرأة والعبد)
[1579] قَوْلُهُ (إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ) أَيْ تَأْخُذُ الْأَمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ جَازَ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الْأَمَانَ لِلْقَوْمِ (يَعْنِي تُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) يُقَالُ أَجَرْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ أَغَثْتُهُ مِنْهُ وَمَنَعْتُهُ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِإِبْهَامِهِ فَإِنَّ مَفْعُولَ قَوْلِهِ لَتَأْخُذُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْأَمَانُ وَالدَّالُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ)
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَسَكَتَ عَنْهُ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الرَّاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ مَدَنِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) بِكَسْرِ نُونٍ وَبِهَمْزَةٍ اسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ عَاتِكَةُ وَقِيلَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ أَسْلَمَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ (أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي) جَمْعُ حَمْوٍ قَرِيبُ الزَّوْجِ (قَدْ أَمَّنَّا) أَيْ أَعْطَيْنَا الْأَمَانَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا(5/168)
27 - (باب مَا جَاءَ فِي الْغَدْرِ)
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ) اسْمُهُ مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ وَيُقَالُ بن أَبِي أَيُّوبَ الْمُهْرِيُّ الْحِمْصِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُصَغَّرًا الْكَلَاعِيُّ وَيُقَالُ الْخَبَائِرِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ غَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[1580] قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ) أَيْ إِلَى وَقْتٍ مَعْهُودٍ (وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ) أَنَّهُ يَذْهَبُ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعَهْدِ لِيَقْرُبَ مِنْ بِلَادِهِمْ حِينَ انْقَضَى الْعَهْدُ (حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ) أَيْ زَمَانُهُ (وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ) فِيهِ اخْتِصَارٌ وَحَذْفٌ لِضِيقِ الْمَقَامِ أَيْ لِيَكُنْ مِنْكُمْ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ يَعْنِي بَعِيدٌ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتِكَابُ الْغَدْرِ وَلِلِاسْتِبْعَادِ صَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ (وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ أَسْلَمَ قَدِيمًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قِيلَ كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ عِدَادُهُ فِي الشَّامِيِّينَ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا كَرِهَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا هَادَنَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي وَطَنِهِ فَقَدْ صَارَتْ مُدَّةُ مَسِيرِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَالْمَشْرُوطِ مَعَ الْمُدَّةِ فِي أَنْ لَا يَغْزُوَهُمْ فِيهَا فَإِذَا صَارَ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْهُدْنَةِ كَانَ إِيقَاعُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَقَّعُونَهُ فَعَدَّ ذَلِكَ عَمْرٌو غَدْرًا(5/169)
وَأَمَّا إِنْ نَقَضَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِأَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُمْ (فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ دَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ (فَلَا يَحِلَّنَّ عَهْدًا) أَيْ عَقْدَ عَهْدٍ (وَلَا يَشُدَّنَّهُ) أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ عَنْ عَدَمِ التَّغْيِيرِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَهْدِ وَالتَّأْكِيدِ
وَالْمَعْنَى لَا يغيرن عهدا ولا ينقضه بِوَجْهٍ (حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَنْقَضِيَ غَايَتُهُ (أَوْ يَنْبِذَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ يَرْمِيَ عَهْدَهُمْ (إِلَيْهِمْ) بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْدَ عَلَى تَقْدِيرِ خَوْفِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمْ (عَلَى سَوَاءٍ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمُهُ مُسَاوِيًا مَعَهُ فِي النَّقْضِ كَيْلَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَى سَوَاءِ حَالٍ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَأَنَّ الصُّلْحَ قَدِ ارْتَفَعَ فَيَكُونُ الْفَرِيقَانِ فِي عِلْمِ ذَلِكَ سَوَاءً
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
8 - (باب مَا جَاءَ أَنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
[1581] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ) أَبُو نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بَنِي هِلَالٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَقَالَ الْقَطَّانُ ذَهَبَ كِتَابُهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَتُكُلِّمَ فِيهِ لِذَلِكَ مِنَ السَّابِعَةِ (إِنَّ الْغَادِرَ) الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ أَيِ الْخَائِنُ لِإِنْسَانٍ عَاهَدَهُ أَوْ أَمَّنَهُ (لِوَاءٌ) أَيْ عَلَمٌ خَلْفَهُ تَشْهِيرًا لَهُ بالغدر وتفضيحا على رؤوس الْأَشْهَادِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسٍ) أما حديث(5/170)
علي وبن مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
9 - (باب مَا جَاءَ فِي النُّزُولِ عَلَى الْحُكْمِ)
أَيْ نُزُولِ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[1582] قَوْلُهُ (رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ) أَيْ يَوْمَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ (سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) نَائِبُ الْفَاعِلِ (فَقَطَعُوا) أَيِ الْكُفَّارُ (أَكْحَلَهُ) أَيْ أَكْحَلَ سَعْدٍ وَالْأَكْحَلُ عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ يكثر فصده (أو) للشك (أبحلة) الأبحل بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الذِّرَاعِ (فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ) أَيْ قَطَعَ الدَّمَ عَنْهُ بِالْكَيِّ (فَنَزَفَهُ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتَّى ضَعُفَ (فَحَسَمَهُ أُخْرَى) أَيْ مَرَّةً أُخْرَى (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ) أَيْ فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ عَدَمَ قَطْعِ الدَّمِ (اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي) مِنَ الْإِخْرَاجِ (حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي) مِنَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ مِنَ الْقُرِّ بِمَعْنَى الْبَرْدِ
وَالْمَعْنَى لَا تُمِيتُنِي حَتَّى تَجْعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي مِنْ هَلَاكِ بَنِي قُرَيْظَةَ (فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْتَحْيَى نِسَاؤُهُمْ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ (يَسْتَعِينُ بِهِنَّ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ تُقَسَّمُ نِسَاؤُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَعِينُونَ بِهِنَّ وَيَسْتَخْدِمُونَ مِنْهُنَّ (وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ) اخْتُلِفَ فِي عِدَّتِهِمْ فعند بن إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّمِائَةٍ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بن معاذ وعند بن عَائِذٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ(5/171)
كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَيُجْمَعُ أَنَّ الْبَاقِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا
وَقَدْ حكى بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ (اِنْفَتَقَ عِرْقُهُ) أَيِ انْفَتَحَ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نُزُولُ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَلْزَمُهُمْ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ وَاسْتِرْقَاقٍ
وَقَدْ ذَكَرَ بن إِسْحَاقَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ جَلَسُوا فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي الْبَيْتَيْنِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عند بن عَائِذٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي بَيْتَيْنِ
قَالَ بن إِسْحَاقَ فَخَنْدَقُوا لَهُمْ خَنَادِقَ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ فَجَرَى الدَّمُ فِي الْخَنْدَقِ وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَسْهَمَ لِلْخَيْلِ فَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ وقعت فيه السهمان لها وعند بن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ حُمَيْدِ بْنِ بِلَالٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ دُورُهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ فَلَامَهُ الْأَنْصَارُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَغْنُوا عَنْ دُورِكُمْ(5/172)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وأَمَّا حَدِيثُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ
[1583] قَوْلُهُ (اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ) أَيِ الرِّجَالَ الْأَقْوِيَاءَ أَهْلَ النَّجْدَةِ وَالْبَأْسِ لَا الْهَرْمَى الَّذِينَ لَا قُوَّةَ لَهُمْ وَلَا رَأْيَ (وَاسْتَحْيُوا) وَفِي رِوَايَةٍ وَاسْتَبْقُوا (شَرْخَهُمْ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيِ الْمُرَاهِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ فَيَحْرُمُ قَتْلُ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ انْتَهَى
(وَالشَّرْخُ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يُنْبِتُوا) مِنَ الْإِنْبَاتِ أَيْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُ عَانَتِهِمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
[1584] قَوْلُهُ (عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُشَالَةٌ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ حَدِيثٌ يُقَالُ سَكَنَ الْكُوفَةَ (قَالَ عُرِضْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ قَالَ كُنْتُ فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ عُرِضْنَا إِلَخْ (يَوْمَ قُرَيْظَةَ) يَعْنِي يَوْمَ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ (فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ) أَيِ الشَّعْرَ (قُتِلَ) فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ فَيَكُونُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ (فَخَلَّى سَبِيلَهُ) أَيْ لَمْ يُقْتَلْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْبَاتَ بُلُوغًا إِنْ لَمْ يُعْرَفِ احْتِلَامُهُ وَلَا سِنُّهُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الْإِنْبَاتُ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ إِذْ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الِاحْتِلَامِ أَوْ مَبْلَغِ سِنِّهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَحَدَّثُوا بِالصِّدْقِ إِذْ رَأَوْا فِيهِ الْهَلَاكَ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ حَدِّ بُلُوغِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
0 - (باب مَا جَاءَ فِي الْحِلْفِ)
بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ
[1585] قَوْلُهُ (أَوْفُوا) مِنَ الْوَفَاءِ وَهُوَ الْقِيَامُ بِمُقْتَضَى الْعَهْدِ (بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيِ الْعُهُودِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لقوله تعالى أوفوا بالعقود لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والعدوان (فَإِنَّهُ) أَيِ الْإِسْلَامَ (لَا يَزِيدُهُ) أَيْ حِلْفُ الجاهلية(5/173)
الَّذِي لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْإِسْلَامِ (إِلَّا شِدَّةً) أَيْ شدة توثق فيلزمكم الوفاء به
قال القارىء فَإِنَّ الْإِسْلَامَ أَقْوَى مِنَ الْحِلْفِ فَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِالْعَاصِمِ الْقَوِيِّ اسْتَغْنَى عَنِ الْعَاصِمِ الضَّعِيفِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الْحِلْفِ الْمُعَاقَدَةُ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّسَاعُدِ وَالِاتِّفَاقِ فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ فَذَلِكَ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَنَحْوِهِمَا فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً (وَلَا تُحْدِثُوا) مِنَ الْإِحْدَاثِ أَيْ لَا تَبْتَدِعُوا (حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ لَا تُحْدِثُوا فِيهِ مُحَالَفَةً بِأَنْ يَرِثَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فإنه لا عبرة به انتهى
وقال القارىء أَيْ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي وُجُوبِ التَّعَاوُنِ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّنْكِيرُ فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ أَيْ لَا تُحْدِثُوا حِلْفًا مَا والاخر أن يكون للنوع قال القارىء الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُظْهِرِ يَعْنِي إِنْ كُنْتُمْ حَلَفْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يُعِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَيَرِثَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا أَسْلَمْتُمْ فَأَوْفُوا بِهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُحَرِّضُكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَلَكِنْ لَا تُحْدِثُوا مُحَالَفَةً فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَرِثَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً
وَأَمَّا أَحَادِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
1 - (باب أخذ الجزية من المجوسي)
الْجِزْيَةُ مِنْ جَزَّأْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَسَّمْتُهُ ثُمَّ سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ وَقِيلَ مِنَ الْجَزَاءِ أَيْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ تَرْكِهِمْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنَ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَاضُعٍ عَلَيْهِ فِي عِصْمَةِ دَمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يد وهم صاغرون أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأَصْلُ في مشروعية(5/174)
الْجِزْيَةِ وَدَلَّ مَنْطُوقُ الْآيَةِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَفْهُومُهَا أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثَبَتَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَعَلَى الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَلْفَيْتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوا وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ أَخْذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مَفْهُومِ الْآيَةِ فَلَمَّا انْتَفَى تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجُوسَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ ثُمَّ رُفِعَ
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ حَدِيثًا عَنْ عَلِيٍّ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[1586] قَوْلُهُ (عَنْ بَجَالَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ (بْنِ عَبْدَةَ) التَّمِيمِيِّ مَكِّيٌّ ثِقَةٌ وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ (قَالَ كُنْت كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِهَمْزَةٍ هُوَ تَمِيمِيٌّ تَابِعِيٌّ كَانَ وَالِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْأَهْوَازِ (عَلَى مَنَاذِرَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ مَوْضِعٍ (اُنْظُرْ مَجُوسَ مَنْ قِبَلَكَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) بِفَتْحِ هَاءٍ وَجِيمٍ قَاعِدَةُ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قَالَ الطِّيبِيُّ اسْمُ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ يَلِي الْبَحْرِينِ وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى التَّذْكِيرِ وَالصَّرْفِ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ هَجَرُ مُحَرَّكَةٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَثْرَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَيُمْنَعُ وَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ وَقَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا الْقِلَالُ وَتُنْسَبُ إِلَى هَجَرَ الْيَمَنِ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ بِالسُّنَّةِ كَمَا أُخِذَتْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَقِيلَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ كان المجوس أهل كتاب يقرأونه وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمُ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ إِنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ فَأُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا تُؤْخَذُ مِنْ مَجُوسِ الْعَجَمِ دُونَ مَجُوسِ الْعَرَبِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ يُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ جَمِيعِ كُفَّارِ الْعَجَمِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ(5/175)
إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ
وَعَنْ مَالِكٍ تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا مَنِ ارْتَدَّ وَبِهِ قال الأوزاعي وفقهاء الشام انتهى
وقال القارىء فِي شَرْحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْآتِي فِي بَابِ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ مَا لَفْظُهُ وَالْحَدِيثُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَجُوسِهِمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ أَعْرَابًا كَانُوا أَوْ أَعَاجِمَ وَيَحْتَجُّ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَبِحَدِيثِ سُنُّوا بِهِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يُطْلَقُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ تَخْصِيصُهُ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ فِي بَعْضِهَا اخْتِصَارٌ وَفِي بَعْضِهَا طُولٌ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
2 - (باب ما جاء مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ)
[1589] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِنَّمَا نَمُرُّ بِقَوْمٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أو من المسلمين (فلاهم يُضَيِّفُونَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَكَانَ أَصْلُهُ يُضَيِّفُونَنَا(5/176)
مِنَ الْإِضَافَةِ (إِنْ أَبَوْا) أَيْ إِنِ امْتَنَعُوا مِنَ الْإِضَافَةِ وَأَدَاءِ مَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ (إِلَّا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ جَبْرًا (فَخُذُوا) أَيْ كَرْهًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَأَرْزَاقُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ أَكْثَرُهُمْ إِنَّهُ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ جَائِزَتَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ الْحَدِيثَ قَالُوا والجائزة تفضل لا واجب
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ هُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا شَرَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بِزَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ أَوْ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يقم ها هنا دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحُكْمِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضِّيَافَةِ بَعْدَ شِرْعَتِهَا قَدْ صَارَتْ لَازِمَةً لِلْمُضِيفِ لِكُلِّ نَازِلٍ عَلَيْهِ فَلِلنَّازِلِ الْمُطَالَبَةُ بِهَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا كَالْمُطَالَبَةِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ بِإِهْمَالِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ مُكَافَأَةٌ بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) انْتَهَى
قُلْتُ كَمَا أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَخْصِيصِهِ بِزَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفٌ كَذَلِكَ تَأْوِيلَاتُهُ الْأُخْرَى الَّتِي تَأَوَّلُوهُ بِهَا ضَعِيفَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ حَمَلَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ وَثَانِيهَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً فَلَمَّا أُشِيعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الَّذِي ادعاه المؤول لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى
قُلْتُ التَّأْوِيلُ الثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا أَبْعَدَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ انْتَهَى
وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ أَلَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُفَسَّرُ قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ فَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ(5/177)
33 - (باب مَا جَاءَ فِي الْهِجْرَةِ)
[1590] قَوْلُهُ (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَتِ الْهِجْرَةُ فَرْضًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ وَحَاجَتِهِمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَقَطَ فَرْضُ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَقِيَ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ أَوْ نَزَلَ بِهِ عَدُوٌّ انْتَهَى
وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِيَسْلَمَ مِنْ أَذَى ذَوِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فيها الْآيَةَ وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ بَاقِيَةُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مشرك عملا بعد ما أَسْلَمَ وَيُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ
وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى دِينِهِ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ انْقَطَعَتْ إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ وَالنِّيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) قَالَ النَّوَوِيُّ يُرِيدُ أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَإِذَا أَمَرَكُمُ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ(5/178)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ) وَأَمَّا حَدِيثُ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ
(وَهَذَا حَدِيثٌ حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا بن مَاجَهْ
4 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
[1591] قَوْلُهُ (إِذْ يُبَايِعُونَك) أَيْ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا وَلَا يسفروا (تحت الشجرة) كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ سَمُرَةً (بَايَعْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ)
وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الْآتِي قَالَ قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وبن عُمَرَ وَعُبَادَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ(5/179)
قَوْلُهُ (قَالَ عَلَى الْمَوْتِ) أَيْ بَايَعْنَا عَلَى الْمَوْتِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَايَعَةِ عَلَى الْمَوْتِ أَنْ لَا يَفِرُّوا وَلَوْ مَاتُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقَعَ الْمَوْتُ فَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُنَافَاةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ (فَيَقُولُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا) أَيْ حَدِيثُ جَابِرٍ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَمَعْنَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ) أَيْ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثَيْنِ حَدِيثُ جابر وحديث سلمة بن الأكوع(5/180)
35 - (باب فِي نَكْثِ الْبَيْعَةِ)
أَيْ نَقْضِهَا وَالنَّكْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ
[1595] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَى لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تَكْلِيمُ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ بِإِظْهَارِ الرِّضَا بَلْ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى السُّخْطِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمْ وَقِيلَ لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا يَسُرُّهُمْ وَقِيلَ لَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ بِالتَّحِيَّةِ وَمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يُعْرِضُ عَنْهُمْ وَمَعْنَى نَظَرِهِ لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهُ لَهُمْ وَلُطْفُهُ بِهِمْ
وَمَعْنَى لَا يُزَكِّيهِمْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَقِيلَ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمِ انْتَهَى
(رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا) زاد في رواية البخاري
لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا (فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَّى لَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَّى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفِ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ رَضِيَ وَإِلَّا سَخِطَ
اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الِاثْنَيْنِ اخْتِصَارًا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هَكَذَا ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يزكهم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بالطريق يمنع منه بن السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وإلا لم يف له ورجل بايع رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطِ بِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
6 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ الْعَبْدِ)
[1596] قَوْلُهُ (فَجَاءَ سَيِّدُهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فجاء سيده يريده قوله (فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) قَالَ(5/181)
النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُسْلِمًا وَلِهَذَا بَاعَهُ بِالْعَبْدَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ لِلْعَبْدِ الَّذِي بَايَعَ عَلَى الْهِجْرَةِ إِمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا بِتَصْدِيقِ الْعَبْدِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ
وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِيمَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا بِيعَ نَقْدًا وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَوْ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ جَوَازُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ مَذْهَبٌ لِغَيْرِهِمُ انْتَهَى (وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِيهِ أَنَّ أَحَدًا إِذَا جَاءَ الْإِمَامَ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ فَلَا يُبَايِعْهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا يُبَايِعْهُ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ) أَيْ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ كَوْنِهِ غَرِيبًا
7 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ)
قَوْلُهُ (سَمِعَ أُمَيْمَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ (بِنْتَ رُقَيْقَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُ أَبِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَجَادٍ التَّيْمِيُّ لَهَا حَدِيثَانِ وَهِيَ غَيْرُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ الثَّقَفِيَّةِ تَابِعِيَّةٌ
[1597] قَوْلُهُ (وَأَطَقْتُنَّ) مِنَ الْإِطَاقَةِ (قَالَ سُفْيَانُ تَعْنِي صَافَحْنَا) أَيْ قال سفيان في تفسير قوله(5/182)
أُمَيْمَةَ بَايَعْنَا تُرِيدُ بِهِ صَافَحْنَا يَعْنِي أَطْلَقَتْ لَفْظَ بَايَعْنَا وَأَرَادَتْ بِهِ صَافَحْنَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَوْلِي إِلَخْ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِسْوَةٍ تُبَايِعُ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَك نُصَافِحْكَ فَقَالَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَلَكِنْ سَآخُذُ عَلَيْكُنَّ فَأَخَذَ عَلَيْنَا حَتَّى بَلَغَ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ فِيمَا أَطَقْتُنَّ وَاسْتَطَعْتُنَّ إِلَخْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ كَلَامًا فَقَطْ لَا مُصَافَحَةً بِالْيَدِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمُصَافَحَةِ الرِّجَالِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ بِقَوْلِهَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ إِلَخْ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ عطية فعند بن خزيمة وبن حبان والبزار والطبري وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايَعَةِ قَالَ فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ اشْهَدْ وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَتْ فِيهِ قَبَضَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ يَدَهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يُبَايِعْنَهُ بِأَيْدِيهِنَّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَدَّ الْأَيْدِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مُصَافَحَةٌ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْيَدِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَتِ الْمُبَايَعَةُ تَقَعُ بِحَائِلٍ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ أَتَى بِبُرْدٍ قَطَرِيٍّ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ
وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا نَحْوُهُ وَعِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ كَذَلِكَ
وَأَخْرَجَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْهُ عَنْ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِوَاسِطَةِ عُمَرَ وَقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارٍ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ
أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ فَيَغْمِسْنَ أَيْدِيَهُنَّ فِيهِ
انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ بَيْعَةُ الرِّجَالِ بِالْمُصَافَحَةِ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعَكَ فبسط يمينه الحديث قال القارىء فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيِ افْتَحْ يَمِينَكَ ومدها لأضع(5/183)
يَمِينِي عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعَةِ انْتَهَى
وَفِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى عِنْدَ اللِّقَاءِ أَيْضًا
وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدَيْنِ عند اللقاء أو عند البيعة فلم تَثْبُتْ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ
وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمَقَالَةِ الْحُسْنَى فِي سُنِّيَّةِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ)
أَيِ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ
[1598] قَوْلُهُ (كَعِدَّةِ أصحاب طالوت) هو بن قَيْسٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ شَقِيقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ سَقَّاءً وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ دَبَّاغًا وَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِ طَالُوتَ الذين جاوزا مَعَهُ النَّهَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ طَالُوتَ وَجَالُوتَ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ
وَذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَرِ نَهَرُ الْأُرْدُنِّ وَأَنَّ جَالُوتَ كَانَ رَأْسَ الْجَبَّارِينَ وَأَنَّ طَالُوتَ وَعَدَ مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَيُقَاسِمَهُ الْمُلْكَ فَقَتَلَهُ دَاوُدُ فَوَفَّى لَهُ طَالُوتُ وَعَظُمَ قَدْرُ دَاوُدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ بِالْمَمْلَكَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِيَّةُ طَالُوتَ تَغَيَّرَتْ لِدَاوُدَ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَابَ وَانْخَلَعَ مِنَ الْمُلْكِ
وَخَرَجَ مُجَاهِدًا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ شُهَدَاءَ
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ مُطَوَّلَةً فِي الْمُبْتَدَأِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثَلَاثَ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ) كَذَا وَقَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ الْحَافِظُ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ بَدْرٍ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عشر وكذلك أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبِيدَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّلَمَانِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي(5/184)
انْتَهَى
وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَكَانَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ جَمْعًا حَسَنًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
9 - (بَاب مَا جاء فِي الْخُمُسِ)
بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِ الْخُمُسِ كَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وللرسول الْآيَةَ وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ فَيُعْزَلُ خُمُسٌ مِنْهَا يُصْرَفُ فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَكَانَ خُمُسُ هَذَا الْخُمُسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَنْهُ يُرَدُّ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمْ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ إِلَّا السَّلَبَ فَإِنَّهُ لِلْقَاتِلِ عَلَى الرَّاجِحِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
[1599] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ(5/185)
40 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النُّهْبَةِ)
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ النَّهْبَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ الْمَالُ الْمَنْهُوبُ
قَوْلُهُ (عَنْ عَبَايَةَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ (بْنُ رِفَاعَةَ) بكسر الراء بن خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
[1600] قَوْلُهُ (فَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ سَرَعَانُ النَّاسِ هُوَ بِفَتْحَتَيْنِ أَوَائِلُهُمُ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ إِلَى الْمَشْيِ وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ يَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءِ (فَاطَّبَخُوا) هُوَ افْتَعَلُوا مِنَ الطَّبْخِ وَهُوَ عَامٌّ لِمَنْ يَطْبُخُ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَالِاطِّبَاخُ خَاصٌّ لِنَفْسِهِ (فِي أُخْرَى النَّاسِ) أَيْ فِي الطَّائِفَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُمْ (فَأُكْفِئَتْ بِصِيغَةِ) الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِكْفَاءِ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيقَ مَا فِيهَا لِأَنَّهُمْ ذَبَحُوا الْغَنَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا سَبَبُ الْإِرَاقَةِ وَالثَّانِي هَلْ أُتْلِفَ اللَّحْمُ أَمْ لَا
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ عِيَاضٌ كَانُوا انْتَهَوْا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إِلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا هُوَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يَأْخُذُوهَا بِاعْتِدَالٍ وَعَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ صُحْبَةٌ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي بِهَا إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسِهِ فَأَكْفَأ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرْمِلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ انْتَهَى
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ كَمَا عُومِلَ الْقَاتِلُ بِمَنْعِ الْمِيرَاثِ
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ إِرَاقَةِ الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافُ الْمَرَقِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا اللَّحْمُ فَلَمْ يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى الْمَغْنَمِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذَا مِنْ مَالِ الْغَانِمِينَ وَأَيْضًا فَالْجِنَايَةُ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ مِنْ جَمِيعِ مُسْتَحِقِّي الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ(5/186)
مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَطْبُخْ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُمُسِ
فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ إِلَى الْمَغْنَمِ قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ انْتَهَى
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَتَرْكُ تَسْمِيَةِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَلَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَتْرِيبِ اللَّحْمِ إِتْلَافُهُ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِالْغَسْلِ لِأَنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ زَجْرٍ لِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ نَزْرٌ يَسِيرٌ فَكَانَ إِفْسَادُهَا عَلَيْهِمْ مَعَ تَعَلُّقِ قُلُوبِهِمْ بِهَا وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا وَشَهْوَتِهِمْ لَهَا أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَةَ الْغَنَمِ إِذْ ذَاكَ فَلَعَلَّ الْإِبِلَ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ نَفِيسَةً
وَالْغَنَمُ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ هَزِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَعِيرِ عَشْرَ شِيَاهٍ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ فِي الْأَضَاحِيِّ
مِنْ أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ الْمُعْتَدِلَيْنِ
وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَةُ فَكَانَتْ وَاقِعَةَ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ وَالْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى النَّاقَةِ والبقرة
وأما حديث بن عَبَّاسٍ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ وَفِي الْبَدَنَةِ عَشَرَةٌ فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
هَذَا وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَعِيرَ بِسَبْعَةٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ مِنْ نَفَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ (وَهَذَا أَصَحُّ) أخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ إِلَخْ)
لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ هؤلاء الصحابة(5/187)
[1601] قَوْلُهُ (مَنِ انْتَهَبَ) أَيْ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا جَهْرًا (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ مِنَ الْمُطِيعِينَ لِأَمْرِنَا لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا عُلِمَ رِضَاهُ حَرَامٌ بَلْ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ القارىء لَيْسَ مِنْ جَمَاعَتِنَا وَعَلَى طَرِيقَتِنَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ)
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى أَهْلِ الكتاب)
[1602] قوله (لا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) أَيْ وَلَوْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكُفَّارِ (بِالسَّلَامِ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ إِعْزَازٌ لِلْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إِعْزَازُهُمْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَوَادُدُهُمْ وَتَحَابُبُهُمْ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ) قَالَ تَعَالَى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِذْلَالِهِمْ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سبحانه بقوله (وهم صاغرون)
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَاضْطَرُّوهُ) أَيْ أَلْجِئُوهُ (إِلَى أَضْيَقِهِ) أَيْ أَضْيَقِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ جِدَارٌ يَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ وَإِلَّا فَيَأْمُرُهُ لِيَعْدِلَ عَنْ وَسَطِ الطَّرِيقِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَلَا يَحْرُمُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ
وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ سَلَّمَتْ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ
وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَخَوْفٍ مِنْ مَفْسَدَةٍ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَبَانَ ذِمِّيًّا اسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي تَحْقِيرًا لَهُ
وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُتْرَكُ لِلذِّمِّيِّ صَدْرُ الطَّرِيقِ بَلْ يُضْطَرُّ إِلَى أَضْيَقِهِ وَلَكِنَّ التَّضْيِيقَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ خَلَتِ الطَّرِيقُ عَنِ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ انْتَهَى(5/188)
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ)
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
[1603] قَوْلُهُ (فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكَ) أَيِ الْمَوْتُ الْعَاجِلُ عَلَيْكَ (فَقُلْ عَلَيْكَ)
وَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ
قال القارىء فِي الْمِشْكَاةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَأَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَاوِ أَيْضًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
2 - (باب ما جاء فِي كَرَاهِيَةِ الْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)
[1604] قَوْلُهُ (فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ) أَيْ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْكُفَّارِ سَجَدُوا بِاعْتِمَادِ أَنَّ جَيْشَ الْإِسْلَامِ يَتْرُكُونَنَا عَنِ الْقَتْلِ حَيْثُ يَرَوْنَنَا سَاجِدِينَ
لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ(5/189)
(فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ (بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرٍ مَقْحَمٌ (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) مِنَ التَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرَاءَى الشَّيْءُ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتَهُ
وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحُذِفَتْ إِحْدَى التاءين تخفيفا
وإسناد التراءي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يَرَاهَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ
وَحَدِيثُ جَرِيرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أخرجه أيضا(5/190)
أبو داود وبن مَاجَهْ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا كَذَا فِي النَّيْلِ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ)
الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ
وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يزن إلى منقطع السموة فِي الْعَرْضِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا
وَمِنْ جُدَّةَ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسٍ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَا بِجَانِبَيْهَا وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ
وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ
وَفِي الْقَامُوسِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ
[1607] قَوْلُهُ (فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا) قَالَ النَّوَوِيُّ أَوْجَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِخْرَاجَ الْكَافِرِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحِجَازِ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ
وَقَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِخُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ
وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ
وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عامهم هذا وَفِي الْمَعَالِمِ أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ المسجد الحرام قال وجوز أهل الكوفة المعاهد دُخُولَ الْحَرَمِ انْتَهَى(5/191)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه
[1606] قَوْلُهُ (لَئِنْ عِشْتُ) أَيْ بَقِيتُ قَوْلُهُ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
4 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[1608] قَوْلُهُ (لَا نُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَصِحُّ الْكَسْرُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُمْ كَالْآبَاءِ لِلْأُمَّةِ فَمَالُهُمْ لِكُلِّهِمْ أَوْ لِئَلَّا يُظَنُّ بِهِمُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِوِرَاثَتِهِمْ
وَنِزَاعُ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِالْحَدِيثِ وَبَعْدَهُ رَجَعَا وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْحَقُّ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُغَيِّرِ الْأَمْرَ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَإِنْ قُلْتَ فَكَيْفَ نَازَعَا عُمَرَ قُلْتُ طَالَبَا فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا مُتَصَرِّفِينَ بِالشَّرِكَةِ وَكَرِهَ عُمَرُ الْقِسْمَةَ حَذَرًا مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (لَكِنْ أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ) عَالَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ يَعُولُهُمْ إِذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّ(5/192)
أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا تصحيح الترمذي إنما فيها تحيسنه فَقَطْ
وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تقتسم وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما
[1610] قَوْلُهُ (أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكُمْ رَافِعًا نِشْدَتِي صوتي (لا نورث) بالنون وهو تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ وَمَا تَرَكْنَا في موضع الرفع بالابتداء وسدقة خَبَرُهُ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ لَا نُورَثُ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَصَدَقَةً بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَمَا تَرَكْنَاهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى النِّيَابَةِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُورَثُ الَّذِي تَرَكْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ صَدَقَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَنَقَلَهُ الْحُفَّاظُ وَمَا ذَلِكَ بِأَوَّلِ تَحْرِيفٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النِّحْلَةِ وَيُوَضِّحُ بُطْلَانَهُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَقَوْلُهُ لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَقَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ (قَالُوا نَعَمْ) قَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ أَصْلَ الْقِصَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا قَدْ عَلِمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَطْلُبَانِهِ مِنْ أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر فِي زَمَنِهِ بِحَيْثُ أَفَادَ عِنْدَهُمَا الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَكَيْف يَطْلُبَانِهِ بَعْد ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ(5/193)
وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا اعْتَقَدَا أَنَّ عُمُومَ لَا نُورَثُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يُخَلِّفُهُ دُونَ بَعْضٍ
وَلِذَلِكَ نَسَبَ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمَا كَمَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا مُخَاصَمَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَنَازَعَا فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَةِ وَفِي صَرْفِهَا كَيْفَ تُصْرَفُ كَذَا قَالَ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُقْسَّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جِئْتُمَانِ الْآنَ تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من بن أَخِي وَيَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نَصِيبِي مِنِ امْرَأَتِي وَاَللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ أَيْ إِلَّا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوِلَايَةِ
وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ نَحْوَهُ
وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَرَادَا أَنَّ عُمَرَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا لِيَنْفَرِدَ كُلٌّ منهما مَا يَتَوَلَّاهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْقِسْمَةِ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَفِيهِ مِنَ النَّظَر مَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ الطويلة
5 - (باب ما جاء قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح)
مكة الخ [1611] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَرْصَاءَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَرْصَاءِ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ تَأَخَّرَ إِلَى أَوَاخِرِ خِلَافَةِ معاوية (لا(5/194)
تُغْزَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذِهِ) أَيْ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ (بَعْدَ الْيَوْمِ) أَيْ بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفْرٍ يُغْزَى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَغْزُوهَا الْكُفَّارُ أَبَدًا إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ غَزَوْهَا مَرَّاتٍ غَزَوْهَا زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ وَزَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ وَبَعْدَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ غَزَاهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَقْصِدُوهَا وَلَا الْبَيْتَ
وَإِنَّمَا قَصَدُوا بن الزُّبَيْرِ مَعَ تَعْظِيمِ أَمْرِ مَكَّةَ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنْ رَمْيِهِ بِالنَّارِ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَالْحُرْقَةِ وَلَوْ رُوِيَ لَا تُغْزَ عَلَى النَّهْيِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَمُطِيعٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ بِهِ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِتَالُ)
[1612] قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالنُّونِ
قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى جَيْشِ نَهَاوَنْدَ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ فَتْحِهَا
قَوْلُهُ (فَكَانَ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ الْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَزَوْتُ مَعَ(5/195)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَمِلٌ مُجْمَلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مُفَصَّلًا (أَمْسَكَ) أَيْ عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ (فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أي وصلى (الْعَصْرِ) أَيْ إِلَى الْعَصْرِ (وَكَانَ يُقَالُ) أَيْ يَقُولُ الصَّحَابَةُ الْحِكْمَةُ فِي إِمْسَاكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ إِلَى الزَّوَالِ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَخْ (عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ ظَرْفٌ لقوله (تَهِيجُ) أَيْ تَجِيءُ (وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَوَاتِهِمْ) أَيْ فِي أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ بَعْدَ فَرَاغِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِالْقُنُوتِ عِنْدَ النَّوَازِلِ قَالَهُ القارىء
قَالَ الطِّيبِيُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِتَالَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِهَا فِيهَا اللَّهُمَّ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّ هَذَا الْوَقْتَ مُسْتَثْنًى مِنْهَا لِحُصُولِ النَّصْرِ فِيهَا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّك مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّ لِهَذَا السِّرِّ خُصَّ فِي الْحَدِيثِ هَذَا الْوَقْتُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ قَاتَلَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ قِتَالَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَانَ أَشَدَّ وَتَحَرِّيهِ فِيهِ أَكْمَلُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِإِسْنَادٍ أَوْصَلَ مِنْ هَذَا) يَعْنِي أَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورِ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكِ النُّعْمَانَ إِلَخْ وَذَكَرَ الْإِسْنَادَ الْمَوْصُولَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ إِلَخْ(5/196)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الطِّيَرَةِ)
بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ
[1614] قَوْلُهُ (الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الطِّيَرَةَ تَجْلِبُ لَهُمْ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا فَإِذَا عَمِلُوا بِمُوجِبِهَا فَكَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ وَيُسَمَّى شِرْكًا خَفِيًّا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْفَعُ أَوْ يضر بالاستقلال فَقَدْ أَشْرَكَ أَيْ شِرْكًا جَلِيًّا
وَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَمَّاهَا شِرْكًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مَا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ سَبَبًا مُؤَثِّرًا فِي حُصُولِ الْمَكْرُوهِ وَمُلَاحَظَةُ الْأَسْبَابِ فِي الْجُمْلَةِ شِرْكٌ خَفِيٌّ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا جَهَالَةٌ وَسُوءُ اعْتِقَادٍ (وَمَا مِنَّا) أَيْ أَحَدٍ (إِلَّا) أَيْ إِلَّا مَنْ يَخْطُرُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ مَا لِتَعَوُّدِ النُّفُوسِ بِهَا فَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى كَرَاهَةَ أَنْ يُتَفَوَّهَ بِهِ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ إِلَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْوَهْمُ مِنْ قِبَلِ الطِّيَرَةِ وَكَرِهَ أَنْ يُتِمَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْكَلَامِ يُكْتَفَى دُونَ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَضْرِبُ لِنَفْسِهِ مَثَلَ السُّوءِ (وَلَكِنَّ اللَّهَ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْجَلَالَةِ (يُذْهِبُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ يُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ الْمَكْرُوهَ (بِالتَّوَكُّلِ) أَيْ بِسَبَبِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَطْرَةَ لَيْسَ بِهَا عِبْرَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ غَفْلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ وَأَوْبَةٍ مِنْ حَوْبَةٍ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَّارَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
قَوْلُهُ (فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ فِي تَحْقِيقِ شَأْنِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يذهبه(5/197)
بِالتَّوَكُّلِ قَالَ) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَمَا مِنَّا إِلَخْ (عِنْدِي قَوْلُ بن مَسْعُودٍ) أَيْ فِي ظَنِّي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا الْمَرْفُوعُ قَوْلُهُ الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ فَقَطْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ رَوَاهُ جَمْعٌ كثير عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بِدُونِ الزِّيَادَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَعَائِشَةَ وبن عمر) أما حديث سعد وهو بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ حَابِسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ إِضْمَارٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَا مِنَّا إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي قُلُوبَ أُمَّتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِ كُلِّ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا لَفْظُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا مِنَّا إِلَخْ من كلام بن مَسْعُودٍ مُدْرَجٌ غَيْرُ مَرْفُوعٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا الْحَرْفَ وَيَقُولُ لَيْسَ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ قول بن مَسْعُودٍ
وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نَحْوَ هَذَا انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ
[1615] قَوْلُهُ (لَا عَدْوَى) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ إِنَّهُ الْفَسَادُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْعَدْوَى هُنَا مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ يُقَالُ أَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا مِنْ خَلْفِهِ أَوْ مِنْ غُرَّتِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي عِلَلٍ سَبْعٍ الْجُذَامِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَالْبَخَرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأْوِيلِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ وَقَالَ لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَا(5/198)
مَحَالَةَ فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ إِنْ شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ
وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْعَدْوَى لَا غَيْرُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ فَلْيَتَّقِهِ اتِّقَاءً مِنَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ
وَقَدْ رَدَّ الْفِرْقَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِمَا إِنَّمَا جَاءَ شَفَقًا عَلَى مُبَاشَرَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَتُصِيبُهُ عِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَاهَةٌ فِي إِبِلِهِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَدْوَى حَقٌّ
قُلْتُ وَقَدِ اخْتَارَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ يَعْنِي الْحَافِظَ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فِي شَرْحِ الشَّرْحِ وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَجْذُومِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُبَايَعَةِ مَعَ أَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ بَعِيدٌ مِنْ أَنْ يُورَدَ لِحَسْمِ مَادَّةِ ظَنِّ الْعَدْوَى كَلَامًا يَكُونُ مَادَّةً لِظَنِّهَا أَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّجَنُّبِ أَظْهَرُ مِنْ فَتْحِ مَادَّةِ ظَنِّ أَنَّ الْعَدْوَى لَهَا تَأْثِيرٌ بِالطَّبْعِ
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا دَلَالَةَ أَصْلًا عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى مُبَيَّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ وَأَرَى الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ثُمَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَعْطِيلِهَا بَلْ وَرَدَ بِإِثْبَاتِهَا وَالْعِبْرَةُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْقَرَائِنِ المنسوقة عَلَيْهَا فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا الشَّارِعَ يَجْمَعُ فِي النَّهْيِ بَيْنَ مَا هُوَ حَرَامٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعْنًى وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الْمُبَايِعِ قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ فِي حَدِيثِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الَّذِي أَخَذَ بِيَدِهِ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَيَّنَ بِالْأَوَّلِ التَّوَقِّي مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَبِالثَّانِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ فِي مُتَارَكَةِ الْأَسْبَابِ وَهُوَ حَالُهُ انْتَهَى
قال القارىء وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ انْتَهَى
قُلْتُ فِي كَوْنِ هَذَا الْجَمْعِ حَسَنًا نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ فَفِيهِ أَنَّ وُرُودَ الشَّرْعِ لِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ لِإِبْطَالِ بَعْضِهَا فَإِنَّ الْمُتَطَبِّبِينَ قَائِلُونَ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِنَفْيِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِثُبُوتِ الْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا عَدْوَى فَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(وَلَا طِيَرَةَ) نَفْيٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ كقوله تعالى (لا ريب فيه) (وَأُحِبُّ الْفَأْلَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ(5/199)
الْإِحْبَابِ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْفَأْلُ) وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا السُّؤَالُ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عُمُومِ الطِّيَرَةِ الشَّامِلِ لِلتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (قَالَ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ فَرْدٌ خَاصٌّ خَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ خَوَاصِّ الْأَنَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ (الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ) أَيِ الصَّالِحَةُ لِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا الْفَأْلُ الْحَسَنُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
[1616] قَوْلُهُ (كَانَ يُعْجِبُهُ) أَيْ يَسْتَحْسِنُهُ وَيَتَفَاءَلُ بِهِ (أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ) أَيْ وَاجِدُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ (يَا نَجِيحُ) أَيْ مَنْ قُضِيَتْ حَاجَتُهُ
8 - (بَاب مَا جَاءَ في وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
فِي الْقِتَالِ [1617] قَوْلُهُ (أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (بِتَقْوَى اللَّهِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ (وَمَنْ مَعَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَيْ وَفِي مَنْ مَعَهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) بَيَانٌ لِمَنْ (خَيْرًا) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِخَيْرٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَنْ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ وَمِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ أَوْصَى بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَى بِخَيْرٍ فِي مَنْ معه من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نَفْسِهِ وَالْخَيْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ(5/200)
يَشُدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا يَأْتِي وَيَذَرُ وَأَنْ يُسَهِّلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَرْفُقَ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا (وَقَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِهِ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَرْضَاتِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ (قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) جملة موضحة لا غزوا (وَلَا تَغُلُّوا) مِنَ الْغُلُولِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ لَا تَنْقُضُوا الْعَهْدَ وقيل لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الْإِسْلَامِ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ كَقَتَّلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ
وَفِي الْقَامُوسِ مَثَّلَ بِفُلَانٍ مُثْلَةً بِالضَّمِّ نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا
وَفِي الْفَائِقِ إِذَا سَوَّدْتَ وَجْهَهُ أَوْ قَطَعْتَ أَنْفَهُ وَنَحْوُهُ (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ طِفْلًا صَغِيرًا (فَإِذَا لَقِيتَ) الْخِطَابُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ خَاطَبَ أَوَّلًا عَامًّا فَدَخَلَ فِيهِ الْأَمِيرُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا ثُمَّ خَصَّ الْخِطَابَ بِهِ فَدَخَلُوا فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم) خَصَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّدَاءِ (أَوْ خِلَالٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْخِصَالُ وَالْخِلَالُ بِكَسْرِهِمَا جَمْعُ الْخَصْلَةِ وَالْخَلَّةُ بِفَتْحِهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (فَأَيَّتُهَا أَجَابُوكَ) أَيْ قَبِلُوهَا مِنْك (وَكُفَّ عَنْهُمْ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا أَيِ امْتَنَعَ عَنْهُمْ (اُدْعُهُمْ) أَيْ أَوَّلًا (وَالتَّحَوُّلِ) أَيْ الِانْتِقَالِ (مِنْ دَارِهِمْ) أَيْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ (إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْخَصْلَةِ الْأُولَى بَلْ قِيلَ إِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ (أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ) أَيِ التَّحَوُّلَ (فَإِنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ) أَيِ الثَّوَابَ وَاسْتِحْقَاقَ مَالِ الْفَيْءِ وَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حِينِ الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَمَرَهُمُ الْإِمَامُ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ كَافِيًا أَوْ لَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ إِلَى الْجِهَادِ إِنْ كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مَنْ بِهِ الْكِفَايَةُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ مِنَ الْغَزْوِ (وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا) أَيْ مِنْ دَارِهِمْ (كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ) أَيِ الَّذِينَ لَازَمُوا أَوْطَانَهُمْ فِي الْبَادِيَةِ لَا فِي دَارِ الْكُفْرِ (يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْرَابِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وغيرهما والقصاص والدية ونحوهما (إلا أن(5/201)
يُجَاهِدُوا) أَيْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِذَا حَاصَرْتَ حِصْنًا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَهْلَ حِصْنٍ (فَأَرَادُوكَ أَنْ تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه) أي عَهْدَهُمَا وَأَمَانَهُمَا (فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ) أَيْ لَا بِالِاجْتِمَاعِ وَلَا بِالِانْفِرَادِ (فَإِنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا) مِنَ الْإِخْفَارِ أَيْ تَنْقُضُوا (فَلَا تُنْزِلُوهُمْ) أَيْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقُضُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّهَا وَيَنْتَهِكُ حُرْمَتَهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ وَسَوَادُ الْجَيْشِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا بَلِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَنْ يَقُولُ إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أنك لَا تَأْمَنَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيَّ وَحْيٌ بِخِلَافِ مَا حَكَمْتَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ تَحْكِيمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ كل مجتهد مصيبا انتهى
قال القارىء وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِتَالُ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَزَادَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ فَإِنِ امْتَنَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ (فَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الجزية(5/202)
[1618] قَوْلُهُ (لَا يُغِيرُ) مِنَ الْإِغَارَةِ (إِلَّا عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ (فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ كَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَحْتَاطُ فِي الْإِغَارَةِ حَذَرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ فَيُغِيرُ عَلَيْهِ غَافِلًا عَنْهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ للسلطان قتالهم عليه انتهى
قال القارىء وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا انْتَهَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالدَّلِيلِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ عَنِ الْقِتَالِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَفِيهِ الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي أَمْرِ الدِّمَاءِ لِأَنَّهُ كَفَّ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَاسْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ) لَفْظُ ذَاتَ مُقْحَمٌ (فَقَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ) فِيهِ أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِ قَرْيَةٍ سُمِعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ (قَالَ خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ) هُوَ نَحْوُ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
قَوْلُهُ (قَالَ الْحَسَنُ) هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ (وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمُ الطَّيَالِسِيُّ رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم(5/203)
22 - (أبواب الجهاد)
(باب فَضْلِ الْجِهَادِ)
[1619] قَوْلُهُ (مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ) أَيْ أَيُّ عَمَلٍ يُسَاوِي الْجِهَادَ يَعْنِي فِي الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وبن حِبَّانَ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ نَهَارَهُ وَالْقَائِمِ لَيْلَهُ وَشُبِّهَ حَالُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ بِحَالِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ مَنْ لَا يَفْتُرُ سَاعَةً عَنِ الْعِبَادَةِ فَأَجْرُهُ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ لَا تَضِيعُ سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِهِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ لِحَدِيثِ إِنَّ الْمُجَاهِدَ لَتَسْتَنُّ فَرَسُهُ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٌ
وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله ولا يطأون مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّه لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمِ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانوا يعملون) (لَا يَفْتُرُ) مِنَ الْفُتُورِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ لَا يَسْأَمُ وَلَا يَمَلُّ (حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنْ جِهَادِهِ(5/204)
قوله (وفي الباب عن الشقاء وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أما حديث الشقاء فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ فِي بَابِ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ الْجِهَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1620] قَوْلُهُ (يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ أَنَسٌ أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن المجاهد في سبيل إِلَخْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ إِنْ أَرْجَعْتُهُ أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ رَوَاهُ النسائي (وهو علي ضامن) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِلَفْظِ ضَمَانٌ
وَفِي تَرْغِيبِ الْمُنْذِرِيِّ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ ضَامِنٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ قَوْلُهُ هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَيْ مَضْمُونٌ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ذُو ضَمَانٍ انْتَهَى (وَإِنْ رَجَعْتُهُ) أَيْ أَرْجَعْتُهُ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجَعَ يَرْجِعُ رُجُوعًا انْصَرَفَ وَالشَّيْءُ عَنِ الشَّيْءِ وَإِلَيْهِ رَجْعًا صَرَفَهُ وَرَدَّهُ كَأَرْجَعَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ انتهى(5/205)
قُلْتُ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِي وَإِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي فَهُوَ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي خرجه مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ إِلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُمْ تَكَفَّلَ اللَّهُ مِنْ جاهد فِي سَبِيلِهِ إِلَخْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَضَمَّنَ اللَّهُ وَتَكَفَّلَ اللَّهُ وَانْتَدَبَ اللَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمُحَصِّلُهُ تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأن لهم الجنة) وَذَلِكَ التَّحْقِيقُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ عَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَفَضُّلِهِ بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُمْ
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا)
[1621] قَوْلُهُ (أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (بْنَ عبيد) بالتصغير (كل ميت يختم) بصيغة الْمَجْهُولِ (عَلَى عَمَلِهِ) أَيْ لَا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابٌ جَدِيدٌ (فَإِنَّهُ يَنْمِي لَهُ عَمَلَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَزِيدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الْإِنْمَاءِ أَيْ يُزَادُ عَمَلُهُ بِأَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ لَحْظَةٍ أَجْرٌ جَدِيدٌ فَإِنَّهُ فَدَى نَفْسَهُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ إِحْيَاءُ الدِّينِ بِدَفْعِ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بِهَذَا امْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ اللَّهِ أَيْ قَهَرَ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ عَلَى مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ وَتَجَنُّبِ الْمَعْصِيَةِ وَجِهَادُهَا أَصْلُ كُلِّ جِهَادٍ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْهَا لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ الْعَدُوِّ الْخَارِجِ(5/206)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَابَطَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ كُلَّ خَنْدَقٍ كَسَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتْنُهُ غَرِيبٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ جملة المجاهد من جاهد نفسه وأخرجه بن حِبَّانَ مَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1622] قَوْلُهُ (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِذَا أُطْلِقَ ذِكْرُ سَبِيلِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِهَادُ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ سَبِيلُ اللَّهِ طَاعَةُ اللَّهِ فَالْمُرَادُ مَنْ صَامَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي طَاهِرٍ الذُّهْلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيِّ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَا مِنْ مُرَابِطٍ يُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله الحديث
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْعُرْفُ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ فإنحمل كَانَتِ الْفَضِيلَةُ لِاجْتِمَاعِ الْعِبَادَتَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ طَاعَتُهُ كَيْفَ كَانَتْ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَ فِي الْجِهَادِ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّائِمَ يَضْعُفُ عَنِ اللِّقَاءِ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْمَذْكُورَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْشَ ضَعْفًا وَلَا سِيَّمَا مَنِ اعْتَادَ بِهِ فَصَارَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَمَنْ لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ عَنِ الْجِهَادِ فَالصَّوْمُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ انْتَهَى (زَحْزَحَهُ اللَّهُ) أَيْ بَعَّدَهُ (سَبْعِينَ خَرِيفًا) قَالَ الْحَافِظُ الْخَرِيفُ زَمَانٌ مَعْلُومٌ مِنَ السَّنَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَامُ وَتَخْصِيصُ الْخَرِيفِ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْفُصُولِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ لِأَنَّ الْخَرِيفَ أَزْكَى الْفُصُولِ لِكَوْنِهِ يُجْنَى فِيهِ الثِّمَارُ
وَنَقَلَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الْخَرِيفَ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ دون غيره(5/207)
وَرَدَ بِأَنَّ الرَّبِيعَ كَذَلِكَ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَرَدَ ذِكْرُ السَّبْعِينَ لِإِرَادَةِ التَّكْثِيرِ كَثِيرًا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالُوا جَمِيعًا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِائَةَ عَامٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدٌ مِنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ (يَقُولُ سَبْعِينَ وَالْآخَرُ يَقُولُ أَرْبَعِينَ) مَنْ رَوَى بِسَبْعِينَ فَرِوَايَتُهُ مُوَافِقَةٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي إِسْنَادِهِ بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وَالتِّرْمِذِيُّ من رواية بن لهيعة وقال حديث غريب
ورواه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيِّ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ انْتَهَى (وَأَبُو الْأَسْوَدِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ الْمَدِينِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ يَتِيمٌ
عُرْوَةُ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
[1623] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَنِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ عَنِ النُّعْمَانِ (بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِفَتْحِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَشَدَّةِ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (إِلَّا بَاعَدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ) أَيْ صَوْمُهُ (النَّارَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ بَاعَدَ
وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي(5/208)
التَّرْغِيبِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا
[1624] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ) هُوَ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِدَلَّوَيْهِ (جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا) الْخَنْدَقُ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ حَفِيرٌ حَوْلَ أَسْوَارِ الْمُدُنِ مُعَرَّبُ كنده كَذَا فِي الْقَامُوسِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1625] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّكَيْنِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ الرَّبِيعِ) بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ الفزاري الكوفي وثقه بن مَعِينٍ (عَنْ يُسَيْرِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ عَمِيلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْفَزَارِيِّ وَيُقَالُ لَهُ أُسَيْرٌ أَيْضًا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ خُرَيْمِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (بْنِ فَاتِكٍ) بِالْفَاءِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ الْأَسَدِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بِالرَّقَّةِ (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً) أَيْ صَرَفَ نَفَقَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً (كُتِبَتْ له سبعمائة ضِعْفٍ) أَيْ مِثْلٍ وَهَذَا أَقَلُّ الْمَوْعُودِ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ
أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا نِهَايَةُ التَّضْعِيفِ وَرَدَ بِآيَةِ (والله يضاعف لمن يشاء) انتهى(5/209)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِفَرَسٍ يَجْعَلُ كُلَّ خَطْوٍ مِنْهُ أَقْصَى بَصَرِهِ فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ في كل يوم كلما أحصدوا عَادَ كَمَا كَانَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1626] قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ) الدِّمَشْقِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (قَالَ خِدْمَةُ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ الْآتِيَةِ مَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ خِدْمَةُ عَبْدٍ أَيْ هِبَةُ عَبْدٍ لِلْمُجَاهِدِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ عَارِيَّتُهُ لَهُ (أَوْ ظِلُّ فُسْطَاطٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُكْسَرُ خَيْمَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمُجَاهِدُ أَيْ نَصْبُ خَيْمَةٍ أَوْ خِبَاءٍ لِلْغُزَاةِ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ (أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَرْكُوبَةٌ يَعْنِي نَاقَةً أَوْ نَحْوَ فَرَسٍ بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا لِيَرْكَبَهَا إِعَارَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ هِبَةً
[1627] قَوْلُهُ (أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَبِالْإِضَافَةِ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي صَلُحَتْ لِطَرْقِ الْفَحْلِ وَأَقَلُّ سِنِّهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَعْضُ الرَّابِعَةِ وَهَذِهِ هِيَ الْحِقَّةُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطَى الْغَازِي خَادِمًا أَوْ نَاقَةً هَذِهِ صِفَتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ(5/210)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ غَرِيبٍ وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ ذِكْرِ لَفْظِ غَرِيبٍ
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ حَقَّهُ حَسَنٌ لَا صَحِيحٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مسنده
(باب ما جاء فيمن جَهَّزَ غَازِيًا)
تَجْهِيزُ الْغَازِي تَحْمِيلُهُ وَإِعْدَادُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي غَزْوِهِ
[1628] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ) اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْقَنَّادُ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (قَالَ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ هَيَّأَ أَسْبَابَ سَفَرِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ (فَقَدْ غَزَا) أَيْ حُكْمًا وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْغُزَاةِ (وَمَنْ خَلَفَ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ (غَازِيًا) أَيْ قَامَ مقام بَعْدَهُ وَصَارَ خَلَفًا لَهُ بِرِعَايَةِ أُمُورِهِ فِي أَهْلِهِ (فَقَدْ غَزَا) قَالَ الْقَاضِي يُقَالُ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ إِذَا قَامَ(5/211)
مَقَامَهُ فِي إِصْلَاحِ حَالِهِمْ وَمُحَافَظَةِ أَمْرِهِمْ أَيْ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْغَازِي وَنَابَ مَنَابَهُ فِي مُرَاعَاةِ أَهْلِهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ شَارَكَهُ فِي الثَّوَابِ لِأَنَّ فَرَاغَ الْغَازِي لَهُ وَاشْتِغَالَهُ بِهِ بِسَبَبِ قِيَامِهِ بِأَمْرِ عِيَالِهِ فَكَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فَقَدْ غَزَا قال بن حِبَّانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَغْزُ حَقِيقَةً ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ من أجره شيء ولابن ماجه وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوُهُ بِلَفْظِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ
وَأَفَادَتْ فَائِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ التَّجْهِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ
ثَانِيَتُهُمَا أنه يستوي معه في الأجر وماله يخبر إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْغَزْوَةُ انْتَهَى
فَإِنْ قلت ماوجه التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَقَالَ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ وَأَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ
قُلْتُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَفْظَةُ نِصْفٍ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مُقْحَمَةً أَيْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ وَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى زِيَادَتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي تَوْجِيهِهَا أَنَّهَا أُطْلِقَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجْمُوعِ الثَّوَابِ لِلْغَازِي وَالْخَالِفِ لَهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إِذَا انْقَسَمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وَغَيْرُهُمَا (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ(5/212)
الْمَجْهُولِ (مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بقوله حدثنا بن أَبِي عُمَرَ إِلَخْ
[1630] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِلَى قَوْلِهِ نَحْوَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إِلَخْ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) الْعَرْزَمِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الخامسة كذا في التقريب
(باب مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أَيْ بيان ماله مِنَ الْفَضْلِ
[1632] قَوْلُهُ (لَحِقَنِي عَبَايَةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَأَنَا مَاشٍ إِلَى الْجُمُعَةِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
اعْلَمْ أَنَّهُ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ مَعَ عَبَايَةَ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْمَشْيِ إِلَى الْجُمْعَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِعَبَايَةَ مَعَ أَبِي عَبْسٍ فَإِنْ كَانَ مَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا
كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ) أَيْ عَبَايَةُ (أَبْشِرْ) مِنَ الْإِبْشَارِ قَالَ فِي الصراح الابشار شاد شدن يُقَالُ بَشَّرْتُهُ بِمَوْلُودٍ فَأُبْشِرَ أَيْ سُرَّ وَيُقَالُ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) (فَإِنَّ خُطَاكَ) جَمْعُ خُطْوَةٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي طَرِيقٍ يُطْلَبُ فِيهَا رِضَا اللَّهِ (سمعت أبا عبس) بسكون الموحدة هو بن جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ) أَيْ أَصَابَهُمَا غُبَارٌ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْ فِي طَرِيقٍ يُطْلَبُ فِيهَا رِضَا اللَّهِ فَشَمِلَ الْجِهَادَ وَغَيْرَهُ كَطَلَبِ الْعِلْمِ
قُلْتُ وَأَرَادَ عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا أَبُو عَبْسٍ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْعُمُومَ (فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) أَيْ لا(5/213)
تَمَسُّهُمَا النَّارُ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ قَدْرِ التَّصَرُّفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ مَسِّ الْغُبَارِ لِلْقَدَمِ يُحَرِّمُ عَلَيْهَا النَّارَ فَكَيْفَ بِمَنْ سَعَى وَبَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَنْفَدَ وُسْعَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ جَابِرٍ أخرجه بن حِبَّانَ ذَكَرَ الْحَافِظُ لَفْظَهُمَا فِي الْفَتْحِ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ رَجُلٌ شَامِيٌّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ ثَابِتٌ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ إِمَامُ الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِهِ (رَوَى عَنْهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ) كَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ
كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ كُوفِيٌّ) يَعْنِي هَذَا رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الشَّامِيِّ الْمَذْكُورِ (أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو مَرْيَمَ السَّلُولِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ سَكَنَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنْهُ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي وَلَدِهِ فَوُلِدَ لَهُ ثمانون ذكرا قال الحافظ ذكره بن حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1633] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ(5/214)
قَوْلُهُ (لَا يَلِجُ النَّارَ) أَيْ لَا يَدْخُلُهَا (رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْخَشْيَةِ امْتِثَالُ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ (حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ) هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سم الخياط (وَلَا يَجْتَمِعُ) أَيْ عَلَى عَبْدٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ (غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ) فَكَأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ نَقِيضَانِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
(بَاب مَا جَاءَ في مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1634] قَوْلُهُ (وَاحْذَرْ) أَيْ عَنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ فِيهِ (مَنْ شَابَ شَيْبَةً) أَيْ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ (فِي الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ (كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ ضِيَاءً وَمُخَلِّصًا عَنْ ظُلُمَاتِ الْمَوْقِفِ وَشَدَائِدِهِ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَصِيرُ الشَّعْرُ نَفْسُهُ نُورًا يَهْتَدِي بِهِ صَاحِبُهُ وَالشَّيْبُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ لَكِنَّهُ إِذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْ نَحْوِ جِهَادٍ أَوْ خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَعْيِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ فَضَالَةَ فَأَخْرَجَهُ(5/215)
الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ بن لَهِيعَةَ وَبَقِيَّةُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَلَفْظُهُ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) أَيْ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ إِلَخْ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَأَدْخَلَ) أَيْ مَنْصُورٌ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ (وَيُقَالُ كَعْبَ بْنَ مُرَّةَ وَيُقَالُ مُرَّةَ بْنَ كَعْبٍ الْبَهْزِيَّ إِلَخْ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ وَقِيلَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ السُّلَمِيُ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ الْأُرْدُنَّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ وَقَالَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ وغيرهم قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ لَهُ أَحَادِيثُ مُخَرِّجُهَا عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَرْوُونَهَا عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْهُ وَأَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ بِأَعْيَانِهَا عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عبسة فالله أَعْلَمُ انْتَهَى
[1635] قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ) الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَوَهِمَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عمرو بن عبسة) بعين موحدة مَفْتُوحَتَيْنِ وَإِهْمَالِ سِينٍ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نَزَلَ الشَّامَ
قَوْلُهُ (مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ مَارَسَ الْمُجَاهَدَةَ حَتَّى يَشِيبَ طَاقَةٌ من شعره فله مالا يُوصَفُ مِنَ الثَّوَابِ دَلَّ عَلَيْهِ تَخْصِيصُ ذِكْرِ النُّورِ وَالتَّنْكِيرِ فِيهِ قَالَ وَمَنْ رَوَى فِي الْإِسْلَامِ بَدَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَرَادَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ أَوْ سُمِّيَ(5/216)
الْجِهَادُ إِسْلَامًا لِأَنَّهُ عَمُودُهُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ انْتَهَى
قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ
(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي حَدِيثٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُنْذِرِيُّ لَفْظَ غَرِيبٍ
0 - (باب ما جاء مَنْ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أَيِ احْتَبَسَهَا وَأَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ
[1636] قَوْلُهُ (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) سَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا فِي بَابِ فَضْلِ الْخَيْلِ (الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِي الْخَيْلَ إِمَّا أَنْ يَقْتَنِيَهَا لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ يَتَجَرَّدُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الثَّانِي (هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ (وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ) أَيْ سَاتِرٌ لِفَقْرِهِ وَلِحَالِهِ (وَهِيَ عَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ وَثِقَلٌ (لَا يُغَيِّبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَشِدَّةِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ لَا يُدْخَلُ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا تُغَيِّبُ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْخَيْلِ
وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْخَيْلَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا كَانَ اتِّخَاذُهَا فِي الطَّاعَةِ أَوْ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَفِيهِ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَعُدُّهَا لَهُ فَلَا تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهَرٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ حَتَّى ذَكَرَ الْأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا وَلَوِ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ
وَأَمَّا(5/217)
الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وتجملا وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَاَلَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1637] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ الْمَكِّيِّ النَّوْفَلِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَنَاسِكِ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ) أَيْ بِسَبَبِ رَمْيِهِ عَلَى الْكُفَّارِ (ثَلَاثَةً) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ (صَانِعَهُ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ (يَحْتَسِبُ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ يَطْلُبُ (فِي صَنْعَتِهِ) أَيْ لِذَلِكَ السَّهْمِ (الْخَيْرَ) أَيِ الثَّوَابَ (وَالرَّامِيَ بِهِ) أَيْ كَذَلِكَ مُحْتَسِبًا وَكَذَا قَوْلُهُ (وَالْمُمِدَّ بِهِ) مِنَ الْإِمْدَادِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمُمِدُّ بِهِ أَيْ مَنْ يَقُومُ عِنْدَ الرَّامِي وَلَهُ فِينَا سَهْمًا بَعْدَ سَهْمٍ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّبْلَ مِنَ الْهَدَفِ مِنْ أَمْدَدْتَهُ بِكَذَا إِذَا أَعْطَيْتَهُ إِيَّاهُ (اِرْمُوا وَارْكَبُوا) أَيْ لَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الرَّمْيِ مَاشِيًا وَاجْمَعُوا بَيْنَ الرَّمْيِ وَالرُّكُوبِ أَوِ الْمَعْنَى اعْلَمُوا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ وَالرُّكُوبَ بِتَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَالتَّمْرِينِ عَلَيْهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفُ وَارْكَبُوا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَأَنَّ الرَّامِيَ يَكُونُ رَاجِلًا وَالرَّاكِبَ رَامِحًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا) أَنَّ الرَّمْيَ بِالسَّهْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الطعن بالرمح انتهى كلام الطيبي
وقال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعَالَجَةَ الرَّمْيِ وَتَعَلُّمَهُ أَفْضَلُ مِنْ تَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَتَمْرِينِ رُكُوبِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَلِمَا فِي الرَّمْيِ مِنَ النَّفْعِ الْعَامِّ وَلِذَا قَدَّمَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومن رباط الخيل مع(5/218)
أن لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الرُّمْحِ أَصْلًا انتهى كلام القارىء (كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ) أَيْ يَشْتَغِلُ وَيَلْعَبُ بِهِ (بَاطِلٌ) لَا ثَوَابَ لَهُ (إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسٍ) احْتِرَافٌ عَنْ رَمْيِهِ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ (وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ) أَيْ تَعْلِيمَهُ إِيَّاهُ بِالرَّكْضِ وَالْجَوَلَانِ عَلَى نِيَّةِ الْغَزْوِ (وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ) أَيْ لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ الْبَاطِلِ فيترتب عليه الثواب الكامل
قال القارىء وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ إِذَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ كَالْمُسَابَقَةِ بِالرِّجْلِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالتَّمْشِيَةِ لِلتَّنَزُّهِ عَلَى قَصْدِ تَقْوِيَةِ الْبَدَنِ وَتَطْرِيَةِ الدِّمَاغِ وَمِنْهَا السَّمَاعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ انتهى كلام القارىء
قُلْتُ فِي قَوْلِهِ وَمِنْهَا السَّمَاعُ إِلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ وَالسَّمَاعُ الَّذِي هُوَ فَاشٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَيْنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْجَهَلَةِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مُعِينٌ عَلَى الْفَسَادِ وَالْبَطَالَةِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث قال الحافظ في التلخيص روى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره
وأخرجه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى
وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هو بن مَسْعُودٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِهِ فِيهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) الْحَبَشِيِّ الْأَسْوَدِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْرَقِ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْرَقُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامر وعنه أبو سلام وثقه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو)
أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول من بَلَغَ الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ دَرَجَةً فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النَّحَّامِ وَمَا الدَّرَجَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ أُمِّكَ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْتُ(5/219)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ كمن أعتق رقبة رواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَا إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَاكِمِ وَغَيْرُهَا وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ وَمُنْبِلَهُ مَكَانَ وَالْمُمِدَّ بِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ مُنْبِلُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْبَغَوِيُّ هُوَ الَّذِي يُنَاوِلُ الرَّامِيَ النَّبْلَ وَهُوَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُومَ بِجَنْبِ الرَّامِي أَوْ خَلْفَهُ يُنَاوِلُهُ النَّبْلَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرْمِيَ وَالْآخَرُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبْلَ الْمَرْمِيَّ بِهِ وَيُرْوَى وَالْمُمِدُّ بِهِ وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ فَهُوَ مُمِدٌّ بِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُنْبِلَهُ أَيِ الَّذِي يُعْطِيهِ لِلْمُجَاهِدِ وَيُجَهِّزُ بِهِ مِنْ مَالِهِ إِمْدَادًا لَهُ وَتَقْوِيَةً
وَرِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ تَدُلُّ عَلَى هَذَا انْتَهَى
قُلْتُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَاَلَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَلَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [1638]
قَوْلُهُ (فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرِّرٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ أَيْ مِثْلُ ثَوَابِ مُعْتِقٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (وَأَبُو نَجِيحٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نَزَلَ الشَّامَ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَزْرَقِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) وَالْأَزْرَقُ صِفَةٌ لِزَيْدٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْرَقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَمِيزَانِ الِاعْتِدَالِ(5/220)
12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْحَرَسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1639] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الزَّهْرَانُ الْأَزْدِيُّ (حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُصَغَّرًا الشَّامِيِّ أَبُو شَيْبَةَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنَا عطاء) بن أبي مسلم أو عثمان الخرساني وَاسْمُ أَبِيهِ مَيْسَرَةُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ صَدُوقٌ يَهِمُ كَثِيرًا وَيُرْسِلُ وَيُدَلِّسُ مِنَ الْخَامِسَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ) أَيْ لَا تَمَسُّ صَاحِبَهُمَا فَعَبَّرَ بِالْجُزْءِ عَنِ الْجُمْلَةِ وَعَبَّرَ بِالْمَسِّ إِشَارَةً إِلَى امْتِنَاعِ مَا فَوْقَهُ بِالْأَوْلَى وَفِي رِوَايَةٍ أَبَدًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَرَيَانِ النَّارَ (عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْمُجَاهِدِينَ مَعَ النَّفْسِ التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ (وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ) وَفِي رِوَايَةٍ تَكْلَأُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْمُجَاهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَنْ تَكُونَ فِي الْحَجِّ أَوْ طلب العلم أو الجهاد أو العبادة وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَارِسُ لِلْمُجَاهِدَيْنِ لِحِفْظِهِمْ عَنِ الْكُفَّارِ
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَيْنٌ بَكَتْ هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعَالِمِ الْعَابِدِ الْمُجَاهِدِ مَعَ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماء حَيْثُ حَصَرَ الْخَشْيَةَ فِيهِمْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ عَنْهُمْ فَحَصَلَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عَيْنِ مُجَاهِدٍ مَعَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَعَيْنِ مُجَاهِدٍ مَعَ الْكُفَّارِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَأَبِي رَيْحَانَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ حَرَسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامُ لَيْلُهَا وَيُصَامُ نَهَارُهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالنَّسَائِيُّ بِبَعْضِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ(5/221)
13 - (باب ما جاء في ثواب الشهيد)
[1641] قَوْلُهُ (فِي طَيْرٍ) جَمْعُ طَائِرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ (خُضْرٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَخْضَرَ (تَعْلُقُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ تَرْعَى مِنْ أَعَالِي شَجَرِ الْجَنَّةِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَأْكُلُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِبِلِ إِذَا أَكَلَتِ الْعِضَاهَ يُقَالُ عَلِقَتْ تَعْلُقُ عُلُوقًا فَنُقِلَ إِلَى الطَّيْرِ انْتَهَى (مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ أَوْ شَجَرِ الْجَنَّةِ) شك من الراوي
وفي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ الْحَدِيثَ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ وَانْتِقَالِ الْأَرْوَاحِ وَتَنْعِيمِهَا فِي الصُّوَرِ الْحِسَانِ الْمُرَفَّهَةِ وَتَعْذِيبِهَا فِي الصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لَا يُطَابِقُ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنْ إِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ بعثه الأجساد قال بن الْهُمَامِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِتَجَرُّدِ الرُّوحِ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى فادخلي في عبادي انْتَهَى
وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاسُخَ عِنْدَ أَهْلِهِ هُوَ رَدُّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَبْدَانِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لَا فِي الْآخِرَةِ إِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الْآخِرَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلِذَا كَفَرُوا انْتَهَى
قُلْتُ عَلَى بُطْلَانِ التَّنَاسُخِ دَلَائِلُ كَثِيرَةٌ وَاضِحَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
[1642] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ فَارِسٍ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى ثِقَةٌ قِيلَ كَانَ(5/222)
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَاهُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَامِرٍ الْعُقَيْلِيِّ بِالضَّمِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عامر بن عقبة ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيُّ) مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُقْبَةُ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُقْبَةُ الْعُقَيْلِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَامِرٌ الْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (عُرِضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِلْمَفْعُولِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ أَفْعَلَ إِلَى النَّكِرَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ أَوَّلُ كُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَأَمَّا تَقْدِيمُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْآخَرَيْنِ فَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إِلَّا التَّنْسِيقُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي انْتَهَى قال القارىء وَقَوْلُهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَأَنَّهُ صِفَةُ النَّكِرَةِ أَيِ النَّكِرَةِ المستغرقة لأن النكرة الموصوفة تعم
فالمعنى أول كُلٌّ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ الذِّكْرِيَّ يُفِيدُ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا كَمَا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ قال صلى الله عليه وسلم ابدأوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي إِنَّ الصَّفَا والمروة من شعائر الله وَرُوِيَ ثُلَّةٌ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ أَيْ أَوَّلُ جَمَاعَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَرُوِيَ بِرَفْعِ ثَلَاثَةٌ فَضَمُّ أَوَّلُ لِلْبِنَاءِ كَضَمِّ قَبْلُ وَبَعْدُ وَهُوَ ظَرْفٌ عُرِضَ أَيْ عُرِضَ عَلَى أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْعَرْضِ ثَلَاثَةٌ أَوْ ثُلَّةٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (شَهِيدٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ (وَعَفِيفٌ) عَنْ تَعَاطِي مَا لَا تَحِلُّ (مُتَعَفِّفٌ) أَيْ عَنِ السُّؤَالِ مُكْتَفٍ بِالْيَسِيرِ عَنْ طَلَبِ الْمَفْضُولِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَقِيلَ أَيْ مُتَنَزِّهٌ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ صَابِرٌ عَلَى مُخَالَفَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ (وَعَبْدٌ) أَيْ مَمْلُوكٌ (أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ) بِأَنْ قَامَ بِشَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ (وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ) أَيْ أَرَادَ الْخَيْرَ لَهُمْ وَقَامَ بِحُقُوقِهِمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ في السنن الكبرى
[1640] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْيَرْبُوعِيُّ الْكُوفِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ (الْقَتْلُ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ قَوْلُهُ (يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ) أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ كُلِّ خطيئة(5/223)
عَنِ الْمَقْتُولِ (إِلَّا الدَّيْنَ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّ الْجِهَادَ والشهادة وغيرهما من أعمال البر ولا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ) أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَهُمَا فِي بَرَاحٍ مِنَ الْأَرْضِ وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي الشَّهَادَةِ وَمَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ مَنْ يُسْتَشْهَدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ (لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ) يَعْنِي يَحْيَى بْنَ طَلْحَةَ الْكُوفِيَّ (وَقَالَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ (أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ أَظُنُّ (أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى بْنَ طَلْحَةَ (أَرَادَ حَدِيثَ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَخْ) يَعْنِي أَرَادَ يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ أَنْ يُحَدِّثَ هَذَا الحديث فاخطأ ووهم وحديث بِحَدِيثِ الْقَتْلُ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَخْ
[1643] قَوْلُهُ (يَمُوتُ) صِفَةٌ لِعَبْدٍ (لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ صِفَةٌ أُخْرَى لِعَبْدٍ (يُحِبُّ أَنْ يرجع(5/224)
كَلِمَةُ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَيَرْجِعَ لَازِمٌ (وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً (إِلَّا الشَّهِيدَ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ (لِمَا يَرَى) بِكَسْرِ اللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ (فَيُقْتَلَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ)
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ مَكَانَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
[1644] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ) الْهُذَلِيِّ مَوْلَاهُمْ أبو الريان وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ صَحِيفَتِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ) الْمِصْرِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدِ) بْنِ نَافِذِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ أَوَّلُ مَا شَهِدَ أُحُدًا ثُمَّ نَزَلَ دِمَشْقَ وولى قضاها مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا
قَوْلُهُ (الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) أَيْ خَالِصُهُ أَوْ كَامِلُهُ (لَقِيَ الْعَدُوَّ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (فَصَدَقَ اللَّهَ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ صَدَقَ بِشَجَاعَتِهِ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ أَوْ بِتَشْدِيدِهِ أَيْ صَدَّقَهُ فِيمَا وَعَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى قَاتَلَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ الله وصف المجاهدين الذي قَاتَلُوا لِوَجْهِهِ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ فَتَحَرَّى هَذَا الرَّجُلُ بِفِعْلِهِ وَقَاتَلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَكَأَنَّهُ صَدَقَ اللَّهَ تَعَالَى بِفِعْلِهِ قَالَ تَعَالَى رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عليه (فَذَاكَ) أَيِ الْمُؤْمِنُ (الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسَ(5/225)
أَيْ أَهْلَ الْمَوْقِفِ (هَكَذَا) مَصْدَرٌ قَوْلُهُ يَرْفَعُ أَيْ رَفْعًا مِثْلَ رَفْعِ رَأْسِي هَكَذَا كَمَا تُشَاهِدُونَ (وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (قَلَنْسُوَتُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ أَيْ طَاقِيَّتُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ كِنَايَةٌ عَنْ تَنَاهِي رِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ (فَلَا أَدْرِي) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ فَضَالَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى وَقَعَتْ كَلَامُ فَضَالَةَ أَوْ كَلَامُ عُمَرَ وَالْمَعْنَى فَلَا أَعْلَمُ (قَلَنْسُوَةَ عُمَرَ أَرَادَ) أَيْ فَضَالَةَ (أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعَادَتُهُ لِلْفَصْلِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) يَعْنِي لَكِنْ دُونَ الْأَوَّلِ فِي مَرْتَبَةِ الشَّجَاعَةِ (فَكَأَنَّمَا ضَرَبَ) أَيْ مُشَبَّهًا بِمَنْ طَعَنَ (جِلْدَهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ إِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ يَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ أَوْ عَنِ ارْتِعَادِ فَرَائِصِهِ وَأَعْضَائِهِ وَقَوْلُهُ (مِنَ الْجُبْنِ) بَيَانُ التَّشْبِيهِ
قَالَ القارىء الْأظْهَرُ أَنَّ مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ وَالْجُبْنُ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ وَهُمَا خَصْلَتَانِ جِبِلِّيَّتَانِ مَرْكُوزَتَانِ فِي الْإِنْسَانِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْغَرَائِزَ الطَّبِيعِيَّةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ بِهَا زِيَادَةَ دَرَجَةٍ (أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مَثَلًا وَالتَّرْكِيبُ تَوْصِيفِيٌّ وَجَوَّزَ الْإِضَافَةَ وَالْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ السَّهْمُ مَجَازًا (فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ) وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ كَمَا رُوِيَ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَخْلُوطٌ بِالْآخَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَقَ اللَّهَ (فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ) فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَتَفَاضَلُونَ وَلَيْسُوا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَيِّدُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَوَّلَ صَدَقَ اللَّهَ فِي إِيمَانِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَهَذَا بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَصْدُقْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُبْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالرَّابِعِ أَنَّ الثَّانِيَ جَيِّدُ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَادِقٍ بِفِعْلِهِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَعُلِمَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ لَا يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّ مَبْنَى الأعمال على الاخلاص
قال القارىء فِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الْإِخْلَاصِ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَاصِ بل(5/226)
الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالشَّجَاعَةِ وَضِدِّهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِيمَانِ وَصَلَاحِ الْعَمَلِ ثُمَّ دُونَهُمَا الْمُخَلِّطُ ثُمَّ دُونَهُمُ الْمُسْرِفُ مَعَ اتِّصَافِهِمَا بِالْإِيمَانِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الطِّيبِيَّ أَرَادَ بِالْمُخَلِّطِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِالْمُسْرِفِ مَنْ نَوَى بِمُجَاهَدَتِهِ الْغَنِيمَةَ أَوِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ خَوْلَانَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ قَبِيلَةٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ)
[1645] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ زَوْجَ عُبَادَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بَعْدُ
وَظَاهِرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْإِخْبَارُ عَمَّا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِعِيَاضٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا هُنَاكَ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ (وَحَبَسَتْهُ تَفْلِي رَأْسَهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ تُفَتِّشُ مَا فِيهِ مِنَ الْقَمْلِ (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) أَيْ فَرَحًا وَسُرُورًا لِكَوْنِ أُمَّتِهِ(5/227)
تَبْقَى بَعْدَهُ مُتَظَاهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ (قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً) جَمْعُ غَازٍ كَقُضَاةٍ جَمْعُ قَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ عُرِضُوا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَعَلَيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ) قَالَ الْحَافِظُ الثَّبَجُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ جِيمٌ ظَهْرُ الشَّيْءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَتْنُ الْبَحْرِ وَظَهْرُهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ ثَبَجُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَالَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ظَهْرُهُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ (مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) بِالشَّكِّ مِنْ إِسْحَاقَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةٍ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ بِغَيْرِ شَكٍّ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الْفَتْحِ
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى الْغُزَاةَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أُمَّتِهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَرُؤْيَاهُ وَحْيٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سرر متقابلين وقال على الأرائك متكئون وَالْأَرَائِكُ السُّرَرُ فِي الْحِجَالِ
وَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ حَالِهِمْ فِي الْغَزْوِ مِنْ سَعَةِ أَحْوَالِهِمْ وَقِوَامِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَجَوْدَةِ عَدَدِهِمْ فَكَأَنَّهُمُ الْمُلُوكُ عَلَى الْأَسِرَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ بُعْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ فَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسَاتِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ (فَدَعَا لَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّكِ مِنْهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ دَعَا لَهَا فَأُجِيبَ فَأَخْبَرَهَا جَازِمًا بِذَلِكَ (نَحْوُ مَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ أَيْضًا
قَالَ الْحَافِظُ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا غَزَتْ فِي الْبَرِّ لِقَوْلِهِ يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ وقد حكى بن التِّينِ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَرَدَتْ فِي غُزَاةِ الْبَرِّ وَأَقَرَّهُ وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إِلَى حَمْلِ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْخَبَرِ عَلَى مُعْظَمِ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ الطَّائِفَتَانِ لَا خُصُوصِ رُكُوبِ الْبَحْرِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ غَزَوْا مَدِينَةَ قَيْصَرَ رَكِبُوا الْبَحْرَ إِلَيْهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ المراد ما حكى بن التِّينِ فَتَكُونُ الْأَوَّلِيَّةُ مَعَ كَوْنِهَا فِي الْبَرِّ مُقَيَّدَةً بِقَصْدِ مَدِينَةِ قَيْصَرَ وَإِلَّا فَقَدْ غَزَوْا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْبَرِّ مِرَارًا
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأُولَى فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ التَّابِعِينَ
وَقَالَ الْحَافِظُ بَلْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَكِنَّ(5/228)
مُعْظَمَ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ
وَقَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ رُؤْيَاهُ الْأُولَى وَأَنَّ فِي كُلِّ نَوْمَةٍ عُرِضَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْغُزَاةِ وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ حَرَامٍ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَلِظَنِّهَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تُسَاوِي الْأُولَى فِي الْمَرْتَبَةِ فَسَأَلَتْ ثَانِيًا لِيَتَضَاعَفَ لَهَا الْأَجْرُ لَا أَنَّهَا شَكَّتْ فِي إِجَابَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَفِي جَزْمِهِ بِذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ لَا تَنَافِي بَيْنَ إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَجَزْمِهِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَبَيْنَ سُؤَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْآخِرِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ لَهَا أَنَّهَا تَمُوتُ قَبْلَ زَمَانِ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَجَوَّزَتْ أَنَّهَا تُدْرِكُهَا فَتَغْزُوَ مَعَهُمْ وَيَحْصُلَ لَهَا أَجْرُ الْفَرِيقَيْنِ فَأَعْلَمَهَا أَنَّهَا لَا تُدْرِكُ زَمَانَ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّهُ عُرِضَ فِيهِ غَيْرُ الْأَوَّلِينَ (فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدِ اغْتَرَّ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ النَّاسِ فَوَهِمَ فَإِنَّ الْقِصَّةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي حَقِّ أَوَّلِ مَنْ يَغْزُو فِي الْبَحْرِ وَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ اسْتَأْذَنَهُ مُعَاوِيَةُ فِي الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ فَأَذِنَ لَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ
وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ مَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ في البحر
ونقل أيضا من طريق خالد بن مَعْدَانَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مُعَاوِيَةُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِعُثْمَانَ حَتَّى أَذِنَ لَهُ وَقَالَ لَا تَنْتَخِبْ أَحَدًا بَلْ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ فِيهِ طَائِعًا فَأَعِنْهُ فَفَعَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَصُرِعَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ إِلَى الشَّامِ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصُرِعَتْ فَمَاتَتْ
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَوَقَصَتْهَا بَغْلَةٌ لَهَا شَهْبَاءُ فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ
وَفِي رِوَايَةٍ فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَغْلَةَ الشَّهْبَاءَ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا لِتَرْكَبَهَا فَشَرَعَتْ لِتَرْكَبَ فَسَقَطَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ
تَنْبِيهٌ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ وَتَفْلِيَتُهَا رَأْسَهُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا في كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ انْتَهَى
قُلْتُ فِي ادِّعَائِهِ الِاتِّفَاقَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهَا مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَمُّلًا فَقَدْ بَالَغَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْمَحْرَمِيَّةَ فَقَالَ ذَهَلَ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا خُؤُولَةً تَقْتَضِي مَحْرَمِيَّةً لِأَنَّ أُمَّهَاتِهِ من(5/229)
النَّسَبِ وَاَللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْبَتَّةَ سِوَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لِبِيدِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غُنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّ حَرَامٍ هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فَلَا تَجْتَمِعُ أُمُّ حَرَامٍ وَسَلْمَى إِلَّا فِي عَامِرِ بْنِ غُنْمٍ جَدِّهِمَا الْأَعْلَى وَهَذِهِ خُؤُولَةٌ لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ لِأَنَّهَا خُؤُولَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا خَالِي لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ أَقَارِبُ أُمِّهِ آمِنَةَ وَلَيْسَ سَعْدٌ أَخًا لِآمِنَةَ لَا مِنَ النَّسَبِ وَلَا مِنَ الرضاعة انتهى
وذكر بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا يَمْلِكُ إِرْبَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُبَرَّأُ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ قَبِيحٍ وَقَوْلَةُ رَفَثٍ
وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٌ
قِيلَ يُحْمَلُ دُخُولُهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ
قَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْحِجَابِ جَزْمًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا فَلَعَلَّ كَانَ ذَاكَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ تَابِعٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ لِبَقَاءِ الْمُلَامَسَةِ فِي تَفْلِيَةِ الرَّأْسِ وَكَذَا النَّوْمُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَرُدُّهَا كَوْنُهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
6 - (باب ما جاء في من يُقَاتِلُ رِيَاءً وَلِلدُّنْيَا)
[1646] قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً) أَيْ لِيُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُوصَفَ(5/230)
بِالشَّجَاعَةِ (وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً) أَيْ لِمَنْ يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ أَوْ صَاحِبٍ (وَيُقَاتِلُ رِيَاءً) أَيْ لِيَرَى النَّاسُ مَنْزِلَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِيُرَى مَكَانُهُ (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ المراد بكلمة الله ودعوة اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ طَلَبَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَخَلَّ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُخِلَّ إِذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَصْلُ الْبَاعِثِ هُوَ الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبُو أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ أَوَّلًا فَتَصِيرُ الْمَرَاتِبُ خَمْسًا أَنْ يَقْصِدَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا صِرْفًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَحْصُلَ الْآخَرُ ضِمْنًا فَالْمَحْذُورُ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الْإِعْلَاءِ فَقَدْ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ ضِمْنًا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَرْتَبَتَانِ وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَدُونَهُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا فَهُوَ مَحْذُورٌ أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ
وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِعْلَاءَ صِرْفًا وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْإِعْلَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَفِيهِ مَرْتَبَتَانِ أَيْضًا
قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إِلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ غَيْرِ الْإِعْلَاءِ ضِمْنًا لَا يَقْدَحُ فِي الْإِعْلَاءِ إِذَا كَانَ الْإِعْلَاءُ هُوَ الْبَاعِثَ الْأَصْلِيَّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ الْحَدِيثَ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تُحْتَسَبُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِ يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ وَفِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَعَلَى الْقِتَالِ لِحَظِّ النَّفْسِ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(5/231)
[1647] قَوْلُهُ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ) قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ لَفْظَةُ إِنَّمَا مَوْضُوعَةٌ للحصر نثبت الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَعْمَالُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالًا أَوْ أَفْعَالًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً صَادِرَةً مِنَ الْمُكَلَّفِينَ الْمُؤْمِنِينَ (بِالنِّيَّةِ) بِالْإِفْرَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ بِالنِّيَّاتِ بِالْجَمْعِ
قَالَ الْحَافِظُ كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ أَوِ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادُهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعُهَا وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالنِّيَّةُ الْقَصْدُ وَهُوَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ القلب قدر زائد على أصل القصد
وقال الْبَيْضَاوِيُّ النِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ انْبِعَاثِ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ حَالًا أَوْ مَآلًا وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَا اللَّهِ وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِيَصِحَّ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَتَقْسِيمُهُ أَحْوَالَ الْمُهَاجِرِ فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ وَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فَقِيلَ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تَكْمُلُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَحْصُلُ وَقِيلَ تَسْتَقِرُّ وَقِيلَ الْكَوْنُ الْمُطْلَقُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْأَحْسَنُ
قَالَ الطِّيبِيُّ كَلَامُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ انْتَهَى (وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ
وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ بِصَاحِبِهَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا مَا نَوَاهُ
وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ ما لا(5/232)
يُحْصَى
وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لِمُدْرَكٍ آخَرَ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْفَرْضَ أَوِ الرَّاتِبَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ
كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِرِ الْفَائِتَةُ (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) الْهِجْرَةُ التَّرْكُ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الشَّيْءِ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ تَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمْنِ كَمَا فِي هِجْرَتَيِ الْحَبَشَةِ وَابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
الثَّانِي الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِيمَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِذْ ذَاكَ تَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ وَبَقِيَ عُمُومُ الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا
فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ تَغَايُرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَّحِدَيْنِ
فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ يَقَعُ تَارَةً بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً بِالْمَعْنَى وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ السِّيَاقِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ فِي النَّفْسِ كَقَوْلِهِمْ أَنْتَ أَنْتَ أَيِ الصَّدِيقُ الْخَالِصُ وَقَوْلُهُمْ هُمْ هُمْ أَيِ الَّذِينَ لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُمْ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي وَشِعْرِي أَوْ هو مؤول عَلَى إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِاشْتِهَارِ السَّبَبِ
وقال بن مَالِكٍ قَدْ يُقْصَدُ بِالْخَبَرِ الْفَرْدِ بَيَانُ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ فَيَتَّحِدُ بِالْمُبْتَدَأِ لَفْظًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ دُونَ رَيْبٍ وَرُبَّمَا أَلَانَ امْرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَلِيلًا وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُ هَذَا بِجَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ مَنْ قَصَدَنِي فَقَدْ قَصَدَنِي أَيْ فَقَدْ قَصَدَ مَنْ عُرِفَ بِإِنْجَاحِ قَاصِدِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِذَا اتَّحَدَ لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عُلِمَ مِنْهُمَا الْمُبَالَغَةُ إِمَّا فِي التَّعْظِيمِ وَإِمَّا فِي التَّحْقِيرِ (إِلَى دُنْيَا) بِضَمِّ الدَّالِ وَبِكَسْرٍ وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَالِ أَوْ لِقُرْبِهَا مِنَ الْآخِرَةِ مِنَّا وَلَا تُنَوَّنُ لِأَنَّ أَلِفَهَا مَقْصُورَةٌ لِلتَّأْنِيثِ أَوْ هِيَ تَأْنِيثٌ أَدْنَى وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ وَتَنْوِينُهَا فِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ ولِإِجْرَائِهَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ وَخَلْعِهَا عَنِ الْوَصْفِيَّةِ نُكِّرَتْ(5/233)
كَرُجْعَى وَلَوْ بَقِيَتْ عَلَى وَصْفِيَّتِهَا لَعُرِفَتْ كَالْحُسْنَى
وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا فَقِيلَ هِيَ اسْمُ مَجْمُوعِ هَذَا الْعَالَمِ الْمُتَنَاهِي وَقِيلَ هِيَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجَوِّ وَالْهَوَاءِ أَوْ هِيَ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ الْآخِرَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَيُطْلَقُ عَلَى كل جزء منها مجازا وأريد ها هنا شَيْءٌ مِنَ الْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ (يُصِيبُهَا) أَيْ يُحَصِّلُهَا لَكِنْ لِسُرْعَةِ مُبَادَرَةِ النَّفْسِ إِلَيْهَا بِالْجِبِلَّةِ الْأَصْلِيَّةِ شُبِّهَ حُصُولُهَا بِإِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْغَرَضِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالَ أَيْ يَقْصِدُ إِصَابَتَهَا (أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا) خُصَّتْ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بسند رجاله ثقات عن بن مَسْعُودٍ كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا قَالَ فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ (فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) أَيْ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي هَاجَرَ إِلَيْهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أَوِ الْمَعْنَى فَهِجْرَتُهُ مَرْدُودَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأَ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُغْتَرٌّ بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَحَادِيثَ يَسِيرَةً زَائِدَةً عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ مِنْهَا حَدِيثُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ الْحَدِيثَ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ قَوْلُ مَنْ عَزَا رِوَايَتَهُ إِلَى الْمُوَطَّأِ وَوَهِمَ مَنْ خَطَّأَهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِي(5/234)
أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَجْمَعُ وَأَغْنَى وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبُعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي
وَقَالَ بن مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأْسَ كُلِّ بَابٍ وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَهِيَ هَذَا وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ
تَنْبِيهٌ آخَرُ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُبَارَكَ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُفْرَدَ لِشَرْحِهِ جُزْءٌ مَبْسُوطٌ بِجَمِيعِ فَوَائِدِهِ وَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي شَرْحِهِ شراح البخاري كالحافظ بن حَجَرٍ وَالْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا إِطْنَابًا حَسَنًا مُفِيدًا وَإِنِّي قَدِ اقْتَصَرْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ شُرُوحَ البخاري
7 - (باب في الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أَيِ الْجِهَادِ
[1651] قَوْلُهُ (لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْتِصَافِهِ وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا (خير من الدنيا وما فيها) قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْمَغِيبِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ تَحْقِيقًا لَهُ فِي النَّفْسِ لِكَوْنِ الدُّنْيَا مَحْسُوسَةً فِي النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةً فِي الطِّبَاعِ فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ بِهَا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا لَا يُسَاوِي ذَرَّةً مِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي يَحْصُلُ لِمَنْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لَأَنْفَقَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ(5/235)
الحافظ ويؤيد الثاني ما رواه بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَأَخَّرَ لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَسْهِيلُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ وَأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْرُ سَوْطٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ بِمَنْ حَصَّلَ مِنْهَا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّأْخِيرِ عَنِ الْجِهَادِ الْمَيْلُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا
فَنُبِّهَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا (وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ قَدْرُهُ وَالْقَابُ بِالْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مَعْنَاهُ الْقَدْرُ
وَقِيلَ الْقَابُ مَا بَيْنَ مِقْبَضِ الْقَوْسِ وَسِيَتِهِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْوَتَرِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَوْسِ هُنَا الذِّرَاعُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ فَضْلِ قَدْرِ الذِّرَاعِ مِنَ الْجَنَّةِ (أَوْ مَوْضِعُ يَدِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ مِقْدَارُ يَدِهِ (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ مِنْ إِنْفَاقِهَا فِيهَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ نَفْسِهَا لَوْ مَلَكَهَا لِأَنَّهُ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ (أَطْلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ) أَيْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ إِلَيْهَا (لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِتَحَقُّقِ ذِكْرِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ صريحا قاله القارىء (وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا) أَيْ طَيِّبَةً (وَلَنَصِيفُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ فَاءٌ هُوَ الْخِمَارُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ (عَلَى رَأْسِهَا) قَيَّدَ بِهِ تَحْقِيرًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خِمَارِ الْبَدَنِ جَمِيعِهِ (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ فَكَيْفَ الْجَنَّةُ نَفْسُهَا وَمَا بِهَا مِنْ نَعِيمِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن ماجه
[1648] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ) قَالَ في التقريب عطاف بتشديد الطاء بن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيُّ أبو صفوان المدني يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ انْتَهَى (عن أبي حازم) هو بن دينار(5/236)
قَوْلُهُ (غَدْوَةٌ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ (وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجنة) خص الصوت لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الرَّاكِبِ إِذَا أَرَادَ النُّزُولَ فِي مَنْزِلٍ أَنْ يُلْقِيَ سَوْطَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مُعْلِمًا بِذَلِكَ الْمَكَانَ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى ما أخرجه أحمد والشيخان وبن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
[1649] قَوْلُهُ (وَالْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ) يُحْتَمَلُ أن يكون عطفا على بن عَجْلَانَ فَيَكُونُ لِأَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا بن عَجْلَانَ وَهُوَ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ وَهُوَ رَوَى عَنِ الحكم عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ فَيَكُونُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا أَبُو خَالِدٍ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ فَلْيُتَأَمَّلْ
وَالْحَجَّاجُ هذا هو بن دِينَارٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ مِنَ السابعة انتهى
والحكم هو بن عُتَيْبَةَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأخرجه الشيخان وبن ماجه(5/237)
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هذا الحديث من طريق مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَنَقَلَ تَحْسِينَهُ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيُّ
[1650] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو العلاء المصري قبل مدني الأصل وقال بن يُونُسَ بَلْ نَشَأَ بِهَا صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى
وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنِ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ (عن بن أَبِي ذُبَابٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَمَسِيلُ الْمَاءِ في بطن أرض أما انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ (فِيهِ عُيَيْنَةٌ) تَصْغِيرُ عَيْنٍ بِمَعْنَى الْمَنْبَعِ (مِنْ مَاءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ جِيءَ بِهَا مَادِحَةً لِأَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى نَوْعِ مَاءٍ صَافٍ تَرُوقُ بِهَا الْأَعْيُنُ وَتُبْهَجُ بِهِ الْأَنْفُسُ (عَذْبَةٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَيْ طَيِّبَةٌ أَوْ طَيِّبٌ مَاؤُهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ وَعَذْبَةٌ صِفَةٌ أُخْرَى مُمَيِّزَةٌ لِأَنَّ الطَّعْمَ الْأَلَذَّ سَائِغٌ فِي الْمَرِيءِ وَمِنْ ثَمَّ أُعْجِبَ الرَّجُلُ وَتَمَنَّى الِاعْتِزَالَ عَنِ النَّاسِ (فَأَعْجَبَتْهُ) أَيِ الْعُيَيْنَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْمَكَانِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ) لَوْ لِلتَّمَنِّي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَوِ امْتِنَاعِيَّةً وَقَوْلُهُ (فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ) عَطْفٌ عَلَى اعْتَزَلْتُ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ خَيْرًا لِي (فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيْ مَا خطر بقلبه (فقال لا نفعل) نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَزْوُ فَكَانَ اعْتِزَالُهُ لِلتَّطَوُّعِ مَعْصِيَةً لاستلزامه ترك الواجب ذكره بن الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ (فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ) قَالَ القارىء بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِيَامَهُ
وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْإِقَامَةُ بِمَعْنَى ثَبَاتَ أَحَدِكُمْ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ خُصُوصًا فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَبْرَارِ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُ كَانَ مَفْضُولًا لَا مُحَرَّمًا (سبعين عاما) قال القارىء الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ في سبيل(5/238)
اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ سِتِّينَ سَنَةً رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حصين وقال على شرط البخاري
ورواه بن عدي وبن عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قِيَامُ أَحَدِكُمُ انْتَهَى
(أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) أَيْ مَغْفِرَةً تَامَّةً (يُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ) أَيْ إِدْخَالًا أَوَّلِيًّا (اُغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ دُومُوا عَلَى الْغَزْوِ فِي دِينِهِ تَعَالَى (مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفُوَاقُ كَغُرَابٍ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ مِنَ الْوَقْتِ وَيُفْتَحُ أَوْ مَا بَيْنَ فَتْحِ يَدِكَ وَقَبْضِهَا عَلَى الضَّرْعِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ لِأَنَّهَا تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سَرِيعَةً تُرْضِعُ الْفَصِيلَ لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَبَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَطْوَلَ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صلاته ستين سنة كذا في الترغيب
8 - (بَاب مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ)
[1652] قَوْلُهُ (رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ (بِاَلَّذِي يَتْلُوهُ) وَفِي رِوَايَةٍ بِاَلَّذِي يَلِيهِ (رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ) تَصْغِيرُ غَنَمٍ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ وَلِذَلِكَ صُغِّرَتْ بِالتَّاءِ وَالْمُرَادُ قِطْعَةُ غَنَمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْعُزْلَةِ عَلَى الْخِلْطَةِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مِنَ الْفِتَنِ وَمَذْهَبُ طَوَائِفَ مِنَ الزُّهَّادِ أَنَّ الِاعْتِزَالَ أَفْضَلُ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ أَوْ فِيمَنْ لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أَذَاهُمْ
وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ(5/239)
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ مُخْتَلِطِينَ وَيُحَصِّلُونَ مَنَافِعَ الِاخْتِلَاطِ بِشُهُودِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَحِلَقِ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى
(رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ) هَذَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ يسأل بلفظ وَقَوْلُهُ يُعْطِي عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ أَيْ شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْهُ صَاحِبُ حَاجَةٍ بِأَنْ يَقُولَ اعْطِنِي لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ وَلَا يُعْطِي شَيْئًا بَلْ يَرُدُّهُ خَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَسْأَلُ عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ وَقَوْلُهُ لَا يُعْطَى عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ يَقُولُ اعْطِنِي بِحَقِّ اللَّهِ وَلَا يُعْطَى
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هَذَا مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يُتَّهَمَ السَّائِلُ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْبَاءُ كَالْبَاءِ فِي كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ أَيْ يَسْأَلُ بِوَاسِطَةِ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ لِلْقَسَمِ وَالِاسْتِعْطَافِ أَيْ بِقَوْلِ السَّائِلِ أَعْطُونِي شَيْئًا بِحَقِّ اللَّهِ
وَهَذَا مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُتَّهَمًا بِحَقِّ اللَّهِ وَيُظَنُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
9 - (بَاب ما جاء فيمن سأل الشهادة)
[1654] قَوْلُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى) الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ الْأَشْدَقُ صَدُوقٌ فَقِيهٌ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ لِينٍ وَخُولِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (السَّكْسَكِيِّ) الْحِمْصِيِّ صَاحِبِ مُعَاذٍ مُخَضْرَمٌ وَيُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِهِ) أَيِ الشَّهَادَةَ (صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِعْيَارُ الْأَعْمَالِ وَمِفْتَاحُ بَرَكَاتِهَا (أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ الشَّهِيدِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِهِ(5/240)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ والحاكم كذا في الفتح
[1653] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ كَثِيرِ) بْنُ النُّعْمَانِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاضِي صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ أَبُو شُرَيْحٍ الْإسْكَنْدَرَانِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لم يصب بن سَعْدٍ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حنيف) الأناصري الْمَدَنِيَّ نَزِيلَ مِصْرَ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاسْمُهُ أَسْعَدُ وَقِيلَ سَعْدٌ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ
قوله (من سأل الله شهادة) أَيِ الْمَوْتَ شَهِيدًا (بَلَّغَهُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَوْصَلَهُ (اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ) مُجَازَاةً لَهُ عَلَى صِدْقِ طَلَبِهِ (وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وَلَوْ مَاتَ غَيْرَ شَهِيدٍ فَهُوَ في حكم الشهداء وله ثوابهم
قال القارىء لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَوَى خَيْرًا وَفَعَلَ مَقْدُورَهُ فَاسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُهَنِيُّ أَبُو صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ كَاتِبُ اللَّيْثِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ ثَبْتٌ فِي كِتَابِهِ وَكَانَتْ فِيهِ غَفْلَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ
وَرَوَى له أبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ بِوَاسِطَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَلَّالِ(5/241)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فوافق نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ الْحَدِيثَ
0 - (باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح)
وَعَوْنِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ [1655] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ) أَيْ ثَابِتٌ عِنْدَهُ إِعَانَتُهُمْ أَوْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ مُعَاوَنَتُهُمْ (الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِمَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْجِهَادُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) أي العفة من الزنى
قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا آثَرَ هَذِهِ الصِّيغَةَ إِيذَانًا بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنَ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الَّتِي تَفْدَحُ الْإِنْسَانَ وَتَقْصِمُ ظَهْرَهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُهُ عَلَيْهَا لَا يَقُومُ بِهَا وَأَصْعَبُهَا الْعَفَافُ لِأَنَّهُ قَمْعُ الشَّهْوَةِ الْجِبِلِّيَّةِ الْمَرْكُوزَةِ فِيهِ وَهِيَ مُقْتَضَى الْبَهِيمِيَّةِ النَّازِلَةِ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فَإِذَا اسْتَعَفَّ وَتَدَارَكَهُ عَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى تَرَقَّى إِلَى مَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْلَى عِلِّيِّينَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شرط مسلم
قَوْلُهُ (وَمَنْ جُرِحَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (جُرْحًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْفَتْحِ هُوَ الْمَصْدَرُ أَيْ جِرَاحَةً(5/242)
كَائِنَةً (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) بِسِلَاحٍ مِنْ عَدُوٍّ (أَوْ نُكِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ أُصِيبَ (نَكْبَةً) بِالْفَتْحِ أَيْ حَادِثَةً فِيهَا جِرَاحَةٌ مِنْ غَيْرِ الْعَدُوِّ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ قِيلَ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ كِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَقِيلَ الْجُرْحُ مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ وَالنَّكْبَةِ الْجِرَاحَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُقُوعِ سِلَاحٍ عَلَيْهِ
قَالَ القارىء هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَفِي النِّهَايَةِ نُكِبَتْ أُصْبُعُهُ أَيْ نَالَتْهَا الْحِجَارَةُ وَالنَّكْبَةُ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ (فَإِنَّهَا) أَيِ النَّكْبَةَ الَّتِي فِيهَا الْجِرَاحَةُ (تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَدْ سَبَقَ شَيْئَانِ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ وَهِيَ مَا أَصَابَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى النَّكْبَةِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّكْبَةِ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا ظَنُّك بِالْجُرْحِ بِالسِّنَانِ وَالسَّيْفِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا انتهى
قال القارىء أو يقال إِفْرَادُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الْحَادِثَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهِيَ تَظْهَرُ وَتُتَصَوَّرُ (كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ) أَيْ كَأَكْثَرِ أَوْقَاتِ أَكْوَانِهَا فِي الدُّنْيَا
قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ زَائِدَةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي حِينَئِذٍ تَكُونُ غَزَارَةُ دَمِهِ أَبْلَغَ مِنْ سَائِرِ أَوْقَاتِهِ انْتَهَى (لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا كَالْمِسْكِ) كُلٌّ مِنْهُمَا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فضل من يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
[1656] قَوْلُهُ (لَا يُكْلَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يُجْرَحُ (أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ صَاحِبُهُ مِنْهُ أَمْ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ(5/243)
الطَّرِيقِ وَفِي إِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا وَمَعْنَاهُ يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ كَثِيرًا قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي مَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدُ فَضِيلَتِهِ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي
2 - (باب أي الأعمال أفضل)
[1658] (حدثنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ
قَوْلُهُ (إِيمَانٌ) التَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ (قِيلَ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ الْجِهَادُ سَنَامُ الْعَمَلِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مَحْذُوفٌ وَأُقِيمَ دَلِيلُهُ مَقَامَهُ وَالتَّقْدِيرُ قِيلَ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ سَنَامُ الْعَمَلِ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَسَنَامُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ (ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَآثِمِ وَقِيلَ هُوَ الْمَقْبُولُ الْمُقَابَلُ بِالْبِرِّ وَهُوَ الثَّوَابُ يُقَالُ بَرَّ حَجُّهُ وَبُرَّ حَجُّهُ وَبَرَّ اللَّهُ حَجَّهُ وَأَبَرَّهُ بِرًّا بِالْكَسْرِ وَإِبْرَارًا انْتَهَى(5/244)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ
3 - (بَاب مَا ذُكِرَ أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)
[1659] قَوْلُهُ (بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لغات ويقال أيضا بحضر الفتح الْحَاءِ وَالضَّادِ بِحَذْفِ الْهَاءِ انْتَهَى (أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِهَادَ وَحُضُورَ مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَسَبَبٌ لِدُخُولِهَا
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ بِحَيْثُ تَعْلُوهُ السُّيُوفُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ظِلُّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي الْجِهَادُ طَرِيقٌ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى أَبْوَابِهَا بِسُرْعَةٍ وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْجِهَادِ (رَثُّ الْهَيْئَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَتَاعٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ بَالٍ (فَرَجَعَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِلَى أَصْحَابِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ رَحْلِهِ (قَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ) أَيْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ (وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالنُّونِ وَهُوَ غِمْدُهُ (فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى الْعَدُوِّ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (هُوَ اسمه) يعني اسمه كنيته(5/245)
24 - (بَاب مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ)
[1660] قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ هَذَا مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ (رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مُؤْمِنٌ بَدَلَ رَجُلٍ قَالَ الْحَافِظُ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ قَامَ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ ثُمَّ حَصَّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَهْمَلَ الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةَ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ فضل المجاهدات لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُعْتَزِلُ يَتْلُوهُ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يَسْلَمُ مِنَ ارْتِكَابِ الْآثَامِ فَقَدْ لَا يَفِي هَذَا بِهَذَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِوُقُوعِ الْفِتَنِ انْتَهَى (يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) زَادَ الشَّيْخَانِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ (ثُمَّ مُؤْمِنٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ (فِي شعب من الشعاب) قال النووي الشعب ما انفرج بين الجبلين وليس المراد نفس الشعب بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشِّعْبُ مِثَالًا لِأَنَّهُ خَالٍ عَنِ النَّاسِ غَالِبًا
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الِانْفِرَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْغِيبَةِ وَاللَّغْوِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا اعْتِزَالُ النَّاسِ أَصْلًا فَقَالَ الْجُمْهُورُ مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي الْفِتَنِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرُ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً مَنْ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ
أخرجه مسلم وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عن بعجة
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّمَا وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الشِّعْبِ وَالْجَبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ خَالِيًا مِنَ النَّاسِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَبْعُدُ عَنِ النَّاسِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى (يَتَّقِي رَبَّهُ) أَيْ يَخَافُهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى (وَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) فَلَا يُخَاصِمُهُمْ وَلَا يُنَازِعُهُمْ فِي شَيْءٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجه(5/246)
وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَفْظُهُ قَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا قَالَ الَّذِي يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي شِعْبٍ من الشعب وَقَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ
كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
5 - (باب في ثواب الشهيد)
[1663] (حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ) بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا فَقِيهٌ عَارِفٌ بِالْفَرَائِضِ من العاشرة وقد تتبع بن عَدِيٍّ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَقَالَ بَاقِي حَدِيثِهِ مُسْتَقِيمٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ بَحِيرِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ سَعِيدٍ) السُّحُولِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنِ اسْمُهُ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ
قَوْلُهُ (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ) لَا يُوجَدُ مَجْمُوعُهَا لِأَحَدٍ غَيْرِهِ (يُغْفَرُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ هِيَ الدَّفْقَةُ مِنَ الدَّمِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْ تُمْحَى ذُنُوبُهُ فِي أَوَّلِ صَبَّةٍ مِنْ دَمِهِ
وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الدَّفْعَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ مِنَ الدَّفْعِ وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنَ الْمَطَرِ وَالرِّوَايَةُ فِي الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ وَبِالضَّمِّ أَظْهَرُ أَيْ يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ فِي أَوَّلِ صَبَّةٍ مِنْ دَمِهِ (وَيُرَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْإِرَاءَةِ وَيُفْتَحُ (مَقْعَدَهُ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ نَائِبُ الْفَاعِلِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَفَاعِلُهُ مَسْتَكِنٌّ فِي يُرَى وَقَوْلُهُ (مِنَ الجنة) متعلق به
قال القارىء وينبغي أن يحمل قوله ويرى مَقْعَدَهُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ يُغْفَرُ لَهُ لِئَلَّا تَزِيدَ الْخِصَالُ عَلَى سِتٍّ وَلِئَلَّا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ (وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) أَيْ يُحْفَظُ وَيُؤَمَّنُ إِذِ الْإِجَارَةُ مُنْدَرِجَةٌ في المغفرة إذا حملت على ظاهرها روى (يأمن من الفزع الأكبر) قال القارىء فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَحْزُنُهُمِ الفزع الأكبر قِيلَ هُوَ عَذَابُ النَّارِ وَقِيلَ الْعَرْضُ عَلَيْهَا وَقِيلَ هُوَ وَقْتُ يُؤْمَرُ أَهْلُ النَّارِ بِدُخُولِهَا وَقِيلَ ذَبْحُ الْمَوْتِ فَيَيْأَسُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ بِالْمَوْتِ وَقِيلَ وَقْتُ إِطْبَاقِ النَّارِ عَلَى الْكُفَّارِ وَقِيلَ النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي(5/247)
الصُّوَرِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا من شاء الله انْتَهَى (وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ) أَيْ تَاجٌ هُوَ سَبَبُ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ
وَفِي النِّهَايَةِ التَّاجُ مَا يُصَاغُ لِلْمُلُوكِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ (الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنَ التَّاجِ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا (وَيُزَوَّجُ) أَيْ يُعْطَى بِطَرِيقِ الزَّوْجِيَّةِ (اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِالثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّحْدِيدُ لَا التَّكْثِيرُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعْطَى وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّفَضُّلِ بالزيادة عليها قاله القارىء (مِنَ الْحُورِ الْعِينِ) أَيْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ وَاحِدَتُهَا حَوْرَاءَ وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضُ الْعَيْنِ الشَّدِيدَةُ سَوَادُهَا وَالْعِينُ جَمْعُ عَيْنَاءَ وَهِيَ الْوَاسِعَةُ الْعَيْنِ (وَيُشَفَّعُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن ماجه
[1661] قَوْلُهُ (غَيْرُ الشَّهِيدِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَارَ السَّلَامِ وَأَرْوَاحُ غَيْرِهِمْ إِنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وقال بن الْأَنْبَارِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ
وَقِيلَ لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ
وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ انْتَهَى (فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا يَقُولُ حَتَّى أُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ (مِمَّا يَرَى مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لِمَا يَرَى من فضل الشهادة
قال بن بطال هذا(5/248)
الْحَدِيثُ أَجَلُّ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ قال وليس في أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا تُبْذَلُ فِيهِ النَّفْسُ غَيْرُ الْجِهَادِ فَلِذَلِكَ عَظُمَ فِيهِ الثَّوَابُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
6 - (باب ما جَاءَ فِي فَضْلِ الْمُرَابِطِ)
[1664] قَوْلُهُ (رِبَاطُ يَوْمٍ) أَيِ ارْتِبَاطُ الْخَيْلِ فِي الثَّغْرِ وَالْمُقَامُ فِيهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّبَاطُ فِي الْأَصْلِ الْإِقَامَةُ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالْحَرْبِ وَارْتِبَاطُ الْخَيْلِ وَإِعْدَادُهَا وَالْمُرَابَطَةُ أَنْ يَرْبِطَ الْفَرِيقَانِ خُيُولَهُمْ فِي ثَغْرٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَدٌّ لِصَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْمُقَامُ فِي الثُّغُورِ رِبَاطًا فَيَكُونُ الرِّبَاطُ مَصْدَرَ رَابَطْتُ أَيْ لَازَمْتُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ
[1665] قَوْلُهُ (مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْرِ أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَقِيلَ مِنْ رامهر مز مِنْ أَوَّلِ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ يُقَالُ بَلَغَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ وَكَانَ أدرك وصي عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا قِيلَ وَعَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ عَاشَ سَلْمَانُ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَأَمَّا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَلَا يشكون(5/249)
فِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ قَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ رَجَعْتُ عَنِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَارَبَ الثَّلَاثَمِائَةِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا وَتَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ مَا جَاوَزَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ انْتَهَى (بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْكِنْدِيِّ الشامي جزم بن سَعْدٍ بِأَنَّ لَهُ وِفَادَةً ثُمَّ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَفَتْحَ حِمْصَ وَعَمِلَ عَلَيْهَا لِمُعَاوِيَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ) اسْمُ ظَرْفٍ مِنَ الرِّبَاطِ قَوْلُهُ (وَقَدْ شَقَّ) أَيْ صَعُبَ الْقِيَامُ فِيهِ قَوْلُهُ (رِبَاطُ يَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (وَرُبَّمَا قَالَ خَيْرٌ) أَيْ مَكَانٌ أَفْضَلُ (مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ) قال الحافظ في الفتح قال بن بزبزة لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ سَلْمَانَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَبَيْنَ حَدِيثِ عُثْمَانَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلَيْنِ انْتَهَى
(وفي فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ مِمَّا يُفْتَنُ الْمَقْبُورُ بِهِ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَالسُّؤَالِ وَالتَّعْذِيبِ (وَنُمِيَ) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ
قَالَ فِي الصُّرَاحِ نُمُوُّ بِضَمَّتَيْنِ كواليدن يَعْنِي نُمُوُّ كردن وباليدن نَبَاتٌ وَحَيَوَانٌ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ نما ينمو نموا زاد كنما ينمى وَنُمِيًّا وَنَمَاءً انْتَهَى (لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي أَنَّ ثَوَابَهُ يَجْرِي لَهُ دَائِمًا وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأُمِّنَ مِنَ الْفَتَّانِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُرَابِطِ وَجَرَيَانُ عَمَلِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَضِيلَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ
(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ انْقِطَاعٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ
[1666] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ) بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الْبَصْرَةِ يُكْنَى أَبَا رَافِعٍ(5/250)
ضَعِيفُ الْحِفْظِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ سُمَيٍّ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْأَثَرُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا بَقِيَ مِنَ الشيء دالا عليه قاله الْقَاضِي وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَلَامَةُ أَيْ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْغَزْوِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ أَوْ تَعَبِ بَدَنٍ أَوْ صَرْفِ مَالٍ أَوْ تَهْيِئَةِ أَسْبَابٍ وَتَعْبِيَةِ أَسْلِحَةٍ انْتَهَى (لَقِيَ اللَّهَ) أَيْ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَفِيهِ ثُلْمَةٌ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ خَلَلٌ وَنُقْصَانٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ سَعَادَةِ الشَّهَادَةِ وَمُجَاهَدَةِ الْمُجَاهَدَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُقَيَّدًا بِمَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوعِ فِي تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى المراد قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ قِيلَ وَذَا خَاصٌّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ مِنْ جِهَادٍ صِفَةُ أَثَرٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ جِهَادٍ مَعَ الْعَدُوِّ وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُجَاهَدَةِ قَالَ تَعَالَى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السجود والثلمة ها هنا مُسْتَعَارَةٌ لِلنُّقْصَانِ وَأَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي نَحْوِ الْجِدَارِ وَلَمَّا شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِالْبِنَاءِ فِي قَوْلِهِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ جَعَلَ كُلَّ خَلَلٍ فِيهِ وَنُقْصَانٍ ثُلْمَةً عَلَى سَبِيلِ التَّرْشِيحِ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (يَقُولُ هُوَ ثِقَةٌ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى مُقَارَبُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ كُنْيَتُهُ أَبُو مُوسَى الْمَكِّيُّ الْأُمَوِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ(5/251)
[1667] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ) مَوْلَاهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ من التاسعة (حدثنا الليث بن سعد) بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَهْمِيُّ أَبُو الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي أبو عقيل) بالفتح (زهرة) بضم الزاء وَسُكُونِ الْهَاءِ (بْنُ مَعْبَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ العين المهملة وفتح الموحدة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَيُقَالُ تُرْكَانُ بِمُثَنَّاةٍ أَوَّلَهُ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ رَوَى عَنْهُ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ وَالْمِصْرِيُّونَ ثِقَةٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي) أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَتَذْهَبُوا إِلَى الثُّغُورِ لِلرِّبَاطِ بَعْدَ سَمَاعِ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ (ثُمَّ بَدَا لِي) أَيْ ظَهَرَ لِي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ فِيمَا سِوَى الرِّبَاطِ أَوْ فِيمَا سِوَى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ السبيل يذكر ويؤنث (من المنازل) قال القارىء وَخُصَّ مِنْهُ الْمُجَاهِدُ فِي الْمَعْرَكَةِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقْلِيٍّ وَهُوَ لَا يُنَافِي تَفْسِيرَ الرِّبَاطِ بِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ لِأَنَّهُ رِبَاطٌ دُونَ رِبَاطٍ بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِالرِّبَاطِ لِلْجِهَادِ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ أَوْ هَذَا رِبَاطٌ لِلْجِهَادِ الْأَكْبَرِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ رِبَاطٌ لِلْجِهَادِ الْأَصْغَرِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فَإِنَّ الرِّبَاطَ الْجِهَادِيَّ قَدْ فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ جَمْعٌ مُحَلَّى بِلَامِ الِاسْتِغْرَاقِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَابِطُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُجَاهِدِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَمِنَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ وقد شرحنا ثَمَّةَ قُلْتُ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فُرِضَ عليه المرابطة وتعين بنصب الامام
قال القارىء في الفرض الْعَيْنُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُهُ إِذِ اشْتِغَالُهُ بِغَيْرِهِ مَعْصِيَةٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(5/252)
[1668] قوله (وأحمد بن نصر) بن زياد (النيسابوري) الزاهد المقرئ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ثِقَةٌ ففيه حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى) الزُّهْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْقَسَّامُ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَلَمُ الْقَتْلِ (مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَلَمُ الْقَرْصَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْقَرْصِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَرْصُ أَخْذُكَ لَحْمَ إِنْسَانٍ بِأُصْبُعَيْكَ حَتَّى تُؤْلِمَهُ وَلَسْعُ الْبَرَاغِيثِ انْتَهَى
وَذَا تَسْلِيَةٌ لَهُمْ عَنْ هَذَا الْخَطْبِ الْمَهُولِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
[1669] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيلٍ) الْفِلَسْطِينِيُّ أَبُو الْحَجَّاجِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (قَطْرَةِ دُمُوعٍ) بِجَرِّهَا عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا أَيْ قَطْرَةُ بُكَاءٍ حَاصِلَةٌ (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ وَعَظَمَتِهِ الْمُورِثَةِ لِمَحَبَّتِهِ (قَطْرَةُ دَمٍ تُهْرَاقُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَطْرَةٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْجِهَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ سَبِيلِ الْخَيْرِ وَلَعَلَّ وَجْهَ إِفْرَادِ الدَّمِ وَجَمْعِ الدُّمُوعِ أَنَّ الدَّمْعَ غَالِبًا يَتَقَاطَرُ وَيَتَكَاثَرُ بِخِلَافِ الدَّمِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِقَطْرَةِ الدُّمُوعِ قَطَرَاتُهَا فَلَمَّا أُضِيفَتْ إِلَى الْجَمْعِ أُفْرِدَتْ ثِقَةً بِذِهْنِ السَّامِعِ وَفِي إِفْرَادِ الدَّمِ وَجَمْعِ الدُّمُوعِ إِيذَانٌ بِتَفْضِيلِ إِهْرَاقِ الدَّمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى تَقَاطُرِ الدَّمْعِ بُكَاءً انْتَهَى
وَلَمَّا(5/253)
كَانَ مَا سَبَقَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ فَأَمَّا القطرتان فكذا وكذا عطف عليه وقال (وأما الْأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَخُطْوَةٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ سَوَادِ حِبْرٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ) كَإِشْقَاقِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فِي الْبَرْدِ وَبَقَاءِ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَاحْتِرَاقِ الْجَبْهَةِ مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَخَلُوفِ فَمِهِ فِي الصَّوْمِ وَاغْبِرَارِ قَدَمِهِ فِي الْحَجِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ(5/254)
3 - (كِتَاب الْجِهَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ لأهل الْعُذْرِ فِي الْقُعُودِ)
الْمُرَادُ بِالْعُذْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَرَضِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّفَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ فَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ
[1670] قَوْلُهُ (اِئْتُونِي بِالْكَتِفِ أَوِ اللَّوْحِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّكِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ادْعُوَا فُلَانًا فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ وَالْكَتِفُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَلْوَاحِ وَالْأَكْتَافِ وَفِيهِ طَهَارَةُ عَظْمِ الْمُذَكَّى وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ (فَكَتَبَ) أَيْ كَتَبَ بِأَمْرِهِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَمْلَى عَلَيْهِ (هَلْ لِي رُخْصَةٌ) وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَهُ بن أم مكتوم وهو يملها عَلَيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَنَزَلَتْ (غَيْرُ أولى الضرر) قَالَ النَّوَوِيُّ قُرِئَ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَرَفْعِهَا قراءتان مشهورتان في السبع قرأ نافع وبن عامر والكسائي بنصبها والباقون برفعها وقرىء فِي الشَّاذِّ بِجَرِّهَا فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَنْ رَفَعَ فَوَصْفٌ لِلْقَاعِدِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ وَمَنْ جَرَّ فَوَصْفٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنَينَ غَيْرُ أُولِي الضرر الْآيَةُ دَلِيلٌ لِسُقُوطِ الْجِهَادِ عَنِ الْمَعْذُورِينَ وَلَكِنْ لا(5/255)
يَكُونُ ثَوَابُهُمْ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ بَلْ لَهُمْ ثَوَابُ نِيَّاتِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضُ عَيْنٍ وَبَعْدَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَرْضَ كِفَايَةٍ مِنْ حِينِ شُرِعَ وَهَذِهِ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا انتهى
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا شركوكم في الأجر وأخرجه أيضا بن ماجه وبن حِبَّانَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ) ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
(بَاب مَا جاء فيمن خرج إلى الْغَزْوِ وَتَرَكَ أَبَوَيْهِ)
[1671] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُ لِأَسْتَشِيرَكَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْزَمْهَا الْحَدِيثَ
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ(5/256)
عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَذَكَرَهُ انْتَهَى (قَالَ فَفِيهِمَا) أَيْ فَفِي خِدْمَتِهِمَا (فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَةٍ
فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْفَاءُ الْأُولَى جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالثَّانِيَةُ جَزَائِيَّةٌ لِتَضَمُّنِ الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ فَاخْتَصَّ الْمُجَاهِدَةَ فِي خِدْمَةِ الْوَالِدَيْنِ نحو قوله تعالى فإياي فاعبدون أَيْ إِذَا لَمْ يُخْلِصُوا إِلَيَّ الْعِبَادَةَ فِي أَرْضٍ فَأَخْلِصُوهَا فِي غَيْرِهَا
فَحُذِفَ الشَّرْطُ وَعُوِّضَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ الْمُفِيدِ لِلِاخْتِصَاصِ ضِمْنًا وَقَوْلُهُ فَجَاهِدْ جِيءَ بِهِ مُشَاكَلَةً يَعْنِي حَيْثُ قَالَ فَجَاهِدْ فِي مَوْضِعِ فَاخْدُمْهُمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجِهَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ
قَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فينا لنهدينهم سبلنا انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ أَيْ فَفِي الْوَالِدَيْنِ فَجَاهِدْ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ جَاهِدْ وَلَفْظُ جَاهِدِ الْمَذْكُورُ مُفَسِّرٌ لَهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الْجَزَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا وَمَعْنَاهُ خَصِّصْهُمَا بِالْجِهَادِ وَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ ظَاهِرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْجِهَادِ إِيصَالُ الضَّرَرِ لِلْغَيْرِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِيصَالُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ وَهُوَ بَذْلُ المال وتعب البدن فيؤول الْمَعْنَى إِلَى ابْذُلْ مَالَكَ وَأَتْعِبْ بَدَنَكَ فِي رضى وَالِدَيْكَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَيَخْرُجُ بِدُونِ إِذْنِهِمَا فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ وَلَا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا انتهى قوله وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي (وَاسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخٍ) ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ(5/257)
3 - (باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سَرِيَّةً لَا يَظْهَرُ)
مَعْنَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ عَلَى قَبْلَ سَرِيَّةٍ وَيُقَالُ إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْعَثَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ
وَقَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ لَا يُنَاسِبُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ حَدِيثُ الْبَابِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ جُعِلَ أَمِيرًا وَلَهُ قِصَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ لِرِجَالِ السَّرِيَّةِ احْرِقُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تُطِيعُونَ أُولِي الْأَمْرِ فَأَبَوْا لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْثِ وَحْدَهُ بَعْثُهُ عَقِيبَ السَّرِيَّةِ وَحْدَهُ وَجَعْلُهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا بَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا انْتَهَى مَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ
[1672] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ
قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عدي السهمي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية) ضمير قال راجع إلى بن جُرَيْجٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مُبْتَدَأٌ وَبَعَثَهُ خَبَرُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أي قال بن جُرَيْجٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ عَلَى سرية وفي رواية مسلم قال بن جُرَيْجٍ نَزَلَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ (أَخْبَرَنِيهِ) هَذَا مَقُولُ بن جريج (يعلى بن مسلم) بن هُرْمُزَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الصَّحَابَةُ خَاصَّةً فَقَطْ فَقَدْ أَخْطَأَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِأُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هُمُ الْأُمَرَاءُ أخرجه الطبري بإسناد صحيح(5/258)
وَأَخْرَجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ هُمُ الصَّحَابَةُ
وَهَذَا أَخَصُّ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَارَةَ وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى أَمِيرٍ فَأُمِرُوا بِالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ حَمْلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ قوله (أولى الأمر) أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا وَقَالَ الْحَادِيَ عَشَرَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ ذَوِي الْأَمْرِ انْتَهَى
قُلْتُ الصَّحِيحُ عِنْدِي هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْعَيْنِيُّ وَمَالَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ وَاحِدَ أُولِي ذُو لِأَنَّهَا لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَى أُولِي الْأَمْرِ ذَوُو الْأَمْرِ وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ ذَا الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُمْ أُولُو الْعِلْمِ لَا أُولُو الْأَمْرِ
الثَّانِي رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ قَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ ادْخُلُوهَا
فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عَلَى السَّرِيَّةِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ انْتَهَى
وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ قَوْلُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ سَهْمِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُهُ حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ)
[1673] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ زَيْدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ(5/259)
مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَا أَعْلَمُ مِنَ الْوَحْدَةِ) مَا مَوْصُولَةٌ وَالْمَعْنَى لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا أَعْلَمُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ (مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ يَعْنِي وَحْدَهُ) مَا نَافِيَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ مَا سَارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ فَقَيَّدَهُ بِالرَّاكِبِ وَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْخَطَرَ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ فَإِنَّ انْبِعَاثَ الشَّرِّ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّحَرُّزَ مِنْهُ أَصْعُبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ وَقَوْلُهُمْ اعْذُرِ اللَّيْلَ لِأَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ كَثُرَ فِيهِ الْعُذْرُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ رَاكِبًا فَإِنَّ لَهُ خَوْفَ وَجَلِ الْمَرْكُوبِ مِنَ النُّفُورِ مِنْ أَدْنَى شَيْءٍ وَالتَّهَوِّي فِي الوحدة بخلاف الراجل
قال القارىء وَيُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالرَّاكِبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِلَ مَمْنُوعٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَحْدَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَى الرَّاكِبِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى
قال بن الْمُنِيرِ السَّيْرُ لِمَصْلَحَةِ الْحَرْبِ أَخَصُّ مِنَ السَّفَرِ وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي السَّفَرِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَوَازُ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِالِانْفِرَادِ كَإِرْسَالِ الْجَاسُوسِ وَالطَّلِيعَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِمَا عَدَا ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةُ الْجَوَازِ مُقَيَّدَةً بِالْحَاجَةِ عِنْدَ الْأَمْنِ وَحَالَةُ الْمَنْعِ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَوْفِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ
وَقَدْ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي بَعَثَ كُلٌّ مِنْ حُذَيْفَةَ وَنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَسَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ وَبَعْضُهَا فِي الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قُلْتُ وحديث جابر الذي أشار إليه بن الْمُنِيرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثَلَاثًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ
[1674] قَوْلُهُ (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ) قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَشْيَ الْوَاحِدِ مُنْفَرِدًا مَنْهِيٌّ وَكَذَلِكَ مَشْيُ الِاثْنَيْنِ وَمَنِ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَمَنْ أَطَاعَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ وَلِذَا أَطْلَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ عَلَيْهِ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا الشَّيْطَانُ يَهِمُّ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهِمَّ بِهِمْ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أن التَّفَرُّدُ وَالذَّهَابُ وَحْدَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَدْعُوهُ إليه وكذلك(5/260)
الِاثْنَانِ فَإِذَا صَارُوا ثَلَاثَةً فَهُوَ رَكْبٌ أَيْ جَمَاعَةٌ وَصَحْبٌ قَالَ وَالْمُنْفَرِدُ فِي السَّفَرِ إِنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَقُومُ بِغَسْلِهِ وَدَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَحْمِلُ تَرِكَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَيُورِدُ خَبَرَهُ إِلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحُمُولَةِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً تَعَاوَنُوا وَتَنَاوَبُوا الْمِهْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ وَصَلَّوُا الْجَمَاعَةَ وَأَحْرَزُوا الْحَظَّ فِيهَا انْتَهَى
(وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ جَمَاعَةٌ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّكْبُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَمْعِ كَنَفَرٍ وَرَهْطٍ وَلِهَذَا صُغِّرَ عَلَى لَفْظِهِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي تَصْغِيرِهِ رُوَيْكِبُونَ كَمَا يُقَالُ صُوَيْحِبُونَ وَالرَّاكِبُ فِي الْأَصْلِ هُوَ رَاكِبُ الْإِبِلِ خَاصَّةً ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَنْ رَكِبَ دَابَّةً انْتَهَى
قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخَاهُ قَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَإِنَّ جَدَّهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو (أحسن) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الصَّحِيحُ
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ)
[1675] قَوْلُهُ (الْحَرْبُ خَدْعَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أفصحهن(5/261)
خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ وَكَيْفَ أَمْكَنَ الْخِدَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَحِلُّ
وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا فِي الْحَرْبِ قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا يَجُوزُ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ الْمَعَارِيضُ دُونَ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالظَّاهِرُ إِبَاحَةُ حَقِيقَةِ نَفْسِ الْكَذِبِ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّعْرِيضِ أفضل
وقال بن الْعَرَبِيِّ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِزِ بِالنَّصِّ رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ الْكَذِبِ بِالْعَقْلِ مَا انْقَلَبَ حَلَالًا انْتَهَى
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بَعْدَ ذِكْرِ أَرْبَعِ لُغَاتٍ فِيهَا وَهِيَ الْخَدْعَةُ وَالْخُدْعَةُ وَالْخُدَعَةُ وَالْخَدَعَةُ مَا لَفْظُهُ فَالْخَدْعَةُ بِمَعْنَى أَنَّ أَمْرَهَا يَنْقَضِي بِخَدْعَةٍ وَاحِدَةٍ يُخْدَعُ بِهَا الْمَخْدُوعُ فَتَزِلَّ قَدَمُهُ وَلَا يَجِدُ لَهَا تَلَافِيًا وَلَا إِقَالَةً فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَخْذِ الْحِذْرِ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ ضَمَّ الْخَاءَ وَفَتَحَ الدَّالَ نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا أَيْ تَخْدَعُ هِيَ مَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا أَوْ أَنَّ أَهْلَهَا يُخْدَعُونَ فِيهَا وَمَنْ فَتَحَهُمَا جَمِيعًا كَانَ جَمْعُ خَادِعٍ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ خَدَعَةٌ وَأَصْلُ الْخَدْعِ إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا خَدْعَةٌ وَاحِدَةٌ من تيسرت له حق الظَّفَرُ وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ مُعْظَمُ ذَلِكَ الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا خَدَّاعَةٌ لِلْإِنْسَانِ بِمَا تُخَيِّلُ إِلَيْهِ وَتُمَنِّيهِ ثُمَّ إِذَا لَابَسَهَا وَجَدَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا خُيِّلَ إِلَيْهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثابت وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَكَعْبِ بن مالك وأنس بن مالك) أماحديث عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن عباس فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بن مالك فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ(5/262)
6 - (باب ما جاء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم)
وكم غزا الْغَزَوَاتُ جَمْعُ غَزْوَةٍ وَأَصْلُ الْغَزْوِ الْقَصْدُ وَمَغْزَى الْكَلَامِ مَقْصِدُهُ وَالْمُرَادُ بِالْغَزَوَاتِ هُنَا مَا وَقَعَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ وَبِجَيْشٍ مِنْ قِبَلِهِ وَقَصْدُهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَوْ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَلُّوهَا حَتَّى دَخَلَ مِثْلُ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ
[1676] قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَهُ) قَالَ الْحَافِظُ الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي أَبُو إِسْحَاقَ بَيَّنَهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَغَازِي بِلَفْظِ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ (قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ) كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ
فَعَلَى هَذَا فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُمَا الْأَبْوَاءُ وَبُوَاطٌ وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعَشِيرِ أَوِ الْعَشِيرَةِ انْتَهَى
وَالْعَشِيرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ هي الثالثة
وأما قول بن التِّينِ يُحْمَلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى أن العشيرة أول مَا غَزَا هُوَ أَيْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالتَّقْدِيرُ فَقُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَا أَيْ وَأَنْتَ مَعَهُ قَالَ الْعَشِيرُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ويكون قد خفى عليه اثنتان مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَدَّ الْغَزْوَتَيْنِ وَاحِدَةً
فَقَدْ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانٍ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ انْتَهَى
وَأَهْمَلَ غَزْوَةَ قُرَيْظَةَ لِأَنَّهُ ضَمَّهَا إِلَى الْأَحْزَابِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي إِثْرِهَا وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ لِوُقُوعِهَا مُنْفَرِدَةً بَعْدَ هَزِيمَةِ الْأَحْزَابِ وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ عَدَّ الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً لِتَقَارُبِهِمَا
فَيَجْتَمِعُ عَلَى هَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وقول جابر وقد توسع بن سَعْدٍ فَبَلَغَ عِدَّةَ الْمَغَازِي الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْوَاقِدَيَّ وَهُوَ مطابق لما عده بن إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ وَادِي الْقُرَى مِنْ خَيْبَرَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَكَانَ السِّتَّةُ الزَّائِدَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ وَأَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَزَادَ فِيهِ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ أَوَّلًا ثَمَانِ عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ أربعا(5/263)
وَعِشْرِينَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَلَا أَدْرِي أَوَهِمَ أَوْ كَانَ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدُ
قَالَ الْحَافِظُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ يَدْفَعُ الْوَهْمَ وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ والله أعلم
وأما البعوث والسرايا فعند بن إِسْحَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ
وحكى بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ سِتًّا وَخَمْسِينَ وَعِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ سِتِّينَ وَبَلَّغَهَا شَيْخُنَا فِي نَظْمِ السِّيرَةِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ضَمَّ الْمَغَازِي إِلَيْهَا انْتَهَى
(وَأَيَّتُهُنَّ كَانَ أَوَّلُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ (ذَاتُ الْعُشَيْرَاءِ أَوِ الْعُسَيْرَاءِ) الْأَوَّلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا وَالثَّانِي كَذَلِكَ لَكِنْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ الْعَشِيرُ أَوِ الْعَسِيرُ بِلَا هَاءٍ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذَاتُ الْعَسِيرِ أَوِ الْعَشِيرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَهِيَ ذَاتُ الْعُشَيْرَةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَجَاءَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي يَعْنِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَسِيرٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِحَذْفِ الْهَاءِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا الْعُشَيْرَةُ مُصَغَّرَةً بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَاءِ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهِيَ مِنْ أَرْضِ مَذْحِجٍ وَقَالَ الْحَافِظُ قَوْلُ قَتَادَةَ الْعُشَيْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِثْبَاتِ الْهَاءِ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا غَزْوَةُ الْعَسِيرَةِ بالمهملة فيه غَزْوَةُ تَبُوكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعة العسرة وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ وَأَمَّا هَذِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَاسْمُهُ الْعَشِيرُ أَوِ الْعَشِيرَةُ يذكر ويؤنث وهو موضع
وذكر بن سَعْدٍ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ هِيَ عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ بِالتِّجَارَةِ فَفَاتَهُمْ وَكَانُوا يَتَرَقَّبُونَ رُجُوعَهَا فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّاهَا لِيَغْنَمَهَا فبسبب ذلك كانت وقعة بدر
قال بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ السَّبَبَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالشَّامِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَأَقْبَلُوا فِي قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِهِمْ فَأَرْسَلَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْمَجِيءِ لِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَيُحَذِّرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ ضَمْضَمُ فَخَرَجُوا فِي أَلْفِ رَاكِبٍ وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَاشْتَدَّ حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَخَذَ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ حَتَّى فَاتَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا(5/264)
أَمِنَ أَرْسَلَ إِلَى مَنْ يَلْقَى قُرَيْشًا يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان
(باب مَا جَاءَ فِي الصَّفِّ والتَّعْبِيَةِ عِنْدَ الْقِتَالِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَعْبِيَةُ الْجَيْشِ تَهْيِئَتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ
[1677] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ) الْأَبْرَشُ مَوْلَى الْأَنْصَارِ قَاضِي الرَّيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (عَبَّأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ عبأت الجيش عبا وَعَبَّأْتُهُمْ تَعْبِئَةً وَتَعْبِيئًا وَقَدْ يُتْرَكُ الْهَمْزُ فَيُقَالُ عَبَّيْتُهُمْ تَعْبِيَةً أَيْ رَتَّبْتُهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ وَهَيَّأْتُهُمْ لِلْحَرْبِ انْتَهَى بِبَدْرٍ لَيْلًا يَعْنِي سَوَّى الصُّفُوفَ وَأَقَامَ كُلًّا مِنَّا مَقَامًا يَصْلُحُ لَهُ فِي اللَّيْلِ لِيَكُونَ عَلَى طِبْقِهِ وَوَفْقِهِ فِي النَّهَارِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَحِينَ رَأَيْتُهُ) أَيْ حِينَ لَقِيتُ الْبُخَارِيَّ (ثُمَّ ضَعَّفَهُ بَعْدُ) فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ(5/265)
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقِتَالِ)
[1678] قوله (عن بن أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيُّ صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْكُوفَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ) يَعْنِي يَا اللَّهُ يَا (مُنْزِلَ الْكِتَابِ) أَيِ الْقُرْآنِ (سَرِيعَ الْحِسَابِ) يَعْنِي يَا سَرِيعَ الْحِسَابِ إِمَّا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ سَرِيعٌ حِسَابُهُ بِمَجِيءِ وَقْتِهِ وَإِمَّا أَنَّهُ سَرِيعٌ فِي الْحِسَابِ (اِهْزِمِ الْأَحْزَابَ) هَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَهُمْ أَحْزَابٌ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ (وَزَلْزِلْهُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيِ ازْعِجْهُمْ وَحَرِّكْهُمْ بِالشَّدَائِدِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الزَّلْزَالُ وَالزَّلْزَلَةُ الشَّدَائِدُ الَّتِي تُحَرِّكُ النَّاسَ
قَالَ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ إِذَا انْهَزَمُوا أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ لَهُمْ قَرَارٌ
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ أَرَادَ أَنْ تَطِيشَ عُقُولُهُمْ وَتَرْعَدَ أَقْدَامُهُمْ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَلَا يَثْبُتُوا
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجه
(بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَلْوِيَةِ جَمْعُ لِوَاءٍ)
بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللِّوَاءُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَهُوَ دُونَ الرَّايَةِ لِأَنَّهُ شِقَّةُ(5/266)
ثَوْبٍ يُلْوَى وَيُشَدُّ إِلَى عُودِ الرُّمْحِ وَالرَّايَةُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَيُكْنَى أُمُّ الْحَرْبِ وَهُوَ فَوْقَ اللِّوَاءِ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ اللِّوَاءُ غَيْرُ الرَّايَةِ فَاللِّوَاءُ مَا يُعْقَدُ فِي طَرَفِ الرُّمْحِ وَيُلْوَى عَلَيْهِ وَالرَّايَةُ مَا يُعْقَدُ فِيهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى تَصْفِقَهُ الرِّيَاحُ
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الرَّايَةُ هي التي يَتَوَلَّاهَا صَاحِبُ الْحَرْبِ وَيُقَاتِلُ عَلَيْهَا وَتَمِيلُ الْمُقَاتِلَةُ إِلَيْهَا وَاللِّوَاءُ عَلَامَةُ كَبْكَبَةِ الْأَمِيرِ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّايَةُ الْعَلَمُ الصَّغِيرُ وَاللِّوَاءُ الْعَلَمُ الْكَبِيرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
[1679] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ) أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
قَوْلُهُ (دَخَلَ مَكَّةَ) أَيْ يَوْمَ الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَدِيثُ هُوَ هَذَا) أَيِ الْحَدِيثُ الْمَحْفُوظُ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شَرِيكٍ وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ بِلَفْظِ دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ فَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لِتَفَرُّدِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ شَرِيكٍ (وَالدُّهْنُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا نون
0 - (باب فِي الرَّايَاتِ)
جَمْعُ رَايَةٍ وَقَدْ عَرَفْتَ مَعْنَاهَا وَالْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللِّوَاءِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قال الحافظ(5/267)
وَجَنَحَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى التَّفْرِقَةِ فَتَرْجَمَ بِالْأَلْوِيَةِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ جَابِرٍ ثُمَّ تَرْجَمَ لِلرَّايَاتِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ البراء وحديث بن عَبَّاسٍ
[1680] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ) الثَّقَفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ) أَيْ يُونُسُ (بَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لَوْنِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا (كَانَتْ سَوْدَاءَ) قَالَ الْقَاضِي أَرَادَ بِالسَّوْدَاءِ مَا غَالِبُ لَوْنِهِ سَوَادٌ بِحَيْثُ يُرَى مِنَ الْبَعِيدِ أَسْوَدَ لَا مَا لَوْنُهُ سَوَادٌ خَالِصٌ لِأَنَّهُ قَالَ (مِنْ نَمِرَةٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَهِيَ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ فِيهَا تَخْطِيطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَلِذَلِكَ سميت نمرة تشبيها بالنمر ذكره القارىء
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَارِثِ بْنِ حسان وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ الحارث بن حسان فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِأَبِي الشيخ عن بن عَبَّاسٍ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى رَايَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ وَاهٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ (وَأَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ اسْمُهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم) الكوفي وثقه بن حِبَّانَ وَفِيهِ ضَعْفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
[1681] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ السَّالَحَانِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ بِمُهْمَلَةٍ مُمَالَةٍ وَقَدْ تَصِيرُ أَلِفًا سَاكِنَةً وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ أَبُو زَكَرِيَّا أَوْ أَبُو بَكْرٍ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ حِبَّانَ) النَّبَطِيُّ الْبَلْخِيُّ نَزِيلُ الْمَدَائِنِ أَخُو مُقَاتِلٍ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ (سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ(5/268)
وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا زَايٌ (لَاحِقَ بْنَ حُمَيْدِ) بْنَ سَعِيدٍ السَّدُوسِيَّ الْبَصْرِيَّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ) قال بن الْمَلَكِ أَيْ مَا غَالِبُ لَوْنِهِ أَسْوَدُ بِحَيْثُ يُرَى مِنَ الْبَعِيدِ أَسْوَدَ لَا أَنَّهُ خَالِصَ السَّوَادِ يَعْنِي لِمَا سَبَقَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَمِرَةٍ (وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ رَأَيْتُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْرَاءَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ
قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ هَذَا مُخْتَصَرًا عَلَى الرَّايَةِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشِّعَارِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعَارُ كَكِتَابٍ الْعَلَامَةُ فِي الْحَرْبِ وَالسَّفَرِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِنَّ شِعَارَ أَصْحَابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْغَزْوِ يَا مَنْصُورُ (أَمِتْ أَمِتْ) أَيْ عَلَامَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَتَعَارَفُونَ بِهَا فِي الْحَرْبِ انْتَهَى
[1682] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَاسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ سَارِقٍ الْعَتَكِيُّ الْأَزْدِيُّ أَبِي سَعِيدِ الْبَصْرِيِّ مِنْ ثِقَاتِ الْأُمَرَاءِ وَكَانَ عَارِفًا بِالْحَرْبِ فَكَانَ أَعْدَاؤُهُ يَرْمُونَهُ بِالْكَذِبِ مِنَ الثَّانِيَةِ وَلَهُ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السبيعي ما رأيت أمير أَفْضَلَ مِنْهُ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ) أَيْ إِنْ قَصَدَكُمْ بِالْقَتْلِ لَيْلًا وَاخْتَلَطْتُمْ مَعَهُمْ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ هُوَ أَنْ يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُؤْخَذُ بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ (فَقُولُوا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنْ بَيَّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ (حم لَا يُنْصَرُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ القاضي معناه بفضل(5/269)
السور المفتتحة بحم وَمَنْزِلَتِهَا مِنَ اللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَكَانَ مَجْزُومًا أَيْ لَا يُنْصَرُوا وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ
وَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ لَا يُنْصَرُونَ وَيُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ لَا الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دُعَاءً لَقَالَ لَا يُنْصَرُوا مَجْزُومًا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ وَقِيلَ إِنَّ السُّوَرَ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا حم سُوَرٌ لَهَا شَأْنٌ فَنَبَّهَ أَنَّ ذِكْرَهَا لِشَرَفِ مَنْزِلَتِهَا مِمَّا يُسْتَظْهَرُ بِهِ عَلَى اسْتِنْزَالِ النَّصْرِ مِنَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا يُنْصَرُونَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ كَأَنَّهُ حِينَ قَالَ قُولُوا حم قِيلَ مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلْنَا فَقَالَ لَا يُنْصَرُونَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولُ اللَّهِ)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1683] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا محمد بن شجاع البغدادي) المروزي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ) اسْمُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ السَّدُوسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ) التَّمِيمِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ الْكَاتِبِ الْمُعَلِّمِ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ) أَيْ عَلَى هَيْئَةِ سَيْفِهِ (وَكَانَ حَنَفِيًّا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي حَدِيثِ سَيْفِهِ وَكَانَ حَنَفِيًّا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَحْنَفَ بْنِ قَيْسٍ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ من أمر(5/270)
بِاِتِّخَاذِهَا وَالْقِيَاسُ أَحَنَفِيٌّ انْتَهَى
وَقَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قَوْلُهُ حَنَفِيًّا أَيْ عَلَى هَيْئَةِ سُيُوفِ بَنِي حَنِيفَةَ قَبِيلَةِ مُسَيْلِمَةَ لِأَنَّ صَانِعَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِمَّنْ يَعْمَلُ كَعَمَلِهِمُ انْتَهَى
3 - (بَاب فِي الْفِطْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ)
[1684] قَوْلُهُ (عَنْ قَزَعَةَ) بزاي وفتحات بن يَحْيَى الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَرَّ الظَّهْرَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَاسْمُ الْقَرْيَةِ الْمُضَافَةِ إِلَيْهِ مَرَّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ انْتَهَى (فَآذَنَنَا) أَيْ أَعْلَمَنَا (فَأَمَرَنَا بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرْنَا أَجْمَعِينَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ صِيَامٌ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَرِهِ إِلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْعَدُوُّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَارُ أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّمْ وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاءُ الْعَدُوِّ مُتَحَقِّقًا فَالْإِفْطَارُ عَزِيمَةٌ لِأَنَّ الصَّائِمَ يَضْعُفُ عَنْ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ غَلَيَانِ مَرَاجِلَ الضِّرَابِ وَالطِّعَانِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِهَانَةِ لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَالِ الْوَهْنِ عَلَى عَامَّةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُرُوجِ عِنْدَ الْفَزَعِ)
[1685] قَوْلُهُ (رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ) هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ زَوْجُ أُمِّ أَنَسٍ (يُقَالُ لَهُ مندوب(5/271)
قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ النَّدْبِ وَهُوَ الرَّهْنُ عِنْدَ السِّبَاقِ وَقِيلَ النَّدْبُ كَانَ فِي جِسْمِهِ وَهُوَ أَثَرُ الْجُرْحِ (مَا كَانَ مِنْ فَزَعٍ) أَيْ خَوْفٍ (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ هِيَ النَّافِيَةُ وَاللَّامُ فِي لَبَحْرًا بِمَعْنَى إِلَّا أَيْ مَا وَجَدْنَاهُ إِلَّا بحرا
قال بن التِّينِ هَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ كَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ لِلْفَرَسِ بَحْرٌ إِذَا كَانَ وَاسِعَ الْجَرْيِ أَوْ لِأَنَّ جَرْيَهُ لَا يَنْفَدُ كَمَا لَا يَنْفَدُ الْبَحْرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ
وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجَارَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1686] قَوْلُهُ
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بغندر (وبن أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْقَسْمَلِيُّ
قَوْلُهُ (كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ (فَاسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لَنَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ الْقِتَالِ)
قَوْلُهُ (أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ(5/272)
[1688] أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا أَبَا عُمَارَةَ) هِيَ كُنْيَةُ الْبَرَاءِ (وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرَعَانُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ أَوَائِلُ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ إِلَى الشَّيْءِ وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ انْتَهَى (تَلَقَّتْهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ
وَالرَّشْقُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ رَمْيُ السِّهَامِ وَهَوَازِنُ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهَا عِدَّةُ بطون ينسبون إلى هوازن بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ حَفْصَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ غَيْلَانَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ) هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) بْنِ هَاشِمٍ وهو بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَخَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَكَانَ فِيمَنْ ثَبَتَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لا كذب أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن التِّينِ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الباء مِنْ قَوْلِهِ لَا كَذِبَ لِيُخْرِجَهُ عَنِ الْوَزْنِ
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ مَقَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجَزَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ نَظْمُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كذب أنت بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ
ثَانِيهَا أَنَّهُ رَجَزٌ وَلَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشِّعْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ
ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا حَتَّى يُتِمَّ قِطْعَتَهُ وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ وَلَا تُسَمَّى شِعْرًا
رَابِعُهَا أَنَّهُ خَرَجَ مَوْزُونًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرَ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَجْوِبَةِ
وَأَمَّا نِسْبَتُهُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَأَنَّهَا لِشُهْرَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا رُزِقَ مِنْ نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَطُولِ الْعُمْرِ بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَلِهَذَا كان كثير من العرب يدعونه بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا قَالَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لما قدم أيكم بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَجُلٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَيَهْدِي اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى يَدَيْهِ وَيَكُونُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَانْتَسَبَ إِلَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ ذَاكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَقَدِ اشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ قَدِيمًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ وَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهَ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى قُلُوبِهِمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مُنْهَزِمٍ
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا كَذِبَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ(5/273)
النُّبُوَّةِ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الْكَذِبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ وَالنَّبِيُّ لَا يَكْذِبُ فَلَسْتَ بِكَاذِبٍ فِيمَا أَقُولُ حَتَّى أَنْهَزِمَ وَأَنَا مُتَيَقِّنٌ بِأَنَّ الَّذِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ عَلَيَّ الْفِرَارُ
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا كَذِبَ أَيْ أَنَا النَّبِيُّ حَقًّا لَا كَذِبَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن علي وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1689] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ) بْنُ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ (الْمُقَدَّمِيُّ) بِالتَّشْدِيدِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ) بْنِ حَسَنٍ الْوَاسِطِيِّ ثِقَةٌ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ بِالرَّيِّ مَعَ الْمَهْدِيِّ وَقِيلَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ الرَّشِيدِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَانِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَأَوْرَدَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ وَإِنَّ النَّاسَ لَمُوَلِّينَ مَكَانَ وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَانِ حَيْثُ قَالَ وروى الترمذي من حديث بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَ لَمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ من عدد من أثبت يَوْمَ حُنَيْنٍ
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا
وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ
وَهَذَا لا يخالف حديث بن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة وبن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين(5/274)
قَوْلُهُ (أَحْسَنَ النَّاسِ) أَيْ خُلُقًا وَخَلْقًا وَصُورَةً وَسِيرَةً وَنَسَبًا وَحَسَبًا وَمُعَاشَرَةً وَمُصَاحَبَةً (وَأَجْوَدَ النَّاسِ) أَيْ أَكْثَرَهُمْ كَرَمًا وَسَخَاوَةً (وَأَشْجَعَ النَّاسِ) أَيْ قُوَّةً وَقَلْبًا (وَلَقَدْ فَزِعَ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ خَافَ (لَيْلَةَ سَمِعُوا صَوْتًا) أَيْ مُنْكَرًا (فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ (عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْجٌ (وَهُوَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ (لَمْ تُرَاعُوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَالْعَيْنِ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّوْعِ بِمَعْنَى الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ أَيْ لَمْ تُخَافُوا وَلَمْ تُفْزَعُوا وَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَحْدِ مُبَالَغَةً فِي النَّفْيِ وَكَأَنَّهُ مَا وَقَعَ الرَّوْعُ وَالْفَزَعُ قَطُّ (لَمْ تُرَاعُوا) كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا أَوْ كُلٌّ لِخِطَابِ قَوْمٍ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السُّيُوفِ وَحِلْيَتِهَا)
[1690] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صُدْرَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَصْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ صُدْرَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالسُّكُونِ الْأَزْدِيُّ السُّلَمِيُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حُجَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرًا الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ جَدِّهِ) لأمه (مزيدة) بوزن كبيرة بن جابر أو بن مَالِكٍ وَهُوَ أَصَحُّ الْعَصْرِيِّ الْعَبْدِيِّ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ
قَوْلُهُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَكَّةَ (فَسَأَلْتُهُ) أَيْ هُودًا (وَكَانَتْ قَبِيعَةُ السَّيْفِ فِضَّةً) فِي(5/275)
النِّهَايَةِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ وَقِيلَ مَا تَحْتَ شَارِبَيِ السَّيْفِ وَفِي الْقَامُوسِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ مَا عَلَى طَرَفِ مَقْبِضِهِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدَةٍ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَبِيعَةُ السَّيْفِ الثُّومَةُ الَّتِي فَوْقَ الْمَقْبِضِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ حَدِيثُ مَزِيدَةَ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إِذْ لَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَدُّ بِهِ ذَكَرَ صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ حَدِيثَهُ وَقَالَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ طَالِبِ بْنِ حُجَيْرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وقال الحافظ أبو الحسن القطار هُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ لَا حَسَنٌ وَصَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ تَفَرَّدَ طَالِبٌ بِهِ وَهُوَ صَالِحُ الْأَمْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا مُنْكَرٌ فَمَا عَلِمْنَا فِي حِلْيَةِ سَيْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبًا انْتَهَى كَلَامُ الذَّهَبِيِّ
قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمُ الذَّهَبَ وَلَا الْفِضَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلَابِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي شرح هذا الحديث وفي هذا الحديث أن تَحْلِيَةَ السُّيُوفِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْلَى
وَأَجَابَ مَنْ أَبَاحَهَا بِأَنَّ تَحْلِيَةَ السُّيُوفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَكَانَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ غُنْيَةٌ لِشِدَّتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ فِي إِيمَانِهِمُ انْتَهَى
[1691] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبِي) أَيْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ
قَوْلُهُ (وَكَانَتْ قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ السَّيْفِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ
وَاخْتَلَفُوا فِي اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ فأباحه بعضهم(5/276)
كَالسَّيْفِ وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدَّابَّةِ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ سِكِّينِ الْحَرْبِ وَالْمِقْلَمَةِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْفِضَّةِ فَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِالذَّهَبِ فَغَيْرُ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عاصم قال حدثنا همام وجرير قال حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ وَقَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضَّةً وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ حِلَقُ فِضَّةٍ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ إِلَخْ) الْمُرَادُ مِنْ بَعْضِهِمْ هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ تَابِعِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ أَخُو الْحَسَنِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
اعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حَدِيثَ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ هُوَ الْمَحْفُوظُ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْبَاقِيَةُ ضِعَافٌ
وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بَابُ قَبِيعَةِ سَيْفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي الدَّارِمِيَّ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ خَالَفَهُ فَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى مَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَصَّلًا
لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ إِنَّ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَحْفُوظٌ لِاتِّفَاقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَهَمَّامٍ عَلَى قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ مُرْسَلًا هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَامٌ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي أَصْحَابِ قَتَادَةَ فَلَيْسَ هَمَّامٌ وَجَرِيرٌ إِذَا اتَّفَقَا بِدُونِهِ انتهى
قلت الظاهر ما قال بن الْقَيِّمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(5/277)
17 - (باب ما جاء في الدرع)
وهو القميص المتخذ من الزرد [1692] قَوْلُهُ (عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ كَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ تِسْعَ سِنِينَ وَقُتِلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَانِ) أَيْ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا حِذْرَكُمْ وَقَوْلُهُ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ فَإِنَّهَا تَشْمَلُ الدِّرْعَ وَإِنْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْوَى أَفْرَادِهَا حَيْثُ قَالَ ألا إن القوة الرمي قال القارىء وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ الْمُبَالَغَةِ فِي أَسْبَابِ الْمُجَاهَدَةِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالتَّسْلِيمَ بِالْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الْمُقَدَّرَةِ (يَوْمَ أُحُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (فَنَهَضَ) أَيْ قَامَ مُتَوَجِّهًا (إِلَى الصَّخْرَةِ) أَيِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ يَسْتَوِي عَلَيْهَا وَيَنْظُرُ إِلَى الْكُفَّارِ وَيُشْرِفُ عَلَى الْأَبْرَارِ (أَوْجَبَ طَلْحَةُ) أَيِ الْجَنَّةَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ بِعَمَلِهِ هَذَا أَوْ بِمَا فَعَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَفَدَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهَا وِقَايَةً لَهُ حَتَّى طُعِنَ بِبَدَنِهِ وَجُرِحَ جَمِيعُ جَسَدِهِ حَتَّى شُلَّتْ يَدُهُ بِبِضْعٍ وَثَمَانِينَ جِرَاحَةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ السَّائِبِ بن يزيد فأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَهُمَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ(5/278)
18 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمِغْفَرِ)
قَالَ فِي القاموس المغفر كمنبر وبهاء وكتابة زَرَدٌ مِنَ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ زَرَدٌ بِالتَّحْرِيكِ زرد بافته زراد زرة كر
[1693] قَوْلُهُ (عَامَ الْفَتْحِ) أَيْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ) زَرَدٌ يُنْسَجُ مِنَ الدُّرُوعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ رَفْرَفُ الْبَيْضَةِ
قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَفِي الْمَشَارِقِ هُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ فَضْلِ دُرُوعِ الْحَدِيدِ عَلَى الرَّأْسِ مِثْلَ الْقَلَنْسُوَةِ
وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مَالِكٍ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ (فَقِيلَ له) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بن خَطَلٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ الْعُزَّى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنِ اسْمِهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى عَبْدَ الْعُزَّى فَلَمَّا أَسْلَمَ سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِلَالٌ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَخٍ لَهُ اسْمُهُ هِلَالٌ انْتَهَى
(قَالَ اقتلوه) قال الحافظ والسبب في قتل بن خَطَلٍ وَعَدَمِ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ المسجد فهو آمن ما روى بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ إِلَّا نَفَرًا سَمَّاهُمْ فَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ بن خَطَلٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَ ولم يصنع له شيئا فعدى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَفِي الْجِهَادِ وَفِي الْمَغَازِي وَفِي اللِّبَاسِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَنَاسِكِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الحج وفي السير وبن مَاجَهْ فِي الْجِهَادِ
قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ كَبِيرَ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا(5/279)
وَنَقَلَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِلَفْظِ لَا يُعْرَفُ كَثِيرُ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَتَقِفُ قَالَ الْحَافِظُ وَقِيلَ إِنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِمَّنْ جزم بذلك بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّاذِّ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ العراقي بأنه ورد من طريق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ وَأَبِي أُوَيْسٍ وَمَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ إن رواية بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَرِوَايَةَ أَبِي أُوَيْسٍ عبد بن سعد وبن عدي وأن رواية معمر ذكرها بن عَدِيٍّ وَأَنَّ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا مَنْ أَخْرَجَ رِوَايَتَهُمَا وَقَدْ وُجِدَتْ رواية معمر في فوائد بن المقرئ وَرِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ ثُمَّ نَقَلَ شيخنا عن بن السدي أن بن الْعَرَبِيِّ قَالَ حِينَ قِيلَ لَهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ قَدْ رَوَيْتُهُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ طَرِيقًا غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِنَّهُ وَعَدَ بِإِخْرَاجِ ذلك ولم يخرج شيئا
وأطال بن السُّدِّيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنْشَدَ فِيهَا شِعْرًا وحاصلها أنهم اتهموا بن الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْمُجَازَفَةِ ثُمَّ شرح بن السُّدِّيِّ يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ فَرَاوِي الْقِصَّةِ عَدْلٌ مُتْقِنٌ وَاَلَّذِينَ اتهموا بن العربي في ذلك هم الذين أخطأوا لِقِلَّةِ اطِّلَاعِهِمْ وَكَأَنَّهُ بَخِلَ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ إِنْكَارِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ وَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَهُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ العدد الذي ذكره بن الْعَرَبِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ تِلْكَ الطُّرُقَ الَّتِي وَجَدَهَا ثُمَّ قَالَ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أن إطلاق بن الصلاح متعقب وأن قول بن الْعَرَبِيِّ صَحِيحٌ وَأَنَّ كَلَامَ مَنِ اتَّهَمَهُ مَرْدُودٌ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي طُرُقِهِ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ إِلَّا طَرِيقُ مَالِكٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ أَيْ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ تُوبِعَ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَعِبَارَةُ التِّرْمِذِيِّ سَالِمَةٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ كَثِيرُ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَوْلُهُ كَثِيرٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ تُوبِعَ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
9 - (بَاب مَا جاء في فضل الخيول)
[1694] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ الْقَاسِمِ) الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ أَوْ زُبَيْدٌ كَذَلِكَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عروة البارقي) هو بن الجعد ويقال بن أَبِي الْجَعْدِ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عِيَاضٌ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَهُوَ أَوَّلُ قَاضٍ بِهَا
قَوْلُهُ (الْخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ) أَيْ مُلَازِمٌ بِهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ والمراد(5/280)
بِالْخَيْلِ مَا يُتَّخَذُ لِلْغَزْوِ بِأَنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْتَبِطَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ الْحَدِيثَ وَلِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ قَالَ عِيَاضٌ إِذَا كَانَ فِي نَوَاصِيهَا الْبَرَكَةُ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شُؤْمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّؤْمُ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ الَّتِي ارْتَبَطَتْ لِلْجِهَادِ وَأَنَّ الْخَيْلَ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ أَوْ يُقَالُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرَسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ انْتَهَى
(الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الْخَيْرُ أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ قَالُوا بم ذلك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ الَّذِي فُسِّرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ اسْتِعَارَةً لِظُهُورِهِ وَمُلَازَمَتِهِ وَخَصَّ النَّاصِيَةَ لِرِفْعَةِ قَدْرِهَا وَكَأَنَّهُ شَبَّهَهُ لِظُهُورِهِ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ مَعْقُودٍ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَنُسِبَ الْخَيْرُ إِلَى لَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذَكَرَ النَّاصِيَةَ تَجْدِيدًا لِلِاسْتِعَارَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُبْعِدُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَنَسٍ الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِأُصْبُعِهِ وَيَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ خُصَّتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دون المؤخر لما فيه من الاشارة إلا الادبار
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حديث بن عمر فأخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله وأخرجه أيضا مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي شَرْحِ بَابِ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ(5/281)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ
قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِهَادَ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ) أَيْ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ الْحَافِظُ سَبَقَهُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَقَاءَ الْخَيْرِ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفَسَّرَهُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ وَالْمَغْنَمُ الْمُقْتَرِنُ بِالْأَجْرِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْخَيْلِ بِالْجِهَادِ وَلَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ هَذَا الْفَضْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ مَعَ الامام العادل والجائر انتهى
0 - (باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْخَيْلِ)
[1695] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ الْحِجَازِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ صَدُوقٌ مُقِلٌّ كَانَ مُعْتَزِلًا لِلسُّلْطَانِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (يُمْنُ الْخَيْلِ) أَيْ بَرَكَتُهَا (فِي الشُّقْرِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ أَشْقَرَ وَهُوَ أَحْمَرُ
قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ الشُّقْرَةُ لَوْنُ الْأَشْقَرِ وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ وَبَشَرَتُهُ مَائِلَةٌ إِلَى الْبَيَاضِ وَفِي الْخَيْلِ حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ يَحْمَرُّ مَعَهَا الْعَرْفُ وَالذَّنَبُ فَإِنِ اسْوَدَّا فهو الكميت(5/282)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
[1696] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدَوَيْهِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ) بْنِ قَصِيرٍ ضِدُّ الطَّوِيلِ اللَّخْمِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عُلَيٌّ بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا مِنْ صِغَارِ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْأَدْهَمُ الَّذِي يَشْتَدُّ سَوَادُهُ وَقَوْلُهُ (الْأَقْرَحُ) الَّذِي فِي وَجْهِهِ الْقُرْحَةُ بِالضَّمِّ وَهِيَ مَا دُونَ الْغُرَّةِ يَعْنِي فِيهِ بَيَاضٌ يَسِيرٌ وَلَوْ قَدْرَ درهم (الأرثم) بالمثلثة أَيْ فِي جَحْفَلَتِهِ الْعُلْيَا بَيَاضٌ يَعْنِي أَنَّهُ الْأَبْيَضُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَقِيلَ الْأَبْيَضُ الْأَنْفِ قَالَهُ القارىء وَالْجَحْفَلَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّفَةِ لِلْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ (ثُمَّ) أي بعد ما ذَكَرَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي الْفَرَسِ (الْأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ) التَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي قَوَائِمِ الْفَرَسِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا أَوْ فِي رِجْلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بَعْدَ أَنْ يُجَاوِزَ الْأَرْسَاغَ وَلَا يُجَاوِزُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْعُرْقُوبَيْنِ (طُلُقُ الْيَمِينِ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَيُسَكَّنُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِحْدَى قَوَائِمِهَا تَحْجِيلٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيِ الْفَرَسُ (أَدْهَمَ) أَيْ أَسْوَدَ مِنَ الدُّهْمَةِ وَهِيَ السَّوَادُ على مافي الْقَامُوسِ (فَكُمَيْتٌ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْ بِأُذُنَيْهِ وَعُرْفِهِ سَوَادٌ وَالْبَاقِي أَحْمَرُ
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْكُمَيْتُ مِنَ الْخَيْلِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمَصْدَرُ الْكُمَيْتَةُ وَهِيَ حُمْرَةٌ يَدْخُلُهَا فَتْرَةٌ
وَقَالَ الْخَلِيلُ إِنَّمَا صُغِّرَ لِأَنَّهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَمْ يَخْلُصْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَرَادُوا بِالتَّصْغِيرِ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُمَا (عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيِ الْعَلَامَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ لَوْنٍ يُخَالِفُ مُعْظَمَ لَوْنِ الْفَرَسِ وَغَيْرَهُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَمْزُهَا لَحْنٌ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَقْرَحِ الْأَرْثَمِ ثُمَّ الْمُحَجَّلِ طُلُقِ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه والدارمي والحاكم(5/283)
21 - (باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْخَيْلِ)
[1698] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ أَخُو حُصَيْنٍ قِيلَ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ لَهُ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَرِهَ الشِّكَالَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (فِي الْخَيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الْخَيْلِ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ وَالشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الشِّكَالِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبُ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ مُحَجَّلَةٌ وَوَاحِدَةٌ مُطْلَقَةٌ تَشْبِيهًا بِالشِّكَالِ الَّذِي يُشْكِلُ بِهِ الْخَيْلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ غَالِبًا
قَالَ أَبُو عَبِيدٍ وَقَدْ يَكُونُ الشِّكَالُ ثَلَاثَ قَوَائِمَ مُطْلَقَةً وَوَاحِدَةً مُحَجَّلَةً قَالَ وَلَا يَكُونُ الْمُطْلَقَةُ مِنَ الْأَرْجُلِ أَوِ الْمُحَجَّلَةُ إِلَّا الرِّجْلَ
قَالَ بن دُرَيْدٍ الشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ مُحَجَّلَةً مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قِيلَ الشِّكَالُ مُخَالِفٌ
قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمُطَرِّزُ قِيلَ الشِّكَالُ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْيَدِ الْيُمْنَى وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَالْيَدِ الْيُسْرَى وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَيَدٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْمَشْكُولِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ الْجِنْسُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَابَةٌ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَغَرَّ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ لِزَوَالِ شَبَهِ الشِّكَالِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ فِي شِكَالِ الْخَيْلِ قَالَ أَحْمَدُ صَوَابُهُ سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي اسْمِهِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ(5/284)
أحمد عن أبيه شعبة يخطىء فِي هَذَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَإِنَّمَا هُوَ سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ) حَافِظٌ ضعيف وكان بن مَعِينٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ
قَوْلُهُ (فَمَا خَرَمَ) مِنْ بَابِ ضرب أي ما نقص يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّهَانِ وَالسَّبَقِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّهَانُ وَالْمُرَاهَنَةُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ
[1699] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ) بْنُ قَيْسٍ الْعَبْدِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ (أَجْرَى الْمُضَمَّرَ) الْإِضْمَارُ وَالتَّضْمِيرُ أَنْ تَعْلِفَ الْخَيْلَ حَتَّى تَسْمَنَ وَتَقْوَى ثُمَّ يُقَلَّلُ عَلَفُهَا بَعْدُ بِقَدْرِ الْقُوتِ وَتُدْخَلُ بَيْتًا وَتُغَشَّى بِالْجِلَالِ حَتَّى تَحْمَى فَتَعْرَقَ فَإِذَا جَفَّ عَرَقُهَا خَفَّ لَحْمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ (مِنَ الْحَفْيَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَمَدٌّ مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ سَابَقَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَجْرَى (إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) مَكَانٌ آخَرُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَأُضِيفَ الثَّنِيَّةُ إِلَى الْوَدَاعِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ التَّوْدِيعِ (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ اسْمُ رَجُلٍ (وَبَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالْمَسْجِدِ (مِيلٌ) إِنَّمَا جَعَلَ غَايَةَ الْمُضَمَّرَةِ أَبْعَدَ لِكَوْنِهَا أَقْوَى (فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجِئْت سَابِقًا فطفف بي(5/285)
الْفَرَسُ الْمَسْجِدَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ عَلَا وَوَثَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَ جِدَارُهُ قَصِيرًا وَهَذَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ هِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ وَهُوَ مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَبَثِ بَلْ مِنَ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ عَلَى الْأَقْدَامِ وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ
وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِهَا بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْلَامِ بِالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ
تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْمُرَاهَنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ تَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ بَابَ الْمُرَاهَنَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُكَبَّرِ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَرَاهَنَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ قَصَرَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْخَيْلِ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا بِعِوَضٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ كَالْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ مَعَهُمْ فَرَسٌ وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْمُتَسَابِقِينَ وَكَذَا إِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلَّلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيُخْرِجَ الْعَقْدَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقًا فَمَنْ غَلَبَ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي الْمُحَلَّلِ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبَقُ فِي مَجْلِسِ السَّبَقِ
قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلِّلٌ إِلَخْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
قَالَ الْمُظْهِرُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَلِّلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرَسٍ مثل فر الْمُخْرِجَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فَرَسَيْهِمَا فِي الْعَدْوِ فَإِنْ كَانَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ جَوَادًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُحَلِّلُ أَنَّ فَرَسَيِ الْمُخْرِجَيْنِ لَا يَسْبِقَانِ فَرَسَهُ لَمْ يَجُزْ بَلْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ فَرَسَيِ الْمُخْرِجَيْنِ يَقِينًا أَوْ أَنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا جَازَ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ فِي الْمُسَابَقَةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ جِهَةِ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ شَرَطَ لِلسَّابِقِ مِنَ الْفَارِسَيْنِ مَالًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ وَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفَارِسَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْكَ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا فَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنْ سَبَقْتُكَ فَلِي عَلَيْكَ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَهَذَا لَا(5/286)
يَجُوزُ إِلَّا بِمُحَلِّلٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا إِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ سُبِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِلسَّابِقِ أَخْذَ الْمَالِ فَبِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا لِأَنَّ الْقِمَارَ يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ فَإِذَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْمُحَلِّلُ أو لا ثُمَّ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ وَالْمُسْتَبِقُ الثَّانِي إِمَّا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَحْرَزَ السَّابِقُ سَبَقَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ الْمُسْتَبِقِ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ مَعًا ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي مُصَلِّيًا أَخَذَ السَّابِقَانِ سَبَقَهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن حبان والبيهقي ومن حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ
قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1700] قَوْلُهُ (عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ) الْبَزَّارِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (لَا سَبَقَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا يُجْعَلُ مِنَ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْتُ أَسْبِقُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الْفَصِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ (إِلَّا فِي نَصْلٍ) أَيْ لِلسَّهْمِ (أَوْ خُفٍّ) أَيْ لِلْبَعِيرِ (أَوْ حَافِرٍ) أَيْ لِلْخَيْلِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرٍ أَيْ ذِي نَصْلٍ وَذِي خُفٍّ وذي حافر
وقال بن الْمَلَكِ الْمُرَادُ ذُو نَصْلٍ كَالسَّهْمِ وَذُو خُفٍّ كَالْإِبِلِ وَالْفِيلِ وَذُو حَافِرٍ كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ أَيْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَّا فِي أَحَدِهَا وَأَلْحَقَ بَعْضٌ بِهَا الْمُسَابَقَةَ بِالْأَقْدَامِ وَبَعْضٌ الْمُسَابَقَةَ بِالْأَحْجَارِ
وَفِي شَرْحِ(5/287)
السُّنَّةِ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْخَيْلِ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَفِي مَعْنَى الْإِبِلِ الْفِيلُ قِيلَ لِأَنَّهُ أَغْنَى مِنَ الْإِبِلِ فِي الْقِتَالِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمُ الشَّدَّ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا وَفِيهِ إِبَاحَةُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُنَاضَلَةِ لِمَنْ نَضَلَ وَعَلَى الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ لِمَنْ سَبَقَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهَا عُدَّةٌ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَفِي بَذْلِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا تَرْغِيبٌ فِي الْجِهَادِ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا أُدْخِلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ وَالسِّبَاقُ بِالطَّيْرِ وَالرِّجْلِ وَبِالْحَمَامِ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ وَلَا مِنْ بَابِ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِهَادِ فَأَخْذُ الْمَالِ عَلَيْهِ قمار محظور
وسئل بن الْمُسَيِّبِ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَدْحُو بِالْحِجَارَةِ أَيْ يَرْمِي بِهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السنن والشافعي والحاكم من طرق وصححه بن القطان وبن دَقِيقِ الْعِيدِ
وَأَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْضَهَا بِالْوَقْفِ وَرَوَاهُ الطبراني وأبو الشيخ من حديث بن عَبَّاسٍ انْتَهَى
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ ينزى الْحُمُرُ عَلَى الْخَيْلِ)
[1701] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَالِمٍ أَبُو جَهْضَمٍ) مَوْلَى آلِ الْعَبَّاسِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا مَأْمُورًا) أَيْ بِأَوَامِرِهِ مَنْهِيًّا عَنْ نَوَاهِيهِ أَوْ مَأْمُورًا بِأَنْ يَأْمُرَ أُمَّتَهُ بِشَيْءٍ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ كَذَا قِيلَ
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْ مِطْوَاعًا غَيْرَ مُسْتَبِدٍّ فِي الْحُكْمِ وَلَا حَاكِمَ بِمُقْتَضَى مَيْلِهِ وَتَشَهِّيهِ حَتَّى يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى
وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ عُمُومًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ ربك الْآيَةَ (مَا اخْتَصَّنَا) أَيْ أَهْلَ الْبَيْتِ يُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ وَسَائِرَ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (دُونَ الناس) أي متجاوزا عنهم (إلا بثلاث) أَيْ مَا اخْتَصَّنَا بِحُكْمٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ عَلَى سَائِرِ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِشَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ انْتَهَى
إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ
(أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ نَسْتَوْعِبُ مَاءَهُ أَوْ نُكَمِّلَ(5/288)
أَعْضَاءَهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْ وُجُوبًا لِأَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ لِلْكُلِّ (وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ) مِنْ أَنْزَى الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ حَمَلَهَا عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ هَذَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ
وَقَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمَرَنَا إِلَخْ تَفْصِيلٌ لِلْخِصَالِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ أَمْرَ إِيجَابٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِصَاصٌ لِأَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ مَنْدُوبٌ عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْزَاءُ الْحِمَارِ عَلَى الْفَرَسِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَالسَّبَبُ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَاسْتِبْدَالُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَإِنَّ الْبَغْلَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ ولذلك لا سهم لها فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا سَبَقَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ وَلِأَنَّهُ عُلِّقَ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِينَةً أَيْضًا كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُفَسَّرَ الصَّدَقَةُ بِالتَّطَوُّعِ أَوِ الْأَمْرُ بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَصَّنَا بِشَيْءٍ إِلَّا بِمَزِيدِ الْحَثِّ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ بَلِيغٌ عَلَى الشِّيعَةِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَّ أَهْلَ الْبَيْتِ بِعُلُومٍ مَخْصُوصَةٍ وَنَظِيرُهُ مَا صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ سُئِلَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ والذي خلق الجنة وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى الرَّجُلُ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ
الْحَدِيثَ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شرح الاثار بعد رواية حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ مَا لَفْظُهُ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا فَكَرِهُوا إِنْزَاءَ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ وَمَنَعُوا مِنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَكَانَ رُكُوبُ الْبِغَالِ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ لَوْلَا رَغْبَةُ النَّاسِ فِي الْبِغَالِ وَرُكُوبُهُمْ إِيَّاهَا لَمَا أَنُزِئَتِ الْحُمُرُ عَلَى الْخَيْلِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ إِخْصَاءِ بَنِي آدَمَ كَرِهَ بِذَلِكَ الْخِصْيَانَ لِأَنَّ فِي اتِّخَاذِهِمْ مَا يَحْمِلُ مِنْ تَحْضِيضِهِمْ عَلَى إِخْصَائِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا تَحَامَوُا اتِّخَاذَهُمْ لَمْ يَرْغَبْ أَهْلُ الْفِسْقِ فِي إِخْصَائِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ بِسَنَدِهِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عِيسَى الذَّهَبِيِّ أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخَصِيٍّ فَكَرِهَ أَنْ يَبْتَاعَهُ وَقَالَ مَا كُنْتُ لِأُعِينَ عَلَى الْإِخْصَاءِ فَكُلُّ شَيْءٍ فِي تَرْكِ كَسْبِهِ تَرْكٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي لِمَعْصِيَتِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي كَسْبُهُ فَلَمَّا أُجْمِعَ عَلَى إِبَاحَةِ اتِّخَاذِ الْبِغَالِ وَرُكُوبِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى آخَرُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبِغَالِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
قِيلَ لَهُ قَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَيْلَ قَدْ جَاءَ فِي ارْتِبَاطِهَا واكتسابها وعلفها(5/289)
الْأَجْرُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْبِغَالِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَنْزُو فَرَسٌ عَلَى فَرَسٍ حَتَّى يَكُونَ عَنْهُمَا مَا فِيهِ الْأَجْرُ وَيَحْمِلُ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ فَيَكُونُ عَنْهُمَا بغل لا أجر فيه الذين لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بِذَلِكَ إِنْتَاجَ مَا فِي ارْتِبَاطِهِ الْأَجْرُ وَيُنْتِجُونَ مَا لَا أَجْرَ فِي ارْتِبَاطِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فَضْلِ ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَى اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي هَاشِمٍ بِالنَّهْيِ عَنْ إِنْزَاءِ الْحَمِيرِ على الخيل قيل له لما حدثنا بن أَبِي دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قال حدثنا المرجي هو بن رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَهْضَمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عبيد الله بن عبد الله عن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا اخْتَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بِثَلَاثٍ أَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَأَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ قَالَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ كَانَتِ الْخَيْلُ قَلِيلَةً فِي بَنِي هَاشِمٍ فَأَحَبَّ أَنْ تَكْثُرَ فِيهِمْ فَبَيَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِتَفْسِيرِهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ اخْتَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا تَنْزَءُوا الْحِمَارَ عَلَى فَرَسٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ قِلَّةَ الْخَيْلِ فِيهِمْ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ وَكَثُرَتِ الْخَيْلُ فِي أَيْدِيهِمْ صَارُوا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمْ
وَفِي اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِالنَّهْيِ عِنْدَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ لِغَيْرِهِمْ
وَلَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ وَسُئِلَ عَنِ ارْتِبَاطِ الْحَمِيرِ فَلَمْ يَجْعَلْ فِي ارْتِبَاطِهَا شَيْئًا وَالْبِغَالُ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْخَيْلِ مِثْلُهَا كَانَ مَنْ تَرَكَ أَنْ تُنْتَجَ مَا فِي ارْتِبَاطِهِ وَكَسْبِهِ ثَوَابٌ وَأَنْتَجَ مَا لَا ثَوَابَ فِي ارْتِبَاطِهِ وَكَسْبِهِ مِنَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
فَلَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا إِبَاحَةُ نَتْجِ الْبِغَالِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ إِنْتَاجُ الْخَيْلِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ مُخْتَصَرًا
قُلْتُ فِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا أَنْظَارٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ الْإِنْزَاءَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرُّكُوبَ وَالتَّزَيُّنَ بِهِ جَائِزٌ إِنْ كَانَ كَالصُّوَرِ فَإِنَّ عَمَلَهَا حَرَامٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ مُبَاحٌ
قُلْتُ وَكَذَا تَخْلِيلُ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَأَكْلُ خَلِّ الْخَمْرِ جَائِزٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ فَرَكِبَهَا فَقَالَ عَلِيٌّ لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(5/290)