قَوْلُهُ (غَيْرِ الْمُفَتَّتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ زَيْتٌ مُفَتَّتٌ طُبِخَ فِيهِ الرَّيَاحِينُ أَوْ خُلِطَ بِأَدْهَانٍ طَيِّبَةٍ انْتَهَى
والْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ الَّذِي لَمْ يُخْلَطْ بِشَيْءٍ مِنَ الطِّيبِ لكن الحديث ضعيف قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالشَّيْرَجَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّيْلِ
قُلْتُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الِادِّهَانَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا
قَالَ الْمِرْغِينَانِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَا انتهى
قال بن الْهُمَامِ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ فَأَفَادَ مَنْعَ الِادِّهَانِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَمَعَ كَوْنِهِ غَرِيبًا ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ
والحديث أخرجه أحمد وبن ماجه أيضا
11 - باب [963] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بْنِ خَدِيجٍ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِآخِرَةٍ مَنْ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ يَحْمِلُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ حَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إِلَى الْمَوَاطِنِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَكَّةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ والحاكم وصححه كذا في النيل(4/32)
112 - باب [964] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الْوَاسِطِيُّ) ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ) بتقديم الزاء عَلَى الرَّاءِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ) بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا الْمَكِّيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) أَيْ يَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسَمَّى التَّرْوِيَةَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهَا إِبِلَهُمْ وَيَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَثُرَتْ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ
وقِيلَ فِي تَسْمِيَةِ التَّرْوِيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ (يَوْمَ النَّفْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (بِالْأَبْطَحِ) أَيْ الْبَطْحَاءِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهِيَ مَا انْبَطَحَ مِنَ الْوَادِي وَاتَّسَعَ وَهِيَ التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثُمَّ قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُك) أَيْ لَا تُخَالِفْهُمْ فَإِنْ نَزَلُوا بِهِ فَانْزِلْ بِهِ فَإِنْ تَرَكُوهُ فَاتْرُكْهُ حَذَرًا مِمَّا يَتَوَلَّدُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَيُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُسْتَغْرَبُ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ إِسْحَاقَ تَفَرَّدَ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ أَرْدَفَهُ الْبُخَارِيُّ بِطَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ قَصَّرَ فِيهَا مُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ بِطَرِيقِ إِسْحَاقَ وَقَدْ وَجَدْنَا لَهُ شَوَاهِدَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ شَوَاهِدَهُ
والْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم(4/33)
10 - (أبواب الْجَنَائِزِ)
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ وَيُقَالُ عَكْسُهُ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ قَالَ وَالْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا ستر ذكره بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَالْمُضَارِعُ يَجْنِزُ بِكَسْرِ النُّونِ انْتَهَى
ما جاء في ثواب المريض [965] قَوْلُهُ (شَوْكَةٌ) بِالْفَتْحِ وَهُوَ فِي الْفَارِسِيَّةِ خَارَ (فَمَا فَوْقَهَا) يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ فَوْقَهَا فِي الصِّغَرِ وَالْقِلَّةِ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا أَوْ مَا هُوَ فَوْقَهَا فِي الْكِبَرِ وَالتَّأَلُّمِ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَقَدْ فَسَرُّوا بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِبَ مثلا ما بعوضة فما فوقها وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أُنْسَبُ وَأَفْيَدُ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَسَدِ بْنِ كُرْزٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ(4/34)
وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالتِّرْمِذِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَسَدِ بْنِ كُرْزٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِهِ وبن أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[966] قَوْلُهُ (مَا مِنْ شَيْءٍ) مَا نَافِيَةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ (مِنْ نَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ التَّعَبُ وَالْأَلَمُ الَّذِي يُصِيبُ الْبَدَنَ مِنْ جِرَاحَةٍ وَغَيْرِهَا (ولا حزن) بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحهما وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْقَلْبِ خُشُونَةٌ يُقَالُ مَكَانٌ حَزْنٌ أَيْ خَشِنٌ (وَلَا وَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَلَمُ اللَّازِمُ وَالسَّقَمُ الدَّائِمُ (حَتَّى الْهَمُّ) بِالرَّفْعِ فَحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ الْهَمِّ خَبَرُهُ وَبِالْجَرِّ فَحَتَّى عَاطِفَةٌ أَوْ بِمَعْنَى إِلَى فَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ حَالُهُ (يَهُمُّهُ) أَيْ يُذِيبُهُ مِنْ هَمَمْتُ الشَّحْمَ إِذَا أَذَبْتُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْهَمُّ الْحُزْن هَمَّ السَّقَمُ جِسْمَهُ أَذَابَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْهَمُّ يَنْشَأُ مِنَ الْفِكْرِ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ وَالْغَمُّ كَرْبٌ يَحْدُثُ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ وَالْحُزْنُ يَحْدُثُ لِفَقْدِ مَا يَشُقُّ عَلَى الْمَرْءِ فَقْدُهُ
وقِيلَ الْهَمُّ وَالْغَمُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى
(إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) ظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ لِحَدِيثِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجتنبت الكبائر
فحملوا المطلقات الواردة في التفكير عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ(4/35)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ) أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ الْجَارُودَ وَهُوَ الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ شَيْخُ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا) هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التاسعة (أنه) أي وكيعا
مَا جَاءَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ [967] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ
قَوْلُهُ (لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ) زَادَ مُسْلِمٌ حَتَّى يَرْجِعَ
والْخُرْفَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ
قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبِهِ الْخُرْفَةُ مَا يُخْتَرَف مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرِكُ ثَمَرُهُ
قَالَ أبو بكر بن الأنياري شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُحْرِزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يُحْرِزُ الْمُخْتَرِفُ مِنَ الثَّمَرِ
وحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الطَّرِيقُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَرِيقٌ يُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ كَذَا فِي قوت المغتذي
وقال بن الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ مَمْشَاهُ إِلَى الْمَرِيضِ لَمَّا كَانَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَ الْخُطَا سَبَبًا إِلَى نَيْلِ الدَّرَجَاتِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ عَبَّرَ بِهَا عَنْهَا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا مَجَازٌ انْتَهَى(4/36)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَالْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الدِّيلمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ أَفْضَلُ الْعِيَادَةِ أَجْرًا سُرْعَةُ الْقِيَامِ مِنْ عِنْدِ الْمَرِيضِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَرَوَى أَبُو غِفَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ آخِرُهُ رَاءٌ اسْمُهُ مُثَنَّى بْنُ سَعْدٍ أَوْ سَعِيدٌ الطَّائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ السَّادِسَةِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي الأسماء فَهُوَ أَصَحُّ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي الأسماء بِحَذْفِ وَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ (وَأَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ) أَيْ جَمِيعُ أَحَادِيثِهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (إِنَّمَا هِيَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ الْمَذْكُورَ (وَهُوَ عِنْدِي عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِوَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ فَمَنْ رَوَى هَكَذَا فَهُوَ أَصَحُّ
[968] (وَزَادَ فِيهِ قِيلَ مَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ جَنَاهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَنَا اسْمُ مَا يُجْتَنَى مِنَ الثَّمَرِ وَيُجْمَعُ الْجَنَا عَلَى أَجْنٍ مِثْلُ عَصًى وَأَعْصٍ انْتَهَى
[969] قَوْلُهُ (عَنْ ثُوَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مصغرا بن فَاخِتَةَ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ سَعِيدُ بْنُ(4/37)
عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو فَاخِتَةَ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (أَخَذَ عَلِيٌّ) أَيْ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (إلى الحسن) أي بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (غُدْوَةً) بِضَمِّ الْغَيْنِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدْوَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كذا قاله بن الْمَلِكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ (إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ (حَتَّى يُمْسِيَ) مِنَ الْإِمْسَاءِ (وَإِنْ عَادَهُ) إِنْ نَافِيَةٌ بِدَلَالَةِ إِلَّا وَلِمُقَابَلَتِهَا مَا (عَشِيَّةً) أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ (وَكَانَ لَهُ) أَيْ لِلْعَائِدِ (خَرِيفٌ) أَيْ بُسْتَانٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الثَّمَرُ الْمُجْتَنَى أَوْ مَخْرُوفٌ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَاسْمُ أَبِي فَاخِتَةَ) هُوَ وَالِدُ ثُوَيْرٍ كَمَا عَرَفْتَ
فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ تَكْرَارُ الْعِيَادَةِ سُنَّةٌ لِمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حِينَ ضَرَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ وَيُعَادُ الْمَرِيضُ مِنْ كُلِّ أَلَمٍ دَقَّ أَوْ جَلَّ وَيُعَادُ مِنَ الرَّمَدِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ عَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَمَدٍ أَصَابَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يُعَادُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ وَجَعِ الضِّرْسِ وَلَا مِنَ الدُّمَّلِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا
ما جاء في النهي عن تمني الموت [970] قَوْلُهُ (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَأَبُوهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ(4/38)
الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ غَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنِ بن الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ تَرَكَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (دَخَلْتُ عَلَى خباب) بالتشديد أي بن الْأَرَتِّ بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ تَمِيمِيٌّ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِيعَ بِمَكَّةَ ثُمَّ حَالَفَ بَنِي زُهْرَةَ وَأَسْلَمَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ فَعُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا لِذَلِكَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مُنْصَرَفَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ صِفِّينَ فَمَرَّ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابًا أَسْلَمَ رَاغِبًا وَهَاجَرَ طَائِعًا وَعَاشَ مُجَاهِدًا وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالًا وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ أَجْرَهُ (وَقَدْ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَيُّ عِلَاجٌ مَعْرُوفٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ فَقِيلَ النَّهْيُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الشفا مِنْهُ وَأَمَّا إِذَا اعْتُقِدَ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مِنْ قِبَلِ التَّوَكُّلِ وَهُوَ دَرَجَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْجَوَازِ انْتَهَى
ويُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أَجِدُ دِرْهَمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْفُتُوحَاتِ الْعَظِيمَةَ لَمْ تَقَعْ إِلَّا بَعْدُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي السرح لما افتتح إفرقية فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بَلَغَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِيهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ (وَفِي نَاحِيَةِ بَيْتِي أَرْبَعُونَ أَلْفًا) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَإِنَّ فِي جَانِبِ بَيْتِي الْآنَ لَأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (نَهَانَا أَوْ نَهَى) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ (أَنْ يُتَمَنَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَتَمَنَّيْتُهُ) أَيْ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُ وَلَا تَصْبِرَ عَلَيْهِ
والْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَزَادَ قَالَ ثُمَّ أُتِيَ بِكَفَنِهِ فَلَمَّا رَآهُ بَكَى وَقَالَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إِلَّا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ إِذَا جُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ قَلَصَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ وَإِذَا جُعِلَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّى مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ وَجُعِلَ عَلَى قَدَمَيْهِ الْإِذْخِرُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يُسْتَعْتَبَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ خَبَّابٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ(4/39)
قَوْلُهُ (لِضُرٍّ) بِضَمِّ الضَّادِ وَتُفْتَحُ أَيْ بِسَبَبِ ضَرَرٍ مَالِيٍّ أَوْ بَدَنِيٍّ وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ الضُّرِّ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَزَعِ فِي الْبَلَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَاءِ بِالْقَضَاءِ (مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ غَالِبَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَزْمِنَةُ خَالِيَةً عَنِ الْفِتْنَةِ وَالْمِحْنَةِ (وَتَوَفَّنِي) أَيْ أُمِتْنِي (إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ) أَيْ الْمَمَاتُ (خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْحَيَاةِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَكْسَ مَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان
مَا جَاءَ فِي التَّعَوُّذِ لِلْمَرِيضِ [972] قَوْلُهُ (إِنَّ جِبْرِيلَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِلزِّيَارَةِ أَوْ الْعِيَادَةِ (أَشْتَكَيْتَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَقِيلَ بِالْمَدِّ عَلَى إِثْبَاتِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَابْدَالِهَا أَلِفًا وَقِيلَ بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَأْخُوذٌ مِنَ الرُّقْيَةِ (مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ) أَيْ خَبِيثَةٍ (وَعَيْنٍ حَاسِدَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ مَنْفُوسٌ إِذَا كَانَ يُصِيبُ النَّاسَ بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ
ويَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فِي لَفْظِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ(4/40)
[973] قَوْلُهُ (وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (يَا أَبَا حَمْزَةَ) هَذَا كُنْيَةُ أَنَسٍ
قَوْلُهُ (رَبَّ النَّاسِ) بِالنَّصْبِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (مُذْهِبَ الْبَاسِ) أَيْ مزيل شدة المرض
قال الحافظ بن حَجَرٍ الْبَاسُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ لِلِازْدِوَاجِ فَإِنَّ أَصْلَهُ الْهَمْزَةُ (شِفَاءً) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لا شف وَالْجُمْلَتَانِ مُعْتَرِضَتَانِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ (لَا يُغَادِرُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَتْرُكُ (سَقَمًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ مَرَضًا وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَيَخْلُفُهُ مَرَضٌ آخَرُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَثَلًا فَكَانَ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ الْمُطْلَقِ لَا بِمُطْلَقِ الشِّفَاءِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن السُّنِيِّ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فَرُّوخٍ الرَّازِيُّ إِمَامٌ حَافِظٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ إِسْحَاقُ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَاتَ سَنَةَ أربع وستين ومائتين (أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ إِلَخْ) هَذَا مَقُولُ أَبِي زُرْعَةَ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ هَذَا عَلَى كَوْنِ كَلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحًا(4/41)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ)
[974] قَوْلُهُ (مَا) أَيْ لَيْسَ (حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ
أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يُشْعَرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الكافر جائزة في الجملة
وحكى بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ
وقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ عَنِ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ (يَبِيتُ) كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ) الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ (وَلَهُ شَيْءٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (يُوصِي فِيهِ) صِفَةُ شَيْءٍ (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَيَبِيتُ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِامْرِئٍ وَيُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرٌ أَيْ لِلَيْسَ ثُمَّ قَيَّدَ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ تَأْكِيدٌ وَلَيْسَ بِتَحْدِيدٍ وَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا أَنْ يَبِيتَ بِهَذِهِ الْحَالِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي تَخْصِيصِ لَيْلَتَيْنِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
ومَعْنَاهُ مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِمُسْلِمٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ
وقَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ دَيْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَأَنْ يَكْتُبَهَا فِي صَحِيفَةٍ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى فَقَالَ لَا فَقُلْتُ كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ(4/42)
أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ
[975] قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
مَا جَاءَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ قَوْلُهُ (هُمْ أَغْنِيَاءُ بِخَيْرٍ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قَوْلُهُ بِخَيْرٍ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ صِفَةُ أَغْنِيَاءُ قَوْلُهُ (فَمَا زِلْتُ أَنَاقِصُهُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ أُرَاجِعُهُ فِي النُّقْصَانِ أَيْ أَعُدُّ مَا ذَكَرَهُ نَاقِصًا وَلَوْ رُوِيَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ لَكَانَ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ انْتَهَى
قُلْتُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ أَنَاقِصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمِشْكَاةِ وفيه أيضا بالصاد المهملة لكن قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ فِيهِ نقلا عن بن الْمَلِكِ أَيْ قَالَ سَعْدٌ فَمَا زِلْتُ أُنَاقِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ أَيْ يَنْقُضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَوْلِي وَأَنْقُضُ قَوْلَهُ أَرَادَ بِهِ الْمُرَاجَعَةَ حِرْصًا عَلَى الزِّيَادَةِ
ورُوِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ النُّقْصَانِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَوْصِ بِالْعُشْرِ فَمَا زَالَ يَقُولُ وَأَقُولُ حَتَّى قَالَ أَوْصِ بِالثُّلُثِ إِلَخْ
وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَنَاقَضَنِي وَنَاقَضْتُهُ أَيْ يَنْقُضُ قَوْلِي وَأَنْقُضُ قَوْلَهُ مِنْ نَقَضَ الْبِنَاءَ أَرَادَ بِهِ الْمُرَاجَعَةَ وَالْمُرَادَّةَ انْتَهَى (وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَثِيرٌ بِالْمُثَلَّثَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ
قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ بِالثُّلُثِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرُهُ الْفَهْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَلُ أَيْ كَثِيرٌ أَجْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ غَيْرُ قَلِيلٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ عول بن عَبَّاسٍ انْتَهَى
قُلْتُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ
رَوَى البخاري في صحيحه عن بن عباس قال لو غفر النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثُّلُثُ(4/43)
وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا اخْتَارَهُ من النقصان عن الثلث وكأن بن عَبَّاسٍ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ بِالْكَثْرَةِ انْتَهَى (قَالَ أَبُو عبد الرحمن فنحن نستحب أن ينقص مِنَ الثُّلُثِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ) يَعْنِي لِوَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ بِالْكَثْرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ كَبِيرٌ) أَيْ بِالْمُوَحَّدَةِ (وَيُرْوَى كَثِيرٌ) أَيْ بِالْمُثَلَّثَةِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ فَإِنْ أَجَازُوا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ
وقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ وَيُوضَعُ الثُّلُثَانِ لِبَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى (وَيَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ فِي الْوَصِيَّةِ الْخُمُسَ دُونَ الرُّبْعِ وَالرُّبْعَ دُونَ الثُّلُثِ إِلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَائِمٌ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ جَائِزَةٌ وَأَوْصَى الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثُّلُثِ
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ هَلْ هُوَ الْخُمُسُ أَوْ السُّدُسُ أَوْ الرُّبْعُ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْخُمُسِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ مِنْ غَنَائِمِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخُمُسِ
وقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرُّبْعِ
وقَالَ إسحاق السنة الربع كما(4/44)
روى عن بن عَبَّاسٍ
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرُّبْعِ وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثُّلُثِ
واخْتَارَ آخَرُونَ السُّدُسَ
وقَالَ ابْرَاهِيمُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُوصُوا مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَكُونَ أَقَلَّ وَكَانَ السُّدُسُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ
واخْتَارَ آخَرُونَ الْعُشْرَ
واخْتَارَ آخَرُونَ لِمَنْ كَانَ مَالُهُ قَلِيلًا وَلَهُ وَارِثٌ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ روى ذلك عن علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ
وفِي التَّوْضِيحِ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ وَشَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ قول بن مَسْعُودٍ وَعُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِسْحَاقَ
وقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي إنتهى كلام العيني
مَا جَاءَ فِي تَلْقِينِ الْمَرِيضِ عِنْدَ الْمَوْتِ والدعاء له [976] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وكسر الزاء بعدها تحتانية ثقيلة بن الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمَدَنِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ
قَوْلُهُ (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ذَكِّرُوهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَالْأَمْرُ بِهَذَا التَّلْقِينِ أَمْرُ نَدْبٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَ بِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يليق إنتهى
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ هَذَا التَّلْقِينُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمْعٌ بَلْ نَقَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إنتهى
قلت الأمر كما قال القارىء والله تعالى أعلم
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْمُرَادُ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ كَلِمَتَا الشَّهَادَةِ فَلَا يَرِدُ إِشْكَالُ تَرْكِ ذِكْرِ الرِّسَالَةِ
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَقَبٌ جَرَى عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْعًا انْتَهَى(4/45)
اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَوْتَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا الْمَيِّتُ حَقِيقَةٍ فإن بن حِبَّانَ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وقَالَ فِيهِ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ مَنْ لُقِّنَ عِنْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ انْتَهَى
وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الايمان عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ افْتَحُوا عَلَى صِبْيَانِكُمْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَقِّنُوهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ مَا سُئِلَ عَنْ ذَنْبٍ وَاحِدٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الايمان عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ غَرِيبٌ كَذَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلسُّيُوطِيِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَسُعْدَى الْمُرِّيَّةِ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِنْتِ عَوْفٍ لَهَا صُحْبَةٌ (وَهِيَ امْرَأَةُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْجَمَلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
[977] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاهِلِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ
قَوْلُهُ (إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الميت) أي الحكمى فأو للشك أو الحقيقي فأو للتنويع قاله القارىء (فَقُولُوا خَيْرًا) أَيْ لِلْمَرِيضِ اشْفِهِ وَلِلْمَيِّتِ اغْفِرْ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاة (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَقُولُونَ آمِينَ (عَلَى مَا تَقُولُونَ) مِنَ الدُّعَاءِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا
قال(4/46)
النَّوَوِيُّ فِيهِ النَّدْبُ إِلَى قَوْلِ الْخَيْرِ حِينَئِذٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَطَلَبِ اللُّطْفِ بِهِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ حُضُورُ الْمَلَائِكَةِ حِينَئِذٍ وَتَأْمِينُهُمْ انْتَهَى (وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً) أَيْ عَوِّضْنِي مِنْهُ عِوَضًا حَسَنًا (فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) أَيْ أَعْطَانِي اللَّهُ بَدَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَدَلٌ مِنْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عن بن الْمُبَارَكِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْمَرْوَزِيُّ أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الاسلام
قال بن عيينة بن الْمُبَارَكِ عَالِمُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا
وقَالَ شُعْبَةُ مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ جَوَادٌ جُمِعَتْ فِيهِ خِصَالُ الْخَيْرِ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (وَإِنَّمَا مَعْنَى قول عبد الله) أي بن الْمُبَارَكِ (إِنَّمَا أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عَنْ معاذ بن جبل
وقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ أَرَادُوا تَلْقِينَهُ فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ مُعَاذٍ فَحَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ بِإِسْنَادِهِ وَخَرَجَتْ رُوحُهُ فِي آخِرِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عِنْدَ الْمَوْتِ [978] قَوْلُهُ (عن بن الْهَادِ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا(4/47)
مُهْمَلَةٌ مَدَنِيٌّ مَسْتُورٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ بِالْمَوْتِ) أَيْ مَشْغُولٌ أَوْ مُلْتَبِسٌ بِهِ (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ) دَفْعًا لِحَرَارَةِ الْمَوْتِ أَوْ دَفْعًا لِلْغَشَيَانِ وَكَرْبِهِ (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) أَيْ شَدَائِدِهِ أَيْ أَعِنِّي عَلَى دَفْعِهَا
قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَمْرَةُ الشَّيْءِ شِدَّتُهُ وَمُزْدَحَمُهُ ج غَمَرَاتٌ وَغِمَارٌ انْتَهَى
وقَالَ فِي مجمع البحار غمرات الموت شدائده انتهى
(وسكرات الْمَوْتِ) أَيْ شَدَائِدِهِ جَمْعُ سَكْرَةٍ بِسُكُونِ الْكَافِ وَهِيَ شِدَّةُ الْمَوْتِ
قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِمَا قَبْلَهُ والظاهر أن يراد بالأولى الشِّدَّةُ وَبِالْأُخْرَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الدَّهْشَةِ وَالْحَيْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَفْلَةِ
وقَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق إِنَّ سَكْرَتَهُ شِدَّتُهُ الذَّاهِبَةُ بِالْعَقْلِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُوسَى بْنَ سَرْجِسَ مَسْتُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ
[979] قوله (والحسن بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ) آخِرُهُ رَاءٌ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ يَهِمُ وَكَانَ عَابِدًا فَاضِلًا مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُبَشِّرٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ) بْنِ اللَّجْلَاجِ نَزِيلِ حَلَبَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (مَا أَغْبِطُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يُقَالُ غَبَطْتُ الرَّجُلَ أَغْبِطُهُ إِذَا اشْتَهَيْتَ أن يكون لك مثل ماله وَأَنْ يَدُومَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ أَيْ مَا أَحْسُدُ (أَحَدًا) وَلَا أَتَمَنَّى وَلَا أَفْرَحُ لِأَحَدٍ (بِهَوْنِ مَوْتٍ) الْهَوْنُ بِالْفَتْحِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ أَيْ بِسُهُولَةِ مَوْتٍ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ لَمَّا رَأَيْتُ شِدَّةَ وَفَاتِهِ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُنْذِرَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى سُوءِ عَاقِبَةِ الْمُتَوَفَّى وَأَنَّ هَوْنَ الْمَوْتِ وَسُهُولَتَهُ لَيْسَ مِنْ(4/48)
الْمُكْرِمَاتِ
وإِلَّا لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ وَلَا أَغْبِطُ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ غير شدة
قوله (هو بن العلاء اللَّجْلَاجِ) بِجِيمَيْنِ وَسُكُونِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أعرفه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ
باب [982] قوله (حدثنا بْنُ بَشَّارٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ (الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ) قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ وَقِيلَ هُوَ عَلَامَةُ الْخَيْرِ عِنْدَ الْمَوْتِ
قَالَ بن الْمَلِكِ يَعْنِي يَشْتَدُّ الْمَوْتُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَعْرَقُ جَبِينُهُ مِنَ الشِّدَّةِ لِتَمْحِيصِ ذُنُوبِهِ أَوْ لِتَزِيدَ دَرَجَتُهُ
وقَالَ التوربشتي فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُكَابِدُهُ مِنْ شِدَّةِ السِّيَاقِ الَّتِي يَعْرَقُ دُونَهَا الْجَبِينُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَدِّ الْمُؤْمِنِ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ وَتَضْيِيقِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ الْعِرَاقِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ إِنَّ عَرَقَ الْجَبِينِ لِمَا يُعَالِجُ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ وَقِيلَ مِنَ الْحَيَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا جَاءَتْهُ الْبُشْرَى مَعَ مَا كَانَ قَدْ اقْتَرَفَ مِنَ الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَعَرِقَ لِذَلِكَ جَبِينُهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (فِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ كَذَا قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ فِي شَرْحِهِ وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثا عن بن مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ أَيْضًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وأقره الذهبي كذا في المرقاة(4/49)
10 - باب [983] قوله (حدثنا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضُّبَعِيُّ صَدُوقٌ زَاهِدٌ لكنه يتشيع من الثامنة
قوله (وهو بالموت) أي في سكراته (كيف تجدك) قال بن الْمَلِكِ أَيْ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك أَوْ نَفْسَك فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ رَاجِيًا رَحْمَةَ اللَّهِ أَوْ خَائِفًا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ (أَرْجُو اللَّهَ) أَيْ أَجِدُنِي أَرْجُو رَحْمَتَهُ (وَإِنِّي) أَيْ مَعَ هَذَا (أَخَافُ ذُنُوبِي) قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَّقَ الرَّجَاءَ بِاللَّهِ وَالْخَوْفَ بِالذَّنْبِ وَأَشَارَ بِالْفِعْلِيَّةِ إِلَى أَنَّ الرَّجَاءَ حَدَثَ عِنْدَ السِّيَاقِ وَبِالِاسْمِيَّةِ والتأكيد بان إِلَى أَنَّ خَوْفَهُ كَانَ مُسْتَمِرًّا مُحَقَّقًا (لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ (فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ) أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ زَمَانُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ
ومِثْلُهُ كُلُّ زَمَانٍ يُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَوَقْتِ الْمُبَادَرَةِ وَزَمَانِ الْقِصَاصِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِزِيَادَةِ الْمَثَلِ
وقَالَ الطِّيبِيُّ مِثْلُ زَائِدَةٌ وَالْمَوْطِنُ إِمَّا مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ كَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى (مَا يَرْجُو) أَيْ مِنَ الرَّحْمَةِ (وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) أَيْ مِنَ الْعُقُوبَةِ بالعفو والمغفرة
قوله (هذا حديث غَرِيبٌ) قَالَ مَيْرَك عَنِ الْمُنْذِرِيِّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ورواه بن أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ ورواه بن ماجه أيضا(4/50)
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّعْيِ)
بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَفِيهِ أَيْضًا كَسْرُ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ
وفِي النِّهَايَةِ نَعَى الْمَيِّتَ نَعْيًا إِذَا أَذَاعَ مَوْتَهُ وَأَخْبَرَ بِهِ
[986] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُصَغَّرًا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي سُلَيْمٌ كُلُّهُ بِالضَّمِّ إِلَّا سَلِيمَ بْنَ حِبَّانَ بِفَتْحِهَا الْعَبْسِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أخرجا يعني الترمذي وبن مَاجَهْ لَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْجَنَائِزِ وَحَسَّنَهُ الترمذي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَبْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ عَنْ حُذَيْفَةَ هو بن الْيَمَانِ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ
قَوْلُهُ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا مِنَ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ أَيْ لَا تُخْبِرُوا بِمَوْتِي أَحَدًا وَيَنْهَى عَنِ النَّعْيِ الظَّاهِرُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ وقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ كَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا مَاتَ فِيهَا مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ نَعَاءِ فُلَانٍ أَيْ أَنْعِيهِ وَأُظْهِرُ خَبَرَ وَفَاتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ مِثْلُ دَرَاكِ وَنَزَالِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِمَوْتِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ قُتِلُوا بِمُؤْتَةَ وأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِمَوْتِ السَّوْدَاءِ أَوْ الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَلَا آذَنْتُمُونِي فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ لَا يَكُونُ نَعْيًا مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ(4/51)
يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّعْيِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي قَوْلِهِ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ النَّعْيُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جمعا بين الأحاديث قال بن الْعَرَبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ الْأُولَى إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ الثَّانِيَةُ دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ تُكْرَهُ الثَّالِثَةُ الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَحْرُمُ انْتَهَى
قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[984] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا حَكَّامُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ بْنُ سَلْمٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثِقَةٌ لَهُ غَرَائِبُ مِنَ الثَّامِنَةِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ هو ميمون الْأَعْوَرُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ أَيْ اتَّقُوا النَّعْيَ الْمُرَادُ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه أصحابه إِنَّمَا كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجَالِسِ فَيُقَالَ أَنْعِي فُلَانًا فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ قَوْلُهُ وَالنَّعْيُ أَذَانٌ بِالْمَيِّتِ أَيْ إِعْلَامٌ بِمَوْتِهِ
قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخر له والله تعالى أعلم [985] وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّعْيَ وَالنَّعْيُ عندهم أن ينادي في الناس بأن فلان مَاتَ لِيَشْهَدُوا جِنَازَتَهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِهِ أَيْ يَرْكَبُ رَاكِبٌ(4/52)
وَيُنَادِي فِي النَّاسِ فَهَذَا نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْلَمَ إِلَخْ يَعْنِي إِنْ نَعَى نَعْيَ غَيْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى
والَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ الْأَوْلَى بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ إِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالنَّعْيُ عِنْدَهُمْ إِلَخْ أَيْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ وَهُوَ خَبَرُ الْمَوْتِ كَمَا فِي مُقْتَضَى كَلَامِ حُذَيْفَةَ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ حَيْثُ قَالَ فَإِنِّي أَخَافُ فَقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِلَخْ أَيْ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى نَعْيِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى
أَقُولُ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ يَأْبَى تَفْسِيرَهُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ تَفْسِيرُهُمْ بِقَوْلِهِمْ أَنْ يُنَادَى آهْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ
قُلْتُ فِيمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي شَرْحِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ شَيْءٌ وَكَذَا فِيمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ لَكِنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَظْهَرُ مِمَّا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فَتَفَكَّرْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحْضَ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ حَتَّى كَانَ حُذَيْفَةُ إِذَا مَاتَ لَهُ الْمَيِّتُ يَقُولُ لَا تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا إِلَخْ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأُخْرِجَ أيضا عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يُؤْذِنَ الرَّجُلُ صَدِيقَهُ وَحَمِيمَهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الصَّبْرَ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى)
[987] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) مَوْلَى شَرِيكِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْأَزْدِيِّ الْمِصْرِيِّ
قال الليث يزيد عالمنا وسيدنا
وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ البخاري وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (الصَّبْرُ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَفِي رواية للبخاري(4/53)
عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ
وأَصْلُ الصَّدْمِ ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ
وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ
قَالَ الطِّيبِيُّ إِذْ هُنَاكَ سَوْرَةُ الْمُصِيبَةِ فَيُثَابُ عَلَى الصَّبْرِ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ السَّوْرَةُ وَيَتَسَلَّى الْمُصَابُ بَعْضَ التَّسَلِّي فَيَصِيرُ الصَّبْرُ طَبْعًا فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ
وهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَوْ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ في صحيحهما وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَا بَعْدُ
[988] قَوْلُهُ (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) أَيْ عِنْدَ قُوَّةِ الْمُصِيبَةِ وَشِدَّتِهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما يعد ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى أَيْ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمُبَشَّرُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي
3 - مَا جَاءَ فِي تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ [989] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّقْرِيبِ (قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ) هُوَ أَخٌ رَضَاعِيٌّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ صَاحِبُ(4/54)
الْمِشْكَاةِ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمَّا دُفِنَ قَالَ نِعْمَ السَّلَفُ هُوَ لَنَا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَكَانَ عَابِدًا مُجْتَهِدًا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى (وَهُوَ مَيِّتٌ) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (وَهُوَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ قَالَ عَيْنَاهُ تذرفان) أي تجريان دمعا
وفي رواية بن مَاجَهْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْبِيلَ الْمُسْلِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبُكَاءَ عَلَيْهِ جَائِزٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ قَالُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ إِلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ عن عائشة وبن عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ جَوَازُ تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ تَعْظِيمًا وَتَبَرُّكًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي إِسْنَادِهِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى كلام المنذري
4 - ما جاء في غسل الميت قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَرَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ فِي مَسَائِلَ قَبِلَ فِيهَا خَبَرَ الْوَاحِدِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ غُسْلُ الْمَيِّتِ إِذْ لَيْسَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ سِوَاهُ انْتَهَى
[990] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدٌ) هُوَ الحذاء (ومنصور) هو بن زاذان (وهشام) هو بن حَسَّانَ (فَأَمَّا خَالِدٌ وَهِشَامٌ فَقَالَا عَنْ مُحَمَّدٍ وحفصة) محمد هذا هو بن سِيرِينَ وَحَفْصَةُ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ سِيرِينَ(4/55)
(وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ حَفْصَةَ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) فَرَوَى خَالِدٌ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَحَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَدَارُ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ على محمد وحفصة ابني سيرين
قال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْغُسْلِ لِلْمَيِّتِ أَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْأَئِمَّةُ
قَوْلُهُ (تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ زَيْنَبُ زَوْجُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إِنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجُ عُثْمَانَ كَمَا في بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَالدُّولَابِيِّ فِي الذُّرِّيَّةِ الطاهرة
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ بِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ تَكُونَ أُمُّ عَطِيَّةَ حَضَرَتْهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَرْجَمَتِهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ غَاسِلَةَ الْمَيِّتَاتِ (مِنْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤَنَّثِ (إِنْ رَأَيْتُنَّ) أَيْ إِنْ احْتَجْتُنَّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ لِلْإِنْقَاءِ لَا لِلتَّشَهِّي فَافْعَلْنَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَّةِ الْأُولَى لِيُزِيلَ الْأَقْذَارَ وَيَمْنَعَ عَنْهُ تَسَارُعَ الْفَسَادِ ويدفع الهوام
قال بن الْهُمَامِ الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ لَا أَصْلُ التَّطْهِيرِ وَإِلَّا فَالْمَاءُ كَافٍ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْخِينَ الْمَاءِ كَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ فَكَانَ مَطْلُوبًا شَرْعِيًّا
وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَغْلِي قِيلَ يَبْدَأُ بِالْقَرَاحِ أَوَّلًا لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ أَوَّلًا فَيَتِمَّ قَلْعُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ يَحْصُلُ تَطْيِيبُ الْبَدَنِ بَعْدَ النَّظَافَةِ بِمَاءِ الْكَافُورِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُغْسَلَ الْأُولَيَانِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ الْهِدَايَةِ
وأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ يَغْسِلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا نَقْلًا عَنِ النَّوَوِيِّ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى
وسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمِرْقَاةِ الْمَطْبُوعَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ إِلَخْ
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا كَمَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا انْتَهَى (كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيُّ اللَّفْظَيْنِ قَالَ(4/56)
وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فَيَصْدُقُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ (فَآذِنَّنِي) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأُولَى أَمْرٌ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْإِيذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالنُّونُ الْأُولَى أَصْلِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ فَاعِلٍ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَالثَّالِثَةُ لِلْوِقَايَةِ (فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِزَارُ كَمَا وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
والْحَقْوُ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْإِزَارِ مَجَازًا قَالَهُ الْحَافِظُ (أَشْعِرْنَهَا بِهِ) أَيْ بِالْحَقْوِ فِي النِّهَايَةِ أَيْ اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا وَالشِّعَارُ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ لِأَنَّهُ يَلِي شَعْرَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ اجْعَلْنَ هَذَا الْحَقْوَ تَحْتَ الْأَكْفَانِ بِحَيْثُ يُلَاصِقُ بَشَرَتَهَا وَالْمُرَادُ إِيصَالُ الْبَرَكَةِ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ) أَيْ خَالِدٍ وَمَنْصُورٍ وَهِشَامٍ (وَضَفَرْنَا شَعْرَهَا) الضَّفْرُ فَتْلُ الشَّعْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ مِنَ الضَّفِيرَةِ وَهِيَ النَّسْجُ وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ (ثَلَاثَةَ قُرُونٍ) أَيْ ثَلَاثَ ضَفَائِرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ للبخاري ناصيتها وقرينها أَيْ جَانِبَيْ رَأْسِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ (فَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا) أَيْ فَأَلْقَيْنَا الشَّعْرَ خَلْفَ ظَهْرِهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي فتح الباري واستدل به على ضفر شعرالميت خلافا لمن منعه فقال بن الْقَاسِمِ لَا أَعْرِفُ الضَّفْرَ بَلْ يُكَفُّ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُرْسِلُ شَعْرَ الْمَيِّتِ خَلْفَهَا وَعَلَى وجهها مفرقة
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَأَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ أَنَّ الَّذِي فَعَلَتْهُ أُمُّ عَطِيَّةَ هَلْ اسْتَنَدَتْ فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ فَعَلَتْهُ اسْتِحْسَانًا كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُفْعَلَ بِالْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْقُرَبِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الشَّرْعِ مُحَقَّقٍ وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ مَرْفُوعًا كَذَا قَالَ
وقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيرُهُ قال الحافظ بن حَجَرٍ وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ الْأَمْرِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلْنَهَا وترا واجعلن شعرها ضفائر
وأخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَاجْعَلْنَ لَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ انْتَهَى
(وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(4/57)
قَوْلُهُ (قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ غُسْلُ الْمَيِّتِ كَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ) يَعْنِي يُرَاعَى فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ مَا يُرَاعَى فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ
قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا حَدٌّ مُؤَقَّتٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَكِنْ يُغْسَلُ فَيُطَهَّرُ انْتَهَى
قُلْتُ بَلْ لَهُ حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَى الْغَاسِلُ وَيَبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَيُغْسَلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَيُجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ الْكَافُورُ
وإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَيُضَفَّرُ شَعْرُ رَأْسِهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَيُجْعَلُ خَلْفَهَا
وهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا قَدْ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ قَوْلًا مُجْمَلًا يُغَسَّلُ وَيُنَقَّى) وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلَمْ يُبَيِّنْ (وَإِذَا أُنْقِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِنْقَاءِ
(بِمَاءِ الْقَرَاحِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَرَاحُ كَسَحَابٍ الْمَاءُ لَا يُخَالِطُهُ ثُفْلٌ مِنْ سَوِيقٍ وَغَيْرِهِ وَالْخَالِصُ كَالْقَرِيحِ (وَلَا يَرَى) وَفِي بعض النسخ أو لا يرى بهمزة الاستفهام (ولم يؤقت) مِنَ التَّوْقِيتِ أَيْ لَمْ يُحَدِّدْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا هُوَ الْإِنْقَاءُ لَا التَّحْدِيدُ فَإِنْ حَصَلَ النَّقَاءُ وَالطَّهَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَجْزَأَ
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ التِّرْمِذِيُّ بِذَلِكَ فِي كتاب العلل(4/58)
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَتَكُونُ الْغَسَلَاتُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) أَيْ قَالَا بِكَوْنِ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ (وَيَكُونُ فِي الْآخِرَةِ) أَيْ فِي الْغَسْلَةِ الْآخِرَةِ (شَيْءٌ من كافور) قال بن الْعَرَبِيِّ وَقَدْ قَالُوا الْأُولَى بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ
وقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ لَا يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي الْمَاءِ وَلَيْسَ هذا في لفظ الحديث ولم يقتضيه بِلَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ خَلْطِ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ وَالْكَافُورِ انتهى
5 - ما جاء في المسك للميت [992] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ) بْنِ الْجَرَّاحِ الرُّوَاسِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ
وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ لين (حدثنا أَبِي) هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ ثِقَةٌ حَافِظٌ (عَنْ خُلَيْدٍ) بالتصغير (بن جَعْفَرِ) بْنِ طَرِيفٍ الْحَنَفِيِّ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ لَمْ يثبت أن بن مَعِينٍ ضَعَّفَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (فَقَالَ هُوَ أَطْيَبُ طِيبِكُمْ) أَيْ أَفْضَلُهُ فَهُوَ أَفْخَرُ أَنْوَاعِهِ وَسَيِّدُهَا وَتَقْدِيمُ الْعَنْبَرِ عَلَيْهِ خَطَأٌ كَمَا قَالَ بن الْقَيِّمِ وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلْبَابِ بِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطِّيبَ سُنَّةٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمِسْكُ فَرْدٌ مِنَ الطِّيبِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ أَفْرَادِهِ فَهُوَ أَيْضًا سُنَّةٌ لَهُ
تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 344 بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الطِّبِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَا عَلَيْهِ بَابَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ قَالَ وَلَمْ أَعْرِفْ مُطَابَقَتَهُ لِلْبَابِ انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا بَابُ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ بَلْ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا بَابٌ فِي الْمِسْكِ لِلْمَيِّتِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ النَّسَائِيِّ الْمَطْبُوعَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا الْمِسْكُ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ بَابٌ وَلَا لَفْظُ لِلْمَيِّتِ فَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِتَبْوِيبِهَا كَمَا عَرَفْتَ(4/59)
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ) قَالَ كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ وَقَالَ هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وسَكَتَ
ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَبِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ امْرَأَتَهُ مِسْكًا قَالَ إِذَا مُتُّ فَطَيِّبُونِي بِهِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُنِي خَلْقٌ مِنْ خَلْقٍ لَا يَنَالُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَجِدُونَ الرِّيحَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمِسْكَ لِلْمَيِّتِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَالْحَقُّ هُوَ الْجَوَازُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ إِلَخْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَأَخْرَجَ رِوَايَتَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ) وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ أَبُو سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أحد أئمة الجرح والتعديل
6 - مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ [993] قَوْلُهُ (مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ (يَعْنِي الْمَيِّتَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ مِنْ غُسْلِهِ وَمِنْ حَمْلِهِ(4/60)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ قَالَ اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ مَدَارُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُ ضَعْفِهِ
قال وقع عند بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِلَفْظِ فَقُلْتُ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الْكَافِرَ قَدْ مَاتَ فَمَا تَرَى فِيهِ قَالَ أَرَى أَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُجِنَّهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الْحِجَامَةِ وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ مَعْلُولٌ لِأَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هريرة
وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ الصَّوَابُ عَنْ أَبِي هريرة موقوف انتهى
وقال في التلخيص بعد ما ذَكَرَ طُرُقًا عَدِيدَةً لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَفِي الْجُمْلَةِ هُوَ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ أَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَإِنْكَارُ النَّوَوِيِّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ مُعْتَرَضٌ
وقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبَيْهَقِيِّ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ احْتَجَّ بِهَا الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يُعِلُّوهَا بِالْوَقْفِ بَلْ قَدَّمُوا رِوَايَةَ الرَّفْعِ انْتَهَى
قُلْتُ الْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الحسن وقد صحح هذا الحديث بن حِبَّانَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) أَيْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بِحَدِيثِ الْبَابِ لَكِنَّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الاستحباب لحديث بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ إِنَّ مَيِّتَكُمْ يَمُوتُ طَاهِرًا وَلَيْسَ بِنَجَسٍ فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَسَّنَ الْحَافِظُ إِسْنَادَهُ وَقَالَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْغُسْلِ(4/61)
غُسْلُ الْأَيْدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا انتهى ولحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا جُمِعَ بِهِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَلِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ وَأَنَا صَائِمَةٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ قَالُوا لَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ دُونَ وُجُوبِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَجْهَلَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَجْمَعِ الَّذِينَ هُمْ أَعْيَانُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاجِبًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَعَلَّ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ جُلُّ الْمُهَاجِرِينَ وَأَجَلُّهُمْ لِأَنَّ مَوْتَ مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ حَادِثٌ لَا يُظَنُّ بِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْمَدِينَةِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يتفرقوا كما يتفرقوا مِنْ بَعْدُ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ هُوَ الْحَقُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِوَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ انْتَهَى
(وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَغْتَسِلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ) اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ الِاغْتِسَالِ مِنْ غسل الميت بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْمَذْكُورِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ
وقَالَ الذُّهْلِيُّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَلَوْ ثَبَتَ لَلَزِمَنَا اسْتِعْمَالُهُ
وقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُصَحِّحْ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا مَرْفُوعًا
وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَأَجَابُوا أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَنْسُوخٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَفِيهِ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ بَلْ إِذَا وجد ناسخ صريح وهو متأخر
7 - مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْأَكْفَانِ [994] قَوْلُهُ (الْبَسُوا) بِفَتْحِ الْبَاء (مِنْ ثِيَابِكُمْ) مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ (الْبَيَاضُ) أَيْ ذَاتِ(4/62)
البياض (فإنها) أي الثياب البيض (وكفنوا فيها موتاكم) قال القارىء الأمر فيه للاستحباب
قال بن الْهُمَامِ وَأَحَبُّهَا الْبَيَاضُ وَلَا بَأْسَ بِالْبُرُدِ وَالْكَتَّانِ لِلرِّجَالِ وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا لِلْكَفَنِ بِاللِّبَاسِ فِي الْحَيَاةِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابُ التَّكْفِينِ فِي الْبَيَاضِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ والترمذي (وبن عمر) أخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ إِلَخْ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وصححه بن القطان (وقال بن الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا) لِأَنَّهَا ثِيَابُ عِبَادَةٍ قد تعبد فيها
وروى بن سَعْدٍ عَنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر
قال أبو بكر كفنونني فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا كَذَا في فتح الباري في تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ
قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّ سَعْدًا لَمَّا احْتُضِرَ دَعَا بِخَلَقِ جُبَّةِ صُوفٍ وَقَالَ كَفِّنُونِي فِيهَا فَإِنِّي قَاتَلْتُ فِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ إِنَّمَا خَبَّأْتُهَا لِهَذَا
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْكَفَنِ) يَأْتِي بَيَانُ حُسْنِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي
8 - بَاب مِنْهُ [995] قَوْلُهُ (فَلْيُحْسِنْ) ضُبِطَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ (كَفَنَهُ) قَالَ(4/63)
السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتْحُ الْفَاءِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ سُكُونَهَا عَلَى الْمَصْدَرِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِإِحْسَانِ الْكَفَنِ نَظَافَتُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَثَافَتُهُ وَسَتْرُهُ وَتَوَسُّطُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِ لِبَاسِهِ فِي الْحَيَاةِ لَا أَفْخَرَ مِنْهُ وَلَا أَحْقَرَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِحْسَانِهِ السَّرَفَ وَالْمُغَالَاةَ وَنَفَاسَتَهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وفِيهِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (قَالَ سَلَّامٌ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وسلام هذا هو شيخ بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ ضُعِّفَ مِنَ السَّابِعَةِ
قَالَهُ الْحَافِظُ (هُوَ الصَّفَا) أَيْ النَّظِيفُ (وَلَيْسَ بِالْمُرْتَفِعِ) أَيْ فِي الثمن
9 - ما جاء في كم كَفَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [996] قَوْلُهُ (يَمَانِيَّةٌ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لُغَةً فِي تَشْدِيدِهَا وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَلِفَ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ النِّسْبَةِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فَيُقَالُ يَمَنِيَّةٌ أَوْ يَمَانِيَةٌ بِالتَّخْفِيفِ وَكِلَاهُمَا نِسْبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ فِي الْكَفَنِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وقَالَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِهِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ
بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ وُجُودَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَعْدُودِ أَيْ الثَّلَاثَةُ خَارِجَةٌ عَنِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَهُمَا زَائِدَانِ
وأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ جَدِيدٌ أَوْ لَيْسَ فِيهَا الْقَمِيصُ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ مَكْفُوفُ الْأَطْرَافِ
ويُجَابُ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا عَدَاهُ مُتَعَسِّفٌ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَا كان(4/64)
مِنَ الْبُرُودِ مُخَطَّطًا
ورَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ نَزَعُوهَا عَنْهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
[997] قَوْلُهُ (كُفِّنَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي نَمِرَةٍ) بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ مِيمٍ هِيَ شَمْلَةٌ فِيهَا خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ أَوْ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ
كَذَا فِي الْقَامُوسِ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) بَدَلٌ مِنْ فِي نمرة
وروى أحمد في سنده عَنْ خَبَّابٍ أَنَّ حَمْزَةَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إِلَّا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ إِذَا جُعِلَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّى مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ وَجُعِلَ عَلَى قَدَمَيْهِ الْإِذْخِرُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِلَفْظِ قَالَ كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ
وفِي إِسْنَادُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ سيء الْحِفْظِ لَا يَصْلُحُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ إِذَا خَالَفَ الثقات كما هنا كذا في النيل (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ
قاله الحافظ (وعبد الله بن مغفل) لينظر من أخرجه (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِمَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا(4/65)
عِمَامَةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حنبل
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنِ الْمَوَاهِبِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ
وقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ إِزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
واخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا شَحَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ
والْمُرَجَّحُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الْوَاحِدُ السَّاتِرُ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالُوا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ) لِحَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ قَائِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخفا ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ الْحَدِيثَ رواه أحمد وأبو داود وقال القاضي بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُمَّ كُلْثُومٍ وَهْمٌ إِنَّمَا هِيَ زَيْنَبُ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوفِّيَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غائب ببدر انتهى
0 - مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ يُصْنَعُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ [998] قوله (لما جاء نعي جعفر) أي بن أَبِي طَالِبٍ أَيْ خَبَرُ مَوْتِهِ بِمُؤْتَةَ وَهِيَ مَوْضِعٌ عِنْدَ تَبُوكَ سَنَةَ ثَمَانٍ (مَا يَشْغَلُهُمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ وَقِيلَ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّالِثِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَغَلَهُ كَمَنَعَهُ شَغْلًا وَيُضَمُّ وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْحُزْنِ عَنْ تَهْيِئَةِ الطَّعَامِ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَحْصُلُ الْهَمُّ وَالضَّرَرُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ عَلَى أنه يستحب(4/66)
لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ انْتَهَى
قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَالْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُشَارَكَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
والسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يُصْنَعَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ حَالِهِمْ
فَحُزْنُ مَوْتِ وَلِيِّهِمْ اقْتَضَى أَنْ يُتَكَلَّفَ لَهُمْ عَيْشُهُمْ
وقَدْ كَانَتْ لِلْعَرَبِ مُشَارَكَاتٌ وَمُوَاصَلَاتٌ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ وفي حالات اجتماعها انتهى قال القارىء وَالْمُرَادُ طَعَامٌ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحُزْنَ الشَّاغِلَ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ لَا يَسْتَمِرُّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ إِذَا صَنَعَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ سُنَّ أَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ اسْتِحْيَاءً أَوْ لفرط جزع انتهى
وقال بن الْهُمَامِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جَعْفَرٍ طَعَامًا وَقَالَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ انْتَهَى
وقَالَ القارىء وَاصْطِنَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ الطَّعَامَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ بَلْ صَحَّ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّهُ مِنَ النِّيَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ جرير رضي الله عنه أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ انْتَهَى
وإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَرِيرٍ هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى القبر يوصي لحافرا أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ فَأَجَابَ وَنَحْنُ مَعَهُ فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا الْحَدِيثَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ هَكَذَا فِي الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ الْمُعْجِزَاتِ
فَقَوْلُهُ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ إِلَخْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ دَعْوَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكَلُوا فَإِنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي امْرَأَتِهِ رَاجِعٌ إِلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَتِهِ فَمَا التَّوفِيقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ لَفْظُ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِإِضَافَةِ لَفْظِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الصَّحِيحُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ
قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ دَاعِي امْرَأَةٍ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وفِي الْمِشْكَاةِ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِالْإِضَافَةِ انْتَهَى
ورَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 392 ج 5 وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ أَيْضًا دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ بَلْ زَادَ فِيهِ بَعْدَ دَاعِي امْرَأَةٍ لَفْظَ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا لَفْظُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ إِضَافَةِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ ظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ جَرِيرٍ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا فَتَفَكَّرْ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/67)
قوله (هذا حديث حسن) وصححه بن السكن والحديث أخرجه أبو داود وبن ماجه
قوله (وجعفر بن خالد هو بن سَارَةَ) بِمُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ رَاءٍ وَقِيلَ بِشَدَّتِهِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي (وَهُوَ ثِقَةٌ) وَوَثَّقَهُ أَيْضًا أحمد وبن معين والنسائي وغيرهم (روى عنه بن جريج) وبن عُيَيْنَةَ
قَالَ الْبَغَوِيُّ لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غيرهما كذا في تهذيب التهذيب
1 - مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ [999] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ) بِزَايٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا (الْأَيَامِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْيَامِيُّ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ أَيْضًا
قَوْلُهُ (لَيْسَ مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِخْرَاجَهُ عَنِ الدِّينِ وَلَكِنْ فَائِدَةُ إِيرَادِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدْعِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ مُعَاتَبَتِهِ لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
أَيْ مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي
وقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى دِينِنَا الْكَامِلِ أَيْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْلُهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا النَّفْيَ يفسره التبريزي الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى حَيْثُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ
وَأَصْلُ الْبَرَاءَةِ الِانْفِصَالُ مِنَ الشَّيْءِ وَكَأَنَّهُ تَوَعَّدَهُ بِأَنْ لَا يَدْخُلَهُ فِي شَفَاعَتِهِ مَثَلًا
قَالَ وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِهِ وَيَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ انْتَهَى
(مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ) جَمْعُ جَيْبٍ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَا يُفْتَحُ مِنَ الثَّوْبِ لِيُدْخَلَ فِيهِ الرَّأْسُ وَالْمُرَادُ بِشَقِّهِ إِكْمَالُ فَتْحِهِ إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ التَّسَخُّطِ (وَضَرَبَ الْخُدُودَ) جَمْعُ الْخَدِّ خُصَّ الْخَدُّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ(4/68)
الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ (وَدَعَا بِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ بِدُعَائِهِمْ
يَعْنِي قَالَ عِنْدَ الْبُكَاءِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا مِمَّا يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَكَوَاكَهْفَاه وَاجَبَلَاه
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
2 - مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّوْحِ [1000] قَوْلُهُ (قُرَّانُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنُ تَمَّامٍ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (يُقَالُ لَهُ قَرَظَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ كَانَ أَحَدَ مَنْ وَجَّهَهُ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ لِيُفَقِّهَ النَّاسَ وَكَانَ عَلَى يَدِهِ فَتْحُ الرَّيِّ واستخلفه علي على الكوفة وجزم بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ وَفَاتَهُ حَيْثُ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ وَكَانَتْ إِمَارَةُ الْمُغِيرَةِ عَلَى الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا سَنَةَ خَمْسِينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (مِنْ نِيحَ) مجهول ناح (ما نِيحَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا دَامَ نِيحَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه الشيخان والترمذي (وعلي) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ عَضُدُهَا
أَنْتَ ناصرها
أنت كاسبها
انْتَهَى
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ) أَخْرَجَهُ النسائي (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النائحة(4/69)
وَالْمُسْتَمِعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَجُنَادَةَ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (وَأَنَسٍ) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِحَفْصَةَ أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ فِي قبره زاد بن حِبَّانَ قَالَتْ بَلَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَأُمُّ عَطِيَّةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ (وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا (وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ الْحَدِيثَ وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ
مَذْكُورَةٌ فِي عمدة القارئ صَفْحَةِ 59 ج 4
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1001] قَوْلُهُ (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي) أَيْ خِصَالٌ أَرْبَعٌ كَائِنَةٌ فِي أُمَّتِي (مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِنَّ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَخِصَالِهَا (لَنْ يَدَعَهُنَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَنْ يَتْرُكَهُنَّ (النِّيَاحَةُ) هِيَ قَوْلُ وَاوَيْلَاهُ وَاحَسْرَتَاهُ وَالنُّدْبَةُ عَدُّ شَمَائِلِ الْمَيِّتِ مثل واشجاعاه واأسداه واجبلاه قاله القارىء (وَالطَّعْنُ فِي الْأَحْسَابِ) جَمْعُ الْحَسَبِ وَمَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ كَالشُّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ
قال بن السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ شَرَفٌ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ (وَالْعَدْوَى) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ اسْمٌ مِنَ الْإِعْدَاءِ كَالرَّعْوَى وَالْبَقْوَى مِنَ الْإِرْعَاءِ وَالْإِبْقَاءِ يُقَالُ أَعْدَاهُ الدَّاءَ يُعْدِيهِ إِعْدَاءً وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مِثْلَ مَا بِصَاحِبِ الدَّاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ مَثَلًا فَتَنْتَفِيَ مخالطته بإبل أخرى حذارا أَنْ يَتَعَدَّى مَا بِهِ مِنَ الْجَرَبِ إِلَيْهَا فَيُصِيبَهَا مَا أَصَابَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَرَضَ بِنَفْسِهِ يَتَعَدَّى فَأَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْرِضُ وَيُنْزِلُ الدَّاءَ (أَجْرَبَ بَعِيرٌ) أَيْ صَارَ ذَا جَرَبٍ (مَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ) هَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ صَارَ فِيهُمُ الْجَرَبُ (وَالْأَنْوَاءُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا(4/70)
وَكَذَا) الْأَنْوَاءُ جَمْعُ نَوْءٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم نقلا عن الشيخ أبي عمر الصَّلَاحِ النَّوْءُ فِي أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ سَقَطَ وَغَابَ وَقِيلَ نَهَضَ وَطَلَعَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نَجْمًا مَعْرُوفَةَ الْمَطَالِعِ فِي أَزْمِنَةِ السَّنَةِ كُلِّهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ يَسْقُطُ فِي كُلِّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْهَا نَجْمٌ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَطْلُعُ آخَرُ يُقَابِلُهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ يَنْسُبُونَهُ إِلَى السَّاقِطِ الْغَارِبِ مِنْهُمَا
وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إِلَى الطَّالِعِ مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّوْءَ السُّقُوطُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ إِنَّ النَّجْمَ نفسه قد يسمى نوأ تَسْمِيَةً لِلْفَاعِلِ بِالْمَصْدَرِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي أَمَالِيهِ السَّاقِطَةُ فِي الْمَغْرِبِ هِيَ الْأَنْوَاءُ وَالطَّالِعَةُ فِي الْمَشْرِقِ هِيَ الْبَوَارِجُ انْتَهَى كَلَامُ النووي
3 - مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ [1002] قَوْلُهُ (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَعْذِيبِهِ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا سَتَعْرِفُ
وقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ الَّذِي يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ هُوَ الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا بِمُجَرَّدِ دَمْعِ الْعَيْنِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عمر وعمران بن حصين) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ولِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِنِيَاحَةِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(4/71)
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالُوا الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِلَخْ) وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ
ورُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَدَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَعَارَضَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يَعْلَى أَنَّهُ قَالَ تَاللَّهِ لَئِنْ انْطَلَقَ رَجُلٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ فَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ سَفَهًا وَجَهْلًا فَبَكَتْ عَلَيْهِ لَيُعَذَّبَن هَذَا الشَّهِيدُ بِذَنْبِ هَذِهِ السَّفِيهَةِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
وذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِمُخَالَفَتِهَا لِلْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِثْبَاتِهَا لِتَعْذِيبِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّأْوِيلِ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِلَى تَأْوِيلِهَا بِمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ قَالُوا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ إِذَا مُتُّ فَابْكِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا أُمَّ مَعْبَدِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الِامْتِثَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ حَصْرٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ أَنْ لَا يَقَعَ إِذَا لَمْ يَمْتَثِلُوا مَثَلًا انْتَهَى
قُلْتُ وَالْحَقُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّهَا مَعَ إِمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَلَهُمْ تَأْوِيلَاتٌ بَعْضُهَا قَرِيبَةٌ وَبَعْضُهَا بَعِيدَةٌ فَتُؤْخَذُ الْقَرِيبَةُ وَتُتْرَكُ الْبَعِيدَةُ
وإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَارْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي وغيره من شروح البخاري (وقال بن المبارك أرجو إن كان ينهاهم في حياتهم أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ) وَهَذَا هُوَ رَجَائِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[1003] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فِيهِمَا الْمُرَادُ أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ صَدُوقٌ
قَوْلُهُ (مَا مِنْ مَيِّتٍ) أَيْ حَقِيقِيٍّ أَوْ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَوْتِ (يَمُوتُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هو كقول بن(4/72)
عَبَّاسٍ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ أَوْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ فَسُمِّيَ الْمَشَارِفُ لِلْمَوْتِ وَالْمَرَضِ وَالضَّلَالِ مَيِّتًا وَمَرِيضًا وَضَالَّةً وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ انْتَهَى
قُلْتُ وَقِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (يَلْهَزَانِهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ
وفِي النِّهَايَةِ اللَّهْزُ الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْيَدِ فِي الصَّدْرِ يُقَالُ لَهَزَهُ بِالرُّمْحِ أَيْ طَعَنَهُ فِي الصَّدْرِ (أَهَكَذَا كُنْتَ) أَيْ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَشَاهِدُهُ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فجعلت أخته تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تبك عليه
4 - مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ الَّذِي ليس به صوت ولا نياحة
[1006] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ أَكْثَرَتْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (وَذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَهَا) أَيْ لِعَائِشَةَ (غَفَرَ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرحمن) كنيته عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْحَسَنَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فَمَنِ اسْتَغْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ يُوَطِّئَ وَيُمَهِّدَ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِقَامَةً لِعُذْرِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيَانًا وَاعْتِذَارًا بِقَوْلِهَا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ أَوْ لِلِافْتِتَاحِ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التأكيد (إنه) أي بن عُمَرَ (وَلَكِنَّهُ نَسِيَ) أَيْ مَوْرِدَهُ الْخَاصَّ (أَوْ أَخْطَأَ) أَيْ فِي إِرَادَتِهِ(4/73)
الْعَامَّ (يُبْكَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنَّهُمْ) أَيْ الْيَهُودَ (وَإِنَّهَا) أَيْ الْيَهُودِيَّةَ (لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا) أي لكفرها
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَارِدٌ لَوْ لَمْ يُسْمَعْ الْحَدِيثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْرِدِ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بَلْ مُطْلَقَةً دَخَلَ هَذَا الْخُصُوصُ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا مُعَارَضَةَ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهَا انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْكَارُ عَائِشَةَ ذَلِكَ وَحُكْمُهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1004] قَوْلُهُ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ إِلَخْ) وَكَذَلِكَ حَكَمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضا بالتخطئة ففي رواية بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لِيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وقالت حسبكم القرآن قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ عَنْ عائشة متخالفة وفيه إِشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ بَلْ بِمَا اسْتَشْعَرَتْهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ قَالَ الداودي رواية بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ بَيَّنَتْ مَا نَفَتْهُ عَمْرَةُ وَعُرْوَةُ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِالْكَافِرِ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَزْدَادُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَزْدَادَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ يُعَذَّبَ ابْتِدَاءً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ) أَيْ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الميت (عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ(4/74)
بِلَفْظِ قَالَ مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَتِ النِّسَاءُ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ فَأَخَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَهْلًا يَا عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَمِنَ الْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الرَّحْمَةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَمِنَ اللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ انْتَهَى (وَقَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه قوله (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ مَاتَ مَيِّتٌ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَامَ عُمَرُ يَنْهَاهُنَّ وَيَطْرُدُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالْقَلْبَ مُصَابٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ انْتَهَى (وبن مَسْعُودٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا الْحَدِيثَ وفِيهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ الْقِصَّةِ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ
[1005] قَوْلُهُ (يَجُودُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يُخْرِجُهَا وَيَدْفَعُهَا كَمَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ مَالَهُ
قَالَهُ الْحَافِظُ (أَوَ لَمْ تَكُنْ نَهَيْتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (صَوْتٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ صَوْتَيْنِ (خَمْشِ وُجُوهٍ) مَصْدَرُ خَمَشَتِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا خَمْشًا إِذَا قَشَّرَتْ بِالْأَظْفَارِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبُ السِّنْدِيُّ (وَرَنَّةِ الشَّيْطَانِ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَتَشْدِيدِ نُونٍ صَوْتٌ مَعَ بُكَاءٍ فِيهِ تَرْجِيعٌ كَالْقَلْقَلَةِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ
قَالَ وَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَنَّةُ النَّوْحِ لَا رَنَّةُ الْغِنَاءِ وَنُسِبَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ ابْلِيسُ وَتَكُونُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ قَدْ ذُكِرَ فِيهَا أَحَدُ الصَّوْتَيْنِ فَقَطْ واختصر(4/75)
الْآخَرُ
ويُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتِ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةٍ وَهَذَا هُوَ رَحْمَةٌ وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ
كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَصْلُ قِصَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ أَكْثَرَتْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ثقة من الثالثة
(وذكر) بصيغة الجمهور (لَهَا) أَيْ لِعَائِشَةَ (غَفَرَ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرحمن) كنيته عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْحَسَنَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فَمَنِ اسْتَغْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ يوطىء وَيُمَهِّدَ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِقَامَةً لِعُذْرِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيَانًا وَاعْتِذَارًا بِقَوْلِهَا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ أَوْ لِلِافْتِتَاحِ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ (إنه) أي بن عُمَرَ (وَلَكِنَّهُ نَسِيَ) أَيْ مَوْرِدَهُ الْخَاصَّ (أَوْ أخطأ) أي في إرادته العام فِي إِرَادَتِهِ الْعَامَّ (يُبْكَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنَّهُمْ) أَيْ الْيَهُودَ (وَإِنَّهَا) أَيْ الْيَهُودِيَّةَ (لَتُعَذَّبُ في قبرها) أي لكفرها
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَارِدٌ لَوْ لَمْ يُسْمَعْ الْحَدِيثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْرِدِ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بَلْ مُطْلَقَةً دَخَلَ هَذَا الْخُصُوصُ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا مُعَارَضَةَ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهَا انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قال القرطبي إنكار عائشة ذلك وحكمها علة الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان
5 - (باب فِي الْمَشْيِ أَمَامَ الْجَنَازَةِ)
[1007] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذَا الحديث أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وبن حبان والبيهقي من حديث بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ
قَالَ أَحْمَدُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مرسل وحديث سالم فعل بن عمر وحديث بن عيينة وهم كذا في التلخيص
[1009] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةٌ وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولَةٌ وَالْأَصَحُّ الْإِرْسَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا(4/76)
بَعْدُ
قَوْلُهُ (وَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ) لَكِنَّ الْبَيْهَقِيَّ اخْتَارَ ترجيح الموصول لأنه من رواية بن عُيَيْنَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُيَيْنَةَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ خَالَفَكَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ اسْتَيْقَنَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي مِرَارًا لَسْتُ أُحْصِيهِ يُعِيدُهُ وَيُبْدِيهِ سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَهَذَا لَا يَنْفِي عَنْهُ الْوَهْمَ فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِدْرَاجًا لَعَلَّ الزُّهْرِيَّ أَدْمَجَهُ إذ حدث به بن عُيَيْنَةَ وَفَصَّلَهُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْمَدْرَجِ بأتم من هذا وجزم أيضا بصحته بن المنذر وبن حَزْمٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الفتح واستدلوا بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبِمَا أَخْرَجَ بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ(4/77)
صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه وأبا قتادة وبن عُمَرَ وَأَبَا أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَمْشُونَ أمام الجنازة
6 - مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ خَلْفَ الْجَنَازَةِ [1011] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى إِمَامِ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ) يَحْيَى هَذَا هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَابِرُ أَبُو الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي مَاجِدٍ) قِيلَ اسْمُهُ عَائِذُ بْنُ فَضْلَةَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَحْيَى الْجَابِرِ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَيُقَال لَهُ أَبُو مَاجِدَةَ أَيْضًا كَمَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ) هُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (فَلَا يُبَعَّدْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ ضَبْطُهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ حَامِلَهَا يُبَعِّدُهَا عَنْهُ بِسُرْعَةٍ بِهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون بفتح الياء وَالْعَيْنِ أَيْضًا مِنْ بَعِدَ بِالْكَسْرِ يَبْعَدُ بِالْفَتْحِ إذا هلك انتهى
(والجنازة مَتْبُوعَةٌ) أَيْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَمْشِي خَلْفَهَا (وَلَا تَتْبَعُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ وَبِرَفْعِ الْعَيْنِ عَلَى النَّفْيِ وَبِسُكُونِهَا عَلَى النَّهْيِ أَيْ لَا تَتْبَعُ النَّاسَ هِيَ فَلَا نَكُونُ عَقِيبَهُمْ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا (لَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا) أي لا يثبت له الأجر(4/78)
قوله (فقال طَائِرٌ طَارَ فَحَدَّثْنَا) أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ (وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ
قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لَكِنْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ انْتَهَى
وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قَوْلُهُ (وَلَهُ حديثان عن بن مَسْعُودٍ) الْحَدِيثُ الْآخَرُ مَا رَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدَةَ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَقُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (وَيَحْيَى إِمَامُ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ ثِقَةٌ) قَالَ العراقي هذا مخالف بقول الجمهور فقد ضعفه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْجَوْزَجَانِيُّ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ ثُمَّ قَالَ فيه أحمد وبن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى الْجَابِرُ وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى الْمُجْبِرُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ كَانَ يُجْبِرُ الْأَعْضَاءَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الْجَنَازَةِ)
[1012] قَوْلُهُ (أَلَا تَسْتَحْيُونَ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ إِلَخْ) إِنَّ هَذِهِ بكسر الهمزة قاله القارىء
والحديث يدل(4/79)
عَلَى كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا قَرِيبًا مِنْهَا الْحَدِيثَ
والْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِمَرَضٍ أَوْ شَلَلٍ أَوْ عَرَجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ
ومِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قُدَّامَ الْجِنَازَةِ أَوْ طَرَفَهَا فَلَا يُنَافِي حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ
ومِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَيَكُونُ الرُّكُوبُ جَائِزًا مَعَ الْكَرَاهَةِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ لفظه وأخرجه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَخَرْجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا) لَمْ يَتَكَلَّمْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَرْفُوعِ الْمَذْكُورِ بِحُسْنٍ وَلَا ضَعْفٍ وفِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ)
[1013] قَوْلُهُ (في جنازة بن الدَّحْدَاحِ) بِفَتْحِ الدَّالَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَحَائَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ (وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ) أَيْ حِينَ رَجَعَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (يَسْعَى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ رُوِيَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ (وَهُوَ يَتَوَقَّصُ بِهِ) بِالْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَتَثَوَّبُ بِهِ
وفِي مُصَنَّفِ بن أبي شيبة يتوقس بالسين المهملة وهما نعتان كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يَثِبُ وَيُقَارِبُ الْخَطْوَ
[1014] قَوْلُهُ (عَنِ الْجَرَّاحِ) بتشديد(4/80)
قَوْلُهُ (وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّكُوبِ عِنْدَ الِانْصِرَافِ
وقَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنَ الْجِنَازَةِ اتِّفَاقًا لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِبَاحَةُ الرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ عَنِ الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
9 - مَا جَاءَ فِي الْإِسْرَاعِ بِالْجَنَازَةِ [1015] قَوْلُهُ (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ (أَسْرِعُوا) أَمْرٌ مِنَ الْإِسْرَاعِ
قَالَ الْحَافِظُ في الفتح نقل بن قُدَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ بِلَا خِلَافٍ بين العلماء وشذ بن حَزْمٍ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ
والْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ شِدَّةُ الْمَشْيِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ
وفِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَجَلَةَ أَحَبُّ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الشَّدِيدُ وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فَقَالَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَلِ
والْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى شِدَّةٍ يُخَافُ مَعَهَا حُدُوثُ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ أَوْ مَشَقَّةٌ عَلَى الْحَامِلِ أَوْ الْمُشَيِّعِ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ أَوِ ادْخَالُ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (بِالْجِنَازَةِ) أَيْ بِحَمْلِهَا إِلَى قَبْرِهَا (فَإِنْ تَكُ) أَيْ الْجُثَّةُ المحمولة قاله الحافظ
وقال القارىء أَيْ فَإِنْ تَكُنْ الْجِنَازَةُ
قَالَ الْمُظْهِرُ الْجِنَازَةُ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِيرُ فَعَلَى هَذَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْجِنَازَةِ وَأُرِيدَ بِهَا الْمَيِّتُ (خَيْرًا) أَيْ ذَا خَيْرٍ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ صَالِحَةً (تُقَدِّمُوهَا) أَيْ الْجِنَازَةَ (إِلَيْهِ) أَيْ الْخَيْرِ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنْ تَكُنْ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إليه
قال القارىء(4/81)
فَإِنْ كَانَ حَالُ ذَلِكَ الْمَيِّتِ حَسَنًا طَيِّبًا فَأَسْرِعُوا بِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّيِّبَةِ عَنْ قَرِيبٍ
قَالَ الْحَافِظُ وفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَاتَ أَمَّا مِثْلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْبُوتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرَعَ بِدَفْنِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيُتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ نَبَّهَ على ذلك بن بَزِيزَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرْمُلُ رَمَلًا انتهى
وسكت عنه أبو داود والمنذري
وقال النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ
قَالَ الْعَيْنِيُّ نرمل رملا من رمل رملان وَرَمَلَانًا إِذَا أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَهَزَّ مَنْكِبَيْهِ وَمُرَادُهُ الْإِسْرَاعُ الْمُتَوَسِّطُ
ويَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ قَالَ إِذَا حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَيْنِ وَكُنْ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ مُقَدِّمَتَهَا لِلْمَلَائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه الجماعة
0 - مَا جَاءَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَذِكْرِ حَمْزَةَ قَتْلَى جَمْعُ قَتِيلٍ
[1016] قَوْلُهُ (قَدْ مُثِّلَ بِهِ) قَالَ فِي الدُّرِّ النَّثِيرِ مَثَّلْتُ بِالْقَتِيلِ جَدَعْتُ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ وَالِاسْمُ مُثْلَةٌ (لَوْلَا أَنْ تَجِدَ) أَنْ تَحْزَنَ وَتَجْزَعَ (صَفِيَّةُ) هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَشَقِيقَةُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ فَتَأْكُلُهَا وَتُجْمَعُ عَلَى الْعَوَافِي (حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا) إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ(4/82)
لِيَتِمَّ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيَكْمُلَ وَيَكُونَ كُلُّ الْبَدَنِ مَصْرُوفًا فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى إِلَى البعث أو البيان أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلُوا بِهِ مِنَ الْمُثْلَةِ تَعْذِيبٌ حَتَّى إِنَّ دَفْنَهُ وَتَرْكَهُ سَوَاءٌ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ (بِنَمِرَةِ) بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ مِيمٍ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ مُخَطَّطَةٌ وَقِيلَ الْكِسَاءُ
قَوْلُهُ (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَأَقَرَّهُ
1 - باب اخر [1017] قوله (ويركب الحمار) قال بن الْمَلِكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُكُوبَ الْحِمَارِ سنة
قال القارىء فَمَنِ اسْتَنْكَفَ مِنْ رُكُوبِهِ كَبَعْضِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ جَهَلَةِ الْهِنْدِ فَهُوَ أَخَسُّ مِنَ الْحِمَارِ انْتَهَى
قُلْتُ كَيْف وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) (وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ بِوَزْنِ جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لِسَبْعٍ(4/83)
بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ (مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ) أَيْ مَجْعُولٍ فِي أَنْفِهِ بِحَبْلٍ (مِنْ لِيفٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ بِالْفَارِسِيَّةِ بوست درخمت خرما
قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَطَمَهُ بِالْخِطَامِ أَيْ جَعَلَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَخَطَمَهُ بِهِ أَوْ جَرَّ أَنْفَهُ لِيَضَعَ عَلَيْهِ الْخِطَامَ وَهُوَ كَكِتَابٍ كُلُّ مَا وُضِعَ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ أَيْ وَنَحْوِهِ لِيَنْقَادَ بِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَرَسِ (إِكَافُ لِيفٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْوِكَافُ بِالْوَاوِ وَهُوَ لِلْحِمَارِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَإِكَافُ لِيفٍ بِالْإِضَافَةِ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ
قَوْلُهُ (وَمُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ يُضَعَّفُ) قَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ كَذَا في الميزان (وهو مسلم بن كَيْسَانَ الْمُلَائِيُّ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ لَامٍ وَبِيَاءٍ فِي آخِرِهِ نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ الْمِلَاءِ نَوْعٍ من الثياب كذا في المعنى
2 - باب [1018] قَوْلُهُ (اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ بِمَكَّةَ وَقَالَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِينَةِ فِي الْبَقِيعِ وَقِيلَ فِي الْقُدْسِ كَذَا فِي اللُّمُعَاتِ (مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ) إِكْرَامًا لَهُ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ وَلَا يُنَافِيهِ كَرَاهَةُ الدَّفْنِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ المناوي ضعيف لضعف بن أَبِي مُلَيْكَةَ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ وَهِمَ الْمُنَاوِيُّ فإن بن أبي مليكة لَيْسَ بِضَعِيفٍ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ وَضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ
إِنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
ضَعِيفٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يُضَعَّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ(4/84)
33 - بَاب آخَرُ [1019] قَوْلُهُ (اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ) مَحَاسِنُ جَمْعُ حَسَنٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ (وَكُفُّوا) أَمْرٌ لِلْوُجُوبِ أَيْ امْتَنَعُوا (عَنْ مُسَاوِيهِمْ) جَمْعُ سُوءٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ أَيْضًا
قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ غِيبَةُ الْمَيِّتِ أَشَدُّ مِنَ الْحَيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَفْوَ الْحَيِّ وَاسْتِحْلَالَهُ مُمْكِنٌ وَمُتَوَقَّعٌ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ
وفِي الْأَزْهَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِذَا رَأَى الْغَاسِلُ مِنَ الْمَيِّتِ مَا يُعْجِبُهُ كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَسُرْعَةِ انْقِلَابِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ كَنَتْنِهِ وَسَوَادِ وَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوِ انْقِلَابِ صُورَتِهِ حَرُمَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ورواه أبو داود وبن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (وَعِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ مِصْرِيٌّ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ أَنَسٍ اثْنَانِ مِصْرِيٌّ وَمَكِّيٌّ وَالْمِصْرِيُّ أَثْبَتُ وَأَقْدَمُ مِنَ الْمَكِّيِّ قَالَهُ الحافظ في التقريب
4 - مَا جَاءَ فِي الْجُلُوسِ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ [1020] قَوْلُهُ (عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ) الْحَارِثِيِّ أَبُو الْأَسْبَاطِ فَقِيهٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن(4/85)
سُلَيْمَانَ بْنِ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالنُّونِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) سُلَيْمَانَ بْنِ جُنَادَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَدِّهِ) جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَزْدِيِّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْقَبْرِ (فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتُكْسَرُ أَيْ عَالِمٌ أَيْ ظَهَرَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمٌ مِنَ الْيَهُودِ (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بعد ما كَانَ وَاقِفًا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَالَ خَالِفُوهُمْ) قال القارىء فَبَقِيَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّابِعَ لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ بِشْرَ بْنَ رَافِعٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ وأباه سليمان جنادة وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ
وقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ
قَالَ الْحَازِمِيُّ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ قَوْمٌ مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَا يَقْعُدَنَّ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وأبو هريرة وبن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وذَكَرَ ابْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَرَأَوْا الْجُلُوسَ أَوْلَى وَاعْتَقَدُوا الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مَنْسُوخًا وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ الْبَابِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ وفِيهِ أَيْضًا كَلَامٌ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ فَلَا يُقَاوِمُهُ هَذَا الْإِسْنَادُ ثُمَّ رَوَى الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَوَّلَ مَا قَدِمْنَا فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَكَانَ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا الحديث بهذه الألفاظ غريب أيضا ولكنه يشيد مَا قَبْلَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ(4/86)
35 - (بَاب فَضْلِ الْمُصِيبَةِ إِذَا احْتَسَبَ)
أَيْ صَبَرَ وَطَلَبَ الثَّوَابَ
[1021] قَوْلُهُ (عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ) أَيْ عَلَى طَرَفِهِ (حَدَّثَنِي ضَحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ) أَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ (قَبَضْتُمْ) عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ (وَلَدَ عَبْدِي) أَيْ رُوحَهُ (فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ) أَيْ يَقُولُ ثَانِيًا إِظْهَارًا لِكَمَالِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْوَالِدَ الْعَطُوفَ يَسْأَلُ الْفَصَّادَ هَلْ فَصَدْتَ وَلَدِي مَعَ أَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ
وقِيلَ سَمَّى الْوَلَدَ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الْأَبِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرَةِ (وَاسْتَرْجَعَ) أَيْ قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ) أَضَافَ الْبَيْتَ إِلَى الْحَمْدِ الَّذِي قَالَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ ذَلِكَ الْحَمْدِ قاله القارىء
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ)
[1022] قَوْلُهُ (صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ يَاءٌ(4/87)
ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ
وحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ تَشْدِيدَ الْجِيمِ وَخَطَّأَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بِوَزْنِ أَرْبَعَةُ وَهُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ وَكَانَ رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ مُبَالِغًا فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ (فَكَبَّرَ أَرْبَعًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَعَلَيْهِ عمل الأكثر
قوله (وفي الباب عن بن عباس وبن أَبِي أَوْفَى وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ عَنْهُ قَالَ آخِرُ مَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَلِيٍّ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ عَلَى الْحَسَنِ أَرْبَعًا وَكَبَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُخْتَصَرًا
وهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وأما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي أوفى أنه مات له بن فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ يَدْعُو ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَكَذَا وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَزِيدُ عَلَى مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ
وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَكَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ وإسحاق واهي وَقَدْ رُوِيَ آخِرَ صَلَاتِهِ كَبَّرَ أَرْبَعًا مِنْ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ حَدِيثًا طَوِيلًا وفِيهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا حديث يزيد بن ثابت فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وفِيهِ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ(4/88)
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وقَدْ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ
قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى بن المنذر عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلِ مِنْ بني أسد فكبر خمسا
وروى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا وَعَلَى الصَّحَابَةِ خَمْسًا وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا
وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ بن عباس على جنازة فكبر ثلاثا
قال بن الْمُنْذِرِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَخْتَارُ مَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ
ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ التَّكْبِيرُ أَرْبَعًا وَخَمْسًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعٍ
ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي وَائِلٍ قَالَ كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا وَسِتًّا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعٍ كَأَطْوَلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى
[1023] قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ) أَيْ الْمُقْتَدِي يَتْبَعُ الْإِمَامَ
قَالَ الْعَيْنِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي زِيَادَةٍ عَلَيْهَا وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ
ورَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا لَا يُكَبِّرُ مَعَهُ وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ
ومِمَّنْ لَا يَرَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حنيفة والشافعي واختاره بن عقيل كذا ذكره العيني نقلا عن بن قُدَامَةَ
قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ(4/89)
7 - (بَاب مَا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ)
[1024] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو ابْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قِيلَ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ وَلَا يَصِحُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
قوله (صغيرنا وكبيرنا) ها هنا إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا ذَنْبَ لَهُ فَمَا مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَذَكَرُوا فِي دَفْعِهِ وُجُوهًا فَقِيلَ الِاسْتِغْفَارُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الشَّابُّ وَالشَّيْخُ
وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ لِلصِّبْيَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُمْ فَقَالَ مَعْنَاهُ السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنَ الذُّنُوبِ حَتَّى إِذَا كَانَ فَعَلَهُ كَانَ مَغْفُورًا وَإِلَّا فَالصَّغِيرُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ (وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْقَرَائِنِ الْأَرْبَعِ الشُّمُولُ وَالِاسْتِيعَابُ كَأَنَّهُ قِيلَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ (قَالَ يَحْيَى) أَيْ بن أَبِي كَثِيرٍ (فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي (فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ) أَيْ التصديق القلبي إذا لَا نَافِعَ حِينَئِذٍ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ
وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَفْظُ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ
وَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف وَعَائِشَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ(4/90)
أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
وأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَالِدِ أَبِي ابْرَاهِيمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة (وروى هشام الدستوائي الخ) قال بن أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ الْحُفَّاظُ لَا يَذْكُرُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا يَقُولُونَ أَبُو سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَا يُوصِلُهُ بِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا غَيْرُ مُتْقِنٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَعِكْرِمَةُ رُبَّمَا يَهِمُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ أَبُو عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ يَغْلَطُ وفِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اضْطِرَابٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ (وَرَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ أَبَا ابْرَاهِيمَ الْمَذْكُورَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ غَلَطٌ
أَبُو ابْرَاهِيمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو قَتَادَةَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
قاله الحافظ في التلخيص نقلا عن بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ(4/91)
[1025] قَوْلُهُ (فَفَهِمْتُ مِنْ صَلَاتِهِ) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ (وَاغْسِلْهُ بِالْبَرَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَبُّ الْغَمَامِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ يُسِرُّ وَالثَّانِي يَجْهَرُ
وأَمَّا الدُّعَاءُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ يَتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ حَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ أَيْ عَلَّمَنِيهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَفِظْتُهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَمِعْتُ
وقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَهَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ حَفِظْتُ لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْفِقْهِ مِنْ نَدْبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجَهْرَ هُنَا لِلتَّعْلِيمِ لَا غَيْرُ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَذَا قَوْلُهُ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِالدُّعَاءِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ لِقَصْدِ تَعْلِيمِهِمْ
وأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَا أَبَاحَ لَنَا فِي دُعَاءِ الْجِنَازَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
وَفَسَّرَ أَبَاحَ بِمَعْنَى قَدَّرَ
قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ بَاحَ بِمَعْنَى جَهَرَ
والظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ بِالدُّعَاءِ جَائِزَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
وقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أحاديث منها ذكره الترمذي ومنها حديث وائلة بن الأصقع أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي أوفى أخرجه أحمد وبن ماجه قال الحافظ بن حَجَرٍ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو لِمَيِّتِهِ بِدُعَاءٍ وَلِآخَرَ بِآخَرَ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ إِذَا كَانَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ طِفْلًا(4/92)
اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَلِّي اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا
رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
ورَوَى مِثْلَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْعُو بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُحَوِّلُ الضَّمَائِرَ الْمُذَكَّرَةِ إِلَى صِيغَةِ التَّأْنِيثِ إِذَا كَانَتِ الْمَيِّتُ أُنْثَى لِأَنَّ مَرْجِعَهَا الْمَيِّتُ وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى انْتَهَى
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)
[1026] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ) هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ (قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى
وقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يحيى فقد وثقه جماعة منهم الشافعي وبن الأصبحاني وبن عدي وبن عقدة وضعفه آخرون
قاله بن الْقَيِّمِ فِي جَلَاءِ الْأَفْهَامِ
وقَدْ صَرَّحَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُمِّ عَفِيفٍ النَّهْدِيَّةِ قَالَتْ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَيِّتِنَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ كَذَا في عمدة القارىء
وعَنْ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَقْرَأَ إِلَّا فِي الْأُولَى أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حدثنا الليث عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الأولى بأم القرآن مخافتة ثم تكبر ثَلَاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدِ(4/93)
الْآخِرَةِ
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِنَّ إِسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
قَوْلُهُ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بكنيته متروك الحديث
قوله (والصحيح عن بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ مِنَ السُّنَّةِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ يَعْنِي مِنَ التِّرْمِذِيِّ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ (أَيْ بَيْنَ قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ السُّنَّةِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْفَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّرَاحَةِ وَالِاحْتِمَالِ انْتَهَى)
[1027] قَوْلُهُ (أَنَّ بن عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ جَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَسَأَلْتُهُ فقال سنة وحق
وللحاكم من طريق بن عَجْلَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُول صلى بن عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَجَهَرَ بِالْحَمْدِ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَقَوْلُهُمْ هُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ محمد في موطإه لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا(4/94)
إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ
قُلْتُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ادْعُوا لَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَيْفَ وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَفْرَغَ وَلَا يَقْرَأَ إِلَّا مَرَّةً ثُمَّ يُسَلِّمَ وَأَخْرَجَهُ بن الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَإِخْلَاصُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَكَذَا وَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَإِخْلَاصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
واسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِتَرْكِهَا فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ وَتَرْكِ التَّشَهُّدِ
قُلْتُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ
وأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَعَلَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّلَاوَةِ
قُلْتُ هَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَدْ صَنَّفَ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ رِسَالَةً سَمَّاهَا بِالنَّظْمِ الْمُسْتَطَابِ بِحُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ بِدَلَائِلَ شَافِيَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وتمسكوا بقول بن عَبَّاسٍ لَمْ أَقْرَأْ أَيْ جَهْرًا إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ آنِفًا وَأَمَّا لَفْظُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَخْرَجَ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ الْحَدِيثَ
وأما قول بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طريق شرحبيل بن سعد عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بِالْأَبْوَاءِ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ رَافِعًا صَوْتَهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اللهم عبدك وبن(4/95)
عَبْدِك الْحَدِيثَ
وفِي آخِرِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَقْرَأْ عَلَيْهَا أَيْ جَهْرًا إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَشُرَحْبِيلٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ انتهى
وأخرج بن الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ طلحة التيمي قال سمعت بن عَبَّاسٍ قَرَأَ عَلَى جِنَازَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِأُعْلِمَكُمْ أَنَّهَا سُنَّةٌ
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عبد الله قال صليت خلف بن عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَجَهَرَ حَتَّى سَمِعْتُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَجَهَرَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ
وقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَجْهَرُ بِاللَّيْلِ كالليلية انتهى كلام الشوكاني
قلت قول بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَهْرَهُ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَجْهَرُ بِاللَّيْلِ كَاللَّيْلِيَّةِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
فَائِدَةٌ أُخْرَى قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ الَّتِي ذَكَرْتُهَا آنِفًا فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا مَحِيصَ عَنِ الْمَصِيرِ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكر أثر بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ أَبُو يعلى في مسنده من حديث بن عَبَّاسٍ وَزَادَ وَسُورَةٍ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ السُّورَةِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى
9 - (باب كيف الصلاة على الميت والشفاعة له)
[1028] قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ
قَوْلُهُ (كَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ) بِالتَّصْغِيرِ السُّكُونِيُّ الْكِنْدِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ وَمِصْرَ مَاتَ فِي أَيَّامِ مَرْوَانَ وَكَانَ أَمِيرًا لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْجُيُوشِ(4/96)
وَغَزْوِ الرُّومِ (فَتَقَالَّ النَّاسَ عَلَيْهَا) تَفَاعَلَ مِنَ الْقِلَّةِ أَيْ رَآهُمْ قَلِيلًا (جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ) مِنَ التَّجْزِئَةِ أَيْ فَرَّقَهُمْ وَجَعَلَ الْقَوْمَ الَّذِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا صَفًّا وَاحِدًا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ
وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ قَسَمَهُمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْ شُيُوخًا وَكُهُولًا وَشَبَابًا أَوْ فُضَلَاءَ وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ وَالْعَامَّةَ انْتَهَى
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْقَوْلِ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ بَلِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ جَعْلُهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ اسْتِدْلَالًا لِفِعْلِهِ (مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ) وَأَقَلُّ الصَّفِّ أَنْ يَكُونَ اثنين على الأصح قاله القارىء
قُلْتُ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ (فَقَدْ أَوْجَبَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ
وفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ غُفِرَ لَهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
فَمَعْنَى أَوْجَبَ أَيْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَوْ أَوْجَبَ مَغْفِرَتَهُ وَعْدًا مِنْهُ وَفَضْلًا
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَأُمِّ حَبِيبَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهَا (وأبي هريرة) أخرجه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُفِرَ لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَخْبَرَنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ
فَسَأَلْتُ أَبَا الْمَلِيحِ عَنِ الْأُمَّةِ قَالَ أَرْبَعُونَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن ماجه(4/97)
[1029] قَوْلُهُ (رَضِيعٍ كَانَ لِعَائِشَةَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ رَضِيعُ عَائِشَةَ بَصْرِيٌّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ
قُلْتُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَضِيعُكَ أَخُوكَ مِنَ الرَّضَاعَةِ
قَوْلُهُ (فَتُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ (فَيَشْفَعُوا لَهُ) مِنَ الْمُجَرَّدِ أَيْ دَعَوْا لَهُ (إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ) مِنَ التَّفْعِيلِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ قُبِلَتْ شَفَاعَتُهُمْ (فِيهِ) فِي حَقِّهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ
وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ تَكْثِيرِ جَمَاعَةِ الْجِنَازَةِ وَيُطْلَبُ بُلُوغُهُمْ إِلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَوْزِ
وقَدْ قُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا شَافِعِينَ فِيهِ أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدُّعَاءَ سَائِلِينَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا كما في حديث بن عَبَّاسٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ خَرَجَتْ أَجْوِبَةً لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ كُلَّ وَاحِدٍ عَنْ سُؤَالِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَفْهُومُ عَدَدٍ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ مَنْعُ قَبُولِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَحِينَئِذٍ كُلُّ الْأَحَادِيثِ مَعْمُولٌ بِهَا وَيَحْصُلُ الشَّفَاعَةُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَأَرْبَعِينَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ لَا تَضَادَّ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ السَّبِيلَ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ مِنَ الْعَدَدَيْنِ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ لِمَعْنًى لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ النُّقْصَانُ مِنَ الْفَضْلِ الْمَوْعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يَزِيدُ تَفَضُّلًا فَيَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ فَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ أَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بن منصور موقوفاعلى عَائِشَةَ فَأَشَارَ إِلَى تَعْلِيلِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُعَلَّلًا لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انتهى(4/98)
40 - (باب ما جاء في كراهية الصلاة على الْجَنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ)
الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا [1030] قَوْلُهُ (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ) أَيْ أَوْقَاتٍ (أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ) هو بإطلاقه يشمل صلاة الجنازة لأنها صَلَاةٌ (أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ نَدْفِنَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا يُقَالُ قَبَرْتُهُ إِذَا دَفَنْتُهُ وَأَقْبَرْتُهُ إِذَا جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَأَقْبَرَهُ) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ انْتَهَى (حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً) أَيْ طَالِعَةً ظَاهِرَةً حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ (وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّهِيرَةُ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَمَعْنَاهُ حِينَ لَا يَبْقَى لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي المغرب انتهى
وقال بن حَجَرٍ الظَّهِيرَةُ هِيَ نِصْفُ النَّهَارِ وَقَائِمُهَا إِمَّا الظِّلُّ وَقِيَامُهُ وُقُوفُهُ مِنْ قَامَتْ بِهِ دَابَّتُهُ وقفت والمراد بوقوفه بطوء حركته الناشئ من بطوء حَرَكَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ بَادِيَ الرَّأْيِ وَإِلَّا فَهِيَ سَائِرَةٌ عَلَى حَالِهَا وَأَمَّا الْقَائِمُ فِيهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمِيلُ لَهُ ظِلٌّ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ كُلُّهُ كِنَايَةٌ عَنْ وَقْتِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ (حَتَّى تَمِيلَ) أَيْ الشَّمْسُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَتَزُولَ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَمَيْلُهَا هذا هو الزوال
قال بن حَجَرٍ وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا ضَيِّقًا لَا يَسَعُ صَلَاةً إِلَّا أَنَّهُ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ فَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ التَّحْرِيمَةِ فِيهِ (وَحِينَ تَضَيَّفُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ تَمِيلُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وأَصْلُ الضَّيْفِ الْمَيْلُ سُمِّيَ الضَّيْفَ لِمَيْلِهِ إِلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجه(4/99)
قوله (وقال بن الْمُبَارَكِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا يَعْنِي الصَّلَاةَ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَقْبُرَ الدَّفْنَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلِ الْمُرَادُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ
قُلْتُ قَدْ حَمَلَ التِّرْمِذِيُّ قَوْلَهُ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ مَا جَاءَ في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَنَقَلَ فِي تَأْيِيدِهِ قَوْلَ بن الْمُبَارَكِ وَحَمَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَدْ جَاءَ بِتَصْرِيحِ الصَّلَاةِ فِيهِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِهِ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشَّمْسِ إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قُلْتُ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَكَانَتْ قَاطِعَةً لِلنِّزَاعِ وَلَوَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا عَلَى الصَّلَاةِ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ خَارِجَةَ بْنَ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَتْرُوكٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ عَنِ الْكَذَّابِينَ وَيُقَالُ إِنَّ بن مَعِينٍ كَذَّبَهُ
تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ فَلَا يُكْرَهُ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قُلْتُ قَوْلُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ الْمَذَاهِبِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ والحنفية وهو قول بن عمر رضي الله تعالى عنهما
روى أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قال كان بن عُمَرَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحِينَ تَغْرُبُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الباري وإلى قول بن عُمَرَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انتهى
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ يَحْرُمُ فِيهَا الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إِلَّا إِذَا حَضَرَتِ الْجِنَازَةُ أَوْ تُلِيَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ لَكِنِ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا إِلَى خُرُوجِ(4/100)
الْأَوْقَاتِ انْتَهَى
واسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهِنَّ الصَّلَاةُ) وَأُجِيبَ مِنْ جَانِبِهِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَنَهْيُهُ عَنِ الْقَبْرِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الدَّفْنِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ انْتَهَى
كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَيْفَ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس إِلَخْ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَلَاةٌ وَكُلُّ صَلَاةٍ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ
فَكَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لابأس أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ يُقَالُ لَيْسَ كُلُّ صَلَاةٍ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَلِ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ الصَّلَوَاتُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَطْفَالِ)
[1031] قَوْلُهُ (بِشْرُ بْنُ آدَمَ بن بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِشْرُ بْنُ آدَمَ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن بن بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانُ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ جده لأمه أزهر السمان وبن مهدي وزيد بن الحباب وعنه دت عس ق
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وقَالَ النَّسَائِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ (عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ) أَيْ يَمْشِي خَلْفَهَا (وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا) أَيْ يَمْشِي حَيْثُ أَرَادَ مِنَ الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَوْ قُدَّامَهَا أَوْ يَمِينَهَا أَوْ شِمَالَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَرِيبًا مِنْهَا (وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الطِّفْلُ بِالْكَسْرِ الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَوْلُودُ
وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّقْطُ مُثَلَّثَةٌ الْوَلَدُ لِغَيْرِ تَمَامٍ انْتَهَى(4/101)
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وصححه بن حِبَّانَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ
قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُغِيرَةِ وَقَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَوْقُوفَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ متروك
ومن حديث بن عباس أخرجه بن عدي أيضا من رواية شريك عن بن إسحاق عن عطاء عنه وقواه بن طَاهِرٍ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قول الزهري تعليقا ووصله بن أبي شيبة
وأخرج بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخْتُرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَفْرَاطِكُمْ
إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (قَالُوا يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ خُلِقَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى السقط فروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يستهل وبه قال بن سيرين وبن الْمُسَيَّبِ
وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كُلُّ مَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَتَمَّتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ صُلِّيَ عَلَيْهِ
وقَالَ إِسْحَاقُ إِنَّمَا الْمِيرَاثُ بِالِاسْتِهْلَالِ فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَسَمَةٌ تَامَّةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ عليه
وروي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ
وعَنْ جَابِرٍ إِذَا اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ
وبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أحمد وإسحاق رجحه العلامة بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمَّا إِنْ سَقَطَ لِدُونِهَا فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَيِّتٍ إِذْ لَمْ يُنْفَخْ فيه روح
وأصل ذلك حديث بن مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ بن تَيْمِيَّةَ هَذَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ سَقَطَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ(4/102)
يَسْتَهِلَّ وَظَاهِرُ حَدِيثِ الِاسْتِهْلَالِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْحَيَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ السِّقْطِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهَا بَعْدَهُ فَاعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَالِ مِنَ الشَّارِعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَطْنِ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ وَأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِحَيَاتِهِ فِي الْبَطْنِ فَقَطْ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ترك الصلاة على الطفل حَتَّى يَسْتَهِلَّ)
[1032] قَوْلُهُ (الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ تَصْوِيتُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ انْتَهَى وَكَذَا فِي الْمَجْمَعِ وفِيهِ أَرَادَ الْعِلْمَ بِحَيَاتِهِ بِصِيَاحٍ أَوِ اخْتِلَاجٍ أَوْ نَفَسٍ أَوْ حركة أو عطاس انتهى
وقال بن الْهُمَامِ الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ حَرَكَةِ عُضْوٍ أَوْ رَفْعِ صوت انتهى
وقد أخرج البزار عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ الْعُطَاسُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِيهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ
أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ أَيْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ أَشْعَثُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا وَكَانَ الْمَوْقُوفُ أَصَحَّ وَبِهِ جَزَمَ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مرفوعا ولا يصح ورواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أبي الزبير مرفوعا والربيع ضعيف
ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَوَهِمَ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ عَنْعَنَ فَهُوَ عِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرَ الْمُغِيرَةِ وقد وقفه بن جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي(4/103)
الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا
انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ (وَكَانَ هذا أصح من المرفوع) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَأَنْتَ سَمِعْتَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ لا الترجيح بالأحفظ والأكثر بعد جود أصل الضبط والعدالة
انتهى كلام القارىء قُلْتُ هَذَا لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ) وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ هُوَ الْحَقُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ)
[1033] قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ بَنُو الْبَيْضَاءِ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ وَأُمُّهُمْ البيضاء واسمها وعد وَالْبَيْضَاءُ وَصْفٌ وَأَبُوهُمْ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ سُهَيْلٌ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا تُوفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَة انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ(4/104)
قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى على الميت في المسجد) وهو قول بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَكُلِّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ
واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَقَرَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانوا من الصحابة
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَرُدَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْإِنْكَارَ سَلَّمُوا لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ مَا نَسُوهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمُصَلَّى كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلِلْمُصَلَّى حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ فِيهِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ رَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَوُضِعَتِ الْجِنَازَةُ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ وَالْحَقُّ هُوَ الْجَوَازُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورُ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
الثَّانِي أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ
الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَقَدْ جَاءَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وإن أسأتم فلها
الرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصِ الْأَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعْهَا إِلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعِهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ حَسَنٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ
قَالَ بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِرِوَايَةِ الْقُدَمَاءِ عَنْهُ كَابْنِ أبي ذئب وبن جُرَيْجٍ انْتَهَى
ورَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ
وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى عُمَرَ وَلَا عَلَى صُهَيْبٍ فَوَقَعَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ على الميت(4/105)
فِي الْمَسْجِدِ
فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
4 - (بَاب مَا جَاءَ أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ)
[1034] قَوْلُهُ (عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ حِذَاءَهُ وَمُقَابِلَهُ (بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ) وفِي رواية أبي داود المرأة الأنصارية
قال القارىء فَالْقَضِيَّةُ إِمَّا مُتَعَدِّدَةٌ وَإِمَّا مُتَّحِدَةٌ فَتَكُون الْمَرْأَةُ قُرَشِيَّةً أَنْصَارِيَّةً انْتَهَى (فَقَالُوا) أَيْ أَوْلِيَاؤُهَا (يَا أَبَا حَمْزَةَ) كُنْيَةُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ يُقَالُ فِيمَا كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ وَالرَّأْسِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ وَكَأَنَّهُ أَشْبَهَ
وقَالَ صَاحِب الْمُغْرِبِ الْوَسَطُ بِالْفَتْحِ كَالْمَرْكَزِ لِلدَّائِرَةِ وَبِالسُّكُونِ دَاخِلُ الدَّائِرَةِ وَقِيلَ مَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَبِالْفَتْحِ وَمَا لَا فَبِالسُّكُونِ انْتَهَى
ووَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَجِيزَةُ الْعَجُزُ وَهِيَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْعَجُزُ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ (هَكَذَا رَأَيْتُ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ (قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ) أَيْ مِنَ الْمَرْأَةِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ(4/106)
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي غَالِبٍ هَذَا إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْخَيَّاطُ اسْمُهُ نَافِعٌ أَوْ رَافِعٌ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) أَيْ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَحِذَاءَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنَ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنَ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ انْتَهَى
ورَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيْنَا لِمَا قَدْ شَدَّهُ الْآثَارُ الَّتِي رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورُ
وقَالَ مَالِكٌ يَقُومُ حِذَاءَ الرَّأْسِ مِنْهُمَا وَنُقِلَ عَنْهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَعِنْدَ مَنْكِبَيِ الْمَرْأَةِ
وقَالَ بَعْضُهُمْ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَاسْتَدَلَّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ صَدْرَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنِ السُّرَّةِ مِنَ الرَّجُلِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ دَلَّتْ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْخَطَأِ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَوْ التَّعْوِيلِ عَلَى مَحْضِ الرَّأْيِ أَوْ تَرْجِيحِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابِيُّ عَلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ
نَعَمْ لَا يَنْتَهِضُ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ دَلِيلًا لِلْوُجُوبِ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِيمَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْسَنُ وَلَا أَوْلَى وَلَا أَحْسَنَ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فَعَلَهَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
[1035] قَوْلُهُ (فَقَامَ وَسَطَهَا) الْمُرَادُ بِوَسَطِهَا عَجِيزَتُهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي داود
وأما قول الشيخ بن الْهُمَامِ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ الصَّدْرَ بَلِ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ إِذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا إِلَّا أَنَّهُ مآلٌ إِلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ(4/107)
لتقارب المحلين فمما لا التفات إليه بعد ما ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَحِذَاءَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ)
الْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ قَتِيلُ الْمَعْرَكَةِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَفِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافٌ مَشْهُورٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
[1036] قَوْلُهُ (كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) أَيْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَلَاقِي بَشَرَتِهِمَا إِذْ يُمْكِنُ حَيْلُولَتِهِمَا بِنَحْوِ إِذْخِرٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الثَّوْبَ كَانَ طَوِيلًا فَأُدْرِجَا فِيهِ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ (أَيُّهُمَا أَكْثَرُ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ (قَدَّمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْأَحَدَ (فِي اللَّحْدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ الشَّقِّ فِي عَرْضِ القبر جانب القبلة (فقال أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ أَنَا شَفِيعٌ لَهُمْ وَأَشْهَدُ أَنَّهُمْ بَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى
وأَشَارَ إِلَى أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ
قَالَ الطِّيبِيُّ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى تَدْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّضْمِينِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَاللَّهُ على كل شيء شهيد) انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ مُخْتَصَرًا (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي هُوَ مَضْبُوطٌ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ اللَّائِقُ بقوله بعد ذلك ولم يغسلوا وسيأتي بعد ما بَيَّنَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ بِلَفْظِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَهَذِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَعْنَى وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِأَمْرِهِ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ إِنَّ شُهَدَاءَ(4/108)
أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَأُسَامَةُ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عن البخاري أن أسامة غلط في إسناد كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صعير عَنِ النَّبِيِّ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ لَهُ رِوَايَةٌ فَحَدِيثُهُ مِنْ حَيْثُ السَّمَاعُ مُرْسَلٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فَزَادَ فِيهِ جَابِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ شَيْخَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
والْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَنْ شَيْخَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ عَنْ جَابِرٍ) كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ كَأَنَّهَا عِيَانٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَكَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةٍ لَا يَصِحُّ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَارَضَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سِنِينَ يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِذَا طَالَتِ الْمُدَّةُ
قَالَ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ حِينَ قَرُبَ أَجَلُهُ مُوَدِّعًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ انْتَهَى
قُلْتُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قتلى أحد بعد ثمان سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ(4/109)
يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) حَدِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ حِينَ جَاءَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ فَقَالَ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشُّجَيْرَاتِ فَلَمَّا رَآهُ وَرَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ وَبَكَى فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَمَى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وفِي إِسْنَادِهِ أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
وأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرَهُ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَرَجَّحُوا رِوَايَةَ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ
وأخرج بن إسحاق عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ فَسُجِّيَ بِبُرْدَةٍ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إِلَى حَمْزَةَ فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً وفِي إسناده رجل مبهم لأن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مقسم مولى بن عباس عن بن عَبَّاسٍ قَالَ السُّهَيْلِيُّ إِنْ كَانَ الَّذِي أَبْهَمَهُ بن إِسْحَاقَ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ الْحَامِلُ لِلسُّهَيْلِيِّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ حَدَّثَهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَسَأَلْتُ الْحَكَمَ فَقَالَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ حديث بن عباس روى من طريق أُخْرَى فَذَكَرَهَا
واعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَعَلَى حَمْزَةَ أَحَادِيثُ أُخْرَى لَكِنْ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ
قَالَ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى وَقَدْ رُوِيَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى شُهَدَاءَ أُحُدٍ بِأَسَانِيدَ لَا تَثْبُتُ انْتَهَى
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ فِي شُهَدَاءِ سَائِرِ الْمَشَاهِدِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا مَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ الْحَدِيثَ وفِيهِ وَلَكِنِّي اتَّبَعَتْكَ عَلَى أن أرمي إلى ها هنا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ
وَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَب رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ(4/110)
نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَهِيدٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ سَلَامُ بْنُ أَبِي سَلَامٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ
وقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ عَنْ سَلَامٍ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَامٍ انْتَهَى
وَزَيْدٌ ثِقَةٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَلَامٍ فَلَمْ أَقِفْ لِلْمَانِعِينَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى جَوَابٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّاهُ شَهِيدًا وَصَلَّى عَلَيْهِ
نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّفْيُ عَامًّا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْعَةِ أُحُدٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْإِثْبَاتِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ مُخْتَصًّا بِمَنْ قُتِلَ مِثْلَ صِفَتِهِ انْتَهَى
وأَمَّا حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ فَإِنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَسَمَّاهُ شَهِيدًا وَصَلَّى عَلَيْهِ
ولَكِنْ حَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي الْمَعْرَكَةِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الشَّهِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَجُوزُ تَرْكُهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ورَوَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ أَجْوَدُ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
واخْتَارَ الشَّوْكَانِيُّ الصَّلَاةَ عَلَى الشَّهِيدِ وَأَجَابَ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ
فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ اخْتُلِفَ فِي الشَّهِيدِ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهِيدِ قَتِيلُ الْمَعْرَكَةِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ مَنْ جُرِحَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَخَرَجَ بِحَرْبِ الْكُفَّارِ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ الْبَغْيِ وَخَرَجَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مَنْ يُسَمَّى شَهِيدًا بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ
ولَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْقُيُودَ شَهِيدٌ
ورُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ جُرِحَ فِي المعركة إن مات قبل الإرتثات فَشَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ أَنْ يُحْمَلَ وَيَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يُوصِيَ أَوْ يَبْقَى فِي الْمَعْرَكَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيًّا
وذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ جُرِحَ فِي الْمَعْرَكَةِ يُقَالُ لَهُ شَهِيدٌ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الِارْتِثَاثِ وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي الْمِصرِ ظُلْمًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِنَّهُ شَهِيدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ وَإِنْ قِيلَ لَهُ شَهِيدٌ فَلَيْسَ مِنَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَا يُغَسَّلُونَ
وذَهَبَتِ العترة والحنفية والشافعي في قوله له إن قتيل البغاة شهيد
قالوا إذا لَمْ يُغَسِّلْ عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ وَهُوَ تَوْقِيفٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ(4/111)
46 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ)
[1037] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ (أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيُّ) هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (وَرَأَى قَبْرًا مُنْتَبِذًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُنْفَرِدًا عَنِ الْقُبُورِ بَعِيدًا عَنْهَا (فَصَفَّ أَصْحَابَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِلشَّعْبِيِّ (مَنْ أخبرك) أي بهذا الحديث (فقال بن عباس) أي فقال الشعبي أخبرني بن عَبَّاسٍ
وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ هذا يا أبا عمرو قال بن عَبَّاسٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْقَائِلُ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ وَالْمَقُولُ لَهُ هُوَ الشَّعْبِيُّ
قَالَ وَسِيَاقُ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ فِي صَبِيحَةِ دَفْنِهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ (وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ص 623 (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (وعامر بن ربيعة) أخرجه بن مَاجَهْ (وَأَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْبَرَاءِ وفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كَذَا فِي النَّيْلِ (وسهل بن حنيف) أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدِ
قَالَ الْإِمَامُ أحمد رويت الصلاة على القبر مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتَّةِ وجوه حسان
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ بَلْ مِنْ تِسْعَةٍ كُلُّهَا حِسَانٌ وَسَاقَهَا كُلَّهَا بِأَسَانِيدِهِ فِي تَمْهِيدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَامِرِ بْنِ ربيعة وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَمْسَةِ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِسْكِينَةِ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي صَلَاةِ الْمُصْطَفَى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ وَحَدِيثِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قبر طلحة بن الْبَرَاءِ
وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ وَقَدْ تُوفِّيَتْ أُمُّ أَبِي أُمَامَةَ فَصَلَّى عَلَيْهَا وحديث أنس أنه صلى على امرأة بعد ما دُفِنَتْ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمِسْكِينَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَسَمَّاهَا مِحْجَنَةَ كذا في التعليق الممجد(4/112)
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) سَوَاءٌ صُلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى
واسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْهُمْ إِنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ شُرِعَ وَإِلَّا فَلَا
وأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ
قَالُوا صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لتنوير القبر
وقالا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الصَّلَاةُ على القبر مشروعا
وأجاب بن حِبَّانَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي تَرْكِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ بَيَانُ جَوَازِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا لِلْأَصَالَةِ
ومِنْ جُمْلَةِ مَا أَجَابَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَهِيَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ بَيَّنَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْمَدْرَجِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ لَا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا يَعْنِي آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي لَهُ رَحْمَةٌ
وَهَذَا لَيْسَ بِمُرْسَلٍ وَأَجَابَ الشَّوْكَانِيُّ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ لا يثبب إِلَّا بِدَلِيلٍ وَمُجَرَّدُ كَوْنِ اللَّهِ يُنَوِّرُ الْقُبُورَ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِهَا لَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ لِغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي انْتَهَى
قَوْلُهُ (وقال بْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فَفَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الثَّابِتُ بِالْأَدِلَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بَاقٍ وَجَعْلُ الدَّفْنِ مُسْقِطًا لِهَذَا الْفَرْضِ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ
قَالَ وقد استدل بحديث الباب يعني حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا مَنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِيمَنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَالْمُفَصِّلُ هُوَ بَعْضُ المانعين(4/113)
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ) قَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِي فِي سُبُلِ السَّلَامِ ص 491 وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ فَقِيلَ إِلَى شَهْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقِيلَ إِلَى أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ إِذَا بَلِيَ لَمْ يَبْقَ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقِيلَ أَبَدًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ
قَالَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّحْدِيدِ بِمُدَّةٍ انْتَهَى
قُلْتُ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ قَالَ إِلَى شَهْرٍ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ صحيح انتهى
وروى الدارقطني عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ
قُلْتُ الظَّاهِرُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى مُطْلَقِ الدُّعَاءِ وَتَجْوِيزِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى
[1038] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ إِلَخْ) هَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
عَلَى النَّجَاشِيِّ هُوَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَهَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ بِكِتَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي يَطْلُبُ مِنْهُ تَزْوِيجَهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخَذَ الْكِتَابَ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَسْلَمَ وَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَبْلَ أَنْ يَصْحَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ صَحَابِيٌّ كَثِيرُ الْحَدِيثِ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ تَابِعِيٍّ كَذَا فِي ضِيَاءِ السَّارِي
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ(4/114)
الْأَلِفِ شِينٌ ثُمَّ يَاءٌ ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ ولقب مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ
وحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَخَطَّأَهُ انْتَهَى
قُلْتُ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ كِسْرَى وَلِمَنْ مَلَكَ الرُّومَ قَيْصَرٌ كَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ النَّجَاشِيُّ وَكَانَ اسْمُهُ أَصْحَمَةَ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي هجرة الحبشة من طريق بن عيينة عن بن جُرَيْجٍ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ
[1039] قَوْلُهُ (إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَدْ تُوفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ نُعِيَ النَّجَاشِيُّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وفِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَالْمَدِينَةِ (وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ وَبِذَلِكَ قَالَ الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال بن حَزْمٍ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لَا يُشْرَعُ ذَلِكَ
وقَدْ اعْتَذَرَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ فَتَعَيَّنَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مَوْتُهُ لَيْسَ بِهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُسْلِمِ يَلِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ بِبَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا مُحْتَمِلٌ إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ أَحَدٌ
ومِنْهَا أَنَّهُ كُشِفَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ حَتَّى رَآهُ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَيِّتٍ رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا
وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ وَلَمْ يَثْبُتْ
فإن قلت قد روى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِيرِ النَّجَاشِيِّ حَتَّى رَآهُ وَصَلَّى عليه وأخرج بن حِبَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قِصَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ وفِي رِوَايَتِهِ فَقَامَ وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْهُ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجِنَازَةَ قُدَّامَنَا(4/115)
قلت أما رواية بن عَبَّاسٍ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ فِي أَسْبَابِهِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا رِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِلَفْظِ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجِنَازَةَ قُدَّامَنَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ بِلَفْظِ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا كَمَا يُصَفُّ عَلَى الْمَيِّتِ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
ومِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّجَاشِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ
وأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ كَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ قِصَّةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ خَبَرَهُ قَوِيٌّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ طُرُقِهِ انْتَهَى
ولِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ اعْتِذَارَاتٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهَا وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَفْظُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمَانِعُونَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ يُعْتَدَّ بِهِ سِوَى الِاعْتِذَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ فِي أَرْضٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا جُمُودٌ عَلَى قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ يَدْفَعُهُ الْأَثَرُ وَالنَّظَرُ انْتَهَى
قُلْتُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَغَيْرِهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ وَجَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ وَجَرِيرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْمُهَلَّبِ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ فَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ ثُمَّ قَالَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ(4/116)
48 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ)
[1040] قَوْلُهُ (فَلَهُ قِيرَاطٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُهُ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّ جَمْعَهُ قَرَارِيطُ فَأُبْدِلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءٌ قَالَ وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانَقٍ وَالدَّانَقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ فَعَلَى هذا يكون القيراط جزء من اثني عشر جزء مِنَ الدِّرْهَمِ
وأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهِ في أكثر البلاد في الشَّامِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا (حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا) أَيْ يَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا (أَحَدُهُمَا أَوْ أَصْغَرُهُمَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مِثْلُ أُحُدٍ) هذا التفسير المراد ها هنا لَا لِلَّفْظِ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) هَذَا مَقُولُ أَبِي سَلَمَة (فَرَّطْنَا) مِنَ التَّفْرِيطِ أَيْ ضَيَّعْنَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ) جَمْعِ قِيرَاطٍ أَيْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً مِنْ عَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى حُضُورِ الدَّفْنِ
بَيَّنَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ في روايته من طريق بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كان بن عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَذَكَرَهُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ لِي حَدِيثُ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد وبن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَسَانِيدُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ صِحَاحٌ وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ بن ماجه وبن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ وَأَنَسٍ عِنْدَ الطبراني في الأوسط وواثلة بن الأصقع عند بن عَدِيٍّ وَحَفْصَةَ عِنْدَ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وفِي كُلٍّ مِنْ أَسَانِيدِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ ضَعْفٌ انْتَهَى(4/117)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
9 - بَاب آخَرُ [1041] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ التَّاسِعَةِ (سَمِعْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي بِمَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ هَاءٍ وَفَتْحِ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ انْتَهَى
وقَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَكْسُورَةِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (وحملها ثلاث مرات) قال بن الْمَلَكِ يَعْنِي يُعَاوِنُ الْحَامِلِينَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ يَحْمِلُهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ يَفْعَلُ كَذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهَا) أَيْ مِنْ حَقِّ الْجِنَازَةِ بَيَانٌ لِمَا قَالَ مَيْرَكُ أَيْ مِنْ جِهَة الْمُعَاوَنَةِ لَا مِنْ دَيْنٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى
وقَدْ عَدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُشَيِّعَ جِنَازَتَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا الْمُهَزَّمِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ
قَوْلُهُ (وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ مُسْلِمٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ وَلَوْ يُعْطَى دِرْهَمًا لَوَضَعَ حَدِيثًا انْتَهَى
اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله في موطإه وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ فَيَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُؤَخَّرَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى
وقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ يَضَعُهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صدره
واستدل(4/118)
للإمام أبي حنيفة بما رواه بن مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ثُمَّ إِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطيالسي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا
حَدَّثَنَا شعبة عن منصور بن المعتمر عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ بِهِ بِلَفْظِ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ ومِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
واحْتُجَّ للإمام الشافعي رحمه الله بما أخرجه بن سَعْدٍ عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنَ الدَّارِ
وَأَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ ازْدِحَامُ الْمَلَائِكَةِ
فَرَوَى سَعْدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن بن عُمَرَ رَفَعَهُ قَالَ لَقَدْ شَهِدَ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ حَمْلَ جِنَازَتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ كَانَ لِازْدِحَامِهِمْ فَتَفَكَّرْ
وقَدْ حُمِلَتْ جَنَائِزُ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي جِنَازَةِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَأَيْتُ سَعْدًا فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ
ومِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ
ومِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ
ومِنْ طريق بن عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَمِنْ طريق بن الزُّبَيْرِ فِي جِنَازَةِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَرَوَى بن سَعْدٍ عَنْ مَرْوَانَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ بِجِنَازَةِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ)
[1042] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا) وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا
وفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ(4/119)
جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا وفِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
وفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا عِنْدَ أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النفوس
ولفظ بن حِبَّانَ إِعْظَامًا لِلَّهِ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ
قَالَ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ إِنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاشٍ فَأَذَاهُ رِيحُ بَخُورِهَا
ولِلطَّبَرَيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ كَرَاهِيَةُ أَنْ تَعْلُوَ رَأْسَهُ
فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى الصَّحِيحَةَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ أَسَانِيدَهَا لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ تَتْرُكَكُمْ وَرَاءَهَا وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمُرَادَ حَامِلُهَا (أَوْ تُوضَعَ) أَيْ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَسَهْلِ بْنُ حُنَيْفٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1043] قَوْلُهُ (فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدَن حَتَّى تُوضَعَ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ وَضْعَهَا عَنِ الْأَعْنَاقِ وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ وَقِيلَ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْوَضْعُ عَلَى الْأَرْضِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ وَيَرُدُّهُ مَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ(4/120)
فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدُ فَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ بِاللَّحْدِ حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَوَهَّمَ رِوَايَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا مَنْ تَبِعَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا نقله بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْقَائِمَ مِثْلُ الْحَامِلِ يَعْنِي فِي الْأَجْرِ
وقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ
وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ يَجِبُ الْقِيَامُ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَا مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَدَّمُونَ إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
1 - (بَاب الرُّخْصَةِ)
فِي تَرْكِ الْقِيَامِ لَهَا أَيْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ
[1044] قَوْلُهُ (فَقَالَ عَلِيٌّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عَلِيٍّ ثُمَّ قَعَدَ أَيْ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَتْهُ وَبَعُدَتْ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كَانَ يَقُومُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ تَرَكَ الْقِيَامَ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا(4/121)
يَكُونُ فِعْلُهُ الْأَخِيرُ قَرِينَةً فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ النَّدْبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ يَعْنِي فِي الْأَمْرِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمْ الْحَدِيثَ
ومِنْ ثَمَّ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشافعية
وقال بن حَزْمٍ قُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَهْيٍ أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى النَّهْيِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ فَقَالَ اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكَانَ حُجَّةً فِي النَّسْخِ انْتَهَى
قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن الحسن بن علي وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ إِنَّ جِنَازَةً مَرَّتْ بِالْحَسَنِ بْنِ علي وبن عباس فقام الحسن ولم يقم بن عَبَّاسٍ فَقَالَ الْحَسَنُ أَلَيْسَ قَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِنَازَةِ يَهُودِيٍّ قال بن عَبَّاسٍ نَعَمْ ثُمَّ جَلَسَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا) وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمْ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا (وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ شَاءَ قَامَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ إِلَخْ) فَعِنْدَ أَحْمَدَ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ
قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَالِسِ أَنْ يَقُومَ إِذَا رَأَى الْجِنَازَةَ حَتَّى تُخَلِّفَهُ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ(4/122)
وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ قَامَ لَمْ أَعِبْهُ وَإِنْ قَعَدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ الْأَسْوَدِ وَالنَّخَعِيِّ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ فَقُمْنَا فَقَالَ مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا قُلْنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا مَرَّةً كَانَ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ الْحَازِمِيُّ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ أَوْلَى مِنَ الْقِيَامِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ وَالْحُجَّةُ فِي الْآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وإن كَانَ الْأَوَّلُ وَاجِبًا فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ وَإِنْ كَانَ اسْتِحْبَابًا فَالْآخِرُ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَالْقُعُودُ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا اللَّحْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْحَاءِ هُوَ الشَّقُّ فِي عُرْضِ الْقَبْرِ جَانِبَ الْقِبْلَةِ وَالشَّقُّ هُوَ الضَّرِيحُ وَهُوَ الشَّقُّ في وسط القبر(4/123)
[1045] قوله (حدثنا حَكَّامٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ (بْنُ سَلْمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثِقَةٌ لَهُ غَرَائِبُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى) صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ
قَوْلُهُ (اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ اللَّحْدُ آثَرُ وَأَوْلَى لَنَا وَالشَّقُّ آثَرُ وَأَوْلَى لِغَيْرِنَا أَيْ هُوَ اخْتِيَارُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وفِي ذَلِكَ بَيَانُ فَضِيلَةِ اللَّحْدِ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الشَّقِّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ كَانَ يَصْنَعُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْهِيًّا لَمَا قَالَتِ الصَّحَابَةُ أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ انْتَهَى
وقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ نَفْسَهُ أَيْ أُوثِرَ لِي اللَّحْدُ وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْكَائِنِ فَيَكُونُ مُعْجِزَةً انْتَهَى
وقِيلَ مَعْنَاهُ اللَّحْدُ لَنَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ وَالشَّقُّ جَائِزٌ لِغَيْرِنَا
قُلْتُ الصَّحِيحُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ التُّورْبَشْتِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا أَهْلِ الْكِتَابِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبزار وبن ماجه بنحو حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَزَادَ أَحْمَدُ بَعْدَ قَوْلِهِ لِغَيْرِنَا أَهْلِ الْكِتَابِ (وَعَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَتْ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا فَأَرْسِلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا فَجَاءَ اللَّاحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دفن صلى الله عليه وسلم (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّهُمْ أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحدا وفيه عبد الله العمري وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ بن شاهين في كتاب الجنائز بلفظ حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ
وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ اللَّحْدِ وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الضَّرْحِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ اللَّحْدِ وَالشَّقِّ
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ
قال الشوكاني وصححه بن السَّكَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ كَمَا وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ جَامِعِهِ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى(4/124)
53 - (باب ما يقول إذا أدخل الميت قبره)
[1046] قَوْلُهُ (إِذَا أُدْخِلَ) رُوِيَ مَجْهُولًا وَمَعْلُومًا (الْمَيِّتُ) بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ (الْقَبْرَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ (وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ إذا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ) يَعْنِي أَنَّ أَبَا خَالِدٍ قَالَ مَرَّةً لَفْظَ إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ مَكَانَ لَفْظِ إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحُ هَذَا فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ كَمَا سَتَعْرِفُ (قَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ وَضَعْتُهُ أَوْ وُضِعَ أَوْ أُدْخِلُهُ (وَبِاللَّهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ أَوْ بِعَوْنِهِ وَقُدْرَتِهِ (وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَدِينِهِ (وَقَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَالْمُرَادُ بِمِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَسُنَّتِهِ وَاحِدٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أُدْخِلُ رُوِيَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا وَالثَّانِي أَغْلَبُ فَعَلَى الْمَجْهُولِ لَفْظُ كَانَ بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ بِخِلَافِهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَهُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ فَإِذَا هُوَ بِالرَّجُلِ الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ
قَالَ مَيْرَكُ وفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَعْلُومِ يَحْتَمِلُ الدَّوَامَ أَيْضًا
وعَلَى تَقْدِيرِ الْمَجْهُولِ يَحْتَمِلُ عَدَمَهُ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى
قَالَ القارىء وفِيهِ أَنَّ إِدْخَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ الْأَشْرَفِ لَمْ يَكُنْ دَائِمًا بَلْ كَانَ نَادِرًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بِسْمِ اللَّهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا مَعَ إِدْخَالِهِ وَإِدْخَالِ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (رَوَاهُ أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي(4/125)
الصديق موقوفا أيضا) قال الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُسْنَدًا وَمَوْقُوفًا
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ بِالْإِجْمَالِ وَقَدْ رواه بن مَاجَهْ بِالْإِيضَاحِ فَقَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أبي سليم عن نافع عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ الْقَبْرَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ مَرَّةً إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي لَحْدِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
وَقَالَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ بِسْمِ اللَّهِ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ)
فِي الْقَبْرِ [1047] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ) جَعْفَرٌ هَذَا مَعْرُوفٌ بِالصَّادِقِ وَأَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعْرُوفٌ بِالْبَاقِرِ
قَوْلُهُ (الَّذِي أَلْحَدَ) يُقَالُ لَحَدَ يَلْحَدُ كَذَهَبَ يَذْهَبُ وَأَلْحَدَ يُلْحِدُ إِذَا حَفَرَ اللَّحْدَ وَهُوَ الشَّقُّ تَحْتَ الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْقَبْرِ (وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ كِسَاءٌ لَهُ خُمُلٌ (شُقْرَانُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ اسْمُهُ صَالِحٌ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ ثُمَّ عَتَقَ
قَالَ الْحَافِظُ أَظُنُّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْقَطِيفَةُ أَلْقَاهَا شقران وقال كرهت أن يلبسها أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ وَضْعِ قَطِيفَةٍ أَوْ مِضْرَبَةٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِهَذَا الْحَدِيثِ
والصَّوَابُ كَرَاهَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ
وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ شُقْرَانَ انْفَرَدَ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَلِمُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ كَرَاهَتِهِ أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُ شُقْرَانَ أَنْ(4/126)
يتبذلها أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وخالفه غيره فروى البيهقي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي قَبْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
(وَأَخْبَرَنِي بن أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ أَنَا والله طرحت القطيفة الخ) وروى بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي وَالْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ طريقه
والبيهقي عنه من طريق بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً قَدْ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ وَقَالَ وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ فَدُفِنَتْ مَعَهُ
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (حَدِيثُ شُقْرَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الحافظ في التلخيص وسكت عنه
[1048] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (قَالَ جُعِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْجَاعِلُ هُوَ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن حبان
قال الحافظ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ وَزَادَ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ وذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ اسْتُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يُهَالَ التُّرَابُ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ فِي السِّيرَةِ وَفُرِشَتْ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ وَقِيلَ أُخْرِجَتْ وَهَذَا أَثْبَتُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَالْقَصَّابُ بِمَعْنَى بَائِعِ الْقَصَبِ (وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ) الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ شُعْبَةُ(4/127)
وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثِقَةٌ لَهُ فِي مُسْلِمٍ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ
ولَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ (وَرَوَى) أَيْ شُعْبَةُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الضُّبَعِيِّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ (وَاسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ) الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ لَا غَيْرَ وَلَيْسَ لِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ حَدِيثٌ فِي التِّرْمِذِيِّ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ القبر)
[1049] قَوْلُهُ (قَالَ لِأَبِي الْهَيَّاجِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (الْأَسَدِيِّ) بفتح السين ويسكن (أبعثك على ما أبعثني) أَيْ أُرْسِلُكَ لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعْدِيَتَهُ بِحَرْفِ عَلَى لِمَا فِي الْبَعْثِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّأْمِيرِ أَيْ أَجْعَلُكَ أَمِيرًا عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله القارىء
(أَنْ لَا تَدَعَ) أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أَنْ لَا تَدَعَ وَقِيلَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ وَلَا نَاهِيَةٌ أَيْ لا تترك (قبرا مشرفا) قال القارىء هُوَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَفَعَ دُونَ الَّذِي أُعْلِمَ عَلَيْهِ بِالرَّمْلِ وَالْحَصْبَاءِ أَوْ مَحْسُومَةٌ بِالْحِجَارَةِ لِيُعْرَفَ وَلَا يُوطَأَ (إِلَّا سَوَّيْتُهُ) فِي الْأَزْهَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُكْرَهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ الْهَدْمُ
فَفِي قَدْرِهِ خِلَافٌ
قِيلَ إِلَى الْأَرْضِ تَغْلِيظًا وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ أَيْ لَفْظِ الْحَدِيثِ من التسوية
وقال بن الْهُمَامِ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْعَالِي وَلَيْسَ مُرَادُنَا ذَلِكَ بِتَسْنِيمِ الْقَبْرِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَبْدُو مِنَ الْأَرْضِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ
فِيهِ أَنَّ(4/128)
السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ رَفْعًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ كَانَ فَاضِلًا وَمَنْ كَانَ غَيْرَ فَاضِلٍ
والظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْقُبُورِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُحَرَّمٌ
وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ
ومِنْ رَفْعِ الْقُبُورِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْحَدِيثِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا الْقُبَبُ وَالْمَشَاهِدُ الْمَعْمُورَةُ عَلَى الْقُبُورِ وَأَيْضًا هُوَ مِنَ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَ ذَلِكَ
وكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ
مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَدُّوا إليه الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يدعوا شيئا مما كانت الجابية تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إِلَّا فَعَلُوهُ
فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
ومَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لَا نَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا وَلَا مَلِكًا وَقَدْ تَوَارَدَ إِلَيْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُبُورِيِّينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إِذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاللَّهِ فَاجِرًا فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ احْلِفْ بِشَيْخِكَ وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ
وهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى ثَانِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ
فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ أَيُّ رُزْءٍ لِلْإِسْلَامِ أَشَدُّ مِنَ الْكُفْرِ وَأَيُّ بَلَاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إِنْكَارُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إنكاره هَذَا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْ وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي الرَّمَادِ
(وَلَا تِمْثَالًا) أَيْ صُورَةً (إِلَّا طَمَسْتَهُ) أَوْ مَحَوْتَهُ وَأَبْطَلْتَهُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَفِيٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ فَتُوفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا(4/129)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ إِلَّا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يُوطَأَ وَلَا يُجْلَسَ عَلَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ 213 ج 1 فِي شَرْحِ قَوْلِهِ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ رَفْعًا كَثِيرًا وَلَا يُسَنَّمُ بَلْ يُرْفَعُ نَحْوَ شِبْرٍ وَيُسَطَّحُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ
ونَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ تَسْنِيمُهَا
وهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ مُسَنَّمًا أَيْ مُرْتَفِعًا زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَذَلِكَ
واسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَسْنِيمُ الْقُبُورِ
وهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ
وادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَحَبُّوا التَّسْطِيحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ
وقَوْلُ سُفْيَانَ التَّمَّارِ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَبْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ مُسَنَّمًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ
زَادَ الْحَاكِمُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمًا وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ مُسَطَّحَةً ثُمَّ لَمَّا بُنِيَ جِدَارُ الْقَبْرِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَيَّرُوهَا مُرْتَفِعَةً
وقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ إسحاق بن عيسى بن بِنْتِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ بِسْطَامٍ الْمَدِينِيِّ قَالَ رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَأَيْتُهُ مُرْتَفِعًا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَرَأَيْتُ قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَرَاءَ قَبْرِهِ وَرَأَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ وَرَاءَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ أَسْفَلَ مِنْهُ
ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ وَرَجَّحَ الْمُزَنِيُّ التَّسْنِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْمُسَطَّحَ يُشْبِهُ مَا يُصْنَعُ لِلْجُلُوسِ بِخِلَافِ الْمُسَنَّمِ ورجحه بن قُدَامَةَ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَبْنِيَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهُوَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ فَكَأَنَّ التَّسْنِيمَ أَوْلَى
ويُرَجِّحُ التَّسْطِيحَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فضالة بن عبيد أنه مر بِقَبْرٍ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ(4/130)
56 - (باب ما جاء في كراهية الوطء على القبور)
والجلوس عليها والصلاة عليها وفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْمَشْيِ عَلَى الْقُبُورِ إِلَخْ
[1050] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ (عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (الْغَنَوِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاسْمُهُ كَنَّازٌ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَآخِرُهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الجمهور قاله الشوكاني
قال بن الْهُمَامِ وَكُرِهَ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ أَقَارِبُهُ ثُمَّ دفنت حواليه خلق من وطأ تِلْكَ الْقُبُورِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ
ويُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بَلْ أَوْلَى
ويُكْرَهُ كُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي الْخُرُوجِ فِي الْبَقِيعِ انْتَهَى (وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) أي مستقبلين إليها قال القارىء وفِي مَعْنَاهُ بَلِ أَوْلَى مِنْهُ الْجِنَازَةُ الْمَوْضُوعَةُ وَهُوَ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ حَيْثُ يَضَعُونَ الْجِنَازَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُونَ إِلَيْهَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ مَرْفُوعًا لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ (وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ لَا تُؤْذِ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ أَوْ لَا تُؤْذِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ هُوَ بَشِيرُ بْنُ معبد وقيل بن زَيْدِ بْنِ مَعْبَدٍ السَّدُوسِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَصَاصِيَةِ بِمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةٍ وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ بَعْدَ الثَّانِيَةِ تَحْتَانِيَّةٌ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي فِي نَعْلَيْنِ بَيْنَ الْقُبُورِ فَقَالَ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا
سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا خَالِدَ بْنَ نُمَيْرٍ فَإِنَّهُ يَهِمُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ بَشِيرٍ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ بِالنَّعْلَيْنِ وَلَا يختص عدم الجواز بكون سبتيتين لعدم(4/131)
الفارق بينها وبين غيرها
وقال بن حَزْمٍ يَجُوزُ وَطْءُ الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ سِبْتِيَّةً لِحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ
وَخَصَّ الْمَنْعَ بِالسِّبْتِيَّةِ وَجَعَلَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّ سَمَاعَ الْمَيِّتِ لِخَفْقِ النِّعَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ عَلَى قَبْرٍ أَوْ بَيْنَ الْقُبُورِ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
[1051] قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (حديث بن المبارك خطأ أخطأ فيه بن الْمُبَارَكِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ الخ) لقائل أن يقول إن بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالْوَجْهَيْنِ أَعْنِي رواه أولا عن وائلة بِوَاسِطَةِ أَبِي إِدْرِيسَ ثُمَّ لَقِيَهُ فَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ وَالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا)
[1052] قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ بِالْقَافِ وَالصَّادَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ بِمَعْنَى التَّجْصِيصِ وَالْقَصَّةُ هِيَ الْجِصُّ (وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا(4/132)
بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنِ الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا كَكِتَابِ اسْمِ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَتَارِيخِ وَفَاتِهِ أَوْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوطَأَ أَوْ يَسْقُطَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَصِيرَ تَحْتَ الْأَرْجُلِ
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ يَكْتُبُونَ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقُبُورِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَتِ الْهَادَوِيَّةُ رَسْمَ الِاسْمِ فَجَوَّزُوهُ لَا عَلَى وَجْهِ الزَّخْرَفَةِ قِيَاسًا عَلَى وَضْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مِنَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ كَمَا قَالَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ وَلَكِنِ الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ انْتَهَى (وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي مِلْكِ الْبَانِي فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَحَرَامٌ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ
وقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى وَيَدُلُّ عَلَى الْهَدْمِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ (وَأَنْ تُوطَأَ) أَيْ بِالْأَرْجُلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ وَالْوَطْءُ لِحَاجَةٍ كزيارة ودفن ميت لا يكره
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وفِي وَطْئِهِ لِلزِّيَارَةِ مَحْلُ بَحْثٍ انْتَهَى
وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
وقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْحَدَثُ
وقَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُعُودِ الْجُلُوسُ وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ الرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ بِلَفْظِ لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وفِي لَفْظِهِ نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ يُجَصَّصَ أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ إِلَخْ) جَاءَ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ رِوَايَتَانِ الْأُولَى مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّارُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا وَطُيِّنَ بِطِينِ الْأَحْمَرِ من العرصة ذكره الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص(4/133)
وَسَكَتَ عَنْهَا
وَالثَّانِيَةُ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ رَوَى مِنْ طَرِيقِ بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَا يَزَالُ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مَا لَمْ يُطَيَّنْ قَبْرُهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص 561 بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِسْنَادُهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الطَّايَكَانِيِّ وَقَدْ رَمَوْهُ بِالْوَضْعِ انْتَهَى
واخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ السَّرْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَمَّا تَطْيِينُهُ فَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْصُورِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ إِنَّهُ مَكْرُوهٌ
وفِي الْمُضْمَرَاتِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ انْتَهَى
وقَالَ فِي اللُّمُعَاتِ فِي الْخَانِيَةِ تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْهَادِي والقاسم أنه لابأس بِالتَّطْيِينِ لِئَلَّا يَنْطَمِسَ
وبِهِ قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى وَأَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى
8 - (بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ)
جَمْعُ مَقْبَرَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ وَكَمِكْنَسَةٍ مَوْضِعُ الْقُبُورِ
[1053] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مشهور بكنيته ثقة حافظ عن هشيم وبن المبارك وبن عُيَيْنَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ ع مِنَ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ) بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسَدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الملهب الْكُوفِي صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ الْكُوفِي فِيهِ لِينٌ (عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ الْجَنْبِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
قَوْلُهُ (فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ (بوجهه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَالِ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ لِوَجْهِ الْمَيِّتِ وَأَنْ يَسْتَمِرَّ كَذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ عَمَلُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لما قاله بن حَجَرٍ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَالَةَ الدُّعَاءِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ كَمَا عُلِمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ انْتَهَى
وفِيهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَوَاضِعِ الدُّعَاءِ مَا وَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْقِبْلَةِ مِنْهَا(4/134)
مَا نَحْنُ فِيهِ وَمِنْهَا حَالَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَدُخُولِ الْمَيِّتِ وَخُرُوجِهِ وَحَالَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَقْتَصِرَ الِاسْتِقْبَالُ وَعَدَمُهُ عَلَى الْمَوْرِدِ إِنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَخَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الخبر انتهى كلام القارىء
(أَنْتُمْ سَلَفُنَا) بِفَتْحَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنْ سَلَفِ الْمَالِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا لِلْأَجْرِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَقِيلَ سَلَفُ الْإِنْسَانِ مَنْ تَقَدَّمَهُ بِالْمَوْتِ مِنَ الْآبَاءِ وَذَوِي الْقَرَابَةِ وَلِذَا سُمِّيَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنَ التَّابِعِينَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ انْتَهَى (وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ يَعْنِي تَابِعُونَ لَكُمْ مِنْ وَرَائِكُمْ لَاحِقُونَ بِكُمْ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ نَسْأَلُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ (وَعَائِشَةَ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَتْ كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي فِي زِيَارَةِ القبور
قال قولي السلام على أهل الديار مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ)
[1054] قَوْلُهُ (فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ قَبْرِ الْقَرِيبِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ (فَزُورُوهَا) الْأَمْرُ لِلرُّخْصَةِ أَوْ لِلِاسْتِحْبَابِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بَلِ ادعى بعضهم الاجماع بل حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبَهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ) أَيْ فَإِنَّ الْقُبُورَ أَوْ زِيَارَتَهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ(4/135)
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) لِيُنْظَرْ من أخرجه (وبن مسعود) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَّا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقُلُوبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ
(وَأُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا عِبْرَةً
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْعَبْدَرِيِّ وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ نَظَرٌ لأن بن أبي شيبة وغيره روى عن بن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ ومقابل هذا القول بن حُزَمٍ أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى
(باب ما جاء في الزيارة الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ)
[1056] قَوْلُهُ (لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ)
قَالَ القارىء لَعَلَّ الْمُرَادَ كَثِيرَاتُ الزِّيَارَةِ
وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا اللَّعْنُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إِذَا أُمِنَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِذْنِ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الْمَوْتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظاهر انتهى(4/136)
قوله وفي الباب عن بن عباس وحسان بن ثابت أما حديث بن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صالح عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَبُو صَالِحٍ هُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وأَمَّا حَدِيثُ حَسَّانِ بْنِ ثابت فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قال الحافظ بن حَجَرٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ ويُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي إِلَخْ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حُجَّةٌ ومِمَّنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى عُمُومِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَوَى الْحَاكِمُ من طريق بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ لَهَا أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إِذَا زَارَتِ الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كَرِهَ أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قاله القارىء وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ لِلنِّسَاءِ كَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَالَتْ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا وأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى زِيَارَتِهِنَّ لِمُحَرَّمٍ كَالنَّوْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مَرَّتْ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَا لَفْظُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِتَعْلِيلَاتِهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ فِي حُكْمِ الزِّيَارَةِ إِذَا زُرْنَ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حَقِّهِنَّ وَأَمَّا خَبَرُ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ فَمَحْمُولٌ عَلَى زِيَارَتِهِنَّ لِمُحَرَّمٍ كَالنَّوْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اعْتَدْنَهُ انْتَهَى وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ إِنَّ اللَّعْنَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ وهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/137)
(باب ما جاء في الزيارة للقبور للنساء)
قَوْلُهُ (تُوفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ وَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (بِالْحُبْشِيِّ) فِي النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ
وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَبَلٌ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ
وقَالَ السُّيُوطِيُّ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا (فَحُمِلَ) أَيْ نُقِلَ مِنَ الْحُبْشِيِّ (فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ) أَيْ مَكَّةَ (فَقَالَتْ) أَيْ مُنْشِدَةً مُشِيرَةً إِلَى أَنَّ طُولَ الِاجْتِمَاعِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ زَوَالِهِ يَكُونُ كَأَقْصَرِ زَمَنٍ وَأَسْرَعِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْفَانِي جَمِيعِهِ (وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي هَذَا الْبَيْتُ لِتَمِيمِ بْنِ نُوَيْرَةَ يَرْثِي أَخَاهُ مَالِكًا الَّذِي قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
وجَذِيمَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ قَالَ الطِّيبِيُّ جَذِيمَةُ هَذَا كَانَ مَلِكًا بِالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ وَضَمَّ إِلَيْهِ الْعَرَبَ وَهُوَ صَاحِبُ الزَّبَّاءِ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ الزَّبَّاءُ مَلِكَةُ الْجَزِيرَةِ وَتُعَدُّ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ أَيْ كُنَّا كَنَدِيمَيْ جَذِيمَةَ وَجَلِيسَيْهِ وَهُمَا مَالِكٌ وَعَقِيلٌ كَانَا نَدِيمَيْهِ وَجَلِيسَيْهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (حِقْبَةً) بِالْكَسْرِ أَيْ مُدَّةً طَوِيلَةً (حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا) أَيْ إِلَى أَنْ قَالَ النَّاسُ لَنْ يَتَفَرَّقَا (فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا) أَيْ بِالْمَوْتِ (كَأَنِّي وَمَالِكًا) هُوَ أَخُو الشَّاعِرِ الْمَيِّتِ (لِطُولِ اجْتِمَاعٍ) قِيلَ اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بَعْدَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وَمِنْهُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ (لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا) أَيْ مُجْتَمَعِينَ (ثُمَّ قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (لَوْ حَضَرْتُكَ) أَيْ وَقْتَ الدَّفْنِ (مَا دُفِنْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِلَّا حَيْثُ مُتَّ) أَيْ مَنَعْتُكَ أَنْ تُنْقَلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ بَلْ دُفِنْتَ حَيْثُ مُتَّ (وَلَوْ شَهِدْتُكَ) أَيْ حَضَرْتُ وَفَاتَكَ (مَا زُرْتُكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ انْتَهَى
وَيُرَّدُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَيْفَ زَارَتْ مَعَ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَشْهَدْ وَقْتَ مَوْتِهِ وَدَفْنِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عنه بأن(4/138)
النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْثِيرِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَلِذَا قَالَتْ لَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ لأن التكرار ينبىء عَنِ الْإِكْثَارِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
وقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَرِجَالُهُ ثقات إلا أن بن جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِالْعَنْعَنَةِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ)
[1057] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ (عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ) الْكُوفِيُّ أَبُو قُدَامَةَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ النَّخَعِيِّ أَبُو أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ
قَوْلُهُ (فَأُسْرِجَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَيِّتَ (مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) فِي الْأَزْهَارِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُوضَعُ فِي عَرْضِ الْقَبْرِ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُؤَخَّرُ الْجِنَازَةِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ وَرَأْسُهُ إِلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ بِأَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْجِنَازَةِ عَلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُدْخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ انْتَهَى (إِنْ كُنْتَ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ إِنَّكَ كُنْتَ (لَأَوَّاهًا) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ كَثِيرَ التَّأَوُّهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَّاهُ الْمُتَأَوِّهُ الْمُتَضَرِّعُ
وقِيلَ هُوَ الْكَثِيرُ الْبُكَاءِ أَوْ الْكَثِيرُ الدُّعَاءِ (تَلَّاءً) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ وَقَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ فَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ(4/139)
لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مدلس ولم يذكر سماعا قال بن القطان ومنهال بن خليفة ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أنه ضعيف
وبما أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سعيد أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَبَّرَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفَّفِ أَرْبَعًا وَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ القبلة
وبما أخرج هو أيضا عن بن الحنفية أنه ولي بن عَبَّاسٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلُّ سَلًّا) أَيْ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ بِأَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْجِنَازَةِ عَلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ
وهَذَا الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وهُوَ كَالْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ مِنَ السُّنَّةِ انْتَهَى
وبِمَا أَخْرَجَ بن شَاهِينٍ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ويسل سلا
قال الحافظ بن حجر في الدراية إسناده ضعيف ورواه بن أبي شيبة بإسناده صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَسٍ انْتَهَى
قُلْتُ قال الزيلعي في نصب الراية بعد ما ذكر حديث أنس المرفوع وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عن خالد عن بن سِيرِينَ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جِنَازَةٍ فَأَمَرَ بِالْمَيِّتِ فَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ انْتَهَى
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ مَيِّتًا من قبل رجليه انتهى وبما أخرج بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً انْتَهَى
وفِي سَنَدِهِ مُنْذِرُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
فَإِنْ قُلْتُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ السَّبِيعِيُّ وَكَانَ قَدْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَمَعَ هَذَا قَدْ كَانَ مُدَلِّسًا
قُلْتُ نَعَمْ لَكِنْ رَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا صَحِيحَ حَدِيثِهِمْ كَمَا صَرَّحَ به الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي ص 051 ج 1 وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ مُعَنْعَنَةً
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِينَا عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ الْأَعْمَشِ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَقَتَادَةَ
قَالَ الْحَافِظُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ جَيِّدَةٌ فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ دَلَّتْ عَلَى السماع ولو(4/140)
كَانَتْ مُعَنْعَنَةً انْتَهَى
(وَرَخَّصَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الزَّجْرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا لِلدَّفْنِ بِاللَّيْلِ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَ بِاللَّيْلِ لِرَدَاءَةِ الْكَفَنِ
فَالزَّجْرُ إِنَّمَا هُوَ لَمَّا كَانَ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ مَظِنَّةَ إِسَاءَةِ الْكَفَنِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَقْصِيرٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهُ فَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا
وقَدْ دُفِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَا دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْلًا وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دفن فاطمة ليلا
3 - (باب ما جاء الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَى الْمَيِّتِ)
[1058] قَوْلُهُ (مُرَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا) وفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالُوا جِنَازَةُ فُلَانٍ كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَيَسْعَى فِيهَا (وَجَبَتْ) أَيْ الْجَنَّةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) أَيْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ كَانَ عَلَى صِفَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ
وحَكَى بن التِّينِ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِالْحِكْمَةِ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّقِيَاتِ وَالْمُتَّقِينَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) [1059] وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ(4/141)
التَّحْتِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ هُوَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْمَشْهُورُ
قَوْلُهُ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ لَهُ ثَلَاثَةٌ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجنة) قال الداؤدي الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصِّدْقِ لَا الْفَسَقَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ وَلَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَلَا وَكَذَا عَكْسُهُ
قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا إِلْهَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَعْيِينِهَا وَبِهَذَا تظهر فائدة الثناء انتهى
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَهَذَا فِي جَانِبِ الْخَيْرِ وَاضِحٌ وَيُؤَيِّدُهُ ما رواه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَبِلْتُ قَوْلَكُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وَأَمَّا جَانِبُ الشَّرِّ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ
لَكِنْ إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ غَلَبَ شَرُّهُ عَلَى خَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةٌ تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ انْتَهَى (قُلْنَا وَاثْنَانِ) أَيْ فَحُكْمُ اثْنَيْنِ (قَالَ وَاثْنَانِ) أَيْ وَكَذَلِكَ اثْنَانِ وَقِيلَ هُوَ عَطْفُ تَلْقِينٍ (وَلَمْ نَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَاحِدِ) قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ غَالِبًا
وقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا لَمْ يَسْأَلْ عُمَرُ عَنِ الْوَاحِدِ اسْتِبْعَادًا مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ بِأَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ(4/142)
64 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ مَنْ قَدَّمَ وَلَدًا)
أَيْ مَاتَ وَلَدُهُ فَصَبَرَ
[1060] قَوْلُهُ (فَتَمَسَّهُ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ يُنْصَبُ بَعْدَ النَّفْيِ بتقدير أن قاله الحافظ والعيني ولهما ها هنا كَلَامٌ مُفِيدٌ (إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ ما ينحل بِهِ الْقَسَمُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَهُوَ مَصْدَرُ حَلَّلَ الْيَمِينَ أَيْ كَفَّرَهَا
يُقَالُ حَلَّلَ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً
وقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فَعَلْتُهُ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ
أَيْ قَدْرَ مَا حَلَّلْتُ بِهِ يَمِينِي وَلَمْ أُبَالِغْ
وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ أَرَادَ بِالْقَسَمِ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) تَقُولُ الْعَرَبُ ضَرَبَهُ تَحْلِيلًا وَضَرَبَهُ تَعْذِيرًا إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي ضَرْبِهِ
وهَذَا مَثَلٌ فِي الْقَلِيلِ الْمُفْرِطِ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْسِمُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَبَرُّ بِهِ قَسَمُهُ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى النُّزُولِ بِمَكَانٍ فَلَوْ وَقَعَ بِهِ وَقْعَةً خَفِيفَةً أَجْزَأَتْهُ فَتِلْكَ تَحِلَّةُ قَسَمِهِ
فَالْمَعْنَى لَا تَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا مَسَّةً يَسِيرَةً مِثْلَ تَحِلَّةِ قَسَمِ الْحَالِفِ وَيُرِيدُ بِتَحِلَّتِهِ الْوُرُودُ عَلَى النَّارِ وَالِاجْتِيَازُ بِهَا
والتَّاءُ فِي التَّحِلَّةِ زَائِدَةٌ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالُوا أَيْ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنْ منكم إلا واردها) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ لِيُعَاقَبَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُهَا مُجْتَازًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَوَازُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُحَلِّلُ بِهِ الرَّجُلُ يَمِينَهُ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ يَعْنِي الْوُرُودَ
وذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى هَذَا فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إِلَخْ) وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مُطَرَّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَارِثِ بن وقيش(4/143)
وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَبْدِ الله بن الزبير وبن النَّضْرِ السُّلَمِيِّ وَسَفِينَةَ وَحَوْشَبِ بْنِ طَخْمَةَ وَالْحَسْحَاسِ بْنِ بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ وَأُمِّ مُبَشِّرٍ وَرَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَإِنْ شِئْتَ تَخْرِيجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصحابة فارجع إلى عمدة القارىء ص 30 ج 4 (وَأَبُو ثَعْلَبَةَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ هَذَا الْحَدِيثُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الكبير من رواية بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ لِي وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ
فَقَالَ مَنْ مات له ولدان في الإسلام أدخله الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمَا (وَلَيْسَ هُوَ بِالْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ النُّونِ يَعْنِي أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْجُشَمِيَّ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ آنِفًا لَيْسَ هُوَ بِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ بَلْ هُمَا صَحَابِيَّانِ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1061] قَوْلُهُ (مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ) أَيْ مَنْ قَدَّمَهُمْ بِالصَّبْرِ على موتهم قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ قَدَّمَ صَبْرَ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْوَلَدِ عِنْدَ فَقْدِهِمْ وَاحْتَسَبَ ثَوَابَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيمِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّأَخُّرُ أَيْ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ عَنْ مَوْتِ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَوْلَادِهِ الْمُقَدَّمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ أَيْ الذَّنْبَ أَوْ الْبُلُوغَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلْكَمَالِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ عَلَيْهِ أَرَقَّ وَالصَّبْرُ عَنْهُمْ أَشَقَّ وَشَفَاعَتُهُمْ أَرْجَى وَأَسْبَقَ (كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنَ النَّارِ) أَيْ حِصَارًا مُحْكَمًا وَحَاجِرًا مَانِعًا مِنَ النَّارِ (قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ) أَيْ فَمَا حُكْمُهُ (قَالَ وَاثْنَيْنِ) أَيْ وَكَذَا مَنْ قَدَّمَ اثْنَيْنِ (فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ(4/144)
إِنَّمَا قِيلَ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ (وَلَكِنْ إِنَّمَا ذلك عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) أَيْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى
قَوْلُهُ (وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
[1062] قَوْلُهُ (أَبَا أُمِّي) بَدَلٌ مِنْ جَدِّي يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ جَدِّهِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَبُو الْأُمِّ
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَلَدَانِ لَمْ يَبْلُغَا أَوَانَ الْحُلُمِ بَلْ مَاتَا قَبْلَهُ يُقَالُ فَرَطَ إِذَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَ فَهُوَ فَارِطٌ وَالْفَرَطُ هُنَا الْوَلَدُ الذي مات قبله فإنه يتقدم ويهيء لِوَالِدَيْهِ نُزُلًا وَمَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ كَمَا يَتَقَدَّمُ فُرَّاطُ الْقَافِلَةِ إِلَى الْمَنَازِلِ فَيَعُدُّونَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى وَغَيْرِهِمَا (مِنْ أُمَّتِي) بَيَانٌ لِمَنْ (فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ) أَيْ فَمَا حُكْمُهُ أَوْ فَهَلْ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ (قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ) أَيْ فَكَذَلِكَ (يَا مُوَفَّقَةُ) أَيْ فِي الْخَيْرَاتِ وَلِلْأَسْئِلَةِ الْوَاقِعَةِ مَوْقِعَهَا شَفَقَةً عَلَى الْأُمَّةِ (فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي) أَيْ سَابِقُهُمْ وَإِلَى الْجَنَّةِ بِالشَّفَاعَةِ سَائِقُهُمْ بَلِ أَنَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ فَرَطٍ فَإِنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ (لَنْ يُصَابُوا) أَيْ أُمَّتِي (بِمِثْلِي) أَيْ بِمِثْلِ مُصِيبَتِي لَهُمْ فَإِنَّ مُصِيبَتِي أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ سَائِرِ الْمَصَائِبِ(4/145)
65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ مَنْ هُمْ)
[1063] قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) جَمْعُ شَهِيدٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ مَقَامَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ أَيْ تَحْضُرُهُ مُبَشِّرَةً لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الشَّهِيدِ شَهِيدًا أَقْوَالًا أُخْرَى وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي عَدَدِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ
فَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةٌ وفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ وفِي بَعْضِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أُعْلِمَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى (الْمَطْعُونُ) أَيْ الَّذِي ابْتُلِيَ بِالطَّاعُونِ وَمَاتَ بِهِ (وَالْمَبْطُونُ) أَيْ الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ الْبَطْنِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ الِاسْتِسْقَاءُ أَوْ الْإِسْهَالُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ (والغريق) أَيْ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْغَرَقِ (وَصَاحِبُ الْهَدَمِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَتُسَكَّنُ أَيْ الَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَدَمُ بِالتَّحْرِيكِ الْبِنَاءُ الْمَهْدُومُ فَعَلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَبِالسُّكُونِ الْفِعْلُ نَفْسُهُ (وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ الْمَقْتُولُ فِيهِ
قال بن الْمَلِكِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي مِنَ الشَّهِيدِ الْحُكْمِيِّ إِلَى الْحَقِيقِيِّ
واعْلَمْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ الْحُكْمِيَّةَ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي أَحَادِيثَ شَهِيرَةٍ جَمَعَهَا السُّيُوطِيُّ فِي كُرَّاسَةٍ سَمَّاهَا أَبْوَابُ السَّعَادَةِ فِي أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَجَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَسُلَيْمَانِ بْنِ صُرَدٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ
وأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا(4/146)
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عتيكٍ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[1064] قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا أَبِي) وَهُوَ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ ضُعِّفَ فِي الثَّوْرِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْبُرْجُمِيُّ الْأَصْغَرُ الْكُوفِيٌّ نَزِيلُ الرَّيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء بن الْجَوْنِ الْخُزَاعِيُّ أَبُو مُطَرِّفٍ الْكُوفِيٌّ صَحَابِيٌّ قُتِلَ بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ (لِخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْقُضَاعِيِّ صَحَابِيٌّ اسْتَنَابَهُ سَعْدٌ عَلَى الْكُوفَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ (أَوْ خَالِدٌ لِسُلَيْمَانَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ) إِسْنَادُهُ مَجَازِيٌّ أَيْ مَنْ مَاتَ مِنْ وَجَعِ بَطْنِهِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْإِسْهَالَ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَالنِّفَاسَ وَقِيلَ مَنْ حَفِظَ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ وَالشُّبَهِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ بَطْنُهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ) لِأَنَّهُ لِشِدَّتِهِ كَانَ كَفَّارَةً لِسَيِّئَتِهِ
وصَحَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّهِيدَ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ أَيْ إِلَّا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ مَيْرَكُ وأخرجه النسائي وبن حبان(4/147)
66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ)
[1065] قَوْلُهُ (بَقِيَّةُ رِجْزٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ عَذَابٍ (أَوْ عَذَابٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا فَخَالَفُوا قَالَ تَعَالَى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رجزا من السماء) قال بن الْمَلِكِ فَأُرْسِلَ عَلَيْهِمْ الطَّاعُونُ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ شُيُوخِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ (فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا منها) قال بن الْمَلِكِ فَإِنَّ الْعَذَابَ لَا يَدْفَعُهُ الْفِرَارُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ (فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا) بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْهُبُوطِ هُوَ الْقُدُومُ وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يُسَمُّوا الذَّهَابَ بِالصُّعُودِ وَالْقُدُومَ بِالْهُبُوطِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن سعد) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهَا وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا (وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ
(وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي سَنَدُهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَاتِ
وقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي الْمُغْنِي عَنْ حَمْلِ الْأَسْفَارِ فِي الْأَسْفَارِ فِي تَخْرِيجِ إِحْيَاءِ الْعُلُومِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ
الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ(4/148)
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي الْمُغْنِي عَنِ الْأَسْفَارِ إسناده جيد
وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي سَنَدُهُ حَسَنٌ
وقَالَ الزُّرْقَانِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ وَكَذَا الدُّخُولُ فِي أَرْضٍ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
وخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِظَاهِرِ النَّهْيِ الثَّابِتِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَاضِيَةِ
وهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ ثبوت الوعيد على ذلك
فأخرج أحمد وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ انْتَهَى
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلْدَةِ الطَّاعُونِ وَمَنْعُ الْخُرُوجِ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ
أَمَّا الْخُرُوجُ لِعَارِضٍ فَلَا بَأْسَ
وهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ الْفِرَارُ مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ
قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا
ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي أَشِعَّةِ اللَّمَعَاتُ ضابطه دروهمين أست كه درانجا كه هست نبايد رفت وازنجاكه باشد نبايد كريخت واكرحه كريختن در بعض مواضع مثل خانه كه دروى زلزله شده يا اتش كرفته يانشتن درزير ديو اريكه خم شده نزد غلبه ظن بهلاك امده است اما درباب طاعون جز صبرنيا مده وكريختن تجويز نيافته وقياس بن بران مواد فاسد است كه إنها از قبيل أسباب عادية اندواين از أسباب وهمي وبرهد تقدير كريختن ازانجا جائز نيست وهيج جاوارد نشده وهركه بكريز دعاصى ومرتكب كبيره ومردود است نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ انْتَهَى
وقَالَ الشَّيْخُ إِسْمَاعِيلُ الْمُهَاجِرُ الْحَنَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رُوحِ الْبَيَانِ وَالْفِرَارُ مِنَ الطَّاعُونِ حَرَامٌ إِلَى أَنْ قَالَ وفِي الْحَدِيثِ الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ
فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْخُرُوجِ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ انْتَهَى
وقَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَالْجُمْهُورُ على أنه للتحريم حتى قال بن خزيمة إنه من الكبائر التي يعاقب اللهعليها إِنْ لَمْ يَعْفُ انْتَهَى
وقَالَ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَخَالَفَهُمْ الْأَكْثَرُ وَقَالُوا إِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ حَتَّى قال بن خُزَيْمَةَ إِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَاقِبُ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَعْفُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ
رَوَاهُ أَحْمَدُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي وَوَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ تَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ وَالْمِرَاقِ مَنْ مَاتَ مِنْهُ مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ أَقَامَ بِهِ كَانَ كَالْمُرَابِطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ فَرَّ مِنْهُ كان(4/149)
كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ انْتَهَى قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَرْضٍ وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ حَرَامٌ
وقَدْ أَلَّفْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا خَيْرُ الْمَاعُونِ فِي مَنْعِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُسَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
7 - (بَاب مَا جَاءَ في مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ)
[1066] قَوْلُهُ (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ الْمَصِيرُ إِلَى اللَّهِ أَوْ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1067] قَوْلُهُ (لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتِ يَا عَائِشَةُ (وَلَكِنْ الْمُؤْمِنُ إِذَا بُشِّرَ) أَيْ عِنْدَ النَّزْعِ(4/150)
وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ إِلَخْ
وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتِ الْأَصَابِعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ إِلَخْ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِبَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ
ومَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ النَّزْعِ فِي حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُبَشَّرُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ وَيُكْشَفُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ
فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ وَلِقَاءَ اللَّهِ لِيَنْتَقِلُوا إِلَى مَا أُعِدَّ لَهُمْ وَيُحِبُّ اللَّهُ لِقَاءَهُمْ فَيُجْزِلُ لَهُمْ الْعَطَاءَ وَالْكَرَامَةَ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ يَكْرَهُونَ لِقَاءَهُ لِمَا عَلِمُوا مِنْ سُوءِ مَا يَنْتَقِلُونَ إِلَيْهِ وَيَكْرَهُ اللَّهَ لِقَاءَهُمْ أَيْ يُبْعِدُهُمْ عَنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ بِهِمْ
وهَذَا مَعْنَى كَرَاهَتِهِ سُبْحَانَهُ لِقَاءَهُمْ
ولَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَاءَهُمْ كَرَاهَتُهُمْ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ حُبَّهُ لِقَاءَ الْآخَرِينَ حُبُّهُمْ ذَلِكَ
بَلْ هُوَ صِفَةٌ لَهُمْ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ(4/151)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم
8 - (باب ما جاء فيمن يقتل نَفْسَهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ)
[1068] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ وَالْمَشَاقِصُ جَمْعُ شِقْصٍ وَهُوَ سَهْمٌ عَرِيضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ لِعِصْيَانِهِ
وهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يُصَلَّى عَلَيْهِ
وأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ
وهَذَا كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ التَّسَاهُلِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَنْ إِهْمَالِ وَفَائِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ
قَالَ الْقَاضِي مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
وَمَحْدُودٍ وَمَرْجُومٍ وَقَاتِلِ نفسه وولد الزنى
وعَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ عَلَى مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ وَأَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْفُسَّاقِ زَجْرًا لَهُمْ
وعَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَى مَرْجُومٍ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَقْتُولِ فِي قِصَاصٍ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مُحَارِبٍ وَلَا عَلَى قَتِيلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ
وقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلَّى على ولد الزنى
وعَنِ الْحَسَنِ لَا يُصَلَّى عَلَى النُّفَسَاءِ تَمُوتُ مِنْ زِنًا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا
ومَنَعَ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّلَاةَ عَلَى الطِّفْلِ الصَّغِيرِ
واخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى السِّقْطِ فَقَالَ بِهَا فُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضُ السَّلَفِ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ
ومَنَعَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ أَوْ تُعْرَفَ حَيَاتُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ
وأَمَّا الشَّهِيدُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
وعَنِ الْحَسَنِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْفَاسِقِ
وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ
وصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ
ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ انْتَهَى
(وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ(4/152)
69 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ)
[1069] قَوْلُهُ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِرَجُلٍ) أَيْ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ امْتِنَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنِ الدَّيْنِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْأَدَاءِ أَوْ كَرَاهَةَ أن يوقف دعاءه بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَمَظَالِمِهِمْ
وقال القاضي بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَامْتِنَاعُهُ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا تَحْذِيرًا عَنِ التَّقَحُّمِ فِي الدُّيُونِ لِئَلَّا تَضِيعَ أَمْوَالُ النَّاسِ كَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا عَنْهَا حَتَّى يُجْتَنَبَ خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَمِنْ حِرْمَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخِيَارِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
(قَالَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ عَلَيَّ إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ
وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً بِالِاتِّفَاقِ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حُرٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ
فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ أولى من هذا القياس ذكره القارىء نَقْلًا عَنْ شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ
فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ كَفَالَةٌ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ السَّاقِطِ بَاطِلَةٌ
والْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْفِعْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا لَا كَفَالَةً
وكَانَ امْتِنَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لَهُ طَرِيقُ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلَمَّا ظَهَرَ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَ بِهِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه(4/153)
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كما في عمدة القارىء
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وفِيهِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ
[1070] قَوْلُهُ (بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى) أَيْ بِالْمَيِّتِ (عَلَيْهِ دَيْنٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَيَقُولُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ قَضَاءٍ) أَيْ مَا يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ (فَإِنْ حُدِّثَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُخْبِرَ (فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ) أَيْ الْفُتُوحَاتِ الْمَالِيَّةَ (قَامَ) أَيْ عَلَى الْمِنْبَرِ (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أَيْ أَوْلَى فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلِذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحُكْمُهُ أَنْفَذُ عَلَيْهِمْ مِنْ حُكْمِهَا وَحَقُّهُ آثَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِهَا وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ أَقْدَمُ مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ شَفَقَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَحَقُّ وَأَحْرَى مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ الْغَنِيمَةُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا(4/154)
70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ)
[1071] قَوْلُهُ (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِذَا أُدْخِلَ فِي الْقَبْرِ وَدُفِنَ (أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ مَكَانَ لَفْظِ الْمَيِّتِ (أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ) بزاء فَرَاءٍ أَيْ أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ
وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَزَادَ يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنَى لَمْ يُقِلُّوهَا
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ) مَفْعُولٌ مِنْ أَنْكَرَ بِمَعْنَى نَكِرَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدًا (وَلِلْآخَرِ النَّكِيرُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ مِنْ نَكِرَ بِالْكَسْرِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ فَهُمَا كِلَاهُمَا ضِدُّ الْمَعْرُوفِ سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَعْرِفْهُمَا وَلَمْ يَرَ صُورَةً مِثْلَ صُورَتِهِمَا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُذْنِبَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَاسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُطِيعَ مبشر وبشير (فيقولان ما كُنْتَ تَقُولُ) زَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيُقْعِدَانِهِ
وزَادَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ
وزاد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّوْمُ عَنْ شِمَالِهِ وَفِعْلُ الْمَعْرُوفِ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ اجْلِسْ فَيَجْلِسُ وَقَدْ مَثُلَتْ له الشمس عند الغروب
زاد بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَيَجْلِسُ فَيَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ دَعُونِي أُصَلِّي
(فِي هَذَا الرَّجُلِ) وفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ
ولِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَبَّرَ بِذَلِكَ امْتِحَانًا لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ تَعْظِيمَهُ عَنْ عِبَارَةِ الْقَائِلِ
قِيلَ يُكْشَفُ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ
ولَا نَعْلَمُ حَدِيثًا صَحِيحًا مَرْوِيًّا فِي ذَلِكَ وَالْقَائِلُ بِهِ إِنَّمَا اسْتَنَدَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْحَاضِرِ
لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجاز انتهى كلام(4/155)
الْقَسْطَلَّانِيِّ (فَيَقُولُ) أَيْ الْمَيِّتُ (مَا كَانَ يَقُولُ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ (قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا) أَيْ الْإِقْرَارُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ
وعِلْمُهُمَا بِذَلِكَ إِمَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ
أَوْ بِمُشَاهَدَتِهِمَا فِي جَبِينِهِ أَثَرَ السَّعَادَةِ وَشُعَاعَ نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ
(ثُمَّ يُفْسَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوَسَّعُ (سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ) أَيْ فِي عَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا
يَعْنِي طُولَهُ وَعَرْضَهُ كَذَلِكَ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَصْلُهُ يُفْسَحُ قَبْرُهُ مِقْدَارَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَجَعَلَ الْقَبْرَ ظَرْفًا لِلسَّبْعَيْنِ وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى السَّبْعِينَ مُبَالَغَةً فِي السَّعَةِ (ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ) أَيْ يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ (نَمْ) أَمْرٌ مِنْ نَامَ يَنَامُ (فَيَقُولُ) أَيْ الْمَيِّتُ لِعَظِيمِ مَا رَأَى مِنَ السُّرُورِ (أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي) أَيْ أُرِيدُ الرُّجُوعَ كَذَا قِيلَ
والْأَظْهَرُ أن الاستفهام مقدر قاله القارىء
(فَأُخْبِرُهُمْ) أَيْ بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ (كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ) هُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اجْتِمَاعِهِمَا وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ (الَّذِي لَا يُوقِظُهُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ الْعَرُوسِ وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ (إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ) قَالَ الْمُظْهَرُ عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ (حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ) هَذَا لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْمَلَكَيْنِ بَلْ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَتَّى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يَنَامُ طَيِّبَ الْعَيْشِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ (سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَقُولُونَ قَوْلًا وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (فَقُلْتُ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ (لَا أَدْرِي) أَيْ أَنَّهُ نَبِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ أم لا وهو استيناف أَيْ مَا شَعَرْتُ غَيْرَ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ (التئمي) أي انضمي واجتمحي (فَتَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ ضِلَعٍ وَهُوَ عَظْمُ الْجَنْبِ أَيْ تَزُولُ عَنِ الْهَيْئَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْتِئَامِهَا عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الضَّغْطَةِ وَتُجَاوِزُ جَنْبَيْهِ مِنْ كُلِّ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ آخَرَ (فَلَا يَزَالُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ مسلم (وبن عَبَّاسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ(4/156)
(وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وأَخْرَجَ أَحْمَدُ حَدِيثَهُ الطَّوِيلَ
وذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ
وصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَأَبِي أَيُّوبَ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (وجابر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
[1072] قَوْلُهُ (عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ) أَيْ أُظْهِرَ لَهُ مَكَانُهُ الْخَاصُّ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ
قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَقْتُهُمَا وَإِلَّا فَالْمَوْتَى لَا صَبَاحَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَسَاءَ
قَالَ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَاضِحٌ
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ فَيَحْتَمِلُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ
ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَأَرْوَاحُهُمْ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ
ويَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَةُ الْعَرْضِ فِي حَقِّهِمْ تَبْشِيرُ أَرْوَاحِهِمْ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِأَجْسَادِهَا
فَإِنَّ فِيهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا هِيَ فِيهِ الْآنَ انْتَهَى
(إِنْ كَانَ) أَيْ الْمَيِّتُ (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ التَّقْدِيرُ
إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَقْعَدٌ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ
أَيْ فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ (هَذَا) أَيْ الْمَقْعَدُ الْمَعْرُوضُ عَلَيْكَ (مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثُكَ اللَّهُ إِلَخْ) قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَيْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى اللَّهِ فَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
والْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى
ويُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(4/157)
71 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَجْرِ مَنْ عَزَّى مُصَابًا)
الْعَزَاءُ الصَّبْرُ وَالتَّعْزِيَةُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ
[1073] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) بْنِ دِينَارٍ أَبُو يَعْقُوبَ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمِ) بْنِ صُهَيْبٍ الْوَاسِطِيُّ التَّيْمِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَيُصِرُّ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْغَنَوِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
ولَا حَاجَةَ إِلَى الْقَسَمِ وَلَعَلَّهُ لِوَجْهٍ اقْتَضَاهُ عِنْدَ التَّحْدِيثِ
قَوْلُهُ (مَنْ عَزَّى مُصَابًا) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ مَوْتٍ بِالْمَأْتَى لَدَيْهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ بِمَا يُهَوِّنُ الْمُصِيبَةَ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهُ بِالصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ أَوْ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِنَحْوِ أَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الْأَجْرَ وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ وَرَزَقَكَ الشُّكْرَ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُعَزِّي (مِثْلُ أَجْرِهِ) أَيْ نَحْوُ أَجْرِ الْمُصَابِ عَلَى صَبْرِهِ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) والحديث أخرجه بن مَاجَهْ
قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ هذا الحديث
أخرجه بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ بِهِ
ومِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِهِ
وتَعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ بِحَمَّادِ بْنِ الوليد فقد قال فيه بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ
وقال بن حِبَّانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيُلْزِقُ بِالثِّقَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ
وأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ لَا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ
وفِي الثَّانِي بِالْعَزْرَمِيِّ فَقَدْ قَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ
قَالَ الْعَلَائِيُّ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ وَلَكِنْ لَهُ أَوْهَامٌ كَثِيرَةٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحَدِيثُ
وقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَبْدُ الْحَلِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ
قَالَ فِيهِ بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ فَكَأَنَّهُ سَرَقَهُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ
وقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ كَانَ أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ فِيهِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ
وقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بن مسلم هذا ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ صَدُوقٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَكِنْ حَدِيثُهُ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَيَخْرُجُ به عن(4/158)
أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا وَاهِيًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا
وقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ هَذَا حَدِيثٌ كُوفِيٌّ مُنْكَرٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ مُسْنَدًا وَلَا مَوْقُوفًا
وقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ قَوْلُهُ
قَالَ الْعَلَائِيُّ وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ لَكِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ شَيْبَةَ مَا ظَفِرَ بمتابعة إبراهيم بن مسلم وقد روى بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عُمَارَةَ مولى الأنصاري وقد وثقه بن حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَزَّى أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ حُلَلَ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي إِسْنَادَهُ انْقِطَاعًا انْتَهَى كَلَامُ الْعَلَائِيِّ
قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ) قَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعَلَائِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا أَنَّهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عن قبس بن الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ (مَوْقُوفًا) أَيْ على عبد الله بن مسعود
قال القارىء لكن له حكم المرفوع ويعضده خبر بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعَلَائِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعًا (أَكْثَرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ) يَعْنِي أَنَّ أَكْثَرَ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ فِي عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ مَعَ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ سِوَاهُ
كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (نَقَمُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَابُوا وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[1074] قَوْلُهُ (وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفِ) بْنِ مَانِعٍ الْإِسْكَنْدَرِانِيِّ صَدُوقٌ لَهُ مَنَاكِيرُ مِنَ الرَّابِعَةِ
قوله (ما(4/159)
مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ (إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ) أَيْ حَفِظَهُ (فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ عَذَابَهُ وَسُؤَالَهُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَضْلِ الْمَوْلَى
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرَفَ الزَّمَانِ لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ كَمَا أَنَّ فَضْلَ الْمَكَانِ لَهُ أَثَرٌ جَسِيمٌ
قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ انْتَهَى
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي بَابِ مَنْ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والترمذي وحسنه وبن أبي الدنيا عن بن عمرو ثم قال وأخرجه بن وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ إِلَّا بَرِئَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ
وأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ثَالِثَةً عَنْهُ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ وُقِيَ الْفَتَّانَ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ سُؤَالِ الْقَبْرِ لَا تُعَارِضُ أَحَادِيثَ السُّؤَالِ السَّابِقَةَ
أَيْ لَا تُعَارِضُهَا بَلْ تَخُصُّهَا وَتُبَيِّنُ مَنْ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَلَا يُفْتَنُ فِيهِ فَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَيُقَاسِي تِلْكَ الْأَهْوَالَ
وهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْقِيَاسِ وَلَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِيهِ
وإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ لِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ
قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ
وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدِ انْكَشَفَ لَهُ الْغِطَاءُ عَمَّا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا تُسْجَرُ فِيهِ جَهَنَّمُ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا وَلَا يَعْمَلُ سُلْطَانُ النَّارِ فِيهِ مَا يَعْمَلُ فِي سَائِرَ الْأَيَّامِ فَإِذَا قَبَضَ اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَوَافَقَ قَبْضُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا لِسَعَادَتِهِ وَحُسْنِ مَآبِهِ وَإِنَّهُ لَا يُقْبَضُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَّا مَنْ كَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ يَقِيهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ لِأَنَّ سَبَبَهَا إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمُنَافِقِ مِنَ الْمُؤْمِنِ قُلْتُ وَمِنْ تَتِمَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ فَكَانَ عَلَى قَاعِدَةِ الشُّهَدَاءِ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ
كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ
وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس بن بَكِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ
وَأَخْرَجَ من طريق بن جريح عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ يَمُوتُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا وُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ(4/160)
وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ وَلَقِيَ اللَّهَ وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شُهُودٌ يَشْهَدُونَ لَهُ أَوْ طَابَعٌ
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَطِيفٌ صُرِّحَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفِتْنَةِ وَالْعَذَابِ مَعًا انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيُّ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْجَنَازَةِ)
[1075] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ
ولَا يُعْرَفُ إلا برواية بن وَهْبٍ عَنْهُ
وقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ مُرْسَلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ زَمَنَ الْوَلِيدِ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ) أَيْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُسَوِّغُ لِلِابْتِدَاءِ وَالْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (الصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ أَيْ مِنْهَا أَوِ إِحْدَاهَا (إِذَا آنَتْ) أَيْ حَانَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَمَعْنَاهَا إِذَا حَضَرَتْ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أُصُولِ سَمَاعِنَا
قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ إِذَا أَتَتْ بِتَاءٍ مُكَرَّرَةٍ وَبِالْقَصْرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي قُوتِ المغتذي (والجنازة إذا حضرت) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْأَشْرَفُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ
نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا أَيْضًا إِذَا حَضَرَتْ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مِنَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِاسْتِوَاءِ
وَأَمَّا إِذَا حَضَرَتْ قَبْلَهَا وَصُلِّيَ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ فَمَكْرُوهَةٌ وَأَمَّا بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا تُكْرَهُ مُطْلَقًا انْتَهَى (وَالْأَيِّمُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيِ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ وَلَوْ بِكْرًا قاله القارىء يَعْنِي الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا (إِذَا وَجَدَتْ لَهَا كُفُؤًا) الْكُفُؤُ الْمِثْلُ وَفِي النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل
قاله القارىء
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَمَا أَرَى إِسْنَادَهُ متصلا) وأخرجه بن ماجه صفحة 801 والحاكم وبن حِبَّانَ
قَالَ مَيْرَكُ رِجَالُهُ(4/161)
ثِقَاتٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُتَّصِلٌ
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي النِّكَاحِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ انْتَهَى
إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُهُ قَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عِوَضَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى
4 - (بَاب آخَرُ فِي فَضْلِ التَّعْزِيَةِ)
[1076] قَوْلُهُ (حَدَّثَتْنَا أُمُّ الْأَسْوَدِ) الْخُزَاعِيَّةُ وَيُقَالُ الْأَسْلَمِيَّةُ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُنْيَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ (ابْنَةِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ عَزَّى ثَكْلَى) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مَقْصُورٌ الْمَرْأَةُ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا (كُسِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُلْبِسَ (بُرْدًا) أَيْ ثَوْبًا عَظِيمًا مُكَافَأَةً عَلَى تَعْزِيَتِهَا
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُعَزِّي الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ إِلَّا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمُهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّهُ فِيهِ مُنْيَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا عَرَفْتَ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْجَنَازَةِ)
[1077] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ) ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَبَانَ الْوَرَّاقُ) ثِقَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى الْأَسْلَمِيِّ) الْكُوفِيِّ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أبي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ) الرُّهَاوِيِّ ضَعِيفٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بِالتَّصْغِيرِ(4/162)
ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى دُونَ التَّكْبِيرَاتِ الْبَاقِيَةِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأعله بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بِأَبِي فَرْوَةَ وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عن أحمد والنسائي وبن مَعِينٍ وَالْعُقَيْلِيِّ قَالَ وفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْلَى الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ هُوَ وَأَبُو زَكَرِيَّا الْقَطَوَانِيُّ الْأَسْلَمِيُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قُلْتُ قال بن حِبَّانَ فِي أَبِي فَرْوَةَ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ
فَكَيْفَ إذا انفرد وثم نقل عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي نصب الراية قوله (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَإِذَا انْصَرَفَ سَلَّمَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ هَكَذَا رَفَعَهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مَوْقُوفًا وَهُوَ الصَّوَابُ ولَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ شَيْئًا فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثًا مَوْقُوفًا على بن عُمَرَ وَحَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ واستدل لهم أيضا بحديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ بن طاوس عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ لَكِنْ أَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ بِالْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ وَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ كَذَا فِي نَصْبِ(4/163)
الرَّايَةِ قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ الْفَضْلُ بْنُ السَّكَنِ الْكُوفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ لَا يُعْرَفُ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى
(بَاب مَا جاء أن نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ)
حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ
[1078] قَوْلُهُ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ أَيْ أَمْرُهَا مَوْقُوفٌ لَا حُكْمَ لَهَا بِنَجَاةٍ وَلَا هَلَاكٍ حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ يُقْضَى مَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّيْنِ أَمْ لَا انْتَهَى
وسَوَاءٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخَلِّفُ وَفَاءً كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ الْحَثُّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالْإِخْبَارُ لَهُمْ بِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَنْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ وأَمَّا مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَمَاتَ عَازِمًا عَلَى الْقَضَاءِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْهُ بَلْ ثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَحَبَّةِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِلْقَضَاءِ مُوجِبَةٌ لِتَوَلِّي اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَقْضِ مِنْهُ الْوَرَثَةُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أبي أمامة مرفوعا من دان بِدَيْنٍ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ وَمَاتَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عنه وأرضى غريمة بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاءه وَمَاتَ اقْتَصَّ اللَّهُ لِغَرِيمِهِ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وأخرج ايضا من حديث بن عُمَرَ الدَّيْنُ دَيْنَانِ فَمَنْ مَاتَ(4/164)
وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ فَأَنَا وَلِيُّهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَا يَنْوِي قَضَاءَهُ فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حسناته ليس يؤمئذ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ يُدْعَى بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْ الله عز وجل فيقول يا بن آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ وفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أُضَيِّعْ وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدِي إِمَّا حَرْقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ فَيَقُولُ اللَّهُ صَدَقَ عَبْدِي وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِغَيْرِ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُدَانُ دَيْنًا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَّا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ فِي الدنيا والآخرة قال وأخرج الْحَاكِمُ بِلَفْظِ مَنْ تَدَايَنَ بِدَيْنٍ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ ثُمَّ مَاتَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى غريمه بما شاء ثم قال وقد وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَدْيُونًا فَدَيْنُهُ عَلَى مَنْ إِلَيْهِ وِلَايَةُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِيهِ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى به في الدنيا والآخرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ وأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِي مَعْنَى ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ ثَبَتَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْبِلَادَ وَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ مَدْيُونًا وَقَضَى عَنْهُ وَذَلِكَ مشعر بأن مَنْ مَاتَ مَدْيُونًا اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ دينه في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وهُوَ أَحَدُ الْمَصَارِفِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِالْمَوْتِ ودَعْوَى مَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ سَاقِطَةٌ وقِيَاسُ الدَّلَالَةِ يَنْفِي هَذِهِ الدَّعْوَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وهُمْ لَا يَقُولُونَ إِنَّ مِيرَاثَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مُخْتَصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ الْمُدَّعَاةِ وَلَفْظُهُ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَعَلَى الْوُلَاةِ مِنْ بَعْدِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ [1079] قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهو صدوق يخطئ انتهى(4/165)
(أبواب النكاح)
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا وقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالتَّدَاخُلُ وفِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الصَّحِيحِ والْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْعَقْدِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْعَقْدِ قَالَ وَقِيلَ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الزَّجَّاجِيُّ وَهَذَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَظَرِي وإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ انْتَهَى
[1080] أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ فَقِيهٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَلِيلًا فِي الْآخِرِ عَنْ أَبِي الشِّمَالِ بْنِ ضِبَابٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ مَجْهُولٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّقْرِيبِ وقَالَ فِي الْمِيزَانِ حَدَّثَ عَنْهُ مَكْحُولٌ بِحَدِيثِ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ قَوْلُهُ أَرْبَعٌ أَيْ أَرْبَعُ خِصَالٍ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ أَيْ فِعْلًا وَقَوْلًا يَعْنِي الَّتِي فَعَلُوهَا وَحَثُّوا عَلَيْهَا وفِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَعِيسَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي بَعْضِ الْخِصَالِ وَهُوَ النِّكَاحُ قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعَ مِنْ سُنَنِ غَالِبِ الرُّسُلِ فَنُوحٌ لَمْ يَخْتَتِنْ وَعِيسَى لَمْ يَتَزَوَّجْ انْتَهَى
الْحَيَاءُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وقال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ رُوِيَ فِي الْجَامِعِ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ أَيْ الْحِنَّاءُ وَالْحَيَاءُ وَسَمِعْتُ أَبَا الْحَجَّاجِ الْحَافِظَ يَقُولُ الصَّوَابُ الْخِتَانُ وَسَقَطَتِ النُّونُ مِنَ الْحَاشِيَةِ كَذَلِكَ رَوَاهُ(4/166)
الْمَحَامِلِيُّ عَنْ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَأَوْرَدَ الْخَطِيبُ التَّبْرِيزِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمِشْكَاةِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَيُرْوَى الْخِتَانُ وَالتَّعَطُّرُ إِلَخْ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ اخْتَصَرَ الْمُظْهِرُ كَلَامَ التُّورْبَشْتِيِّ وَقَالَ فِي الْحَيَاءِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ يَعْنِي بِهِ مَا يَقْتَضِي الْحَيَاءَ مِنَ الدِّينِ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا تَأْبَاهُ الْمُرُوءَةُ وَيَذُمُّهُ الشَّرْعُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَغَيْرِهَا لَا الْحَيَاءَ الْجِبِلِّيَّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ وإِنَّهُ خُلُقٌ غَرِيزِيٌّ لَا يَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ السُّنَنِ وَثَانِيهَا الْخِتَانُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَاءٍ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ وَهِيَ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَالِثُهَا الْحِنَّاءُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَعَلَّهَا تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ خِضَابُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وأَمَّا خِضَابُ الشَّعْرِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ إِلَى الْمُرْسَلِينَ انْتَهَى
مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالتَّعَطُّرُ أَيْ اسْتِعْمَالُ الْعِطْرِ وَهُوَ الطِّيبُ
قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ومَنْ لا فالصوم له وجاء وَثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أن فيه انقطاعا كذا في التلخيص وبن مسعود أخرجه الجماعة وعن عائشة أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي الْحَدِيثَ وفِي إِسْنَادِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاص أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ وَجَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قَالَ ثَيِّبًا الْحَدِيثَ وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْجَامِعِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَيُّمَا شَابٍّ تَزَوَّجَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ عَجَّ شَيْطَانُهُ عَصَمَ مِنِّي دِينَهُ وَعَكَّافٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَكَّافٌ كَشَدَّادٍ بن وَدَاعَةَ الصَّحَابِيُّ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي تَعْجِيلِ المنفعة عكاف بن وداعة الهلالي ويقال بن يُسْرٍ التَّمِيمِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ الهلالي وأخرج أبو يعلى في مسنده وبن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ بن موسى عن مكحول عو غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ جَاءَ عَكَّافُ بْنُ وَدَاعَةَ الْهِلَالِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال(4/167)
يَا عَكَّافُ أَلَكَ زَوْجَةٌ قَالَ لَا قَالَ وَلَا جَارِيَةٌ قَالَ لَا قَالَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ قَالَ نَعَمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ فَأَنْتَ إِذَنْ مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَأَنْتَ مِنْهُمْ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَّا فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِنَا النِّكَاحَ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ تَزَوَّجْ الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ طُرُقًا أُخْرَى ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْلُو طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ مِنْ ضَعْفٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ فِي تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو الشِّمَالِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ عَرَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَجْهُولًا أَوْ يُقَالَ إِنَّهُ حَسَّنَهُ لِشَوَاهِدِهِ فَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ هذا رواه أحمد والترمذي ورواه بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ ورواه الطبراني من حديث بن عَبَّاسٍ انْتَهَى
[1081] قَوْلُهُ وَنَحْنُ شَبَابٌ عَلَى وَزْنِ سَحَابٍ جَمْعُ شاب قال الأزهري لَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالٍ غَيْرُهُ لَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَيْ مِنَ الْمَالِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا نَجِدُ شَيْئًا يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ الْمَعْشَرُ جَمَاعَةٌ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ وَخَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ قُوَّةِ الدَّاعِي فِيهِمْ إِلَى النكاح عليكم بِالْبَاءَةِ بِالْهَمْزَةِ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ مَمْدُودًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ والثَّانِيَةُ الْبَاءَةُ بِلَا مَدٍّ والثَّالِثَةُ الْبَاءُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ والرَّابِعَةُ الْبَاهَةُ بِهَائَيْنِ بِلَا مَدٍّ وأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَنْزِلُ ومِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ معناه اللغوي وهوالجماع فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ(4/168)
فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ والْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا والَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ انْتَهَى
كَلَامُ النَّوَوِيِّ مُلَخَّصًا فَإِنَّهُ أَيْ التَّزَوُّجُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ أَيْ أَخْفَضُ وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَضِّ طَرْفِهِ أَيْ خَفْضِهِ وَكَفِّهِ وَأَحْصَنُ أَيْ أَحْفَظُ لِلْفَرْجِ أَيْ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ أَيْ كَسْرٌ لِشَهْوَتِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَدَقُّهُمَا لِتَضْعُفَ الْفُحُولَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَدْفَعُ شَرَّ الْمَنِيِّ كَالْوِجَاءِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْمُحَارِبِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ وبِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ كِلَيْهِمَا وإِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ النَّخَعِيُّ والْمُحَارِبِيُّ هَذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ
تَنْبِيهٌ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْنَاءِ لِأَنَّهُ أَرْشَدَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ التَّزْوِيجِ إِلَى الصَّوْمِ الَّذِي يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِمْنَاءُ مُبَاحًا لَكَانَ الْإِرْشَادُ إِلَيْهِ أَسْهَلَ وتُعُقِّبَ دَعْوَى كَوْنِهِ أَسْهَلَ لِأَنَّ التَّرْكَ أَسْهَلُ مِنَ الْفِعْلِ وقَدْ أَبَاحَ الِاسْتِمْنَاءَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وهُوَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَجْلِ تَسْكِينِ الشَّهْوَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ فِي الِاسْتِمْنَاءِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُسْتَمْنِي بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ فِعْلٌ حِرَامٌ لَا يَجُوزُ ارتكابه لِغَرَضِ تَسْكِينِ الشَّهْوَةِ وَلَا لِغَرَضٍ آخَرَ وَمَنْ أَبَاحَهُ لِأَجْلِ التَّسْكِينِ فَقَدْ غَفَلَ غَفْلَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يَتَأَمَّلْ فِيمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/169)
(بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّبَتُّلِ)
هُوَ فِي الْأَصْلِ الِانْقِطَاعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْقِطَاعُ مِنَ النِّسَاءِ وَتَرْكُ التَّزَوُّجِ
[1083] قَوْلُهُ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ بَلْ نَهَاهُ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا أَيْ لَجَعَلَ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ خَصِيًّا كيلا يَحْتَاجَ إِلَى النِّسَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَتَبَتَّلْنَا ولَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى قَوْلِهِ لَاخْتَصَيْنَا لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى يُفْضِيَ بِنَا الِاخْتِصَاءُ ولَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاءِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَاءِ ويؤيده توارد استيذان جَمَاعَةٍ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كأبي هريرة وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ جَوَازَ الِاخْتِصَاءِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ظَنُّهُمْ هَذَا مُوَافِقًا فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَكَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ فِي صِغَرِهِ وَيَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ انْتَهَى
قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ مُطْلَقًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَبْرِ الرُّوحِ وَعَنْ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ نَهْيًا شَدِيدًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ويُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ والطحاوي بإسناد ضعيف عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِخْصَاءِ الْخَيْلِ وَالْبَهَائِمِ ثُمَّ قال بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تحريم خصي الحيوانات وقول بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ أَيْ زِيَادَتُهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَصْيَ تَنْمُو بِهِ الْحَيَوَانَاتُ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ جَالِبًا لِنَفْعٍ يَكُونُ حَلَالًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وإيلام الحيوان ها هنا مَانِعٌ لِأَنَّهُ إِيلَامٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ بَلْ نَهَى عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ(4/170)
خلق الله قال بن عَبَّاسٍ يَعْنِي بِذَلِكَ خَصْيَ الدَّوَابِّ وَكَذَا رُوِيَ عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي عِيَاضٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالثَّوْرِيِّ وقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى
وقِيلَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تغيير دين الله ففي تفسير بن كثير وقال بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الخرساني ولآمرنهم فليغيرن خلق الله يَعْنِي دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ أَمْرًا أَيْ لَا تُبَدِّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى فِطْرَتِهِمْ انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلْتَ وَتَدَبَّرْتَ فِي الْآيَتَيْنِ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ الله في الآية الأولى هو تغيير الصورة وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَبْدِيلِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ تَبْدِيلُ دِينِ اللَّهِ ويَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى هُوَ تَغْيِيرُ الصُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ الْحَدِيثَ وقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِمَا وَرَدَ من أن رسول الله ضحى بكبشين موجوئين قَالُوا لَوْ كَانَ إِخْصَاءُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَرَامًا لَمَا ضَحَّى بِالْكَبْشِ الْمَوْجُوءِ الْبَتَّةَ وفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِي إِرْشَادِ الْهَائِمِ إِلَى حُكْمِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ
قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1082] قَوْلُهُ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّبَتُّلُ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وتَرْكُ النِّكَاحِ وامْرَأَةٌ بَتُولٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الرِّجَالِ لَا شَهْوَةَ لَهَا فِيهِمْ وبِهَا سُمِّيَتْ مَرْيَمُ أُمُّ الْمَسِيحِ عليهما السلام وسميت الفاطمة الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلًا وَدَيْنًا وَحَسَبًا وقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قبلك الخ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ سُنَّةِ الْمُرْسَلِينَ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا أَصْلًا وقَدْ اسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْعِ التَّبَتُّلِ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ التَّبَتُّلِ فَمَا تَرَيْنَ فِيهِ قَالَتْ(4/171)
قَالَتْ فَلَا تَفْعَلْ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجعلنا لهم أزواجا وذرية فَلَا تَبَتُّلَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ
كَذَا فِي النَّيْلِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا
وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأنبياء يوم القيامة
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ فِي أَحَدِهِمَا كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ
ولَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فَقَالَ بن طاهر هو بن وِزَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بن أَبِي الْخَوَّارِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُمْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّ فِي سماع الحسن عن سمرة خلافا مشهورا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ
كَذَا فِي النَّيْلِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا
وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ القيامة
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ فِي أَحَدِهِمَا كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ
ولَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فَقَالَ بن طاهر هو بن وِزَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بن أَبِي الْخَوَّارِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُمْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ خِلَافًا مَشْهُورًا
6 - (بَاب ما جاء في مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ)
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْخُزَاعِيُّ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ضَعِيفٌ مِنَ الثامنة (عن بن وثيمة) بفتح واو وكسر مثلثة وسكون ياه اسْمُهُ زُفَرُ الدِّمَشْقِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ(4/172)
قَوْلُهُ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ (دِينَهُ) أَيْ دِيَانَتَهُ (وَخُلُقَهُ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ إِيَّاهَا (إِلَّا تَفْعَلُوا) أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ (وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ ذُو عُرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نساء فيكثر الافتتان بالزنى وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ
ومَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُرَاعَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الدِّينُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالنَّسَبُ وَالصَّنْعَةُ فَلَا تُزَوَّجُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ كَافِرٍ وَلَا الصَّالِحَةُ مِنْ فَاسِقٍ وَلَا الْحُرَّةُ مِنْ عَبْدٍ وَلَا الْمَشْهُورَةُ النَّسَبِ مِنَ الْخَامِلِ وَلَا بِنْتُ تَاجِرٍ أَوْ مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ طَيِّبَةٌ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ خَبِيثَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ) أَخْرَجَهُ الترمذي (وعائشة) أي أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
وأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (مُرْسَلًا) أَيْ منقطعا بعدم ذكر بن وَثِيمَةَ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُعَدَّ حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ مَحْفُوظًا) لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
[1085] قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ(4/173)
الْكَفَاءَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَأَيَّدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ
قَوْلُهُ (وَأَبُو حَاتِمٍ الْمُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ) وَقِيلَ لَا صُحْبَةَ لَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
7 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ)
[1086] قَوْلُهُ (تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى دِينِهَا) أَيْ لِأَجْلِ دِينِهَا فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا
الْحَدِيثَ (فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَرْغَبُوا فِي النِّسَاءِ وَيَخْتَارُوهَا لِإِحْدَى الْخِصَالِ وَاللَّائِقُ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَأَرْبَابِ الدِّيَانَاتِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ مَطْمَحَ نَظَرِهِمْ فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَدُومُ أَمْرُهُ وَيَعْظُمُ خَطَرُهُ انْتَهَى
وقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عبد الله بن عمر وعند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ رَفْعُهُ لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ
وَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ
(تَرِبَتْ يَدَاكَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ تَرِبَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ أَيْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ وَأَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ لَا يُرِيدُونَ بِهَا الدُّعَاءَ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَا وُقُوعَ الْأَمْرِ بِهِ
قَالَ وَكَثِيرًا ترد للعرب ألفاظا ظَاهِرُهَا الذَّمُّ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَا الْمَدْحَ كَقَوْلِهِمْ لَا أَبَ لَكَ وَلَا أُمَّ لَكَ وَلَا أَرْضَ لَكَ
ونَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ من(4/174)
أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وأبي سعيد) أخرجه الحاكم وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ جَمَالِهَا وَدِينِهَا وَخُلُقِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ)
[1087] قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّظَرَ إِلَيْهَا (أحرى) أي أجدر وأولى والنسب (أَنْ يُؤْدِمَ بَيْنَكُمَا) أَيْ بِأَنْ يُؤَلِّفَ وَيُوَفِّقَ بينكما قال بن الْمَلِكِ يُقَالُ أَدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَيْ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَصْلَحَ وَأَلَّفَ وَكَذَا آدَمَ فِي الْفَائِقِ الْأَدْمُ وَالْإِيدَامُ الْإِصْلَاحُ وَالتَّوفِيقُ مِنْ أُدْمِ الطَّعَامِ وَهُوَ إِصْلَاحُهُ بِالْإِدَامِ وَجَعْلُهُ مُوَافِقًا لِلطَّاعِمِ
والتَّقْدِيرُ يُؤْدَمُ بِهِ
فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ ثُمَّ حُذِفَ أَوْ نُزِّلَ الْمُتَعَدِّي مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَيْ يُوقَعَ الْأَدْمُ بَيْنَكُمَا يَعْنِي يَكُونُ بَيْنَكُمَا الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا إِذَا كَانَ بَعْدَ مَعْرِفَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا غَالِبًا نَدَامَةٌ
وقِيلَ بَيْنُكُمَا نَائِبُ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (تَقَطَّعَ بينكم) بِالرَّفْعِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ) قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا
أخرجه أحمد وبن ماجه
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَسَكَتَ عَنْهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَجَابِرٍ) قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وأنس)
أخرجه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَصَحَّحُوهُ وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ (وَأَبِي حُمَيْدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/175)
أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا
قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أخرجه أحمد والنسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَى مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا
وهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ
وحَكَى الْقَاضِي عَنْ قَوْمٍ كَرَاهَتَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ
ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَلِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ أَوْ عَدَمِهَا
هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ
وقَالَ دَاوُدُ يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ بدنها
وهذا خطأ ظاهر تنابذ لِأُصُولِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ النَّظَرِ رِضَاهَا بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا ومن غير نقدم إِعْلَامٍ
لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ نَظَرَهُ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ
وعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذلك مطلقا ولم يشترط استيذانها وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِي غَالِبًا مِنَ الْإِذْنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قَوْلُهُ (قَالَ أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَحَبَّةُ بَيْنَكُمَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَحْرَى أَنْ يُؤْدِمَ بَيْنَكُمَا الْمَحَبَّةَ وَالِاتِّفَاقَ يُقَالُ أَدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَيْ أَلَّفَ وَوَفَّقَ وَكَذَلِكَ آدم يودم بِالْمَدِّ انْتَهَى
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْلَانِ النكاح)
[1088] قوله (حدثنا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا جِيمٌ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْوَاسِطِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الْخَامِسَةِ وَهُوَ أَبُو بَلْجٍ الْكَبِيرُ (الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو كَذَا فِي الْمُغْنِي(4/176)
قَوْلُهُ (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) أَيْ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا (الصَّوْتُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ إِعْلَانَ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِالصَّوْتِ وَالذِّكْرِ بِهِ فِي النَّاسِ يُقَالُ لَهُ صَوْتٌ وَصِيتٌ انتهى
(والدف) بضم الدال وفتحها قال القارىء فِي الْمِرْقَاة الصَّوْتُ أَيْ الذِّكْرُ وَالتَّشْهِيرُ وَالدُّفُّ أَيْ ضَرْبُهُ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِهِ الْإِعْلَانُ
قَالَ بن الْمَلِكِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ
فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوْ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَاضْطِرَابُ الصَّوْتِ بِهِ وَالذِّكْرُ فِي النَّاسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ ذَهَبَ صَوْتُهُ فِي النَّاسِ
وبَعْضُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى السَّمَاعِ وَهَذَا خَطَأٌ يَعْنِي السَّمَاعَ الْمُتَعَارَفَ بين الناس الآن انتهى كلام القارىء
قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ المراد بالصوت ها هنا الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فَإِنَّ الْغِنَاءَ الْمُبَاحَ بِالدُّفِّ جَائِزٌ فِي الْعُرْسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وفِيهِ فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ انْتَهَى
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فَقَالَ فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَ إِنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَهُ أَتُرَخِّصُ فِي هَذَا قَالَ نعم إنه نكاح لاسفاح أَشِيدُوا النِّكَاحَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حاطب حديث حسن) أخرجه أحمد(4/177)
والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [1089] قَوْلُهُ (أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ بِالْإِظْهَارِ وَالِاشْتِهَارِ فَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ) وَهُوَ إِمَّا لِأَنَّهُ أَدْعَى لِلْإِعْلَانِ أَوْ لِحُصُولِ بَرَكَةِ الْمَكَانِ (وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النِّكَاحِ (بِالدُّفُوفِ) لَكِنْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ
وقَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ
كَذَا ذَكَرَهُ بن الْهُمَامِ قَالَ الْحَافِظُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ وَاضْرِبُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْأَحَادِيثُ الْقَوِيَّةُ فِيهَا الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِنَّ الرِّجَالُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِنَّ انْتَهَى
قُلْتُ وَكَذَلِكَ الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فِي الْعُرْسِ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي الْمِشْكَاةِ وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَسَنٍ
وكَذَلِكَ أَوْرَدَ الشَّوْكَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي النَّيْلِ
وقَالَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ أَيْضًا لَفْظَ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ وَعِنْدَ الشَّوْكَانِيِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا تَضْعِيفُ التِّرْمِذِيِّ عِيسَى بْنَ مَيْمُونَ أَحَدَ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ
وقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِضَعْفِ هذا الحديث والله تعالى أعلم
وأخرج بن مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ
وفِي سَنَدِهِ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
وأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بن الزبير أحمد وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَيْسَ فِيهِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ
قَوْلُهُ (وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ هَذَا هُوَ مَوْلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يُعْرَفُ بالواسطي
قال البخاري منكر الحديث وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي أَحَادِيثَ كُلُّهَا مَوْضُوعَاتٌ (وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْ أَبِي نَجِيحٍ التَّفْسِيرَ هُوَ ثِقَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْجُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَايَةَ وَهُوَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَرَوَى عن مجاهد وبن أَبِي نَجِيحٍ وَعَنْهُ السُّفْيِانَانِ وَغَيْرُهُمَا
قَالَ الدُّورِيُّ عن بن معين ليس به بأس
وقال بن الْمَدِينِيِّ ثِقَةٌ كَانَ سُفْيَانُ يُقَدِّمُهُ عَلَى وَرْقَاءَ
وقَالَ السَّاجِيُّ ثِقَةٌ
ووَثَّقَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ(4/178)
انْتَهَى مُخْتَصَرًا
[1090] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ (بِنْتِ مُعَوِّذٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ (غَدَاةَ بُنِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيَّ أَيْ سُلِّمْتُ وَزُفِفْتُ إِلَى زَوْجِي وَالْبِنَاءُ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَبَيَّنَ بن سَعْدٍ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ حِينَئِذٍ إِيَاسَ بْنَ الْبَكِيرِ اللَّيْثِيَّ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسٍ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ أي مكانك خِطَابٍ لِمَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْهَا وَهُوَ خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ أَوْ جَازَ النَّظَرَ لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
والَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا
وهُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ قِصَّةِ أُمِّ حِرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَنَوْمِهِ عِنْدَهَا وَتَفْلِيَتِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا زوجية انتهى كلام الحافظ واعترض القارىء فِي الْمِرْقَاةِ عَلَى كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا فَقَالَ هَذَا غَرِيبٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا وَلَا عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا بَلْ يُنَافِيهَا مَقَامُ الزِّفَافِ وَكَذَا قَوْلُهَا فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ إِلَخْ
قُلْتُ لَوْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لَحَصَلَ الْجَوَابُ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَكَانَ شَافِيًا وَكَافِيًا
ولَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَافِظُ تِلْكَ الأدلة ها هنا (وَجُوَيْرِيَّاتٌ) بِالتَّصْغِيرِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِنَّ بَنَاتُ الْأَنْصَارِ دُونَ الْمَمْلُوكَاتِ (يَضْرِبْنَ بِدُفِّهِنَّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيُفْتَحُ قِيلَ تِلْكَ الْبَنَاتُ لَمْ تَكُنَّ بَالِغَاتٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَكَانَ دُفُّهُنَّ غَيْرَ مَصْحُوبٍ بِالْجَلَاجِلِ (وَيَنْدُبْنَ) بِضَمِّ الدَّالِ مِنَ النُّدْبَةِ بِضَمِّ النُّونِ
وهِيَ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ بِالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا
قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ الَّذِي قُتِلَ مِنْ آبَائِهَا إِنَّمَا قُتِلَ بِأُحُدٍ وَآبَاؤُهَا الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مُعَوِّذٌ وَمُعَاذٌ وَعَوْفٌ وَأَحَدُهُمْ أَبُوهَا وَآخَرَانِ عَمَّاهَا أَطْلَقَتِ الْأُبُوَّةَ عَلَيْهِمَا تَغْلِيبًا (اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَعِي هَذِهِ أَيْ اتْرُكِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَدْحِي الَّذِي فِيهِ الْإِطْرَاءُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ
زَادَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ
فأشار إلى علة المنع (وقولي التي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا) فِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ الْمَدْحِ وَالْمَرْثِيَةِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ تُفْضِي إِلَى الغلو
قاله الحافظ
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقَائِلَةَ بِقَوْلِهَا وفِينَا(4/179)
نَبِيٌّ إِلَخْ
لِكَرَاهَةِ نِسْبَةِ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الرَّسُولُ مِنَ الْغَيْبِ مَا أَخْبَرَهُ
أَوْ لِكَرَاهَةِ أَنْ يُذْكَرَ فِي أَثْنَاءِ ضَرْبِ الدُّفِّ وَأَثْنَاءِ مَرْثِيَةِ الْقَتْلَى لِعُلُوِّ مَنْصِبِهِ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا وَرَدَ بِهِ التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
0 - (باب فِيمَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ)
أَيْ مِنَ الدُّعَاءِ
[1091] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ دَعَا لَهُ
قَالَهُ الْحَافِظُ في الفتح
وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاه وَالْبَنِينَ أَيْ بِالِالْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْلِ انْتَهَى
وذَلِكَ لِأَنَّ التَّرْفِئَةَ فِي الْأَصْلِ الِالْتِئَامُ يُقَالُ رَفَّأَ الثَّوْبَ لَأَمَ خَرْقَهُ وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ
وكَانَتْ هَذِهِ تَرْفِئَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَرْشَدَ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ
فَرَوَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاه وَالْبَنِينَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا قَالَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَبَارَكَ عليكم
وأخرجه النسائي والطبراني عن عقيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْبَصْرَةَ فَتَزَوَّجَ امرأة فقالوا له بالرفاه وَالْبَنِينَ فَقَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَقُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ
وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ (قَالَ بَارَكَ اللَّهُ وَبَارَكَ عَلَيْكَ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن عقيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بني جشم فقالوا بالرفاه وَالْبَنِينَ
فَقَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ
أَخْرَجَهُ النسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ وفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَقِيلٍ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه أصحاب السنن وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ(4/180)
81 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ)
[1092] قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَهْلَهُ) أَيْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ
والْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ فيكون القول قبل الشروع وفي روايته لِأَبِي دَاوُدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ
وهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِغَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ يَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أَيْ إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ (جَنِّبْنَا) أَيْ بَعِّدْنَا (الشَّيْطَانَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (مَا رَزَقْتَنَا) مِنَ الْوَلَدِ (لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ) أَيْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ
وَإِلَّا فَكُلُّ مَوْلُودٍ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَسْوَسَةٍ لَكِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ
وقْد وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي أَنْوَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
وإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَمْلِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ مِنْ صِيغَةِ النَّفْيِ مَعَ التأييد
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي بَطْنِهِ حِينَ يُولَدُ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى
فَإِنَّ هَذَا الطَّعْنَ نَوْعٌ مِنَ الضَّرَرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ بَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادِ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وَقِيلَ الْمُرَادُ لَمْ يَصْرَعْهُ وَقِيلَ لَمْ يَضُرَّهُ فِي بَدَنِهِ
وقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى لَمْ يَضُرَّهُ أَيْ لَمْ يَفْتِنْهُ عَنْ دِينِهِ إِلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عِصْمَتَهُ مِنْهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى(4/181)
82 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا النِّكَاحُ)
[1093] قَوْلُهُ (بَنَى بِي) أَيْ دَخَلَ مَعِي وَزُفَّ بِي
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الِابْتِنَاءُ والبناء الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَنَى عَلَيْهَا قُبَّةً لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا
فَيُقَالُ بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُقَالُ بَنَى بِأَهْلِهِ
وهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ
وعَادَ الْجَوْهَرِيُّ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي كِتَابِهِ انْتَهَى (وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ فَأَيُّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي (وَكَانَتْ عَائِشَةُ تستحب أن يبني بنائها فِي شَوَّالٍ) ضَمِيرُ نِسَائِهَا يَرْجِعُ إِلَى عَائِشَةَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ
وهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع انتهى
وقال القارىء قِيلَ إِنَّمَا قَالَتْ هَذَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ يُمْنًا فِي التَّزَوُّجِ وَالْعُرْسِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ)
قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ الْوَلِيمَةُ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ
قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَنْبَارِيُّ أَصْلُهَا تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهَا أو لم قَالَهُ النَّوَوِيُّ واعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الضِّيَافَاتِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ الْوَلِيمَةُ(4/182)
لِلْعُرْسِ
والْخُرْسُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا لِلْوِلَادَةِ وَالْإِعْذَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلْخِتَانِ
والْوَكِيرَةُ لِلْبِنَاءِ
والنَّقِيعَةُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الْمُسَافِرَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَقِيلَ يَصْنَعُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَالْعَقِيقَةُ يَوْمَ سَابِعِ الْوِلَادَةِ
والْوَضِيمَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
والْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ ضِيَافَةً بِلَا سَبَبٍ
والْوَضِيمَةُ مِنْ هَذِهِ الأنواع الثمانية ليست بجائرة بَلْ هِيَ حَرَامٌ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ فَاتَهُمْ ذِكْرُ الْحِذَاقِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ عند حذق الصبي ذكره بن الصباغ في الشامل
وقال بن الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخَتْمِ أَيْ خَتْمِ الْقُرْآنِ كَذَا قَيَّدَهُ
وَيَحْتَمِلُ خَتْمَ قَدْرٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي حِذْقِهِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ قَالَ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ الْحَدِيثَ
وفِي آخِرِهِ قَالَ وَالْخُرْسُ وَالْإِعْذَارُ وَالتَّوْكِيرُ أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ
وفِيهِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ الرَّفْعُ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ
وفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا انْتَهَى
[1094] قَوْلُهُ (رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ وفِي رِوَايَةٍ رَدْعٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ بِرَاءٍ وَدَالٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ
هُوَ أَثَرُ الطِّيبِ
والصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ
ولَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُرَ
فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ
وكَذَا نَهَى الرِّجَالَ عَنِ الْخَلُوقِ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ
وقَدْ نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ
وهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّهُ يُرَخَّصُ فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوسِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ
أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ
قَالَ وَقِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَرْ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
(عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّوَاةُ اسْمٌ لِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَسَرُّوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَتْ لَوْ هَذِهِ الِامْتِنَاعِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ
ووَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعَرَّسْتَ قَالَ نَعَمْ
قَالَ أَوْلَمْتَ قَالَ لَا فَرَمَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ مِنْ إِعَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكَانَ يُعَكِّرُ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا يُشْرَعُ لِلْمُوسِرِ
ولَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ قَالَ
ولَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ(4/183)
لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا
قَالَ عِيَاضٌ
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَكَذَلِكَ
ومَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ
وقَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا انْتَهَى
وَقَدْ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ
قَالَ الْحَافِظُ سَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ
وهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وأما قول بن بَطَّالٍ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهَا فَفِيهِ أَنَّهُ نَفَى عِلْمَهُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ
وقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا الْوَلِيمَةُ حَقٌّ
وكذا وقع في أحاديث أخرى
قال بن بَطَّالٍ قَوْلُه حَقٌّ أَيْ لَيْسَ بِبَاطِلٍ بَلْ يُنْدَبُ إِلَيْهَا وَهِيَ سُنَّةٌ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْوُجُوبَ وَأَيْضًا هُوَ طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلِكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةٍ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ) أَمَّا حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ
وَأَمَّا حَدِيثُ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي ولفظ أبو دَاوُدَ الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ لِزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ غَيْرَ هَذَا
وقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ
يُقَالُ إِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ
وذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي تَرْجَمَةِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ وَقَالَ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ
ولَا نعرف له صحبة
وقال بن عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ
وَلَمْ يَخُصَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا غَيْرَهَا وَهَذَا أصح
وقال بن سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا بَنَى بِأَهْلِهِ أَوْلَمَ سبعة أيام ودعى فِي ذَلِكَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَجَابَهُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَجَدْنَا لِحَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ شَوَاهِدَ فَذَكَرَهَا
ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ(4/184)
الْبَيْهَقِيِّ قُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ انْتَهَى
(وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ نَوَاةٍ
فَقِيلَ الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ كَمَا يُوزَنُ بِنَوَى الْخَرُّوبِ
وإِنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ
وقِيلَ لَفْظِ النَّوَاةِ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَرِقِ
وجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ
واخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ
ونَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
ويُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
وذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالًا أُخْرَى [1095] قَوْلُهُ (عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ) التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ وَالِدِ بَكْرٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ ابْنِهِ نَوْفٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
ولَيْسَ فِي التَّقْرِيبِ وَلَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذِكْرُ نَوْفِ بْنِ وَائِلٍ
فَلْيُنْظَرْ
وأَمَّا بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ فَصَدُوقٌ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ
ورَوَى عَنْهُ أَبُوهُ وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ وَغَيْرُهُ
(أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بنت حي بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ) وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بحيس قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي الوليمة كلاهما فاخر كُلُّ رَاوٍ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ
فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
ولَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحَيْسِ
لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْسِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَيْسُ يُؤْخَذُ التَّمْرُ فَيُنْزَعُ نَوَاهُ وَيُخْلَطُ بِالْأَقِطِ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ انْتَهَى
ولَوْ جَعَلَ فِيهِ السَّمْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ حَيْسًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ السَّمْنُ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْسِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ
الْحَيْسُ الْخَلْطُ وَتَمْرٌ يُخْلَطُ بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَيُعْجَنُ شَدِيدًا
ثُمَّ يُنْدَرُ مِنْهُ نَوَاهُ وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهِ سَوِيقًا انْتَهَى [1096] قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَوْلُهُ (وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ(4/185)
عُيَيْنَةَ يُدَلِّسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) اعْلَمْ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ لَمْ يَكُنْ يُدَلِّسْ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ
[1097] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الطُّفَيْلِ الْعَامِرِيُّ الْبَكَّائِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ ثَبْتٌ فِي الْمَغَازِي
وفي حديثه عن غير بن إِسْحَاقَ لِينٌ
مِنَ الثَّامِنَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ أبي عبد الرحمن) السلمي الكوفي المقرئ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ وَلَازِمٌ فِعْلُهُ وَإِجَابَتُهُ
أَوْ وَاجِبٌ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ
حَيْثُ يُسِيءُ بِتَرْكِهَا وَيَتَرَتَّبُ عِتَابٌ
وإن لم يجب عقاب
قاله القارىء
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُتَمَسَّكَاتِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَجُلٍ أعود مِنْ ثَقِيفٍ بِلَفْظِ الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ
والثَّانِي مَعْرُوفٌ إِلَخْ
أَيْ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ لِيُسْمِعَ النَّاسَ وَيُرَائِيهِمْ
وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ (وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فِيهِمَا أَيْ مَنْ شَهَرَ نَفْسَهُ بِكَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخْرًا أَوْ رِيَاءً شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ كَذَابٌ بِأَنْ أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ بِرِيَائِهِ وَسُمْعَتِهِ وَقَرَعَ بَابَ أَسْمَاعِ خَلْقِهِ فَيُفْتَضَحَ بَيْنَ النَّاسِ
قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدٍ نِعْمَةً حُقَّ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ شُكْرًا وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ فِي الثَّانِي جَبْرًا لِمَا يَقَعُ مِنَ النُّقْصَانِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ السُّنَّةَ مُكَمِّلَةٌ لِلْوَاجِبِ
وأَمَّا الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَالْمَدْعُوُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ فِي الْأَوَّلِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الثَّانِي وَيُكْرَهُ بَلْ يحرم في الثالث انتهى
قال القارىء وفِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ لعلهم تمسكوا بما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ لَمَّا تَزَوَّجَ أَبِي دَعَا الصَّحَابَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَنْصَارِ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمَا فَكَانَ أُبَيٌّ صَائِمًا فَلَمَّا طَعِمُوا دَعَا أُبَيٌّ وَأَثْنَى
وأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى حَفْصَةَ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وقَدْ جَنَحَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِلَى جَوَازِ الْوَلِيمَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَيْثُ(4/186)
قَالَ بَابُ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهِ
ولَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ انْتَهَى
وأَشَارَ بِهَذَا إِلَى ضَعْفِ حَدِيثِ الْبَابِ
ولَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ شَوَاهِدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا
قَالَ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
قَالَ وَإِلَى مَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ عِيَاضٌ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ كَوْنَهَا أُسْبُوعًا
قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحَلُّهُ إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ وَلَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِمْ وَإِذَا حَمَلْنَا الْأَمْرَ فِي كَرَاهَةِ الثَّالِثِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَمُبَاهَاةٌ كَانَ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ
فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا وَقَعَ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الثَّالِثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
قوله (حديث بن مَسْعُودٍ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ وَزِيَادٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَسَمَاعُهُ عَنْ عَطَاءٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ (وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَشَيْخُهُ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَسَمَاعُ زِيَادٍ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَهَذِهِ عِلَّتُهُ انْتَهَى
وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لِحَدِيثِهِ شَوَاهِدَ يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا (قَالَ وَكِيعٌ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ وَكِيعًا كَذَّبَهُ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُتَابَعَةً انْتَهَى
وحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ قَتَادَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ فَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ
وإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ في تاريخه الكبير وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ النَّخَعِيُّ الْوَاسِطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ
وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَهُوَ ضعيف
وذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ وَرَجَّحَا رِوَايَةَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ وفِي الْبَاب أَيْضًا عَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
وعَنِ بن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك(4/187)
84 - (باب فِي إِجَابَةِ الدَّاعِي)
[1098] قَوْلُهُ (ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ دَعْوَةُ الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَدَعْوَةُ النَّسَبِ بِكَسْرِهَا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرَّبَابِ فَقَالُوا الطَّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسَبُ بِالْفَتْحِ
وَأَمَّا قَوْلُ قُطْرُبٍ فِي الْمُثَلَّثِ إِنَّ دَعْوَةَ الطَّعَامِ بِالضَّمِّ فَغَلَّطُوهُ فِيهِ
والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِجَابَةُ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ مِنْ عُرْسٍ وَغَيْرِهِ
وقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إِلَى الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِهِ
ونقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قاضي البصرة
وزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا لَكِنْ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يمنع القول بالوجوب لو دعو وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا لِطَعَامٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ القوم أعفني
فقال بن عُمَرَ إِنَّهُ لَا عَافِيَةَ لَكَ مِنْ هَذَا فَقُمْ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن بن عباس أن بن صَفْوَانَ دَعَاهُ فَقَالَ إِنِّي مَشْغُولٌ وَإِنْ لَمْ تعفني جئته
وجزم بعدم الوجوب في غيره وَلِيمَةِ النِّكَاحِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ إِتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ
والْوَلِيمَةُ الَّتِي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعى إِلَيْهَا رَجُلٌ وَلِيمَةٌ فَلَا أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكِهَا كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ
قَالَهُ الْحَافِظُ
وقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ مَا لَفْظُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّامَ فِي الدَّعْوَةِ لِلْعَهْدِ مِنَ الْوَلِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا
وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيمَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى طَعَامِ الْعُرْسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَلَائِمِ فَإِنَّهَا تُقَيَّدُ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَيُجَابُ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْوَلِيمَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَثَانِيًا بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يُشْعِرُ بِالْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ فِي الدَّعْوَةِ وذلك نحو ما في رواية بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ
ثُمَّ قَالَ(4/188)
الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ يَعْنِي بِهِمْ الَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ
قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ حَكَى وُجُوبَ الْإِجَابَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا وَأَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَأَنْ لَا يُظْهِرَ قَصْدَ التَّوَدُّدِ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِرَغْبَةٍ فِيهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا عَلَى الْأَصَحِّ
وأَنْ يَخْتَصَّ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنْ لَا يُسْبَقَ فَمَنْ سَبَقَ تَعَيَّنَتِ الْإِجَابَةُ لَهُ دُونَ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ رَحِمًا عَلَى الْأَقْرَبِ جِوَارًا عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ ومن ترك الدعوة فقد عصى الله رسوله أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَالْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وإهاله سنخة فأجابه
كذا في عمدة القارىء
(وَأَبِي أَيُّوبٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَجِيءُ إِلَى الْوَلِيمَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ)
[1099] قَوْلُهُ (إِلَى غُلَامٍ لَهُ لحام) بتشديد الخاء أَيْ بَائِعَ اللَّحْمِ كَتَمَّارٍ وَهُوَ مُبَالَغَةُ لَاحِمٍ فاعل للنسبة كلابن وتامر قاله القارىء
قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَفْظُ قَصَّابٍ والقصاب هو(4/189)
الْجَزَّارُ
قَالَ الْحَافِظُ وفِيهِ جَوَازُ الِاكْتِسَابِ بِصَنْعَةِ الْجِزَارَةِ انْتَهَى
(فَإِنْ أَذِنْتُ لَهُ دَخَلَ قَالَ فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِيَافَةِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي الْإِتْيَانِ مَعَهُ إِلَّا بِأَمْرٍ صَرِيحٍ أَوِ إِذْنٍ عَامٍّ أَوْ عِلْمٍ بِرِضَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِيهِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِذَا امْتَنَعَ الدَّاعِي مِنَ الْإِذْنِ لِبَعْضِ مَنْ صَحِبَهُ
وأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ لِعَائِشَةَ فَقَالَ لَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَكُنْ لِوَلِيمَةٍ وَإِنَّمَا صَنَعَ الْفَارِسِيُّ طَعَامًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي الْوَاحِدَ فَخَشِيَ إِنْ أَذِنَ لِعَائِشَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ حَاضِرَةً عِنْدَ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَدْعُوَ خَوَاصَّ الْمَدْعُوِّ مَعَهُ كَمَا فَعَلَ اللَّحَّامُ بِخِلَافِ الْفَارِسِيِّ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَهَا
أَوْ عَلِمَ حَاجَةَ عَائِشَةَ لِذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ أَوْ أَحَبَّ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْجَودَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِثْلُهُ فِي قِصَّةِ اللَّحَّامِ وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ حَيْثُ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَصِيدَةِ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا
فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَازَرِيُّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ رِضَا أَبِي طَلْحَةَ فَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَا أَبِي شُعَيْبٍ فَاسْتَأْذَنَهُ وَلِأَنَّ الَّذِي أَكَلَهُ الْقَوْمُ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ مِمَّا خَرَقَ اللَّهُ فِيهِ الْعَادَةَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ جُلُّ مَا أَكَلُوهُ مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي لَا صَنِيعَ لِأَبِي طَلْحَةَ فيها
فلم يفتقر إلى استيذانه انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا مِنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ الْأَبْكَارِ)
جَمْعُ بِكْرٍ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى
[1100] قَوْلُهُ (هَلَّا جَارِيَةً) أَيْ بِكْرًا (تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ) فِيهِ أَنَّ تزوج البكر أولى وأن الملاعبة مع الزوج مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ(4/190)
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْأُلْفَةِ التَّامَّةِ فَإِنَّ الثَّيِّبَ قَدْ تَكُونُ مُعَلَّقَةَ الْقَلْبِ بِالزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهَا كَامِلَةً بِخِلَافِ الْبِكْرِ
وعَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَشَدُّ حُبًّا وَأَقَلُّ خِبًّا (فَجِئْتُ بِمِنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كُنَّ لِي تِسْعُ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُمَشِّطُهُنَّ
قَالَ أَصَبْتَ (فَدَعَا لِي) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ
وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الْأَبْكَارِ إِلَّا لِمُقْتَضٍ لِنِكَاحِ الثَّيِّبِ كَمَا وَقَعَ لِجَابِرٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَابِرٍ وفِيهِ تَعَضُّهَا وَتَعَضُّكَ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُوَيْمِ بْنِ ساعدة في بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير
وعن بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَزَادَ وَأَسْخَنُ أَقْبَالًا
رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ
وفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ
7 - (بَاب مَا جَاءَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)
[1101] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَجَمَاعَةٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَجَمَاعَةٌ قِيلَ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) قَالَ السُّيُوطِيُّ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ انْتَهَى قُلْتُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الآتي(4/191)
وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ الْحَدِيثَ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وحسنه وصححه أبو عوانة وبن خزيمة وبن حبان والحاكم كذا في فتح الباري (وبن عَبَّاسٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ
والسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وفِيهِ مَقَالٌ
وأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ حَسَنٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَوْ سُلْطَانٍ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تزوج نفسها
أخرجه بن ماجه والدارقطنى والبيهقي
قال بن كَثِيرٍ الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
وقَالَ الْحَافِظُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْهُ وفِي إِسْنَادِهِ عبد الله بن محرر وهو متروك ورواه الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
(وأنس) أخرجه بن عَدِيٍّ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ
قَوْلُهُ (عن سليمان) هو بْنِ مُوسَى الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ الْأَشْدَقُ صَدُوقٌ فَقِيهٌ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ لِينٍ خُولِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ رحيم وبن معين وقال بن عَدِيٍّ تَفَرَّدَ بِأَحَادِيثَ وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ صَدُوقٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الِاضْطِرَابِ
قَالَ بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ انْتَهَى
[1102] قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ) أَيْ نَفْسَهَا وَأَيُّمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ أَيْ أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا (فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) كَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ (بِمَا اسْتَحَلَّ) أَيْ اسْتَمْتَعَ (فَإِنْ اشْتَجَرُوا) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ أَيْ اخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا اخْتِلَافًا لِلْعَضْلِ كانوا كالمعدومين قاله القارىء
وفِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ التَّشَاجُرُ الْخُصُومَةُ
والْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنَ الْعَقْدِ دُونَ الْمُشَاحَّةِ فِي السَّبْقِ إِلَى الْعَقْدِ فَأَمَّا إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الْعَقْدِ وَمَرَاتِبُهُمْ فِي الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ فَالْعَقْدُ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ فِي مَصْلَحَتِهَا انْتَهَى (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ له(4/192)
لِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهَا وَإِلَّا فَلَا وِلَايَةَ لِلسُّلْطَانِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ
قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وصححه أبو عوانة وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إلا النسائي وصححه أبو عوانة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى
وقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ تكلم فيه بعضهم من جهة أن بن جُرَيْجٍ قَالَ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ قَالَ فَضَعْفُ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ هَذَا
لكن ذكر عن يحي بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عن بن جريج غير بن علية
وضعف يحيى رواية بن علية عن بن جريج انتهى
وحكاية بن جريج هذه وصلها الطحاوي عن بن أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنِ بن علية عن بن جُرَيْجٍ
ورَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَعَدَّ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ عِدَّةَ مَنْ رَوَاهُ عَنِ بن جُرَيْجٍ فَبَلَغُوا عِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَ أَنَّ مَعْمَرًا وعبيد الله بن زحر تابعا بن جُرَيْجٍ عَلَى رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى
وأَنَّ قُرَّةَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَهِشَامَ بْنَ سعد وجماعة تابعو سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ
ونُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ وَمِنْدَلٌ وَجَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانٍ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من طريق أحمد عن بن علية عن بن جريج وقال في آخره قال بن جُرَيْجٍ فَلَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فلم يعرفه وسألته عن سليمان بن موسى فأثنى عليه قال وقال بن معين سماع بن علية من بن جُرَيْجٍ لَيْسَ بِذَاكَ
قَالَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فيه هذه الزيادة غير بن علية
وأعل بن حبان وبن عدى وبن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن بن جُرَيْجٍ
وأَجَابُوا عَنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْيَانِ الزُّهْرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَهِمَ فِيهِ
وقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي جُزْءِ مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ وَالْخَطِيبُ بَعْدَهُ وَأَطَالَ فِي الْكَلَامِ عليه البيهقي في السنن وفي الخلافيات وبن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ
وأَطَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِي ذِكْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحْكَامِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا فَأَفَادَ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَتْ تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ أَمْثَلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بِنَايَةٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا بَاشَرَتِ الْعَقْدَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ ثَيِّبًا وَدَعَتْ إِلَى كفء وأبوها(4/193)
غَائِبٌ فَانْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَوِ الَى السُّلْطَانِ
وقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَخِيهَا فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ بشر ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ أَمَرَتْ رَجُلًا فَأَنْكَحَ ثُمَّ قَالَتْ لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ نِكَاحٌ
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) هَذَا بَيَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي وَقَعَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَقَدْ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَغَيْرِهِمَا الَّذِينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ الْمُرْسَلَةِ لِأَجْلِ أَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَجَالِسَ وَأَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَسَمَاعُهُمْ مِنْهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ
قَوْلُهُ (وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ثَبْتٌ فِي أَبِي إِسْحَاقَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ في فتح الباري
وأخرج بن عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ إِسْرَائِيلُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ صححوا(4/194)
حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ
قَوْلُهُ (وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) فَتَابَعَ الْحَجَّاجَ وَجَعْفَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ولم يتفرد به
(قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ) أَيْ قال بن جُرَيْجٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (فَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ هَذَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا فَتَذَكَّرْ
(لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ) أَيْ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ
(إِلَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ ثِقَةٌ حافظ(4/195)
(إِنَّمَا صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْأَزْدِيِّ أَبِي عَبْدِ الْحَمِيدِ المكي (روى) عن بن جُرَيْجٍ فَأَكْثَرَ قَالَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى ثِقَةٌ يَغْلُو فِي الْإِرْجَاءِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُعْتَبَرُ بِهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ فِي التقريب صندوق يخطئ أفرط بن حبان فقال متروك
(ما سمع من بن جريج) أي لم يسمع إسماعيل من بن جُرَيْجٍ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَصْلًا
واحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
وذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوَلِيُّ أَصْلًا وَيَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ كُفْئًا
وَاحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِهِ
وحَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرَةِ
وخَصَّ بِهَذَا الْقِيَاسِ عُمُومَهَا
وهُوَ عَمَلٌ سَائِغٌ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ
لَكِنْ حَدِيثُ مَعْقِلٍ يَدْفَعُ هَذَا الْقِيَاسَ وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ لِيَنْدَفِعَ عَنْ مُوَلِّيَتِهِ الْعَارُ بِاخْتِيَارِ الْكُفْءِ
وانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِالْتِزَامِهِمْ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ
كَمَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ
وهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ
وقَالَ أَبُو ثَوْرٍ نحوه
لكن قال يشترك إِذْنُ الْوَلِيِّ لَهَا فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِذْنَ الْوَلِيِّ لَا يَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا
ولَوْ أَذِنَ لَهَا فِي إِنْكَاحِ نَفْسِهَا صَارَتْ كَمَنْ أُذِنَ لَهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهَا
ولَا يَصِحُّ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ مَعْقِلٍ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْحَسَنِ فلا تعضلوهن قَالَ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فيه(4/196)
قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ وَطَلَّقَهَا
حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا
فَقُلْتُ لَهُ زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا
ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا
وكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ
وكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الأية فلا تعضلوهن فَقُلْتُ الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهِيَ أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى أَخِيهَا
ومَنْ كَانَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ لَا يُقَالُ
إِنَّ غَيْرَهُ منعه منه
قال وذكر بن مَنْدَهْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ الْقَوْلُ الْقَوِيُّ الرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
8 - (بَاب مَا جَاءَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ)
[1103] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثامنة (عن سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ الْيَشْكُرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ قَوْلُهُ (الْبَغَايَا) أَيْ الزَّوَانِي
جَمْعُ بَغِيٍّ وَهِيَ الزَّانِيَةُ
مِنْ البغاء وهو الزنى
مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (اللَّاتِي يُنْكِحْنَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يزوجن
قاله القارىء (أَنْفُسَهُنَّ) بِالنَّصْبِ (بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ إِمَّا الشَّاهِدُ
فَبِدُونِهِ زِنًا
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وإِمَّا الْوَلِيُّ
إِذْ بِهِ يَتَبَيَّنُ(4/197)
النِّكَاحُ
فَالتَّسْمِيَةُ بِالْبَغَايَا تَشْدِيدٌ لِأَنَّهُ شِبْهُهُ
انْتَهَى
قال القارىء لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ إِذْ لَمْ يُعْهَدْ إِطْلَاقُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَلِيِّ شَرْعًا وعرفا
انتهى
[1104] قوله (حدثنا غُنْدَرٌ) بِضَمِّ عَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونٍ
وفَتْحِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَقَدْ يُضَمُّ لَقَبُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ الْبَصْرِيِّ
ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ غَفْلَةً مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ
لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى إِلَخْ) قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَذَا لَا يَقْدَحُ
لِأَنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَزِيَادَتُهُ
وقَدْ يَرْفَعُ الرَّاوِي الْحَدِيثَ وَقَدْ يَقِفُهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْهُ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مُرْسَلًا وَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ (وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ خَاطِبٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ
وفِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شعبة(4/198)
قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تَجُوزُ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إِلَّا بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ بِالشُّهُودِ وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ
وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ
ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّهُ (لَا) وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا
ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ
ولَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقِينَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ
لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ ولَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْرَمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحْرَمُ (الشَّهَادَةَ) عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ
انْتَهَى
قُلْتُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ بِتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ لِتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حديث عمران بن حصين وعائشة وبن عَبَّاسٍ
انْتَهَى
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرَيْنِ
وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا بِأَنْ لَا فَرْقَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهَذَا اللَّفْظُ (يَقَعُ) عَلَى مُطْلَقِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ
قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/199)
(بَاب مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ)
[1105] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ الْقَاسِمِ) الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ بن مَسْعُودٍ
قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ) أَيْ مِنَ النكاح وغيره (قال) أي بن مَسْعُودٍ (التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَحَلِّهِ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِتَخْفِيفِ أَنْ وَرَفْعِ الْحَمْدُ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّشَهُّدُ مبتدأ خبره أن الحمد لله وأن مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أن الحمد لله رب العالمين
(نَسْتَعِينُهُ) أَيْ فِي حَمْدِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ جُمَلٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ الْحَامِدِينَ
وفِي رواية بن مَاجَهْ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ بِزِيَادَةِ نَحْمَدُهُ
(وَنَسْتَغْفِرُهُ) أَيْ فِي تَقْصِيرِ عِبَادَتِهِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ بِإِثْبَاتِ الضَّمِيرِ وكذلك في رواية أبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ
أَيْ مَنْ يُوَفِّقُهُ لِلْهِدَايَةِ
(فَلَا مُضِلَّ لَهُ) أَيْ مِنْ شَيْطَانٍ وَنَفْسٍ وَغَيْرِهِمَا (وَمَنْ يُضْلِلْ) بِخَلْقِ الضَّلَالَةِ فِيهِ (فَلَا هَادِيَ لَهُ) أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ وَلِيٍّ وَلَا مِنْ نَبِيٍّ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ الشَّرَّ إِلَى الْأَنْفُسِ أَوَّلًا كَسْبًا وَالْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيًا خلقا وتدبيرا (قال) أي بن مَسْعُودٍ (وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهَذَا يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَقْرَأُ (فَفَسَّرَهَا) أَيْ الآيات الثلاث (اتقوا الله حق تقاته إِلَخْ) الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا(4/200)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إِلَخْ الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إن الله كان عليكم رقيبا وقولوا قولا سديدا الآيةالآية التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقد فاز فوزا عظيما قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَغْيِيرِ الْأَلْفَاظِ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ
وإِنِّي لَمْ أَجِدْ حَدِيثَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وصححه أبو عوانة وبن حِبَّانَ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ إِلَخْ) وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا جَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ فَغَيْرُ قَادِحَةٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي تَحْتَ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ تقدم الخطبة إذا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ حَمْدٍ وَلَا تَشَهُّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ فَجَعَلُوهَا وَاجِبَةً وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَوَانَةَ فترجم في(4/201)
صَحِيحِهِ بَابُ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ انْتَهَى
[1106] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كشير الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صغار العاشرة
وذكره بن عَدِيٍّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَجَزَمَ الْخَطِيبُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ
لَكِنْ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وقَالَ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ أَبُو هَاشِمٍ ثِقَةٌ أَمَرَنِي الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْ أُخَرِّجَ حَدِيثَهُ فِي الصَّحِيحِ
إنتهى (بن فُضَيْلٍ) اسْمُهُ
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَارِفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ
قَوْلُهُ (كُلُّ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَقَالَ القارىء بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ التَّزَوُّجُ انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْخَاءِ
(لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَأَصْلُ التَّشَهُّدِ قَوْلُكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الثَّنَاءِ
وفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ
كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِي كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ وَالشَّهَادَةُ الْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ أَصْدَقُ الشَّهَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا
قَالَ القارىء الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ الَّتِي بِهَا جُذَامٌ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي أَوَائِلِهِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ وَقَوْلُهُ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ
انْتَهَى
وقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَجْذَمُ (أَخْرَجَهُ) أبو داود والنسائي وبن ماجه وأبو عوانة والدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
واخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ فَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ الْإِرْسَالَ
قَوْلُهُ وَيُرْوَى كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ هُوَ عِنْدَ أَبِي داود والنسائي كالأول وعند بن مَاجَهْ كَالثَّانِي
لَكِنْ قَالَ أَقْطَعُ بَدَلَ أَبْتَرُ وكذا عند بن حِبَّانَ وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرُّهَاوِيُّ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الْبُلْدَانِيَّةِ
انْتَهَى
كَلَامُ الْحَافِظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ بِتَعَدُّدِ الطرق والله تعالى أعلم(4/202)
90 - ما جاء في استيمار الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ [1107] قَوْلُهُ (لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ (الثَّيِّبُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّيِّبُ مَنْ لَيْسَ بِبِكْرٍ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ الْأَيِّمُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ
(حَتَّى تُسْتَأْمَرَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أي حتى تستأذن صريحا
إذ الإستيمار طَلَبُ الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ
(وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ) الْمُرَادُ بِالْبِكْرِ الْبَالِغَةُ إِذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِئْذَانِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي مَا الْإِذْنُ (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) أَيْ يُطْلَبَ مِنْهَا الْإِذْنُ (وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ) أَيْ السُّكُوتُ يَعْنِي لَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ مِنْهَا بَلْ يُكْتَفَي بِسُكُوتِهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا
وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ السُّكُوتَ مِنَ الْبِكْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا
وإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
(وَعَائِشَةَ) قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ قَالَ نَعَمْ
قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ فَقَالَ سُكَاتُهَا إِذْنُهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْعُرْسِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ (بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَبَ إِذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ وَهِيَ بَالِغَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَمْ تَرْضَ بِتَزْوِيجِ الْأَبِ فَالنِّكَاحُ(4/203)
مفسوخ) واحتجوا على ذلك بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رواه أبو داود والنسائي وبن ماجه
قال بن القطان في كتابه حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَزْوِيجُ الْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ جَائِزٌ وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق) وهو قول بن أبي ليلى والليث
واحتجوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهَا
واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا قَالَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْيَتِيمَةِ فيحمل المطلب عليه وفيه نظر لحديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُؤَامَرَةَ قَدْ تكون عن استطابة نفس ويؤيده حديث بن عُمَرَ رَفَعَهُ وَأَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَمْرٌ لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ زِيَادَةُ ذِكْرِ الْأَبِ فِي حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي رواها بن عيينة في حديثه وكان بن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ
وسَالِمُ يُزَوِّجُونَ الْأَبْكَارَ لَا يَسْتَأْمِرُوهُنَّ
قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عَبَّاسٍ الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بِلَفْظِ وَالْيَتِيمَةُ لَا تُسْتَأْمَرُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ الْيَتِيمَةُ
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ الْحَافِظِ بِلَفْظِ الْأَبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلِ المراد باليتيمة البكر لم يدفع
وتستأمر بِضَمِّ أَوَّلِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَغَيْرُهُ
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنِ الرِّوَايَاتِ
ويَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِطَابَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى
كَلَامُ الْحَافِظِ
قلت الظاهر أن الاستثمار هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا عَلَى طريق الاستطابة يدل عليه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَعْنَى لِلطَّعْنِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ طُرُقَهُ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ انْتَهَى
وأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ فِي الْبِكْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا تَعْمِيمًا
قُلْتُ قَدْ تَعَقَّبَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ عَلَى كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ والحافظ في سبل اللام تَعَقُّبًا حَسَنًا حَيْثُ قَالَ كَلَامُ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مُحَامَاةٌ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِهِمْ وَإِلَّا فَتَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيِّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَوْ(4/204)
كَانَ كَمَا قَالَ لَذَكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ قَالَتْ إِنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ
فَالْعِلَّةُ كَرَاهَتُهَا فَعَلَيْهَا عُلِّقَ التَّخْيِيرُ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتِ كَارِهَةً فَأَنْتِ بالخيار
وقول المصنف يعني الحافظ بن حَجَرٍ إِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ
بَلْ حُكْمٌ عَامٌّ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ فَأَيْنَمَا وُجِدَتِ الْكَرَاهَةُ ثَبَتَ الْحُكْمُ
وقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي زوجني من بن أَخِيهِ يَرْفَعُ فِيَّ خَسِيسَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ
قَالَتْ اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِكْرٌ وَلَعَلَّهَا الْبِكْرُ التي في حديث بن عباس وقد زوجها أبوها كفئا بن أَخِيهِ
وإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ صَرَّحَتْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهَا إِلَّا إِعْلَامَ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
ولَفْظُ النِّسَاءَ عَامٌّ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَقَدْ قَالَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ
والْمُرَادُ بِنَفْيِ الأمر من الآباء ففي التَّزْوِيجِ لِلْكَارِهَةِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذَلِكَ
فَلَا يُقَالُ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ شَيْءٍ
انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ
قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مرسل بن بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ انْتَهَى لَكِنْ رواه بن مَاجَهْ مُتَّصِلًا وَسَنَدُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَخْ بِمِثْلِ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ
وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
[1108] قَوْلُهُ (الْأَيِّمُ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ) الْأَيِّمَ هِيَ الثَّيِّبُ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْبِكْرِ
وهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَيِّمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْغَزْوُ مَأْيَمَةٌ أَيْ يَقْتُلُ الرِّجَالَ
فَتَصِيرُ النِّسَاءُ أَيَامَى
وقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَصْلًا
(وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) بِضَمِّ الصَّادِ بِمَعْنَى سُكُوتِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا البخاري قوله(4/205)
(وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ ثُمَّ قَدَّمَهَا بقَوْلِهِ أَحَقُّ وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا انْتَهَى
(وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ من غير وجه عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح كما عرفت (وهكذا أفتى به بن عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) فَإِفْتَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَيِّدُ صِحَّةَ حَدِيثِهِ
(وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا
فَإِنْ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ
وَيَحْتَمِلُ
(مِنْ حَيْثُ غَيْرِهِ) أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا أَيْ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ
ولَكِنْ لَمَّا صح قوله صلى الله عليه وسلم لانكاح إِلَّا بِوَلِيٍّ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ يَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي
قَالَ واعلم أن لفظة أحق ها هنا المشاركة مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ
فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفْئًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفْئًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي
فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ حَقِّهَا وَرُجْحَانِهِ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ(4/206)
91 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِكْرَاهِ الْيَتِيمَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ)
[1109] قَوْلُهُ (الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ) الْيَتِيمَةُ هِيَ صَغِيرَةٌ لَا أَبَ لَهَا وَالْمُرَادُ هُنَا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ سَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا اليتامى أموالهم وَفَائِدَةُ التَّسْمِيَةِ مُرَاعَاةُ حَقِّهَا وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهَا فِي تَحَرِّي الْكِفَايَةِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّ الْيَتِيمَ مَظِنَّةُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ
ثُمَّ هِيَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا مَعْنَى لِإِذْنِهَا وَلَا لِإِبَائِهَا
فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرَطَ بُلُوغَهَا فَمَعْنَاهُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَبْلُغَ فتستأمر
قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
(فَإِنْ صَمَتَتْ) أَيْ سَكَتَتْ (فَهُوَ) أَيْ صُمَاتُهَا (وَإِنْ أَبَتْ) مِنَ الْإِبَاءِ أَيْ أَنْكَرَتْ وَلَمْ تَرْضَ (فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ فَلَا تَعَدِّيَ عَلَيْهَا وَلَا إِجْبَارَ
قوله (وفي الباب عن أبي موسى) أخرجه أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تكره
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو يَعْلَى وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وبن عُمَرَ) قَالَ تُوفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ مِنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ
وأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُمَا خَالَايَ
فَخَطَبْتُ إِلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَزَوَّجَنِيهَا
ودَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ (يَعْنِي إِلَى أُمِّهَا) فَأَرْغَبهَا فِي الْمَالِ فَحَطَّتْ إِلَيْهِ فَحَطَّتِ الْجَارِيَةُ إِلَى هَوَى أُمِّهَا فَأَبَتَا حَتَّى ارْتَفَعَ أَمْرُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ
ابْنَةُ أَخِي أوصى بها إلي فزوجتها بن عَمَّتِهَا فَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا فِي الصَّلَاحِ وَلَا فِي الْكَفَاءَةِ (وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنَّمَا حَطَّتْ إِلَى هَوَى أُمِّهَا
قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ يَتِيمَةٌ وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا
قَالَ فَانْتُزِعَتْ وَاللَّهِ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتُهَا فَزَوَّجُوهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ لَا يُجْبِرُهَا وَصِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ
انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قال في المنتقى رواه الخمسة
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا زُوِّجَتْ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى تَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ وَفَسْخِهِ) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ
ويَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ بُلُوغِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وإن خفتم أن إلا بن ماجه وقال في(4/207)
النيل وأخرجه أيضا بن حبان والحاكم لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ الَّتِي دُونَ الْبُلُوغِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَتِيمَةِ مَنْ كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ وَلَا أَبَ لَهَا وَقَدْ أَذِنَ فِي تَزْوِيجِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْخَسَ مِنْ صَدَاقِهَا
فَيَحْتَاجُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ قَوِيٍّ
انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْيَتِيمَةِ حَتَّى تَبْلُغَ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
واحْتَجَّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَنَاتِ الْمُوصِي وَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَيْهِ
وقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ نِكَاحَ الْوَصِيِّ مَعَ كَرَاهَةِ الْأَوْلِيَاءِ
وأَجَازَ مَالِكٌ إِنْ فَوَّضَهُ الْأَبُ إِلَيْهِ انْتَهَى
(وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا بَلَغَتِ الْيَتِيمَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَزُوِّجَتْ فَرَضِيَتْ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا خِيَارَ لَهَا إِذَا أَدْرَكَتْ) أَيْ إِذَا بَلَغَتْ
ولَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَفِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ
(قَالَتْ عَائِشَةُ إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ) كَأَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا حِينَئِذٍ مَا يُعْرَفُ بِهِ نَفْعُهَا وَضَرَرُهَا مِنَ الشُّعُورِ وَالتَّمْيِيزِ
واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/208)
92 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجَانِ)
[1110] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا غَنْدَرٌ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَفَتْحِ دَالٍ وَقَدْ تُضَمُّ
(زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ) أَيْ مِنْ رَجُلَيْنِ (فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) أَيْ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصَادُقٍ
فَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَطَلَا مَعًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا وَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فِي الْعَقِيقَةِ
انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ الْحَافِظُ وَصِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ
ورَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ في هذا أصح
وقال بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَوْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
انتهى
3 - مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ [1111] قَوْلُهُ (بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ مَالِكِهِ
(فَهُوَ عَاهِرٌ) أَيْ زَانٍ
قَالَ الْمُظْهِرُ لَا يجوز(4/209)
نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَا يَصِيرُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَهُمَا بِالْإِجَازَةِ بَعْدَهُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِنْ جَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ
قُلْتُ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَاهِرٌ والعاهر الزاني والزنا باطل
وبرواية بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ستعرف
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وهو موقوف وهو قول بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ في التلخيص ورواه بن ماجه من حديث بن عُمَرَ بِلَفْظِ أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ زَانٍ وفِيهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقْفَ هذا المتن على بن عُمَرَ وَلَفْظُ الْمَوْقُوفِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ عَبْدًا لَهُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ وَضَرَبَهُ حَدًّا انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ
انْتَهَى
[1112] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ
قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي(4/210)
الْخُلَاصَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث بن عُقَيْلٍ انْتَهَى
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ)
[1113] قَوْلُهُ (أَرَضِيتَ) هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِعْلَامِ (مِنْ نَفْسِكَ وَمَالِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ بَدَلَ نَفْسِكَ مع وجود مالك
قاله القارىء
(قالت نعم فَأَجَازَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ كَوْنِ المهر شيئا حقيرا لَهُ قِيمَةٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَجِيءُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ الْحَدِيثَ وفِيهِ قَالَ عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عَرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ إِلَخْ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَضُرُّ أَحَدَكُمْ بِقَلِيلٍ مِنْ مَالِهِ تَزَوَّجَ أَمْ بِكَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ
وفِي سَنَدِهِ أَبُو هَارُونَ العبدي قال بن الْجَوْزِيِّ وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَانَ كَذَّابًا وقال السعدي كذاب مفتري
كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
(وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
قَالَ بَارَكَ اللَّهُ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَخَفُّ النِّسَاءِ صَدَاقًا أَعْظَمُهُنَّ بَرَكَةً وفِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِنَحْوِهِ
وأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
وصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خير الصداقه أيسره(4/211)
(وَجَابِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ
كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ
(وَأَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا إِنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ
انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ أَنْ حكى تصحيح الترمذي له قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قال بن معين ضعيف وقال بن حبان كان فأحسن الْخَطَأِ فَتُرِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَهْرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَهْرُ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَازَهُ الْكَافَّةُ بِمَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ أَوْ (كَذَا بِالْأَصْلِ
ولَعَلَّ الصَّوَابَ أَيْ) مِنَ الْعَقْدِ إِلَيْهِ (كَذَا بِالْأَصْلِ
وَلَعَلَّ الصَّوَابَ عَلَيْهِ) بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالسَّوْطِ وَالنَّعْلِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ
وبِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأنصاري
وأبو الزناد وربيعة وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرُ مالك ومن تبعه وبن جُرَيْجٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ فِي أهل مصر والثوري وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الحديث وبن وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
انْتَهَى
وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ
(وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ قَاسَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ بِأَنَّهُ عُضْوٌ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ كَذَا قِيَاسًا عَلَى يَدِ السَّارِقِ
وتَعَقَّبَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَبِأَنَّ الْيَدَ تُقْطَعُ وَتَبِينُ وَلَا كَذَلِكَ الْفَرْجُ
وبِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَسْرُوقَ يَجِبُ رَدُّهُ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ) وَهُوَ(4/212)
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
واحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ
وفِي سَنَدِهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا
انْتَهَى
وأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَحَادِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْضُوعَةٌ
انْتَهَى
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو يعلى الموصلي في مسنده وبن حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَقَالَ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ
انْتَهَى
وأخرجه أيضا بن عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَأَعَلَّاهُ بِمُبَشِّرٍ
وأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وفِي سَنَدِهِ دَاوُدُ الْأَوْدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
ولَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَلَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ
كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَكْثَرُنَا يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وفِي جَمِيعِ طُرُقِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ
انْتَهَى
قُلْتُ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورٌ بِمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ
فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ بِمُبَشِّرٍ(4/213)
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ مُجِيبًا عَنْ ضَعْفِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ إِذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُفْرَدَاتُهَا ضَعِيفَةٌ يَصِيرُ حَسَنًا وَيُحْتَجُّ بِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبَ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِأَنَّ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ إِنَّمَا يَصِيرُ الْحَدِيثُ حَسَنًا إِذَا كَانَ الضَّعْفُ فِيهَا يَسِيرًا فَيُجْبَرُ بِالتَّعَدُّدِ لَا إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الضَّعْفِ بِأَنْ لَا يَخْلُوَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ
انْتَهَى
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَهْرِ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ
قُلْتُ رَدَّ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ إِنَّمَا يُسَلَّمُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِرِ إِذَا ثَبَتَ التَّقْدِيرُ بِدَلِيلٍ مُعْتَمَدٍ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَهُوَ يُخَالِفُ إِطْلَاقَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ تَبْتَغُوا بأموالكم فَإِنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ بِشَيْءٍ
وتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَمَا بَالُكَ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَيْفَ خَصَّصُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إِطْلَاقَ الْكِتَابِ وَعَمِلُوا بِهِ
والْعَجَبُ عَلَى الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَنَدُوا فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى كَوْنِ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَا اسْتَنَدَتْ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَخْبَارُ آحَادٍ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ فَلَا يُعْمَلُ بظاهرها
[1114] قوله (عن أبي العجفاء) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْجِيمِ السُّلَمِيِّ الْبَصْرِيِّ قِيلَ اسمه(4/214)
هَرَمُ بْنُ نُسَيْبٍ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِالصَّادِ بَدَلَ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
(لَا تُغَالُوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ (صَدُقَةَ النِّسَاءِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ الصَّدَاقِ قَالَ الْقَاضِي الْمُغَالَاةُ التَّكْثِيرُ أَيْ لَا تُكْثِرُوا مُهُورَهُنَّ
(فَإِنَّهَا أَيْ الصَّدُقَةَ أَوْ الْمُغَالَاةَ يَعْنِي كَثْرَةَ الصَّدُقَةِ (لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَاحِدَةُ الْمَكَارِمِ أَيْ مِمَّا تُحْمَدُ (أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ) أَوْ مَكْرُمَةً فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ قال القارىء قَالَ وَهِيَ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ وفِي نُسْخَةٍ (يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ) بِالتَّنْوِينِ وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ
أولادكم بِهَا أَيْ بِمُغَالَاةِ الْمُهُورِ
(نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ) أَيْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ (وَلَا أَنْكَحَ) أَيْ زَوَّجَ (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ صَدَاقَ أُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ
لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ فِي الْحَبَشَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَنَشٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَدَدَ الْأَوَاقِي الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ
ولَعَلَّهُ أَرَادَ الْأُوقِيَّةَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْكُسُورِ
مَعَ أَنَّهُ نَفَى الزِّيَادَةَ فِي عِلْمِهِ
ولَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ صَدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ وَلَا الزِّيَادَةُ الَّتِي رَوَتْهَا عَائِشَةُ
فَإِنْ قُلْتَ نَهْيُهُ عَنِ الْمُغَالَاةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا قُلْتُ النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ
والْكَلَامُ فِيهَا لَا فِيهِ
لَكِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَمَنْ زَادَ أُلْقِيَتِ الزِّيَادَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مَا ذَاكَ لَكَ قَالَ وَلِمَ قَالَتْ لأن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ يَا عُمَرُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا مِنْ ذَهَبٍ قَالَ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ بن مَسْعُودٍ فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ
وأَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَهُ مُتَّصِلًا مُطَوَّلًا
قَالَ الحافظ في الفتح
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ذَكَرَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ فِي رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ أَنَّ صَدَاقَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ مِثْقَالٍ فِضَّةً
وكَذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ وَلَفْظُهُ(4/215)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَالْجَمْعُ أَنَّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ مَعَ عَدَمِ اعتبار الكسور
لكن يشكل نقل بن الْهُمَامِ أَنَّ صَدَاقَ فَاطِمَةَ كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ
وعَلَى كُلٍّ فَمَا اشْتُهِرَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَنَّ مَهْرَهَا تِسْعَةَ عَشْرَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ فَلَا أَصْلَ لَهُ
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ قِيمَةُ دِرْعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَيْثُ دَفَعَهَا إِلَيْهَا مَهْرًا مُعَجَّلًا
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح بعد ذكره وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ الْأَمَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا)
[1115] قَوْلُهُ (أَعْتَقَ صَفِيَّةَ) هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ سَبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ كَانَتْ تحت بن أَبِي الْحَقِيقِ وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَوَقَعَتْ صَفِيَّةُ فِي السَّبْيِ فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ
ومِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
قَالُوا إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالْعِتْقُ وَالْمَهْرُ
عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
قَالَ الْحَافِظُ
وهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فِي عَدِّ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا كَلَامٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَبِلَتْ عُتِقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ بَلْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا(4/216)
فَإِنْ رَضِيَتْ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهَا الْقِيمَةُ وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهُ وَلَهَا صَحَّ الصَّدَاقُ وَلَا تَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ
وإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ
وأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الصَّدَاقِ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ
انْتَهَى
كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ
لَكِنْ لَعَلَّ مُرَادَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ صُورَةُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ انْتَهَى
وأَرَادَ بِصُورَةِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا ذُكِرَ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَأَجَابَ الْبَاقُونَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ أَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ
أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَوَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا وَكَانَتْ مَعْلُومَةً فَتَزَوَّجَهَا بِهَا انْتَهَى
(وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا حَتَّى يَجْعَلَ لَهَا مَهْرًا سِوَى الْعِتْقِ) قَالَ الثَّوْرِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ
ومِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ
انْتَهَى
6 - بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَضْلِ فِي ذَلِكَ [1116] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ مِنَ الرِّجَالِ أَوْ رِجَالٌ ثَلَاثَةٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (يُؤْتَوْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) أَيْ يُؤْتِيهِمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ (عَبْدٌ) بَدَلٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ بَدَلُ بَعْضٍ وَالْعَطْفُ بَعْدَ الرَّبْطِ أَوْ بَدَلُ كُلٍّ وَالرَّبْطُ بَدَلُ الْعَطْفِ
أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَحَدُهُمْ أَوْ مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ مِنْهُمْ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
(أَدَّى حَقَّ اللَّهِ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ (وَحَقَّ مَوَالِيهِ) جَمْعُ الْمَوْلَى لِلْإِشَارَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ(4/217)
جَمَاعَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَدِّيَ حُقُوقَ جَمِيعِهِمْ فَيُعْلَمُ الْمُنْفَرِدُ بِالْأَوْلَى
أَوْ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّدَ مَوَالِيهِ بِالْمُنَاوَبَةِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فَيَقُومُ بِحَقِّ كُلٍّ
(فَذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ (يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ) أَجْرٌ لِتَأْدِيَةِ حَقِّ اللَّهِ وَأَجْرٌ لِتَأْدِيَةِ حَقِّ مَوَالِيهِ
(وَجَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ) أَيْ جَمِيلَةٌ (فَأَدَّبَهَا) أَيْ عَلَّمَهَا الْخِصَالَ الْحَمِيدَةَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدَبِ الْخِدْمَةِ إِذِ الْأَدَبُ هُوَ حُسْنُ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقِيَامِ وَالتَّعَوُّدِ وَحُسْنُ الْأَخْلَاقِ
(فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وإحسان تأديبها هو الاستعمال علمها الرِّفْقَ وَاللُّطْفَ
وزَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَعَلَّمَهَا فأحسن تعليمها
(يبتغي ذلك) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنَ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّزَوُّجِ
(فَذَلِكَ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ) أَجْرٌ عَلَى عِتْقِهِ وَأَجْرٌ عَلَى تَزَوُّجِهِ
(وَرَجُلٌ آمَنَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ جَاءَهُ الْكِتَابُ الْآخَرُ فَآمَنَ بِهِ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا)
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ يتزوج ابنتها أم لا [1117] قوله (أخبرنا بن لَهِيعَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْهَاءِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ
قَوْلُهُ (فَدَخَلَ بِهَا) أَيْ(4/218)
جَامَعَهَا (فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا) قَالَ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللآتي دخلتم بهن وَأَسْقَطَ قَيْدَ كَوْنِهَا فِي حِجْرِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مخرج غلب الْعَادَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحِ ابْنَتَهَا) أَيْ بَعْدَ طَلَاقِ أُمِّهَا قَالَ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عليكم
(فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ تعالى وأمهات نسائكم قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ وَإِنْ كَانَ صحيحا باعتبار معناه مطابقته معنى الآية
قوله (والمثنى بن الصباح وبن لَهِيعَةَ يُضَعِّفَانِ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ بن لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَاحِ ضَعِيفٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الحنفية قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِابْنَتِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُ نسائكم مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ انْتَهَى
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ)
فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا [1118] قَوْلُهُ (جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ(4/219)
نِسْبَةً إِلَى قُرَيْظَةَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَهُودِ (عِنْدَ رِفَاعَةَ) أَيْ فِي نِكَاحِهِ (فَبَتَّ طَلَاقِي) أَيْ قَطَعَهُ فَلَمْ يُبْقِ مِنَ الثَّلَاثِ شَيْئًا وَقِيلَ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا (فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ) بفتح الزاي وكسر الباء (وَمَا مَعَهُ) أَيْ لَيْسَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ آلَةِ الذُّكُورَةِ (إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ طَرَفُهُ وَهُوَ طَرَفُ الثَّوْبِ الْغَيْرِ الْمَنْسُوجِ (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَتْ نَعَمْ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ (لَا) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ لَا أَيْ لَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ أَيْ لَذَّةَ جِمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ) كِنَايَةٌ عَنْ حَلَاوَةِ الْجِمَاعِ وَالْعُسَيْلُ تَصْغِيرُ عَسَلٍ وَالتَّاءُ فِيهَا عَلَى نِيَّةِ اللَّذَّةِ أَوْ النُّطْفَةِ أَيْ حَتَّى تَجِدِي مِنْهُ لَذَّةً وَيَجِدَ منك لذة بتغيب الْحَشَفَةِ
ولَا يُشْتَرَطُ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يُنْزِلَ الثَّانِي حَمْلًا لِلْعُسَيْلَةِ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَالرُّمَيْصَاءِ أَوْ الْغُمَيْصَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ الرُّمَيْصَاءِ أَوِ الْغُمَيْصَاءِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العلم الخ) قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَقُولُ النَّاسُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الثَّانِي وَأَنَا أَقُولُ إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الأول
قال بن الْمُنْذِرِ هَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ
ولَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ هَذَا فِي الرُّخْصَةِ يُقَابِلُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي التَّشْدِيدِ
فَإِنَّهُ شَرَطَ الْإِنْزَالَ كَمَا عَرَفْتَ قال بن بَطَّالٍ شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَهُ سَائِرُ الفقهاء انتهى(4/220)
99 - (باب ما جاء في المحلل وَالْمُحَلَّلِ لَهُ)
الْمُحِلُّ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْمَحلَلُّ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّحْلِيلِ
والْمُرَادُ مِنَ الْمُحِلِّ هُوَ مَنْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ أَوْ شُرُوطِهِ لِتَحِلَّ هِيَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُحَلَّلِ لَهُ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ
[1119] قَوْلُهُ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (وَعَنِ الْحَارِثِ) عَطْفُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَوْلُهُ (لُعِنَ الْمُحِلُّ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ كِلَا اللَّفْظَيْنِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ الْأَوَّلُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا
قَالَ الْقَاضِي الْمُحَلِّلُ الَّذِي تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ الْغَيْرِ ثَلَاثًا عَلَى قَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ لِيَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُهَا وَكَأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَالْمُحَلَّلُ له والزوج
وَإِنَّمَا لَعَنَهُمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْحَمِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى خِسَّةِ النَّفْسِ وَسُقُوطِهَا
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلِّلِ فَلِأَنَّهُ يُعِيرُ نَفْسَهُ بِالْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا لِيُعَرِّضَهَا لِوَطْءِ الْمُحَلَّلِ لَهُ وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّهُ إِذَا نَكَحَهَا بَانَتْ مِنْهُ
أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِطْلَاقَهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَغَيْرَهَا
لَكِنْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عن أبيه قال جاء رجل إلى بن عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ هَلْ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ
قَالَ لَا إِلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ
كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ رَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ في نصب الراية
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ وحديث صَحِيحٌ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية
(وعقبة بن عامر) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (وَابْنِ عباس) أخرجه بن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ(4/221)
زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (لِأَنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ بن سعيد بن عمير الهمداني أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ انْتَهَى
[1120] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّعْنُ إِلَّا عَلَى فَاعِلِ الْمُحَرَّمِ وَكُلُّ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَاللَّعْنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ لَكِنَّهُ عُلِّقَ بِوَصْفٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَذَكَرُوا لِلتَّحْلِيلِ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إِذَا أَحْلَلْتَهَا فَلَا نِكَاحَ وَهَذَا مِثْلُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَجْلِ التَّوْقِيتِ
ومِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي الْعَقْدِ إِذَا أَحْلَلْتَهَا طَلَّقْتَهَا
وَمِنْهَا أن يكون مضمرا في العقد بأن يتواطأ عَلَى التَّحْلِيلِ وَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ الدَّائِمُ هُوَ المقصود
وظاهر شمول اللعن وفساد الْعَقْدِ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ وفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ بِلَا دَلِيلٍ نَاهِضٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ بِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث حسن صحيح) وصححه بن القطان وبن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عمر بن الخطاب) أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ ولا محلل له إلا رجمتها
كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ أَحْمَدَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ (وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَا عَلَى لَفْظِهِ (وبه يقول سفيان الثوري وبن(4/222)
الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ
عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ الظَّاهِرُ
ثُمَّ أَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ
لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا انْتَهَى قُلْتُ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ أَوْ شَرْطِهِ ظَنَّ أَنَّ تَزَوُّجَهُ إِيَّاهَا وَوَطْأَهَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ
ولَيْسَ تَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا عَلَى أَنَّهُ مُثْبِتٌ للحل في الواقع ويؤيده قول بن عُمَرَ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ يَذْكُرُ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قَالَ بِهَذَا) أَيْ بِمَا قَالَ سُفْيَانُ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَيْ وَكِيعٌ (يَنْبَغِي أَنْ يُرْمَى بِهَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
أَيْ يُطْرَحُ وَيُلْقَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَا ذَكَرُوا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِنْ قَصَدَ الْإِحْلَالَ
وذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ وَحُرْمَتَهُ وَالْحُرْمَةُ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ
فَقَوْلُهُمْ بِالصِّحَّةِ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ فيكون مرميا مطروحا
قال أَجَابُوا عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْحَدِيثِ
لِأَنَّ اللَّعْنَ قَدْ يَكُونُ لِخِسَّةِ الْفِعْلِ وَهَتْكِ الْمُرُوءَةِ وتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلُ
ولَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ بِإِثْبَاتِهِ فَالتَّوفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْمَلَ اللَّعْنُ عَلَى أَنَّهُ لِلْخِسَّةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ لِئَلَّا يُعَارِضَ قَوْلَهُ مُحَلِّلًا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِيَّتِهِ الْإِحْلَالُ
أَوْ بِكَوْنِهِ شَرْطَ الْإِحْلَالِ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ
قُلْتُ قَوْلُهُ اللَّعْنُ قَدْ يَكُونُ لِخِسَّةِ الْفِعْلِ وَهَتْكِ الْمُرُوءَةِ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلتَّحْرِيمِ
وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ مُحَلِّلًا لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْإِمَامِ وَكِيعٍ هَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَبَطَلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّ وَكِيعًا كَانَ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ الْإِشْعَارِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (قَالَ وَكِيعٌ وَقَالَ سُفْيَانُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِيُحَلِّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يتزوج بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ إِذَا كان ذلك(4/223)
على شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَنَاهٍ إِلَى مُدَّةٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ
وإِذَا لَمْ يَكُنْ شرطا ودان نِيَّةً وَعَقِيدَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ
فَإِنْ أَصَابَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَقَدْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ
وقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أن يضمر أَوْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا التَّحْلِيلَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
إِذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يفرق بينها عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فِيهِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَا تُفْسِدُ النِّيَّةُ مِنَ النِّكَاحِ شَيْئًا لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ رُفِعَ عَنِ النَّاسِ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ
قُلْتُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا كَلَامٌ فَتَأَمَّلْ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّ الشَّرْطَ إِثْمٌ وَالنِّكَاحَ صَحِيحٌ قَالَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا أَفْتَى عُمَرُ بِسَنَدٍ لَعَلَّهُ جَيِّدٌ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً لِلتَّحْلِيلِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُفَارِقِ امْرَأَتَكَ وَإِنْ طَلَّقْتَهَا فَأُعَزِّرْكَ
قَالَ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِلتَّحْلِيلِ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ امْرَأَةً أَرْسَلَتْ إِلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إِنْ طَلَّقَهَا
ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِغَيْرِ السَّنَدِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ
فَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ صَحِيحٌ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وأثر عمر هذا يخالفه ما أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ له وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي اللَّفْظِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِهَذَا الْفِعْلِ فَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وفِي بَعْضِ كُتُبِنَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي اللفظ فالمحل له ثواب لأنه نفع أخيه الْمُسْلِمَ انْتَهَى بِلَفْظِهِ
قُلْتُ وفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ وَإِنْ شَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ
وهَذَا هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ حَنَفِيَّةِ دِيَارِنَا فَيَعْمَلُونَ بِهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَنْفَعُونَ إِخْوَانَهُمْ وَيَصِيرُونَ مَأْجُورِينَ فَهَدَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّحْقِيقِ(4/224)
100 - (باب ما جاء في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ)
يَعْنِي تَزْوِيجَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا انْقَضَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ
[1121] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كُنْيَتُهُ أَبُو هَاشِمٍ
وذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَتْبَعُ السَّبَئِيَّةَ انْتَهَى
وَالسَّبَئِيَّةُ يُنْسَبُونَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ الرَّوَافِضِ
وكَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَلَى رَأْيِهِ وَلَمَّا غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَهُمْ أَحَبَّتْهُ الشِّيعَةُ ثُمَّ فَارَقَهُ أَكْثَرُهُمْ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ
وكَانَ مِنْ رَأْيِ السَّبَئِيَّةِ مُوَالَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
ومِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِمَوْتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَهُ صَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ هَذَا
ومَاتَ أَبُو هَاشِمٍ فِي آخِرِ وِلَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ (نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
وَهَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ
قَالَ فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَةَ عَشْرَ فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ
وذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَنِ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ هَدَمَ الْمُتْعَةُ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ وَالْمِيرَاثَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى(4/225)
تحريم المتعة وهو قول الثورى وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ
وهَذَا الْحُكْمُ كَانَ مُبَاحًا مَشْرُوعًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي أَسْفَارِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهُ لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ
ولِهَذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ أَبَاحَهُ لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ لَا تَأْقِيتٍ
فَلَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ إِلَّا شَيْئًا ذَهَبَ إليه بعض الشيعة
ويروى أيضا عن بن جُرَيْجٍ جَوَازُهُ وَسَنَذْكُرُ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَاهُ
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ
[1122] قَوْلُهُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) بِالتَّصْغِيرِ الرَّبَذِيِّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ (حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ ما ملكت أيمانهم)
قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْفُرُوجِ إِلَّا عَنِ الْأَزْوَاجِ وَالسَّرَارِيِّ وَالْمُسْتَمْتِعَةُ لَيْسَتْ زَوْجَةً لِانْتِفَاءِ التَّوَارُثِ إِجْمَاعًا وَلَا مَمْلُوكَةً بَلْ هِيَ مُسْتَأْجِرَةٌ نَفْسَهَا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ انتهى
وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَوْلَا مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ يَسْكُنُ الرَّبْذَةَ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رُوِيَ رِوَايَاتٌ عديدة عن بن عَبَّاسٍ فِي الرُّجُوعِ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وقَالَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا
01 - (بَاب مَا جَاءَ من النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ نِكَاحٌ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ شَاغِرْنِي أَيْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ أَوْ بِنْتَكَ أَوْ مَنْ تَلِي أَمْرَهَا حَتَّى أُزَوِّجَكَ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي أَوْ مَنْ أَلِي أَمْرَهَا وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَهْرٌ(4/226)
وَيَكُونُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِ الْأُخْرَى
وقِيلَ لَهُ شِغَارٌ لِارْتِفَاعِ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ وَقِيلَ الشَّغْرُ الْبُعْدُ وَقِيلَ الِاتِّسَاعُ انْتَهَى
[1123] قَوْلُهُ (وَلَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ) بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا (وَلَا شِغَارَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (فِي الْإِسْلَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْكُلِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلْأَخِيرِ وَالْجَلَبُ وَالْجَنَبُ يَكُونَانِ فِي السِّبَاقِ وفِي الزَّكَاةِ فَالْجَلَبُ فِي السِّبَاقِ أَنْ يُتْبِعَ فَرَسَهُ رَجُلًا يُجْلِبُ عَلَيْهِ وَيَصِيحُ وَيَزْجُرُهُ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ
والْجَنَبُ أَنْ يُجْنِبَ إِلَى فَرَسِهِ فَرَسًا عُرْيَانًا فَإِذَا فَتَرَ الْمَرْكُوبُ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ
وَالْجَلَبُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الْعَامِلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بَلْ يَنْزِلُ مَوْضِعًا ثُمَّ يُرْسِلُ مَنْ يَجْلِبُ إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ مِنْ أَمَاكِنِهَا لِيَأْخُذَ صَدَقَتَهَا
فَنَهَى عَنْهُ وَأَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ صَدَقَاتُهُمْ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ
والْجَنَبُ أَنْ يُجْنِبَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِهِ أَيْ يُبْعِدَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ الْعَامِلُ إِلَى الْإِبْعَادِ فِي اتِّبَاعِهِ وَطَلَبِهِ
وفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِي وَالشِّغَارُ أنْ تُشَاغِرَ الرَّجُلَ وَهُوَ أَنْ تُزَوِّجَهُ أُخْتَكَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَكَ أُخْتَهُ وَلَا مَهْرَ إِلَّا هَذَا مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ إِذَا خَلَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
والْمُقْتَضِي إِفْسَادُهُ الِاشْتِرَاكَ فِي البضع يجعله صَدَاقًا
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَمَنِ انْتَهَبَ نَهْبَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَصْدَرٌ وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالْمَالُ الْمَنْهُوبُ أَيْ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قَهْرًا جَهْرًا (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ مِنَ الْمُطِيعِينَ لِأَمْرِنَا أَوْ لَيْسَ مِنْ جَمَاعَتِنَا وَعَلَى طَرِيقَتِنَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبِي رَيْحَانَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُشَاغَرَةِ
والْمُشَاغَرَةُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْ هَذَا مِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ مِنْ هَذَا بلا مهر (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ أَنْ تُنْكَحَ هَذِهِ بِهَذِهِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ يَضَعُ هَذِهِ صَدَاقَ هَذِهِ وَيَضَعُ هَذِهِ صَدَاقَ هَذِهِ (وَمُعَاوِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا لاشغار
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشِّغَارُ قَالَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ لَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا
قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
[1124] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الشِّغَارِ) هَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا(4/227)
وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مَعَ تَفْسِيرِ الشِّغَارِ هَكَذَا نَهَى عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صدق
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَبُو دَاوُدَ جَعَلَهُ أَيْ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا انْتَهَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَمَقْبُولٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشِّغَارُ قَالَ إِنْكَاحُ الْمَرْأَةِ إِلَخْ
فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نِكَاحُ الشِّغَارِ مَفْسُوخٌ وَلَا يَحِلُّ وَإِنْ جُعِلَ لَهُمَا صَدَاقٌ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ الخ) قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ لَا يَجُوزُ
ولَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْبُطْلَانِ
وفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّتِهِ وَوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ
وهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ فَإِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحٍ تَأَكَّدَ التَّحْرِيمُ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
02 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا)
وَلَا عَلَى خَالَتِهَا [1125] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وسكون التحتية وبالزاء قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن حسين علق له البخاري ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَضَعَّفَهُ(4/228)
جَمَاعَةٌ فَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُنْكَحَ (الْمَرْأَةُ عَلَى عمتها أو خالتها) روى بن حبان في صحيحه وبن عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَرِيزٍ عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلك فطعتم أَرْحَامَكُمْ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ وفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ انْتَهَى
وقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَهِيَ الِاحْتِرَازُ عَنْ قَطْعِ الرَّحِمِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَأُخْتُ الْأُمِّ أَوْ مَجَازِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَأُخْتُ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ
فَكُلُّهُنَّ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِلَخْ) وَقَالَ البيهقي قد جاء من حديث علي وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَأَبِي سعيد وعائشة وليس فيها شيء شَرْطِ الصَّحِيحِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وفِي الْبَابِ لَكِنْ لَمْ يذكر بن مسعود ولا بن عَبَّاسٍ وَلَا أَنَسًا
وزَادَ بَدَلَهُمْ أَبَا مُوسَى وَأَبَا أُمَامَةَ وَسَمُرَةَ
ووَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمِنْ حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
ومن حديث زينب امرأة بن مَسْعُودٍ فَصَارَ عِدَّةُ مَنْ رَوَاهُ غَيْرَ الْأَوَّلَيْنَ يَعْنِي جَابِرًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ
ثَلَاثَةَ عَشْرَ نَفْسًا وأحاديثهم موجودة عند بن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وبن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ
قَالَ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَأَوْرَدْتُهَا مُفَصَّلَةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [1126] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَامِرٌ) هُوَ الشَّعْبِيُّ
قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُنْكَحَ) بِصِيغَةِ(4/229)
الْمَجْهُولِ (وَلَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى) أَيْ بِبِنْتِ الْأَخِ أَوْ بِنْتِ الْأُخْتِ وَسُمِّيَتْ صُغْرَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ (عَلَى الْكُبْرَى) أَيْ سِنًّا غَالِبًا أَوْ رُتْبَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ
والْمُرَادُ بِهَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ (وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى) كَرَّرَ النَّفْيَ من الجانبين للتأكيد لقوله نهى عن تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا إِلَخْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الْمُرَادُ بحديث بن عَبَّاسٍ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن حبان
وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم وأبو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا
ومُسْلِمٌ لَمْ يُخَرِّجْهُ هَكَذَا بِتَمَامِهِ وَلَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ فَأَخْرَجَ صَدْرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا انتهى
وأخرج باقيه عن قبيصة بن ذويب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَلَا ابْنَةُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ انْتَهَى
كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا الخ
وقال بن الْمُنْذِرِ لَسْتُ أَعْلَمُ فِي مَنْعِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا الْيَوْمَ
وإِنَّمَا قَالَ بِالْجَوَازِ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ
وإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالسُّنَّةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَمْ يَضُرَّهُ خِلَافُ مَنْ خالفه
وكذا نقل الإجماع بن عبد البر وبن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى بن حَزْمٍ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَاسْتَثْنَى الْقُرْطُبِيُّ الْخَوَارِجَ وَلَفْظُهُ اخْتَارَ الْخَوَارِجُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ انْتَهَى
وفِي نَقْلِهِ عَنْهُمْ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ غَلَطٌ بَيِّنٌ
فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ التَّمَسُّكُ بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة
وإنما يَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الثِّقَةِ بِنَقْلَتِهَا وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (فَنِكَاحُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ) أَيْ بَاطِلٌ وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُولَى مِنْهُمَا فَصَحِيحٌ
هَذَا إِذَا عَقَدَ عَلَى إِحْدَاهُمَا ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْأُخْرَى
وأَمَّا إِذَا عَقَدَ عَلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ قَوْلُهُ (أَدْرَكَ الشَّعْبِيُّ أبا هريرة(4/230)
الشَّعْبِيِّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
فَائِدَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ رَجُلٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَائِزٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ
وقَالَ بن سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِهِ
وكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى
03 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّرْطِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ)
[1127] قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ (أَبِي الْخَيْرِ) كُنْيَةُ مَرْثَدٍ قَوْلُهُ (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ مِنَ التَّفْعِيلِ وَأَنْ يُوفَى بِهَا بَدَلٌ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْمَعْنَى أَحَقُّ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ (مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) خبر إن قال القاضي المراد بالشروط ها هنا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ
وقِيلَ جَمِيعُ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَهَا بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِيهِ
وقِيلَ كُلُّ مَا شَرَطَ الزَّوْجُ تَرْغِيبًا لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطٍ لَا يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَيَكُونُ مِنْ مَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَكِسْوَتِهَا وَسُكْنَاهَا وَمِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَتَصَرَّفُ فِي متاعه إلا برضاه ونحو ذلك
وأما شرط يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يُنْفِقَ وَلَا يُسَافِرَ بها ونحو ذلك
فلا يجيب الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يَكُونُ لَغْوًا وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
وقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِكُلِّ شَرْطٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَعَلَى هَذَا الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ (مَا اسْتَحْلَلْتُمْ) لِلتَّغْلِيبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ والنساء(4/231)
ويدل عليه الرواية الأخرى ما استحللت بِهِ الْفُرُوجَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مِصْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ الله وهو بن أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنَيْمٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُمَرَ حَيْثُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ
فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ
وَشَرَطْتُ لَهَا دَارَهَا وَإِنِّي أَجْمَعُ لِأَمْرِي أَوْ لِشَأْنِي أَنْ أَنْتَقِلَ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهَا شَرْطُهَا
فَقَالَ الرَّجُلُ هلك الرجل إِذْ لَا تَشَاءُ امْرَأَةٌ أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا إِلَّا طَلَّقَتْ فَقَالَ عُمَرُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ انْتَهَى
وذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا مُعَلَّقًا
وقَدْ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ فروى بن وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا فَارْتَفَعُوا إِلَى عُمَرَ فَوَضَعَ الشَّرْطَ
وقَالَ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تَضَادَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا وقَدْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَمْرُو بْنُ العاص ومن التابعين طاؤس وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَبِهِ يَقُولُ الشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ وَالنَّقْلُ فِي هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ بَلِ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ بَلْ تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَأَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا مِنْ قِسْمَةٍ وَنَحْوِهَا
وكَشَرْطِهِ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَلَا تَتَصَرَّفَ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ كَأَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ لَا يُنْفِقَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلِ إِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لُغِيَ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي وَجْهٍ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا أَثَرَ لِلشَّرْطِ
وفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا وقد استشكل بن دَقِيقِ الْعِيدِ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النِّكَاحِ وَقَالَ تِلْكَ الْأُمُورُ لَا تُؤَثِّرُ الشُّرُوطُ فِي إِيجَابِهَا
فَلَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إِلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِاشْتِرَاطِهَا
وسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ أَحَقُّ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ بِهَا وَبَعْضُهَا أَشَدَّ اقْتِضَاءً وَالشُّرُوطُ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُسْتَوِيَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا انْتَهَى
(وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا(4/232)
كَأَنَّهُ رَأَى لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا وَإِنْ كَانَتِ اشْتَرَطَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا
وذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ اللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا مِائَةً مَثَلًا فَرَضِيَتْ بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا فَلَهُ إِخْرَاجُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْمُسَمَّى
وقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِمَا نَقَصَتْهُ لَهُ مِنَ الصَّدَاقِ
وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَنْهُ يَصِحُّ وَتَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ هَذَا
قَالَهُ الْحَافِظُ ومِمَّا يُقَوِّي حَمْلَ حَدِيثِ عُقْبَةَ عَلَى النَّدْبِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْوَطْءُ وَالْإِسْكَانُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ إِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ إِسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
وأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب أم مبشر بنت البراء بن معروف فَقَالَتْ إِنِّي شَرَطْتُ لِزَوْجِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هذا لا يصلح انتهى
04 - (باب في الرجل يسلم وعنده عشرة نِسْوَةٍ)
[1128] قَوْلُهُ (إِنَّ غَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ (أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا) قَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ حَتَّى إِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يُؤْمَرُوا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي نِكَاحِهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَإِنَّهُ إِذَا قَالَ اخْتَرْتُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ لِلنِّكَاحِ ثَبَتَ نِكَاحُهُنَّ وَحَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سِوَى الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ
قال محمد في موطإه بِهَذَا نَأْخُذُ يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ مَا بَقِيَ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ الله فقال الأربع الأول(4/233)
جائز ونكاح من بَقِيَ مِنْهُنَّ بَاطِلٌ
وهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رحمه الله قال بن الْهُمَامِ وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ
وفِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ بن الْهُمَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ
أَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ طَلَّقَ نِسَاءَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ هُوَ هَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ
وأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا السَّنَدِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ إِلَخْ
كَمَا رَوَى شُعَيْبُ بْنُ حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا كَمَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وحَكَمَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى معمر بالوهم وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَخْرَجَ فِي مُسْنَدِهِ عن بن عُلَيَّةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ بِالْحَدِيثَيْنِ مَعًا الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَى عُمَرَ وَلَفْظُهُ أن بن سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرَةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ
فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ
فَقَالَ إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ مِمَّا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ وَأَعْلَمَكَ أَنَّكَ لَا تَمْكُثُ إِلَّا قَلِيلًا
وأَيْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَكَ أَوْ لَأُورِثَهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمَ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ انْتَهَى
والْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ هُوَ الَّذِي حَكَمَ الْبُخَارِيُّ بِصِحَّتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِخِلَافِ أَوَّلِ الْقِصَّةِ
قَوْلُهُ (كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ اللَّامِ وَأَبُو رِغَالٍ كَكِتَابٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَدَلَائِلِ النبوة وغيرهما عن بن عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ فَقَالَ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ
وهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ الْحَدِيثَ
وقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ كَانَ دَلِيلًا لِلْحَبَشَةِ حِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ غير معتد به وكذا قول بن سِيدَهْ كَانَ عَبْدًا لِشُعَيْبٍ وَكَانَ عَشَّارًا(4/234)
جَائِرًا انْتَهَى
وفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الظُّلْمِ وَالشُّؤْمِ وَهُوَ الَّذِي يَرْجُمُ الْحَاجُّ قَبْرَهُ إِلَى الْآنَ
قَالَ جَرِيرٌ إِذَا مَاتَ الْفَرَزْدَقُ فَارْجُمُوهُ كَمَا تَرْجُمُونَ قَبْرَ أَبِي رِغَالٍ
05 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وعنده أختان)
[1129] قوله (انه سمع بن فَيْرُوزَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَاسْمُهُ الضَّحَّاكُ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) هُوَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ مِنْ فُرْسِ صَنْعَاءَ وَكَانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاتِلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِي الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِالْيَمَنِ قُتِلَ فِي آخِرِ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَلَهُ خَبَرُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ الضَّحَّاكُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَوْلُهُ (اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ
قَالَ الْمُظْهِرُ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ وَأَسْلَمَتَا مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إِحْدَاهُمَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُخْتَارَةُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مُتَعَاقِبَتَيْنِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْأَخِيرَةِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِفْصَالَ وَلِمَا فِي قَوْلِهِ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا مِنَ الْإِطْلَاقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وصححه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى
قلت في سند الترمذي بن لَهِيعَةَ فَتَحْسِينُهُ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ قَوْلُهُ (وَأَبُو وَهْبٍ الْجَيْشَانِيُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ (اسمه الديلم بن هوشع) وقال بن يُونُسَ هُوَ عُبَيْدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ مَقْبُولٌ مِنَ الرابعة كذا في التقريب(4/235)
106 - (باب الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَامِلٌ)
[1131] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) الْحَضْرَمِيِّ الشَّامِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ (عَنْ رُوَيْفِعٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (فَلَا يَسْقِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يُدْخِلُ (مَاءَهُ) أَيْ نُطْفَتَهُ (وَلَدَ غَيْرِهِ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَلَا يَحِلُّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَا يَحِلُّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والدارمي وبن أبي شيبة والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ
وقَالَ لَا تَسْقِ مَاءَكَ زَرْعَ غَيْرِكَ
وأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا
فَقَالُوا نَعَمْ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ وَكَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَقَالَ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَالْمُجِحُّ هِيَ الْحَامِلُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهم
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى(4/236)
107 - (باب ما جاء يَسْبِي الْأَمَةَ وَلَهَا زَوْجٌ)
هَلْ يَحِلُّ لَهُ وطؤها أَيْ هَلْ يَجُوزُ لِلسَّابِي وَطْءُ تِلْكَ الْأَمَةِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ
[1132] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ) هُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَتِّيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ (أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ) بِالصَّرْفِ وَقَدْ لَا يُصْرَفُ مَوْضِعٌ أَوْ بُقْعَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فِيهَا وَقْعَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال القارىء (وَالْمُحْصَنَاتُ) أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمُحْصَنَاتُ أَيْ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ (مِنَ النِّسَاءِ) أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ أزواجهن حرائر مسلمات كن أولا (إلا ما ملكت أيمانكم) مِنَ الْإِمَاءِ بِالسَّبْيِ فَلَكُمْ وَطْؤُهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ
والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ أَيْ اسْتِبْرَاؤُهُنَّ وَهِيَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عَنِ الْحَامِلِ وَبِحَيْضَةٍ مِنَ الْحَائِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَنْ أَنَّ السَّبَايَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ(4/237)
108 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَهْرِ الْبَغِيِّ)
بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَجَمْعُ الْبَغِيِّ الْبَغَايَا وَالْبِغَاءُ بكسر أوله الزنى وَالْفُجُورُ وَأَصْلُ الْبِغَاءِ الطَّلَبُ غَيْرَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَسَادِ
[1133] قَوْلُهُ (عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ
وقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طَعَنَ فِي صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزَّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إِنْ صَلُحَ هَذَا الْمُقَيَّدُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ (وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) المراد به ما تأخذه الزانية على الزنى وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ هُوَ مَا يُعْطَاهُ الْكَاهِنُ عَلَى كِهَانَتِهِ
والْكَاهِنُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ
وفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنَ اسْتِطْلَاعِ الْغَيْبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ(4/238)
(بَاب مَا جَاءَ أَنْ لَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَطَبَ يَخْطُبُ خِطْبَةً بِالْكَسْرِ فَهُوَ خَاطِبٌ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْخِطْبَةُ أَيْضًا وَأَمَّا الْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ فَهُوَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ انْتَهَى
وقَالَ فِي الصُّرَاحِ خِطْبَةٌ بِالْكَسْرِ زن خواستن
[1134] قَوْلُهُ (قَالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ) أَيْ قَالَ قُتَيْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ يَبْلُغُ بِهِ أَيْ يَرْفَعُ أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَ أَحْمَدُ) أَيْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي رِوَايَتِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَمَعْنَى رِوَايَتِهِمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي اللَّفْظِ
قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ حَرَامٌ
وكَذَلِكَ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ
وهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لأبيعك بأنقص أو يقول للبايع افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَذِكْرُ الْأَخِ خَرَجَ لِلْغَائِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ (وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنُ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ وَيَتَرَاضَيَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا وَلَمْ يَتَرَاضَيَا
ولَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ خِطْبَتِهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ النَّهْيِ انتهى
قوله (وفي الباب عن سمرة وبن عُمَرَ) وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خطبة أخيه
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ(4/239)
حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
وأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهَا إِذَا كَانَ قَدْ صَرَّحَ لِلْخَاطِبِ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتْرُكْ فَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ وَتَزَوَّجَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَصَى وَصَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يُفْسَخْ
هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
وقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
وقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ وَأَمَّا إِذَا عَرَضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فَفِي تَحْرِيرِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ
وقَالَ بعض المالكية لا يحرم حتى يرضو بِالزَّوْجِ وَيُسَمَّى الْمَهْرُ
واسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطْبَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ
وقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فَيُقَالُ لَعَلَّ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِأُسَامَةَ لَا أَنَّهُ خَطَبَ لَهُ واتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْخِطْبَةَ رَغْبَةً عَنْهَا أَوْ أَذِنَ فِيهَا جَازَتِ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى
[1135] قَوْلُهُ (عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) أَيْ الْقُرَشِيَّةِ أُخْتِ الضَّحَّاكِ كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ (فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا (وَوَضَعَ لِي عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ) جَمْعُ قَفِيزٍ وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ (خَمْسَةٌ شَعِيرٌ وَخَمْسَةٌ بُرٌّ) بَدَلٌ مِنْ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ (فَقَالَ صَدَقَ) أَيْ فِي عَدَمِ جَعْلِهِ لَكَ السُّكْنَى(4/240)
وَالنَّفَقَةَ
(يَغْشَاهَا الْمُهَاجِرُونَ) أَيْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهَا (فَعَسَى أَنْ تُلْقِي ثِيَابَكَ فَلَا يَرَاكِ) قَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ
والصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عليه النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنات يغضوا من أبصارهم الْآيَةَ
ولِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا عَنْهُ انْتَهَى
(خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ) أَبُو جَهْمٍ هَذَا هُوَ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ الَّذِي طَلَبَ النبي صلى الله عليه وسلم انبجانية فِي الصَّلَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جَهْمٍ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ وفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يدي المصلي ومعاوية هذا هو بن أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيُّ
(أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ
والصُّعْلُوكُ بِالضَّمِّ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ (وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ شَدِيدٌ عَلَى النِّسَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ
(فَبَارَكَ اللَّهُ فِي أُسَامَةَ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ وَالْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُسْلِمٌ
وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مُطَوَّلًا مختصرا
وقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ النَّوَوِيُّ فَوَائِدَ كَثِيرَةً فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ(4/241)
110 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ)
بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ هُوَ النَّزْعُ بَعْدَ الْإِيلَاجِ لِيُنْزِلَ خَارِجَ الْفَرْجِ [1136] قَوْلُهُ (فَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَزْلُ (الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى) الْوَأْدُ دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ وَالْعَارِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
والْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ الْعَزْلَ نَوْعٌ مِنَ الْوَأْدِ لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ النُّطْفَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيَكُونَ مِنْهَا الْوَلَدُ
وسَعْيًا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادِ بِعَزْلِهَا عَنْ مَحِلِّهَا (كَذَبَتِ الْيَهُودُ) أَيْ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ) أَيْ الْعَزْلُ أَوْ شَيْءٌ
وهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ أَجَازَ الْعَزْلَ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حديث عمر فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ مِنَ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى لَيْسَ إِسْنَادُهُ بذاك
وقال الشوكاني في إسناده بن لَهِيعَةَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أخرجه عبد الرزاق والبيهقى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ
نَهَى عَنْ عَزْلِ الْحُرَّةِ إِلَّا بإذنها
وروى عنه بن أَبِي شَيْبَةَ
أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ
وروى البيهقي عن بن عُمَرَ مِثْلَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ
قَالَتِ الْيَهُودُ الْعَزْلُ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَصْرِفَهُ
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فَفِيهِ ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ
وهِيَ (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سئلت)
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ وَالتَّوفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْجَمْعِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ حَدِيثِ جُذَامَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ
وهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَيْهَقِيِّ
ومِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ حَدِيثَ جُذَامَةَ لِمُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ طُرُقًا
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا دَفْعٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّوَهُّمِ
والْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ
ومِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ(4/242)
وَرُدَّ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ
وقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُذَامَةَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوَّلًا مِنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم علمه اللَّهُ بِالْحُكْمِ فَكَذَّبَ الْيَهُودُ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ وتعقبه بن رشد وبن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا تَبَعًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ يُصَرِّحُ بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ
ومِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جُذَامَةَ بِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَضَعْفِ مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ وَالِاضْطِرَابِ
وقَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْدَحُ فِي حَدِيثٍ لَا فِيمَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ والجمع ممكن ورجح بن حَزْمٍ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ جُذَامَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ غَيْرِهَا مُوَافِقَةٌ لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ
قَالَ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ صريحا في المنع إذا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طريقي التشبيه أن يكون حراما
وجمع بن الْقَيِّمِ فَقَالَ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلًا وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بِالْوَأْدِ
فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ إِذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدَ حَقِيقَةٍ وَإِنَّمَا وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ
لِأَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنَ الْحَمْلِ فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْدِ
لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَأْدَ ظَاهِرٌ بِالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ
فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا
وهَذَا الْجَمْعُ قَوِيٌّ كَذَا فِي النَّيْلِ
[1137] قَوْلُهُ (كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْرِيرِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَرَامًا لَمْ يُقَرَّرَا عَلَيْهِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَضَافَ الْحُكْمَ إِلَى زَمَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ
قَالَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ
لِتَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ الْأَحْكَامِ
قَالَ وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ طُرُقٍ تُصَرِّحُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَزْلِ) فَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
(وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ تُسْتَأْمَرُ الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ الْأَمَةُ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أحمد وبن ماجه عن(4/243)
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الحرة إلا بإذنها
وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى عَنْ عَزْلِ الْحُرَّةِ إِلَّا بإذنها وروى عنه بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ
وروى البيهقي عن بن عُمَرَ مِثْلَهُ
وقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ العزل فحكى في الفتح عن بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُعْزَلُ عَنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ الْعَزْلُ
قَالَ الْحَافِظُ وَافَقَهُ فِي نقل هذا الاجماع بن هُبَيْرَةَ قَالَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أنه لاحق لِلْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَزْلُ عَنْ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ
ويَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِذْنِ مِنَ الْحُرَّةِ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ
وأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ
واخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَتْ سُرِّيَّةً فَقَالَ فِي الْفَتْحِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا
كمذهب بن حَزْمٍ
11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْعَزْلِ)
[1138] قوله (عن قزعة) بفتح القاف والزاي بن يَحْيَى الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (لَمْ يفعل ذلك أحدكم
وزاد بن أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ) أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُمْ بِالنَّهْيِ
وإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ
لِأَنَّ الْعَزْلَ إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ حُصُولِ الْوَلَدِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ إِنْ كَانَ قَدْ خَلَقَ الْوَلَدَ لَمْ يَمْنَعْ الْعَزْلُ ذَلِكَ فَقَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ وَلَمْ يَشْعُرْ الْعَازِلُ فَيَحْصُلُ الْعُلُوقُ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ
ولَا رَادَّ لِمَا قَضَى اللَّهُ
والْفِرَارُ مِنْ حُصُولِ الْوَلَدِ يَكُونُ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا خَشْيَةُ عُلُوقِ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ
لِئَلَّا يَصِيرُ الْوَلَدُ رَقِيقًا أَوْ خَشْيَةُ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَلَدِ الْمُرْضَعِ إِذَا(4/244)
كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ تُرْضِعُهُ أَوْ فِرَارًا مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِلًّا فَيَرْغَبُ فِي قِلَّةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَحْصِيلِ الْكَسْبِ
وكُلُّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي شَيْئًا
وقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ والبزار وصححه بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا
وَلَهُ شَاهِدَانِ فِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ بن عباس
وفي الأوسط له عن بن مَسْعُودٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ
12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِسْمَةِ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ)
[1139] قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو قِلَابَةَ (لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ) كَانَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ صَادِقًا وَيَكُونُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْلَى
واعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ السُّنَّةُ أَوْ مِنَ السُّنَّةِ فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ
وقَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الْحَجِّ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ الزُّهْرِيُّ عن قول بن عُمَرَ لِلْحَجَّاجِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ هَلْ تُرِيدُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ وَهَلْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ انْتَهَى
(إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيْ يَكُونُ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فَيَتَزَوَّجُ مَعَهَا بِكْرًا (أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ ثَلَاثًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ
وفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لِلْبِكْرِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى نِسَائِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكَ فَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكَ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكَ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي
وفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ إِنْ شِئْتِ أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شِئْتِ سَبَّعْتِ لَكِ وَسَبَّعْتُ لِنِسَائِي قَالَتْ تُقِيمُ مَعِيَ ثَلَاثًا خَالِصَةً
وفِي إِسْنَادِ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قالوا(4/245)
إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِكْرًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ بِالْعَدْلِ إِلَخْ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالُوا
وهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِيهِ أَنَّ حَقَّ الزِّفَافِ ثَابِتٌ لِلْمَزْفُوفَةِ
وتَقَدَّمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ لَهَا سَبْعُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا بِلَا قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إِنْ شَاءَتْ سَبْعًا وَيَقْضِي السَّبْعَ لِبَاقِي النِّسَاءِ وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا وَلَا يَقْضِي
وهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ
وهُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
ومَنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور وبن جَرِيرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
ورَوَى الامام محمد في موطإه حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وفِيهِ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ
قَالَتْ ثَلِّثْ
قَالَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا نَأْخُذُ يَنْبَغِي إِنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا أَنْ يُسَبِّعَ عِنْدَهُنَّ لَا يَزِيدُ لَهَا عَلَيْهِنَّ شَيْئًا وَإِنْ ثَلَّثَ عِنْدَهَا يُثَلِّثُ عِنْدَهُنَّ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى
قُلْتُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَلَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بَلْ يَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ
والِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ عَلَى مُوَطَّإِ مُحَمَّدٍ
وكَذَا الظَّاهِرُ مِنْ سَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ إِنْ شِئْتِ أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي
قَالَتْ تُقِيمُ مَعِيَ ثَلَاثًا خَالِصَةً
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِالظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ
وأُجِيبُوا بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مُخَصِّصَةٌ لِلظَّوَاهِرِ الْعَامَّةِ
والْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّاجِحَ الظَّاهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَذَلِكَ تَرَكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ
فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ التَّخْيِيرِ لِلثَّيِّبِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِلَا قَضَاءٍ وَالسَّبْعِ مَعَ الْقَضَاءِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا تَخْيِيرَ بَلْ لِلْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثلاث بدون التخيير والقضاء
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ انْتَهَى
وأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الدَّالِّ صَرِيحًا عَلَى التَّخْيِيرِ بِأَنَّ مَالِكًا رَأَى ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ(4/246)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ
فَاحْتِمَالُ الْخُصُوصِيَّةِ مَنَعَ مِنَ الْأَخْذِ بِهِ
وفِيهِ ضَعفٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
13 - (بَاب مَا جاء في التسوية بين الضرائر)
هي زَوْجَاتُ الرَّجُلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَتَضَرَّرُ بِالْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ وَالْقَسْمِ
كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
[1140] قَوْلُهُ (كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَذَهَبَ بعض المفسرين إلا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ترجى من تشاء منهن الْآيَةِ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ (وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ) أَيْ أَقْدِرُ عَلَيْهِ (فَلَا تَلُمْنِي) أَيْ لَا تُعَاتِبْنِي وَلَا تُؤَاخِذْنِي (فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ) أَيْ مِنْ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ والميل
قال بن الْهُمَامِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ
ومِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبُلَاتِ وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إِجْمَاعًا
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) وَكَذَا أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَى وَصْلِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (كَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ العلم) أخرج(4/247)
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بين النساء) قَالَ فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ وَعِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّلْمَانِيِّ مِثْلُهُ
قَوْلُهُ (جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) وفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا أَوْ ماثلا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ أَيْ نِصْفُهُ مَائِلٌ قِيلَ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْعَرَصَاتِ لِيَكُونَ هَذَا زِيَادَةً فِي التَّعْذِيبِ وَهَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ كَانَ السُّقُوطُ ثَابِتًا وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ سَاقِطًا وَإِنْ لَزِمَ الْوَاحِدَةَ وَتَرَكَ الثَّلَاثَ أَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ سَاقِطَةً عَلَى هَذَا فَاعْتُبِرَ ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَتَانِ إِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنَ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ
بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ هَمَّامٌ) أَيْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا (وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ) وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ خَبَرٌ ثَابِتٌ لَكِنَّ عِلَّتَهُ أَنَّ هَمَّامًا تَفَرَّدَ بِهِ وَأَنَّ هِشَامًا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ
وأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ
وحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ
14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا)
[1142] قَوْلُهُ (عَنِ الحجاج) هو بن أَرْطَاةَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ
قَوْلُهُ (رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بمهر جديد ونكاح جديد) يخالفه حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا وَهُوَ أَصَحُّ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ)
وأَيْضًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَنِ الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم كذا(4/248)
في النيل والحديث أخرجه أيضا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ الْعِدَّةِ يَحْتَاجُ إِلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ
فَالرَّدُّ بِلَا نِكَاحٍ لَا يَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْعِدَّةِ
قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وقال محمد في موطإه إِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُعْرَضَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ فُرْقَتُهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً
وهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انْتَهَى [1143] قَوْلُهُ (بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا وفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وأبي داود وبن مَاجَهْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ) وفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَشَارَ فِي الْفَتْحِ إِلَى الجمع فقال الْمُرَادُ بِالسِّتِّ مَا بَيْنَ هِجْرَةِ زَيْنَبَ وَإِسْلَامِهِ وَبِالسَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ مَا بَيْنَ نُزُولِ قَوْلِهِ تعالى لاهن حل لهم وَقُدُومِهِ مُسْلِمًا فَإِنَّ بَيْنَهُمَا سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا
قَوْلُهُ (هذا حديث ليس بإسناده بأس) حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَكَذَا قال البخاري
قال بن كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ هُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وهو من رواية بن إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ دَاوُدَ بْنِ الحصين عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ نَسَخَهُ وَقَدْ ضَعَّفَ أَمْرَهَا عَلِيُّ بْنُ المديني وغيره من علماء الحديث وبن إِسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإمام أن الحق أن بن إِسْحَاقَ ثِقَةٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ
(وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ وَجْهَ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مُشْكِلٌ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ
قَالَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى جَوَازِ تَقْرِيرِ الْمُسْلِمَةِ تَحْتَ الْمُشْرِكِ إِذَا تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْ إِسْلَامِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
ومِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ بن(4/249)
عَبْدِ الْبَرِّ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ بِجَوَازِهِ وَرَدَّهُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ
وتُعُقِّبَ بثبوت الخلاف قديما فيه فقد أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِطُرُقٍ قَوِيَّةٍ وَأَفْتَى بِهِ حَمَّادٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فِي الْغَالِبِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ إِنَّمَا هِيَ سَنَتَانِ وَأَشْهُرٌ فَإِنَّ الْحَيْضَ قد يبطىء عَنْ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ لِعَارِضٍ
وبِمِثْلِ هَذَا أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ وقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ إِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هُوَ الَّذِي عليه العمل وإن كان حديث بن عَبَّاسٍ أَصَحَّ إِسْنَادًا لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ فرق بينهما قال الله تعالى لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ مَعْنَى حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ وَلَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى
وقَدْ أَشَارَ إلى مثل هذا الجمع بن عَبْدِ اللَّهِ
وقِيلَ إِنَّ زَيْنَبَ لَمَّا أَسْلَمَتْ وَبَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يُفَرِّقِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ على الكافر فلما نزل قوله تعالى لاهن حل لهم الْآيَةَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ أَنْ تَعْتَدَّ فَوَصَلَ أَبُو الْعَاصِ مُسْلِمًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَرَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ
فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ تُعَضِّدُهُ الْأُصُولُ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِوُقُوعِ عَقْدٍ جَدِيدٍ
والْأَخْذُ بِالصَّرِيحِ أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِالْمُحْتَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مخالفة بن عَبَّاسٍ لِمَا رَوَاهُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَحْسَنُ الْمَسَالِكِ فِي تَقْرِيرِ الحديثين ترجيح حديث بن عَبَّاسٍ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَئِمَّةُ وَحَمَلَهُ عَلَى تَطَاوُلِ الْعِدَّةِ فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ وَإِسْلَامِ أَبِي الْعَاصِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى
وفِي الْمَقَامِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ شُرُوحَ الْبُخَارِيِّ كَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِ
[1144] قَوْلُهُ (فقال يا رسول الله إِنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ مَعَ زَوْجِهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَرَادَ بِهَذَا الحديث حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ابنته زينب الخ(4/250)
115 - مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَمُوتُ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا [1145] قَوْلُهُ (وَلَمْ يَفْرِضْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ (لَهَا صَدَاقًا) أَيْ مَهْرًا (وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا) أَيْ لَمْ يُجَامِعْهَا وَلَمْ يَخْلُ بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً (مِثْلَ صَدَاقِ نِسَائِهَا) أَيْ نِسَاءِ قَوْمِهَا (لَا وَكْسَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ لَا نَقْصَ (وَلَا شَطَطَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَلَا زِيَادَةَ (وَلَهَا الْعِدَّةُ) أَيْ لِلْوَفَاةِ (وَلَهَا الْمِيرَاثُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ
(فَقَامَ معقل) بفتح الميم وكسر القاف (بن سِنَانٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (الْأَشْجَعِيُّ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مَعْقِلٍ (فِي بَرْوَعَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَجَدْوَلٍ وَلَا يُكْسَرُ بِنْتُ وَاشِقٍ صَحَابِيَّةٌ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْمُغْنِي بِفَتْحِ الْبَاءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَسْرِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
وقَالَ فِي جَامِعِ الأصول أهل الحديث يرونها بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
وأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَفْتَحُونَ الْبَاءَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فِعْوَلُ إِلَّا خِرْوَعُ لِهَذَا النَّبْتِ وَعِقْوَدُ اسم واد انتهى
قال القارىء فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْ قَبِيلِهِمَا وَنَقْلُ الْمُحَدِّثِينَ أَحْفَظُ
قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (بِنْتِ وَاشِقٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (فَفَرِحَ بِهَا) أَيْ بِالْقَضِيَّةِ أَوْ بِالْفُتْيَا لِكَوْنِ اجْتِهَادِهِ مُوَافِقًا لِحُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْجَرَّاحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بْنِ أَبِي الْجَرَّاحِ الْأَشْجَعِيِّ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو(4/251)
داود قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى
قَالَ في السبل منهم بن مهدي وبن حَزْمٍ وَقَالَ لَا مَغْمَزَ فِيهِ بِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ
ومِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ
قُلْتُ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَكُلُّ مَا أَعَلُّوهُ بِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ
وبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ بِمَوْتِ زَوْجِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّدَاقِ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ دُخُولٌ وَلَا خَلْوَةٌ
وبِهِ قَالَ بن مسعود وبن سيرين وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ انْتَهَى
قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبن عباس وبن عُمَرَ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ قَالُوا لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا العدة) وهو قول الأوزاعي والليث ومالك وأحمد قول الشَّافِعِيِّ
قَالُوا لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ الزَّوْجُ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ لَمْ يُلْزَمْ قِيَاسًا عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ
وأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا فَرُوِيَ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى وَمَرَّةً عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ أَوْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ
وضَعَّفَهُ الْوَاقِدِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ وَرَدَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَمَا عَرَفَهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الِاضْطِرَابَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَصَحَابِيٍّ وَهَذَا لَا يُطْعَنُ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا يَضُرُّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ لِأَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَعْقِلٍ
قَالَ البيهقي قد سمى فيه بن سِنَانٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يَضُرُّ فَإِنَّ جَمِيعَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ صَحِيحَةٌ وفِي بَعْضِهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أشجع شهدوا بذلك وقال بن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الَّذِي قَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَصَحُّ
وأَمَّا عَدَمُ مَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَقْدَحُ بِهَا مَعَ عَدَالَةِ الرَّاوِي
وأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ (وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ(4/252)
الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِنْ كَانَ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَبُرَ
ولَا شَيْءَ فِي قَوْلِهِ إِلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ
ولَمْ أَحْفَظْهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ مَرَّةً يُقَالُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى انْتَهَى
وغَرَضُهُ التَّضْعِيفُ بِالِاضْطِرَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُ
ورَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إِنْ صَحَّ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ قُلْتُ بِهِ
قَالَ الْحَاكِمُ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس النَّاسِ وَقُلْتُ قَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ انْتَهَى
ورُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ
وقَالَ بِحَدِيثِ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ بعد أن كان مترددا في صحته(4/253)
11 - (أبواب الرضاع)
بفتح الراء وكسرها لغة وهو الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ فِي الرَّضَاعَةِ وَهُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كثير إِذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إِلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ
ومُدَّةُ الرَّضَاعَةِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ سَنَتَانِ
وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما
(بَاب مَا جَاءَ يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يحرم من النسب)
يُحَرَّمُ صِيغَةُ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْرِيمِ
[1146] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَزَوْجِهَا يَعْنِي الَّذِي وَقَعَ الْإِرْضَاعُ بَيْنَ وَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ السَّيِّدِ فَتُحَرَّمُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّهُ وَأُمُّهَا لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ فَصَاعِدًا وَأُخْتُهَا لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَبِنْتُهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتُ بِنْتِهَا فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَبِنْتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتُ بِنْتِهِ فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَأُمُّهُ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ وَأُخْتُهُ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ وَلَا يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ قَرَابَةِ الرَّضِيعِ
فَلَيْسَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أُخْتًا لِأَخِيهِ وَلَا بِنْتًا لِأَبِيهِ إِذْ لَا رَضَاعَ بَيْنَهُمْ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا وَهُوَ اللَّبَنُ فَإِذَا اغْتَذَى بِهِ الرَّضِيعُ صَارَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِمَا فَانْتَشَرَ التَّحْرِيمُ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ قَرَابَاتِ الرَّضِيعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَلَا زَوْجِهَا نَسَبٌ وَلَا سَبَبٌ انْتَهَى
قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا(4/254)
وفِي الرَّضَاعِ قَدْ لَا يَحْرُمْنَ الْأُولَى أُمُّ الْأَخِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ وَإِمَّا زَوْجُ أَبٍ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْأَخَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِيهِ
الثَّانِيَةُ أُمُّ الْحَفِيدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا إما بنت أو زوج بن وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْحَفِيدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ
الثَّالِثَةُ جَدَّةُ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ أَوْ أُمُّ زَوْجَةٍ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتِ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
الرَّابِعَةُ أُخْتُ الْوَلَدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتٌ أَوْ رَبِيبَةٌ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ
وهَذِهِ الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثنى الْجُمْهُورُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
وفِي التَّحْقِيقِ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ
واسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْعَمَّةِ وَأُمَّ الْخَالِ وَأُمَّ الْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ ابْنُهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَيَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ
فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ
وأخرجه الترمذي وغيره
(وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَنْ يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ وفِي لَفْظٍ مِنَ النَّسَبِ (وَأُمِّ حَبِيبَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
[1147] قَوْلُهُ (مَا حَرُمَ مِنَ الْوِلَادَةِ) وفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مِنَ النَّسَبِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا) وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ يحرم بالرضطاع(4/255)
ما يحرم من الصهار وبن الْقَيِّمِ قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظِيرُ الْمُصَاهَرَةِ بِالرَّضَاعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ امْرَأَتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَامْرَأَةُ أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَدْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بن تَيْمِيَةَ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ كَذَا فِي النَّيْلِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ)
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الرَّجُلُ وَنِسْبَةُ اللَّبَنِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةٌ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِيهِ
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يُتَصَوَّرُ تَجْرِيدُ لَبَنِ الْفَحْلِ بِرَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ تُرْضِعُ إِحْدَاهُمَا صَبِيًّا
والْأُخْرَى صَبِيَّةً فَالْجُمْهُورُ قَالُوا يَحْرُمُ عَلَى الصَّبِيِّ تَزْوِيجُ الصَّبِيَّةِ
وقَالَ مَنْ خَالَفَهُمْ يَجُوزُ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ
ويحيى تفسير لبن الفحل في الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
[1148] قَوْلُهُ (جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ أفلح أخا أبي العقيس جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ (فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ) أَيْ لِيَدْخُلْ (إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الأحزاب فإن أخاه أبو الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ (قَالَ فَإِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ حتى يثبت الحرمة من جهة صاحب اللبن كما ثبت مِنْ جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ عُمُومَةَ الرَّضَاعِ وَأَلْحَقَهَا بِالنَّسَبِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا لَبَنَ الْفَحْلِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَالثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وبن جُرَيْجٍ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَالِكٍ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ
يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ(4/256)
الْعِلْمِ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَرَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ
واحْتَجُّوا بقوله تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّةَ وَالْبِنْتَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ
وَأُجِيبُوا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ مِنَ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَكَيْفَ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إِلَى الرَّجُلِ
والْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا وَإِلَى هذا أشار بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَطْءَ يُدِرُّ اللَّبَنَ فَلِلْفَحْلِ فِيهِ نَصِيبٌ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَوْلُ الثَّانِي بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ قَوْلُهُ (لَهُ جَارِيَتَانِ) أَيْ أَمَتَانِ (أَرْضَعَتْ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً) أَيْ صَبِيَّةً (وَالْأُخْرَى غُلَامًا) أَيْ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى أَرْضَعَتْ صَبِيًّا (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْجَارِيَةَ (اللِّقَاحُ وَاحِدٌ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ اللَّقَاحُ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَاءِ الْفَحْلِ أَرَادَ أَنَّ مَاءَ الْفَحْلِ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ وَاحِدٌ وَاللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَانَ أَصْلُهُ مَاءَ الْفَحْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللِّقَاحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْإِلْقَاحِ يُقَالُ أَلْقَحَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ إِلْقَاحًا وَلَقَاحًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَى إِعْطَاءً وَعَطَاءً
والْأَصْلُ فِيهِ لِلْإِبِلِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلنَّاسِ انْتَهَى
وأَثَرُ بن عَبَّاسٍ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسناده صحيح(4/257)
3 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ)
[1150] قَوْلُهُ (لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ) وفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ
وفِي رِوَايَةٍ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ
والْمَصَّةُ هِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْمَصِّ كَالرَّضْعَةِ مِنَ الرَّضَاعِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ أَمُصُّهُ وَمَصَصْتُهُ أَمُصُّهُ كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْتُهُ شُرْبًا رَفِيقًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ الْمَصُّ مكيدن
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ كَنَصَرَ وَسَمِعَ تَنَاوَلَ ثَدْيَهَا بِأَدْنَى فَمِهِ
وامْتَلَجَ اللَّبَنَ امْتَصَّهُ وَأَمْلَجَهُ أَرْضَعَهُ وَالْمَلِيجُ الرَّضِيعُ انْتَهَى
وقَالَ فِيهِ رَضَعَ أُمَّهُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ رَضْعًا وَيُحَرَّكُ وَرَضَاعًا وَرَضَاعَةً وَتُكْسَرُ إِنِ امْتَصَّ ثَدْيَهَا انْتَهَى
وقال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَلَا تُحَرِّمُ الْمَلْجَةُ وَالْمَلْجَتَانِ
وفِي رِوَايَةٍ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَان
الْمَلْجُ الْمَصُّ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ إِذَا رَضَعَهَا
والْمَلْجَةُ الْمَرَّةُ وَالْإِمْلَاجَةُ الْمَرَّةُ أَيْضًا مِنْ أَمْلَجَتْهُ أُمُّهُ أَيْ أَرْضَعَتْهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَيْنِ لَا يُحَرِّمَانِ مَا يُحَرِّمُهُ الرَّضَاعُ الْكَامِلُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ) إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ فَقَالَ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ
وفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتِ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْحَدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ
أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (وأبي هريرة) أخرجه النسائي
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا
كَذَا فِي التلخيص (والزبير) أخرجه أحمد والنسائي وبن حبان (وبن الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث حديث بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عائشة الخ) وأعل(4/258)
بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْحَدِيثَ بِالِاضْطِرَابِ
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بلا واسطة
وجمع بن حبان بينهما بإمكان أن يكون بن الزُّبَيْرِ سَمِعَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وفِي ذَلِكَ الْجَمْعِ بُعْدٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ (عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم) ذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وأبو ثور وبن المنذر وداود وأتباعه إلا بن حَزْمٍ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ
فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ
وأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا دَاوُدُ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَقَالَتْ عَائِشَةُ أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ) بسكون الشين وبفتح الضاد قاله القارىء
(فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسًا) أَيْ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ
وقَدْ ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فَنُسِخَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيَخْدِشُهُ قَوْلُهُ خَمْسًا بِالنَّصْبِ
نَعَمْ لَوْ كَانَ خَمْسٌ بِالرَّفْعِ لَكَانَ صَحِيحًا (وَصَارَ إِلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ إِلَخْ)
وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَتْ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى
والنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ
وَالثَّانِي مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ كَخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَكَالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا
وَالثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر وعنه قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية لأزواجهم الْآيَةَ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
(وَبِهَذَا كَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي وَبَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) قَالَ(4/259)
النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ
وقَالَ جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة
حكاه بن المنذر عن بن مسعود وبن عمر وبن عباس وطاءوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ
وأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) ولم يذكر عددا وههنا اعْتِرَاضَاتٌ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَمِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مَذْكُورَةٌ فِي شُرُوحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ
(فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ) لِصِحَّةِ دَلِيلِهِ وَقُوَّتِهِ (وَجُبْنٌ) الْجُبْنُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ فَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِضَمِّهَا
(عَنْهُ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ ذَاهِبٌ (أَنْ يَقُولَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ (شَيْئًا) وَالْمَعْنَى جَبُنَ عَنْ ذَلِكَ الذَّاهِبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ أَوْ ذَلِكَ جُبْنٌ عَنْهُ
والظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَقُولَةُ أَحْمَدَ
وقِيلَ أَنَّهُ مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ
وضَمِيرُ عَنْهُ يَرْجِعُ إِلَى أَحْمَدَ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يُحَرِّمُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِلَيْهِ مَيَلَانُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قال في صحيحه باب من قال لارضاع بَعْدَ حَوْلَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ انْتَهَى
قُلْتُ اسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بإطلاق قوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ
وغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَوَّى مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَخْبَارَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ
وعَائِشَةُ الَّتِي رَوَتْ ذَلِكَ قَدْ اخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ
فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَصْلِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ
ويُعَضِّدُهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئٌ يَقْتَضِي تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالصِّهْرِ أَوْ يُقَالُ مَائِعٌ يَلِجُ الْبَاطِنَ فَيُحَرِّمُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْمَنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وأَيْضًا فَقَوْلُ(4/260)
عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ
لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لَا خَبَرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا وَلَا ذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهُ خَبَرٌ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَاكِمِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ)
[1151] قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَسَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ (وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عن أيوب ولفظه عن بن أبي مليكة عن بن الْحَارِثِ قَالَ وَحَدَّثَنِيهِ صَاحِبٌ لِي عَنْهُ وَأَنَا لِحَدِيثِ صَاحِبِي أَحْفَظُ وَلَمْ يُسَمِّهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّفْرِقَةِ فِي صِيَغِ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْجَمْعِ أَوْ بَيْنَ الْقَصْدِ إِلَى التَّحْدِيثِ وَعَدَمِهِ
فَيَقُولُ الرَّاوِي فِيمَا سَمِعَهُ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَوْ قَصَدَ الشَّيْخُ تَحْدِيثَهُ بِذَلِكَ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ وفِيمَا عَدَا ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِالْجَمْعِ أَوْ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ
ووَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يُحَدِّثْنِي وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ وَهَذَا يُعَيِّنُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ
وقَدْ اعْتَمَدَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ فَيَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قَرَأَهُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي وَلَا أَخْبَرَنِي لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالتَّحْدِيثِ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ بِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ (فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ) قَالَ الْحَافِظُ مَا عَرَفْتُ اسْمَهَا (وَقَدْ أَرْضَعْتُكُمَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَدْ أَرْضَعَتْ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا (فَأَتَيْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ وَكَيْفَ بِهَا) أَيْ كَيْفَ تَشْتَغِلُ(4/261)
بِهَا وَتُبَاشِرُهَا وَتُفْضِي إِلَيْهَا (وَقَدْ زَعَمَتْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا قَالَتْ (دَعْهَا عَنْكَ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ فَنَهَاهُ عَنْهَا
وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازُوا شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعْدٍ سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَسْأَلُ عَنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ
قَالَ تَجُوزُ عَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ
وهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَنُقِلَ عَنْ عثمان وبن عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن جريج عن بن شِهَابٍ قَالَ فَرَّقَ عُثْمَانُ بَيْنَ نَاسٍ تَنَاكَحُوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال بن شِهَابٍ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ الْيَوْمَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَهِدَتِ الْمُرْضِعَةُ وَحْدَهَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ مُفَارَقَةُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ
وإِنْ شَهِدَتْ مَعَهَا أُخْرَى وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ كذا في فتح الباري (وقال بن عَبَّاسٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَتُؤْخَذُ يَمِينُهَا وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) يَعْنِي أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِ أَخْذِ الْيَمِينِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا
وقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وعلي بن أبي طالب وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ
فَقَالَ عُمَرُ فَرِّقْ بَيْنَهُمَا إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إِلَّا أَنْ يَتَنَزَّهَا
ولَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا فَعَلَتْ
وقَالَ الشَّعْبِيُّ تُقْبَلُ مَعَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ بِشَرْطِ أَلَّا تَتَعَرَّضَ نِسْوَةٌ لِطَلَبِ أُجْرَةٍ
وقِيلَ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا
وقِيلَ تُقْبَلُ فِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ دُونَ ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ
وقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ مَعَ أُخْرَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ
وعَكَسَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ
وأَجَابَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ فَنَهَاهُ عَنْهَا عَلَى التَّنْزِيهِ
وبِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ دَعْهَا(4/262)
عَنْكَ عَلَى الْإِرْشَادِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إِلَّا لِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ
قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ
ولَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ أَخَصُّ مُطْلَقًا (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعْتُ وَكِيعًا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحُكْمِ وَيُفَارِقُهَا فِي الْوَرَعِ) أَيْ يُفَارِقُهَا تَوَرُّعًا وَاحْتِيَاطًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَخْفَى مُخَالَفَتُهُ لِمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ فِي جَمِيعِهَا كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ وفِي بَعْضِهَا دَعْهَا عَنْكَ وفِي بَعْضِهَا لَا خَيْرَ لَكَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِالِاحْتِيَاطِ لَأَمَرَهُ بِهِ
قَالَ فَالْحَقُّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً انْتَهَى كَلَامُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا فِي الصِّغَرِ)
دُونَ الْحَوْلَيْنِ [1152] قَوْلُهُ (لَا يُحَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (مِنَ الرَّضَاعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ الَّذِي شَقَّ أَمْعَاءَ الصَّبِيِّ كَالطَّعَامِ وَوَقَعَ مِنْهُ مَوْقِعَ الْغِذَاءِ
وذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَانِ الرَّضَاعِ وَالْأَمْعَاءُ جَمْعُ مِعًى وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّعَامِ مِنَ الْبَطْنِ (فِي الثَّدْيِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ فَتَقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَنْحِتُونَ مِنْ الجبال بيوتا أَيْ كَائِنًا فِي الثَّدْيِ فَائِضًا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِالِارْتِضَاعِ أَوْ بِالْإِيجَارِ
ولَمْ يَرِدْ بِهِ الِاشْتِرَاطُ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثدي قاله القارىء وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ فِي الثَّدْيِ أَيْ فِي زَمَنِ الثَّدْيِ وَهُوَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تقول مات(4/263)
فُلَانٌ فِي الثَّدْيِ أَيْ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ قَبْلَ الْفِطَامِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (وَكَانَ) أَيْ الرَّضَاعُ (قَبْلَ الْفِطَامِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ زَمَنَ الْفِطَامِ الشَّرْعِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا رَضَاعَ إلا في الحولين
رواه الدارقطني وبن عدي مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف
وعن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لارضاع إلا ما أنشز الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيِ الْإِمَامِ أبي حنيفة
قال محمد في موطإه لَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ
فَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّمُ
كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أراد أن يتم الرضاعة) فَتَمَامُ الرَّضَاعَةِ الْحَوْلَانِ فَلَا رَضَاعَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا يُحَرِّمُ شَيْئًا
وكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَاطُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَيَقُولُ يُحَرِّمُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهَا تَمَامُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا
ولَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ
ونَحْنُ لَا نَرَى أَنْ يُحَرِّمَ وَنَرَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ بَعْدَ وُرُودِ النُّصُوصِ بِالْحَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا دليلا قولهما انتهى
(باب مَا يُذْهِبُ مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ)
[1153] قَوْلُهُ (مَا يُذْهِبُ عَنِّي) مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُزِيلُ عني (مذمة الرضاع) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمَذَمَّةُ بِالْفَتْحِ مَفْعَلَةٌ مِنَ الذَّمِّ وَبِالْكَسْرِ مِنَ الذِّمَّةِ
والذِّمَامِ
وقِيلَ هِيَ بالكسر والفتح(4/264)
الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ الَّتِي يُذَمُّ مُضَيِّعُهَا
والْمُرَادُ بِمَذَمَّةِ الرَّضَاعِ الْحَقُّ اللَّازِمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَا يُسْقِطُ عَنِّي حَقَّ الْمُرْضِعَةِ حَتَّى أَكُونَ قَدْ أَدَّيْتُهُ كَامِلًا
وكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا لِلْمُرْضِعَةِ عِنْدَ فِصَالِ الصَّبِيِّ شَيْئًا سِوَى أُجْرَتِهَا انْتَهَى
(فَقَالَ غُرَّةٌ) أَيْ مَمْلُوكٌ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٌ
وقِيلَ الْغُرَّةُ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْأَبْيَضِ مِنَ الرَّقِيقِ وَقِيلَ هِيَ أَنْفَسُ شَيْءٍ يُمْلَكُ
قَالَ الطيبي الغرة المملوك وأصلها البياض في جهة الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِأَكْرَمِ كُلِّ شَيْءٍ كَقَوْلِهِمْ غُرَّةُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ الْمَمْلُوكُ خَيْرَ مَا يُمْلَكُ سُمِّيَ غُرَّةً
ولَمَّا جَعَلَتِ الظِّئْرُ نَفْسَهَا خَادِمَةً جُوزِيَتْ بِجِنْسِ فِعْلِهَا (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ حِجَازِيٌّ عَنْ أَبِيهِ حَجَّاجِ بْنِ مَالِكٍ وَعَنْهُ عُرْوَةُ لَهُ عِنْدَهُمْ فَرْدُ حَدِيثٍ (عَنْ أَبِيهِ) حَجَّاجِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ الْأَسْلَمِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي الرَّضَاعِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي حَجَّاجٍ عَنْ أَبِيهِ) فَقَالَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي حَجَّاجٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ كَمَا رَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرُهُمَا (وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ ما يذهب عن مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ إِلَخْ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَخْ وَأَرْجَعَ الشَّيْخُ سِرَاجُ أَحْمَدَ ضميره
قَالَ إِلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ (يَقُولُ إِنَّمَا يَعْنِي ذِمَامَ الرَّضَاعَةِ وَحَقَّهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الذِّمَامُ وَالْمَذَمَّةُ الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وأَبُو الطُّفَيْلِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ
وهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ (فَبَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ(4/265)
أَيْ تَعْظِيمًا لَهَا وَانْبِسَاطًا بِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْحُقُوقِ الْقَدِيمَةِ وَلُزُومِ إِكْرَامِ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ قَدِيمَةٌ وَحُقُوقٌ سَابِقَةٌ (فَلَمَّا ذَهَبَتْ) أَيْ وَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ إكرامه إياها وقبولها القعود على رداءه الْمُبَارَكِ (قِيلَ هَذِهِ أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ إِنَّ حَلِيمَةَ جَاءَتْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَامَ إِلَيْهَا وَبَسَطَ رِدَاءَهُ لَهَا وَجَلَسَتْ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ تُعْتَقُ وَلَهَا زَوْجٌ)
[1154] قَوْلُهُ (كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ
وفِي الْمُنْتَقَى عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى
ورَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا (وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا) هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَبَيَّنَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ
[1155] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ عَائِشَةُ عَمَّةُ الْقَاسِمِ وَخَالَةُ عُرْوَةَ فَرِوَايَتُهُمَا عَنْهَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ أَجْنَبِيٍّ يَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ حَدِيثَهَا الَّذِي رَوَاهُ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ
وأَمَّا حَدِيثُهَا الَّذِي رَوَاهُ ثَانِيًا عَنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى
(وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ زَوْجَ بَرِيرَةَ وَكَانَ عَبْدًا يقال له(4/266)
مغيث)
أخرجه البخاري (وهكذا روي عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ كَانَ زَوْجُ بريرة عبدا وفي إسناده بن أَبِي لَيْلَى وَهُوَ ضَعِيفٌ
قُلْتُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ من طريق بن عباس وبن عُمَرَ وَصْفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمْ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ
وثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا
ومِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَرِوَايَةُ اثْنَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ الْجَمِيعِ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ رِوَايَةُ الْوَاحِدِ مَعْلُولَةً بِالِانْقِطَاعِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وقالوا إذ كَانَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَأُعْتِقَتْ فَلَا خِيَارَ لها الخ) وهو مذهب مالك والشافعي أحمد وَإِسْحَاقَ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا (وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ قَالَ الْأَسْوَدُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتٍ عَدِيدَةٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مَا لَفْظُهُ فَدَلَّتِ الرِّوَايَاتُ الْمُفَصَّلَةُ الَّتِي قَدَّمْتُهَا آنِفًا عَلَى أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ مَنْ دُونَهُ يَعْنِي قَوْلَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا فَيَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُدْرِجَ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ وَهُوَ نَادِرٌ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهِ وَدُونَهُ أَنْ يَقَعَ فِي وَسَطِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا بِالْكَثْرَةِ وَأَيْضًا فال المرء أعرف بحديثه فإن القاسم بن أخي عائشة وعروة بن أُخْتِهَا وَتَابَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فَرِوَايَتُهُمَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُمَا أَقْعَدُ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ بِحَدِيثِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ويَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَذْهَبُ إلى أن الأمة إذ أُعْتِقَتْ تَحْتَ الْحُرِّ لَا خِيَارَ لَهَا
وهَذَا بِخِلَافِ مَا رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهَا
فَكَانَ يَلْزَمُ على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعو ما روى عنها لا سيما وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهَا فِيهِ انْتَهَى
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة وأصحابه(4/267)
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا
وقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ
[1156] قَوْلُهُ (كَانَ عَبْدًا أسود) قال القارىء أي كعبد أسود في قبح للصورة أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ فَصَارَ حُرًّا انْتَهَى
قُلْتُ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ يَرُدُّهُمَا لَفْظُ يَوْمَ أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يَوْمَ إِعْتَاقِهَا (وَيَوْمَ أُعْتِقَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَاللَّهِ لِكَأَنِّي بِهِ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ
(يَتَرَضَّاهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اسْتَرْضَاهُ وَتَرَضَّاهُ طَلَبَ رِضَاهُ انتهى
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
تَنْبِيهٌ قال صاحب العرف الشذي قول بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ
لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَبْدًا فِي الْحَالِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ انْتَهَى
قُلْتُ هَذِهِ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ وَوَهْمٌ قبيح فإن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ نَصَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يَوْمَ إِعْتَاقِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ
وقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُ هَذَا التَّأْوِيلِ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ لِي بَحْثٌ فِي أن بن عَبَّاسٍ جَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ أَبِيهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَأَنَّهَا عُتِقَتْ قَبْلَهَا وَكَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ
فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهَا عَنْ شَأْنِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ
قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعِهِ فَإِنَّهُ قد ورد في حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَوْ الْعَاشِرَةِ
لِأَنَّ الْعَبَّاسَ إِنَّمَا سَكَنَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أواخر سنة ثمان
ويؤيده قول بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ وَهُوَ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مَعَ أَبَوَيْهِ
ويُؤَيِّدُ تَأَخُّرَ قِصَّتِهَا أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِفْكِ أَنَّ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَتْ صَغِيرَةً فَيَبْعُدُ وُقُوعُ تِلْكَ الْأُمُورِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ
وأَيْضًا فَقَوْلُ عَائِشَةَ إِنْ شَاءَ مَوَالِيكَ أَنْ أَعُدَّهَا(4/268)
لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُمْ التَّوَسُّعُ بَعْدَ الْفَتْحِ
وفِي كُلِّ ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِصَّتَهَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً قَبْلَ قِصَّةِ الْإِفْكِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وُقُوعُ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ
وقَدْ قَدَّمْتُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ هُنَاكَ ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ السُّبْكِيَّ اسْتَشْكَلَ الْقِصَّةَ ثُمَّ جَوَّزَ أَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ قَبْلَ شِرَائِهَا أَوِ اشْتَرَتْهَا وَأَخَّرَتْ عِتْقَهَا إِلَى بَعْدِ الْفَتْحِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
تَنْبِيهٌ آخَرُ اعْلَمْ أَنَّ رِوَايَاتِ كَوْنِ زَوْجِ بَرِيرَةَ عَبْدًا لَهَا تَرْجِيحَاتٌ عَدِيدَةٌ عَلَى رِوَايَاتِ كَوْنِهِ حُرًّا
ذَكَرْتُ بَعْضًا مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْبَاقِيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي فتح الباري والنيل والإمام بن الْهُمَامِ قَدْ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَلَوْلَا مَخَافَةُ طُولِ الْكَلَامِ لَبَيَّنْتُ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ)
[1157] قَوْلُهُ (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أَيْ لِمَالِكِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِشَانِهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ
وقَالَ فِي النَّيْلِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ
وقِيلَ إِنَّهُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حنيفة
وأنشد بن الْأَعْرَابِيِّ مُسْتَدِلًّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَ جَرِيرٍ بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشَهَا
وفِي الْقَامُوسِ إِنَّ الْفِرَاشَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ انْتَهَى
(وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) الْعَاهِرُ الزاني يقال عهر أي زنا
وقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ عَهَرَ الْمَرْأَةَ كَمَنَعَ
وعَاهَرَهَا أَيْ أَتَاهَا لَيْلًا لِلْفُجُورِ أَوْ نَهَارًا انْتَهَى
ومَعْنَى لَهُ الْحَجَرُ الْخَيْبَةُ أَيْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ
والْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ التُّرَابُ يُرِيدُونَ ليس له الْخَيْبَةُ
وقِيلَ الْمُرَادُ الْحَجَرُ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ إِذَا زَنَى وَلَكِنَّهُ لَا يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ كُلُّ زَانٍ بَلْ لِلْمُحْصَنِ فَقَطْ
وظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يُلْحَقُ بِالْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ
وهُوَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ إِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
ورُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ
قُلْتُ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وعثمان الخ) حديث(4/269)
الولد للفراش
وروي مِنْ طَرِيقِ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أبا داود
(باب في الرجل يرى المرأة فتعجبه)
[1158] قَوْلُهُ (فَقَضَى حَاجَتَهُ) أَيْ مِنَ الْجِمَاعِ (أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ) شَبَّهَهَا بِالشَّيْطَانِ فِي صِفَةِ الْوَسْوَسَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الشَّرِّ (فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ) أَيْ فَلْيُوَاقِعْهَا (فَإِنَّ مَعَهَا) أَيْ مَعَ امْرَأَتِهِ (مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا) أَيْ فَرْجًا مِثْلَ فَرْجِهَا وَيَسُدُّ مَسَدَّهَا
والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ولَفْظُهُ هَكَذَا إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَأَى امْرَأَةً فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ إِنْ كَانَتْ فَلْيُوَاقِعْهَا لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وتسكن نفسه
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَأَتَى سَوْدَةَ وَهِيَ تَصْنَعُ طِيبًا وَعِنْدَهَا نِسَاءٌ فَأَخْلَيْنَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ رَأَى امْرَأَةً تُعْجِبُهُ فَلْيَقُمْ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا
رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وَهِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ(4/270)
يَعْنِي يُقَالُ لِهِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا يَبِيعُ الْبَزَّ الدَّسْتَوَائِيَّ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ هُوَ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَنْبَرَ الرَّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ التَّاجِرُ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الْمَجْلُوبَةَ مِنْ دَسْتَوَاءَ إِحْدَى كُوَرِ الْأَهْوَازِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ انْتَهَى
وقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ الْفَتَنِيُّ فِي الْمُغْنِي الدَّسْتَوَائِيُّ بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ سِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَفَتْحِ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَ أَلِفٍ وَقِيلَ بِنُونٍ مَكَانَ هَمْزَةٍ نِسْبَةً إِلَى دَسْتَوَاءَ كَوْرَةٌ مِنَ الْأَهْوَازِ أَوْ قَرْيَةٌ وَقِيلَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَيْعِ ثِيَابٍ تُجْلَبُ مِنْهَا وَيُقَالُ هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ أَيْ صَاحِبُ الْبَزِّ الدَّسْتَوَائِيِّ انْتَهَى
(هُوَ هِشَامُ بْنُ سَنْبَرَ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ فَاسْمُ وَالِدِ هِشَامٍ سَنْبَرُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ)
[1159] قَوْلُهُ (لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) أَيْ لِكَثْرَةِ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا وَعَجْزِهَا عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا
وفِي هَذَا غَايَةُ الْمُبَالَغَةِ لِوُجُوبِ إِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَ إِلَيْنَا
كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ من مسلمة الفتح (وعائشة وبن عَبَّاسٍ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَضِيَّةُ السُّجُودِ ثابتة من حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَمِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ عِنْدَ الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وبن مَاجَهْ وَمِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ غير هؤلاء انتهى
قلت أخرج أحمد وبن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا
ولَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ لَكَانَ نولها أن تفعل
قال الشوكاني ساقه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وفِيهِ مَقَالٌ وَبَقِيَّةُ إِسْنَادِهِ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ انْتَهَى
(وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى) قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ(4/271)
الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاذُ قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ لَكَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ
أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي أوفى ساقه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ
(وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب و (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا
والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ ما أدت حقه
كذا في المنتقى وبن عُمَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَوْ صَلُحَ السُّجُودُ لِبَشَرٍ لَأُمِرَتْ بِهِ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى
[1160] قَوْلُهُ (إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ (فَلْتَأْتِهِ) أَيْ لِتُجِبْ دَعْوَتَهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تَخْبِزُ عَلَى التَّنُّورِ مَعَ أَنَّهُ شُغْلُ شَاغِلٍ لَا يُتَفَرَّغُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ انقضائه
قال بن الْمَلِكِ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُبْزُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ دَعَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ وَتَلَفُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ وقوع الزوج في الزنى
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
ورَوَى الْبَزَّارُ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِلَفْظِ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْتُجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ
[1161] قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ) مِنَ الْبَيْتُوتَةِ
وفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَاتَتْ(4/272)
مِنَ الْمَوْتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَتْ وَكَذَلِكَ هُوَ في رواية بن مَاجَهْ
(وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (دَخَلَتِ الْجَنَّةَ) لِمُرَاعَاتِهَا حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ عِبَادِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا)
[1162] قَوْلُهُ (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ يُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ والإحسان إلى كافة الانسان (وخياركم خياركم لنسائه) لِأَنَّهُنَّ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ لِضَعْفِهِنَّ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن عائشة) أخرجه الترمذي (وبن عباس) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ خُلُقًا
[1163] قَوْلُهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) قَالَ الْقَاضِي الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالْمَعْنَى أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ
(فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ) جَمْعُ عَانِيَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَانِي الْأَسِيرُ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) كَالنُّشُوزِ وَسُوءِ الْعِشْرَةِ وَعَدَمِ التَّعَفُّفِ
(فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ(4/273)
الْمَكْسُورَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُجَرِّحٍ أَوْ شَدِيدٍ شَاقٍّ (فَلَا يُوطِئْنَ) بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا مِنْ بَابِ الافعال قاله القارىء (فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَنَازِلَ الْأَزْوَاجِ
والنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) رَوَى مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ عَنْ جَابِرٍ في قصته حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (يَعْنِي أَسْرَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ جَمْعُ أَسِيرٍ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ)
[1164] قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الرِّقَاشِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَبِتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنَفِيُّ السُّحَيْمِيُّ الْيَمَامِيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ وَعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ (فِي الْفَلَاةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فيها أو الصحراء الواسعة جمع فلا وَفَلَوَاتٍ وَفُلُوٍّ وَفُلِيٍّ وَفِلِيٍّ (فَتَكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ) تَصْغِيرُ الرَّائِحَةِ غَرَضُ السَّائِلِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ الْوُضُوءَ بِهَذَا الْقَدْرِ (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ) أَيْ خَرَجَ الرِّيحُ الَّتِي لَا صَوْتَ له من أسفل الانسان قاله القارىء
قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَسَا فَسْوًا وَفُسَاءً مَشْهُورٌ أَخْرَجَ رِيحًا مِنْ مَفْسَاهُ بِلَا صَوْتٍ (فَلْيَتَوَضَّأْ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ (وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي(4/274)
أَعْجَازِهِنَّ) جَمْعُ عَجُزٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ الدُّبُرُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْفُسَاءَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ وَيُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ ذَكَرَ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ فِي رَفْعِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا وَتَشْدِيدًا كَذَا فِي اللُّمُعَاتِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النساء في أدبارهن أخرجه أحمد والترمذي وبن ماجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ الترمذي وأقره وصححه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيُّ وقد ذكر الحافظ بن حَجَرٍ عِبَارَةَ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وفِيهِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ السُّحَيْمِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سُحَيْمٍ نَسَبَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ السُّحَيْمِيِّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ
وقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ السُّحَيْمِيُّ أَظُنُّهُ وَالِدَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ
قُلْتُ هُوَ ظَنٌّ قَوِيٌّ لِأَنَّ النَّسَبَ الَّذِي ذَكَرَهُ خَلِيفَةُ هُنَا هُوَ النَّسَبُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَرْجَمَةِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْعَسْكَرِيُّ
انْتَهَتْ عِبَارَةُ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِلَفْظِهَا
(وَكَأَنَّهُ) أَيْ كَأَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ وَهَذَا مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ
[1166] قَوْلُهُ (وَرَوَى وَكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ الْمَذْكُورَ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ ثِقَةٌ شِيعِيٌّ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَلِيٍّ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ الْمَذْكُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ(4/275)
التِّرْمِذِيُّ [1165] قَوْلُهُ (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ الْحِزَامِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سليمان) الأسدي الوالبي المدني روي عن بن عباس وكريب مولى بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لَا ينظر الله) ي نَظَرَ رَحْمَةٍ (أَتَى رَجُلًا) أَيْ لَاطَ بِهِ
(عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ) ثِقَةٌ شِيعِيٌّ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَلِيٍّ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ طلق المذكور كما صرح به الترمذي
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الزِّينَةِ)
[1167] قَوْلُهُ (مَثَلُ الرَّافِلَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّافِلَةُ هِيَ الَّتِي تَرْفُلُ فِي ثَوْبِهَا أَيْ تَتَبَخْتَرُ وَالرَّفَلُ الذَّيْلُ وَرَفَلَ إِزَارَهُ إِذَا أَسْبَلَهُ وَتَبَخْتَرَ فِيهِ انْتَهَى
(فِي الزِّينَةِ) أَيْ فِي ثِيَابِ الزِّينَةِ (فِي غَيْرِ أَهْلِهَا) أَيْ بَيَّنَ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا (كَمَثَلِ ظُلْمَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهَا ظُلْمَةٌ (لَا نُورَ لَهَا) الضَّمِيرُ لِلْمَرْأَةِ
قَالَ الدَّيْلَمِيُّ يُرِيدُ الْمُتَبَرِّجَةَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا
قَوْلُهُ (وَمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ يُضَعِّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَهُوَ صَدُوقٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار وعبيدة بالتصغير وهو بن نشيط(4/276)
14 - (باب ما جاء في الْغَيْرَةُ)
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا رَاءٌ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَغَيُّرِ الْقَلْبِ وَهَيَجَانِ الْغَضَبِ بِسَبَبِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاصُ وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ مَا فُسِّرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ
قَالَ عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَيْرَةُ فِي حَقِّ اللَّهِ الْإِشَارَةَ إِلَى تَغْيِيرِ حَالِ فَاعِلِ ذَلِكَ
وقِيلَ الْغَيْرَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَمِيَّةُ وَالْأَنَفَةُ
وهُوَ تَفْسِيرٌ بِلَازِمِ التَّغَيُّرِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْغَضَبِ
وقَدْ نَسَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ الْغَضَبَ وَالرِّضَا
وقَالَ بن الْعَرَبِيِّ التَّغَيُّرُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ بِالدَّلَالَةِ الْقَطْعِيَّةِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِلَازِمِهِ كَالْوَعِيدِ وَإِيقَاعِ الْعُقُوبَةِ بِالْفَاعِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى
[1168] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْغَيْرَةِ وَمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّهِ مُبَيَّنٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَالْمُؤْمِنُ يَغَارُ) تَقَدَّمَ مَعْنَى الْغَيْرَةِ فِي الْآدَمِيِّ (وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ) مِنَ الْفَوَاحِشِ وَسَائِرِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْكُسُوفِ وَالنِّكَاحِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (يُكَنَّى أَبَا الصَّلْتِ) بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَبِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ إِلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ مَقُولَةُ تِلْمِيذِ التِّرْمِذِيِّ وَلَيْسَ في بعض(4/277)
النُّسَخِ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى بَلْ فِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ إِلَخْ
قَوْلُهُ (هُوَ فَطِنٌ كَيِّسٌ) أَيْ حَاذِقٌ عَاقِلٌ وَفَطِنٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وكسر الطاء من الفطنة وكيس كحيد مِنَ الْكَيْسِ وَهُوَ خِلَافُ الْحُمْقِ وَالْعَقْلِ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ وَحَدَهَا)
[1169] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَاتِ فَتَخْرُجُ الْكَافِرَاتُ كِتَابِيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ فَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَصْفَ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِخْرَاجُ مَا سِوَاهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) وَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ
والْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم (وبن عباس وبن عُمَرَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) لَكِنْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إِلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ(4/278)
وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَحْرُمُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي كُلِّ سَفَرٍ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَتَوَقَّفُ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ عَلَى مسافة القصر لإطلاق حديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا أُطْلِقَ السَّفَرُ وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي الْبَابِ فَقَالَ
مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وعَنْهُ روايات أخرى
وحديث بن عُمَرَ فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وعَنْهُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى أَيْضًا
وقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَاتِ انْتَهَى
وحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمَنْعَ الْمُقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ مُتَيَقَّنٌ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ
ونُوقِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهَا وَطَرْحُ مَا عَدَاهَا فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ
ومِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَتَرْكُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ
وخَالَفُوا ذَلِكَ هُنَا وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث بن عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إِلَى مَا دون مدة السفر بغير محرم
قال بن الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا
وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
وفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ
وفِي لَفْظٍ يَوْمٍ وفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ بَرِيدًا يَعْنِي فَرْسَخَيْنِ وَاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ
وهُوَ عند بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
ولِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ وَهِمُوا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَيْسَ فِي هَذِهِ تَبَايُنٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الْأَسْئِلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ وَالثَّلَاثَةُ أَوَّلُ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ فَكَيْفَ إِذَا زَادَ انْتَهَى
وحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَبَّهَ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ أَقَلَّ كُلِّ عَدَدٍ عَلَى مَنْعِ خُرُوجِهَا عَنِ الْبَلَدِ مُطْلَقًا إِلَّا بِمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ
وقَدْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا أَنَّ حَمْلَ السَّفَرِ على اللغوي ما في الصحيحين عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
والسَّفَرُ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى دُونِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُحَقِّقِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى(4/279)
الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا
وَإِلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ شَرْطًا فِي الْحَجِّ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ هَلْ هُوَ شَرْطُ أَدَاءٍ أَوْ شَرْطُ وُجُوبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي سَفَرِ الْفَرِيضَةِ
ورُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلُوهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ جُمْلَةِ سَفَرِ الْفَرِيضَةِ سَفَرُ الْحَجِّ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ سَفَرُ الضَّرُورَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ سَفَرُ الِاخْتِيَارِ
كَذَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَأَيْضًا قَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ لَا تَحُجَّن امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ
وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ
وفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا
فَكَيْفَ يَخُصُّ سَفَرَ الْحَجِّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسْفَارِ
وقَدْ قِيلَ إِنَّ اعْتِبَارَ الْمَحْرَمِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَتْ شَابَّةً لَا فِي حَقِّ الْعَجُوزِ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى
وقِيلَ لَا فَرْقَ لِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطٍ لَاقِطًا
وهُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْأَمْرِ النَّادِرِ وَقَدْ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْمَحْرَمَ فِي سَفَرِ الْحَجِّ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ لَا عَلَى جَوَازِهِ
وأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَرَفْعِ مَنَارِ الاسلام فيحمل عَلَى الْجَوَازِ
والْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَ الْمُتَعَقِّبُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَذَا فِي النَّيْلِ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُغِيبَاتِ)
جَمْعُ الْمُغِيبَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا يُقَالُ أَغَابَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إِذَا غَابَ زَوْجُهَا
[1171] قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ كَمَا قِيلَ إِيَّاكَ وَالْأَسَدَ
وقَوْلُهُ إِيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ(4/280)
تَقْدِيرُهُ اتَّقُوا
وتَقْدِيرُ الْكَلَامِ
اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءَ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ
وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ
وَتَضَمَّنَ مَنْعُ الدُّخُولِ مَنْعَ الْخَلْوَةِ بِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْوَاوِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَمْوُ المرأة وحموها وحمها وحموها أَبُو زَوْجِهَا وَمَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْأُنْثَى حَمَاةٌ وَحَمْوُ الرَّجُلِ أَبُو امْرَأَتِهِ أَوْ أَخُوهَا أو عمها أو الأحماء ومن قِبَلِهَا خَاصَّةً انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِأَنَّهُمْ مَحَارِمُ الزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يوصفون بالموت
قال وإنما المراد الأخ وبن الأخ والعم وبن العم وبن الْأُخْتِ وَنَحْوُهُمْ
مِمَّا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً
وجَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخُ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشُبِّهَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ انْتَهَى
قُلْتُ مَا قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وغيره وزاد بن وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أقارب الزوج بن الْعَمِّ وَنَحْوِهِ
(قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَ قَرِيبِ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَةِ الزَّوْجِ يُشْبِهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ
وإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَرْأَةِ
فَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْأَسَدُ الْمَوْتُ وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ
وكَذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوِ الَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا عِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوِ الَى الرَّجْمِ إِنْ وَقَعَتِ الْفَاحِشَةُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَلَا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ناكحا أو ذو مَحْرَمٍ
(وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا يُسَافِرُ مَعَهَا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ(4/281)
الثَّانِي وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ
والْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يلقيا في الزنى
[1172] 17 قَوْلُهُ (لَا تَلِجُوا) مِنَ الْوُلُوجِ أَيْ لَا تَدْخُلُوا (عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ) أَيْ الْأَجْنَبِيَّاتِ اللَّاتِي غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ) أي أيها الرجال والنساء (مجرى الدم) بفتح الْمِيمِ أَيْ مِثْلُ جَرَيَانِهِ فِي بَدَنِكُمْ مِنْ حيث لا ترونه
قال الْمَجْمَعُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ بِأَنْ جُعِلَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ لِكَثْرَةِ وَسْوَسَتِهِ (قُلْنَا وَمِنْكَ) أَيْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَالَ وَمِنِّي) أَيْ وَمِنِّي أَيْضًا (فَأَسْلَمَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ وَبِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الجيم بن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ (وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ) بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ وَتِلْمِيذِ بن عُيَيْنَةَ ثِقَةٌ (يَعْنِي فَأَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَأَسْلَمُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ (قَالَ سُفْيَانُ فَالشَّيْطَانُ لَا يُسْلِمُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَأَسْلَمُ لَيْسَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي حَتَّى يَثْبُتَ إِسْلَامُ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُسْلِمُ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَلَا يَبْعُدُ تَخْصِيصُهُ مِنْ فَضْلِهِ بِإِسْلَامِ قرينه انتهى
قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَمَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَانٌ قِيلَ وَمَعَكَ قَالَ نَعَمْ
ولَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ
وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى أَسْلَمَ أَيْ انْقَادَ وَاسْتَسْلَمَ وَكَفَّ عَنْ وَسْوَسَتِي
وقِيلَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَسَلِمْتُ مِنْ شَرِّهِ وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ فَأَسْلَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَيْ أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ وَمِنْ شَرِّهِ
ويَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ كَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَشَيْطَانِي مُسْلِمًا انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ شَاهِدًا قَوِيًّا لِلْأَوَّلِ وَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَا على من أخرجه(4/282)
18 - باب [1173] قَوْلُهُ (عَنْ مُوَرِّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ المشددة بن مشمرخ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَمُدَحْرَجٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وقَالَ في التقريب مورق بتشديد الراء بن مُشَمْرَجٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ جَعَلَ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا عَوْرَةً لِأَنَّهَا إِذَا ظَهَرَتْ يُسْتَحَى مِنْها كَمَا يُسْتَحَى مِنَ الْعَوْرَةِ إِذَا ظَهَرَتْ وَالْعَوْرَةُ السَّوْأَةُ وَكُلُّ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ
وقِيلَ إِنَّهَا ذَاتُ عَوْرَةٍ (فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) أَيْ زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ وَقِيلَ أَيْ نَظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا
والْأَصْلُ فِي الِاسْتِشْرَافِ رَفْعُ الْبَصَرِ لِلنَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ وَبَسْطُ الْكَفِّ فَوْقَ الْحَاجِبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَقْبَحُ بُرُوزُهَا وَظُهُورُهَا فَإِذَا خَرَجَتْ أَمْعَنَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا بِغَيْرِهَا وَيُغْوِيَ غَيْرَهَا بِهَا لِيُوقِعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْفِتْنَةِ
أَوْ يُرِيدُ بِالشَّيْطَانِ شَيْطَانُ الْإِنْسِ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ سَمَّاهُ بِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ
9 - باب [1174] قَوْلُهُ (عَنْ بَحِيرِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ سَعْدٍ) السحولي الحمصي ثقة نبت من السادسة
قوله (لا تؤذي) بصيغة للنفي (مِنَ الْحُورِ) أَيْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ جَمْعُ حَوْرَاءَ وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضُ الْعَيْنِ(4/283)
الشَّدِيدَةُ سَوَادُهَا (الْعِينِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَيْنَاءَ بِمَعْنَى الْوَاسِعَةِ الْعَيْنِ (لَا تُؤْذِيهِ) نَهْيُ مُخَاطَبَةٍ (قَاتَلَكَ اللَّهُ) أَيْ قَتَلَكَ أَوْ لَعَنَكَ أَوْ عَادَاكَ
وقَدْ يَرِدُ لِلتَّعَجُّبِ كَتَرِبَتْ يَدَاهُ
وقَدْ لَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعٌ وَمِنْهُ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ
كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ (عِنْدَكَ دَخِيلٌ) أَيْ ضَيْفٌ وَنَزِيلٌ
يَعْنِي هُوَ كَالضَّيْفِ عَلَيْكَ وَأَنْتِ لَسْتِ بِأَهْلٍ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُهُ فَيُفَارِقُكَ وَيَلْحَقُ بِنَا
(يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَ إِلَيْنَا) أَيْ وَاصِلًا إِلَيْنَا قوله (هذا حديث غريب)
وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرِوَايَةُ) إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصْلَحُ (وَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ مَنَاكِيرُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ مِنَ الثَّامِنَةِ
وقَالَ الْخَزْرَجِيُّ في الخلاصة وثقه أحمد وبن معين ودهيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفُوهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ شَامِيٌّ حِمْصِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ فَإِنَّ الرُّوَاةَ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثِقَاتٌ مَقْبُولُونَ(4/284)
(أبواب الطلاق واللعان)
عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم 12
(كتاب الطلاق واللعان الطَّلَاقُ)
فِي اللُّغَةِ حَلُّ الْوَثَاقِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَالتَّرْكُ وفِي الشَّرْعِ حَلُّ عُقْدَةِ التَّزْوِيجِ فَقَطْ
وهُوَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ أَفْرَادِ مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ لَفْظٌ جَاهِلِيٌّ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهِ وَطَلُقَتِ الْمَرْأَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْضًا وَهُوَ أَفْصَحُ وَطُلِّقَتْ أَيْضًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ الثَّقِيلَةِ فَإِنْ خُفِّفَتْ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْوِلَادَةِ
والْمُضَارِعُ فِيهِمَا بِضَمِّ اللَّامِ وَالْمَصْدَرُ فِي الْوِلَادَةِ طَلْقًا سَاكِنَةُ اللَّامِ فَهِيَ طَالِقٌ فِيهِمَا
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
واللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ يُلَاعِنُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِبُعْدِهِمَا مِنَ الرَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا
وَاللِّعَانُ وَالِالْتِعَانُ والملاعنة بمعنى ويقال تلاعنا والتعنا ولا عن الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ شَهَادَاتٍ مُؤَكَّدَةٍ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٍ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٍ مَقَامَ حَدِّ القذف في حقه وحد الزنى فِي حَقِّهَا إِذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عنه وحد الزنى عَنْهَا
كَذَا فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين
(باب ما جاء في طلاق السنة)
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَى الطَّبَرِيُّ بسند صحيح عن بن مسعود في قوله تعالى(4/285)
فطلقوهن لعدتهن قَالَ فِي الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ
[1175] قَوْلُهُ (وَهِيَ حَائِضٌ) قِيلَ هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فَالْمُطَابَقَةُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ خَاصَّةً بِالنِّسَاءِ فَلَا حَاجَةَ إليها
كذا في عمدة القارىء
(فقال) أي بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (هَلْ تَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ وَهُوَ الَّذِي يُخَاطِبُهُ لِيُقَرِّرَهُ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَعَلَى الْقَبُولِ مِنْ نَاقِلِهَا وَأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِمَشَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَقَرَّرَهُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ
قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ (فَإِنَّهُ) أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) اسْمُهَا آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَقِيلَ بِنْتُ عَمَّارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ اسْمَهَا نَوَارٌ بِفَتْحِ النُّونِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُهَا آمِنَةً وَلَقَبُهَا النَّوَارَ انْتَهَى
(فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) وفِي رِوَايَةٍ أَوْرَدَهَا صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ عَنِ الصَّحِيحَيْنِ فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال القارىء فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْضَبُ بِغَيْرِ حَرَامٍ
(قَالَ قُلْتُ) أَيْ قَالَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَيُعْتَدُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُحْتَسَبُ (قَالَ) أي بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَمَهْ) أَصْلُهُ فَمَا وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ اكْتِفَاءٌ أَيْ فَمَا يَكُونُ إِنْ لَمْ تَحْتَسِبْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ أَصْلِيَّةً
وهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلزَّجْرِ أَيْ كُفَّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وقوع الطلاق بذلك قال بن عبد البر قول بن عُمَرَ فَمَهْ
مَعْنَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ إِذَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا إِنْكَارًا لِقَوْلِ السَّائِلِ أَيَعْتَدُّ بِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ بُدٌّ (أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ) الْقَائِلُ لِهَذَا الْكَلَامِ هو بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَيُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ وَإِنْ أَعَادَ الضَّمِيرَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وقد جاء في رواية لمسلم عن بن عمر مالي لَا أَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ
وقوله أرأيت أي أخبرني
قال الحافظ بن حَجَرٍ قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ إِنْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ لَمْ يُقِمْهُ أَوِ اسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيُسْقِطُ عَنْهُ الطَّلَاقَ حمقه(4/286)
أَوْ يُبْطِلُهُ عَجْزُهُ وَحُذِفَ الْجَوَابُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
[1176] قَوْلُهُ (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا) اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الرَّجْعَةِ فَذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قُلْتُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الرَّجْعَةِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ
والظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا (ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ سُنِّيٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ
واخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ طَاهِرًا هَلِ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَوِ التَّطَهُّرُ بِالْغُسْلِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ
والرَّاجِحُ الثَّانِي لِمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَالَ مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكْهَا قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جبير عن بن عمر حديث حسن صحيح الخ) حديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَلَهُ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا وَهُوَ قول الشافعي وأحمد) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مباح(4/287)
وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ
وأَمَّا عَلَى كَوْنِهِ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا فَلَا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ حَدِيثُ رُكَانَةَ هَذَا ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ كَمَا سَتَقِفُ فَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مُبَاحٌ
وَلَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِرُؤْيَةِ أَوَّلِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا أَحْسَنُ مِنَ الطَّلَاقِ
ولَهُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَشْهَبَ وَزَعَمَ الْمِرْغِينَانِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَبِدْعِيٌّ
فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ
والْحَسَنُ وَهُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار
والمدعي أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا
انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل طلق امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ)
[1177] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعْدٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ وفي سنن أبي داود وسنن بن مَاجَهْ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ
وكَذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمِيزَانِ وَالتَّقْرِيبِ فَهُوَ الصَّحِيحُ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان في ترجمته روى عباس عن بن مَعِينٍ ثِقَةٌ
وقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ
وهُوَ مَعْرُوفٌ بِحَدِيثٍ فِي طَلَاقِ الْبَتَّةَ
وقَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ في سنن أبي داود وسنن بن مَاجَهْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَقَالَ هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ
وقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ إِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ وَلَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَسَاقَ حَدِيثَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُطَّلِبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ الْحَدِيثَ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ أَنَّ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ
قَالَ الذَّهَبِيُّ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَنْ جَدِّهِ الْجَدَّ الْأَعْلَى وَهُوَ رُكَانَةُ انْتَهَى
(عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ الْمُطَّلِبِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ
وعَنْهُ ابْنَاهُ عبد الله ومحمد وثقه بن حِبَّانَ
وقَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ(4/288)
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ
قَوْلُهُ (إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْبَتَّةَ
مِنَ الْبَتِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سُهَيْمَةُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ (قَالَ فَهُوَ مَا أَرَدْتُ) وفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ طَلَاقَ الْبَتَّةِ وَاحِدَةٌ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ غَيْرُ بَائِنٍ انْتَهَى
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الزَّوْجِ مُصَدَّقٌ بِالْيَمِينِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ
ومِنْهَا أَنَّ الْبَتَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا حَلَفَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً وَأَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ لَمْ يُعْتَبَرْ حَلِفُهُ
إِذْ لَوْ اعْتُبِرَ لَاقْتَصَرَ عَلَى حَلِفِهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ ثَانِيًا
ومِنْهَا أَنَّ مَا فِيهِ احْتِسَابٌ لِلْحَاكِمِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَاشِمِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ مُضْطَرَبٌ فِيهِ تَارَةً قِيلَ فِيهِ ثَلَاثًا وَتَارَةً قِيلَ فِيهِ وَاحِدَةً
وأَصَحُّهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَأَنَّ الثَّلَاثَ ذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى
وقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ طُرُقَهُ ضَعِيفَةٌ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قَوْلُهُ (فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَتَّةَ وَاحِدَةً) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طالق البتة
فذكر بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ
وهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ
وقَالَتْ طَائِفَةٌ الْبَتَّةُ ثلاث
روي ذلك عن علي وبن عمر وبن المسيب وعروة والزهري وبن أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ انْتَهَى كلام العيني
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ طَلَاقُ الْبَتَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى بِهَا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ مَا نَوَى
وعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ
وعِنْدَ مَالِكٍ ثلاث انتهى كلام القارىء
(وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَهَا ثَلَاثًا) وَهُوَ مروي عن(4/289)
بن عمر وبن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ نِيَّةُ الرَّجُلِ إن نوى واحدة فواحدة وإن نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً
وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ وَاحِدٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ
فَالثَّلَاثُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ
وأَمَّا الِاثْنَانِ فِي الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ الْمُفْرَدِ عَلَيْهِ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ)
اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الرَّجُلُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا وَقَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ
فَإِنْ اخْتَارَتْهُ وَلَمْ تُفَارِقْهُ بَلْ قَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إِذَا فَارَقَتْهُ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ
وسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ
[1178] قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ غَفْرًا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ اغْفِرْ غَفْرًا
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ جَعَلَ سَمَاعَ هَذَا الْقَوْلِ مَخْصُوصًا بِالْحَسَنِ يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ قَتَادَةَ أَيْضًا مِثْلَهُ انْتَهَى
وقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ سَمَاعُهُ مِنَ الْحَسَنِ عَلَى الْجَزْمِ وَالْيَقِينِ فَلِذَا قَالَهُ جَزْمًا بَلْ حَصْرًا
ولَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ مِنْ قَتَادَةَ بِهَذِهِ الرُّتْبَةِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ انْتَهَى
كَذَا فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِأَيُّوبَ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ لَا إِلَّا الْحَسَنَ وفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَكِنَّهُ غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ الْحَدِيثِ المرفوع ثم تذكر على الفور فاستغفروا قال اللَّهُمَّ غَفْرًا إِلَّا مَا حَدَّثَنِي
قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ إِلَخْ
واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ(4/290)
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَثِيرُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قال العجلي تابعي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
قَوْلُهُ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ) أَيْ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ (فَسَأَلْتُهُ) أَيْ فَسَأَلْتُ كَثِيرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ سَأَلْتُهُ إِنَّكَ حَدَّثْتَ قَتَادَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ يَعْرِفْهُ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَيُّوبُ فَقَدِمَ عَلَيْنَا كَثِيرٌ
فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا قَطُّ (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ فَأَخْبَرْتُ قَتَادَةَ بِمَا قَالَ كَثِيرٌ فَقَالَ (أَيْ قَتَادَةُ نَسِيَ) أَيْ كَثِيرٌ
وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ بَلَى وَلَكِنَّهُ نَسِيَ
اعْلَمْ أَنَّ إِنْكَارَ الشَّيْخِ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَزْمِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَزْمِ بَلْ عَدَمُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالْإِنْكَارِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ قَادِحًا فِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
(وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَافِظًا صَاحِبَ حَدِيثٍ) لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ نَصْرٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا وَرِوَايَتُهُ مَرْفُوعًا زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ) يَعْنِي إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَفَارَقَتْهُ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ
ولَمْ يُصَرِّحْ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ
وعِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هي واحدة رجعية
روى محمد في موطإه عن(4/291)
خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَهُ فَأَتَاهُ بَعْضُ بَنِي أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ
فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَدَرُ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا
وقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى مَا نَوَى الزَّوْجُ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ
وإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ
قَوْلُهُ (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ) أَيْ الْحُكْمُ مَا نَوَتْ مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ بَائِنَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهَا
وهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا صرح به الإمام محمد في موطإه
وقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِبَعْضِ بَنِي أَبِي عَتِيقٍ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ إِلَخْ
فَلَعَلَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابت روايتين والله تعالى أعلم
وقال بن عُمَرَ إِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ (وَقَالَ لَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إِلَّا فِي وَاحِدَةٍ اسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ) رَوَى الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ في موطإه عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا فَيَقُولَ لَمْ أُرِدْ إِلَّا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا فِي عِدَّتِهَا (وَذَهَبَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فقَالَ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ) وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ
قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ وَأَحَبَّهُ إِلَيْهِ انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ
قَالَ الشَّيْخُ سَلَامُ اللَّهِ فِي الْمُحَلَّى فِي شَرْحِ الْمُوَطَّا قَوْلُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ أَيْ كَوْنُ الْقَضَاءِ مَا قَضَتْ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَهَا الزَّوْجُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّتِي يُجْعَلُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَوْ يُمَلَّكُ أَمْرَهَا وَهِيَ الْمُمَلَّكَةُ
فَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَالَ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ بَلِ أَرَدْتُ تَمْلِيكِي لَكِ نَفْسَكِ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْتُ بالتمليك(4/292)
لَكَ شَيْئًا أَبَدًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ هَذَا فِي الْمُمَلَّكَةِ
وأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ عِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَنْكَرَهَا الزَّوْجُ
هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كما ذكره بن أَبِي زَيْدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ عَلَى مَا نَوَى الزَّوْجُ فَإِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ
وإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ
وفِي اخْتِيَارِي يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً
وإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا
وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ رَجْعِيَّةً فِي الْمُمَلَّكَةِ والمخيرة كليهما
وهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ انْتَهَى مَا فِي الْمُحَلَّى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ) وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَهُ آنِفًا وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ رَجْعِيَّةً فِي الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ كِلْتَيْهِمَا
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ الْمُرَادُ بِهِ التَّخْيِيرُ)
وَهُوَ جَعْلُ الطَّلَاقِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ تَمْتَثِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
[1179] قَوْلُهُ (خَيَّرَنَا) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَيَّرَ نِسَاءَهُ (أَفَكَانَ طَلَاقًا) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخِيَارِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَقُولُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ طَلَاقٌ
لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا هَلْ يَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا أَوْ يَقَعُ ثَلَاثًا
وحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِنْ اخْتَارَتْ(4/293)
نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ
وعن عمرو بن مَسْعُودٍ إِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَعَنْهُمَا رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ
ويُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْيِيرَ تَرْدِيدٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهَا لِزَوْجِهَا طَلَاقًا لَاتَّحَدَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِنَفْسِهَا بِمَعْنَى الْفِرَاقِ وَاخْتِيَارَهَا لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى الْبَقَاءِ فِي العصمة
وقد أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ فَسُئِلَ عَنِ الْخِيَارِ فَقَالَ سَأَلَنِي عَنْهُ عُمَرُ
فَقُلْتُ إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية
قَالَ لَيْسَ كَمَا قُلْتُ
إِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ قَالَ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ مُتَابَعَتِهِ فَلَمَّا وُلِّيتُ رَجَعْتُ إِلَى مَا كُنْتُ أَعْرِفُ
قَالَ عَلِيٌّ وَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا حَكَاهُ عنه الترمذي
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ نَظِيرَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ زَاذَانُ مِنَ اخْتِيَارِهِ
وأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ لِكَوْنِهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ ثَلَاثًا بِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ بَتُّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الْأَخْذُ وَإِمَّا التَّرْكُ فَلَوْ قُلْنَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ إِنَّهَا تَكُونُ بَعْدُ فِي أَسْرِ الزَّوْجِ وَتَكُونُ كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا
وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وبن مَسْعُودٍ فِيمَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا
فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَّا إِيرَادُ السَّابِقِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّخْيِيرُ كِنَايَةٌ فَإِذَا خَيَّرَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَخْيِيرَهَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي عِصْمَتِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ
فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِي الطَّلَاقَ صُدِّقَتْ
ويُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي التَّخْيِيرِ بِالتَّطْلِيقِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ جَزْمًا
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا حَافِظُ الْوَقْتِ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَنَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي التَّخْيِيرِ
فَلَوْ قَالَ مَثَلًا اخْتَارِي
فَقَالَتْ اخْتَرْتُ لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ
وهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ مَحِلَّهُ الْإِطْلَاقُ
فَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ سَاغَ
وقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا إِنْ قَالَ اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَيَقَعُ بَائِنًا
فَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَهُوَ بَاطِلٌ
وكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتِ اخْتَرْتُ
فَلَوْ نَوَى فَقَالَتِ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَقَعَتْ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ
فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا
ووَافَقَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا
أَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نُطْقٍ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ
قَالَ وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ
قَالَ الْحَافِظُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ فِيهَا(4/294)
فتعالين أمتعكن وأسرحكن أَيْ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا)
وَلَا نَفَقَةَ [1180] قَوْلُهُ (طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا) وفِي رِوَايَةٍ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا (لَا سُكْنَى لَكِ وَلَا نَفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة (فَذَكَرْتُهُ) أَيْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ (لِإِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (فَقَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ (لَا نَدَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا نَتْرُكُ (كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا) سَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ من كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا (بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْجَمَاعَةُ بِأَلْفَاظٍ(4/295)
مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيُّ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ) وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةٍ وَأَهْلِ الظاهر كذا في عمدة القارىء
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قول حماد وشريح والنخعي وبن أبي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى حَكَاهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
واحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قِصَّةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رُوِيَتْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ انْتَهَى
واحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أن يأتين بفاحشة مبينة وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَهَا إِنْ جِئْتِ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لم نترك كتاب الله لقول امْرَأَةٍ
قَالُوا فَظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ السَّلَفُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن فَهُوَ مَا فَهِمَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ (لَعَلَّ اللَّهَ يحدث بعد ذلك أمرا) لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُرْجَى إِحْدَاثُهُ هُوَ الرَّجْعَةُ لَا سِوَاهُ
وهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَلَمْ يُحْكَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَوْ سَلِمَ الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ لَكَانَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَصِّصًا لَهُ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ قَوْلَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ
قُلْتُ صرح(4/296)
الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ
ومَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ
فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا
وأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ النَّخَعِيَّ لَا يُرْسِلُ إِلَّا صَحِيحًا كَمَا فِي أَوَائِلِ التَّمْهِيدِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ صَحَّحُوا مَرَاسِيلَهُ
وخَصَّ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِمَا أرسله عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى
(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهَا) أَيْ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا (السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قَوْلُهُ تَعَالَى بِتَمَامِهِ هَكَذَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف إِلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى هَذَا لِلْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّةِ فَاسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى مَحَلُّ نَظَرٍ فَتَفَكَّرْ (قَالُوا هُوَ
الْبَذَاءُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَذِيُّ كَرَضِيٍّ الرَّجُلُ الْفَاحِشُ وَهِيَ بِالْبَاءِ وَقَدْ بَذُوَ بَذَاءً وَبَذَاءَةً وَبَذَوْتُ عَلَيْهِمْ وَأَبْذَيْتُهُمْ مِنَ الْبَذَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ انْتَهَى
وَقَالَ في تفسير الخازن قال بن عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ بَذَاءَتُهَا عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا
فَيَحِلُّ إِخْرَاجُهَا لِسُوءِ خُلُقِهَا
وقِيلَ أَرَادَ بِالْفَاحِشَةِ أَنْ تَزْنِيَ فَتُخْرَجُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ثُمَّ ترد إلى منزلها
ويروى ذلك عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى
(وَاعْتُلَّ بِأَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّكْنَى لَمَّا كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَائِشَةَ عَابَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْإِذْنِ فِي انْتِقَالِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ
وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فَعَلَيْكَ بِالْمُطَوَّلَاتِ(4/297)
6 - (بَاب مَا جَاءَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ)
[1181] قَوْلُهُ (لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ
ولَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ
فَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ هَذَا لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ
كذا نقل القارىء عن بعض العلماء الْحَنَفِيَّةِ (وَلَا عِتْقَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ آدَمَ (وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ
ولَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا مَلَكَ
قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ
كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ خَالَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ يَقُولُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا طَلَاقَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ الْحَدِيثُ لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ
ورِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مُخْتَصَرَةٌ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ مُطَوَّلًا
وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ
(وَمُعَاذِ) بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ
ولَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا وفِيهَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
وزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَوْ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ بِعَيْنِهَا
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَنَصْبِ الرَّايَةِ
(وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْهُ بَيَّنْتُهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ
وقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّحِيحُ مرسل ليس فيه جابر (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ
ولَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهِيَ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنِ المسور بن مخرمة عند بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ
وقَالَ(4/298)
أَيْضًا سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ فَقُلْتُ أَيُّ شَيْءٍ أَصَحُّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَقَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى عُمُومِهِ إِذْ لَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ
والْحَدِيثُ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الْمَشْهُورَةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مَذَاهِبُ
الْوُقُوعُ مُطْلَقًا وَعَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا إِذَا عَيَّنَ أَوْ خَصَّصَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ
فَقَالَ بِعَدَمِ الوقوع الجمهور وهو قول الشافعي وبن مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِالْوُقُوعِ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وبن أبي ليلى وبن مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعُهُ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَنْهُ عدم الوقوع مطلقا ولو عين
وعن بن الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ وَكَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ بِالتَّفْصِيلِ فَإِنْ سَمَّى امْرَأَةً أَوْ طَائِفَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ إِلَيْهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ كَثِيرًا مِنَ الْأَخْبَارِ ثُمَّ مِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ هَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهِمُوا مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ الَّذِي عُلِّقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ لَا يَعْمَلُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وَأَنَّ تَأْوِيلَ الْمُخَالِفِ فِي حَمْلِهِ عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالْوُقُوعَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَبْلَ وُجُودِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوِ الْمِلْكِ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَخْبَارِ فَائِدَةٌ
بِخِلَافِ مَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَلَوْ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ فَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ حَمْلِ الْأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْجِيزِ
وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ هُوَ كَمَا قَالَ
فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ أَوَ لَيْسَ جَاءَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ
قَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ
وفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ مِنْ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ الزُّهْرِيُّ تَرُدُّهُ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَمَّنْ قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ عَمَّمَ أَوْ خَصَّصَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ انْتَهَى
وفِيهِ أَيْضًا مَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّ مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهِمُوا مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ الَّذِي عُلِّقَ قَبْلَ النِّكَاحِ والملك لا(4/299)
يَعْمَلُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا
وفِيهِ أَيْضًا لَوْ حَمَلَ أَحَادِيثَ الْبَابِ عَلَى التَّنْجِيزِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا فَائِدَةٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
ولِلْحَنَفِيَّةِ تَمَسُّكَاتٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
واحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ بِأَنَّهُ إِذَا عَمَّ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ النِّكَاحِ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ
قوله (وروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَنْصُوبَةِ إِنَّهَا تَطْلُقُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَنْسُوبَةِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ الْمَرْأَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى قَبِيلَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَنْصُوبَةِ الْمُعَيَّنَةُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا وَقَّتَ نَزَلَ) أَيْ إِذَا عَيَّنَ وَقْتًا بِأَنْ يَقُولَ إِنْ نَكَحْتُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا مَثَلًا نَزَلَ يَعْنِي يَقَعُ الطَّلَاقُ
رَوَى وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ إِنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِذَا وَقَّتَ لَزِمَهُ
وكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ إذا عمم فليس بشيء
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ إِذَا وَقَّتَ وَقَعَ وَبِإِسْنَادِهِ إِذَا قَالَ كُلٌّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ
ومِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يزيد عن بن مَسْعُودٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْحَافِظُ فَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ مَنْ أَفْتَى بِالْوُقُوعِ وَتَبِعَهُ من أخذ بِمَذْهَبِهِ كَالنَّخَعِيِّ ثُمَّ حَمَّادٌ انْتَهَى
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ (أَنَّهُ إِذَا سَمَّى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا) مَثَلًا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا) أَيْ عَيَّنَ وَقْتًا مِنَ التَّوْقِيتِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إِنْ تَزَوَّجْتُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ مِنْ كُورَةِ كَذَا) وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ
الْكُورَةُ بِالضَّمِّ الْمَدِينَةُ وَالصُّقْعُ ج كُوَرٌ وقال فيه الصقع بالضم الناحية
(وأما بن الْمُبَارَكِ فَشَدَّدَ فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَقَالَ إِنْ فَعَلَ لَا أَقُولُ هِيَ حَرَامٌ) أَيْ إِذَا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا أَقُولُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ (وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ إِلَخْ) هَذَا بَيَانُ تَشَدُّدِهِ (وَقَالَ(4/300)
أَحْمَدُ إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ امرأته) قال الحافظ ولشهرة الِاخْتِلَافُ كَرِهَ أَحْمَدُ مُطْلَقًا وَقَالَ إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ
وكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ طَلَاقَ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ)
[1182] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهَلِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ جَلِيلٌ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ الضَّحَّاكُ بْنُ مخلد ثقة ثبت (عن بن جُرَيْجٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (أَخْبَرَنَا مظاهر بن أسلم) بضم الميم وفتح الظاء الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَاءٌ مَكْسُورَةٌ وَرَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (طَلَاقُ الْأَمَةِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ أَيْ تَطْلِيقُهَا تَطْلِيقَتَانِ (وعدتها حيضتان) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ دَلَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ بِالْمَرْأَةِ وَأَنْ لَا عِبْرَةَ بحرية الزوجة وَكَوْنِهِ عَبْدًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا
ودَلَّ عَلَى أن العدة بالحيض دون الإظهار
وقَالَ الْمُظْهِرُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الطَّلَاقُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْأَةِ
فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يَكُونُ طَلَاقُهَا اثْنَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ الطَّلَاقُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فَطَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَانِ وَطَلَاقُ الْحُرِّ ثَلَاثٌ وَلَا نَظَرَ لِلزَّوْجَةِ
وعِدَّةُ الْأَمَةِ عَلَى نِصْفِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ فَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ لِأَنَّهُ لَا نِصْفَ لِلْحَيْضِ
وإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الطلاق بالرجال(4/301)
والعدة بالنساء روي ذلك عن بن عمر وزيد بن ثابت وبن عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ
وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ وَالْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قُلْتُ وَاحْتَجَّ أَيْضًا لِأَبِي حنيفة رحمه الله بما رواه بن ماجة والدارقطني والبيهقي من حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ
وفِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُبَيْبٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
واسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ بحديث بن مَسْعُودٍ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ والبيهقي وروياه أيضا عن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَحْوَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَوْقُوفَةٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَبْدًا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ
وهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ
وبِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً
وعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ
وهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ
قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا مُظَاهِرٌ بِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهَلِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُظَاهِرٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ بن جريج كما حدثنا عن مظاهر بواسطة بن جريج وفي سنن بن مَاجَهْ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ فَذَكَرْتُهُ لَا لِمُظَاهِرٍ
فقلت حدثني كما حدثت بن جُرَيْجٍ فَأَخْبَرَنِي عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر) أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ
وقَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ حَدِيثٌ مَجْهُولٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ حَدِيثًا آخَرَ رَوَاهُ عَنْ(4/302)
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ
قَالَ وَمُظَاهِرٌ هَذَا مَخْزُومِيٌّ مَكِّيٌّ ضَعَّفَهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ
وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ إِنْ ثَبَتَ
ولكن أهل الحديث ضعفوه
ومنهم من تأوله عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَوْ كَانَ ثَابِتًا قُلْنَا بِهِ إِلَّا أَنَّا لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا يَرْوِيهِ مَنْ يُجْهَلُ عَدَالَتُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يحدث نفسه بطلاق امرأة)
[1183] قَوْلُهُ (مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا) بِالْفَتْحِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَذَكَرَ الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ يُرِيدُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ) أَيْ فِي الْقَوْلِيَّاتِ (أَوْ تَعْمَلْ بِهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ وَعَمِلَ بِكِتَابَتِهِ
وشَرَطَ مَالِكٌ فِيهِ الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ
ونقل العيني في عمدة القارىء عَنِ الْمُحِيطِ إِذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ وَكَانَ مُسْتَبِينًا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ
وإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينًا أَوْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ شيئا) أي لا يقع
(باب فِي الْجِدِّ وَالْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ)
[1184] قَوْلُهُ (عَنْ عبد الرحمن بن أدرك الْمَدَنِيِّ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ النِّسْبَةُ إِلَى(4/303)
مَدِينَةِ يَثْرِبَ مَدَنِيٌّ وَإِلَى مَدِينَةِ مَنْصُورٍ مَدِينِيٌّ لِلْفَرْقِ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْهَزْلُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ بِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا وَالْجِدُّ مَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَلُحَ لَهُ اللَّفْظُ مَجَازًا (النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَفِي الْقَامُوسِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ عَوْدُ الْمُطَلِّقِ إِلَى طَلِيقَتِهِ انْتَهَى يَعْنِي لَوْ طَلَّقَ أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ وَقَالَ كُنْتُ فِيهِ لَاعِبًا هَازِلًا لَا يَنْفَعُهُ
قَالَ الْقَاضِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ يَقَعُ فَإِذَا جَرَى صَرِيحُ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ عَلَى لِسَانِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ كُنْتُ فِيهِ لَاعِبًا أَوْ هَازِلًا
لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ لَتَعَطَّلَتِ الْأَحْكَامُ وَقَالَ كُلُّ مُطَلِّقٍ أَوْ نَاكِحٍ إِنِّي كُنْتُ فِي قَوْلِي هَازِلًا فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى
فَمَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَخَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْفَرْجِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وفِي إِسْنَادِهِ عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فَهُوَ عَلَى هَذَا حَسَنٌ
وفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فيهن الطلاق والنكاح والعتق
وفي إسناده بن لهيعة
وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بْنِ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ رَفَعَهُ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ فَمَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ وَجَبْنَ
وإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَفَعَهُ مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ نَكَحَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ
وفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ أَيْضًا
وعَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَعَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ أَيْضًا كَذَا في النيل
قوله (وبن مَاهِكٍ هُوَ عِنْدِي يُوسُفُ بْنُ مَاهِكِ) بْنِ بَهْزَادَ الْفَارِسِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ(4/304)
10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ)
بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَأْخُوذٌ مِنْ خَلْعِ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا
وذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِبَاسٌ لِلرَّجُلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وأنتم لباس لهن وَإِنَّمَا جَاءَ مَصْدَرُهُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَفْرِقَةً بَيْنَ الْأَجْرَامِ وَالْمَعَانِي يُقَالُ خَلَعَ ثَوْبَهُ خَلْعًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا وَخُلْعَةً بِالضَّمِّ
وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ فَهُوَ فِرَاقُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُ
كَذَا نَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِشَيْخِهِ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ
[1185] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ) كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِالتَّصْغِيرِ وَالتَّثْقِيلِ (بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ الْبُخَارِيَّةِ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (أَوْ أُمِرَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي فَذَكَرَتْ قِصَّةً وفِيهَا أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ قَالَتْ وَتَبِعَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ
كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ
قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّهُ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ فِي اسْمِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الَّتِي خَالَعَهَا فَفِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ أَنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ
وقَدْ صَحَّ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ وَصَحَّ أَنَّ اسْمَهَا مَرْيَمُ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا زَيْنَبَ(4/305)
فَلَمْ يَصِحَّ
قَالَ وَأَصَحُّ طُرُقِهِ حَدِيثُ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ قَدْ تَعَدَّدَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ لِهَذِهِ وَلِهَذِهِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً وفِي بَعْضِهَا حَدِيقَتَيْنِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ هَذَا أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قروء) فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مُطَلَّقَةً لَمْ يَقْتَصِرْ لَهَا على قرء واحد انتهى
قولههذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قولهفقال أكثر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ أَيْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ لَيْسَ بِفَسْخٍ
(وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثَيْ الْبَابِ
وفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ الْحَدِيثَ
وفِي آخِرِهِ خُذِ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَتَلْحَقَ أَهْلَهَا وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا حَتَّى يَمْضِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسْخًا وَبَيْنَ النَّقْصِ مِنَ الْعِدَّةِ تَلَازُمٌ انْتَهَى
(قَالَ إِسْحَاقُ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ) لِثُبُوتِ أَحَادِيثِ الْبَابِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُخْتَلِعَاتِ)
[1186] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مشهور بكنيته(4/306)
ثقة حافظ عن هشيم وبن المبارك وبن عُيَيْنَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (مُزَاحِمٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالزَّايِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ ذَوَّادِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بْنِ عُلْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ تَنْبِيهٌ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الهند علبة وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أَبِيهِ) ذَوَّادِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ ضَعِيفٌ (عَنْ لَيْثٍ) هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ بْنِ زُنَيْمٍ صَدُوقٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ)
قَالَ فِي التقريب أبو الخطاب شيخ البيت بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى
(عَنْ أَبِي زُرْعَةَ)
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أبي إدريس الخولاني قيل هو بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي إدريس وعنه أبو الخطاب لعله يحيى أبي عمرو السبياني (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ) وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قَوْلُهُ (الْمُخْتَلِعَاتُ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ اللَّاتِي يَطْلُبْنَ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ عَنْ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ (هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ) أَيْ الْعَاصِيَاتُ بَاطِنًا وَالْمُطِيعَاتُ ظَاهِرًا
قَالَ الطِّيبِيُّ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ جَهَالَةً وفِي بَعْضِهِمْ ضَعْفًا كَمَا عَرَفْتَ
وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ الْحَسَنُ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
وقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ فَقَطْ وَصَارَ يُرْسِلُ عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ
فَتَكُونُ قِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ كَقِصَّتِهِ مَعَ سَمُرَةَ فِي حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنِ بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُتَبَرِّجَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ
أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ
قَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُهَا إِلَى سُؤَالِ الْمُفَارَقَةِ (لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) أَيْ لَمْ تَشُمَّهَا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا(4/307)
مُعَاهَدَةً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ
أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يَرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ وَأَرَاحَ يُرِيحُ إِذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ
والثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ انْتَهَى
[1187] قَوْلُهُ (فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَذَلِكَ عَلَى نَهْجِ الْوَعِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ أَوْ وُقُوعُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ
أَيْ لَا تَجِدُ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَوَّلَ مَا وَجَدَهَا الْمُحْسِنُونَ
أَوْ لَا تَجِدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ
ونَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ قَالَهُ القاضي
قال القارىء وَلَا بِدَعَ أَنَّهَا تُحْرَمُ لَذَّةَ الرَّائِحَةِ وَلَوْ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السنن وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عن ثوبان) كذلك رواه أبو داود وبن مَاجَهْ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُدَارَاةِ النِّسَاءِ)
دَارَاهُ مُدَارَاةً لَاطَفَهُ
[1188] قَوْلُهُ (إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضِّلَعُ كَعِنَبٍ وَجِذَعٍ مَعْرُوفٌ مُؤَنَّثَةٌ انْتَهَى وَهُوَ عَظْمُ الْجَنْبِ وَهُوَ مُعْوَجٌّ يَعْنِي أَنَّ النِّسَاءَ فِي خَلْقِهِنَّ اعْوِجَاجٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَهُنَّ عَمَّا جُبِلْنَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى طَرِيقَةٍ
(إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهَا) أَيْ تَرُدَّهَا إِلَى إِقَامَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَبَالَغْتَ فِيهَا مَا سَامَحْتَهَا فِي أُمُورِهَا وما تغافلت عن بعض أفعالها
قاله القارىء (كَسَرْتَهَا) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمُعْوَجِّ الشَّدِيدِ الْيَابِسِ فِي الْحِسِّ
زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وكسرها وطلاقها (اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ أَيْ مَعَ عِوَجٍ لَا انْفِكَاكَ لَهَا عَنْهُ
وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ قَوْلُهُ(4/308)
(وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَمُخَرَّجٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُهُ أَبُوهُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ)
[1189] قَوْلُهُ (طَلِّقْ امْرَأَتَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ كَانَ يُحِبُّهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ وَيَلْحَقُ بِالْأَبِ الأم لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهَا مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْوَلَدِ مَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْأَبِ
كَمَا فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ أُمَّكَ
قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ
قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ
قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أَبَاكَ
الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ
4 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا)
[1190] قَوْلُهُ (لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُخْتِ الْأُخْتُ فِي الدِّينِ
يُوَضِّحُ هَذَا مَا رَوَاهُ(4/309)
بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ (لِتُكْفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا) أَيْ لِتَقْلِبَ مَا فِي إِنَائِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأْتُهُ إِذَا كَبَبْتُهُ وَإِذَا أَمَلْتُهُ
وهَذَا تَمْثِيلٌ لِإِمَالَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا إِلَى نفسها إذا سألت علاقها انْتَهَى
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لِتَسْتَفْرِغَ صَحِيفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَسْأَلَ رَجُلًا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ بِهَا انْتَهَى
وحمل بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأُخْتَ هُنَا عَلَى الضَّرَّةِ فَقَالَ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا لِتَنْفَرِدَ بِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُمْكِنُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ الشَّرْطِ (يَعْنِي بِلَفْظِ لَا يَصْلُحُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تشترط طلاق أختها لتكفىء إِنَاءَهَا) فَظَاهِرٌ أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ
ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِيهَا وَلْتَنْكِحْ أَيْ وَلْتَتَزَوَّجْ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ يُطَلِّقَ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَعْتُوهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَاءٌ النَّاقِصُ الْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ
والْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ انْتَهَى
[1191] قَوْلُهُ (كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ) أَيْ وَاقِعٌ (إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ عُتِهَ كَعُنِيَ عَتْهًا وَعُتْهًا وَعُتَاهًا فَهُوَ مَعْتُوهٌ نَقَصَ عَقْلُهُ أَوْ فُقِدَ أَوْ دُهِشَ انْتَهَى
وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمَعْتُوهُ هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ وَقَدْ عُتِهَ فَهُوَ مَعْتُوهٌ انْتَهَى (الْمَغْلُوبُ عَلَى عقله) تفسير المعتوه وأورد صاحب المشكلة هذا الحديث بلفظ والمعتوه قال القارىء كَأَنَّهُ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمَغْلُوبِ بِلَا(4/310)
وَاوٍ
(هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ) أَيْ غَيْرُ حَافِظٍ لَهُ قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ وَهُوَ حَنَفِيٌّ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ وَيُعْرَفُ بِالْعَطَّارِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ
قال بن مَعِينٍ وَالْفَلَّاسُ كَذَابٌ
وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
زَادَ أَبُو حَاتِمٍ جِدًّا
وهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ وَوَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لَا يَجُوزُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وفيه خلاف قديم ذكر بن أبي شيبة من طريق نافع أن المحير بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ مَعْتُوهًا فأمرها بن عُمَرَ بِالْعِدَّةِ
فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ مَعْتُوهٌ
فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ اسْتَثْنَى لِلْمَعْتُوهِ طَلَاقًا ولا غيره
وذكر بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ انْتَهَى
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ يَعُمُّ السَّكْرَانَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَالْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ وَالْمَرِيضَ الزَّائِلَ عَقْلُهُ بِالْمَرَضِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمْ
وكَذَا الصَّبِيُّ
وفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ والمجنون والنائم
والمعتوه كالمجنون
قال بن الْهُمَامِ قِيلَ هُوَ قَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُشْتَمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ
وقِيلَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إِلَّا نَادِرًا وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ
وهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يُحْكَمَ بِالْعَتَهِ عَلَى أَحَدٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَا قِيلَ مَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ غَالِبًا مَعْنَاهُ يَكْثُرُ مِنْهُ
وقِيلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَنْ قَصْدِهِ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ وَالْمَجْنُونُ بِلَا قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ خِلَافُهُمَا وَقَدْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ أَحْيَانًا وَالْمُبْرَسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَدْهُوشُ كَذَلِكَ
وهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ أَيْضًا أَبُو الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ وَعُمَرُ بن عبد العزيز(4/311)
ذكره بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَقَعُ
قَالَ وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ بِسُكْرِهِ وَقَالَ بِوُقُوعِهِ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ
وبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ الْمُصَحَّحُ مِنْهُمَا وُقُوعُهُ
والْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْعَكْسِ
وقال بن الْمُرَابِطِ إِذَا تَيَقَّنَّا ذَهَابَ عَقْلِ السَّكْرَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ
وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ حَدَّ السُّكْرِ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ مَا يَقُولُ
وهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَأْبَاهُ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِعْلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الْخِطَابُ بِذَلِكَ وَلَا الْإِثْمُ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي السُّكْرِ أَوْ فِيهِ
وأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ فَاقِدِ الْعَقْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَامَ انْتَقَلَ إِلَى بَدَلٍ وَهُوَ القعود فافترقا
وأجاب بن الْمُنْذِرِ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِأَنَّ النَّائِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَلَا يَقَعُ طلاقه فافترقا انتهى كلام الحافظ
6 - باب [1192] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ شُبَيْبٍ) الْمَكِّيُّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ
ونُقِلَ عَنْ هَامِشِ الْخُلَاصَةِ عَنِ التَّهْذِيبِ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْلُهُ (كَانَ النَّاسُ) أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَصْلِيَّةٌ وَالْمَعْنَى كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ في العدة
وإن طلقها مائة مرة أو أكثر (ولا أؤويك) مِنَ الْإِيوَاءِ أَيْ لَا أُسْكِنُكِ فِي مَنْزِلِي قال فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَرَادَ الرَّجْعَةَ انْتَهَى
قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَوَيْتُ مَنْزِلِي وَإِلَيْهِ أُوِيًّا بِالضَّمِّ ويكسر وأويت تأية وتأويت وأتويت وئتويت نزلته بنفسي أسكنته وَأَوَّيْتُهُ وَآوَيْتُهُ أَنْزَلْتُهُ انْتَهَى (فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكَ أن(4/312)
تَنْقَضِيَ) الْهَمُّ الْقَصْدُ أَيْ فَكُلَّمَا أَرَادَتْ وَقَصَدَتْ عِدَّتُكَ الِانْقِضَاءَ وَالْمَعْنَى كُلَّمَا قَرُبَ كَانَ انْقِضَاءُ عدتك (الطلاق مرتان) قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مَرَّتَانِ وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إِلَّا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ
وهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ قَوْلُ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ
وقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ التَّطْلِيقَ الشَّرْعِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَطْلِيقَةً بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ عَلَى التَّفْرِيقِ دُونَ الْجَمْعِ وَالْإِرْسَالِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ حرام إلا أن أبا حنيفة رح قَالَ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا (فَإِمْسَاكٌ بمعروف) يَعْنِي بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ (أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان) يَعْنِي أَنَّهُ يَتْرُكُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عدتها من غيره مُضَارَّةٍ وَقِيلَ هُوَ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا أَدَّى إِلَيْهَا جَمِيعَ حُقُوقِهَا الْمَالِيَّةِ وَلَا يَذْكُرُهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بِسُوءٍ وَلَا يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْهَا كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْخَازِنِ (فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ) وفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُرْوَةَ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ) يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ أَوْثَقُ مِنْ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)
تَضَعُ الْمَقْصُودُ أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ
[1193] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي السنابل) بفتح(4/313)
الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِاللَّامِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ حَبَّةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (بْنِ بَعْكَكٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْكَافِ الْأُولَى (وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ لَهَا صُحْبَةٌ وذكرها بن سَعْدٍ فِي الْمُهَاجِرَاتِ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ (بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَلَمَّا تَعَلَّتْ) أَيْ طَهُرَتْ مِنَ النِّفَاسِ (تَشَوَّفَتْ لِلنِّكَاحِ) أَيْ تَزَيَّنَتْ لِلْخُطَّابِ تَشَوَّفَ لِلشَّيْءِ أَيْ طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَيْهِ (فَقَالَ إِنْ تَفْعَلْ) أَيْ سُبَيْعَةُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّشَوُّفِ لِلنِّكَاحِ (فَقَدْ حَلَّ أَجَلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ لِلْأَسْوَدِ شَيْئًا عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْأَسْوَدُ مِنْ كِبَارِ التابعين من أصحاب بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ وَلَوْ مَرَّةً فَلِهَذَا قَالَ مَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا أَعْرِفُ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لكن جزم بن سَعْدٍ أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنًا وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول بن الْبَرْقِيِّ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ تَزَوَّجَ سُبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْلَدَهَا سَنَابِلَ بْنَ أَبِي السَّنَابِلِ
ومُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَبُو السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ الشَّابَّ
وكَذَا فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَتًى مِنْ قَوْمِهَا وَقِصَّتُهَا كَانَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيَحْتَاجُ أَنْ كَانَ الشَّابُّ دَخَلَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا إِلَى زَمَانِ عِدَّةٍ مِنْهُ ثُمَّ إِلَى زَمَانِ الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ وَتَلِدَ سَنَابِلَ حَتَّى صَارَ أَبُوهُ يُكَنَّى بِهِ أَبَا السَّنَابِلِ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ(4/314)
السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَارِ إِنَّ الْحَامِلَ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ انْتَهَى
وهُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ تَعْتَدُّ اخر الأجلين) أي كن وَضَعَتْ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ تَرَبَّصَتْ إِلَى انْقِضَائِهَا وَلَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْوَضْعِ تَرَبَّصَتْ إِلَى الْوَضْعِ
وبِهِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ بسند صحيح
وبه قال بن عَبَّاسٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَتْبَاعِهِ وِفَاقُ الْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [1194] قَوْلُهُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ (بِيَسِيرٍ) جَاءَ فِيهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُتَعَذِّرٌ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ
قَالَ وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ نِصْفُ شَهْرٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم(4/315)
18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)
[1195] قَوْلُهُ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ هِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ أَيْ الَّتِي ذَكَرْتُهَا بَعْدُ وَهِيَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ طِيبٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ أَوْ غَيْرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عُطِفَ على خلوق (مالي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ آثَارَ الْحُزْنِ بَاقِيَةٌ عِنْدَهَا لَكِنْ لَمْ يَسَعْهَا إِلَّا امْتِثَالُ الْأَمْرِ (أَنْ تُحِدَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِحْدَادِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ فَهِيَ مُحِدَّةٌ وَحَدَّتْ تَحُدُّ فَهِيَ حَادَّةٌ إِذَا حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَلَبِسَتْ ثِيَابَ الْحُزْنِ وَتَرَكَتِ الزِّينَةَ
وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ يُقَالُ حَدَّتْ وَأَحَدَّتْ حِدَادًا وَإِحْدَادًا إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ فَالْمَعْنَى أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ الزِّينَةِ وَتَتْرُكَ الطِّيبَ (عَلَى مَيِّتٍ) أَيْ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) قَالَ النَّوَوِيُّ جُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ فِيهَا يُنْفَخُ(4/316)
الروح في الولد وعشر لِلِاحْتِيَاطِ انْتَهَى
[1196] (وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا) وفِي الْمِشْكَاةِ وقد اشتكت عينها قال القارىء بِالرَّفْعِ وفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِرَفْعِ النُّونِ
ووَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عَيْنَاهَا بِالْأَلِفِ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ وَيَجُوزُ ضَمُّ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ وَفَتْحُهَا فَيَكُونُ فِي اشْتَكَتْ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْحَادَّةُ وقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَيْنَاهَا انْتَهَى كلام القارىء قُلْتُ وَقَدْ رَجَّحَ الثَّانِيَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ بِلَفْظِ وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا [1197] أَفَنَكْحُلُهَا بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَنَعَ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ إِلَى الِابْنَةِ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي كُلُّ ذَلِكَ قال القارىء بِالنَّصْبِ وفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ يَقُولُ لَا قَالَ بن الْمَلِكِ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا فِي رَمَدٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِهِ فِي الرَّمَدِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ تَكْتَحِلُ لِلرَّمَدِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا انْتَهَى إِنَّمَا هِيَ أَيْ عِدَّتُكُنَّ فِي الدِّينِ الْآنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ القرآن وفي المشكاة عشر بالرفع قال القارىء كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَرْبَعَةٍ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ رَوْثُ الْبَعِيرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَعْرُ وَيُحَرَّكُ وَاحِدَتُهُ بِهَاءٍ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ أَيْ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تُوفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ بَيْتًا ضَيِّقًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا فِيهِ زِينَةٌ حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَكْسِرُ بِهَا مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِأَنْ تَمْسَحَ بِهَا قُبُلَهَا ثُمَّ تَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا وَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا فَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا شُرِعَ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنَ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي مَسْكَنِهَا وَتَرْكِ التَّزَيُّنِ وَالتَّطَيُّبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ مَا تُكَابِدُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ حَدِيثُ زَيْنَبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هذا عند(4/317)
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ إِلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الِاكْتِحَالِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ لَهَا سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ولَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا يَحِلُّ وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِذَا فعلت ممسحته بِالنَّهَارِ انْتَهَى
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ)
الْمُظَاهِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الظِّهَارِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
وإِنَّمَا خُصَّ الظَّهْرُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ غَالِبًا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرُّكُوبُ ظَهْرًا فَشُبِّهَتِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الرَّجُلِ فَلَوْ أَضَافَ لِغَيْرِ الظَّهْرِ كَالْبَطْنِ مَثَلًا كَانَ ظِهَارًا عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ واخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأُمَّ كَأَنْ قَالَ كَظَهْرِ أُخْتِي مَثَلًا فَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأُمِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ
وكَذَا فِي حَدِيثِ خَوْلَةَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْسٌ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يَكُونُ ظِهَارًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وكَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
ومَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ هُوَ تَشْبِيهُ زَوْجَتِهِ أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا أَوْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْهَا بِعُضْوٍ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ مَحَارِمِهِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا كَانَتْ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ رَأْسِكِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ نِصْفِكِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَيَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا وَيَحْرُمُ وطئها وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يُكَفِّرَ انْتَهَى
[1198] قَوْلُهُ (فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ) أَيْ يُجَامِعُ (قَالَ) تَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ قَالَ فِي شَأْنِ الْمُظَاهِرِ إِلَخْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَنْعَنَةِ
(وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) قال(4/318)
القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَكِنْ لَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ
وفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيُكَفِّرُ ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ
ونُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ
وحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ [1199] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا) قَالَ فِي الصُّرَاحِ خَلْخَالٌ بِالْفَتْحِ باي برنجن جَمْعُهُ خَلَاخِيلُ
وفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ رَأَيْتُ بَيَاضَ حَجْلَيْهَا فِي الْقَمَرِ
والْحَجَلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ الْخَلْخَالُ (فَلَا تَقْرَبْهَا) أَيْ لَا تُجَامِعْهَا (حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ) أَيْ الْكَفَّارَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ أَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ بِالْإِرْسَالِ وَقَالَ بن حَزْمٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَا يَضُرُّ إِرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ
وأَخْرَجَ الْبَزَّارُ شَاهِدًا لَهُ مِنْ طَرِيقِ خصيف عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي فَرَأَيْتُ سَاقَهَا فِي الْقَمَرِ فَوَاقَعْتُهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ
فَقَالَ كَفِّرْ وَلَا تَعُدْ
وقَدْ بَالَغَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ لَيْسَ فِي الظِّهَارِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ(4/319)
20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ)
[1200] قَوْلُهُ (أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ) هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (أَحَدَ بَنِي بَيَاضَةَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ سَلْمَانَ (حَتَّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُوَقِّتِ (وَقَعَ عَلَيْهَا) أَيْ جَامَعَهَا وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ كنت امرأ قَدْ أُوتِيتُ فِي جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأَتَتَابَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ وَأَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ فَبَيْنَا هِيَ تَخْدُمُنِي مِنَ اللَّيْلِ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ لَهُمْ انْطَلَقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ بِأَمْرِي
فَقَالُوا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَقَالَ لِي أَنْتَ بِذَاكَ فَقُلْتُ أَنَا بِذَاكَ
فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ فَقُلْتُ أَنَا بِذَاكَ
فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ قُلْتُ نَعَمْ هَا أَنَا ذَا فَامْضِ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنَا صَابِرٌ لَهُ (أَعْتِقْ رَقَبَةً) ظَاهِرُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُؤْمِنَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُ الْكَافِرِ لِأَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْيِيدَ حُكْمٍ بِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ مُخَالِفٌ لَا يَصِحُّ وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ الْإِسْلَامِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِعْتَاقِ جَارِيَتِهِ عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ قَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ
ولَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَغَيْرِهِ قُلْتُ فِيهِ شَيْءٌ فَتَفَكَّرْ (قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا(4/320)
أَسْتَطِيعُ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي الصَّوْمِ (قَالَ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا
قَالَ لَا أَجِدُ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا وَحْشًا مَا لَنَا عَشَاءٌ
(لِفَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْبَيَاضِيِّ الْأَنْصَارِيِّ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ
رَوَى عَنْهُ أَبُو حَازِمٍ التَّمَّارُ (ذَلِكَ الْعَرَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ (وَهُوَ مِكْتَلٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِكْتَلُ كَمِنْبَرٍ زِنْبِيلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا انْتَهَى
وقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ زِنْبِيلٌ مَنْسُوجٌ مِنْ خُوصٍ
وفِي الْقَامُوسِ عَرَقُ التَّمْرِ الشَّقِيقَةُ الْمَنْسُوجَةُ مِنَ الْخُوصِ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ أَوْ الزِّنْبِيلُ نَفْسُهُ وَيُسَكَّنُ انْتَهَى
وهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي (إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ لِيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَإِنَّ الْعَرَقَ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا
وقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهَا فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ دُونَهُمْ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ
وقال أبو حنيفة وأصحابه انه يجزئ إِطْعَامُ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا انْتَهَى
وقَالَ الطِّيبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وصححه بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَقَدْ أَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِالِانْقِطَاعِ وَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ سَلَمَةَ
وقَدْ حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وأَخْرَجَ حَدِيثَهَا أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ بِالْعَنْعَنَةِ(4/321)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِيلَاءِ)
هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَلِيَّةِ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَالْجَمْعُ أَلَايَا وَزْنُ عَطَايَا قَالَ الشَّاعِرُ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ بيمينه فَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ فَجُمِعَ بَيْنَ الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وفِي الشَّرْعِ الْحَلِفُ الْوَاقِعُ مِنَ الزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ
ويَأْتِي الْكَلَامُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَنْ قَرِيبٍ [1201] قَوْلُهُ (آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْإِيلَاءِ أَيْ حَلَفَ (وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا إِلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْعَسَلُ
وقيل تحريم مارية
وروى بن مَرْدَوَيْهِ عَنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ مَا يُفِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لك الْآيَةِ وَمُدَّةُ إِيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرٌ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ إِيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ سَبَبُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ
واخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي بَيَانِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ
وقَدْ اخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا قَالُوا فَإِنَّ مَنْ أَخْرَجَهُ حَلَفَ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا لم يكن مؤليا
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) لِيُنْظَرْ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ الْحَدِيثَ
وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ علقمة) وأخرجه بن مَاجَهْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَلَكِنَّهُ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إِرْسَالَهُ عَلَى وَقْفِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يقرب امرأته أربعة أشهر وأكثر)
الْحَلِفُ وفِي الشَّرْعِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُكَ وَلَمْ يَقُلْ وَاللَّهِ
لم يكن موليا
وقد فسر بن عَبَّاسٍ بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نسائهم بالقسم الإيلاء في(4/322)
اللغة أخرجه عبد الرزاق وبن الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وفِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بن كعب للذين يقسمون
أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنْ حَمَّادٍ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةَ أشهر يكون مؤليا
واشْتَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهَا أَوْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ
فَإِنْ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا
ووَافَقَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ
وكَذَلِكَ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عن بن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ
وحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ إِطْلَاقَ قوله تعالى للذين يؤلون الْآيَةَ
واتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ أَقَلَّ مِنْ أربعة أشهر لا يكون مؤليا
وكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بن حميد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ إِيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ) أَيْ الْمُولِي يَعْنِي لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّلَاقُ بَلْ يُوقَفُ الْمُولِي (فَإِمَّا يَفِيءُ) أَيْ يَرْجِعُ (وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ) وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَسَائِرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا سَتَعْرِفُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عُمَرَ قَالَ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ يَعْنِي الْمُولِيَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مِنْ وَصْلِ هَذِهِ الْآثَارِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفَارِيعَ يَطُولُ شَرْحُهَا مِنْهَا أَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ فِيهِ رَجْعِيًّا لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ إِلَّا إِنْ جَامَعَ فِي الْعِدَّةِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ فَإِذَا انْقَضَتْ فَعَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ
فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَتَّى يُحْدِثَ رُجُوعًا أَوْ طَلَاقًا
ثُمَّ رُجِّحَ قَوْلُ الْوَقْفِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ قَدْ يَقَعُ بِالْأَكْثَرِ مع موافقة ظاهر القرآن
ونقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ لَمْ يَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تَكُونُ طَلَاقًا وَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْعَزْمُ على الفيء(4/323)
فَيْئًا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّذِي لَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ تَقْتَضِي طَلَاقًا
وقَالَ غَيْرُهُ الْعَطْفُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ التَّرَبُّصِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِيَقَعَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهَا
وقَالَ غَيْرُهُ جَعَلَ اللَّهُ الْفَيْءَ وَالطَّلَاقَ مُعَلَّقَيْنِ بِفِعْلِ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ فَاءُوا وان عزموا
فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ
وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي موطإه
بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ فَقَدْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ الأربعة
وقال بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن الله سميع عليم قَالَ الْفَيْءُ الْجِمَاعُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا مَضَتْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَلَا يُوقَفُ بَعْدَهَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةِ انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ
قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
ويُوَافِقُهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَتَفَكَّرْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ)
هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ لِأَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
واخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ دُونَ الْغَضَبِ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ قول الرجل وهو الذي بدأ بِهِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَيْضًا يُبْدَأُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيَسْقُطَ عَنِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ عَكْسٍ
وقِيلَ سُمِّيَ لِعَانًا لِأَنَّ اللَّعْنَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ(4/324)
كَاذِبًا لَمْ يَصِلْ ذَنْبُهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ كَاذِبَةً فَذَنْبُهَا أَعْظَمُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلْوِيثِ الْفِرَاشِ وَالتَّعَرُّضِ لِإِلْحَاقِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الزَّوْجِ بِهِ فَتَنْتَشِرُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ وَالْمِيرَاثُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُمَا
قَالَهُ الحافظ في الفتح
وقال بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ وَاللَّعْنُ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وفِي الْفِقْهِ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْلُومَاتِ وَشَرْطُهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَسَبَبُهُ قَذْفُ زَوْجَتِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَحُكْمُهُ حُرْمَتُهَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ
فَإِنَّ اللعان شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ عِنْدَنَا
وأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالشَّهَادَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ
انْتَهَى كَلَامُ بن الْهُمَامِ مُخْتَصَرًا
[1202] قَوْلُهُ (فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَيْ حِينَ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ (فَمَا دَرَيْتُ) أَيْ مَا عَلِمْتُ (فَقُمْتُ مَكَانِي إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) وفِي رواية لمسلم فمضيت إلى منزل بن عُمَرَ بِمَكَّةَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ فَقُمْتُ مَكَانِي وَسَافَرْتُ إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ
وفِي رِوَايَةِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنَّا بِالْكُوفَةِ نَخْتَلِفُ فِي الْمُلَاعَنَةِ يَقُولُ بَعْضُنَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ بَعْضُنَا لَا يُفَرَّقُ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ سَافَرَ مِنَ الْكُوفَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا وَقَدِ اسْتَمَرَّ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقْتَضِي الْفُرْقَةَ وكأنه لم يبلغه حديث بن عُمَرَ انْتَهَى (أَنَّهُ قَائِلٌ) مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النوم نصف النهار (فقال بن جبير) برفع بن وهو استفهام أي أأنت بن جُبَيْرٍ (مُفْتَرِشٌ بَرْدَعَةَ رَحْلٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالدَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ برذعة كَليم كَه زير بالان بريشت شترنهند انْتَهَى
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَرْدَعَةُ الْحِلْسُ يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ وَقَالَ فيه البرذعة البردعة انتهى
وفيه زهادة بن عُمَرَ وَتَوَاضُعُهُ
وزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هَذَا كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(4/325)
(والذين يرمون أزواجهم) بالزنى (ولم يكن لهم شهداء) عليه (إلا أنفسهم) وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ (حَتَّى خَتَمَ الْآيَاتِ) وَالْآيَاتُ مَعَ تفسيرها هكذا (فشهادة أحدهم) مبتدأ (أربع شهادات) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ (بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رمي به من زوجته من الزنى (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ من الكاذبين) فِي ذَلِكَ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ يُدْفَعُ عِنْدَ حَدِّ الْقَذْفِ (وَيَدْرَأُ) يَدْفَعُ (عَنْهَا الْعَذَابَ) أَيْ حَدَّ الزنى الَّذِي ثَبَتَ بِشَهَادَاتِهِ (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به من الزنى (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ من الصادقين) فِي ذَلِكَ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بالستر في ذلك (وأن الله تواب) بِقَبُولِهِ التَّوْبَةَ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ (حَكِيمٌ) فِيمَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ لَبَيَّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَعَاجَلَ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ
قَوْلُهُ (وَذَكَّرَهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ خَوَّفَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا) وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ (أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) وَالْعَاقِلُ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَعْسَرِ (وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا) وَهُوَ الرَّجْمُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَعِظُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيُخَوِّفُهُمَا مِنْ وَبَالِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدُّ أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ (فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ) فِيهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ فِي اللِّعَانِ يَكُونُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ حَدَّ قَذْفِهَا وَيَنْفِي النَّسَبَ إِنْ كَانَ
ونَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ لَوْ لَاعَنَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهَا وَصَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ(4/326)
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إِلَخْ) وَهَذِهِ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) احْتَجَّ بِهِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَتَّى يُوقِعَهَا عَلَيْهِمَا الْحَاكِمُ
وذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ قَالَ مَالِكٌ وَغَالِبُ أَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَرْأَةِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الزَّوْجِ
واعْتُلَّ بِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَلِحَاقُ الْوَلَدِ وَزَوَالُ الْفِرَاشِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ فَرَاغِ الرَّجُلِ وفِيمَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ بِفِرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أخرجه الشيخان (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا (وَحُذَيْفَةَ) لِيُنْظَرْ من أخرجه (وبن مسعود) أخرجه مسلم قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[1203] قَوْلُهُ (لَاعَنَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ) هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعِجْلَانِيُّ وَزَوْجَتُهُ خَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الْعِجْلَانِيَّةُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ
وقَدْ وَقَعَ اللِّعَانُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من صَحَابِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا عُوَيْمِرٌ الْعِجْلَانِيُّ رَمَى زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بن سَحْمَاءَ فَتَلَاعَنَا وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
وثَانِيهِمَا هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَخَبَرُهُمَا مَرْوِيٌّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَفَرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم) قال القارىء فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي وَالْحَاكِمِ
وقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ تَلَاعُنِهِمَا
وهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ انْتَهَى (وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْأُمِّ) أَيْ فِي النَّسَبِ وَالْوِرَاثَةِ فَيَرِثُ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا وَتَرِثُ مِنْهُ وَلَا وِرَاثَةَ بَيْنَ الْمُلَاعِنِ وَبَيْنَهُ
وبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عند البخاري وغيره قال يعني بن شِهَابٍ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه(4/327)
23 - (بَاب مَا جَاءَ أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)
[1204] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) الْبَلَوِيِّ الْمَدَنِيِّ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ زَوْجِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ لَهَا صُحْبَةٌ (أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (وَهِيَ) أَيْ الْفُرَيْعَةُ زَيْنَبُ (أَنَّهَا) أَيْ الْفُرَيْعَةُ (تَسْأَلُهُ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (فِي بَنِي خُدْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو قَبِيلَةٍ (فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ جَمْعُ عَبْدٍ (أَبَقُوا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَرَبُوا (حَتَّى إِذَا كَانَ) أَيْ زَوْجُهَا (بِطَرَفِ الْقَدُومِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ) أَيْ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (قَالَ امْكُثِي) بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ تَوَقَّفِي وَاثْبُتِي (فِي بَيْتِكِ) أَيْ الَّذِي كُنْتِ فِيهِ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ) أَيْ الْعِدَّةُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا أَيْ الْمَفْرُوضَةُ (أَجَلَهُ) أَيْ مُدَّتَهُ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسُمِّيَتِ الْعِدَّةُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَيْ فُرِضَ (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ) أَيْ خَلِيفَةً وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِين(4/328)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ في الموطإ وأبو داود والنسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
وقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والذهلي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِلَخْ)
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي السكنى المعتدة عَنِ الْوَفَاةِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَهَا السُّكْنَى وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَالُوا إِذْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفُرَيْعَةِ أَوَّلًا صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ إِلَخْ
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ
والْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا بَلْ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلْفُرَيْعَةِ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ لَهَا آخِرًا امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ انْتَهَى
وحُجَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْبَابِ وَاسْتَدَلَّ عَلِيٌّ القارىء عَلَى عَدَمِ خُرُوجِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متاعا إلى الحول غير إخراج فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا
ولَمَّا نَسَخَ مُدَّةَ الْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعشرا وَالْوَصِيَّةِ بَقِيَ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَلَى حَالِهِ انْتَهَى
(وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
فَفِي مُوَطَّأِ الإمام محمد عن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيتُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِلَّا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ فِي حَوَائِجِهَا وَلَا تَبِيتُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ مَبْتُوتَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَبْتُوتَةٍ فَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) وهو قول علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَمَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
وقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ أَنَّهَا تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ
وهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالظَّاهِرِيَّةِ انْتَهَى
واسْتُدِلَّ لَهُمْ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُتَوَفَّى(4/329)
عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ وهو ضعيف قال بن الْقَطَّانِ وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَعَطَاءٌ مُخْتَلَفٌ وَأَبُو مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ وَذِكْرُ الْجَمِيعِ أَصْوَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
(وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّ دَلِيلَهُ أَصَحُّ مِنْ دَلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي
قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي بَلَغَهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَهِيَ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ وعثمان وبن عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أكثر أصحاب بن مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ
وأَخْرَجَهُ حَمَّادٌ عن بن سِيرِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَحَدِيثُ فُرَيْعَةَ لَمْ يَأْتِ مَنْ خَالَفَهُ بِمَا يَنْتَهِضُ لمعارضته فالتمسك به متعين انتهى(4/330)
13 - (أبواب الْبُيُوعِ)
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الشُّبُهَاتِ)
[1205] قَوْلُهُ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِمُوَحَّدَةٍ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ قَالَ مَكْحُولٌ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ تُوفِّيَ سَنَةَ 301 ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ
قَوْلُهُ (الْحَلَالُ بَيِّنٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حِلِّهِ أَوْ مُهِّدَ أَصْلٌ يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خَلَقَ لَكُمْ مَا في الأرض جَمِيعًا) فَإِنَّ اللَّامَ لِلنَّفْعِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ (وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ) أَيْ ظَاهِرٌ لَا تَخْفَى حُرْمَتُهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حُرْمَتِهِ كَالْفَوَاحِشِ وَالْمَحَارِمِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهَا أَوْ مُهِّدَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ نَحْوُ كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَبَيْنَهُمَا (مُشْتَبِهَاتٌ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أُمُورٌ مُلْتَبِسَةٌ غَيْرُ مُبَيَّنَةٍ لِكَوْنِهَا ذَاتَ جِهَةٍ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ كَثِيرٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِهَا مُمْكِنٌ لَكِنْ لِلْقَلِيلِ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ فَالشُّبُهَاتُ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ
وقَدْ تَقَعُ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ(4/331)
أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ (فَمَنْ تَرَكَهَا) أَيْ الْمُشْتَبِهَاتِ (اسْتِبْرَاءً) اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْبَرَاءَةِ أَيْ طَلَبًا لِلْبَرَاءَةِ (لِدِينِهِ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ (وَعِرْضِهِ) مِنْ كَلَامِ الطَّاعِنِ (فَقَدْ سَلِمَ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَالطَّعْنِ (وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مَنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُشْتَبِهَاتِ (يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ) أَيْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ (كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ وَهُوَ الْمَرْعَى الَّذِي يَحْمِيهِ السُّلْطَانُ مِنْ أَنْ يَرْتَعَ مِنْهُ غَيْرُ رُعَاةِ دَوَابِّهِ
وهَذَا الْمَنْعُ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ) أَيْ يَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحِمَى قَالَ الْحَافِظُ فِي اخْتِصَاصِ التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ نُكْتَةٌ وَهِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْعَرَبِ كَانُوا يَحْمُونَ لِمَرَاعِي مَوَاشِيهِمْ أَمَاكِنَ مُخْتَصَّةً يَتَوَعَّدُونَ مَنْ يَرْعَى فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ فَمَثَّلَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ فَالْخَائِفُ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمُرَاقِبُ لِرِضَا الْمَلِكِ يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ الْحِمَى خَشْيَةَ أَنْ تَقَعَ مَوَاشِيهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَبُعْدُهُ أَسْلَمُ لَهُ وَلَوْ اشْتَدَّ حَذَرُهُ
وغَيْرُ الْخَائِفِ الْمُرَاقِبُ يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْعَى مِنْ جَوَانِبِهِ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْفَرِدَ الْفَاذَّةُ فَتَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ يَمْحَلُ الْمَكَانُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيَقَعُ الْخِصْبُ فِي الْحِمَى فَلَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَلِكُ حَقًّا وَحِمَاهُ مَحَارِمُهُ (أَلَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَحَرْفِ النَّفْيِ لِإِعْطَاءِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ مَا بَعْدَهَا (وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى) أَيْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ أَوِ إِخْبَارٌ عما يكون عليه ظلمة الاسلامية
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ هِيَ الِابْتِدَائِيَّةُ الَّتِي تُسَمِّي النُّحَاةُ الِاسْتِئْنَافِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى انْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فِي الْجُمَلِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي (أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) وَهِيَ أَنْوَاعُ الْمَعَاصِي فَمَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ
زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(4/332)
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الرِّبَا)
[1206] قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا) أَيْ آخِذَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وإنما خُصَّ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)
(وَمُؤْكِلَهُ) بِهَمْزٍ وَيُبَدَّلُ أَيْ مُعْطِيهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ هُوَ الْأَغْلَبُ أَوْ الْأَعْظَمُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ) وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عن جابر وزادهم سَوَاءٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمُبَايَعَةِ بَيْنَ الْمُتَرَابِيَيْنِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا وفِيهِ تَحْرِيمُ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ انْتَهَى
وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عن بن مَسْعُودٍ آكِلُ الرِّبَا وَمُؤْكِلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَوْلُهُ (وفِي الباب عن عمر) أخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَعَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ إِلَخْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي الْكَذِبِ وَالزُّورِ وَنَحْوِهِ)
[1207] قَوْلُهُ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَبَائِرِ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ قَطْعُ صِلَتِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَالْمُرَادُ عُقُوقُ أَحَدِهِمَا(4/333)
قِيلَ هُوَ إِيذَاءٌ لَا يُتَحَمَّلُ مِثْلُهُ مِنَ الْوَلَدِ عَادَةً وَقِيلَ عُقُوقُهُمَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً
وفِي مَعْنَاهُمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ (وَقَتْلُ النَّفْسِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَقَوْلُ الزُّورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَسُمِّيَ زُورًا لِمَيَلَانِهِ عَنْ جِهَةِ الْحَقِّ
ووَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مَكَانُ وَقَوْلُ الزُّورِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مصغرا بن الْأَخْرَمِ الْأَسَدِيِّ أَبِي عَطِيَّةَ الشَّامِيِّ الشَّاعِرِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ
وقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَأَخْرَجَ حديثه أحمد والترمذي
وأخرج أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ مَرْفُوعًا عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَرَأَ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) رَوَاهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خريم إلا أن بن ماجه لم يذكر القراءة (وبن عمر رضي الله عنه) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شَاهِدِ الزور حتى يوجب الله له بالنار
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(بَاب مَا جَاءَ فِي التُّجَّارِ وَتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ [1208] قَوْلُهُ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ) بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَزَايٍ مَفْتُوحَاتٍ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (نَحْنُ نُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ نُدْعَى (السَّمَاسِرَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ جَمْعُ السِّمْسَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السِّمْسَارُ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ الْحَافِظُ وَهُوَ اسْمٌ لِلَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُتَوَسِّطًا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَالسَّمْسَرَةُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ انْتَهَى
(فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ) وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ هَكَذَا كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِلَخْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ السِّمْسَارُ أَعْجَمِيٌّ وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعَالِجُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِيهِمْ عَجَمًا فَتَلْقَوْا هَذَا الِاسْمَ عَنْهُمْ فَغَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ انْتَهَى
(إِنَّ الشَّيْطَانَ(4/334)
وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ
(فَشُوبُوا) أَمْرٌ مِنَ الشَّوْبِ بِمَعْنَى الْخَلْطِ أَيْ اخْلِطُوا (بَيْعَكُمْ بالصدقة) فإنها تطفىء غَضَبَ الرَّبِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (ورفاعة) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ إِلَّا مَنْ بَرَّ وَصَدَقَ
قَالَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمَا حَدِيثَيْنِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو حَازِمٍ أَيْضًا مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الخلاصة فِي تَرْجَمَتِهِ يُرْوَى عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَمُجَاهِدٍ وعنه الثوري وحكام بن سلم وثقه بن حِبَّانَ (عَنِ الْحَسَنِ) بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مَشْهُورٌ وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا ويدلس قاله الْبَزَّارُ كَانَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ وَيَقُولُ حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ هُوَ رَأْسُ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ عَشْرَةٍ وَمِائَةٍ وَقَارَبَ التِّسْعِينَ
[1209] قَوْلُهُ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ إِلَخْ) أَيْ مَنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ كَانَ فِي زُمْرَةِ الأبراء مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَمَنْ تَوَخَّى خِلَافَهُمَا كَانَ فِي قَرْنِ الْفُجَّارِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْعَاصِينَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ كِلَاهُمَا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى رِعَايَةِ الْكَمَالِ فِي هَذَيْنِ الصِّفَتَيْنِ حَتَّى يَنَالَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَقَالَ(4/335)
الْحَاكِمُ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ وفِي الباب عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشهداء يوم القيامة
أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَاعْتُرِضَ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ القيامة أخرجه الأصفهاني في ترغيبه
وعن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ لَا يُحْجَبُ مِنْ أبواب الجنة
أخرجه بن النَّجَّارِ
[1210] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ (بْنِ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَنْ أَبِيهِ) عُبَيْدٍ (عَنْ جَدِّهِ) رِفَاعَةَ وَهُوَ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ أَبُو مُعَاذٍ الْمَدَنِيُّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ لَهُ أحاديث انفرد لَهُ الْبُخَارِيُّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ وَعَنْهُ ابْنَاهُ مُعَاذٌ وَعُبَيْدٌ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ التُّجَّارَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعُ تَاجِرٍ (يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا) جَمْعُ فَاجِرٍ مِنَ الْفُجُورِ (إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ) بِأَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَا صَغِيرَةً مِنْ غِشٍّ وَخِيَانَةٍ أَيْ أَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ فِي تِجَارَتِهِ أَوْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ (وَصَدَقَ) أَيْ فِي يَمِينِهِ وَسَائِرِ كَلَامِهِ
قَالَ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مِنْ دَيْدَنِ التُّجَّارِ التَّدْلِيسُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّهَالُكُ عَلَى تَرْوِيجِ السِّلَعِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَنَحْوِهَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفُجُورِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى الْمَحَارِمَ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ
وإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّارِحُونَ وَحَمَلُوا الْفُجُورَ عَلَى اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
(بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ كَاذِبًا)
[1211] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَكَسْرِ الرَّاءِ فَاعِلٌ مِنَ الْإِدْرَاكِ ثِقَةٌ (عَنْ خَرَشَةَ) بِفَتَحَاتٍ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ الْحُرِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْفَزَارِيِّ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ عُمَرَ(4/336)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَهُ صُحْبَةٌ
وقَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ
فَيَكُونُ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ) أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أَيْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ (فَقَدْ خَابُوا) أَيْ حُرِمُوا مِنَ الْخَيْرِ (الْمَنَّانُ) وفِي رِوَايَةٍ وَالْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّةً بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ إِلَّا مَنَّ بِهِ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ (وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) أَيْ عَنْ كَعْبَيْهِ كِبْرًا وَاخْتِيَالًا (وَالْمُنْفِقُ) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ الْمُرَوِّجُ (بِالْحَلِفِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِسُكُونِهَا قَوْلُهُ (وفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّبْكِيرِ بِالتِّجَارَةِ)
التَّبْكِيرُ مِنَ الْبُكُورِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ بكور بكاه برخاستن وبامداد كردن وبإمداء رفتن يُقَالُ بَكَرْتُ وَأَبْكَرْتُ وَبَكَّرْتُ وَبَاكَرْتُ وَابْتَكَرْتُ كُلُّهُ بِمَعْنًى انْتَهَى
[1212] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ رَاءٍ وَبِقَافٍ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ) هُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ
وقَالَ العجلي ثقة يدلس وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ حُجَّةٌ إِذَا قَالَ أَنْبَأَنَا (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ حَدِيدٍ) بِفَتْحِ الحاء المهملة وكسر الدال الأولى وثقة بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ
قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) أَيْ أَوَّلِ نَهَارِهَا
والْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ وكان(4/337)
أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ جَمْعُهَا السَّرَايَا انْتَهَى
(فَأَثْرَى) أَيْ صَارَ ذَا ثَرْوَةٍ بِسَبَبِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ
وإِجَابَةِ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ (وَكَثُرَ مَالُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَبُرَيْدَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِهِ مَا لَفْظُهُ وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ تَالِفٍ
وعَنْ بُرَيْدَةَ مِنْ طَرِيقِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وهو لين وعن بن عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَصِحَّا انْتَهَى
وأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا
وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ
أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
وفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا سَتَقِفُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ صَخْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَلَا قِيلَ إِنَّهُ صَحَابِيٌّ إِلَّا بِهِ وَلَا نَقَلَ ذَلِكَ إِلَّا عُمَارَةُ
وعُمَارَةُ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الرازيان ولا يفرح بذكر بن حِبَّانَ لَهُ بَيْنَ الثِّقَاتِ فَإِنَّ قَاعِدَتَهُ مَعْرُوفَةٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِمَنْ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الحديث عنه يعلى بن عطاء
قال بن الْقَطَّانِ أَمَّا قَوْلُهُ حَسَنٌ فَخَطَأٌ انْتَهَى
كَلَامُ الذِّهْبِيِّ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ
بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ وَعُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ بَجَلِيٌّ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ
فَقَالَ مَجْهُولٌ وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ لَا يُعْرَفُ
وقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيُّ وَغَامِدٌ فِي الْأَزْدِ سَكَنَ الطَّائِفَ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ رَوَى عَنْهُ عُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَعْلَى الطَّائِفِيُّ وَلَا أَعْرِفُ لِصَخْرٍ غَيْرَ حَدِيثِ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا
وهُوَ لَفْظٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وبن عباس وبن مسعود وبن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ وَالنَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ أَسَانِيدِهِ جَيِّدٌ وَنُبَيْطُ بْنُ شَرِيطٍ
وزَادَ فِي حَدِيثِهِ يَوْمَ خَمِيسِهَا
وبُرَيْدَةُ وَأَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وفِي كَثِيرٍ مِنْ أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَبَعْضُهَا حَسَنٌ وَقَدْ(4/338)
جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا
ورُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاكِرُوا لِلْغُدُوِّ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ فَإِنَّ الْغُدُوَّ بَرَكَةٌ وَنَجَاحٌ
رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيرهما
وأوردهما بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّكَارَةِ
ورُوِيَ عن فاطمة بنت محمد ورضي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ مُتَصَبِّحَةٌ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةَ قُومِي اشْهَدِي رِزْقَ رَبِّكَ وَلَا تَكُونِي مِنَ الْغَافِلِينَ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَسِّمُ أَرْزَاقَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَاطِمَةَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَذَكَرَهُ بمعناه
وروى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ)
وَبَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ بَابُ شِرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالنسيئة قال بن بَطَّالٍ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ تَخَيَّلَ أَنَّ أَحَدًا يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ فَأَرَادَ دَفْعَ ذَلِكَ التَّخَيُّلِ انْتَهَى
[1213] قَوْلُهُ (ثَوْبَيْنِ قِطْرِيَّيْنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وفِي بَعْضِهَا ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ
قَالَ فِي النِّهَايَةُ قِطْرِيٌّ بِكَسْرِ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهُ أَعْلَامٌ وفِيهِ بَعْضُ خُشُونَةٍ (فَقَدِمَ بَزٌّ) هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ (إِلَى الْمَيْسَرَةِ) أَيْ مُؤَجَّلًا إِلَى وَقْتِ الْيُسْرِ (قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ عَلَّقَ الْعِلْمَ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْعِلْمُ بِمَعْنَى الْعِرْفَانِ (وَآدَاهُمْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بِمَدِّ أَلِفٍ أَيْ أَحْسَنُهُمْ وَفَاءً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عباس) أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا (وَأَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهَا قَوْلُهُ (حَتَّى تَقُومُوا إِلَى(4/339)
حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ) بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَحَرَمِيٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِشِدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ شُعْبَةُ لِلْقَوْمِ لِتَقْبِيلِ رَأْسِهِ لِإِعْزَازِهِ وَإِكْرَامِهِ لأنه هو بن عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الَّذِي رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ
[1214] قَوْلُهُ (وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَقَالَ صَاحِبُ الِاقْتِرَاحِ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا في النيل
[1215] (قال محمد) هو بن بَشَّارٍ (مَشَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ لَقَدْ وَعَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةِ سَنِخَةٍ فَكَأَنَّ الْيَهُودِيَّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِسَانِ أَنَسٍ فَلِهَذَا قَالَ مَشَيْتُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَحْضَرَ ذَلِكَ إِلَيْهِ انْتَهَى
(وَإِهَالَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِهَالَةُ الشَّحْمُ أَوْ مَا أُذِيبَ مِنْهُ أَوْ الزَّيْتُ وَكُلُّ مَا ائْتُدِمَ بِهِ (سَنِخَةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُتَغَيِّرَةُ الرِّيحِ (مَعَ يَهُودِيٍّ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي عُدُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُعَامَلَةِ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِ إِمَّا بَيَانُ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِمْ أَوْ خُشِيَ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثَمَنًا أَوْ عِوَضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بِعِشْرِينَ صَاعًا) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بثلاثين صاعا من شعير
ولعله رَهَنَهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَزَادَهُ عَشَرَةً
فَرَوَاهُ الرَّاوِي تَارَةً عَلَى مَا كَانَ الرَّهْنُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَتَارَةً عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آخِرًا
وقَالَ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّهُ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِينَ فَجُبِرَ الْكَسْرُ تَارَةً وَأُلْقِيَ الْجَبْرُ أُخْرَى انْتَهَى
(وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ كَلَامُ أَنَسٍ والضمير في(4/340)
سَمِعْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَيْ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَهَنَ الدِّرْعَ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ مُظْهِرًا لِلسَّبَبِ فِي شِرَائِهِ إِلَى أَجَلٍ وَذَهِلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ قَتَادَةَ وَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي سَمِعْتُهُ لِأَنَسٍ لِأَنَّهُ إِخْرَاجٌ لِلسِّيَاقِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ انْتَهَى
(وَإِنَّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ أَنَسٍ لِهَذَا الْقَدْرِ مَعَ مَا قَبْلَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى سَبَبِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ مُتَضَجِّرًا وَلَا شَاكِيًا مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَهُ مُعْتَذِرًا عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْيَهُودِيِّ وَلِرَهْنِهِ عِنْدَهُ دِرْعَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي كِتَابَةِ الشُّرُوطِ)
[1216] (أخبرنا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ) أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يخطىء من التاسعة (صاحب الكرابيس) ويقال له الكرابيسي أَيْضًا وَالْكَرَابِيسُ جَمْعُ كِرْبَاسٍ بِالْكَسْرِ ثَوْبٌ مِنَ القطن الأبيض معرب فارسيته بالفتح غيروه لعزة فِعْلَالٍ
والنِّسْبَةُ كَرَابِيسِيٌّ كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالْأَنْصَارِيِّ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كِرْبَاسِيٌّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (قَالَ لِي الْعَدَّاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ بِوَزْنِ الْفَعَّالِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ أَسْلَمَ بَعْدَ حُنَيْنٍ (بْنُ هَوْذَةَ) بِفَتْحِ الهاء وسكون الواو هو بن رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
قوله (لاداء) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْبَاطِنُ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالسُّعَالِ
وقال بن المنير لاداء أَيْ يَكْتُمُهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ بِالْعَبْدِ دَاءٌ وَبَيَّنَهُ الْبَائِعُ كَانَ مِنْ بَيْعِ الْمُسْلِمِ للمسلم ومحصله أنه لم يرد بقوله لاداء
نَفْيُ الدَّاءِ مُطْلَقًا بَلْ نَفْيُ دَاءٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ (وَلَا غَائِلَةَ) قيل المراد بها الإباق
وقال بن بَطَّالٍ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ اغْتَالَنِي فُلَانٌ إِذَا احْتَالَ بِحِيلَةٍ سَلَبَ بِهَا مَالِي
(وَلَا خِبْثَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّهَا وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ قِيلَ الْمُرَادُ الْأَخْلَاقُ الْخَبِيثَةُ كَالْإِبَاقِ
وقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ(4/341)
الدَّنِيَّةُ
وقِيلَ الْمُرَادُ الْحَرَامُ
كَمَا عَبَّرَ عَنِ الْحَلَالِ بِالطَّيِّبِ
وقِيلَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْخَلْقِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْخِبْثَةُ مَا كَانَ فِي الْخُلُقِ بِضَمِّهَا
والْغَائِلَةُ سُكُوتُ الْبَائِعِ عَنْ بَيَانِ مَا يُعْلَمُ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي الْمَبِيعِ
قَالَهُ بن الْعَرَبِيِّ كَذَا فِي النَّيْلِ
(بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) الْمُسْلِمُ الْأَوَّلُ بِالْجَرِّ فَاعِلٌ وَالثَّانِي بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ
والْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الدَّاءِ وَالْغَائِلَةِ وَالْخِبْثَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن الْجَارُودِ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ)
[1217] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ (أَمْرَيْنِ) أَيْ جُعِلْتُمْ حُكَّامًا فِي أَمْرَيْنِ أَيْ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ
وإِنَّمَا قَالَ أَمْرَيْنِ أَبْهَمَهُ وَنَكَّرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى التَّفْخِيمِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (هَلَكَتْ فِيهِ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ
وفِي الْمِشْكَاةِ فِيهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (الْأُمَمُ السَّالِفَةُ قَبْلَكُمْ) كَقَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ النَّاسِ تَامًّا
وإِذَا أَعْطَوْهُمْ أَعْطَوْهُمْ نَاقِصًا
قَوْلُهُ (وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) فِي التَّقْرِيبِ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ لَقَبُهُ حَنَشٌ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ
(وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ موقوفا عن بن عَبَّاسٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ أي عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ كَيْفَ وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ مَتْرُوكٌ وَالصَّحِيحُ عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفٌ
كَذَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ مَنْ يَزِيدُ)(4/342)
[1218] قَوْلُهُ (بَاعَ حِلْسًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كِسَاءٌ يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ لَا يُفَارِقُهُ
والْحِلْسُ الْبِسَاطُ أَيْضًا
ومِنْهُ كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مِيتَةٌ قَاضِيَةٌ (وَقَدَحًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَرَادَ بَيْعَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً
فَقَالَ لَهُ هَلْ لك شيء فقال لَيْسَ لِي إِلَّا حِلْسٌ وَقَدَحٌ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْهُمَا وَكُلْ ثَمَنَهُمَا ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ شَيْءٌ فسل الصدقة
فباعهما
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ إِلَخْ) فِيهِ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِمَا عَيَّنَ الطَّالِبُ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا لَيْسَ بِسَوْمٍ لِأَنَّ السَّوْمَ هُوَ أَنْ يَقِفَ الرَّاغِبُ وَالْبَائِعُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهِ
وهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ
وأَمَّا السَّوْمُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ لِمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بحرام
قوله (هذا حديث حسن) وأعله بن الْقَطَّانِ بِجَهْلِ حَالِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ
ونُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
والْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مُطَوَّلًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ) حَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا فِي بَيْعِ الْمَغَانِمِ في من يزيد
ووصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرَوَى هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ
وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُبَاعُ الأخماس
قال بن الْعَرَبِيِّ لَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَكَانَ التِّرْمِذِيُّ يُقَيِّدُ بِمَا وَرَدَ(4/343)
في حديث بن عمر الذي أخرجه بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ حَتَّى يَذَرَ
إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ
وكَأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَا يُعْتَادُ فِيهِ الْبَيْعُ مُزَايَدَةً وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ وَيَلْتَحِقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ فَخَصَّا الْجَوَازَ بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ انْتَهَى
وقال العيني في عمدة القارىء أَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيمَنْ يَزِيدُ فَلَا بَأْسَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى زِيَادَةِ أَخِيهِ
وذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الزِّيَادَةَ عَلَى زِيَادَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَرَوْا صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ بِالْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ فِي سَنَدِهِ
وحُجَّةُ الْجُمْهُورِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الثُّبُوتِ أَنَّهُ لَوْ سَاوَمَ وَأَرَادَ شِرَاءَ سِلْعَتِهِ وَأَعْطَى فِيهَا ثَمَنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُ السِّلْعَةِ
ولَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِ ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شراؤها قَطْعًا
ولَا يَقُولُ أَحَدٌ إِنَّهُ يَحْرُمُ السَّوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ قَطْعًا كَالْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِذَا رُدَّ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ
وذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ جَوَازَ ذَلِكَ يَعْنِي بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية بن لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عن زيد بن أسلم عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع المزايدة ولا بيع أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ مِثْلُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ زَيْنَ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَعَلَى مَا كَانُوا يَعْتَادُونَ فيه مؤايدة وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ فَإِنَّهُ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي غيرهما مزايدة
فالمعنى واحد كما قاله بن الْعَرَبِيِّ
انْتَهَى
كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ مَنْ كَرِهَ بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ لَعَلَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي إسناده بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ)
اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّدْبِيرِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ
[1219] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَبُو مَذْكُورٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْغُلَامُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ
ولَفْظُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ (دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي (فَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ(4/344)
في عمدة القارىء هَذَا مِمَّا نُسِبَ بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِلَى الْخَطَأِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَمَاتَ وَلَمْ يَكُنْ سَيِّدُهُ مَاتَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الأحاديث الصحيحة
وقد بين الشافعي خطأ بن عُيَيْنَةَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْهُ
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرًا وَدَيْنًا ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خَطَأِ شَرِيكٍ فِي ذَلِكَ
وقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُهَيْلٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهَا انتهى
(فاشتراه نعيم) بضم النون مصغرا بن النَّحَّامِ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (قَالَ جَابِرٌ عَبْدًا قِبْطِيًّا) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَبْدًا قِبْطِيًّا وَهُوَ يَعْقُوبُ الْقِبْطِيُّ (مَاتَ) أَيْ ذلك الغلام (عام الأول في إمارة بن الزُّبَيْرِ) أَيْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ مِنْ إِمَارَةِ بن الزُّبَيْرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْفِسْقِ وَالضَّرُورَةِ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا
والْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ انْتَهَى
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَلَقِّي الْبُيُوعِ)
أَيْ الْمَبِيعَاتِ وَأَصْحَابِهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ هُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمِصْرِيُّ الْبَدَوِيَّ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْبَلَدِ وَيُخْبِرُهُ بِكَسَادِ مَا مَعَهُ كَذِبًا لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَتَهُ بِالْوَكْسِ وَأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ انْتَهَى
[1220] قَوْلُهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّلَقِّي مُحَرَّمٌ
وقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ تلقي البيوع والركبان وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ التَّلَقِّي
وتعقبه(4/345)
الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّلَقِّي فِي حَالَتَيْنِ أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَأَنْ يُلَبِّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ انْتَهَى
قوله (وفي الباب عن علي وبن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الجماعة
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وأَمَّا حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ
[1221] قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الْجَلَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَجْلُوبُ يُقَالُ جَلَبَ الشَّيْءَ جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ (فَإِنْ تَلَقَّاهُ) أَيْ الجَلَبَ (إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ) أَيْ اشْتَرَاهُ (فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ انْتَهَى
واخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ غَبْنٌ ذَهَبَتِ الْحَنَابِلَةُ إِلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
وظَاهِرُهُ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَصِيَانَتِهِ ممن يخدعه
قال بن الْمُنْذِرِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى نَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ لَا عَلَى نَفْعِ رَبِّ السِّلْعَةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ
أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا لِأَهْلِ السُّوقِ انْتَهَى
وقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ حَتَّى تَهْبِطَ الْأَسْوَاقَ وَهَذَا لَا يَكُونُ دَلِيلًا لِمُدَّعَاهُمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِمَنْفَعَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهَا إِذَا هَبَطَتِ الْأَسْوَاقَ عُرِفَ مِقْدَارُ السِّعْرِ فَلَا يُخْدَعُ
ولَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مُرَاعَاةُ نَفْعِ الْبَائِعِ وَنَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ الخ) أخرجه الجماعة إلا البخاري (وحديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَلَقِّي الْبُيُوعِ إِلَخْ) وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(4/346)
13 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ)
[1222] قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ) الْحَاضِرُ سَاكِنُ الْحَضَرِ وَالْبَادِي سَاكِنُ الْبَادِيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَضَرُ وَالْحَاضِرَةُ وَالْحَضَارَةُ وَتُفْتَحُ خِلَافُ الْبَادِيَةِ وَالْحَضَارَةُ الْإِقَامَةُ فِي الْحَضَرِ
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاضِرُ خِلَافُ الْبَادِي وَقَالَ فِي الْبَدْوِ وَالْبَادِيَةِ وَالْبَادَاةِ وَالْبَدَاوَةِ خِلَافُ الْحَضَرِ وَتَبَدَّى أَقَامَ بِهَا وَتَبَادَى تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا
والنِّسْبَةُ بَدَاوِيٌّ وَبَدَوِيٌّ وَبَدَا الْقَوْمُ خَرَجُوا إِلَى الْبَادِيَةِ
انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقْدُمَ غَرِيبٌ مِنَ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْبَلَدِيُّ اتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ
فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ وَكَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِي الْبَلَدِ أَوْ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِقِلَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلُوبِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ خَالَفَ وَبَاعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ
هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ
وقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ
قَالُوا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ مَنْسُوخٌ
وقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
وقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَكُلُّ هَذِهِ الْقُيُودِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ بَلِ اسْتَنْبَطُوهَا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِعِلَلٍ مُتَصَيَّدَةٍ مِنَ الْحُكْمِ
قَالَ وَدَعْوَى النَّسْخِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِافْتِقَارِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ
وحَدِيثُ النَّصِيحَةِ مَشْرُوطٌ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ فَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ نَصَحَهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّى لَهُ الْبَيْعَ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ طَلْحَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وأنس) أخرجه الشيخان (وجابر) أخرجه مسلم (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ
وأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ(4/347)
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا
[1223] قَوْلُهُ (دَعُوا النَّاسَ) أَيْ اتْرُكُوهُمْ لِيَبِيعُوا مَتَاعَهُمْ رَخِيصًا (يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى أَنَّهُ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَبِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (حَدِيثُ جَابِرٍ فِي هَذَا هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ حَاضِرٌ لِبَادٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شِرَاءِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ كَمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ لَهُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْبَيْعَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الشِّرَاءِ كَمَا يَقَعُ الشِّرَاءُ عَلَى الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وشروه بثمن بخس أَيْ بَاعُوهُ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ
وأَجَازَتْ طَائِفَةٌ الشِّرَاءَ لَهُمْ وَقَالُوا إِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَلَمْ يَعُدُّوا ظَاهِرَ اللَّفْظِ
ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ لَا يَشْتَرِي لَهُ وَلَا يَشْتَرِي عَلَيْهِ
ومَرَّةً أَجَازَ الشِّرَاءَ لَهُ وَبِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ
وقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْبَيْعَ عَلَى الشِّرَاءِ
ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ضِدَّانِ فَلَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُمَا مَعًا فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَوْجِيهُهُ قُلْتُ وَجْهُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِ الْمَجَازِ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ
قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ
واسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَيَيْهِ بَلْ هُمَا مِنَ الْأَضْدَادِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ)
يَأْتِي تَفْسِيرُهُمَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ
[1224] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) قَدْ جَاءَ(4/348)
تَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
روى البخاري ومسلم عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ تَمْرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا
وإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا
وعِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ
نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ
قَالَ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يباع ما في رؤوس النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمًّى إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ حِنْطَةٍ
الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدٍ وَجَابِرٍ وَرَافِعِ بن خديج وأبي سعيد) أما حديث بن عُمَرَ وَجَابِرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا
وأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ رافع بن خديج فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُحَاقَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قِيلَ هِيَ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ
هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الزَّرَّاعُونَ بِالْمُحَارَثَةِ
وقِيلَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى نَصِيبٍ مَعْلُومٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ هِيَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ
وقِيلَ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ
وإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا مِنَ الْمَكِيلِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ
وهَذَا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَكْثَرُ
وفِيهِ النَّسِيئَةُ انْتَهَى
(وَالْمُزَابَنَةُ بيع الثمر على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ
وقِيلَ هُوَ مِنَ الْحَقْلِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَرَاحَ انْتَهَى
[1225] قَوْلُهُ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَبُو عَيَّاشٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثالثة (سأل سعدا) هو بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (عَنِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ) وفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ اشْتَرَى الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ
والْبَيْضَاءُ هُوَ الشَّعِيرُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَوَهِمَ وَكِيعٌ فَقَالَ عَنْ مَالِكٍ الذُّرَةَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ
والْعَرَبُ تُطْلِقُ الْبَيْضَاءَ عَلَى الشَّعِيرِ(4/349)
والسمراء على البر
كذا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالسُّلْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ يَكُونُ فِي الْحِجَازِ
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ وَهِيَ السَّمْرَاءُ أَيْضًا وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى
وقَالَ السُّلْتُ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ أَبْيَضُ لَا قِشْرَ لَهُ
وقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ
والْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْبَيْضَاءَ الْحِنْطَةُ انْتَهَى
وقَالَ فِي حَاشِيَةِ مُوَطَّإِ الْإِمَامِ مَالِكٍ الْبَيْضَاءُ نَوْعٌ مِنَ الْبُرِّ أَبْيَضُ وفِيهِ رَخَاوَةٌ تَكُونُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ تَكُونُ فِي الْحِجَازِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ الْبَيْضَاءُ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ السُّلْتِ
والْأَوَّلُ أَعْرَفُ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ
ولَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ وفِي الْغَرِيبَيْنِ السُّلْتُ هُوَ حَبُّ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ لَا قِشْرَ لَهُ انْتَهَى
وفِي الْقَامُوسِ الْبَيْضَاءُ هُوَ الْحِنْطَةُ وَالرَّطْبُ مِنَ السُّلْتِ انْتَهَى
(فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَتَأَمَّلْ وَتَفَكَّرْ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَنَهَى عن ذلك قال الإمام محمد في موطإه بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ قَفِيزَ رُطَبٍ بِقَفِيزٍ مِنْ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ
لِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ فَيَصِيرُ أَقَلَّ مِنْ قَفِيزٍ فَلِذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ انْتَهَى
وبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا يَدًا بِيَدٍ كَانَ أَوْ نَسِيئَةً
وأَمَّا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لَا نَسِيئَةً وفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مُتَمَاثِلًا إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ جَائِزٌ مُتَمَاثِلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ
وقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ سَأَلُوهُ عَنْ هَذَا وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ
فَقَالَ الرُّطَبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ لِحَدِيثِ إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ
فَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَوْ قَالَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ
واسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذَا الطَّعْنَ مِنْهُ حتى قال بن الْمُبَارَكِ كَيْفَ يُقَالُ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدٌ مِمَّنْ لَا يقبل حديثه قال بن الهمام في الفتح رد ترديده بأن ها هنا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَسْوِيَةِ الْكَيْلِ بِهِمَا فَكَذَا الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ لَا يُسَوِّيهِمَا الْكَيْلُ وَإِنَّمَا يُسَوِّي فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَجِفَّ الْآخَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ
وعروض النقص بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحَالِ إِذَا كَانَ مُوحِيهِ أَمْرًا خُلُقِيًّا وَهُوَ زِيَادَةُ الرُّطُوبَةِ بِخِلَافِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ فِي الْحَالِ يُحْكَمُ لِعَدَمِ(4/350)
التَّسَاوِي لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا وَتَخَلْخُلِ الْآخَرِ
ورُدَّ طَعْنُهُ فِي زَيْدٍ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا مَرَّ وَقَدْ يجاب أيضا بأنه على تقدير صحته السَّنَدِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ نَسِيئَةً
فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا زِيَادَةُ نَسِيئَةً
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ
ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَالِكًا وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ وَالضَّحَّاكَ بْنَ عُثْمَانَ وَآخَرَ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بَعْدَ صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْوِهَا الْأَكْثَرُ إِلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ مِثْلَهُ مَرْدُودٌ كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ عَرِيًّا عَنِ الْفَائِدَةِ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لِلنَّسِيئَةِ انتهى كلام بن الْهُمَامِ
وهَذَا غَايَةُ التَّوْجِيهِ فِي الْمَقَامِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِيهِ
ولِلطَّحَاوِيِّ كَلَامٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ النَّسِيئَةِ وَهُوَ خِلَافُ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَخِلَافُ سِيَاقِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْحَقَّ لَا يَتَجَاوَزُ عَنْ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
وقَدْ أَعَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَقَالَ مَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَكَذَا قَالَ بن حَزْمٍ وَتَعَقَّبُوهُمَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَزَيْدٌ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ زَيْدٌ كُنْيَتُهُ أَبُو عَيَّاشٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَيَّاشٌ الْمَدَنِيُّ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَقِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ
وفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ وَيُقَالُ الْمَخْزُومِيُّ رَوَى عَنْ سَعْدٍ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أُنَيْسٍ ذكره بن حبان في الثقات وصحح الترمذي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثِقَةٌ
وقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى إِمَامَةِ مَالِكٍ
وأَنَّهُ مُحْكِمٌ في كل ما يرويه إذا لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا الصَّحِيحُ خُصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
والشَّيْخَانِ لَمْ يُخْرِجَاهُ لِمَا خَشِيَا مِنْ جَهَالَةِ زَيْدٍ انْتَهَى
وفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ الْمَدَنِيُّ ليس به بأس ومشائخنا ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَرُدَّ طَعْنُهُ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ
ورَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ مَجْهُولٍ
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ كَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أبي أنيس وهما مما احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ مَعَ شدة تحريه في(4/351)
الرجال
وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ انْتَهَى
وفِي غَايَةِ الْبَيَانِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ نَقَلُوا تَضْعِيفَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَهُ
ولَكِنْ لَمْ يَصِحَّ ضَعْفُهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فَمَنِ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ انْتَهَى
وفِي الْبِنَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ انْتَهَى كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا) وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ
5 - (بَاب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يَبْدُوَ)
صَلَاحُهَا [1226] قَوْلُهُ (حَتَّى يَزْهُوَ) يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ وَأَزْهَى يُزْهِي إِذَا احْمَرَّ أَوِ اصْفَرَّ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنَى الِاحْمِرَارِ وَالِاصْفِرَارِ
مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يَزْهُو
ومِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يُزْهِي
وفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قُلْنَا لِأَنَسٍ مَا زَهْوُهَا قَالَ تَحْمَرُّ أَوْ تَصْفَرُّ
وقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ يُسْتَعْمَلُ زَهَا وَأَزْهَى ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا قَالَ في الصحاح يقال زهى النَّخْلُ يَزْهُو إِذَا بَدَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ أَوِ الصُّفْرَةُ
وأَزْهَى لُغَةٌ حَكَاهَا أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْأَصْمَعِيُّ وَوَقَعَ رُبَاعِيًّا فِي الصَّحِيحِ وَثُلَاثِيًّا عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
[1227] (حَتَّى يَبْيَضَّ) أَيْ يَشْتَدَّ حُبُّهُ (وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) أَيْ الْآفَةَ
والْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ عَطْفِ التَّفْسِيرِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَأَبِي هريرة) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وبن ماجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ الْحَدِيثَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ أَبِي (سَعِيدٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ(4/352)
تعليقا قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ
فَقِيلَ يَبْطُلُ مطلقا
وهو قول بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْبُطْلَانِ
وقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ شُرِطَ التَّبْقِيَةُ
وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَيْضًا
وقِيلَ إِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَ
وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
وقِيلَ يَصِحُّ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّبْقِيَةَ وَالنَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ
وقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ الصَّلَاحِ وَأَنَّ وُقُوعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ
ومَنِ ادَّعَى أَنَّ مُجَرَّدَ شَرْطِ الْقَطْعِ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ قَبْلَ الصَّلَاحِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ لَا صِحَّةَ لَهَا كَمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُونَ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا
وقَدْ عَوَّلَ الْمُجَوَّزُونَ مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْجَوَازِ عَلَى عِلَلٍ مُسْتَنْبَطَةٍ فَجَعَلُوهَا مُقَيِّدَةٍ لِلنَّهْيِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُفِيدُ مَنْ لَمْ يَسْمَحْ بِمُفَارَقَةِ النُّصُوصِ لِمُجَرَّدِ خَيَالَاتِ عَارِضَةٍ وَشُبَهٍ وَاهِيَةٍ تَنْهَارُ بِأَيْسَرِ تَشْكِيكٍ
فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا
وظَاهِرُ النُّصُوصِ أَيْضًا أَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ شُرِطَ الْبَقَاءُ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ النَّهْيَ مُمْتَدًّا إِلَى غَايَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا
ومَنِ ادَّعَى أَنَّ شَرْطَ الْبَقَاءِ مُفْسِدٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَلَا يَنْفَعُهُ فِي الْمَقَامِ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي تَجْوِيزِهِ لِلْبَيْعِ قَبْلَ الصَّلَاحِ مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ بَيْعٌ وَشَرْطٌ
وأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ فِي الْبَيْعِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ جَابِرٍ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلْجَمَلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَدْ صَحَّحَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
[1228] قَوْلُهُ (حَتَّى يَسْوَدَّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ زَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِنَّهُ إِذَا اسْوَدَّ يَنْجُو عَنِ العاهة (حتى(4/353)
يَشْتَدَّ) اشْتِدَادُ الْحَبِّ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَقَرَّ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ)
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ فِي الأول بسكون الموحدة وغلط عِيَاضٌ وَهُوَ مَصْدَرُ حَبِلَتْ تَحْبَلُ حَبْلًا
والْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ مِثْلُ ظَلَمَةٍ وَظَالِمٍ وَيَجِيءُ تَفْسِيرُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ مِنَ التِّرْمِذِيِّ
[1229] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ بِدُونِ التَّفْسِيرِ
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ التَّفْسِيرِ هَكَذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا
وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ بن عُمَرَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ
وحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نَتَجَتْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
فَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أن هذا التفسير من كلام بن عمر ولهذا جزم بن عبد البر بأنه من تفسير بن عُمَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أخرجه بن ماجه
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ نَتَاجُ النَّتَاجِ) أَيْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ اعْلَمْ أَنَّ لِحَبَلِ الْحَبَلَةِ تَفْسِيرَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إِلَى أَنْ يَلِدَ وَلَدُ النَّاقَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إِلَى أَنْ تَحْمِلَ الدَّابَّةُ وَتَلِدَ وَيَحْمِلَ وَلَدُهَا
وبِهِ جَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّنْبِيهِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ وَضْعَ حَبَلِ الْوَلَدِ وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْجَهَالَةُ فِي الْأَجَلِ
وثَانِيهُمَا مَا قَالَ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ وإسحاق وبن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ نَتَاجِ الدَّابَّةِ
وعِلَّةُ النَّهْيِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ وَغَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَدْخُلُ فِي بُيُوعِ الْغَرَرِ
قَالَ الْحَافِظُ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ موافقا للحديث(4/354)
وَإِنْ كَانَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلثَّانِي
وقال بن التِّينِ مُحَصَّلُ الْخِلَافِ هَلْ الْمُرَادُ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بَيْعُ الْجَنِينِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ وِلَادَةُ الْأُمِّ أَوْ وِلَادَةُ وَلَدِهَا
وعَلَى الثَّانِي هَلْ الْمُرَادُ بَيْعُ الْجَنِينِ الْأَوَّلِ أو بيع حنين الْجَنِينِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ انْتَهَى
وقَالَ النَّوَوِيُّ التَّفْسِيرُ الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الرَّاوِيَ وهو بن عُمَرَ قَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْرَفُ
ومذهب الشافعي ومحقق الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ انْتَهَى
(وَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ) هَذَا عَلَى تَفْسِيرِ التِّرْمِذِيِّ
وأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ فَعِلَّةُ النَّهْيِ جَهَالَةُ الثَّمَنِ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْغَرَرِ)
بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْأُولَى أَيْ مَا لَا يُعْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِنَ الْخَطَرِ الَّذِي لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لَا كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْغَائِبِ الْمَجْهُولِ
ومُجْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ مِمَّا انْطَوَى بِعَيْنِهِ مِنْ غَرِّ الثَّوْبِ أَيْ طَيِّهِ أَوْ مِنَ الْغِرَّةِ بِالْكَسْرِ أَيْ الغفلة أو من الْغُرُورُ
[1230] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَبَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعِ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُبْهَمًا وَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ
وشَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ
وكُلُّ هَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
وقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضَ الْغَرَرِ بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَالَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنَ الدَّارِ
ولِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ(4/355)
وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ
مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ
وأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْمَاءَ وفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقير أجاز الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا
واعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَبَيْعَ الْمُنَابَذَةِ وَبَيْعَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوصٌ خَاصَّةٌ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
(وَبَيْعِ الْحَصَاةِ) فِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا
أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْحَصَاةُ
والثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ
والثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولُ إِذَا رَمَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن عباس وأبي سعيد وأنس) أما حديث بن عمر فأخرجه البيهقي وبن حِبَّانَ
قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ
وعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وأبو دَاوُدَ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ السَّمَكُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَكَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَلَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ
وأَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَكَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ مَرْئِيًّا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ صَافِيًا فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا بِأَنْ يَكُونَ كَدِرًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ
انْتَهَى كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ
قَوْلُهُ (ومعنى(4/356)
بَيْعِ الْحَصَاةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا نَبَذْتُ إِلَخْ) وَقَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ يَعْنِي إِذَا قَذَفَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ انْتَهَى
(وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْحَصَاةِ (يُشْبِهُ) مِنَ الْإِشْبَاهِ أَيْ يُشَابِهُ (بَيْعَ الْمُنَابَذَةِ) هُوَ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ فِي بَابِهِ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ)
[1231] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) أَيْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَقْدٍ وَاحِدٍ وَيَأْتِي تَفْسِيرُ هَذَا عَنِ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وبن عمر وبن مسعود) قال الحافظ في التلخيص حديث بن مَسْعُودٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صفقة
وحديث بن عمر رواه بن عبد البر مثله وحديث بن عَمْرٍو رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ انْتَهِي
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ رَوَاهُ أَحْمَدُ والنسائي وصححه الترمذي وبن حِبَّانَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي بَلَاغَاتِهِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أكثر أهل(4/357)
الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا جُعِلَ الثَّمَنَ انْتَهَى
وقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ انْتَهَى
(فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ إِذَا كَانَتِ العقدة على واحد مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ
فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ ثُمَّ نَقَدَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَدْ صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ
وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ وَفَارَقَ الْبَائِعَ عَلَى هَذَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ عَلَى إِيهَامٍ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بَلْ فَارَقَهُ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وهَذَا التَّفْسِيرُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سِمَاكٍ فَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ
قَالَ سِمَاكٌ هُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ هُوَ بِنَسَأٍ بِكَذَا وَهُوَ بِنَقْدٍ بكذا وكذا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَسَّرَهُ سِمَاكٌ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى عَنْ أَحْمَدَ عَنْهُ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إِلَى سَنَةٍ فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ أَنْتَ وَشِئْتُ أنا
ونقل بن الرِّفْعَةِ عَنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى الْإِبْهَامِ أَمَّا لَوْ قَالَ قبلت بألف نقد أَوْ بِأَلْفَيْنِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ ذَلِكَ انْتَهَى
وقَدْ فسره الشافعي بتفسر آخَرَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيعتين في بيعتين أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَكَ بِكَذَا
فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُكَ وَجَبَتْ لَكَ دَارِي وَهَذَا تَفَارُقٌ عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ هَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَلِأَنَّهُ يؤدي إِلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ لَا يَجِبُ
وقَدْ جَعَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ بَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَبِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الثَّانِي مَجْهُولًا انْتَهَى
وقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الصُّورَةِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبِلِ انْتَهَى
واعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ فُسِّرَ الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُسْلِفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إِلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْحِنْطَةِ قَالَ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي قَدْ دَخَلَ عَلَى الْأَوَّلِ فَيُرَدُّ إِلَيْهِ أَوْكَسُهُمَا وَهُوَ الْأَوَّلُ
كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَنِ لِابْنِ رَسْلَانَ فَقَدْ فَسَّرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ
بِثَلَاثَةِ تَفَاسِيرَ فَاحْفَظْهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رِوَايَةً أُخْرَى رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ(4/358)
مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ والْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ
انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِي وَاحِدٌ مِنْهَا هَذَا اللَّفْظُ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَتْ صَالِحَةً لِلِاحْتِجَاجِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَيْ أَنْقَصُهُمَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَصَحَّحَ الْبَيْعَ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ بِالْأَوْكَسِ يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِهِ
ومَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ الرِّبَا يَعْنِي أَوْ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الرِّبَا الْمُحَرَّمِ إِذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَوْكَسَ بَلْ أَخَذَ الْأَكْثَرَ
قَالَ وَذَلِكَ ظاهر في التفسير الذي ذكره بن رَسْلَانَ
وأَمَّا فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ سِمَاكٍ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لِأَجْلِ النَّسَاءِ
وقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَالنَّاصِرُ وَالْمَنْصُورُ بِاللَّهِ وَالْهَادَوِيَّةُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى
وقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاللَّهِ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهُ يَجُوزُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُتَمَسَّكُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ
وقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهَا آنِفًا وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِي رَاوِيهَا مِنَ الْمَقَالِ
ومَعَ ذَلِكَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ
ولَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا ذَلِكَ الرَّاوِي صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ لَكَانَ احْتِمَالُهَا لِتَفْسِيرٍ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ النزاع كما سلف عن بن رَسْلَانَ قَادِحًا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة بكذا لَا إِذَا قَالَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ نَسِيئَةً بِكَذَا فَقَطْ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ مَعَ أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْنَعُونَ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ
فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَى
قَالَ وَقَدْ جَمَعْنَا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل فِي حُكْمِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لِمُجَرَّدِ الْأَجَلِ
وحَقَقْنَاهَا تَحْقِيقًا لَمْ نُسْبَقْ إِلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ(4/359)
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا ليس عنده)
[1232] قَوْلُهُ (أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَأَشْتَرِي لَهُ مِنَ السُّوقِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَفَأَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ (ثُمَّ أَبِيعُهُ) لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ولا في رواية بن مَاجَهْ
والظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ
ومَقْصُودُ السَّائِلِ أَنَّهُ هَلْ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى لَهُ مِنْهُ (قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) أَيْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ حَالَ الْعَقْدِ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ دُونَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ فَلِذَا قِيلَ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ عَامِّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَ الْعَقْدِ
وفِي مَعْنَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُجِيزُ مَالِكُهُ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقَالَ جَمَاعَةٌ يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجازة المالك
وهو قول مالك وأصحاب وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
[1233] قَوْلُهُ (أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي) فِيهِ وفِي قَوْلِهِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ مَقْدِرَتِهِ
وقَدْ اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصَّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [1234] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) بِفَتْحَتَيْنِ(4/360)
(وَبَيْعٌ) أَيْ مَعَهُ يَعْنِي مَعَ السَّلَفِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ السَّلَفُ يُطْلِقُ عَلَى السَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا شَرْطُ الْقَارِضِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةً نَفَى الْحِلَّ اللَّازِمَ لِلصِّحَّةِ لِيَدُلَّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ طَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ وقِيلَ هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا وَيَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ قَرْضَهُ رَوَّجَ مَتَاعَهُ بِهَذَا الثَّمَنِ وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ حَرَامٌ (وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ) فُسِّرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ أولا للبيعتين في بيعة ويأتي تَفْسِيرٌ آخَرُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ) يُرِيدُ بِهِ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يَحِلُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْبَائِعِ ولَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ رِبْحُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ
(وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إِسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِذَا صَحَّ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ منصور) بن بهرام الكرسج أَبُو يَعْقُوبَ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَوَى عَنْهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ وَتَتَلْمَذَ لِأَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَهُ عَنْهُمْ مَسَائِلُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
(ثُمَّ يُبَايِعُهُ بَيْعًا يَزْدَادُ عَلَيْهِ) يَعْنِي يَبِيعُ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُسَلِّفُ) أَيْ يُقْرِضُ (إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ) يَعْنِي قَرَضَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا (فَيَقُولُ إِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عِنْدَكَ) أَيْ لَمْ يَتَهَيَّأْ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَكَ رَدُّ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ (فَهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ) يَعْنِي فَذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَخَذْتُ مِنْكَ يَكُونُ مَبِيعًا مِنْكَ بِعِوَضِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ (قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) الْمُرَادُ مِنْ إِسْحَاقَ هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَالَ رَاجِعٌ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ(4/361)
حَنْبل أَيْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي بَيَانِ مَعْنَى نَهَى عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ (قُلْتُ لِأَحْمَدَ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ تَضْمَنْ) أَيْ سَأَلْتُهُ عَنْ مَعْنَى بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ (قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (لَا يَكُونُ عِنْدِي إِلَّا فِي الطَّعَامِ) أَيْ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ تَضْمَنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالطَّعَامِ (يَعْنِي لَمْ تَقْبِضْ) هَذَا تَفْسِيرٌ لقوله لم تضمن (قال إسحاق) هو بن رَاهْوَيْهِ (كَمَا قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (فَهَذَا مِنْ نَحْوِ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ (وَإِذَا قَالَ أَبِيعُكَهُ وَعَلَيَّ خِيَاطَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَوْ قَالَ أَبِيعُكَهُ وعلى قصارته فلا بأس به إنما هذا الشرط واحد) أي فيجوز لمفهوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ
وكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْعُ بِشَرْطٍ يَجُوزُ عِنْدَهُ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ أَوْ شَرْطَيْنِ
وفَرَّقَ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ التَّقْيِيدُ بِشَرْطَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَعَادَةً وَبِالشَّرْطِ الْوَاحِدِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ إِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ
ومَذْهَبُ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطَيْنِ
واتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِيهِ شَرْطَانِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ أَوْرَدَهُ فِي قِصَّةٍ
كذا في الدراية للحافظ بن حَجَرٍ
وقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بِالْقِصَّةِ قال بن الْقَطَّانِ وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى
(قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) أَيْ كَمَا قال أحمد
قوله (حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَكْرَارٌ [1235] قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي(4/362)
كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عن يوسف بن مَاهِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَزَعَمَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عصمة ضعيف جدا ولم يتعقبه بن القطان بل نقل عن بن حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَهُوَ جَرْحٌ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَوَى عِنْدَ ثَلَاثَةٍ وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ انْتَهَى
وقَالَ فِيهِ وَصَرَّحَ هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ يُوسُفَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ انْتَهَى
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ)
الْوَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ حَقُّ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ
[1236] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي وَلَاءَ الْعِتْقِ وَهُوَ إِذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ مُعْتِقُهُ أَوْ وَرَثَةُ مُعْتِقِهِ كَانَتْ(4/363)
الْعَرَبُ تَبِيعُهُ وَتَهَبُهُ فَنَهَى عَنْهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَلَا يَزُولُ بِالْإِزَالَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَأنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بَلْ هُوَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ
وبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
وأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحَدِيثُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ وَهْمٌ) أَيْ ذِكْرُ نَافِعٍ بَيْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر وبن عُمَرَ (وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) فَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَيْنَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ
ويَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ هَذَا هُوَ الطَّائِفِيُّ نَزِيلُ مكة صدوق سيء الْحِفْظِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الخلاصة وثقه بن معين وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمر
وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
قَالَ الْخَزْرَجِيُّ احْتَجَّ بِهِ ع وَلَهُ فِي خ فَرْدُ حَدِيثٍ انْتَهَى
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً)
[1237] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَسَأْتُهُ البيع وأنسأته بعته بنسئة بالضم وبنسئة كأخرة
وقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِيهِ ثَلَاثُ(4/364)
لُغَاتٍ نَسِيئَةٌ بِوَزْنِ كَرِيمَةٍ وَبِالْإِدْغَامِ وَبِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ النُّونِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس) أخرجه البزار والطحاوي وبن حِبَّانَ وَالدّارَقُطْنيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ فَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِرْسَالَهُ انْتَهَى
(وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الحافظ وإسناده لين (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ
قَوْلُهُ (وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ) هَكَذَا (قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ) سَيَأْتِي الكلام فيه في باب اختلاب الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلَخْ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً مُتَفَاضِلًا مُطْلَقًا
وشَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَعَ النَّسِيئَةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيُّينَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ مَوْقُوفَةٌ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاق من طريق بن الْمُسَيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كره بعيرا ببعيرين نسيئة
وروى بن أبي شيبة عنه نحوه وعن بن عمر عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ فَكَرِهَهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبْعَثَ جَيْشًا عَلَى إِبِلٍ كَانَتْ عِنْدِي قَالَ فَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَيْهَا حَتَّى نَفِدَتِ الْإِبِلُ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ
قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْإِبِلُ قَدْ نَفِدَتْ وَقَدْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ لَا ظَهْرَ لَهُمْ
فَقَالَ لِي ابْتَعْ عَلَيْنَا إِبِلًا بِقَلَائِصَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى مَحَلِّهَا حَتَّى تُنْفِذَ هَذَا الْبَعْثَ
قَالَ وَكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِقَلُوصَيْنِ وَثَلَاثِ قَلَائِصَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى مَحَلِّهَا حَتَّى نَفَّذْتُ ذَلِكَ الْبَعْثَ فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ أَدَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ
وقَوَّى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إسناده وقال(4/365)
الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَأَعَلَّهُ يَعْنِي مِنْ أَجْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ بِهِ النَّسِيئَةُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا يَحْتَمِلُ النَّسِيئَةَ مِنْ طَرَفٍ
وإِذَا كَانَتِ النَّسِيئَةُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَهِيَ من بيع الكالي بالكالي وَهُوَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ
وأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ وَلَمْ ينقل ذلك فلم يبق ها هنا إِلَّا الطَّلَبُ لِطَرِيقِ الْجَمْعِ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ
أَوْ الْمَصِيرُ إِلَى التَّعَارُضِ قِيلَ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِمَا سَلَفَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّةِ إِطْلَاقِ النَّسِيئَةِ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ بِالْمَعْدُومِ
فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَوْ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ لَكِنَّهَا تَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمُرَةَ وجابر بن سمرة وبن عَبَّاسٍ
وبَعْضُهَا يُقَوِّي بَعْضًا فَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ غَيْرِ خَالٍ مِنَ الْمَقَالِ
وهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
ولَا سِيَّمَا وقد صحح الترمذي وبن الْجَارُودِ حَدِيثَ سَمُرَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُرَجِّحٌ آخَرُ
وأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ دَلِيلَ التَّحْرِيمِ أَرْجَحُ مِنْ دَلِيلِ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا أَيْضًا مُرَجِّحٌ ثَالِثٌ كَذَا فِي النَّيْلِ [1238] قَوْلُهُ (الْحَيَوَانُ اثنين بواحدة لَا يَصْلُحُ نَسِيئًا) تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا نَسِيئًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس
وروي هذا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِالْعَنْعَنَةِ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ)
[1239] قَوْلُهُ (فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا إِذَا كَانَ(4/366)
يَدًا بِيَدٍ
وهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
3 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْحِنْطَةَ بالحنطة مثلا بمثل)
وكراهية التفاضل فِيهِ [1240] قَوْلُهُ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ) بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ يُبَاعُ وَبِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ بِيعُوا (فَمَنْ زَادَ) أَيْ أَعْطَى الزِّيَادَةَ (أَوِ ازْدَادَ) أَيْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ (فَقَدْ أَرْبَى) أَيْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي الرِّبَا وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ أَتَى الرِّبَا وَتَعَاطَاهُ
ومَعْنَى اللَّفْظِ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ مِنْ ربا الشيء يربوا إِذَا زَادَ
(بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ حَالًا مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ افْتِرَاقِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ
وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَالَ أَرْبَى
الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَبِلَالٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قوله(4/367)
(وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا
وهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (أَصَحُّ) مِنَ الْقَوْلِ الثَّانِي
لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ
وهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَقَالُوا هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ انْتَهَى
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ)
هُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
[1241] قَوْلُهُ (انْطَلَقْتُ أنا وبن عُمَرَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طريق الليث عن نافع أن بن عُمَرَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَأْثُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال نَافِعٌ فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَا مَعَهُ وَاللَّيْثُ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ تُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الورق(4/368)
بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ الْحَدِيثَ
فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ فَقَالَ أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِلَخْ
(لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) يَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيعُ أَصْنَافِهِ مِنْ مَضْرُوبٍ وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْرٍ وَخَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ
ونَقَلَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ في ذلك الإجماع (إلا مثل بِمِثْلٍ) أَيْ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلِينَ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ (وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ) الْمُرَادُ بِالْفِضَّةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا مَضْرُوبَةً وَغَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (لَا يُشَفُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِشْفَافِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ يُقَالُ شَفَّ الدِّرْهَمُ يَشِفُّ إِذَا زَادَ وَإِذَا نَقَصَ مِنَ الْأَضْدَادِ
وأَشَفَّهُ غَيْرُهُ يَشِفُّهُ كذا في عمدة القارىء
(وَلَا تَبِيعُوا مِنْهُ غَائِبًا) أَيْ غَيْرَ حَاضِرٍ (بِنَاجِزٍ) أَيْ حَاضِرٍ مِنَ النُّجْزِ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَالزَّايِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ مُؤَجَّلًا بِحَالٍّ وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ أَعَمُّ مِنَ الْمُؤَجَّلِ كَالْغَائِبِ عَنِ الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا وَالنَّاجِزُ الْحَاضِرُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عمر رضي الله عنه فِي السِّتَّةِ وَعَنْ عَلِيٍّ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ وَعَنْ أَنَسٍ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَنْ بِلَالٍ فِي الْبَزَّارِ وَعَنْ أَبِي بكرة متفق عليه
وعن بن عُمَرَ فِي الْبَيْهَقِيِّ وَهُوَ مَعْلُولٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَزَّارِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَاقِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إلا ما روي عن بن عَبَّاسٍ إِلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الصَّرْفِ لَهُ شَرْطَانِ مَنْعُ النَّسِيئَةِ مَعَ اتِّفَاقِ النَّوْعِ وَاخْتِلَافِهِ وَهُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَمَنْعُ التَّفَاضُلِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وخَالَفَ فِيهِ بن عمر ثم رجع وبن عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ الْعَدَوِيِّ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عن الصرف فقال كان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ
وكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ
فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَالْحَدِيثَ وفِيهِ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ(4/369)
بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ رِبًا
فَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ
كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ التَّوفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ اخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ إِنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ مَنْسُوخٌ لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وقِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ لَا رِبَا الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلَّا زَيْدٌ
مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءً غَيْرَهُ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ
وأَيْضًا فَنَفْيُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ
وقَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى حَدِيثِ أُسَامَةَ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الْبَيْعِ وَالْفَضْلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ رِبَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ
[1242] قَوْلُهُ (بِالْبَقِيعِ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ السُّوقَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ مَقْبَرَةً وَرُوِيَ النَّقِيعِ بِالنُّونِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَيْ يَجْتَمِعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
(فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ) أَيْ تَارَةً (فَآخُذُ مَكَانَهَا) أَيْ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ (الْوَرِقَ) أَيْ الْفِضَّةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا وَقِيلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَضْرُوبَةَ وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ (وَأَبِيعُ بِالْوَرِقِ) أَيْ تَارَةً أُخْرَى (فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ الْوَرِقَ بِالْعَكْسِ بِشَرْطِ(4/370)
التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ
وفِي الْمِشْكَاةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تفترقا وبينكما شيء
قال بن الْمَلِكِ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ عُلْقَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ انْتَهَى
قَالَ الطِّيبِيُّ رح فَإِنَّمَا نَكْرَهُ أَيْ لَفْظَ شَيْءٍ وَأَبْهَمَهُ لِلْعِلْمِ بِالْمُرَادِ وَإِنْ تَقَابَضَ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ أَنْ تَأْخُذَهَا رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنِ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ حَاضِرَيْنِ جَمِيعًا بَلِ الْحَاضِرُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ اللَّازِمِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عبد الله والحسن والحكم وطاؤس وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وأحمد وغيرهم
وروى عن بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ الِاسْتِبْدَالُ الْمَذْكُورُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عليهم
واختلف الأولون فمنهم من قال يشترطان أَنْ يَكُونَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَأَغْلَى وَأَرْخَصَ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا
وهُوَ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ
فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ
[1243] قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ النَّصْرِيِّ بِالنُّونِ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ (مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ) مِنَ الِاصْطِرَافِ وَكَانَ أَصْلُهُ بِالتَّاءِ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ بِالطَّاءِ (أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا) وفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ
وإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ لِظَنِّهِ جَوَازَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَمَا كَانَ بَلَغَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (نُعْطِكَ وَرِقَكَ) الْوَرِقُ بِكَسْرِ رَاءٍ(4/371)
وَيُسَكَّنُ وَبِكَسْرِ وَاوٍ مَعَ سُكُونٍ وَالرِقَةُ بِكَسْرِ رَاءٍ وَخِفَّةِ قَافٍ الدِّرْهَمُ الْمَضْرُوبُ (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَصْلُهُ هَاكَ فَأُبْدِلَتِ الْكَافُ مِنَ الْمَدِّ وَمَعْنَاهُ خُذْ هَذَا وَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّاجِزِ بِالْغَائِبِ فِي الصَّرْفِ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ابْتِيَاعِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ)
وَالْعَبْدِ وَلَهُ مَالٌ [1244] قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّأْبِيرِ وَهُوَ تَلْقِيحُ النَّخْلِ وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ فَحْلِ النَّخْلِ فِي طَلْعِ الْأُنْثَى إِذَا انْشَقَّ فَتَصْلُحُ ثَمَرَتُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى
(فَثَمَرَتُهَا للذي باعها) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَا تكون للبائع قبل التأبير وبعده
وقال بن أَبِي لَيْلَى تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا
وكِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ
وهَذَا إِذَا لَمْ يَقَعْ شَرْطٌ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَلَا مِنَ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الثَّمَرَةَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لِلشَّارِطِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّأْبِيرِ أَنْ يُؤَبِّرَ أَحَدٌ بَلْ لَوْ تَأَبَّرَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَائِلِينَ بِهِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
(إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ النَّخْلَةَ بثمرتها هذه (وله مال) قال القارىء اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ
(فَمَالُهُ) بِضَمِّ اللَّامِ (لِلَّذِي بَاعَهُ) أَيْ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا للبائع قبل البيع
قال القارىء
وهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ(4/372)
قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ بِحَالٍ فَإِنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَلَكَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ
فَلَا يَجُوزُ أن يكون مالكا كالبهائم
وقولهوله مَالٌ إِضَافَةُ مَجَازٍ لَا إِضَافَةُ مِلْكٍ كَمَا يُضَافُ السَّرْجُ إِلَى الْفَرَسِ وَالْإِكَافُ إِلَى الْحِمَارِ وَالْغَنَمُ إِلَى الرَّاعِي
يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ أَضَافَ الْمِلْكَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِلِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَةَ الْمَالِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ أَيْ الْمِلْكُ
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الدَّرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ
وكَذَا إِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ أَوْ الْحِنْطَةُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ حِنْطَةٍ
وقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ إِنِ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَالثَّمَنُ دَرَاهِمَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَالِ إِلَى الْمَمْلُوكِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُ وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَأُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ لِلِاخْتِصَاصِ والِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَالُ الْجُلُّ لِلْفَرَسِ خِلَافَ الظَّاهِرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جابر) لينظر من أخرجه
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ(4/373)
26 - (باب ما جاء الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا الْبَيِّعَانِ)
بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي
[1245] قَوْلُهُ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ أَوْ التَّخْيِيرِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ هُنَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْبَيِّعُ هُوَ الْبَائِعُ أُطْلِقَ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ
أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْبَائِعَانِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْبَائِعِ أَشْهَرَ وَأَغْلَبَ مِنَ الْبَيِّعِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ بِالْقَصْرِ وَالْإِدْغَامِ مِنَ الْفِعْلِ الثَّلَاثِي الْمُعْتَلِّ الْعَيْنِ فِي أَلْفَاظٍ مَحْصُورَةٍ كَطَيِّبٍ وَمَيِّتٍ وَكَيِّسٍ وَرَيِّضٍ وَلَيِّنٍ وهين
واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بايع وَبَيِّعٌ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ الْبَيِّعُ بِمَعْنَى الْبَائِعِ كَضَيِّقٍ وَضَائِقٍ وَلَيْسَ كَبَيِّنٍ وَبَائِنٍ فَإِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَقَيِّمٍ وَقَائِمٍ انْتَهَى
(مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ بالأبدان كما فهمه بن عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَيْضًا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ (أَوْ يَخْتَارَا) أَيْ مَضَاءَ البيع
قوله (فكان بن عُمَرَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ ليجب له) وفي رواية للبخاري وكان بن عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ
ولِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي رواية كان بن عُمَرَ إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ لَهُ(4/374)
الْبَيْعُ
[1246] قَوْلُهُ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ (فَإِنْ صَدَقَا) أَيْ فِي صِفَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (وَبَيَّنَا) أَيْ عَيْبَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعَ (بُورِكَ) أَيْ كَثُرَ النَّفْعُ (لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا) أَيْ وَشِرَائِهِمَا أَوْ الْمُرَادُ فِي عَقْدِهِمَا (مُحِقَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُزِيلَتْ وَذَهَبَتْ (بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) قَالَ الْحَافِظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ شُؤْمَ التَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وقع ذَلِكَ الْعَقْدِ فَمَحَقَ بَرَكَتَهُ
وإِنْ كَانَ الصَّادِقُ مَأْجُورًا وَالْكَاذِبُ مَأْزُورًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّدْلِيسُ وَالْعَيْبُ دُونَ الآخر ورجحه بن أَبِي جَمْرَةَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إليه في قرس بَعْدَ مَا تَبَايَعَا وَكَانَا فِي سَفِينَةٍ
فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ
(وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وأبي هريرة) أخرجه أبو داود (وبن عباس) أخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ
وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالُوا الْفُرْقَةُ بالأبدان لا بالكلام) وبه قال بن عُمَرَ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
ولَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى
وهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وبن أبي مليكة ونقل بن الْمُنْذِرِ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب والزهري وبن أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنِ(4/375)
الحسن البصري والأوزاعي وبن جريج وغيرهم
وبالغ بن حَزْمٍ فَقَالَ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنِ التَّابِعِينَ إِلَّا النَّخَعِيَّ وَحْدَهُ وَرِوَايَةً مَكْذُوبَةً عَنْ شُرَيْحٍ
والصَّحِيحُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ حَيْثُ قَالَ وَلَعَلَّ الْمُنْصِفَ الْغَيْرَ الْمُتَعَصِّبِ يَسْتَيْقِنُ بَعْدَ إِحَاطَةِ الْكَلَامِ مِنَ الْجَوَانِبِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ هُوَ مَا فَهِمَهُ الصَّحَابِيَّانِ الجليلان يعني بن عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وفَهْمُ الصَّحَابِيِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ غَيْرِهِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ كان كل من الأقوال مستند إِلَى حُجَّةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ
(وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا يَعْنِي الْفُرْقَةَ بِالْكَلَامِ) وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ
وبِهِ قَالَ المالكية إلا بن حبيب والحنفية كلهم
قال بن حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا إِلَّا إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَرِوَايَةً مَكْذُوبَةً عَنْ شُرَيْحٍ
والصَّحِيحُ عَنْهُ القول به قال الإمام محمد في موطإه وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَنْطِقِ الْبَيْعِ إِذَا قَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلْ الْآخَرُ قَدِ اشْتَرَيْتُ وَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَدِ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَكَذَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ يَقُلِ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ
وقَدْ أطال صاحب التعليق الممجد ها هنا الْكَلَامَ وَأَجَادَ وَأَجَابَ عَنْ كُلِّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ
(وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ
مَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بعد(4/376)
إِيجَابِ الْبَيْعِ
فَإِذَا خَيَّرَهُ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ إِلَخْ) قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ
فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إِلَى التَّفَرُّقِ
والْمُرَادُ أَنَّهُمَا إِنِ اخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ
فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ فَالتَّقْدِيرُ إِلَّا الْبَيْعَ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ
قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ
وغَلَّطُوا قَائِلَهُ
ورِوَايَةُ اللَّيْثِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَرْجِيحِهِ قِيلَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ
وقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ فَيَشْتَرِطَا الْخِيَارَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ المدة
حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ وفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
[1247] قَوْلُهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةُ خِيَارٍ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ تُوجَدَ أَوْ تَحْدُثَ صَفْقَةُ خِيَارٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ كَانَ نَاقِصَةٌ وَاسْمُهَا مُضْمِرٌ وَخَبَرُهَا صَفْقَةُ خِيَارٍ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّفْقَةُ صَفْقَةَ خِيَارٍ
والْمُرَادُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوِ افْسَخْهُ فَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَمَّ الْبَيْعُ وإن لم يتفرقا
قاله الشوكاني
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَيْعًا شُرِطَ فيه الخيار
وتفسير القارىء هَذَا خِلَافُ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّوْكَانِيُّ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ
وقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ فِي صَفْقَةِ خِيَارٍ لِلْبَيَانِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيْعِ أَوْ لِلْعَهْدِ انْتَهَى
وقَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ أَنْ تُقَاتِلَ أَهْلَ صَفْقَتِكَ هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ ثُمَّ يُقَاتِلَهُ لِأَنَّ الْمُتَعَاهِدَيْنِ يَضَعُ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَبَايِعَانِ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنِ التَّصْفِيقِ بِالْيَدَيْنِ انْتَهَى
(ولا يحل) أي في الورع قاله القارىء (لَهُ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ) أَيْ بِالْبَدَنِ (خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَاسْتَدَلَّ(4/377)
بِهَذَا الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
قَالُوا لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ
وأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ
ومَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ
فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقَالَةِ فَسْخُ النَّادِمِ مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ
وعَلَى هَذَا حَمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَلَوْ كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الِاسْتِقَالَةِ لَمْ تَمْنَعْهُ مِنَ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ
وقَدْ أَثْبَتَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ الْخِيَارَ وَمَدَّهُ إِلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ
ومِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِقَالَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْفَسْخِ
وحَمَلُوا نَفْيَ الْحِلِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ وَحُسْنِ مُعَاشَرَةِ الْمُسْلِمِ لَا أَنَّ اخْتِيَارَ الْفَسْخِ حَرَامٌ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشوكاني
وبهذا اندفع قول القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِمَذْهَبِنَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ
ولَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَمَا طَلَبَ مِنْ صَاحِبِهِ الْإِقَالَةَ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ
وبِكَلَامِهِ أَيْضًا ظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ الْمُظْهِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاسْتِقَالَةِ طَلَبُ الْفَسْخِ لَا حَقِيقَةُ الْإِقَالَةِ وَهِيَ دَفْعُ الْعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِهِ بِتَرَاضِيهِمَا أَيْ لَا يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَفْسَخَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْخَدِيعَةَ انْتَهَى
ووَجْهُ صِحَّةِ كَلَامِهِ أَيْضًا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ رواه الخمسة إلا بن مَاجَهْ
ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وفِي لَفْظٍ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا
قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يُفَارِقَهُ إِلَخْ) وَكَذَا قَالَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَهْلِ العلم كما عرفت في كلام الشوكاني
7 - باب [1248] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو) بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيَّ الْكُوفِيَّ رَوَى عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ ثِقَاتِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (لَا يَتَفَرَّقَنَّ عَنْ بَيْعٍ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (لَا يَفْتَرِقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ)
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَنْ تَرَاضٍ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ لَا يَتَفَرَّقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا تَفَرُّقًا صَادِرًا عَنْ تراض انتهى
قال القارىء الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَتَفَرَّقَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْصُلُ الضرر(4/378)
وَهُوَ مَنْهِيٌّ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُشَاوِرَ مُرِيدُ الْفِرَاقِ صَاحِبَهُ أَلَكَ رَغْبَةٌ في المبيع
فإن أريد الْإِقَالَةَ أَقَالَهُ فَيُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْآتِيَ فِي هَذَا الْبَابِ
وهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ الْمُفَارَقَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ وَلَا عِلْمِهِ انْتَهَى
وقَالَ قَالَ الْأَشْرَفُ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ فَهِمَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهُ ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرٍو فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْجَرْجَرَائِيُّ قَالَ مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ كَانَ أَبُو زُرْعَةَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا خَيَّرَهُ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ خَيِّرْنِي فَيَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا زُرْعَةَ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَبَا زُرْعَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ
[1249] قَوْلُهُ (خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) أَيْ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ
قَالَ الطِّيبِيُّ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ كَانَ التَّخْيِيرُ عَبَثًا
والْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ انتهى
أراد بالحديث الأول حديث بن عُمَرَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حديث حسن صحيح غريب
وقال القارىء وَحَسَنٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ)
[1250] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ فِي رَأْيِهِ وَنَظَرِهِ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ انْتَهَى
وكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (ضَعْفٌ) أَيْ كَانَ(4/379)
ضَعِيفَ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ (احْجُرْ عَلَيْهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَمْرٌ مِنَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَمِنْهُ حَجْرَ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ إِذَا مَنَعَهُمَا مِنَ التَّصَرُّفِ مِنْ مَالِهِمَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَنَهَاهُ) أَيْ عَنِ الْمُبَايَعَةِ (فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الصَّرْفِ (وَلَا خِلَابَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ وَلَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ
لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَاصًّا فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الْمُغَابَنَةَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَازِمَةٌ لَا خِيَارَ لِلْمَغْبُونِ بِسَبَبِهَا سَوَاءٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ
وهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ
وقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ الْغَبَنُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا
والصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ أَيْ لَا خَدِيعَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ كَانَتْ قَضِيَّةَ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وقَالُوا الْحَجْرُ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ إِلَخْ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ لَمَّا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ احْجُرْ عَلَيْهِ
لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ لَا يَصِحُّ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ
واسْتَدَلَّ أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ جَائِزًا لَحَجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَمَنَعَهُ مِنَ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْ(4/380)
29 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُصَرَّاةِ)
اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّصْرِيَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُصَرَّاةُ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوِ الشَّاةُ يُصَرَّى اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا أَيْ يُجْمَعُ وَيُحْبَسُ انْتَهَى يَعْنِي لِتُبَاعَ كذلك ويغتربها الْمُشْتَرِي وَيَظُنَّ أَنَّهَا لَبُونٌ فَيَزِيدَ فِي الثَّمَنِ
[1251] قَوْلُهُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا حَلَبَهَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا
قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ التَّصْرِيَةُ لَا تُعْرَفُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ ذَكَرَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فَلَوْ ظَهَرَتِ التَّصْرِيَةُ بِغَيْرِ الْحَلْبِ فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ (إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) أَيْ عِوَضًا عَنْ لَبَنِهَا لِأَنَّ بَعْضَ اللَّبَنِ حَدِيثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَعْضَهُ كَانَ مَبِيعًا فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ امْتَنَعَ رَدُّهُ وَرَدَّ قِيمَتَهُ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ صَاعًا قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى (وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وفي الباب أيضا عن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
[1252] قَوْلُهُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ الْخِيَارِ هَذَا الْمِقْدَارِ فَتُقَيَّدُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرِّوَايَاتُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا (فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ) قَالَ الْحَافِظُ تُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ عَلَى التَّمْرِ
وقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أيوب عن بن سِيرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمْرَاءِ الْحِنْطَةُ الشَّامِيَّةُ
ورَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بن حسان عن بن سيرين لاسمراء يعني الحنطة وروى بن المنذر من طريق بن عون عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا(4/381)
هُرَيْرَةَ يَقُولُ لَا سَمْرَاءَ تَمْرٌ لَيْسَ بِبُرٍّ
فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ التَّمْرُ
ولَمَّا كَانَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ الْقَمْحُ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ لَا سَمْرَاءَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (مَعْنَى لَا سَمْرَاءَ لَا بُرَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ الْحِنْطَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَفْتَى به بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي احْتُلِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا
ولَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا
وخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وفِي فُرُوعِهَا أَكْثَرُونَ
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا لَا يَرُدُّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ صَاعٍ مِنَ التَّمْرِ وَخَالَفَهُمْ زُفَرُ فقال يقول الْجُمْهُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ وَكَذَا قَالَ بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَتَعَيَّنُ صَاعُ التَّمْرِ بَلْ قِيمَتُهُ وَاعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنِ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ بِأَعْذَارٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي الْحَدِيثِ بِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَكُنْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ كَلَامٌ آذَى قَائِلُهُ بِهِ نَفْسَهُ وفِي حِكَايَتِهِ غِنًى عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمْثَالِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمِنَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وأَظُنُّ أَنَّ لهذه النكتة أورد البخاري حديث بن مَسْعُودٍ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِشَارَةً مِنْهُ إلى أن بن مَسْعُودٍ قَدْ أَفْتَى بِوَفْقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْلَا أَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ ثابت لما خالف بن مَسْعُودٍ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتُصَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِمَزِيدِ الْحِفْظِ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْأَصْلِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُسَمَّ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لِذِكْرِ التَّمْرِ فِيهِ تَارَةً وَالْقَمْحِ أُخْرَى وَاللَّبَنِ أُخْرَى وَاعْتِبَارِهِ بِالصَّاعِ تَارَةً وَبِالْمِثْلِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ تَارَةً وَبِالْإِنَاءِ أُخْرَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالضَّعِيفُ لَا يُعَلُّ بِهِ الصَّحِيحُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لَا الْعُقُوبَاتِ وَالْمُتْلَفَاتُ تُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَبِغَيْرِ الْمِثْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ(4/382)
النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مُدَّعِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِيهِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا وَأَجَادَ وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقِيَاسِ وَزَعْمُهُمْ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْأُصُولَ فَلَا يُقْبَلُ فَيُقَالُ الْأُصُولُ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعُ أُمَّتِهِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ الْأَصْلُ يُخَالِفُ نَفْسَهُ هَذَا مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ وَالْأُصُولُ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ وَمَا عَدَاهُمَا فَمَرْدُودٌ إِلَيْهِمَا فَالسُّنَّةُ أَصْلٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَالْقِيَاسُ فَرْعٌ فَكَيْفَ يُرَدُّ الْأَصْلُ بِالْفَرْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مُوَافَقَةِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لِلْقِيَاسِ وَإِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ زعم أنه خلاف القياس ويالله الْعَجَبَ كَيْفَ وَافَقَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ الْمُشْتَدِّ لِلْأُصُولِ حَتَّى قُبِلَ وَخَالَفَ خَبَرُ الْمُصَرَّاةِ لِلْأُصُولِ حَتَّى رد انتهى
قلت قد أطال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَمَّا مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنَارِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ وَرِوَايَةُ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ غَيْرُ معتبر إِذَا كَانَتْ خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي بِالْفَرْقِ بَيْنَ اللَّبَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَبَنِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَقْيِسَةِ فَأَقُولُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا قَابِلُ الْإِسْقَاطِ مِنَ الْكُتُبِ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ عَامِلٌ وَأَيْضًا هَذِهِ الضَّابِطَةُ لَمْ تَرِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَكِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ
قُلْتُ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الضَّوَابِطِ وَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ قَابِلَةٌ لِلْإِسْقَاطِ مِنَ الْكُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَشَأْنُهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ أَنْ يَقُولَ بِهَا
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فَعَارَضَ الْحَدِيثَ وَأَتَى بِحَدِيثِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ
ثُمَّ بَسَطَ فِي تَضْعِيفِ جَوَابِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا وَتَوْهِينِهِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ جَوَابَ الطَّحَاوِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ وَوَاهٍ وَقَدْ زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهَذَا زَعْمٌ فَاسِدٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّ نَاسِخَهُ حَدِيثُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَوُجْهَةُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ اللَّبَنَ فَضْلَةٌ مِنْ فَضَلَاتِ الشَّاةِ وَلَوْ هَلَكَتْ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِ المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بَدَلَهَا لِلْبَائِعِ حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا
وتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصْلَحُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْمَرْجُوحُ عَلَى الرَّاجِحِ وَدَعْوَى كَوْنِهِ بَعْدَهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْمُشْتَرِي لَمْ يُؤْمَرْ بِغَرَامَةِ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ بَلْ بِغَرَامَةِ اللَّبَنِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ عَلَى(4/383)
هذا تعارض انتهى كلام الحافظ وقال قبلي هَذَا مَا لَفْظُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مُدَّعِيهِ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي النَّاسِخِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا نَاسِخَةٌ وَأَجَابَ عَنْهَا جَوَابًا شَافِيًا إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ ظَهْرِ الدَّابَّةِ عِنْدَ الْبَيْعِ)
[1253] قَوْلُهُ (وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ) وفِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحَيْنِ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ
وبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً وَحَدَّهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ قِصَّةُ عَيْنٍ تَدْخُلُهَا الِاحْتِمَالَاتُ
ويُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ
وأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(4/384)
38 - (باب فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ)
أَيْ بِالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ
[1254] قَوْلُهُ (الظَّهْرُ يُرْكَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ يُشْرَبُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ
والْمُرَادُ مِنَ الظَّهْرِ ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَقِيلَ الظَّهْرُ الْإِبِلُ الْقَوِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ (وَلَبَنُ الدَّرِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّارَّةِ أَيْ ذَاتِ الضَّرْعِ
وقَوْلُهُ لَبَنُ الدَّرِّ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نفسه كقوله تعالى وحب الحصيد قَالَهُ الْحَافِظُ
(وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ) أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ
وفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَصْلَحَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ
وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةٍ قالوا أينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والخلب بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَالِ فَقَدْ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إباحة الانتفاع فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِكَوْنِهِ مَالِكَ رَقَبَتِهِ لا لكونه منفقا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَفِعُ مِنَ الْمَرْهُونِ بِشَيْءٍ
وتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّجْوِيزُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَشْرَبَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لا بالقيمة
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا
ويَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَى
وقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ رَهْنِ ذَاتِ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّاهِنَ مِنْ دَرِّهَا وَظَهْرِهَا فَهِيَ مَحْلُوبَةٌ وَمَرْكُوبَةٌ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ وَاعْتَرَضَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ زَكَرِيَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا
الْحَدِيثَ قَالَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَلَمَّا حُرِّمَ الرِّبَا ارْتَفَعَ مَا أُبِيحَ فِي هَذَا لِلْمُرْتَهِنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مُمْكِنٌ
وقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو(4/385)
ثَوْرٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ فَيُبَاحُ حِينَئِذٍ لِلْمُرْتَهِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَيَوَانِ حِفْظًا لِحَيَاتِهِ وَلِابْقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَجُعِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ أَوْ بِشُرْبِ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ قَدْرُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَلَفِهِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الظَّفَرِ
كَذَا أَفَادَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ خِلَافُ الظَّاهِرِ
وقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ إِنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يقيد به الشارع
وأما قول بن عبد البر يدل على نسخه حديث بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي جَوَابِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ مُمْكِنٌ وَقَالَ فِي السُّبُلِ أَمَّا النَّسْخُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا إِذْ يُخَصُّ عُمُومُ النَّهْيِ بِالْمَرْهُونَةِ انْتَهَى
وأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ
والْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْأَصْلِ وَتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَتِلْكَ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا مُمْكِنٌ
وأَمَّا قَوْلُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَخْ
فَفِيهِ مَا قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَهُوَ قَوْلُهُ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ النَّفَقَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَحْلِبَهَا وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ
وقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا لَا تَقْتَضِي سِوَاهُ
فَإِنَّ الرَّهْنَ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا محترم فِي نَفْسِهِ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَكَذَلِكَ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ
وقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الرَّهْنَ مَقْبُوضًا بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِهِ فَلَمْ يَرْكَبْهُ وَلَمْ يَحْلِبْهُ ذَهَبَ نَفْعُهُ بَاطِلًا وَإِنْ مَكَّنَ صَاحِبَهُ مِنْ رُكُوبِهِ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ وَتَوْثِيقِهِ وَإِنْ كُلِّفَ صَاحِبُهُ كُلَّ وَقْتٍ أَنْ يَأْتِيَ يَأْخُذُ لَبَنَهُ شَقَّ عَلَيْهِ غَايَةَ الْمَشَقَّةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ كُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ اللَّبَنِ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ لِلرَّاهِنِ شَقَّ عَلَيْهِ
فَكَانَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ وَالْقِيَاسِ وَمَصْلَحَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَيَوَانِ أَنْ يَسْتَوفِيَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُمَا بِالنَّفَقَةِ فَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَتَوفِيرُ الْحَقَّيْنِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ
والْمُرْتَهِنُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَدَّى عَنْهُ وَاجِبًا وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ وَمَنْفَعَةُ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا فَأَخْذُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْدَرَ عَلَى صَاحِبِهَا بَاطِلًا
وَيُلْزَمَ بِعِوَضِ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ قِيلَ للمرتهن لا رجوع لك كان في إِضْرَارٌ بِهِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَكَانَ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ هُوَ الْغَايَةَ الَّتِي مَا فَوْقَهَا فِي الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ والمصلحة شيء يختار
ثم ذكر بن الْقَيِّمِ كَلَامًا حَسَنًا مُفِيدًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْإِعْلَامِ
وقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلْأُصُولِ بِأَنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُصُولِ فَلَا تُرَدُّ إِلَّا بِمُعَارِضٍ أَرْجَحَ منها(4/386)
بعد تعذر الجمع
وعن حديث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْبَابِ خَاصٌّ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَقْضِي بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمْعُ لَا بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ صَحِيحٌ مُحْكَمٌ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَلَا يَرُدُّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَلَا أَثَرٌ مِنَ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ
وهُوَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِنَفَقَتِهَا وَشُرْبِ لَبَنِ الدَّرِّ الْمَرْهُونَةِ بِنَفَقَتِهَا
وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ
وأَمَّا قِيَاسُ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ وَالدَّرِّ الْمَرْهُونَةِ فَقِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الْمَرْهُونِ بِحَلْبٍ وَرُكُوبٍ دُونَ غَيْرِهِمَا وَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ
ووَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنْ يُقَالَ دَلَّ الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ إِبَاحَتَهُ مُسْتَفَادَةٌ لَهُ مِنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ لَا مِنَ الْإِنْفَاقِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذَيْنِ النوعين من المنفعة وجواز انتفاع غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا
فَإِذًا الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ مِنَ الْمَرْهُونِ بِالنَّفَقَةِ وَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ انْتَهَى
قُلْتُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ
وقَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ أَيْضًا كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ
وقَدْ قَالَ بِجَوَازِ انْتِفَاعِ الرُّكُوبِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ بِقَدْرِ الْعَلَفِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَيْضًا
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ
وقَدْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ الدَّابَّةُ إِذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً تُرْكَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَإِذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُشْرَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا
ورَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَلَفْظُهُ إِذَا ارْتَهَنَ شَاةً شَرِبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا فَإِنِ اسْتَفْضَلَ مِنَ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رِبًا انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرَّهْنِ) أَيْ مِنَ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ (بِشَيْءٍ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ
وهُوَ قَوْلُ(4/387)
الْجُمْهُورِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ
فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ الْغُنْمَ وَالْغُرْمَ لِلرَّاهِنِ وَلَكِنَّهُ قَدْ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَرَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ انْتِهَاضِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فيه الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْقِلَادَةِ وَفِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخَرَزُ مُحَرَّكَةً الْجَوْهَرُ وَمَا يُنْظَمُ
وقَالَ فِي الصُّرَاحِ خَرَزَةٌ بِفَتْحَتَيْنِ مهره خَرَازَاتُ الْمَلِكِ وَجَوَاهِرُ تَاجِهِ
والْقِلَادَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَا يُقَلَّدُ فِي الْعُنُقِ
وقَالَ فِي الصُّرَاحِ قِلَادَةٌ بِالْكَسْرِ كَردن بند وجميل
[1255] قَوْلُهُ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ بعدها معجمة بن عبد الله ويقال بن عَلِيٍّ وَالسَّبَائِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
(عَنْ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (فَفَصَلْتُهَا) مِنَ التَّفْصِيلِ أَيْ مَيَّزْتُ ذَهَبَهَا وخرزها بَعْدَ الْعَقْدِ (فَوَجَدْتُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِلَادَةِ (لَا تُبَاعُ) أَيْ الْقِلَادَةُ بَعْدَ هَذَا نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ (حَتَّى تُفْصَلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُمَيَّزَ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
فَقَالَ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بينهما
قال فرده حتى ميز بَيْنَهُمَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي(4/388)
بَعْضِهَا قِلَادَةٌ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وفِي بَعْضِهَا ذَهَبٌ وَجَوْهَرٌ وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ وفِي بَعْضِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وفِي أُخْرَى بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ وفِي أُخْرَى بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ
وأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا شَهِدَهَا فَضَالَةُ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَوَابُ الْمُسَدِّدُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ ضَعْفًا بَلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَحْفُوظٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُفْصَلْ وَأَمَّا جِنْسُهَا وَقَدْرُ ثَمَنِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالِاضْطِرَابِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي التَّرْجِيحُ بَيْنَ رُوَاتِهَا وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ ثِقَاتٍ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ أَحْفَظِهِمْ وَأَضْبَطِهِمْ وَيَكُونُ رِوَايَةُ الْبَاقِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَاذَّةً
وهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي يُجَابُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَقِصَّةِ جَمَلِهِ وَمِقْدَارِ ثَمَنِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم لَمْ يَرَوْا أَنْ يُبَاعَ سَيْفٌ مُحَلًّى) أَيْ بِالْفِضَّةِ (أَوْ مِنْطَقَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْفَارِسِيَّةِ كَمربند مُفَضَّضَةٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْضِيضِ
قَالَ في الصراح تفضيض سيم كوفت وسيم اندود كردن (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
(وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ يَجُوزُ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ وَنَحْوِهَا لَا مِثْلَهُ وَلَا دُونَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ مَعَ غَيْرِهِ بِذَهَبٍ حَتَّى يُفْصَلَ فَيُبَاعَ الذَّهَبُ بِوَزْنِهِ ذهبا ويباع الاخر بما أراد وكذا لاتباع فِضَّةٌ مَعَ غَيْرِهَا بِفِضَّةٍ وَكَذَا الْحِنْطَةُ مَعَ غَيْرِهَا بِحِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ مَعَ غَيْرِهِ بِمِلْحٍ وَكَذَا سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ
بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَكَذَلِكَ بَاقِي الرِّبَوِيَّاتِ
وهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وغيره المعروفة بمسألة مدعجوة وصورتها باع مدعجوة ودرهما بمدعجوة أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ
وهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ الْمَالِكِيِّ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ
وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بذهب(4/389)
وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ بِمَا فِيهِ ذَهَبٌ
فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ فِي الْمَبِيعِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَقَدَّرُوهُ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ
قَالَ وَأَجَابَتِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَقَدِ اشْتَرَاهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا
قَالُوا وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ هَذَا وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْبَيْعَ إِذَا بَاعَهَا بِذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا فَيَكُونُ مَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنَ الذَّهَبِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ كَعَقْدَيْنِ
وأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ لِئَلَّا يُغْبَنَ الْمُسْلِمُونَ فِي بَيْعِهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَدَلِيلُ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ التَّأْوِيلَيْنِ يَعْنِي جَوَابَ الْحَنَفِيَّةِ وَجَوَابَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ
وهَذَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ فَصْلِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الْمَبِيعُ بِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
وقَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ
وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِلَّةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَدَمُ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُسَاوِي وَغَيْرِهِ فَالْحَقُّ مَعَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ
ولَعَلَّ وَجْهَ حُكْمِ النَّهْيِ هُوَ سَدُّ الذَّرِيعَةِ إِلَى وُقُوعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الرِّبَوِيِّ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِتَمْيِيزِهِ بِفَصْلٍ وَاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَعَدَمِ الْكِفَايَةِ بِالظَّنِّ فِي التَّغْلِيبِ انْتَهَى
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ)
قَوْلُهُ (أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ) بِوَزْنِ فَعَيْلَةٍ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَرِيرِ وَهُوَ ثَمَنُ الْأَرَاكِ
وقِيلَ إِنَّهَا فَعَيْلَةٌ مِنَ الْبِرِّ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَبْرُورَةٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَرَحِيمَةٍ هَكَذَا وَجَّهَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ جُوَيْرِيَّةَ وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ وَقَالَ (لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فَلَوْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مِنَ الْبِرِّ لَشَارَكَتْهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَتْ بَرِيرَةُ لِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَقِيلَ لِنَاسٍ مِنْ بَنِي هِلَالٍ
قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ
ويُمْكِنُ الْجَمْعُ وَكَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَعَاشَتْ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَتَفَرَّسَتْ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ يَلِي الْخِلَافَةَ فَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ
ورَوَى هُوَ ذَلِكَ عَنْهَا كَذَا [1256] فِي الْفَتْحِ (اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ) أَيْ لِمَنِ اشْتَرَى وَأَعْتَقَ
قَالَ فِي اللَّمَعَاتِ قد(4/390)
يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِلْخِدَاعِ وَالتَّغْرِيرِ فَكَيْفَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ جَهْلًا بَاطِلًا مِنْهُمْ فَلَا اعْتِذَارَ بِذَلِكَ وَأَشْكَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي الْوَلَاءَ لَهُمْ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ
والْجَوَابُ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ بِإِرْخَاءِ الْعِنَانِ دُونَ إِثْبَاتِهِ لَهُمْ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ وُجُوهًا عَدِيدَةً بِالْبَسْطِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ (أَوْ لِمَنْ وَلِيَ النِّعْمَةَ) أَيْ الْمُعْتِقِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنَّى أَبَا عَتَّابٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ (إِذَا حُدِّثْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ منصور) أي بن الْمُعْتَمِرِ يَعْنِي إِذَا حَدَّثَكَ رَجُلٌ عَنْ مَنْصُورٍ (فَقَدْ مَلَأْتَ يَدَكَ مِنَ الْخَيْرِ) كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ ثِقَةً ثَبَتًا فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ هُوَ أَثْبَتَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا عن ثقة (لا ترد) من الإرادة (وغيره) أَيْ غَيْرَ مَنْصُورٍ (وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنَّى أَبَا عَتَّابٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْفَوْقِيَّةِ
قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخٍ التَّمِيمِيَّ الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (إِذَا حُدِّثْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ لِلْمُخَاطَبِ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْمَذْكُورُ
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ أَحَدِ الْأَعْلَامِ لَا أَحْفَظُ لَهُ شَيْئًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَحَدَّثَ عن أبي وائل وربعي بن حراش وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَشَيْبَانُ وَسُفْيَانُ وَشُرَيْكٌ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ وَحَكَى عَنْهُ شُعْبَةُ قَالَ ما كتبت حديثا قط
وقال بن مَهْدِيٍّ لَمْ يَكُنْ بِالْكُوفَةِ أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنْ منصور
وقال أحمد العجلي كان منصورا أَثْبَتَ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (فَقَدْ مَلَأْتَ يَدَكَ مِنَ الْخَيْرِ لَا تُرِدْ) مِنَ الْإِرَادَةِ (غَيْرَهُ) مَقْصُودُ يَحْيَى الْقَطَّانِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ كَمَالِ حِفْظِ مَنْصُورِ بن المعتمر وإتقانه في الحديث(4/391)
34 - باب [1257] قَوْلُهُ (بَعَثَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ المهملة وبالزاي وهو بن أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَوُجُوهِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى عَامِ الْفَتْحِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً سِتُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتُّونَ فِي الْإِسْلَامِ (يَشْتَرِي لَهُ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ (أُضْحِيَةً) أَيْ مَا يُضَحِّي بِهِ مِنْ غَنَمٍ (وَتَصَدَّقَ بِالدِّينَارِ) جَعَلَ جَمَاعَةٌ هَذَا أَصْلًا فَقَالُوا مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ لَهُ مستحقا فإنه يتصدق به
ووجه الشبهة ها هنا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي بَيْعِ الْأُضْحِيَّةِ
ويَحْتَمِلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ لِلْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَرِهَ أَكْلَ ثَمَنِهَا
قَالَهُ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ انْتَهَى
[1258] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ واخره مثناة وثقه أحمد وبن مَعِينٍ (عَنْ أَبِي لَبِيدٍ) اسْمُهُ لِمَازَةُ بِكَسْرِ اللام وتخفيف الميم وبالزاي بن الزَّبَّارِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَثْقِيلِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرَهُ رَاءٌ صَدُوقٌ نَاصِبِيٌّ مِنَ(4/392)
الثَّالِثَةِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ إِذَا قَالَ لَهُ الْمَالِكُ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ حَصَلَ وَزَادَ الْوَكِيلُ خَيْرًا وَمِثْلُ هَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ شَاةً بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهَا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ
وهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ (فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ) بِفَتْحِ صَادٍ وَسُكُونِ فَاءٍ وَالْمَعْنَى بَارَكَ اللَّهُ فِي بَيْعِكَ وَتِجَارَتِكَ (فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ (فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ
فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ
وحَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وفي إسناده من عند الْبُخَارِيِّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ لِمَازَةَ بْنِ زَبَّارٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ لَكِنَّهُ قَالَ إنه وثقه بن سعد
وقال حرب سمعت أحد يُثْنِي عَلَيْهِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ نَاصِبِيٌّ أَجْلَدُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ
وقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدٍ سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ الْحَافِظُ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إِسْنَادِهِ مُبْهَمٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ
وبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ
وقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ من السلف منهم علي وبن عباس وبن مسعود وبن عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ(4/393)
وَأَصْحَابُهُ إِنَّ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ وَالشِّرَاءَ الْمَوْقُوفَ بَاطِلَانِ لِحَدِيثِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَقَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِقَرِينَةِ فَهْمِهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
وقال أبو حنيفة إنه بكون الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ صَحِيحًا دُونَ الشِّرَاءِ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ مُفْتَقِرٌ إِلَى إِذْنِهِ بِخِلَافِ الْإِدْخَالِ
ويُجَابُ بِأَنَّ الْإِدْخَالَ لِلْمَبِيعِ فِي الْمِلْكِ يَسْتَلْزِمُ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْمِلْكِ لِلثَّمَنِ
ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْعَكْسُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُكَاتَبِ)
إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي [1259] قَوْلُهُ (إِذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ) أَيْ اسْتَحَقَّ (حَدًّا) أَيْ دِيَةً (أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرِ رَاءٍ مُخَفَّفٍ (بِحِسَابِ مَا عُتِقَ مِنْهُ) أَيْ بِحَسَبِهِ وَمِقْدَارِهِ
والْمَعْنَى إِذَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ دِيَةٌ أَوْ مِيرَاثٌ ثَبَتَ لَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَالْمِيرَاثِ بِحَسَبِ مَا عُتِقَ مِنْ نِصْفِهِ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهُ نِصْفَ مَالِهِ أَوْ كَمَا إِذَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةٌ وَقَدْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ فَإِنَّ الْجَانِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ وَيَدْفَعَ إِلَى مَوْلَاهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ عَبْدٍ
مِثْلًا إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلِوَرَثَةِ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ أَلْفٍ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَلِمَوْلَاهُ خَمْسُونَ نِصْفُ قِيمَتِهِ (يُودَى الْمُكَاتَبُ) بِضَمِّ يَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ دَالٍ مُخَفَّفَةً أَيْ يُعْطَى دِيَةَ الْمُكَاتَبِ (بِحِصَّةِ مَا أَدَّى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ قَضَى وَوَفَّى
قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِحَسَبِ مَا أَدَّى أَيْ مِنَ النُّجُومِ (دِيَةَ حُرٍّ) بِالنَّصْبِ (وَمَا بَقِيَ) أَيْ وَيُعْطَى بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ النُّجُومِ (دِيَةَ عَبْدٍ) بِالنَّصْبِ قَالَ الأشرف قوله يؤدي بتخفيف الدال مجهولا من ودي يدي دية أي أعطى الدِّيَةَ وَانْتَصَبَ دِيَةُ حُرٍّ مَفْعُولًا بِهِ وَمَفْعُولُ مَا أَدَّى مِنَ النُّجُومِ مَحْذُوفٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ أَيْ بِحِصَّةِ مَا أَدَّاهُ مِنَ النُّجُومِ يُعْطَى دِيَةَ حُرٍّ وَبِحِصَّةِ مَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي وأبو داود وبن ماجه
قوله (حديث(4/394)
بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا يُؤَدِّيهِ مِنَ النَّجْمِ
وكَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَحْدَهُ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قال القارىء يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عِتْقًا مَوْقُوفًا عَلَى تَكْمِيلِ تَأْدِيَةِ النُّجُومِ لا سيما على القول بجواز تجزي الْعِتْقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ [1260] قَوْلُهُ (عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ) بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَتَخْفِيفِ تَحْتِيَّةٍ وَقَدْ تُشَدَّدُ وَهِيَ اسْمٌ لِأَرْبَعَيْنِ دِرْهَمًا (فَأَدَّاهَا) أَيْ فَقَضَى الْمِائَةَ وَدَفَعَهَا (إِلَّا عَشْرَةَ أَوَاقٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَنْوِينِ الْقَافِ جَمْعُ أُوقِيَّةٍ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ عَشْرُ أَوَاقٍ بِغَيْرِ التَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (ثُمَّ عَجَزَ) أَيْ عَنْ أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (فَهُوَ) أي فعبده المكاتب العاجز قال بن الْمَلِكِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْبَعْضِ كَعَجْزِهِ عَنِ الْكُلِّ فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ كِتَابَتِهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا كَمَا كَانَ وَيَدُلُّ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مَا أَدَّاهُ يَصِيرُ لِسَيِّدِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ انْتَهَى
وقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَجِدْ أَحَدًا رَوَى هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَمْرًا وَلَمْ أَرَ مَنْ رَضِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُثْبِتُهُ
وعَلَى هَذَا فُتْيَا الْمُفْتِينَ انْتَهَى
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا(4/395)
بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالثَّلَاثَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ انْتَهَى
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وفِيهِ مَقَالٌ
[1261] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَخْ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ هَذَا بَابٌ مِنْهُ (عَنْ نَبْهَانَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ (فَلْتَحْتَجِبْ) أَيْ إِحْدَاكُنَّ وَهِيَ سَيِّدَتُهُ
(مِنْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ مِلْكَهُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بعد ذكره أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّوَرُّعِ إِلَخْ)
قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَرُّعِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُعْتَقَ بِالْأَدَاءِ لَا أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلنَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَمِيعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ
ولَعَلَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ الْمُكَاتَبِ عَنْ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِيَسْتَبِيحَ بِهِ النَّظَرَ إِلَى السَّيِّدَةِ وَسَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ انْتَهَى
6 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَفْلَسَ لِلرَّجُلِ غَرِيمٌ فَيَجِدُ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَفْلَسَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ
ومَعْنَاهُ
صَارَتْ دَرَاهِمُهُ فُلُوسًا
وقِيلَ صَارَ إِلَى حَالٍ يُقَالُ لَيْسَ مَعَهُ فَلْسٌ
وقَدْ أَفْلَسَ يُفْلِسُ إِفْلَاسًا فَهُوَ مُفْلِسٌ وَفَلَّسَهُ الْحَاكِمُ تَفْلِيسًا انْتَهَى وَالْغَرِيمُ الْمَدْيُونُ
[1262] (وَوَجَدَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا) أَيْ بِذَاتِهَا بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ هَالِكَةٍ حِسًّا أَوْ مَعْنًى بِالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ (فَهُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (أَوْلَى بِهَا) أَيْ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنَ(4/396)
الْغُرَمَاءِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ وفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ لكنه يشهد لصحته حديث الباب (وبن عمر) أخرجه بن حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَهُ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَوَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَأَفْلَسَ بِالْبَاقِي أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَضَى بِهِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ
وبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُمْ وَكَوَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ مِثْلَ مَا يَأْخُذُونَ وَيُحْرَمُ عما يُحْرَمُونَ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَتَاعِ لَيْسَ بِأَحَقَّ لَا فِي الْمَوْتِ وَلَا فِي الْحَيَاةِ لِأَنَّ المتاع بعد ما قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ مِلْكًا خَالِصًا لَهُ وَالْبَائِعُ صَارَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ
فَالْغُرَمَاءُ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ فِيهِ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ
فَالْبَائِعُ أَحَقُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَهَذَا مَعْنًى وَاضِحٌ لَوْلَا وُرُودُ النَّصِّ بِالْفَرْقِ وَسَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلِيٌّ فَإِنَّ قَتَادَةَ رَوَى عَنْ خَلَّاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا
وأَحَادِيثُ خَلَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُرَدُّ إِلَّا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولا عبرة الرأي بعد ورود نصة
كذا حققه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّرْقَانِيُّ انْتَهَى
واعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْعَمَلِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ بِاعْتِذَارَاتٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ
فَمِنْهَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ وَفَسَادُ هَذَا الِاعْتِذَارِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُصُولِ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهَا إِلَّا لِمَا هُوَ أَنْهَضُ مِنْهَا
ومِنْهَا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ لُقَطَةً وَفَسَادُ هَذَا الِاعْتِذَارِ أَيْضًا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْإِفْلَاسِ وَلَا جُعِلَ أَحَقَّ بِهَا لِمَا تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ مِنَ الِاشْتِرَاكِ
ويَرُدُّ هَذَا الِاعْتِذَارَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ
وفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ
وكَذَلِكَ وَقَعَ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ مَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي صُورَةِ(4/397)
الْبَيْعِ وَيُلْتَحَقُ بِهِ الْقَرْضُ وَسَائِرُ مَا ذُكِرَ يَعْنِي مِنَ الْعَارِيَةِ وَالْوَدِيعَةِ بِالْأَوْلَى
ومِنْهَا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ
ويَرُدُّ هَذَا الِاعْتِذَارَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُفْلِسٍ وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ رَجُلٍ وفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ ثُمَّ أَفْلَسَ
وهِيَ عِنْدَهُ إِذَا فلس الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الذِّمِّيِّ)
الْخَمْرَ يَبِيعُهَا لَهُ [1263] قَوْلُهُ (فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ) أَيْ الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ والميسر الْآيَتَيْنِ
(عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْخَمْرِ الَّتِي عِنْدِي لِلْيَتِيمِ وَالْخَمْرُ قَدْ يُذَكَرُ أَوْ بِتَأْوِيلِ الشَّرَابِ (فَقَالَ أَهْرِيقُوهُ) أَيْ صُبُّوهُ وَالْأَصْلُ أَرِيقُوهُ مِنَ الْإِرَاقَةِ وَقَدْ تُبَدَّلُ الْهَمْزَةُ بِالْهَاءِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَعًا كَمَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ نَادِرٌ
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَا تُمْلَكُ وَلَا تُحْبَسُ بَلْ تَجِبُ إِرَاقَتُهَا فِي الْحَالِ
ولَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِلَّا بِالْإِرَاقَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا
قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ أهل العلم وكرهو أَنْ يُتَّخَذَ الْخَمْرُ خَلًّا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ تَحْتَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مُعَالَجَةَ الْخَمْرِ حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا غَيْرُ جَائِزٍ
ولَوْ كَانَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ لَكَانَ مَالُ الْيَتِيمِ أَوْلَى الْأَمْوَالِ بِهِ لِمَا يَجِبُ مِنْ حِفْظِهِ وَتَثْمِيرِهِ وَالْحَيْطَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّ مُعَالَجَتَهُ لَا تُطَهِّرُهُ وَلَا تَرُدُّهُ إِلَى الْمَالِيَّةِ بِحَالٍ
انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ
هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهَا أَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْلِيلُ بِالنَّقْلِ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ
فَأَصَحُّ وَجْهٍ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَحِلُّ وَتَطْهُرُ
وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ إِذَا خللت(4/398)
بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا
قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فَلَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ
(وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي خَلِّ الْخَمْرِ إِذَا وُجِدَ قَدْ صَارَ خَلًّا) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ تَحْتَ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ حُرْمَةُ التَّخْلِيلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ
وعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ
والشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِيهِ شَيْءٌ لِلتَّخَلُّلِ لَمْ يَطْهُرْ أَبَدًا
وأَمَّا بِالنَّقْلِ إِلَى الشَّمْسِ مَثَلًا فَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَطْهِيرُهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ نُفُوسُهُمْ أَلِفَتْ بِالْخَمْرِ وَكُلُّ مَأْلُوفٍ تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ فَخَشِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَوَاخِلِ الشَّيْطَانِ فَنَهَاهُمْ عَنِ اقْتِرَانِهِمْ نهى تنزيه كيلا يُتَّخَذَ التَّخْلِيلُ وَسِيلَةً إِلَيْهَا
وأَمَّا بَعْدَ طُولِ عَهْدِ التَّحْرِيمِ فَلَا يُخْشَى هَذِهِ الدَّوَاخِلُ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ وَخَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ اللَّائِقَ بِمَنْصِبِ الشَّارِعِ لا بيان اللغة انتهى كلام القارىء
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ خَلَّ الْعِنَبِ خَلَّ الْخَمْرِ
قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ
وعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا فِي الشَّاةِ أَنَّ دِبَاغَهَا يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ
قَالَ وَيُعَارِضُ ظَاهِرُهُ حَدِيثَ أَنَسٍ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ أَتُتَّخَذُ خَلًّا قَالَ لَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا
قَالَ أَفَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا
انْتَهَى
وأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ
وأَمَّا حَدِيثُ
نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ
فَالْمُرَادُ بِالْخَلِّ الْخَلُّ الَّذِي لَمْ يُتَّخَذْ مِنَ الْخَمْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم
8 - باب [1264] قوله (حدثنا طلق بن الغنام) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ النُّونِ النَّخَعِيُّ أَبُو محمد الكوفي(4/399)
ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمِ بن حُصَيْنٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
قَوْلُهُ (أَدِّ الْأَمَانَةَ) هِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ
والْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهلها (إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ) أَيْ عَلَيْهَا (وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) أَيْ لَا تُعَامِلْهُ بِمُعَامَلَتِهِ وَلَا تُقَابِلْ خِيَانَتَهُ بِخِيَانَتِكَ
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَازَي بِالْإِسَاءَةِ مَنْ أَسَاءَ
وحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ الظَّفَرِ
وفِيهَا أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ
هَذَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ
والثَّانِي يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ لِظَاهِرِ قوله (بمثل ما عوقبتم به) وَقَوْلِهِ مِثْلُهَا وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ
والثَّالِثُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِظَاهِرِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بينكم بالباطل وَأُجِيبَ أَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا بِالْبَاطِلِ
والْحَدِيثُ يُحْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ عَلَى النَّدْبِ
الرَّابِعُ لِابْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَيَبِيعُ وَيَسْتَوفِي حَقَّهُ
فَإِنْ فَضَلَ عَلَى مَا هُوَ لَهُ رَدَّهُ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ
وإِنْ نَقَصَ بَقِيَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ أَوْ يُبَرِّئَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ مَنْ عِنْدَهُ لَهُ الْحَقُّ أَخَذَهُ فَإِنْ طُولِبَ أَنْكَرَ فَإِنِ اسْتُحْلِفَ حَلَفَ وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ
قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا
وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ ظَفَرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَتَيْنِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عليهم من سبيل وبقوله تعالى والحرمات قصاص وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بمثل ما اعتدى عليكم وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوُلْدَكِ بِالْمَعْرُوفِ
وَبِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ وَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ
وَاسْتَدَلَّ لِكَوْنِهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ عَاصِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى الْآيَةِ
وبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا الْحَدِيثِ
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ
قَالَ وَلَئِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَإِنْكَارُ مُنْكَرٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ
وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ
وقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قال بن الْقَطَّانِ وَالْمَانِعُ مِنْ تَصْحِيحِهِ أَنَّ شَرِيكًا وَقَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا انْتَهَى(4/400)
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
وفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب عند بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ وفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ
وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
وعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ
وعَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ آخَرُ غَيْرُ الصَّحَابِيِّ
لِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ مَاهِكٍ رَوَاهُ عَنْ فُلَانٍ عَنْ آخر وقد صححه بن السَّكَنِ وَعَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ الشافعي هذا الحديث ليس بثابت
وقال بن الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ
وقَالَ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ وُرُودَهُ بِهَذِهِ الطُّرُقِ الْمُتَعَدِّدَةِ مَعَ تَصْحِيحِ إِمَامَيْنِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ لِبَعْضِهَا وَتَحْسِينِ إِمَامٍ ثَالِثٍ مِنْهُمْ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ الْحَدِيثُ مُنْتَهِضًا لِلِاحْتِجَاجِ انتهى
9 - (باب ما جاء أَنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ)
[1265] قَوْلُهُ (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ) قَالَ التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها واختلفوا في تَأْوِيلِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّمَانِ فَالْقَائِلُ بِالضَّمَانِ يَقُولُ تُؤَدَّى عَيْنًا حَالَ الْقِيَامِ وَقِيمَةً عِنْدَ التَّلَفِ وَفَائِدَةُ التَّأْدِيَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
(وَالزَّعِيمُ) أَيْ الْكَفِيلُ (غَارِمٌ) قال في النهاية الغارم الذي يلتزم مَا ضَمِنَهُ وَتَكَفَّلَ بِهِ وَيُؤَدِّيهِ وَالْغُرْمُ أَدَاءُ شَيْءٍ لَازِمٍ وَقَدْ غَرِمَ يَغْرَمُ غُرْمًا انْتَهَى
والْمَعْنَى أَنَّهُ ضَامِنٌ وَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا لَزِمَهُ أداؤه (والدين مقضى) أي يجب قضاؤه
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وأبو داود وبن ماجه(4/401)
(وَصَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَفَالَةِ بِإِسْنَادِهِ ومتنه
وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِيهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ جَيِّدَةٌ وَشُرَحْبِيلُ مِنْ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ
قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ووثقه أيضا العجلي وبن حبان وضعفه بن مَعِينٍ انْتَهَى
والْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْوَصَايَا مُطَوَّلًا
[1266] قَوْلُهُ (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْيَدِ رَدُّ مَا أَخَذَتْهُ
قَالَ الطيبي ما موصولة مبتدأ وعلى الْيَدِ خَبَرُهُ وَالرَّابِعُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا أَخَذَتْهُ الْيَدُ ضَمَانٌ عَلَى صَاحِبِهَا
والْإِسْنَادُ إِلَى الْيَدِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ (حَتَّى تُؤَدِّيَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ الْمُؤَنَّثِ وَالضَّمِيرُ إِلَى الْيَدِ أَيْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ إِلَى مَالِكِهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ فِي الْغَصْبِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ
وفِي الْعَارِيَةِ إِنْ عَيَّنَ مُدَّةً رَدَّهُ إِذَا انْقَضَتْ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ مَالِكُهَا
وفِي الْوَدِيعَةِ لَا يَلْزَمُ إِلَّا إذا طلب المالك
ذكره بن الملك
قال القارىء وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَعْنِي مَنْ أَخَذَ مَالَ أحد بغضب أَوْ عَارِيَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَزِمَ رَدُّهُ انْتَهَى
(قَالَ قَتَادَةُ ثُمَّ نَسِيَ الْحَسَنُ) أَيْ الْحَدِيثَ (فَقَالَ) أَيْ الْحَسَنُ (هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ إِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ الْحَدِيثَ كَمَا سَتَعْرِفُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
وسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَدِيعَ وَالْمُسْتَعِيرَ ضَامِنَانِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى التَّضْمِينِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ إِذَا كَانَ عَلَى الْيَدِ الْآخِذَةِ حَتَّى تَرُدَّهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهَا كَمَا يُشْعِرُ لَفْظُ عَلَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَأْخُوذٍ وَمَأَخُوذٍ
وقَالَ الْمُقْبِلِيُّ فِي الْمَنَارِ يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّضْمِينِ
ولَا أَرَاهُ صَرِيحًا لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ أَيْضًا عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ
إِنَّمَا كَلَامُنَا هَلْ يَضْمَنُهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِ الْمَضْمُونِ إِلَّا هذا
وأما الحفظ فمشرك وَهُوَ الَّذِي تُفِيدُهُ عَلَى فِعْلِ هَذَا لَمْ يَنْسَ الْحَسَنُ كَمَا زَعَمَ قَتَادَةُ حِينَ قَالَ هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ
بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ(4/402)
الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُقْبِلِيِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قِلَّةِ الْجَدْوَى وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ يَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْأَمَانَةِ فَيَكُونُ تَلَفُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ قَبْلَ الرَّدِّ مُقْتَضِيًا لِخُرُوجِ الْأَمِينِ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ التَّلَفُ بِخِيَانَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَلَفٍ لَا يَصِيرُ بِهِ الْأَمِينُ خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا
كَالتَّلَفِ بِأَمْرٍ لَا يُطَاقُ دَفْعُهُ أَوْ بِسَبَبِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ ضَيَاعٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ التَّلَفُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ بَقَاءِ الْأَمَانَةِ
وظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا أَسْلَفْنَا ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ كَلَامَ صَاحِبِ ضَوْءِ النَّهَارِ ثُمَّ تَعَقَّبَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ رَأْيِ الْحَسَنِ لِرِوَايَتِهِ فَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرِّوَايَةِ لَا بِالرَّأْيِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالُوا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعَارِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) قَالَ فِي النَّيْلِ قال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ إِلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا إِلَّا فِيمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَأْدِيَةِ الْأَمَانَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ضَمَانَهَا إِذَا تَلِفَتْ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعَارِيَةِ ضَمَانٌ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ (إِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ
وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بِلَفْظِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ
ولَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَقَالَ إِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ غَيْرَ مَرْفُوعٍ قَالَ الْحَافِظُ وفِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ كَالْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَمَّا الْوَدِيعُ فَلَا يَضْمَنُ
قِيلَ إِجْمَاعًا إِلَّا لِجِنَايَةٍ مِنْهُ عَلَى الْعَيْنِ وَالْوَجْهِ فِي تَضْمِينِهِ بِالْجِنَايَةِ أَنَّهُ صَارَ بِهَا خَائِنًا
والْخَائِنُ ضَامِنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَالْمُغِلُّ هُوَ الْخَائِنُ وَهَكَذَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ تَعَدٍّ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ
لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْخِيَانَةِ وَأَمَّا الْعَارِيَةُ فَقَدْ ذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعَدٍّ انْتَهَى(4/403)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الِاحْتِكَارِ)
قَالَ الْحَافِظُ الِاحْتِكَارُ الشَّرْعِيُّ إِمْسَاكُ الطَّعَامِ عَنِ الْبَيْعِ وَانْتِظَارُ الْغَلَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ
وبِهَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
وعَنْ أَحْمَدَ إِنَّمَا يَحْرُمُ احْتِكَارُ الطَّعَامِ الْمُقْتَاتِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ انتهى
[1267] قوله (لا يحتكر إلا خاطىء) بِالْهَمْزِ أَيْ عَاصٍ آثِمٌ
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ من احتكر فهو خاطىء
قَالَ النَّوَوِيُّ الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ هُوَ فِي الْأَقْوَاتِ خَاصَّةً بِأَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ وَلَا يَبِيعَهُ فِي الْحَالِ بَلِ ادَّخَرَهُ لِيَغْلُوَ فَأَمَّا إِذَا جَاءَ مِنْ قَرْيَةٍ أَوِ اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ وَادَّخَرَهُ وَبَاعَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ وَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْأَقْوَاتِ فَلَا يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى
واسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الِاحْتِكَارَ حَرَامٌ مِنَ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ بن الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ) قَائِلُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (لِسَعِيدٍ) أي بن الْمُسَيِّبِ (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ سَعِيدِ بْنِ المسيب (إنك تحتكر قال ومعمر) أي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ (قَدْ كَانَ يَحْتَكِرُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَقْوَاتِ (وَالْخَبَطَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْوَرَقُ السَّاقِطُ أَيْ عَلَفُ الدَّوَابِّ (وَنَحْوَ هَذَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَقْوَاتِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَآخَرُونَ إِنَّمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ
وحَمَلَا الْحَدِيثَ عَلَى احْتِكَارِ الْقُوتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ
وكَذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامَ والإفلاس
أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وعَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ
أخرجه بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
(وَعَلِيٍّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَأَبِي أُمَامَةَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ له كفارة
أخرجه رزين (وبن عُمَرَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ
وفِي الْبَابِ(4/404)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خاطىء
أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَسَكَتَ عَنْهُ
وعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ
أخرجه بن عَسَاكِرَ
قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي الِاحْتِكَارِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ) وَاحْتَجُّوا بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الِاحْتِكَارَ مُحَرَّمٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالدَّوَابِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ
والتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ
بَلْ هُوَ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى مَا تقرر في الأصول
قوله (قال بن الْمُبَارَكِ لَا بَأْسَ بِالِاحْتِكَارِ بِالْقُطْنِ وَالسِّخْتِيَانِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّخْتِيَانُ وَيُفْتَحُ جِلْدُ الْمَاعِزِ إِذَا دُبِغَ مُعَرَّبٌ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْمُحَفَّلَاتِ)
الْمُحَفَّلَةُ هِيَ الْمُصَرَّاةُ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَفْسِيرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سميت بذلك لأن اللبن بكثر فِي ضَرْعِهَا وَكُلُّ شَيْءٍ كَثَّرْتَهُ فَقَدْ حَفَّلْتَهُ
تَقُولُ ضَرْعٌ حَافِلٌ أَيْ عَظِيمٌ
واحْتَفَلَ الْقَوْمُ إِذَا كَثُرَ جَمْعُهُمْ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَحْفِلُ
[1268] قَوْلُهُ (لَا تَسْتَقْبِلُوا السُّوقَ) الْمُرَادُ مِنَ السُّوقِ الْعِيرُ أَيْ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ إِذَا جَاءَتْ سَوِيقَةٌ أَيْ تِجَارَةٌ وَهِيَ مُصَغَّرُ السُّوقِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ التِّجَارَةَ تُجْلَبُ إِلَيْهَا وَالْمَبِيعَاتُ تُسَاقُ نَحْوَهَا وَالْمُرَادُ الْعِيرُ انْتَهَى
(وَلَا تُحَفِّلُوا) مِنَ التَّحْفِيلِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بِمَعْنَى التَّجْمِيعِ
والْمَعْنَى لَا تَتْرُكُوا حَلْبَ النَّاقَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَجْتَمِعَ وَيَكْثُرَ لبنها في ضرعها فيعتز بِهِ الْمُشْتَرِي
(وَلَا يُنَفِّقْ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ مِنَ التَّنْفِيقِ وَهُوَ مِنَ النَّفَاقِ ضِدِّ الْكَسَادِ
قَالَ نَفَقَتِ السِّلْعَةُ فَهِيَ نَافِقَةٌ وَأَنْفَقْتَهَا وَنَفَّقْتَهَا إِذَا جعلتها نَافِقَةً (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَقْصِدْ أَنْ يُنَفِّقَ سِلْعَتَهُ عَلَى جِهَةِ النَّجْشِ فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فِيهَا يَرْغَبُ السَّامِعُ فَيَكُونُ قوله(4/405)
سَبَبًا لِابْتِيَاعِهَا وَمُنَفِّقًا لَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِلَفْظِ قَالَ مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ أَنَّ رَفْعَهُ غَلَطٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ صَدُوقٌ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةٌ مُضْطَرِبَةٌ وَقَدْ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ فَكَانَ رُبَّمَا يُلَقَّنُ انْتَهَى
فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ لِوُرُودِهِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمُسْلِمِ)
[1269] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الْمَالُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ) أَيْ كَاذِبٌ (لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ يَقْتَطِعُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ (لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) فِي حديث وائل بن حُجْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ
وفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجنة
(فقال الأشعث) هو بن قَيْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَنَدِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (فِيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ إِلَخْ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مال امرئ(4/406)
مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قليلا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ إِلَخْ (إِذَنْ يَحْلِفَ) بالنصب قال السهيلي لا غير
وحكى بن خَرُوفٍ جَوَازَ الرَّفْعِ فِي مِثْلِ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَبِي مُوسَى) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
3 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ)
بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ
[1270] قَوْلُهُ (إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ) أَيْ إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ
قَالَ فِي النَّيْلِ لَمْ يَذْكُرِ الْأَمْرَ الَّذِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَحَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي فَيَعُمُّ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وفِي كُلِّ أَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا وفِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا ينافي في هَذَا الْعُمُومَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْحَذْفِ انْتَهَى
(فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ (وَالْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ) أَيْ إِنْ شَاءَ اخْتَارَ الْبَيْعَ وَرَضِيَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا عُرِفَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ
كَذَا فِي سُبُلِ السَّلَامِ قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً فَقَالَ هَذَا أَخَذْتُ بِكَذَا وكذا وقال هذا بعت بكذاوكذا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ(4/407)
حَضَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَمَرَ بِالْبَائِعِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ ثُمَّ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ إِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ
قَوْلُهُ (وَالْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ) أَيْ إِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ
ورُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (الْقَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ السِّلْعَةِ) أَيْ الْبَائِعُ (قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ (وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ
ولَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ
وهَذَا إِذَا لَمْ يَقَعْ التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَادِّ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمَا خَلَاصٌ عَنِ النِّزَاعِ إِلَّا التَّفَاسُخَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ وَتَلَفِهِ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ المبيع للاحتجاج والتراد مع التلت مُمْكِنٌ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْقِيَمِيِّ إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الِاخْتِلَافِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ بَلِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا طَوِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفُرُوعِ
ووَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي بَعْضٍ
وسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
والْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَائِعًا وَالْآخَرُ مُشْتَرِيًا أَوْ لَا
وحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَعَارَضَانِ بِاعْتِبَارِ مَادَّةِ الِاتِّفَاقِ وَهِيَ حَيْثُ يَكُونُ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي التَّرْجِيحِ إِلَى الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ
وحَدِيثُ إِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إِلَى أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الرَّهْنِ وفِي بَابِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَهَى بقدر الحاجة(4/408)
(بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ)
[1271] قَوْلُهُ (عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ) بِغَيْرِ إِضَافَةٍ يُكَنَّى أَبَا عَوْفٍ لَهُ صُحْبَةٌ يُعَدُّ فِي أهل الحجاز قَوْلُهُ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلشُّرْبِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ أَوْ الزَّرْعِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ خُصِّصَ مِنْ عُمُومِ أَحَادِيثِ الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ لِلْمَاءِ مَا كَانَ مِنْهُ مُحْرَزًا فِي الْآنِيَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قِيَاسًا
عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَطَبِ إِذَا أَحْرَزَهُ الْحَاطِبُ لِحَدِيثِ الَّذِي أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاحْتِطَابِ لِيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا الْقِيَاسُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى نِصْفَ بِئْرِ رُومَةَ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَسَبَلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اشْتَرَى بِئْرَ رومة فيوسع بها على المسلمين وله الْجَنَّةُ وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَبِيعُ مَاءَهَا الْحَدِيثَ
فَإِنَّهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْبِئْرِ نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيِّ عَلَى الْبَيْعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ شَوْكَةُ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوِيَّةً وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ فِي مُبَادِي الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقَرَّتِ الْأَحْكَامُ وَشَرَعَ لِأُمَّتِهِ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَاءِ فَلَا يُعَارِضُهُ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ وَأَيْضًا الْمَاءُ هُنَا دَخَلَ تَبَعًا لِبَيْعِ الْبِئْرِ وَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَبُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ
وأَمَّا حَدِيثُ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ الملح وفيه قصة وأعله عبد الحق وبن القطان بأنها لا تعرف لكن ذكرها بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بن ماجه بسند صحيح ثلاث لا يمنعه من الماء والكلاء والنار
وأما حديث عائشة فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ(4/409)
مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالنَّارُ
الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ خَصْلَتَانِ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُمَا الْمَاءُ وَالنَّارُ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وأَمَّا حديث بن عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ فِي كِتَابِ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ إِيَاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَ الْمَاءِ إِلَخْ) اسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ إِلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَا تَمَسَّكُوا فِي كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ
[1272] قَوْلُهُ (لَا يُمْنَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَضْلُ الْمَاءِ) وَهُوَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ صَاحِبِهِ (لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ
وهُوَ النَّبَاتُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ حَوْلَ الْبِئْرِ كَلَاءٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي رَعْيَهُ
إِلَّا إِذَا مُكِّنُوا مِنْ سَقْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالْعَطَشِ بَعْدَ الرَّعْيِ فَيَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُمْ مِنَ الْمَاءِ مَنْعَهُمْ مِنَ الرَّعْيِ
وإِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الْبَذْلُ بِمَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ
ويُلْحَقُ بِهِ الرُّعَاةُ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى الشُّرْبِ لِأَنَّهُ إِذَا مَنَعَهُمْ مِنَ الشُّرْبِ امْتَنَعُوا مِنَ الرَّعْيِ هُنَاكَ
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُمْكِنُهُمْ حَمْلُ الْمَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ لِقِلَّةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ
والصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ الزَّرْعُ عِنْدَ مَالِكٍ
والصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَاشِيَةِ
وفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي مَا حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ ذَاتُ أَرْوَاحٍ يُخْشَى مِنْ عَطَشِهَا مَوْتُهَا بِخِلَافِ الزَّرْعِ
وبِهَذَا أَجَابَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ(4/410)
45 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ عَسْبِ الْفَحْلِ)
بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وفِي آخِرِهِ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ لَهُ الْعَسِيبُ أَيْضًا وَالْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ فَرَسًا كَانَ أَوْ جَمَلًا أَوْ تَيْسًا وَغَيْرَ ذَلِكَ
وقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ عَسِيبِ التَّيْسِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَسْبُ ضِرَابُ الْفَحْلِ أَوْ مَاؤُهُ أَوْ نَسْلُهُ
والْوَلَدُ وَإِعْطَاءُ الْكِرَاءِ عَلَى الضِّرَابِ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ انْتَهَى
[1273] قَوْلُهُ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عسب الْفَحْلِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَسْبُ الْفَحْلِ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَعَسْبُهُ أَيْضًا ضِرَابُهُ يُقَالُ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ يَعْسِبُهَا عَسْبًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنِ الْكِرَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَيْهِ فَإِنَّ إِعَارَةَ الْفَحْلِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا
ووَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ عَسْبِ الْفَحْلِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ
وقِيلَ يقال الكراء الْفَحْلِ عَسْبٌ وَعَسَبَ فَحْلَهُ يَعْسِبُهُ أَيْ أَكْرَاهُ وَعَسَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَعْطَيْتُهُ كِرَاءَ ضِرَابِ فَحْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي فِيهِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأنس وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
ولِأَنَسٍ غَيْرُ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي عُلُومِ الحديث وبن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ وَعَنِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَهُ أَيْضًا وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
والنَّهْيُ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بيعه وكراءه حَرَامٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ مُدَّةً مَعْلُومَةً(4/411)
وهو قول الحسن وبن سِيرِينَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ قَوَّاهَا الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ
وحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ لِأَمَدٍ مَجْهُولٍ وَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بأس كما يجوز الاستيجار لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ
وتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَاءُ الْفَحْلِ وَصَاحِبُهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ التَّلْقِيحِ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى مَنْ جَوَّزَ إِجَارَةَ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ عَلَى الْإِجَارَةِ
قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ أَعْسَبَ الرَّجُلُ عَسْبًا اكْتَرَى مِنْهُ فَحْلًا يُنَزِّيهِ انْتَهَى
(وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ فِي قَبُولِ الْكَرَامَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي
قَالَ الْحَافِظُ وَأَمَّا عَارِيَةُ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَإِنْ أُهْدِيَ لِلْمُعِيرِ هَدِيَّةٌ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ ثُمَّ قَالَ وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا انْتَهَى
[1274] قَوْلُهُ (إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ نُعِيرُهُ لِلضِّرَابِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا
أَيْ إعارته للضراب واستطرق الْفَحْلِ اسْتِعَارَتُهُ لِذَلِكَ (فَنُكْرَمُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطِينَا صَاحِبُ الْأُنْثَى شَيْئًا بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ (فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ دُونَ الْكِرَاءِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعِيرَ إِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ هَدِيَّةً بِغَيْرِ شَرْطٍ حَلَّتْ لَهُ
وقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي إِطْرَاقِ الْفَحْلِ أخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَإِبْرَاهِيمُ بن حميد وثقة النسائي وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ(4/412)
46 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ)
[1275] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْكَلْبِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
(وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ مِنْ بَغَتِ الْمَرْأَةُ بِغَاءً بِالْكَسْرِ إِذَا زَنَتْ
ومِنْهُ قَوْلُهُ تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وَمَهْرُ الْبَغِيِّ هُوَ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ عَلَى الزنى سَمَّاهُ مَهْرًا مَجَازًا [1276] (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَا يُعْطَاهُ عَلَى كِهَانَتِهِ
قَالَ الْهَرَوِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ الْمُعْطَى بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذُهُ سَهْلًا بِلَا كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ
والْكَاهِنُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى الْإِخْبَارَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ
وكَانَتْ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ تَابِعَةً مِنَ الْجِنِّ تُلْقِي إِلَيْهِمْ الْأَخْبَارَ
ومِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ
ومِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ وَأَسْبَابٍ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى مَوَاقِعِهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ لِلسَّرِقَةِ وَمُتَّهَمِ الْمَرْأَةِ بِالزَّنْيَةِ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ
ومِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ الْأُمُورِ كَإِتْيَانِ الْمَطَرِ وَمَجِيءِ الْوَبَاءِ وَظُهُورِ الْقِتَالِ وَطَالِعِ نَحْسٍ أَوْ سَعِيدٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ
وحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكَاهِنِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قال الْحَافِظُ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ
وفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنَ اسْتِطْلَاعِ الْغَيْبِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم
فِي الْأَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِرَدَاءَتِهِ وَخِسَّتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْحَرَامِ مِنْ حَيْثُ كَرِهَهُ الشَّارِعُ وَاسْتَرْذَلَهُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الطَّيِّبُ لِلْحَلَالِ قَالَ تَعَالَى وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخبيث قَوْلُهُ (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ إِلَخْ) أَيْ مَكْرُوهٌ لدناءته قال(4/413)
القاضي الخبيث بالطيب أَيْ الْحَرَامَ بِالْحَلَالِ وَلَمَّا كَانَ مَهْرُ الزَّانِيَةِ حَرَامًا كَانَ الْخُبْثُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الثَّانِي
وأَمَّا نَهْيُ بَيْعِ الْكَلْبِ فَمَنْ صَحَّحَهُ كَالْحَنَفِيَّةِ فَسَّرَهُ بِالدَّنَاءَةِ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ كَأَصْحَابِنَا فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية ص 491 (وبن مَسْعُودٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدّارَقُطْنيُّ فِي سُنَنِهِ ذَكَرَهُ الزيلعي (وبن عباس) أخرجه أحمد وأبو داود (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا ثَمَنَ الْكَلْبِ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَنْ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أو لا وسواء كان يجوز افتناؤه أَمْ لَا
وأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ الْكَلْبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ
وأَوْجَبَ الْقِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ
وعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ الْأُولَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ
والثَّانِيَةُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّالِثَةُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ انْتَهَى
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طَعَنَ فِي صِحَّتِهِ
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزَّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إِنْ صَحَّ هَذَا الْمُقَيَّدُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ
واخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَمَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ قَالَ بِالْوُجُوبِ
ومَنْ فَصَّلَ فِي الْبَيْعِ فَصَّلَ في لزوم القيمة انتهى(4/414)
47 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ)
[1277] قَوْلُهُ (عن بن مُحَيِّصَةَ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ (فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ) وفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ فِي أُجْرَةِ الْحَجَّامِ (فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ) أَيْ فِي أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي أَكْلِهَا فَإِنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ لَهُمْ أَرِقَّاءُ كَثِيرُونَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ خَرَاجِهِمْ وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ أَطْيَبِ الْمَكَاسِبِ
فَلَمَّا سَمِعَ مُحَيِّصَةُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى أَكْلِ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ
تَكَرَّرَ فِي أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ (حَتَّى قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَطْعِمهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَلْفُ كَالضَّرْبِ الشُّرْبُ الْكَثِيرُ وَإِطْعَامُ الدَّابَّةِ كَالْإِعْلَافِ وَالنَّاضِحُ هُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ الْمَاءُ (وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) أَيْ عَبْدَكَ لِأَنَّ هَذَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا شَرَفٌ يُنَافِيهِ دَنَاءَةُ هَذَا الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْحُرِّ
وهَذَا ظَاهِرٌ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْحُرِّ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ
لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَنَاوُلِ الْحُرِّ لَهُ فَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ
كذا ذكره بن الْمَلِكِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ (وَالسَّائِبِ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 491 ج 2
قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ سَأَلَنِي حَجَّامٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَافَ بِالْحِجَامَةِ وَيَحْرُمُ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وعمدتهم حديث محيصة(4/415)
48 - (باب ما جاء من الرُّخْصَةِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ)
[1278] قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ (وَحَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَّاضَةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ أَوْ دِينَارٌ أَوْ مَسِيرَةٌ أَقْوَالٌ (وَأَمَرَ أَهْلَهُ) أَيْ سَادَاتِهِ (فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيُقَالُ لَهُ ضَرِيبَةٌ وَغَلَّةٌ (أَوِ إِنَّ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ) أَيْ مِنْ أَفْضَلِ دَوَائِكُمْ وَأَوْ لِلشَّكِّ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وبن عباس) أخرجه البخاري ومسلم (وبن عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ
واحتجوا بهذا الحديث يعني بحديث بن عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ قَالَ وَقَالُوا هُوَ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فَحَمَلُوا الزَّجْرَ عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيهِ
ومِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
وذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ
وقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ أَحْمَدَ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقْلًا عَنِ الْفَتْحِ
قال الحافظ وجمع بن الْعَرَبِيِّ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَبَيْنَ إِعْطَائِهِ الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ
بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ مَا إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ
ويُحْمَلُ الزَّجْرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ
قَالَ وفِي الْحَدِيثِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا
وجَوَازُ مُخَارَجَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَكْتَسِبَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ انْتَهَى(4/416)
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ)
بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ وَهُوَ الْهِرُّ
[1279] (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يَنْفَعُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِكَيْ يَعْتَادَ النَّاسُ هِبَتَهُ وَإِعَارَتَهُ وَالسَّمَاحَةَ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ نَافِعًا وَبَاعَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ ثَمَنُهُ حَلَالًا
هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَإِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وأما ما ذكره الخطابي وبن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ هُوَ صَحِيحٌ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ كَمَا سَتَعْرِفُ
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زيد حكى ذلك عنهم بن الْمُنْذِرِ
وحَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ
وأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ
وفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وقِيلَ إِنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا مِنَ الْمُرُوءَاتِ
ولَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِخْرَاجُ النَّهْيِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِلَا مُقْتَضًى انْتَهَى
قَوْلُهُ (فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ
إِذْ هُوَ لَا يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ
ولَعَلَّ مُسْلِمًا إِنَّمَا لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ وكيع بن الْجَرَّاحِ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْأَعْمَشُ أَرَى أَبَا سُفْيَانَ ذَكَرَهُ فَالْأَعْمَشُ كَانَ يَشُكُّ فِي وَصْلِ الْحَدِيثِ فَصَارَتْ رِوَايَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ ضَعِيفَةً(4/417)
انْتَهَى
[1280] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَعُمَرُ بْنُ زَيْدٍ لَا نَعْرِفُ كَبِيرَ أَحَدٍ إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ أخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
وقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا مُنْكَرٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني
قال بن حِبَّانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنِ الْمَشَاهِيرِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ
وزَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ بَيْعِ السِّنَّوْرِ لَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ معقل وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ
قَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
0 - باب [1281] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ) بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَكْسُورَةِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
قَوْلُهُ (وَتَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ) قَالَ فِي الْمِيزَانِ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ ثُمَّ تَرَكَهُ
وقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ كَانَ أَبُو الْمُهَزِّمِ مَطْرُوحًا فِي مَسْجِدِ ثَابِتٍ لَوْ أَعْطَاهُ إِنْسَانٌ فَلْسًا لَحَدَّثَهُ سَبْعِينَ حَدِيثًا
وقَالَ مُسْلِمٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ ولو يعطي درهما لوضع حديث انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طُعِنَ فِي إسناده
وقد وقع(4/418)
في حديث بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ ضَارِيًا يَعْنِي مِمَّا يَصِيدُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرٌ انْتَهَى
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ)
[1282] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وسكون المهملة صدوق يخطىء
(عن عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ) بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ الدِّمَشْقِيِّ صَاحِبِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الْقَاسِمِ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ صَدُوقٌ يُرْسِلُ كَثِيرًا
قَوْلُهُ (لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فِي الصِّحَاحِ
الْقَيْنُ الْأَمَةُ مُغَنِّيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وفِي الْحَدِيثِ يُرَادُ بِهَا الْمُغَنِّيَةُ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُغَنِّيَةً فَلَا وَجْهَ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا (وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ) أَيْ الغناء فإنها رقية الزنى (وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) قَالَ الْقَاضِي النَّهْيُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَجْلِ التَّغَنِّي وَحُرْمَةُ ثَمَنِهَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهَا وَالْجُمْهُورُ صَحَّحَ بَيْعَهَا
والْحَدِيثُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ لِلطَّعْنِ فِي رِوَايَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَلَيْهِنَّ حَرَامٌ كَأَخْذِ ثَمَنِ الْعِنَبِ مِنَ النَّبَّاذِ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ وَتَوَصُّلٌ إِلَى حُصُولِ مُحَرَّمٍ لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث أَيْ يَشْتَرِي الْغِنَاءَ وَالْأَصْوَاتَ الْمُحَرَّمَةَ الَّتِي تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الإضافة فيه بمعنى من البيان نَحْوَ جُبَّةِ خَزٍّ وَبَابِ سَاجٍ أَيْ يَشْتَرِي اللَّهْوَ مِنَ الْحَدِيثِ
لِأَنَّ اللَّهْوَ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيثِ وَمِنْ غَيْرِهِ
والْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
كَذَا فِي المرقاة
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره
وأخرجه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ(4/419)
(حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا من هذا لوجه) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ)
قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ
وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ
كَذَا فِي الْمِيزَانِ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أن يفرق بين الأخوين)
الخ [1283] قوله (من فرق) بتشديد الراء (بين والدة وولدها) أي ببيع أوهبة أَوْ خَدِيعَةٍ بِقَطِيعَةٍ وَأَمْثَالِهَا وفِي مَعْنَى الْوَالِدَةِ الْوَالِدُ بَلْ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْجَدَّةِ وَحُكْمُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا كُرِهَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ السَّبَايَا فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا بَأْسَ
ورَخَّصَ أَكْثَرُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْ الْآتِي وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكِبَرِ الْمُبِيحِ لِلتَّفْرِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ غَايَتَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ حتى يصغر وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ
وقَالَ أَحْمَدُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَبُرَ وَاحْتَلَمَ وَجَوَّزَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا لَا يَجُوزُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ وَوَالِدَيهِ وَغَيْرِهِمَا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ فِي مَوْقِفٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَحْبَابُ وَيَشْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عِنْدَ رَبِّ الْأَرْبَابِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وبنيه
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وأحمد(4/420)
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
[1284] قَوْلُهُ (يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ) بِالْفَتْحِ أَيْ صَنَعَ (غُلَامُكَ) أَيْ الْغَائِبُ (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ أَعْلَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعِهِ (رُدَّهُ) أَيْ رُدَّ الْبَيْعَ (رُدَّهُ) كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وقَدْ أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ بِالِانْقِطَاعِ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ لِشَوَاهِدِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ السَّبْيِ فِي الْبَيْعِ) وَكَذَا فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَالْوَلَدِ وَبَيْنَ الْأَخَوَيْنِ أَمَّا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنِ الْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ بِنَفْسِهِ
وقَدْ اخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ
وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْأُمِّ
ولَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ يَشْمَلُ الْأَبَ فَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ أَوْلَى مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الْقِيَاسِ
وأَمَّا بَقِيَّةُ الْقَرَابَةِ فَذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ قِيَاسًا
وقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى وَالشَّافِعِيُّ لَا يَحْرُمُ
والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ هُوَ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ
وأَمَّا بَيْنَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأَرْحَامِ فَإِلْحَاقُهُ بِالْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ مِنْهُمْ بِالْمُفَارَقَةِ مَشَقَّةٌ كَمَا تَحْصُلُ بِالْمُفَارَقَةِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ فَلَا إِلْحَاقَ لِوُجُودِ الْفَارِقِ فَيَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ
وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ تُسَاوِي مَشَقَّةَ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ إِلَّا التَّفْرِيقَ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ فِيهِ لِلْمُفَرِّقِ كَالْقِسْمَةِ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُهُ الَّذِي أخرجه بن مَاجَهْ وَالدّارَقُطْنيُّ عَنْهُ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ
(وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) يَعْنِي صَحِيحٌ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ(4/421)
الْبَابِ
وأَمَّا مَنْ رَخَّصَ فِي التَّفْرِيقِ مُطْلَقًا فَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دواد عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا
الْحَدِيثَ
وفِيهِ قَالَ فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ وَأَجْمَلِهِ فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِتُّ فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا
وفِيهِ فَقُلْتُ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وفِي أَيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جواز التفريق بعد البلوغ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْجِمَاعِ
والظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنْتَ قَدْ كَانَتْ بَلَغَتْ قَالَ وَقَدْ حَكَى فِي الْغَيْثِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ الْمُسْتَنَدُ لَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ كَوْنَ بُلُوغِهَا هُوَ الظَّاهِرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
وقَدْ اسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِينَ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا قِيلَ إِلَى مَتَى قَالَ حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ
وهَذَا نَصٌّ عَلَى الْمَطْلُوبِ صَرِيحٌ لَوْلَا أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْوَاقِفِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَمَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَيْرُهُ
وقَدْ اسْتَشْهَدَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ
ولَا شَكَّ أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ وَهَذَا الْحَدِيثِ مُنْتَهِضٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ فَرَّقَ إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وفِي قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَشْتَرِي العبد ويستغله)
الخ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغَلَّةُ الدَّاخِلُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالْإِجَارَةِ وَالنَّتَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَالُ لَهَا الْخَرَاجُ وَالضَّرِيبَةُ وَالْغَلَّةُ انْتَهَى
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْغَلَّةُ الدَّخْلُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ وَأَجْرِ غُلَامٍ وَفَائِدَةِ أَرْضٍ وَأَغْلَّتِ الضَّيْعَةُ أَعْطَتْهَا وَاسْتَغَلَّ عَبْدَهُ كَلَّفَهُ أَنْ يُغِلَّ عَلَيْهِ انتَهَى
[1285] قَوْلُهُ (وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِعَيْنٍ وَقَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو (عَنْ مَخْلَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ(4/422)
وَفَتْحِ اللَّامِ (بْنِ خُفَافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وفائين بِوَزْنِ غُرَابٍ
[1286] قَوْلُهُ (قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَاءُ فِي بِالضَّمَانِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِالضَّمَانِ
أَيْ بِسَبَبِهِ
وقِيلَ الْبَاءُ لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَنَافِعُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ وَنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ
ومِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَعَلَيْهِ غنمه
والمراد بالخراج ما يحصل من علة الْعَيْنِ الْمُبْتَاعَةِ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً أَوْ مِلْكًا
وذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَسْتَغِلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ يَعْثُرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يُطْلِعْهُ البائع عليه أو لم يعرفه فَلَهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا اسْتَغَلَّهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ
وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا يَحْدُثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ نَتَاجِ الدَّابَّةِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَثَمَرِ الشَّجَرَةِ أَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ
وذَهَبَ أصحاب أبي حنيفة رحمه اللهإلى أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ
وقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرُدُّ الْوَلَدَ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يَرُدُّ الصُّوفَ وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوُطِئَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالشُّبْهَةِ أَوْ وَطَأَهَا ثم وجد بها عيبا فإن كان ثَيِّبًا رَدَّهَا وَالْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إن كان هو الواطىء وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتُضَّتْ فَلَا رَدَّ لَهُ
لِأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهَا
وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا بِسَنَدٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الترمذي وبن خزيمة وبن الجارود وبن حبان والحاكم وبن الْقَطَّانِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَاسْتَغْرَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ جَعَلَهُ غَرِيبًا (وَقَدْ رَوَى مسلم بن خالد الزنجي(4/423)
ففيه صَدُوقٌ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَحَدِيثُ جَرِيرٍ يُقَالُ تَدْلِيسٌ) أَيْ مُدَلِّسٌ (دَلَّسَ فِيهِ جرير) معنى التدليس أي يَرْوِيَ الرَّاوِي عَمَّنْ لَقِيَهُ أَوْ عَاصَرَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِصِيغَةٍ تَحْتَمِلُ السَّمَاعَ كَلَفْظَةِ قَالَ وَعَنْ قَوْلُهُ (هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلُّهُ) أَيْ يَأْخُذُ غَلَّتَهُ (فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي) لَا لِلْبَائِعِ (لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ أَيْ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ
4 - (باب ما جاء من الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرَةِ لِلْمَارِّ بِهَا)
[1287] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ للعاشرة (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) هُوَ الطَّائِفِيُّ كَمَا هو مصرح عند بن مَاجَهْ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطائفي صدوق سيء الْحِفْظِ انْتَهَى
وقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وثقة بن معين والعجلي وبن سَعْدٍ
وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
وَقَالَ السَّاجِيُّ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَكِتَابُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ
وإِذَا حَدَّثَ حِفْظًا فَيُعْرَفُ وَيُنْكَرُ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَوْلُهُ (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ) أَيْ مِنْ ثِمَارِهِ (وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَهِيَ طَرَفُ الثَّوْبِ أَيْ لَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فِي ثَوْبِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي اللُّقَطَةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وبن ماجه(4/424)
وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
(وَعَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ (وَرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو) الْغِفَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَعُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لَا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا في كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ الثِّمَارِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِالثَّمَنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اختلف العلماء فيمن مَرَّ بِبُسْتَانٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ
قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَأْخُذُ وَيَغْرَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَلْزَمُهُ شيء وقال أحمد إذا لم يكن على الْبُسْتَانِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرطبة
في أصح الروايتين ولو لم يحتج لِذَلِكَ
وفِي الْأُخْرَى إِذَا احْتَاجَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ
وعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي حَدِيثَ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ قَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ
وقَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّ مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد نَقَلْنَا آنِفًا كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ
وكَلَامَ الْحَافِظِ
ويَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ احْتِلَابِ الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ
[1289] قَوْلُهُ (عَنِ الثَّمَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ (الْمُعَلَّقِ) أَيْ الْمُدَلَّى مِنَ الشَّجَرِ (مَنْ أَصَابَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الثَّمَرِ (مِنْ ذِي حَاجَةٍ) بَيَانٌ لِمَنْ أَيْ فَقِيرٍ أَوْ مُضْطَرٍ (غَيْرَ مُتَّخِذٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَصَابَ (خُبْنَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخُبْنَةُ مِعْطَفُ الْإِزَارِ وَطَرَفُ الثَّوْبِ أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي ثَوْبِهِ يُقَالُ أَخْبَنَ الرَّجُلُ إِذَا خَبَّأَ شَيْئًا فِي خُبْنَةِ ثوبه أو سراويله انتهى (فلا شي عليه) قال بن الْمَلِكِ أَيْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ
وأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وأبو(4/425)
داود وبن ماجه
[1288] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كُنْتُ غُلَامًا أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ (وَكُلْ مَا وَقَعَ) أَيْ سَقَطَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا)
بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى وَزْنِ الدُّنْيَا اسْمٌ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا مَجْهُولًا
[1290] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا (وَالْمُخَابَرَةِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ
كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَالثُّنْيَا) أَيْ إِذَا أَفْضَتْ إِلَى الْجَهَالَةِ (إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
والْمَعْنَى إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا فَهُوَ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا المنهي عنه هو الاستثناء المجهول
قال بن حَجَرٍ الْمُرَادُ بِالثُّنْيَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْبَيْعِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَعْلُومًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنَ الْأَشْجَارِ أَوْ مَنْزِلًا مِنَ الْمَنَازِلِ أَوْ مَوْضِعًا مَعْلُومًا مِنَ الْأَرْضِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ
وإِنْ كَانَ مَجْهُولًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
والْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْغَرَرِ مَعَ الْجَهَالَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الثُّنْيَاءِ
أَخْرَجَهُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ إِلَّا أَنْ تعلم النسائي وبن حبان في صحيحه
وغلط بن الْجَوْزِيِّ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ الثُّنْيَا(4/426)
56 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)
أَيْ يَقْبِضَهُ
[1291] قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (حَتَّى يَسْتَوفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ وَافِيًا (قال بن عَبَّاسٍ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الطعام إستعمل بن عَبَّاسٍ الْقِيَاسَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ كَالطَّعَامِ
كَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعَ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدّارَقُطْنيُّ
وكَحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ قَالَ إِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ
رَوَاهُ أحمد
قال محمد في الموطإ بقول بن عَبَّاسٍ نَأْخُذُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مِثْلَ الطَّعَامِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ
وكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْأَرْضِينَ الَّتِي لَا تُحَوَّلُ أَنْ تُبَاعَ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ
أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُجِيزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقْبَضَ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ
قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ هُوَ الظَّاهِرُ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمَذْكُورَيْنِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن جابر) أخرجه أحمد ومسلم (وبن عُمَرَ) قَالَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا الترمذي وبن ماجه
قوله حديث بن عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ) أَيْ فِي مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ (مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ) لِمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ (أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوفِيَهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْأَرْضِينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا التَّشْدِيدُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الطَّعَامِ وهو قول أحمد وإسحاق) قال الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ(4/427)
اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَحَادِيثِ بِالطَّعَامِ وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وفِي غَيْرِهِ يَجُوزُ
وَقَالَ زُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ
وذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ غَيْرِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ النَّهْيَ مَعْلُولٌ بِضَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ وَهُوَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ نَادِرٌ وفِي الْمَنْقُولَاتِ غَيْرُ نَادِرٍ
انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)
[1292] قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) بِأَنْ يَجِيءَ بَعْضُكُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ
بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ مَجَازٌ أَوَّلٌ يُرَادُ بِهِ السَّوْمُ
(وَلَا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ) أَيْ بَعْدَ التَّوَافُقِ عَلَى الصَّدَاقِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ
ولَفْظُ الْبُخَارِيِّ نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَأَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَسَمُرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَسُمُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
(وَمَعْنَى الْبَيْعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ السَّوْمُ) صُورَةُ السَّوْمِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ فَيَقُولَ الْمَالِكُ رُدَّهُ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِثَمَنِهِ أَوْ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ أَوْ يَقُولَ لِلْمَالِكِ اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ
وإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَصْرِيحًا
فَقَالَ الْحَافِظُ فِي(4/428)
الْفَتْحِ لَا خِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ ظاهرا ففيه وجهان للشافعية
وقال بن حَزْمٍ إِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّكُونِ
وتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُبِينٍ لِوَضْعِ التَّحْرِيمِ فِي السَّوْمِ لِأَنَّ السَّوْمَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ لَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عن بن عَبْدِ الْبَرِّ
فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّوْمَ الْمُحَرَّمَ مَا وقع فيه قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ
وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لِأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ
أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
وَقَدِ اشْتَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنًا فَاحِشًا
وإِلَّا جَازَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ
وأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّصِيحَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ
لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَرِّفَهُ أَنَّ قِيمَتَهَا كَذَا فَيُجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ
كَذَا فِي الْفَتْحِ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ)
[1293] قَوْلُهُ (لِأَيْتَامٍ) صِفَةُ خَمْرٍ أَيْ اشْتَرَيْتُهَا لِلتَّخْلِيلِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
ويَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ باشتريت أَيْ اشْتَرَيْتُهَا لِأَجْلِهِمْ وَيَكُونُ هَذَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هلى أُلْقِيهِ أَوْ أُهْرِيقُهُ
فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَقُلْتُ إِنَّهُ لِيَتِيمٍ فَقَالَ أَهْرِيقُوهُ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُنَاسِبُهُ مَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا
كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ
(فِي حِجْرِي) صِفَةٌ لِأَيْتَامٍ (وَاكْسِرْ الدِّنَانَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ الدَّنِّ وَهُوَ ظَرْفُهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِكَسْرِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِتَشَرُّبِهَا وَعَدَمِ إِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ أَوْ مُبَالَغَةً لِلزَّجْرِ عَنْهُ وَعَمًّا قَارَبَهَا
كَمَا كَانَ التَّغْلِيظُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حرمت الخمر إن عندنا خمر اليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها
(وبن مسعود) لم(4/429)
أقف على حديثه (وبن عمر) أخرجه أبو داود وبن ماجه
(وأنس) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ رَوَى الثَّوْرَيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ عِنْدَهُ) فَالْحَدِيثُ عَلَى رِوَايَةِ السُّدِّيِّ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَهُوَ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
والسُّدِّيُّ هَذَا هُوَ الْكَبِيرُ وَاسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ كَانَ يَقْعُدُ فِي سُدَّةِ بَابِ الْجَامِعِ فَسُمِّيَ بالسدى بضم السين وتشديد الدال
[1294] قَوْلُهُ (قَالَ لَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِخُبْزٍ أَوْ بَصَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْقَى فِيهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَيَنْجُسُ مَا أُلْقِيَ فِيهَا
هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ
وعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ
والثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ
والثَّالِثَةُ حَلَالٌ وَتَطْهُرُ
وأَجْمَعُوا أَنَّهَا إِذَا انْتَقَلَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا طَهُرَتْ وَقَدْ يُحْكَى عَنْ سُحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
[1295] قَوْلُهُ (فِي الْخَمْرِ) ظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ فِي شَأْنِهَا أَوْ لِأَجْلِهَا (عَشْرَةٌ) أَيْ عَشْرَةُ أَشْخَاصٍ (عَاصِرَهَا) بِالنَّصْبِ بَدَلًا عَنِ الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ مَنْ يَعْصِرُهَا بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (وَمُعْتَصِرَهَا) مَنْ يَطْلُبُ عَصْرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) أَيْ مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَحْمِلَهَا أَحَدٌ إِلَيْهِ (وَبَائِعَهَا) أَيْ عَاقِدَهَا وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ دَلَّالًا (وَالْمُشْتَرِيَ) أَيْ لِلشُّرْبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا (لَهَا) أَيْ لِلْخَمْرِ (وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ) بِصِيغَةِ(4/430)
اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الَّذِي اشْتُرِيَتِ الْخَمْرُ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) رضي الله عنه وأخرجه بن ماجه (وقد روى نحو هذا عن بن عباس) أخرجه أحمد بإسناد صحيح وبن حبان والحاكم كذا في الترغيب (وبن مسعود) لم أقف على حديثه (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي احْتِلَابِ الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ)
أَيْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي
وهِيَ جَمْعُ الْمَاشِيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَاشِيَةُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ انْتَهَى
وقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَاشِيَةُ جَمْعُهَا الْمَوَاشِي وَهِيَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَنَمِ انْتَهَى
[1296] قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَتَى مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ وَعَدَّاهُ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى نَزَلَ وَجَعَلَ الْمَاشِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضِيفِ
وفِيهِ مَعْنَى حُسْنِ التَّعْلِيلِ وَهَذَا إِذَا كَانَ الضَّيْفُ النَّازِلُ مُضْطَرًّا انْتَهَى
(فَلْيَسْتَأْذِنْهُ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (فَلْيُصَوِّتْ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ فَلْيَصِحْ وَلِيُنَادِ (وَلَا يَحْمِلْ) أَيْ منه شيئا
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مُشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أُطْعُمَاتِهِمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي سعيد) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِهِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلَّا فَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ
الْحَدِيثَ
وذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الحديث في الفتح وقال أخرجه بن ماجه والطحاوي وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ(4/431)
(حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ فَمَنْ صَحَّحَ سَمَاعَهُ مِنْ سَمُرَةَ صَحَّحَهُ وَمَنْ لَا أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أحمد وإسحاق) قال القارىء قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا يعني على حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ إِلَّا إِذَا اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ وَيَضْمَنُ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ لَهُ
وذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى إِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ أَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا
فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَرْعَاهَا عَبْدٌ لَهُ وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
ولِمَا رَوَى الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ
الْحَدِيثَ
وقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ ثِمَارِ الْغَيْرِ
ولما روي عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال من دَخَلَ حَائِطًا لِيَأْكُلَ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ إِلَّا بِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمَجَاعَةِ وَالضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَاوِمُ النُّصُوصَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى
وقَالَ الحافظ في الفتح تحت حديث بن عمر المذكور قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يأخذ المسلم للمسلم شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّبَنُ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُلِ النَّاسِ فِيهِ فَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ
وبِهَذَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنٍ خَاصٍّ أَوْ إِذْنٍ عَامٍّ
واسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ وَلَا عَامٌّ
وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ الْحَدِيثَ
وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ
ومِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْجَمْعِ
مِنْهَا حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَالنَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الْإِذْنِ بِابْنِ السَّبِيلِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ بِالْمُضْطَرِّ أَوْ بِحَالِ الْمَجَاعَةِ مُطْلَقًا وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ
ومِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ أَحْوَجَ مِنَ الْمَارِّ
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَةً فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ
أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ قُلْنَا لَا
قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
أَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه(4/432)
وَاللَّفْظُ لَهُ
وفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ فَابْتَدَرَهَا الْقَوْمُ لِيَحْلِبُوهَا قَالُوا فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ مُحْتَاجًا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا
ومِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَصْرُورَةٍ وَالنَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ مَصْرُورَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ
لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَاشْرَبُوا وَلَا تَحْمِلُوا
فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْمَصْرُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ بِقَيْدِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَلَا بد منه
واختار بن الْعَرَبِيِّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَكَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمْ الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ بَلَدِنَا
وأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الْغَزْوِ
وآخَرُونَ عَلَى قَصْرِ الْإِذْنِ عَلَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالنَّهْيِ عَلَى مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَتِ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً ثُمَّ نُسِخَتْ فَنُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَنْ مَرَّ بِبُسْتَانٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ
قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَأْخُذُ وَيَغْرَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وقال بعض السلف لا يلزمه شيء
وقال أَحْمَدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبُسْتَانِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فِي أصح الروايتين
ولو لم يحتج لذلك وفي الْأُخْرَى إِذَا احْتَاجَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ
وعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الحديث قال البيهقي يعني حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ قَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لا يقصر عن درجة الصحيح
وقد احتجوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ سَمَاعًا مِنْهُ لِحَدِيثِ الْعَقِيقَةِ
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نُسْخَةً كَبِيرَةً غَالِبُهَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّ كُلَّهَا سَمَاعٌ
وَكَذَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَآخَرُونَ هِيَ كِتَابٌ
وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ وَإِنَّهُ نَذَرَ إِنْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ
فَقَالَ الْحَسَنُ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إِلَّا أَمَرَ فِيهَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ
وَهَذَا يَقْتَضِي سَمَاعَهُ مِنْهُ لِغَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّلَاةِ دَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ
قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ بَعْدُ انْتَهَى(4/433)
60 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ)
[1297] قَوْلُهُ (عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ) فِيهِ بَيَانُ تَارِيخِ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الضَّمِيرِ الْوَاحِدِ
وكَانَ الْأَصْلُ حَرَّمَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّحْقِيقُ جَوَازُ الْإِفْرَادِ فِي مِثْلِ هَذَا وَوَجْهُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشىء عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ وَاللَّهُ ورسوله أحق أن يرضوه
وَالْمُخْتَارُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى حُذِفَتْ لِدَلَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ انْتَهَى
(بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى شَحْمِ الْمَيْتَةِ عَلَى تَأْوِيلِ المذكور قاله الطيبي قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الشَّحْمِ الْمَفْهُومِ مِنَ الشُّحُومِ (السُّفُنُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ السَّفِينَةِ (وَيُدَّهِنُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ (وَيَسْتَصْبِحُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُنَوِّرُ (بِهَا النَّاسُ) أَيْ الْمِصْبَاحَ أَوْ بُيُوتَهُمْ يَعْنِي فَهَلْ يَحِلُّ بَيْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ (قَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ الْبَيْعُ هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَقَالَ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ أَصْلًا عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ
واخْتَلَفُوا فِيمَا يَتَنَجَّسُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ
وقال أحمد وبن الْمَاجِشُونَ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
واسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ سَاغَ لَهُ إِطْعَامُهَا لِكِلَابِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ يَسُوغُ دَهْنُ السَّفِينَةِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَا فَرْقَ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَلَعَنَهُمْ(4/434)
إِخْبَارٌ أَوْ دُعَاءٌ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ) أَيْ شُحُومَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ قَالَ اللَّهُ تعالى ومن الغنم والبقر حرمنا عليهم شحومهما فَأَجْمَلُوهُ أَيْ أَذَابُوهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ جَمَلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ أَذَبْتُهُ
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ جَمَلَ الشَّحْمَ أَذَابَهُ كَأَجْمَلَهُ وَاجْتَمَلَهُ
واحْتَالُوا بِذَلِكَ فِي تَحْلِيلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّحْمَ الْمُذَابَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّحْمِ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ بَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُ الْوَدَكُ (ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ رَاجِعٌ إِلَى الشُّحُومِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوِ الَى الشَّحْمِ الْمَفْهُومِ مِنَ الشُّحُومِ كَمَا تَقَدَّمَ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ كل حيلة تحتال للتوصيل إِلَى مُحَرَّمٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ هيأته وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) مَرْفُوعًا قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشحوم فجملوها فباعوها
أخرجه الشيخان (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
[1298] قَوْلُهُ (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) أَيْ لَا يَنْبَغِي لَنَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَّصِفَ بِصِفَةٍ ذَمِيمَةٍ يُشَابِهُنَا فِيهَا أَخَسُّ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) وَلَعَلَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ مِمَّا لَوْ قَالَ لَا تَعُودُوا فِي الْهِبَةِ
وإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ)
وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قيئه
قال الطحاوي قوله قَوْلُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لِكَوْنِ الْقَيْءِ حَرَامًا
لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ
والْمُرَادُ التَّنْزِيهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ(4/435)
الْكَلْبِ
وتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ مَا تَأَوَّلَهُ وَمُنَافِرَةِ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ لَهُ وَبِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُرِيدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّجْرِ كقوله من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يُعْطِي (فِيهَا) أَيْ فِي عَطِيَّتِهِ (إِلَّا الْوَالِدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ
واحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لولده وهم جمهور العلماء
[1299] قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ
قَوْلُهُ (قَالُوا مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ هِبَتِهِ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثُ بن عمر وبن عَبَّاسٍ نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا وَهَبَ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ
وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَكَسَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِلْآخَرِ
ولَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لِلْأَجَانِبِ
وجَوَّزَ مَالِكٌ الرُّجُوعَ مُطْلَقًا إِلَّا فِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْآخَرِ
وأَوَّلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَحِلُّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ عَنِ الرُّجُوعِ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْوَاجِدِ رَدُّ السَّائِلِ
وقَوْلُهُ إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ
مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَيَتَصَرَّفَ فِي نَفَقَتِهِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ وَقْتَ حَاجَتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ مِنْ مَالِهِ لَا اسْتِرْجَاعًا لِمَا وَهَبَ وَنَقْضًا لِلْهِبَةِ وَهُوَ مَعَ بُعْدِهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بلا دليل انتهى كلام القاضي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ أَسِيرُ الدَّلِيلِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرْجُو ثَوَابَهَا وَهِيَ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِهَا مَا لم يثب منها
ورواه البيهقي عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْمَحْفُوظُ من رواية بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى مَرْفُوعًا قِيلَ وَهُوَ وَهْمٌ
قَالَ الْحَافِظُ صححه الحاكم وبن حزم ورواه بن حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ(4/436)
الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا
وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالدّارَقُطْنيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ
ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث بن عباس قال الحافظ
وسنده ضعيف
قال بن الجوزي أحاديث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ ضَعِيفَةٌ
ولَيْسَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ
وأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهَا فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَهُوَ كَالَّذِي يَقِيءُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا وَمَفْهُومُ حَدِيثِ سَمُرَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ انْتَهَى
(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ إِلَخْ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَرَفْتَ
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَرَايَا وَالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ)
الْعَرَايَا جَمْعُ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْلِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَانَ الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ يَتَطَوَّعُ أَهْلُ النَّخْلِ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا ثَمَرَ لَهُ كَمَا يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الشَّاةِ أَوْ الْإِبِلِ بِالْمَنِيحَةِ وَهِيَ عَطِيَّةُ اللَّبَنِ دُونَ الرَّقَبَةِ
والْعَرِيَّةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَعُولَةٍ أَوْ فَاعِلَةٍ يُقَالُ عَرَى النَّخْلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ بِالتَّعَدِّيَةِ يَعْرُوهَا إِذَا أَفْرَدَهَا عَنْ غَيْرِهَا بِأَنْ أَعْطَاهَا لِآخَرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْحَةِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَتَبْقَى رَقَبَتُهَا لِمُعْطِيهَا وَيُقَالُ عَرِيَتِ النَّخْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ تَعْرَى عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ فَكَأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ أَخَوَاتِهَا وَاسْتُثْبِتَتْ بِالْعَطِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَا شَرْعًا
فَقَالَ مَالِكٌ وَالْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ النَّخْلَةَ أَيْ يَهَبَهَا لَهُ أَوْ يَهَبَ لَهُ ثَمَرَهَا ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَيْ يَشْتَرِيَ رُطَبَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ كَذَا نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ
وقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْعَرَايَا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَنَ النَّخْلَةِ فَأَكْثَرَ بِخَرْصِهِ مِنَ التَّمْرِ بِأَنْ يَخْرِصَ الرُّطَبَ ثُمَّ يُقَدِّرَ كَمْ يَنْقُصُ إِذَا يَبَسَ ثُمَّ يشتري بخرصة تمر فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُحَصَّلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ جُزَافًا وَلَا نَسِيئَةً انْتَهَى
وقَالَ بن إسحاق في حديثه عن نافع عن بن عُمَرَ كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي ما له النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الحافظ أما حديث بن إسحاق(4/437)
عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير بن إِسْحَاقَ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ فَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ بِلَفْظِ النَّخَلَاتِ
وزَادَ فِيهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَيَبِيعُهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا
وهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الصُّورَةِ الَّتِي قَصَرَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةَ عَلَيْهَا انْتَهَى
وقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ
كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ هَذَا وَصَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ سُفْيَانُ بْنَ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا فِي الْعَرَايَا
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَذَكَرَهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَصُوَرُ الْعَرِيَّةِ كَثِيرَةٌ وَهَذِهِ إِحْدَاهَا
قَالَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِ حَائِطٍ بِعْنِي ثَمَرَ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فَيَخْرُصُهَا أَوْ يَبِيعُهُ وَيَقْبِضُ مِنْهُ التَّمْرَ وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ النَّخَلَاتِ بِالنَّخْلِيَّةِ فَيَنْتَفِعُ بِرُطَبِهَا
مِنْهَا أَنْ يَهَبَهُ إِيَّاهَا فَيَتَضَرَّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِانْتِظَارِ صَيْرُورَةِ الرُّطَبِ تَمْرًا وَلَا يُحِبُّ أَكْلَهَا رُطَبًا لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى التَّمْرِ فَيَبِيعُ ذَلِكَ الرُّطَبَ بِخَرْصِهِ مِنَ الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتَمْرٍ يَأْخُذُ مُعَجَّلًا وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ حَائِطِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ نَخَلَاتٍ مَعْلُومَةً يُبْقِيهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِعِيَالِهِ وَهِيَ الَّتِي عُفِيَ لَهُ عَنْ خَرْصِهَا فِي الصَّدَقَةِ وَسُمِّيَتْ عَرَايَا لِأَنَّهَا أُعْرِيَتْ مِنْ أَنْ تُخْرَصَ فِي الصَّدَقَةِ فَرُخِّصَ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ لَا نَقْدَ لَهُمْ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ تَمْرِ قُوتِهِمْ أَنْ يَبْتَاعُوا بِذَلِكَ التَّمْرِ مِنْ رُطَبِ تِلْكَ النَّخَلَاتِ بِخَرَصِهَا ومما يطلق عليه اسم عرية أي يُعْرِي رَجُلًا ثَمَرَ نَخَلَاتٍ يُبِيحُ لَهُ أَكْلَهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا وَهَذِهِ هِبَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْهَا أَنْ يُعْرِيَ عَامِلُ الصَّدَقَةِ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ مِنْ حَائِطِهِ نَخَلَاتٍ مَعْلُومَةً لَا يَخْرُصُهَا فِي الصَّدَقَةِ وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ مِنَ الْعَرَايَا لَا بَيْعَ فِيهِمَا
وجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وقَصَرَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ
وقَصَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ وَزَادَ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا الرُّطَبَ وَلَا يَشْتَرُوهُ لِتِجَارَةٍ وَلَا ادِّخَارٍ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ صُوَرَ الْبَيْعِ كُلَّهَا وَقَصَرَ الْعَرِيَّةَ عَلَى الْهِبَةِ وَهُوَ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ تَمْرَ نَخْلَةٍ مِنْ نَخْلِهِ وَلَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ لَهُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ارْتِجَاعِ تِلْكَ الْهِبَةِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَحْتَبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ بِقَدْرِ مَا وَهَبَهُ لَهُ مِنَ الرُّطَبِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذُهُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ
وتُعُقِّبَ بِالتَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَاءِ العرايا في حديث بن عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ أن معنى الرخصة أن الذي وهبت الْعَرِيَّةُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تُمْلَكُ إِلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطَى بَدَلَهَا تَمْرًا وَهُوَ لَمْ يَمْلِكِ الْبَدَلَ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَدَلَ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى وَكَانَ رُخْصَةً وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَلْ مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ مَأْمُورٌ بِإِمْضَاءِ مَا وَعَدَ بِهِ ويعطي بدله ولم لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا وَعَدَ بِهِ وَيُعْطِيَ بَدَلَهُ وَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ مَنْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ
ظَهَرَ بِذَلِكَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ
واحْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ بِأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ الْعَطِيَّةُ وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا
لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ الْعَرِيَّةِ الْعَطِيَّةَ أَنْ لَا تُطْلَقَ العرية(4/438)
شرعا على صور أخرى
قال بن الْمُنْذِرِ الَّذِي رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْإِذْنُ فِي السَّلَمِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
قَالَ فَمَنْ أَجَازَ السَّلَمَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَمَنَعَ الْعَرِيَّةَ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فَقَدْ تَنَاقَضَ
وأَمَّا حَمْلُهُمْ الرُّخْصَةَ عَلَى الْهِبَةِ فَبَعِيدٌ مَعَ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِالْبَيْعِ وَاسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْهُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْهِبَةَ لَمَا اسْتُثْنِيَتِ الْعَرِيَّةُ مِنَ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالرُّخْصَةِ وَالرُّخْصَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَمْنُوعٍ وَالْمَنْعُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ لَا الْهِبَةِ
وَبِأَنَّ الرُّخْصَةَ قُيِّدَتْ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ مَا دُونَهَا وَالْهِبَةُ لَا تَتَقَيَّدُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّجُوعُ جَائِزًا فَلَيْسَ إِعْطَاؤُهُ بِالتَّمْرِ بَدَلَ الرُّطَبِ بَلْ هُوَ تَجْدِيدُ هِبَةٍ أُخْرَى
فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَا يَجُوزُ فَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُمْ انْتَهَى
[1300] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ بَيْعُ الثمر في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا) الْخَرْصُ بِفَتْحِ الخاء المعجمة وسكون الراء الحرز وَالِاسْمُ بِالْكَسْرِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَرْصَ النَّخْلَةَ وَالْكَرْمَةَ يَخْرُصُهَا خَرْصًا إِذَا حَزَرَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا وَمِنَ الْعِنَبِ زَبِيبًا
فَهُوَ مِنَ الْخِرْصِ الظَّنِّ
لِأَنَّ الْحَزْرَ إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ بِظَنٍّ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ
يُقَالُ كَمْ خِرْصُ أَرْضِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا (وجابر) أخرجه أحمد والشافعي وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَوَى أَيُّوبُ إِلَخْ) يَعْنِي رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهْيَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ والمزابنة والرخصة في العرايا كليهما عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
ورَوَى أَيُّوبُ وغيره النهي عن المحاقلة والمزابنة عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ زَيْدِ بن ثابت والرخصة في العرايا عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
ورِوَايَةُ أَيُّوبَ وغيره أصح من رواية بن إِسْحَاقَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا رَوَاهُ بن عمر بغير واسطة وروى بن عُمَرَ اسْتِثْنَاءَ الْعَرَايَا بِوَاسِطَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
فإن كانت رواية بن إسحاق محفوظة
احتمل أن يكون بن عُمَرَ حَمَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْضُهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ
قَالَ وأشار(4/439)
الترمذي إلى أن بن إِسْحَاقَ وَهِمَ فِيهِ
والصَّوَابُ التَّفْصِيلُ انْتَهَى
[1301] قَوْلُهُ (فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا
وقَدِ اعْتَبَرَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَرَايَا بِمَفْهُومِ هَذَا الْعَدَدِ وَمَنَعُوا مَا زَادَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخَمْسَةِ لِأَجْلِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ
والْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
والرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَازُ فِي الْخَمْسَةِ فَمَا دُونَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ
ولَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ
قَوْلُهُ (أَرْخَصَ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَخَّصَ مِنَ الترخيص (بخرصها) وفي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ بِخَرْصِهَا كَيْلًا
ولِمُسْلِمٍ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا
وأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ يُوهَبَانِ لِلرَّجُلِ فَيَبِيعُهُمَا بِخَرْصِهِمَا تَمْرًا زَادَ فِيهِ يُوهَبَانِ لِلرَّجُلِ
ولَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا
[1302] قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا إِنَّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ إِلَخْ)
وأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْعَرَايَا لَيْسَتْ بِمُسْتَثْنَاةٍ مِنْ(4/440)
بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ بَلْ هِبَةٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ ما فيه في كلام الحافظ فتذكر
3 - ( [1303] قَوْلُهُ (الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ))
الْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ (وَعَنْ كل ثمر بخرصها) بفتح الخاء المعجمة وأشار بن التين إلى جواز كسرها
وجزم بن الْعَرَبِيِّ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَ الْفَتْحَ وَجَوَّزَهُمَا النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْفَتْحُ أَشْهَرُ انْتَهَى
والْخَرْصُ هُوَ التَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحْدَهُ
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ فِي الْبُيُوعِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ لِيُنَفِّقَهَا وَيُرَوِّجَهَا أَوْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا
والْأَصْلُ فِيهِ تَنْفِيرُ الْوَحْشِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ انْتَهَى
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النَّجْشُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ يُقَالُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ بِالضَّمِّ نَجْشًا
وفِي الشَّرْعِ الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاجِشَ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِي السِّلْعَةِ وَيَقَعُ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْإِثْمِ وَيَقَعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ النَّاجِشُ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ كَمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ لِيَغُرَّ غيره بذلك
وقال بن قُتَيْبَةَ النَّجْشُ الْخَتْلُ وَالْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ وَيَحْتَالُ لَهُ انْتَهَى
[1304] قَوْلُهُ (قَالَ لَا تَنَاجَشُوا) قَالَ الْحَافِظُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ لِأَنَّ التَّاجِرَ إِذَا فَعَلَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ مِثْلَهُ انتهى(4/441)
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ (وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَيَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْوَى) أَيْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِيهِ السِّلْعَةُ يَعْنِي يَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَهُوَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا وَلَا يَسْوَى كَيَرْضَى انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ نَجَشَ رَجُلٌ فَالنَّاجِشُ آثِمٌ فِيمَا يَصْنَعُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لأن البائع غير الناجش) قال بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ
واخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى ذلك ونقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَسَادَ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ
ورِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ أَوْ صُنْعِهِ
والْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة
والأصح عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ الْإِثْمِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ
وقَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ تَعْصِيَةَ النَّاجِشِ وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ
وأَجَابَ الشَّارِحُونَ بِأَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَقَدْ لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِضْرَارٌ وَالْإِضْرَارُ يَشْتَرِكُ فِي عِلْمِ تَحْرِيمِهِ كُلُّ أَحَدٍ قَالَ فَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ انْتَهَى
وقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالسُّنَنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَخْصِيصَ التَّعْصِيَةِ فِي النَّجْشِ أَيْضًا بِمَنْ عَلِمَ النَّهْيَ فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا مَنْصُوصٌ
ولَفْظُ الشَّافِعِيِّ النَّجْشُ أَنْ يُحْضِرَ الرَّجُلُ السَّعْلَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهِ السُّوَّامُ فَيُعْطُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَسْمَعُوا سَوْمَهُ
فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لَا يُفْسِدُهُ مَعْصِيَةُ رَجُلٍ نَجَشَ عَلَيْهِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي(4/442)
65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ)
[1305] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثُ السَّرَاوِيلِ نَزَلَ الْكُوفَةَ (جَلَبْتُ أَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَلَبَهُ يَجْلِبُهُ جَلْبًا وَجَلَبًا وَاجْتَلَبَهُ سَاقَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ انْتَهَى
وقَالَ فِي الصُّرَاحِ الجلب كَشيدن جليب أنجه ازشهر بشهر برند بفروختن (وَمَخْرَفَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَرَاءٍ ثُمَّ فَاءٍ وَيُقَالُ بِالْمِيمِ وَالصَّحِيحُ الأول كذا في الاستيعاب (بزا) بتشديد الزاء قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَزُّ الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ وَحِرْفَتُهُ البزازة انتهى
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ (مِنْ هَجَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ قاله القارىء
وقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَهَجَرٌ مُحَرَّكَةً بَلَدٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُشَرَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَيُمْنَعُ وَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ وَمِنْهُ الْمَثَلُ كَمُبْضِعِ تَمْرٍ إِلَى هَجَرٍ وَقَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ الْقِلَالُ أَوْ تُنْسَبُ إِلَى هَجَرِ الْيَمَنِ انْتَهَى
وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرٍ فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ (فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَنَحْنُ بِمِنًى (فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ) وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَاشْتَرَى مِنَّا سَرَاوِيلًا
قَالَ السُّيُوطِيُّ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى السَّرَاوِيلَ وَلَمْ يَلْبَسْهَا
وفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَبِسَهَا فَقِيلَ إِنَّهُ سَبَقَ قَلَمٌ لَكِنْ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَالْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلْتُ يَوْمًا السُّوقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس إلى البزارين فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّكَ لَتَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ فَقَالَ أَجَلْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنِّي أُمِرْتُ بِالسِّتْرِ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَسْتَرَ مِنْهُ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ) أَيْ الثَّمَنَ (بِالْأَجْرِ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ (زِنْ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ ثَمَنَهُ (وَأَرْجِحْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجَحَ الْمِيزَانُ يَرْجَحُ مُثَلَّثَةً رُجُوحًا وَرُجْحَانًا مَالَ وَأَرْجَحَ لَهُ وَرَجَحَ أَعْطَاهُ رَاجِحًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وفِي مَعْنَاهُمَا أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَالْحَاسِبِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَنْهَى عَنْ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَكَرِهَهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَكَانَ فِي مُخَاطَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ وَزْنَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ الْوَزْنُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ(4/443)
يَلْزَمُهُ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْوَزَّانِ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقِيَاسُهُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُوَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ
قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سِمَاكٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَفْوَانَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) فَخَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَرِوَايَةِ شُعْبَةَ مَا لَفْظُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ سفيان حدثنا بن أَبِي رِزْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِشُعْبَةَ خَالَفَكَ سُفْيَانُ
فَقَالَ دَمَغْتَنِي وبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَخْبَرْنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ أَحْفَظَ مِنِّي انْتَهَى
وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ أَبُو صَفْوَانَ مَالِكُ بْنُ عَمِيرَةَ وَيُقَالُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجَحَ لَهُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ أَبُو صَفْوَانَ مَالِكُ بْنُ عَمِيرَةَ وَيُقَالُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ كُنْيَتُهُ أَبُو صَفْوَانَ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ انْتَهَى
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالرِّفْقِ بِهِ)
الْإِنْظَارُ التَّأْخِيرُ وَالْإِمْهَالُ وَالْمُعْسِرُ الْفَقِيرُ
[1306] قَوْلُهُ (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا) أَيْ أَمْهَلَ مَدْيُونًا فَقِيرًا (أَوْ وَضَعَ لَهُ) أَيْ حَطَّ وَتَرَكَ دَيْنَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ) أَيْ أَوْقَفَهُ اللَّهُ(4/444)
تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ (وَأَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
(وحذيفة) أخرجه البخاري (وبن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعُبَادَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْغِيبِهِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَحْدَهُ وَقَالَ مَعْنَى وَضَعَ لَهُ أَيْ تَرَكَ لَهُ شَيْئًا مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى
[1307] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا) أَيْ غَنِيًّا ذَا مَالٍ (يُخَالِطُ النَّاسَ) أَيْ يُعَامِلُ النَّاسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ) أَيْ الْفَقِيرِ أَيْ يَتَسَامَحُوا فِي الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَقَبُولِ مَا فِيهِ نَقْصٌ يَسِيرٌ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّجَاوُزِ (تَجَاوَزُوا عَنْهُ) أَيْ تَسَامَحُوا عَنْهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَطْلِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ ظُلْمٌ)
[1308] قَوْلُهُ (مَطْلُ الْغَنِيِّ) أَيْ تَأْخِيرُهُ أَدَاءَ الدَّيْنِ مِنْ وقت إلى وقت بغير عذر (ظلم) فإن الْمَطْلَ مَنْعُ أَدَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ وَهُوَ حَرَامٌ مِنَ الْمُتَمَكِّنِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْإِمْكَانِ
ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُنَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَأَخَّرَهُ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا
قَالَ وَقَوْلُهُ مَطْلُ الْغَنِيِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ أَنْ يَمْطُلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ
وإِذَا كَانَ كَذَلِكَ في حق(4/445)
الْغَنِيِّ فَهُوَ فِي الْفَقِيرِ أَوْلَى
ولَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا التَّأْوِيلِ انْتَهَى
[1309] (فَإِذَا أُتْبِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جُعِلَ تَابِعًا لِلْغَيْرِ بِطَلَبِ الْحَقِّ وَحَاصِلُهُ إِذَا أُحِيلَ (عَلَى مَلِيٍّ) أَيْ غَنِيٍّ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ الثِّقَةُ الْغَنِيُّ وَقَدْ أُولِعَ النَّاسُ فِيهِ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ انْتَهَى
(فَلْيَتْبَعْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ يَعْنِي فَلْيَقْبَلِ الْحَوَالَةَ
قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مَعْنَى قَوْلِهِ أُتْبِعَ فَلْيَتْبَعْ أَيْ أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ
وقَدْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْمَدُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْكَانُ الْمُثَنَّاةِ فِي أُتْبِعَ وفِي فَلْيَتْبَعْ وَهُوَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِثْلُ إِذَا عُلِّمَ فَلْيَعْلَمْ
وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَمَّا أُتْبِعَ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ
وأَمَّا فَلْيَتْبَعْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أُتْبِعَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أُحِيلَ الرَّجُلُ عَلَى مَلِيءٍ فَاحْتَالَهُ) أَيْ فَقَبِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْحَوَالَةَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْمُحْتَالِ (أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمُحِيلِ) وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْغِنَى فَائِدَةٌ فَلَمَّا شُرِطَ عُلِمَ أَنَّهُ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ عَوَّضَهُ عَنْ دَيْنِهِ بِعِوَضٍ ثُمَّ تَلِفَ الْعِوَضُ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا تَوِيَ) كَرضي أَيْ هَلَكَ (مَالُ هَذَا) أَيْ الْمُحْتَالِ (بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عليه) أي مَوْتِهِ (فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فَلِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا يَرْجِعُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَشَبَّهُوهُ بِالضَّمَانِ (وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ حِينَ قَالُوا لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًى) عَلَى وَزْنِ حَصًى بِمَعْنَى الْهَلَاكِ (وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مَلِيءٌ) أَيْ الرَّجُلُ الْمُحْتَالُ يَظُنُّ أَنَّ الْآخَرَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (هُوَ مُعْدِمٌ) أَيْ مُفْلِسٌ (فَلَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًى) أَيْ هَلَاكٌ وضياع(4/446)
68 - (باب ما جاء في المنابذة والملامسة)
[1310] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ) زَادَ مُسْلِمٌ أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ
والْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ
قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نظر ولا تراض
(وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ إِذَا نَبَذْتُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ هِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَمَسَّهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكَ وَلَا خِيَارَ لَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ
الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ زَائِدَةٍ
الثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا اللَّمْسَ شَرْطًا فِي قَطْعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَالْبَيْعُ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا بَاطِلٌ
قَالَ وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَاخْتَلَفُوا أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا أَنْ يجعلا نفس النبذبيعا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّفْسِيرِ فِي الْحَدِيثِ
والثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ
قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبْذِ فَقِيلَ هُوَ طَرْحُ الثَّوْبِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة
والصحيح أَنَّهُ غَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى) الْوَاوُ وَصْلِيَّةٌ (مِنْهُ) أي من الشيء البيع (مِثْلَ مَا يَكُونُ فِي الْجِرَابِ) أَيْ مِثْلَ الْمَبِيعِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجِرَابِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ انبان عَلَى مَا فِي الصراح وقال فِي الْقَامُوسِ الْجِرَابُ بِالْكَسْرِ وَلَا(4/447)
يفتح أو لغيه فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْمِزْوَدُ وَالْوِعَاءُ ج جُرُبٌ وَأَجْرِبَةٌ انْتَهَى
(فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَإِبْطَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَفِ فِي الطعام والتمر)
السَّلَفُ بِفَتْحَتَيْنِ السَّلَمُ وَزْنًا وَمَعْنًى
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ السَّلَمُ هُوَ أَنْ تُعْطِيَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فِي سِلْعَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ فَكَأَنَّكَ قَدْ أَسْلَمْتَ الثَّمَنَ إِلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ وَسَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ انْتَهَى
قُلْتُ فَالثَّمَنُ الْمُعَجَّلُ يُسَمَّى رَأْسَ الْمَالِ وَالْمَبِيعُ الْمُؤَجَّلُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَمُعْطِي الثَّمَنِ رَبُّ السَّلَمِ وَصَاحِبُهُ الْمَبِيعُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ
والْقِيَاسُ يَأْبَى عَنْ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِذَلِكَ
وآيَةُ الْمُدَايَنَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَالَّةٌ عَلَى جوازه كما روى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
[1311] قَوْلُهُ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثَّمَرِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالْإِسْلَافُ إِعْطَاءُ الثَّمَنِ فِي مَبِيعٍ إِلَى مُدَّةٍ أَيْ يُعْطُونَ الثَّمَنَ فِي الْحَالِ وَيَأْخُذُونَ السِّلْعَةَ فِي الْمَالِ
وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَعْيِينِ الْأَجَلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَنَّ جَهَالَةَ أَحَدِهِمَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ جَوَازُ السَّلَمِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهُ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُضْبَطُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ ذَرْعَاتٍ مَعْلُومَةٍ
وإِنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْحَيَوَانِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ عَدَدٍ مَعْلُومٍ
ومَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ كَيْلُهُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا فَلْيَكُنْ وَزْنُهُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلْيَكُنْ أَجَلُهُ مَعْلُومًا
ولَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ السَّلَمِ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مَعَ الْغَرَرِ فَجَوَازُ الْحَالِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْغَرَرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ بَلْ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ أَجَلٌ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا
وقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْمُؤَجَّلِ فَجَوَّزَ الْحَالَّ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ وَصْفِهِ بِمَا يَضْبِطُهُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ النووي
قول (قال) أي(4/448)
أبو عيسى (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى) قَالَا كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسَلِّفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وفِي رِوَايَةٍ وَالزَّيْتِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قِيلَ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ قَالَا مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عن ذلك أخرجه البخاري
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ جَائِزًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ لَكِنْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ انْتَهَى
(وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ
وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدّارَقُطْنيُّ فِي سُنَنِهِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَوْفِيٍّ قَالَ فِيهِ بن حِبَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا يَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ
وقَالَ الْحَاكِمُ رَوَى أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً انْتَهَى
واحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لا تسلمن ما لنا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وفِيهِ قِصَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ فِيهِ انْقِطَاعٌ انْتَهَى(4/449)