غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَذَكَرَ عِنْدَهُ الصَّلَاةَ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينبغي للمصلي أن يشد رجاله إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي
وَشَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ أَنْظَارٌ وَخَدَشَاتٌ
أَمَّا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ مِنْهَا ففِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ الْمُرَادُ الْفَضِيلَةُ التَّامَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَخْ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
وَأَمَّا لَفْظُ لَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَهُوَ خِلَافُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ وَقَعَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَفْظُ لَا تُشَدُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَفْظُ لَا يَنْبَغِي ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ قَدِ اطَّرَدَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتِعْمَالُ لَا يَنْبَغِي فِي الْمَحْظُورِ شَرْعًا أَوْ قَدَرًا وَفِي الْمُسْتَحِيلِ الْمُمْتَنِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَقَوْلِهِ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوْلِهِ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وقوله على لسان نبيه كذبني بن ادم وما ينبغي له وشتمني بن آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ انْتَهَى
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ النَّهْيُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِلَا دَلِيلٍ وَكَذَا فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ تَخْصِيصٌ بِلَا دَلِيلٍ
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّالِثُ فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ الْمُرَادُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ فَإِنَّ الاستثناء مفرغ والمثنى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ يُقَدَّرُ بِأَعَمِّ الْعَامِّ نَعَمْ لَوْ صَحَّ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ إِلَخْ لَاسْتَقَامَ هَذَا الْجَوَابُ لَكِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَلَمْ يَزِدْ لَفْظَ مسجد أحد غيره فما أَعْلَمُ وَهُوَ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ
فَفِي ثُبُوتِ لَفْظِ مَسْجِدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامٌ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ هُوَ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ إِلَى مَوْضِعٍ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى ثلاثة(2/241)
مَسَاجِدَ
وَأَمَّا السَّفَرُ إِلَى مَوْضِعٍ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ صَحِيحٌ مِمَّا ثَبَتَ جَوَازُهُ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ حكم هذا الحديث
هذا ماعندي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
29 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ [327] )
قَوْلُهُ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُتَرَجَّى إِدْرَاكُ فَضِيلَةِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَهَى عَنِ الْإِسْرَاعِ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِسْرَاعِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إِدْرَاكُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَيُنْهَى عَنِ الْإِسْرَاعِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى انْتَهَى
فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ سَعَى دويدن وشتاب كردن وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَالِيَّةٌ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
وَالْوَقَارُ
قَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ هُوَ بِمَعْنَى السَّكِينَةِ وَذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِكُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ أَوِ التَّقْدِيرُ إِذَا فَعَلْتُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ أَيْ فَعَلْتُمُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَتَرْكِ الْإِسْرَاعِ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا أَيْ أَكْمِلُوا
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ(2/242)
قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وأبي بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أبي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ يُقَارِبُ الْخُطَى فَقَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ أُقَارِبُ الْخُطَى قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي طَلَبِ الصَّلَاةِ
وَفِيهِ الضَّحَّاكُ بْنُ نِبْرَاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزوائد وأما حديث جابر فأخرجه بن حبان وأما حديث أنس وهو بن مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سُبِقْتُمْ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْإِسْرَاعَ إِذَا خَافَ فَوْتَ تكبيرة الْأُولَى) هَذَا رَأْيٌ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا تُسْرِعُوا
قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ وَلَا تُسْرِعُوا فِيهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَا تَفْعَلُوا أَيِ الِاسْتِعْجَالَ الْمُفْضِيَ إِلَى عَدَمِ الْوَقَارِ
وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ الَّذِي لَا يُنَافِي الْوَقَارَ كَمَنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَلَا وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الْعَلَاءِ الَّتِي فِيهَا فَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الصَّلَاةِ شَيْئًا لَكَانَ مُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ لِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ وَعَدَمُ الْإِسْرَاعِ أَيْضًا يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْخُطَى وَهُوَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ انْتَهَى (حَتَّى ذُكِرَ عَنْ بضعهم أَنَّهُ كَانَ يُهَرْوِلُ إِلَى الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الصراح هرولة نوعي ازرفتار ودويدن وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَاخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى تُؤَدَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ وَإِنْ خَافَ(2/243)
فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى
وَالتُّؤَدَةُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ التَّأَنِّي وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهَا وَاوٌ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ خَافَ فَوْتَ تكبيرة الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ) لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَيْضًا قَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَيْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي فَيَنْبَغِي لَهُ اعْتِمَادُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه وإذاثبت أَنَّ الْعَامِدَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْإِسْرَاعِ إِنْ خاف فوت تكبيره الْأُولَى
[328] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ) يَعْنِي قَوْلَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ سُفْيَانَ قَدْ تَابَعَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ فَقَالَ هُوَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ بَعْدَ هَذَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهَذَا عَمَلٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُمَا قَالَ وَقَدْ جَمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي بَابِ الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ عَنْ آدَمَ فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَقَالَ وَكَانَ رُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهَا انْتَهَى
[329] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ بن عُيَيْنَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ(2/244)
130 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ)
مِنْ الْفَضْلِ [330] قَوْلُهُ (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الموحدة المشددة بن كَامِلٍ الصَّنْعَانِيِّ وَهُوَ أَخُو وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ) أَيْ فِي ثَوَابِ صَلَاةٍ لَا فِي حُكْمِهَا لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِمَّا مُنِعَ فِي الصَّلَاةِ (وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي) أَيْ تَسْتَغْفِرُ وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةُ أَوِ السَّيَّارَةُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ انْقَضَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي مُصَلَّاهُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ لَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ بِالسُّجُودِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ تَخَالُفٌ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تُصَلِّي أَيْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إِلَخْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ سَتْرُ الذُّنُوبِ وَالرَّحْمَةَ إِفَاضَةُ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (مَا لَمْ يُحْدِثْ) مِنَ الْإِحْدَاثِ أَيْ مَا لَمْ يُبْطِلْ وُضُوءَهُ (وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) لَعَلَّ سَبَبَ الِاسْتِفْسَارِ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ أَوْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِحْدَاثَ بِمَعْنَى الِابْتِدَاعِ (فَقَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ) الصَّوْتُ الْخَارِجُ مِنَ الدُّبُرِ إِنْ كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ الْفُسَاءُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَإِنْ كَانَ بِالصَّوْتِ فَهُوَ الضُّرَاطُ بِضَمِّ الضَّادِ
قَالَ السَّفَاقِسِيُّ الْحَدَثُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ يُحْرَمُ بِهِ الْمُحْدِثُ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدَثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ تَرْفَعُ أَذَاهُ كَمَا يَرْفَعُ الدَّفْنُ أَذَى النُّخَامَةِ فِيهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِمَا اذاهم به من الرائحة الخبيثة وقال بن بَطَّالٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ تُحَطَّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ فَلْيَغْتَنِمْ مُلَازَمَةَ مُصَلَّاهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِيَسْتَكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ فَهُوَ مَرْجُوٌّ إِجَابَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَشْفَعُونَ إلا لمن ارتضى وفي(2/245)
الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ مَنِ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ تَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ وَإِعْمَالُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُ الْخَطَايَا غَسْلًا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه بن ماجه وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهَا إِلَّا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ الْحَدِيثَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ البخاري بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ وَإِنَّ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ
قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ عَبْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ وهو متروك ورضيه أبو حاتم وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يَغْرُبُ انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ
31 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ [331] )
بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ(2/246)
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةٌ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجْدَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ ذكر حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا الْحَدِيثَ
قَالَ فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الباري ص 413 ج 1
قلت حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ هَكَذَا قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَيُحْرِقَكُمْ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ كُتُبِهِمْ وَإِنْ كَانَ هُوَ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ وَقَعَ فِيهِ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَهِيَ طَبَقَةٌ لَا تَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ هَذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَنَّادُ رَوَى عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ وَمِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فَرَدَّ حَدِيثَهُ وَإِبْرَاهِيمُ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ مُطَيَّنٌ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَافِضِيٌّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (كَانَ يصلي على الخمرة) قال بن بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِتُرَابٍ فَيُوضَعُ عَلَى الْخُمْرَةِ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ
وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الْأَرْضِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ عُرْوَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ص 243 ج 1 وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْخِرَقِ أَوِ الْخُوصِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَالْفَرْوَةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَفْلَحَ يَا أَفْلَحُ تَرِّبْ وَجْهَكَ أَيْ فِي سُجُودِهِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمْكِينَ الْجَبْهَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي وَلَا يُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي عَلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِنَزْعِهِ انْتَهَى(2/247)
قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وبن عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَلَمْ تَسْمَعْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ
وأما حديث أم كلثوم فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ (وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ الْجُمْهُورُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَسَبَهُ الْعِرَاقِيُّ إِلَى الْجُمْهُورِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْخُمْرَةُ هُوَ حَصِيرٌ صَغِيرٌ يَدُلُّ عليه حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ
32 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الحصير [332] )
قال بن بَطَّالٍ إِنْ كَانَ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ كَبِيرًا قَدْرَ طُولِ الرَّجُلِ وَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَصِيرٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ خُمْرَةٌ
وَكُلُّ ذَلِكَ يُصْنَعُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ
قَوْلُهُ (صلى على الحصير) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ(2/248)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْحَصِيرِ
وأما ما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ
أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَاللَّهُ يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ فَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِمُعَارَضَتِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ بَلْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ المسيب ومكحول وغيرهما مِنَ التَّابِعِينَ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَصَرَّحَ بن الْمُسَيِّبِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ
وَمِمَّنِ اخْتَارَ مُبَاشَرَةَ الْمُصَلِّي لِلْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ وِقَايَةٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ
33248248248
248 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبُسُطِ [333] )
بِضَمِّ الْبَاءِ وَالسِّينِ جَمْعُ بِسَاطٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ مَا يُبْسَطُ أَيْ يُفْرَشُ وَأَمَّا الْبَسَاطُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهِيَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ(2/249)
حُمَيْدٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ
قَوْلُهُ (حَتَّى كَانَ يَقُولُ) غَايَةٌ يُخَالِطُ أَيِ انْتَهَى مُخَالَطَتُهُ لِأَهْلِنَا حَتَّى الصَّبِيَّ يُلَاعِبُهُ (مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرُ نُغَرٍ بِضَمٍّ ثُمَّ فَتْحٍ طَيْرٌ كَالْعُصْفُورِ مُحْمَرُّ الْمِنْقَارِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ الْبُلْبُلَ أَيْ مَا شَأْنُهُ وَحَالُهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ
النُّغَرُ كَصُرَدَ الْبُلْبُلُ جَمْعُهُ نِغْرَانٌ كَصِرْدَانٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النُّغَيْرُ هُوَ تَصْغِيرُ النُّغَرِ وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ انْتَهَى (وَنُضِحَ) أَيْ رُشَّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَضَحَ الْبَيْتَ يَنْضَحُهُ رَشَّهُ (بِسَاطٌ لَنَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فُسِّرَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِالْحَصِيرِ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ أَحْيَانًا فَيُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرٌ تَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ بَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبِسَاطِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَعَقَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَابًا
وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِسَاطِ الْحَصِيرُ بِلَفْظِ فَيُصَلِّي أَحْيَانًا عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرٌ فَنَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ بِالْبِسَاطِ الْحَصِيرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْحَصِيرِ لِكَوْنِهِ يُبْسَطُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ يُفْرَشُ انْتَهَى
قوله (وفي الباب عن بن عباس) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَفِي إِسْنَادِهِ زمعة بن صالح الحيدي ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَرْدَ حَدِيثٍ مَقْرُونًا بِآخَرَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
قوله (لم يروا بالبساط وَالطِّنْفِسَةِ بَأْسًا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الطِّنْفِسَةُ بِكَسْرِ طَاءٍ وَفَاءٍ وَضَمِّهِمَا(2/250)
وَبِكَسْرٍ فَفَتْحٍ بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ وَجَمْعُهُ طَنَافِسُ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا هُوَ كِسَاءٌ ذُو خَمْلٍ يُجْلَسُ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا الصَّلَاةُ عَلَى الطُّنْفُسَةِ وَهِيَ الْبِسَاطُ الَّذِي تَحْتَهُ خَمْلٌ مُحْدَثَةٌ
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ
وَيُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الْأَرْضِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ
34 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحِيطَانِ [334] )
جَمْعُ حَائِطٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَائِطُ الْجِدَارُ جَمْعُهُ حِيطَانٌ وَالْبُسْتَانُ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ) لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَاشْتُهِرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُنْيَةِ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِيهِ عَجْلَانُ وَقِيلَ عَمْرٌو الْجُفْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَرَاءٍ النِّسْبَةُ إِلَى جُفْرَةِ خالد مكان بِالْبَصْرَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (كَانَ يَسْتَحِبُّ الصَّلَاةَ فِي الْحِيطَانِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ اسْتِحْبَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي الْحِيطَانِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ أَحَدُهَا قَصْدُ الْخَلْوَةِ عَنِ النَّاسِ فِيهَا وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الثَّانِي قَصْدُ حُلُولِ الْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِهَا بِبَرَكَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جَالِبَةٌ لِلرِّزْقِ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَةِ الْمَزُورِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَانِهِ(2/251)
الرَّابِعُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ أَوْ تَوْدِيعُهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ الرَّاوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ (يَعْنِي الْبَسَاتِينَ) جَمْعُ بُسْتَانٍ
قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ) قَالَ الْفَلَّاسُ صَدُوقٌ منكر الحديث وقال بن الْمَدِينِيِّ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ
قَوْلُهُ (أَبُو الزُّبَيْرِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مُدَلِّسًا
35 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي [335] )
قَوْلُهُ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ رَاكِبُ الرَّحْلِ وَفِي الْمُؤَخِّرَةِ لُغَاتٌ ضَمُّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْكَرَهَا يَعْقُوبُ وَفَتْحُ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ مَعًا مَعَ تشديد الخاء حكاها صاحب المشارق وقال بن الْعَرَبِيِّ الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ مُشَدَّدًا وَأَنْكَرَهَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ وَلَا تُشَدَّدُ وَسُكُونُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْخَاءِ الْمُخَفَّفَةِ حَكَاهَا صَاحِبُ السَّرَقُسْطِيِّ فِي غَرِيبِهِ وَأَنْكَرَهَا بن قُتَيْبَةَ وَفَتْحُ الْمِيمِ وَسُكُونُ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ وَكَسْرُ الْخَاءِ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ(2/252)
وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهَا آخِرَةُ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَكَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الاتي
وقال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّهُ الصَّوَابُ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ مُؤَخِّرَةَ الرَّحْلِ فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ السُّتْرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ فَقِيلَ ذِرَاعٌ وَقِيلَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَهُوَ أَشْهَرُ لَكِنْ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ نافع أن مؤخرة رحل بن عُمَرَ كَانَتْ قَدْرَ ذِرَاعٍ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ أَقَلَّ السُّتْرَةِ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ وَهِيَ قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ هُوَ نَحْوُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَيَحْصُلُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ هَكَذَا وَشَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بن أبي حثمة وبن عُمَرَ وَسَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَبْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ طَلْحَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ (وَقَالُوا سُتْرَةُ الْإِمَامِ لِمَنْ خَلْفَهُ) أَيْ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى اتِّخَاذِ سُتْرَةٍ لَهُمْ عَلَى حِدَةٍ بَلْ يَكْفِيهِمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ وَتُعْتَبَرُ تِلْكَ السُّتْرَةُ لَهُمْ أَيْضًا وَلِهَذَا يَكُونُ الْمُرُورُ الْمُضِرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ هُوَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي في حق الامام
قال بن عبد البر حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَيِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بين يديه لحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فيه بين العملاء
وَكَذَا نَقَلَ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ سُتْرَتُهُمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ أَمْ سُتْرَتُهُمُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ انْتَهَى
وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ(2/253)
وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّتْ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتِي لَكِنْ قَطَعَتْ صَلَاتَكُمْ
فَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا نُقِلَ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ عَاصِمٍ انْتَهَى
وَسُوَيْدٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ
وَوَرَدَتْ أَيْضًا في حديث موقوف على بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِيمَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ مَعًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
36 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي [336] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَبُو مُوسَى الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَرْسَلَ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ بِالتَّصْغِيرِ أَيْ أَرْسَلَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ
قَوْلُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَيْ أَمَامَهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَعَبَّرَ بِالْيَدَيْنِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الشُّغْلِ يَقَعُ بِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ فَقِيلَ إِذَا مَرَّ بَيْنَهُ وبين مقدار سجوده وقيل بينه قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرُ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَقَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُرُورِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مُعْتَرِضًا أَمَّا إِذَا مَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ ذَاهِبًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّ لَا بِمَنْ وَقَفَ عَامِدًا مَثَلًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَوْ قَعَدَ أَوْ رَقَدَ لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَارِّ انْتَهَى
قَوْلُهُ مَاذَا عَلَيْهِ أَيْ مِنَ الْإِثْمِ(2/254)
قَوْلُهُ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ لَوْ عَلِمَ مِقْدَارَ الْإِثْمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَيَخْتَارُ أَنْ يَقِفَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ ذَلِكَ الْإِثْمُ
قَوْلُهُ خَيْرٌ لَهُ بِالرَّفْعِ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَعَ هُنَا بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِهِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ يَقِفَ اسْمٌ مَعْرِفَةٌ تقدير أَيْ وُقُوفُهُ وَخَيْرٌ نَكِرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِكَانَ وَأَنْ يَقِفَ خَبَرًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرَهَا
قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فِيهِ إِبْهَامُ مَا عَلَى الْمَارِّ مِنَ الْإِثْمِ زَجْرًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا
قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُرُورِ فَإِنَّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيَ الْأَكِيدَ وَالْوَعِيدَ الشَّدِيدَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن ماجه (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال وَالَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي عَمْدًا يَتَمَنَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَفِيهِ من أجد من مترجمه
قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ) أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي بن ماجه وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ(2/255)
أَبِي هُرَيْرَةَ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا
قَالَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ لِخُصُوصِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ
وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إلى أن التقيد بِالْمِائَةِ وَقَعَ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْبَعِينَ زِيَادَةً فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَارِّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا مَعًا إِذِ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْمَقَامُ مَقَامُ زَجْرٍ وَتَخْوِيفٍ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِائَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بَلِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَمُمَيِّزُ الْأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ هُوَ السَّنَةُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى أَوْ مَا دُونَهَا فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْمُرُورَ إِلَخْ) الْمُرَادُ مِنَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ عِنْدَ السَّلَفِ
37 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ [337] )
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِ الْمُصَلِّي وَالْجُمْلَةُ الْمُتَرْجَمُ بِهَا أَوْرَدَهَا فِي الْبَابِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّ إِسْنَادَهَا ضَعِيفٌ وَوَرَدَتْ أَيْضًا مَرْفُوعَةً مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (كُنْتُ رَدِيفَ الْفَضْلِ) هُوَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيُّ هُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ (عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْحَمِيرِ وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى أَتَانَةٌ حَكَاهُ يُونُسُ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ (فَجِئْنَا(2/256)
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِلَى غَيْرِ جدار
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أن المراد بقول بن عَبَّاسٍ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْإِمَامُ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هناك سترة
قال الشيخ بن حَجَرٍ يَعْنِي الْعَسْقَلَانِيَّ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَأْلُوفِ الْمَعْرُوفِ مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا وَالْعَنَزَةُ أَمَامَهُ كَذَا ذَكَرَهُ مَيْرَكُ
وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ الْمُظْهِرُ قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارِ أَيْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَالْغَرَضُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ انْتَهَى كَلَامُهُ
فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ لَا يَنْفِي شَيْئًا غَيْرَهُ فكيف فسره بالسترة قلت إخبار بن عَبَّاسٍ عَنْ مُرُورِهِ بِالْقَوْمِ وَعَنْ عَدَمِ جِدَارٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَظِنَّةُ إِنْكَارٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ أَمْرٍ لَمْ يُعْهَدْ قيل ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الْمُرُورِ مَعَ عَدَمِ السُّتْرَةِ غَيْرَ مُنْكَرٍ فَلَوْ فَرَضَ سُتْرَةً أُخْرَى لَمْ يكن لهذا الاخبار فائدة انتهى
قال القارىء يُمْكِنُ إِفَادَتُهُ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةُ الْقَوْمِ كَمَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ (فَنَزَلْنَا عَنْهَا) أَيْ عَنِ الْأَتَانِ (فَوَصَلْنَا الصَّفَّ فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كَوْنِ الْحِمَارِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَذَا مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ
قُلْتُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عائشة والفضل بن عباس وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ
أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعِيثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى بِذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثًا مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالُوا لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ وَادْرَأْ مَا أستطعت وفيه إبراهيم بن يزيد الخوذي وهو ضعيف قال(2/257)
العراقي والصحيح عن بن عُمَرَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي
قَوْلُهُ (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِنَحْوِهِ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ
قَوْلُهُ (قَالُوا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ) وَبِهِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ لَا يَقْطَعُ الصلاة شيء روى عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَجَابِرٍ وَبِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ
38 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ)
وَالْمَرْأَةُ [338] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ بْنُ أَبِي حَازِمٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ أَخْبَرَنَا (يُونُسُ وَمَنْصُورُ بن زاذان) يونس هذا هو بن عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ وَخَلْقٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ وَرِعٌ وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ بِالزَّايِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَاسِطِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ) الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ ثقة عالم توقف فيه بن سِيرِينَ لِدُخُولِهِ عَمَلَ السُّلْطَانِ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ) الْغِفَارِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ) الْغِفَارِيَّ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْأَصَحِّ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ وَتَأَخَّرَ هِجْرَتُهُ فَلَمْ يَشْهَدْ بدرا(2/258)
وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا
قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الرَّاكِبُ مِنْ كَوْرِ الْبَعِيرِ أَوْ كَوَاسِطَةِ الرَّحْلِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَاسِطَةُ الْكَوْرِ وَوَاسِطُهُ مُقَدَّمُهُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ وَاسِط الكور بيش بالان
قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا وَسَطُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مُقَدَّمُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك جميعا ويحتمل أن شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ إِسْنَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ ذِكْرَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ انْفَرَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى قَطَعَ صَلَاتَهُ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْطَعُ هَؤُلَاءِ الصَّلَاةَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إِنَّ الْكَلْبَ لَمْ يجيء فِي التَّرْخِيصِ فِيهِ شَيْءٌ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَفِي الْحِمَارِ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ شَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغُلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي نَسْخَهُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ المرء شيء وادرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا غَيْرُ مَرَضِيٍّ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ
وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وأدرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ(2/259)
الرَّحْلِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المغفل أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ
قَالَ الشوكاني رواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمِيلِ بْنِ الْحَسَنِ وَفِيهِ ضعف وبقية رجاله ثقات
وعن بن عباس أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ
وَلَمْ يَقُلْ أَبُو دَاوُدَ الْأَسْوَدُ وَقَدْ روى موقوفا عن بن عباس
وعن بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَزَادَ فِيهِ الْخِنْزِيرَ وَالْيَهُودِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ
وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَجُوسِيِّ فِيهِ نَكَارَةٌ قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَحْسَبُهُ وَهْمٌ لِأَنَّهُ كَانَ حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ انْتَهَى
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ أَعْلَى الْوَادِي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ قَدْ قَامَ وَقُمْنَا إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا حِمَارٌ مِنْ شِعْبٍ
فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُكَبِّرْ وَأَجْرَى إِلَيْهِ يَعْقُوبُ بْنُ زَمْعَةَ حَتَّى رَدَّهُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ إِلَّا الْحِمَارُ وَالْكَافِرُ وَالْكَلْبُ والمرأة لقد قرنا بدواب سوء
قال الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ قَالُوا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ أَحْمَدُ الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَفِي نَفْسِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ وَالْمَرْأَةَ وَالْحِمَارَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ
وَالْمُرَادُ بِقَطْعِ الصَّلَاةِ إِبْطَالُهَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هريرة وأنس وبن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أبي ذر وبن عمر وجاء عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بِهِ فِي الْكَلْبِ وَقَالَ بِهِ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ فِي الْحِمَارِ وَمِمَّنْ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ بِقَطْعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب بن مَسْعُودٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي ما حكاه عنه بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَيَتَوَقَّفُ فِي الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ(2/260)
قال بن دقيق العيد وهو أجود مما دل عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَثْرَمِ مِنْ جَزْمِ الْقَوْلِ عَنْ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ
وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَيْضًا إِلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ إِذَا كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ مَارًّا أَمْ غَيْرَ مَارٍّ وَصَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا حَيًّا أَمْ مَيِّتًا وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ مَارَّةً أَمْ غَيْرَ مَارَّةٍ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاسْتَدَلَّا بِالْحَدِيثِ السابق عند أبي داود وبن مَاجَهْ يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَا تَقَدَّمَ وَلَا عُذْرَ لِمَنْ يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ ذَلِكَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَا يلزمهم ذلك وقال بن الْعَرَبِيِّ
إِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِمَنْ قَيَّدَ بِالْحَائِضِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَيْسَتْ حَيْضَةُ الْمَرْأَةِ فِي يَدِهَا وَلَا بَطْنِهَا وَلَا رِجْلِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنْ أَرَادَ بِضَعْفِهِ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَاتٌ
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كون الأكثرين وقفوه على بن عَبَّاسٍ فَقَدْ رَفَعَهُ شُعْبَةُ وَرَفْعُ الثِّقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْفِ مَنْ وَقَفَهُ
وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ إلا الكلب الأسود) وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَخْرَجَ الْحِمَارَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهَا فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتِ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هن أغلب
رواه أحمد وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَهُوَ قَيْسٌ الْمَدَنِيُّ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَسْوَدِ أَخْرَجَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْكِلَابِ
قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحِمَارِ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَرْأَةِ كَلَامٌ فَتَفَكَّرْ
وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
39 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ [339] )
قَوْلُهُ (مُشْتَمِلًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زَادَ الشَّيْخَانِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْعَاتِقُ مَا بَيْنَ(2/261)
الْمَنْكِبِ إِلَى أَصْلِ الْعُنُقِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الِاشْتِمَالُ التَّوَشُّحُ وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ طَرَفَيِ الثَّوْبِ بِأَنْ يَأْخُذَ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذَ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَعْقِدُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ يَعْنِي لِئَلَّا يَكُونَ سَدْلًا وكذا قال بن السكيت وقال بن بَطَّالٍ
فَائِدَةٌ الِالْتِحَافُ الْمَذْكُورُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْمُصَلِّي إِلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ إِذَا رَكَعَ وَلِئَلَّا يَسْقُطَ الثَّوْبُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ وَجَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَنَسٍ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي سعيد الخدري وكيسان وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيِّ)
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْهُ بِلَفْظِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ يَا جَابِرُ إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوَيْكَ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ كَيْسَانَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي ثوب واحد متلببابه
وأما حديث بن عباس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُتَّفَقِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هانئ وعمار بن ياسر فأخرجه بن عَسَاكِرَ بِلَفْظِ قَالَ أَمَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا به(2/262)
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَأَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إزاراه فطارت به رداءه ثُمَّ اشْتَمَلَ بِهِمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ أَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصامت الأنصاري أخرجه بن عَسَاكِرَ بِلَفْظِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ رُومِيَّةٌ قَدْ عَقَدَهَا عَلَى عُنُقِهِ ثُمَّ صَلَّى بِنَا مَا عَلَيْهِ غَيْرُهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَانَ الْخِلَافُ فِي مَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الواحد قديما
روى بن أبي شيبة عن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَا تُصَلِّيَنَّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وإن كان واسع ما بين السماء والأرض
ونسب بن بَطَّالٍ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ لَكِنَّهَا فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ أو كلكم يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ الْحَدِيثَ
قَالَ الْحَافِظُ جَمَعَ رَجُلٌ هُوَ بَقِيَّةُ قَوْلِ عُمَرَ وَأَوْرَدَهُ بصيغة الخبر ومراده الأمر قال بن بَطَّالٍ يَعْنِي لِيَجْمَعْ وَيُصَلِّي انْتَهَى
قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي مَنْ صَلَّى فِي سَرَاوِيلَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثِّيَابِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وعن بن الْقَاسِمِ مِثْلُهُ
وَعَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَعَنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ إِنْ كَانَ ضَيِّقًا
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ وَلَا يُوَشَّحَ بِهِ وَالْآخَرُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْكَ رِدَاءٌ
وَبِظَاهِرِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا سَتَرَ عَوْرَتَهُ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ(2/263)
140 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِبْلَةِ [340] )
قَوْلُهُ (يجب أَنْ يُوَجَّهَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَبْنِيًّا للمفعول أي يجب أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ
قَوْلُهُ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السماء أَيْ تَرَدُّدَ وَجْهِكَ فِي جِهَةِ السَّمَاءِ مُتَطَلِّعًا لِلْوَحْيِ
قَوْلُهُ (فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ) هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكٍ
قَوْلُهُ (وَهُمْ رُكُوعٌ) جَمْعُ رَاكِعٍ (فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ تَوِيلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَارِثَةَ فَاسْتَقْبَلْنَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ فَصَلَّيْنَا سَجْدَتَيْنِ أَيْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (هُوَ يُشْهِدُ) يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِيدِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَشْهَدُ بِاللَّهِ (فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ) بِأَنْ تَحَوَّلَ الْإِمَامُ مِنْ مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخِّرِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الِانْحِرَافِ وَالتَّحَوُّلِ فِي خَبَرِ تَوِيلَةَ قَالَتْ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تحول(2/264)
مِنْ مَكَانِهِ فِي مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ المقدس وهو لودار فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ وَقَعَتِ الْخُطُوَاتُ غَيْرَ مُتَوَالِيَةٍ عِنْدَ التَّحَوُّلِ بَلْ مُفَرَّقَةً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني وأنس)
أما حديث بن عمر فأخرجه الشيخان وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَارَةَ بن أوس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني وأنس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ
[341] قَوْلُهُ (عن بن عُمَرَ قَالَ كَانُوا رُكُوعًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ) أخرج الشيخان عن بن عمر قال بينما الناس بقبا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَنَّ الْأَمْرَ بَلَغَ إِلَى قَوْمٍ فِي الْعَصْرِ وَبَلَغَ إِلَى أهل قبا فِي الصُّبْحِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ هَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا في صلاة الصبح لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عمرو بن عوف وذلك في حديث بن عمر انتهى(2/265)
قلت ها هنا اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ وَفِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ روبية وَحَدِيثِ تَوِيلَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّهَا الظُّهْرُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ قَالَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ شَكَّ هَلْ هِيَ الظُّهْرُ أَوِ الْعَصْرُ وَلَيْسَ مَنْ شك حجة على من جزم فنظرنا مَنْ جَزَمَ فَوَجَدْنَا بَعْضَهُمْ قَالَ الظُّهْرُ وَبَعْضَهُمْ قَالَ الْعَصْرُ وَوَجَدْنَا رِوَايَةَ الْعَصْرِ أَصَحَّ لِثِقَةِ رِجَالِهَا وَإِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ لَهَا فِي صَحِيحِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ كَوْنِهَا الظُّهْرَ فَفِي إِسْنَادِهَا مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَنَّ أهل قبا كانوا في صلاة الصبح فيمكن أن أَبْطَأَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ كَذَا فِي النَّيْلِ
41 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ [342] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ) السِّنْدِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ النُّونِ وَاسْمُ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٌ صَدُوقٌ قَالَهُ في التقريب
وقال في الخلاصة روى عن أَبِيهِ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
قال بن قَانِعٍ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ ابْنُهُ دَاوُدُ سَنَةَ سَبْعٍ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ نَجِيحٌ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عن أبي سلمة) هو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مُكْثِرٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ هَذَا عَامًّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ عَلَى سَمْتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ هَذَا عَامًّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَا وَافَقَ قِبْلَتَهَا وَهَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الخلافيات وهكذا قال أحمد بن خالويه الرهبي قَالَ وَلِسَائِرِ الْبُلْدَانِ مِنَ السَّعَةِ فِي الْقِبْلَةِ مِثْلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مَعْنَى(2/266)
الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ إِلَّا بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ إِنْ زَالَ عَنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ تَرَكَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمَشْرِقُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذَا الْمَغْرِبُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ قُلْتُ لَهُ فَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا جَائِزَةٌ قَالَ نَعَمْ وينبغي أن يتحرى الوسط
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ يُرِيدُ أَنَّ الْبُلْدَانَ كُلَّهَا لِأَهْلِهَا فِي قِبْلَتِهِمْ مِثْلُ مَا كَانَتْ قِبْلَتُهُمْ بِالْمَدِينَةِ الْجَنُوبَ الَّتِي يَقَعُ لَهُمْ فِيهَا الْكَعْبَةُ فَيَسْتَقْبِلُونَ جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها مابين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَجْعَلُونَ الْمَغْرِبَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِهِمْ وَكَذَلِكَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ مِنَ السَّعَةِ فِي قِبْلَتِهِمْ مِثْلُ مَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِذَا تَوَجَّهُوا أَيْضًا قِبَلَ الْقِبْلَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمَشْرِقَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَالْمَغْرِبَ عَنْ يَسَارِهِمْ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لَهُمْ مِنَ السَّعَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مَا بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ مِثْلُ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ ضِدُّ الْعِرَاقِ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا تَضِيقُ الْقِبْلَةُ كُلَّ الضِّيقِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَوْسَعُ قَلِيلًا ثُمَّ هِيَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ أَوْسَعُ قَلِيلًا ثُمَّ هِيَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ مِنَ السَّعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا انْتَهَى
[343] قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) يَعْنِي مِنْ أَسَانِيدَ متعددة
والحديث أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَاسْمُهُ نَجِيحٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْمَدَنِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ (قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا) مُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ(2/267)
وثقه بن معين وقال بن المديني روى عن بن الْمُسَيَّبِ مَنَاكِيرَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَخَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَنَظَرْنَا فِي الْإِسْنَادِ فَوَجَدْنَا عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ وقد اختلف فيه فقال بن المديني إنه روى أحاديث مناكير ووثقه بن معين وبن حِبَّانَ فَكَانَ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ بن تيمية في الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا يُعَضِّدُ ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (منهم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ (وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) أخرج قوله بن أبي شيبة (وقال بن عُمَرَ إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ) فَإِنَّ مَكَّةَ عَلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهَذَا لِأَهْلِ المدينة وقول بن عمر هذا أخرجه البيهقي (وقال بن الْمُبَارَكِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ هَذَا لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ يستشكل قول بن الْمُبَارَكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ إِنَّمَا يَكُونُ قِبْلَتُهُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّ مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرِقِ الْبِلَادَ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَشْرِقِ كَالْعِرَاقِ مَثَلًا فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ أَيْضًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَقَدْ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وروى بن أبي شيبة عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ انْتَهَى
وَقَالَ الطِّيبِيُّ(2/268)
يُرِيدُ مَا بَيْنَ مَشْرِقِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَهُوَ مَطْلَعُ قَلْبِ الْعَقْرَبِ وَمَغْرِبِ الصَّيْفِ وَهُوَ مَغْرِبُ السِّمَاكِ الرَّامِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَهِيَ إِلَى الطَّرَفِ الْغَرْبِيِّ أَمْيَلُ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا (وَاخْتَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ التَّيَاسُرَ لِأَهْلِ مَرْوَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ المرو بَلَدٌ بِفَارِسَ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فِي الْمُغْنِي مَدِينَةٌ بِخُرَاسَانَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مَرْوُ شهرى ست ازخراسان سروزي مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُمْ مَرَاوِزَةٌ انْتَهَى
وَالتَّيَاسُرُ ضِدُّ التَّيَامُنِ وَالْأَخْذُ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ الْمُظْهِرُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي مَنْ جَعَلَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ أَوَّلَ الْمَغَارِبِ وَهُوَ مَغْرِبُ الصَّيْفِ عَنْ يَمِينِهِ وَآخِرَ الْمَشَارِقِ وَهُوَ مَشْرِقُ الشِّتَاءِ عَنْ يَسَارِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَخُوزِسْتَانَ وَفَارِسَ وَعِرَاقٍ وَخُرَاسَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْبِلَادِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
42 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الْغَيْمِ [345] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّ أبيه عبد الله بن عمر وبن عَمِّهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ حَدِيثًا وَاحِدًا وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ وَغَيْرُهُمْ ضَعِيفٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعَنَزِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَدِيٍّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعِجْلِيُّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِيهِ) عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنَزِيِّ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا(2/269)
قَوْلُهُ (عَلَى حِيَالِهِ) أَيْ فِي جِهَتِهِ وَتِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْحِيَالُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْخَفِيفَةِ قُبَالَةُ الشَّيْءِ وَقَعَدَ حِيَالَهُ وَبِحِيَالِهِ أَيْ بِإِزَائِهِ
وقَوْلُهُ (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ) أَيْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ بن الْمُلَقَّبُ بِسَنْدَلٍ عَنْ عَاصِمٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ إِلَّا عُمَرَ بْنَ قَيْسٍ مُشَارِكٌ لِأَشْعَثَ فِي الضَّعْفِ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ فَلَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِمُتَابَعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِيُسْتَفَادَ انْتَهَى
كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قُلْتُ يُؤَيِّدُ حَدِيثَ الْبَابِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ فِي سَفَرٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ قَدْ رُفِعَتْ صَلَاتُكُمْ بِحَقِّهَا إِلَى اللَّهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ بَعْدَ ذكره وفيه أبو عيلة وقد وثقه بن حِبَّانَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ أَحْمَدُ مضطرب الحديث ليس بذالك وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ س لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ هِشَامٌ كَانَ يَكْذِبُ وَقَالَ خ لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُمْ سَمِعَ مِنْهُ وَكِيعٌ وَلَيْسَ بِمَتْرُوكٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ
قوله (وبه يقول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ فَقَالُوا وَمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ
وَهُوَ الصَّلَاةُ إِلَى جِهَةِ تَحَرِّيهِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ وَاجِبٌ قَطْعًا وَحَدِيثُ السِّرِّيَّةِ فِيهِ ضَعْفٌ
قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ(2/270)
الشَّافِعِيِّ مَا لَفْظُهُ الْأَظْهَرُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ السِّرِّيَّةِ لِتَقَوِّيهِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ وَحْدَهُ انْتَهَى
43 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَا يُصَلَّى إِلَيْهِ)
وَفِيهِ [346] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوِ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ عَالِمُ أَهْلِ مِصْرَ وَمُفْتِيهِمْ رَوَى عَنْ أَبِي نَبِيلٍ وَيَزِيدَ بن أبي حبيب وعنه المقرئ وخلف كَذَا فِي الْمِيزَانِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ (عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
قَالَ الْحَافِظُ مَتْرُوكٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُصَلَّى) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (فِي الْمَزْبَلَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَثْبِيتِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكَانُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الزِّبْلُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الزِّبْلُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَكَأَمِيرٍ السِّرْقِينُ وَالْمَزْبَلَةُ وَتُضَمُّ الْبَاءُ مَلْقَاهُ وَمَوْضِعُهُ (والمجزرة) بفتح الميم والزاي وبكسرها وهي الوضع الَّذِي يُنْحَرُ فِيهِ الْإِبِلُ وَيُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالشَّاةُ نَهَى عَنْهَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَرْوَاثِ (وَالْمَقْبُرَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَبْرُ مَدْفِنُ الْإِنْسَانِ وَالْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ وَكَمِكْنَسَةٍ مَوْضِعُهَا انْتَهَى (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيِ الطَّرِيقُ الَّتِي يَقْرَعُهَا النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ أَيْ يَدُقُّونَهَا وَيَمُرُّونَ عَلَيْهَا
وقيل هي وسطها أو أعلاها
والمراد ها هنا نَفْسُ الطَّرِيقِ وَكَأَنَّ الْقَارِعَةَ بِمَعْنَى الْمَقْرُوعَةِ أَوِ الصِّيغَةُ لِلنِّسْبَةِ
وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِاشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِمُرُورِ النَّاسِ وَتَضْيِيقِ الْمَكَانِ عَلَيْهِمْ (وَفِي الْحَمَّامِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَفِي الْمَقْبُرَةِ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَالْحَمَّامَ (وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ) جَمْعُ مَعْطِنٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَهُوَ مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ وَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الْآتِي (وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ ثَابِتَةٌ تَسْتُرُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مصلى عَلَى الْبَيْتِ لَا إِلَى(2/271)
الْبَيْتِ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الصِّحَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يستقبل من بناءها قَدْرَ ثُلْثَيْ ذِرَاعٍ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يشترط ذلك وكذا قال بن السُّرَيْجِ قَالَ لِأَنَّهُ كَمُسْتَقْبِلِ الْعَرْصَةِ لَوْ هُدِمَ الْبَيْتُ عِيَاذًا بِاللَّهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
[347] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَنَسٍ فَعِنْدَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ كَمَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ (وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى ضَعْفِ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْأَزْدِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن بن عمر عن عمر إلخ) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَخْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ والرواية المذكورة في الباب من مسند بن عُمَرَ وَالرِّوَايَتَانِ ضَعِيفَتَانِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ وَهُوَ ضعيف جدا وفي سند بن مَاجَهْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ أيضا انتهى
قوله (وحديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَشْبَهُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ) قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ(2/272)
من حديث الليث صفة لحديث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ الَّذِي هُوَ أصح من حديث بن جَبِيرَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ تَفْضِيلِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أن حديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الَّذِي مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ أَصَحُّ وَأَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أن حديث بن عُمَرَ أَحْسَنُ حَالًا وَأَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ لِأَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ كِلَيْهِمَا ضَعِيفَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ لَكِنَّ في كون حديث بن عُمَرَ أَصَحَّ وَأَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ نَظَرًا ظَاهِرًا بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ صِفَةٌ لحديث بن عُمَرَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَابِدٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ أبي مريم عن بن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدَّارِمِيُّ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ كَيْفَ حَالُهُ فِي نَافِعٍ قَالَ صَالِحٌ ثِقَةٌ وَقَالَ الْفَلَّاسُ كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ليس بالقوي وقال بن عَدِيٍّ فِي نَفْسِهِ صَدُوقٌ وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْحَدِيثِ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَيَقُولُ أما وأبو عثمان حي فلا وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحُشَ خَطَؤُهُ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَمَاتَ سَنَةَ 173 ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِيزَانِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَذَكَرَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حديث الباب وزاد الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة والكنيسة والبيعة وإلى التماثيل وفي دار العذاب وزاد العراقي والصلاة في الدار المغصوبة والصلاة إلى النائم والمتحدث والصلاة في بطن الوادي والصلاة في الأرض المغصوبة والصلاة في مسجد الضرار والصلاة إِلَى التَّنُّورِ فَصَارَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا
وَدَلِيلُ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَمَّا السَّبْعَةُ الْأُوَلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَلِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث بن عَبَّاسٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ تِجَاهَهُ(2/273)
حش أخرجه بن عَدِيٍّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو أنه قال لا يصلي في الْحَشِّ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا يُصَلِّي تِجَاهَ حَشٍّ وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ
وأما الكنيسة والبيعة فروى بن أبي شيبة في المصنف عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْكَنِيسَةِ إِذَا كَانَ فِيهَا تَصَاوِيرُ
وَقَدْ رُوِيَتِ الْكَرَاهَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَلَمْ يَرَ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ بَأْسًا وَلَمْ ير بن سِيرِينَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ بَأْسًا وَصَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كَنِيسَةٍ
وَلَعَلَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ اتِّخَاذُهُمْ لِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ لِأَنَّهَا تُصَيِّرُ جَمِيعَ الْبِيَعِ وَالْمَسَاجِدِ مظنة لذلك
وأماالصلاة إِلَى التَّمَاثِيلِ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِيلِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي وَكَانَ لَهَا سِتْرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي دَارِ الْعَذَابِ فَلِمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي حِبِّي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ لِأَنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ
وَأَمَّا إِلَى النائم والمتحدث فهو في حديث بن عباس عند أبي داود وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَلِمَا فِيهَا مِنِ اسْتِعْمَالِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ في مسجد الضرار فقال بن حزم إنه لا يجزئ أَحَدًا الصَّلَاةُ فِيهِ لِقِصَّةِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَقَوْلُهُ (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ صَلَاةٍ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَى التَّنُّورِ فَكَرِهَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَالَ بَيْتُ نَارٍ
رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَوَاطِنَ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَوْ فِي أَكْثَرِهَا تَمَسَّكُوا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي صَحَّتْ أَحَادِيثُهَا بِأَحَادِيثَ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ وَنَحْوِهَا وَجَعَلُوهَا قَرِينَةً قَاضِيَةً بِصِحَّةِ تَأْوِيلِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْمَقْبُرَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِمَا خَاصَّةٌ فَتُبْنَى الْعَامَّةُ عَلَيْهَا
وَتَمَسَّكُوا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ أَحَادِيثُهَا بِالْقَدْحِ فِيهَا لِعَدَمِ التَّعَبُّدِ بِمَا لَمْ يَصِحَّ وَكِفَايَةُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ يَنْقُلُ عَنْهَا لَا سِيَّمَا بَعْدَ وُرُودِ عُمُومَاتٍ قَاضِيَةٍ بِأَنَّ كُلَّ مَوْطِنٍ مِنْ مَوَاطِنِ الْأَرْضِ مَسْجِدٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهَذَا مُتَمَسَّكٌ صَحِيحٌ لَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
44 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ [348] )(2/274)
قَوْلُهُ صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ جَمْعُ مَرْبِضٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ مَأْوَى الْغَنَمِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَرَابِضُ لِلْغَنَمِ كَالْمَعَاطِنِ لِلْإِبِلِ وَاحِدُهَا مَرْبِضٌ مِثَالُ مَجْلِسٍ قَالَ وَرُبُوضُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْفَرَسِ مِثْلُ بُرُوكِ الْإِبِلِ وَجُثُومِ الطَّيْرِ انْتَهَى
وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِبِلِ أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ فَأَجَابَ فِي الْإِبِلِ بِالْمَنْعِ وَفِي الْغَنَمِ بِالْإِذْنِ
قَوْلُهُ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ جَمْعُ عَطَنٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ مَعَاطِنُ وَهِيَ جَمْعُ مَعْطِنٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَطَنُ مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ
قَالَ السيوطي قال بن حَزْمٍ كُلُّ عَطَنٍ مَبْرَكٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا
لِأَنَّ الْعَطَنَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى
قُلْتُ الْمُرَادُ بِأَعْطَانِ الْإِبِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَبَارِكُهَا فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ
[349] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَسَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وعبد الله مغفل وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَأَخْرَجَهُ بن ماجة أيضا والنسائي
وأما حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أحمد وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَعَنْ يَعِيشَ الْجُهَنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِذِي الْغُرَّةِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثقات(2/275)
فائدة ذكر بن حَزْمٍ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ مُتَوَاتِرَةٌ بِنَقْلٍ تَوَاتَرَ يُوجِبُ الْعِلْمَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَتَحْرِيمِهَا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ (عِنْدَ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي أَصْحَابَ الْحَدِيثِ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ لَا تَصِحُّ بِحَالٍ وَقَالَ مَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إِبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَا يَجِدُ إِلَّا عَطَنَ إِبِلٍ قَالَ لَا يُصَلِّي فِيهِ قِيلَ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ لَا وقال بن حَزْمٍ لَا تَحِلُّ فِي عَطَنِ إِبِلٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ النَّجَاسَةِ وَعَلَى التَّحْرِيمِ مَعَ وُجُودِهَا وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ هِيَ النَّجَاسَةُ وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَزْبَالِهَا وَقَدْ عَرَفْتَ مَا قَدَّمْنَا فِيهِ
وَلَوْ سَلَّمْنَا النَّجَاسَةَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهَا علة لأن العلة لو كانت النجاسة لماأفترق الْحَالُ بَيْنَ أَعْطَانِهَا وَبَيْنَ مَرَابِضِ الْغَنَمِ إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَرْوَاثِ كُلٍّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ وَأَبْوَالِهَا كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ
وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ إِنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ مَا فِيهَا مِنَ النُّفُورِ فَرُبَّمَا نَفَرَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتُؤَدِّي إِلَى قَطْعِهَا أَوْ أَذًى يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا أَوْ تُشَوِّشُ الْخَاطِرَ الْمُلْهِي عَنِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ
وَبِهَذَا عَلَّلَ النَّهْيَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِبِلِ فِي مَعَاطِنِهَا وَبَيْنَ غَيْبَتِهَا عَنْهَا إِذْ يُؤْمَنُ نُفُورُهَا حِينَئِذٍ وَيُرْشِدُ إِلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ بن(2/276)
مُغَفَّلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْجِنِّ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى عُيُونِهَا وَهَيْئَتِهَا إِذَا نَفَرَتْ
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ أَنْ يُجَاءَ بِهَا إِلَى مَعَاطِنِهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْطَعُهَا أَوْ يَسْتَمِرُّ فِيهَا مَعَ شَغْلِ خَاطِرِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الرَّاعِيَ يَبُولُ بَيْنَهَا
وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ كَوْنُهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ ويدل على هذا أيضا حديث بن مُغَفَّلٍ السَّابِقُ وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْعِلَّةِ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْحَقَّ الْوُقُوفُ عَلَى مُقْتَضَى النَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَالظَّاهِرِيَّةُ
وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَأَمْرُ إِبَاحَةٍ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِبِلِ أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ فَأَجَابَ فِي الْإِبِلِ بِالْمَنْعِ وَفِي الْغَنَمِ بِالْإِذْنِ
وَأَمَّا التَّرْغِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ بِلَفْظِ فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ فَهُوَ إِنَّمَا ذُكِرَ لِقَصْدِ تَبْعِيدِهَا عَنْ حُكْمِ الْإِبِلِ كَمَا وَصَفَ أَصْحَابَ الْإِبِلِ بِالْغِلَظِ وَالْقَسْوَةِ وَوَصَفَ أَصْحَابَ الْغَنَمِ بِالسَّكِينَةِ انْتَهَى
45 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ)
بِهِ [351] قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ (قَالَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ)
قَوْلُهُ (يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) لَيْسَ فِيهِ قَيْدُ السَّفَرِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أنس(2/277)
عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَيْدُ السَّفَرِ وَكَذَا فِي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قِبَلَ جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ وَالْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ من أصحاب الشافعي وأهل الظاهر
قال بن حَزْمٍ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ قَالَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُمُومًا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ انْتَهَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِذِكْرِ السَّفَرِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَلْ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَأَمَّا مَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَحَمَلَ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّفَرِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّفَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
قوله (وفي الباب عن أنس وبن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِنَاقَتِهِ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ
وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ على راحلته حيث توجهت به يومىء إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ(2/278)
146 - (باب فِي الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ [352] )
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنْ يُوضَعَ الرَّحْلُ عَلَيْهَا
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ الْمَرْكُوبُ النَّجِيبُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ
وَالْبَعِيرُ يُقَالُ لِمَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (صَلَّى إِلَى بَعِيرِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَقَوْلُهُ يُعَرِّضُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَجْعَلُهَا عَرْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسَتُّرِ بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَعَاطِنَ مَوَاضِعُ إِقَامَتِهَا عِنْدَ الْمَاءِ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشِدَّةِ نَتْنِهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مُسْتَتِرِينَ بِهَا انْتَهَى
وَقَالَ غَيْرُهُ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْإِبِلِ خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَنَظِيرُهُ صَلَاتُهُ إِلَى السَّرِيرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ لِكَوْنِ الْبَيْتِ كَانَ ضَيِّقًا
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَسْتَتِرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ فِي حال الاختيار
وروى عبد الرزاق عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى الْبَعِيرِ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ وَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَالِ شَدِّ الرَّحْلِ عَلَيْهَا أَقْرَبُ إِلَى السُّكُونِ مِنْ حَالِ تَجْرِيدِهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْبَعِيرِ بَأْسًا أَنْ يَسْتَتِرَ بِهِ) وَهُوَ الْحَقُّ وَلَا يَسْتَلْزِمُ مِنَ النَّهْيِ عن الصلاة في معاطن الابل النهي على الصَّلَاةِ إِلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ فِي غَيْرِ الْمَعَاطِنِ(2/279)
147 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصلاة)
فابدأوا بِالْعَشَاءِ [353] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ طَعَامٌ يُؤْكَلُ عِنْدَ الْعِشَاءِ قَالَ
الْعِرَاقِيُّ الْمُرَادُ بِحُضُورِهِ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآكِلِ لَا اسْتِوَاؤُهُ وَلَا غَرْفُهُ فِي الأوعية لحديث بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ
وَكَانَ بن عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ انْتَهَى
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ المصنف أيضا حيث قال وروي عن بن عُمَرَ إِلَخْ
وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُضُورِهِ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآكِلِ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ وَلِمُسْلِمٍ إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَاطُ الْحُكْمُ بِمَا إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَرَّبْ لِلْآكِلِ كَمَا لَوْ لَمْ يقرب
قوله وأقيمت الصلاة قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَلَا عَلَى تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى المغرب لقوله فابدأوا بِالْعَشَاءِ وَيَتَرَجَّحُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَغْرِبِ لِقَوْلِهِ فِي الرواية الأخرى فابدأوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بعضه بضعا وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّشْوِيشُ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْخُشُوعِ وَذِكْرُ الْمَغْرِبِ لَا يَقْتَضِي حَصْرًا فِيهَا لِأَنَّ الْجَائِعَ غَيْرُ الصَّائِمِ قَدْ يَكُونُ أَشَوْقَ إِلَى الْأَكْلِ مِنَ الصَّائِمِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ الْحَاقًا لِلْجَائِعِ بِالصَّائِمِ وَلِلْغِذَاءِ بِالْعَشَاءِ لَا بِالنَّظَرِ إلى اللفظ الوارد انتهى
قوله فابدأوا بِالْعَشَاءِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِطَعَامِ الْعَشَاءِ(2/280)
قوله (وفي الباب عن عائشة وبن عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ
وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وبن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَنْ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْأَكْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزَادَ الْغَزَالِيُّ مَا إِذَا خَشِيَ فَسَادَ الْمَأْكُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَيِّدْ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَلَيْهِ يدل فعل بن عمر أي الاتي ومنهم من اختار البداء بِالصَّلَاةِ إِلَّا إِنْ كَانَ الطَّعَامُ خَفِيفًا نَقَلَهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ (سَمِعْتُ الْجَارُودَ يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ يُخَافُ فَسَادُهُ) هَذَا مقول الترمذي والجارود هو بن مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَوَفِّي سَنَةَ 244 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَوَكِيعٌ هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَقَوْلُ وَكِيعٍ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ يُخَالِفُ إِطْلَاقَ الْحَدِيثِ وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ (وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أشبه بالاتباع) أي أولى وَالْعَمَلِ مِمَّا قَالَ وَكِيعٌ (وَإِنَّمَا أَرَادُوا) أَيْ بعض أهل العلم المذكورون (أَنْ لَا يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِسَبَبِ شَيْءٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ قَلْبِهِ مشغولا بسبب شيء (وقد روي(2/281)
عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا نَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَفِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ) رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وبن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عباس أنهما كان يَأْكُلَانِ طَعَامًا وَفِي التَّنُّورِ شِوَاءٌ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أن يقيم فقال له بن عَبَّاسٍ لَا تَعْجَلْ لِئَلَّا نَقُومَ وَفِي أَنْفُسِنَا منه شيء
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
48 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ النُّعَاسِ [355] )
النُّعَاسُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَمُقَدِّمَتُهُ
قَوْلُهُ إِذَا نَعِسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي الواو للحال والجملة الحالية فَلْيَرْقُدْ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَلْيَنْصَرِفْ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَرْقُدْ
وَقَدْ حَمَلَهُ طَائِفَةٌ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا هَذَا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَيْسَتْ فِي أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَلَا فِيهَا مِنَ التَّطْوِيلِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَبٍ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فِي الْفَرَائِضِ إِنْ وَقَعَ مَا أَمْكَنَ بَقَاءُ الْوَقْتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَتْ مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا تُصَلِّي بِاللَّيْلِ صَلَاةً كَثِيرَةً فَإِذَا غَلَبَهَا النَّوْمُ ارْتَبَطَتْ بِحَبْلٍ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْحَدِيثَ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَبٍ فَلَعَلَّهُ(2/282)
يَذْهَبُ لِيَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى يَسُبَّ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَيْ يُرِيدُ وَيَقْصِدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي مَثَلًا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَيَقُولُ اللهم اغفر لِي وَالْعَفْرُ هُوَ التُّرَابُ فَيَكُونُ دُعَاءً عَلَيْهِ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَهُوَ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ والتصحيف
وَقَوْلُهُ فَيَسُبَّ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَسْتَغْفِرَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِلَامِ كَيْ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَّلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ وَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ إِذَا نَعِسَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مَرْفُوعًا
إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
49 - (بَاب مَا جاء مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يُصَلِّ بِهِمْ [356] )
قَوْلُهُ (عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بِالتَّصْغِيرِ (الْعُقَيْلِيِّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَبُو عَطِيَّةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لَا(2/283)
يُدْرَى مَنْ هُوَ رَوَى عَنْهُ بُدَيْلُ بْنُ ميسرة وقال الحافظ في التقريب أو عطية مولى بن عُقَيْلٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (رَجُلٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَطِيَّةَ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ
قَوْلُهُ (فِي مُصَلَّانَا) أَيْ فِي مَسْجِدِنَا (تَقَدَّمْ) أَيْ وَصَلِّ بِنَا وَأُمَّنَا (حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ فِي أَنَّ الْمَزُورَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنَ الزَّائِرِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ أَوْ أَقْرَأَ مِنَ الْمَزُورِ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَذِنَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ) كذا قال الترمذي
وقال الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الزَّائِرِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَكَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ مَا روى بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ انْتَهَى مَا فِي الْمُنْتَقَى
قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنْ قَالَ فِيهِ
لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يَقْعُدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلَا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه
فائدة قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ(2/284)
فَالْأَفْضَلُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَإِنِ اسْتَوَيَا فَمِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ أُخْرَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَزُورُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا كَالْمَرْأَةِ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ رَجُلًا وَالْأُمِّيِّ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ قَارِئًا وَنَحْوِهِمَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ انْتَهَى
50 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخُصَّ الْإِمَامُ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ [357] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ) بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْسِيُّ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ أحمد وبن معين ودحيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفَهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ حِمْصِيٌّ (حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حَبِيبُ بْنُ صالح أو بن أَبِي مُوسَى الطَّائِيُّ أَبُو مُوسَى الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ الْحِمْصِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ) كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في الخلاصة ووثقه بن حِبَّانَ (عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ) اسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ حَيٍّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي لَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ يَعْنِي لِحَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ وَيَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي حَيٍّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ انْتَهَى (عَنْ ثَوْبَانَ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ 54 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ
قوله لا يحل أي لا يجوز لامرىء وكذا لمرأة أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ أَيْ(2/285)
دَاخِلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي قَعْرِ بَيْتٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَيْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنْ نَظَرَ فَقَدْ دَخَلَ أَيْ إِنْ نَظَرَ قَبْلَ الاستئذان من حجر أَوْ غَيْرِهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ إِثْمَ مَنْ دَخَلَ البيت بلا استئذان قال بن الْعَرَبِيِّ الِاطِّلَاعُ عَلَى النَّاسِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ نَظَرَ دَارَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ ولا يؤم بالرفع نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَوْمًا فَيَخُصَّ بِالنَّصْبِ بِأَنِ الْمُقَدَّرَةِ لِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ عَلَى حَدِّ لَا يقضى عليهم فيموتوا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَا يَؤُمُّ (نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ) أَيْ دُونَ مُشَارَكَتِهِمْ فِي دُعَائِهِ (فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ نَسَبَ الْخِيَانَةَ إِلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ لِيُفِيدَ كُلٌّ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْخَيْرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِبَرَكَةِ قُرْبِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ خَصَّ نَفْسَهُ فَقَدْ خان صاحبه وإنما خص الإمام بالخيانة فإنه صَاحِبُ الدُّعَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ الْخِيَانَةُ مِنْ جَانِبِ الْمَأْمُومِ (وَهُوَ حَقِنٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ بَوْلٌ شَدِيدٌ يَحْبِسُهُ والجملة حال قال بن الْعَرَبِيِّ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ وَلَا يُوَفِّي الصَّلَاةَ حَقَّهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَامِلُ نَجَاسَةٍ لِأَنَّهَا مُتَدَافِعَةٌ لِلْخُرُوجِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا قَصْدًا فَهُوَ كَالْحَامِلِ لَهَا انْتَهَى
وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا يُصَلِّ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ نَفْسَهُ بِخُرُوجِ الْفَضْلَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ عَنْهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ السَّفْرِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (بْنِ نُسَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ رَاءٌ الْأَزْدِيِّ الْحِمْصِيِّ أَرْسَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وروى هذا الحديث بهذا الطريق بن مَاجَهْ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌ
وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ(2/286)
يَخُصَّ الْإِمَامُ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَلَا يُشَارِكُ الْمَأْمُومِينَ فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ بِجَمْعِ الضَّمِيرِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ
قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ وَالرِّوَايَةُ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ وَجَمَعَ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ انْتَهَى
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ يُونُسَ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ إِمَامٌ بِالْإِفْرَادِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قُلْتُ ذَكَرُوا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا وُجُوهًا قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَالْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ كَقَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ الْمَحْفُوظَةِ عَنْهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْحَدِيثَ
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة فإن فعل فقد خانهم
قال بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَةَ يَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَأْمُومِينَ وَيَشْتَرِكُونَ فيه كدعاء القنوت ونحوه انتهى كلام بن الْقَيِّمِ
قُلْتُ الْحُكْمُ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ حَسَنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ هَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ خَاصَّةً بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالسُّكُوتِ عَنِ الْمُقْتَدِينَ وَقِيلَ نَفْيُهُ عَنْهُمْ كَارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ أَوِ الثَّانِي حَرَامٌ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ انْتَهَى
قُلْتُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِجَمْعِ الضَّمِيرِ فِيهِ(2/287)
أَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ إِنَّمَا هُوَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ كَمَا ثَبَتَ لَكِنْ لَا يَنْوِي بِهِ خَاصَّةَ نَفْسِهِ بَلْ يَنْوِي بِهِ الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
51 - (بَاب ما جاء من أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ [358] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَرَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ شَيْءٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ (عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ اللَّامِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ هُوَ لَيِّنٌ رُمِيَ بِالِاعْتِزَالِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
قَوْلُهُ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَرِهُوا لِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ قال بن الْمَلَكِ كَارِهُونَ لِبِدْعَتِهِ أَوْ فِسْقِهِ أَوْ جَهْلِهِ أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَرَاهَةُ عَدَاوَةٍ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَلَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ هَذَا إِذَا كَانَ السُّخْطُ لِسُوءِ خُلُقِهَا أَوْ سُوءِ أَدَبِهَا أَوْ قِلَّةِ طَاعَتِهَا أَمَّا إِنْ كَانَ سُخْطُ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ فَلَا إِثْمَ عليها قاله بن الْمَلَكِ
وَقَالَ الْمُظْهِرُ هَذَا إِذَا كَانَ السُّخْطُ لِسُوءِ خُلُقِهَا وَإِلَّا فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ انْتَهَى
قَالَ فِي الْقَامُوسِ السُّخْطُ بِالضَّمِّ وَكَعُنُقٍ وَجَبَلٍ وَمَقْعَدٍ ضِدُّ الرِّضَا وَقَدْ سَخِطَ كَفَرِحَ وَتَسَخَّطَ وَأَسْخَطَهُ أَغْضَبَهُ وَرَجُلٌ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ أَيْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَطَلْحَةَ) أَيْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (وعبد الله بن عمرو وأبي أسامة) أما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ
قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا تَرْتَفِعُ صَلَاتُهُمْ فوق(2/288)
رؤوسهم شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لم تجر صَلَاتُهُ أُذُنَيْهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّلْحِيُّ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ وَقَدْ وُثِّقَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دَبَارًا وَالدَّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بعد أن تفوته ورجل اعتيد مُحَرَّرَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ البيهقي وعن سلمان عند بن أَبِي شَيْبَةَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ لَا يَصِحُّ إِلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُرْسَلُ وَأَمَّا الموصول فهي ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُنْتَهَضُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ إِمَامًا لِقَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ
وَيَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نَفْيُ قَبُولِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ آذَانَ الْمُصَلِّينَ وَلَعْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ ظَالِمٍ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ) يُرِيدُ أَنَّ مَحْمَلَ الْحَدِيثِ مَا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ مِنَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بَلِ الْإِثْمُ عَلَى الْقَوْمِ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي هَذَا إِذَا كَرِهَ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ(2/289)
يَكُونَ الْكَارِهُونَ أَكْثَرَ الْمَأْمُومِينَ وَلَا اعْتِبَارَ بِكَرَاهَةِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إِذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ جَمْعًا كَثِيرًا إِلَّا إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم مقبرة قَالَ وَالِاعْتِبَارُ بِكَرَاهَةِ أَهْلِ الدِّينِ دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ الْأَقَلُّ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ يَكْرَهُونَهُ فَالنَّظَرُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى إِمَامٍ غَيْرِ الْوَالِي لِأَنَّ الْغَالِبَ كَرَاهَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ انْتَهَى
[359] قَوْلُهُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) بِكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ) الْأَشْجَعِيِّ أَخُو سَالِمٍ الْكُوفِيِّ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَعَنْهُ هِلَالُ بْنُ يساف وثقه بن حِبَّانَ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ خو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (قَالَ كَانَ يُقَالُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ إِلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هَذَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَقُولُ وَكُنَّا نَفْعَلُ فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ قِيلَ لَنَا وَالْقَائِلُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
[360] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ) الْمَرْوَزِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ثِقَةٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ جَمْعُ الْأُذُنِ الْجَارِحَةِ أَيْ لَا تُقْبَلُ قَبُولًا كَامِلًا أَوْ تُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ رَفْعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ بَلْ أَدْنَى شَيْءٍ مِنَ الرَّفْعِ وَخَصَّ الْآذَانَ بِالذِّكْرِ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ التِّلَاوَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا تَصِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَبُولًا وَإِجَابَةً وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَارِقَةِ يقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ بِعَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْآذَانِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ لَا يُرْفَعُ(2/290)
عَنْ آذَانِهِمْ فَيُظِلُّهُمْ كَمَا يُظِلُّ الْعَمَلُ الصَّالِحُ صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي أَيْ لَا تُرْفَعُ إلى السماء كما في حديث بن عباس عند بن ماجه لا نرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْرًا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً انْتَهَى حَتَّى يَرْجِعَ أَيْ إِلَى أَمْرِ سَيِّدِهِ وَفِي مَعْنَاهُ الْجَارِيَةُ الْآبِقَةُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَصَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَرْجَحُ هُنَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ
قَوْلُهُ (وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو غَالِبٍ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَصْرِيُّ نَزَلَ أَصْبَهَانَ قِيلَ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ وَقِيلَ سَعِيدُ بْنُ الْحَزَوَّرِ وقيل نافع صدوق يخطىء مِنَ الْخَامِسَةِ
52267267267
267 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا [361] )
قَوْلُهُ (خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ) مِنَ الْخُرُورِ أَيْ سَقَطَ (فَجُحِشَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ خُدِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ يَعْنِي قُشِرَ جِلْدُهُ فَتَأَثَّرَ تَأَثُّرًا مَنَعَهُ اسْتِطَاعَةَ الْقِيَامِ كَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْتُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ وَرَوَى أبو داود وبن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فِي الْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى وَإِذَا(2/291)
صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وجابر وبن عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ كَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أجمعون
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قاعدا فصلوا قعودا
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أيضا وعن أبي أمامة عند بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) قد استدل(2/292)
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ إِنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُ معذورا
وممن قال بن حَزْمٍ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعْلِمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أن يصلي قائما
قال بن حَزْمٍ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا قَالَ وَهِيَ السُّنَّةُ عَنْ غير واحد وقد حكاه بن حِبَّانَ أَيْضًا عَنِ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة أَفْتَوْا بِهِ وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يرووا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافًا لِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَصْلًا خِلَافُهُ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا وَاهٍ فَكَأَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ
قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صَاحِبُ النَّخَعِيِّ وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ من أصحابه انتهى كلام بن حِبَّانَ
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عن جمهور السلف خلاف ما حكى بن حزم عنهم وحكاه بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلُّونَ قِيَامًا وَلَا يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ فِي الْجُلُوسِ(2/293)
وَقَدْ أَجَابَ الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا دَعْوَى النَّسْخِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
وَجَعَلُوا النَّاسِخَ مَا وَرَدَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ خَلْفَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ
وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ نَسْخَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِتَنْزِيلِهِمْ عَلَى حَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا إِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ قَائِمًا لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا سَوَاءٌ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلَاةَ إِمَامِهِمْ قَاعِدًا أَمْ لَا كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ تَقْرِيرَهُ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمُ الْجُلُوسُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا وَصَلَّوْا مَعَهُ قِيَامًا بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا فَلَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ
وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَقَدْ نُسِخَ إِلَى الْقُعُودِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى إِمَامُهُ قَاعِدًا فَدَعْوَى نَسْخِ الْقُعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْتَضِي وُقُوعَ النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ
وَالْجَوَابُ الثَّانِي مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنِهِ يَؤُمُّ جَالِسًا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ جَالِسًا بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ
وَرُدَّ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ عَلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا
لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا وَجَابِرٌ مَتْرُوكٌ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ انْتَهَى
عَلَى أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي التَّخْصِيصِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيضٌ فَقَالَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ إِمَامًا لَهُمُ اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ(2/294)
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَرُدُّهُ لِمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ
وَقَدْ أَجَابَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَنِ الأحاديث المخالفة لها بأجوبة منها قول بن خُزَيْمَةَ إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِأَمْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي صِحَّتِهَا ولا في سباقها
وَأَمَّا صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا
وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْجُلُوسِ كَانَ لِلنَّدْبِ وَتَقْرِيرُهُ قِيَامُهُمْ خَلْفَهُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقُعُودِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أُسَيْدِ بْنِ حضير وقيس بن فهد وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ اشْتَكَى فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَصَلَّوْا مَعَهُ جُلُوسًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ صَحِيحٌ
ومنها ما روى عن بن شَعْبَانَ أَنَّهُ نَازَعَ فِي ثُبُوتِ كَوْنِ الصَّحَابَةِ صَلَّوْا خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامًا غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ صَرِيحًا قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي ادَّعِي نَفْيَهُ قَدْ أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُهُ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا وَجَعَلَ أبا بكر ورواءه بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَصَلَّى النَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامًا قَالَ وَهَذَا مُرْسَلٌ يَعْتَضِدُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَّقَهَا الشَّافِعِيُّ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النظر لأنهم ابتدأوا الصَّلَاةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ قِيَامًا
فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ
53 - بَاب مِنْهُ [362] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ) بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ مَرْوَانَ مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ من التاسعة مات سنة أربع أو خمسين أَوْ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ نُعَيْمِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ أَبِي هِنْدٍ) النُّعْمَانِ بْنِ أَشْيَمَ الْأَشْجَعِيِّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالنَّصْبِ مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 110 عَشْرٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ(2/295)
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ
قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ خَلْفَ الْقَائِمِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ (وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَصَلَّى إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) رواه الشيخان عنها قال مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مكانك ثم أتيابه حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ
وَلِمُسْلِمٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر يسمعهم التكبير
فقوله عن يسار أبو بَكْرٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَقَعْ فِي الصَّحِيحِ بَيَانُ جُلُوسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَقَوْلُهُ يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا بِهِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا شَدِيدًا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان الْمُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَدَّمَ
وَأَخْرَجَ بن الْمُنْذِرِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلى خلف أبي بكر
وأخرج بن حِبَّانَ عَنْهَا بِلَفْظِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن خزيمة(2/296)
عَنْهَا بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ بِالْجَزْمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ سَلَكَ التَّرْجِيحَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا لِلْجَزْمِ بِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْجَمْعَ فَحَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى التَّعَدُّدِ
وَالظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ الْمَذْكُورَ الْمُرَادُ بِهِ الِائْتِمَامُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمُ التَّكْبِيرَ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الْبَابِ (وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَهُ فَقَالَ
[363] (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ السَّنَدِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ الدِّهْقَانُ صَدُوقٌ قاله الحافظ روى عن بن عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ وَعَنْهُ د ت ق
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ أَخْبَرَنَا (شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشِدَّةِ الْوَاوِ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ) بْنِ مُصَرِّفٍ الْيَامِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ وَخَلْقٌ
قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَقُولُ حَدَّثَنَا
وقال النسائي ليس بالقوي
وقال بن حبان ثقة يخطىء وأختلف فيه كلام بن معين مات سنة 761 سبع وستون وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَأَنْكَرُوا سَمَاعَهُ مِنْ أَبِيهِ لِصِغَرِهِ (عَنْ حُمَيْدٍ) بالتَّصْغِيرُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ أَبُو عُبَيْدَةَ الطَّوِيلُ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِ أَبِيهِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَخَلْقٌ
قَالَ الْقَطَّانُ مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا مَاتَ سَنَةَ 241 ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ وَعَابَهُ زَائِدَةُ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْأُمَرَاءِ (عَنْ ثَابِتِ) بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِنُونَيْنِ مَوْلَاهُمُ البصري عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَنَسٍ وَخَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَمَعْمَرٌ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ عَابِدٌ(2/297)
قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إِمَامًا بَلْ كَانَ الْإِمَامُ أَبَا بَكْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا (فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ) أَيْ مُتَغَشِّيًا بِهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّهُ كَانَ يَتَوَشَّحُ أَيْ يَتَغَشَّى بِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
54 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْهَضُ فِي الركعتين ناسيا [364] )
قوله (أخبرنا بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ
الْقَاضِي أَبُو عبد الرحمن صدوق سيء الْحِفْظِ جِدًّا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَخَذَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ
قَالَ مَكْحُولٌ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَرَوَى عَنْهُ وعن علي وبن مَسْعُودٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وعائشة وجرير وبن عَبَّاسٍ وَخَلْقٍ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وعنه بن سِيرِينَ وَالْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَخَلْقٌ
قَوْلُهُ (فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ (فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ) أَيْ قَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنِ الْقِيَامِ وَيَجْلِسَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (وَسَبَّحَ بِهِمْ) أَيْ قَالَ سبحان الله(2/298)
مُشِيرًا إِلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا
فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وسعد وعبد الله بن بُحَيْنَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَعَرَفَ الَّذِي يُرِيدُونَ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُكُمْ تَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ لِكَيْ أَجْلِسَ وَأَنْ لَيْسَ تِلْكَ السُّنَّةَ إِنَّمَا السُّنَّةُ الَّتِي صَنَعْتُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى بِنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحْنَا لَهُ فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا قَالَ فَمَضَى فِي قِيَامِهِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنْ أَجْلِسَ إِنَّمَا صَنَعْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ لَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا يَرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَبِي مُعَاوِيَةَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصحيح
وأما حديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بن أَبِي لَيْلَى مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ قَالَ أَحْمَدُ لا يحتج بحديث بن أَبِي لَيْلَى) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ إمام سيء الْحِفْظِ وَقَدْ وُثِّقَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ كَانَ فَقِيهًا صَدُوقًا صَاحِبَ سُنَّةٍ جَائِزَ الْحَدِيثِ
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِأَقْوَى مَا يَكُونُ
وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ شُعْبَةُ مَا رَأَيْتُ أَسْوَأَ مِنْ حِفْظِهِ
وَقَالَ يحيى القطان سيء الْحِفْظِ جِدًّا
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَلِكَ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَدِيءُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْوَهَمِ
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَقْلُوبَةٌ انْتَهَى مَا فِي الميزان مختصرا(2/299)
قَوْلُهُ (وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ) هُوَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ الْجُعْفِيُّ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ) بِضَمِّ الشِّينِ مُصَغَّرًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ شِبْلٍ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ الْبَجَلِيُّ الأحمصي أَبُو الطُّفَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ) بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يجلس ويسجد سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرحمن المهدي وَغَيْرُهُمَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ هَذَا أَحَدُ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ يُؤْمِنُ بِرَجْعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الثَّوْرِيُّ كَانَ جَابِرٌ وَرِعًا فِي الْحَدِيثِ
وَقَالَ شُعْبَةُ صَدُوقٌ
وَإِذَا قَالَ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ فَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ
وَقَالَ وَكِيعٌ إِنَّ جَابِرًا ثِقَةٌ هَذِهِ أَقْوَالُ الْمُعَدِّلِينَ فِيهِ
وَأَمَّا أَقْوَالُ الْجَارِحِينَ فَقَالَ أَيُّوبُ كَذَّابٌ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ وَتَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ الْكُوفِيُّ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ كَذَّابٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ وتركه سفيان بن عيينة وقال الجونجاني كذاب
وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يؤمن بالرجعة وليس لجابر الجعفي في النسائي وَأَبِي دَاوُدَ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ فِي سُجُودِ السهو
وقال بن حِبَّانَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا
وَقَالَ زَائِدَةُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ رَافِضِيٌّ يَشْتُمُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ(2/300)
قَوْلُهُ (مِنْهُمْ مَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ إِلَخْ) يَجِيءُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَبْوَابِ السُّجُودِ
[365] قَوْلُهُ (عَنِ الْمَسْعُودِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ انْتَهَى
55 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِقْدَارِ الْقُعُودِ في الركعتين الأوليين [366] )
قوله أخبرنا سعد أبي إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا عَابِدًا مِنَ الْخَامِسَةِ (سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا اسْمُهُ عَامِرٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِحَدِيثِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ هَلْ تَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ مَا أَذْكُرُ شَيْئًا انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ(2/301)
قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحٍ وَبَعْدَهَا فَاءٌ جَمْعُ رَضْفَةٍ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ عَلَى النَّارِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّخْفِيفِ فِي الْجُلُوسِ وَقَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ أَيِ بن إِبْرَاهِيمَ شَيْخُ شُعْبَةَ (شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ) أَيْ تَكَلَّمَ سَعْدٌ بِشَيْءٍ بِالسِّرِّ لَمْ يَسْمَعْهُ شُعْبَةُ إِلَّا أَنَّهُ رَأَى تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ (فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ) أَيْ قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ الَّذِي حَرَّكْتَ بِهِ شَفَتَيْهِ هُوَ مَتَى يَقُومُ (فَيَقُولُ حَتَّى يَقُومَ) أَيْ فَقَالَ سَعْدٌ حَتَّى يَقُومَ وَالضَّمِيرُ فِي يَقُومُ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله أقول وَيَقُولُ مُضَارِعَانِ بِمَعْنَى الْمَاضِي إِشْعَارًا لِإِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِضَبْطِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ قُلْتُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ
قَالَ الحافظ في التلخيص وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ كان أبو بكر إذ جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ إِسْنَادُهُ صحيح
وعن بن عمر نحوه
وروى أحمد وبن خزيمة من حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ إِذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى التَّحِيَّاتُ إِلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قُلْتُ وَلِيَ فِيهِ تَأَمُّلٌ(2/302)
156 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ [367] )
أَيْ لِرَدِّ السَّلَامِ أَوْ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ قَوْلُهُ (عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ) أَوَّلُهُ نُونٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ نَابِلٌ صَاحِبُ الْعَبَاءِ وَالْأَكْسِيَةِ وَالشِّمَالِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ صُهَيْبٍ) هُوَ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو يَحْيَى الرُّومِيُّ أَصْلُهُ مِنَ النَّمِرِ
يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَصُهَيْبٌ لَقَبُ صَحَابِيٍّ شَهِيرٍ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ 38 ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ فَأَغَارَتِ الرُّومُ عَلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَسَبَتْهُ وَهُوَ غُلَامٌ فَنَشَأَ بِالرُّومِ فَابْتَاعَهُ مِنْهُمْ كَلْبٌ ثُمَّ قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ فَأَعْتَقَهُ فَأَقَامَ مَعَهُ إِلَى أَنْ هَلَكَ
وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمَّا كَبِرَ فِي الرُّومِ وَعَقَلَ هَرَبَ مِنْهُمْ وَقَدِمَ مَكَّةَ فَخَالَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ وَأَسْلَمَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وفيه نزل ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله كَذَا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِصَاحِبِ الْمِشْكَاةِ
قَوْلُهُ (فَرَدَّ إِلَيَّ إِشَارَةٍ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ (وَقَالَ) أَيْ نابل (لا أعلم إلا أنه) أي بن عُمَرَ
(وَفِي الْبَابِ عَنْ بِلَالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه الشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكِيًا وَفِيهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا الْحَدِيثَ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ(2/303)
وَمِنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ يَعْنِي الصَّلَاةَ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْهَا يَعْنِي الصَّلَاةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بِالْعَنْعَنَةِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَهْمٌ
وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً يُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قال بن أَبِي دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو غَطَفَانَ قَالَ بن أَبِي دَاوُدَ هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ قَالَ وَآخِرُ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ قُلْتُ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَقَدْ رَوَى عنه جماعة ووثقه النسائي وبن حِبَّانَ انْتَهَى
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ كَلَامُ مَعْنًى وَقَدْ نُسِخَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ كَوْنَ الْإِشَارَةِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ بَاطِلٌ قَدْ أَبْطَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الباب بأنها كان قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ إِذْ لَوْ كَانَتْ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ لَرُدَّ بِاللَّفْظِ لَا بِالْإِشَارَةِ
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ يؤيده حديث بن مَسْعُودٍ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَلَمْ يَقُلْ فَأَشَارَ إِلَيْنَا وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي
فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ جَائِزًا لَفَعَلَهُ
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِشَارَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ نَسْخِهِ لَوَدَّعَهُ بِاللَّفْظِ إِذِ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَاجِبٌ إِلَّا لِمَانِعٍ كَالصَّلَاةِ فَلَمَّا رُدَّ بِالْإِشَارَةِ عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ
قَالُوا وأما حديث بن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الرَّدِّ فِيهِ بِالْكَلَامِ بدليل لفظ بن حبان في حديث بن مَسْعُودٍ
وَقَدْ أُحْدِثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
وَأَجَابُوا أَيْضًا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ إِشَارَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِلنَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ لَا لِرَدِّهِ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّهُ وَتُبْطِلُهُ(2/304)
[368] قَوْلُهُ (قَالَ كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ) وَفِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ الْمُتَقَدِّمِ بِأُصْبُعِهِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ مَرَّةً بِأُصْبُعِهِ وَمَرَّةً بِيَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْأُصْبُعَ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
57 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ [369] )
قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ أَيْ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا نَابَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ
قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ إِنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ عُقْبَةُ وَالتَّصْفِيحُ التَّصْفِيقُ وَكَذَا قَالَ أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري
وقال بن حزم لا خلاف في أن التصفيح التصفيق معنى وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرْبُ بِإِحْدَى صَفْحَتَيِ الْكَفِّ عَلَى الْأُخْرَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ فِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالتَّصْفِيقُ الضَّرْبُ بِبَاطِنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى
حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ وَبِالْقَافِ بِالْجَمِيعِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عِيسَى بن(2/305)
أَيُّوبَ أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ الْيُسْرَى كَذَا فِي النَّيْلِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ إِذَا نَابَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وجابر وأبي سعيد وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَحَدِيثُهُ طَوِيلٌ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه بن أبي شيبة وأماحديث أبي سعيد فأخرجه بن عدي في الكامل
وأما حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ إِذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلي سبح) أخرجه أحمد وبن ماجه والنسائي وصححه بن السَّكَنِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَقِيلَ سَبَّحَ وَقِيلَ تَنَحْنَحَ وَمَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَقِيلَ عَنْ عَلِيٍّ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وضعفه غيره ووثقه النسائي وبن حِبَّانَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَمْ يَسْمَعْهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ أَبُوهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
58 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ [370] )
التَّثَاؤُبُ تَنَفُّسٌ يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ مِنَ الِامْتِلَاءِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ
قَوْلُهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ جَعَلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَرَاهِيَةً لَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَ ثِقَلِ(2/306)
الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ وَمَيْلِهِ إِلَى الْكَسَلِ وَالنَّوْمِ فَأُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَى إِعْطَاءِ النَّفْسِ شَهْوَتَهَا وَأَرَادَ بِهِ التَّحْذِيرَ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ فِي الْمَطْعَمِ وَالشِّبَعِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ أَيْ فَتَحَ فَاهُ لِلْكَسَلِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ فَلْيَكْظِمْ بِفَتْحِ يَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لِيَحْبِسْهُ وَلْيُمْسِكْهُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ أَوْ تَطْبِيقِ السِّنِّ وَضَمِّ الشَّفَتَيْنِ مَا اسْتَطَاعَ أَيْ مَا أَمْكَنَهُ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَدِّ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَدِّ عدي بن ثابت فأخرجه بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَا فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّثَاؤُبَ فِي الصَّلَاةِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَوْلُهُ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ (إِنِّي لَأَرُدُّ) أَيْ مِنَ الرَّدِّ أَيْ إِنِّي لَأَدْفَعُ
59 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ)
الْقَائِمِ [371] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنِي عمران بن حصين وكان ميسورا أَيْ كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ(2/307)
قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا) أَيْ مُضْطَجِعًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ لَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَائِمًا كَمَا رَخَّصُوا فِيهَا قَاعِدًا فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولو تَكُنْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ مُدْرَجَةً فِي الْحَدِيثِ قياسا على صلاة القاعدة أو اعتبار بِصَلَاةِ الْمَرِيضِ نَائِمًا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ تَطَوُّعِ الْقَادِرِ عَلَى الْقُعُودِ مُضْطَجِعًا قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ نائما إلا في هذا الحديث وقال بن بَطَّالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ لَا يُصَلِّيهَا الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إِيمَاءً قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهَمُ عَلَى نَاقِلِ الْحَدِيثِ
وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ العراقي فقال
أما نفي الخطابي وبن بَطَّالٍ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ منهما الصحة وعند المالكية ثلاثا أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَحَدُهَا الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارُ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ جَوَازَهُ فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ هَذَا الْخِلَافِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ الِاتِّفَاقُ انْتَهَى
وَقَدِ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى الْفَرْضِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ فَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرِضَ الَّذِي أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ يُكْتَبُ لَهُ جَمِيعُ الأجر لا نصفه
وحمله سفيان الثوري وبن الْمَاجِشُونِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرِضَ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَامَلَ فَيَقُومَ مَعَ مَشَقَّةٍ فَجَعَلَ أَجْرَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ تَرْغِيبًا لَهُ الْقِيَامِ مَعَ جَوَازِ الْقُعُودِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا وَهُوَ حَمْلٌ مُتَّجَهٌ قَالَ فَمَنْ صَلَّى فَرْضًا قَاعِدًا وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ هُوَ وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا سَوَاءً فَلَوْ تَحَامَلَ هَذَا الْمَعْذُورُ وَتَكَلَّفَ الْقِيَامَ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ لِمَزِيدِ أَجْرِ تَكَلُّفِ الْقِيَامِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى ذَلِكَ نَظِيرَ أَجْرِهِ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ أَنَّ أَجْرَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ أَجْرُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ بِغَيْرِ إِشْكَالٍ
قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اقْتِصَارِ الْعُلَمَاءِ فِي حَمْلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ أَنْ لَا تُرَادَ الصُّورَةُ الَّتِي ذكرها الخطابي(2/308)
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهَا فَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ مُحَمَّةٌ فحمى النَّاسُ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ فَقَالَ صَلَاةُ القاعدة مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مُتَابِعٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْمَعْذُورِ فَيُحْمَلُ عَنْ مَنْ تَكَلَّفَ الْقِيَامَ مَعَ مَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَيَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَاعِدًا وقعد في التسبيح في الأرض فأومئ إِيمَاءً قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَاضِي حَلَبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ فَلَمْ أَقِفْ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَالنَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ جَوَازُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ فَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَقِيلَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ انْتَهَى (فَعَلَى جَنْبٍ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنْبِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ على رِجْلَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَالَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْمَرِيضُ بَعْدَ عَجْزِهِ
عَنِ الِاسْتِلْقَاءِ إِلَى حالة أخرى(2/309)
كالإ شارة بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ ثُمَّ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَلَى اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ لِكَوْنِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طهمان الخرساني أَبِي سَعِيدٍ سَكَنَ نَيْسَابُورَ ثُمَّ مَكَّةَ ثِقَةٌ يغرب وتكلم فيه الارجاء وَيُقَالُ رَجَعَ عَنْهُ مِنَ السَّابِعَةِ [372] (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ نَحْوَ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ نَحْوَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ كما فهمه بن الْعَرَبِيِّ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَرُدَّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ تُوَافِقُ الْأُصُولَ وَرِوَايَةَ غَيْرِهِ تُخَالِفُهَا فَتَكُونُ رِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ أَرْجَحَ لِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى التَّرَجُّحِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَإِلَّا فَاتِّفَاقُ الْأَكْثَرِ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ خَالَفَهُمْ تَكُونُ شَاذَّةً وَالْحَقُّ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ كَمَا صَنَعَ الْبُخَارِيُّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ الْحُكْمِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ (عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) وحكاه النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (قَالَ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ صَلَّى صَلَاةَ التَّطَوُّعِ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا) قَالَ الطيبي وهل يجوز أن يصلي التطوع قائما مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ فَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ فَأَجْرُهُ نِصْفُ الْقَاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا قال الطيبي
وقال القارىء وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي حَقِّ الْمُفْتَرِضِ الْمَرِيضِ الَّذِي أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ أَوِ الْقُعُودُ مَعَ شِدَّةٍ وَزِيَادَةٍ فِي الْمَرَضِ انْتَهَى(2/310)
قُلْتُ هَذَا عِنْدِي خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مِثْلُ قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ صَالِحُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ
قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وله شواهد كثيرة
60 - (باب من يَتَطَوَّعُ جَالِسًا [373] )
قَوْلُهُ (عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ) صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ بِهَا وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (صلى في سبحته) السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ نَافِلَتِهِ
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَيُقَالُ لِلذِّكْرِ وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ أَيْضًا وَهِيَ مِنَ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنَ التَّسْخِيرِ وَخُصَّتِ النَّافِلَةُ بِهَا وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَالنَّافِلَةُ شَارَكَتْهَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا) يَعْنِي أَنَّ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ لَهَا أَطْوَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنْهَا إِذَا قُرِئَتْ غَيْرَ مُرَتَّلَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ نَفْسُهَا أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِالتَّرْتِيلِ وَالْإِسْرَاعِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ قُعُودٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عليه وفيه(2/311)
اسْتِحْبَابُ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَفْصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ جَالِسًا فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ لَا شَكَّ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ يُنَافِيَانِ الْقِيَامَ فَالْمُرَادُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَهُوَ نَائِمٌ فَيَخِرُّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَى رُكُوعِهِ وَمِنْ قَوْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ أَيْضًا إِلَى سُجُودِهِ
قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَالْعَمَلُ عَلَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ إِلَخْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يفعل مرة كذا ومرة كذا(2/312)
161 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إني)
لأسمع إلخ [376] قَوْلُهُ (فَأُخَفِّفُ) بَيْنَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَحِلُّ التَّخْفِيفِ وَلَفْظُهُ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ القصيرة وبين بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ مِقْدَارُهَا وَلَفْظُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ فَسَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ فَقَرَأَ بِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (مَخَافَةَ أَنْ تَفْتَتِنَ أُمُّهُ) مِنَ الِافْتِتَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ تُفْتَنَ مِنَ الْفِتْنَةِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ تَلْتَهِيَ عَنْ صَلَاتِهَا لِاشْتِغَالِ قَلْبِهَا بِبُكَائِهِ زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ أَوْ تَتْرُكَهُ فَيَضِيعَ انْتَهَى وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أي خوفا من افتتان أمه قال بن بَطَّالٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِطَالَةُ الرُّكُوعِ إِذَا سَمِعَ بِحِسٍّ دَاخِلٍ لِيُدْرِكَهُ وتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ التَّخْفِيفَ نَقِيضُ التَّطْوِيلِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ أَنَّ فِيهِ مُغَايَرَةً لِلْمَطْلُوبِ لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ مَشَقَّةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لِأَجْلِ وَاحِدٍ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَبِذَلِكَ قَيَّدَهُ أحمد وإسحاق وأبو ثور وما ذكره بن بَطَّالٍ سَبَقَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إِذَا جاز التخفيف لِحَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا كَانَ(2/313)
التَّطْوِيلُ لِحَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدِّينِ أَجْوَزَ وَتَعَقَّبَهُ القرطبي بأن في التطويل ها هنا زِيَادَةَ عَمَلٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَطْلُوبٍ بِخِلَافِ التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ انْتَهَى وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَتَفْصِيلٌ
وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ عَنِ المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للحاملي نَقَلُ كَرَاهِيَتِهِ عَنِ الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ شِرْكًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ
62277277277
277 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تقبل صلاة الحائض إِلَّا بِخِمَارٍ [377] )
قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الْحَائِضِ الْمُرَادُ مِنَ الْحَائِضِ مَنْ بَلَغَ سِنَّ الْمَحِيضِ لَا مَنْ هِيَ مُلَابِسَةُ الْمَحِيضِ فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِخِمَارٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ هُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ رَأْسُ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخِمَارُ بِالْكَسْرِ النَّصِيفُ كَالْخِمِرِّ كَطِمِرٍّ وَكُلُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارُهُ جَمْعُهُ أَخْمِرَةٌ وَخُمْرٌ وَخُمُرٌ وَقَالَ نَصِيفٌ كَأَسِيرِ الْخِمَارِ وَالْعِمَامَةِ وَكُلِّ مَا غَطَّى الرَّأْسَ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا حَالَ الصَّلَاةِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَنَفْيُ الْقَبُولِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَفْيُ الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْقَبُولُ وَيُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ فَإِذَا نُفِيَ كَانَ نَفْيًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ لَا نَفْيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ(2/314)
صَلَاةَ الْآبِقِ وَلَا مَنْ فِي جَوْفِهِ خَمْرٌ كَذَا قِيلَ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي رِسَالَةِ الْإِسْبَالِ وَحَوَاشِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ يُلَازِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِيَ زِينَتَهَا
وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتِ الْحَيْضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِإِسْنَادِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (إِذَا أَدْرَكَتْ) أَيْ بَلَغَتْ وَصَارَتْ مكلفة
قول (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ قِيلَ إِنْ كَانَ ظَهْرُ قَدَمَيْهَا مَكْشُوفًا فَصَلَاتُهَا جَائِزَةٌ) لَكِنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ تَغْطِيَةِ ظُهُورِ قَدَمَيْهَا وَلَفْظُهُ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ بِغَيْرِ إِزَارٍ قَالَ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ
وَقَفَهُ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَلَهُ حكم الرفع وإن كان موقوفا وإذا الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا وَلَفْظُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ المرأة رأسها حال الصلاة
واستدل بن مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْعَوْرَةِ لِعُمُومِ ذِكْرِ الْحَائِضِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ بَيْنَ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَجَعَلُوا عَوْرَةَ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي حَدِيثِ وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا بِلَفْظِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا
قالوا(2/315)
وَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا صَرَّحَ بِبَيَانِهِ فِي الْحَدِيثِ
وَقَالَ مَالِكٌ الْأَمَةُ عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ حَاشَا شَعْرِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَكَأَنَّهُ رَأَى العمل في الحجاز على كشف الاماء لرؤوسهن هكذا حكاه عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فَقِيلَ جَمِيعُ بَدَنِهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَالِكٌ وَقِيلَ وَالْقَدَمَيْنِ وَمَوْضِعَ الْخَلْخَالِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاسِمُ فِي قَوْلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَقِيلَ بَلْ جَمِيعُهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وداود وَقِيلَ جَمِيعُهَا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ
وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا وَقَعَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا مَا ظهر منها) وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ صَالِحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ كَمَا قِيلَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ انْتَهَى
63 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ [378] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ) بْنُ عُقْبَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ السُّوَائِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ أَبُو عَامِرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ (عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَبُو قُرَّةَ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قُلْتُ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ عطاء) هو بن أَبِي رَبَاحٍ
قَوْلُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ قال في النيل قال قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ السَّدْلُ إِسْبَالُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ جَانِبَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ ضَمَّهُ فَلَيْسَ بِسَدْلٍ
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبِهِ وَيُدْخِلَ يَدَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ فَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَهُوَ كَذَلِكَ
قَالَ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ
قَالَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الْإِزَارِ عَلَى رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ طَرَفَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ(2/316)
وَشِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ سَدَلَ ثَوْبَهُ يَسْدُلُهُ بِالضَّمِّ سَدْلًا أَيْ أَرْخَاهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ السَّدْلُ إِرْسَالُ الثَّوْبِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا السَّدْلُ وَالْإِسْبَالُ وَاحِدٌ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بالسدل سدل الشعر ومنه حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَدَلَتْ قِنَاعَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أَيْ أَسْبَلَتْهُ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي إِنْ كَانَ السَّدْلُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهَا وَحَمْلُ الْمُشْتَرِكُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْقَوِيُّ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ أَبُو داود وبن حِبَّانَ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ لِتَفَرُّدِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ
قَالَ الْخَلَّالُ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحِ الْإِسْنَادِ وَقَالَ عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ غَيْرُ مُحْكَمِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ والبخاري واخرون وذكره بن حبان في الثقات وقال يخطىء وَيُخَالِفُ عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَعِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَطَاءٍ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَتَرْكُ يَحْيَى لَهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لقوله إنه كان قدريا وقد قال بن عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ شَارَكَهُ في الرواية عن عطاء عن الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ نَظَرٌ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ حديث الباب في سننه بإسناده عن بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَالْمُشَارِكُ لِعِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ لَا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إِلَى طَرِيقِ عِسْلِ بن سفيان ثم ذكر بإسناده عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ انْتَهَى
فَحَدِيثُ الْبَابِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ ضَعِيفٌ
قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ عِنْدِي لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا عِسْلَ بْنَ سُفْيَانَ وَهُوَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ كَمَا عَرَفْتَ وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ(2/317)
الْأَحْوَلُ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مُتَابَعَةِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ مَا لَفْظُهُ وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثقات إلا البكراوي فإنه ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَكَأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَسَّنَ الرأي فيه وروى عنه
قال بن عَدِيٍّ وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ سَدَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَضَمَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَطَعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَطَفَهُ
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ انْتَهَى
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ فَكَرِهَ بَعْضُهُمُ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا هَكَذَا تَصْنَعُ اليهود وأخرج الخلال في العلل وأبي عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ خَرَجَ فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَدْ سَدَلُوا ثِيَابَهُمْ فَقَالَ كَأَنَّهُمُ الْيَهُودُ خرجوا من قهرههم قال أبو عبيد هو موضع مدارسهم الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ
قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَالْقُهْرُ بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الَّذِي يَجْتَمِعُونَ وَذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ فِي الْفَاءِ لَا فِي الْقَافِ كَذَا فِي النَّيْلِ (قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَأَمَّا إِذَا سَدَلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَلَا بَأْسَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَالْحَدِيثُ مطلق (وكره بن الْمُبَارَكِ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ مُطْلَقًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَعْنَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ وكرهه بن عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وبن سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنِ التَّحْرِيمِ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ لِعَدَمِ وِجْدَانِ صَارِفٍ لَهُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/318)
164 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ [379] )
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ) قَالَ النَّسَائِيُّ لَمْ نَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ وَقَدِ انْفَرَدَ الزُّهْرِيُّ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ عند المصنف وعند بن مَاجَهْ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ أَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْأَحْوَصِ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ وَغِفَارٍ مَقْبُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ
قَوْلُهُ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ أَيْ إِذَا دَخَلَ فِيهَا فَلَا يَمْسَحِ الْحَصَى هِيَ الْحِجَارَةُ الصَّغِيرَةُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ عَلَى فُرُشِ مَسَاجِدِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الدُّخُولُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ مَسْحِ الْحَصَى إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُهُ حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَإِنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ دُونَ مَسْحِهِ عِنْدَ الْقِيَامِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يُرِيدُ بِمَسْحِ الْحَصَى تَسْوِيَتَهُ لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَيُسَوِّي فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ انْتَهَى (فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) أَيْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَتُقْبِلُ إِلَيْهِ
هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَسْحِ أَنْ لَا يَشْغَلَ خَاطِرَهُ بِشَيْءٍ يُلْهِيهِ عَنِ الرَّحْمَةِ الْمُوَاجِهَةِ لَهُ فَيَفُوتَهُ حَظُّهُ مِنْهَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُغَطِّيَ شَيْئًا مِنَ الْحَصَى بِمَسْحِهِ فَيَفُوتَهُ السُّجُودُ عليه
رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ إِذَا سَجَدْتَ فَلَا تَمْسَحِ الْحَصَى فَإِنَّ كُلَّ حَصَاةٍ تُحِبُّ أَنْ يُسْجَدَ عَلَيْهَا
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ عنها بالحصباء وسواه إلا أن يكون لحاجة كتعديل موضح السُّجُودِ أَوْ إِزَالَةِ مُضِرٍّ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ وَغَيْرُهُ يَكْرَهُهُ انْتَهَى(2/319)
[380] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد اللَّهِ وَقِيلَ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (عَنْ مُعَيْقِيبٍ) بِقَافٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مُصَغَّرًا بن فَاطِمَةَ الدَّوْسِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مِنَ السَّابِقِينَ وَالْأَوَّلِينَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ وَوَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ لِعُمَرَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ
قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمَرَّةً وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ فَافْعَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ الْإِذْنُ بِمَسْحِ الْحَصَى مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْحَاجَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحُذَيْفَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُعَيْقِيبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أيضا أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ تخرجه وَلَعَلَّ التِّرْمِذِيُّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَحَكَى النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ مسح(2/320)
الْحَصَى وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ انْتَهَى
65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ [381] )
النَّفْخُ إِخْرَاجُ الرِّيحِ مِنَ الْفَمِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ) الْأَعْوَرُ الْقَصَّابُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هُوَ مَوْلَاهَا وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ لَا يعرف
وقاله المزي في التهذيب اسمه زاذن وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى طَلْحَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ يُقَالُ اسْمُهُ زَاذَانُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (إِذَا سَجَدَ نَفَخَ) أَيْ فِي الْأَرْضِ لِيَزُولَ عَنْهَا التُّرَابُ فَيَسْجُدُ تَرِّبْ وَجْهَكَ مِنَ التَّتْرِيبِ أَيْ أَوْصِلْهُ إِلَى التُّرَابِ وَضَعْهُ عَلَيْهِ وَلَا تُبْعِدْهُ عَنْ مَوْضِعِ وَجْهِكَ بِالنَّفْخِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ فَإِنَّ إِلْصَاقَ التُّرَابِ بِالْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْضَاءِ غَايَةُ التَّوَاضُعِ
قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَبِهِ نَأْخُذُ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا سَتَعْرِفُ(2/321)
[382] قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ وَمَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ أَحْمَدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ
كَذَا فِي الْمِيزَانِ
قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ) أَيِ اسْتَأْنَفَ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَرِّبْ وَجْهَكَ اسْتِحْبَابَ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ نَحْوُ النَّهْيِ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى
قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ وَبُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا
وَثَبَتَ كَرَاهَةُ النَّفْخِ عن بن عباس كما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالرُّخْصَةُ فِيهِ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا إِنَّ النَّفْخَ كَلَامٌ وَاحْتَجُّوا عَلَى كَوْنِ النَّفْخِ كلاما بأثر بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سننه وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ النَّفْخُ كَلَامًا
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي السُّجُودِ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّفْخِ فِي السُّجُودِ وَعَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ خَالِدَ بْنَ إِلْيَاسَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْفُخَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي شَرَابِهِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَفَعَهُ قَالَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ يَنْفُخَ الرَّجُلُ فِي سُجُودِهِ الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَادِهِ خَالِدُ بْنُ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَجَابُوا بِمَنْعِ كَوْنِ النَّفْخِ مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَرَكِّبٌ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُعْتَمِدَةِ عَلَى الْمَخَارِجِ وَلَا اعْتِمَادَ فِي النَّفْخِ وَأَيْضًا الْكَلَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ هُوَ الْمُكَالَمَةُ قَالُوا وَلَوْ سلم(2/322)
صَدَقَ اسْمُ الْكَلَامِ عَلَى النَّفْخِ كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ لَكَانَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ كَذَا فِي النَّيْلِ
66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ [382] )
الْمُرَادُ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ
قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا) قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قد فسره بن أبي شيبة في روايته فقال قال بن سِيرِينَ هُوَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِصَارِ قِرَاءَةُ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ من اخر السورة وقيل إن بحذف الطُّمَأْنِينَةَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُمَا مِنَ الاختصار ممكنا لكن رواية الخصر وَالْخَصْرِ تَأْبَاهُمَا
وَقِيلَ الِاخْتِصَارُ أَنْ يَحْذِفَ الْآيَةَ التي فيها السجدة إذا أمر بِهَا فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ لِتِلَاوَتِهَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَمْسِكَ بِيَدِهِ مِخْصَرَةً أَيْ عَصًا يتوكأ عليها في الصلاة وأنكر هذا بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَأَبْلَغَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ بن عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتِي فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الِاخْتِصَارَ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ(2/323)
ص 237 ج 3 اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْخَصْرِ فِي الصلاة فكرهه بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ (وَالِاخْتِصَارُ هُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ فِي الصَّلَاةِ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ
فَائِدَةٌ اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ ذلك فقيل لأن إبليس أهبط متخصرا
أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ مَوْقُوفًا وَقِيلَ لِأَنَّ الْيَهُودَ تُكْثِرُ مِنْ فِعْلِهِ فَنَهَى عَنْهُ كَرَاهَةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِمْ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَائِشَةَ زَادَ بن أَبِي شَيْبَةَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ
وَقِيلَ لِأَنَّهُ رَاحَةُ أَهْلِ النار أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْحَقْوِ اسْتِرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ صِفَةُ الرَّاجِزِ حِينَ يُنْشِدُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْمَصَائِبِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَمِيعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ إِذَا مَشَى يَمْشِي مُخْتَصِرًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ
67 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهة كَفِّ الشَّعْرِ فِي الصَّلَاةِ [384] )
الْكَفُّ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ
قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ أَخُو أَيُّوبَ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) ثِقَةٌ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ(2/324)
بِأَرْبَعِ سِنِينَ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ هُرْمُزُ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ وَقَدْ عَقَصَ ضَفْرَتَهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْعَقْصُ جَمْعُ الشَّعْرِ وَسْطَ رَأْسِهِ أَوْ لَفُّ ذَوَائِبِهِ حَوْلَ رَأْسِهِ كَفِعْلِ النِّسَاءِ وَقَالَ فِيهِ أَصْلُ الْعَقْصِ اللَّيُّ وَإِدْخَالُ أَطْرَافِ الشَّعْرِ فِي أُصُولِهِ انْتَهَى
وَفِي رِوَايَةِ أبي داود وقد غرز ضفره أي لو ى شَعْرَهُ وَأَدْخَلَ أَطْرَافَهُ فِي أُصُولِهِ وَالْمُرَادُ مِنَ الضَّفْرِ الْمَضْفُورُ مِنَ الشَّعْرِ وَأَصْلُ الضَّفْرِ الْفَتْلُ وَالضَّفِيرُ وَالضَّفَائِرُ هِيَ الْعَقَائِصُ الْمَضْفُورَةُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (فِي قَفَاهُ) الْقَفَا بِالْفَارِسِيَّةِ يس سر يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (فَحَلَّهَا) أَيْ أَطْلَقَ ضَفَائِرَهُ الْمَغْرُوزَةَ فِي قفاه (مغضبا) بفتح الضاد (ذلك) أي الظفر الْمَغْرُوزَ (كِفْلُ الشَّيْطَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ مَوْضِعُ قُعُودِ الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ يَعْنِي مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ يَعْنِي مَغْرِزَ ضَفْرِهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا الْكِفْلُ فَأَصْلُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْكِسَاءَ عَلَى سَنَامِ الْبَعِيرِ ثُمَّ يَرْكَبَ قَالَ الشَّاعِرُ
وَرَاكِبٌ عَلَى الْبَعِيرِ مُكْتَفِلٌ يَحْفَى عَلَى آثَارِهَا وَيَنْتَعِلُ
وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِإِرْسَالِ الشَّعْرِ لِيَسْقُطَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ صَاحِبُهُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَسْجُدَ مَعَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أما حديث أم سلمة فأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا
وَفِي الْبَابِ أيضا عن بن مسعود أخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَعَنْ جَابِرٍ أخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ(2/325)
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ شَعْرَهُنَّ عَوْرَةٌ يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا نَقَضَتْهُ رُبَّمَا اسْتَرْسَلَ وَتَعَذَّرَ سَتْرُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَأَيْضًا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهَا فِي نَقْضِهِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ رَخَّصَ لَهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في أَنْ لَا يَنْقُضْنَ ضَفَائِرَهُنَّ فِي الْغُسْلِ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى بَلِّ جَمِيعِ الشَّعْرِ
68 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّخَشُّعِ فِي الصَّلَاةِ [385] )
التَّخَشُّعُ هُوَ السُّكُونُ وَالتَّذَلُّلُ قِيلَ وَالْخُشُوعُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ إِلَّا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْخُشُوعَ فِي الْبَصَرِ وَالْبَدَنِ وَالصَّوْتِ وَقِيلَ الْخُضُوعُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخُشُوعُ فِي الْبَاطِنِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ (الْعَمْيَاءِ) مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ وَرُبَّمَا قيل بن النَّافِعِ بْنُ الْعَمْيَاءِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ رَوَى عَنْهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ حَدِيثَهُ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَتَضَرُّعٌ وَتَخَشُّعٌ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى قِيلَ الصَّلَاةُ مُبْتَدَأٌ وَمَثْنَى مَثْنَى خَبَرُهُ وَالْأَوَّلُ تَكْرِيرٌ وَالثَّانِي تَوْكِيدٌ (تَشَهَّدٌ في كل ركعة) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ كَالْبَيَانِ لِمَثْنَى مَثْنَى أَيْ ذَاتُ تَشَهُّدٍ وَكَذَا الْمَعْطُوفَاتُ وَلَوْ جُعِلَتْ أَوَامِرَ اخْتَلَّ النَّظْمُ وَذَهَبَ الطَّرَاوَةُ وَالطَّلَاوَةُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ فِيهِنَّ بِالتَّنْوِينِ لَا غَيْرَ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالرِّوَايَةِ يَسْرُدُونَهَا عَلَى الْأَمْرِ وَنَرَاهَا تَصْحِيفًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَفْعَالٌ مُضَارَعَةٌ حُذِفَ مِنْهَا إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنْ تَتَشَهَّدَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ(2/326)
الرِّوَايَاتِ بِالتَّنْوِينِ فِيهَا عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ انْتَهَى (وَتَخَشُّعٌ) التَّخَشُّعُ السُّكُونُ وَالتَّذَلُّلُ وَقِيلَ الْخُشُوعُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ إِلَّا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْخُشُوعَ فِي الْبَصَرِ وَالْبَدَنِ وَالصَّوْتِ وَقِيلَ الْخُضُوعُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخُشُوعُ فِي الْبَاطِنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَالْخُشُوعُ مِنْ كَمَالِ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خاشعون قال القارىء وَفِي قَوْلِهِ تَخَشُّعٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُشُوعٌ فَيَتَكَلَّفُ وَيَطْلُبُ مِنْ نَفْسِهِ الْخُشُوعَ وَيَتَشَبَّهُ بِالْخَاشِعِينَ (وَتَضَرُّعٌ) فِي النِّهَايَةِ التَّضَرُّعُ التَّذَلُّلُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي السُّؤَالِ وَالرَّغْبَةِ يُقَالُ ضَرَعَ يَضْرَعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَتَضَرَّعَ إِذَا خَضَعَ وذل (وتمسكن) قال بن الْمَلَكِ التَّمَسْكُنُ إِظْهَارُ الرَّجُلِ الْمَسْكَنَةَ مِنْ نَفْسِهِ
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ للمصلي تبأس وَتَمَسْكُنٌ أَنْ تَذِلَّ وَتَخْضَعَ وَهُوَ تَمَفْعُلٌ مِنَ السُّكُونِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ تَسَكُّنٌ وَهُوَ الْأَكْثَرُ الْأَفْصَحُ وَقَدْ جَاءَ عَلَى الْأَوَّلِ أَحْرُفٌ قَلِيلَةٌ قَالُوا تَمَدْرُعٌ وَتَمَنْطُقٌ وَتَمَنْدُلٌ انْتَهَى (وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ) مِنْ إِقْنَاعِ الْيَدَيْنِ رَفْعُهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَمِنْهُ قوله تعالى مقنعي رؤوسهم أَيْ تَرْفَعُ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَدَيْكَ لِلدُّعَاءِ فَعُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَسَلِّمْ ثُمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ سَائِلًا حَاجَتَكَ فَوَضَعَ الْخَبَرَ مَوْضِعَ الطَّلَبِ
قَالَ الْمُظَهَّرُ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ جَعَلْتَهَا أَوَامِرَ وَعَطَفْتَ أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ وَقَطَعْتَ تَشَهَّدْ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِاخْتِلَافِ الْخَبَرِ وَالطَّلَبِ لَكَانَ لَكَ مَنْدُوحَةٌ عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ
قُلْتُ حِينَئِذٍ خَرَجَ الْكَلَامُ الْفَصِيحُ إِلَى التَّعَاظُلِ فِي التركيب وهو مذموم
وذكر بن الْأَثِيرِ أَنَّ تَوَارُدَ الْأَفْعَالِ تَعَاظُلٌ وَنَقَلْنَا عَنْهُ فِي التِّبْيَانِ شَوَاهِدَ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُهُ تَعَاظُلٌ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ فَفِي الْقَامُوسِ تَعَظَّلُوا عَلَيْهِ اجْتَمَعُوا وَيَوْمُ الْعُظَالَى كَحُبَارَى مَعْرُوفٌ لِأَنَّ النَّاسَ رَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ لِأَنَّهُ رَكِبَ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ دَابَّةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (يَقُولُ) أَيِ الرَّاوِي مَعْنَاهُ (تَرْفَعُهُمَا) أَيْ لِطَلَبِ الْحَاجَةِ (إِلَى رَبِّكَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُقْنِعُ وَقِيلَ يَقُولُ فَاعِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْفَعُهُمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ (مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ اسْتِعَاذَةً (وَتَقُولُ يَا رَبِّ يا رب) الظاهر أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْرَارِ التَّكْثِيرُ (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي الصَّلَاةِ (فَهُوَ) أَيْ فِعْلُ صَلَاتِهِ (كَذَا وَكَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ صَلَاتَهُ نَاقِصَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى) أَعْنِي قوله فهو(2/327)
خداج (وقال غير بن الْمُبَارَكِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ مَكَانَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ خِدَاجٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَاقِصٌ قِيلَ تَقْدِيرُهُ فَهُوَ ذَاتُ خِدَاجٍ أَيْ صَلَاتُهُ ذَاتُ خِدَاجٍ أَوْ وَصْفُهَا بِالْمَصْدَرِ نَفْسِهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَفِي الْفَائِقِ الْخِدَاجُ مَصْدَرُ خَدَجَتِ الْحَامِلُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ وَقْتِ النِّتَاجِ فَاسْتُعِيرَ وَالْمَعْنَى ذَاتُ نُقْصَانٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَفِي النِّهَايَةِ وَصْفُهَا بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةٌ كَقَوْلِهِ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخِدَاجِ بِالْبَسْطِ فَتَذَكَّرْ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب والخداج معناه ها هنا النَّاقِصُ فِي الْأَجْرِ وَالْفَضِيلَةِ انْتَهَى فَتَفَكَّرْ
قَوْلُهُ (فَأَخْطَأَ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ مِنَ الْإِسْنَادِ (فَقَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا (قَالَ مُحَمَّدٌ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُغَلِّطُونَ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ وَخَطَّأَ شُعْبَةَ وَصَوَّبَ لَيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَتَرَدَّدَ فِي ثُبُوتِهِ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ قال ورواه أبو داود وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عن بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ انْتَهَى
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
قُلْتُ مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ
وقال البخاري لم يصح حديثه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ(2/328)
169 - (باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ [386] )
التَّشْبِيكُ إِدْخَالُ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ
قَوْلُهُ (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ) بِمُرَاعَاةِ السُّنَنِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَتَصْحِيحِ النِّيَّةِ (ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ (عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ) أَيْ قَاصِدًا إِلَيْهِ (فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أَيْ لَا يُدْخِلَنَّ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ (فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ) أَيْ حُكْمًا
وَالْحَدِيثُ فِيهِ كَرَاهَةُ التَّشْبِيكِ مِنْ وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُكْتَبُ لِقَاصِدِ الصَّلَاةِ أَجْرُ الْمُصَلِّي مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ
قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ يُفِيدُ عَدَمَ التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادر انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ عَارَضَ حَدِيثَ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ مَا فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي تَشْبِيكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بِلَفْظِ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَعِنْدَ البخاري من حديث بن عُمَرَ قَالَ شَبَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ تَشْبِيكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ وَلِذَلِكَ وَقَفَ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ
وَتَشْبِيكُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَقَعَ لِقَصْدِ التَّشْبِيهِ لِتَعَاضُدِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ
كَمَا أَنَّ البيان المشبك بعضه بعض يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْبِيكِ لِلْعَبَثِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَمُقَدِّمَاتِهَا وَلَوَاحِقِهَا مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهِ أَوْ يَجْمَعُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ نَادِرًا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ وَلَا يَرْفَعُ الْكَرَاهَةَ وَلَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَفْعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مَكْرُوهًا
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّشْبِيكِ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ خَاصَّةٍ بِالْأُمَّةِ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِهِمْ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ انْتَهَى كَلَامُ الشوكاني(2/329)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَوَاهُ غَيْرُ واحد عن بن عجلان مثل حديث الليث) والحديث أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
قَالَ مَيْرَكُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ مُسَمًّى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ لَكِنَّ لَهُ شَاهِدًا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيد ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وحديث كعب بن عجرة أخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَقَدْ كَنَّى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الرَّجُلَ الْمَجْهُولَ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ الْخَيَّاطُ عَنْ كَعْبٍ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَخْرَجَ لَهُ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى (وَحَدِيثُ شَرِيكٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) لِأَنَّ شَرِيكًا قَدْ خَالَفَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وغير واحد في روايته عن بن عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ وَكَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ
وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَدْ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا
70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ [387] )
قَوْلُهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ هُوَ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ وَالْمُرَادُ هُنَا طُولُ الْقِيَامِ قَالَ النَّوَوِيُّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقِيَامِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنَ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ(2/330)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ الْيَاءِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ
الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ
وَأَمَّا حديث أنس وأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ
71 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الرُّكُوعِ والسجود [388] )
قوله (حدثنا أبو عمار) أسمه الحسين بْنُ حُرَيْثِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيُّ الْمَرْوَزِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَنْهُ خ م د ت س د بِالْإِجَازَةِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ رَاجِعًا مِنَ الْحَجِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ويقال بن طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ شَامِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
(قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ ثَوْبَانُ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ (فَسَكَتَ عَنِّي مَلِيًّا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَلِيُّ الطَّائِفَةُ مِنَ الزَّمَانِ لَا حَدَّ لَهَا(2/331)
يُقَالُ مَضَى مَلِيٌّ مِنَ النَّهَارِ وَمَلِيٌّ مِنَ الدَّهْرِ أَيْ طَائِفَةٌ مِنْهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ (وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ) قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي بِهِ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(فَقَالَ عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً إِلَخْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ السُّجُودِ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِهِ السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَبُ الْحَثِّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَنَّ أَقْرَبَ ما يكون مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تعالى واسجد واقترب كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ السُّجُودَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِيَامِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ قَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي فَاطِمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي فَاطِمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فِي كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ طُولُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ
قال(2/332)
الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ وَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جَابِرٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ السُّجُودِ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ الدَّالَّةِ عَلَى التَّفْضِيلِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي فَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَضْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلِيَّتُهُمَا عَلَى طُولِ الْقِيَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِرْسَالِهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ أَقْرَبَ إِلَى رَبِّهِ حَالَ سُجُودِهِ أَفْضَلِيَّتُهُ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ محمولة على صلاة النفل التي لا نشرع فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَعَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فَأَمَّا الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّخْفِيفِ الْمَشْرُوعِ إِلَّا إِذَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ الْمَحْصُورِينَ إِيثَارُ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ مِنْ بُكَاءِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّطْوِيلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ صَلَاتُهُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ القيام وممن قال بذلك بن عُمَرَ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في هَذَا حَدِيثَانِ وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ) بَلْ تَوَقَّفَ فِيهِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ أَمَّا بِالنَّهَارِ فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ (وَأَمَّا بِاللَّيْلِ فَطُولُ الْقِيَامِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَهُ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ أَيْ جُزْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُومُ بِهِ فِي اللَّيْلِ (فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى جُزْئِهِ وَقَدْ رَبِحَ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُومُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ جُزْأَهُ وَيَرْبَحُ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَالَ أَبُو عِيسَى وإنما قال إسحاق(2/333)
هذا لأنه كذا وصف) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُصِفَ طُولُ الْقِيَامِ إِلَخْ) وَكَذَا وَجَّهَ بن عَدِيٍّ قَوْلَ إِسْحَاقَ وَلَفْظَهُ عَلَى مَا نَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ بِطُولِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُوصَفْ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِاللَّيْلِ انتهى
72 - (باب ما جاء في قتل الأسودين فِي الصَّلَاةِ [390] )
الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ
قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ) الْهُنَائِيِّ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَمْدُودًا ثِقَةٌ كَانَ لَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا سَمَاعٌ والآخر إرسال فحديث الكوفيين عنه شَيْءٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وقال النسائي ليس به بأس وقال بن حبان كان متقنا ظابطا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ ويقال بن الْحَارِثِ بْنِ جَوْسٍ الْيَمَامِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) بَيَانٌ لِلْأَسْوَدَيْنِ وَتَسْمِيَةُ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ بِالْأَسْوَدَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَلَا يُسَمَّى بِالْأَسْوَدِ فِي الْأَصْلِ إلا الحية
قوله (وفي الباب عن بن عباس وأبي رافع) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي رافع فأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْدَلٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وفي الباب عن بن عُمَرَ عَنْ إِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عنه الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصد في ضعفه وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَذَكَرَ(2/334)
صَاحِبُ الْمُنْتَقَى هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الحديث نقله بن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَتَبِعَهُ الْمِزِّيُّ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَالَّذِي فِي النُّسَخِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَمْ يَرْتَفِعْ إِلَى الصِّحَّةِ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ أَنَّ نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَالَ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أوهم بقتلها فعلي بن أبي طالب وبن عمر
روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ رَأَى رِيشَةً وَهُوَ يُصَلِّي فَحَسِبَ أَنَّهَا عَقْرَبٌ فَضَرَبَهَا بِنَعْلِهِ
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَقَالَ فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ حَسِبْتُ أَنَّهَا عَقْرَبٌ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى
(وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ (إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا) كَذَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لَكَ فَلَا تَقْتُلْهَا
وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا بَلَغَ إِلَى حَدِّ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَالْهَادَوِيَّةِ وَالْكَارِهُونَ لَهُ كَالنَّخَعِيِّ بِحَدِيثِ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا
وَبِحَدِيثِ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ
عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذَكَرُوهُ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ فِعْلٍ كَثِيرٍ وَرَدَ الْإِذْنُ بِهِ كَحَدِيثِ حَمْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَامَةَ
وَحَدِيثِ خَلْعِهِ لِلنَّعْلِ وَحَدِيثِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنُزُولِهِ لِلسُّجُودِ وَرُجُوعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَدِيثِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَرْءِ الْمَارِّ وَإِنْ أَفْضَى إِلَى الْمُقَاتَلَةِ وَحَدِيثِ مَشْيِهِ لِفَتْحِ الْبَابِ وَكُلِّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْمَنْعِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِضَرْبَةٍ أَوْ ضَرْبَتَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَاكَ لِلْحَيَّةِ ضَرْبَةٌ أَصَبْتَهَا أم أخطأتها وهذا يوم التَّقْيِيدِ بِالضَّرْبَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وُقُوعَ الْكِفَايَةِ بِهَا فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ
فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَأَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا امْتَنَعَتْ بِنَفْسِهَا عِنْدَ الْخَطَأِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ(2/335)
قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الْأُولَى وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَفِي مَعْنَى الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ كُلُّ ضِرَارٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَالزَّنَابِيرِ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي النَّيْلِ
73 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السلام [391] )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ السَّهْوُ الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ وَذَهَابُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِهِ
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ دَقِيقٌ وَهُوَ أَنَّ السَّهْوَ أَنْ يَنْعَدِمَ لَهُ شُعُورٌ وَالنِّسْيَانُ لَهُ فِيهِ شعور
قوله (عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ وَأَمَّا بُحَيْنَةُ فَهِيَ أُمُّهُ فَاسْمُ أَبِيهِ مَالِكٌ وَاسْمُ أُمِّهِ بُحَيْنَةُ (الْأَسْدِيِّ) بِسُكُونِ السِّينِ وَالْأَسْدُ وَالْأَزْدُ وَاحِدٌ
وَبُحَيْنَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءُ التَّصْغِيرِ وَنُونٌ وَهِيَ أُمُّهُ وَأَبُوهُ مَالِكُ بْنُ الْقِشْبِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ المنصف وَأَبِي دَاوُدَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ
كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ (فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ) قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ السَّلَامُ لِتَحْلِيلٍ مِنَ الصَّلَاةِ كَانَ الْمُصَلِّي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ كَمَنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ في رواية بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْأَعْرَجِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ لِوُضُوحِهِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ) وفي رواية بن مَاجَهْ فَكَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ سَلَّمَ (وَهُوَ جَالِسٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ سَجَدَ أَيْ أَنْشَأَ السُّجُودَ جَالِسًا (قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي كَوْنِ جَمِيعِهِ كَذَلِكَ نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ بَعْدَ(2/336)
السَّلَامِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُسْتَنَدِهِمْ (وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ خَاصٌّ بِالسَّهْوِ فَلَوْ تعمد ترك شيء مما يخبر بِسُجُودِ السَّهْوِ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَنَاسٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو دَاوُدَ هَذَا هُوَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) وأما عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ رَوَى عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ بُنْدَارٌ وَغَيْرُهُ قال بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا بأس به وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كَانَ مُتْقِنًا فِي الحديث قدريا غير واعية إليه (قال أَخْبَرَنَا هِشَامٌ) هُوَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ سَنْبَرٍ الدَّسْتَوَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَقَالَ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثقة
قوله (أن أبا هريرة والسائب القارىء كَانَا يَسْجُدَانِ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ فِيمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ كُلَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَالَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن بُحَيْنَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) بَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ كُلَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّنْ رَأَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ(2/337)
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى (وَيَقُولُ) أَيِ الشَّافِعِيُّ (هَذَا النَّاسِخُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَيُذْكَرُ أَنَّ آخِرَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى هَذَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِرِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ
قَالَ وَصُحْبَةُ مُعَاوِيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ ثُمَّ قَالَ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ نَقُولَ أَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ الَّذِي فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ فَلَا يَقَعُ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ قَوْلًا وَفِعْلًا فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً ثَابِتَةً فَفِيهَا نَوْعُ تَعَارُضٍ غَيْرَ أَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِرِوَايَةٍ مَوْصُولَةٍ صَحِيحَةٍ وَالْأَشْبَهُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ
وَرِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَازِمِيُّ أَخْرَجَهَا هُوَ بِلَفْظِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَلَّى بِهِمْ فَنَسِيَ وَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فإنه يسجد سجدتين السهو قبل السلام على حديث بن بُحَيْنَةَ) يَأْتِي تَحْرِيرُ مَذْهَبِهِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ (وعبد الله بن بحينة) هو وعبد الله بن مالك بالتنوين (بن بُحَيْنَةَ) بِالْأَلِفِ (مَالِكٌ أَبُوهُ وَبُحَيْنَةُ أُمُّهُ) فَيَجِبُ أن يكتب ألف بن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن بن بُحَيْنَةَ نَعْتٌ لِعَبْدِ اللَّهِ لَا لِمَالِكٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بُحَيْنَةُ اسْمُ أُمِّهِ أَوْ أُمِّ أَبِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بن بُحَيْنَةَ بِأَلِفٍ انْتَهَى
(فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْجُدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ طَائِفَةٌ رَأَتِ السُّجُودَ كُلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَمِمَّنْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ(2/338)
الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ انْتَهَى
وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا فِي كَوْنِ جَمِيعِهِ كَذَلِكَ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْجُدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِلَخْ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّنْ رَأَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَتْ زِيَادَةٌ في الصلاة فبعد السلام وإذا كان نقصانا فَقَبْلَ السَّلَامِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وزعم بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ قَالَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِ لِأَنَّهُ فِي النَّقْصِ جَبْرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من أصل الصلاة وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ وَادِّعَاءِ النَّسْخِ وَيَتَرَجَّحُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا كَانَتِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةً وَكَانَ الحكم على وقفها كَانَتْ عِلَّةً فَيَعُمُّ الْحُكْمُ جَمِيعَ مَحَالِّهَا فَلَا تُخَصَّصُ إِلَّا بِنَصٍّ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ كَوْنَ السُّجُودِ فِي الزِّيَادَةِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ جَبْرٌ أَيْضًا لِمَا وَقَعَ مِنَ الْخَلَلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فَهُوَ نَقْصٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجُودَ السَّهْوِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرَجِّحْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إِلَى فَرْقٍ صَحِيحٍ
وَأَيْضًا فَقِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ وَقَعَ السُّجُودُ فِيهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهِيَ عَنْ نُقْصَانٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَقَالَ أَحْمَدُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْتَعْمَلُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (كُلٌّ) أَيْ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى جِهَتِهِ) أَيْ عَلَى جِهَةِ مَا رُوِيَ (يَرَى إِذَا قام في الركعتين على حديث بن بُحَيْنَةَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا قَبْلَ السَّلَامِ) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ عَلَى جِهَتِهِ وَيَرَى بِمَعْنَى يَعْتَقِدُ أَنْ يَرَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَوِ الثُّلَاثِيَّةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَهْوًا وَلَمْ(2/339)
يَجْلِسْ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ كما في حديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ (وَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي وَإِذَا سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ) كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ عَلَى ما جاء في حديث بن بُحَيْنَةَ وَالثَّانِي سَلَّمَ فِي ثِنْتَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالثَّالِثُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ صَلَّى خَمْسًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْخَامِسُ السُّجُودُ عَلَى الشَّكِّ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
قُلْتُ هَذَا إِذَا كَانَتْ وَاقِعَةُ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ غَيْرَ وَاقِعَةِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَتَا وَاحِدَةً فَالْمَوَاضِعُ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ (وَكُلُّ سَهْوٍ لَيْسَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرٌ فَإِنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ) هَذَا آخِرُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَحَاصِلُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَالَ لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لَرَأَيْتُهُ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَفْعَلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَقَالَ إِسْحَاقُ نَحْوَ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي هَذَا كُلِّهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ كُلُّ سَهْوٍ لَيْسَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرٌ إلخ) حرر إسحاق مذهبه من قولي أحمد ومالك
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَفْظُهُ وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ يَعْمَلُ على ماتقتضيه أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ فَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ السُّجُودِ مُقَيَّدًا بِقَبْلِ السَّلَامِ سَجَدَ لَهُ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ مُقَيَّدًا بِبَعْدِ السَّلَامِ سَجَدَ لَهُ بَعْدَهُ وَمَا لَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُهُ بِأَحَدِهِمَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ لِمَا أخرجه مسلم في صحيحه عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ
وَجَمِيعُ أَسْبَابِ السُّجُودِ لَا تَكُونُ إِلَّا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا أَوْ مَجْمُوعَهُمَا قَالَ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَذْهَبًا تَاسِعًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ هَذَا هُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/340)
174 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ [392] )
قَوْلُهُ (عَنِ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ بن عتيبة الفقيه الكوفي (عن إبراهيم) هو بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ
قَوْلُهُ (صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا) أَيْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ (أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ للاستخبار (فسجد سجدتين بعد ما سلم) أي فسجد سجدتين للسهو بعد السلام الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خمسا فسجد سجدتين بعد ما سَلَّمَ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَا قَالُوا فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا وَلَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَقَوْلُهُمْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ بَلِ السِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى خِلَافِهِ وَعَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ لَا تُبْطِلُهَا وَعَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِسَهْوِهِ إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَعَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْعَمْدَ فِيمَا يَصْلُحُ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يُفْسِدُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
[393] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ الْكَلَامِ) كَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَيْضًا هَكَذَا مُخْتَصَرًا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ(2/341)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ وهو بن خديج فأخرجه أبو داود وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[394] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى الْجُمْهُورِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَيْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ إِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ بِقَرِيبٍ وَإِنْ طَالَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يسجد
قال وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنه إِذَا زَادَ رَكْعَةً سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ إِعَادَتُهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ كَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ زَادَ خَامِسَةً أَضَافَ إِلَيْهَا سَادِسَةً شَفْعًا وَكَانَتْ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَخْرُجُ مِنَ الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا وَأَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُفْرَدَةَ لَا تَكُونُ صَلَاةً قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى أَتَى بِالْخَامِسَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرُدُّ كُلَّ مَا قَالُوهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ مِنَ الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَشْفَعْهَا وَإِنَّمَا تَذَكَّرَ بعد السلام ففيه رد عليهم وحجة الجمهور انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ(2/342)
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ
75290290290
290 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ [395] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ) هُوَ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ فقيه (عن بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ كَانَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى
قَوْلُهُ (فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِالتَّشَهُّدِ بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ غَرِيبٌ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ على شرط الشيخين وضعفه البيهقي وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا وَوَهِمُوا رِوَايَةَ أَشْعَثَ لِمُخَالَفَتِهِ غيره من الحفاظ عن بن سِيرِينَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ وَرَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قُلْتُ لِابْنِ سِيرِينَ فَالتَّشَهُّدُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي التَّشَهُّدِ شَيْئًا وَكَذَا الْمَحْفُوظُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَصَارَتْ زِيَادَةُ أَشْعَثَ شاذة ولهذا قال بن الْمُنْذِرِ لَا أَحْسَبُ التَّشَهُّدَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ يَثْبُتُ لَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي التَّشَهُّدِ فِي سجود السهو عن بن مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ فَقَدْ يُقَالُ إن الأحاديث الثلاثة في التشهد بإجتماعها يرتقى إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ قَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ ببعيد وقد صح ذلك عن بن مسعود من قوله أخرجه بن أبي شيبة انتهى(2/343)
قوله (وروى بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ وَهُوَ عَمُّ أَبِي قلابة غير هذا الحديث) يعني أن بن سِيرِينَ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَرَوَاهُ بِوَاسِطَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي المهلب (وروى محمد) أي بن سِيرِينَ (هَذَا الْحَدِيثَ) أَيِ الْمَذْكُورَ (عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ) قال بن حبان ما روى بن سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ انْتَهَى
قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصَاغِرِ (وَهُوَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) أَيْ إِذَا سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ أَمَّا قَبْلَ السَّلَامِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ
وَحَكَى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ وَعَنِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَهُ وَخَطَؤُهُ فِي هَذَا النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ عَطَاءٍ يَتَخَيَّرُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَمَّا مَنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ونقله أبو حامد الإسفرائيني عَنِ الْقَدِيمِ لَكِنْ وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إِذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّصَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى كَذَا فِي فَتْحِ(2/344)
الْبَارِي (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَيُسَلِّمُ) لِحَدِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ) أَمَّا عَدَمُ التَّشَهُّدِ فَلِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا عَدَمُ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ التَّسْلِيمُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ النَّوَوِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يُثْبِتُونَ التَّسْلِيمَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِهِمْ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ إنتهى
76 - (باب في مَنْ يَشُكُّ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ [396] )
قَوْلُهُ (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي رواية مسلم غيره فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عثمان وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فأخرجه أحمد وفيه من صلى فلم يرد أَشَفَعَ أَمْ أَوْتَرَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا إِتْمَامُ صَلَاتِهِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي كَبْشَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بن أبي(2/345)
كَبْشَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مسعود فأخرجه الجماعة إلا االترمذي عن إبراهيم عن علقمة عن بن مسعود قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رسول الله اللَّهِ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ (قبل أن يسلم) وفي لفظ بن مَاجَهْ وَمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ فَلْيَنْظُرْ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ
كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه بلفظ إن الشيطان يدخل بين بن آدَمَ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَهُوَ لِبَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قال بن الْمُنْذِرِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه بإسناد غير إسناد التِّرْمِذِيِّ
قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهُمَا وَاحِدَةً إِلَخْ أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ كَمَا سَتَعْرِفُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا) أَيِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ إِلَخْ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيَأْتِي عَمَلُهُ بِمَا بَقِيَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَخْ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَحَمَلُوا التَّحَرِّيَ في حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ قَالُوا وَالتَّحَرِّي هُوَ الْقَصْدُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (تَحَرَّوْا رَشَدًا) فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَلْيَقْصِدِ الصَّوَابَ فَلْيَعْمَلْ بِهِ وَقَصْدُ الصَّوَابِ هُوَ مَا بَيَّنَهُ فِي(2/346)
حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيُعِدْ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَقَالَ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَاعِدًا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يَسْمَعْ إِسْحَاقُ مِنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ انْتَهَى فَلَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِوُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَفْتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رَجُلٍ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى قَالَ يَنْصَرِفُ ثُمَّ يَقُومُ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ كَمْ صَلَّى فَإِنَّمَا ذَلِكَ الْوَسْوَاسُ يَعْرِضُ فَيُسَهِّيهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ الْجَزَرِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كَبَقِيَّةَ فِي الشَّامِيِّينَ يَرْوِي عَنِ الْمَجَاهِيلِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا فِي الْعِرَاقِيِّ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إِنْ شَكَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى اسْتَأْنَفَ وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى وَأَخَذَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَخَذَ الْأَقَلَّ
وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا إستيقن وفي بعضها يبني على الأقل وبعضها يدل عَلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ
فَالْحَنَفِيَّةُ حَمَلُوا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ عَلَى مَا إِذَا كَثُرَ الشَّكُّ وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ عَلَى مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ التَّحَرِّي وَمَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ أَخَذَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ لِضَعْفِهَا وَالْجُمْهُورُ أَخَذُوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَحَمَلُوا التَّحَرِّيَ في حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَأَقْوَى الْمَذَاهِبِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَتَحَرِّي الصَّوَابِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ هُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى إِلَى الصَّوَابِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ عُرُوضِ الشَّكِّ فإن أمكن الخروج بالتحري عن ثائرة الشَّكِّ لُغَةً وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالِاسْتِيقَانِ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مِنَ الصَّلَاةِ كَذَا رَكَعَاتٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ لأن(2/347)
الشَّارِعَ قَدْ شَرَطَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عَدَمَ الدِّرَايَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهَذَا التَّحَرِّي قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الدِّرَايَةُ وَأُمِرَ الشَّاكُّ بِالْبِنَاءِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ بَلَغَ بِهِ تَحَرِّيهِ إِلَى الْيَقِينِ قَدْ بَنَى عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّ التَّحَرِّيَ الْمَذْكُورَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَقَدْ أَوْقَعَ النَّاسَ ظَنُّ التَّعَارُضِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي مَضَائِقَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ كَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْمُبْتَلَى وَالرُّكْنِ وَالرَّكْعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
[397] قَوْلُهُ (فَيَلْبِسُ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَخْلِطُ عَلَيْهِ وَيُشَوِّشُ خَاطِرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَبَسْتَ الْأَمْرَ بِالْفَتْحِ أَلْبِسُهُ إِذَا خَلَطْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (ولبسنا عليهم ما يلبسون) وَرُبَّمَا شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ (فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
[398] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ يُقَالُ إِنَّهَا أُمُّهُ وَهُوَ بَصْرِيٌّ صدوق يخطىء مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوِ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ إِلَخْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصِّلٌ لِلْإِجْمَالِ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ وَيَجِبُ إِرْجَاعُ الْإِجْمَالِ إِلَيْهِ
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الشَّكِّ مِنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ مَا سَهَا وَثَانِيًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ رحمه(2/348)
وَرَأْفَةً لَهُمْ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ لأنه من رواية بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ رواه أحمد في المسند عن بن علية عن بن إسحاق عن مكحول مرس قال بن إِسْحَاقَ فَلَقِيتُ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لِي هَلْ أَسْنَدَهُ لَكَ قُلْتُ لَا فَقَالَ لَكِنَّهُ حَدَّثَنِي أَنَّ كُرَيْبًا حَدَّثَهُ بِهِ وَحُسَيْنٌ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ الله بن عتبة عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طريق الزهري عن عبيد الله عن بن عَبَّاسٍ مُخْتَصَرًا إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي شَكٍّ مِنَ النُّقْصَانِ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ حَتَّى يَكُونَ فِي شَكٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِي إِسْنَادِهِمَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
77 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ)
وَالْعَصْرِ [399] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ (انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَكَانَتْ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ عَلَى مَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ قَالَ بن سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الظُّهْرُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وفي الموطأ(2/349)
الْعَصْرُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي شَرْحِهِ الْمَطْبُوعِ وَكَانَتْ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ الْعَشِيُّ لَا الْعِشَاءُ (فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ اسْمَ ذِي الْيَدَيْنِ الْخِرْبَاقُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَآخِرُهُ قَافٌ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَهَذَا صَنِيعُ مَنْ يُوجِدُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي وَإِنْ كان بن خُزَيْمَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ جَنَحُوا إِلَى التَّعَدُّدِ وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي السِّيَاقَيْنِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ السَّلَامَ وَقَعَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي الْمَسْجِدِ
وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ حَكَى الْعَلَائِيُّ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ وَلَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتَفْهَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَفْهَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ
وَأَمَّا الثَّانِي فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ لَمَّا رَآهُ تَقَدَّمَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى جِهَةِ الْخَشَبَةِ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لِكَوْنِ الْخَشَبَةِ كَانَتْ فِي جِهَةِ مَنْزِلِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة بن عُمَرَ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وأبو داود وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ وَلِمُوَافَقَةِ ذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَعَبْدُ الله بن أحمد في زيادات المسند وأبي بَكْرِ بْنُ حَثْمَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ يَرَى التَّوْحِيدَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
(أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَقُصِرَتْ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أنَّ اللَّهَ قَصَرَهَا وَبِفَتْحٍ ثُمَّ ضَمٍّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ (أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) حَصَرَ فِي الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ السَّبَبَ إِمَّا مِنَ اللَّهِ وَهُوَ الْقَصْرُ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ النِّسْيَانُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أصدق في النقص الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّؤَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَفْهُومِ الِاسْتِفْهَامِ (فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ) أَيْ صَدَقَ (فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ (أُخْرَيَيْنِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ وَأُخْرَى سَاكِنَةٍ تَحْتِيَّتَيْنِ (ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ) أَيْ لِلسَّهْوِ (مِثْلَ سُجُودِهِ) السَّابِقِ فِي صَلَاتِهِ (أَوْ أَطْوَلَ مِنْ سُجُودِهِ السَّابِقِ) (ثُمَّ كَبَّرَ(2/350)
فَرَفَعَ) أَيْ رَأْسَهُ (ثُمَّ سَجَدَ) أَيْ مَرَّةً ثَانِيَةً (مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ) فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ نَاسِيًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَةِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وبن عُمَرَ وَذِي الْيَدَيْنِ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلى العصر فسلم في ثلاثة رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَفِي لَفْظٍ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم في الركعتين فذكر نحو حديث بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ أَمْ نَسِيتَ قَالَ مَا قُصِرَتْ وَمَا نَسِيتُ قَالَ إِذًا فَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ ص 77 والبيهقي وفي الباب أيضا عن بن عباس عند البزارفي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعَدَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنْ أَبِي العريان عند الطبراني في الكبير قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا الْعُرْيَانِ الْمَذْكُورَ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ يُكَنَّى بِالْعُرْيَانِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَبُو الْعُرْيَانِ صَحَابِيٌّ آخَرُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ ذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيهِمْ فِي الْكُنَى وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ أبو موسى المديني في ذيله على بن مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ وَقَدْ جَمَعَ جَمِيعَ طُرُقِهِ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا شَافِيًا انْتَهَى(2/351)
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مَا كَانَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَاضِرًا فِي حَادِثَةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ إِلَخْ فَحُضُورُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ حَدَثَ بِهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ وَفَعَلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ
أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي جَهَّزْتُ عِيرًا مِنَ الْعِرَاقِ بِأَحْمَالِهَا وَأَقْتَابِهَا حَتَّى وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَهُ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ
قُلْتُ لَيْسَ هَذَا مُرْسَلًا جَيِّدًا بَلْ هُوَ مِنْ أَضْعَفِ الْمَرَاسِيلِ
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي الْمُرْسَلِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ والعطاء يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ انْتَهَى
فَمُرْسَلُ عَطَاءٍ هَذَا لَا يَصِحُّ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ قَدْ ذَهِلَ عَنْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا كَانَ قَدْ ذَهِلَ عَنْ قِصَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ بِتَذْكِيرِ عَمَّارٍ مَعَ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَهُ تِلْكَ الْقِصَّةَ وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ حَدَثَ بِهِ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَلَمْ يَرَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا فَإِذَا جَاءَ الِاحْتِمَالُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا أَعَادَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ بِكَلَامٍ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ حَيْثُ قَالَ إِنِّي جَهَّزْتُ عِيرًا مِنَ الْعِرَاقِ بِأَحْمَالِهَا وَأَقْتَابِهَا حَتَّى وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ فَتَفَكَّرْ
قَالَ النِّيمَوِيُّ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهُ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أبا هريرة لم يحضر قصته ذِي الْيَدَيْنِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حُضُورُهُ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/352)
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهُ فَفَاسِدٌ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ بِبَدْرٍ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ لَا ذو اليدين قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَهُوَ (أَيْ ذُو الْيَدَيْنِ) غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ بِدَلِيلِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ ذَكَرَهَا مَعَهُ مِنْ حُضُورِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِمَّنْ كَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى بِنَا وَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظٌ مِنْ نَقْلِ الْحَافِظِ وَأَمَّا قول بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ إِنَّهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَحَمَلَهُ الزُّهْرِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَلِطَ فِيهِ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ انْتَهَى
وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدُ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحْضُرْهَا وَإِنَّمَا رَوَاهَا مُرْسَلًا بِدَلِيلِ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَرَدَّهُ بِأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ تِلْكَ الْقِصَّةَ وَالْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وهو غيره انتهى
وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ الْقِصَّةَ وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ وَيَدْفَعُ الْمَجَازَ الَّذِي ارْتَكَبَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ هَذَا تَرَكَ الظَّاهِرَ عَلَى أَنَّهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَعْنَاهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
قُلْتُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَيْسَ عِنْدَ مَنِ ادَّعَى عَدَمَ حُضُورِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ جَوَابٌ شَافٍ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَلَكِنَّ الطَّحَاوِيَّ لم يجب عما في طريق في مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إِلَخْ
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَجِدْ جَوَابًا شافيا عن هذه وقال بن عَابِدِينَ مَا قَالَ وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ جَوَابِ البحر أقول إن بن عَابِدِينَ غَفَلَ عَمَّا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ ها هنا أَنَا أُصَلِّي رَوَاهَا مُسْلِمٌ ص 412 وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَجِدْ جَوَابًا شَافِيًا أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(2/353)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَرَفَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْجَوَابِ الشَّافِي عَنْهَا وَسَعَى بَعْضُهُمْ فِي إِثْبَاتِ الْوَهَمِ فِيهَا مِنَ الرَّاوِي فَقَالَ صَاحِبُ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَجِدْ جَوَابًا شَافِيًا أَيْضًا مَا لَفْظُهُ إِلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهُ وَهَمُ الرَّاوِي فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي زَعَمَ كَوْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَاقِعَةِ وَأَمَّا وَجْهُ الْوَهَمِ فَلَعَلَّهُ وَهْمٌ مِنْ شَيْبَانَ فَإِنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثَانِ فَإِنَّهُ رَوَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ ص 302 حَدِيثَ الْعُطَاسِ وَفِيهِ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ وَأَخَذَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَضَعَهُ بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ ص 412 انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ رَوَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ) حَدِيثَ الْعُطَاسِ وَهْمٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ شَيْبَانَ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ حَدِيثَ الْعُطَاسِ فَإِنَّ سَنَدَهُ فِي مُسْلِمٍ ص 312 هَكَذَا حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ قَالَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ إِلَخْ فَقَوْلُهُ (وَأَخَذَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) بِنَاءُ الْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ
وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ كَيْفَ ارْتَكَبَ الْأَمْرَ الْقَبِيحَ لِإِثْبَاتِ وَهَمِ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الصَّحِيحَةِ
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ النِّيمَوِيُّ قَوْلُهُ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى عَلَى مَا زَعَمَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ خَمْسِ طُرُقٍ فَلَفْظُهُ فِي طَرِيقَيْنِ صَلَّى بِنَا وَفِي طَرِيقٍ صَلَّى لَنَا وَفِي طَرِيقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَفِي طَرِيقٍ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ يُقْبَلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي انْتَهَى
قُلْتُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُتْقِنٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ قَالَ شُعْبَةُ حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ إِنَّمَا يُعَدُّ مَعَ الزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَإِذَا خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى انْتَهَى
فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ مِثْلُ هَذَا الثِّقَةِ الثَّبْتِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَإِذَا خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَقَوْلُ النِّيمَوِيِّ قَوْلُهُ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي غَيْرُ مَحْفُوظٍ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ(2/354)
وَالْحَاصِلُ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَهِيَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَوَابٌ شَافٍ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ ذَكَرَهَا النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ وَكُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَاهِيَةٌ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا ها هنا مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدْشَةِ
فَقَالَ النِّيمَوِيُّ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أن بن عُمَرَ نَصَّ بِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بعد ما قُتِلَ ذُو الْيَدَيْنِ
أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ فقال كان إسلام أبي هريرة بعد ما قُتِلَ ذُو الْيَدَيْنِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا تَفَرَّدَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَابِدٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ عَنِ الْبُخَارِيِّ ذَاهِبٌ لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يُضَعِّفُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صدوق في حفظه شيء
وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحَشَ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ انْتَهَى
فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ
قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُنْكَرَةِ مَا لَفْظُهُ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا الْعُمَرِيَّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ
قَوَّاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئمة وضعفه النسائي وبن حبان وغيرها مِنَ الْمُتَشَدِّدِينَ وَتَبِعَهُمُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ ضَعِيفٌ وَأَعْرَضَ عَنْ أَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ خِلَافًا لِمَا وَعَدَهُ فِي دِيبَاجَتِهِ وَأَحْسَنُ شَيْءٍ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ هُوَ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمَرِيَّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَحَدِيثُهُ هَذَا مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فَهُوَ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ النِّيمَوِيَّ جَعَلَ بن حبان ها هنا مِنَ الْمُتَشَدِّدِينَ فَإِنَّهُ ضَعَّفَ الْعُمَرِيَّ وَجَعَلَهُ فِي بَحْثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ فَإِنَّهُ وَثَّقَ نَافِعَ بْنَ مَحْمُودٍ أَحَدَ رُوَاةِ حَدِيثِ القراءة خلف الامام حيث قال وأما بن حِبَّانَ فَهُوَ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ انْتَهَى(2/355)
ثُمَّ لْيُعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَادَةِ النِّيمَوِيِّ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي رَاوٍ وَيَكُونُ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُفِيدًا لَهُ يَذْكُرُهُ ثُمَّ يَقُولُ هَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِيهِ لِمَا وَعَدَ الْحَافِظُ فِي دِيبَاجَةِ التَّقْرِيبِ مِنْ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ رَاوٍ بِأَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ وَأَمَّا إِذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُفِيدًا لَهُ فَيَذْكُرُهُ ثُمَّ يَقُولُ أَعْرَضَ الْحَافِظُ عَنْ أَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ خِلَافًا لِمَا وَعَدَ فِي دِيبَاجَتِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ وَثَانِيهِمَا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَا الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ والطبراني في الكبير عن بن عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ أَنُقِصَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كَذَلِكَ يَا ذَا الْيَدَيْنِ قَالَ نَعَمْ فَرَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
ثُمَّ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ أَقْوَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشِّمَالَيْنِ وَاحِدٌ وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ انْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ
قُلْتُ اسْتِشْهَادُ ذِي الشِّمَالَيْنِ بِبَدْرٍ مُسَلَّمٌ وَأَمَّا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ غير ذي الشمالين
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اتَّفَقَ مُعْظَمُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ غَيْرُ ذِي الْيَدَيْنِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ ذِي الْيَدَيْنِ وَذِي الشِّمَالَيْنِ انْتَهَى وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ ذِي الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ وَكَذَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لَفْظُ ذِي الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهِمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِي مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَذُو الْيَدَيْنِ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُقَالُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذُو الشِّمَالَيْنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي انْتَهَى وَقَالَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَحَضَرَهَا كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي لَفْظٍ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ
قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ انْتَهَى
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ فِيهِ فَقَامَ ذُو الشِّمَالَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إِلَّا الزُّهْرِيَّ وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ(2/356)
ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ وَاسْمُهُ خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَالْحَدِيثُ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِنِينَ وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيِّ وَالْسُهَيْلِيِّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَنُقِلَ عَنْ خُلَاصَةِ النَّوَوِيِّ مَا لَفْظُهُ وَذُو الْيَدَيْنِ اسْمُهُ خِرْبَاقٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعُرْيَانِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ فَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ إِلَّا الزُّهْرِيَّ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيطِ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ
78 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ [400] )
بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَعْلٍ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ
قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي سلمة الأزدي ثم الطالحي الْبَصْرِيِّ الْقَصِيرِ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ أَنَسٍ(2/357)
وَأَبِي نَضْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وبن عُلَيَّةَ وَغَيْرُهُمَا)
قَوْلُهُ (يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ) قَالَ بن بَطَّالٍ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ ثُمَّ هِيَ مِنَ الرُّخَصِ كما قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَلَابِسِ الزِّينَةِ إِلَّا أَنَّ مُلَامَسَتَهُ الْأَرْضَ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا النَّجَاسَاتُ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ التَّحْسِينِ وَمُرَاعَاةُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قُدِّمَتِ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَالْأُخْرَى مِنْ بَابِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ بِإِلْحَاقِهِ بِمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَيَتْرُكُ هَذَا النَّظَرَ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا فِي خِفَافِهِمْ فَيَكُونُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ
قَالَ وَوَرَدَ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ مِنَ الزِّينَةِ الْمَأْمُورِ بِأَخْذِهَا فِي الاية حديث ضعيف جدا وردها بن عدي في الكامل وبن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَأَوْسٍ الثَّقَفِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ وَلَهُ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْأَعْوَرُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ شَدَّادِ بن أوس فأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا مَطْعَنَ فِي إِسْنَادِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَوْسٍ الثقفي فأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ
وأما حديث عطاء فأخرجه بن مندة في معرفة الصحابة والطبراني وبن نافع(2/358)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَعْنِي يُجَوِّزُونَ الصَّلَاةَ فِي النِّعَالِ إِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً سَوَاءٌ كَانَتِ النِّعَالُ جَدِيدَةً أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِجَوَازِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِالنِّعَالِ وَبِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى جَوَازِ الْمَشْيِ بِهَا بَيْنَ الْقُبُورِ حَيْثُ قَالَ قَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ مُتَوَاتِرَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي نَعْلَيْهِ ومن إباحته الناس الصَّلَاةَ فِي النِّعَالِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ ثُمَّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ بِالنِّعَالِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَكَانَتِ الصَّلَاةُ بِهَا أَيْضًا غَيْرَ مَكْرُوهَةٍ كَانَ الْمَشْيُ بِهَا بَيْنَ الْقُبُورِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى مختصر
79 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ [401] )
قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَرْكِ الْقُنُوتِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ
قَالَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُنُوتِ فِيهَا قَالَ فَمِمَّنْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَلِيمَةَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ وَخُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ وَأُهْبَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ وَعَرْفَجَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ وَمِنَ الْمُخَضْرَمِينَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وأبان بن عثمان وقتادة وطاووس وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادٌ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَتَانِ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ خلق كثير(2/359)
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنَعُوا مِنْ شَرْعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَزَعَمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ
قَوْلُهُ (كَانَ يَقْنُتُ فِي صلاة الصبح والمغرب) قال الحافظ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ أَيْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ أَثْبَتَ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي وَقْعِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي وُقُوعِ الْقُنُوتِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي اسْتِمْرَارِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَإِنْ قَالُوا لَفْظُ كَانَ يَفْعَلُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْمَشْرُوعِيَّةِ قُلْنَا إِنَّ النَّوَوِيَّ قَدْ حَكَى عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ سَلَّمْنَا فَغَايَتُهُ مُجَرَّدُ الِاسْتِمْرَارِ وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّرْكَ آخِرًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَدِلَّةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنِ الْمَغْرِبِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنِ الْفَجْرِ وَأَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ
فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ مدلول لفظ كان ها هنا فَهُوَ جَوَابُنَا قَالُوا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثُمَّ تَرَكَ فَأَمَّا الصُّبْحُ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا
وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعا للبراع وَلَكِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ قَالَ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يَخْلِطُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ يَهِمُ كَثِيرًا وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الفلاس صدوق سيء الحفظ وقال بن معين ثقة لكنه يخطيء وَقَالَ الدَّوْرِيُّ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ يَغْلَطُ وَحَكَى السَّاجِيُّ أَنَّهُ قَالَ صَدُوقٌ لَيْسَ بِالْمُتْقِنِ وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلِحَدِيثِهِ هَذَا شَاهِدٌ وَلَكِنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ
قَالَ الحافظ ويعكر على هذا مارواه الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قُلْنَا لِأَنَسٍ إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ قَالَ كَذَبُوا إِنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَقِيسٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لكنه لم يتهم بكذب
وروى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْنُتْ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا فَاخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَنَسٍ وَاضْطَرَبَتْ فَلَا يَقُومُ لِمِثْلِ هَذَا حُجَّةٌ انْتَهَى
إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ(2/360)
من حديث أنس عند بن خُزَيْمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عند بن حِبَّانَ بِلَفْظِ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وأنس وأبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَخُفَافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَاءَيْنِ (بْنِ إِيمَاءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ مَمْدُودٌ مَصْرُوفٌ وَفِيهِ أَيْضًا فَتْحُ الْهَمْزَةِ مَعَ الْقَصْرِ (بْنِ رَحْضَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ كَذَا فِي قُوتِ المغتذي
أماحديث عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ الْقُنُوطُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْقُنُوتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظهر والعشاء الاخرة وصلاة الصبح بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ ويلعن الكفار
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ خُفَافٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَحَكَاهُ الْحَازِمِيُّ عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَدْ عَرَفْتَ مُتَمَسَّكَاتِهِمْ وَمَا فِيهَا(2/361)
180 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ [402] )
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ عَلَى وَزْنِ الْأَحْمَرِ (قَالَ) أَيْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ (قُلْتُ لِأَبِي) أَيْ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ مُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ (وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ (وَعَلِيِّ بْنِ أبي طالب ها هنا بالكوفة) أي صليت خلف علي ها هنا بِالْكُوفَةِ فَهُمَا ظَرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الْمَحْذُوفِ
كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ (نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ) هَذَا أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ بِصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الْمَحْذُوفِ (أكَانُوا يَقْنُتُونَ) وَفِي رواية بن مَاجَهْ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ (أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ
فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا بِدْعَةٌ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَلَفَ النَّافُونَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ هَلْ يُشْرَعُ فِي النَّوَازِلِ أَمْ لَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ هُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ
[403] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ وَكُلُّهَا ضِعَافٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ أَبِي بكر وعمر وعلي(2/362)
وبن عَبَّاسٍ وَقَالَ قَدْ صَحَّ عَنْهُمُ الْقُنُوتُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ قُدِّمَ الْمُثْبَتُ وَحَكَاهُ عَنْ أربعة من التابعين وعن أبي حنيفة وبن المبارك وأحمد وإسحاق (وأبو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
81 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَعْطِسُ فِي الصَّلَاةِ [404] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ) الْأَنْصَارِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي المغرب انتهى
وهذه الزيادة إن ثبتت تَرُدُّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً هُوَ الْفَرْضُ لَا النَّفْلُ (مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ) قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ تَأْكِيدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ (كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا(2/363)
وَيَرْضَى) فِيهِ مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تعالى ما هو الغاية في القصد (بضع وَثَلَاثُونَ) الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ أَوْ إِلَى الخمس أو مابين الْوَاحِدِ إِلَى الْأَرْبَعَةِ أَوْ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ (أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا) أَيُّهُمْ مُبْتَدَأٌ وَيَصْعَدُ خَبَرُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ
وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ اللَّهَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَلَى جَوَازِ إِحْدَاثِ ذِكْرٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَأْثُورٍ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْمَأْثُورِ وَعَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مَنْ مَعَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ رِفَاعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي يَوْمًا وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنِ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُطَاسَ وَلَا زَادَ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُوَ رِفَاعَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يُكَنِّيَ عَنْ نَفْسِهِ إِمَّا لِقَصْدِ إِخْفَاءِ عَمَلِهِ أَوْ لِنَحْوِ ذَلِكَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ عُطَاسَهُ وَقَعَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ
قَوْلُهُ (وَكَانَّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح وأفاد بشر بن عمر الزاهراني فِي رِوَايَتِهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتِ الْمَغْرِبَ انْتَهَى
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى التَّطَوُّعِ (قَالُوا إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِنَّمَا يَحْمَدُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يوسعوا بأكثر من ذلك) قال القارىء في المرقاة قال بن الْمَلَكِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ
يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ رواية البطلان(2/364)
فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَحْمَدَ فِي نَفْسِهِ أَوْ يَسْكُتَ خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ انْتَهَى
قُلْتُ لَوْ كان سكت القارىء عَنْ قَوْلِهِ أَوْ يَسْكُتُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَمْلِ لِلْعَاطِسِ بِلَا مِرْيَةٍ
82 - (بَابٌ فِي نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ [405] )
قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ الْعِجْلِيِّ أَبِي الطُّفَيْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُنَّا نَتَكَلَّمُ زَادَ الْبُخَارِيُّ بِحَاجَتِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْحَاجَةِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ (حتى نزلت وقوموا لله قانتين) أي ساكتين
قوله (وفي الباب عن بن مسعود ومعاوية بن الحكم) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ
قَالَ بَيْنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القران الحديث(2/365)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
قَوْلُهُ (وهو قول الثوري وبن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ عَامِدًا لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ إِنْقَاذِ مُسْلِمٍ مُبْطِلٌ لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّاهِي وَالْجَاهِلِ فَلَا يُبْطِلُهَا الْقَلِيلُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَبْطَلَهَا الْحَنَفِيَّةُ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ لِغَيْرِ إِنْقَاذِ هَالِكٍ أَوْ شُبْهَةٍ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا الْكَلَامُ لِمَصْلَحَتِهَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صلاته بالكلام عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا تَبْطُلُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّ حَدِيثَ قصة ذي اليدين منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَذَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّ قِصَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَدْ رَدَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ حَيْثُ قَالَ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وساق الْوَاقِعَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُضُورِهِ فَحَدِيثُ أَبِي هريرة حجة للجمهور فإن كلام الناس وَمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ لَا شَكَّ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَاقِعَةِ ذي اليدين(2/366)
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطًا فِي بَابِ مَا جَاءَ يُسَلِّمُ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَتَذَكَّرْ
83 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ [406] )
قَوْلُهُ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ) الثَّقَفِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيِّ الْأَعْشَى وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي زُرْعَةَ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَنْهُ مِسْعَرٌ وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ نَضْلَةَ الْوَالِبِيِّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ الْكُوفِيِّ أَبِي الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّلَاثَةِ (عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ) الْكُوفِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فَرْدَ حَدِيثٍ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ ذَكَرَهُ الْخَزْرَجِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثٌ آخَرُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَدِّقُهُ بِلَا حَلِفٍ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِلَا حَلِفٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ زِيَادَةُ التوثيق بالخبر والأطمئنان به إذا الْحَاصِلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنُّ وَهُوَ مِمَّا يَقْبَلُ الضَّعْفَ وَالشِّدَّةَ وَمَعْنَى صَدَّقْتُهُ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ الْقَبُولُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ حَاصِلًا بِدُونِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ (وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ عَلِمْتُ صِدْقَهُ فِي ذلك على وجه الكلام بلا حلف وقال بن حَجَرٍ بَيَّنَ بِهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَالَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُبَالَغَتَهُ فِي الصِّدْقِ حَتَّى سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم صديقا
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُلْتَزِمًا أَنْ لَا يَرْوِيَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَحْفُوظُهُ بِالْمَبْنَى دُونَ الْمَرْوِيِّ بِالْمَعْنَى بِخِلَافِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَلِذَا قَلَّتْ رِوَايَتُهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ فَهَذَا وَجْهٌ لِقَوْلِهِ وَصَدَقَ أَبُو بكر انتهى كلام القارىء(2/367)
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ محمد بن سعد العوفي سمعت بن مَعِينٍ يَقُولُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً لَا يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ إِلَّا بِمَا يَحْفَظُهُ وَلَا يُحَدِّثُ بِمَا لَا يَحْفَظُ انْتَهَى (يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ) أَيْ أَوِ امْرَأَةٍ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِزِيَادَةِ إِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ (يُذْنِبُ ذَنْبًا) أَيَّ ذَنْبٍ كَانَ (ثم يقوم) قال الطيبي ثم المتراخي فِي الرُّتْبَةِ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ يَعْنِي وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقِيَامُ بِالتَّوْبَةِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّعْقِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ لِلرَّجَاءِ وَالْمَعْنَى ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ كقوله تعالى أن تقوموا لله (فيتطهر) أي فيتوضأ كما في رواية بن السُّنِّيِّ (ثُمَّ يُصَلِّي) أَيْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي رواية بن السني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ (ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ لِذَلِكَ الذنب كما في رواية بن السُّنِّيِّ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ بِالنَّدَامَةِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا وَأَنْ يَتَدَارَكَ الْحُقُوقَ إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ وَثُمَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ التَّعْقِيبِيِّ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا أَوْ قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ تَصْدِيقًا وَتَوْفِيقًا وَالَّذِينَ إذا فعلوا فاحشة أَيْ ذَنْبًا قَبِيحًا كَالزِّنَا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْ بِمَا دُونَهُ كَالْقُبْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَيَّ ذَنْبٍ كَانَ مِمَّا يُؤَاخَذُونَ بِهِ انْتَهَى فيكون تعميما بعد تخصيص ذكروا الله أَيْ ذَكَرُوا عِقَابَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) تَمَامُ الْآيَةِ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فيها ونعم أجر العاملين
قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَمُعَاذٍ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي الْيَسَرِ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (اسمه كعب بن عمرو) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي الْيَسَرِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقَتْنِي إِلَى الْجَنَّةِ إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عندها وصليت ركعتين رواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَذْنَبْتُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ وَعَنِ(2/368)
الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَهُ اللَّهُ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا
الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ زَايٌ هُوَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا ثُمَّ يُصَلِّي ركعتين وذكره بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَذَكَرَ فِيهِمُ الرَّكْعَتَيْنِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ
84 - (بَاب مَا جَاءَ مَتَى يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ [407] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (الْجُهَنِيُّ) أَبُو مَعْبَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ روى عن أبيه وعنه الحميدي وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ) وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التقريب وقال الذهبي ضعفه بن معين وقال بن الْقَطَّانِ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَغَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبُوهُ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ سَبْرَةُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيُّ وَالِدُ الرَّبِيعِ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ وَكَانَ يَنْزِلُ الْمَرْوَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ
قَوْلُهُ (عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ) وَفِي رِوَايَةِ أبي داود مروا الصبي بالصلاة قال العلقي في(2/369)
شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنْ يُعَلِّمُوهُمْ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ وَأَنْ يَأْمُرُوهُمْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى الولي انتهى (بن سبع سنين) حال من الصبي وهكذا بن عَشْرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ (وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تَرْكِهَا والضمير يرجع إلى الصلاة (بن عشرة) قال العلقي إِنَّمَا أَمَرَ بِالضَّرْبِ لِعَشْرٍ لِأَنَّهُ حَدٌّ يُتَحَمَّلُ فِيهِ الضَّرْبُ غَالِبًا وَالْمُرَادُ بِالضَّرْبِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ فِي الضَّرْبِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) أي بن الْعَاصِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا مَا تَرَكَ الْغُلَامُ بَعْدَ عَشْرٍ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى إِغْلَاظِ الْعُقُوبَةِ لَهُ إِذَا تَرَكَهَا مُدْرِكًا
وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إِذَا تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيَقُولُ إِذَا اسْتَحَقَّ الصَّبِيُّ الضَّرْبَ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ فَقَدْ عَقَلَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَسْتَحِقُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الضَّرْبِ وَلَيْسَ بَعْدَ الضَّرْبِ شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَالَ مَكْحُولٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْتَلُ وَلَكِنْ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَاسِقٌ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَيُسْجَنُ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَارِكُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ كَافِرٌ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ(2/370)
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ إِلَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ انْتَهَى
85 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل يحدث بعد التَّشَهُّدِ [408] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَرْوَزِيُّ الْمُلَقَّبُ بِمَرْدَوَيْهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ حَافِظٌ (أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْإِفْرِيقِيُّ قَاضِيهَا
قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ فِي حِفْظِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَافِعٍ) التَّنُوخِيَّ الْمِصْرِيَّ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَزِيَّةَ وَيُقَالُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَنْهُ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ مَغْرِبِيٌّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إذا كان من رواية بن أَنْعُمٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ مِنْ أَجْلِهِ انْتَهَى (وَبَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ) بْنِ ثُمَامَةَ الْجُذَامِيَّ الْمِصْرِيَّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيِّ أَحَدِ السَّابِقِينَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَحَدِ العباد له الْفُقَهَاءِ مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ
قَوْلُهُ (إِذَا أَحْدَثَ يَعْنِي الرَّجُلَ) ضَمِيرُ يَعْنِي يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي أَحْدَثَ من بعض الرواه
قال القارىء أَيْ عَمْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُطْلَقًا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَقْيِيدٌ بِالْعَمْدِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَدْ جلس في اخر صلاته) قال القارىء أَيْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى(2/371)
قُلْتُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مِقْدَارِ الْجُلُوسِ (قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذا أحدث في اخر صلاته بعد ما جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّسْلِيمُ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ ينزل التسليم أنتهى
قال القارىء في المرقاة تحت هذا الحديث قال بن الصَّلَاحِ الْمُضْطَرِبُ هُوَ الَّذِي يُرْوَى عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَالِاضْطِرَابُ قَدْ يَقَعُ فِي السَّنَدِ أَوِ الْمَتْنِ أَوْ مِنْ رَاوٍ أَوْ مِنْ رُوَاةٍ وَالْمُضْطَرِبُ ضَعِيفٌ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُضْبَطْ ذكره الطيبي
قال القارىء لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَتَعَدُّدُ الطُّرُقِ يُبَلِّغُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إِلَى حَدِّ الْحَسَنِ انْتَهَى كلام القارىء
قُلْتُ فِيهِ إِنَّ تَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا يُبَلِّغُهُ إِلَى حَدِّ الْحَسَنِ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الطُّرُقُ مُتَبَايِنَةً وَلَمْ يَكُنْ مَدَارُ كُلِّهَا عَلَى ضَعِيفٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَطُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ لَيْسَتْ مُتَبَايِنَةً بَلْ مَدَارُ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا قَالُوا إِذَا جَلَسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا أَحْدَثَ عَمْدًا وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ مُطْلَقًا بناء على أن الخروج من الصلاة فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا(2/372)
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ كِلَيْهِمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ إِذَا لَمْ يَتَشَهَّدْ وَسَلَّمَ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَالتَّشَهُّدُ أَهْوَنُ) أَيْ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَتَيْنِ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ هَذَا دَلِيلُ الْأَهْوَنِيَّةِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ التَّسْلِيمُ فَرْضٌ وَالتَّشَهُّدُ لَيْسَ بِفَرْضٍ (وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِذَا تشهد ولم يسلم أجزأه وأحتج بحديث بن مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فَقَالَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ إِذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ مِنْ كَلَامِ بن مَسْعُودٍ فَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ وَجَعَلَهُ مِنْ كلام بن مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِمَّنْ أَدْرَجَهُ وَقَدِ اتفق من روى تشهد بن مَسْعُودٍ عَلَى حَذْفِهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ذَهَبَ الْحُفَّاظُ إِلَى أَنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
وَقَالَ النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مُدْرَجَةٌ
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الأحوص عن بن مَسْعُودٍ مَا يُخَالِفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِلَفْظِ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقُمْ إِنْ شِئْتَ
قَالَ وَهَذَا الْأَثَرُ صَحِيحٌ عن بن مسعود
وقال بن حزم قد صح عن بن مَسْعُودٍ إِيجَابُ السَّلَامِ فَرْضًا وَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي الْأَحْوَصِ هَذِهِ عَنْهُ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ فَاخْرُجْ عَنْهَا بِتَحْلِيلٍ كَمَا دَخَلْتَهَا بِإِحْرَامٍ انْتَهَى(2/373)
186 - (باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة فِي الرِّحَالِ [409] )
قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الرِّحَالُ الْمَنَازِلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاحِدُهُ رَحْلٌ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بْنِ خَدِيجِ بْنِ خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِآخِرَةٍ (مَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ فِي رَحْلِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ لِعُذْرِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ رُخْصَةٌ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ وَسَمُرَةَ وَأَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ الرحمن بن سمرة
) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ زَادَ الْبَزَّارُ كَرَاهَةَ أَنْ يُشَقَّ عَلَيْنَا رحاله ثِقَاتٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيَهُ أَنَّ الصلاة في الرحال قال الْمُنْذِرِيُّ وَأَبُو الْمَلِيحِ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ أُسَامَةَ
وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ وَقِيلَ أُسَامَةُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ أُسَامَةَ هُذَلِيٌّ بَصْرِيٌّ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَأَبُوهُ لَهُ صحبة أنتهى(2/374)
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ السَّنَدِ بِلَفْظِ إِذَا كَانَ مَطَرٌ وَابِلٌ فَصَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ وَفِي إِسْنَادِهِ نَاصِحُ بْنُ الْعَلَاءِ وهو منكر الحديث قاله البخاري
وقال بن حِبَّانَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
(قَوْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمْعَةِ إِلَخْ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ ولحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا فَقَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وإني كرهت أن أحرجكم فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الرُّخْصَةَ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أورد المصنف يعني البخاري هنا حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا تُرْجِمُ لَهُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَطَرِ وَكَثِيرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُرَخِّصُ فِي تركها بالمطر وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا حُجَّةٌ فِي الْجَوَازِ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أنه وقع في حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ عُذْرٌ فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ
وَنَقَلَ بن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرِّيحَ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الثَّلَاثَةِ بِاللَّيْلِ
وَفِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقِرَّةِ وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ وَكَذَلِكَ في حديث بن عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ قَالَ الْحَافِظُ
وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ التَّرْخِيصَ لِعُذْرِ الرِّيحِ فِي النَّهَارِ صَرِيحًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ(2/375)
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَلْ يَكْفِي الْمَطَرُ فَقَطْ أَوِ الرِّيحُ أَوِ الْبَرْدُ فِي رُخْصَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أم احتجاج إِلَى ضَمِّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْمَطَرِ
فَأَجَابَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُذْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي تَرْكِ الْحُضُورِ إِلَى الْجَمَاعَةِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ
انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ
قُلْتُ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ الْمَذْكُورَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُذْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ كَلِمَةَ أَوْ فِيهَا لِلتَّنْوِيعِ لَا للشك والله تعالى أعلم
وقال القارىء في المرقاة
قال بن الْهُمَامِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ أَيْ وَحْلٍ كَثِيرٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ أنتهى كلام القارىء
قُلْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَعْدَ رِوَايَةِ حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ هَذَا رُخْصَةٌ وَالصَّلَاةُ في الجماعة أفضل انتهى
فقول القارىء يَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ابْتَلَّتْ إِلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ
وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ فِي الْإِقْلِيدِ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبُو زُرْعَةَ هَذَا هُوَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فَرُّوخَ إِمَامٌ حَافِظٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (رَوَى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدِيثًا) يَعْنِي أَنَّ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ مِنْ شُيُوخِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُ حَدِيثًا كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَ عَنْهُ السِّتَّةُ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا بِوَاسِطَةٍ وَعَفَّانُ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ وَأَبُو زُرْعَةَ إِلَخْ (وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ أَرَ بِالْبَصْرَةِ أَحْفَظَ مِنْ هَؤُلَاءِ(2/376)
الثلاثة علي بن المديني وبن الشَّاذَكُونِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ) كَذَا وَقَعَ فِي نسخ جامع الترمذي وبن الشَّاذَكُونِيِّ وَوَقَعَ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَالشَّاذَكُونِيِّ بِحَذْفِ لفظ بن وعبادة تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ هَكَذَا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ ذَلِكَ (يَعْنِي عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ) مِنْ فُرْسَانِ الْحَدِيثِ لم ير بالبصرة أحفظ منه ومن بن المديني والشاذكوني
انتهى عبارة تذكرة الحافظ
الشَّاذَكُونِيُّ هَذَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو أَيُّوبَ الْحَافِظُ ذَكَرَ تَرْجَمَتَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَالْمِيزَانِ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ أَبُو حَفْصٍ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ ثِقَةٌ حَافِظٌ
87 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْبِيحِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ [410] )
وَاحِدُ الْأَدْبَارِ الدُّبُرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدُّبُرُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ نَقِيضُ الْقُبُلِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَقِبُهُ وَمُؤَخَّرُهُ انتهى
قوله (جاء الفقراء) وفي حديث أبو هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا (وَلَهُمْ أَمْوَالٌ يُعْتِقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ) أَيْ وَنَحْنُ لَا نُعْتِقُ وَلَا نَتَصَدَّقُ (قَالَ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ) أَيِ الْمَكْتُوبَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْضِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا (فَقُولُوا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً ولا إله إلا الله عشرة مَرَّاتٍ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صلاة(2/377)
ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامُ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ
وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُولَ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ إِلَى آخِرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ يُجْمَعُ بِأَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً بِزِيَادَةِ تَكْبِيرَةٍ وَمَرَّةً بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ انْتَهَى
قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي وَعَلَى هَذَا فَيَقُولُ مَرَّةً كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً قَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَرَدَ التَّسْبِيحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَعَشْرَةً وَثَلَاثًا وَمَرَّةً وَاحِدَةً وَسَبْعِينَ وَمِائَةً وَوَرَدَ التَّحْمِيدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَعَشْرَةً وَمِائَةً وَوَرَدَ التَّهْلِيلُ عَشْرَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صُدُورَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ أَوْ يَفْتَرِقَ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ
فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ إِنَّ الْأَعْدَادَ الْوَارِدَةَ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حِكْمَةٌ وَخَاصِّيَّةٌ تَفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ انْتَهَى
وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشْرَةٍ مَثَلًا فَرَتَّبَهُ هُوَ عَلَى مِائَةٍ فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي
وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ وَيُعَدُّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ انْتَهَى
وَقَدْ مَثَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ مَثَلًا فِيهِ أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى لَتَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَمْ يَتَخَلَّفِ الِانْتِفَاعُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ(2/378)
قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وبن عُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدرداء فأخرجه النسائي
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فأخرجه بن مَاجَهْ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ
88303303303
303 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ [411] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَعْدٍ الرَّمَّاحُ الْبَلْخِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْقَاضِي وَسَعْدٌ هُوَ الرَّمَّاحُ ثِقَةٌ عَمِيَ فِي أَخَرَةٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَسْتُورٌ وَقَالَ الخزرجي في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ(2/379)
مَجْهُولٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَمَا بَعْدَهَا
قَوْلُهُ (إِلَى مَضِيقٍ) أَيْ إِلَى مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ (فَمُطِرُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ) السَّمَاءُ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ بِلَا وَاوٍ والمراد من السماء ها هنا الْمَطَرُ قَالَ الشَّاعِرُ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَا زِلْنَا نَطَأُ فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ (وَالْبِلَّةُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيِ النَّدَاوَةُ (فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ التَّأْذِينِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أنه صلى الله عليه وسلم باشر الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَبْسُوطًا وَفِي الروضة مختصرا ووردت رواية أخرى مريحة ذلك فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ
وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَاشِرْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ بِنَفْسِهِ وَأَلْغَزَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ماسنة أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَفْعَلْهَا فَقَدْ غَفَلَ وَقَدْ بُسِطَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَفِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ انْتَهَى كلام السيوطي في قوت المغتذي
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَبِهِ يُعْلَمُ اخْتِصَارُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَنَّ مَعْنَى أَذَّنَ فِيهَا أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالْمُفَصَّلُ يَقْضِي عَلَى المجمل انتهى
وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمِمَّا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ السُّهَيْلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي السَّفَرِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ تَدُورُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الرَّمَّاحِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ اه
وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ
وَكَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَوَّاهُ وَلَكِنْ وَجَدْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَعَرَفَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اخْتِصَارًا وَأَنَّ(2/380)
مَعْنَى قَوْلِهِ أَذَّنَ أَمَرَ بِلَالًا بِهِ كَمَا يُقَالُ أَعْطَى الْخَلِيفَةُ الْعَالِمَ الْفُلَانِيَّ أَلْفًا وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَطَاءَ غَيْرُهُ وَنُسِبَ لِلْخَلِيفَةِ لِكَوْنِهِ آمِرًا بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
(فَصَلَّى بِهِمْ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي أَمَّهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْفَرْضُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الِاهْتِمَامُ وَالْأَذَانُ لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا الْأَذَانُ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَأَهْلُ الْعِلْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ فِعْلِهِ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ التَّوَّزِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَيَجُوزُ الْفَرِيضَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ نَازِلًا وَرَوَاهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ حَدِيثُ يَعْلَى ضَعِيفُ السَّنَدِ صَحِيحُ الْمَعْنَى قَالَ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ صَحِيحَةٌ إِذَا خاف من خُرُوجَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ أَوْ لِأَنَّهُ غَلَبَهُ الطِّينُ وَالْمَاءُ انْتَهَى
89304304304
304 - (باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة [412] )
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَهْدُ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَاجْهَدْ جَهْدَكَ ابْلُغْ غَايَتَكَ وَجَهَدَ كَمَنَعَ جَدَّ كَاجْتَهَدَ
(حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى تورمت وفي رواية له حتى ترم مِنَ الْوَرَمِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى تَزَلَّعَ قَدَمَاهُ بِزَايٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَقَالَ البخاري في(2/381)
صَحِيحِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الِانْتِفَاخُ أَوِ الْوَرَمُ حَصَلَ الزَّلَعُ وَالتَّشَقُّقُ انْتَهَى (أَتَتَكَلَّفُ هذا) أي تلزم نَفْسَكَ بِهَذِهِ الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا (وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ قَدْ ظَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ سَبَبِ تَحَمُّلِهِ الْمَشَقَّةَ فِي الْعِبَادَةِ أَنَّ سَبَبَهَا إِمَّا خَوْفُ الذَّنْبِ أَوْ رَجَاءُ الْمَغْفِرَةِ فَأَفَادَهُمْ أَنَّ لَهَا سَبَبًا آخَرَ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى التَّأَهُّلِ لَهَا مَعَ الْمَغْفِرَةِ وَإِجْزَالِ النِّعْمَةِ انْتَهَى (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) أَيْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ بِغُفْرَانِ ذُنُوبِي وَسَائِرِ مَا أنعم الله علي
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ أَيِ أَتْرُكُ تِلْكَ الْكُلْفَةَ نَظَرًا إِلَى الْمَغْفِرَةِ فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا لَا بَلْ أَلْزَمُهَا وَإِنْ غُفِرَ لِي لِأَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ أَأَتْرُكُ قِيَامِي وَتَهَجُّدِي لِمَا غُفِرَ لِي فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا يَعْنِي أَنَّ غُفْرَانَ اللَّهِ إِيَّايَ سَبَبٌ لِأَنْ أَقُومَ وَأَتَهَجَّدَ شُكْرًا لَهُ فَكَيْفَ أَتْرُكُهُ
قَوْلُ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْذُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا سَبَقَ لَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّارَ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْمَلَالِ لِأَنَّ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ فَكَانَ لَا يَمَلُّ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
فَأَمَّا غَيْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِهَ نَفْسَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حتى تملوا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن ماجه(2/382)
190 - (باب ما جاء في أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ)
يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ [413] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ وَيُقَالُ حُرَيْثُ بْنُ قَبِيصَةَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ) بِالرَّفْعِ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ) أَيِ الْمَفْرُوضَةُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ
فَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثُ الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ
فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ مُحَاسَبَةُ الْعِبَادِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ أَوْ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى حُقُوقِهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ انْتَهَى
وَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنْ تَرْكِ الْعِبَادَاتِ وَالثَّانِي مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ (فَإِنْ صَلُحَتْ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا قَالَ بن الْمَلَكِ صَلَاحُهَا بِأَدَائِهَا صَحِيحَةً (فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ) الْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالظَّفَرُ وَالْإِنْجَاحُ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ يُقَالُ أَنْجَحَ فُلَانٌ إِذَا أَصَابَ مَطْلُوبَهُ
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَقَدْ أَفْلَحَ أَيْ فَازَ بِمَقْصُودِهِ وَأَنْجَحَ أَيْ ظَفِرَ بِمَطْلُوبِهِ فَيَكُونُ فِيهِ تَأْكِيدٌ وَفَازَ بِمَعْنَى خَلَصَ مِنَ الْعِقَابِ وَأَنْجَحَ أَيْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ (وَإِنْ فَسَدَتْ) بِأَنْ لَمْ تُؤَدَّ أَوْ أُدِّيَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ أَوْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ (فَقَدْ خَابَ) بِحِرْمَانِ الْمَثُوبَةِ (وَخَسِرَ) بِوُقُوعِ الْعُقُوبَةِ وَقِيلَ مَعْنَى خَابَ نَدِمَ وَخَسِرَ أَيْ صَارَ مَحْرُومًا مِنَ الْفَوْزِ وَالْخَلَاصِ قَبْلَ الْعَذَابِ (فَإِنِ انْتَقَصَ) بِمَعْنَى نَقَصَ الْمُتَعَدِّي (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْفَرَائِضِ (هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ) أَيْ فِي صَحِيفَتِهِ سُنَّةٌ أَوْ نَافِلَةٌ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا (فَيُكَمِّلُ) بِالتَّشْدِيدِ(2/383)
وَيُخَفَّفُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الأظهر وبالنصب ويرفع قاله القارىء (بها) قال بن الْمَلَكِ أَيْ بِالتَّطَوُّعِ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ النَّافِلَةِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ نَصْبُ فَيُكَمِّلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ فَكَمَّلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ وَإِنَّمَا أَنَّثَ ضمير التطوع في بها نظر إِلَى الصَّلَاةِ (مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ) فَهُوَ مُتَعَدٍّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا انْتَقَصَهُ مِنَ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا انْتَقَصَ أَيْضًا مِنْ فُرُوضِهَا وَشُرُوطِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ رَأْسًا فَلَمْ يُصَلِّهِ فَيُعَوِّضُ عَنْهُ مِنَ التَّطَوُّعِ
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ الصَّحِيحَةِ عِوَضًا عَنِ الصَّلَوَاتِ المفروضة انتهى
وقال بن الْعَرَبِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُكَمِّلُ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ وَيُحْتَمَلُ مَا نَقَصَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ وَلَيْسَ فِي الزَّكَاةِ إِلَّا فَرْضٌ أَوْ فَضْلٌ فَكَمَا يُكَمِّلُ فَرْضَ الزَّكَاةِ بِفَضْلِهَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَوَعْدُهُ أَنْفَذُ وَعَزْمُهُ أَعَمُّ انْتَهَى (ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ إِنِ انْتَقَصَ فَرِيضَةً مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ تُكَمَّلُ مِنَ التَّطَوُّعِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ تميم الداري) أخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمِّلُ بِهَا فَرِيضَتَهُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الترمذي بهذا اللفظ وبن ماجه
قال بن حَجَرٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا خَبَرُ لَا تُقْبَلُ نَافِلَةُ الْمُصَلِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ فَضَعِيفٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ غَيْرَ هَذَا(2/384)
الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ وَيُقَالُ حُرَيْثُ بْنُ قَبِيصَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَعَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ عَنْهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ حريث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مَاتَ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ سَنَةَ 167 سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ
قَالَ الْحَافِظُ وجهله بن الْقَطَّانِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَذَكَرَ أَبُو الْعَرَبِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْعِجْلِيَّ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَأَفْرَطَ بن حَزْمٍ فَقَالَ ضَعِيفٌ مَطْرُوحٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ) الضَّبِّيِّ الْبَصْرِيِّ مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ قَالَ خَافَ مِنْ زِيَادٍ أَوِ بن زِيَادٍ فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ يَا فَتَى أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قَالَ قُلْتُ بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ الْحَدِيثَ
91 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وليلة ثنتي عشرة)
ركعة إلخ [414] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ ثقة عابد من الحادية عشرة (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ) أَبُو يَحْيَى كُوفِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بن زياد) البجلي الموصلي وثقه وكيع وبن معين وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ عَطَاءٍ) هُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ الارسال
قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً عَالَمًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْفَتْوَى بِمَكَّةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لقيت أفضل من عطاء
وقال بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سُئِلَ(2/385)
عَنْ شَيْءٍ يَا أَهْلَ مَكَّةَ تَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَعِنْدَكُمْ عَطَاءٌ مَاتَ سَنَةَ 114 أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ
قَوْلُهُ (مَنْ ثَابَرَ) أَيْ دَامَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُثَابَرَةُ الْحِرْصُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَمُلَازَمَتُهُمَا (أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِلَخْ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حبيبة وأبي هريرة وأبي موسى وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ تَطَوُّعًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي زِيَادَةِ التَّفْسِيرِ
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنُّهُ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَظُنُّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِدُونِ التَّفْسِيرِ
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ
قَالَ حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (وَمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَدْ عرفت أنه قد وثقه وكيع وبن معين في رواية وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[415] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ) بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ عَنْ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وبن المديني وطائفة وثقه بن معين وقال البخاري ومنكر(2/386)
الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 206 سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الخلاصة وقال في الميزان وثقه بن مَعِينٍ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ شَدِيدٌ فِي السُّنَّةِ كَثِيرُ الْخَطَأِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي حَدِيثِهِ خَطَأٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فَعَظَّمَهُ وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 206 سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ السَّبِيعِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ (عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ) الْأَسَدِيِّ الْكَاهِلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سفيان) بن حرب بن أمية القرشي الأموي أَخِي مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رَوِيَّةُ
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَابِعِيٌّ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
قَوْلُهُ (أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ إِلَخْ) فِيهِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هريرة وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اللَّذَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قال الداودي وقع في حديث بن عمران قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نسي بن عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ
وَقَالَ الْحَافِظُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ تَارَةً يُصَلِّي ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فصلى ركعتين فرأى بن عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بَيْتِهِ وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالرَّكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(2/387)
192 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ الْفَضْلِ [416] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْبَاهِلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ زُرَارَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ أَوْفَى) الْعَامِرِيِّ الْحَرَشِيِّ بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْبَصْرِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَجْأَةً فِي الصَّلَاةِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ) بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْتُشْهِدَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ
قَوْلُهُ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا أَوْ يَكُونُ مِنْ باب أي الفريقين خير مقاما
وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهَا
وَقَالَ الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله الْبَالِغَةِ إِنَّمَا كَانَتَا خَيْرًا مِنْهَا لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَنَعِيمُهَا لَا يَخْلُو عَنْ كَدَرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ وَثَوَابُهُمَا بَاقٍ غَيْرُ كَدِرٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِعَيْنِ سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جميعا
قوله (وفي الباب عن علي وبن عمر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ
قَالَ عَلَيْكَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَضِيلَةً وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَدَعُوا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ
وَرَوَى أَحْمَدُ عنه ركعتي(2/388)
الْفَجْرِ حَافِظُوا عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ كَذَا في الترغيب للمنذري
وأما حديث بن عباس فأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا
93308308308
308 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الفجر والقراءة فيها [417] )
قَوْلُهُ (وَأَبُو عَمَّارٍ) اسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عن الجماعة سوى بن ماجه وسوى أبو دَاوُدَ فَكِتَابَةٌ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ
قَوْلُهُ (رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا) أَيْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مسعود وأنس وأبي هريرة وبن عباس وحفصة وعائشة) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بِلَفْظِ(2/389)
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قولوا امنا بالله وما أنزل إلينا وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَفِي الْآخِرَةِ بِآمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ بِلَفْظِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبَتْ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ تَمَسَّكَ مَالِكٌ وَقَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَكَّتْ هَلْ كَانَ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ أَمْ لَا لِشِدَّةِ تَخْفِيفِهِ لَهُمَا وَهَذَا لَا يَصْلُحُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِرَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ من طرق متعددة
وقد أخرج بن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَكَانَ يَقُولُ نِعْمَ السُّورَتَانِ هُمَا يَقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وقل هو الله أحد وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ مُطْلَقِ التَّخْفِيفِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي التَّخْفِيفِ لَهُمَا فَقِيلَ لِيُبَادِرَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ
وَقِيلَ لِيَسْتَفْتِحَ صَلَاةَ النَّهَارِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِيَدْخُلَ فِي الْفَرْضِ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ بِنَشَاطٍ وَاسْتِعْدَادٍ تَامٍّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْعِرَاقِيُّ فِي شرح الترمذي
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ(2/390)
الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَذَا وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَابْنِ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ دِرْهَمٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إلا أنه قد يخطيء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ انْتَهَى
94 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ [418] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ بِسُكُونِ الْوَاوِ أَبُو مُحَمَّدٍ الكوفي ثقة فقيه عابد من الثامنة (عن أَبِي النَّضْرِ) اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدَنِيُّ ثقة ثبت (عن أبي سلمة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَوْلُهُ (فَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَيَّ حَاجَةٌ كَلَّمَنِي وَإِلَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ) وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْكَلَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الفجر إلخ(2/391)
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَفِي تَحْدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الجمهور وقد روى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلْيَسْكُتُوا وَإِنْ كَانُوا رُكْبَانًا وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَلَامِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَهُ الْكُوفِيُّونَ وَرُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِغْفَارِ وَالصَّوَابُ الْإِبَاحَةُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُهُ وَقْتَ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَلَامِ انْتَهَى
وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي إِرْشَادِ السَّارِي وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ بَعْدَ ركعتي الفجر قال بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ فِي السُّكُوتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَضْلٌ مَأْثُورٌ إِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى
قُلْتُ أَمَّا أَثَرُ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكَرَاهَةِ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ خَرَجَ بن مَسْعُودٍ عَلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ وَقَالَ إِنَّمَا أَجَبْتُمْ لِلصَّلَاةِ فَإِمَّا أَنْ تُصَلُّوا وَإِمَّا أَنْ تَسْكُتُوا وَكَذَا رَوَاهُ فِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ هَذَا الْأَثَرُ بِمُتَّصِلٍ عَطَاءٌ لم يسمع من بن مَسْعُودٍ وَكَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْمُتَحَدِّثِينَ لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ
وَالسُّكُوتُ عَنْ مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ فِي هَذَا بِوَقْتٍ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا فَالتَّحْدِيثُ بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ ثَابِتٌ مِنَ الشَّارِعِ وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ لَا يُوَازِنُ كلام الشارع
وأما قول بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ بذكر الله حتى كانت له تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
95 - (بَاب مَا جَاءَ لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ [419] )
قَوْلُهُ (لَا صلاة بعد الفجر) أي بعد طلوع كَمَا فَسَّرَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الفجر (إلا(2/392)
سَجْدَتَيْنِ) يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ السُّنَّةَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَفْصَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي إِسْنَادِهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خفيفتين واللفظ لمسلم
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ شَيْخِهِ يَعْنِي شَيْخَ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى فَقِيلَ أَيُّوبُ بْنُ حُصَيْنٍ وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ انتهى
فحديث بن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ
وَقَدِ اعْتَرَضَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى بِأَنَّ الطَّبَرَانِيَّ قَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا قُدَامَةُ قُلْتُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَنْفِي عِلْمَهُ وَمَعْرِفَتَهُ (وَهُوَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الخلاف فيه مشهور حكاه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ)
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَفْعَلَهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ
وَقَدْ أَطْنَبَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى
وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَفِي لَفْظٍ فَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ الْحَدِيثَ
قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِدَلَالَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَيْهِ صَرَاحَةً(2/393)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
96 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ [420] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَبُو سهل البصري الغرير صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فتح الباري قال بن مَعِينٍ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ ثُمَّ أَبُو مُعَاوِيَةَ ثُمَّ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ثِقَةٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ منه ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْعِجْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ حَتَّى قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَذَا قَالَ
وَقَدْ أَشَارَ يَحْيَى الْقَطَّانُ إلى لينه فروى بن الْمَدِينِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُهُ طَلَبَ حَدِيثًا قَطُّ وَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَلَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ انْتَهَى
(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) يَعْنِي سُنَّةَ الْفَجْرِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ يَعْنِي بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الذي أخرج الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَذَانِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ (فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ الْمُتَهَجِّدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْحَقُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو(2/394)
داود وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ فِي فَتْحِ الْعَلَّامِ أَنَّ إِسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا حَسَنًا صَحِيحًا وَكَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ إِلَى الْأَعْمَشِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِالْعَنْعَنَةِ
قُلْتُ نَعَمْ هُوَ مُدَلِّسٌ لَكِنَّ عَنْعَنَتَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هُوَ يُدَلِّسُ وَرُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ ضَعِيفٍ وَلَا يَدْرِي بِهِ فَمَتَى قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ فَلَا كَلَامَ وَمَتَى قَالَ عَنْ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّدْلِيسِ إِلَّا فِي شُيُوخٍ لَهُ أَكْثَرَ عَنْهُمْ كَإِبْرَاهِيمَ وبن وَائِلٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ هَذَا الصِّنْفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ انْتَهَى
فَإِنْ قلت قال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أبي هريرة سمعت بن تَيْمِيَةَ يَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ الْفِعْلُ وَالْأَمْرُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَغَلِطَ فِيهِ
قُلْتُ تَفَرُّدُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَدِ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَهُوَ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ عِبَارَةِ مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ فقول الامام بن تَيْمِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إِلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ مَا رَأَيْتُهُ طَلَبَ حَدِيثًا قَطُّ وَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ لِحَدِيثِ فَلَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ ما عَرَفْتَ فِيمَا سَبَقَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ وَكُلُّ مَا ضَعَّفُوهُ بِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ فِي الْبَيْتِ دُونَ الْمَسْجِدِ وهو محكي عن بن عُمَرَ وَقَوَّاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فعله في المسجد وصح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَفْعَلُهُ فِي المسجد فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ فَبِإِطْلَاقِهِ يَثْبُتُ اسْتِحْبَابُ الاضطجاع في البيت وفي(2/395)
الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ فِي الْبَيْتِ فَكَانَ يَضْطَجِعُ فِي الْبَيْتِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا) أَيِ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ (اسْتِحْبَابًا) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ الْوُجُوبَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى هَذَا الِاضْطِجَاعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَائِشَةَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ الْوَارِدَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ وأفرط بن حزم فقال يجب على كل أحد وجعله شَرْطًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ حتى طعن بن تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ وَفِي حِفْظِهِ مَقَالٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الِاضْطِجَاعِ أَقْوَالٌ
الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ أَبَا مُوسَى وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَضْطَجِعُونَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَيَأْمُرُونَ بِذَلِكَ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ مِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ انْتَهَى
وَمَنْ قَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ أَنَّهُمْ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرٍ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى
وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ انْتَهَى
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الِاضْطِجَاعَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَلَّى كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ إِلَّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبَيْنَ تَكْبِيرِهِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ لم يصل(2/396)
رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الضَّجْعَةِ عَلَى الْيَمِينِ لِخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ حسب طاقته ثم قال بعيد هَذَا
قَالَ عَلِيٌّ قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُ عَلَى الْفَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَالرَّدُّ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى الِاضْطِجَاعِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَدْ مَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ إِلَى الْوُجُوبِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ بَحْثِ الِاضْطِجَاعِ وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصَّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِجَاعَ بِدْعَةٌ ومكروه وممن قال به من الصحابة بن مسعود وبن عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّهُ خلاف الأولى
روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ واختاره بن الْعَرَبِيِّ وَقَالَ لَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ لِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي فِعْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِهِ فَتَأَكَّدَتْ بِذَلِكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ
وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الِاضْطِجَاعِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ فَتْحَ الْبَارِي وَالنَّيْلَ وَغَيْرَهُمَا
وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَشْرُوعٌ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/397)
197 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ [421] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ عُبَادَةَ) بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ حَسَّانَ الْقَيْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ أَحَدُ الرُّؤَسَاءِ الْأَشْرَافِ عَنْ حُسَيْنٍ المعلم وبن عَوْنٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مِنْهَا التَّفْسِيرُ وَالسُّنَنُ
قَالَ خَلِيفَةُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ (أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ) الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَأَبُو عَاصِمٍ وروح بن عبادة وجماعة
قال بن مَعِينٍ يَرَى الْقَدَرَ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ إِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عمرو بن دينار فيما أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةُ وَزَادَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أخرجه بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الفجر وغيرهما
قوله (وفي الباب عن بن بحينة وعبد الله بن عمرو بن سرجس وبن عباس وأنس) أما حديث بن بحينة وهو عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ(2/398)
أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ فَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا فُلَانُ بِأَيِّ صَلَاتَيْكَ اعْتَدَدْتَ بِالَّتِي صَلَّيْتَ وَحْدَكَ أَوْ بِالَّتِي صَلَّيْتَ مَعَنَا
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَالَ صَلَاتَانِ مَعًا وَنَهَى أَنْ تُصَلَّيَا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبِلَالٌ يُقِيمُ الصَّلَاةَ فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ بن معين وبن حِبَّانَ
وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْغَدَاةِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَغَمَزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْكِبِهِ وَقَالَ أَلَا كَانَ هذا قبل هذا قال العراقي إسناده جيد
وعن عائشة عند بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا وَفِي إِسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوبُ وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا (وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ) بَلْ رَوَيَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مَرْفُوعًا وَفِي آخِرِهِ قَالَ حَمَّادٌ ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ(2/399)
الْحَدِيثِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَفَعُوهُ (وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا) لِكَثْرَةِ عَدَدِ الرَّافِعِينَ فَإِنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّفْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ
وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الرَّفْعِ أَقَلَّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ انْتَهَى (رَوَاهُ عَيَّاشُ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بْنُ عَبَّاسٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ (الْقِتْبَانِيُّ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (الْمِصْرِيُّ) ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ وَبِهِ يقول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنِ افْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الصُّبْحِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
وَقَالَ طَائِفَةٌ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى
قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّيْلِ
قَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْكَرَاهَةُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ عَنِ الثوري وروى عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا خَشِيَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ دَخَلَ مَعَهُمْ وَتَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَسَيَأْتِي(2/400)
الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا كَانَتِ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ
الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الفريضة حكاه بن المنذر عن بن مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا وَفِي إِسْنَادِهَا حَجَّاجُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فلا صلاة إلا المكتوبة قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَقَدْ وثقه بن حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي صَحِيحِهِ
الْقَوْلُ الرَّابِعُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مع الامام أولا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ إِذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ
الْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّهُ إِنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ دَخَلَ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْكَعُهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه كما حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِي ذِكْرُهُ
الْقَوْلُ السَّادِسُ أَنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَلْيَرْكَعْ وَإِنْ فَاتَتْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
الْقَوْلُ السَّابِعُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إِلَّا إِذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ قول سفيان الثوري
حكى ذلك عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ
الْقَوْلُ الثَّامِنُ أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا قاله بن الْجَلَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ(2/401)
الْقَوْلُ التَّاسِعُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى وهو قول أهل الظاهر ونقله بن حَزْمٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ فِي وَقْتِ إِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْأَذْهَانِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِعْلَهَا كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ شُرُوعُهُ فِي الْإِقَامَةِ ليتهيأ المأمون لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ
انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ الْإِقَامَةُ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِرِوَايَةِ بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِيهَا لَا الْفَرَاغُ مِنْهَا يَدُلُّ على ذلك رواية بن حبان هذه وحديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ الْمَذْكُورُ آنِفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ
وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَوْلُ التَّاسِعُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
98 - (بَاب مَا جَاءَ فِي من تقوته الركعتان قبل الفجر يصليهما)
بعد صلاة الصبح [422] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْبَلْخِيُّ صَدُوقٌ رَوَى عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَهُشَيْمٍ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 236 سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ(2/402)
قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي أَحَدُ مَشَاهِيرِ الْمُحَدِّثِينَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالطَّلَبِ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ وَهِمَ وَقَالَ أَبُو زرعة سيء الحفظ وربما حدث من حفظ السيء فيخطىء وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُنْكَرٌ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَيْنِ قَرَنَهُ فِيهِمَا بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرِهِ وَأَحَادِيثَ يَسِيرَةً أَفْرَدَهُ لَكِنَّهُ أَوْرَدَهَا بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَاقُونَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا (عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ الحافظ صدوق سيء الْحِفْظِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وبن مَعِينٍ وَقَالَ مَرَّةً صَالِحٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بالقوي وقال بن عدي لا أرى بحديثه بأسا وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ (قَيْسِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
قَوْلُهُ (فَقَالَ مَهْلًا يَا قَيْسُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ وَكَذَا لِلْأُنْثَى وَالْجَمْعُ بِمَعْنَى أَمْهِلْ (أَصَلَاتَانِ مَعًا) الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ
أَيْ أَفَرْضَانِ فِي وَقْتِ فَرْضٍ وَاحِدٍ إِذْ لَا نَفْلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ (إِنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ (فَلَا إِذَنْ) أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بن الْمَلَكِ سُكُوتُهُ يَدُلُّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الصُّبْحِ بَعْدَ فَرْضِهِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَهُ وَبِهِ قال الشافعي
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِذَنْ مَعْنَاهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِلَفْظِ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل قال العراقي إسناده حسن ورواية بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ ورواية بن حِبَّانَ بِلَفْظِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا
وَبِهَذَا فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ(2/403)
الترمذي في شرح قوله فلان إِذَنْ أَيْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ حِينَئِذٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ وَلَا لَوْمَ عَلَيْكَ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي تَرْجَمَةِ فَلَا إِذَنْ بس نداين وقت منع ميكنم ترا اذكزاردن سنت انْتَهَى
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ بُطْلَانُ قَوْلِ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَلَا إِذَنْ مَعْنَاهُ فَلَا تُصَلِّ مَعَ هَذَا الْعُذْرِ أَيْضًا فَلَا إِذَنْ لِلْإِنْكَارِ انْتَهَى
وَأَمَّا إِطَالَتُهُ الْكَلَامَ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ فَهْمِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى المتأمل بالمتأمل الصَّادِقِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بن سعيد) والحديث أخرجه أبو داود وبن ماجه وأحمد في مسنده وبن شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ (وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ) هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ قَالَ قَالَ سُفْيَانُ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى عَبْدُ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابْنَا سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا أَنَّ جَدَّهُمْ زَيْدًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يصلي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) وهذا هو مذهب عطاء وطاووس وبن جُرَيْجٍ وَالشَّافِعِيِّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ قَضَاءِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فروى عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَقْضِيهِمَا بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وطاووس وبن جُرَيْجٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقْضِيهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ أَحَبَّ قَضَاهُمَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِيهِمَا ضُحًى إِلَى وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَا يَقْضِيهِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى
وقال الشوكاني(2/404)
فِي النَّيْلِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَيَكُونَانِ أَدَاءً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَيْسٌ هُوَ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَيُقَالُ هُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ هُوَ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَبِالدَّالِ (وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسٍ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّهُ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَقَدْ جَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أبيه عن جده قيس رواه بن خزيمة في صحيحه وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنَ الِانْقِطَاعِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْقَائِلَ بِذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فَقَدْ أخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَوَصِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدثنا أسد بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرْ عليه ورجاله كلهم ثقات أما بن أَبِي شَيْبَةَ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَهُمَا إِمَامَانِ جَلِيلَانِ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرَادِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمُؤَذِّنُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ النسائي لا بأس به وقال بن يُونُسَ كَانَ ثِقَةً وَكَذَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ سَمِعْنَا مِنْهُ وَهُوَ صَدُوقٌ ثِقَةٌ سُئِلَ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ صَدُوقٌ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى
وَأَمَّا أَسَدُ بْنُ مُوسَى وَيُقَالُ لَهُ أَسَدُ السُّنَّةِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ مشهور الحديث
وقال النسائي ثقة وقال بن يُونُسَ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ وَأَحْسَبُ الْآفَةَ مِنْ غيره وقال أيضا هو وبن قانع والعجلي والبزار ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَشْهُورٌ
وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ فثقة أورده بن حِبَّانَ فِي كِتَابِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
وَأَمَّا قَيْسٌ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَصَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ(2/405)
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ فَصَلَّى مَعَهُ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا
قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ انْتَهَى
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَنَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمِثْلِ لَفْظِ الْحَاكِمِ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ جَوَابَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْقَائِلَ بِذَلِكَ
وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ فِي تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ وأخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَالَ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَسَدٌ مَوْصُولًا وَقَالَ غيره عن الليث عن يحيى أنه حَدِيثَهُ مُرْسَلٌ
قُلْتُ تَفَرُّدُهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمِنْهَاجِ إِذَا رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ الضَّابِطِينَ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا أَوْ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا وَبَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا أَوْ وَصَلَهُ هُوَ أَوْ رَفَعَهُ فِي وَقْتٍ وَأَرْسَلَهُ أَوْ وَقَفَهُ فِي وَقْتٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَصَحَّحَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ وَصَلَهُ أَوْ رَفَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ لَهُ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَحْفَظَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ إِنَّ الصَّحِيحَ بَلِ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَمُحَقِّقُو الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَوْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا حُكِمَ بِالرَّفْعِ وَالْوَصْلِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّافِعُ وَالْوَاصِلُ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فِي الْحِفْظِ وَالْعَدَدِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِي المعتصر من المحتصر وَمَا رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن قهد ثم ساقه ثم قَالَ فَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهَا لِعِلَّةٍ فِي رُوَاتِهِ ذُكِرَتْ مُفَصَّلَةً فِي الْمُطَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صحيحا قابلا للاحتجاح قُلْتُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى صَاحِبُ الْمُعْتَصَرِ لَيْسَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ هَذَا لَيْسَ مما(2/406)
يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْقَدْحَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ
وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْ تَفَرُّدِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بِهِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هذا الباب ومنها ما أخرج بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مُرْسَلًا قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ الْحَدِيثَ
وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى
99 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعَادَتِهِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [423] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ (بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (الْعَمِّيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ وَغُنْدَرُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَخَلْقٌ وَعَنْهُ م د ت ق قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثقة ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التقريب
وقال في مقدمة الفتح وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا أَنْشَطُ لِحَدِيثِهِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْحَوْضِيَّ قَالَ الْحَافِظُ
قَدِ احْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَالْبَاقُونَ انْتَهَى (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ السَّدُوسِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بعد ما تَطْلُعُ الشَّمْسُ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ مَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا(2/407)
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلَخْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُمَا آنِفًا وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى
وَلَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ
قُلْتُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ قَتَادَةُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ النَّضْرِ بن أنس بالعنعنة قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَافِظَ عَصْرِهِ وَمَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ وَصَفَهُ بِهِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ وَخَالَفَ جَمِيعَ أَصْحَابِ هَمَّامٍ فَإِنَّهُمْ رَوَوْهُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ
قَوْلُهُ (وقد روى عن أبي عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طلعت الشمس ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وبن الْمُبَارَكِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَيَكُونَانِ أَدَاءً
قَالَ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُمَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا يَفْعَلُهُمَا إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا مُطْلَقًا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إِذَا تُرِكَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فُعِلَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّهُمَا بِلَفْظِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قَوْلُهُ (وَالْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ شَاذٌّ وَالْمَحْفُوظُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فقد(2/408)
أَدْرَكَ الصُّبْحَ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
00 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ [424] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا محمد بن بشار) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ الْعَقَدِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي الخلاصة وثقه بن المديني وبن مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ) عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثنتي عشرة ركعة من السنة ماله مِنَ الْفَضْلِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ أيضا قبل الظهر
روى الشيخان عن بن عُمَرَ قَالَ حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ
قَالَ الحافظ في الداودي وقع في حديث بن عُمَرَ أَنَّ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى قَالَ وَيُحْتَمَلُ أن يكون بن عُمَرَ نَسِيَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ
قَالَ الْحَافِظُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ يُصَلِّي تَارَةً ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى المسجد فيصلي ركعتين فرأى بن عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بيته واطلعت(2/409)
عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَرَكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَالَيْنِ فَكَانَ تَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَتَارَةً رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثِهِمَا آنِفًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ بِالْعَنْعَنَةِ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ) اسْمُهُ أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي صَدُوقٌ (قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بن جعفر الْحَسَنِ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلَّا عِنْدَهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ الْقَطَّانِ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ (كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الْحَارِثِ) أَيِ الْأَعْوَرِ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَعْلَى مِنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَهُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ وقال بن حِبَّانَ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْحَكَمُ كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ فَاحِشَ الْخَطَأِ يَرْفَعُ عَنْ عَلِيٍّ قَوْلَهُ كَثِيرًا فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْحَارِثِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ
قَوْلُهُ (وهو قول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَالَ بَعْضُ(2/410)
أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يَرَوْنَ الْفَصْلَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ يَقُولُ الشافعي وأحمد) واستدل لهم بحديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى رواه أحمد وأصحاب السنن وبن خزيمة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ عَنْهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ ذِكْرِ النَّهَارِ
وَفِيهِ أَنَّ فِي صِحَّةِ زِيَادَةِ وَالنَّهَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الْحَافِظَ من أصحاب بن عمر لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ أن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ بن عُمَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا قَالَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ ليس فيهن بتسليم تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي في الشمائل ورواه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ انْتَهَى وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن في موطأه حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَسَأَلَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ قُلْتُ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَتَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ فَقَالَ لَا
قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي أيوب هذا ضعيف بكلتا الطريقين أَمَّا طَرِيقُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فَفِيهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ قَدِ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحافظ
وقال الزيلعي في نصب الراية قال صاحب التنقيح وروى بن خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ وَضَعَّفَهُ فَقَالَ وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ انْتَهَى
وَأَمَّا طَرِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفِيهَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ ضعفه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى
وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا صَرِيحًا فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا فِي الْوَصْلِ بَيْنَهُنَّ فَإِنْ شَاءَ صَلَّاهُنَّ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ شَاءَ صَلَّاهُنَّ بِسَلَامَيْنِ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/411)
201 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ [425] )
قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَقَدْ جَاءَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه مسلم
قول (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا وتقدم في الباب المتقدم
02 - بَاب مِنْهُ آخَرُ [426] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ صَدُوقٌ
قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا لَمْ يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها) أَيْ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بعد الركعتين بعد الظهر ورواه رواية بن مَاجَهْ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ فَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ وُثِّقَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ ما لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَحَدَّثَ بِهِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَعَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إِلَى(2/412)
آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا قَضَاءً وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ وَقَدْ يُعْكَسُ هَذَا فَيُقَالُ لَوْ كَانَ وَقْتُ الْأَدَاءِ بَاقِيًا لَقُدِّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ عبيد الله العتكي وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ إِنَّهُ صَدُوقٌ (وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ نَحْوَ هَذَا) أخرجه بن ماجه وتقدم لفظه (وقد روى عن الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هذا) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مُرْسَلًا بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَهَا
[427] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا (يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) ثِقَةٌ مُتْقِنٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَثَّقَهُ دحيم والمفضل بن غسان العلائي والنسائي وبن حِبَّانَ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بن المهاجر الشعثي النصري الدمشقي قال الحافظ مقبول وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سفيان بن حرب بن أمية القرشي الأموي أَخُو مُعَاوِيَةَ يُكَنَى أَبَا الْوَلِيدِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ رِوَايَةٌ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ اتفق الأئمة على أنه تابعي وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
مَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ
قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَفِي رِوَايَةٍ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ إِنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُهَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ أَوْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَنْ(2/413)
تَسْتَوْعِبَ أَجْزَاءَهُ وَإِنْ مَسَّتْ بَعْضَهُ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ فَتَمَسُّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوَاضِعَ السُّجُودِ فَيَكُونَ قَدْ أَطْلَقَ الْكُلَّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ مَجَازًا وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّمُ جَمِيعَهُ عَلَى النَّارِ وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَرَحْمَتُهُ أَعَمُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ صَلَّى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْآتِيَةَ بِلَفْظِ مَنْ حَافَظَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِلْمُحَافِظِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
[428] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن إسحاق البغدادي) المغاني بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ) بِكَسْرِ مُثَنَّاةِ فَوْقَ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتَ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ (عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) قَدْ بَيَّنَ تَرْجَمَتَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (مَنْ حَافَظَ) أي داوم واظب قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ رَكْعَتَانِ مِنْهَا مُؤَكَّدَةٌ وَرَكْعَتَانِ مُسْتَحَبَّةٌ فَالْأَوْلَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأُولَى انْتَهَى قُلْتُ فِيهِ مَا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَهُوَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ الْقَاسِمُ هَذَا اخْتُلِفَ فِيهِ فمنهم(2/414)
مَنْ يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ صَدُوقٌ وقال الذهبي في الميزان وثقه بن مَعِينٍ مِنْ وُجُوهٍ عَنْهُ
وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ كَانَ خيارا فاصلا أَدْرَكَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثِقَةٌ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُهُ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ قَبْلَ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ أَعَاجِيبَ وَمَا أَرَاهَا إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْقَاسِمِ
وقال بن حِبَّانَ كَانَ الْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ أَرْبَعِينَ بَدْرِيًّا
كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعْضِلَاتِ وَأَتَى عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ حَتَّى يَسْبِقَ إِلَى الْقَلْبِ أَنَّهُ كَانَ الْمُتَعَمِّدَ لَهَا انْتَهَى
03318318318 - 3 - 1 - 8
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ [429] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله السبيعي ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيُّ صَدُوقٌ
قَوْلُهُ (يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَحْيَانًا رَكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَالرَّجُلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ (يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ) الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ تَسْلِيمُ التَّشَهُّدِ دُونَ تَسْلِيمِ التَّحَلُّلِ كَمَا سَتَقِفُ عليه
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ
مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أبي(2/415)
هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ الترمذي وَالْبَزَّارُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كان بن الْمُبَارَكِ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ قَدْ أَعَادَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا فِي الْبَابِ كَيْفَ يَتَطَوَّعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ وَذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ رُوِيَ عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْكَلَامِ
قَوْلُهُ (وَاخْتَارَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ) أَيْ لَا يُصَلِّي الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ بَلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ (وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ يَفْصِلُ بينهن بالتسليم يعني التشهد) قَالَ الْبَغَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ التَّشَهُّدُ دُونَ السَّلَامِ أَيْ وَسُمِّيَ تَسْلِيمًا عَلَى مَنْ ذَكَرَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ وكذا قاله بن الْمَلَكِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ انْتَهَى
قُلْتُ وَقِيلَ المراد بالتسليم التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا اخْتَارَهُ إِسْحَاقُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ حَيْثُ أَعَادَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ (وَرَأَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يَخْتَارَانِ الْفَصْلَ أَيْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ رُبَاعَ رُبَاعَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَصَلَاةُ النَّهَارِ رُبَاعَ رُبَاعَ)
وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَنَذْكُرُ دلائل كل من هؤلاء مع بيان مالها وَمَا عَلَيْهَا وَمَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ كَيْفَ يَتَطَوَّعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ(2/416)
[430] قَوْلُهُ (وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ النُّكْرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والترمذي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ صالح جَزَرَةَ كَانَ أَحْمَدُ أَكْثَرَهُمَا حَدِيثًا وَأَعْلَمَهُمَا بِالْحَدِيثِ وَكَانَ يَعْقُوبُ يَعْنِي أَخَاهُ أَسْنَدَهُمَا وَكَانَا جَمِيعًا ثِقَتَيْنِ وَكَانَ مَوْلِدُ أَحْمَدَ سَنَةَ وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَصْرِيٌّ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ لَا بَأْسَ بهما وقال بن حبان في الثقات كان يخطيء (سَمِعَ جَدَّهُ) هُوَ مُسْلِمُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو الْمُثَنَّى
قَالَ الْحَافِظُ مُسْلِمُ بْنُ الْمُثَنَّى وَيُقَالُ بن مِهْرَانَ بْنُ الْمُثَنَّى أَبُو الْمُثَنَّى الْكُوفِيُّ رَوَى عن بن عُمَرَ وَعَنْهُ حَفِيدُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مسلم قال أبو زرعة ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
قَوْلُهُ (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِتَقْدِيمِ لَفْظِ حَسَنٍ عَلَى لَفْظِ غَرِيبٍ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصْفَ بِالْحَسَنِ عَلَى الْغَرَابَةِ وَقُدِّمَ هُنَا غَرِيبٌ عَلَى حَسَنٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْوَصْفَ الْغَالِبَ عَلَى الْحَدِيثِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحُسْنُ قَدَّمَهُ وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَرَابَةُ قَدَّمَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَانْتَفَتْ فِيهِ وُجُوهُ الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ وَصْفُ الْغَرَابَةِ انْتَهَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي النُّسْخَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَهُ هَذَا غَرِيبٌ حَسَنٌ بِتَقْدِيمِ لَفْظِ غَرِيبٍ عَلَى لَفْظِ حسن
وحديث بن عُمَرَ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكره
رواه أبو داود والترمذي وحسنه وبن حبان وصححه وكذا شيخه بن خزيمة من حديث بن عُمَرَ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ وَفِيهِ مَقَالٌ لكن وثقه بن حبان انتهى(2/417)
204319 - (باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا [431] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بَدَلُ) بِفَتْحَتَيْنِ (بْنُ الْمُحَبَّرِ) عَلَى وَزْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا فِي حَدِيثِهِ عن زائدة (أخبرنا بعد الْمَلِكِ بْنُ مَعْدَانَ) هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمَعْدَانِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قال بن مَعِينٍ صَالِحٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ بن حِبَّانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ سَمِعَ مِنْهُ بَدَلٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وسكون الهاء وفتح الدال المهملة هو بن أَبِي النَّجُودِ الْكُوفِيِّ أَحَدِ السَّبْعَةِ الْقُرَّاءِ ثَبْتٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ دُونَ الثَّبْتِ صدوق بهم
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِحَافِظٍ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحِلُّهُ الصِّدْقُ
وقال بن خراش في حديثه نكرة
قال الذَّهَبِيُّ هُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ خَرَّجَ لَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ لَا أَصْلًا وَانْفِرَادًا
انْتَهَى كَلَامُ الذَّهَبِيِّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْرُونٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (قَالَ مَا أُحْصِي) أَيْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعُدَّ (مَا سَمِعْتُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ (يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) أَيْ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا قُلْ يا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد المغرب
قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ
قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ(2/418)
مَعْدَانَ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تُعَضِّدُهُ
05 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا فِي الْبَيْتِ [432] )
قَوْلُهُ (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ) الْمُرَادُ مِنَ الْمَعِيَّةِ هَذِهِ مُجَرَّدُ الْمُتَابَعَةِ فِي الْعَدَدِ وَهُوَ أَنَّ بن عُمَرَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَحْدَهُ كَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ لَا أَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ بِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ
فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ يَجْمَعُ فِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ انْتَهَى
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَمَّا حَدِيثُ رافع فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمُ السُّبْحَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عجرة فأخرجه أبو داود بفلظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي مَسْجِدَ بَنِي الْأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صلاة البيوت
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[433] قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ) وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا قَالَ الْحَافِظُ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ يُصَلِّي تَارَةً ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ(2/419)
وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ اللَّيْلِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ عَمْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَشَاغَلُ بِالنَّاسِ فِي النَّهَارِ غَالِبًا وَبِاللَّيْلِ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ غَالِبًا قَالَ وأغرب بن أبي ليلى فقال لا تجزىء سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد عنه عقب روايته الحديث مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ وَقَالَ إِنَّهُ حَكَى ذلك لأبيه عن بن أَبِي لَيْلَى فَاسْتَحْسَنَهُ انْتَهَى
قُلْتُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي وحدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي بعد الْأَشْهَلِ فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْتُ لِأَبِي إِنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ مِنْ صَلَوَاتِ الْبُيُوتِ
قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ مَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ انْتَهَى مَا فِي الْمُسْنَدِ
وَفِيهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حدثنا أبي عن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمْدٍ
[434] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(2/420)
206 - (باب ما جاء في فضل التطوع ست رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ [435] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ) هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ) أَيْ بَعْدَ فَرْضِهِ (سِتَّ رَكَعَاتٍ) الْمَفْهُومُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الرَّاتِبَتَيْنِ دَاخِلَتَانِ فِي السِّتِّ وَكَذَا فِي الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَالَهُ الطيبي قال القارىء فَيُصَلِّي الْمُؤَكَّدَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَفِي الْبَاقِي بِالْخِيَارِ (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ أَدَائِهِنَّ وقال بن حَجَرٍ إِذَا سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (بِسُوءٍ) أي بكلام سيء أو بكلام يوجب سوءا (عدلن) بصيغة للمجهول وَقِيلَ بِالْمَعْلُومِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ عَدَلْتَ فُلَانًا بِفُلَانٍ إِذَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا (لَهُ) أَيْ لِمَنْ صَلَّى (بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَثِّ وَالتَّحْرِيضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُفَضِّلَ مَا لَا يَعْرِفُ عَلَى مَا يَعْرِفُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ حَثًّا وَتَحْرِيضًا
وَقَالَ الْقَاضِي لَعَلَّ الْقَلِيلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْحَالِ يُضَاعَفُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي غَيْرِهِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ ركعة إلخ)
أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَيَعْقُوبُ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان قال أحمد خرقتا حَدِيثَهُ وَكَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَيَحْيَى وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا كَانَ مِنَ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ يَضَعُ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ المنذري في الترغيب رواه بن ماجه وبن(2/421)
خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ (وَضَعَّفَهُ جِدًّا) أَيْ تَضْعِيفًا قَوِيًّا
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَنَّ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَمَنْ قَرَأَ الدُّخَانَ فِي لَيْلَةٍ حَدَّثَ عَنْهُ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وعمر بن يونس اليمامي وغيرهما
وهاه أَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ انْتَهَى
وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَقَالَ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ قَطَنٍ الْبُخَارِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ صَالِحٌ هَذَا لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ فِيهِ جَرْحٌ وَلَا تَعْدِيلٌ انْتَهَى
قُلْتُ لَمْ أَجِدْ أَنَا أَيْضًا تَرْجَمَتَهُ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَالِهِ
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى إِلَى الْعِشَاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَائَيْنِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفَةً فَهِيَ مُنْتَهِضَةٌ بِمَجْمُوعِهَا لَا سِيَّمَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى
07 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ [436] )
قَوْلُهُ (فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ القارىء في المرقاة هذا دليل المختار مذهب أَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رَكْعَتَانِ وَالْكُلُّ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ(2/422)
الصَّحِيحَةِ (وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس بالمغرب ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ قَالَ بن الْمَلَكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَدَاءِ السُّنَّةِ فِي الْبَيْتِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا إِظْهَارُ السُّنَّةِ الراتبة أولى ليعملها الناس انتهى
قال القارىء أَيْ لِيَعْلَمُوا عَمَلَهَا أَوْ لِئَلَّا يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ أَوْلَى مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ الْمَوْلَى
قَوْلُهُ (وفي الباب عن علي وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
08 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى [437] )
قَوْلُهُ (قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) أي اثنين اثنين وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَقَالَ آخَرُونَ الْعَدْلُ وَالْوَصْفُ
وَأَمَّا إِعَادَةُ مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره بن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى قَالَ تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا إِنَّهَا مَثْنَى
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى تَعْيِينِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الليل قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ
وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ كَذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ إِذِ السَّلَامُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ(2/423)
الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءِ مَا يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ
وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ إِلَّا أَنَّا نَخْتَارُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَجَابَ بِهِ السَّائِلَ وَلِكَوْنِ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ أَثْبَتُ وَأَكْثَرُ طُرُقًا كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَاسْتَدَلُّوا بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الباب
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي أَرْبَعٍ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وبأنه قد تبين من رواية أخرى أنه حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ الْمَنْطُوقُ بِهِ فَفِي السُّنَنِ وصححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى
وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الحفاظ من أصحاب بن عمر لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ أن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ
وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خالفه بن عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي سُؤَالَاتِهِ لَكِنْ رَوَى بن وهب بإسناد قوى عن بن عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى موقوف أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أن لا يكون شاذا
وقد روى بن أبي شيبة من وجه اخر عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وهذا موافق لما نقله بن مَعِينٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 534
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عمرو بن عنبسة) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَاتٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نزل الشام وأخرج حديثه بن نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَجَوْفُ اللَّيْلِ أَحَقُّ بِهِ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مريم ضعيف
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(2/424)
209 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ اللَّيْلِ [438] )
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ الْيَشْكُرِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ثِقَةٌ فَقِيهٌ
قَوْلُهُ (شَهْرُ اللَّهِ) صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْظِيمِ (الْمُحَرَّمُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ الْمُضَافِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِصِيَامِ شَهْرِ اللَّهِ صيام يوم عاشوراء قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ
صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ القارىء (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ حُجَّةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَوْفَقُ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَمْرِي إِنَّ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ سِوَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاما محمودا وقوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين) وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْآيَاتِ لَكَفَاهُ مَزِيَّةً انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَبِلَالٍ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ(2/425)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ وأبو داود والنسائي وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتَانِيَّةِ كَذَا ضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَصْفِ صَلَاةِ النَّبِيِّ)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ [439] قَوْلُهُ (يُصَلِّي أَرْبَعًا) يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُتَّصِلَاتٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ ويحتمل أنها مُفَصَّلَاتٌ وَهُوَ بَعِيدٌ إِلَّا أَنَّهُ يُوَافِقُ حَدِيثَ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى قَالَهُ صَاحِبُ السُّبُلِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ نَهَتْ عَنْ سُؤَالِ ذَلِكَ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ الْمُخَاطَبُ عَلَى مِثْلِهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ فِي السُّؤَالِ أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ حُسْنَهُنَّ وَطُولَهُنَّ لِشُهْرَتِهِ فَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تَصِفَ ذَلِكَ (ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) الظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَصَّلَاتٌ (أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ) كَأَنَّهُ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّلَاثَ وَكَأَنَّهُ كَانَ قد تقرر عند عائشة أن النوم ناقص (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الحافظ في التلخيص لا ينتقض وضوؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّوْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عَيْنَيَّ تنامان ولا ينام قلبي وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
وفي البخاري(2/426)
في حديث الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنَهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَعْنِي لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ مَعَ قَوْلِهِ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانَ
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[440] قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عشرة ركعة يوتر بها مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُونَ النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بين كل اثنتين ويوتر بواحدة وكان يمكث فِي سُجُودِهِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ وَفِي أُخْرَى كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ انْتَهَى
[441] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ متفق عليه(2/427)
211 - بَاب مِنْهُ [442] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ الضُّبَعِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً) وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عن مخرمة عن كريب أن بن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ بِإِسْنَادِهِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادِهِ وَفِيهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى الْعَتَمَةَ ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَجْدَةً
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً الْحَدِيثَ
وَفِيهِ فَقَامَ فَصَلَّى فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً إِلَخْ
12 - بَاب مِنْهُ [443] قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ(2/428)
وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثم يسلم تسليمة يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصنع الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّخَشُّعِ فِي الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صحيحه عن سعد بن هشام حدثنا طَوِيلًا وَفِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَ رَكْعَةً مَعَ الوتر) كما عرفت في حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (وَأَقَلُّ مَا وُصِفَ مِنْ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ تِسْعُ رَكَعَاتٍ بَلْ سَبْعُ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ)
فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأخذ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتَيِ الفجر(2/429)
[445] قَوْلُهُ (إِذَا لَمْ يُصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ مَنَعَهُ نَوْمٌ أَوْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وكان إذا غلبه النوم أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ (صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) أَيْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَوْرَادِ وأنها إذا فاتت تقصى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ
قَوْلُهُ (كَانَ زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ) هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ التابعين ثقة عابد (فكان يوم بَنِي قُشَيْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ (فَقَرَأَ يَوْمًا) فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ (فَإِذَا نقر في الناقور) أَيْ نُفِخَ فِي الصُّورِ وَبَعْدَهُ
فَذَلِكَ يَوْمئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يسير (خرميتا) وكذلك وقع الاخرين أَنَّهُمْ مَاتُوا لِسَمَاعِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ
فَفِي قيام الليل وصلى خُلَيْدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَرَأَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت فَرَدَّدَهَا مِرَارًا فَنَادَاهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ كَمْ تُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ فَلَقَدْ قَتَلْتَ بِهَا أَرْبَعَةَ نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَاتُوا مِنْ تَرْدَادِكَ هَذِهِ الْآيَةَ فَوَلِهَ خُلَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهًا شَدِيدًا حَتَّى أَنْكَرَهُ أَهْلُهُ كَأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي كَانَ
وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ (وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مولاهم الحق) الْآيَةَ فَصَرَخَ وَاضْطَرَبَ حَتَّى مَاتَ
وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا الناس والحجارة فَمَاتَ لِأَنَّ مَرَارَتَهُ تَفَطَّرَتْ
وَقِيلَ لِفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ مَا سَبَبُ مَوْتِ ابْنِكَ قَالَ بَاتَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي مِحْرَابِهِ فَأَصْبَحَ مَيِّتًا(2/430)
213 - (بَابٌ فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا)
في كُلَّ لَيْلَةٍ [446] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإسْكَنْدرانِيُّ) ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ) قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ فَعَلَيْكَ اتِّبَاعَ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأول) بالرفع صفة ثلث (من الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ) بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَأُعْطِيَهُ وَفَأَغْفِرَ لَهُ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فيضاعفه له الْآيَةَ وَلَيْسَتِ السِّينُ فِي أَسْتَجِيبُ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ (حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَطْلُعَ وَيَظْهَرَ الْفَجْرُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَرِفَاعَةَ الجهني وجبير بن مطعم وبن(2/431)
مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) أما حديث علي وبن مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَرِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ) بِرَفْعِ الْآخِرُ لِأَنَّهُ صِفَةُ الثُّلُثِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ مَا لَفْظُهُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةَ لَهُ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى رُوَاتِهَا وَسَلَكَ بَعْضُهُمْ طَرِيقَ الْجَمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ انْحَصَرَتْ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا هَذِهِ يَعْنِي حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ ثانيها إذا مضى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَوِ النِّصْفُ رَابِعُهَا النِّصْفُ خَامِسُهَا النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ سَادِسُهَا الْإِطْلَاقُ
فَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ وَأَمَّا الَّتِي بِأَوْ فَإِنْ كَانَتْ أَوْ لِلشَّكِّ فَالْمَجْزُومُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ حَالَيْنِ فَيُجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ لِكَوْنِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ تَخْتَلِفُ فِي الزَّمَانِ وَفِي الْآفَاقِ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ دُخُولِ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَأَخُّرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ يَقَعُ فِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ الثَّانِي وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ بِهِ فَنَقَلَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ(2/432)
214 - (باب ما جاء في القراءة اللَّيْلِ [447] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ) البجلي أبو زكريا السيلحيني البغدادي
قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً حَافِظًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رباح الأنصاري المدني أبي خالد مسكن الْبَصْرَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَتَلَهُ الْأَزَارِقَةُ قَوْلُهُ (قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ) وَفِي رِوَايَةِ أبي داود رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ وَمَرَّ بِعُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ قَالَ فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ إِلَخْ (وَأَنْتَ تَقْرَأُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَأَنْتَ تَخْفِضُ) ضِدُّ الرَّفْعِ (فَقَالَ إِنِّي أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ) جَوَابٌ مُتَضَمِّنٌ لِعِلَّةِ الْخَفْضِ أَيْ أَنَا أُنَاجِي رَبِّي وَهُوَ يَسْمَعُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ (فَقَالَ إِنِّي أُوقِظُ) أَيْ أُنَبِّهُ (الْوَسْنَانَ) أَيِ النَّائِمَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَغْرِقٍ فِي نَوْمِهِ (وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ) أَيْ أُبْعِدُهُ (قَالَ ارْفَعْ قَلِيلًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ارْفَعْ من صوتك شيئا (قال اخفض قلي) أَيِ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عائشة وأم هانيء وأنس وأم سلمة وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أم هانيء فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ
قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى عَرِيشِ أَهْلِي
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا
وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ(2/433)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ
وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ سُئِلَ بن عَبَّاسٍ عَنْ جَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِي حُجْرَتِهِ قِرَاءَةً لَوْ أَرَادَ حَافِظٌ أَنْ يَحْفَظَهَا فَعَلَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم فروى النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ بِآيَةٍ وَالْآيَةُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم ورواه محمد بن نصر ف ي قِيَامِ اللَّيْلِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا يَرْكَعُ وَبِهَا يَسْجُدُ وَبِهَا يَدْعُو إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قُمْتُ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَالِهِ
[449] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ) النَصْرِيِّ بِالنُّونِ هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ الْحِمْصِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ
قَوْلُهُ (كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ) أَيْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِالسِّرِّ أَوْ بِالْجَهْرِ (رُبَّمَا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَرُبَّمَا جَهَرَ) بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ جَائِزَانِ فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ
وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الْبَجَلِيُّ السَّيْلَحِينِيُّ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صحيحه انتهى
[448] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ) الْبَصْرِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ
(قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً) وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ إِنْ(2/434)
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أنت العزيز الحكيم فروى النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ باية وا ية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مطو وَفِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا يَرْكَعُ وَبِهَا يَسْجُدُ وَبِهَا يَدْعُو (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم) الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قُمْتُ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى حاله
15 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ [450] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ) الْفَزَارِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وثقه بن مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) هُوَ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ يُرْسِلُ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ (عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وسكون السين المدني العابد مولى بن الْحَضْرَمِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ قَالَ مَالِكٌ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ كَفَنًا قَوْلُهُ
(أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فِي بُيُوتِكُمْ وَهَذَا عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ إِلَّا النَّوَافِلَ الَّتِي مِنْ شِعَارِ الْإِسْلَامِ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ (إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ) أَيِ الْمَفْرُوضَةَ فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُشْرَعُ لَهَا فَهِيَ بِمَحِلِّهَا أفضل(2/435)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هريرة وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا
وَأَمَّا حديث أبي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَجْعَلُوهَا عَلَيْكُمْ قُبُورًا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن سعد فأخرجه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَلَفْظُهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِي أَوِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا
قال الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِهِ بِلَفْظِ أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ رواه الجماعة إلا بن مَاجَهْ
[451] قَوْلُهُ (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ) أَيِ النَّوَافِلَ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ(2/436)
صَلَاتِكُمْ (وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَهِيَ الْقُبُورُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي بَيْتِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ كَالْمَيِّتِ وَبَيْتَهُ كَالْقَبْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ كَمَثَلِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَدْفِنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَدْ دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُهُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الأنبياء يدفنون حيث يموتون
قول (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(2/437)
3 - (أَبْوَابُ الْوِتْرِ)
(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْوِتْرِ [452] )
قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) الْمُضَرِيِّ أَبِي رَجَاءٍ وَاسْمُ أَبِيهِ سُوَيْدٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِفَاءٍ الْحَافِظُ مَسْتُورٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بِحَدِيثِ الْوِتْرِ رَوَاهُ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ لا يعرف سماعه من بن أَبِي مُرَّةَ
قُلْتُ وَلَا هُوَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ) صَدُوقٌ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ خَارِجَةَ مُنْقَطِعَةٌ قَالَهُ الحافظ
وقال الخزرجي في الخلاصة قال بن حِبَّانَ خَبَرُهُ بَاطِلٌ وَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِخَبَرِهِ حَدِيثُ الْوِتْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ) هُوَ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ كَانَ أَحَدَ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يُعْدَلُ بِأَلْفِ فَارِسٍ وَعِدَادُهُ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَارِجِيُّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْخَارِجِيُّ هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَتَوَجَّهَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَنَفَذَ قَضَاءُ اللَّهِ فِي عَلِيٍّ دُونَهُمَا وَكَانَ قَتْلُ خَارِجَةَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ
قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ زَادَكُمْ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى
وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ هُوَ مِنْ أَمَدَّ الْجَيْشَ إِذَا أَلْحَقَ بِهِ مَا يُقَوِّيهِ أَيْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ(2/438)
لِيُؤْجِرَكُمْ بِهَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ فَشَرَعَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ لِيَزِيدَكُمْ إِحْسَانًا عَلَى إِحْسَانٍ انْتَهَى وقال القارىء وغيره أي جعلها زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ مِنْ مَدَّ الْجَيْشَ وَأَمَدَّهُ أَيْ زَادَ وَالْأَصْلُ فِي الْمَزِيدِ أَنْ يكون من جنس الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ وَاجِبًا انْتَهَى
قُلْتُ (اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ بِهَذَا التَّقْرِيرِ) وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حيث قال فيه به احتج علماء وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ وَهَذِهِ دَعْوَى بَلِ الزِّيَادَةُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَزِيدِ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ فَلَمَّا قَضَاهُ زَادَهُ ثَمَنًا أَوْ رُبْعًا إِحْسَانًا كَزِيَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ فِي ثَمَنِ الْجَمَلِ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَتَعَلَّلُونَ بِهِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال بن الْعَرَبِيِّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ مجرد دعوى لا دليل عليها بل يردها مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِقَوْلِهِ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ زَادَكُمْ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفْعَهُ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إِلَى صَلَاتِكُمْ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ أَلَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَنُقِلَ عن بن خزيمة أنه قال لو أمكني لَرَحَّلْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى
وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْآتِي (هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ أَحْمَرَ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِلْعَرَبِ فِيهَا لِأَنَّ حُمْرَ النَّعَمِ أَعَزُّ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُمْ فَكَانَتْ كِنَايَةً عَنْ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا لِأَنَّهَا ذَخِيرَةُ الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (الْوِتْرِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ صَلَاةٍ بَدَلُ الْمَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ الْوِتْرُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي بَصْرَةَ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ
وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا وَفِي إِسْنَادِهِ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ شَيْخٌ صَالِحٌ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الْوِتْرُ
وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ الْوِتْرُ حَقٌّ(2/439)
فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أبو المنيب العتكي المروزي وقد وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِي مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عن الصحابي ورواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ عَنْ بَعْضٍ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وَقَدْ عَرَفْتَ
أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ منقطعة وقال بن حِبَّانَ خَبَرُهُ بَاطِلٌ وَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ الزَّوْفِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ وَلِشَيْخِهِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ وبن مَاجَهْ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَلَيْسَ لَهُمْ رِوَايَةٌ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ انْتَهَى
333333333
333 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ [453] )
أَيْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ سُنَّةٌ وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فرض
قال الحافظ بن حجر
وقد بالغ أبو حامد فَادَّعَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ انْفَرَدَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ ولم يوافقه صاحباه
مع أن بن أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ عَنْ مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله بن الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ سَحْنُونٌ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ وَكَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ انْتَهَى(2/440)
قَوْلُهُ (الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَتْمُ اللَّازِمُ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ انْتَهَى (وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَعَلَهُ مَسْنُونًا غَيْرَ حَتْمٍ (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوِتْرُ الْفَرْدُ وَتُكْسَرُ وَاوُهُ وَتُفْتَحُ فَاللَّهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَالتَّجْزِئَةَ وَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ فَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ وَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مُعِينَ (يُحِبُّ الْوِتْرَ) أَيْ يُثِيبُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عَامِلِهِ
قَالَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُنَاسِبُ الشَّيْءَ أَدْنَى مُنَاسَبَةٍ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةُ (فَأَوْتِرُوا) أَمْرٌ بِصَلَاةِ الْوِتْرِ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ يُصَلِّيَ فِي آخِرِهَا رَكْعَةً مُفْرَدَةً أَوْ يُضِيفَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ كَذَا في النهاية
قال بن الْمَلَكِ الْفَاءُ تُؤْذِنُ بِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا انْتَهَى (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ) أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ عَامَّةٌ لِمَنْ آمَنَ به سواء قرأ أم لم يقرأ وإن كَانَ الْأَكْمَلُ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ وَحَفِظَ وَعَلِمَ وَعَمِلَ شَامِلَةٌ مِمَّنْ تَوَلَّى قِيَامَ تِلَاوَتِهِ وَمُرَاعَاةَ حدوده وأحكامه
قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن مسعود وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا أَنَّ رجلا سأل بن عُمَرَ عَنِ الْوِتْرِ أَوَاجِبٌ هُوَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ
وَفِي رِوَايَةٍ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لست من أهله
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى
هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ قَالَ الْوِتْرُ حَسَنٌ جَمِيلٌ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ(2/441)
اعْلَمْ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وجوب الوتر بأحاديث الباب وبحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ
وَرَوَى مسلم عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَبِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ قَالَ فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ قِيَامِ اللَّيْلِ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَذَكَرَ فِيهَا أَحَادِيثَ وَآثَارًا كَثِيرَةً مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
وَاسْتَدَلَّ من قال بوجوب الوتر بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَذَا آخِرُهُ وَبِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ جَعْلِ آخِرِ صَلَاةٍ بِاللَّيْلِ وِتْرًا لَا عَلَى وُجُوبِ نَفْسِ الْوِتْرِ وَالْمَطْلُوبُ هذا لاذا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيتَارِ قَبْلَ الْإِصْبَاحِ لَا عَلَى وُجُوبِ نَفْسِ الْإِيتَارِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي سَنَدِهِ أَبُو الْمُنِيبِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ فَيَحْتَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ إِلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَفْظَ حَقٌّ بِمَعْنَى وَاجِبٌ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ وَأَنَّ لَفْظَ وَاجِبٌ بِمَعْنًى مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ انْتَهَى
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ الْوِتْرُ
الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ الْوِتْرِ وَقَدْ عَرَفْتَ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْهُ
قَالَ بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ مَا لَفْظُهُ وَأَحَادِيثُهُمْ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهَا ثُمَّ إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَأْكِيدُهُ وَفَضِيلَتُهُ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَذَلِكَ حَقٌّ وَزِيَادَةُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً وَالتَّوَعُّدُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَأْكِيدِهِ كَقَوْلِهِ مَنْ أَكَلَ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنْ مَسْجِدَنَا انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى الْوُجُوبِ وَالْأَحَادِيثِ(2/442)
الَّتِي تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ مَا لَفْظُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا وَقَوْلُهُ الْوِتْرُ حَقٌّ وَقَوْلُهُ أَوْتِرُوا وَحَافِظُوا وَقَوْلُهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَتَكُونُ صَارِفَةً لِمَا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْوِتْرِ وَاجِبٌ فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْوُجُوبِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَصْرُوفٌ إِلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عن بن مَسْعُودٍ وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ فَهُوَ ضَعِيفٌ
ثُمَّ التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَصْرُوفٌ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ
ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تطوع وروى الشيخان أيضا من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ انتهى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وصححه الحاكم كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية النوم قبل الْوِتْرِ [455] )
أَيْ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَاسْمُهُ مساك الكوفي مولى(2/443)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الشَّعْبِيِّ رَوَى عَنِ بن عُمَرَ مَوْلَاهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَعَنْهُ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي ثَوْرٍ الْأَزْدِيِّ) الْحُدَّانِيِّ الْكُوفِيِّ قِيلَ هُوَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
قَوْلُهُ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ) وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقَدُّمِ الْوِتْرِ عَلَى النَّوْمِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ
وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ مِثْلُهَا لِأَبِي الدَّرْدَاءِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَبَدًا أَوْصَانِي بِصَلَاةِ الضُّحَى وَبِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ وَبِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ من وجه اخر عنه باللفظ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَأَبُو ثَوْرٍ الْأَزْدِيُّ اسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) كَذَا جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ النَّهْدِيِّ إِنَّهُ أَبُو ثَوْرٍ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو ثَوْرٍ الْأَزْدِيُّ وَلَا يَصِحُّ انْتَهَى (وَقَدِ اخْتَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم أَنْ لَا يَنَامَ الرَّجُلُ حَتَّى يُوتِرَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمُ اخْتَارُوهُ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جابر(2/444)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ
إِلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ أَيْ تَحْضُرُهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ (وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ وَصِيَّةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِإِرَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْآخَرَ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَحْتَ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِذَلِكَ فَالتَّقْدِيمُ لَهُ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ يُحْمَلُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى هَذَا التفصيل الصحيح الصريح انتهى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ [456] )
(أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ) بتشديد المثلثة الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ) أَيْ قَدْ أَوْتَرَ مِنْ كُلِّ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ (أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (فَانْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ فِي وَجْهِ السَّحَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ كَانَ آخِرُ أمر الإيثار فِي السَّحَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ آخِرُ اللَّيْلِ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَاتِ(2/445)
الْأُخْرَى فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِيتَارِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الْوِتْرِ مَغِيبُ الشَّفَقِ بَعْدَ صَلَاةِ العشاء كذا نقله بن الْمُنْذِرِ لَكِنْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ قَالُوا وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَبَانَ أَنَّهُ كَانَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْوِتْرَ مُتَطَهِّرًا أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ فَصَلَّى الْوِتْرَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دُونَ الْأَوَّلِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وأبي قتادة) أما حديث علي فأخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِسَبْعٍ [457] )
قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ) الْعُرَنِيِّ الْكُوفِيِّ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ زَبَّانٌ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْغُلُوِّ بِالتَّشَيُّعِ
قَوْلُهُ (يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ) أَيْ مَعَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ أَوْ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَفْتَتِحُ بِهِمَا صَلَاةَ اللَّيْلِ كَمَا سَتَعْرِفُ (فَلَمَّا كَبِرَ) مِنْ بَابِ عَلِمَ يُسْتَعْمَلُ فِي كِبَرِ السِّنِّ(2/446)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ صَلَاتُهُ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ عَائِشَةَ الْأُولَى يُخَالِفُ رِوَايَتَهَا الثَّانِيَةَ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَضَافَتْ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ الْحَدِيثَ
دَلَّتْ عَلَى الْحَصْرِ فِي إِحْدَى عَشْرَةَ جَاءَ فِي صِفَتِهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ وَغَيْرِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَتَعَرَّضَتْ لَهُمَا فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعٍ وَسَبْعٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ) وَرَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَمَا سَتَعْرِفُ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (قَالَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يصلي من الليل ثلاث عشرة مَعَ الْوِتْرِ فَنُسِبَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ إِلَى الْوِتْرِ) وَأَطْلَقَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ لَفْظَ الْوِتْرِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ أَيْ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (وَروَى فِي ذَلِكَ(2/447)
حَدِيثًا عَنْ عَائِشَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ وَعَشْرَةٍ وَثَلَاثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَا أَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِخَمْسٍ [459] )
قَوْلُهُ (لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) أَيْ لَا يَجْلِسُ فِي رَكْعَةٍ مِنَ الرَّكَعَاتِ الْخَمْسِ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَعْيِينِ الثَّلَاثِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ سِتٌّ مِنْهُنَّ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَقْعُدُ فِيهِنَّ
وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي السَّابِعَةِ فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُعُودِ فِي السَّادِسَةِ فِي الْإِيتَارِ بِالسَّبْعِ وَالرِّوَايَتَانِ الْأُولَيَانِ تَدُلَّانِ عَلَى نَفْيِهِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّفْيِ لِلْقُعُودِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقُعُودِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ التَّسْلِيمُ انْتَهَى(2/448)
قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ يَقْعُدُ فِي السَّادِسَةِ فِي الْإِيتَارِ بِالسَّبْعِ وَقَدْ لَا يَقْعُدُ فِيهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ شَاءَ بِسَبْعٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ وَقَدْ روى في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث كثير فَمِنْهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ أخرجه أحمد والنسائي وبن ماجه وعن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْوِتْرَ بِخَمْسٍ وَقَالُوا لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَنْصَرِفُ فِيهَا أَيْ لَا يُسَلِّمُ
وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ
وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بثلاث [460] )
قوله (عن الحارث) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ صَاحِبُ عَلِيٍّ أَحَدُ كِبَارِ الشيعة قال الشعبي وبن الْمَدِينِيِّ كَذَّابٌ
قَوْلُهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) زَادَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ أَسْوَدُ بْنُ عامر شيخ أَحْمَدَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ وإنا أنزلناه في ليلة القدر وإذا(2/449)
زلزلت الأرض) وفي الركعة الثانية (والعصر وإذا جاء نصر الله والفتح وإنا أعطيناك الكوثر) وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وتبت يدا أبي لهب وقل هو الله أحد)
كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا الْحَدِيثَ
وَلِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الاتي
وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ الأربعة إلا الترمذي وصححه بن حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَقْفَهُ
وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ
قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي رواية النسائي يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد (وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي صُحْبَتِهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَجُلًا وَكَانَ عَلَى خُرَاسَانَ لِعَلِيٍّ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَيْضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
انْتَهَى(2/450)
قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ إِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بِخَمْسٍ وَإِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بركعة) روى أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَآخَرُونَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَالذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَفَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى
وَقَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ إِذْ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ انْتَهَى
فَهَذَا الْحَدِيثُ وَالْأَحَادِيثُ الْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ سُفْيَانُ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوِتْرَ بِوَاحِدَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ انْتَهَى
قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ (قَالَ وَالَّذِي اسْتُحِبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كما ستقف عليه (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَقَلُّ
وَقَوْلُهُمْ هَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْإِيتَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ الْقَوِيَّةِ كَمَا عَرَفْتَ وَكَمَا سَتَعْرِفُ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ) أَبُو بَكْرٍ ثقة صاحب حديث قال بن حبان ربما أخطأ (عن هشام هو بن حَسَانَ الْأَزْدِيُّ الْقَرْدُوسِيُّ) بِالْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ الْبَصْرِيِّ ثقة من أثبت الناس في بن سِيرِينَ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ مَقَالٌ لِأَنَّهُ قِيلَ كَانَ يُرْسِلُ عَنْهُمَا (قَالَ كَانُوا يُوتِرُونَ) أَيِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ (بِخَمْسٍ وَبِثَلَاثٍ وَبِرَكْعَةٍ وَيَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ حَسَنًا) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ(2/451)
مِنْهُمْ مَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِيتَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَلَا بِأَقَلَّ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَزَعَمَ النُّعْمَانُ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنْتَقَصَ مِنْهُ فَمَنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَوِتْرُهُ فَاسِدٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوِتْرَ فَيُوتِرَ بِثَلَاثٍ إِلَى أَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَقَوْلُهُ هَذَا خِلَافٌ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَخِلَافٌ لِمَا جمع عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ فَأَخَذْنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا مَا عَدَاهُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا بِأَكْثَرَ
قُلْتُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ثَبَتَ الْإِيتَارُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَلَا تُتْرَكُ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَلْبَتَّةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِلنُّعْمَانِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْوِتْرَ لَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا بِأَكْثَرَ بِأَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ جَائِزٌ حَسَنٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوِتْرِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ فَأَخَذَ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ مَعْرِفَةِ الْمُحْتَجِّ بِهَذَا بِالْأَخْبَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ
وَقَدْ رُوِيَ فِي كَرَاهَةِ الْوِتْرِ بِثَلَاثِ أَخْبَارٍ بَعْضُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهَا عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تُشَبِّهُوا بِالْمَغْرِبِ وَلَكِنْ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ أَوْ بِتِسْعٍ أَوْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ وَفِي الباب عن عائشة وميمونة وعن بن عَبَّاسٍ الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ وَلَا نُحِبُّ ثلاثا بترا وفي رواية إن لَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا لَكِنْ بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا وَفِي لَفْظٍ أَوْلَى لِلْوِتْرِ خَمْسٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ فَكَرِهَ الثَّلَاثَ وَقَالَ لَا تُشَبِّهِ التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ أَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ إِلَخْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ صَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وقد صححه بن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَرَاهَةُ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّلَاثَ فِي الْوِتْرِ فَهَذِهِ الْآثَارُ تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي نَقَلَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَالتَّشْبِيهِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ(2/452)
قُلْتُ قَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الثَّلَاثِ إِذَا كَانَ يَقْعُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا فِي آخِرِهَا فَلَا يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ
قَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَجْهُ الْجَمْعِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَنْ صَلَاةِ الثَّلَاثِ بِتَشَهُّدَيْنِ وَقَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ يَعْنِي الْإِيتَارَ بِثَلَاثٍ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّالِثَةِ مِنَ الْوِتْرِ بِالتَّكْبِيرِ وَمِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ ومن طريق بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ مِثْلَهُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَهَذَا وِتْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُ أَخَذَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا
فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ لَكِنَّهُ دُونَ سَعِيدٍ فَيَكُونُ مَا رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أَبَانٌ عَنْهُ
قُلْتُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ وَقَوْلُهُ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَتَفَكَّرْ
عَلَى أَنَّ أَبَانَ بْنَ يَزِيدَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ ثبت في كل المشايخ
وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ انْتَهَى وَكَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ
قَالَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ
وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ مُتَمَاسِكٌ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ انْتَهَى
وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَاطِ قَطُّ
وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ كِتَابٍ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِتَابٌ إِنَّمَا يَحْفَظُ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتَهَى وَمَعَ هَذَا كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ
قال الأزدي اختلط اختلاطا قبيحا
قال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ بَقِيَ فِي اخْتِلَاطِهِ خَمْسَ سِنِينَ وَقَالَ الذُّهْلِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَفَّافِ خولط سعيد سنة وعاش بعد ما خولط تسع(2/453)
سِنِينَ انْتَهَى
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَرْجَحَ مِمَّا رَوَاهُ أَبَانٌ عَنْ قَتَادَةَ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ وَمَعْمَرٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدٍ
قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ فَمَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ مُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ لِسَعِيدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ رِوَايَاتِهِمْ سَنَدًا وَمَتْنًا لِيَنْظُرَ هَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لِلْمُتَابَعَةِ أَمْ لَا
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ مُتَعَقِّبًا عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْجَمْعُ سَخِيفٌ جِدًّا بَعِيدٌ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ ذِهْنُ الذَّاهِنِ بَلْ هُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ
ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَى حَدِيثِ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تَشَبَّهُوا بِالْمَغْرِبِ
فَقَالَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
قُلْتُ كَلَامُ صَاحِبِ آثَارِ السُّنَنِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْطِ التَّعَصُّبِ فَإِنَّ حُسْنَ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِنْصَافِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى حَدِيثِ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ إِلَخْ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْإِيتَارِ
بِثَلَاثٍ فَكَفَى لِبُطْلَانِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَاجِبًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَفَكَّرْ وَلِبُطْلَانِهِ وُجُوهٌ أُخْرَى لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ [461] )
قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ) هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (أُطِيلُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) بِلَا تَنْوِينٍ لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ أَيْ ثِنْتَيْنِ ثنتين
قال بن الْمَلَكِ اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ) فِيهِ المشروعية الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْحَقُّ (وَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (وَالْأَذَانُ فِي أُذُنِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أَيْ بِسُرْعَةٍ(2/454)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ بِأُذُنَيْهِ أَيْ لقرب صلاته من الأذان والمراد به ها هنا الْإِقَامَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِسْرَاعَ مَنْ يَسْمَعُ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ خَشْيَةَ فَوَاتِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَيَحْصُلُ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا قَالَ وَقَوْلُهُ بِسُرْعَةٍ هُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِقَوْلِهِ كَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِالْأَذَانِ هُنَا الْإِقَامَةُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ تَخْفِيفِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ الْحَدِيثَ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ مَثْنَى مَثْنَى وَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَفِيهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَةً فَأَوْتَرَ بِهَا وَنَادَى الْمُنَادِي عِنْدَ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فَجَعَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّاسُ إِنَّمَا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أن وقفه هو صواب
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أبي مجلز سألت بن عَبَّاسٍ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ اخر الليل
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ رَأَوْا أَنْ يَفْصِلَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ(2/455)
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْوِتْرِ وَالشَّفْعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَيُسْمِعُنَاهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكره رواه أحمد وبن حبان وبن السَّكَنِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الصائغ عن نافع عن بن عُمَرَ بِهِ وَقَوَّاهُ أَحْمَدُ انْتَهَى
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى مَا لَفْظُهُ فالذي تختاره لِمَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وَيَتَشَهَّدُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَجَابَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَاخْتَرْنَا مَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِأُمَّتِهِ وَأَجَزْنَا فِعْلَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ فَفَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ إِذْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِثَلَاثٍ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ هِيَ أَثْبَتُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْتِرُوا بِرَكْعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ السَّلَفِ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ فَنَحْنُ نذكر ها هنا بَعْضًا مِنْهَا مِنْ كِتَابِهِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ
روى البخاري في صحيحه عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى بن عَبَّاسٍ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ قُلْتُ لَا يَغْلِبُنِي اللَّيْلَةَ عَلَى الْمَقَامِ أحد فقمت أصلي فوجدت حسن رَجُلٍ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِي فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَتَنَحَّيْتُ لَهُ فَتَقَدَّمَ فَاسْتَفْتَحَ الْقُرْآنَ حَتَّى خَتَمَ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ فَقُلْتُ أَوَهِمَ الشَّيْخُ فَلَمَّا صَلَّى قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَجَلْ هِيَ وِتْرِي
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ أَمَّنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَنَحَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَةً فَأَتْبَعْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ(2/456)
يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا هَذِهِ الرَّكْعَةُ فَقَالَ وِتْرٌ أَنَامُ عَلَيْهِ
وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ أُوتِرُ قَالَ أَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ قَالَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّهَا الْبُتَيْرَاءُ قَالَ أَسُنَّةَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ تُرِيدُ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ
وَعَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حِينَ أَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُومَ بِالنَّاسِ يُسَلِّمُ فِي اثْنَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ لَهُ بن عُمَرَ لِمَ سَلَّمْتَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْصَرِفَ النَّاسُ فَلَا يُوتِرُونَ
وعن نافع سمعت معاذ القارىء يُسَلِّمُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَعَنْهُ كُنَّا نَقُومُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا مُعَاذٌ فَكَانَ يُسَلِّمُ رَافِعًا صَوْتَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَكَانَ يُصَلِّي مَعَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ أَوْتَرَ بِهَا
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلًى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ
وَعَنْ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ رَأَى سَعْدًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يُوتِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرَكْعَةٍ
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي هَذَا الْبَابِ آثَارًا أُخْرَى مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
(بَاب مَا جَاءَ ما يقرأ في الوتر [462] )
قوله (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ إِلَخْ) الْحَدِيثَ رواه أبو داود وبن ماجه أيضا(2/457)
(فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ انْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ يعني الترمذي بهذه الزيادة عن النسائي وبن مَاجَهْ وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ يَقْرَأُ بِكُلِّ سُورَةٍ مِنَ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي رَكْعَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْوِتْرِ فِي الركعة الثالثة بالمعوذتين وقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثالثة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ بِسُورَةٍ) وبه قال الحنفية قال بن الْهُمَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى سَبِّحِ اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثالثة قل هو الله أحد انتهى(2/458)
قُلْتُ وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ حديث بن عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِإِسْقَاطِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَصَحُّ
وقال بن الْجَوْزِيِّ أَنْكَرَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ زِيَادَةَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
[463] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ الْبَصْرِيُّ) الشَّهِيدِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ) ثِقَةٌ (عَنْ خُصَيْفٍ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا هُوَ بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيىء الْحِفْظِ خَلَطَ بِأَخَرَةٍ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَوَثَّقَهُ بن معين وأبو زرعة
وقال بن عَدِيٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ) الْمَكِّيِّ مَوْلَى قُرَيْشٍ لَيِّنٌ
قَالَ الْعِجْلِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ وَأَخْطَأَ خُصَيْفٌ فَصَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي كَوْنِهِ حَسَنًا نَظَرٌ فَإِنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ كَمَا عَرَفْتَ وَأَيْضًا فِيهِ خُصَيْفٌ وَهُوَ قَدْ خَلَطَ بِأَخَرَةٍ وَلَا يَدْرِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ بَعْدَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
نَعَمْ يُعْتَضَدُ بِرِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ خُصَيْفٌ وَفِيهِ لِينٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا) الَّذِي وَقَعَ فِي إسناد حديث عائشة المذكور (والد بن جريج) بن جُرَيْجٍ هَذَا هُوَ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ الْمَكِّيُّ الْمُتَوَفَّى سنة 051 خمسين ومائة (صاحب عطاء) قال بن جُرَيْجٍ لَزِمْتُ عَطَاءً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَطَاءٌ هذا هو بن أَبِي رَبَاحٍ (وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ) فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ جُرَيْجٍ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ) رواه(2/459)
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ قَالَ الحافظ في التلخيص ورواه الدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَتَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ وَفِيهِ مَقَالٌ وَلَكِنَّهُ صَدُوقٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ انْتَهَى
0341341341 - 3 - 4 - 1
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ [464] )
قَوْلُهُ (عَنْ بُرَيْدِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا (بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) السَّلُولِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 144 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) أَيْ ثَبِّتْنِي عَلَى الْهِدَايَةِ (فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَيْ فِي جُمْلَةِ مَنْ هَدَيْتَهُمْ أَوْ هَدَيْتَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) وقال بن الْمَلَكِ أَيِ اجْعَلْنِي فِيمَنْ هَدَيْتَهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقِيلَ فِي فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ تَعَالَى فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عليهم (وعافني فيمن عافيت) قال بن الْمَلَكِ مِنَ الْمُعَافَاةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ السُّوءِ (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ تَوَلَّى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا وَقَامَ بِحِفْظِهِ وَحِفْظِ أَمْرِهِ (وَبَارِكْ) (أَيْ أَكْثِرِ الْخَيْرَ لِي) أَيْ لِمَنْفَعَتِي (فِيمَا أَعْطَيْتَ) أَيْ فِيمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُمُرِ وَالْمَالِ وَالْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ (وَقِنِي) أَيِ احْفَظْنِي (شَرَّ مَا قَضَيْتَ) مَا قَدَّرْتَ لِي (فَإِنَّكَ تَقْضِي) أَيْ تَقْدِرُ أَوْ تَحْكُمُ بِكُلِّ مَا أَرَدْتَ (وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) فَإِنَّهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا يَذِلُّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ لَا يَصِيرُ ذَلِيلًا (مَنْ وَالَيْتَ) الْمُوَالَاةُ ضد المعاداة قال بن حَجَرٍ أَيْ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ مِنْ عِبَادِكَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنِ ابْتُلِيَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ وَسُلِّطَ عَلَيْهِ مَنْ أَهَانَهُ وَأَذَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الرِّفْعَةِ وَالْعِزَّةِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ أَوْلِيَائِهِ وَلَا عِبْرَةَ إلا بهم ومن ثم وقع للأنبياء عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الِامْتِحَانَاتِ الْعَجِيبَةِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَلَا يَعِزُّ مَنْ(2/460)
عَادَيْتَ أَيْ لَا يَعِزُّ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا مَا أُعْطِيَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَكَ وَلَمْ يَجْتَنِبْ نَوَاهِيَكَ (تَبَارَكْتَ) أَيْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ فِي الدَّارَيْنِ (رَبَّنَا) بِالنَّصْبِ أَيْ يَا رَبَّنَا (وَتَعَالَيْتَ) أي ارتفع عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ شَيْءٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي آخِرِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حديث أبي الحوراء السعدي) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ) هَلْ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَمْ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَطْ وَهَلْ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ (فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَارَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ في كتاب الاثار عن إبراهيم أن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْنُتُ السَّنَةَ كُلَّهَا فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ
وروى بن أبي شيبة عن علقمة أن بن مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ بن التركماني في الجوهر النفي هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ(2/461)
يوتر فيقنت قبل الركوع رواه بن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَأَلَ رجل أسنا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَالَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أَرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إلا قَوْمٍ مُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ
قُلْتُ قَدْ جَاءَ عَنْ أَنَسٍ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ
(وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَكَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَرَوَى أَيْضًا فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَدْ عَقَدَ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِيهِ آثَارًا عَدِيدَةً فَرَوَى أَثَرَ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لُعِنَ الكفرة وكان بن عُمَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَعَنِ الْحَسَنِ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَكَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ وَقَتَادَةُ يَقُولُونَ القنوت في النصف الأواخر مِنْ رَمَضَانَ
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ أَمَرَنِي أَبُو مِجْلَزٍ أَنْ أَقْنُتَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الركوع فاقنت
وعن بن شِهَابٍ كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَرُوِيَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَمَّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ لَا يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَيَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ فَلَمَّا دَخَلَ الْعَشْرُ أَبَقَ وَخَلَا عَنْهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ معاذ القارىء
وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ بَدْءِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا فَوُرِّطُوا مُتَوَرَّطًا خَافَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنْ رَمَضَانَ قُلْتُ يَدْعُو لَهُمْ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ(2/462)
اللَّيْلِ قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ وَلَا يُقْنَتُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ وَلَا فِي رَمَضَانَ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَكَذَلِكَ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ السَّنَةَ كُلَّهَا قَالَ إِنْ شَاءَ قُلْتُ فَمَا تَخْتَارُ قَالَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ خَلْفَ إِمَامٍ يَقْنُتُ فَأَقْنُتُ مَعَهُ قُلْتُ إِذَا كان يقنت النصف الاخر متى يبتديء قَالَ إِذَا مَضَى خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً سَادِسَ عَشْرَةَ
وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَخْتَارُ الْقُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ
قُلْتُ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِكَوْنِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ فَقَنَتَ قَبْلَ الرَّكْعَةِ لِيُدْرِكَ النَّاسُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شيء) إلى قوله (فإنهم ظالمون) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ انْتَهَى
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ وَهَلْ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ الْقُنُوتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى قِيَاسِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْغَدَاةِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَخْتَارُ الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَهَذَا الرَّأْيُ أَخْتَارُهُ انْتَهَى
قُلْتُ يَجُوزُ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي كَوْنُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُعَضِّدُ كَوْنَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْلَى فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الصُّبْحِ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا كَانُوا يُرِيدُونَ الْقُنُوتَ قَبْلَ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ يُكَبِّرُونَ وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ يَقْنُتُونَ أَمَّا التَّكْبِيرُ فَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ثُبُوتِهِ بِبَعْضِ الْآثَارِ
وَقَدْ عَقَدَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ بَابُ التَّكْبِيرِ لِلْقُنُوتِ وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ يعني في(2/463)
الْفَجْرِ
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْقُنُوتِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَحِينَ رَكَعَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَفْتَتِحُ الْقُنُوتَ بِتَكْبِيرَةٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ فِي الْوِتْرِ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ حِينَ يَقْنُتُ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقُنُوتِ وَعَنِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ السُّورَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ وَعَنْ سُفْيَانَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْوِتْرِ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقْنُتَ وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا كَانَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ افْتَتَحَ الْقُنُوتَ بِتَكْبِيرَةٍ
قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي التَّكْبِيرِ لِلْقُنُوتِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَسَانِيدِ هَذِهِ الْآثَارِ
وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ أَيْضًا نعم جاء فيه عن بن مَسْعُودٍ مِنْ فِعْلِهِ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنَ الْوِتْرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرَّكْعَةِ
وَقَدْ عَقَدَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الْقُنُوتِ وَذَكَرَ فِيهِ عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إِلَى صَدْرِهِ
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ كَانَ عُمَرُ يَقْنُتُ بِنَا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ ضَبْعَيْهِ
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي قُنُوتِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَمَكْحُولٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ آثَارًا أُخْرَى عَنِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ بَعْضُهَا فِي ثُبُوتِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبَعْضُهَا فِي نَفْيِهِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ثُبُوتِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ كَرَفْعِهِمَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ بِهَذِهِ الْآثَارِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهَا ثُبُوتُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ كَرَفْعِهِمَا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَنَامُ عَنْ الْوِتْرِ)
أَوْ ينسى [465] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) ضَعِيفٌ ضعفه أحمد وبن الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ (عَنْ أَبِيهِ) زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثِقَةٌ(2/464)
قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ) أَيْ عَنْ أَدَائِهِ (أَوْ نَسِيَهُ) فَلَمْ يُصَلِّهِ (فَلْيُصَلِّ) أَيْ قَضَاءً (إِذَا ذَكَرَ) رَاجِعٌ إِلَى النِّسْيَانِ (وَإِذَا اسْتَيْقَظَ) رَاجِعٌ إِلَى النَّوْمِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود وبن مَاجَهْ
[466] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْقَزَّازُ وضعفه بن معين وبن عَدِيٍّ
قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّ إذا أصبح) قال بن الْمَلَكِ أَيْ فَلْيَقْضِ الْوِتْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ مَتَى اتَّفَقَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ انْتَهَى
قُلْتُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ
فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ
قُلْتُ قَالَ مَيْرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَغَرَّ الْمَدَنِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ صَحِيحٌ كَمَا سَتَعْرِفُ
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُتَّصِلًا فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنُ زيد ثقة عند أحمد وبن الْمَدِينِيِّ لَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى
قَالَ فِي النَّيْلِ وَإِسْنَادُ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَبُو دَاوُدَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ
قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجْزِيَّ) بِسِينٍ مَكْسُورَةٍ وَغَيْرِهَا وَسُكُونِ جِيمٍ وَبِزَايٍ نِسْبَةٌ إِلَى سِجْزَ وَاسْمٌ لِسِجِسْتَانَ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إِلَى سِجِسْتَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَأَبُو دَاوُدَ هَذَا هُوَ صَاحِبُ السُّنَنِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ شَدَّادٍ الْأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ(2/465)
(وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ (يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نفسي إلا عنده وقال فيه شيخه بن عُيَيْنَةَ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُهُ مِنِّي كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ الْوِتْرِ إِذَا فَاتَ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى متى يقضي على ثمانية أقوال أحدها مالم يصل الصبح وهو قول بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي خَيْثَمَةَ حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْهُمْ
ثَانِيهَا أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ
ثَالِثُهَا أَنَّهُ يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ روى ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاؤس وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ أَيْضًا عن بن عُمَرَ وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ بَاقِيَ الْأَقْوَالِ قَالَ ثَامِنُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَمْدًا فَإِنْ تَرَكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ قَضَاهُ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ إِذَا ذَكَرَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ لَيْلًا أَوْ نهارا وهو ظاهر الحديث واختاره بن حَزْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ نَسِيَهَا فليصلها إذا ذكرها قال وهذا عموم(2/466)
يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ وَفِي النَّفْلِ أمر انْتَهَى
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُبَادَرَةِ الصُّبْحِ بِالْوِتْرِ [467] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ) الْهَمْدَانِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنْ رِجَالِ السُّنَّةِ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
قَوْلُهُ (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) أَيْ أَسْرِعُوا بِأَدَاءِ الْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أيضا
[468] قوله (أوتروا قبل أن تصبحوا) الحديث رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ
[469] قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا وِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وِتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَتَلَوَّنُ خَارِجِيٌّ وَشِيعِيٌّ وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَكَذَّبَهُ الْجُوزَجَانِيُّ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ(2/467)
فِي الْبَابِ مَا لَفْظُهُ فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ الْوِتْرُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَكَانَ وِتْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّتُهُ كَذَلِكَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ أَوْ سَهَا عَنْهُ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يُوتِرْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْفَجْرَ إِذَا طَلَعَ فَقَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الْوِتْرِ وَلَا يُقْضَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا يُصَلَّى فِي وَقْتِهِ فَإِذَا ذَهَبَ وَقْتُهُ لَمْ يُقْضَ عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَدْ ذَكَرَ لَفْظَهُ آنِفًا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ حُجَّةً لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ لَا يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ هَارُونَ الْعَبْدِيِّ
قَالَ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَلَمْ يُوتِرْ فَإِنَّهُ يُوتِرُ مَا لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الصُّبْحِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ أَوْتَرَ بعد ما أَصْبَحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا لَا يُقْضَى الْوِتْرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا
ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْأَخْبَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْضُهَا مَرْفُوعَةٌ وَأَكْثَرُهَا آثَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَا لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَضَاهُ عَلَى مَا يَقْضِي التَّطَوُّعَ فَحَسَنٌ قَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي نَامَ فِيهَا عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَكَذَا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شُغِلَ فِيهِ عَنْهَا وَقَدْ كَانُوا يَقْضُونَ صَلَاةَ اللَّيْلِ إِذَا فَاتَتْهُمْ بِاللَّيْلِ نَهَارًا فَلِذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الْوِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ لَا وِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَقْضِيهِ مَتَى كَانَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْوِتْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُصَلِّي صَاحِبَ تَرْتِيبٍ وَصَلَّى الصُّبْحَ قَبْلَ الْوِتْرِ ذَاكِرًا لَمْ يَصِحَّ(2/468)
13 - (بَاب مَا جَاءَ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ [470] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو) هُوَ مُلَازِمُ بن عمرو بن عبد الله بن بدر الْيَمَامِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن بدر) اليمامي عن بن عَبَّاسٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَنْهُ سَبْطُهُ مُلَازِمُ بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
قَوْلُهُ (لا وتران في ليلة) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَوْتَرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا بن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحَّحَهُ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ نَقْضَ الْوِتْرِ وَقَالُوا يُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً إِلَخْ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْتَرْتُ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا قُمْتُ ضَمَمْتُ إِلَيْهَا رَكْعَةً فَمَا شَبَّهْتُهَا إِلَّا بِالْغَرِيبَةِ مِنَ الْإِبِلِ تُضَمُّ إِلَى الْإِبِلِ
وَقَالَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ أَمَّا أَنَا فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْتَرْتُ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ إِلَيْهَا رَكْعَةً ثُمَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثم أوترت
وعن سالم كان بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي يَشْفَعُ وِتْرَهُ الْأَوَّلَ بركعة ثم يصلي بوتر
وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ شَفَعَ وِتْرَهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ أَوْتَرَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ
وَعَنْ أُسَامَةَ بِمَعْنَاهُ
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كَانَ أَبِي يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِذَا قَامَ شَفَعَ انْتَهَى باختصار(2/469)
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا فَقَالُوا إِذَا هُوَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ وَصَلَّى مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ لَمْ يُوتِرْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ كَانَ قَدْ جَعَلَ صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ شَفْعًا لَا وِتْرًا وَتَرَكَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا كَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِذَا أَوْتَرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ مِنْ آخِرِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ وَلَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ إِلَخْ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ صَلَّى مَثْنَى مَثْنَى حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأُوتِرُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ فَإِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ شَيْئًا صَلَّيْتُ شَفْعًا شَفْعًا إِلَى أَنْ أُصْبِحَ
وَعَنْ عَائِشَةَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ وِتْرَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يلعبون بصلاتهم
وروي عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا بِنَحْوِهِ
وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الَّذِي يُوتِرُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ قَالَ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى وَفِي رِوَايَةٍ حَسْبُهُ وِتْرُهُ الأول
وعنه لما بلغه فعل بن عمر لم يعجبه وقال إن بن عُمَرَ يُوتِرُ فِي لَيْلَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ صَلَّيْتُ بَعْدَهَا خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَنَامُ فَإِنْ قُمْتُ صَلَّيْتُ مَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ عَلَى وِتْرٍ
وَسُئِلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَإِنْ رُزِقْتُ شَيْئًا مِنْ آخِرِهِ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أُصْبِحَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وأحمد وبن الْمُبَارَكِ وَهَذَا أَصَحُّ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ شَفَعَ وِتْرَهُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا رَأَيْتُهُ جَائِزًا انْتَهَى
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا إِنَّ مَنْ أَوْتَرَ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ وَيُصَلِّي شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى يُصْبِحَ انْتَهَى
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ نَقْضِ الْوِتْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/470)
قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى بَعْدَ الْوِتْرِ) وَأَجَابُوا عَنِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَقْضِ الْوِتْرِ بِأَنَّهُ إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَقَدْ قَضَى وِتْرَهُ فَإِذَا هُوَ نَامَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَهَذِهِ صَلَاةٌ غَيْرُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي النَّظَرِ أَنْ تَتَّصِلَ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى الَّتِي صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَلَا يَصِيرَانِ صَلَاةً وَاحِدَةً وَبَيْنَهُمَا نَوْمٌ وَحَدَثٌ ووضوء وكلام في الغالب وإنما هُمَا صَلَاتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَوْتَرَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ هُوَ إِذَا أَوْتَرَ أَيْضًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ صَارَ مُوتِرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا وَهَذَا قَدْ جَعَلَ الْوِتْرَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ
وَأَيْضًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَهَذَا قَدْ أَوْتَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَقَدْ قَالَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا إِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ بِاللَّيْلِ قَالَ والدليل على ذلك أيضا أن بن عُمَرَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَشْفَعُ وِتْرَهُ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَدْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَصَلَّى مَثْنَى مَثْنَى وَلَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ قَالَ ذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ فَدَلَّ فُتْيَاهُ أَنَّهُ رَأَى قَوْلَهُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا نَدْبًا لَا إِيجَابًا ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فُتْيَاهُ بِسَنَدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرُ رَكْعَةٌ إِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ لَا إِيجَابٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وِتْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ انْتَهَى
[471] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ) التَّمِيمِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مُوسَى الْمَرَائِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهَمْزَةٍ أَبُو مُوسَى الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مُدَلِّسٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ مُدَلِّسٌ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أُمِّهِ) اسْمُهَا خَيْرَةُ مَوْلَاةُ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَزَادَا وَهُوَ جَالِسٌ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ يقرأ فيهما بإذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون وَأَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ(2/471)
الدَّارَقُطْنِيِّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِهَا كَانَ يُصَلِّي فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ قَالَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا حَدِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْأَمْرِ بِجَعْلِ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَجْعَلُهُمَا آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ
قَالَ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرَدِّ رِوَايَةِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ إِذَا صَحَّتْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا تَعَيَّنَ وَقَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
4345345345
345 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ [472] )
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (فَتَخَلَّفْتُ عَنْهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ (فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ أَوْتَرْتُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ (أَلَيْسَ لك في رسول الله أسوة حسنة) قال فِي الْقَامُوسِ الْأُسْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْقُدْوَةُ إِرْشَادُ الْعَالِمِ لِرَفِيقِهِ مَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ (يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي رِوَايَةٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ كَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ
قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ(2/472)
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا وَرَأَوْا أَنْ يُوتِرَ الرَّجُلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ
عَنْ نَافِعٍ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يوتر على البعير يوميء برأسه
وعن بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أُوتِرُ وَأَنَا مُدْبِرٌ عَنِ الْقِبْلَةِ عَلَى دَابَّتِي قَالَ نَعَمْ
وَعَنْ عَطَاءٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ عَلَى بَعِيرِهِ
وَعَنْ سُفْيَانَ إِنْ أَوْتَرْتَ عَلَى دَابَّتِكَ فَلَا بَأْسَ وَالْوِتْرُ بِأَرْضٍ أَحَبُّ إِلَيَّ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ الْحَقُّ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوتِرُ الرَّجُلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بَعْدَ رِوَايَةِ حديث بن عمر وبن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ وَزَعَمَ النُّعْمَانُ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ
أَنَّ الْوِتْرَ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِمَا رَوَيْنَا
وَاحْتَجَّ بعضهم له بحديث رواه عن بن عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَأَوْتَرَ بِالْأَرْضِ فَيُقَالُ لِمَنِ احْتَجَّ بِذَلِكَ هَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْغَفْلَةِ هَلْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوتِرَ بِالْأَرْضِ إِنَّمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنْ شاء أوتر بالأرض وكذلك كان بن عَمْرٍو يَفْعَلُ رُبَّمَا أَوْتَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَرُبَّمَا أوتر على الأرض وعن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَرُبَّمَا نَزَلَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَكَانَ رُبَّمَا نَزَلَ انْتَهَى
وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ بِالْآثَارِ الْوَارِدَةِ بنزول بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْوِتْرِ وَشَيَّدُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوِتْرِ وَقَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِأَدَائِهِ عَلَى الدَّابَّةِ إنه لا تعارض ها هنا إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فَأَحْيَانًا أَدَّى الْوِتْرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَحْيَانًا عَلَى الْأَرْضِ وَاقْتَدَى بِهِ بن عُمَرَ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق عن نافع قال كان بن عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَرُبَّمَا نَزَلَ فَأَوْتَرَ على الأرض(2/473)
وذكر الطحاوي بعد ما أَخْرَجَ آثَارَ الطَّرَفَيْنِ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْكِمَ بِالْوِتْرِ وَيُغَلِّظَ أَمْرَهُ ثُمَّ أَحْكَمَ بَعْدُ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ الْوِتْرُ الْوِتْرُ
مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ وَأَبِي بَصْرَةَ ثُمَّ قَالَ فَيَجُوزُ أن يكون ما روى بن عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وِتْرِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ تَأْكِيدِهِ إِيَّاهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ انْتَهَى
وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى [473] )
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فَوْقَ الضَّحْوَةُ وَهِيَ ارْتِفَاعُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالضَّحَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ هُوَ إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى رُبُعِ السماء فما بعده أنتهى
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ صَلَاةُ وَقْتِ الضُّحَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِضَافَةَ الصَّلَاةِ إِلَى الضُّحَى بِمَعْنَى فِي كَصَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إِلَى السَّبَبِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ) وَيُقَالُ هُوَ مُوسَى بْنُ حَمْزَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ قَاضِيهَا صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) هَذَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي عَدَدِ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ الْعَيْنِيُّ لَمْ يَرِدْ فِي صَلَاةِ الضُّحَى أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَابِ وأخرجه أيضا أحمد وبن ماجه(2/474)
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ (وَنُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ) بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَشِدَّةِ مِيمٍ وَبِرَاءٍ صَحَابِيٌّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا بن آدَمَ لَا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ (وَأَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا قَالَ يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهَا (وَأَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ ثَبَتَ حَتَّى يُسَبِّحَ اللَّهَ سُبْحَةَ الضُّحَى كان له كأجر حاج ومعتمر (وبن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إِنَّمَا صَلَّيْتَهَا رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ (وَزَيْدِ بن أرقم) أخرجه مسلم (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ بَنِي آدَمَ فِي كل يوم صدقة ويجزيء مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَا الضُّحَى
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ مَيْرَكُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنَ التَّائِبِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى عَشْرَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ(2/475)
قَالَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا قَالَ لَكِنْ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ حَدِيثُ أَبِي ذر وأبي الدرداء قوى وتصلح للاحتجاج به انتهى كلام الحافظ
[474] قوله (ما أخبرني أحد وفي رواية بن شيبة عن بن أَبِي لَيْلَى أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ) وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ
إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ النُّونِ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ أُخْتُ عَلِيٍّ شَقِيقَتُهُ
قَوْلُهُ (سَبَّحَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْحَافِظُ زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فَسَلَّمَ من كل ركعتين أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فِي صَلَاتِهَا مَوْصُولَةً سَوَاءٌ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أو أقل
وفي الطبراني من حديث بن أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمُّ هَانِئٍ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِيهِ التَّفَرُّغَ لِمُهِمَّاتِ الْفَتْحِ لِكَثْرَةِ شُغْلِهِ بِهِ
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى فَطَوَّلَ فيها أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الضُّحَى وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ الْفَتْحِ وَقَدْ صَلَّاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ كَذَلِكَ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شُغِلَ عَنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى
وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ صَلَّى ثمان ركعات سبحة الضحى
وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه قالت هَذِهِ صَلَاةُ الضُّحَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ(2/476)
قَوْلُهُ (وَكَأَنَّ أَحْمَدَ رَأَى أَصَحَّ شَيْءٍ فِي الباب حديث أم هانيء) قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ كَمَا قَالَ
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي نُعَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْ فِي اسْمِ أَبِيهِ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُعَيْمُ بْنُ خَمَّارٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ المعجمة وشدة الميم وبراء (وقال بعضهم بن هَمَّارٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ وَبِرَاءٍ (وَيُقَالُ بن هَبَّارٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَشِدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِرَاءٍ (وَيُقَالُ بن همام) بميمين (والصحيح بن هَمَّارٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ رَجَّحَ الْأَكْثَرُ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ هَمَّارٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْغَلَّابِيُّ عن بن مَعِينٍ أَهْلُ الشَّامِ يَقُولُونَ نُعَيْمُ بْنُ هَمَّارٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَأَبُو نُعَيْمٍ وَهِمَ فِيهِ) أَبُو نُعَيْمٍ هَذَا هُوَ فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَيْ أَبُو نُعَيْمٍ فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهِمَ فِي اسْمِ وَالِدِ نُعَيْمٍ الْمَذْكُورِ (أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدِ) بْنِ نَصْرٍ الْكَشِّيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وبذلك جزم بن حِبَّانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا
[475] (أَبُو جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَنُونَيْنِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ هَاءٍ بِرَاءٍ اسْمُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قوله (بن ادم) أي يا بن آدَمَ (ارْكَعْ) أَيْ صَلِّ (لِيَ) أَيْ خَالِصًا لِوَجْهِي (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ(2/477)
قِيلَ الْمُرَادُ صَلَاةُ الضُّحَى وَقِيلَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ وَقِيلَ
سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفَرْضُهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ فَرْضِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ قُلْتُ حَمَلَ الْمُؤَلِّفُ وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَلِذَلِكَ أَدْخَلَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى (أَكْفِكَ) أَيْ مُهِمَّاتِكَ (آخِرَهُ) أَيِ النَّهَارِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَكْفِكَ شُغْلَكَ وَحَوَائِجَكَ وَأَدْفَعُ عَنْكَ مَا تَكْرَهُهُ بَعْدَ صَلَاتِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمَعْنَى أَفْرِغْ بَالَكَ بِعِبَادَتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أُفْرِغْ بَالَكَ فِي آخِرِهِ بِقَضَاءِ حَوَائِجِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدرداء وأبي ذَرٍّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَامِيُّ الْإِسْنَادِ انْتَهَى
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ هَذَا أَنَّ فِي نُسْخَةِ التِّرْمِذِيِّ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ فِيهَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
[476] قَوْلُهُ (عَنْ نَهَّاسِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ (بْنِ قَهْمٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ ضَمُّ الشِّينِ وَقَالَ الهروي وبن الْأَثِيرِ تُرْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ كَالْغَرْفَةِ وَالْغُرْفَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمُرَادُ رَكْعَتَا الضُّحَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) لِاشْتِهَارِهِ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ
[477] قَوْلُهُ (فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ مُصَغَّرًا صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ (عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْفَاءِ هُوَ عَطِيَّةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُنَادَةَ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يخطيء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ(2/478)
قَوْلُهُ (حَتَّى نَقُولَ) بِالنُّونِ (لَا يَدَعُ) أَيْ لَا يَتْرُكُهَا أَبَدًا (وَيَدَعُهَا)) أَيْ أَحْيَانًا (حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّي) وَكَانَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْأَوْقَاتِ مِنَ الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ وَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فَضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ وَقَالَ فِيهِ حَكَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بَيْنَ الْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا لِذَلِكَ
وَلَيْسَ لِمَا قَالُوهُ أَصْلٌ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما وما وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالِ [478] )
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَشِدَّةِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ) الْقُضَاعِيُّ الْجَزَرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ يَهِمُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ) هُوَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ (كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هِيَ غَيْرُ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا وَتُسَمَّى هَذِهِ سُنَّةَ الزَّوَالِ (وَقَالَ إِنَّهَا) أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (سَاعَةٌ تُفْتَحُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ (فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ) لِطُلُوعِ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ (أَنْ يَصْعَدَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُضَمُّ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (عَمَلٌ صَالِحٌ) أَيْ إِلَى السَّمَاءِ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعمل الصالح يرفعه(2/479)
قَوْلُهُ (فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَأَبِي أَيُّوبَ) الْأَنْصَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) روى بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَقَالَ إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ إِنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاةُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالُوا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي صَلَاتِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ انْتَهَى
7 - (بَاب مَا جاء في صلاة الحاجة [479] )
قوله (وأخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ) عَطْفٌ عَلَى حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ هَذَا شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ) هُوَ السَّهْمِيُّ الْمَذْكُورُ
وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَخْ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُنِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ عن فلا ظهار هَذَا الْفَرْقِ قَالَ كَمَا قَالَ (عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِالْفَاءِ مَتْرُوكٌ اتَّهَمُوهُ مِنْ صِغَارِ الْخَامِسَةِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ
قَوْلُهُ (ثُمَّ لْيُثْنِ) مِنَ الْإِثْنَاءِ (وَلْيُصَلِّ) وَالْأَصَحُّ الْأَفْضَلُ صَلَاةُ التَّشَهُّدِ (لَا إِلَهَ إلا الله(2/480)
الْحَلِيمُ) الَّذِي لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ (الْكَرِيمُ) الَّذِي يُعْطِي بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَبِدُونِ الْمِنَّةِ (رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) اخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْعَظِيمِ صِفَةٌ لِلرَّبِّ أو العرش كما قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ نقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِرَفْعِ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلرَّبِّ وَالَّذِي ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْعَرْشِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (رَبِّ الْعَرْشِ العظيم ورب العرش الكريم) بِالْجَرِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ العَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِعْطَاءِ مسؤول عَبْدِهِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى رَبِّهِ الْكَرِيمِ (مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَسْبَابِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ جَمْعُ مُوجِبَةٍ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْمُوجِبَةُ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ
وَقَالَ بن الْمَلَكِ يَعْنِي الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ رَحْمَتُكَ بِسَبَبِهَا (وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ مُوجِبَاتِهَا جَمْعُ عَزِيمَةٍ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَعْمَالًا تَتَعَزَّمُ وَتَتَأَكَّدُ بِهَا مَغْفِرَتُكَ (وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بر) قال القارىء أَيْ طَاعَةً وَعِبَادَةً فَإِنَّهُمَا غَنِيمَةٌ مَأْخُوذَةٌ بِغَلَبَةِ دَوَاعِي عَسْكَرِ الرُّوحِ عَلَى جُنْدِ النَّفْسِ فَإِنَّ الْحَرْبَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْجِهَادَ الْأَكْبَرَ لِأَنَّ أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بين جنبيك (والسلام مِنْ كُلِّ إِثْمٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ ذَلِكَ إِذِ الْعِصْمَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ الْأَدَبَ سُؤَالُ الْحِفْظِ فِي حَقِّنَا لَا الْعِصْمَةُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا انْتَهَى (لَا تَدَعْ) أَيْ لَا تَتْرُكْ (لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ) أَيْ إِلَّا مَوْصُوفًا بِوَصْفِ الْغُفْرَانِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وفيما يليه مفرع من أعم الأحوال (ولاهما) أَيْ غَمًّا (إِلَّا فَرَّجْتَهُ) بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ أَيْ أزلته وكشفته (ولا حاجة هي لك رضى) أي بها يعني مريضة
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب رواها الترمذي وبن مَاجَهْ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن أبي الورقاء وزاد بن مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ يَسْأَلُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجْتُهُ شَاهِدًا وَفَائِدٌ مُسْتَقِيمُ(2/481)
الْحَدِيثِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَفَائِدٌ متروك روى عنه الثقات وقال بن عَدِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ [480] )
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِيَ) بِفَتْحٍ اسْمُهُ زَيْدٌ وَقِيلَ أَبُو الْمَوَالِ جَدُّهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ عَلِيٍّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِخَارَةِ وَدُعَاءَهَا (فِي الْأُمُورِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كُلِّهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَحْتَقِرُ أَمْرًا لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَيَتْرُكُ الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ فَرُبَّ أَمْرٍ يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ في الإقدام عليه ضرر عظيم أوفى تَرْكِهِ (كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الِاسْتِخَارَةِ وَأَنَّهُ مُتَأَكَّدٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ (إِذَا هَمَّ) أَيْ قَصَدَ (بِالْأَمْرِ) أَيْ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ (مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ سُنَّةُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ بِوُقُوعِ الدُّعَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ (ثُمَّ لْيَقُلْ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ الْخَيْرَ أَوِ الْخِيَرَةَ
قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ اسْتَخَارَ اللَّهَ طَلَبَ مِنْهُ الْخَيْرَ وقال صاحب النهاية خار الله لك أَيْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ
قَالَ وَالْخَيْرَةُ بِسُكُونِ الْيَاءِ الِاسْمُ مِنْهُ
قَالَ فَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنْ قَوْلِهِ اخْتَارَهُ اللَّهُ كَذَا فِي النَّيْلِ (بِعِلْمِكَ) الْبَاءُ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ بِقُدْرَتِكَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِأَنَّكَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ قَالَهُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعْطَافِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) أَيْ بِحَقِّ عِلْمِكَ وَقُدْرَتِكَ الشَّامِلَيْنِ كَذَا فِي عمدة القارىء
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ بِسَبَبِ عِلْمِكَ وَالْمَعْنَى أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَشْرَحَ صَدْرِي لِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ بِسَبَبِ عِلْمِكَ بِكَيْفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَجُزْئِيَّاتِهَا وَكُلِّيَّاتِهَا إِذْ لَا يُحِيطُ بِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وأنتم لا تعلمون(2/482)
قَالَ الطِّيبِيُّ الْبَاءُ فِيهِمَا إِمَّا لِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ أطلب خبرك مُسْتَعِينًا بِعِلْمِكَ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِيهِمْ خَيْرَكَ وَأَطْلُبُ مِنْكَ الْقُدْرَةَ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ وَإِمَّا لِلِاسْتِعْطَافِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَأَسْتَقْدِرُكَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِيَ قُدْرَةً عَلَيْهِ (وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ) أَيْ تَعْيِينَ الْخَيْرِ وَتَبْيِينَهُ وَتَقْدِيرَهُ وَتَيْسِيرَهُ وَإِعْطَاءَ الْقُدْرَةِ لِيَ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ) أَيِ الَّذِي يُرِيدُهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَأَوْقَعَ الْكَلَامَ مَوْقِعَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِعِلْمِهِ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَلَاغَةِ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ لا في أصل العلم انتهى
قال القارىء وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الظَّاهِرُ وَنَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (فِي دِينِي) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدِينِي (وَمَعِيشَتِي) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَعَاشِي
قَالَ الْعَيْنِيُّ الْمَعَاشُ وَالْمَعِيشَةُ وَاحِدٌ يُسْتَعْمَلَانِ مَصْدَرًا وَاسْمًا وَفِي الْمُحْكَمِ الْعَيْشُ الْحَيَاةُ عَاشَ عَيْشًا وَعِيشَةً وَمَعِيشًا وَمَعَاشًا ثُمَّ قَالَ الْمَعِيشُ وَالْمَعَاشُ وَالْمَعِيشَةُ مَا يُعَاشُ بِهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَمَعَادِي وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَاشِ الْحَيَاةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعَاشِ مَا يُعَاشُ فِيهِ وَلِذَلِكَ وقع في حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي انْتَهَى (وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَاقْتُصِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ على عاقبة أمري وكذا في حديث بن مَسْعُودٍ وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ وَأَنَّ الْعَاجِلَ وَالْآجِلَ مَذْكُورَانِ بَدَلَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَدَلَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ لَا يَكُونُ الدَّاعِي جَازِمًا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِنْ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ مَرَّةً فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَمَرَّةً فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ وَمَرَّةً فِي دِينِي وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ أَيِ الشَّكُّ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَلَا أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلًا انْتَهَى
(فَيَسِّرْهُ لِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ عن بن مَسْعُودٍ فَوَفِّقْهُ وَسَهِّلْهُ (وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا أَيْ يَسِّرْهُ عَلَيَّ وَاجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِفِعْلِي (حَيْثُ كَانَ) أَيِ الْخَيْرُ (ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيِ(2/483)
اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِهِ (يُسَمِّي حَاجَتَهُ) أَيْ أَثْنَاءَ الدُّعَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهَا بِالْكِنَايَةِ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ
وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ بَعْدَهَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَدْرِي الْعَبْدُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهَا أَمَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ خَيْرُهُ كَالْعِبَادَاتِ وَصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِخَارَةِ فِيهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا اسْتَخَارَ مَضَى بَعْدَهَا لِمَا شُرِحَ لَهُ صَدْرُهُ انْتَهَى
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وفي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِي الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ مِمَّا لَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ صَدْرُهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ الِاسْتِحْبَابُ وَقَدْ وَرَدَ تَكْرَارُ الِاسْتِخَارَةِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ بن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ سَاقِطٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الِاسْتِخَارَةِ فِي الْأُولَى بَعْدَ الفاتحة قل يا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ أَحَادِيثِ الِاسْتِخَارَةِ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (وأبي أيوب) أخرجه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَهُوَ شَيْخٌ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ إِلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ بِالصِّحَّةِ تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ فِي إِخْرَاجِهِ فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَهُ أيضا بن حِبَّانَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ إِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي الموالي في الاستخارة منكر
وقال بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
وقال شيخنا زين الدين كان بن عدي أراد بذلك أن لحديثه هذا شاهد مِنْ حَدِيثِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا مُطْلَقًا وَقَدْ وَثَّقَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى(2/484)
19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ [482] )
قَوْلُهُ (أخبرنا موسى بن عبيدة) بضم أوله بن نَشِيطٍ الرَّبَذِيُّ أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَكَانَ عَابِدًا مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَكَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) الْقِبْطِيِّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ بن إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ هُرْمُزُ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ (أَلَا أَصِلُكَ) مِنَ الصِّلَةِ (أَلَا أَحْبُوكَ) أَيْ أَلَا أُعْطِيكَ يُقَالُ حَبَاهُ كَذَا وَبِكَذَا إِذَا أَعْطَاهُ وَالْحِبَاءُ الْعَطِيَّةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (يا عم صل أربع ركعات) ظاهر أنه بتسليم واحد لي كَانَ أَوْ نَهَارًا (فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ) وَفِي حديث بن عَبَّاسٍ فَإِذَا فَرَغْتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ (فَقُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ بِأَيِّهِنَّ بَدَأَ يَصِحُّ (ثُمَّ ارْكَعْ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ كَذَا (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ (ثُمَّ اسْجُدْ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ السُّجُودِ (ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا)
قَالَ القارىء مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ دُعَاءٍ عِنْدَنَا وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَهَا بَعْدَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَنَحْوِهِ انْتَهَى
قُلْتُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ) أَيْ فِي جِلْسَةِ الاستراحة وفيه ثبوت جلسة الاستراحة
قال القارىء هُوَ يَحْتَمِلُ جِلْسَةَ(2/485)
الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى
قُلْتُ هُوَ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ
فَإِنَّ جِلْسَةَ التَّشَهُّدِ لَا تَكُونُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (فَذَلِكَ) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْبِيحَاتِ (مِثْلُ رَمْلٍ عَالِجٍ) أَوَّلُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ وَهُوَ مَا تَرَاكَمَ مِنَ الرَّمَلِ وَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَهُوَ أَيْضًا اسْمُ مَوْضِعٍ كَثِيرِ الرِّمَالِ (حَتَّى قَالَ فَقُلْهَا فِي سَنَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً
قَوْلُهُ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بَالَغَ بن الْجَوْزِيِّ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَأَعَلَّهُ بِمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى دَرَجَةِ الْوَضْعِ وَمُوسَى ضَعَّفُوهُ وَقَالَ فِيهِ بن سَعْدٍ ثِقَةٌ وَلَيْسَ بِحَجَّةٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جَدًّا وَشَيْخُهُ سَعِيدٌ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ انتهى ما في قوت المغتذي
[481] قَوْلُهُ كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ لَا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ مِنْهَا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَالدُّعَاءِ لِلطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا صَلَّيْتِ الْمَكْتُوبَةَ فَقُولِي سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَ فِي الصَّلَاةِ وأن(2/486)
تَقُولَ بَعْدَهَا وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ مَعَ بَقَاءِ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى ظَاهِرِهَا قَالَ وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ عَلَّمَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَهَا فِي الصَّلَوَاتِ قَوْلُهَا أقولهن في صلاتي لكن أم يذهب أحد من أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أقولهن في دبر صلاتي وإيراد المصنف ها هنا بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَةٍ مَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عباس) أخرجه أبو داود وبن ماجه والبيهقي في الدعوات الكبير وبن خزيمة في صحيحه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ) أخرجه أبو نعيم في كتاب القربان مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ كَذَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ الْمُسَمَّاةِ بِنَتَائِجِ الْأَفْكَارِ لِلْحَافِظِ بن حجر (وأبي رافع) أخرجه المؤلف وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ حَدِيثٍ فِي صَلَاةِ التسبيح) قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ وَرَدَتْ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَخِيهِ الْفَضْلِ وَأَبِيهِمَا الْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَخِيهِ جَعْفَرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالْأَنْصَارِيِّ غَيْرُ مُسَمًّى وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ تَخْرِيجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَبِيرُ شَيْءٍ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي الترغيب بعد ذكر حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طريق كَثِيرَةٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا وَقَدْ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ وَشَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمِصْرِيُّ وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَقْدِسِيُّ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرُ هَذَا
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله تعالى لا يروى هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا يَعْنِي إسناد حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَقِيلِيُّ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ(2/487)
حَدِيثٌ يَثْبُتُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَبَالَغَ بن الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ
وَصَنَّفَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ جُزْءًا فِي تَصْحِيحِهِ فَتَبَايَنَا وَالْحَقُّ أَنَّ طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث بن عَبَّاسٍ يَقْرُبُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ لِشِدَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ مِنْ وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ
وَمُخَالَفَةِ هَيْئَتِهَا لِهَيْئَةِ بَاقِي الصلوات موسى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا صَالِحًا فَلَا يُحْتَمَلُ مِنْهُ هَذَا التَّفَرُّدُ
وَقَدْ ضَعَّفَهَا بن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه بن الْهَادِي فِي أَحْكَامِهِ عَنْهُمْ
وَقَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشيخ محي الدِّينِ فَوَهَّاهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ حَدِيثُهَا ضَعِيفٌ وَفِي اسْتِحْبَابِهَا عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهَا تغييرا الهيئة الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قد جاء في صلاة التسبيع حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَمَالَ فِي الْأَذْكَارِ أَيْضًا إِلَى اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ
قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْحَافِظِ أَيْضًا فَضَعَّفَهُ فِي التَّلْخِيصِ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا وَمَالَ إِلَى تَحْسِينِهِ فِي الْخِصَالِ الْمُفَكِّرَةِ لِلذُّنُوبِ الْمُقَدَّمَةِ وَالْمُؤَخَّرَةِ
فَقَالَ رِجَالُ إِسْنَادِهِ لَا بَأْسَ بِهِمْ عِكْرِمَةُ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالْحَكَمُ صَدُوقٌ وَمُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِيهِ بن مَعِينٍ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا
وَقَالَ النَّسَائِيُّ نحو ذلك
قال بن الْمَدِينِيِّ فَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ فَإِنَّ له شواهد تقويه
وقد أساء بن الْجَوْزِيِّ بِذِكْرِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَوْلُهُ إِنَّ مُوسَى مَجْهُولٌ لَمْ يُصِبْ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ يُوَثِّقُهُ بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَجْهَلَ حَالَهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا وَشَاهِدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث العباس والترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَرَوَاهُ أَبُو داود من حديث بن عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من طريق بن عَمْرٍو وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى انْتَهَى
وَكَذَا مَالَ إِلَى تَحْسِينِهِ فِي أَمَالِي الْأَذْكَارِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ روى بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَذَكَرُوا الْفَضْلَ فِيهِ)(2/488)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي رافع المذكور رواه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَفْعَلُهَا وَتَدَاوَلَهَا الصَّالِحُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ انْتَهَى
[483] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو وَهْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَامِرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ (ثُمَّ يَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفَاتِحَةَ الكتاب وسورة) ليس فيه حديث أبي رافع ولا في حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ ذِكْرُ التَّسْبِيحِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ كَمَا عَرَفْتَ (ثُمَّ يَقُولُ عَشْرَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورِ فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ فَقُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ والحمد لله سحبان اللَّهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ بِذِكْرِ التَّسْبِيحِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا عَرَفْتَ (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُهَا عَشْرًا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عَلَى هذا) ليس في رواية بن الْمُبَارَكِ هَذِهِ ذِكْرُ التَّسْبِيحِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وحديث بن عباس المذكوري
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ هَذِهِ فِي التَّرْغِيبِ نَقْلًا عَنْ هَذَا الْكِتَابِ أَعْنِي جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ من صفتها موافق لما في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي رَافِعٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يُسَبِّحُ قبل القراءة خمش عَشْرَةَ وَبَعْدَهَا عَشْرًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ تَسْبِيحًا وَفِي حَدِيثِهِمَا أَنَّهُ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهَا تَسْبِيحًا وَيُسَبِّحُ أَيْضًا بَعْدَ الرَّفْعِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَشْرًا(2/489)
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُنَابٍ الْكَلْبِيِّ عن أبي الجوزاء عن بن عمر وقال قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَحْبُوكَ أَلَا أُعْطِيكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِالصِّفَةِ التي رواها الترمذي عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنِ بن الْمُبَارَكِ وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَخَالَفَهُ فِي رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْبِيحَاتِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَهَا ثُمَّ ذَكَرَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا ذَكَرَهَا سَائِرُ الرُّوَاةِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حديث بن عباس وأبي رافع والعمل بها أولى أولى إذا لَا يَصِحُّ رَفْعُ غَيْرِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ (وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ العزيز هو بن أَبِي رِزْمَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْيَشْكُرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ (عن عبد الله) هو بن الْمُبَارَكِ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) هُوَ الضَّبِّيُّ (أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ) التَّمِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْعَاشِرَةِ (قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ إِنْ سَهَا فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ (أَيُسَبِّحُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ لَا إِنَّمَا هِيَ ثلاث مائة تسبيحة) قال القارىء في المرقاة مفهومة أنه سَهَا وَنَقَصَ عَدَدًا مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَأْتِي به في محل اخر تكمله للعد الْمَطْلُوبِ انْتَهَى
فَوَائِدُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْأُولَى قَدْ وَقَعَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ حَسَنٌ أَمْ ضَعِيفٌ أَمْ مَوْضُوعٌ وَالظَّاهِرُ عندي أنه لا ينحط وإن حديث بن عَبَّاسٍ يَقْرُبُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ لِشِدَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ من وجه(2/490)
مُعْتَبَرٍ فَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْخِصَالِ الْمُكَفِّرَةِ وَأَمَالِي الْأَذْكَارِ
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ هَيْئَتِهَا لِهَيْئَةِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ فَلَا وَجْهَ لِضَعْفِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّةِ وكثير من المشائخ الصُّوفِيَّةِ قَدْ ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي حَكَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْخَالِيَةَ عَنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْمُشْتَمِلَةَ عَلَى التَّسْبِيحَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ لِعَدَمِ قَوْلِهِمْ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ الرَّاتِبَةِ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمُحَدِّثُونَ أَكْثَرُهُمُ اخْتَارُوا الْكَيْفِيَّةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ
وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا أَسْلَفْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ ثُبُوتًا هُوَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ
فَلْيَأْخُذْ بِهَا من يصليها حنيفا كَانَ أَوْ شَافِعِيًّا انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ إِنَّ جُمْهُورَ الرواة على الصفة المذكورة في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى إِذْ لَا يَصِحُّ رَفْعُ غَيْرِهَا انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ هَذَا
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ الْجَوَازَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ائْتِنِي غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي قَالَ إِذَا زَالَ النَّهَارُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ ثُمَّ تَرْفَعُ رَأَسَكَ يَعْنِي مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَوِ جَالِسًا وَلَا تَقُمْ حَتَّى تسبح عشرا وتكبير عَشْرًا وَتَحَمَدَ عَشْرًا وَتُهَلِّلَ عَشْرًا ثُمَّ تَصْنَعَ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْحَدِيثَ وَسَكَتَ عَنْهُ أبو داود والمنذري وقال السيوطي في اللالىء قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ
تَنْبِيهٌ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَبِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ بن عباس تارة ويعمل بحديث بن الْمُبَارَكِ أُخْرَى وَأَنْ يَفْعَلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا تَارَةً بِالزَّلْزَلَةِ والعاديات والفتح وا خلاص وتارة بألهاكم والعصر والكافرون وا خلاص وأن يكون دعاءه بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَدْعُوُ لِحَاجَتِهِ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرْتُهُ وَرَدَتْ سُنَّةٌ انْتَهَى
قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا فِي فِعْلِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ بَعْدَ الزَّوَالِ
وَالْأَوْلَى عِنْدِي العمل بحديث بن عباس وأبي رافع واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(2/491)
20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ [483] )
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (عَنْ مسعر) هو بن كِدَامٍ (وَالْأَجْلَحِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُجَيَّةَ بالمهملة والجيم مصغر الْكِنْدِيِّ يُقَالُ اسْمُهُ يَحْيَى صَدُوقٌ شِيعِيٌّ مِنَ السَّابِعَةِ (مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ
(هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَلِمْنَا) يَعْنِي بِمَا فِي أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَنِ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي النَّيْلِ (فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ
وَفِي الْمِرْقَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا جَيِّدٌ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذي امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَخْ وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يُسْأَلْ ثُمَّ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَخْ وَفِي آخِرِهِ وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ أَيْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَوْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ انْتَهَى (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ عَظَمَةٌ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَتَضْعِيفِ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ نَبْلُغْ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ أَحَلْنَاهُ عَلَى اللَّهِ وَقُلْنَا اللَّهُمَّ صَلِّ أَنْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ
وَهَذَا الدُّعَاءُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ فَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ لَا تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَالَّتِي بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالتَّبَرُّكِ تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى أَيْ تَرَحَّمْ وَبَرِّكْ وَقِيلَ فِيهِ إِنَّ هَذَا خَاصٌّ لَهُ وَلَكِنَّهُ هُوَ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ وَأَمَّا سِوَاهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ (عَلَى(2/492)
آلِ مُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِحَذْفِ عَلَى وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الحديث وغيره بإثباتها
وقد ذهب فالأكثر على أنهم هل بَيْتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أن ال محمد هم الذي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ وَعُوِّضُوا مِنْهَا الْخُمُسَ وَهُمْ صليبة بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قِيلَ آلُهُ أَصْحَابُهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ
قُلْتُ وَفِي تَفْسِيرِ آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَالٌ أُخْرَى وَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآلِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سئل عن الال قال ال محمد تَقِيٍّ وَرُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمِنْ حديث أنس رضي الله عنهما وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآلِ لُغَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْآلُ أَهْلُ الرَّجُلِ وَأَتْبَاعُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ غَالِبًا فَلَا يُقَالُ آلُ الْإِسْكَافِ كَمَا يُقَالُ أَهْلُهُ انْتَهَى (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فِي هَذَا التَّشْبِيهِ إِشْكَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّ المقرر كون المشبهه دون المشبه به والواقع ها هنا عَكْسُهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَحْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَأُجِيبُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ
وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ تَوَاضُعًا
وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْقَدْرِ كَمَا قِيلَ فِي (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قبلكم) وَكَمَا فِي (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نوح) وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَمِنْهَا أَنَّ الْكَافَ لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى ما هداكم)
وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ
وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِمَا اشْتُهِرَ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ مَدْفُوعَةٌ بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِالْمِثْلِ وَبِمَا دُونَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (مثل نوره كمشكاة)
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مَجْمُوعُ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمِ وَآلِهِ وَفِي آلِ إِبْرَاهِيمَ مُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ
وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَكَذَلِكَ آلُهُ فَالْمُشَبَّهُ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى(2/493)
إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ (إِنَّكَ حَمِيدٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَحْمُودٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِأَلْسِنَةِ خَلْقِهِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّهُ يَحْمَدُ ذَاتَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ (مَجِيدٌ) أَيْ عَظِيمٌ كَرِيمٌ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَيْ آدَمَ وَأَثْبِتْ مَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالْكَرَامَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَرَكَ الْبَعِيرُ إِذَا ناخ فِي مَوْضِعِهِ وَلَزِمَهُ وَتُطْلَقُ الْبَرَكَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ (قَالَ مَحْمُودٌ) أَيِ بن غيلان شيخ الترمذي (وزادني زائدة) هو بن قُدَامَةَ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ (قَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ) أَيْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَنَحْنُ نَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا يَزِيدُونَهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَطَلْحَةَ وَأَبِي سعيد وبريدة وزيد بن خارجة ويقال بن جَارِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَلَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَأْتِي فِي تَخْرِيجِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي المنتفي
وأما حديث طلحة وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
وَفِي رِوَايَةٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَآلِ إِبْرَاهِيمَ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بلفظ قولوا اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ
وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَفِيهِ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى اسْمُهُ نُفَيْعٌ(2/494)
وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صلى عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى) مُبْتَدَأٌ (كُنْيَتُهُ أَبُو عِيسَى) جُمْلَةٌ وَهِيَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ أَبُو عِيسَى الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ وَبِلَالٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَدْرَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَنْصَارِيِّينَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عِيسَى وَمُجَاهِدٌ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وخلق وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ انْتَهَى (وَأَبُو لَيْلَى اسْمُهُ يَسَارٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ اسْمُهُ بِلَالٌ أَوْ بُلَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ دَاوُدُ وَقِيلَ هُوَ يَسَارٌ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَقِيلَ أَوْسٌ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ انْتَهَى
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ [484] )
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ) بِمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ وَيُقَالُ إِنَّهَا أُمُّهُ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صدوق يخطيء مِنْ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ فِي هَامِشِهَا نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ قَالَ أبو حاتم صالح الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ رُبَّمَا أَخْطَأَ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ صدوق سيء الْحِفْظِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَبُو داود هو صالح وقال بن المديني ضعيف منكر الحديث وقال بن عَدِيٍّ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ وَبِرِوَايَاتِهِ(2/495)
انْتَهَى (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ الزُّهْرِيُّ مَوْلَاهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَعَنْهُ موسى بن يعقوب الزمعي وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ الزُّهْرِيُّ مَوْلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ مَقْبُولٌ مِنَ الخامسة (أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ) بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ أَبَا الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الثِّقَاتِ وَكَانَ مَعْدُودًا في الفقهاء مات بالكوفة مقتو سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (أَوْلَى النَّاسِ بِي) أَيْ أَقْرَبُهُمْ بِي أَوْ أَحَقُّهُمْ بِشَفَاعَتِي (أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) لِأَنَّ كَثْرَةَ الصَّلَاةِ مُنْبِئَةٌ عَنِ التَّعْظِيمِ الْمُقْتَضِي لِلْمُتَابَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه بن حبان في صحيحه
قال بن حِبَّانَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ
فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرُ صَلَاةً عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
[485] قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً) أَيْ وَاحِدَةً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) أَيْ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَالْمَعْنَى رَحِمَهُ وَضَاعَفَ أَجْرَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَلُّ الْمُضَاعَفَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَلَامًا يَسْمَعُهُ الْمَلَائِكَةُ تَشْرِيفًا لِلْمُصَلِّي وَتَكْرِيمًا لَهُ كَمَا جَاءَ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خير منهم
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا لا حاجة إلى التقيد بِسَمَاعِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ جَاءَ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي(2/496)
انْتَهَى
قُلْتُ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَلَامًا تَشْرِيفًا لِلْمُصَلِّي وَتَكْرِيمًا لَهُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقْيِيدِ بِسَمَاعِ الْمَلَائِكَةِ لِيُظْهِرَ عِنْدَهُمْ شَرَافَتَهُ وَكَرَامَتَهُ بِسَمَاعِهِمْ صَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَمَّارٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَنَسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَوَفَّاهُ قَالَ فَجِئْتُ أَنْظُرُ فرفع رأسه فقال مالك فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي أَلَا أُبَشِّرُكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الاسناد رواه أبو يعلى وبن أَبِي الدُّنْيَا نَحْوَهُ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ فَسَجَدْتُ شُكْرًا لِلَّهِ انْتَهَى
وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنِ الْحَاكِمِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى
وَلَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ ذَكَرَهَا السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ وهو بن يَاسِرٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمَّارُ إن الله عَزَّ وَجَلَّ مَلَكًا أَعْطَاهُ الْخَلَائِقَ كُلَّهَا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِي إِذَا مِتُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يُصَلِّي عَلَيَّ صَلَاةً إِلَّا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَبِاسْمِ أَبِيهِ قَالَ صَلَّى عَلَيْكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَذَا وَكَذَا فَيُصَلِّي الرَّبُّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرًا انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا انْتَهَى
وَرَوَاهُ بن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ
وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عشر درجات انتهى
قال ميرك ورواه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي(2/497)
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء
قال بن عَبَّاسٍ يُصَلُّونَ يُبَرِّكُونَ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح تحت قول أبي العالية أخرجه بن أبي حاتم وقال تحت قول بن عَبَّاسٍ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) قَالَ يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيِّ أَيْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي الْعَالِيَةِ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ انْتَهَى
[486] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ الْبَلْخِيُّ الْمُصَاحِفِيُّ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ سُلَيْمَانُ بن سلم بإسكان اللام بن سَابِقٍ الْهَدَّادِيُّ أَبُو دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ الْمَصَاحِفِيُّ عَنِ بن مُطِيعٍ وَالنُّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَعَنْهُ تَعْلِيقَاتٌ س وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ) الْمَازِنِيُّ أَبُو الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ نَزِيلُ مَرْوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي قُرَّةَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الْأَسَدِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو قُرَّةَ الْأَسَدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ أَبُو قُرَّةَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَ بِبَلَدِ صَيْدَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (لَا يَصْعَدُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب) والجمهور على الفتح وقريء فِي الشَّوَاذِّ بِالضَّمِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الدُّعَاءِ جِنْسُهُ (حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا
وَأَنْ يَكُونَ نَاقِلًا كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ فِيهِ تَجْرِيدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْخِطَابُ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ مُخَاطَبٌ دُونَ مُخَاطَبٍ انْتَهَى
قَالَ مَيْرَكُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَيْضًا وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ إِنَّ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا انْتَهَى
قُلْتُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ أَبِي قُرَّةَ الْأَسَدِيِّ
وَفِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ إِذَا سَأَلْتَ(2/498)
اللَّهَ حَاجَةً فَابْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ادْعُ بِمَا شِئْتَ ثُمَّ اخْتِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِكَرَمِهِ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي مَرَّ قَبْلَ هَذَا (هُوَ بن يَعْقُوبَ هُوَ مَوْلَى الْحُرَقَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَبُو شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ عَنْ أَبِيهِ وَأَنَسٍ وَعِكْرِمَةَ وعنه بن جريج وبن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ أُنْكِرُ مِنْ حَدِيثِهِ أَشْيَاءَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ انْتَهَى (وَالْعَلَاءُ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ صِغَارِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ عَدَّهُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الطَّبَقَةُ الصُّغْرَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ وَالِدُ الْعَلَاءِ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ جَعَلَهُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ طبقة الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَيَعْقُوبُ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَخْ) جَعَلَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ طَبَقَةُ كِبَارِ التَّابِعِينَ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ مَدَنِيٌّ مُقِلٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ عِنْدَهُ يَعْنِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ
[487] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ) ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ يَعْقُوبَ (قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يَبِعْ إِلَخْ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ(2/499)
التِّرْمِذِيُّ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ أَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَرَوَى عَنْهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الباب
قوله (والعلاء بن عب الرَّحْمَنِ) أَيِ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي هريرة الذي مر قبل هذا (هو بن يعقوب هو مولى احرقة) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَبُو شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ عَنْ أبيه وأنس وعكرمة وعنه وبن جريج وبن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ أُنْكِرُ من حدثنا أَشْيَاءَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ انْتَهَى (وَالْعَلَاءُ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ صِغَارِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ عَدَّهُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الطَّبَقَةُ الصُّغْرَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ وَالِدُ الْعَلَاءِ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ جَعَلَهُ فِي التقريب من الطبقة الثالثة وهي طبقة الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَيَعْقُوبُ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَخْ) جَعَلَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وهب طَبَقَةُ كِبَارِ التَّابِعِينَ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ مَدَنِيٌّ مُقِلٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ عِنْدَهُ يَعْنِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدين كما صرح به في التهذيب(2/500)
4 - (أَبْوَابُ الْجُمُعَةِ [488] )
يُقَالُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُونَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ بِكَثْرَةِ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَنَحْوُ ذَلِكَ سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى الْعَرُوبَةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
(بَابُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)
قَوْلُهُ (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ آدَمَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَةً وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَدَفْعِ نِقْمَتِهِ انْتَهَى
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ وَخُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ وَوُجُودِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا كَمَا كَانَ خُرُوجُ إِبْلِيسَ وَإِنَّمَا كَانَ خُرُوجُهُ مُسَافِرًا لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا
وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي لبابة) أخرجه بن مَاجَهْ (وَسَلْمَانَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(2/501)
(وأبي ذر) هو الغفاري وحديثه عند بن عبد البر في التمهيد وبن الْمُنْذِرِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ (وَأَوْسِ بْنِ أَوْسٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه والدارمي والبيهقي في الدعوات الكبير
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
(بَابٌ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ [489] )
أَيْ تُطْمَعُ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ فِيهَا
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ) فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ لَقَبُهُ حَمَّادٌ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (الْتَمِسُوا) أَيِ اطْلُبُوا (تُرْجَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُطْمَعُ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ فِيهَا (بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ)
(وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ القارىء نَقْلًا عَنْ مَيْركَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بن لَهِيعَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَهِيَ قَدْرُ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى قَبْضَتِهِ وَإِسْنَادُهُ أَصَحُّ مِنْ إِسْنَادِ الترمذي وقال العسقلاني يعني الحافظ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَرُوِيَ هَذَا عَنِ بن عباس موقوفا عليه رواه بن جَرِيرٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيد(2/502)
الْخُدْرِيِّ انْتَهَى
(وَقَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى هُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هُوَ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشمس
قال الحافظ بن حَجَرٍ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ فِيهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ انْتَهَى قَالَ وَمَا عَدَاهُمَا إِمَّا مُوَافِقٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ أَوْ مَوْقُوفٌ اسْتَنَدَ قَائِلُهُ إِلَى اجْتِهَادٍ دُونَ تَوْقِيفٍ
وَلَا يُعَارِضُهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْسِيَهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُنْسِيَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَرْجَحُ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَجْوَدُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّهُ وَبِذَلِكَ قَالَ البيهقي وبن الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَالَ بن النَّوَوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا بِكَوْنِهِ مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَفِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ على ذلك
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ(2/503)
ثُمَّ افْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ الطَّرْطُوشِيُّ وَحَكَى العلائي أن شيخه بن الزَّمْلَكَانِيِّ شَيْخَ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَقْتِهِ كَانَ يَخْتَارُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِمَا في الصحيحين أو أحداهما إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا يَكُونُ مِمَّا انْتَقَدَهُ الحفاظ كحديث أبو موسى هذا فإنه أعلى بِالِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ ثُمَّ قَالَ وَسَلَكَ صَاحِبُ الْهُدَى مَسْلَكًا آخَرَ فَاخْتَارَ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يُعَارِضُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَعَلَى الآخر في وقت آخر وهذا كقول بن عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي يَنْبَغِي الِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَسَبَقَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ أَوْلَى فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
[490] قَوْلُهُ (زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ) أَوْ هَاشِمٌ الطُّوسِيُّ الْأَصْلُ وَلَقَبُهُ شُعْبَةُ الصَّغِيرُ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ 252 (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ مِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَضَرَبَ أَحْمَدُ عَلَى حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ فَرَوَى مِنْ حَدِيثِهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَحَّحَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا) أَيْ يَلِيقُ السُّؤَالُ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بعض الروايات الاخرى خَيْرًا مَكَانَ شَيْئًا (إِلَّا آتَاهُ) أَيْ أَعْطَى العبد (إياه) أي ذلك الشيء أي إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهُ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (قَالَ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا) وَفِي حَدِيثِ أبو موسى(2/504)
عِنْدَ مُسْلِمٍ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لفظه (وأبي ذر) روى بن المنذر وبن عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ عَنْهَا فَقَالَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِشِبْرٍ إِلَى ذِرَاعٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَسَلْمَانَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه (وعبد الله بن سلام) أخرجه بن ماجه (وأبي لبابة) أخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ (وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنًا كَلَامٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف وقد تقدم حاله
قال الحافظ في كَلَامٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَالُهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَعَّفَ كَثِيرٌ رِوَايَةَ كَثِيرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ وَرَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ وَاصِلٍ الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوى إليه وفيه أن بن عُمَرَ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَمَسَحَ على رأسه وروى بن جرير وسعيد بن منصور عن بن سِيرِينَ نَحْوَهُ انْتَهَى
[491] قَوْلُهُ (لَا يُوَافِقُهَا) أَيْ لا يصادفها وهو أعلم مِنْ أَنْ يَقْصِدَ لَهَا أَوْ يَتَّفِقَ لَهُ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهَا (يُصَلِّي) صِفَةٌ لِعَبْدٍ أَوْ حَالٌ لِاتِّصَافِهِ بِمُسْلِمٍ (فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا) أَيْ مِمَّا يَلِيقُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ الْمُسْلِمُ وَيَسْأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطَّلَاقِ يَسْأَلُ اللَّهَ خيرا وفي حديث أبي لبابة عند بن مَاجَهْ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَا لَمْ يسأل إنما أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ (وَلَا تَضْنَنْ) أَيْ لَا تبجل قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَجُوزُ فِي ضَبْطِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ أحدها فتح(2/505)
الضَّادِ وَتَشْدِيدُ النُّونَيْنِ وَفَتْحُهُمَا وَالثَّانِي كَسْرُ الضَّادِ وَالْبَاقِي مِثْلُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ فَتْحُ الضَّادِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحُهَا وَتَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ
وَالرَّابِعُ كَسْرُ الضَّادِ وَالْبَاقِي مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْخَامِسُ إِسْكَانُ الضَّادِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَالسَّادِسُ كَسْرُ النُّونِ الْأُولَى وَالْبَاقِي مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ حَاصِلُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ أَوِ الْخَفِيفَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْفَتْحِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْبَابُ يَحْتَمِلُ فَتْحَ الْعَيْنِ فِي الْمُضَارِعِ وكسرها فتصير الْوُجُوهِ سِتَّةٌ انْتَهَى
(وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَالضَّنِينُ الْبَخِيلُ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ) الضِّنُّ بِالْكَسْرِ وَالضَّنِينُ بخيلي كردن وَهُوَ ضَنِينٌ وَالظِّنَّةُ بِالظَّاءِ بِالْكَسْرِ التهمة والظنين المتهم كذا في الصراح والقاموس
(باب ما جاء في الاغتسال في يَوْمَ الْجُمُعَةِ [492] )
قَوْلُهُ (مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِمُسْلِمٍ إِذَا أَرَادَ أحدكم أن(2/506)
يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
وَاسْتُدِلَّ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَاهُ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ أَبِي عوانة وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صِحَاحِهِمْ بِلَفْظِ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ وَهِمَ فِيهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الجمعة الحديث
وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدرداء فلينظر من أخرجه
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وعد بن مَنْدَهْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةِ نَفْسٍ وَعَدَّ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غير بن عُمَرَ فَبَلَغُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ مِنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ إِلَخْ) يَعْنِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ كَمَا نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عن الامام(2/507)
الْبُخَارِيِّ [493] قَوْلُهُ (إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ) هُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ روايات
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ (فَقَالَ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ تَأْنِيثُ أَيِّ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ عَلَى تَأَخُّرِهِ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِمَ تَأَخَّرْتَ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (مَا هُوَ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ وَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ
وَفِي رواية في الموطأ فقال يا أمير المؤمنين انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ وَالْمُرَادُ مِنَ النِّدَاءِ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ (وَالْوُضُوءَ أَيْضًا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ النَّصْبُ أَيْ تَوَضَّأْتَ الْوُضُوءَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَتِنَا بِالنَّصْبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ أَيْ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا اقْتَصَرْتَ عَلَيْهِ وَاخْتَرْتَهُ دُونَ الْغُسْلِ وَالْمَعْنَى مَا اكْتَفَيْتَ بِتَأْخِيرِ الْوَقْتِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى تَرَكْتَ الْغُسْلَ وَاقْتَصَرْتَ عَلَى الْوُضُوءِ
وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْوُضُوءُ أَيْضًا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ انْتَهَى
[495] قَوْلُهُ وَرَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ إِلَخْ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ(2/508)
مَالِكٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَلْ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا بِخِلَافِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ فَإِنَّهُمَا رَوَيَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا أَيْ عَنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ إِلَخْ فَقَالَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا رَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ قَالَ مُحَمَّدٌ وقد روي عن مالك أيضا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عن مالك ليس فيه ذكر بن عمر فحكى الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْبَغَوِيِّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لم يذكر في هَذَا الْحَدِيثَ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ غَيْرُ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَجُوَيْرِيَةَ انْتَهَى وَقَدْ تَابَعَهُمَا أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ بذكر بن عُمَرَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّأِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الثِّقَاتِ عَنْهُ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً غَيْرَهُمْ فِي بَعْضِهِمْ مَقَالٌ ثُمَّ سَاقَ أَسَانِيدَهُمْ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ انْتَهَى(2/509)
4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
قَوْلُهُ [496] (وَأَبُو جَنَابٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ (يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعَّفُوهُ لِكَثْرَةِ تَدْلِيسِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَغَيْرُهُمْ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا أَبُو جَنَابٍ بِالرَّفْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى وَكِيعٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي جَنَابٍ كِلَيْهِمَا فَأَمَّا وَكِيعٌ فَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَأَمَّا أَبُو جَنَابٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ) الذِّمَارِيِّ القارىء ثِقَةٌ (عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ) صَحَابِيٌّ سَكَنَ دِمَشْقَ
قَوْلُهُ (مَنِ اغْتَسَلَ وَغَسَّلَ) رُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ غَسَلَ رَأْسَهُ وَبِقَوْلِهِ اغْتَسَلَ غَسَلَ سَائِرَ بَدَنِهِ وَقِيلَ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلَ فَكَأَنَّهُ غَسَّلَهَا وَاغْتَسَلَ وَقِيلَ كَرَّرَ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ
وَيُرَجِّحُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ وَاغْتَسَلَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَاوُسٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغتسلوا واغسلوا رؤوسكم الْحَدِيثَ (وَبَكَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ رَاحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَابْتَكَرَ) أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّ وَقِيلَ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَبِهِ جزم بن الْعَرَبِيِّ
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَكَّرَ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ
وَأَمَّا ابْتَكَرَ فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ وَابْتَكَرَ الرَّجُلُ إِذَا أَكَلَ بَاكُورَةَ الْفَوَاكِهِ وَقِيلَ مَعْنَى اللَّفْظَتَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيدِ كَمَا قَالُوا أَجَادَ مُجِدٌّ انْتَهَى
وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ (وَدَنَا) زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنَ الإمام (واستمع(3/3)
أَيِ الْخُطْبَةَ (وَأَنْصَتَ) تَأْكِيدٌ (بِكُلِّ خَطْوَةٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتُضَمُّ بُعْدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) بَدَلٌ مِنْ سَنَةٍ
قَوْلُهُ (قَالَ مَحْمُودٌ) هو بن غَيْلَانَ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ (قَالَ وَكِيعٌ اغْتَسَلَ هُوَ وَغَسَّلَ امْرَأَتَهُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ غَسَّلَ أَرَادَ بِهِ الْمُجَامَعَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ غَضَّ الطَّرْفِ فِي الطَّرِيقِ يُقَالُ غَسَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ إِذَا جَامَعَهَا وَقَدْ رُوِيَ مُخَفَّفًا وَقِيلَ أَرَادَ غَسَّلَ غَيْرَهُ وَاغْتَسَلَ هُوَ لِأَنَّهُ إِذَا جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَحْوَجَهَا إِلَى الْغُسْلِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حصين وسلمان وأبي ذر وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُفِّرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مئتي سَنَةٍ وَفِي سَنَدِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ حَمْزَةَ ضَعَّفَهُ بن معين والنسائي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي سَنَدِهِ محمد بن عبد الرحمن بن رواد وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يُصَلِّيَ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى
قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ(3/4)
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ والنسائي وبن ماجه وبن خزيمة وبن حبان في صحيحهما وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى
وَفِي الْمِرْقَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ نَقَلَهُ مَيْرَكٌ
وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لَمْ نَسْمَعْ فِي الشَّرِيعَةِ حَدِيثًا صَحِيحًا مُشْتَمِلًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الثَّوَابِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ آدَةَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ شَرَاحْبِيلُ بن آدة بالمد وتخفيف وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ وَيُقَالُ آدَةُ جد أبيه وهو بن شَرَاحِيلَ بْنُ كُلَيْبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ شراحبيل بْنُ آدَةَ وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ كُلَيْبٍ بْنِ آدَةَ وَيُقَالُ شَرَاحِيلُ بْنُ كُلَيْبٍ وَيُقَالُ شَرَاحِيلُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ شُرَحْبِيلُ انْتَهَى
(باب فِي الْوُضُوءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [497] )
أَيْ فِي الِاكْتِفَاءِ عَلَى الْوُضُوءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) ذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِغَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِكَوْنِهِ يُدَلِّسُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
قَوْلُهُ (فَبِهَا وَنِعْمَتْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ أَيْ فَبِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ حَصَلَ الْوَاجِبُ وَالتَّاءُ فِي نِعْمَتْ لِلتَّأْنِيثِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَعْنَاهُ وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ أَيِ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَكَى الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ بِالسُّنَّةِ
قَالَهُ(3/5)
الْأَصْمَعِيُّ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا وَقَالَ إِنَّمَا ظَهَرَ تَاءُ التَّأْنِيثِ لِإِضْمَارِ السُّنَّةِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الشَّاذَكِيُّ وَنِعْمَتِ الرُّخْصَةُ قَالَ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْغُسْلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتِ الْفَرِيضَةُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ (وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ عَلَى الْوُضُوءِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ فَيَسْتَلْزِمُ إِجْزَاءَ الْوُضُوءِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا
مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ له وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَفِيهِ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أَشْهَرُهَا وَأَقْوَاهَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وبن خزيمة وبن حبان وله علتان أحدهما أَنَّهُ مِنْ عَنْعَنَةِ الْحَسَنِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ عليه فيه وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن سمر والبزار من حديث أبي سعيد وبن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْإِمَامِ مَنْ يَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَلَى الِاتِّصَالِ يُصَحِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَمْ يُجْمَعْ عَنْهُ إِلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ اخْتَارُوا الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلخ) اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أنه(3/6)
مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ إِنَّهُ وَاجِبٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ مَا لَفْظُهُ
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ على فرضية غسل الجمعة وقد حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمد وحكاه بن حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ وَجَمْعٍ جَمٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ إِلَّا نَادِرًا وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَشْيَاءَ مُحْتَمَلَةٍ كَقَوْلِ سَعْدٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ مُسْلِمًا يَدَعُ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى
(فَلَوْ عَلِمَا) أَيْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ أَمْرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا عَلَى الِاخْتِيَارِ لَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ عُثْمَانَ حَتَّى يَرُدَّهُ وَيَقُولَ لَهُ ارْجِعْ فَاغْتَسِلْ وَلَمَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ ذلك ومع عِلْمِهِ إلخ)
هَذَا تَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَافَقُوهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قِصَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ وَاشْتِغَالِهِ بِمُعَاتَبَةِ عُثْمَانَ وَتَوْبِيخِ مِثْلِهِ عَلَى رؤوس النَّاسِ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْغُسْلِ مُبَاحًا لَمَا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ عُثْمَانُ لِلْغُسْلِ لِضِيقِ الْوَقْتِ إِذْ لَوْ فَعَلَ لَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَاهِلًا عَنِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّ عُثْمَانَ لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفضي عَلَيْهِ الْمَاءَ
وَتُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاتَبَ عُثْمَانَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ التَّبْكِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْغُسْلُ كَذَلِكَ
قُلْت قَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/7)
[498] قَوْلُهُ (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) أَيْ أَتَى بمكملاته من سننه ومستحباته قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى إِحْسَانِ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَدَلْكُ الْأَعْضَاءِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ وَتَقْدِيمُ الْمَيَامِنِ وَالْإِتْيَانُ بِسُنَنِهِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى (ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ) أَيْ حَضَرَ خُطْبَتَهَا وَصَلَاتَهَا (فَدَنَا) أَيْ مِنَ الْإِمَامِ (وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُمَا شَيْئَانِ مُتَمَايِزَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ والإنصات السكوت ولهذا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا انْتَهَى
قُلْتُ الْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ لَا السُّكُوتُ الْمَحْضُ وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ (غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ بَيَّنَهُ اللَّيْثُ عن بن عجلان في روايته عند بن خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى
قَالَ ميركُ وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى
(وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِرَفْعِ زِيَادَةٍ عَطْفًا بِالْوَاوِ بِمَعْنَى مَعَ عَلَى مَا فِي مَا بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ زِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّبْعَةِ لِتَكُونَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا
وَجُوِّزَ الْجَرُّ فِي زِيَادَةٍ بِالْعَطْفِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ
(وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ والمراد باللغو ها هنا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ انْتَهَى
(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَكَّرَ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ [499] قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث بن هِشَامٍ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (غُسْلَ الْجَنَابَةِ)
بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَاغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ كما(3/8)
يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْكَيْفِيَّةِ لَا لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَغْتَسِلَ فِيهِ لِلْجَنَابَةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا تَمْتَدَّ عَيْنُهُ إِلَى شَيْءٍ يَرَاهُ وَفِيهِ حَمْلُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى الِاغْتِسَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ حَمَلَ قَائِلُ ذَلِكَ حَدِيثَ مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ
قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ والصواب الأول وقد حكاه بن قُدَامَةَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَثَبَتَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ فَلَا وَجْهَ لِادِّعَاءِ بُطْلَانِهِ وَإِنْ كَانَ الأول أرجح ولعله أنه عني بَاطِلٌ فِي الْمَذْهَبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (ثُمَّ رَاحَ) زَادَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى
قَوْلُهُ (فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ تَصَدَّقَ بِهَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمُبَادَرَةِ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ نَظِيرَ مَا لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ مِنَ الثَّوَابِ مِمَّنْ شُرِعَ لَهُ الْقُرْبَانُ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ لَمْ يُشْرَعْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبَانِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الْإِهْدَاءُ إِلَى الْكَعْبَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي لَفْظِ الْإِهْدَاءِ إِدْمَاجٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ لِلْجُمْعَةِ وَأَنَّ الْمُبَادِرَ إِلَيْهَا كَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ إِلَى الْكَعْبَةِ
وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ الْبَدَنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَمَّا الْهَدْيُ فَمِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْبَدَنَةُ تَكُونُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَأَنَّهُ خَطَأٌ نَشَأَ عَنْ سَقْطٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (دَجَاجَةً)
فَتْحُ الدَّالِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى الضَّمَّ قَالَ(3/9)
الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ الْقُرْبَانُ إِنَّمَا هُوَ فِي النعم لَا فِي الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ قُلْتُ مَعْنَى قَرَّبَ ها هنا تَصَدَّقَ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَا
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْقُرْبَانِ عَلَى الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّقَرُّبِ التَّصَدُّقُ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ وَنَحْوِهِمَا
قَوْلُهُ (يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) أَيِ الْخُطْبَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ والرواح عِنْدَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِهِ وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أَوَّلَ النَّهَارِ وَالرَّوَاحُ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ الرَّوَاحُ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَهُوَ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الثَّالِثَةِ ثُمَّ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْخَامِسَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ السَّادِسَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ بَعْدَ انْفِصَالِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا ذِكْرُ السَّاعَاتِ إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِالنَّفْلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا فَضِيلَةَ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّخَلُّفُ بَعْدَ النِّدَاءِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ تُبْعَثُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَكْتُبُونَ مَجِيءَ النَّاسِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ وَرُفِعَتِ الْأَقْلَامُ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا حَبَسَ فُلَانًا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ضَالًّا فَاهْدِهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَاشْفِهِ وَإِنْ كَانَ عَائِلًا فَأَغْنِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ وَهُوَ بن جندب فأخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ مَثَلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ التَّبْكِيرِ كَأَجْرِ الْبَقَرَةِ كَأَجْرِ الشَّاةِ حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ(3/10)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ
(بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ بغير عُذْرٍ)
[500] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْحَضْرَمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ من الثالثة قوله (عن أبي الجعد) ذكرها بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ أَنَّ اسْمَهُ أَدْرَعُ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ إِنَّ اسْمَهُ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ وَقِيلَ إِنَّ اسْمَهُ جُنَادَةُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبِيدَةُ بْنُ سُفْيَانَ
كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ يَعْنِي الضَّمْرِيَّ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي (وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) يَعْنِي أَنَّ أَبَا الْجَعْدِ كَانَ صَحَابِيًّا فِيمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيٌّ حَدَثٌ قِيلَ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ
قَوْلُهُ (تَهَاوُنًا بِهَا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّهَاوُنِ التَّرْكُ عَنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَلْبُهُ قَلْبَ مُنَافِقٍ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ إِهَانَةٌ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّهَاوُنِ التَّكَاسُلُ وَعَدَمُ الْجِدِّ فِي أَدَائِهِ لَا الْإِهَانَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَالْمُرَادُ بَيَانُ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً
قَوْلُهُ (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أَيْ خَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ بِمَنْعِ إِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ وَقِيلَ كَتَبَهُ مُنَافِقًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ(3/11)
قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وبن ماجه بلفظ لينتهين أقوام عن ودعهم والجمعات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ من الغافلين (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ جُمُعَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُتِبَ مُنَافِقًا فِي كِتَابٍ لَا يُمْحَى وَلَا يُبَدَّلُ (وَسَمُرَةَ) بْنِ جندب أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ
وَرُوِيَ أبو يعلى عن بن عَبَّاسٍ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وصححه بن السكن عن هَذَا الْوَجْهِ
قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضرورة طبع على قلبه رواه النسائي وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْجَعْدِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْجَعْدِ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقِيلَ عَنْهُ هَكَذَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ وَهْمٌ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ بَلْ لَهُ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَذَكَرَ لَهُ الْبَزَّارُ حَدِيثًا آخَرَ وَقَالَ لَا نَعْلَمُ لَهُ إِلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
(بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَمْ يُؤْتَى إِلَى الْجُمُعَةِ)
أَيْ مِنْ كَمْ مَسَافَةٍ يُؤْتَى إِلَيْهَا(3/12)
[501] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ مَدَّوَيه) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ بميم وتثقيل القرشي صدوق من الحادية عشر (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الكاف (عن ثوير) مصغرا بن أَبِي فَاخِتَةَ سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو الْجَهْمِ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَرَوَى أَبُو صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ ثُوَيْرٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الكذب وقال خ تركه يحيى وبن مَهْدِيٍّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ) هَذَا الرَّجُلُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ (أَنْ نَشْهَدَ الجمعة من قبا) بِضَمِّ قَافٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ مَعَ مَدٍّ وَقَصْرٍ مَوْضِعٌ بِمِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ) أَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ثُوَيْرَ بْنَ فَاخِتَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قباء وهو مجهول وروى بن ماجه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وقد ثبت أن أهل العوالي كانوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْقُرَى الَّتِي بِقُرْبِهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ) فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَآوَيْتُ غَيْرِي وَأَوَيْتُهُ وَفِي الْحَدِيثِ مَنِ الْمُتَعَدِّي قَالَ الْمُظَهِّرُ أَيِ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَ وَطَنِهِ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ مَسَافَةٌ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ إِلَى وَطَنِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى(3/13)
أَهْلِهِ قَبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ انْتَهَى
(هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ ضعيف) وروى البيهقي بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَاتَ أَهْلَهُ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَاتَ أَهْلَهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَوْضِعِهِ قبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ فَمَنْ كَانَ فَوْقَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ
قَوْلُهُ (مِنْ حَدِيثِ مُعَارِكِ بْنِ عَبَّادٍ) فِي التَّقْرِيبِ مُعَارِكٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وآخره كاف بن عباد أو بن عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ
قوله (قال بعضهم تجب الجمعة على من آواه اللَّيْلُ إِلَى مَنْزِلِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَنَافِعٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالُوا إِنَّهَا تَجِبُ على من يؤويه اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إِلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ مَقْصُورًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ
قَوْلُهُ (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وحكاه بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ
وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَاوِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي النَّيْلِ
قُلْتُ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو(3/14)
الْمَذْكُورِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ فِي خَارِجِهِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ كَانَ فِي قُوَّةِ السَّامِعِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ انْتَهَى وَقَدْ حَكَى الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاءَ انْتَهَى
[502] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الحسن) هذا قول الترمذي وأحمد بن الحسن هذا هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْحَافِظَ الْجَوَّالَ كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن خُزَيْمَةَ وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 260 سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ الْفَسَاطِيطِيُّ التَّنِّيسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَائِلُ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا قَائِلُ قَوْلِهِ فَغَضِبَ عَلَيَّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
قَوْلُهُ (اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ) بِصِيَغِهِ الْأَمْرِ وَالتَّكْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ أَيِ اسْتَغْفِرْ ربك يا أحمد بن الْحَسَنِ مِنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ثَلَاثَةَ ضُعَفَاءٍ الْأَوَّلُ الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي مُعَارِكٌ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا فَعَلَ بِهِ أَحْمَدُ إلخ) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ(3/15)
(بَاب مَا جَاءَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ)
[503] قَوْلُهُ (أخبرنا سريج) بالتصغير بن نُعْمَانَ الْجَوْهَرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ ثِقَةٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ) أَيْ إِلَى الْمَغْرِبِ وَتَزُولُ مِنَ اسْتِوَائِهَا يَعْنِي بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِيهِ إِشْعَارٌ بِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ انْتَهَى
[504] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فنريح نواضحنا قال حسن يعني بن عَيَّاشٍ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ قَالَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ (وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَنَبْتَدِرُ فِي الْآجَامِ فَمَا نَجِدُ مِنَ الظِّلِّ إِلَّا قَدْرَ مَوْضِعِ أَقْدَامِنَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الْآجَامُ الْآطَامُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) وَاسْتَدَلُّوا(3/16)
بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فجوزها قَبْلَ الزَّوَالِ وَرُوِي فِي هَذَا أَشْيَاءُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَرَأَى بَعْضُهُمُ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ إِذَا صُلِّيَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهَا تَجُوزُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَجُوزُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ بَاكِرَ النَّهَارِ لَكِنْ طَرِيقُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى التَّعَارُضِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّبْكِيرَ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْمَعْنَى أنهم كانوا يبدأون بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْقَيْلُولَةِ بِخِلَافِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْحَرِّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِيلُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ انْتَهَى
وَمِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَحَكَوْا عن بن قتيبة أنه قال لا يسمى غذاء وَلَا قَائِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وغيره بأن هذا الحديث وما مَعْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَجِّلُونَ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلا مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ نُدِبُوا إِلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا فَلَوِ اشْتَغَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا
وَمِنْهَا أَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ قَالَ شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَشَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِيدَانَ غير معروف العدالة
قال بن عَدِيٍّ شِبْهُ الْمَجْهُولِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ بَلْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى منه فروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ فَلَمَّا سَمَّاهُ عِيدًا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ فِي وَقْتِ الْعِيدِ كَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِيدًا أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ(3/17)
بَعْدَهُ بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَالظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ)
أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهِا وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْجُمُعَةِ لِيَتَنَاوَلَهَا وَيَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا
[505] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ) الصَّيْرَفِيُّ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ فَارِسٍ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ) مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ) بْنِ عَمَّارٍ الْمَازِنِيُّ أَبُو غَسَّانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ) أَيْ مُسْتَنِدًا إِلَى جِذْعٍ وَهُوَ وَاحِدُ جُذُوعِ النَّخْلَةِ
قَوْلُهُ (حَنَّ الْجِذْعُ) أَيْ صَوَّتَ مُشْتَاقًا إِلَيْهِ وَأَصْلُ الْحَنِينِ تَرْجِيعُ النَّاقَةِ صَوْتَهَا إِثْرَ وَلَدِهَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَفِي الْفِتَنِ وَفِيهِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ قِصَّةُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَصِيَاحِ النَّخْلَةِ (وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ قِصَّةُ عَمَلِ الْمِنْبَرِ (وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ زِيَادَاتِهِ فِي الْمُسْنَدِ وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ كَلَامٌ وَقَدْ وثق (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى الْمِنْبَرِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ مُوَثَّقُونَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ(3/18)
يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رجاله موثقون
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُبَابٍ الْكَلْبِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ لكنه مدلس وقد عنعنه كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ)
[506] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهَا
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا كذا في عمدة القارىء
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صَلُّوا كما رأيتموني أصلي
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ
يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ إِقَامَةَ الْخُطْبَتَيْنِ دَاخِلٌ تَحْتَ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتَدَلَالٌ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَالَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ أَوْ يَدْعُوَهُ سِرًّا انْتَهَى
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَصْرِيحُ مِقْدَارِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي حَدِيثٍ(3/19)
غيره
وذكر بن التِّينِ أَنَّ مِقْدَارَهُ كَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنِ الْحَكَمِ عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَخْطُبُ كَذَا فِي عمدة القارىء (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ من طريق النمري عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
قُلْت وَفِي إِسْنَادَيِ التِّرْمِذِيِّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُصَغَّرًا وَهُوَ ثقة
2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَرِ الْخُطْبَةِ)
بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الصَّادِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِصَرُ كَعِنَبٍ خِلَافُ الطُّولِ
[507] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) هو سلام بن سليم الكوفي قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ
قَوْلُهُ (فكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا) أَيْ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ مِنَ التَّقْصِيرِ وَالتَّطْوِيلِ
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وأقصروا الخطبة رواه مسلم
قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ دَلَّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِيهِمَا وَالثَّانِيَ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَزِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بحديث(3/20)
عَمَّارٍ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ طَوِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُطْبَةِ لَا تَطْوِيلًا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَهِيَ حِينَئِذٍ قَصْدٌ أَيْ مُعْتَدِلَةٌ وَالْخُطْبَةُ قَصْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا انْتَهَى
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَوْ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى التَّطْوِيلِ لِإِدْرَاكِ بَعْضِ مَنْ تَخَلَّفَ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَكُونُ الْأَخْذُ فِي حَقِّنَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ لَا بِفِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا)
فَإِنْ قُلْتَ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
قُلْتُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِوُرُودِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ نَادِرًا اقْتَضَاهُ الْوَقْتُ وَلِكَوْنِهِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَكَأَنَّهُ كَانَ وَاعِظًا وَالْكَلَامُ فِي الْخَطْبِ الْمُتَعَارَفَةِ
قاله القارىء
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أخرجه مسلم وتقدم لفظه (وبن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ)
[508] قَوْلُهُ (يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ) أَيْ يَقُولُ الْكُفَّارُ لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ علينا ربك) أَيْ بِالْمَوْتِ وَالْمَعْنَى سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْنَا يَقُولُونَ هَذَا لِشِدَّةِ مَا بِهِمْ فَيُجَابُونَ بقوله (إنكم ماكثون) أَيْ خَالِدُونَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ في الخطبة(3/21)
وَسَيَجِيءُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ سُورَةً وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ وَفِيهِ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حديث غَرِيبٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (آيًا مِنَ الْقُرْآنِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ آيَةٍ
قَوْلُهُ (أَعَادَ الْخُطْبَةَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى وُجُوبِ الْوَعْظِ وَقِرَاءَةِ آيَةٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْحَقُّ
قَالَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ
الْأَوَّلُ فِي إِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ
وَالثَّانِي فِي الْأُولَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أصحاب الشافعي واستدلوا بما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ سُورَةً ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَنْزِلُ
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وعمر يفعلانه
والثالث أن القراءة مشروعة فيهما جَمِيعًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
وَالرَّابِعُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وجل
قال(3/22)
الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللَّهَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَخْطُبُ لَا عَلَى قَوْلِهِ يَقُومُ
وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُلَازِمُ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الْخُطْبَةِ بَلْ كَانَ يَقْرَأُ مَرَّةً هَذِهِ السُّورَةَ وَمَرَّةً هَذِهِ وَمَرَّةً هَذِهِ الاية ومرة هذه انتهى
4 - (باب فِي اسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ إِذَا خَطَبَ)
[509] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ) الرَّوَاجِنِيُّ صَدُوقٌ رَافضِيٌّ حديثه في البخاري مقرون بالغ بن حِبَّانَ فَقَالَ يَسْتَحِقُّ التَّرْكَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ) الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بُخَارَى كَذَّبُوهُ مِنَ الثَّامِنَةِ مَاتَ سَنَةَ 180 ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ كَذَا في التقريب
قوله (استقبلناه بوجوهنا) قال بن الْمَلَكِ أَيْ تَوَجَّهْنَاهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْقَوْمُ الْخَطِيبَ وَالْخَطِيبُ الْقَوْمَ انْتَهَى
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ لَا بِالتَّحَلُّقِ حَوْلَ الْمِنْبَرِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْمَنْعِ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِي الصُّفُوفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَلَفْظُهُ فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَإِذَا صَعِدَهُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ إِلَى النَّاسِ وسلم عليهم كذا في عمدة القارىء
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ استقبله أصحابه بوجوههم أخرجه بن ماجه وقال بن مَاجَهْ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا قَالَ وَالِدُ عَدِيٍّ لَا صُحْبَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِأَبِيهِ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ فَلَهُ صُحْبَةٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ(3/23)
مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ ذَاهِبٌ حَدِيثُهُ غَيْرُ حَافِظٍ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ ضَعِيفٌ (عِنْدَ أصحابنا) أي عند أصحاب الحديث فحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَالَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عند بن خُزَيْمَةَ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الحنفية قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْإِمَامَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ لَكِنَّ الرَّسْمَ الْآنَ أَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ لِلْحَرَجِ فِي تَسْوِيَةِ الصفوف لكثرة الزحام
قال القارىء لَا يَلْزَمُ مِنَ اسْتِقْبَالِهِمُ الْإِمَامَ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَلَى مَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِيدِ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ
نَعَمِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يَعْنِي صَرِيحًا وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ اسْتِقْبَالَ النَّاسِ الْإِمَامَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ جُلُوسَهُمْ حَوْلَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي نَظَرَهُمُ إِلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مَكَانٍ عَالٍ وَهُمْ جُلُوسٌ أَسْفَلَ مِنْهُ وإذَا كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ كَانَ حَالُ الْخُطْبَةِ أَوْلَى لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ لَهَا وَالْإِنْصَاتِ عِنْدَهَا انْتَهَى كَلَامُ الحافظ(3/24)
15 - (باب فِي الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[510] قَوْلُهُ (إِذْ جَاءَ رَجُلٌ) هُوَ سُلَيْكٌ بِمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا الْغَطَفَانِيُّ (قُمْ فَارْكَعْ) أَيْ قُمْ فَصَلِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (عَنْ عِيَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بن عبد الله بن أبي سرج) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ
[511] قَوْلُهُ (وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَرْوَانُ هَذَا هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بن أبي العاص أُمَيَّةَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ فِي رَمَضَانَ وَلَهُ ثَلَاثٌ أَوْ إِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً لَا يَثْبُتُ لَهُ صُحْبَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي تَرْجَمَتِهِ وُلِدَ مَرْوَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا وَابْنُهُ مَعَهُ مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ 65 خَمْسٍ وَسِتِّينَ رَوَى عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ انْتَهَى (فَجَاءَ الْحَرَسُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَرَسَهُ حَرَسًا وَحِرَاسَةً فَهُوَ حَارِسٌ ج(3/25)
حَرَسٌ وَأَحْرَاسٌ وَحُرَّاسٌ وَالْحَرَسِيُّ وَاحِدُ حَرَسِ السُّلْطَانِ وَهُمُ الْحُرَّاسُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ حَرَسٌ بِفَتْحَتَيْنِ نكاهبان دركاه سلطان حراس ج حرسي يكي ازيشال انتهى (وليجلسوه) مِنَ الْإِجْلَاسِ وَالتَّجْلِيسِ (إِنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِكَ) كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ كَادُوا لَيُوقِعُوا بِكَ بِالضَّرْبِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوِ السَّبِّ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ
قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ) وهو سليك قوله (في هيأة بَذَّةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَيِّئَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفَقْرِ قَالَ فِي القاموس بذذت كعلمت بَذَاذَةً وَبَذَاذًا وَبُذُوذَةً سَاءَتْ حَالُكَ وَبَاذُّ الْهَيْئَةِ وَبَذُّهَا رَثُّهَا انْتَهَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ هَذَا يُصَرِّحُ بِضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَى
قُلْتُ أَشَارَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَأَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَوَهِمَ فِيهِ وَالصَّوَابُ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ مُرْسَلًا
وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَهْمِ لِمُخَالَفَتِهِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ منه أحمد بن حنبل وغيره (قال بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ شيخ الترمذي (وكان أبو عبد الرحمن الْمُقْرِئُ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوِ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنَ التَّاسِعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (يَرَاهُ) أَيْ يَعْتَقِدُهُ وَيُجَوِّزُهُ (كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ(3/26)
صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ وثقه أحمد وبن معين وبن عيينة وأبو حاتم وروى عباس عن بن معين قال بن عَجْلَانَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَا يَشُكُّ فِي هَذَا أَحَدٌ
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا كُلُّهَا شَوَاهِدُ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي سُوءِ حِفْظِهِ وَقَدْ بَسَطَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنْ قِيلَ قَدْ صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمَا عَادَتُهُ أَنْ يُعِيدَ ذِكْرَ صَحَابِيٍّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ لِجَابِرٍ غَيْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي قدمه وهو مارواه الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ نَوْفَلٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يخطب فليصل ركعتين وليخففهما كذا في قوت المغتذي (وأبي هريرة) أخرجه بن ماجه (وسهل بن سعد) أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سُلَيْكٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ ركعتين خفيفتين ورواه أيضا بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ انْتَهَى
وَقَالَ الحافظ في الفتح ورواه بن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ
وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ (إِذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ(3/27)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وتأولوا أحاديث الباب بأنه كان عريانا فأمر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفَهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقُرْطُبِيُّ أَقْوى مَا اعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا
وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالِفُ ذلك
وأما ما نقله بن بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَدْرَكْتُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانَ الْإِمَامُ إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ
وَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهمُ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وبن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فقال الطحاوي لما لم ينكر بن الزبير على بن صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمُ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمُ انْتَهَى
(وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ
وَكُلُّ مَا أَجَابَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ
وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَالَةِ إِبَاحَةِ الْأَفْعَالِ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهَا قَالُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ فَكَلَامُهُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ حَتَّى مَنَعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ لصاحب أنصت(3/28)
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَةِ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ مُتَقَدِّمٌ جِدًّا فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى
وَمِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْكٌ بَيْنَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ ضَعَّفَهُ وَقَالَ إِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ الْمُرْسَلُ حجة عندنا ويؤيد هذا ما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى خُطْبَتِهِ انْتَهَى
قُلْتُ الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنِ الْمُحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ الْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا
رَوَاهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود وأما رواية بن أَبِي شَيْبَةَ فَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ وَمَعَ إِرْسَالِهَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا
هَذَا مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَأَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ انْتَهَى
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَلْ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ
وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وقد بوب النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ حَدِيثِ سُلَيْكٍ قَالَ بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فاركعهما كذا في عمدة القارىء(3/29)
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَخْتَصُّ بِالِابْتِدَاءِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَنَ الْقُعُودِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُولُ
وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ قَاعِدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ الْأَصْلُ ابْتِدَاءُ قُعُودِهِ وَقُعُودُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ انْتَهَى
قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَالثَّانِيَ مُحْتَمَلٌ بَلْ نَقُولُ إِنَّ الْقُعُودَيْنِ كِلَيْهِمَا أَصْلٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْحُكْمُ بِالْمُحْتَمَلِ عَلَى الْأَصْلِ مُتَعَيَّنٌ ها هنا لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ثُمَّ قَالَ الْعَيْنِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ الْحَافِظِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ إلخ مَا لَفْظُهُ هَذَا تَرْوِيجٌ لِكَلَامِهِ وَنِسْبَةُ الرَّاوِي إِلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ انْتَهَى
قُلْتُ نِسْبَةُ الرَّاوِي إِلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ لَيْسَ بِلَا حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ بَلْ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ بَيَّنَهَا الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ
فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ قَاعِدٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِمَّا يُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ يُقَالُ إِنَّ الرَّاوِيَ تَجَوَّزَ فِيهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ
وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهَا بِسُلَيْكٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا
قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ
قُلْتُ هَذَا مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّحِيَّةِ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَصْدِ التَّصَدُّقِ مُعَاوَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ
أخرجه النسائي وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا وَلِأَحْمَدَ وبن حِبَّانَ أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ جُمَعٍ(3/30)
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ
كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَجَابَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا وَأَجَادَ فِيهِ
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[512] قَوْلُهُ (وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (أَنْصِتْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِنْصَاتِ مَقُولُ الْقَوْلِ (فَقَدْ لَغَا) وَفِي رِوَايَةٍ الشَّيْخَيْنِ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْأَخْفَشُ اللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا أصل له من الباطل وشبهه
قال بن عرفة اللغو السقط من القولوقيل الْمَيْلُ مِنَ الصَّوَابِ وَقِيلَ اللَّغْوُ الْإِثْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ مَا لَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ
وَقَالَ النُّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ مَعْنَى لَغَوْتَ خِبْتَ مِنَ الْأَجْرِ وَقِيلَ بَطَلَتْ فَضِيلَةُ جُمُعَتِكَ وَقِيلَ صَارَتْ جُمُعَتُكَ ظُهْرًا
قَالَ الْحَافِظُ أَقْوَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَيَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الْأَخِيرِ مَا رواه أبو داود وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ له ظهرا
قال بن وَهْبٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَحُرِمَ فَضِيلَةَ الْجُمُعَةِ
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا مَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ(3/31)
تَكَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ
وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ ولأحمد والبزار من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمْعَةٌ وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي جَامِعِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ بن عُمَرَ مَوْقُوفًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ عَنْهُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذكر حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلخ
رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ
قوله (وفي الباب عن بن أبي أوفى) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ سَلِمَ مِنْهُنَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى مِنْ أَنْ يُحْدِثَ حَدَثًا يَعْنِي أَذًى أَوْ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ أَنْ يَقُولَ صَهٍ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قبل الرَّأْيِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا بن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (فَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ بِقَلْبِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ فِيهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ وَيُشَمِّتُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَلْبِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ذلك وهو قول الشافعي) وحكى(3/32)
بن الْعَرَبِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بِالْجَوَازِ فَقَالَ وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَشَمَّتَهُ رَجُلٌ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةٌ وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَرَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِنَّهُ الْأَصَحُّ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَدْ كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا رَدَّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ كُرِهَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا عِنْدَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِمَا وَكَذَا الْحَمْدُ لِلْعَطْسَةِ وَفِي رَدِّ الْمُنْكَرِ بِالْإِشَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالْيَدِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ الْحَدِيثَ
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ انْتَهَى
وَقَدْ حَكَى الْعَيْنِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ بِقَلْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
قُلْتُ وجه الاختلاف أن ها هنا عُمُومَاتٍ مُتَعَارِضَةً فَالنَّهْيُ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ يَعُمُّ كُلَّ كَلَامٍ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ يَعُمُّ السُّكُوتَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَمْرُ بِرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فَأَبْقَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَوَّلَ وَخَصَّصَ الثَّانِيَ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ وَأَبْقَى الثَّانِيَ عَلَى عُمُومِهِ
وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ النَّهْيُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِنْصَاتِ السُّكُوتُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ دُونَ ذكر الله كما اختاره بن خُزَيْمَةَ فَإِذَا سَكَتَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَرَدِّ السَّلَامَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ أَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ سِرًّا أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ عَامِلًا بِكُلِّ مَا ذُكِرَ مِنَ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وَالْأَمْرُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ قُلْتُ إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَأَنْصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجَبِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى
هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ كُلِّ مَا مَنَعُوهُ حَالَةَ(3/33)
سَكَتَاتِ الْخَطِيبِ إِذَا لَمْ يُخِلَّ بِالِاسْتِمَاعِ
7 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
قَالَ فِي الصُّرَاحِ تَخَطَّيْتُ رِقَابَ النَّاسِ أَيْ تَجَاوَزْتُهَا
[513] قَوْلُهُ (عَنْ زَبَّانَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَشَدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ فَائِدٍ) بِالْفَاءِ أَبِي جُوَيْنٍ الْمِصْرِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَعَ صَلَاحِهِ وَعِبَادَتِهِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ) لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ زَبَّانَ عَنْهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفَهُ بن معين وقال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَسْتُ أَدْرِي أَوَقَعَ التَّخْلِيطُ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ نَزَلَ مِصْرَ وَبَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ
قَوْلُهُ (مَنْ تَخَطَّى) أَيْ تَجَاوَزَ (رِقَابَ النَّاسِ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ بِالْخَطْوِ عَلَيْهَا (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْيِيدُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِاخْتِصَاصِ الْجُمُعَةِ بِكَثْرَةِ النَّاسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ بَلْ يَكُونُ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ حُكْمَهَا
وَيُؤَيَّدُ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِالْأَذِيَّةِ وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا وَيُؤَيِّدُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَخَطَّى حِلَقَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَهُوَ عَاصٍ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ كَذَّبَهُ شُعْبَةُ وَتَرَكَهُ النَّاسُ (اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ اتُّخِذَ عَلَى بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجْعَلُ جِسْرًا عَلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ لِيُوطَأَ وَيُتَخَطَّى كَمَا تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ أَنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جِسْرًا يَمْشِي عَلَيْهِ إِلَى جَهَنَّمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْفَقُ لِلرِّوَايَةِ
وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ مَنْ تَخَطَّى رَقَبَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِسْرًا عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ لِلنَّاسِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ(3/34)
ضُعِّفَ الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً انْتَهَى
قُلْت فِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ وَالتُّورِبِشْتِيِّ خِلَافُ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِسْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن جابر) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَسَكَتَ عَنْهُ أبو داود والمنذري وصححه بن خزيمة وغيره وعن أرقم بْنِ الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الَّذِي يَتَخَطَّى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْجَارِّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إِسْنَادِهِ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَهُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَزْرَقِ عِنْدَهُ فِي الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ أَلْفَاظَ أَحَادِيثِهِمْ فِي النَّيْلِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلخ) فِي إِسْنَادِهِ رِشْدِيْنُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رجح أبو حاتم عليه بن علية وقال بن يُونُسَ كَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ فَأَدْرَكَتْهُ غَفْلَةُ الصَّالِحِينَ فَخَلَطَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ صَالِحًا عَابِدًا سيء الْحِفْظِ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ انْتَهَى فَحَدِيثُ الْبَابِ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يَتَخَطَّى الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رِقَابَ النَّاسِ وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ) حَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ إِنَّ الْمُخْتَارَ تَحْرِيمُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاقْتَصَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَدَعَ الْجُمُعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَخَطَّى(3/35)
الرِّقَابَ وَقَالَ الْمُسَيِّبُ لَأَنْ أُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالْحَرَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّخَطِّي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنَ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالتَّخَطِّي
وَهَكَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ بِالرَّوْضَةِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إِلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمِحْرَابِ إِلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَمَنْ خَصَّصَ الْكَرَاهَةَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ عِنْدَهُ وَمَنْ عَمَّمَ الْكَرَاهَةَ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَقَدْ خَصَّ الْكَرَاهَةَ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ مَنْ يَتَبَرَّكُ النَّاسُ بِمُرُورِهِ وَيَسُرُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَذَّوْنَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ التَّأَذِّي كَذَا فِي النَّيْلِ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يَضُمَّ الْإِنْسَانُ رِجْلَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ يَجْمَعُهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْرِهِ وَيَشُدَّهُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونُ الِاحْتِبَاءُ بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ يُقَالُ احْتَبَى يَحْتَبِي احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحُبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْجَمْعُ حِبًا وَحُبًا
[514] قَوْلُهُ (وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ) الْخُوَارَزْمِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن المقرئ وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ السنن الأربعة ولزم بن مَعِينٍ وَأَخَذَ عَنْهُ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَاتَ سَنَةَ 172 إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ (قَالَا أخبرنا أبو عبد الرحمن الْمُقْرِئُ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ وَالْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنَ التَّاسِعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ مِقْلَاصٌ (قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحُومٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ زَاهِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ) بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ(3/36)
قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْحَبْوَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ احْتَبَى بِالثَّوْبِ اشْتَمَلَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ ظَهْرِهِ وساقيه بعمامة ونحوها والاسم الحبوة وبضم انْتَهَى (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَيُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلِانْتِقَاضِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الِاحْتِبَاءِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالِ الْخُطْبَةِ وَلَا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِانْكِشَافِ عَوْرَةِ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي سَنَدِهِ سَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي سَنَدِهِ أيضا أبو مرحوم ضعفه بن مَعِينٍ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عند بن مَاجَهْ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَعْنِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَعَلَّهُ من شيوخه المجهولين عن جابر عند بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إِلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ انْتَهَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَوَرَدَ عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَحْتَبُوا وَالْإِمَامُ يخطب يوم الجمعة
رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قَالَ وَلَكِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَنِ الثَّلَاثَةِ فَنُقِلَ عَنْهُمُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَنُقِلَ عَنْهُمْ عَدَمُهَا وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهِيَ تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا
(وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلخ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سننه وكان بن عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهَا انْتَهَى
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ(3/37)
يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَجَمَعَ بِنَا فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ وَفِيهِ لِينٌ وقد وثقه بن حِبَّانَ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَدْ حَسَّنَ حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ
قُلْت أَحَادِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنْ يقوي بعضها بعضا ولا شك فِي أَنَّ الْحَبْوَةَ جَالِبَةٌ لِلنَّوْمِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى المنبر)
[515] قوله (أخبرنا هشيم)
بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التدليس والإرسال (أخبرنا حصين) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُ أَبُو الْهُذَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ (قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنَ رُوَيْبَةَ) بِرَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا الثَّقَفِيَّ يُكْنَى بِأَبِي زُهَيْرٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ (فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ) لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَفْظُ فِي الدُّعَاءِ (فَقَالَ عُمَارَةُ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيُدَيَّتَيْنِ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ تَصْغِيرُ الْيَدَيْنِ (الْقُصَيِّرَتَيْنِ) تَصْغِيرُ الْقَصِيرَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِخْبَارٌ عَنْ قُبْحِ صُنْعِهِ (وَمَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ) أَيْ يُشِيرَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ الدُّعَاءِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(3/38)
20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ)
[516] قَوْلُهُ (عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْكِنْدِيِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ وَيُعْرَفُ بِابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ أَحَادِيثُ قَلِيلَةٌ وَحُجَّ بِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ بن سَبْعِ سِنِينَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ سُوقَ الْمَدِينَةِ مَاتَ سَنَةَ 19 إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ)
أَيْ لِلْخُطْبَةِ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رواية أبي عامر عن بن أبي ذئب عند بن خُزَيْمَةَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وكذا للبيهقي من طريق بن أبي فديك عن بن أَبِي ذِئْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمَعْنَى كَانَ الْأَذَانُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَذَانَيْنِ أَحَدُهُمَا حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالثَّانِي حِينَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ
فَكَانَ فِي عَهْدِهِمُ الْأَذَانَانِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ الْحَقِيقِيُّ وَالْإِقَامَةُ وَفِي رواية وكيع عن بن أبي ذئب عند بن خُزَيْمَةَ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أذانين يوم الجمعة قال بن خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ أَذَانَيْنِ يُرِيدُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ يَعْنِي تَغْلِيبًا أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِعْلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
(فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ) أَيْ خِلَافَتُهُ أَوْ كَانَ خَلِيفَةً (زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) قَالَ الحافظ في رواية وكيع عن بن أَبِي ذِئْبٍ فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا يُسَمَّى ثَالِثًا وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُعِلَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسَمَّى أَوَّلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّأْذِينَ بِالثَّانِي أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ وَتَسْمِيَتُهُ ثَانِيًا أَيْضًا مُتَوَجِّهٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَذَانِ الْحَقِيقِيِّ لَا الْإِقَامَةِ (عَلَى الزوراء) بفتح الزاء وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ مَمْدُودَةٌ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْحَافِظُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هُوَ المعتمد وجزم بن بَطَّالٍ بِأَنَّهُ حَجَرٌ كَبِيرٌ(3/39)
عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي رواية بن إسحاق عن الزهري عند بن خزيمة وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى دَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ فَكَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأُذِّنَ بِالزَّوْرَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ حَضَرَتْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ أيضا زاد أبو عامر يعني بن خزيمة عن بن أَبِي ذِئْبٍ فَثَبَتَ ذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةِ
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ يَعْنِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ فَثَبَتَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ إِذْ ذَاكَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةً مُطَاعَ الْأَمْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بِمَكَّةَ الْحَجَّاجُ وَبِالْبَصْرَةِ زِيَادٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ الْمَغْرِبِ الْأَدْنَى الْآنَ لَا تَأْذِينَ عِنْدَهُمْ سِوَى مَرَّةٍ وروى بن أبي شيبة من طريق بن عُمَرَ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً لَكِنْ مِنْهَا مَا يَكُونُ حَسَنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ وُجُودًا إِذَا كَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِاجْتِهَادِ عُثْمَانَ وَمُوَافَقَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لَهُ بِالسُّكُوتِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ صَارَ أَمْرًا مَسْنُونًا نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي أَيْ بِطَرِيقَتِي الثَّابِتَةِ عَنِّي وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا انتهى كلام القارىء
وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ أَمَّا حَدِيثُ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَلَهُ طَرِيقٌ فِيهَا مَقَالٌ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِسُنَّةِ الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3/40)
مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَتَقْوِيَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ لِكُلِّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ لَا يَخُصُّ الشَّيْخَيْنِ
وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ أَنْ يُشَرِّعَ طَرِيقَةً غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ هَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسُهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ سَمَّى مَا رَآهُ مِنْ تَجْمِيعِ صَلَاتِهِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْ
عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ خَالَفُوا الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَا قَالُوهُ وَفَعَلُوهُ حُجَّةٌ
وَقَدْ حَقَّقَ الْبِرْمَاوِيُّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى قَوْلٍ كَانَ حُجَّةً لَا إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَيْسَ هُوَ التَّقْلِيدُ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَافِلِ فِي بَحْثِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ
فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لِطَرِيقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاحَ لَكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى كَوْنِ الْأَذَانِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُجْتَهَدَاتِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمرا مسنونا ليس بتام ألا ترى أن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ تَامًّا وَكَانَ الْأَذَانُ الثَّالِثُ أَمْرًا مَسْنُونًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْبِدْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ غَيْرِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَسْنُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْبِدْعَةِ بِأَيِّ مَعْنًى كَانَ فَتَفَكَّرْ
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِنْبَرِ)
[517] قَوْلُهُ (يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ)
وَفِي الْمُنْتَقَى بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ وَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي وَعَزَاهُ إِلَى الْخَمْسَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِيهَا لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمُسْتَجَابَةَ هِيَ مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ(3/41)
يَتَجَرَّدَ لِلذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَمِمَّا يُرَجِّحُ تَرْكَ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْإِنْصَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِلَفْظِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْجَائِزَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هُوَ كَلَامُ الْإِمَامِ لِحَاجَةٍ أَوْ كَلَامُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لِحَاجَةٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهِمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى إلخ) يَعْنِي وَهِمَ جَرِيرٌ فِي قَوْلِهِ يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَخَذَ رَجُلٌ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِقَوْلِهِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ كَمَا أَنَّ جَرِيرًا وَهِمَ فِي تَحْدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا الْحَدِيثَ
لِأَنَّ ثَابِتًا لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ أَنَسٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَالِسًا عِنْدَ تَحْدِيثِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثَابِتٍ وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ انْتَهَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي مَا أَعَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ إِقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْمِنْبَرِ فَلَيْسَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرًا كَيْفَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَتُهُ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهِ عَنِ الْمِنْبَرِ انْتَهَى(3/42)
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ جَرِيرَ بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصَّحِيحِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَلَهُ أَوْهَامٌ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ
وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَ بِمِصْرَ أَحَادِيثَ وَهِمَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ يحفظ انتهى
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)
[519] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا (حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الْمَدَنِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْحَارِثِيُّ مَوْلَاهُمْ أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ صَحِيحُ الْكِتَابِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالصَّادِقِ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ) كَانَ كَاتِبَ عَلِيٍّ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة
قوله (استخلف مروان) هو بن الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ سَنَةِ 64 أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ 65 خَمْسٍ وَسِتِّينَ
(أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) أَيْ جَعَلَهُ خَلِيفَتَهُ وَنَائِبَهُ عليها (وَخَرَجَ) أَيْ مَرْوَانُ (فَقَرَأَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَفِي(3/43)
السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ) أَيِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) أَيْ لَقِيتُهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي عُتْبَةَ الْخَوْلَانِيِّ) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ
وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بن بشير فأخرجه الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حديث الغاشية قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الصَّلَاتَيْنِ
وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَسَأَلَهُ الضَّحَّاكُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ هل أتاك حديث الغاشية
وأما حديث بن عتبة الخولاني فأخرجه بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بالْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الأولى ب سبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ بِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية أَوْ فِي الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بهل أتاك حديث الغاشية
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى ثُمَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عنه الرَّبِيعِ
وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فَلَا وَجْهَ لِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إِلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ كَانَ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأصول(3/44)
23 - (باب ما جاء في ما يقرأ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ)
يَوْمَ الْجُمُعَةِ [520] قَوْلُهُ (عَنْ مُخَوَّلٍ) عَلَى وَزْنِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ ثِقَةٌ نُسِبَ إِلَى التَّشَيُّعِ (عَنْ مُسْلِمٍ البطين) هو مسلم بن عمران أو بن أَبِي عِمْرَانَ الْبَطِينُ مِنْ رِجَالِ الْجَمَاعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ لِمَا تُشْعِرُ الصِّيغَةُ بِهِ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ إِكْثَارِهِ منه بل ورد من حديث بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلَفْظُهُ يُدِيمُ ذَلِكَ وأصله في بن مَاجَهْ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ صَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن سعد وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ بن أبي وقاص فأخرجه بن ماجه
وأما حديث بن مسعود فأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي(3/45)
24 - (باب فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا)
[521] قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ جَاءَ سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ قَالَ لَا قَالَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَمْ يَذْكُرِ الرَّافِعِيُّ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا حديثا
وأصح ما فيه ما رواه بن مَاجَهْ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قال قال المجد بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لاتحية الْمَسْجِدِ وَتَعَقَّبَهُ الْمِزِّيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ فَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ انْتَهَى
قوله (وقد روي عن نافع عن بن عُمَرَ أَيْضًا) أَيْ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ نَافِعٍ بَعْدَ هَذَا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يُرِدِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِذَلِكَ إِلَّا بَيَانَ أَقَلِّ مَا يُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَقَدِ اسْتَحَبَّا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَنَقَلَ بن قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ سِتًّا كَذَا فِي النيل(3/46)
قَوْلُهُ (كُنَّا نَعُدُّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا انْتَهَى
قُلْتُ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ سوى البخاري وثقه بن عُيَيْنَةَ وَالْعِجْلِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هُوَ خَيْرٌ مِنْ فُلَيْحٍ وَحُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ وَعَدَّ جَمَاعَةً يَعْتَرِضُ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي احْتِجَاجِهِ بِهِمْ وَعَدَمِ احْتِجَاجِهِ بِسُهَيْلٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا روي ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أربعا روي ذلك عن علي وبن عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ
إِلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ
حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ وَحُجَّةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ وَحُجَّةُ الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ بن عُمَرَ الْجُمُعَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ انْصَرَفَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ(3/47)
إبراهيم عن سليمان بن مسهر عن حرشة بْنِ الْحُرِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا
هَذَا ملخص ما في عمدة القارىء لِلْعَيْنِيِّ
قُلْتُ وَاسْتُدِلَّ لِلطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ بِمَا رَوَاهُ أبو داود عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قُلْتُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِعْلًا وَأَرْبَعٌ قَوْلًا
وَأَمَّا السِّتُّ فَلَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ
نَعَمْ ثبتت عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنَّمَا أَرَادَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَحَسْبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ انْتَهَى
وَالْأَوْلَى بِالْعَمَلِ عِنْدِي أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَأَمَرَنَا بِهِ وَحَثَّنَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[523] قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ورواه الطبراني عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وفي بن ماجه عن بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِشَيْءٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا
وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّبَرَانِيِّ الأوسط
وصح عن بن مَسْعُودٍ مِنْ فِعْلِهِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى عَلِيٍّ وَزَادَ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِنَّ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِسِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ
وفي عمدة القارىء لِلْعَيْنِيِّ فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أبي عبد الرحمن السلمي قال علمنا بن مَسْعُودٍ أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَّمَنَا أَنْ نُصَلِّيَ سِتًّا(3/48)
قَوْلُهُ (وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ)
حَاصِلُ احْتِجَاجِهِ أَنَّ حَدِيثَ الْأَرْبَعِ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهَا فِي الْبَيْتِ وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمَا فِي الْبَيْتِ فَحَدِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَحَدِيثُ الْأَرْبَعِ عَلَى مَا إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ
قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عِيسَى وبن عُمَرَ هُوَ الَّذِي رَوَى إلخ
) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ الرَّدُّ عَلَى مَا قَالَ إِسْحَاقُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ إِسْحَاقُ لَمَا صلى بن عُمَرَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَرْفَعَ لَهُ وَأَسْنَدَ انْتَهَى
وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ عَنِ بن عُيَيْنَةَ مَرِضَ عَمْرٌو فَعَادَهُ الزُّهْرِيُّ فَلَمَّا قَامَ الزُّهْرِيُّ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْخًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ الْجَيِّدِ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ انْتَهَى (إِنْ كَانَتِ الدارهم عِنْدَهُ) إِنْ هَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (سَمِعْتُ بن أَبِي عُمَرَ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ ووقع في غيرها سمعت بن أَبِي عُمَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَقَطَ لَفْظُ (بن) من النسخة الأحمدية(3/49)
25 - (باب فيمن يدرك مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً)
[524] قَوْلُهُ (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مُدْرِكًا لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِذًا فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُ بَقِيَّتِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا) أَيْ وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَالْمُصَلِّينَ مَعَهُ
جَالِسِينَ (صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ
قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرُهُمْ
وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْجُمُعَةَ فَيَلْزَمُ أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ مُدْرِكٌ لَهَا وَبِمَفْهُومِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً بَلْ دُونَهَا فَهُوَ غَيْرُ مُدْرِكٍ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ يُصَلِّي أَرْبَعًا
وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ فَيُفِيدُ أَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَاحِدٌ وَحُكْمُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يَزِيدُ فِي الْجُمُعَةِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْمَفْهُومُ عِنْدَهُمْ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ(3/50)
كَانَ مُعْتَبَرًا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّرِيحِ
كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ
وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طريق ياسين بن معاذ عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ يَاسِينَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَقَدْ قَالَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِنَّهَا كُلَّهَا مَعْلُولَةٌ
وَقَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا الْمَتْنُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي عِلَلِهِ وَقَالَ الصَّحِيحُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَكَذَا قَالَ الْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى
واستدلوا أيضا بحديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ
وَفِي لَفْظٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ رواه النسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قال بن أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ عَنْ يونس وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا خَطَأٌ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةٍ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَوَهْمٌ
قَالَ الْحَافِظُ إِنْ سَلِمَ مِنْ وَهْمِ بَقِيَّةَ فَفِيهِ تَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ لِأَنَّهُ عَنْعَنَ لِشَيْخِهِ انْتَهَى
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَدْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهَا
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِطْلَاقِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ فَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تعالى أعلم(3/51)
26 - (بَابٌ فِي الْقَائِلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
الْقَائِلَةُ بِمَعْنَى الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ وَكَذَلِكَ الْمَقِيلُ
[525] (قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ فَقِيهٌ (مَا كُنَّا نَتَغَدَّى) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْغَدَاءِ وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤْكَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ (وَلَا نَقِيلُ) مِنْ قَالَ يَقِيلُ قَيْلُولَةً فَهُوَ قَائِلٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَحْمَدَ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاغَلُونَ عَنِ الْغَدَاءِ وَالْقَائِلَةِ بِالتَّهَيُّؤِ لِلْجُمْعَةِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَقِيلُونَ وَيَتَغَدَّوْنَ فَكَوْنُ قائلتهم وغداؤهم بَعْدَ الْجُمُعَةِ عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُمْ فِي وَقْتِهِ مِنْ أَجْلِ بُكُورِهِمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعُمْدَةِ القارىء قَالَ الْعَيْنِيُّ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ وعامة العلماء انتهى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى الْقَائِلَةِ فَنَقِيلُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
7 - (باب في من ينعس يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ مِنْ مَجْلِسِهِ)
[526] قَوْلُهُ (إِذَا نَعَسَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ(3/52)
يَوْمَ الْجُمُعَةِ (فَلْيَتَحَوَّلْ) أَيْ فَلْيَنْتَقِلْ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ
وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُذْهِبُ النُّعَاسَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ انْتِقَالُهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُ فِيهِ الْغَفْلَةُ بِنَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ النَّائِمُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْوَادِي بِالِانْتِقَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَمْرُ بِالتَّحَوُّلِ لِإِذْهَابِ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَةُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ عَنِ الذِّكْرِ أَوْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ
8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[527] قوله (عن الحجاج) هو بن أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَحَدُ الْفُقَهَاءِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَكَمِ) هُوَ بن عُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ قَالَهُ في التقريب (عن مقسم) بكسر أوله بن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بِفَتْحِ النُّونِ وَبِدَالٍ أَبُو الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الله بن الحارث ويقال له مولى بن عَبَّاسٍ لِلُزُومِهِ لَهُ صَدُوقٌ وَكَانَ يُرْسِلُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ
قَوْلُهُ (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا إِلَّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا فِيهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ أحد الشعراء المحسنين روى عنه بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (فِي سَرِيَّةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ (فَوَافَقَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنُ الْبَعْثِ (فَغَدَا أَصْحَابُهُ) أَيْ ذَهَبُوا أَوَّلَ النَّهَارِ (فَقَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي نَفْسِهِ وَنَوَى أن(3/53)
يَتَخَلَّفَ فَيُصَلِّيَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ (فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا أَيْ فَضِيلَةَ إِسْرَاعِهِمْ فِي ذَهَابِهِمْ إِلَى الْجِهَادِ
قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ غَدْوَتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكَ هَذِهِ فَعَدَلَ إِلَى الْمَذْكُورِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهُ قِيلَ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ ذَاكَ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَصَالِحَ كَثِيرَةً وَلِذَلِكَ وَرَدَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
قَوْلُهُ (وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ) وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ انْفَرَدَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قُلْتُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مُدَلِّسٌ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ بِالْعَنْعَنَةِ
قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بَأْسًا بِأَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلَاةُ) لِحَدِيثِ الْبَابِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ لَخَرَجْتُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنِ السَّفَرِ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرِ الصَّلَاةَ
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْمَنْعُ عَنِ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ) لِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْمَنْعِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص في الافراد للدارقطني عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ
قال الحافظ وفيه بن لَهِيعَةَ
وَفِي مُقَابِلِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ(3/54)
الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضَحْوَةً فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَثَرَ عُمَرَ وَأَثَرَ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ
وَفِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَأَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ إِلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ إِمَامُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ
قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَهُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ قَالَ إِلَّا أن يكون سفر الجهاد انتهى
9 - (باب فِي السِّوَاكِ وَالطِّيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[528] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يَتَّضِحْ مَنْ هُوَ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ ثَلَاثَةً الْأَوَّلُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُعْرَفُ بِأَبِي الشَّعْثَاءِ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ رَوَى عَنْهُ النَّسَائِيُّ وَالثَّالِثُ علي بن الحسين الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ رَوَى عَنْهُ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى
قُلْت قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ إسماعيل بن إبراهيم التيمي وعنه صلى الله عليه وسلم فَلَعَلَّهُ اللَّانِيُّ انْتَهَى
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَاللَّانِيُّ هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْمُعَافَى وَعَنْهُ النَّسَائِيُّ
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي يَحْيَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ الْقَوَارِيرِيِّ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَظُنُّهُ اللَّانِيَّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَمَالِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ فَوَهِمَ انْتَهَى قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ وَصَارَ يَتَلَقَّنُ وَكَانَ شِيعِيًّا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ بن عَدِيٍّ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ هُوَ صَدُوقٌ رَدِيءُ الْحِفْظِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَيْ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا فَحُذِفَ(3/55)
الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مُقَامَهُ اخْتِصَارًا (أَنْ يَغْتَسِلُوا) فَاعِلُ حَقَّ الْمُقَدَّرِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظَرْفٌ لِلِاغْتِسَالِ (وَلِيَمَسَّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ قَالَ الطِّيبِيُّ عُطِفَ عَلَى مَا سَبَقَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى إِذْ فِيهِ سِمَةُ الْأَمْرِ أَيْ لِيَغْتَسِلُوا وَلِيَمَسَّ أَحَدُكُمْ (مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) أَيْ بِشَرْطِ طِيبِ أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ أَوْ مِنْ طِيبٍ لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ طِيبًا (فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ أَيْ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الطِّيبِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّيبِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الطِّيبُ فَالْمَاءُ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَفِيهِ تَطْيِيبٌ لِخَاطِرِ الْمَسَاكِينِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَشَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ شَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكُ وَالطِّيبُ كَذَا فِي شَرْحِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ
[529] قَوْلُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ (نَحْوَهُ مَعْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَلَفْظُهُ إِنَّ مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَحَدُهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ طِيبٌ فَإِنَّ الْمَاءَ أَطْيَبُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي كَوْنِهِ حَسَنًا كَلَامٌ إِنَّ مَدَارَهُ فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ يَحْيَى لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وقال بن الْمُبَارَكِ ارْمِ بِهِ وَقَالَ شُعَيْبَةُ كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ رَفَّاعًا
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ لَيْسَ بِذَلِكَ وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِآخَرَ وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ
قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ هُشَيْمٍ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بن إبراهيم) فإن هشيما وهو بن بَشِيرٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ضَعِيفٌ(3/56)
5 - (أبواب العيدين)
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ يَوْمَ الْعِيدِ)
أَصْلُ الْعِيدِ عَوْدٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ عَادَ يَعُودُ عَوْدًا وَهُوَ الرُّجُوعُ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَالْمِيقَاتِ وَسُمِّيَا عِيدَيْنِ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
[530] قَوْلُهُ (حدثنا إسماعيل بْنُ مُوسَى) هُوَ الْفَزَارِيُّ أَنْبَأَنَا (شَرِيكُ) بْنُ عبد الله الكوفي النخعي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ
قَوْلُهُ (مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا) هَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا مِنَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ أُخْرَى تُؤَيِّدُهُ كَمَا سَتَعْرِفُ (وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ) هَذَا مُخْتَصٌّ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَأَمَّا عِيدُ الْأَضْحَى فَلَا يَأْكُلُ حَتَّى يُصَلِّيَ لِمَا سَيَأْتِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) في كونه نَظَرٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ وَقَدْ عرفت حاله
وفي الباب عن بن عُمَرَ وَعَنْ سَعْدٍ الْقَرَظِ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
فَأَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وقال أبو(3/57)
زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ مِمَّا يُرْوَى عَنْهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ القرظ فأخرجه أيضا بن ماجه بنحو حديث بن عُمَرَ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عن جده وقد ضعفه بن مَعِينٍ وَأَبُوهُ سَعْدُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ فِي الْمِيزَانِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ وَجَدُّهُ عَمَّارُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حديثه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي الْعِيدَ مَاشِيًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وَمَنْدَلٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ومحمد قال البخاري منكر الحديث وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَأَنْ لَا يَرْكَبَ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ لِاسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ
فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مَاشِيًا فَمِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ
وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْمَشْيُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَأْتِيَ الْعِيدَ مَاشِيًا ثُمَّ تَرْكَبَ إِذَا رَجَعْتَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَذَا أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ
وَقَدْ عَقَدَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ بَابُ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْيٍ وَلَا رُكُوبٍ
قَالَ(3/58)
الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا وَرَدَ فِي النَّدْبِ إِلَى الْمَشْيِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ وَحَدِيثَ سَعْدٍ الْقَرَظِ وَحَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ ثُمَّ قَالَ وَأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةِ ضِعَافٌ انْتَهَى
قُلْتُ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ ضِعَافًا لَكِنَّهَا بَعْضَهَا يَعْتَضِدُ بِبَعْضٍ وَيُؤَيِّدُهَا عُمُومُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمَذْكُورِ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
فَائِدَةٌ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ البيهقي في سننهما عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ انْتَهَى
قَالَ البيهقي الصحيح وقفه على بن عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا في الدراية ونصب الراية
فائدة أخرى رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى
وَقَدْ رُوِيَ فِي الِاغْتِسَالِ لِلْعِيدَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا ضَعِيفٌ
قال الحافظ في الدراية روى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْفَاكِهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِهِ والبزاروزاد يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِلْبَزَّارِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِلْعِيدَيْنِ
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ
فائدة أخرى روى بن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ فِي الْعِيدَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ يُنْدَبُ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبُ بِأَجْوَدِ الْأَطْيَابِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ السَّبْطِ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ الْبَقَرَةُ عن سبعة والجزور عن عشرة وأن تظهر التَّكْبِيرَ وَالسَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بُزْرُجَ لَوْلَا جَهَالَةُ إِسْحَاقَ لَحَكَمْتُ لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ ووثقه بن حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ انْتَهَى
وَقَدِ اسْتَدَلَّ البخاري على التجمل في العيدين بحديث بن عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا(3/59)
لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ الْحَدِيثَ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ جِهَةِ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَلَى أَصْلِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ وَقَصْرِ الْإِنْكَارِ عَلَى لُبْسِ مِثْلِ تِلْكَ الْحُلَّةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حريرا
(باب فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ)
[531] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ بن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ فِي الْعِيدَيْنِ قبل الخطبة) وفي حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ آنِفًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) وَهُوَ الْحَقُّ (وَيُقَالُ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ غَيَّرَ ذَلِكَ فَرِوَايَةُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ الْحَدِيثَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مَرْوَانُ وَقِيلَ بَلْ سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ عثمان
وروى(3/60)
بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ فَرَأَى نَاسًا لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْ صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمْ الصَّلَاةَ وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمْ الْخُطْبَةَ لَكِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ مَرْوَانَ يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِ خُطْبَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا بِخِلَافِ مَرْوَانَ فَوَاظَبَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيْهِ
وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن يزيد نحو حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَزَادَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ فَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعًا لِمُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِتَلْخِيصٍ
وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ خمس وستين
(بَابُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ)
[532] قَوْلُهُ (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَالٌ أَيْ كَثِيرٌ (بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن لايؤذن لصلاة(3/61)
الْعِيدَيْنِ وَلَا لِشَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ) قَالَ الْحَافِظُ العراقي وعليه عمل العلماء كافة
وقال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عن بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدَيْنِ زِيَادٌ انْتَهَى
وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن الْمُسَيِّبِ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ فِي العيد معاوية
وقد زعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَنْ لَا يوثق به
(بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ)
[533] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ) اسْمُهُ وَضَّاحٌ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ بن عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ الْوَاسِطِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثبت من رجال الستة (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ) الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ السُّنَّةِ
قَوْلُهُ (وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا) أَيِ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ (فَيَقْرَأُ بِهِمَا) أي بسبح اسم ربك وهل أتاك
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ ب سبح اسم ربك الأعلى وَالْغَاشِيَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِ ق وَاقْتَرَبَتِ لِحَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ الْآتِي
واستحب بن مَسْعُودٍ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسُورَتَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فيه شيء مؤقت وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ فِي يَوْمِ عِيدٍ بِالْبَقَرَةِ حَتَّى رَأَيْتُ الشَّيْخَ يَمْتَدُّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ
وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ كَانَ فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ ق وَاقْتَرَبَتْ وَفِي وَقْتٍ بِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ
قُلْتُ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ
وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ بِهَذِهِ السُّوَرِ أَنَّ فِي سُورَةِ سَبِّحِ الْحَثَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي تَفْسِيرِ(3/62)
قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى فَاخْتَصَّتِ الْفَضِيلَةُ بِهَا كَاخْتِصَاصِ الجمعة بسورتها
وأما الغاشيةفللموالاة بين سبح وبينها كما بين الجمعة والمنافقين
وأما سورة ق واقتربتفنقل النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذلك اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ وَتَشْبِيهِ بُرُوزِ النَّاسِ فِي الْعِيدِ بِبُرُوزِهِمْ فِي الْبَعْثِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي واقد وسمرة بن جندب وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ فِي الْعِيدَيْنِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهل أتاك
وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ في العيدين ب عم يتساءلون وبالشمس وَضُحَاهَا
وَفِي إِسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ قَالَ فيه بن معين ليس بشيء وقال بن الْمَدِينِيِّ وَالْجُوزَجَانِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا حَدِيثٌ ثَالِثٌ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَفِي إِسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ) يَعْنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عن النعمان بن بشير (وأما بن عُيَيْنَةَ فَيُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ) يَعْنِي يَخْتَلِفُ أصحاب بن عُيَيْنَةَ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَبَعْضُهُمْ يَزِيدُهُ وَبَعْضُهُمْ لَا وَبَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (فَيُرْوَى عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بشير) بزيادة(3/63)
لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَبَيْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (وَرَوَى عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَحَادِيثَ) أَيْ رَوَى حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ أَحَادِيثَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبِيهِ (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ عطف على قوله فيروي عنه (عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ نَحْوُ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ) أَيْ نَحْوُ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَبَيْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِقَافْ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَسْنَدَهُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ إلخ
[534] [534] قَوْلُهُ (عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ أحمد وبن مَعِينٍ
قَوْلُهُ (إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أبا واقد الليثي إلخ) قال القارىء لعل سؤال عمر رضي الله عنه التقرير وَالتَّمَكُّنِ فِي ذِهْنِ الْحَاضِرِينَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ وَالْعَالِمِينَ بِأَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ أَوْ أَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ الْأَعْيَادِ عَنْ شُهُودِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي شَهِدَهُ أَبُو وَاقِدٍ كَانَ فِي عِيدٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَخْفَى عَلَى الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ بَعْضُ مَا وَقَعَ مِنْ مَصْحُوبِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا وَقَوْلِ عُمَرَ خَفِيَ عَلَى هَذَا أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ بِلَا شَكٍّ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ قَالَ سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه الترمذي من طريق أخرى(3/64)
5 - (باب فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ)
[535] [536] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو عُمَرَ الْحَذَّاءُ الْمَدِينِيُّ) صَدُوقٌ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ) الصَّائِغُ مَوْلَى بن مخزوم أبو محمد المدني وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ وَفِي حِفْظِهِ لِينٌ (عَنْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ الْمَدَنِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ رُكْنٌ من أركان الكذب
وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ الحافظ مقبول وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ عَنْ جَدِّ كَثِيرٍ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَحَابِيٌّ شَهِدَ بَدْرًا
قَوْلُهُ (كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) أَيْ كَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كما في رواية وسنذكرها وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ القيام
قوله (وفي الباب عن عائشة وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ سِوَى تكبيرتي الركوع وفي إسناده بن لهيعة وهو ضعيف
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي إِسْنَادِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ(3/65)
مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا
وَقَالَ أَحْمَدُ أَنَا أَذْهَبُ إِلَى هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ القراءة أخرجه بن مَاجَهْ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ وَجْهٍ أخرى
قَالَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُخْرَجُ لَهُ الْعَنَزَةُ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى يُصَلِّيَ إِلَيْهَا فَكَانَ يكبر ثلاث عشر تَكْبِيرَةً وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ
وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ
وَقَدْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَعَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَعَنْ عِمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا وَكَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى
قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَدِّ كَثِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ تَحْسِينَهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى وَجْهُ الْإِنْكَارِ هُوَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ
وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ في الخلاصة عن الترمذي في تَحْسِينِهِ فَقَالَ لَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ وغَيْرِهَا انْتَهَى
وقال القارىء في المرقاة نقلا عن ميرك لعل اعْتَضَدَ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ بِشَاهِدٍ وَأُمُورٍ قَدْ خَفِيَتِ انْتَهَى
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ إِنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيَّ فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْهُ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثَ جَدِّ كَثِيرٍ لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ(3/66)
يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لِشَوَاهِدِهِ أَلَّا تَرَى أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً ضَعِيفٌ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي إِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ انْتَهَى
وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْهُ فَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَاسْمُهُ) أَيِ اسْمُ جَدِّ كَثِيرٍ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلخ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْأُخْرَى خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وإسناده صحيح
قلت وهكذا روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرة تكبيرة
أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَمَّارِ بْنِ أَبِي عمار أن بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) إِلَّا أَنَّ مَالِكًا عَدَّ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سِوَاهَا وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ
قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا انْتَهَى
قَالَ الشَّيْخُ سَلَامُ اللَّهِ فِي الْمُحَلَّى وَهُوَ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ آكَدَ وَلِذَلِكَ قَدَّمَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَرْبَعًا كَأَرْبَعِ الْجَنَائِزِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَيَكُونُ إِلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبَ وَالْأَخْذُ بِهِ أَصْوَبَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ قَالَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي(3/67)
هريرة وأبي سعيد وجابر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ إِنَّ السَّبْعَ فِي الْأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ إِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى قَالَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدِ الدَّارَقُطْنِيِّ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ السَّبْعَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَالْخَمْسَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ
وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي يَعْنِي مَنْ قَالَ بِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى بِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مُلَخَّصًا
فَإِنْ قُلْتَ
مَا رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ هُوَ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَعْنِي هُوَ فِعْلُهُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ قُلْتُ نَعَمْ هُوَ مَوْقُوفٌ لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا مَسَاغَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ رَأْيًا إِلَّا تَوْقِيفًا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ حَقِيقَةً وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى
وَقَدْ عَرَفْتَ هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ كثير من الأحاديث المرفوعة حقيقة وهي وإن كَانَتْ ضِعَافًا وَلَكِنْ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا
تَنْبِيهٌ قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِيهِ كَلَامٌ
قُلْتُ قَوْل النّيمَوِيِّ لَيْسَ مِمَّا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ إِذَا كَانَ السَّنَدُ إِلَيْهِ صَحِيحًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وترجمة عمرو قوية على المختار حيث لاتعارض انْتَهَى
ثُمَّ قَالَ النّيمَوِيُّ وَمَعَ ذَلِكَ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ قال الذهبي في الميزان ذكره بن حبان في الثقات وقال بن مَعِينٍ صُوَيْلِحٌ وَقَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بَعْدَ هذه العبارة ما لفظه وقال بن عَدِيٍّ أَمَّا سَائِرُ(3/68)
حَدِيثِهِ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهِيَ مُسْتَقِيمَةٌ انْتَهَى وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ فِي مُسْلِمٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَادَ أُمَيَّةُ أَنْ يُسْلِمَ انْتَهَى وَفِيهِ وقال العجلي ثقة وحكى بن خلفون أن بن الْمَدِينِيِّ وَثَّقَهُ فَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى عَمْرٍو حَسَنٌ صَالِحٌ وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ
ثُمَّ قَالَ النَّيْمَوِيُّ أَمَّا تَصْحِيحُ الإمام أحمد فيعارضه ما قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ صَحِيحٌ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَوْلُهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَهُ مُتَأَخِّرٌ مِنْ تَضْعِيفِهِ
ثُمَّ قَالَ النّيمَوِيُّ وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْبُخَارِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِفِيِّ إلخ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بعد ما أخرج عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ وَبِهِ أَقُولُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ وَالطَّائِفِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ فَقَوْلُهُ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ يَعْنِي مَا فِي الْبَابِ وَأَقَلَّ ضَعْفًا وَقَوْلُهُ بِهِ أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَحَدِيثُ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ جِدًّا بَلِ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيِّنُ هُوَ مَا فَهِمَهُ الحافظ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ أَقُولُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَقُولُ وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ يَنْقُلُ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَبَيَانِ عِلَلِ الْحَدِيثِ وَلَا يَقُولُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ وَبِهِ أَقُولُ الْبَتَّةَ وَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْهُ فَفَتِّشْ وَتَتَبَّعِ الْمَقَامَاتِ الَّتِي نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِيهَا عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ تَجِدْ مَا قُلْتُ لَكَ حَقًّا صَحِيحًا
فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَسَنٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ وَاَلَّتِي ذكرناها(3/69)
قوله (وروي عن بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَخَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) أَحَدُهَا تَكْبِيرَةُ التَّحْرِيمَةِ وَالثَّلَاثُ زَوَائِدُ وَخَامِسُهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ لَيْسَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ) فَصَارَتْ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ ثَلَاثًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَثَلَاثًا في الركعة الثانية بعد القراءة
وأثر بن مَسْعُودٍ هَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قالا كان بن مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَلِ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ سَلْ عَبْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا وَأَعْلَمُنَا فسأله فقال بن مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ
قَالَ النّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِالْعَنْعَنَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّ بن مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعًا أَرْبَعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ فَإِذَا فَرَغَ كَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكَعَ
قَالَ النّيمَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْمَذْكُورُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِالْعَنْعَنَةِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا) فمنهم بن عَبَّاسٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ شَهِدْتُ بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ
قَالَ وَشَهِدْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ كُرْدُوسٍ قَالَ أَرْسَلَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مَسْعُودٍ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا عِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ فَقَالُوا سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَأَلَهُ(3/70)
فَقَالَ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا يَرْكَعُ فِي آخِرِهِنَّ فَتِلْكَ تِسْعٌ فِي الْعِيدَيْنِ فَمَا أَنْكَرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَائِشَةَ جَلِيسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَذَلِكَ كُنْتُ أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ
قَالَ أَبُو عَائِشَةَ وَأَنَا حَاضِرٌ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
قُلْتُ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ الْعَنْسِيِّ الدِّمَشْقِيُّ الزَّاهِدُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عمره
قال الحافظ صدوق يخطىء وَتَغَيَّرَ بِأخَرَةٍ انْتَهَى
وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى بِأَنَّهُ خُولِفَ رَاوِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي رفعه وفي جواب أبي موسى والمشهور أنهم أسندوه إلى بن مَسْعُودٍ فَأَفْتَاهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
فَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْحَدِيثُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ فِي عِلْمِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَأَمَّا آثَارُ الصَّحَابَةِ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا عَرَفْتَ
فَالْأَوْلَى لِلْعَمَلِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ عَدِيدَةٌ وَبَعْضُهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَالْبَاقِيَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهَا وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ غَيْرَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الْحَازِمِيِّ أَنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ إِذَا كَانَ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ آكَدَ وَأَقْرَبَ إِلَى الصِّحَّةِ وَأَصْوَبَ بِالْأَخْذِ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ في موطأه بَعْدَ ذِكْرِ أَثَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا لَفْظُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ فَمَا أَخَذْتَ بِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ عِيدٍ تِسْعًا خَمْسًا وَأَرْبَعًا فِيهِنَّ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَيُؤَخِّرُهَا فِي الْأُولَى وَيُقَدِّمُهَا فِي الثَّانِيَةِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ بَلْ أَفْضَلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا وَلَا وَجْهَ لِأَفْضَلِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/71)
6 - (بَابُ لَا صَلَاةَ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَلَا بَعْدَهَا)
كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَلَا بَعْدَهُمَا بِتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ
[537] قَوْلُهُ (لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ولا بعدها
قال الشيخ بن الْهُمَامِ هَذَا النَّفْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلَّى لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ بن ماجه
وقد حسن الحافظ بن حَجَرٍ إِسْنَادَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ الْحَافِظِ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ مَا لَفْظُهُ فِي إسناده عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ أئمة الجرح والتعديل مالفظه حَدِيثُهُ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ الْحَافِظُ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْهُ فَقَالَ كَانَ ضَعِيفًا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تاريخه كان أحمد وإسحاق يحتجبان بِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث بن عَقِيلٍ انْتَهَى
فَالظَّاهِرُ مَا قَالَ الذَّهَبِيُّ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو فأخرجه بن ماجه بنحو حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أيضا بن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا وَفِي الْبَابِ أيضا عن علي عند البزار وعن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ الصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عند الطبراني في الكبير أيضا
وعن بن أَبِي أَوْفَى عِنْدَهُ فِيهِ أَيْضًا
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ مَعَ الْكَلَامِ عليها(3/72)
قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق) قال بن قدامة وهو مذهب بن عباس وبن عمر
قال وروي ذلك عن علي وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَبُرَيْدَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وبن أَبِي أَوْفَى وَقَالَ بِهِ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَمَسْرُوقٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَعْمَرٌ وبن جُرَيْجٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَذْكُرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ يُصَلِّي قبل تلك الصلاة ولا بعدها
قال بن قُدَامَةَ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَذَا فِي النَّيْلِ
قُلْتُ يَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ رَأَى طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَبْلَهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) رَوَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي بَرْزَةَ
قَالَ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَخُوهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَصَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو بُرْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ قَالَ وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فَرَوَاهَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَبَعْضُهَا فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِنْ صَحَّ هَذَا كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ نَفْيٌ فِي قُوَّةِ النَّهْيِ
وَقَدْ سَكَتَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فَيُنْظَرُ فِيهِ انْتَهَى
قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ الصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي(3/73)
الْكَبِيرِ
قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ
رِجَالُهُ ثقات
(باب فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ)
[539] قَوْلُهُ (كَانَ يُخْرِجُ الْأَبْكَارَ) جَمْعُ الْبَكْرِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِكْرُ بِالْكَسْرِ الْعَذْرَاءُ جَمْعُهُ أَبْكَارٌ (وَالْعَوَاتِقَ) جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ أَوَّلَ مَا تُدْرِكُ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَبِنِ مِنْ وَالِدَيْهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ إِدْرَاكِهَا وَقِيلَ هِيَ الَّتِي قاربت البلوغ
وقال بن السِّكِّيتِ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ تُدْرِكَ إِلَى أَنْ تَعْنَسَ وَلَمْ تُزَوَّجْ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهِيَ مَنْ بَلَغَتِ الْحُلُمَ أَوْ قَارَبَتْ وَاسْتَحَقَّتِ التَّزْوِيجَ أَوْ هِيَ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَهْلِهَا أَوِ الَّتِي عَتَقَتْ عَنْ الِامْتِهَانِ فِي الْخُرُوجِ لِلْخِدْمَةِ قَالَ وَبَيْنَ الْعَاتِقِ وَالْبِكْرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ انْتَهَى
(وَذَوَاتِ الْخُدُورِ) جَمْعُ الْخِدْرِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْخِدْرُ نَاحِيَةٌ فِي الْبَيْتِ يُتْرَكُ عَلَيْهَا سِتْرٌ فَتَكُونُ فِيهِ الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ انْتَهَى (وَالْحُيَّضَ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ جَمْعُ حَائِضٍ (فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى) هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى لَيْسَ بِمَسْجِدٍ فَيَمْتَنِعُ الْحُيَّضُ مِنْ دُخُولِهِ
وَقَالَ بن الْمُنِيرِ الْحِكْمَةُ فِي اعْتِزَالِهِنَّ أَنَّ فِي وُقُوفِهِنَّ وَهُنَّ لَا يُصَلِّينَ مَعَ الْمُصَلِّيَاتِ إِظْهَارَ اسْتِهَانَةٍ بِالْحَالِ فَاسْتُحِبَّ لَهُنَّ اجْتِنَابُ ذَلِكَ (وَيَشْهَدْنَ) أَيْ يَحْضُرْنَ (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ الْجَزَرِيُّ الْجِلْبَابُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ وَقِيلَ الْمِلْحَفَةُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا جَمْعُهُ جَلَابِيبُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجِلْبَابُ كَسِرْدَابٍ وَسِنِمَّارٍ(3/74)
الْقَمِيصُ وَثَوْبٌ وَاسِعٌ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الْمِلْحَفَةِ أَوْ ما يغطي بِهِ ثِيَابَهَا مِنْ فَوْقُ كَالْمِلْحَفَةِ أَوْ هُوَ الْخِمَارُ انْتَهَى
(فَلْتُعِرْهَا) مِنَ الْإِعَارَةِ (أُخْتُهَا) أَيْ صَاحِبَتُهَا (مِنْ جِلْبَابِهَا) أَيْ فَلْتُعِرْهَا مِنْ ثِيَابِهَا مَا لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا
قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ أَيْ تُعِيرُهَا مِنْ جِنْسِ ثيابها ويؤيده رواية بن خُزَيْمَةَ مِنْ جَلَابِيبِهَا وَلِلتِّرْمِذِيِّ فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تُشْرِكُهَا مَعَهَا فِي ثَوْبِهَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا يَعْنِي إِذَا كَانَ وَاسِعًا
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثَوْبِهَا جِنْسَ الثِّيَابِ فَيَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِمَالِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ التَّسَتُّرِ وَقِيلَ إِنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ يَخْرُجْنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوِ اثْنَتَيْنِ فِي جلباب انتهى
قوله (وفي الباب عن بن عباس وجابر) أما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ بَنَاتِهِ وَنِسَاءَهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيُخْرِجُ أَهْلَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ المذكور
وفي الباب أيضا عن بن عمر عند الطبراني في الكبير وعن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَعَنْ عَائِشَةَ عند بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَأَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَلِعَائِشَةَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ عَمْرَةَ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى(3/75)
الْعِيدَيْنِ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ والحائض وغيرها (وروي عن بن المبارك أَكْرَهُ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلخ)
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ إِحْدَاهَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى النَّدْبِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لَهُنَّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أحمد فيما نقله عنه بن قُدَامَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَحَكَاهُ بن قُدَامَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى النِّسَاءِ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدِ حَكَاهُ القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وبن عمر
وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ ذَاتِ نِطَاقٍ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدَيْنِ انْتَهَى
وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَدٌّ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَتَخْصِيصُ الثَّوَابِ يَأْبَاهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (فِي أَطْمَارِهَا) جَمْعُ طِمْرٍ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الثَّوْبُ الْخَلِقُ أَوِ الْكِسَاءُ الْبَالِي مِنْ غَيْرِ الصُّوفِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى مَنْعِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ وَالْمَسْجِدِ مُطْلَقًا)
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ ظَنَّتْهُ فَقَالَتْ لَوْ رَأَى لَمَنَعَ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ حَتَّى إِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الْمَنْعَ
وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ بِمَنْعِهِنَّ وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَسْوَاقِ أَوْلَى(3/76)
وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ فَيُجْتَنَبَ لِإِشَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ التَّطَيُّبِ وَالزِّينَةِ وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ
وَقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي بَابِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْعِيدَيْنِ وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمُ النَّسْخَ فِيهِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخُرُوجِ الْحُيَّضِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ إِلَى الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ فَأُرِيدَ التَّكْثِيرُ بِحُضُورِهِنَّ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ تَارِيخُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ قَالَ الْحَافِظُ بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بدلالة حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَهِدَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمْ يَتِمَّ مُرَادُ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ شُهُودُهُنَّ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَاءُ بَرَكَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتِهِ وَقَدْ أَفْتَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَتُهَا فِي ذَلِكَ
قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَصَّ بِمَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَبِهَا الْفِتْنَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُضُورِهَا محذور ولا تُزَاحِمُهَا الرِّجَالُ فِي الطُّرُقِ وَلَا فِي الْمَجَامِعِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ (وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْعِيدِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَقِّ الشَّوَابِّ وأما العجائز فقد جوز الشيخ بن الهمام وغيره خروجهن إلى العيد
قال بن الْهُمَامِ وَتَخْرُجُ الْعَجَائِزُ لِلْعِيدِ لَا الشَّوَابُّ انْتَهَى
قال القارىء في المرقاة بعد نقل كلام بن الْهُمَامِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهُوَ قَوْلٌ عَدْلٌ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ بِإِذْنِ حَلِيلِهَا مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ لَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ أَوْ يَكُنَّ خَالِيَاتٍ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالْبَخُورِ وَالشُّمُومِ وَالتَّبَخْتُرِ وَالتَّكَشُّفِ وَنَحْوِهَا مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْمَفَاسِدِ
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُلَازِمَاتُ الْبُيُوتِ لَا يَخْرُجْنَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ لِلشَّوَابِّ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفَاسِدِ مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُنَّ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا عَرَفْتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
إِلَى الْعِيدِ في طريق الخ(3/77)
[541] قَوْلُهُ (إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدِ يَرْجِعُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه ورجال اسناد بن مَاجَهْ ثِقَاتٌ وَفِي إِسْنَادِ أَبِي دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ (وَأَبِي رافع) أخرجه بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
قَوْلُهُ (رَوَى أَبُو تُمَيْلَةَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ
قَوْلُهُ (قَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْإِمَامِ إِذَا خَرَجَ فِي طَرِيقٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي غَيْرِهِ اتِّبَاعًا لِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَا تَخْصِيصَ بِالْإِمَامِ إِلَّا إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْأَئِمَّةِ فَقَطْ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ فِعْلَهُ مَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُشَرِّعًا انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي(3/78)
الْوَجِيزِ إِلَّا لِلْإِمَامِ انْتَهَى
وَبِالتَّعْمِيمِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى
قُلْتُ وَبِالتَّعْمِيمِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي مُخَالَفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّرِيقَ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْحَافِظُ اجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِدَ بَعْضُهَا قَرِيبٌ وَأَكْثَرُهَا دَعَاوَى فَارِغَةٌ فَقِيلَ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ وَقِيلَ سُكَّانُهُمَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَقِيلَ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي مَزِيَّةِ الْفَضْلِ بِمُرُورِهِ أَوْ فِي التَّبَرُّكِ بِهِ أَوْ لِيُشَمَّ رَائِحَةُ الْمِسْكِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَقِيلَ لِيَزُورَ أَقَارِبَهُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ وَقِيلَ لِيَصِلَ رَحِمَهُ وَقِيلَ لِيَتَفَاءَلَ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إِلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَقِيلَ لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا وَقِيلَ لِإِظْهَارِ ذِكْرِ اللَّهِ وَقِيلَ لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْيَهُودَ وَقِيلَ لِيُرْهِبَهُمْ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعُمَّهُمْ فِي السُّرُورِ بِهِ أَوِ التَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ وَبِرُؤْيَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ في قضاء حوائجهم فِي الِاسْتِفْتَاءِ أَوِ التَّعَلُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ وَالِاسْتِرْشَادِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقِفُ فِي الطُّرُقَاتِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ وَقِيلَ لِئَلَّا يَكْثُرَ الِازْدِحَامُ وَقِيلَ لِأَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ أَنْشَطُ عِنْدَ طِبَاعِ الْأَنَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهُدَى إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ الْقَرِيبَةِ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ جَابِرٍ كَأَنَّهُ أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ فُلَيْحٍ فلعل شيخه سمعه جَابِرٍ وَمِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ وَقَدْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ عَنْ جَابِرٍ وَخَالَفَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فَرَجَّحَا أَنَّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي فِي ذَلِكَ ترجيح انتهى كلام الحافظ
(باب فِي الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ)
[542] قَوْلُهُ (عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ شَيْءٌ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ(3/79)
قَوْلُهُ (حَتَّى يَطْعَمَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ يَأْكُلَ
قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ إِنَّمَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الصِّيَامَ يَلْزَمُ يَوْمَ الْفِطْرِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَهَذَا الْمَعْنَى معدوم في يوم الأضحى
وقال بن قُدَامَةَ
الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ حَرُمَ فِيهِ الصِّيَامُ عَقِبَ وُجُوبِهِ فَاسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ لِإِظْهَارِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي الْفِطْرِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَالْأَضْحَى بِخِلَافِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) وفي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى يَرْجِعَ وَزَادَ أَحْمَدُ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ بِلَفْظِ حَتَّى يُضَحِّيَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فَيَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ كَذَا فِي عمدة القارىء وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَزَادَ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ صَحَّحَهَا بن الْقَطَّانِ كَمَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَفِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ وَوَصَلَهَا أَحْمَدُ وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ خُصَيْبٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ (الْأَسْلَمِيِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وصححه بن حِبَّانً كَذَا فِي الْبُلُوغِ
وَقَالَ فِي النَّيْلِ وأخرجه أيضا بن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه بن الْقَطَّانِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ شَيْئًا(3/80)
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ) قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْأَكْلِ يوم الفطر اختلافا انتهى
وقد روى بن أبي شيبة عن بن مَسْعُودٍ التَّخْيِيرَ فِيهِ وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَيْضًا مِثْلُهُ
وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَلِأَنَّ الْحُلْوَ مِمَّا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَعْلُو بِهِ الْمَنَامُ وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كالعسل رواه بن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وبن سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ عَنِ بن عَوْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ يَحْبِسُ الْبَوْلَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ لِيَحْصُلَ لَهُ شَبَهٌ مِنْ الاتباع أشار إليه بن أَبِي جَمْرَةَ
وَأَمَّا جَعْلُهُنَّ وِتْرًا فَقَالَ الْمُهَلَّبُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ) أَيْ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ إِنْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ
وَقَدْ خَصَّصَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْأَكْلِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِمَنْ لَهُ ذِبْحٌ وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنَّهُ يَوْمٌ تُشْرَعُ فِيهِ الْأُضْحِيَّةُ وَالْأَكْلُ مِنْهَا فَشُرِعَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فطره على شيء منها قاله بن قُدَامَةَ
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَقَعَ أَكْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلٍّ مِنَ الْعِيدَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ لِإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِمَا الْخَاصَّةِ بِهِمَا فَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّى وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا
[543] قَوْلُهُ (كَانَ يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ إلخ) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ مَا خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وِتْرًا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى لَمْ يَطْعَمُ شَيْئًا وَفِي إِسْنَادِهِ نَاصِحٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ(3/81)
6 - (أبواب السفر)
باب التَّقْصِيرِ فِي السَّفَرِ [544] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ الْبَغْدَادِيُّ) صَاحِبُ أَحْمَدَ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأُمَوِيِّ وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ أَحْمَدُ قَلَّ مَنْ يُرَى مِثْلُهُ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 251 إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ الطَّائِفِيُّ الْقُرَشِيُّ مولاهم المكي الخراز بمعجمة ثم مهملة وثقه بن معين وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ السَّاجِيُّ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ شَيْئًا انْتَهَى (عن عبيد الله) هو بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ
قَوْلُهُ (فَكَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا(3/82)
الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُصَلِّ فِي السَّفَرِ تَمَامًا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنًى
وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةٍ بِأَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ كَانَ بِمِنًى
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ فِي ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ
وَاعْلَمْ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَيْضًا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ إِتْمَامِهَا (لَا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) أَيْ لَا يُصَلُّونَ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيَ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا
وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ (لَوْ كُنْتُ مُصَلِّيًا) أَيْ رَوَاتِبَ (قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَأَتْمَمْتُهَا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الرَّاتِبَةِ لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْقَصْرِ التَّخْفِيفَ فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ وَلَا يُتِمُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عمر وعلي وبن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَصَلَّيْتُ مَعَهُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا
قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي سَنَدِهِ الْحَارِثُ وَهُوَ ضعيف
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ مِثْلَ هَذَا) وَقَدْ عَرَفْتَ تَرْجَمَةَ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا عَرَفْتَهُ أَيْضًا(3/83)
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ بن عُمَرَ إلخ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صليت ركعتين فقالت يا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ التَّقْصِيرُ رُخْصَةٌ لَهُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ أَجْزَأَ عَنْهُ)
قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلِ الْقَصْرُ وَاجِبٌ أَمْ رُخْصَةٌ وَالتَّمَامُ أَفْضَلُ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْحَنَفِيَّةُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ كَانَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ(3/84)
الْوَاجِبُ فِي السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُعِيدُ مَنْ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا وَقَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ وبن عباس
قال بن الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْقَصْرِ بِحُجَجٍ مِنْهَا مُلَازَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَصْرِ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ ألْبَتَّةَ
كما قال بن الْقَيِّمِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ كَلَامٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ وَكَذَا حَدِيثُهَا قَالَتْ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْتَ وَصُمْتُ وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ فَقَالَ أحسنت يا عائشة
رواه الدارقطني لا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ حَسَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ
وَقَدْ بَيَّنَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ عَدَمَ صَلَاحِيَتِهِمَا لِلِاحْتِجَاجِ فِي النَّيْلِ بِالْبَسْطِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
وَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُلَازَمَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَغَيْرُهُمْ
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالُوا هُوَ دَلِيلٌ نَاهِضٌ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ إِذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي الْحَضَرِ
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ وَأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ زَمَانَ فَرْضِ الصَّلَاةِ
وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مما لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكِ الْقِصَّةَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ
وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا وَالْخَوْفِ رَكْعَةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالُوا هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ قَدْ حَكَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ فَرَضَ صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَخْشَى مِنْ أَنْ يَحْكِيَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ
وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ(3/85)
وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم
رواه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا يَزِيدَ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وقد وثقه أحمد وبن معين
قال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ هُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَالتَّمَامَ أَفْضَلُ بِحُجَجٍ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تقصروا من الصلاة) وَنَفْيُ الْجُنَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ بَلْ عَلَى الرُّخْصَةِ وَعَلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ وَالْقَصْرُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ شَيْءٍ أَطْوَلَ مِنْهُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي قَصْرِ الصِّفَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا فِي قَصْرِ الْعَدَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقَدُّمِ شَرْعِيَّةِ قَصْرِ الْعَدَدِ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَالُوا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صَدَقَةٌ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ فَقَطْ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا مَحِيصَ عَنْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَمْ نَجِدْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلَهُ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَحَادِيثُ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ انْتَهَى
قُلْتُ لَمْ نَجِدْ أَيْضًا هَذَا اللَّفْظَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَادَتْ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْتَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
هَذَا كُلُّهُ تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَعَ زِيَادَةٍ وَاخْتِصَارٍ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَهَذَا النِّزَاعُ فِي وُجُوبِ الْقَصْرِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ لَاحَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا رُجْحَانُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ
وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ التَّمَامَ أَفْضَلُ فَمَدْفُوعَةٌ بِمُلَازَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ وَعَدَمِ صُدُورِ التَّمَامِ عَنْهُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُلَازِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ عُمَرِهِ الْمَفْضُولَ وَيَدَعَ الْأَفْضَلَ انْتَهَى
قُلْتُ مِنْ شَأْنِ مُتَّبِعِي السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ وَمُقْتَفِي الْآثَارِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ أَنْ يُلَازِمُوا الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ كَمَا لَازَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ
وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا فِي السَّفَرِ وَيَتَأَوَّلُوا كَمَا تَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ وَتَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/86)
[545] قَوْلُهُ (وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَتَمَّهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا
وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر بن عَمِّك لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ
قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصلاة
وقال بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ انْتَهَى
وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهُمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَذَكَرَ سَبَبًا آخَرَ فَقَالَ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا أَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخِفْتُ أن يستنوا وعن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لِإِتْمَامِ عُثْمَانَ الصَّلَاةَ فِي مِنًى أَسْبَابٌ أُخْرَى وَلَمْ أَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهَا فَإِنَّهَا لَا(3/87)
دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَلِيٌّ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قُلْتُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَدُوقٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدَ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ
قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ) الطَّائِفِيِّ نَزِيلِ مَكَّةَ ثَبْتٌ حَافِظٌ
[546] قَوْلُهُ (صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادَ فِيهِ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ) ذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّفَرِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا بَعْدَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ الْبَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمِصْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَ مِنْ مَنْزِلِهِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثم قال إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين
ذكره بن الْهُمَامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا فَقَالَ لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ قُلْتُ وَمَا الْخُصُّ قَالَ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَخَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا
وَرَوَى أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ شِعْبِ الْمَدِينَةِ وَيَقْصُرُ إِذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَهَا كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ(3/88)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[547] قَوْلُهُ (خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَصْرَ مُخْتَصٌّ بِالْخَوْفِ وَاَلَّذِي قَالَ ذَلِكَ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أو تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا وَلَمْ يَأْخُذِ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَقِيلَ لِأَنَّ شَرْطَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ فِيهَا بِسَبَبٍ ثُمَّ زَالَ السَّبَبُ وَبَقِيَ الْحُكْمُ كَالرَّمَلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَصْرِ فِي الْآيَةِ قَصْرُ الصَّلَاةِ بِالْخَوْفِ إِلَى رَكْعَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ
لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَلَهُ صُحْبَةٌ
أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ
فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا لَا قَصْرَهَا فِي الْخَوْفِ خَاصَّةً وَفِي جَوَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي
وَرَوَى السَّرَّاجُ عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ قَالَ سألت بن عُمَرَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَكْعَتَانِ فَقُلْتُ
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ
(إِنْ خِفْتُمْ) وَنَحْنُ آمِنُونَ فَقَالَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وهذا يرجع الْقَوْلَ الثَّانِيَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ
(هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ)
يُرِيدُ بَيَانَ الْمُدَّةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَإِذَا أَرَادَ الْإِقَامَةَ إِلَى أَقَلَّ مِنْهَا يَقْصُرُ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ فِي كَمْ تُقْصَرُ(3/89)
الصَّلَاةُ
لَكِنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا
[548] قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ) أَيْ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّةَ لِحِجَّةِ الْوَدَاعِ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ
فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ (قَالَ عَشْرًا) أَيْ أَقَامَ بِمَكَّةَ عشرا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَجِبُ الاتمام انتهى
قلت قد نقل القارىء عن بن حجر الهيثمي مَا لَفْظُهُ لَمْ يُقِمِ الْعَشْرَ الَّتِي أَقَامَهَا لِحِجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَرَجَ مِنْهَا صَبِيحَةَ الْخَمِيسِ فَأَقَامَ بِمِنًى وَالْجُمُعَةَ بِنَمِرَةَ وَعَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ السَّبْتَ بِمِنًى لقضاء نسكه ثم بمكة لطواف الافاضة ثُمَّ بِمِنًى يَوْمَهُ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّتَهُ وَالْأَحَدَ وَالْإِثْنَيْنَ وَالثُّلَاثَاءَ إِلَى الزَّوَالِ ثُمَّ نَفَرَ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ قبل صلاة الصبح
لمتفرق إِقَامَتِهِ قَصَرَ فِي الْكُلِّ
وَبِهَذَا أَخَذْنَا أَنَّ لِلْمُسَافِرِ إِذَا دَخَلَ مَحَلًّا أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا أَوْ يَنْوِ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أَوْ يُقِيمُهَا وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ كَمَا رَوَيَاهُ أَيْضًا
فَالْإِذْنُ فِي الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ كَمَا في حديث بن عَبَّاسٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ صُبْحَ الرَّابِعِ عَشَرَ فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَضَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَكُونُ مُدَّةُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ قَصَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ
إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس وجابر) أما حديث بن عباس فأخرجه البخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ(3/90)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) أَيْ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ فَكَانَ في حجة الوداع قاله الحافظ بن حجر وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنِ بن عَبَّاسٍ سَبْعَ عَشْرَةَ وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
شَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ
يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فَنَحْنُ إِذَا أَقَمْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ أَتْمَمْنَا الصلاة) هذا هو مذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِهِ أَخَذَ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ وَرَآهُ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَقَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ إِذَا أَقَمْتَ بِأَرْضٍ عَشْرًا فَأَتْمِمْ
فَإِنْ قُلْتَ أَخْرَجُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ
وَإِنْ أَقَمْتَ شَهْرًا (وروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَال
مَنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ
إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَوَطَّنْتَ نَفْسَكَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَتْمِمِ الصَّلَاةَ وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَأَقْصِرِ الصلاة وأخرج الطحاوي عن بن عباس وبن عُمَرَ قَالَا إِذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِكَ أَنْ تُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتِمَّ الصَّلَاةَ وَرُوِيَ عَنْهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِسِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ(3/91)
(وَرَوَى عَنْهُ دَاوُدَ بْنُ أَبِي هِنْدٍ خِلَافَ هَذَا) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْحُجَجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ
إِذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً فَأَقَمْتَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ (واختلف أهل العلم بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ (فَأَمَّا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ فَذَهَبُوا إِلَى تَوْقِيتِ خَمْسِ عَشْرَةَ وَقَالُوا إِذَا أَجْمَعَ) أَيْ نَوَى (عَلَى إِقَامَةِ خَمْسِ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يقصر الصلاة قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بن إسحاق واختلف علي بن إِسْحَاقَ فِيهِ فَرَوَى مِنْهُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ انْتَهَى وَقَدْ ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةِ عَشَرَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاقِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ تَوْقِيتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُسْتَنَدٌ فَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْ نَفْسِهِ انْتَهَى
قُلْتُ لَعَلَّهُ اسْتَنَدَ بِمَا رُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ تَوْقِيتِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
(وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ)
قَالَ فِي السُّبُلِ صَفْحَةِ 156 وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ غَيْرُ يَوْمِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ مُضِيِّ النُّسُكِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَكَّةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ يَصِيرُ مُقِيمًا انْتَهَى(3/92)
قُلْتُ وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ قَدْرُ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ لَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ إِقَامَةٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ
(أَمَّا إِسْحَاقُ) يَعْنِي بن راهويه (فرأى أقوى المذاهب فيه حديث بْنِ عَبَّاسٍ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (قَالَ) أَيْ إِسْحَاقُ (لِأَنَّهُ) أَيْ بن عَبَّاسٍ (رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَخَذَ بِهِ وَعَمِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يقصر ما لم يجمع إقامته وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ) جَمْعُ سَنَةٍ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر عن نافع عن بن عُمَر أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ انْتَهَى وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أن بن عمر قال أدنج عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي غَزَاةٍ وَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا سَنَدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِيهِ آثَارًا أُخْرَى
[549] قَوْلُهُ (سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا) أَيْ فِي فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ (فَصَلَّى) أَيْ فَأَقَامَ فَصَلَّى (تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ يَوْمًا بليلة زاد في المعازي بِمَكَّةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ
وله من طريق بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصلاة(3/93)
وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ حَذَفَهُمَا وَمَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَإِذَا أُثْبِتَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ فَحَذَفَ مِنْهَا يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَمْسَ عَشْرَةَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ أرجح الروايات
وبهذا أخذ إسحاق بن رَاهَوَيْهِ
وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَرِوَايَةُ عبد بن حميد عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا افْتَتَحَ مَكَّةَ أَقَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَعُدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَهِيَ رِوَايَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَعَدَّهَا فِي بَعْضِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَعَدَّ يَوْمَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَعُدَّ الْخُرُوجَ وَهِيَ رِوَايَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ جَمْعٌ مَتِينٌ وَتَبْقَى رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ إِلَّا أَنَّهَا شَاذَّةٌ أَيْضًا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَبْرِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ)
[550] قَوْلُهُ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي بُسْرَةَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْغِفَارِيِّ
مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ(3/94)
وثقه بن حِبَّانَ
وَقَالَ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَابِعِيٌّ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ عند المصنف وبن مَاجَهْ وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى مَنْ يَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ اسْمُهُ حُمَيْلٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَهُ شَهْرًا وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الظُّهْرِ فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْإِتْيَان بِالرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى لَمْ يُحْفَظْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فِي السَّفَرِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ وَيَرِدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ
لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ اسْتَغْرَبَهُ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَآهُ حَسَنًا
وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى سُنَّةِ الزَّوَالِ لَا عَلَى الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الظُّهْرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ) قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَتَانِ وَسَيَجِيءُ تَخْرِيجُهُمَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ)
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ
قَوْلُهُ (وروي عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حفص بن عاصم قال صحبت بن عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ(3/95)
قُلْتُ يُسَبِّحُونَ
قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يُزَادُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
(وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّذَكُّرِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النِّسْيَان
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ يَتَنَقَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ)
الْمُرَادُ مِنَ التَّطَوُّعِ النَّوَافِلُ الرَّاتِبَةُ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا (وَمَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ قَبُولُ الرُّخْصَةِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ مُرَادُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ فَقَبِلَ الرُّخْصَةَ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ فِي السَّفَرِ مَمْنُوعٌ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ التَّطَوُّعَ فِي السَّفَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفُوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها بن عُمَرَ وَآخَرُونَ وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ وَحَدِيثُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَحَادِيثُ أُخْرَى صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْقِيَاسُ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رحله ولا يراه بن عُمَرَ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إِتْمَامُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ مُتَحَتِّمَةٌ
فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَهِيَ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ فَالرِّفْقُ بِهِ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَحَصَّلَ ثَوَابَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى(3/96)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَابُ بأن مراد بن عُمَرَ بِقَوْلِهِ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ
يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الرَّاتِبَةِ لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَحَبَّ عَلَيْهِ
لَكِنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْقَصْرِ التَّخْفِيفَ فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ وَلَا يُتِمُّ انْتَهَى
قُلْتُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي الْمُسَافِرَ فِي سَعَةٍ إِنْ شَاءَ صَلَّى الرَّوَاتِبَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[551] قَوْلُهُ (عن حجاج) هو بن أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ
(عن عطية) هو بن سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ عن بن عباس وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَعَنْهُ مِسْعَرٌ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَطَائِفَةٌ
قَوْلُهُ (الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَرْضًا (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (رَكْعَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ)
إِنَّمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ وَعَطِيَّةَ وَكِلَاهُمَا مُدَلِّسٌ وروياه بالعنعنة فإنه قد تابع حجاجا بن أَبِي لَيْلَى فِي الطَّرِيقِ الْآتِيَةِ وَكَذَلِكَ تَابَعَ عَطِيَّةَ نَافِعٌ فِيهَا
[552] قَوْلُهُ (وَالْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ سَوَاءً) حَالٌ أَيْ مُسْتَوِيًا عَدَدُهَا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بَيَانٌ لَهَا (وَلَا يُنْقِصُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ لَا يَنْقُصُ(3/97)
رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ لِأَنَّ الْقَصْرَ مُنْحَصِرٌ فِي الرُّبَاعِيَّةِ (وَهِيَ وِتْرُ النَّهَارِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ كَالتَّعْلِيلِ لِعَدَمِ جَوَازِ النقصان قاله الطيبي وحديث بن عُمَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِالرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ)
أي في السفر [553] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ وَرُبَّمَا سُمِّيَ عمروا وُلِدَ عَامَ أُحُدٍ وَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّنْ بَعْدَهُ وَعُمَرَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّامِ (قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّ زَيْغَ الشَّمْسِ هُوَ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ (عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظهر وصل الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن علي وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وبن عباس(3/98)
وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فأخرجه الدارقطني عن بن عُقْدَةَ بِسَنَدٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ
وَفِيهِ أَيْضًا الْمُنْذِرُ الْكَابُوسِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه الجماعة إلا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ كَذَا فِيهِ الظُّهْرُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ عُقَيْلٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا
وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبَى جمع التقديم لكن روى إسحاق بن رَاهَوَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَبَابَةَ فَقَالَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ
أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَأُعِلَّ بِتَفَرُّدِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ عَنْ شَبَابَةَ ثُمَّ تَفَرَّدَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ بِهِ عَنْ إِسْحَاقَ
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فَإِنَّهُمَا إِمَامَانِ حَافِظَانِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي الْأَرْبَعِينَ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ
وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إسحاق بن رَاهَوَيْهِ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي ذِهْنِي أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَنْكَرَهُ عَلَى إِسْحَاقَ وَلَكِنْ لَهُ مُتَابِعٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْأَرْبَعِينَ لَهُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصغائي عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بن فضالة عن عقيل عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ وَلَيْسَ فِيهِمَا وَالْعَصْرَ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْعَلَائِيُّ وَتَعَجَّبَ مِنَ الْحَاكِمِ كَوْنَهُ لَمْ يُورِدْهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ثُمَّ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهَا وَمَتْنِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ(3/99)
أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُقَدِّمُ الْعِشَاءَ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السَّفَرِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ فَإِذَا لَمْ تَزِغْ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إِذَا حَانَتِ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ أيوب عن أبي قلابة عن بن عَبَّاسٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا فِي السَّفَرِ فَأَعْجَبَهُ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ يَرْتَحِلُ فَإِذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْمَنْزِلُ مَدَّ فِي السَّيْرِ فَسَارَ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَجْزُومًا بوقفه على بن عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ إِذَا كُنْتُمْ سَائِرِينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ بَيَانُ الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ
قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ إلخ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَيْسَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ حَدِيثٌ قَائِمٌ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَيُقَالُ إِنَّهُ غلط فيه تغير بَعْضَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مَوْضِعَ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ أبو الزبير وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أعرفه(3/100)
مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ دَخَلَ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ
وَأَطْنَبَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ هَذَا الْخَبَرِ فَيُرَاجَعُ مِنْهُ
قَالَ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَهِشَامٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الزُّبَيْرِ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمْ جَمْعَ التَّقْدِيمِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بِإِطْلَاقِ جَوَازِ الْجَمْعِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ انْتَهَى
يَعْنِي قَالُوا بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ سَائِرًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ سَيْرًا مُجِدًّا أَمْ لَا
قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مُطْلَقًا إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ انْتَهَى
وَقِيلَ يَخْتَصُّ الْجَمْعُ بِمَنْ يَجِدُّ فِي السَّيْرِ
قَالَهُ اللَّيْثُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ
وَقِيلَ يختص بالمسافر دون المنازل
وهو قول بن حَبِيبٍ
وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ
حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَقِيلَ يَجُوزُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ دُونَ التَّقْدِيمِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بن حَزْمٍ انْتَهَى
(يَقُولَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا) كَذَا فِي النُّسَخِ يَقُولَانِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ يَقُولُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْمَعْنَى يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ بِجَمْعَيِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ المذكور في الباب وبحديث أنس وبحديث بن عَبَّاسٍ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ لَفْظُهُ
وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَمْعِ بَعْضُهَا نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَفِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ
لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا
قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ حَمَلَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ
وَقَدْ بَسَطَ الطَّحَاوِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ لَكِنْ لَا أَدْرِي مَاذَا يَفْعَلُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ صَرِيحَةً بِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهَا مِنَ(3/101)
الكتب المعتمدة على ما لا يخفي مَنْ نَظَرَ فِيهَا فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَحْصُلِ التَّمَيُّزُ لَهُمْ فَظَنُّوا قُرْبَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَهَذَا أَمْرٌ بَعِيدٌ عَنِ الصَّحَابَةِ النَّاهِينَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنِ اخْتِيرَ تَرْكُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ بِإِبْدَاءِ الْخَلَلِ فِي الْإِسْنَادِ فَهُوَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ مَعَ إِخْرَاجِ الْأَئِمَّةِ لَهَا وَشَهَادَتِهِمْ بِتَصْحِيحِهَا وَإِنْ عُورِضَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي صَرَّحَتْ بِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَالتَّقْدِيمِ فِي أول الوقت فهو أعجب فإن الجمع بينهما يحملها عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مُمْكِنٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَبَتَ فِي الْجَمْعِ أَحَادِيثُ نُصُوصٍ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَأْوِيلٌ وَدَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحَاجِّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَلَمْ تَتَقَيَّدِ الرُّخَصُ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِالنُّسُكِ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنَ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ وَرِفْقُ الْجَمْعِ وَاضِحٌ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَى الْمُسَافِرِ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ كَلَامَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وتعقب الخطابي وغيره على مِنْ حَمْلِ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ بِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَعْظَمَ ضِيقًا مِنَ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ أَوَائِلَ الْأَوْقَاتِ وَأَوَاخِرَهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ أَكْثَرُ الْخَاصَّةِ فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ قول بن عباس أن لا يحرج أمته
أخرج مُسْلِمٌ
[555] قَوْلُهُ (أَنَّهُ اسْتُغِيثَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ) أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الْإِغَاثَةُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ زَوْجَةَ بن عُمَرَ كَانَتْ لَهَا حَالَةُ الِاحْتِضَارِ
فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ وَهُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَعَجَّلَ فِي الْوُصُولِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
قُلْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثلاثا في السفر قال سالم وأخر بن عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ إلخ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ اسْتُصْرِخَ بِالضَّمِّ أَيِ اسْتُغِيثَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ وَهُوَ مِنَ الصُّرَاخِ وَالْمُصْرِخُ الْمُغِيثُ انْتَهَى
(فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ) أَيِ اهْتَمَّ بِهِ وَأَسْرَعَ فِيهِ يُقَالُ جَدَّ يَجُدُّ وَيَجِدُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَجَدَّ بِهِ الْأَمْرُ وَأَجَدَّ وَجَدَّ فِيهِ وَأَجَدَّ إِذَا اجْتَهَدَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
(وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةَ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى المغرب(3/102)
وَالْعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بِمَنْ كَانَ سَائِرًا لَا نَازِلًا
وَأُجِيبَ بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَوْلُهُ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نازلا ومسافرا
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَعُ إِلَّا من جدبه السَّيْرُ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ انْتَهَى
وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَ قَوْلَهُ ثُمَّ دَخَلَ أَيْ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الطَّرِيقِ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اسْتَبْعَدَهُ وَلَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ أَكْثَرُ عَادَتِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَخْصِيصٌ لِأَحَادِيثِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ مُسْلِمٌ
(بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ)
الِاسْتِسْقَاءُ لُغَةً طَلَبُ سَقْيِ الْمَاءِ مِنَ الْغَيْرِ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْغَيْرِ وَشَرْعًا طَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حُصُولِ الْجَدْبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ طَلَبِ السُّقْيَا أَيْ إِنْزَالِ الْغَيْثِ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ
يُقَالُ سَقَى اللَّهُ عِبَادَهُ الْغَيْثَ وَأَسْقَاهُمْ وَالِاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ وَاسْتَسْقَيْتُ فُلَانًا إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَكَ انْتَهَى
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ أَنْوَاعٌ أَدْنَاهَا الدُّعَاءُ الْمُجَرَّدُ وَأَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَأَفْضَلُهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِرَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ
وَالْأَخْبَارُ وردت بجميع ذلك انتهى(3/103)
[556] قَوْلُهُ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمِ) بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ قيل أن له رواية (عَنْ عَمِّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ أَخُو أَبِيهِ لِأُمِّهِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ مَازِنٍ الْأَنْصَارِيُّ لَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ
وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَمَنْ ظَنَّهُمَا وَاحِدًا فَقَدْ غَلِطَ وَأَخْطَأَ
قَوْلُهُ (خَرَجَ بِالنَّاسِ) أَيْ إِلَى الْمُصَلَّى كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (يَسْتَسْقِي) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يوسف ومحمد
قال محمد في موطأه
أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَانَ لَا يَرَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةً وَأَمَّا فِي قَوْلِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْعُو وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ
انْتَهَى
قُلْتُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّوَابُ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ
مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه ومنها حديث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ جيد ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا لَفْظُهُ وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَعْلِيلِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ انْتَهَى فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُكَذِّبُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَغَيْرُ قَادِحٍ انْتَهَى
وَقَدْ رَدَّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ حَيْثُ قَالَ أَمَّا اسْتِسْقَاؤُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى وَلَمْ يُصَلِّ بَلْ غَايَةُ مَا يُوجَدُ ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَدَمُ وُقُوعِهِ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي(3/104)
جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ إِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ وَأُجِيبُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصَّلَاةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا مَرَّةً وَتَرَكَهَا أخرى وهذا لَا يَدُلُّ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ
وَرَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْكَرُ ثُبُوتُ كِلَيْهِمَا مَرَّةٌ هَذَا وَمَرَّةٌ هَذَا لَكِنْ يُعْلَمُ مِنْ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ صَلَّى فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَسْنُونَةً في هذه الحالة بلا ريب ودعاءه الْمُجَرَّدُ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ تَبْلُغِ الْإِمَامَ وَإِلَّا لَمْ يُنْكِرِ اسْتِنَانُ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّنُّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
فَإِنْ قُلْتَ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مدرارا قَالَ عَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَا بِالصَّلَاةِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى هَذَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى هَذَا لَا يُنَافِي سُنِّيَّةَ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُهَا وَقَدْ ثَبَتَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى مَعَ النَّاسِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَلِذَلِكَ خَالَفَهُ أَصْحَابُهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ (جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بن بَطَّالٍ (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) كَيْفِيَّةُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ أَيْضًا مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ وَيُقَلِّبَ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ وَالطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ انْقَلَبَ الْيَمِينُ يَسَارًا وَالْيَسَارُ يَمِينًا وَالْأَعْلَى أَسْفَلَ وَبِالْعَكْسِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ فِي زِيَادَةِ سُفْيَانَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَفْظُهُ قَلَبَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ وزاد فيه بن ماجه وبن خُزَيْمَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادٍ بِلَفْظِ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيِّةَ عَنْ عَبَّادٍ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ(3/105)
بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليها قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ
وَقَدِ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِعْلَ مَا هَمَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَنْكِيسِ الرِّدَاءِ مَعَ التَّحْوِيلِ الْمَوْصُوفِ
وَزَعَمَ الْقُرْطُبِيُّ كَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَارَ في الجديد تنكيس الرداء لاتحويله وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ مَا ذَكَرْتُهُ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْوِيلِ فَقَطْ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ أَحْوَطُ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ مَحَلِّ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ
فَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَحَلُّ هَذَا التَّحْوِيلِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَوْعِظَةِ وَإِرَادَةِ الدُّعَاءِ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُحَوِّلُهُ فِي نَحْوِ ثُلُثِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ حِينَ يَسْتَقْبِلُ القبلة انتهى
فائدة أخرى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ أَنْ يُحَوِّلَ النَّاسُ بِتَحْوِيلِ الْإِمَامِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبَّادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ
وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يوسف يحول الامام وحده فاستثنى بن الْمَاجِشُونِ النِّسَاءَ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِنَّ انْتَهَى
قُلْتُ فَالْقَوْلُ الظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ
فَائِدَةٌ أُخْرَى اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّحْوِيلِ فَجَزَمَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ
وَتَعَقَّبَهُ بن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إِلَيْهِ قَالَ وَإِنَّمَا التَّحْوِيلُ أَمَارَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ قِيلَ لَهُ حَوِّلْ رِدَاءَكَ لِيَتَحَوَّلَ حَالُكَ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَاَلَّذِي رَدَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي كُلِّ حَالٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ لَا يَقْتَضِي الثبوت على العاتق فالجمل عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى فَإِنَّ الِاتِّبَاعَ أَوْلَى من تركه(3/106)
لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَفِي الدراية وللحاكم من حديث جابر وتحول رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِأَنْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إِلَى الْخِصْبِ انْتَهَى
فَالْقَوْلُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي حِكْمَةِ التَّحْوِيلِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُهَلَّبُ
قَوْلُهُ (فِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثِهِمَا (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ (وَآبِي اللَّحْمِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ
[557] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الهاد الليثي المدني وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ خَيْبَرَ وَعَاشَ إِلَى نَحْوِ السَّبْعِينَ (عَنْ آبِي اللَّحْمِ) بِالْمَدِّ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِ اللحم أو لحم ماذبح عَلَى النُّصُبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ
قَوْلُهُ (عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ) هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْحَرَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوَادِ أَحْجَارِهَا بِهَا كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالزَّيْتِ (يَسْتَسْقِي) حَالٌ (وَهُوَ مُقْنِعٌ بِكَفَّيْهِ) أَيْ رَافِعٌ كَفَّيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ
وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عَدَمِ اسْتِنَانِ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فَتَذَكَّرْ(3/107)
قَوْلُهُ (كَذَا قَالَ قُتَيْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلخ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ
[558] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْمَدَنِيِّ الْقُرَشِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ
قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ
قَوْلُهُ (خَرَجَ منبذة) أَيْ لَابِسًا ثِيَابَ الْبِذْلَةِ تَارِكًا ثِيَابَ الزِّينَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّبَذُّلُ تَرْكُ التَّزَيُّنِ وَالتَّهَيُّؤِ بِالْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ (مُتَوَاضِعًا) فِي الظَّاهِرِ (مُتَخَشِّعًا) فِي الْبَاطِنِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ مُتَخَشِّعًا أَيْ مُظْهِرًا لِلْخُشُوعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى نَيْلِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُتَرَسِّلًا أَيْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ فِي مَشْيِهِ (مُتَضَرِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلضَّرَاعَةِ وَهِيَ التَّذَلُّلُ عِنْدَ طَلَبِ الْحَاجَةِ (فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ) النَّفْيُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْقَيْدِ لَا إِلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ
فَقَوْلُهُ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَوَجَّهٌ إِلَى الْقَيْدِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ أَحْمَدُ لَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يَخْطُبْ وَلَكِنَّهُ خَطَبَ الْخُطْبَةَ وَاحِدَةً فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ وَلَمْ وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ له شاهدا انتهى كلام الزيلعي (وصل رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ في(3/108)
صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْعَدَدِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَكَوْنِهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ أرسلني مروان إلى بن عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ
الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إِلَّا تَكْبِيرَةً
انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ أَوِ الْعَكْسِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ بَدَأَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ خَطَبَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَحْوِيلَ الظَّهْرِ إِلَى النَّاسِ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَالدُّعَاءَ وَتَحْوِيلَ الرِّدَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَعْتَضِدُ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ بِمُشَابَهَتِهَا لِلْعِيدِ وَكَذَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ أَمَامَ الْحَاجَةِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالدُّعَاءِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَ فَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى شَيْءٍ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالدُّعَاءِ عَنِ الْخُطْبَةِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الشُّرُوعُ بِالصَّلَاةِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ وَقَالَ اللَّيْثُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ
قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتِهَا
وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى(3/109)
كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ وَجَوَازُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلَا أَوْلَوِيَّةٍ هُوَ الْحَقُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو عَوَانَةَ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَبُو عوانة وبن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (وَزَادَ فِيهِ مُتَخَشِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلْخُشُوعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى نَيْلِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُتَرَسِّلًا أَيْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ فِي مَشْيِهِ
[559] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ يُصَلِّي صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ نَحْوَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سبعا وفي الثانية خمسا واحتج بحديث بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَتَذَكَّرْ (وَرُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ دَاوُدُ إِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ
قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَمَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
أَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/110)
6 - (باب ما جاء فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ أَفْصَحُ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ عَكْسَهُ وَغَلَّطَهُ لِثُبُوتِهِ بِالْخَاءِ فِي الْقُرْآنِ
وَقِيلَ يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدْلُولَ الْكُسُوفِ لُغَةً غَيْرُ مَدْلُولِ الْخُسُوفِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ التَّغَيُّرُ إِلَى سَوَادٍ وَالْخُسُوفَ النُّقْصَانُ أَيِ الذُّلُّ فَإِذَا قِيلَ فِي الشَّمْسِ كَسَفَتْ أَوْ خَسَفَتْ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَلَحِقَهَا النَّقْصُ سَاغَ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ بِالْكَافِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِالْخَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ وَقِيلَ بِالْكَافِ لِذَهَابِ جَمِيعِ الضَّوْءِ وَبِالْخَاءِ لِبَعْضِهِ وَقِيلَ بِالْخَاءِ لِذَهَابِ كُلِّ اللَّوْنِ وَبِالْكَافِ لِتَغَيُّرِهِ انْتَهَى
[560] قَوْلُهُ (أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ إلخ) أَيْ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَلَفْظُهُمَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انصرف
وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَصَحُّ وَأَقْوَى
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهُمَا مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بن أبي ثابت عن طاؤس عن بن عباس قال الحافظ في التلخيص قال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا(3/111)
الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بن أبي ثابت عن طاؤس ولم يسمعه حبيب من طاؤس
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَبِيبٌ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَإِنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ فِيهِ مِنْ طاؤس وقَدْ خَالَفَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ فَوَقَفَهُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ رُكُوعَيْنِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاشْتَهَرَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعَيْنِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ كَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن العاص وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي بكرة وسمرة وبن مسعود وأسماء بنت أبي بكر وبن عُمَرَ وَقَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وأبي موسى وعبد الرحم ن بْنِ سَمُرَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى عَلَى النَّاسِ فَقَرَأَ يس وَنَحْوَهَا ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِنْ قَدْرِ سُورَةِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ حَتَّى صَلَّى أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ فَفَعَلَ كَفِعْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو وَيُرَغِّبُ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَعَلَ انْتَهَى
وَقَالَ مُسْلِمٌ في صحيحه بعد رواية حديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ
وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِي آخِرِهِ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ
وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ رَكْعَتَيْنِ
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ(3/112)
وصححه بن عبد البر وأعله بن أَبِي حَاتِمٍ بِالِانْقِطَاعِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوَا حَتَّى يَنْكَشِفَ ما بكم ورواه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُمَا فَإِذَا انْكَسَفَ أَحَدُهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ
وَلِلنَّسَائِيِّ مِثْلَ مَا تُصَلُّونَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا
وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ بَلْ أَحَالَ عَلَى حَدِيثِ أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ تِلْكَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ فَدَخَلَ دَارَهُ وَجَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ قَدْ أَصَابَهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَزَّارُ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَأَخْرَجَهُ الشيخان
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا
وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حديث عبد الرحم ن بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَرْمِي بِأَسْهُمِي فِي حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهُنَّ وَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انكساف الشمس اليوم فانتهيت إليه وهو يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وفيه فقرأ بسورة من الطول وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثانية فقرأ سورة من الطول وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ الرَّازِيُّ(3/113)
وفيه مقال واختلف فيه قول بن معين وبن المديني انتهى
قوله (حديث بن عباس حديث حسن صحيح) وقد ضعفه بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا (وَقَدْ رُوِيَ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وأما السجود فسجدتان كغيرهما
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ وَحَمَلُوا حديث بن سَمُرَةَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ به انتهى
وقال الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي كِتَابِ التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ تَصْحِيحَ مُسْلِمٍ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا لَفْظُهُ كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَبِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ كَمَا رَوِيَ أَنَّهُ صَلَّى بِرُكُوعَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا بِرُكُوعَيْنِ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا الثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ فِيهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي يَوْمَيْ كُسُوفٍ وَلَا كَانَ إِبْرَاهِيمَانِ وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ الشَّهْرِ فَقَدْ كَذَبَ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُسِرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنَّهَارِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا كَنَحْوِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ) وَيَجِيءُ دَلَائِلُ الْفَرِيقَيْنِ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ(3/114)
الْجَهْرَ فِيهَا) وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي (صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ إلخ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالرَّكَعَاتِ الرُّكُوعَاتُ (وَيَرَى أَصْحَابُنَا) أَيْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ (أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي جَمَاعَةٍ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَؤُمَّ لَهُمْ بَعْضُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ صَلَّوْا فُرَادَى كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّوْا فُرَادَى وَقَالُوا لَا جَمَاعَةَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عِنْدَ الْكُسُوفِ يُصَلِّي إِمَامُ الْجُمُعَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَيْ إِمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا
وَفِي لَفْظٍ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
وكذلك روياه من حديث بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَانَتْ بِالْجَمَاعَةِ فَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ أَيْضًا بِالْجَمَاعَةِ
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَؤُمَّ لَهُمْ بَعْضُهُمْ
وَأَمَّا تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِي الْجَمْعِ بِدُونِ حُضُورِ الْإِمَامِ الْمَأْذُونِ لَهُ احْتِمَالُ الْفِتْنَةِ فَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَحَدٍ يَؤُمُّهُمْ وَتَرَاضَوْا بِهِ لَا يَكُونُ احْتِمَالُ الْفِتْنَةِ(3/115)
[561] قَوْلُهُ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ فَفِيهِ تَطْوِيلُ الرَّفْعِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ وَلَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا أَوِ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ لَا إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا لَفْظُهُ وتعقب بما رواه النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيْضًا فَفِيهِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ
لفظ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَطْوِيلِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا فِي هَذَا
وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَرْكِ إِطَالَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاتِّفَاقَ الْمَذْهَبِيَّ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ) الْمُرَادُ بِالرَّكَعَاتِ الرُّكُوعَاتُ أَيْ يَرَوْنَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعًا وَاحِدًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الثُّنَائِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ فَفِي(3/116)
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ وللنسائي مثل ما تصلون وحمله بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى كَمَا تُصَلُّونَ فِي الْكُسُوفِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ خَاطَبَ بِذَلِكَ أهل البصرة وقد كان بن عَبَّاسٍ عَلَّمَهُمْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ركوعان كما روى ذلك الشافعي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ يُونُسَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَاخِرِ الْكُسُوفِ أَنَّ ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِثْلُهُ وَقَالَ فِيهِ إِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ مُطْلَقَةٌ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أن في كل ركعة ركوعين وعند بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِهَا أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَفِيهِ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي صِفَةِ الرُّكُوعِ فَالْأَخْذُ بِهَا هُوَ أَوْلَى كَمَا عَرَفْتَ(3/117)
7 - (بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ)
أَيْ بِالْجَهْرِ أَوْ بِالسِّرِّ
[562] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ) الْعَبْدِيِّ وَيُقَالُ الْعِجْلِيِّ الْكُوفِيِّ يُكْنَى أَبَا قَيْسٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عِبَادٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَبْدِيِّ الْبِصْرِيِّ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ تَابِعِيٌّ سَمِعَ سَمُرَةَ وَعَنْهُ الْأَسْوَدُ بْنُ قيس فقط بحديث الكسوف الطويل قال بن المديني الأسود يروي عن مجاهيل وقال بن حَزْمٍ ثَعْلَبَةُ مَجْهُولٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (لَا نَسْمَعُ له صوتا) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
قَالَ بن الهمام ويدل عليه أيضا حديث بن عباس روى أحمد وأبو يعلى في مسندهما عَنْهُ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا مِنَ الْقِرَاءَةِ ورواه أبو نعيم في الحلية عن بن عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ قِرَاءَةً قَالَ وَلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ جَهَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ جَهَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا حَصَلَ التَّعَارُضُ وَجَبَ التَّرْجِيحُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ الْإِخْفَاءُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ أَحَادِيثُ الْجَهْرِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي الْجَهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ أَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ فَهُوَ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي السِّرِّ وَنَفْيِ الْجَهْرِ قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ لَهُ أَتَيْنَا وَالْمَسْجِدُ قَدِ امْتَلَأَ انْتَهَى
وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ فَهُوَ لَا يُوَازِي أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا شَكَّ في أن حديث الجهر مقدمة على حديث سمرة وحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/118)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ الْحَدِيثَ وَفِي سَنَدِهِ محمد بن إ سحاق وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بَعْضُهُمْ مُطَوَّلًا وَبَعْضُهُمْ مُخْتَصَرًا وَقَدْ صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وأعله بن حَزْمٍ بِجَهَالَةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عِبَادٍ رَاوِيهِ عَنْ سمرة وقد قال بن المديني إنه مجهول وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَا رَاوِيَ لَهُ إِلَّا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) أَيْ إِلَى الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ يُسِرُّ فِي الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي الْقَمَرِ انْتَهَى
وَقَدْ عَدَّ التِّرْمِذِيُّ مَالِكًا مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَلَعَلَّ مِنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بقول بن عَبَّاسٍ قَرَأَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرٍ
وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْهُ
لَكِنْ ذَكَرَ الشافعي تعليقا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِجَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ أَسَانِيدُهَا داهية
وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَمُثْبِتُ الْجَهْرِ مَعَهُ قَدْرٌ زَائِدٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَإِنْ ثَبَتَ التَّعَدُّدُ فَيَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ لَمْ يَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ
[563] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَدَقَةَ) الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ(3/119)
قَوْلُهُ (وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وفي رواية بن حِبَّانَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بَطَلَ مَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَهْرِ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وَرِوَايَةَ الْإِسْرَارِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ جَهَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَرَدَ الْجَهْرُ فِيهَا عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وموقوفا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ بِهِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وأحمد وإسحاق وبن خزيمة وبن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وبن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ انْتَهَى
قَوْلُهُ هَذَا (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ
فَإِنْ قُلْتَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُهُ هَذَا بِلَفْظِ وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا حَسَنًا صَحِيحًا
قُلْتُ لَمْ يَتَفَرَّدْ هُوَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَقِيلٌ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا يُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْجَزْمَ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِتَعْلِيلِ مَنْ أَعَلَّهُ بِتَضْعِيفِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ(3/120)
8 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ)
أَيْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنَ الْكُفَّارِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ نَحْوُ قَوْلِهِ (إِنْ خِفْتُمْ) فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مُعْتَدٌّ بِهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّرْجِيحِ
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَحْمَدَ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ صَلَّى بِوَاحِدَةٍ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ بن تَيْمِيَةَ فِي مِنْهَاجِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْوَارِدَ فِيهِ لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ بَلِ اخْتِلَافَ وسعة وَتَخْيِيرٍ انْتَهَى
[564] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ)
أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَوْلُهُ (وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ)
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أَيِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَامُوا فِي مَقَامِ أُولَئِكَ) أَيْ فِي مَقَامِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ (ثُمَّ سَلَّمَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي لَمْ تَخْتَلِفِ الطرق عن بن عُمَرَ فِي هَذَا
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التعاقب وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَيَسْتَلْزِمُ تَضْيِيعَ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَإِفْرَادَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ وَيُرَجِّحُهُ ما رواه أبو داود من حديث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ أَيِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثم(3/121)
ذَهَبُوا وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا انْتَهَى
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا وَوَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ من كتب الفقه أن في حديث بن عُمَرَ هَذَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تَأَخَّرَتْ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَأَتَمُّوا رَكْعَةً ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَعَادَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَأَتَمُّوا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَخَذَ الحنفية واختار في حديث بن مَسْعُودٍ أَشْهَبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يحيى بن سعيد انتهى كلام الحافظ
وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ تَفْصِيلُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الْأُولَى إِلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَتَمُّوا مُنْفَرِدِينَ وَسَلَّمُوا كَمَا ذَكَرَهُ بعض الشراح من علمائنا قال بن الْمَلَكِ كَذَا قِيلَ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ انْتَهَى
وَهُوَ كذلك لكن قال بن الْهُمَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مَشْيُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِتْمَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَكَانِهَا مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ وَهُوَ أَقَلُّ تَغْيِيرًا
وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَمَامِ مَا ذهب إليه ما هو موقوف على بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ وَسَاقَ إِسْنَادَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِأَصْحَابِهِ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَ الْإِمَامِ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى يَقُومُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُولَى حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وُحْدَانًا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَقُومُونَ مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى حَتَّى يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا
قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا كُلُّهُ نَأْخُذُ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ
قُلْتُ الْحَارِثُ هَذَا إِنْ كَانَ هُوَ الْأَعْوَرَ فَقَدْ كذبه الشعبي وبن الْمَدِينِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَحُذَيْفَةَ وزيد بن ثابت وبن عباس وأبي هريرة وبن(3/122)
مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبِي عَيَّاشٍ الزرقي واسمه زيد بن ثابت وَأَبِي بَكْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود النسائي
قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وأما حديث أبي موسى فأخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ
قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) الْآتِي وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ هُوَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلَخْ)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ وَرَدَ فِي كَيْفِيَّةِ صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح بن عبد البر الكيفية الواردة في حديث بن عُمَرَ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ وَلِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ
وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ ثَبَتَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَوْ سَبْعَةٌ أَيُّهَا فَعَلَ الْمَرْءُ جَازَ وَمَالَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَخْتَرْ إِسْحَاقُ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ وَبِهِ قال الطبري وغير واحد منهم بن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا بن حبان في صحيحه وزاد تاسعا
وقال بن حَزْمٍ صَحَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَبَيَّنَهَا في جزء مفرد وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَاءَ فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أصحها ستة عشر رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَهَا شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ
قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى أُصُولُهَا سِتُّ صِفَاتٍ بَلَّغَهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ وَهَؤُلَاءِ(3/123)
كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَدَاخُلُهَا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثًا صحيحا)
قال الحافظ في التلخيص ونقل بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا إِلَّا صَحِيحًا
قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ
[565] قَوْلُهُ (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ)
بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ غَزِيرُ الْحَدِيثِ سَمِعَ أَبَاهُ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَهُ أَحَادِيثُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ
قَوْلُهُ (فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُونَ فِي مَقَامِ أُولَئِكَ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِاَلَّذِي مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ(3/124)
قَائِمٌ فَيَكُونُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ (وَيَجِيءُ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَحْدَهُ (فَهِيَ) أَيْ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ (لَهُ) صلى الله عليه وسلم اثنتان أَيْ رَكْعَتَانِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ (وَاحِدَةٌ) أَيْ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهُمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ
[566] قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) أَيِ الْقَطَّانَ (عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ هَلْ بَلَغَكَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا أَمْ لَا (فَحَدَّثَنِي) أَيْ يَحْيَى الْقَطَّانُ (بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَذْكُورِ الْمَوْقُوفِ (وَقَالَ لِي اكْتُبْهُ إِلَى جَنْبِهِ) هَذَا مَقُولُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ أَيْ وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ اكْتُبِ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا إِلَى جَنْبِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَوْقُوفًا وَلَسْتُ أَحْفَظُ الْحَدِيثَ أَيْ قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَسْتُ أَحْفَظُ لَفْظَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا (لَكِنَّهُ) أَيْ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ (مِثْلُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَوْقُوفِ الْمَذْكُورِ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ وَقَالَ لِي اكْتُبْهُ إلخ هَكَذَا قَوْلُهُ وَقَالَ لي(3/125)
اكْتُبْهُ مَقُولَةُ يَحْيَى أَيْ قَالَ لِي شُعْبَةُ اكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتُ لَكَ إِلَى جَنْبِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ انْتَهَى وَفِي هَذَا نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَتَأَمَّلْ
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ الَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا
[567] قَوْلُهُ (وَبِهِ) أَيْ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ (يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً إلخ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ
وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ
(بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ)
وَهِيَ أربع عشرة سجدات مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَدَّ مِنْهَا السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ دُونَ سَجْدَةِ ص وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْعَكْسِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَأَى بعض أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْجُدَ فِي ص وَهُوَ قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ كَذَا فِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِلشَّيْخِ سَلَامِ اللَّهِ(3/126)
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِثْبَاتِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وهو سنة للقارىء وَالْمُسْتَمِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلسَّامِعِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ لَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ الْمُصْغِي انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هِيَ سَجْدَةٌ مُنْفَرِدَةٌ مَنْوِيَّةٌ مَحْفُوفَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَشْرُوطٌ فِيهَا مَا شُرِطَ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ يَدٍ وَقِيَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ وتجب على القارىء وَالسَّامِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا عِنْدَ أَبِي حنيفة وأصحابه انتهى كلام القارىء
[568] قوله (عن عمر الدمشقي) هو بن حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (سَجَدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً إلخ) هَذَا لَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ غَايَتُهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ سَجَدَ مَعَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَلَمْ يَحْضُرْ فِي غَيْرِهَا قَالَهُ صَاحِبُ إنجاح الحاجة
قلت ومع هذا فهو حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ عُمَرَ الدِّمَشْقِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي طَرِيقِهِ الثَّانِي الْآتِي قَالَ عُمَرُ الدِّمَشْقِيُّ سَمِعْتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُنِي فَهَذَا الْمُخْبِرُ أَيْضًا مَجْهُولٌ
وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِتَضْعِيفِهِ حَيْثُ قَالَ فِي سُنَنِهِ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي دَاوُدَ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وبن الْقَطَّانِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالرَّاوِي عَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ الْعُتَقِيُّ وهو لا يعرف أيضا
وقال بن مَاكُولَا لَيْسَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ بِنُونٍ مُصَغَّرًا الْيَحْصُبِيُّ الْمِصْرِيُّ وَثَّقَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ أَنَّهُ مَقْبُولٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَوَاضِعَ السُّجُودِ خَمْسَةَ عَشَرَ موضعا وإليه ذهب أحمد والليث وإسحاق وبن وَهْبٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ فَقَالَ أَحْمَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَخْذًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَدْخَلَ سَجْدَةَ ص فِيهَا(3/127)
وقال الشافعي أربع عشرة سجدة منها اثنتان فِي الْحَجِّ وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَتْ سَجْدَةُ ص مِنْهُنَّ بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَأَسْقَطَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْحَجِّ وَأَثْبَتَ سَجْدَةَ ص
وَقَالَ مَالِكٌ إِحْدَى عَشْرَةَ فَأَسْقَطَ سَجْدَةَ ص وَسَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ
قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى مَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ كَمَا عَرَفْت
فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَوَاضِعِ السُّجُودِ خَاتِمَةُ الْأَعْرَافِ وَثَانِيَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّعْدِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَثَالِثَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّحْلِ وَيَفْعَلُون ما يؤمرون وَرَابِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا وَخَامِسَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي مَرْيَمَ خَرُّوا سجدا وبكيا وَسَادِسَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ إِنَّ اللَّهَ يفعل ما يشاء وَسَابِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْفُرْقَانِ وَزَادَهُمْ نُفُورًا وَثَامِنَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّمْلِ رَبُّ الْعَرْشِ العظيم وَتَاسِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الم تَنْزِيلُ وَهُمْ لا يستكبرون وَعَاشِرَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي ص وَخَرَّ رَاكِعًا وأناب وَالْحَادِيَ عَشَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي حم السَّجْدَةِ إن كنتم إياه تعبدون
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عِنْدَ قَوْلِهِ وهم لا يسأمون وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ سَجَدَاتُ الْمُفَصَّلِ وَالْخَامِسَ عَشَرَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عباس وأبي هريرة وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ عَزَائِمُ السُّجُودِ أربع ألم تنزيل للسجدة وَحم السَّجْدَةُ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَالنَّجْمُ
كَذَا في شرح السراج
وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بن العاص فأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ) وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَةِ(3/128)
سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا
إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ
[569] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ) أي حديث عبد الله بن عبد الرحم ن أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ وَضَعْفُهُ أَقَلُّ مِنْ ضَعْفِهِ فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِهِ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ)
[570] (قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَخُو إِسْرَائِيلَ كُوفِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ مِنْ إِبْطَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ
قَوْلُهُ (ايْذَنُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِذْنِ) وَكَأَنَّ أَصْلَهُ إءذنوا فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ بِالْيَاءِ (بِاللَّيْلِ) خَصَّ اللَّيْلَ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ بِالظُّلْمَةِ (فَقَالَ ابْنُهُ) أَيْ بِلَالٌ أَوْ وَاقِدٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وبن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا هُوَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ هُوَ ابْنُهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا
وَقَدْ حَقَّقَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ بِلَالٌ (وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ) أَيْ لِلْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ (يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ المعجمة وأصله الشجن الْمُلْتَفُّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُخَادَعَةِ لِكَوْنِ الْمُخَادِعِ(3/129)
يَلُفُّ فِي ضَمِيرِهِ أَمْرًا وَيُظْهِرُ غَيْرَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ فَسَادِ بَعْضِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ الغيرة فقال أي بن عُمَرَ (فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ) وَفِي رِوَايَةِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ يَسُبُّهُ مِثْلَهُ قَطُّ
وَفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ بِاللَّعْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ أف لك وإنما أنكر عليه بن عُمَرَ بِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ
وَأُخِذَ مِنْهُ تَأْدِيبُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ وَعَلَى الْعَالِمِ بِهَوَاهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَجَوَازُ التَّأْدِيبِ بِالْهِجْرَانِ
فقد وقع في رواية بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى مَاتَ
وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَاتَ عَقِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ وَزَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مساجد الله وليخرجن تفلات وأخرجه أيضا بن خُزَيْمَةَ
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْنَبَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا
وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه بن حِبَّانَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا
فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ هَذَا لَوِ اسْتَأْذَنَتْ لِلصَّلَاةِ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا تُمْنَعُ بَلْ تُؤْذَنُ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ بِشُرُوطٍ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيثِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ الْمَسْجِدَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مَأْخُوذَةٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ مُطَيَّبَةً وَلَا مُتَزَيِّنَةً وَلَا ذَاتَ خَلَاخِلَ يُسْمَعُ صَوْتُهَا وَلَا ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ وَنَحْوُهَا
وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إِذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ(3/130)
وقال الحافظ في الفتح قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي النِّسَاءِ إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوهُ بِشُرُوطٍ مِنْهَا أَنْ لَا تَطَّيَّبَ وَهُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ أَيْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زينب امرأة بن مَسْعُودٍ إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا قَالَ وَيَلْحَقُ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ دَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ كَحُسْنِ الْمَلْبَسِ وَالْحُلِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ وَالزِّينَةِ الْفَاخِرَةِ وَكَذَا الِاخْتِلَاطُ بِالرِّجَالِ
وَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ إِلَّا إِنْ أُخِذَ الْخَوْفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهَا إِذَا عَرِيَتْ مِمَّا ذُكِرَ وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً حَصَلَ الْأَمْنُ عَلَيْهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ
فَعِنْدَ أَبِي داود عن بن عُمَرَ لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لهن وصححه بن خُزَيْمَةَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّةِ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك قَالَ قَدْ عَلِمْتُ وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ حَسَنٌ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ مُخْتَصَرًا
1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ)
[571] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ رِبْعِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ
قَوْلُهُ (إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْزُقْ عَنْ يَمِينِكَ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا (وَلَكِنْ خَلْفَكَ) أَيِ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَكَ أَحَدٌ يُصَلِّي (أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ) أي(3/131)
جَانِبَ شِمَالِكَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا يَبْزُقْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ ثَوْبِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إِنْ كَانَ فَارِغًا وَإِلَّا فَهَكَذَا وَبَزَقَ تَحْتَ رِجْلِهِ وَدَلَكَ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا شَيْءٌ مَبْسُوطٌ أَوْ نَحْوُهُ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ انْتَهَى (أَوْ تَحْتَ قَدَمِكَ الْيُسْرَى) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هريرة عند الْبُخَارِيِّ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرِّيَاضِ الْمُرَادُ بِدَفْنِهَا مَا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُرَابِيًّا أَوْ رَمْلِيًّا وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُبَلَّطًا مَثَلًا فَدَلَكَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَثَلًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي التَّقْذِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ألْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَتَّهَا وَقَالَ إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قدمه اليسرى
وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا
قَوْلُهُ (حَدِيثُ طَارِقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وبن ماجه(3/132)
قَوْلُهُ (الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى الْبُزَاقِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ يَبْزُقُ فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ بِدَفْنِ الْبُزَاقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُزَاقَ خَطِيئَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَلِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِيهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبُزَاقَ لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفِنْهُ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنَهُ فَلَيْسَ بِخَطِيئَةٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ فَقَوْلُهُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِنَفْسِ الْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ الحافظ في الفتح حاصل النزاع أن ها هنا عُمُومَيْنِ تَعَارَضَا وَهُمَا قَوْلُهُ الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَقَوْلُهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَالنَّوَوِيُّ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ عَامًّا وَيَخُصُّ الثَّانِيَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَاضِي بِخِلَافِهِ يَجْعَلُ الثَّانِيَ عَامًّا وَيَخُصُّ الْأَوَّلَ بِمَنْ لَمْ يُرِدْ دَفْنَهَا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ منهم بن مَكِّيٍّ فِي التَّنْقِيبِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُمَا وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَدْفِنْهُ فَسَيِّئَةٌ وَإِنْ دَفَنَهُ فَحَسَنَةٌ فَلَمْ يَجْعَلْهُ سَيِّئَةً إِلَّا بِقَيْدِ عَدَمِ الدَّفْنِ
وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عند مسلم مرفوعا قال وجدت في مساوىء أَعْمَالِ أُمَّتِي النُّخَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بمجرد إيقاعها في المسجد بل به ويتركها غَيْرَ مَدْفُونَةٍ انْتَهَى قَالَ وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَحَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ انْتَهَى
[572] قَوْلُهُ (وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إِنِ ارْتَكَبَ هَذِهِ الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنى وَالْخَمْرَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مُحَرَّمَاتٌ وَخَطَايَا وَإِذَا ارْتَكَبَهَا فَعَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِدَفْنِهَا
فَالْجُمْهُورُ قَالُوا الْمُرَادُ دَفْنُهَا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ وَحَصَاتِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ حَصَاةٌ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَيُخْرِجُهَا انْتَهَى
تَنْبِيهٌ كَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يُورِدَ بَابَ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَبَابَ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَبْوَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَمَّا إِيرَادُهُمَا فِي أَثْنَائِهَا فَلَيْسَ مما ينبغي(3/133)
12 - (باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت)
الخ [573] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِنُونٍ وَبِمَدٍّ وَيُقْصَرُ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) هُمَا مِنَ الْمُفَصَّلِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
[574] قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ) أَيْ فِي إِسْنَادِهِ (أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ) مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ السُّجُودَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمُتَقَدِّمُ(3/134)
13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّجْدَةِ فِي النَّجْمِ)
[575] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ) بالموحدة والزايين المنقوطتين الحال أَبُو مُوسَى ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنُّورِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ
قَوْلُهُ (سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَعْنِي النَّجْمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ) هَذِهِ اللَّامَّاتُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِلْعَهْدِ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ وَهَذَا كَانَ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنْ ميركَ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ سَبَبُ سُجُودِهِمْ فِيمَا قَالَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْإِخْبَارِيُّونَ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَدْحَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ وَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْ يَقُولَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ سَجَدَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ فَأَرَادُوا مُعَارَضَةَ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّجُودِ لِمَعْبُودِهِمْ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلَا قَصْدٍ أَوْ خَافُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِنْ مُخَالَفَتِهِمُ
انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ وَالِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ مِنْهَا لِعِيَاضٍ والثاني يخالفه سياق بن مَسْعُودٍ حَيْثُ زَادَ فِيهِ إِنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهُمْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الْقَصْدِ وَالثَّالِثُ أَبْعَدُ إِذِ الْمُسْلِمُونَ حِينَئِذٍ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْعَكْسُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا صِحَّةَ لَهُ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ عَرَفَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى انتهى(3/135)
قُلْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بعيد قال الامام البخاري في صحيحه قال بن عَبَّاسٍ فِي أُمْنِيَّتِهِ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ويحكم آياته ويقال أمنيته قراءته الأماني يقرأون وَلَا يَكْتُبُونَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى تأويل بن عَبَّاسٍ هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَالنَّجْمِ فَلَمَّا بَلَغَ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ طُرُقًا عَدِيدَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّهَا سِوَى طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِمَّا ضَعِيفٌ وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ لَكِنَّ كَثْرَةَ الطُّرُقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ لَهَا طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ رِجَالُهُمَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ بن شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ثُمَّ رَدَّ الْحَافِظُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَا أَصْلَ لَهَا وَإنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا
قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسَانِيدَ مِنْهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ
قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِمَّا يُسْتَنْكَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا مَا لَيْسَ مِنْهُ وَكَذَا سَهْوًا إِذَا كَانَ مُغَايِرًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ(3/136)
ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَاتٍ لِلْعُلَمَاءِ وَرَدَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا فَأَقَرَّهُ وَجَعَلَهُ أَحْسَنَ الْوُجُوهِ فَقَالَ وَقَدْ سَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ فَقِيلَ جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ حِينَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ
قَالَ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَا وِلَايَةَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ
وَقِيلَ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْجَأَهُ إِلَى أَنْ قَالَ ذَلِكَ بغير اختياره ورده بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الشَّيْطَانِ (وَمَا كان لي عليكم من سلطان) الْآيَةَ قَالَ فَلَوْ كَانَ لِلشَّيْطَانِ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ لَمَا بَقِيَ لِأَحَدٍ قُوَّةٌ فِي طَاعَةٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ تَأْوِيلَاتٍ أُخَرَ وَرَدَّ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ فَارْتَصَدَهُ الشَّيْطَانُ فِي سَكْتَةٍ مِنَ السَّكَتَاتِ وَنَطَقَ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ مُحَاكِيًا نَغْمَتَهُ بِحَيْثُ سَمِعَهُ مَنْ دَنَا إِلَيْهِ فَظَنَّهَا مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَاعَهَا قَالَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا
قُلْتُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَصْلًا فَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَانُونًا كُلِّيًّا
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَحَدِيثِ الطَّيْرِ وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَحَدِيثِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ بَلْ قَدْ لَا يَزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إِلَّا ضَعْفًا انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ وَتَفَكَّرْ
تَنْبِيهٌ الْغَرَانِيقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ طُيُورُ الْمَاءِ شُبِّهَتِ الْأَصْنَامُ الْمُعْتَقِدُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ بِالطُّيُورِ تَعْلُو فِي السَّمَاءِ وَتَرْتَفِعُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ فَسَّرَ الْكَلْبِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى بِالْمَلَائِكَةِ لَا بِآلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ لِتَوَهُّمِ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ مَدْحَ آلِهَتِهِمُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
قُلْتُ قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَرْوِيَّةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشيطان في أمنيته نزل في هذه القصة قوله تَعَالَى هَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُلْقِيَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الشَّيْطَانُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَأَخْبَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي رُسُلِهِ إِذَا قَالُوا قَوْلًا زَادَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ زَادَهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّ(3/137)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ
كَانَتْ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَتْ فَتَأَمَّلْ
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ التَّحْقِيقُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا قَالَ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَخَطَأٌ فَاحِشٌ وَوَهْمٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْعَيْنِيُّ وَلَا الْحَافِظُ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَضْلًا عَنْ رِوَايَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ
4 - (بَاب مَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فِيهِ)
أي في النجم
[576] قوله (عن بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُفَصَّلَ لَيْسَ فِيهِ سَجْدَةٌ كَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ أَنَّ النَّجْمَ بِخُصُوصِهَا لَا سُجُودَ فِيهَا كَأَبِي ثَوْرٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَرْكُ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِي التَّرْكِ إِذْ ذَاكَ إِمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْتِ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ لِكَوْنِ القارىء كَانَ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ تَرَكَ حِينَئِذٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ(3/138)
قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَوْلُهُ (وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ إِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حِينَ قَرَأَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي أَنَّ القارىء إِمَامٌ لِلسَّامِعِ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ زَيْدٌ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعًا لزيد ويدل على كون القارىء إماما للسامع قول بن مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا غُلَامٌ فَمَرَرْتُ بِسَجْدَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْتَ إِمَامُنَا فيها
وقد روي مرفوعا أخرجه بن أبي شيبة من رواية بن عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ غُلَامًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةَ فَانْتَظَرَ الْغُلَامُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ سُجُودٌ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا فِيهَا وَلَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا
رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ بَلَغَنِي فَذَكَرَ نحوه أخرجه البيهقي من رواية بن وَهْبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَحَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ مَعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
(وَقَالُوا السَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُرَخِّصُوا فِي تَرْكِهَا وَقَالُوا إِنْ سَمِعَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ سَجَدَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة
قال العيني في عمدة القارىء اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا ثُمَّ قَالَ كَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا رَوَى بن أبي شيبة في مصنفه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ قَالَ وَاسْتُدِلَّ أيضا بالايات فما هم لَا يُؤمِنُونَ
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهُمُ الْقُرْآنُ لَا يسجدون فاسجدوا لله واعبدوا واسجد واقترب(3/139)
وَقَالُوا الذَّمُّ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَتَيْنِ لِلْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَرَأَ بن آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا ويله أمر بن آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قُلْتُ قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَقَوْلُ عُثْمَانَ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَقَوْلُهُمَا هَذَا مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ فَمَعْنَاهُ لا يسجدون إباءا وَإِنْكَارًا كَمَا قَالَ الشَّيْطَانُ أُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فالذم متعلق بترك السجود إباءا وإنكارا
قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهُ ذَمَّهُمْ لِتَرْكِ السُّجُودِ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ فَضْلَهُ وَلَا مَشْرُوعِيَّتَهُ انْتَهَى
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا وَقَوْلِهِ وَاسْجُدْ واقترب فَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْوُجُوبِ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ وَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ اسْجُدُوا عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَلَى النَّدْبِ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ مِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الَّتِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ هَلْ هِيَ فِيهَا سُجُودٌ أَوْ لَا وَهِيَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ وَخَاتِمَةُ النَّجْمِ وَاقْرَأْ فَلَوْ كَانَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبًا لَكَانَ مَا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْلَى أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ انْتَهَى
(وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا وَالْتَمَسَ فَضْلَهَا وَرَخَّصُوا فِي تَرْكِهَا قَالُوا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَاوُدَ قَالُوا إِنَّهَا سنة وهو قول عمر وسلمان وبن عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ كذا في عمدة القارىء (وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال قرأت(3/140)
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَالُوا لَوْ كَانَتِ السَّجْدَةُ وَاجِبَةً لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا حَتَّى كَانَ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجَابَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّجْمِ سَجْدَةٌ وَلَا فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ انْتَهَى
وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ فِي تَرْكِ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ احْتِمَالَاتٍ وَأَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّهُ ترك حينئذ لبيان الجواز (واحتجوا بحديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ إِنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ وزاد نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ انْتَهَى
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنَّ نَفْيَ الْفَرْضِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُوبِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ حَادِثٌ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُخَيَّرٌ فِي السُّجُودِ فَيَكُونُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ قِرَاءَتَهَا فَيَجِبُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّ انْتِقَاءَ الْإِثْمِ عَمَّنْ تَرَكَ الْفِعْلَ مُخْتَارًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاحْتَجُّوا أَيِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوبَ
قَالُوا قَالَ عُمَرُ هَذَا الْقَوْلَ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
وَأَجَابَ هُوَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَوْقُوفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمُ انْتَهَى
قُلْتُ الْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أنه لم يُجِبْ عَنِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وهو حجة(3/141)
عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ هُوَ فِي رَدِّ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَفْظُهُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ خَبَرُ آحَادٍ وَرَدَ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيُرَدُّ بيانه أن بن عباس وبن الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا فِي زَنْجِيٍّ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ وَكَانَ الْمَاءُ مِنْ قُلَّتَيْنِ
وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهما وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ يُرَدُّ
انْتَهَى كَلَامُهُ
فَلِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ لَا نَحْتَجُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ
وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ لَيْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَوَابٌ شَافٍ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ
وَقَدْ أَنْصَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ إلخ ليس هذا مرفوعا بل أثر عمرو هذا تَمَسُّكُ الْحِجَازِيِّينَ
وَأَمَّا الْجَوَابُ مِنْ جَانِبِ الْأَحْنَافِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيُمْكِنُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلُ إِنَّهُ إِجْمَاعُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ فَمَا أَجَابَ أَحَدٌ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى
ثُمَّ قَالَ هَذَا الْبَعْضُ رَادًّا عَلَى الْعَيْنِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بِحَذْفِ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَّصِلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ مَكْتُوبِيَّتَهَا
وَقَالَ أَيْضًا إِنَّ الْمَشِيئَةَ تَتَعَلَّقُ بِالتِّلَاوَةِ لَا بِالسَّجْدَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّجْدَةِ
أَقُولُ تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ فِيهِ أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوُجُوبُ وَالْمُسْتَثْنَى هُوَ التَّطَوُّعُ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا مُتَّصِلًا وَلَيْسَ حَدُّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بَلْ تَفْصِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي قَطْرِ النَّدَى وَشَرْحِ الشَّيْخِ السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْأُلُوسِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ وَأَيْضًا يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ لَفْظُ الْبَابِ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا إلخ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ التِّلَاوَةُ فِي وَاقِعَةِ الْبَابِ
وَأَمَّا قَوْلُ إِنَّهُ تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَجِبُ فِي الْفَوْرِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَلَا نُكْتَةَ لِتَرْكِ السَّجْدَةِ الْآنَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ وَاقِعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى كَلَامُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمُسَمَّى بِالْعَرْفِ الشَّذِيِّ
قُلْتُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ السَّمَاعِ فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ
5 - (بَاب ما جاء في سجدة)
فِي ص [577] قَوْلُهُ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ(3/142)
قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ على ثبوت السجدة في ص (قال بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ) الْمُرَادُ بِالْعَزَائِمِ مَا وَرَدَتِ الْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ كَصِيغَةِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُوبِ
وقد روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم واقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن بن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أن يسجد فيها وهو قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ عَدَّ التِّرْمِذِيُّ الشَّافِعِيَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ السَّجْدَةُ فِيهَا لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ بَلْ سَجْدَةَ شُكْرٍ وَسُجُودُ الشَّاكِرِ لَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ صَلَاتَهُ فِيهَا سَجْدَةٌ تُفْعَلُ وَهُوَ أيضا مذهب سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ غَيْرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مِنَ الْعَزَائِمِ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ مِنَ الْعَزَائِمِ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَهُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ من العزائم وبه قال بن شُرَيْحٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا
وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَمْ يُرْوَ السُّجُودُ فِيهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ دَاوُدُ عن بن مَسْعُودٍ لَا سُجُودَ فِيهَا وَقَالَ هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ وَعَلْقَمَةَ
قَالَ واحتج الشافعي ومن معه بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ(3/143)
وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ فِي سُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا
وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي الْكُبْرَى فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَالْعَمَلُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أولى من العمل بقول بن عَبَّاسٍ وَكَوْنُهَا تَوْبَةً لَا يُنَافِي كَوْنَهَا عَزِيمَةً وَسَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْغُفْرَانِ وَالْوَعْدِ بِالزُّلْفَى وَحُسْنِ مَآبٍ وَلِهَذَا لَا يُسْجَدُ عِنْدَنَا عَقِيبَ قَوْلِهِ (وَأَنَابَ) بَلْ عَقِيبَ قَوْلِهِ (وَحُسْنَ مَآبٍ) وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَقِّنَا فَكَانَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَا كَانَ سَبَبُ وُجُوبِهَا إِلَّا التِّلَاوَةَ وَسَبَبُ وُجُوبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ تِلَاوَةُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِطْمَاعُنَا فِي نَيْلِ مِثْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْعَمَلِ بقول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْأَوْلَى بَلِ الْمُتَعَيَّنُ أَنْ يُسْجَدَ فِي ص اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَيُرَى أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السجود كما قال بن عباس رضي الله عنهما وقول بن عَبَّاسٍ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ص وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا
6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّجْدَةِ فِي الحج)
[578] قوله (أخبرنا بن لَهِيعَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ (عَنْ مِشْرَحٍ) كَمِنْبَرٍ (بْنِ هَاعَانَ) بِالْهَاءِ وَالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ثُمَّ أَلِفٌ وَنُونٌ كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَالَ في القاموس ومشرح كمنبر بن عاهانَ التَّابِعِيُّ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ لِوَالِدِ مِشْرَحٍ عَاهَانُ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْهَاءِ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ في الميزان مشرح بن هاعان الْمِصْرِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ صَدُوقٌ لَيَّنَهُ بن حبان وقال عثمان بن سعيد عن بن معين ثقة قال بن حِبَّانَ يُكْنَى أَبَا مُصْعَبٍ يَرْوِي عَنْ عُقْبَةَ مَنَاكِيرَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا فَالصَّوَابُ تَرْكُ مَا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أُولَاهُمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ(3/144)
عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا أَيِ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا يَقْرَأْهُمَا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَي آيَتَيِ السَّجْدَةِ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ السَّجْدَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ وُجُوبَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ السَّجْدَةَ شُرِعَتْ فِي حَقِّ التَّالِي بِتِلَاوَتِهِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا مِنْ حَقِّ التِّلَاوَةِ فَإِذَا كَانَ بِصَدَدِ التَّضْيِيعِ فَالْأَوْلَى بِهِ تَرْكُهَا لِأَنَّهَا إِمَّا وَاجِبَةٌ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَوْ سُنَّةٌ فَيَتَضَرَّرُ بِالتَّهَاوُنِ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الطِّيبِيُّ
قال بن الْهُمَامِ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْأَمْرِ بِالرُّكُوعِ وَالْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَوْنُهُ مِنْ أَوَامِرِ مَا هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ نَحْوُ (اسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ هَذَا ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَبِرِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ وَبِآثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا سَتَعْرِفُ فهو مقدم على الاستقراء الذي ذكره بن الهمام فالقول الراجح المعول عليه أن سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
قَالَ ميركُ يُرِيدُ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ لَهِيعَةَ وَمِشْرَحَ بْنَ هَاعَانَ وَفِيهِمَا كَلَامٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِمَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه وفيه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَأَكَّدَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ صَحَّتْ فيه من قول عمر وابنه وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّارٍ ثُمَّ سَاقَهَا مَوْقُوفَةً عَنْهُمْ وَأَكَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ مُرْسَلًا انْتَهَى
قُلْتُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ(3/145)
قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَرُوِيَ عن عمر بن الخطاب وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نافع مولى بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمَا سَجَدَا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وبن عباس وبن مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سجدتين (وبه يقول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عمر رضي الله عنه وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ قَالَ (وَرَأَى بَعْضُهُمْ فِيهَا سَجْدَةً) أَيْ وَاحِدَةً وَهِيَ السَّجْدَةُ الْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الموطأ وكان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى فِي الْحَجِّ إِلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً الْأُولَى انْتَهَى
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الاثار بعد رواية أثر بن عباس هذا فبقول بن عباس نأخذ انتهى
قلت روى بن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْمُحَلَّى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ سَجْدَتَيْنِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
7 - (بَابُ مَا جَاءَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ)
[579] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ وَقَالَ فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ زَادَ فِي التَّهْذِيبِ صَالِحٌ(3/146)
كتبنا عنه بمكة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ رُبَّمَا أَخْطَأَ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَدِيثِهِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ فِي خَبَرِهِ انْتَهَى
(أَخْبَرَنَا الحسن بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وَزَادَ فِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ جهالة ما روى عنه سوى بن خُنَيْسٍ (أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ) الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ ميركُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَسَجَدْتُ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاتِيَّةً وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَأَنَّ الْآيَةَ آيَةُ ص (اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي) أَيْ أَثْبِتْ لِي بِهَا أَيْ بِسَبَبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ (وَضَعْ) أَيْ حُطَّ (وِزْرًا) أَيْ ذَنْبًا (وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا) أَيْ كَنْزًا قِيلَ ذُخْرًا بِمَعْنَى أَجْرًا وَكُرِّرَ لِأَنَّ مَقَامَ الدُّعَاءِ يُنَاسِبُ الْإِطْنَابَ وَقِيلَ الْأَوَّلُ طَلَبُ كِتَابَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا طَلَبُ بَقَائِهِ سالما من محبط أو مبطل
قال القارىء هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ (كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ ص لِلتِّلَاوَةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَسُرَ عَلَيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ طَلَبَ قَبُولٍ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَبُولِ وَأَيْنَ ذَلِكَ اللِّسَانُ وَأَيْنَ تِلْكَ النِّيَّةُ
قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ الْقَبُولِ وَقَدْ وَرَدَ فِي دُعَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَتَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَأَيْنَ الْمَقَامُ مِنَ الْمَقَامِ مَا أُرِيدَ بِهَذَا إِلَّا مُطْلَقُ الْقَبُولِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِذَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَيْءٍ اتُّبِعَ وَلَا إِشْكَالَ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قَوْلُهُ (قَالَ لِي جَدُّكَ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ(3/147)
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رِوَايَةَ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالتَّلْخِيصِ
قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ اللَّهُمَّ احْطُطْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذخرا ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه رواه الترمذي والحاكم وبن حبان وبن مَاجَهْ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ فَقَالَ فِيهِ جَهَالَةٌ انْتَهَى
[580] قَوْلُهُ (يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ) حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ (سَجَدَ وَجْهِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا (لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَيْ فَتَحَهُمَا وَأَعْطَاهُمَا الْإِدْرَاكَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْإِمْدَادَ بعد الايجاد
قال القارىء في المرقاة قال بن الْهُمَامِ وَيَقُولُ فِي السَّجْدَةِ مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَقَالَ (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ ربنا لمفعولا) قال القارىء وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صُحِّحَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ ما شاء مما ورد لسجد وَجْهِي وَكَقَوْلِ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي إلخ قَالَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أثر من ذلك انتهى كلام القارىء
قُلْتُ إِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يقول فيهما أَيْضًا مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ إلخ لَا مَانِعَ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ فِيهَا
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/148)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه بن السَّكَنِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ ثَلَاثًا زَادَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَوَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ خَلَقَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ والنيل
فائدة قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي يُشْتَرَطُ لِلسُّجُودِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ مِنَ الطَّهَارَتَيْنِ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَائِضِ تسمع السجدة تومىء بِرَأْسِهَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ سَمِعَ السَّجْدَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ السُّجُودُ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَذَاتِ الرُّكُوعِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدِلَّةُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَرَدَتْ لِلصَّلَاةِ وَالسَّجْدَةُ لَا تُسَمَّى صَلَاةً فَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَا مُلَخَّصُهُ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَا يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضأ وَهَكَذَا لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ
وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقِيلَ إِنَّهُ مُعْتَبَرٌ اتفاقا قال في الفتح لم يوافق بن عُمَرَ أَحَدٌ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وَضُوءٍ إلا الشعبي أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنُ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَضُوءٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَمْشِي يُومِئُ إيماءا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
قُلْتُ الِاحْتِيَاطُ لِلْعَمَلِ فِيمَا قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَعَلَيْهِ عَمَلُنَا
هَذَا مَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/149)
18 - (باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من اللَّيْلِ فَقَضَاهُ بِالنَّهَارِ)
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحِزْبُ مَا يَجْعَلُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قراءة أو صلاة كالورد انتهى
[581] قوله (عن يونس) هو بن يَزِيدَ (أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ أخبراه) الضمير المنصوب يرجع إلى بن شهاب وعبيد الله هذا هو بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ عبد الرحمن بن عبد القارىء) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبد بغير إضافة إلى القارىء يقال له روية وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ فِيهِ قَالَ تَارَةً لَهُ صُحْبَةٌ وَتَارَةً تَابِعِيٌّ وَالْقَارِّيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَّةِ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ بِجَوْدَةِ الرَّمْيِ
قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَنْ وِرْدِهِ يَعْنِي عَنْ تَمَامِهِ وفي رواية بن مَاجَهْ عَنْ جُزْئِهِ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَبِالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ قَالَ جُزْئِهِ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى (أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ حِزْبِهِ يَعْنِي عَنْ بَعْضِ وِرْدِهِ (كُتِبَ لَهُ) جَوَابُ الشَّرْطِ (كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيِ أُثْبِتَ أَجْرُهُ فِي صَحِيفَةِ عَمَلِهِ إِثْبَاتًا مِثْلَ إِثْبَاتِهِ حِينَ قَرَأَهُ مِنَ الليل
قاله القارىء
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً قوله(3/150)
(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ
قَوْلُهُ (وَأَبُو صَفْوَانَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ إلخ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَبُو صَفْوَانَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ (رَوَى عَنْهُ الْحُمَيْدِيُّ وَكِبَارُ النَّاسِ) كَأَحْمَدَ وبن المديني
9 - باب ما جاء من التَّشْدِيدِ فِي الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ [582] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) الْجُمَحِيِّ مَوْلَاهُمْ (وهو أبو الحرث الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ) ثَبْتٌ رُبَّمَا أَرْسَلَ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ (أَمَا يَخْشَى) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ (الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ مِنَ السُّجُودِ أَوِ الرُّكُوعِ (أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْوَعِيدِ فَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُرَجِّحُ لِهَذَا الْمَجَازِ أَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَا بُدَّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُتَعَرِّضًا لِذَلِكَ وَكَوْنِ فِعْلِهِ مُمْكِنًا لِأَنْ يَقَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلشَّيْءِ وقوع ذلك الشيء
قال بن دقيق العيد وقال بن بَزِيزَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا
وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ بَلْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْخَسْفِ وَفِي آخِرِهِ يَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يوم القيامة(3/151)
وَيُقَوِّي حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ فهذا يبعد المجاز لانتقاء الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ
ومِمَّا يُبْعِدُهُ أَيْضًا إِيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ وَلَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ بِالْحِمَارِ لِأَجْلِ الْبَلَادَةِ لَقَالَ مَثَلًا فَرَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ
وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْبَلَادَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ يُخْشَى إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ بَلِيدًا مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْبَلَادَةِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ مَعَ مَا فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ
وَيُؤَيِّدُ حَمْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ رَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ لِأَخْذِ الْحَدِيثِ عَنْ شَيْخٍ مَشْهُورٍ بها فقرأ جملة لكنه كان يجعل بيني وَبَيْنَهُ حِجَابًا وَلَمْ يَرَ وَجْهَهُ فَلَمَّا طَالَتْ مُلَازَمَتُهُ لَهُ وَرَأَى حِرْصَهُ عَلَى الْحَدِيثِ كَشَفَ لَهُ السِّتْرَ فَرَأَى وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ فَقَالَ لَهُ احْذَرْ يَا بُنَيَّ أَنْ تَسْبِقَ الْإِمَامَ فَإِنِّي لَمَّا مَرَّ بِي الْحَدِيثُ اسْتَبْعَدْتُ وُقُوعَهُ فَسَبَقْتُ الْإِمَامَ فَصَارَ وَجْهِي كَمَا تَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ إِنَّمَا قَالَ أَمَا يَخْشَى) فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ قَالَ إِنَّا نُشَاهِدُ مِنَ النَّاسِ الرَّفْعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا يُحَوَّلُ رَأْسُهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إِنَّ قَوْلَهُ أَمَا يَخْشَى وَرَدَ ألْبَتَّةَ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِمَّا التَّهْدِيدُ أَوْ يَكُونُ فِي الْبَرْزَخِ أَوْ فِي النَّارِ انْتَهَى مَا فِي الْحَاشِيَةِ
قُلْتُ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ أَلَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَوَقَعَ الشَّكُّ لِشُعْبَةَ فِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ عَنْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَكَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى فَأَجَابَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالَ أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَا يَخْشَى
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ(3/152)
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ
0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس)
بعد ذلك [583] قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ عُمَرَ وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ) فِي رِوَايَةٍ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ أَيِ الْمَذْكُورَةَ
وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرٍو ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيِّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ أَصْحَابِنَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ مَرَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ (قَالُوا إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ كَانَ صَلَّاهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ جَائِزَةٌ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ(3/153)
النَّفْلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَدْ صَرَّحَ بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فانتفت تهمة تدليسه فقول بن الْجَوْزِيِّ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُودٌ وَتَعْلِيلُ الطَّحَاوِيِّ له بأن بن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عَمْرٍو أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ بن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَ بِقَادِحٍ في صحته لأن بن جريج اسن وأجل من بن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَمُ أَخْذًا عَنْ عَمْرٍو مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَانِعَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا
وَأَمَّا رَدُّ الطَّحَاوِيِّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ
فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ
وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ كُلَّهُمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عَقَبِيًّا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا
قَالَهُ بن حَزْمٍ قَالَ وَلَا يُحْفَظُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عمر وبن عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمُ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ رَوَى أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّيَ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ أَيْ وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي
قُلْتُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَلَامٌ قال الشوكاني في النيل قد أعلها بن حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَدْرَكَ الَّذِي شَكَا إِلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الشَّاكِيَ مَاتَ قَبْلَ أُحُدٍ انْتَهَى(3/154)
ثُمَّ فِي صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ كَلَامٌ أَيْضًا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا دَعْوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّ مَعِي فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ بَلِ التَّقْدِيرُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ فَتُصَلِّيَ مَعِي وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ)
قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ فَائْتَمَّ بِهِ قَالَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وَلَمْ أَرَ فِي جَوَازِهَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا
وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قِصَّةِ مُعَاذٍ فَقِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَفَتْوَى أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذِهِ فِيمَا إِذَا يَحْسَبُ الدَّاخِلُ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَأَمَّا إِذْا يَعْلَمُ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ قَدِ ائْتَمَّ بِهِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِجَائِزَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ
قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَا يُصَلِّي إِلَّا الْعَصْرَ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وفيه بن لَهِيعَةَ وَفِيهِ كَلَامٌ انْتَهَى كَلَامُ الْهَيْثَمِيِّ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِذَا ائْتَمَّ قَوْمٌ بِإِمَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهَا الظُّهْرُ فَصَلَّى بِهِمْ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ إِذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمُقْتَدِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَى إِمَامِهِمْ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ(3/155)