9450 - (نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له) المستأجر (أجره) بأن يقول له اعمل وأنا أراضيك أو أعطيك ما يطيب خاطرك ولم يذكر قدرا معلوما فلا يصح
(حم عن أبي سعيد) الخدري رمز لحسنه ورواه أبو داود في مراسيله والنسائي موقوفا وقال أبو زرعة: الموقوف هو الصحيح قال ابن حجر: وإبراهيم النخعي لم يدرك أبا سعيد أي فهو منقطع وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب(6/327)
9451 - (نهى عن أكل الثوم) بضم المثلثة لنتن ريحه فالنهي للتنزيه قال ابن حجر: هذا النهي كان يوم خيبر وهو محمول على مريد حضور المسجد
(خ عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه الترمذي عن علي وزاد إلا مطبوخا(6/327)
9452 - (نهى عن أكل البصل) أي النيء كما بينه البخاري وجاء عن ابن عمر أنه كان يأكله مطبوخا وظاهر الأخبار أن أكله غير حرام على الإطلاق بل في خبر أبي داود عن عائشة أن آخر طعام أكله النبي صلى الله عليه وسلم فيه البصل زاد البيهقي كان مستويا في قدر وأبو داود يعني غير النضيج
(طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه(6/327)
9453 - (نهى عن أكل البصل والكراث) بضم الكاف وشد الراء آخره مثلثة (والثوم) أي النيء سواء كان أكله من الجوع أو غيره كما في البخاري كالأكل للتشهي والتأدم بالخبز
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي سعيد) الخدري رمز لصحته(6/327)
9454 - (نهى عن أكل) لحم (الهرة) فيحرم عند الشافعية لأن لها نابا تعدو به وقال المالكية: يكره أكلها (وعن أكل ثمنها) أخذ بقضيته جمع فحرموا بيعها وحمله الجمهور على هرة لا ينتفع بها لنحو صيد فالشافعي يجوز بيعه وأكل ثمنه
(ت هـ ك) في البيع من حديث عبد الرزاق عن عمر بن زيد الصنعاني عن ابن الزبير (عن جابر) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عمر واه ورواه عنه النسائي أيضا وقال الترمذي: حسن غريب اه وقال جمع: ليس كما قال فقد قال النسائي: حديث منكر وقال غيره: فيه عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان: تفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج وقال ابن عبد البر: حديث بيع السنور لا يثبت رفعه(6/327)
9455 - (نهى عن ثمن الكلب وثمن الخنزير وثمن الخمر وعن مهر البغي) أي ما تأخذه على زناها سماه مهرا مجازا (وعن [ص:328] عسب الفحل) أي عن ثمن عسبه قال القاضي: العسب الكراء المأخوذ على النزو يقال عسبت الرجل عسبا إذا أعطيته الكراء على ذلك والموجب للنهي ما فيه من الغرر لأن مقصود المكتري منه هو الإلقاح والفحل قد يضرب وقد لا وقد يلقح الأنثى وقد لا
(طس عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي بعد ما عزاه للأوسط: وفيه ضرار بن صرد أبو نعيم وهو ضعيف جدا اه وعزاه في محل آخر للكبير وقال: رجاله رجال الصحيح(6/327)
9456 - (نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) أي ما يأخذه على كهانته عن إخباره عن الكائنة المستقبلة بزعمه وهو بضم الحاء وسكون اللام من حلوت الرجل حبوته بشيء أعطيته إياه أو من الحلاوة شبه ما يعطى الكاهن بشيء حلو لأخذه إياه سهلا بلا كلفة يقال حلوته أطعمته الحلو والنهي يشمل الآخذ والمعطي وفي الأحكام السلطانية ينهى المحتسب من يتكسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطي
(ق 4) في البيوع (عن أبي مسعود) الأنصاري(6/328)
9457 - (نهى عن جلد الحد في المسجد) فيكره تنزيها وقيل تحريما احتراما للمسجد
(هـ عن ابن عمرو) بن العاص(6/328)
9458 - (نهى عن جلود السباع) أن تفرش كما صرح به في رواية الترمذي يعني ويجلس عليها والنهي للسرف والخيلاء أو لأن افتراشها دأب الجبابرة وسجية المترفين أو لنجاسة ما عليها من الشعر والشعر ينجس بالموت ولا يطهر بالدباغ عند الشافعية وخبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن ومن ثم حرم على الذكر لبس الحرير والذهب لما يكسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من نساء وأهل الفخر والخيلاء وفيه أنه يحرم الجلوس على جلد كسبع ونمر وفهد أي به شعر وإن جعل على الأرض على الأوجه لكونه من شأن المتكبرين كما تقرر
(ك عن والد أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام وآخره حاء مهملة عامر بن أسامة وظاهر عدول المصنف للحاكم واقتصاره عليه أنه لم يخرج في شيء من دواوين الإسلام الستة وهو ذهول فقد خرجه عنه أيضا أبو داود في اللباس والنسائي في الذبائح والترمذي وزاد أن تفرش كما تقرر وليست هي في رواية غيره ورواه الترمذي أيضا مرسلا وقال: المرسل أصح قال المناوي: فتلخص أن إرسال هذا الحديث أصح من إسناده(6/328)
9459 - (نهى عن حلق القفا) وحده لأنه نوع من القزع وهو مكروه تنزيها (إلا عند الحجامة) فإنه لا يكره لضرورة توقف الحجم أو كماله عليه (ونهى عن خاتم الذهب) أي للرجال فيحرم بإجماع من يعتد به
(م عن أبي هريرة)(6/328)
9460 - (نهى عن خاتم الذهب) أي لبسه واتخاذه للرجال بدليل خبر هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم (وعن خاتم الحديد) لأنه حلية أهل النار أي زي الكفار وهم أهل النار أو لنهوكة ريحه والنهي عن خاتم الذهب للتحريم وعن الحديد للتنزيه عند الجمهور وذهب شرذمة في أن النهي أيضا في الذهب للتنزيه وقضيته إثبات خلاف في التحريم وهو يناقض القول بالإجماع على التحريم للرجل ولا بد من اعتبار وصف كونه خاتما قال ابن حجر: والتوفيق أن يقال إن القائل بالتنزيه انقرض واستقر الإجماع بعده على التحريم وهذا الحديث قد عورض بالحديث المار التمس ولو خاتما من حديد وأجيب بأنه لا يلزم من جواز الالتماس والاتخاذ جواز اللبس فيحتمل أنه أراد تحصيله لتنتفع بقيمته المرأة على أن بعضهم حمل النهي على الحديد الصرف لما خرجه ابن سعد وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان [ص:329] خاتمه من حديد ملوي عليه فضة قال النقاشي في كتاب الأحجار: خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوى عليه فضة فهذا يؤيد المغايرة في الحكم
(هب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن ابن عمرو المزبور وقال الهيثمي: ورجاله ثقات وروى النهى عن الذهب وحده مسلم وفيه أيضا أنه رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك فانتفع به قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/328)
9462 - (نهى عن خصى الخيل والبهائم) عطف عام على خاص والنهي للتحريم إلا في صغير المأكول فيجوز قال ابن الوردي: ولأجل طيب اللحم يخصي جائز الأكل صغيرا
(حم عن ابن عمر) بن الخطاب(6/329)
9463 - (نهى عن ذبائح الجن) قال الزمخشري: كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو استخرجوا عينا ذبحوا ذبيحة خوفا أن تصيبهم الجن فأضيفت الذبائح إليهم لذلك
(هق) من طريق عمر بن هارون عن يونس (عن) ابن شهاب (الزهري مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال وليس كذلك فقد قال الحافظ ابن حجر: هو من رواية عمر بن هارون وهو ضعيف مع انقطاعه وقد أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: عمر بن هارون البلخي هذا تركوه وكذبه ابن معين اه ورواه ابن حبان في الضعفاء من وجه آخر موصولا عن الزهري عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الله بن أذينة عن ثور ولا يجوز الاحتجاج به اه وقال ابن حبان: عبد الله يروي عن ثور ما ليس من حديثه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع(6/329)
9464 - (نهى عن ذبيحة المجوسي) ونحوه ممن لا كتاب له كوثني ومرتد (وصيد كلبه وطائره) والنهي للتحريم لمفهوم {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}
(قط عن جابر) بن عبد الله قال الذهبي في التنقيح: في إسناده من لا يحتج به(6/329)
9465 - (نهى عن ذبيحة نصارى العرب) دخل في ذلك الدين بعد نسخه وتحريفه أو بعد تحريفه ولم يجتنب المبدل هذا مذهب الشافعي وجوزها الحنفية
(حل) من حديث محمد بن فيروز عن بقية عن إبراهيم بن أدهم عن أبيه أدهم عن ابن جبير (عن ابن عباس) قال الذهبي: لم يصح اه. وخرجه البيهقي في سننه عن ابن عباس أيضا باللفظ المزبور وقال: سنده ضعيف(6/329)
9466 - (نهى عن ركوب النمور) أي الركوب على ظهورها كما تركب الخيل ونحوها أو الركوب على جلودها لما مر أن استعمالها يكسب القلب هيئة مشابهة لتلك الحيوانات
(هـ عن أبي ريحانة) واسمه شمعون(6/329)
9467 - (نهى عن سب الأموات) لما فيه من المفاسد التي منها يؤذي الأحياء ومحله في غير كافر ومتظاهر بفسق أو بدعة فلا يحرم سب هؤلاء ولا ذكرهم بشر بقصد التحذير من طريقتهم والاقتداء بآثارهم كما يدل عليه عدة أحاديث مرت
(ك عن زيد بن أرقم) ورواه أحمد من حديث زياد بن علاقة(6/329)
[ص:330] 9468 - (نهى عن بيع الثمر حتى يطيب) يفسره رواية نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها
(حم ق عن جابر) بن عبد الله(6/330)
9469 - (نهى عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) تصريح بتحريم بيع تمر بتمر حتى تعلم المماثلة لأن الجهل بالمماثلة هنا كحقيقة المفاضلة
(حم م ت) في الربا (عن جابر) بن عبد الله ووهم الطبري فعزاه للبخاري وليس فيه ووهم أيضا الحاكم حيث استدركه(6/330)
9470 - (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) بالهمز أي النسيئة بالنسيئة بأن يشتري شيئا إلى أجل فإذا حل وفقد ما يقتضي به يقول بعينه لأجل آخر بزيادة فيبيعه بلا تقابض يقال كلأ الدين كلوءا فهو كالئ إذا تأخر ومنه بلغ الله بك أكلأ العمر أي أطوله وأشده تأخرا قال ابن الأعرابي:
تعففت عنها في العصور التي خلت. . . فكيف التصابي بعد ما أكلأ العمر
ذكره الزمخشري
(ك هق) في البيع (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه الحاكم من طريق عبد العزيز الدراوردي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمرو قال: على شرط مسلم قال ابن حجر: ووهم فإن راويه موسى بن عبيدة الزيدي لا موسى بن عقبة وقال أحمد: ليس في هذا حديث يصح لكن الإجماع على أنه لا يجوز بيع دين بدين وقال الشافعي: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث(6/330)
9471 - (نهى عن بيع حبل الحبلة) بفتح الباء فيهما قال ابن حجر: وغلط من سكنها قال القاضي: وقرنه بأل إشعارا بمعنى الأنوثة إذا المراد ببيع ما في البطون وأدخلت فيه الهاء للمبالغة اه وذهب ابن كيسان إلى أن المراد به بيع العنب قبل أن يطيب والحبلة بالتحريك الكرمة من الحبل لأنها تحبل بالعنب كما جاء في حديث آخر نهى عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه قال السهيلي: وهو غريب لم يسبقه إليه أحد في تأويل الحديث وقيل دخلت التاء للجماعة وقيل للمبالغة وهذا كله ينعكس عليهم بأنه لم تدخل إلا في أحد اللفظين دون الآخر وإنما النكتة فيه أن الحبل ما دام حبلا لا يدرى أذكر أم أنثى فيعبر عنه بالمصدر من حبلت المرأة حبلا إذا حملت فإذا ولد الحبل وعلم أذكر أم أنثى لم يسم حبلا فإذا كانت أنثى وبلغت حد الحمل فحبلت فذلك الحبل هو المنهي عنه من بيعه والأول علمت أنوثته بعد الولادة فعبر عنه الحبلة وصار المعنى نهى عن بيع حبل الجنينة التي كانت حبلا لا يعرف ما هي ثم عرف بعد الوضع وكذا في الآدميين فإذن لا يقال لها حبلة إلا بعد المعرفة بأنها أنثى وعند ذكر الحبل الثاني لأن الأنثى قبل أن تحبل تسمى حائلا فإذا حبلت وذكر حبلها وازدوج ذكره مع الحالة الأولى التي كانت فيها حبلى فرق بين اللفظين بتاء التأنيث قال وهذا كلام فصيح بليغ لا يقدر قدره في البلاغة
(حم ق 4) في البيع (عن ابن عمر) بن الخطاب واللفظ للبخاري(6/330)
9472 - (نهى عن بيع الثمر) بتثليث المثلثة وفتح الميم (بالتمر) بالمثناة وسكون الميم أي بيع الرطب بالتمر زاد في رواية ورخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها قال النووي: فيحرم بيع رطب بتمر وهو المزابنة من الزبن وهو الدفع والتخاصم كأن كلا من المتبايعين بالوقوع في الغبن يدفع الآخر عن حقه وحاصلها عند الشافعي بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يحرم الربا في نقده وخالفه مالك في القيد الأخير فقال سواء كان ربويا أم غيره أما العرايا وهي بيع رطب على النخل [ص:331] بتمر على الأرض فأجازه الشافعي فيما دون خمسة أوسق على العموم ومالك على الخصوص من المهري دون غيره
(ق د عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة الأنصاري صحابي صغير ورواه عنه أيضا الشافعي وأحمد وغيرهما(6/330)
9473 - (نهى عن بيع الولاء) أي ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه كانت العرب تبيعه فنهوا عنه (وعن هبته) لأنه حق كالنسب فكما لا يجوز نقل النسب لا يجوز نقله إلى غير المعتق والنهي للتحريم فيبطلان لما ذكر
(حم ق 4) في البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب(6/331)
9474 - (نهى عن بيع الحصاة) بأن يقول البائع للمشتري في العقد إذا نبذت إليك الحصاة فقد أوجب البيع والخلل فيه إثبات الخيار وشرطه إلى أجل مجهول أو بأن يرمي حصاة في قطيع غنم فأي شاة أصابتها فهي المبيعة والخلل فيه جهالة المعقود عليه أو أنه يجعل الرمي بيعا والخلل في نفس العقد (وعن بيع الغرر) وهو ما خفي عليك أمره من الغرور وبيع الغرر كل بيع كان المعقود عليه فيه مجهولا أو معجوز عنه وقيل هو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفها أو ما انطوت عنا عاقبته وذا يشمل جميع البيوع الباطلة وإنما نص عليها ولم يكتف به لأنها من بيوع الجاهلية
(حم م عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان ورواه البيهقي عن ابن عمر(6/331)
9475 - (نهى عن بيع النخل) أي ثمره (حتى يزهو) أي يتموه ويحمر أو يصفر لما حذف المضاف أسند الفعل إلى المضاف إليه فأنث وحتى غاية النهي المخصوص ذكره الطيبي وقال الزمخشري: يقال زهى الثمر وأزهى إذا احمر واصفر وأبى الأصمعي الإزهاء ولم يعرف أزهى وفي كتاب العين يزهو خطأ إنما هو يزهى اه. (وعن السنبل) أي بيعه (حتى يبيض) أي يشتد حبه (ويأمن العاهة) أي الآفة التي تصيب الزرع قال الحرالي: السنبل مجتمع الحب في أكمامه لأنه أية استحقاق اجتماع أهل ذلك الرزق في تعاونهم في أمرهم وفسر ابن راهويه أمن العاهة بطلوع الثريا قيل: وفيه نظر لأن طلوعها وإن كانت في وقت واحد من العام لكن البلاد مختلف حكم نضج ثمارها بسبب الحر والبرد وإنما اكتفى به في الثمار بأول الطيب ولم يجز في الزرع حتى يتم طيبه لأن الثمر يؤكل غالبا أول الطيب والزرع لا يؤكل غالبا إلا بعده ذكره الأبي
(م د ت) في البيوع المنهية (عن ابن عمر) بن الخطاب(6/331)
9476 - (نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة) وفسره في رواية مسلم بظهور الصلاح وذلك مناسب فإن الصلاح ضد الفساد والعاهة نوع من الفساد فإذا هبت عاهة الثمر وأمن فساده لم يعرض له ما يمنعه من النضج
(طب عن زيد بن ثابت) شهد بدرا وقيل أحدا قتل باليمامة ورواه إمام الأئمة الشافعي عن ابن عمر بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة والدارقطني في العلل عن عائشة(6/331)
9477 - (نهى عن بيع الثمر بالتمر) الأول بالمثلثة والثاني بالمثناة أي الرطب بالتمر (كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا [ص:332] وعن بيع الزرع بالحنطة كيلا)
(د عن ابن عمر) بن الخطاب(6/331)
9478 - (نهى عن بيع المضطر) إلى العقد بنحو إكراه عليه بغير حق فإنه باطل أو إلى البيع لنحو دين لزمه أو مؤونة ترهقه فيبيع بالوكس للضرورة فينبغي أن يعان ويمهل أو يقرض إلى ميسرة أو يشتري منه بالقيمة فإن عقد مع الضرورة صح فالنهي في الصورة الأولى للتحريم وفي الثانية للتنزيه (وبيع الغرر) بفتح الغين المعجمة كبيع آبق أو معدوم أو مجهول أو غير مقدور على تسليمه فكلها باطلة إلا ما دعت إليه حاجة كأس دار وحشو جبة ونحو ذلك (وبيع الثمرة قبل أن تدرك) وفي رواية قبل أن تطعم أي تصلح للأكل
(حم د) من حديث صالح بن عامر عن شيخ من بني تميم (عن علي) قال: خطبنا علي فذكره قال عبد الحق: حديث ضعيف وقال ابن القطان: صالح بن عامر لا يعرف والتميمي لا يعرف وفي الميزان: صالح بن عامر نكرة بل لا وجود له ذكر في حديث لعلي مرفوعا أنه نهى عن بيع المضطر والحديث منقطع اه(6/332)
9479 - (نهى عن بيع العربان) بضم العين المهملة بضبط المصنف أي بيع يكون فيه العربان ويقال العربون بأن يدفع للبائع شيئا فإن رضى البيع فمن الثمن وإلا فهبة فيبطل عند الأكثر للشرط والتردد والغرر قال الزمخشري: يقال أعرب في كذا وعرب وعربن كأنه سمى به لأن فيه إعرابا لفقد البيع أي إصلاحا وإزالة فساد وإمساكا له لئلا يملكه آخر اه
(حم د هـ) من حديث مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب (عن) أبيه عن جده (ابن عمرو) بن العاص قال الصدر المناوي في كلامه على حديث أبي داود: هذا منقطع وقال ابن حجر في كلامه على حديث ابن ماجه: حديث ضعيف(6/332)
9480 - (نهى عن سلف وبيع) كأن يقول بعتك ذا بألف على أن تقرضني ألفا لأنه إنما يقرضه ليحابيه في الثمن فيدخل في الجهالة (وشرطين في بيع) كبعتك نقدا بدينار ونسيئة بدينارين (وبيع ما ليس عندك) قال الخطابي: يريد العين لا الصفة (وربح ما لم يضمن) بأن يبيعه لو اشتراه ولم يقبضه
(طب عن حكيم بن حرام) رمز المصنف لحسنه(6/332)
9481 - (نهى عن شريطة الشيطان) قال الزمخشري: هي الشاة التي شرطت أي أثر في حلقتها أثر يسير كشرط الحجام من غير قطع الأوداج وتترك حتى تموت وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك وأضافها إلى الشيطان لأنه الحامل على ذلك اه وهذا التفسير صرح به ابن عباس راوي الخبر كما في علل الترمذي وقال الترمذي: إنما يسمى ذلك شريطة لأنه من أفعال الجاهلية المؤدي إلى إزهاق الروح من غير حل
(د عن ابن عباس وأبي هريرة) وفيه عمرو بن عبد الله قال ابن القطان: هو عمرو بن برق لم تثبت عدالته بل ربما توهمت جرحه وذكر ابن عدي أن أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات(6/332)
9482 - (نهى عن صبر الروح) هو كما في النهاية الخصي والخصي صبر شديد (وخصاء البهائم) بالمد فعيل بمعنى مفعول
(هق عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور وزاد في آخره نهيا شديدا قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(6/332)
9483 - (نهى عن صوم ستة أيام من السنة ثلاثة أيام التشريق ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة مختصة من الأيام) [ص:333] فيحرم صوم التشريق بالعيدين ولا ينعقد ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم واختلف في علة النهي فقال المظهر: ترك موافقة اليهود في يوم من الأسبوع حين عظموا السبت فلا نعظم الجمعة بصيام وقيام ورده الطيبي بأنه لو كانت العلة مخالفتهم كان الصوم أولى لأنهم يستريحون فيه ويتنعمون بالأكل والشرب بل العلة ورود النص وتخصيص كل يوم بعبادة ليس ليوم آخر فإنه تعالى استأثر الجمعة بفضائل لم يستأثر بها غيرها فجعل الاجتماع فيه للصلاة فرضا فلم ير أن يخصه بشيء من الأعمال سوى ما خصه به ثم خص بعض الأيام بعمل دون ما خص به غيره ليخص كلا منها بعمل ليظهر فضيلة كل بما يختص به
<تنبيه> قسم الشارع الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام قسم شرع تخصيصه بالصيام إما إيجابا كرمضان أو استحبابا كعرفة وعاشوراء وقسم نهى عن صومه مطلقا كالعيدين وقسم إنما في عن تخصيصه كيوم الجمعة وبعد النصف من شعبان فهذا النوع لو صيم مع غيره لم يكره فإن خص بالفعل نهى عنه سواء قصد الصائم التخصيص أم لا اعتقد الرجحان أم لا
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا أبو يعلى قال البيهقي: وهو ضعيف من طرقه كلها وتبعه ابن حجر فقال: سنده ضعيف(6/332)
9484 - (نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) لأن يوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة فيكره صومه لذلك وليقوى على الاجتهاد في الدعاء وفي السنن خبر يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام قال ابن تيمية: وإنما يكون يوم عرفة عيدا لأهل عرفة لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار فإنما يجتمعون يوم النحر فكان هو يوم عيدهم
(حم د هـ ك) من حديث مهدي بن حرب الهجري عن عكرمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط البخاري وردوه بأنه وهم إذ مهدي ليس من رجاله بل قال ابن معين: مجهول وقال العقيلي: لا يتابع عليه لضعفه وقال ابن القيم: علة هذا الحديث مهدي مجهول وروي بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة بها ولم يصح عنه قال ابن حجر: قلت صححه ابن خزيمة ووثق مهديا(6/333)
9485 - (نهى عن صوم يوم الفطر والنحر) والأضحى قال الطيبي: عدل عن قوله نهى عن صوم العيدين إلى الفطر والنحر إشعارا بأن علة الحرمة هي الوصف بكونه يوم فطر ويوم نحر والصوم ينافيهما فيحرم صومهما ولا ينعقد نذره ولا يجب قضاؤهما عند الشافعية وأوجبته الحنفية وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وعن الصماء وأن يحتبى الرجل في ثوب واحد وعن صلاة بعد الصبح والعصر هذا نص البخاري
(ق) في الصوم (عن عمر) بن الخطاب (وعن أبي سعيد) الخدري ورواه عن الثاني أبو داود والترمذي واللفظ للبخاري(6/333)
9486 - (نهى عن صيام يوم قبل رمضان) ليتقوى بالفظر له فيدخله بقوة ونشاط أو لأن الحكم علق بالرؤية فتقدمه بيوم أو بيومين محاولة للطعن في ذلك الحكم أو لغير ذلك (والأضحى والفطر وأيام التشريق) فلا يصح صومهما وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وجوزه أحمد ومالك وجمع لمتمتع فقد الهدي
(هق عن أبي هريرة) ورواه الطبراني بلفظ نهى عن صيام ثلاثة أيام يوم التروية ويوم الأضحى والفطر(6/333)
9487 - (نهى عن صيام رجب كله) أخذ به الحنابلة فقالوا: يكره إفراده بالصوم قال في الإنصاف: وهو من مفردات المذهب [ص:334] وهل الإفراد المكروه أن يصومه كله ولا يقرن به شهرا آخر؟ وجهان عندهم واحتج من كرهه بأن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له كما أشعر به لفظ الرسول في عدة أخبار فإن نفس الفعل المنهي عنه والمأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر والنهي فالفساد ناشئ من جهة الاختصاص فإذا كان يوم الجمعة أو رجب يوما أو شهرا فاضلا يسن فيه الصلاة والدعاء والذكر والقراءة ما لا يسن في غيره كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره فنهى عن تخصيصه دفعا لهذه المفسدة اه. أما صوم بعضه فلا يكره اتفاقا قال المؤلف: ويسن فطر بعضه خروجا من الخلاف
(د طب هب عن ابن عباس) قال الذهبي كابن الجوزي: حديث لا يصح تفرد به داود بن عطاء وقد ضعفوه. وقال البخاري وغيره: متروك اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه(6/333)
9488 - (نهى عن صيام يوم الجمعة) أي إفراده بالصوم فيكره تنزيها لأنه عيد والعيد لا يصام أو لئلا يضعف عن وظائف العبادة التي فيه أو خوف اعتقاد وجوبه أو المبالغة في تعظيمه فيعتني به ولا يعارضه خبر الترمذي عن ابن مسعود قلما كان يفطر يوم الجمعة لأنه كان لا يقصد إفراده لوقوعه خلال الأيام التي كان يصومها
(حم ق هـ عن جابر) ابن عبد الله(6/334)
9489 - (نهى عن صيام يوم السبت) أي إفراده بالصوم فيكره تنزيها لأن اليهود تعظمه واتخذته عيدا فلو اتخذه المؤمن للصوم لكان الاتخاذ يشبه الاتخاذ في الجملة وإن كان العمل متباينا فالمجانبة أسلم وفي أيام الأسبوع سعة ولهذا لما أتى علي كرم الله وجهه بفالوذج بالعراق قال: ما هذا قال: يوم عيد النوروز قال: نوروزنا كل يوم ولا يعارضه خبر جويرية أنه دخل عليها يوم السبت وهي صائمة فقال: أصمت أمس قالت: لا قال: فأفطري لأن النهي إنما هو عن إفراده فلو لم تفرده لم يمنعها عن صومه قال القاضي: ويستثنى ما إذا وافق سنة مؤكدة كأن كان السبت يوم عرفة أو عاشوراء اه وأفاد ابن حجر في الفتح أن أبا داود صرح بأن النهي عن صيام السبت منسوخ بحديث أم سلمة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد أخرجه أحمد والنسائي
(ق والضياء) المقدسي (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (المازني) بكسر الزاي والنون نسبة إلى مازن بن عمر وهي قبيلة منها الأعشى وجمع كثيرون ورواه أبو داود بلفظ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما فرض عليكم(6/334)
9490 - (نهى عن ضرب الدف) حديث ضعيف يرده خبر صحيح فصل بين الحلال والحرام الضرب بالدف وقال لمن قال نذرت إن ردك الله سالما أضرب بين يديك بالدف أوف بنذرك رواهما ابن حبان وغيره (ولعب الصنج) العربي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر أو العجمي وهو ذو الأوتار وكل منهما حرام و (ضرب الزمارة) أي المزمار العراقي أو اليراع وهو الشبابة وكلاهما حرام
<تنبيه> سئل جدي شيخ الإسلام قاضي القضاة محيي الدين يحيى المناوي رحمه الله تعالى عن جماعة يجتمعون يضربون بالدفوف المشتملة على الصراصير النحاس والمزامير وآلات الطرب فما يجب عليهم إذا اعتقدوا حله أو تحريمه وما يجب على من حضرهم وهو يعتقد التحريم ولم ينكره وهل لكل مسلم الإنكار عليهم والتعرض لمنعهم وهل يثاب ولي الأمر على منعهم؟ فأجاب بما نصه أما الأوتار فإنهم يمنعون منها ويأثم الفاعل والحاضر والقادر على الإنكار ولم ينكر ويثاب ولي الأمر على منعهم
(خط) في ترجمة نصر المعدل (عن علي) أمير المؤمنين وفيه إسماعيل بن عياش وقد مر ضعفه وعبد الله بن ميمون القداح قال أبو حاتم: متروك ومطر بن أبي سالم مجهول(6/334)
[ص:335] 9491 - (نهى عن طعام المتباريين) أي المتعارضين بالضيافة فخرا ورياء والمباراة المفاخرة (أن يؤكل) أي الفاعل كل منهما فوق فعل صاحبه ليكون طعامه أكبر وآنق ورياء ومباهاة ليغلب ويريد أحدهما تعجيز الآخر لأنه للرياء لا لله وفي رواية للعقيلي في الضعفاء عن ابن عباس أيضا نهى عن طعام المتباهيين
(د ك) في الأطعمة (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن في الميزان: صوابه مرسل قال أبو داود: وأكثر من رواه عن جرير لا يذكر ابن عباس يريد أن الأكثر أرسلوه(6/335)
9492 - (نهى عن عسب الفحل) أي عن بذله ثمنا أو أجرة وهو ضرابه وماؤه فتحرم المعاوضة عليه ولا تصح عند الشافعية وجوزه مالك والحديث حجة عليه
(حم خ) في الإجارة (ت) في البيوع المنهية (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو داود والترمذي باللفظ المزبور فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد النسائي به عن الأربعة غير جيد قال ابن حجر: وغفل من قصر في عزوه على أصحاب السنن الثلاثة كما وهم الحاكم في استدراكه(6/335)
9493 - (نهى عن عسب الفحل) بالمعنى المقرر فيما قبله (و) عن (قفيز الطحان) هو أن يقول للطحان اطحنه بكذا وقفيز منه أو اطحن هذه الصبرة المجهولة بقفيز منها والقفيز مكيال معروف
(ع قط عن أبي سعيد) الخدري قال في الميزان: هذا حديث منكر وهشام أبو كليب أحد رواته لا يعرف اه وأورده عبد الحق في الأحكام بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه المصنف غافلا عن تعقب ابن القطان له بأنه لم يجده إلا بلفظ البناء لما لم يسم فاعله وفيه هشام أبو كليب قال ابن القطان: لا يعرف والذهبي: حديثه منكر ومغلطاي: هو ثقة وجزم ابن حجر بضعف سنده(6/335)
9494 - (نهى عن عشر: الوشر) بمعجمة وراء تحديد الأسنان وترقيقها إيهاما لحداثة السن لما فيه من تغيير خلق الله (والوشم) أي النقش وهو غرز الجلد بإبرة ثم يدر عليه ما يخضره أو يسوده (والنتف) للشيب فيكره لأنه نور الإسلام أو الشعر عند المصيبة أو للحية أو للحاجب للزينة والمقتضي للنهي في الثلاثة تغيير الخلقة (ومكامعة الرجل الرجل) بعين مهملة مضاجعته له في ثوب واحد (ومكامعة المرأة المرأة) والمكامعة المضاجعة والكميع الضجيع والمكاعمة القبلة من كعام البعير وهو سد فمه إذا هاج (بغير شعار) أي بغير ثوب يغطى به فيحول بينهما أما إن فعل ذلك بحليلته فغير منهي بل محبوب (وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم) أي من لبس ثوب حرير تحت ثيابه كلها لتلي نعومته الجسد كما هو عادة جهال العجم (وأن يجعل الرجل على منكبيه حريرا) أي للزينة مما يحصل الخيلاء والتفاخر (مثل الأعاجم) وقد ورد النهي عن لبس زي الأعاجم مطلقا قال ابن تيمية: النهي عن هذا وما قبله من حيث كونه شعارا للأعاجم لا لكونه حريرا يعم الثوب والأصل في الصفة أن تكون لتقييد الموصوف لا لتوضيحه (وعن النهبى) بضم النون مقصورا بمعنى النهب أي عن الإغارة على المسلمين أو على الغنائم على ما مر (وركوب النمور) أي الركوب على جلودها لما فيه من الخيلاء أو لأنه زي العجم (ولبس الخاتم إلا لذي سلطان) قال الطيبي: اللام في لذي [ص:336] للتأكيد تقديره نهى عن لبس الخاتم إلا ذا سلطان ومن في معناه ممن يحتاجه للختم به فإنه في معنى السلطان قال ابن حجر: وهذا الحديث لم يصح وفي إسناده رجل متهم أي فلا يعارض الأخبار الصحيحة الصريحة في حل لبسه لكل أحد وقال القاضي: والمراد بالنهي في الحديث التنزيه أو القدر المشترك بين التنزيه والتحريم وقيل إنه منسوخ ويدل عليه أن الصحابة كانوا يتختمون في عصره وعصر خلفائه من غير إنكار اه والقول بالنسخ هو الأولى وأما ما ذكره من الكراهة تنزيها أو تحريما فممنوع لتصريحهم بأن لبسه سنة فقد ورد من عدة طرق تكاد تبلغ التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه وكذا يساره اه وقال بعض شراح الترمذي: النهي في هذا الحديث تناول أشياء يختلف حكم النهي فيها ففي بعضها محمول على التحريم وفي بعضها على الكراهة وصفة النهي واحدة فإما أن تكون مشتركة بين المعنيين أو حقيقة في التحريم مجازا في الكراهة ففيه استعمال المشترك في معنييه أو اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وما جوز من ذلك فعلى خلاف الأصل
(حم د) في اللباس (ن) في الزينة من حديث عياش بن عباس (عن أبي ريحانة) واسمه شمعون بشين معجمة وعين مهملة أنصاري أو قرشي أو مولى للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الذهبي في المهذب: له طرق حسنة(6/335)
9495 - (نهى عن فتح التمرة) ليفتش ما فيها من السوس (وقشر الرطبة) لتؤكل قال الحرالي: الفتح توسعة الضيق حسا ومعنى
(عبدان وأبو موسى) كلاهما في تاريخ الصحابة (عن إسحاق) صحابي قال الذهبي: له نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فتح التمرة من إسناد واه مجهل اه(6/336)
9496 - (نهى عن قتل النساء والصبيان) أي نساء أهل الحرب وصبيانهم إن لم يقاتلوا فإن قاتلوا قتلوا وفي إفهامه أن الشيوخ والرهبان يقتلون وإن لم يقاتلوا وهو مذهب الشافعي ومنعه أبو حنيفة ومالك
<تنبيه> هذا الحديث مع حديث البخاري السابق من بدل دينه فاقتلوه كل منهما عام من وجه خاص من وجه فهذا الحديث خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات وذاك عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردة ومذهب أصحابنا في مثله وجوب الترجيح من خارج لتعادلهما تقارنا أو تأخر أحدهما وقال الحنفية: المتأخر ناسخ وهو هذا الحديث
(ق) في الجهاد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض المغازي فنهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قتلهن قال المصنف: وهذا متواتر(6/336)
9497 - (نهى عن قتل الصبر) وهو أن يمسك الحيوان ويرمي بشيء حتى يموت أو هو كل من قتل بغير معركة ولا حرب ولا خطأ وللحديث قصة أخرجها ابن المقرى في فوائد حرملة عن ابن وهب قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد فأتى بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا بالنبل فبلغ ذلك أبا أيوب فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الصبر ولو كانت لجاجة ما صبرتها فبلغ ذلك عبد الرحمن فأعتق أربع رقاب
(د عن أبي أيوب) الأنصاري رمز المصنف لصحته وقال ابن حجر في الفتح: سنده قوي(6/336)
9498 - (نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة) بالجر والرفع وكذا ما عطف عليه قال الخطابي: أراد النمل السليماني الكبار ذوات الأرجل الطوال فإنها قليلة الأذى (والنحلة) لكثرة منافعها فيخرج منها العسل وهو شفاء والشمع [ص:337] وهو ضياء (والهدهد) لأنه لا يضر ولا يحل أكله (والصرد) بصاد مهملة مضمومة وراء مفتوحة طائر فوق العصفور نصفه أبيض ونصفه أسود لتحريم أكله ولا منفعة في قتله وقيل: كانت العرب تتشاءم به فنهى عن قتله لينخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها له من اعتقادهم الشؤم به والنهي في الأربعة للتحريم لكن مقيد في النمل بالكبار كما تقرر أما الصغير فلا يحرم قتله كما عليه البغوي وغيره من الشافعية
(حم د) في الأدب (هـ) في الصيد (عن ابن عباس) قال ابن حجر: رجاله رجال الصحيح قال البيهقي: هو أقوى ما ورد في هذا الباب(6/336)
9499 - (نهى عن قتل الضفدع) بكسر الضاد والدال على وزان خنصر قال البيضاوي: والعامة تفتح الدال وقال: فتحها غير جيد (للدواء) لا لحرمتها بل لنجاستها أو لقذارتها ونفرة الطبع منها أو أنه عرف منها من المضرة فوق ما عرفه الطبيب من المنفعة وأما تعليله بأنها تسبح فغير صواب لأن الحيوانات المأمور بقتلها تسبح أيضا {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} قال المؤلف في المرقاة: وقوله للدواء لا مفهوم له
(حم د) في أواخر السنن (ن) في الصيد (ك) في الطب (عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي من مسلمة الفتح شهد اليرموك قال: سأل طبيب النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعله في دواء فنهاه قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي قال البيهقي: هذا أقوى ما ورد في النهي عنه(6/337)
9500 - (نهى عن قتل الصرد) طائر فوق العصفور أبقع ضخم الرأس قال ابن العربي: إنما نهى عنه لأن العرب تتشاءم به فنهى عن قتله لينخلع عما ثبت فيها من اعتقاد الشؤم لا أنه حرام اه والأصح عند الشافعي حرمته (والضفدع والنملة والهدهد) قال الحكيم: إنما نهى عن قتلها لأن لكل واحد منها سالف عمل مرضي وفي خلقته جوهر يتقدم الجواهر
(هـ عن أبي هريرة) رواه عنه البيهقي أيضا قال ابن حجر: وفيه إبراهيم بن المفضل وهو متروك(6/337)
9501 - (نهى عن قتل الخطاطيف) واحده خطاف بضم فتشديد ويسمى زوار الهند وعصفور الجنة لزهده عما في أيدي الناس من القوت ويحرم أكله وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البيهقي قال: لا تقتلوا هذه العوذ إنها تعوذ بكم من غيركم
(هق) عن الحسين بن بشران عن أبي عمرو بن السماك عن جندب بن إسحاق عن الحسين عن أبي أويس عن عبد الرحمن بن إسحاق (عن عبد الرحمن بن معاوية) بن الحويرث (المرادي) بضم الميم وفتح الراء وبعد الألف دال مهملة نسبة إلى مراد قبيلة معروفة ينسب إليها خلق كثير من الجاهلية والصحابة فمن بعدهم (مرسلا) قال الذهبي: ضعف وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه سوى الإرسال وليس كما قال فقد قال مخرجه البيهقي نفسه: إنه منقطع أيضا ورواه أبو داود في مراسيله من حديث عباد بن إسحاق عن أبيه وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس بلفظ نهى عن الخطاطيف فإنها عود البيوت قال البيهقي: وفيه أيضا انقطاع والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات(6/337)
9502 - (نهى عن قتل كل ذي روح إلا أن يؤذى) كالفواسق الخمس فيجوز بل قد يجب قتله
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه جوهر بن سعيد وهو ضعيف لكنه في الصحيح بمعناه خلا قوله إلا أن يؤذى(6/337)
9503 - (نهى عن قسمة الضرار) يحتمل أنه أراد القسمة التي تضر بأحد المالكين بأن يتلف المال أو يدخل بسببها النقص [ص:338] على العين كجوهرة تتلف بذلك وسيف يكسر وما يبطل مقصوده كحمام صغير ويحتمل أنه أراد القسم بين الزوجات كأن يجعل لواحدة ليلة وأخرى ثلاثا مثلا أو قسمة النفقة بينهن بالتفاضل
(هق عن نصير مولى معاوية مرسلا) قال في المنار: ونصير لا يعرف ولا وجدت له ذكرا اه وظاهر صنيع المصنف أن هذا من مرويات البيهقي بسنده وهو باطل وإنما نقله عن البيهقي عن مراسيل أبي داود فكان حق المصنف العزو لأبي داود لا البيهقي(6/337)
9504 - (نهى عن كسب الإماء) أي أجر البغايا كانوا في الجاهلية يأمرونهن بالزنا ويأخذون أجرهن فأنزل الله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}
(خ د عن أبي هريرة)(6/338)
9505 - (نهى عن كسب الأمة) هكذا جاء مطلقا في رواية البخاري وقيده في رواية أبي داود بقوله (حتى يعلم من أين هو) وفي رواية البيهقي حتى يعرف وجهه وفي رواية الطبراني إلا أن يكون لها عمل واجب يعرف وفي رواية لأبي داود إلا ما عملت بيدها وقال بأصابعه هكذا نحو المغزل والنفش يعني نفش الصوف وذلك لأنهن إذا كان عليهن ضرائب لم يؤمن أن يكون فيهن فجور أو المراد كسب البغي منهن أو المراد التنزيه خوفا من مواقعة الحرام
<تنبيه> هذا الحديث ورد من طريق آخر بلفظ نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها فقد أخرج أحمد وأبو داود عن طارق بن عبد الرحمن جاء رافع بن رفاعة إلى مجلس الأنصار فقال: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض وكسب الحجام وكسب الأمة إلا ما عملت بيدها نحو الخبز والغزل قال: أبو عمر رافع بن رفاعة لا تصح صحبته والحديث غلط قال في الإصابة: وأخرجه ابن منده من وجه آخر عن رفاعة بن رافع الأنصاري الصحابي
(د ك) في الربا (عن رافع بن خديج) قال الحاكم: أخرجناه شاهدا اه. وظاهر سكوته عليه تصحيحه قال ابن القطان: وما مثله يصحح فإنه عند أبي داود من رواية عبيد الله بن هرمز عن أبيه عن جده. قال البخاري: عبيد الله مجهول حديثه ليس بالمشهور وكذا قاله أبو حاتم(6/338)
9506 - (نهى عن كسب الحجام) تنزيها لا تحريما فإنه احتجم وأعطى الحجام أجرته فلولا حله ما فعله <فائدة> أخرج ابن منده في المعرفة من حديث حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جده محيصة بن مسعود أنه كان له غلام حجام يقال له أبو طيبة فكسب كسبا كثيرا فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كسب الحجام استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فأبى عليه فلم يزل يكلمه ويذكر له الحاجة حتى قال ليكن كسبه في بطن بهيمته
(هـ عن أبي مسعود) الأنصاري ورواه أيضا النسائي عن أبي هريرة والإسنادان صحيحان كما أفاده الحافظ العراقي فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد ابن ماجه به عن الستة غير جيد ورواه أحمد عن أبي هريرة بسند. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ولعل المصنف ذهل عنه وإلا فعادته أنه إذا كان الحديث في أحمد ذكره مع الشيخين وقدمه عليهما(6/338)
9507 - (نهى عن كل مسكر ومفتر) بالفاء ومن جعله بالقاف فقد صحف أي كل شراب يورث الفتور أي ضعف الجفون والخدر كالحشيش قال الحرالي: ألحق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع اه
(تتمة) حضر عجمي القاهرة وطلب دليلا لتحريم الحشيش وعقد له مجلس حضره أكابر علماء العصر فاستدل الزين العراقي بهذا فأعجب من حضر
(حم د عن أم سلمة) رمز المصنف لصحته وهو كذلك فقد قال الزين العراقي: إسناده صحيح(6/338)
[ص:339] 9508 - (نهى عن لبستين) بكسر اللام نظرا للهيئة وفتحها نظرا للمرة وبضمها على اسم الفعل قال أبو زرعة: والأول هنا أوجه (المشهورة في حسنها والمشهورة في قبحها) قال الماوردي: يشير إلى أن من المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه من غير إكثار ولا إطراح فإن إطراح مراعاتها وترك تفقدها مهانة وكثرة مراعاتها وصرف الهمة إلى العناية بها دناءة وخير الأمور أوساطها. قال ابن عطاء الله: طريقة العارف الشاذلي الإعراض عن لبس زي ينادي على مس اللابس بالإفشاء ويفصح عن طريقه بالإيذاء وقال ابن العربي: أصل اللباس أن يكون مختصرا وعلى حالة القصد جنسا وقيمة فإنه إذا كان الملبوس رفيعا إن صانه لا يلبسه كان عبده تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة وإن امتهنه كان مسرفا وأحوجه إلى تكلف قيمة الآخر وخير الأمور أوساطها
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه بزيغ وهو ضعيف(6/339)
9509 - (نهى عن لبن الجلالة) لتولده من النجاسة ومثله البيض والنهي للتنزيه عند الشافعي
(د ك عن ابن عباس)(6/339)
9510 - (نهى عن لقطة الحاج) قال القاضي: يحتمل أن المراد النهي عن أخذ لقطتهم في الحرم وفي آخبر آخر ما يدل عليه ويحتمل أن المراد النهي عن أخذها مطلقا لتترك مكانها وتعرف بالندى عليها لأنه أقرب طريقا إلى ظهور صاحبها لأن الحاج لا يلبثون مجتمعين إلا أياما معدودة ثم يتفرقون ويصدرون مصادر شتى فلا يكون للتعريف بعد تفرقهم جدوى
(حم م) في القضاء (د) في اللقطة (عن عبد الرحمن) بن عبد الله (التيمي) بن أخي طلحة وروى عنه النسائي أيضا ولم يخرجه البخاري(6/339)
9511 - (نهى عن محاش النساء) أي عن إتيانهن في أدبارهن وهو بحاء مهملة وشين معجمة ويقال بمهملة كنى به عن أدبارهن كما كنى بالحش عن محل الغائط والنهي للتحريم بل هو كبيرة ووهم من نقل عن مالك جوازه ومالك إنما جوز الوطء من الدبر لا في الدبر ولعل من نقله عنه أخذه من قياس قوله فغلط فإن المجتهد قد يذكر مسألة ولا يطرد حكمها فيما يشبهها ولو سئل لأبدى فارقا
(طس عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: رجاله ثقات(6/339)
9512 - (نهى عن نتف الشيب) من نحو لحية أو رأس لأنه نور ووقار والرغبة عنه رغبة عن النور ولأنه في معنى الخضاب بالسواد كذا ذكره حجة الإسلام وقضيته أن النهي للتحريم واختاره النووي لثبوت الزجر في عدة أخبار وأطلق بعضهم الكراهة وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقال إنه نور المسلم هكذا حكاه أئمة كثيرون منهم المنذري وهكذا هو في الأصول
(ت ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه الترمذي ورواه عنه أبو داود بلفظ لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة وفي رواية له فإنه نور المؤمن اه. وهو من رواية عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده(6/339)
9513 - (نهى عن نقرة الغراب) أي تخفيف السجود وعدم المكث فيه بقدر وضع الغراب منقاره للأكل (وافتراش [ص:340] السبع) بأن يبسط ذراعيه في سجوده ولا يرفعهما عن الأرض (وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) أي يألف محلا منه يلازم الصلاة فيه لا يصلي في غيره كالبعير لا يلوي عن عطنه إلا لمبرك قد اتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه
<تنبيه> قال ابن القيم: نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن التشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير والتفات كالتفات الثعلب وافتراش كافتراش السبع وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل فهدي المصلي مخالف لهدي الحيوانات
(حم د ن هـ ك) من حديث تميم بن محمود (عن عبد الرحمن بن شبل) قال الحاكم: صحيح تفرد به تميم عن ابن شبل(6/339)
9514 - (نهى أن يتباهى الناس في المساجد) أي يتفاخروا بها بأن يقول الرجل مسجدي أحسن فيقول الآخر مسجدي أو المراد المباهاة في إنشائها وعمارتها أو غير ذلك وذلك لأن المباهاة بها من دأب أهل الكتاب
(حب عن أنس) بن مالك(6/340)
9515 - (نهى أن يشرب الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان رجلا أو امرأة أو خنثى أو صبيا أو صبية وفي رواية لمسلم زجر عن الشرب (قائما) أي حال كونه قائما قال القاضي: هذا النهي من قبيل التأديب والإرشاد إلى ما هو الأخلق والأولى وليس نهي تحريم حتى يعارضه أنه فعل ذلك مرة أو مرتين وفي حديث أنه أمر في خبر من شرب قائما أن يستقثه وشربه قائما مؤول بأنه لم يجد محلا للقعود لازدحام الناس على زمزم أو ليري الناس أنه غير صائم أو لابتلال المحل أو لبيان الجواز وقال الطيبي: وزعم النسخ أو الضعف غلط فاحش وكيف يصار إليه مع إمكان الجمع وبفرض عدمه يحتاج لثبوت التاريخ وأنى به أو إلى الضعف مع صحة الكل
(م د ت) كلهم في الأشربة من حديث قتادة (عن أنس) بن مالك تمامه عند مسلم قال قتادة: فقلنا: فالأكل فقال: ذلك أشد وأخبث(6/340)
9516 - (نهى أن يتزعفر الرجل) أي يفعل الزعفران في ثوبه أو بدنه لأنه شأن النساء. قال الزمخشري: التزعفر التطلي بالزعفران والتطيب به ولبس المصبوغ به وزعفر ثوبه ومنه قيل للأسد المزعفر لضرب وردته إلى الصفرة وفيه تحريم لبس المزعفر ومثله المعصفر لما فيهما من الزينة والخيلاء وقضية الحديث حرمة استعمال الزعفران في البدن وبه صرح جمع شافعية قال البيهقي: لكن روى أبو داود أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصبغ لحيته بالزعفران فإن صح احتمل أن يكون مستثنى غير أن حديث النهي عن الزعفران مطلقا أصح وهو مصرح حتى بحرمة استعماله في اللحية وحمل بعض العلماء الحل على اللحية والحرمة على بقية البدن وخرج بالرجل وألحق به الخنثى المرأة فيحل لها ذلك مطلقا
(ق) في اللباس (3) في الحج (عن أنس) بن مالك وقضية صنيع المصنف تفرد الثلاثة به عن الستة والأمر بخلافه بل رواه عنه أبو داود في الترجل والترمذي في الاستئذان(6/340)
9517 - (نهى أن تصبر البهائم) بضم أوله أي أن يمسك شيء منها ثم ترمى بشيء إلى أن تموت من الصبر وهو الإمساك في ضيق يقال صبرت الدابة إذا حبستها بلا علف ومنه قتل الصبر للممسك حتى يقتل والنهي للتحريم للعن فاعله في خبر مسلم واللعن فيه دلائل التحريم وفي خبر أحمد عن ابن عمر رفعه من مثل بذي روح ثم لم يتب مثل الله به يوم القيامة قال في الفتح: رجاله ثقات
(ق د ن هـ عن أنس) بن مالك ورواه العقيلي أيضا عن سمرة وزاد وأن يؤكل لحمها ثم قال: والنهي عن أكلها لا يعرف إلا في هذا وبفرض ثبوته حمل على أنها ماتت بغير تذكية(6/340)
[ص:341] 9518 - (نهى أن يمشي الرجل بين البعيرين يقودهما) يحتمل أنه لما يقال إنه يورث الفقر وهل مثل البعيرين الفرسين مثلا فيه احتمال والكراهة للتنزيه
(ك) في الأدب (عن أنس) بن مالك قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي قال: محمد بن ثابت البناني أحد رجاله ضعفه النسائي وغيره(6/341)
9519 - (نهى أن يصلي على الجنائز بين القبور) فإنها صلاة شرعية والصلاة في المقابر مكروهة أي تنزيها
(طس عن أنس) ابن مالك قال الهيثمي: إسناده حسن(6/341)
9520 - (نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم) في رواية قائما والأمر للإرشاد لأن لبسها قاعدا أسهل وأمكن ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائما تعب كالتاسومة والخف لا كقباقاب وسرموزة
(ت والضياء) في المختارة (عن أنس) بن مالك وقضية صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل خرجه أولا عن جابر ثم قال: هذا حديث غريب ثم عن أنس وقال: كلا الحديثين لا يصح عند أهل الحديث وقال في حديث أنس بخصومه قال محمد ابن إسماعيل يعني البخاري لا يصح هذا الحديث وقال أعني الترمذي في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال: ليس هذا بصحيح ورواه باللفظ المزبور من طريق أخرى عن أبي هريرة وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: فيه الحارث بن نبهان منكر الحديث لا يبالي ما حدث وضعفه جدا اه. وقضية تصرف المؤلف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد خرجه أبو داود من رواية إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: ورجال إسناده ثقات وقال النووي في رياضه: إسناده حسن(6/341)
9521 - (نهى أن يبال في الماء الراكد) وفي رواية الدائم أي الساكن وزاد في رواية الذي لا يجري وهو للتأكيد قال الزمخشري: هو الساكن دام الماء يدوم وأدمته أنا ومنه تدويم الطائر وهو أن يترك الخفقان بجناحيه في الهواء ودوام الشيء مكثه وسكونه اه فيكره البول في الماء الراكد ما لم يستبحر بحيث لا يعاف البتة والنهي للتنزيه وهو في القليل أشد لتنجيسه بل قيل يحرم فيه وأطلق المالكية الكراهة فإن تغير به فنجس إجماعا واتفق العلماء على أن الغائط ملحق بالبول وأنه لا فرق بين البول في نفس الماء أو في إناء يصبه فيه أو يبول بقربه فيجري إليه وأنه لا فرق في نجاسة الماءين البائل وغيره وزعم الظاهرية أن كل من بال بماء راكد وإن كثر امتنع عليه دون غيره استعماله في الطهارة وغيرها وأعظم الناس الشناعة عليهم
(م ن هـ عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه عنه البخاري(6/341)
9522 - (نهى أن يبال في الماء الجاري) أي القليل أما الكثير فلا يكره فيه لقوته وكالبول الغائط والكراهة في القليل للتنزيه لا للتحريم وبحث النووي أنها للتحريم لأن فيه إتلافا للماء عليه وعلى غيره أجيب عنه بأن الكلام في مملوك له أو مباح يمكن طهره بالمكاثرة نعم إن دخل الوقت وتعين لطهره حرم كإتلافه ويحرم في مسبل وموقوف مطلقا وما هو واقف فيه إن قل لحرمة تنجيس البدن
(طس عن جابر) بن عبد الله قال المنذري: إسناده جيد ةقال الهيثمي: رجاله ثقات(6/341)
[ص:342] 9523 - (نهى أن يسمى كلب أو كليب) لأن الكلب من الفواسق الخمس فكأنه قال لا تسموا المؤمن فاسقا لا للنظير بل كراهة النسبة للكلاب الفواسق والنهي وارد على أصل وضع الاسم فلو وضع لإنسان واشتهر به لم يكره دعاؤه به بل لا يجوز تسميته بغيره رضاه كما جزم به الغزالي وجعله أصلا مقيسا عليه فإنه قال: أسماؤه تعالى توقيفية لأنه إذا امتنع في حق آحاد الخلق أن يسمى باسم لم يسمه به أبواه ففي حق الله أولى قال: وهو نوع قياس فقهي تبنى على مثله الأحكام الشرعية
(طب) وكذا في الأوسط (عن بريدة) قال الهيثمي: وفيه صالح بن حبان وهو ضعيف(6/342)
9524 - (نهى أن يصلي) بفتح اللام المشددة (في لحاف) هو كل ثوب يتغطى به (لا يتوشح به) التوشيح أن يأخذ الطرف الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن ويلقي الطرف الأيمن من تحت اليمنى على منكبه الأيسر (ونهى أن يصلي الرجل في سراويل) أعجمي أو عربي لا ينصرف (وليس عليه رداء) لأن السراويل بمفرده يصف الأعضاء ولا يتجافى عن البدن والنهي للتنزيه عند الشافعية
(د ك عن بريدة) قال ابن عبد البر: لا يحتج بهذا الحديث(6/342)
9525 - (نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس) لأنه ظلم للبدن حيث فاضل بين أبعاضه وهذا من كمال محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للعدل أن أمر به حتى في حق الإنسان مع نفسه قال ابن القيم: وفيه تنبيه على منع النوم بينهما فإنه رديء
(ك) في الأدب (عن أبي هريرة هـ عن بريدة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/342)
9526 - (نهى أن يتعاطى) أي يتناول (السيف مسلولا) فيكره تنزيها مناولته كذلك لأنه قد يخطئ في تناوله فينجرح شيء من بدنه أو يسقط منه على أحد فيؤذي وفي معناه السكين ونحوها فلا يرميها له ولا يناولها والحد من جهته
(حم د) في الجهاد (ت) في الفتن (ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله وقال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده صحيح(6/342)
9527 - (نهى أن يقام الرجل) يعني الإنسان المسلم (من مقعده) بفتح الميم محل قعوده (ويجلس) عطف على يقام أو حال وتقديره وهو يجلس فعلى الأول كل من الإقامة والجلوس منهي عنه وعلى الثاني المنهي عنه الجمع حتى لو أقام ولم يجلس (فيه آخر) لم يرتكب النهي ذكره الطيبي والأول أصوب فقد قال القرطبي: يستوي هنا أن يجلس فيه بعد إقامته أولا غير أن الحديث خرج على أغلب ما يفعل فإنه إنما يقيم غيره من مجلسه ليجلس فيه غالبا قال النووي: والنهي للتحريم فمن سبق إلى مباح من مسجد أو غيره يوم جمعة أو غيره لصلاة أو غيرها تحرم إقامته منه لكن يستثنى ما لو ألف موضعا من مسجد لنحو إفتاء أو إقراء أو قراءة فهو أحق به فإن قعد فيه غيره فله أن يقيمه وقال ابن أبي جمرة: هذا اللفظ عام مخصوص بالمجالس المباحة إما عموما كالمساجد ومجالس الحكام والعلم أو خصوصا كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزله لنحو وليمة أما مجالس لا ملك لشخص فيها ولا إذن فيقام ويخرج ثم هو في المجالس العامة ليس عاما بل خاص بغير نحو مجانين ومن يحصل منه أذى كأكل ثوم إذا دخل مسجدا وسفيه دخل مجلس حكم أو علم وحكمة النهي انتقاص حق المسلم الموجب للضغائن والحث على التواضع الموجب للمودة وأيضا الناس في المباح سواء فمن سبق استحق فإزعاجه غصب [ص:343] والغصب حرام اه وقال النووي: هذا في حق من مجلس بمحل من نحو مسجد ثم فارقه ليعود
(خ) في كتاب الجمعة (عن ابن عمر) بن الخطاب(6/342)
9528 - (نهى أن يسافر بالقرآن) أي بالمصحف أو بما فيه قرآن وإن قل لا في ضمن غيره فلا ينافي كتابته إلى هرقل {يا أهل الكتاب} (إلى أرض) أي بلاد (العدو) أي الكفار خوفا من الاستهانة به والباء في بالقرآن زائدة والقرآن أقيم مقام الفاعل وليست كما في خبر لا تسافروا بالقرآن فإنها حال فيكره عند الشافعي ويحرم عند مالك حمل ذلك إلى بلاد الكفر كما يشير إليه تعليله في خبر ابن ماجه بقوله مخافة أن يناله العدو فإن أمنت العلة زال المنع قال المظهر: كان جميع القرآن محفوظا للصحابة فلو مشى بعض القراء إلى أرض العدو ومات ضاع ذلك القدر قال الطيبي: وذهب في هذا الكتابة لأن المصحف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول لم لا يجوز أن يراد بالقرآن بعض ما كتب في عهده أو يكون إخبارا عن الغيب اه. قيل وفيه منع بيع المصحف من كافر لوجود العلة
(ق د هـ) في الجهاد (عن ابن عمر) بن الخطاب وفي رواية لمسلم كان ينهى(6/343)
9529 - (نهى أن نستقبل القبلتين) قال الحافظ العراقي: ضبطناه بفتح النون ولا يصح كونه بضم الياء على أنه مبني للمفعول لنصب القبلتين والمراد بهما الكعبة وبيت المقدس فهو من قبيل المجاز بالنسبة لما كان أو هو للتغليب كالقمرين والعمرين (ببول أو غائط) تحريما بالنسبة للكعبة بشرطه وتنزيها بالنسبة لبيت المقدس بنقل النووي الإجماع على عدم التحريم ولا يمتنع مع ذلك جمعهما في لفظ واحد فغاية ما فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز بناء على الأصح أن النهي حقيقة في التحريم مجاز في الكراهة وأما إذا جعل حقيقة فيهما فلا يلزم ذلك هذا أظهر الأجوبة وهو الذي عول عليه النووي وأما الجواب بأن النهي منسوخ وبأنه نهى عن استقبال بيت المقدس حين كان قبلة ثم عن استقبال الكعبة حين صارت قبلة فجمعهما الراوي ظنا منه أن النهي مستمر وبأن المراد بالنهي أهل المدينة ومن على سمتها فقط لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبار الكعبة فنهيهم لاستدبار الكعبة لا لحرمة استقبال بيت المقدس كما نقله الماوردي فرد الأول بأن النسخ لا يثبت إلا بدليل والثاني بأن فيه توهيم الراوي في جمعه بينهما بلا مستند وكلام أحمد بن حنبل يقتضي اجتماع النهيين في زمن واحد وعن الثالث بأن الأصل عدم تخصيص الحكم ببعض البلاد والنهي عن استقبالهم ورد في وقت واحد وهو عام لجميع المدن وقول الحافظ ابن حجر أخذ بظاهر هذا الحديث جمع منهم ابن سيرين فحرموا استقبال القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس بذلك وهو حديث ضعيف في حيز المنع كيف ولم يصرح منهم أحد بالتحريم وإنما الوارد عن مجاهد وابن سيرين والنخعي أنهم كرهوا ذلك ومرادهم كراهة التنزيه لنقل النووي في المجموع كالخطابي الإجماع على عدم التحريم وزعمه أعني ابن حجر أن بعض الشافعية قال به أي التحريم غلط وإنما نقل الروياني عن أصحابنا الكراهة لكونه كان قبلة ومراده كراهة التنزيه فإنهم إذا أطلقوا الكراهة إنما يعنونها وظاهر الحديث أنه لا فرق في الكراهة بين الصحراء والبنيان وقد أطلق في الروضة الكراهة أيضا قال المحقق أبو زرعة: وقياس مذهبنا اختصاصها بالصحراء
(حم د هـ عن معقل) بن أبي معقل بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف فيهما وهو معقل بن الهيثم ويقال ابن أبي الهيثم (الأسدي) بفتح السين حليف لبني زهرة بن خزيمة وقيل إنما هو الأزدي بزاي لا بسين صحابي مدني له من المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثان هذا أحدهما وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح بل قال ابن محمود شارحه: في إسناده جيد وخالفه الذهبي فقال في المهذب: فيه عند أبي داود أبو زيد مولى بني ثعلبة لا يدرى من هو وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: إسناده ضعيف للجهل بحال راويه أبي زيد فإني لم أر من تعرض لمعرفة حاله وسماه [ص:344] أبو داود الوليد وذكره ابن عبد البر في الاستقصاء ولم يسمه وسكوت أبي داود والمنذري عليه لا يكفي وينضم لجهالته انقطاع حديثه فيما ذكره العسكري من أن معقلا مات زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون منقطعا لأنه غير صحابي ولا ذكره فيهم أحد لكن قال ابن سرور مات زمن معاوية فهو متصل والقلب إليه أميل اه. لكن قال النووي في الخلاصة: إسناده حسن وفي شرحه لأبي داود: جيد ومراده حسن لغيره لوروده من طرق أخرى عند البيهقي في الخلافيات وابن عدي عن ابن عمر بإسناد ضعيف(6/343)
9530 - (نهى أن يتخلى الرجل) وصف طردي فالمرأة كذلك (تحت شجرة مثمرة) أي من شأنها ذلك وإن لم تثمر وفي غير وقت الثمرة فيكره تنزيها (ونهى أن يتخلى على ضفة نهر جار) ضفة النهر والبئر جانبه تفتح فتجمع على ضفات كجنة وجنات وتكسر فتجمع على ضفف كعدد وعدد
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن ميمون إلا فرات بن السائب تفرد به الحكم بن مروان الكوفي قال الهيثمي: فرات قال البخاري: منكر الحديث تركوه وقال الولي العراقي: ضعيف لضعف فرات(6/344)
9531 - (نهى أن يبال في الجحر) بضم الجيم وسكون الحاء وهو كل شيء يحتفره الهوام والسباغ لأنفسها كذا في المحكم وقيل هو الثقب وهو ما استدار ومثله السرب بفتحتين ما استطال والنهي للتنزيه قال الولي العراقي: فيه كراهة البول في الجحر هبه ثقبا نازلا في الأرض أو مستطيلا تحتها قال: وعللوه بعلتين أحدهما أنه مسكن الجن ويؤيده الأثر الصحيح أن سعد بن عبادة بال في جحر فخر ميتا فسمعت الجن تقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج. . . سعد بن عباده
رميناه بسهم. . . فلم يخط فؤاده
الثانية أذى الهوام بلسعها أو بعود الرشاش عليه أو تأذي ذلك الحيوان إن كان ضعيفا
(د ك) في الطهارة كلاهما من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة (عن عبد الله بن سرجس) بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم غير مصروف صحابي معروف الصحبة والرواية لفظ أبي داود قال يعني هشام قالوا لقتادة ما تكره من البول في الجحر قال كان يقال إنها مساكن الجن ولفظ رواية الحاكم أنها مساكن الجن دون قوله يقال قال: وهذا صحيح على شرطهما وسكت عليه أبو داود والمنذري قال الحاكم: على شرطهما ورواه عنه أيضا النسائي وغيره(6/344)
9532 - (نهى أن يبال في قبلة المسجد) لفظ أبي داود عن أبي مجلز أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد والنهي للتحريم وفي بقية المسجد كذلك وإنما خص القبلة لأنه فيها أغلظ وأشد وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد تابعي
(د في مراسيله عن أبي مجلز) المذكور (مرسلا)(6/344)
9533 - (نهى أن يبال بأبواب المساجد) أي إن سرى البول إلى جدر المسجد أو شيء من أجزائه فالكراهة حينئذ للتحريم ويحتمل أنها للتنزيه وأن المراد البول بقرب باب المسجد لئلا يستقذره الداخلون أو يعود ريحه عليهم أو على من بالمسجد
(د في مراسيله عن مكحول مرسلا) وهو الشامي(6/344)
[ص:345] 9534 - (نهى أن يستنجي أحد بعظم أو روثة أو حممة) بضم المهملة وفتح الميمين الفحم وما احترق من نحو خشب وعظم قال الخطابي: نهيه عن الاستنجاء بها يدل على أن أعيان الحجارة غير مختصة بهذا المعنى فما عدا الثلاثة من كل جامد طاهر يدخل في الإباحة وقال غيره: ملحق بها كل مطعوم للآدمي قياسا أولويا وكذا المحترم كورق كتب العلم ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا ألحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة وألحق به ما في معناه كزجاج أملس ويؤيده رواية الدارقطني عن أبي هريرة نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال إنهما لا يطهران وفيه رد على زاعم إجزاء الاستنجاء بهما وإن كان منهيا عنهما
(د قط هق عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس بمسلم فقد قال مخرجه الدارقطني: إسناده شامي وليس بثابت قال: وفي إسناد غير ثابت أيضا جلد بدل حممة وقال: يستطيب بدل يستنجى خرجه الطحاوي(6/345)
9535 - (نهى أن يبول الرجل في مستحمه) المحل الذي يغتسل فيه بالحميم وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل الاغتسال بأي ماء كان استحمام وذلك لجلبه الوسواس ولأنه قد يصيبه شيء من الجن لأن المغتسل محل حضور الشياطين لما فيه من كشف العورة فهو في معنى البول في الجحر ذكره الولي العراقي وحمل جمع هذا الحديث على ما إذا كان المستحم لينا ولا منفذ فيه بحيث لو نزل فيه البول شربته الأرض واستقر فيها فإن كان صلبا كنحو بلاط بحيث يجري عليه البول أو كان فيه منفذ كبالوعة فلا نهي وقال النووي: محل النهي عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف إصابة رشاشه فإن كان له نحو منفذ فلا كراهة قال الولي العراقي: وهذا عكس ما ذكره أولئك الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحملها على الصلبة لأنها فيها معنى آخر وهو أنه في الصلب يخاف عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر محله وفي الصلبة لا فإذا صب عليه الماء ذهب أثره
(ت عن عبد الله بن مغفل) وقال: غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث بن عبد الله ذكر في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال: لا أعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه قال ابن سيد الناس: ومع غرابته يحتمل كونه من قسم الحسن لأن أشعث مستور اه. ولذلك جزم النووي بأنه حسن(6/345)
9536 - (نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده اليسرى وقال إنها صلاة اليهود) أي وقد أمرنا بمخالفتهم في هديهم قال ابن تيمية: وفيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون معصية بالنية نهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد الكافرين حسما للباب
(ك هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في المهذب: هذا إسناد قوي(6/345)
9537 - (نهى أن يقرن بين الحج والعمرة) نهي تنزيه أو إرشاد لما في القرآن من النقص المجبور بدم
(د عن معاوية) قال للصحابة: هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا وركوب جلود النمر قالوا: نعم قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن قالوا: أما هذا فلا قال: أما إنها معهن ولكن نسيتم سنده جيد(6/345)
9538 - (نهى أن يقد السير) أي يقطع ويسق (بين أصبعين) لئلا يعقر الحديد يده وهو يشبه نهيه عن تعاطي السيف [ص:346] مسلولا قال القاضي: القد قطع الشيء طولا كالشق والسير ما يقد من الجلد نهى عنه حذرا من أن يخطئ القاد فيجرح أصبعه
(د ك) في الأدب (عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال: هذا حديث منكر(6/345)
9539 - (نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن) بعين مهملة وضاد معجمة أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن واستعمال العضب في القرن أكثر منه في الأذن وفي رواية نهى أن يضحى بجدعاء الأذن أي مقطوعتها
(حم 4 ك) في باب الأضحية (عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/346)
9540 - (نهى أن تكسر سكة المسلمين) أي الدراهم والدنانير المضروبة (الجائزة بينهم) يسمى كل واحد منها سكة لأنه طبع بسكة الحديد أي لا تكسر وذلك لما فيها من اسم الله أو لإضاعة المال (إلا من بأس) أي إلا من أمر يقتضي كسرها كزوافها وشك في صحة نقدها فلا نهي عن كسرها حينئذ قال بعض الشافعية: والوجه أنه لا يحرم إلا إذا كان فيه نقص لقيمتها
(حم د هـ ك عن عبد الله المزني) زاد الحاكم أن تكسر الدراهم فتجعل فضة أو تكسر الدنانير فتجعل ذهبا قال الحافظ العراقي: ضعيف ضعفه ابن حبان اه وقال في المهذب: فيه محمد بن فضاء ضعيف وفي الميزان: ضعفه ابن معين وقال النسائي: ضعيف وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه ثم أورد له أخبارا هذا منها وقال عبد الحق: الحديث ضعيف لضعف محمد بن فضاء قال في المنار: وترك ولده وهو خالد الجهني وخالد مجهول لا يعرف بغير هذا(6/346)
9541 - (نهى أن نعجم) بنون أوله بخط المصنف (النوى طبخا) أي نبالغ في نضجه حتى يتفتت وتفسد قوته التي يصلح معها للغنم أو المعنى إذا طبخ لتؤخذ حلاوته طبخ عفوا لئلا يبلغ الطبخ النوى ولا يؤثر فيه تأثير من يعجمه أي يلوكه لأنه يفسد الحلاوة
(د عن أم سلمة) رمز لحسنه(6/346)
9542 - (نهى أن يتنفس في الإناء) عند الشرب (أو ينفخ فيه) لأن التنفس فيه يورث ريحا كريها في الإناء فيعاف والنفخ في الطعام الحار يدل على العجلة الدالة على الشره وعدم الصبر وقلة المروءة
(حم د ت هـ عن ابن عباس) وروى عنه مسلم الجملة الأولى وقد رمز المصنف لحسنه(6/346)
9543 - (نهى أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه) بضم السين المهملة وكسرها والمراد أنه لا يمسح يده إلا في ثوب من له عليه نعمة كثوب كساه لنحو حليلته أو خادمه ممن يحب ذلك ولا يتقذره وهذا إن غلب على ظنه لا إن شك كأكل طعام صديقه ثم رأيت العسكري قال: أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أن يستبذل أحدا من المؤمنين وإن كان فقيرا فإن الله يطعمه ويكسوه
(حم د) في الأدب (عن أبي بكرة)(6/346)
9544 - (نهى أن يسمى أربعة) أي بأربعة (أسماء أفلح ويسارا) هو اليسر والغنى وسعة الحال (ونافعا ورباحا) هو الريح فيكره التسمية بذلك لأنه قد يقال أفلح هنا فيقال لا فيتطير بذلك وكذا البقية
(د هـ عن سمرة) بن جندب رمز لحسنه(6/346)
[ص:347] 9545 - (نهى أن تحلق المرأة رأسها) فيكره لها ذلك كما في المجموع عن جمع لأنه مثلة في حقها وألحق بها الخنثى وقال بعضهم: يحرم تمسكا بظاهر النهي
(ت) في الحج (ن عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي: وفيه اضطراب قال النووي: فلا دلالة فيه لضعفه لكن يستدل بعموم خبر من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقال ابن حجر: رواته موثقون لكن اختلف في وصله وإرساله اه. وعدول المنصف عن عزوه للبزار وابن عدي لأن فيه عندهما معلى بن عبد الرحمن وهو ضعيف(6/347)
9546 - (نهى أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا) بغين وضاد معجمتين بينهما راء محركا ما ينصب ليرمى إليه لما فيه من الجرأة والاستهانة بخلق الله والتعذيب عبثا
(حم ت ن عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه(6/347)
9547 - (نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته) بأن يسمى محمدا ويكنى بأبي القاسم فيحرم ذلك حتى بعد وفاته
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته(6/347)
9548 - (نهى أن ينام الرجل على سطح ليس بمحجور عليه) أي ليس عليه حاجز يمنع من وقوع النائم من نحو جدار والحجر المنع
(ت عن جابر) بن عبد الله(6/347)
9549 - (نهى أن يستوفز الرجل في صلاته) أي أن يقعد فيها منتصبا غير مطمئن ففي المصباح استوفز في قعدته قعد منتصبا غير مطمئن
(ك عن سمرة) بن جندب(6/347)
9550 - (نهى أن يكون الإمام مؤذنا) أي أن يجمع بين وظيفتي الإمامة والأذان واختلف السلف في الجمع بينهما فقيل يكره تمسكا بهذا الحديث لكن الجمهور على عدم الكراهة فقد صح عن عمر لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت رواه سعد بن منصور وغيره وقيل هو خلاف الأولى وقيل يستحب وصححه النووي
(هق عن جابر) بن عبد الله وقضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال وتبعه الذهبي في المهذب: إسناده ضعيف بمرة وقال ابن الجوزي: لا يصح فيه كذاب وقال ابن حجر في الفتح: سنده ضعيف(6/347)
9551 - (نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين) عن يمينه وشماله ولو محارم لئلا يساء به الظن أو بهما بل يمشيان بحافة الطرق حذرا من الإختلاط المؤدي إلى المفسدة وأخذ من مفهوم العدد إن مشى رجال بينهما ومشى رجل بين نساء غير منهي لبعد المفسدة ويحتمل شمول النهي كما لو مشت واحدة أمامه وأخرى خلفه وفي معنى المشي القعود بنحو مسجدا أو طريق
(د) في آخر سننه (ك) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وشنع عليه به الذهبي وقال: فيه داود ابن أبي صالح قال ابن حبان: يروي الموضوعات اه وهو في طريق أبي داود أيضا وقال المناوي: داود منكر الحديث وذكر البخاري الحديث في تاريخه الكبير من رواية داود هذا وقال: لا بتابع عليه(6/347)
[ص:348] 9552 - (نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع) هذا في غير مائدة أعدت لجلوس قوم بعد قوم كما ذكروه
(هـ) من حديث الوليد بن مسلم عن منير بن الزبير عن مكحول (عن عائشة) ومنير هذا قال في الميزان عن ابن حبان: يأتي عن الثقات بالمعضلات ثم أورد له هذا الخبر وهو مع ذلك منقطع فيما بين مكحول وعائشة فرمز المصنف لحسنه غير حسن(6/348)
9553 - (نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص) لأن شعره إذا نثر سقط على الأرض عند السجود فيعطى صاحبه ثواب السجود به قال الزين العراقي: فيه كراهة صلاة الرجل وهو معقوص الشعر أو مكفوفه تحت عمامته أو كف شيء من ثيابه كالكم وهي كراهة تنزيه وسواء فعله للصلاة أو لغيرها خلافا لمالك قال: والنهي خاص بالرجل دون المرأة لأن شعرها عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته لا يستر ويتعذر ستره فتبطل صلاتها
(طب عن أم سلمة) رمز المصنف لحسنه وهو تقصير وإنما حقه الرمز لصحته فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه أبو داود من حديث أبي رافع بلفظ نهى أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره(6/348)
9554 - (نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن) وفي رواية وهو حقن حتى يتخفف والحاقن من حبس بوله كالحاقب بموحدة للغائط
(هـ عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه(6/348)
9555 - (نهى أن يصلي خلف المتحدث والنائم) أي أن يصلي وواحد منهما بين يديه لأن المتحدث يلهى بحديثه والنائم قد يبدو منه ما يلهى وقد يراد بالنائم المضطجع ولا فرق بين الليل والنهار لوجود المعنى والنهي كما أشار إليه الذهبي وغيره للتنزيه جمعا بينه وبين خبر أنه كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة فسقط ما لابن هنا من زعم التعارض أو لأنه كان هناك نجاسة رطبة تناله إذا قعد لا إذا قام أو لأنه كان بين الناس ولم يمكنه غير ذلك أو لكونه كان أيسر من القعود في تلك الحالة وقال ابن حجر: أحاديث النهي محمولة إن ثبتت على ما إذا حصل شغل الفكر به فإن أمن من ذلك فلا كراهة
(هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: سنده ضعيف لضعف راويه أبي المقدام هشام بن زياد الأموي ضعفه البخاري وقال ابن مهدي: تركوه وابن خزيمة: لا يحتج بحديثه وابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به اه. وقال عبد الحق: خرجه أبو داود بسند منقطع قال ابن القطان: ولو كان متصلا ما صح للجهل براويين من رواته وبسطه وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن حجر في المختصر: حديث النهي عن الصلاة إلى النائم خرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس وقال أبو داود: طرقه كلها واهية وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي عن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان(6/348)
9556 - (نهى عن أن يبول الرجل قائما) فيكره تنزيها لا تحريما وأما بوله قائما لبيان الجواز أو لكونه لم يجد مكانا يصلح للقعود أو لأن القيام حالة لا يمكن معها خروج الريح بصوت ففعله لكونه كان بقرب الناس أو لأن العرب تستشفي به لوجع القلب فلعله كان به أو لجرح كان بمأبضه بهمزة ساكنة فموحدة باطن ركبتيه فلم يمكنه لأجله القعود أو أن البول عن قيام منسوخ لخبر عائشة ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن وخبرها من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا قال ابن حجر: والصواب أنه غير منسوخ وعائشة إنما تعلم ما وقع بالبيوت قال: [ص:349] وقد ثبت عن جمع من الصحابة منهم عمر وعلي أنهم بالوا قياما وهو دال للجواز بغير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت في النهي عنه شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي
(هـ عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه قال مغلطاي: في سنده ضعف لضعف رواته فمنهم عدي بن الفضل قال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: متروك الحديث وابن حبان: ظهرت المناكير في حديثه وأبو داود: ضعيف(6/348)
9557 - (نهى أن تتبع الجنازة معها رانة) بالنون المشددة أي امرأة صائحة صياحا شديدا ومن رواه بالياء فقد صحف
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال عبد الحق: إسناده ضعيف وقال الذهبي: أبو يحيى ضعف(6/349)
9558 - (نهى أن ينفخ في الشراب وأن يشرب من ثلمة القدح أو أذنه) لما مر مفمصلا
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال الهيثمي: فيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو ضعيف اه ورمز المصنف لحسنه(6/349)
9559 - (نهى أن يمشي الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان والنهي للتنزيه (في نعل واحدة أو خف واحدة) لما تقدم قال الغزالي: إذا لبس الإنسان خفه فابتدأ باليسرى فقد ظلم وكفر النعمة لأن الخف وقاية للرجل وللرجل فيه حظ وبالبداءة بالحظوظ ينبغي أن يكون الأشرف فهو العدل والوفاء بالحكمة ونقيضه ظلم وكفران نعمة الرجل والخف قال: وهذا عند العارفين كبيرة وإن سماه الفقيه مكروها حتى أن بعضهم جمع أكرارا من حنطة وتصدق بها فسئل عن سببه قال: لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا فكفرت بالصدقة نعم الفقيه لا يقدر على تفخيم الأمر في هذه الأمور ونحوها فإنه مسكين بلي بإصلاح العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الأنعام وهم منغمسون منطمسون في ظلمات أطم وأعظم من أن يظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها
(حم عن أبي سعيد)(6/349)
9560 - (نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن) لأنه مظنة الوقوع في الفاحشة بتسويل الشيطان ومفهومه الجواز بإذنه وحمله الولي العراقي على ما إذا انتفت مع ذلك الخلوة المحرمة والكلام في رجال غير محارم
(طب عن عمرو) ابن العاص رمز المصنف لحسنه وعدل عن عزوه للدارقطني لكونه غير موصول الإسناد عنده(6/349)
9561 - (نهى أن يلقى النوى على الطبق الذي يؤكل منه الرطب أو التمر) لئلا يختلط بالتمر والنوى مبتل من ريق الفم عند الأكل بل يلقى على ظهر أصبعه حتى يجتمع فيلقيه خارج الطبق
(الشيرازي عن علي) أمير المؤمنين(6/349)
9562 - (نهى أن يسمى الرجل حربا أو وليدا أو مرة أو الحكم أو أبا الحكم أو أفلح أو نجيحا أو يسارا) لما فيه من الفأل السوء وتزكية النفس
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه محمد بن محصن العكاشي وهو متروك اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه(6/349)
[ص:350] 9563 - (نهى أن يخصى أحد من ولد آدم) فالخصي لهم حرام شديد التحريم
(طب عن ابن مسعود) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه معاوية بن عطاء الخزاعي ضعيف(6/350)
9564 - (نهى أن يتمطى الرجل) حال كونه (في الصلاة) أي يمدد أعضاءه (أو عند النساء إلا عند امرأته أو جواريه) اللاتي يحل له وطؤهن
(قط في الأفراد عن أبي هريرة)(6/350)
9565 - (نهى أن يضحي ليلا) لأنه لا يأمن الخطأ في الذبح ولعدم حضور الفقراء قال الشافعية: يكره الذبح ليلا مطلقا وللأضحية أشد
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه سليمان بن سلمة الخبائري وهو متروك(6/350)
9566 - (نهى أن يقام) بضم الياء التحتية بضبطه (الصبيان في الصف الأول) إذا حضروا بعد تمام الصف الأول
(ابن نصير) في كتاب الصلاة (عن راشد بن سعد) المقرئي بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء ثم همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال فلذلك قال (مرسلا) أرسل عن عوف بن مالك وغيره(6/350)
9567 - (نهى أن ينفخ في الطعام والشراب والتمرة) وألحق بها الفاكهاني الكتاب تنزيها له والتنفس في معنى النفخ
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن جابر وهو ضعيف ورواه أبو داود بدون قوله والتمرة رمز لحسنه(6/350)
9568 - (نهى أن يفتش التمر عما فيه) نحو دود وسوس
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه(6/350)
9569 - (نهى أن يصافح المشركون أو يكنوا أو يرحب بهم) لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى} الآية ولهذا أخرج البيهقي بسند قال ابن حجر: حسن من طريق عياض الأشعري عن أبي موسى والله ما توليته وإنما كان يكتب فقال أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لا تدنهم إذ أقصاهم الله ولا تأتمنهم إذ أخونهم الله ولا تعزهم بعد أن أذلهم الله
(حل عن جابر) بن عبد الله(6/350)
9570 - (نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم) زاد في رواية إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده وعلته الضعف به عما تميز به من العبادات الكثيرة الفاضلة مع كونه يوم عيد فإن ضم إليه غيره لم يكره وكذا إذا وافق عادة أو نذرا أو قضاء كما ورد في خبر
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(6/350)
9571 - (نهى أن يجلس بين الضح) هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض (والظل) أي أن يكون نصفه في الشمس [ص:351] ونصفه في الظل (وقال) إنه (مجلس الشيطان) أي هو مقعده أضاف المجلس إليه لأنه الباعث على القعود فيه والقعود فيه إذ ذاك مضر لأن الإنسان إذا قصد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين
(حم) عن أبي عياض (عن رجل) من الصحابة رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: إسناده جيد(6/350)
9572 - (نهى أن يمنع نقع البئر) أي فضل مائها لأنه ينتقع به العطش أي يروى وشرب حتى نقع أي روى وقيل النقع الماء الناقع أي المجتمع
(حم عن عائشة) رمز لحسنه(6/351)
9573 - (نهى أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما) فيكره بدونه تنزيها وتشتد الكراهة بين نحو والد وولده وأخ وأخيه وصديق وصديقه
(هق عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه(6/351)
9574 - (نهى أن يشار إلى المطر) حال نزوله باليد أو بشيء فيها
(هق عن ابن عباس)(6/351)
9575 - (نهى أن يقال للمسلم صرورة) هو بالفتح الذي لم يحج فعولة من الصر الحبس والمنع قيل أراد من قتل بالحرم قتل ولا يقبل منه إني صرورة ما حججت وما عرفت حرمة الحرم كان الرجل في الجاهلية إذا قتل فلجأ إلى الكعبة لم يهج فإذا لقيه ولي الدم قيل له صرورة فلا تهجه
(هق عن ابن عباس)(6/351)
9576 - (نهى أن تستر الجدر) أي جدر البيوت تحريما إن كان بحرير وتنزيها إن كان بغيره قال ابن حجر: وقد جاء النهي عن ستر الجدر بالثياب عند أبي داود وغيره من حديث ابن عباس بلفظ لا تستروا الجدر بالثياب وفي إسناده ضعف وفي سنن سعيد بن منصور عن سلمان موقوفا أنه أنكر ستره البيت وقال: أمحموم بيوتكم أو تحولت الكعبة عندكم ثم قال: لا أدخله حتى يهتك وأخرج الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كيف بكم إذا سترتم بيوتكم وأصله في النسائي
(هق عن علي بن الحسين مرسلا) هو زين العابدين قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه(6/351)
حرف الهاء(6/351)
9577 - (هاجروا تورثوا أبناءكم مجدا) عزا وشرفا من بعدكم والمهاجرة مفاعلة من الهجرة وهي التخلي عما شأنه الاغتباط به لإمكان ضرر منه ذكره الحرالي
(خط عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وغيره(6/351)
9578 - (هاجروا من الدنيا وما فيها) أي اتركوها لأهلها أو هاجروا من المعاصي إلى التوبة
(حل عن عائشة) وفيه سعيد بن عثمان التنوخي قال في اللسان عن الدارقطني: متروك(6/351)
[ص:352] 9579 - (هذا القرع نكثر به طعامنا) أي نصيره بطبخه معه كثيرا ليكفي العيال والأضياف
(حم عن جابر بن طارق) بالقاف صحابي مقل قال: دخلت على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته وعنده الدباء فقلت: أي شيء هذا فذكره رمز لحسنه(6/352)
9580 - (هذه النار جزء من مئة جزء من) نار (جهنم) وورد أقل وأكثر والقصد من الكل الإعلام بعظيم نار جهنم وأنه لا نسبة بين نار الدنيا ونار الآخرة في شدة الإحراق
(حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(6/352)
9581 - (هذا الحشوش) بضم الحاء المهملة وشينين معجمتين جمع حش بتثليث الحاء كما في المشارق من الحش بالفتح وهو البستان كنى به عن الخلاء لأنهم كانوا يتغوطون بين النخيل قبل اتخاذ الكنف ثم كنى به عن المستراح والإشارة يحتمل كونها لقربها فلعله أشار إلى حشوش قريبة منه ويحتمل كونها للتحقير كما في حديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات وكما قيل في {أهذا الذي يذكر آلهتكم} ذكره الولي العراقي (محتضرة) أي يحضرها الشيطان لأنها محل الخبث وكشف العورة وعدم ذكر الله والخبيث للخبيث (فإذا دخل أحدكم) إليها (فليقل) عند دخوله ندبا (بسم الله) لتدرأ التسمية عنه شرهم قال الولي العراقي: فيه أنه ينبغي للمعلم والمفتي ذكر العلة مع الحكم لأنه أدعى للقبول والمبادرة وكأنه إنما ذكرها لاستبعادهم عن ذكر الله في محل قضاء الحاجة وفيه أيضا تقديم ذكر العلة على الحكم لمصلحة تقتضيه
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أنس) بن مالك رمز لحسنه ورواه أصحاب السنن الأربعة عن زيد بن أرقم بلفظ إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال الترمذي: في إسناده اضطراب قال مغلطاي: وليس قادحا ومال أبو حاتم البستي إلى تصحيحه وأخرجه الحاكم من طريقين وقال: كلاهما على شرط الصحيح(6/352)
9582 - (هاشم والمطلب كهاتين) وأشار بأصبعيه (لعن الله من فرق بينهما) أي طرده وأبعده عن منازل الأخيار والظاهر أن المراد بهما بنيهما وأن المراد التفريق بالإفساد بينهم بفتنة ونحوها (ربونا صغارا وحملونا كبارا) أي حملوا أثقالنا
(هق عن) أبي الحسين (زيد بن علي) بن الحسين بن علي أمير المؤمنين من ثقات التابعين وهو الذي ينسب إليه الزيديون خرج في خلافة هشام فقتل بالكوفة (مرسلا) هو أبو الحسين العلوي(6/352)
9583 - (ههنا تسكب العبرات) جمع عبرة وهي الدمع أو انهماله أو قبل أن يفيض أو هي تردد البكاء في الصدر والحزن بغير بكاء والمراد هنا الأول أو الثاني (يعني عند الحجر) بالتحريك أي الأسود
(هـ ك عن ابن عمر) بن الخطاب قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر يبكي فقال: يا عمر ههنا إلخ وفيه محمد بن عون الخراساني قال في الميزان عن النسائي: متروك وعن البخاري: منكر الحديث وعن ابن معين: ليس بشيء ثم أورد له هذا الخبر(6/352)
9584 - (هجاهم حسان) أي هجا كفار قريش (فشفى واستشفى) هما إما بمعنى واحد والجمع للتاكيد أي شفى عنه من الغيظ بما أمكنه [ص:353] من الميسور من القول والمعسور أو هما متغايران أي شفى غيره وأشفى نفسه أي وجد الشفاء بهجاء المشركين وأفاد جواز هجو الكفار وإيذائهم ما لم يكن لهم أمان وأنه لا غيبة لهم
(م عن عائشة)(6/352)
9585 - (هجر المسلم أخاه) في الإسلام (كسفك دمه) أي مهاجرة الأخ المسلم خطيئة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها فهي شبيهة بالسفك من حيث حصول العقوبة بسببها لا أنه مثلها في العقوبة لأن القتل من العظائم وليس بعد الشرك أعظم منه فشبه الهجر به تأكيدا للمنع منه والمشابهة في بعض الصفات كافية إذ التشبيه إنما يصار إليه للمبالغة ولا يقصد به المساواة ولا بد
(ابن قانع) الحافظ أحمد في المعجم (عن أبي حدرد) رمز لحسنه ورواه عنه أيضا ابن لال والطبراني والديلمي(6/353)
9586 - (هدايا العمال) وفي رواية بدله الأمراء (غلول) بضم اللام والغين أصله الخيانة لكنه شاع في الغلول في الغي فالمراد أنه إذا أهدى العامل للإمام أو نائبه فقبله فهو خيانة منه للمسلمين فلا يختص به دونهم
(حم) والطبراني (هق) كلاهما من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى عن عروة (عن أبي حميد الساعدي) قال ابن عدي: وابن عياش ضعيف في الحجازيين وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريق إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز وهي ضعيفة وجزم الحافظ ابن حجر بضعفه قال: ورواه الطبراني بإسناد أشد ضعفا منه فقال في موضع آخر بعد ما عزاه لأحمد: فيه إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل بلده ضعيفة وهذا منها قال: وفي الباب أبو هريرة وابن عباس وجابر ثلائتهم في الأوسط للطبراني بأسانيد ضعيفة(6/353)
9587 - (هدايا العمال حرام كلها) قال ابن بطال: فيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال وأن العامل لا يملكها إلا إن طيبها له الإمام واستنبط منه المهلب رد هدية من كان ماله حراما أو عرف بالظلم وخرج أبو نعيم وغيره أن عمر بن عبد العزيز اشتهى تفاحا ولم يكن معه ما يشتري به فركب فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم ردها فقيل له: ألم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقبلون الهدية فقال: إنها لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة
(ع عن حذيفة) بن اليمان(6/353)
9588 - (هدية الله إلى المؤمن السائل على بابه) أي وجود فقير يسأله شيئا من ماله وهو واقف ببابه وذلك لأن الله تعالى دل السائل عليه وأمال قلبه إليه وندبه إلى بابه وذكره نعمه لديه حيث أحوج غيره إليه والقصد الحث على قبول هدية الله بالإكرام بالبذل عاجلا من غير من ولا مطل هذا فيمن يسأل الدنيا فكيف بسائل يستفتي أو يتعلم علما ينفعه
(خط) من حديث أبي أيوب الخبائري عن سعيد بن موسى الأزدي (في رواة مالك) عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال الخطيب: وسعيد مجهول والخبائري مشهور بالضعف قال في الميزان: قلت هذا موضوع وسعيد هالك اه. وأعاده في محل آخر وقال: هذا كذب اه. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وسعيد بن موسى اتهمه ابن حبان بالوضع(6/353)
9589 - (هل ترون ما أرى) قيل الرؤية هنا علمية وقيل بصرية بأن مثلت له الفتن حتى نظر إليها كما مثلت له الجنة والنار [ص:354] في الجدار (إني لأرى مواقع الفتن) أي مواضع سقوطها (خلال) جمع خلل وهو الفرجة بين شيئين (بيوتكم) أي نواحيها (كمواقع القطر) أي المطر شبه سقوط الفتن وكثرتها بالمدينة بسقوط القطر في الكثرة والعموم وهذا من آيات نبوته فقد ظهر مصداقه من قتل عثمان وهلم جرا
(حم ق عن أسامة بن زيد) أبي أمامة(6/353)
9590 - (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) الاستفهام للتقرير أي ليس النصر وإدرار الرزق إلا ببركتهم فأبرزه في صورة الاستفهام ليدل على مزيد التقرير والتوبيخ وذلك لأنهم أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خضوعا في العبادة لجلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا واستدل به الشافعية على ندب إخراج الشيوخ والصبيان في الاستسقاء
(خ) في الجهاد من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد) ولم يصرح مصعب بسماعه من سعد فيما رواه البخاري فهو مرسل عنده اه. وكان ينبغي للمؤلف التنبيه على ذلك كما صرح به جمع منهم النووي في الرياض فقال: رواه البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص هكذا مرسلا فإن مصعب بن سعد تابعي قال: وأخرجه البرقاني في صحيحه متصلا عن مصعب عن أبيه(6/354)
9591 - (هل تنصرون إلا بضعفائكم) لفظ رواية البخاري هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم أي بدعوتهم وإخلاصهم لأن عبادة الضعفاء أشد إخلاصا لخلاء قلوبهم عن التعلق بالدنيا وصفاء ضمائرهم مما يقطعهم عن الله فجعلوا همهم واحدا فزكت أعمالهم وأجيب دعاؤهم وبين بقوله بدعوتهم أنه لا يلزم من الضعف والصعلكة عدم القوة في البدن ولا عدم القوة في القيام بالأوامر الإلهية فلا يعارض الأحاديث التي مدح فيها الأقوياء ولا خبر إن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ثم إن المراد أن ذلك من أعظم أسباب الرزق والنصر وقد يكون لذلك أسباب أخر فإن الكفار والفجار يرزقون وقد ينصرون استدراجا وقد يخذل المؤمنون ليتوبوا ويخلصوا فيجمع لهم بين غفر الذنب وتفريج الكرب وليس كل إنعام كرامة ولا كل امتحان عقوبة
(حل) من حديث الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن مصعب (عن سعد) بن أبي وقاص ورواه النسائي بلفظ هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بصومهم وصلاتهم ودعائهم فما اقتضاه صنيع المؤلف من أن هذا لم يخرجه أحد من الستة غير صحيح(6/354)
9592 - (هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه) استثناء من أعم عام الأحوال تقديره هل يمشي أحد في حال من الأحوال إلا في حال ابتلال قدميه (كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب) فيه تخويف شديد منها وحث على الزهد فيها وإيثار الآخرة على الأولى
(هب عن أنس) بن مالك(6/354)
9593 - (هلاك أمتي) الموجودين إذ ذاك أو من قاربهم لا كل الأمة إلى يوم القيامة (على يدي) بالتثنية وروي بلفظ الجمع (غلمة) كفتية جمع غلام وهو الطار الشارب أي صبيان وفي رواية أغيلمة تصغير أغلمة قياسا ولم يجز ولم يستعمل كذا ذكره الزمخشري قال: والغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز اه. وهذا محتمل لتحقير شأن الحاصل منه هذا الهلاك من حيث إنه حدث ناقص العقل ويحتمل التعظيم باعتبار الحاصل منهم [ص:355] من الهلاك وكيفما كان ليس المراد هنا الحقيقة اللغوية فإن الغلام فيها ذكر غير بالغ ووردوه للبالغ على لسان الشارع غير عزيز كما في خبر الإسراء وغيره (من قريش) قال جمع منهم القرطبي منهم يزيد بن معاوية وأضرابه من أحداث ملوك بني أمية فقد كان منهم ما كان من قتل أهل البيت وخيار المهاجرين والأنصار بمكة والمدينة وسبي أهل البيت قال القرطبي: وغير خاف ما صدر عن بني أمية وحجاجهم من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغيرهما قال: وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا نسلهم وسبيهم وسبهم فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض قصده وأمنيته. فيا خجلهم إذا التقوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه وهذا الخبر من المعجزات وقال ابن حجر وتبعه القسطلاني: وفي كلام ابن بطال إشارة إلى أن أول الأغيلمة يزيد كان في سنة ستين قال: وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولى ولده معاوية ومات بعد أشهر قال الطيبي: رآهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في منامه يلعبون على منبره والمراد بالأمة هنا من كان في زمن ولايتهم. (تتمة) من أمثالهم الباروخ على اليافوخ أهون من ولاية بعض الفروخ
(حم خ) في الفتن وغيرها (عن أبي هريرة) قال: سمعت الصادق المصدوق يقول فذكره كان ذلك بحضرة مروان بن الحكم فقال: لعنة الله عليهم غلمة فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وفلان لفعلت وقد ورد في عدة أخبار لعن الحكم والد مروان وما ولد(6/354)
9594 - (هلك المتنطعون) أي المتعمقون المتقعرون في الكلام الذين يرومون بجودة سبكه سبي قلوب الناس يقال تنطع الرجل في علمه إذا تنطس فيه قال أوس:
وحشو جفير من فروع غرائب. . . تنطع فيها صانع وتأملا
ذكره الزمخشري قال: وأراد النهي عن التماري والتلاحي في القراءات المختلفة وأن مرجعها إلى وجه واحد من الحسن والصواب اه. وقال النووي: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم اه. وقال غيره: المراد بالحديث الغالون في خوضهم فيما لا يعنيهم وقيل: المتعنتون في السؤال عن عويص المسائل الذي يندر وقوعها وقيل: الغالون في عبادتهم بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة
<تنبيه> قال ابن حجر: قال بعض الأئمة التحقيق أن البحث عما لا يوجد فيه نص قسمان: أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه الثاني أن يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق لا أثر له في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين بوصف طردي مثلا بهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق خبر هلك المتنطعون فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا إجماع وهي نادرة الوقوع فيصرف فيها زمنا كان يصرفه في غيرها أولى سيما إن لزم منه إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد منه البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف وأكثر ذلك لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به بغير بحث وقال بعضهم: مثال التنطع إكثار السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتي بالإذن كأن يسأل عن السلع التي في الأسواق هل يكره شراؤها ممن بيده قبل البحث عن مصيرها إليه فيجاب بالجواز فإن عاد فقال: أخشى أن يكون من نهب أو غصب ويكون ذلك الزمن وقع فيه شيء من ذلك في الجملة فيجاب بأنه إن ثبت شيء من ذلك حرم وإن تردد كره [ص:356] أو كان خلاف الأولى ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز قال ابن حجر: فمن سد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها قل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها سيما فيما يقل وقوعها أو يندر فإنه يذم فعله
(حم م) في القدر (د) في السنة (عن ابن مسعود) قال: قال ذلك ثلاثا هكذا هو في مسلم(6/355)
9595 - (هلك المتقذرون) أي الذين يأتون القاذورات جمع قاذورة وهي الفعل القبيح والقول السيء ذكره ابن الأثير وغيره وأما قول مخرجه أبو نعيم عن وكيع يعني المرق يقع فيه الذباب فيهراق فإن كان يريد به أنه السبب الذي ورد عليه الحديث فمسلم وإلا ففي حيز الخفاء
(حل عن أبي هريرة) ثم قال: تفرد به عبد الله بن سعيد بن أبي هند اه وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة ضعفه أبو حاتم ورواه أيضا الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن سعيد المقبري بن أبي هند ضعيف جدا(6/356)
9596 - (هلكت الرجال) أي فعلت ما يؤدي إلى الهلاك (حين أطاعت النساء) فإنهن لا يأمرن بخير والحزم والنجاة في خلافهن وقد روى العسكري عن عمر خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة وروى ابن لال والديلمي عن أنس يرفعه لا يفعلن أحدكم أمرا حتى يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها فإن في خلافها البركة وروى العسكري عن معاوية عودوا للنساء فإنها ضعيفة وإن أطعتها أهلكتك
(حم طب ك) في الأدب كلهم من طريق بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه (عن) جده (أبي بكرة) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير يبشر بظفر خيل له ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فقام فخر ساجدا فلما انصرف أنشأ يسأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحدثه فكان فيما حدثه أمر العدو وكانت عليهم امرأة فقال: هلكت إلخ قال الحاكم: صحيح وأقول: بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به قال: وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم(6/356)
9597 - (هلم) قال الرضى مما جاء متعديا ولازما بمعنى أقبل فيتعدى بإلى وبمعنى أحضر في نحو قوله تعالى {هلم شهداءكم} وهو عند الخليل هاء التنبيه ركب معها لم أمر من قولك لم الله شعثه أي جمع نفسه إلينا فلما ركب غير معناه عند التركيب لأنه صار بمعنى أقبل أو أحضر بعدما كان بمعنى أجمع صار اسما كجميع أسماء الأفعال المنقولة عن أصلها (إلى جهاد لا شوكة فيه الحج) أي لا قتال فيه وشوكة القتال شدته وحدته ومنه حديث أنس قال لعمر حين قدم عليه الهرمز أن لقد تركت بعدي عددا كثيرا وشركة شديدة أي قتالا شديدا وقوة ظاهرة
(طب عن الحسين) بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف فقال: هلم إلخ وقال القرقشندي: وثق المنذري رواته اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه(6/356)
9598 - (همة العلماء الرعاية) أي التفهم والتدبر والإتقان (وهمة السفهاء الرواية) أي مجرد التلقي عن المشائخ وحفظ ما يلقوه بغير فهم معناه قال الماوردي: يشير إلى أنه ربما عنى المتعلم بالحفظ من غير تصور ولا فهم حتى يصير حافظا لألفاظ المعاني قيما بتلاوتها وهو لا يتصورها ولا يفهم ما تضمنها يروي من غير روية ويخبر عن غير خبرة فهو كالكتاب [ص:357] الذي لا يدفع شبهة ولا يؤيد حجة وربما استثقل المتعلم الدرس والحفظ فاتكل على الرجوع إلى الكتب ومطالعتها عند الحاجة فما هو إلا كمن أطلق ما صاده ثقة بالقدرة عليه بعد الامتناع منه ولا تعقبه الثقة إلا خجلا والتفريط إلا ندما وهذه حالة قد يدعو إليها ثلاثة أشياء إما الضجر عن معاناة الحفظ ومراعاته أو طول الأمل في التوفر عليه عند نشاطه أو فساد الرأي في عزماته وما درى أن الضجور خائب وطويل الأمل مغرور وفاسد الرأي مصاب والعرب تقول في أمثالها حرف في قلبك خير من ألف في كتبك وقالوا لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ولا يخبر بك النادي
(ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن مرسلا) وهو البصري(6/356)
9599 - (هن أغلب) يعني النساء أي أن النساء يغلبن الرجال لأن النساء ألطف كيدا وأنفذ حيلة ولهن في ذلك رفق يغلبن به الرجال ومن أمثالهم النساء متى عرفن قلبك بالغرام ألصقن أنفك بالرغام وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين لما راجعنه في تقديم الصديق إنكن صواحب يوسف يريد أن النساء شأنهن مغالبة ذي اللب كما قال في الحديث الآخر ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي اللب من إحداكن ولما أنشد الأعشى أبياته التي يقول فيها: وهن شر غالب لمن غلب جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يرددها وهو يقول: وهن شر غالب لمن غلب. ولذلك امتن الله على زكريا عليه الصلاة والسلام بقوله {وأصلحنا له زوجه}
(طب عن أم سلمة) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فمر بين يديه عبد الله أو عمرو بن أبي سلمة فقال بيده فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى ذكره وقضية كلام المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الكتب الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور وأعله ابن القطان بأن محمد بن قيس في طبقته جماعة باسمه ولا يعرف من هو منهم وأن أمه لا تعرف البتة قيل هذا مبني على أن محمدا هذا قال عن أمه لكن لم يوجد في كتاب ابن ماجه إلا عن أبيه وأما كونه لا يعرف فقد عرفه ابن ماجه بقوله قاضي عمر بن عبد العزيز وفي الكمال والتهذيب خرج له مسلم(6/357)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الهاء](6/357)
9600 - (الهدية إلى الإمام) أي الأعظم ومثله نوابه (غلول) أي خيانة نقل أن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى إليه رجل فخذ جزور ثم أتاه بعد مدة ومعه خصمه فقال: يا أمير المؤمنين افض لي قضاء فصلا كما يفصل الفخذ من الجزور فضرب بيده على فخذه وقال: الله أكبر اكتبوا إلى الآفاق هدايا العمال غلول
(طب عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف(6/357)
9601 - (الهدية تذهب بالسمع والقلب) في رواية بالسمع والبصر أي قبول الهدية تورث محبة إليه للمهدي فيصير كأنه أصم عن سماع القدح فيه أعمى عن رؤية عيوبه لأن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها ومن ثم حرم على القاضي قبولها
(طب عن عصمة بن مالك) قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا وقال الذهبي: قال أبو حاتم: مجهول يحدث بالأباطيل وقال السخاوي: سنده ضعيف فرمز المؤلف لحسنه غير حسن(6/357)
9602 - (الهدية تعور عين الحكيم) أي تصيره أعور لا يبصر إلا بعين الرضى فقط وتعمي عين السخط ولهذا كان من [ص:358] دعاء السلف اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة يرعاه بها قلبي فيصير ذلك كأنه أعور أو هو كناية عن كون قبولها يعود عليه بالذم والعيب أي إذا كان حاكما قال ابن الأثير: يقولون للرديء من كل شيء من الأخلاق والأمور أعور ومنه قول أبي طالب لأبي لهب لما اعترض على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في إظهار الدعوة يا أعور ما أنت وهذا ولم يكن أبو لهب بأعور
(فر عن ابن عباس) وفيه عبد الوهاب بن مجاهد قال الذهبي: قال النسائي وغيره: متروك(6/357)
9603 - (الهرة لا تقطع الصلاة لأنها من متاع البيت) زاد في رواية للطبراني في الأوسط لن تقذر شيئا ولا تنجسه وفيه جواز اقتناء الهرة مع ما يكون منها من تنجس وإفساد
(هـ ك عن أبي هريرة) قال عبد الحق: فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد يكتب حديثه على ضعفه قال ابن القطان: فيه أيضا من لا يعرف اه. وخالفهما مغلطاي فقال: لا بأس به وفي الميزان عبد الرحمن أحد العلماء الكبار ووثقه مالك وضعفه ابن معين والنسائي وقال يحيى وأبو حاتم: لا يحتج به وقال أحمد: مضطرب الحديث قال: ومن مناكيره هذا الخبر(6/358)
9604 - (الهوى مغفور لصاحبه) بالقصر ما يهواه العبد أي يحبه ويميل إليه فحقيقته شهوة النفس وهو ميلها لملائمها ويستعمل عرفا في الميل إلى خلاف الحق وهو المراد هنا {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} وذهب بعضهم إلى أن المراد العشق أي لا يؤاخذ به العاشق لأنه فعل الله بالعبد بغير سبب لأنه وإن كان مبدأه النظر فليس موجبا له قال أفلاطون: لا أعلم ما الهوى غير أني أعلم أنه جنون إلهي لا محمود صاحبه ولا مذموم فقال يحيى بن معاذ: لو وليت خزائن العذاب ما عذبت عاشقا قط لأنه اضطرار لا اختيار ولهذا جاء في الخبر من هم بسيئة لا تكتب عليه لأنه شبيه الضروري ولذلك نص في الخبر المار على أن من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد لكنه علق الشهادة بشرطين كما تقرر وعلق عدم المؤاخذة هنا بشرطين أشار إليهما بقوله (ما لم يعمل به) فإذا عمل به ما يؤدي إلى الوقوع في محظور كنظر ومجالسة ودنو من مواضع الاستراحة بنوع من التأويل صار ملوما (أو يتكلم) بما فيه راحة قلب ومتابعة هوى نفسه وإظهار حاله إلى أقرانه وبثه حزنه إلى إخوانه أو ترنم بشعر في خلاء أو سكب دمع في ملأ فهو ملام وإن كان في غير محرم فما لم يعمل به يغفر له ما كان من الهنات في طلب الاستراحة ويستحق وعد الله بقوله {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} لكن رتبة الشهادة سنية لا تنال إلا بفضيلة من الله كاملة أو بلية شاملة وإنما تقارب أوصاف القتيل في سبيل الله أوصاف من عف لإيثار ترك لذة النفس كما تعرض للقتل في سبيل الله معرضا عن نفسه باذلا مهجته فالأول جاهد نفسه في مخالفة هواها إيثارا لمحبة القديم على الحديث وعلم مما سبق أن من عف وعجز عن الكتمان شمله الوعد بالجنان قال بعض الصوفية: رأيت عند خلو المطاف في الثلث الأخير امرأة كأنها شمس على قضيب في كثيب متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:
رأيت الهوى حلوا إذا اجتمع الشمل. . . ومرا على الهجران لا بل هو القتل
ومن لم يذق للهجر طعما فإنه. . . إذا ذاق طعم الوصل لم يدر ما الوصل
وقد ذقت طعمية على القرب والنوى. . . فأبعده قتل وأفر به خبل
ثم التفتت فرأتني فقالت: يا هذا ظن خيرا فإن من ضعفت قوته عن حمل شيء ألقاه طلبا للراحة وفرارا من نقل المحبة وقد نطقت بما علمه الله وأحصاه الملكان فإن تعف عن أهل السرائر أكرمتهم وإن يعاقبوا فيا خيبة المدنيين ثم بكت فما رأيت درا قطع سلكه فانتثر بأحسن من دموعها ففررت منها خوفا أن أصبو إليها رحمة الله عليها كذا قرره بعض العارفين قال: والغرض من حكاية هذا التنبيه لمن عساه أن تسمو همته إلى الأمر العظيم والخطب الجسيم من محبة من ليس [ص:359] كمثله شيء فمن شاهد ذلك من نفسه فليعرضها على أحوال هؤلاء في شأن مجدث لا يضر ولا ينفع
(حل عن أبي هريرة) ثم قال: تفرد به المسيب بن واضح عن ابن عيينة اه. والمسيب بن واضح قال الدارقطني: ضعيف(6/358)
حرف الواو(6/359)
9605 - (والله) أقسم تقوية للحكم وتأكيدا له (ما الدنيا في الآخرة) أي في جنب الآخرة (إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه) زاد في مسلم السبابة (هذه) وأشار بالسبابة وقيل بالإبهام ويحتمل أنه أشار بكل منهما مرة (في اليم) البحر (فلينظر) نظر اعتبار وتأمل (بم يرجع) وضعه موضع قوله فلا يرجع بشيء استحضارا لتلك الحالة بأن يستحضر مشاهدة السامع ثم يأمره بالتأمل والتفكر هل يرجع بشيء أم لا وهذا تمثيل تقريبي وإلا فأين المناسبة بين المتناهي وغيره والمراد أن نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة في المقدار كذلك أو ما الدنيا في قصر مدتها وفناء لذتها بالنسبة للآخرة في دوام نعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالأصابع إلى باقي البحر
(حم م) في صفة الدنيا والاخرة (هـ) في الزهد (عن المستورد) بن شداد(6/359)
9606 - (والله لأن) بفتح اللام وفتح همزة أن المصدرية الناصبة للمضارع (يهدي) بضم أوله مبني للمفعول (بهداك) أي لأن ينتفع بك (رجل واحد) يا علي بشيء من أمر الدين بما يسمعه منك إذ يراك تعلمه فيقتدي بك (خير لك من حمر) بسكون الميم جمع أحمر (النعم) بفتح النون أي الإبل وخص حمرها لأنها أكرمها وأعلاها وبها يضرب المثل في النفاسة وتشبيه أمور الآخرة في أعراض الدنيا إنما هو تقريب للفهم وإلا قذرة من الآخرة لا يعدلها ملك الدنيا
(د عن سهل بن سعد) الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها عليا وهو أرمد فقال علي: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما عليهم من حق الله تعالى فوالله إلخ(6/359)
9607 - (والله إني لأستغفر الله) أي أطلب منه المغفرة (وأتوب إليه) طاهره أنه يطلب ويعزم على التوبة والمراد أنه يقول هذا (في اليوم أكثر من سبعين مرة) تصفية للقلب وإزالة للغاشية وهو وإن لم يكن له ذنب لكنه يجب أن يكون دائم الحضور فإذا التفتت نفسه إلى ما هو صورة حظ بشرى كأكل وشرب ونحو ذلك مما قد يخل بكمال الحضور عده ذنبا واستغفر الله منه والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد كما مر غير مرة وفيه كالذي قبله وبعده جواز القسم بالله وإن نجح السعي المتطوع به أن يجمع المرء فيه بين الحقيقة وأدب الشريعة فإذا فعل ذلك نجح لأنه الصادق بغير يمين فكيف باليمين
(خ) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي ولم يخرجه مسلم(6/359)
9608 - (والله لا يلقي الله حبيبه في النار) قال ذلك لما مر في نفر من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني فأخذته فقالوا يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار فذكره
(ك عن أنس) بن مالك(6/359)
[ص:360] 9609 - (والله لا تجدون بعدي) أي بعد وفاتي (أعدل عليكم مني) قاله ثلاثا وقد جاء إليه مال فقسمه فقال رجل: ما عدلت منذ اليوم في القسمة فغضب ثم ذكره
(طب ك عن أبي بردة) الأسلمي (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه الأزرق بن قيس وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح(6/360)
9610 - (واكلي) يا عائشة (ضيفك) ندبا مؤكدا (فإن الضيف يستحي أن يأكل وحده) وكما تسن مؤاكلة الضيف يسن أن لا يقوم رب الطعام عنه ما دام الضيف يأكل أخرج الخطيب في تاريخه من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مع القوم كان آخرهم أكلا
(هب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم(6/360)
9611 - (والشاة إن رحمتها رحمك الله) قاله لقرة والد معاوية المزني لما قال له يا رسول الله إني لآخذ الشاة لأذبحها فأرحمها ولهذا ورد النهي عن ذبح حيوان بحضرة آخر ومن عجيبه ما نقله ابن عربي عن والده أنه رأى صائدا صاد قمرية فذبحها وزوجها ينظر إليها فطار في الجو حتى كاد يحتفي ثم ضم جناحيه وتكفن بهما وجعل رأسه مما يلي الأرض ونزل نزولا له دوي إلى أن وقع عليها فمات حالا
(طب عن قرة بن إياس) المزني والد معاوية (وعن مغفل بن يسار) ورواه أحمد أيضا عن قرة قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. لكن رواه الحاكم عن قرة أيضا فتعقبه الذهبي بأن عدي بن الفضل أحد رواته هالك انتهى فليحرر(6/360)
9612 - (وأي داء أدوى) أي أقبح قال عياض: كذا روي غير مهموز من دوي إذا كان به مرض في جوفه والصواب أدوأ بالهمز من الداء لكنهم سهلوا الهمزة (من البخل) أي عيب أقبح منه وأي مرض أعظم منه لا شيء أعظم منه لأن من ترك الإنفاق خشية الإملاق لم يصدق الشارع فهو داء مؤلم لصاحبه في العقبى وإن لم يكن مؤلما في الدنيا فتشبيهه بالدواء من حيث كونه مفسدا للدين مورثا له سوء الثناء كما أن الداء يؤول إلى طول الضنى وشدة العناء ومن ثم عد بعضهم هذا الحديث من جوامع الكلم والبخل بفتح الباء والخاء وبضم الباء وسكون الخاء كذا في التنقيح
(حم عن جابر) بن عبد الله (ك) في المناقب (عن أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سيدكم يا بني سلمة قالوا: الجد بن قيس وإنا لنبخله فذكره ثم قال: بل سيدكم عمرو بن الجموح وفي رواية بشر بن البراء وذكر الماوردي أن للسبب تتمة وهو أنهم قالوا: وكيف يا رسول الله قال: إن قوما نزلوا بساحل البحر فكرهوا لبخلهم نزول الأضياف بهم فقالوا: نبعد النساء عنا لنعتذر للأضياف ببعدهن وتعتذر النساء ببعد الرجال ففعلوا فطال عليهم الأمد فاشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء فذكره(6/360)
9613 - (وأي وضوء أفضل من الغسل) قاله وقد سئل عن الوضوء بعد الغسل لكن ذهب الشافعي إلى أن الغسل يسن له وضوء وله تقديمه وتأخيره وتوسيطه لأدلة أخرى
(ك عن ابن عمر) بن الخطاب(6/360)
9614 - (وأي المؤمن) أي وعده (حق واجب) أي بمنزلة الحق الواجب عليه في تأكد الوفاء
(د في مراسيله عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) ورواه ابن وهب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال في المنار: وهشام ضعيف(6/360)
[ص:361] 9615 - (وجبت محبة الله على من أغضب) بالبناء للمفعول (فحلم) فلم يؤاخذ من أغضبه وهذا في الغضب لغير الله
(ابن عساكر) في تاريخه والأصبهاني في ترغيبه (عن عائشة) قال المنذري: فيه أحمد بن داود بن عبد الغفار المصري وقد وثقه الحاكم وقال في الميزان: كذبه الدارقطني وغيره ثم ساق من أكاذيبه هذا الخبر وقال في اللسان: قال ابن طاهر: كان يضع الحديث(6/361)
9616 - (وجب الخروج على كل ذات نطاق في العيدين) قال في الفردوس: النطاق أن تلبس المرأة ثوبا ثم يشد وسطها بحبل ثم يرسل الأعلى على الأسفل والمراد بقوله وجب أنه متأكد يقرب من الوجوب فلا يجب الخروج حقيقة
(حم م عن عمرة بنت رواحة) الأنصاري رمز لحسنه ورواه البيهقي عنها وأبو نعيم في الحلية باللفظ المزبور من طريق محمد بن النعمان عن طلحة اليمامي عن امرأة من عبد القيس عن عمرة(6/361)
9617 - (وددت أني لقيت إخواني) قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك قال: بلى أنتم أصحابي وإخواني (الذين آمنوا بي ولم يروني) لعله أراد أن ينقل أصحابه من علم اليقين إلى عين اليقين فيراهم هو وهم معه فإن قلت: كيف يتمنى رؤيتهم وهم حينئذ في علم الله لا وجود لهم في الخارج فالجواب: أن علم الأنبياء المستمد من علم الله وعلمه لا يختلف باختلاف النسب الزمانية فكذا علم أنبيائه حالة التجلي والكشف فهم لما خلقوا عليه من التطهير والتجرد عن الأدناس صارت مراءات الكون تتجلى في سرائرهم وصار الكون كله كأنه جوهرة واحدة وهم مرآته المصقولة التي تتجلى فيها الحقائق والدقائق لكن ذلك لا يكون إلا في مقام الجمع ووقف التجلي والتغريف وربما كان ذلك في أقل من لمحة ثم بعدها يرجع العبد لوطنه ويستقر في مركزه ويرجع إلى شهود تفرقته وأحكام حسه بمرأى من مشهده فلما لم يكن ذلك الحال غير مستمر تمنى أن يراهم رؤية كشف وإدراك في ذلك الآن ومن يتأمل ذلك يعرف أنه لا تعارض بين ذا وبين خبر تجلى لي علم ما بين المشرق والمغرب وخبر زويت لي الأرض ذكره بعض العارفين وقد دل إثبات الأخوة لهؤلاء على علو مرتبتهم وأنهم حازوا فضيلة الأخروية كما حاز المصطفى صلى الله عليه وسلم فضيلة الأولية وهم الغرباء الذين أشار إليهم بخبر بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء وهم الخلفاء الذين أشار إليهم بقوله رحم الله خلفائي وهم القابضون على دينهم عند الفتن كالقابض على الجمر وهم النزاع من القبائل وهم المؤمنون بالغيب إلى غير ذلك مما لا يعسر على الفطن استخراجه من الأحاديث
(حم) وكذا أبو يعلى (عن أنس) بن مالك لكن لفظ أبي يعلى متى ألقى إخواني إلخ قال الهيثمي: وفي رجال أبي يعلى محتسب أبو عائذ وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح غير أفضل بن الصباح وهو ثقة وفي إسناد أحمد حسن وهو ضعيف اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه(6/361)
9618 - (ورسول الله معك يحب العافية) قاله لأبي الدرداء وقد قال يا رسول الله لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر وبذلك يعلم أن العافية من أجل نعم الله على عبده وأوفر عطاء وأجل منحة وفيه حجة لمن فضل الشاكر على الصابر قال الغزالي: النعمة إنما تعطى لمن يعرف قدرها وإنما يعرف قدرها الشاكر
(طب عن أبي الدرداء) قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم العافية وما أعد لصاحبها من الثواب إذا هو شكر وذكر البلاء وما أعد لصاحبه من الثواب إذا هو صبر فقلت: يا رسول الله لأن أعافى فأشكر إلخ ما تقدم فذكره. قال الذهبي: هذا حديث منكر قال [ص:362] الهيثمي: ضعيف جدا اه وذلك لأن فيه إبراهيم بن البراء قال العقيلي: حدث عن الثقات بالبواطيل وقال ابن عدي: حدث بالبواطيل وهو ضعيف جدا وأحاديثه كلها مناكير موضوعة كذا في الميزان(6/361)
9619 - (وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليهم) أي فرجح ثواب حبر العلماء على ثواب دم الشهيد كما جاء مبينا هكذا عند الديلمي في مسنده والحديث يشرح بعضه بعضا ثم هذا خرج مخرج ضرب المثل بما يفيد أفضلية العلماء على المجاهدين وبعد ما بين درجتهما لأنه إذا كان مداد العلماء أفضل من دم الشهداء وأعظم ما عند المجاهد دمه وأهون ما عند العالم مداده فما ظنك بأشرف ما عند العالم من المعارف والتفكر في آلاء الله وتحقيق الحق وبيان الأحكام وهداية الخلق
(خط) من جهة محمد بن جعفر بإسناده إلى نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال مخرجه الخطيب: محمد بن جعفر غير ثقة يروي الموضوعات عن الثقات وروي له حديثا آخر ثم قال: الحديثان مما صنعت يداه. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن الحسن بن أزهر من حديثه وقال: اتهمه الخطيب بوضع الحديث(6/362)
9620 - (وسطوا الإمام) بالتشديد: أي اجعلوه وسط الصف لينال كل أحد عن يمينه وشماله حظه من نحو سماع وقرب كما أن الكعبة وسط الأرض لينال كل منها حظه من البركة أو المراد اجعلوه من واسطة قومه أي من خيارهم (وسدوا الخلل) بخاء معجمة ولام مفتوحة ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص
(د عن أبي هريرة) قال في المهذب: سنده لين اه. وأصله قول عبد الحق: ليس إسناده بقوي ولا مشهور قال ابن القطان: ولم يبين علته وهي أن فيه يحيى بن بشير بن خلاد وأمه وهما مجهولان(6/362)
9621 - (وصب المؤمن) أي دوام تعبه أو وجعه (كفارة لخطاياه) وهذا إذا صبر واحتسب قال في الفردوس: الوصب الوجع اللازم وجمعه أوصاب
(ك) في الجنائز (هب عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/362)
9622 - (وضع) ببنائه للمفعول والواضع الله كما صرح به في الرواية المارة (عن أمتي) أمة الإجابة (الخطأ) بفتحتين مهموز ضد الصواب (والنسيان) وهو ترك الشيء على ذهول وغفلة (وما استكرهوا عليه) من قول أو فعل قالوا وهذا حديث عظيم الشأن يحسن أنه يعد ربع الإسلام
(هق عن ابن عمر) بن الخطاب(6/362)
9623 - (وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد) أي أن الله تعالى إله واحد لا شريك له (ولي بالبلاغ) أي بأني بلغت ما أرسلت به (أن لا يعذبهم) بنار جهنم والله تعالى {لا يخلف الميعاد} سيما مع وعده رسله
(د) وكذا الحاكم (عن أنس) بن مالك قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي في المهذب فقال: قلت هذا منكر لا يصح(6/362)
9624 - (وفد الله ثلاثة: الغازي والحاج والمعتمر) زاد البيهقي في روايته " أولئك الذين يسألون الله فيعطيهم سؤلهم " ثم أخرج عن ابن عباس لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله من جميع الناس
(ن حب ك) في الحج (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي(6/362)
[ص:363] 9625 - (وفروا اللحى) أي لا تأخذوا منها شيئا (وخذوا من الشوارب) حتى تبين الشوارب بيانا ظاهرا (وانتفوا الإبط) أي أزيلوا شعره بأي وجه كان والنتف أولى لمن قوي عليه (وقصوا الأظافير) عند الاحتياج إليه والكل على جهة الندب المؤكدة والأولى في كل أسبوع مرة
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه سليمان بن داود اليمامي ضعفوه(6/363)
9626 - (وفروا عثانينكم) بعين مهملة فمثلثة جمع عثنون وهو اللحية (وقصوا سبالكم) ندبا لما في توفيرها من التشبه بالأعاجم بل المجوس وأهل الكتاب وفي خبر ابن حبان ما يصرح بذلك. قال الزين العراقي: هذا أولى بالصواب فلا اتجاه لقول الإحياء وغيرها لا بأس بترك سباله اه. وذكر نحوه الزركشي
(هب عن أبي أمامة) الباهلي وفي صحيح ابن حبان عن عمر نحوه(6/363)
9627 - (وقت العشاء) أي أول وقت صلاتها (إذا ملأ الليل) يعني الظلام (بطن كل واد) والذي عليه العمل أن وقتها بمغيب الشفق الأحمر عند الشافعي لدليل آخر
(طس عن عائشة) قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت العشاء فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه أحمد أيضا بسند رجاله موثقون(6/363)
9628 - (وقروا من تعلمون) بحذف إحدى التائين للتخفيف (منه العلم ووقروا من تعلمونه العلم) فحق المعلم أن يجري متعلميه مجرى بنيه فإنه لهم في الحقيقة أشرف الأبوين وأبو الإفادة أعظم حقا من أبي الولادة فيوقرهم كما يوقر أولاده ويوقروه كما يوقروا آباءهم كما قال الاسكندر وقد سئل أمعلمك أكرم عليك أم أبوك قال: بل معلمي لأنه سبب حياتي الباقية ووالدي سبب حياتي الفانية فهو أحق بالتوقير من الأب وعلى العالم أن يعاملهم بالارشاد والشفقة ويتحنن عليهم وعليه أن يصرفهم عن الرذائل إلى الفضائل بل بلطف في المقال وتعريض في الخطاب والتعريض أبلغ من التصريح
(ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(6/363)
9629 - (وكل بالشمس تسعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته) فيه دلالة على أن في الملائكة كثرة واختصاص كل واحد أو طائفة منهم بعمل ينفرد به وفي خبر أن الإنسان موكل به ثلاث مئة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك البصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف جدا اه وتعصيبه الجناية برأس عفير وحده يوهم أنه ليس فيه مما يحمل عليه سواه والأمر بخلافه ففيه مسلمة بن علي الخشني قال في الميزان: شامي واه تركوه واستنكروا حديثه ثم ساق له أخبارا هذا منها وقال ابن الجوزي: لا يرويه غير مسلمة وقد قال يحيى: ليس بشيء والنسائي: متروك(6/363)
9630 - (ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه) إيضاح بعد إبهام للتأكيد على وزان {كل أمة جاثية كل أمة} بنصب كل الثانية [ص:364] أبدلت الثانية من الأولى لأن في الثانية زيادة ذكر الجثو ولم يذكر ولد في المرة الثانية إذ لو ظهر فقيل ولد الرجل أطيب كسبه انقطع الثاني عن الأول بالكلية (فكلوا من أموالهم) أي فكلوا أيها الأصول من أموال فروعكم إذا كنتم فقراء لوجوب نفقتكم عليهم حينئذ
(د) من حديث عمارة بن عمير فقال: مرة عن عمته ومرة عن أمه عن عائشة (ك) في الربا من حديث عمارة المذكور عن أبيه (عن عائشة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ونوزعا بأنه اختلف فيه عن عمارة فمرة عن عمته وأخرى عن أمه وأخرى عن أبيه كما تقرر وعمته وأمه لا يعرفان كما قاله ابن القطان(6/363)
9631 - (ولد الزنا شر الثلاثة) أي هو وأبواه لأن الحد قد يقام عليهما فيمحص ذنبهما وهذا لا يدرى ما يفعل به وقيل إنما ورد في معين موسوم بالشر أو النفاق أو فيمن قالت له أمه لست لأبيك فقتلها إذا عمل بعمل أبويه أو أنه شر الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا لأنه خلق من ماء الزنا وهو خبيث والعرق دساس وقد قضى بفساد الصل على فساد الفرع في آية {وما كانت أمك بغيا}
(حم د) في العتق (هق عن أبي هريرة)(6/364)
9632 - (ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه) أي وزاد عليهما بالمواظبة عليه فالحديث على ظاهره ولا يحتاج لتأويل (تتمة) في مصنف عبد الرزاق عن الربعي أنه قرأ في بعض الكتب إن ولد الزنا لا يدخل الجنة إلى سبعة آباء فخفف الله عن هذه الأمة جعلها إلى خمسة آباء
(طب) وكذا في الأوسط عن ابن عباس قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي ليلى سيء الحفظ ومندل وثق وفيه ضعف (هق عن ابن عباس) قال الذهبي في المهذب: إسناده ضعيف وروى يعني البيهقي مثله من حديث عائشة وليس بالقوي اه(6/364)
9633 - (ولد الملاعنة عصبته عصبة أمه) فليس له عصبة من جهة أبيه لانتفائه عنه باللعان
(ك عن رجل) من الصحابة(6/364)
9634 - (ولد آدم كلهم تحت لوائي يوم القيامة وأنا أول من يفتح له باب الجنة) وقد مر ما فيه أول الكتاب مبسوطا فتذكر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن حذيفة) بن اليمان(6/364)
9635 - (ولد نوح) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة) من الرجال (سام وحام ويافث) وسيأتي بيانهم في الحديث بعده
(حم ك) في أخبار الأنبياء (عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/364)
9636 - (ولد نوح ثلاثة قسام أبو العرب وحام أبو الحبشة ويافث أبو الروم) قال الزين العراقي في كتاب القرب في فضل العرب: وقع لنا من حديث أبي هريرة مخالفا لحديث سمرة هذا في بعض وهو ما رواه أبو بكر البزار في مسنده عن أبي هريرة مرفوعا ولد نوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان اه. قال: وهذا مخالف لحديث سمرة [ص:365] وحديث سمرة أولى بما هو الصواب
(طب عن سمرة) بن جندب (و) عن (عمران) بن الحصين رمز المصنف لحسنه وحقه الرمز لصحته فقد قال الهيثمي: رجاله موثقون(6/364)
9637 - (ولد لي الليلة) في ذي الحجة سنة ثمان (غلام) من مارية القبطية (سريته فسميته باسم أبي إبراهيم) قال أبو زرعة: إن ذلك عقب ولادته اه وأخذ منه بعض المالكية أنه يسن أن يسمى ساعة ولادته وذهب الجمهور إلى أن السنة تأخيرها إلى يوم السابع تعلقا بخبر يوم سابعه وجمع ابن بزيزة بأن التسمية يوم الولادة والدعاء يوم السابع اه. وهو ركيك
(حم ق د عن أنس) بن مالك تمامه عند مسلم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين يقال له أبو سيف فانطلق يأتيه فتبعته فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ كيره وقد امتلأ البيت دخانا فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول فقال أنس: لقد رأيته وهو يكبد نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدمعت عيناه فقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون(6/365)
9638 - (وهبت خالتي فاختة بنت عمرو) الزهرية (غلاما) في رواية أبي داود وأنا أرجو أن يبارك لها فيه (وأمرتها أن لا تجعله جازرا ولا صائغا ولا حجاما) لأن الجازر والحجام يخامران النجاسة ويباشرانها والصائغ في صنعته الغش وفيه كراهة الاحتراف بهذه الصنائع الثلاثة لما ذكر
(طب عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه ورواه الدارقطني عن عمر قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي متروك اه. فرمز المؤلف لحسنه لا يحسن وقال عبد الحق: لا يصح لأن فيه أبا ماجدة وقال ابن القطان: أبو ماجدة لا يعرف وغيره هذا منكر(6/365)
9639 - (ويح) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقه وهما منصوبان إذا أضيفا بإضمار فعل وكذا إذا نكر أو يجوز ويح لزيد وويل له بالرفع على الابتداء قال الزمخشري: ويح وويب وويس ثلاثتها في معنى الترحم وقيل ويح رحمة لنازل به بلية وويس رأفة واستملاح وويب كويح وأما ويل فشتم ودعاء بالهلكة وعن الفراء أن ويح كلمة شتم ودعاء استعملوها استعمال قاتله الله في محل الاستعجاب ثم استعظموها فكفوا عنها بويح وأخويه اه (الفراخ فراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف) قالوا المراد يزيد بن معاوية وأضرابه من خلفاء بني أمية
(ابن عساكر) في تاريخه (عن سلمة بن الأكوع) ورواه عنه أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور(6/365)
9640 - (ويح عمار) بالجر على الإضافة وهو ابن ياسر (تقتله الفئة الباغية) قال القاضي في شرح المصابيح: يريد به معاوية وقومه اه وهذا صريح في بغي طائفة معاوية الذين قتلوا عمارا في وقعة صفين وأن الحق مع علي وهو من الإخبار بالمغيبات (يدعوهم) أي عمار يدعو الفئة وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه بوقعة صفين في الزمان المستقبل (إلى الجنة) أي إلى سببها وهو طاعة الإمام الحق (ويدعونه إلى) سبب (النار) وهو عصيانه ومقاتلته قالوا وقد وقع ذلك في يوم صفين دعاهم فيه إلى الإمام الحق ودعوه إلى النار وقتلوه فهو معجز للمصطفى وعلم من أعلام نبوته وإن قول بعضهم المراد أهل مكة الذين عذبوه أول الإسلام فقد تعقبوه بالرد قال القرطبي: وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحها ولما لم يقدر معاوية على إنكاره قال: إنما قتله من [ص:366] أخرجه فأجابه علي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه قال ابن دحية: وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون ببغيهم وقال الإمام أبو منصور في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السنة: أجمعوا أن عليا مصيب في قتاله أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة وأهل صفين معاوية وعسكره اه. (تتمة) في الروض الأنف أن رجلا قال لعمر رضي الله تعالى عنه: رأيت الليلة كأن الشمس والقمر يقتتلان ومع كل نجوم قال عمر: مع أيهما كنت قال: مع القمر قال: كنت مع الآية الممحوة اذهب ولا تعمل لي عملا أبدا فعزله فقتل يوم صفين مع معاوية واسمه حابس بن سعد
(حم خ عن أبي سعيد) الخدري قال: كنا نحمل في بناء المسجد لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح إلخ قال المصنف في الخصائص: هذا الحديث أي حديث عمار متواتر ورواه من الصحابة بضعة عشرة(6/365)
9641 - (ويحك أوليس الدهر كله غدا) قاله لابن سراقة وقد قال له وهو متوجه إلى أحد يا رسول الله قيل لي إنك تقتل غدا فذكره فإن قيل ويح كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها كنا تقرر فما وجه الترحم على هذا القائل الجافي قلت الترحم عليه من حيث النظر لقلة فهمه وبلادة ذهنه وجمود طبعه حيث لم يتفطن إلى أن المراد بغدا ما يستقبل من الزمان
(ابن قانع) في المعجم (عن جعال) وقيل جعيل (ابن سراقة) الغفاري أو الضمري من أهل الصفة شهد أحدا(6/366)
9642 - (ويحك إذا مات عمر) بن الخطاب الذي يفر منه الشيطان (فإن استطعت أن تموت فمت) قاله لرجل باعه إبلا بتأخير فلقيه علي فأخبره فقال: ارجع إليه فقل يا رسول الله إن حدث بك حدث فمن يقضيني ففعل فقال أبو بكر فقال له فقل له فإن حدث بأبي بكر ففعل فقال عمر ففعل فقال قل له إن حدث بعمر ففعل
(طب عن عصمة بن مالك) قال: قدم رجل من أهل البادية بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه علي فقال: ما أقدمك قال: قدمت بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنقدك قال: لا لكن بعتها بتأخير قال: ارجع إليه وقل له إن حدث بك حادث فمن يقضيني قال أبو بكر قال فإن حدث بأبي بكر قال عمر فقال إذا مات عمر فمن يقضي فذكره قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا اه فرمز المؤلف لحسنه غير حسن(6/366)
9643 - (ويل) أي تحسر وهلك وهو في الأصل مصدر لا فعل له وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء ذكره القاضي والخبر قوله (للأعقاب) أي التي لا ينالها ماء الطهر فاللام للعهد كما عليه البيضاوي كالباحي واحتمال إرادة الجنس بعيد لأنه يخرجه عن كونه وعيدا على الإخلال ببعض الوضوء وعلى هذا التقرير فالعقاب مخصوص بالأعقاب التي وقع التقصير في غسلها وقيل بل التقدير ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها (من النار) في محل رفع صفة لويل ذكره الزركشي وغيره ومنع أبو البقاء تعلقه بويل من أجل الفصل بينهما وقال ابن فرحون: هو متعلق بمتعلق الخبر ومثل الأعقاب ما يشاركها في ذلك من بقية الأعضاء وهذا الحديث ورد على سبب وهو أنه رأى قوما يمسحون على أرجلهم فنادى بأعلى صوته وبل إلخ مرتين أو ثلاثا ولو كان الماسح مؤديا للفرض لما توعد بالنار فبطل مذهب الشيعة الموجبين للمسح. [ص:367]
(حم ق د ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص (حم ق ت هـ عن أبي هريرة) ورواه أيضا مسلم عن عائشة وزاد قصته فقال: عن سالم مولى شداد دخلت على عائشة يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها فقالت له أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته قال المصنف: حديث متواتر(6/366)
9644 - (ويل) قيل أصله وي فوصلوه باللام وقدروا أنها منه فأعربوه يقال وي لفلان أي حزن له وقيل ويلك وهو قبيح على المخاطب فعله (للأعقاب وبطون الأقدام) جمع قدم وهو ما يقوم عليه الشيء ويعتمد (من النار) فمن توضأ كما توضأ المبتدعة فلم يغسل باطن قدميه ولا عقبه بل يمسح ظهرهما فالويل لعقبه وباطن قدميه من النار أو الويل لفاعل ذلك على ما تقرر فعلم منه أن فرض الرجلين الغسل لا المسح وأن الجسد يعذب خلافا لبعض الفرق الزائغة. قيل نظر أبو هريرة إلى شاب وضيء فقال أرى لك قدمين نظيفين فابتغ بينهما موقفا صالحا يوم القيامة وإنما خص الأعقاب وبطون الأقدام لغلبة التساهل فيها والتهاون بها
(حم ك) في الطهارة وكذا الدارقطني (عن عبد الله بن الحارث) بن جزء الزبيدي قال الحاكم: صحيح ولم يخرج بطون الأقدام وأقروه عليه. قال الذهبي في المهذب: حديث أحمد صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات(6/367)
9645 - (ويل) كلمة عذاب أو واد بجهنم أو صديد أهل النار قال ابن جماعة: لم يجيء في القرآن إلا وعيدا لأهل الجرائم (للأغنياء من الفقراء) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الطبراني يقولون يوم القيامة ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله عز وجل وعزتي لأدنينكم ولأباعدنهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} اه بنصه ومن كلامهم البليغ ويل للمساكين بتشديد السين من المساكين
(طس عن أنس) بن مالك وفيه جنادة بن مروان قال الذهبي في الضعفاء: ضعفه أبو حاتم فيقال ليس بقوي واتهم بحديث(6/367)
9646 - (ويل للعالم من الجاهل) حيث لم يعلمه معالم الدين ويرشده إلى طريقه المبين مع أنه مأمور بذلك (وويل للجاهل من العالم) حيث أمره بمعروف أو نهاه عن منكر فلم يأتمر بأمره ولم ينته بنهيه إذ العالم حجة الله على خلقه قال الشافعي: العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم
(ع عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا في مسند الفردوس قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف(6/367)
9647 - (ويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة ولا يترحم عليه بخلاف ويح كذا في التنقيح (للعرب) يعني المسلمين (من شر قد اقترب) وهو الفتن التي حدثت بينهم من قتل عثمان وخروج معاوية على علي قال ابن حجر: ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة كما وقع في حديث آخر: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قضعتها والخطاب للعرب (أفلح من كف يده) عن القتال ولسانه عن الكلام في الفتن لكثرة الخطر أو أراد ما يقع من مفسدة يأجوج ومأجوج أو من التتار من المفاسد الهائلة التي قالوا إنه لم يسمع وقوع مثلها في العالم من بدء الدنيا إلى الآن وقال القرطبي: أخبر بما يكون بعده بين العرب وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم من الملك والدولة وصار ذلك في غيرهم من الترك والعجم وتشتتوا في البوادي بعد أن كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه الصلاة والسلام وما جاءهم به من الإسلام فلما كفروا النعمة فقتل بعضهم بعضا وسلب بعضهم أموال بعض سلبها الله منهم ونقلها لغيرهم {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم}
(د ك) في الفتن (عن أبي هريرة) قال: خرج النبي [ص:368] صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول لا إله إلا الله ويل للعرب إلخ قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه انقطاعا ثم إن هذا الحديث قد رواه الشيخان في صحيحيهما بزيادة ونقص ولفظه ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها قيل يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث(6/367)
9648 - (ويل للذي يحدث فيكذب) في حديثه (ليضحك به القوم ويل له ويل له) كرره إيذانا بشدة هلكته وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل فضيحة فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة كان أقبح القبائح ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة
(حم د) في الأدب (ت) في الزهد (ك) في الإيمان (عن) بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (معاوية بن حيدة) وبهز بن حكيم سبق بيان حاله ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير(6/368)
9649 - (ويل للمالك من المملوك) حيث كلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام أو قصر في القيام بحقه من نفقة وغيرها ونحو ذلك (وويل للمملوك من المالك) حيث لم يقم بما فرض عليه من حسن خدمته والجهد في نصيحته وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البزار وويل للغني من الفقير وويل للشديد من الضعيف وويل للضعيف من الشديد اه. بنصه
(البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان قال الهيثمي: ورواه البزار عن شيخه محمد بن الليث وقد ذكره ابن حبان في الثقات قال: يخطىء ويخالف وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه أيضا أبو يعلى وغيره(6/368)
9650 - (ويل للمتألين من أمتي) قيل من هم قال (الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار) أو ليكونن كذا أو ليغفرن الله لفلان أو لا يغفر له
(تخ عن جعفر العبدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين بينهما موحدة ساكنة نسبة إلى عبد القيس من ربيعة ينسب إليه خلق كثير (مرسلا) ورواه القضاعي مسندا(6/368)
9651 - (ويل للمكثرين إلا من قال بالمال هكذا وهكذا) أي فرقه على من عن يمينه وشماله من الفقراء وأهل الحاجة والمسكنة وهذا من أدلة من فضل الفقر على الغنى
(هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز لحسنه(6/368)
9652 - (ويل للنساء من الأحمرين الذهب والمعصفر) قال في مسند الفردوس: يعني يتحلين بحلي الذهب ويلبسن الثياب المزعفرة وبتبرجن متعطرات متبخترات كأكثر نساء زمننا فيفتن بهن اه
(هب عن أبي هريرة) وفيه عباد بن عباد وثقه ابن معين وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير فاستحق الترك نقله الذهبي ورواه أيضا أبو نعيم في الصحابة بهذا اللفظ لكنه قال الزعفران بدل المعصفر قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف(6/368)
[ص:369] 9653 - (ويل للوالي من الرعية إلا واليا يحوطهم من ورائهم بالنصيحة) أي يحفظهم بها يقال حاطه يحوطه حوطا وحيطة وحياطة إذا كلأه ورعاه قال القاضي: والمراد بالنصيحة إرادته الخير لهم والصلاح ومنه سمي الخياط ناصحا لأنه يصلح
(الروياني) في مسنده (عن عبد الله بن مغفل)(6/369)
9654 - (ويل لأمتي من علماء السوء) وهم الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة فالواحد منهم أسير الشيطان أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته ومن هذا حاله فضرره على الأمة من وجوه كثيرة منها الاقتداء به في أفعاله وأقواله ومنها تحسينه للحكام ظلم الأنام وتساهله في الفتوى لهم وإطلاقه القلم واللسان بالجور وبالبهتان استكبارا أن يقول فيما لا علم عنده به لا أدري قال الغزالي: آفة العلم الخيلاء فلم يلبث العالم أن يتعزز بالعلم ويستعظم نفسه ويحتقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم ويستجهلهم ويترفع أن يبدأه بالسلام فإن بدأ أحدهم بالسلام أو رد عليه ببشر أو قام له أو أجاب له دعوة رأى ذلك صنيعة عنده وبرا عليه يلزمه شكره واعتقد أنه أكرمهم وفعل بهم ما لا يستحقونه وأنه ينبغي أن يخدموه شكرا له على صنيعته بل الغالب أيهم يبرونه ولا يبرهم ويزورونه ولا يزورهم ويستخدم من خالطه منهم ويسخره في حوائجه فإن قصر استنكره كأنهم عبيده أو أجراؤه وكأن تعلمه العلم صنيعة منه لديه ومعروف إليه أو استحقاق حق عليه. وقال الماوردي: الدنيا دار مرضى إذ ليس في بطن الأرض إلا ميت ولا على ظهرها إلا سقيم ومرض القلوب أكثر من مرض الأبدان والعلماء أطباء القلوب وقد مرضوا في هذه العصور مرضا شديدا عجزوا عن علاجه وصارت لهم أسوة في عموم المرض حتى ظهر نقصانهم فاضطروا إلى إغراء الخلق وإرشادهم إلى ما يزيدهم مرضا وهو حب الدنيا الذي تلبسوا به لما لم يقدروا على التحذير منه حذرا أن يقال لهم فما بالكم تأمرون بالعلاج وتنسون أنفسكم؟ فلذلك عم الداء وعظم الوباء وانقطع الدواء وهلك الخلق لفقد الأطباء بل اشتغل الأطباء بفنون الإغواء فليتهم إذ لم يصلحوا لم يفسدوا وليتهم سكتوا وما نطقوا فإنهم لم يهمهم في مواعظهم إلا ما يزعق العوام ويستميل قلوبهم من تسجيع الكلام وتغليب أسباب الرجاء وذكر دلائل الرحمة لأن ذلك ألذ في الأسماع وأخف على الطباع لينصرف الخلق عن مجالس الوعظ وقد استفادوا مزيد جراءة على المعاصي ومتى كان الطبيب جاهلا أو خائنا يضع الدواء في غير موضعه فالرجاء والخوف دواءان لكن لشخصين متضادي العلة
(تتمة) قال الحكيم: علماء السوء ضربان ضرب مكب على حطام الدنيا لا يسأم ولا يمل قد أخذ بقليه حبها وألزمه خوف الفقر فهو كالهمج يتقلب في المزابل من عذرة إلى عذرة ولا يتأذى بسوء رائحتها وإكبابه عليها كإكباب الخنازير فمسخوا في صورة الخنازير وضرب أهل تصنع ودهاء ومخادعة وتزين للمخلوقين شحا على رياستهم يتبعون الشهوات ويلتقطون الرخص ويخادعون الله بالحيل في أمور دينهم فاطمأنوا إلى الدنيا وأسبابها ورضوا من العلم بالقول دون الفعل فإذا حل بهم السخط مسخوا قردة فإن القردة جبلت على الخداع واللعب والبطالة وشأن الخنزير الإكباب على المزابل والعذرة. واعلم أن قضية كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الحاكم يتخذون هذا العلم تجارة يبيعونها من أمراء زمانهم ربحا لأنفسهم لا أربح الله تجارتهم اه بنصه
<فائدة> روى سحنون عن ابن وهب عن عبد العزيز بن أبي حازم سمعت أبي يقول كان العلماء فيما مضى إذا لقى العالم من هو فوقه في العلم يقول هذا يوم غنيمة وإذا لقى مثله ذاكره وإذا لقى دونه لم يزه عليه واليوم يعيب الرجل من فوقه ابتغاء أن ينقطع عنه حتى يرى الناس أنه ليس بهم حاجة إليه ولا يذاكر مثله ويزهو على من هو دونه فهلك [ص:370] الناس اه هذا في ذاك الزمان فما بالك بالناس الآن وما انطووا عليه من جحد الفضائل مع قيام الدلائل وحب الرياسة والتعظيم والتسارع إلى نبذ من تلوح عليه شواهد العلم بالقصور ويلتمسون بكثرة الانتقاد العثرات ويسترون رسوم الحسنات ببعض السقطات وربما رأى بعضهم استحقاق العلم بالتوارث من الآباء لكون المنصب كان لأبيه وقد نص القرافي أنه من البدع المحرمة
(ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور (عن أنس بن مالك) وفيه إبراهيم بن طهمان مختلف فيه وحجاج بن حجاج قال الذهبي: مجهول(6/369)
9655 - (ويل لمن استطال على مسلم) قال في المناهج: وهو وصف قل من اتصف به إلا وقصرت به الخطى ووقع في ورطات الندم والخطأ (فانتقص حقه) أخذ منه حجة الإسلام أن ذلك كبيرة
(حل عن أبي هريرة) ثم قال: غريب من حديث الثوري تفرد به شعيب بن حرب وبشر بن إبراهيم الأنصاري(6/370)
9656 - (ويل لمن لا يعلم وويل لمن علم ثم لا يعمل) قالها ثلاثا فالعلماء مثل القضاة عالم في الجنة وعالمان في النار والوعيد والتهديد إنما هو على إهمال العلم الشرعي النافع والعمل لوجه الله أما من تعاطى العلم ليدخله في محافل العلماء ويقدمه على الأقران والنظر أو يرفع منصبه في مجالس الأمراء وليتوصل به إلى الصلة والأرزاق وولاية الأوقاف ونحو ذلك فالجهل خير منه والويل لهذا العالم فإن الشيطان قد أغواه وأنساه متقلبه ومثواه ذكره الغزالي
(حل عن حذيفة) وفيه محمد بن عبدة القاضي قال الذهبي: ضعيف وهو صدوق(6/370)
9657 - (ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه واحد من الويل وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع من الويل) أي أن العلم حجة عليه إذ يقال له ماذا عملت فيما علمت وكيف قضيت شكر الله فيه وذلك لأن صدور المعصية منه بترك العمل مع الإنعام عليه والإحسان إليه بتعليمه أقبح ألا ترى إلى قوله سبحانه {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} ومقابلة الإنعام بالمعصية لا شيء أقبح منه ومن ثم كان عقوق الوالدين عظيما لما يجب من شكر أنعمهما وقد خرج البيهقي عن الفضيل أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد
(ص عن جبلة مرسلا) جبلة في الصحب والتابعين متعدد فكان ينبغي تمييزه رواه أحمد وأبو نعيم عن ابن مسعود بلفظ ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات اه لكن ظاهر صنيعهما أنه موقوف(6/370)
9658 - (ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا) أي سنة (قبل أن يبلغ قعره) قال القاضي: معناه أن فيها موضع يدوا فيه من جعل له الويل ولعله سماه بذلك مجازا
(حم ت حب ك) في التفسير (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: وأقره الذهبي وفيه عند أحمد والترمذي ابن لهيعة(6/370)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الواو](6/370)
9659 - (الوائدة) بهمزة مكسورة قبل الدال والوأد دفن الولد حيا والوائدة فاعلة ذلك كان من ديدنهم أن المرأة إذا [ص:371] أخذها الطلق حفر لها حفرة عميقة فجلست عليها والقابلة تحتها ترقب الولد فإن انفصل ذكرا أمسكته أو أنثى ألقتها في الحفرة وأهالت عليها التراب وكانت الجاهلية تفعله خوف إملاق أو عار (والموءودة) قيل أراد بها هنا المفعولة لها ذلك وهي أم الطفل لقوله (في النار) ولو أريد البنت المدفونة لما اتضح ذلك وهذا أولى من ادعاء أنه وارد على سبب خاص وواقعة معينة لا يجوز إجراؤه في غيره لأنه وإن ورد على ذلك لا ينجع في التخلص عن الإشكال كما لا يخفى على أهل الكمال على أن الطيبي رده بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند قيام الشواهد
(د عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى وقد رواه أيضا أحمد والطبراني وغيرهما قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح(6/370)
9660 - (الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب) يعني أن الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان أي شيء يحمله عليه الشيطان وكذا الركبان وهو حث على اجتماع الرفقة في السفر ذكره ابن الأثير
(ك) في الجهاد (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي(6/371)
9661 - (الوالد أوسط أبواب الجنة) أي طاعته وعدم عقوقه مؤد إلى دخول الجنة من أوسط أبوابها ذكره العراقي. وقال البيضاوي: أي خير الأبواب وأعلاها والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوصل به إلى الوصول إليها مطاوعة الوالد ورعاية جانبه وقال بعضهم: خيرها وأفضلها وأعلاها يقال هو من أوسط قومه أي من خيارهم وعليه فالمراد بكونه أوسط أبوابها من التوسط بين شيئين فالباب الأيمن أولها وهو الذي يدخل منه من لا حساب عليه ثم ثلاثة أبواب باب الصلاة وباب الصيام وباب الجهاد هذا إن كان المراد أوسط أبواب الجنة ويحتمل أن المراد أن بر الوالدين أوسط الأعمال المؤدية إلى الجنة لأن من الأعمال ما هو أفضل منه ومنها ما هو دون البر والبر متوسط بين تلك الأعمال وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل أغفل منه قطعة وهي قوله فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيع اه بنصه لأحمد وللترمذي الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيع وفيه أن العقوق كبيرة وفي لفظ له الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب وإن شئت فاحفظ
(حم ت) في البر قال الترمذي: صحيح (هـ) في الطلاق (ك) في الطلاق والبر (عن أبي الدرداء) وسببه أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال: إن أمي لم تزل بي حتى تزوجت وإنها تأمرني بطلاقها فقال: ما أنا بالذي آمرك أن تعقها ولا أن تطلق وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا الطيالسي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب(6/371)
9662 - (الواهب أحق بهبته ما لم يثب) بضم الياء بضبط المصنف (منها) يعني لم يعوض عليها كذا في مسند الفردوس واستدل به الحنفية على أن للواهب الرجوع فيما وهبه لأجنبي بتراضيها أو بحكم حاكم والمالكية على لزوم الإثابة في الهدية
(هق) من حديث عمرو بن دينار (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: سنده ضعيف ورواه ابن ماجه والدارقطني وابن أبي شيبة أيضا والكل ضعيف قال: وفي الباب ابن عباس والدارقطني وإسناده صحيح اه. وبه يعلم أن المصنف لم يصب في صنيعه حيث أهمل الطريق الصحيح وآثر الضعيف واقتصر عليه(6/371)
9663 - (الوتر حق) الحق يجيء بمعنى الثبوت والوجوب. ذهب الحنفية إلى الثاني والشافعية إلى الأول أي ثابت في السنة والشرع وفيه نوع تأكيد (فمن لم يوتر) أي لم يصل الوتر (فليس منا) من اتصالية أي ليس بمتصل بنا ومقتد بهدينا أي [ص:372] هو ثابت في الشرع ثبوتا مؤكدا فعبر به لمزيد حقيقته وإثباته على مذهب الشافعي ولوجوبه على مذهب أبي حنيفة {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات}
(حم د ك) في باب الوتر من حديث أبي المنيب عبيد الله العتكي (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح وأبو المنيب ثقة ورده الذهبي بأن البخاري قال: عنده مناكير اه. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه الخليل بن مرة ضعفه البخاري وأبو حاتم وقال أبو زرعة: شيخ صالح(6/371)
9664 - (الوتر بليل) قال البغوي: وذهب مالك وأحمد إلى أنه لا وتر بعد الصبح وأظهر قولي الشافعي أنه يقضى لخبر من نام عن وتره فليصله إذا أصبح
<فائدة> قال ابن التين وغيره: اختلف في الوتر على أشياء في وجوبه وعدده واشتراط النية فيه واختصاصه بقراءة وفي اشتراط شفع قبله وفي آخر وقته وصلاته في السفر على الدابة وفي قضائه والقنوت فيه وفي محل القنوت منه وفيما يقال فيه وفي فصله ووصله وهل تسن ركعتان بعده وفي كونه أفضل النفل
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري رمز لحسنه(6/372)
9665 - (الوتر ركعة من آخر الليل) قال الطيبي: من آخر الليل خير موصوف أي ركعة منشأة من آخر الليل أي آخر وقتها آخر الليل وفيه حجة للشافعي في صحة الإيتار بركعة وندبه آخر الليل أي لمن وثق باستيقاظه وادعى الحنفية نسخه
(م د ن عن ابن عمر) بن الخطاب (حم طب عن ابن عباس)(6/372)
9666 - (الوحدة خير من جليس السوء) لما في الوحدة من السلامة وهي رأس المال وقد قيل لا يعدل بالسلامة شيء وجليس السوء يبدي سوءه والنفس أمارة بالسوء فإن ملت إليه شاركك وإن كففت عنه نفسك شغلك ولهذا كان مالك بن دينار كثيرا ما يجالس الكلاب على المزابل ويقول هم خير من قرناء السوء (والجليس الصالح خير من الوحدة) فإن مجالسته غنييمة وربح وفيه حث على إيثار الوحدة إذا تعذرت صحبة الصالحين وحجة لمن فضل العزلة وأما الجلساء الصالحون فقليل ما هم وقد ترجم البخاري على ذلك باب العزلة راحة من خلاط السوء قال ابن حجر: هذا أثر خرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر لكنه منقطع وأخرج ابن المبارك عن عمر خذوا حظكم من العزلة وما أحسن قول الجنيد: مكابدة العزة أيسر من مداراة الخلطاء وقال الغزالي: عليك بالتفرد عن الخلق لأنهم يشغلونك عن العبادة قال بعضهم: مررت بجماعة يترامون وواحد جالس بعيد عنهم فأردت أن أكلمه فقال: ذكر الله أشهى من كلامك قلت: إنك وحدك قال: معي ربي قلت: من سبق من هؤلاء قال: من غفر له قلت: أين الطريق فأشار بيده إلى السماء وقام وتركني وقال حاتم الأصم: طلبت من هذا الخلق خمسة أشياء فلم أجدها طلبت منهم الطاعة والزهادة فلم يفعلوها فقلت: أعينوني عليها إن لم تفعلوا فقلت: ارضوا مني إن فعلت فلم يفعلوا فقلت: لا تمنعوني منها إذا فلم يفعلوا فقلت: لا تدعوني إلى معصية فلم يفعلوا فتركتهم ووجد مع داود الطائي كلب فقيل: ما هذا الذي تصحبه قال: هذا خير من جليس السوء وقد قيل: " وكل قرين بالمقارن يقتدي " وقال العارف أبو المواهب الشاذلي: الملحوظ بالتعظيم العين تلحظه بالوقار فلذلك ينبغي له مصاحبة الأبرار ومباينة الأشرار صونا له من العار:
العيب في الجاهل المغمور مغمور. . . وعيب ذي الشهرة المشهور مشهور
وفي الحكم: صغيرة الكبير كبيرة وكبيرة الصغير صغيرة ونظمه بعضهم فقال: [ص:373]
فصغائر الرجل الكبير كبائر. . . وكبائر الرجل الصغير صغائر
واعلم أن خواص الخواص يرون أن كل مشتغل بغير الله ولو مباحا صحبته من قبيل أهل الشر وملحقة به وأن أهل الجد والتشمير ممن لم يبلغ مرتبة أولئك يرى أن صحبة أهل البطالة بل صحبة من لم يشاركهم في التشمير كصحبة أهل الشر وقال بعضهم: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار
(تتمة) قال الغزالي: وفي الحديث إشارة إلى أن الطريق العدل أن تخالط الناس وتشاركهم في الخيرات وتباينهم فيما سوى ذلك (وإملاء الخير) على الملك من أفعالك وأقوالك بالعلم وتكراره ونشره (خير من السكوت) وفي أثر أنت في سلامة ما سكت فإذا نطقت فإما لك أو عليك بل قد يجب الإملاء ويحرم السكوت وأمثلته لا تخفى (والسكوت خير من إملاء الشر) وفائدة الحديث أنه متى لم يتهيأ لك الخير فأمسك عن الشر تظفر بالسلامة
(ك) في المناقب (هب) من حديث ابن أبي عمران (عن أبي ذر) قال: صدقت أتيت أبا ذر فوجدته في المسجد محتبيا بكساء أسود فقلت: ما هذه الوحدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الذهبي: لم يصح ولا صححه الحاكم اه وقال ابن حجر: سنده حسن لكن المحفوظ أنه موقوف على أبي ذر اه ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي وابن عساكر في تاريخه(6/372)
9667 - (الود والعداوة يتوارثان) أي يرثهما الفروع عن الأصول جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
(أبو بكر في) كتاب (الغيلانيات عن أبي بكر) الصديق ورواه الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك(6/373)
9668 - (الود يتوارث والبغض يتوارث) أي يرثه الأقرباء بعد مورثهم وفيه تنبيه على محبة المتقين لنفسك ليرثه عنك وارثك فينتفع بودهم في الدنيا من مواصلتهم والتعلم منهم وفي الأخرى وعلي بغض الفجرة لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله فتنتفع به عاجلا في البعد منهم وآجلا فيرثه ولدك فينتفع به كما انتفعت وفيه تحذير عن بغض أهل الصلاح فإنه يضر في الدارين ويرثه الأعقاب فيضرهم وهذا بمعنى ما اشتهر على الألسنة ولا أصل له من خبر محبة في الآباء صلة في الأبناء ذكره السخاوي وقد عدوا من أنواع التآلف والتودد تآلف صديق الصديق والتودد إليه واستأنسوا له بهذا الحديث
(طب ك) في البر والصلة من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة المليكي عن محمد بن طلحة عن أبيه (عن عفير) بالتصغير قال طلحة: إن رجلا من العرب كان يغشى أبا بكر يقال له عفير فقال له أبو بكر: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الود فذكره قال الحاكم: صحيح وشنع عليه الذهبي بأن المليكي واه وبأن فيه انقطاعا(6/373)
9669 - (الود الذي يتوارث في أهل الإسلام) أما الكفار فلا تودوهم وقد عاداهم الله ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله ولا تكرموهم وقد أهانهم الله
(طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف(6/373)
9670 - (الورع) بكسر الراء (الذي يقف عند الشبهة) أي الفعلة التي تشبه الحلال من وجه والحرام من وجه فيشتبه على للسالك الأمر فيها فالورع تركها احتياطا وحذرا من الوقوع في الحرام دع ما يريبك ولهذا ندبوا الخروج من الخلاف لكونه أبعد عن الشبهة وذا في شبهة لا يعارضها رخصة من الشارع وإلا ففعلها أولى من تجنبها كأن شك في الحدث [ص:374] في الصلاة فيحرم عليه قطعها ولا نظر لما ذكره بعض المتعمقين من إيجابه قال بعض المحققين: وينبغي أن التدقيق في التوقف عن الشبه إنما يصلح لمن استقامت أحواله وتشابهت أعماله في التقوى والورع فقد قال ابن عمر لما سأله أهل العراق عن دم البعوض: أتسألون عنه وقد قتلتم الحسين واستأذن رجل أحمد أن يكتب من محبرته فقال: أكتب هذا ورع مظلم وقال لآخر: لم يبلغ ورعي ورعك هذا
(طب عن واثلة) بن الأسقع(6/373)
9671 - (الوزغ) بفتح الواو وسكون الزاي آخره معجمة (فويسق) تصغير ذم وتحقير قال القرطبي: سمي به لخروجه عن جنس الحيوان للضرر أو لخروجه عن حكم الحيوان المحترم الذي يمتنع قتله قال النووي: والفسق الخروج عن الطريق المستقيم وهذا كالفواسق الخمس خرجت عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر والأذى اه وقضية تسميته فويسقا حل قتله واتفقوا على أنه من الحشرات المؤذيات. وفي الصحيحين الأمر بقتله ولا ينافيه كون عائشة لم تسمعه فقد سمعه غيرها بل جاء عنها من وجه آخر عند أحمد وابن ماجه أنه كان في بيتها رمح فسئلت عنه فقالت: نقتل به الوزغ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه لكن قال ابن حجر: الذي في الصحيح أصح
(ن عن عائشة) قضية كلامه أن هذا لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وهو ذهول فقد عزاه الديلمي للبخاري باللفظ المزبور ثم رأيته في كتاب الحج بلفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق هكذا رواه فيه عن عائشة(6/374)
9672 - (الوزن وزن أهل مكة) أي الوزن المعتبر في أداء الحقوق الشرعية إنما يكون بميزان أهل مكة لأنهم أهل تجارات فعهدهم للموازين وخبرتهم للأوزان أكثر (والمكيال مكيال أهل المدينة) أي والمكيال المعتبر فيما ذكر إنما هو مكيال أهل المدينة لأنهم أصحاب زراعات فهم أعرف بأحوال المكاييل قال القاضي: وهذا الحديث فيما يتعلق بالكيل والوزن من حقوق الله تعالى كالزكاة والكفارة حتى لا تجب الزكاة في الدراهم حتى تبلغ مائتي درهم بوزن مكة والصاع في صدقة الفطر صاع أهل المدينة كل صاع خمسة أرطال وثلث وقال إمام الحرمين في معنى هذا الحديث: لعل اتخاذ المكاييل كان يعم في المدينة واتخاذ الموازين كان يعم بمكة فخرج الكلام على العادة وإلا فلا خلاف أن أعيان مكاييل المدينة وموازين مكة لا ترعى ويجوز أن يقال ما تعلق بالوزن من النصب وأقدار الديات وغيرها فالاعتبار فيه بوزن مكة وما تعلق بالكيل في نحو زكاة وكفارة يعتبر ما كان يغلب بالمدينة اه قال العلائي: والثاني أقوى والأول جوابه أنه ليس القصد عين الموازين بل الصنجة التي يوزن بها فهو من التعبير بأحد المتلازمين عن الآخر
(د ن عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه ابن حبان والدارقطني والنووي وابن دقيق العيد والعلائي ورواه بعضهم عن ابن عباس قيل وهو خطأ ورمز المصنف لحسنه(6/374)
9673 - (الوسق) بفتح الواو أشهر من كسرها (ستون صاعا) والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي
(حم هـ عن أبي سعيد) الخدري (هـ عن جابر) بن عبيد الله قال ابن حجر: أما رواية ابن ماجه عن جابر فإسناده ضعيف وأما رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد فمن طريق البحتري عنه قال أبو داود: وهو منقطع لم يسمع أبو البحتري من أبي سعيد اه(6/374)
9674 - (الوسيلة درجة عند الله) في الجنة (ليس فوقها) في الشرف والرفعة (درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة) فإنه من [ص:375] طلب له ذلك حلت له شفاعته كما جاء في خبر
(حم عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وهو ذهول عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف اه وأقول: رواه ابن لهيعة عن موسى وردان وموسى هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود(6/374)
9675 - (الوضوء مما مسته النار) بنحو قلي أو شي أو طبخ أو نحوها قال ابن الأثير: يريد غسل اليد والفم منه وقيل هو على ظاهره لكنه منسوخ
(م عن زيد بن ثابت)(6/375)
9676 - (الوضوء مما مسته النار ولو من ثور أقط) أي قطعة من الأقط وهو لبن جامد
(ت عن أبي هريرة) وقال: حسن(6/375)
9677 - (الوضوء مرة مرة) أي للواجب إنما هو ذلك والتثليث إنما هو سنة وقد قام الإجماع على ذلك
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وهو تقصير بل حقه الرمز لصحته فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(6/375)
9678 - (الوضوء يكفر ما قبله) من الذنوب يعني الصغائر على ما مر تقريره غير مرة (ثم تصير الصلاة) التي بعده (نافلة) وفي رواية الطيالسي الوضوء يكفر ما قبله من ذنب مع توبة وتصير الصلاة نافلة اه
(حم عن أبي أمامة) رمز لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال المنذري والهيثمي: سنده صحيح(6/375)
9679 - (الوضوء مما خرج) من أحد السبيلين عند المالكية والشافعية ولو رأس إبرة ودودة وعادة وريحا من قبل وقال الحنابلة بعمومه فأوجبوا الوضوء بخروج النجاسة من غيرهما إذا فحش (وليس مما دخل) تمامه عند الطبراني والصوم مما دخل وليس مما خرج وفي رواية الدارقطني يدخل ويخرج بصيغة المضارع
<تنبيه> قال السهرودي كالحكيم الترمذي: حكمة وجوب الوضوء أن الشيطان قد وجد سبيلا إلى جوف ابن آدم كما أشار إليه الخبر المار وهو أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في الجسد فأمر آدم وولده بالوضوء لمجرى الشيطان ونجاسته فأمر بغسل أطرافه وهي خمسة الجناحان والرأس والقدمان فجعل الله الماء طهورا من آفاته الظاهرة وهي ما يخرج من الأذى من بول أو غائط ورائحتها ومعدته في مجمع الطعام وموضع الروث مجلسه وهو ينفخ فيه فإذا خرج الصوت هيج عليك الضحك فإذا ضحك أحد منك سخر الشيطان ولذلك جعل بعض الأئمة الضحك في الصلاة حدثا فجعل الله الماء طهورا للمؤمن من آفاته الظاهرة والباطنة فالظاهرة لتطهير جوارحه من تلك الأقذار والباطنة ليرد عليه ما ذهب من حياة القلب بطهارته
(هق) من رواية إدريس الخولاني عن الفضل بن المختار عن ابن أبي ذؤيب عن شعبة مولى ابن عباس (عن ابن عباس) ثم قال عقبه أعني البيهقي: هذا لا يثبت اه قال الذهبي في المهذب: وشعبة ضعفوه والفضل واه وصوابه موقوف اه وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن عدي: لعل البلاء فيه من الفضل بن المختار وقال ابن حجر: فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا وشعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة وسنده أضعف من الأول اه وقال الغرياني في حاشية مختصر الدارقطني: فيه الفضل بن المختار مجهول يحدث عن ابن أبي ذؤيب بالأباطيل(6/375)
9680 - (الوضوء من كل دم سائل) أي يجب من خروج كل دم من أي موضع كان من البدن إذا سال حتى تجاوز موضع [ص:376] التطهير فإن خرج ولم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير لم يجب الوضوء هذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وذهب الشافعي إلى أنه لا نقض بما خرج من غير المخرج المعتاد أو ما قام مقامه وضعف الحديث وبتقدير صحته يحمل على الوضوء اللغوي لا الشرعي جمعا بين الأدلة أو لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم احتجم وغسل محاجمه وصلى ولم يتوضأ
(قط) من حديث عمر بن عبد العزيز (عن تميم) الداري قال مخرجه الدارقطني: عمر لم يسمع تميما ولا رآه وفيه يزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان اه قال الذهبي: فيه مجهولان وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الهداية: فيه ضعف وانقطاع وخرجه ابن عدي من حديث زيد بن ثابت وقال في تخريج المختصر: حديث غريب ضعيف(6/375)
9681 - (الوضوء شطر الإيمان) لأن الإيمان يطهر نجاسة الباطن والطهور يطهر الظاهر (والسواك شطر الوضوء) لأنه ينظف الباطن
(ش عن حسان بن عطية مرسلا) هو أبو بكر المحاربي ثقة عابد نبيل لكنه قدري(6/376)
9682 - (الوضوء قبل الطعام حسنة وبعد الطعام حسنتان) أراد بالوضوء غسل اليد وقيل الوضوء الشرعي قال الجلال في الخصائص: إنما كان غسل اليدين بعد الطعام بحسنتين لأنه شرعه وقبله بحسنة لأنه شرع التوراة
(ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور من رواية الحكم بن عبد الله الأبلي عن الزهري عن سعيد بن المسيب (عن عائشة) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: والحكم هذا متروك متهم بالكذب(6/376)
9683 - (الوضوء قبل الطعام وبعده ينفي الفقر) لأن في غسل اليد قبله وبعده شكرا للنعمة ووفاء بحرمة الطعام المنعم به والشكر يوجب المزيد (وهو من سنن المرسلين) أي من طريقتهم المسلوكة المتعارفة بينهم
(طس) من رواية نهشل عن الضحاك (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه نهشل بن سعيد متروك وقال شيخه الحافظ الزين العراقي: نهشل ضعيف جدا والضحاك لم يسمع من ابن عباس وقال ولده الوالي العراقي: سنده ضعيف لكن له شواهد وهي وإن كانت كلها ضعيفة كما قاله الحافظ المذكور لكنها تكسبه فضل قوة منها خبر القضاعي في مسند الشهاب عن موسى الرضى عن آبائه متصلا الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم وفي رواية عنه ينفي الفقر قبل الطعام وبعده وخبر أبي داود والترمذي عن سلمان بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده(6/376)
9684 - (الوقت الأول من الصلاة رضوان الله) قال الطيبي: الوقت مبتدأ ومن الصلاة بيان للوقت وضوان الله خبر إما بحذف المضاف أي الوقت الأول سبب رضوان الله أو على المبالغة وأن الوقت الأول عين رضا الله كقولك رجل صوم ورجل عدل (والوقت الآخر) منه (عفو الله) قال الشافعي: رضوان الله إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه أن يكون من المقصرين وأفاد أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل حتى الصبح عند الشافعية فلا يندب الإسفار به خلافا للحنفية وقال الحنابلة إن حضر الجيران غلس وإلا أسفر
(ت) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما زعم فقد قال في المهذب: قال ابن عدي: هذا باطل ويعقوب بن الوليد أحد رجاله كذبه أحمد وسائر الحفاظ وقد روي بأسانيد أخر واهية إلى هنا كلامه وقال ابن الجوزي: قال ابن حبان: ما رواه إلا يعقوب وكان يضع الحديث على الثقات وقال أحمد: كان من الكذابين الكبار ورواه الدارقطني باللفظ المزبور وقال: فيه يعقوب بن الوليد كذاب(6/376)
9685 - (الولاء) بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح (لمن أعطى الورق) بكسر الراء الفضة والمراد الثمن [ص:377] وعبر بالورق لأنه الغالب في الأثمان وقد جاء ذلك مصرحا في رواية الترمذي ولفظه إنما الولاء لمن أعطى الثمن (وولي النعمة) أي أعتق ومطابقته لقوله الولاء لمن أعتق أن صحة العتق تستدعي سبق ملك والملك يستدعي ثبوت العوض قال ابن بطال وغيره: اقتضى الحديث أن الولاء لكل معتق ذكرا أو أنثى وهو إجماع وأما جر الولاء فليس للنساء إلا ما أعتقن أو جر إليهن من أعتقن بولادة أو عتق آخر قال ابن العربي: وقوله ولي النعمة إشارة إلى مقدار الحرية وهي من أعظم النعم على العبد أن خلقه حرا فإذا طرأ عليه الرق فأجل نعمه خروجه عنه ولذلك كان أعظم جزاء من الولد للوالد
(ق 3 عن عائشة) قالت: اشتريت بريرة فشرط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكره(6/376)
9686 - (الولاء لمن أعتق) فيه حجة للشافعي على نفي ولاء الموالاة بجعل لام الولاء للجنس: وقال الحنفية: هي للعهد فلا ينفيه وفيه دليل على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولادة من الأب
(حم طب) وكذا الخطيب (عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه النضر أبو عمرو وقد وثقه جمع وضعفه بعضهم وبقية رجاله ثقات وقضية تصرف المصنف أن ذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو غفلة فقد قال ابن حجر: متفق عليه من حديث عائشة اه. والعجب أن المصنف نفسه في الأزهار عزاه للشيخين معا من حديث عائشة وذكر أنه متواتر(6/377)
9687 - (الولاء لحمة) بضم اللام (كلحمة النسب) أي اشتراك واشتباك كالسدي مع اللحمة في النسج (لا يباع ولا يوهب) أي بمنزلة القرابة فكما لا يمكن الانفصال منها لا يمكن الانفصال عنه قال ابن بطال: أجمعوا على أنه لا يجوز تحويل النسب وإذا كان حكم الولاء حكم النسب لا ينقل وكانوا في الجاهلية ينقلونه في البيع فجاء الشرع بإبطاله وقال ابن العربي: معنى أن كلحمة النسب أنه تعالى أخرجه بالحرية إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسا لأن العبد كالمعدوم في حق الأحكام ولا يشهد ولا يقضي ولا يلي فأخرجه السيد بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها فلما أشبه حكم النسب أنيط بالمعتق فجعل الولاء له وألحق برتبة النسب في منع البيع وغير ذلك
(طب عن عبد الله بن أبي أوفى) قال الهيثمي: وفيه عبيد بن القاسم وهو كذاب (ك) في الفرائض (هق) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي وشنع فقال: قلت بالدبوس(6/377)
9688 - (الولد) يقع على الذكر والأنثى والمفرد والجمع (للفراش) أي هو تابع للفراش أو محكوم به للفراش أي لصاحبه زوجا كان أو سيدا لأنهما يفترشان المرأة بالاستحقاق سواء كانت المفترشة حرة أو أمة عند الشافعي وخصه الحنفية بالحرة وقالوا ولد الأمة لا يلحق سيدها ما لم يقر به اه. ومحل كونه تابعا للفراش إذا لم ينفه بما شرع له كاللعان وإلا انتفى ومثل الزوج أو السيد هنا واطئ بشبهة وليس لزان في نسبه حظ إنما حظه منه استحقاق الحد كما قال (وللعاهر) الزاني يقال عهر إلى المرأة إذا أتاها ليلا للفجور بها والعهر بفتحتين الزنا (الحجر) أي حظه ذلك ولا شيء له في الولد فهو كناية عن الخيبة والحرمان فيما ادعاه من النسب لعدم اعتبار دعواه مع وجود الفراش للآخر قال الطيبي تبعا للنووي: وأخطأ من زعم أن المراد الرجم بالحجر لأن الرجم خاص بالمحصن ولأنه لا يلزم من الرجم نفي الولد الذي الكلام فيه وقال السبكي: التعويل على الأول لتعم الخيبة كل زان ودليل الرجم مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة للتخصيص بغير دليل ثم الفراش المترتب عليه الأحكام إنما يثبت في حق الزوجة بعقد صحيح ومع تمكن [ص:378] وطئها وفي الأمة بوطئها فلا يثبت نسب بوطء زنا قال المازري: وأول من استلحق في الإسلام ولد الزنا معاوية في استلحاقه زيادا قال: وذلك خلاف الإجماع من المسلمين ثم إن هذا الحديث قد مثل به أصحابنا في الأصول إلى أن المقام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه وصورة السبب قطعية الدخول فلا يخص منها باجتهاد كما فعله الحنفية فإنه وارد في ابن أمة زمعة المختصم فيه ابن زمعة وسعد بن أبي وقاص فقال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو لك يا بن زمعة ثم ذكره
(ق د ن هـ عن عائشة حم ق ت ن هـ عن أبي هريرة د عن عثمان) بن عفان (ن عن ابن مسعود) عبد الله (وعن) عبد الله (بن الزبير) بن العوام (هـ عن عمر) بن الخطاب (وعن أبي أمامة) الباهلي وفي الباب عن غير هؤلاء أيضا كما بينه الخافظ في الفتح ونقل عن ابن عبد البر أنه جاء عن بضعة وعشرين صحابيا ثم زاد عليه(6/377)
9689 - (الولد ثمرة القلب) قيل للولد ثمرة لأن الثمرة ما تنتجه الشجرة والولد ينتجه الأب (وإنه مجبنة مبخة محزنة) أي يجبن أباه عن الجهاد خشية ضيعته وعن الإنفاق في الطاعة خوف فقره فكأنه أشار إلى التحذير من النكول عن الجهاد والنفقة بسبب الأولاد بل يكتفى بحسن خلافة الله فيقدم ولا يحجم فمن طلب الولد للهوى عصى مولاه ودخل في قوله تعالى {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} فالكامل لا يطلب الولد إلا لله فيربيه على طاعته ويمتثل فيه أمر ربه {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} وسئل حكيم عن ولده فقال: ما أصنع بمن إن عاش كدني وإن مات هدني
(ع) وكذا البزار (عن أبي سعيد) الخدري قال الزين العراقي وتبعه الهيثمي: وفيه عطية العوفي وهو ضعيف(6/378)
9690 - (الولد من ريحان الجنة) أي من رزق الله قال الجوهري: الريحان الرزق يقول خرجت أبتغي ريحان الله وفي النهاية الريحان يطلق على الرحمة والرزق والراحة قال: وبالرزق سمى الولد ريحان وقيل لبعضهم: أي ريح أطيب؟ قال: ريح ولد أربه وبدن أحبه قال: ومتعة العيش بين الأهل والولد
<فائدة> خرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن جبير مرفوعا الولد سيد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين فإن رضيت مكانفته لإحدى وعشرين وإلا فاضرب إلى جنبه فقد أعذرت إلى الله عز وجل
(الحكيم) الترمذي (عن خولة بنت حكيم) أم أمية السلمية(6/378)
9691 - (الولد من كسب الوالد) لحصوله بواسطة تزوجه وإحباله فيجوز له أن يأكل من كسبه
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه محمد بن أبي بلال ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح(6/378)
9692 - (الوليمة أول يوم حق) أي أمر ثابت ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة مؤكدة وليس المراد بالحق الوجوب عند الجمهور وأخذ بظاهره الظاهرية فأوجبوها وإليه ذهب من الشافعية سليم الرازي بل نقله في المهذب عن النص والمعروف في المذهب خلافه (والثاني معروف) أي سنة معروفة بدليل رواية الترمذي طعام أول يوم حق والثاني سنة (واليوم الثالث سمعة ورياء) أي ليرى الناس طعامه ويظهر لهم كرمه ويسمعهم ثناء الناس عليه ويباهي به غيره ليفتخر وليعظم في الناس فهو وبال عليه
<تنبيه> اختلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه مضيق أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟ أقوال. قال النووي: اختلفوا فحكى عياض أن الأصح عند المالكية بعد الدخول وعن جمع عند العقد وعن آخرين قبل أو بعد وذكر السبكي أن أباه ذكر أنه لم ير لهم في تعيينها كلاما [ص:379] وأنه استنبط منه بعد الدخول وأن وقتها موسع وكأنه غفل عن تصريح الماوردي بأنها عند الدخول وعليه عمل الناس وهذا الحديث أشار البخاري في صحيحه إلى عدم صحته وترك العمل به فقال: لم يوقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوليمة يوما ولا يومين أي لم يجعل له وقتا معينا تختص به
(حم د ت) من حديث قتادة عن الحسن بن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من بني ثقيف قال قتادة: إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه اه وضرب المصنف عن ذلك صفحا وجزم بعزوه إليه فقال (عن زهير بن عثمان) رمز لحسنه وذكره البخاري في تاريخه وقال: لا يصح إسناده ولا يعرف لزهير صحبة ويعارضه ما هو أصح منه قال ابن حجر: وأشار إلى ضعفه في صحيحه اه وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط ورواه البيهقي في السنن من حديث أنس وضعفه وقال الحافظ الولي العراقي: طرقه كلها ضعيفة جدا وقال والده الزين العراقي: لا يصح من جميع طرقه وقال ابن حجر: ضعيف جدا لكن له شواهد منها عن أبي هريرة مثله خرجه ابن ماجه وغيره(6/378)
9693 - (الويل كل الويل لمن ترك عياله بخير) بمعنى خلف لورثته مالا ونحوه كضياع وأوقاف (وقدم على ربه بشر) لكونه اكتسب ذلك من غير حله وحصله من غير وجهه وخلفه لهم يصرفونه في ملاذهم وشهواتهم ومات هو وأمامه الحساب والعقاب وقد قيل مصيبتان للعبد في ماله لم يصب بمثلهما عند موته يؤخذ ماله كله ويحاسب عليه كله
(فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال في الميزان: هذا وإن كان معناه حقا فهو موضوع اه ووافقه في اللسان(6/379)
حرف " لا "(6/379)
9694 - (لا آكل وأنا متكئ) يحتمل لا آكل مائلا إلى أحد الشقين معتمدا عليه وحده أو لا آكل وأنا متمكن من القعود أو لا آكل وأنا مسند ظهري إلى شيء ورجح العصام الثاني بأنه أقرب إلى الاستعمال العربي لقول ابن الأثير عن الخطابي: المتكىء في العربية المستوي قاعدا على وطاء متكئا والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه اه وما اعتمد عليه لا يعول عليه فقد تعقبه المحقق أبو زرعة بالرد فقال: ظاهر كلامه أنه لا معنى للاتكاء إلا ما ذكره وهو مردود إلا أن يريد تفسير المتكئ في الحديث الذي ذكره دون غيره ومع ذلك فهو ممنوع فلم أجد في الكتب المشهورة في اللغة تفسير الاتكاء بالمعنى الذي ذكره أصلا وإنما فسروه بالميل إلى أحد الشفين كما في هذا الحديث اه فاستبان بذلك أن الاتكاء المكروه عند الأكل إنما هو الميل إلى أحد الشقين والاعتماد عليه لا الاتكاء على وطاء تحته مع الاستواء فقول الشهاب الهيثمي: الاتكاء هنا لا ينحصر في المائل يشمل الأمرين فيكره كل منهما غير معمول به لأنه إنما اعتمد فيه على ابن الأثير غافلا عن كونه متعقبا بالرد من هذا الإمام المحدث الفقيه المرجوع إليه في هذا الشأن والكراهة حكم شرعي لا يصار إلى إثباتها في مذهب الشافعي بكلام مثل ابن الأثير فتدبر وحكمة كراهة الأكل متكئا أنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل بنهمة وشره المشغوفين من الاستكثار من الطعام فالسنة في الأكل كما قال القسطلاني: أن يقعد مائلا إلى الطعام منحنيا عليه وقال الحافظ ابن حجر: يجلس على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى اه والكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء نعم لا بأس بأكل ما يتنفل به مضطجعا لما ورد عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على برش وهو مضطجع على بطنه قال حجة الإسلام: والعرب قد تفعله وقاعدا أفضل ولا يكره قائما بلا حاجة واعلم أن الاتكاء أربعة أنواع: الأول أن يضع يده على الأرض مثلا الثاني أن يتربع الثالث أن يضع يده على الأرض ويعتمدها الرابع أن يسند ظهره وكلها مذمومة حال الأكل لكن الثاني [ص:380] لا ينتهي إلى الكراهة وكذا الرابع فيما يظهر بل هما خلاف الأولى
(حم خ د هـ عن أبي جحيفة) بالتصغير(6/379)
9695 - (لا أجر لمن لا حسبة له) أي لمن لم يتقصد بعمله امتثال أمره تعالى والتقرب به إليه
(ابن المبارك عن القاسم) بن محمد (مرسلا)(6/380)
9696 - (لا أجر إلا عن حسبة) أي عن قصد طلب الثواب من الله (ولا عمل) معتد به (إلا بنية) وقيل لمن ينوي بعمله وجه الله أحسبية لأن له حينئذ أن يعتمد عمله
(فر عن أبي ذر) الغفاري وفيه ضعف(6/380)
9697 - (لا إخصاء في الإسلام) قال القاضي: عموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة اه وقال النووي: يحرم خصاء غير المأكول مطلقا ويجوز في صغير المأكول دون كبيره (ولا بنيان كنيسة) ونحوها من متعبدات اليهود أو النصارى وغيرهم من الكفار كبيعة أو صومعة
(هق عن ابن عباس) وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف وأخرجه أبو نعيم بسند مصري مرسل وبسند آخر موقوف على عمر(6/380)
9698 - (لا إسعاد في الإسلام ولا شغار ولا عقر في الإسلام ولا جلب في الإسلام ولا جنب ومن اننهب فليس منا)
(حم ن حب عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنه(6/380)
9699 - (لا إسلال) أي لا سرقة من سل البعير وغيره في جوف الليل إذا انتزعه من الإبل (ولا غلول) لا خيانة في غنيمة ولا غيرها نهى بمعنى الأمر أي لا يأخذ بعضكم مال بعض سرا ولا علنا وقيل الاسلال سل السيف والاغلال لبس الدرع أي لا يحارب بعضكم بعضا
(طب عن عمرو بن عوف) هو من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده ورواه هكذا ابن عدي في كامله وأغلظ القول في كثير هذا(6/380)
9700 - (لا أاشتري شيئا ليس) لفظ رواية الحاكم ما (عندي ثمنه) أي لا ينبغي ذلك بلا ضرورة وإن جاز لأنه يجر إلى الاحتيال في تحصيل الثمن بقرض أو غيره وفيه تشتت للخاطر واهتمام بشأن الدنيا وذلك لا يليق بحال الكمل إلا لضرورة ومعها لا ملام ومن ثم اشترى ورهن درعه لاضطرار عياله
(حم ك) في البيع (عن ابن عباس) قال: قدمت عير فابتاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منها بيعا فربح أواقا من الذهب فتصدق بها بين إماء بني عبد المطلب وقال: لا أشتري شيئا إلخ قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/380)
9701 - (لا أعافي) بضم الهمزة وكسر الفاء (أحدا قتل بعد أخذ الدية) لا أترك القتل عمن قتل بعد أخذ الدية من قوله {فمن عفي له من أخيه شيء} أي ترك بل أقتله البتة ولا أمكن الولي من العفو عنه والمراد به التغليظ عليه والتفظيع لما ارتبكه ومزيد الزجر والتنفير لا الحقيقة فهو عند الشافعي ومالك كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله أو عفى عنه وفي رواية لا إعفاء إلخ قال ابن الأثير: وهو دعاء عليه أي لا كثر ماله ولا استغنى
(الطيالسي) أبو داود (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لصحته وفيه مطر الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة لا سيما في عطاء(6/380)
[ص:381] 9702 - (لا اعتكاف إلا بصيام) أي لا اعتكاف كاملا أو فاضلا وإلا فالاعتكاف يصح بدونه عند صحبنا الشافعية وتمسك الحنفية والمالكية بظاهره فذهبوا إلى أن من شرط الاعتكاف الصوم لأنه ليس مخصوص فلا يكون قربة بمجرده كوقوف بعرفة ولأنه لو لم يكن شرطا لم يجب بنذر كالصلاة ورد الأول بأن المراد نفي الكمال لخبر ليس على معتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه والثاني بأنه ليس بمخصوص فيكون قربة بغير صوم كالوقوف والثالث بأنا نقول بموجبه لكن لو نذر لا غير وأنه استدلال باللازم على الملزوم والمقيس عليه عدمي فلا يجوز قياس الوجودي عليه إذ العدم لا يكون علة للوجود والفرق أن الصلاة أشد مناسبة للاعتكاف من الصوم والصوم سنة فيه لا فيها ومن قال بالتسوية أراد في الجواب وذلك غير كاف
(ك هق) كلاهما من حديث سويد بن عبد العزيز عن سفيان عن حسين عن الزهري عن عروة (عن عائشة) مرفوعا ورواه الدارقطني من هذا الوجه ثم قال: تفرد به سويد عن سفيان بن حسين وسويد قال أحمد: متروك الحديث ورجح وقفه قال الحاكم: هذا معارض لخبر ليس على المتعكف صيام ولا يصح ولم يحتج به الشيخان لسفيان بن حسين وقال الذهبي: سويد واه وقال أحمد: متروك اه(6/381)
9703 - (لا إله إلا الله لا يسبقها عمل) لأنها مبدأ الأعمال المعتد بها فعمل الكافر لا يعتد به ما لم يسلم (ولا تترك ذنبا) من الذنوب الموجبة للخلود في النار ما دام مصرا عليها إلى الموت
(هـ عن أم هانئ)(6/381)
9704 - (لا إيمان لمن لا أمانة له) قال الكمال بن أبي شريف: أراد نفي الكمال لا نفي حقيقة الإيمان (ولا دين) الدين الخضوع لأوامر الله ونواهيه وأمانيه والعهد الذي وضعه الله بينه وبين عباده يوم إقرارهم بالربوبية في حمل أعباء الوفاء في جميع جوارحه فمن استكمل الدين استوفى الجزاء {ومن أوفى بعهده من الله} (لمن لا عهد له) لأن الله إنما جعل المؤمن مؤمنا ليأمن الخلق جوره والله عدل لا يجوره وإنما عهد إليه ليخضع له بذلك العهد فيأتمر بأموره. ذكره الحكيم. وقال القاضي: هذا وأمثاله وعيد لا يراد به الوقوع وإنما يقصد به الزجر والردع ونفي الفضيلة والكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله وقال المظهر: معنى لا دين لمن لا عهد له أن من جرى بينه وبين أحد عهد ثم عذر لغير عذر شرعي فدينه ناقص أما لعذر كنقض الإمام المعاهدة مع الحربي لمصلحة فجائز قال الطيبي: وفي الحديث إشكال لأن الدين والإيمان والإسلام أسماء مترادفة موضوعة لمفهوم واحد في عرف الشرع فلم يفرق بينها وخص كل واحد بمعنى وجوابه أيهما وإن اختلفا لفظا فقد اتفقا هنا معنى فإن الإمانة ومراعاتها: أما مع الله فهي ما كلف به من الطاعة وتسمى أمانة لأنه لازم الوجود كما أن الأمانة لازمة الأداء وأما مع الخلق فظاهر وإن العهد توثيقه وأما مع الله فاثنان الأول ما أخذه على ذرية آدم في الأزل وهو الإقرار بربوبيته قبل خلق الأجساد الثاني ما أخذه عند هبوط آدم إلى الدنيا من متابعة هدى الله من الاعتصام بكتاب ينزله ورسول يرسله وأما مع الخلق فظاهر فحينئذ ترجع الأمانة والعهد إلى طاعته تعالى في أداء حقوقه وحقوق عباده كأنه لا إيمان ولا دين لمن لا يفي بعهد الله بعد ميثاقه ولا يؤدي أمانته بعد حملها وهي التكاليف من أمر ونهي
(حم حب عن أنس) بن مالك قال الذهبي: سنده قوي وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه أبو هلال وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره اه ورواه أيضا أبو يعلى والبغوي والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال ذلك قال العلائي: فيه أبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي وثقه الجمهور وتكلم فيه البخاري(6/381)
9705 - (لا إيمان لمن لا أمانة له) أي لا إيمان كامل فالأمانة لب الإيمان وهي منه بمنزلة القلب من البدن والأمانة [ص:382] الجوارح السبع العين والسمع واللسان واليد والرجل والبطن والفرج فمن ضيع جزءا منها سقم إيمانه وضعف بقدره فإن ضيع الكل خرج عن جملة الإيمان (ولا صلاة لمن لا طهور له ولا دين لمن لا صلاة له وموضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد) في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فكما لا يبقى البدن بدون الرأس فكذا الدين لا يبقى بدون الصلاة
(طس عن ابن عمر)(6/381)
9706 - (لا بأس بالحديث قدمت فيه أو أخرت إذا أصبت معناه) لأن في إلزام الأداء باللفظ إحراج شديد وربما يؤدي إلى ترك التحديث فإنه إذا لم يكتب الحديث وأراد التحديث به لا يكون على يقين من تحرير حروفه فتركه بالكلية فيضيع فيجوز للعارف التقديم والتأخير والتعبير عن أحد المترادفين بالآخر بالشرط المذكور
(الحكيم) الترمذي (عن واثلة) بن الأسقع وهو مما بيض له الديلمي(6/382)
9707 - (لا بأس بالحيوان) أي ببيع الحيوان (واحد باثنين) إذا كان (يدا بيد) أي مقابضة وإذا كان نسيئة لم يجزه أصحاب الرأي وأحمد وجوزه مالك إن اختلف الجنس والشافعي مطلقا
(حم هـ عن جابر) بن عبد الله زاد ابن ماجه وكرهه نسيئة رمز المصنف لصحته وليس بمسلم ففيه الحجاج بن أرطاة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متفق على ضعفه(6/382)
9708 - (لا بأس بالقمح بالشعير) أي ببيعه فيه (اثنين بواحد) إذا كان (يدا بيد) أي مقابضة
(طب هـ عن عبادة) بن الصامت رمز المصنف لحسنه(6/382)
9709 - (لا بأس بالغنى لمن اتقى) فالغنى بغير تقوى هلكة يجمعه من غير حقه ويمنعه ويضعه في غير حقه فإذا كان مع صاحبه تقوى فقد ذهب البأس وجاء الخير قال محمد بن كعب: الغني إذا اتقى آتاه الله أجره مرتين لأنه امتحنه فوجده صادقا وليس من امتحن كمن لا يمتحن (والصحة لمن اتقى خير من الغنى) فإن صحة البدن عون على العبادة فالصحة مال ممدود والسقيم عاجز والعمر الذي أعطى به يقوم العبادة والصحة مع الفقر خير من الغنى مع العجز والعاجز كالميت (وطيب النفس من النعيم) لأن طيبها من روح اليقين وهو النور الوارد الذي أشرق على الصدر فإذا استنار القلب ارتاحت النفس من الظلمة والضيق والضنك فإنها لشهواتها في ظلمة والقلب مرتبك فيها فالسائر إلى مطلوبه في ظلمة يشتد عليه السير ويضيق صدره ويتنكد عيشه ويتعب جسمه فإذا أضاء له الصبح ووضح له الطريق وذهبت المخاوف وزالت العسرة ارتاح القلب واطمأنت النفس وصارت في نعيم
(حم هـ ك) في البيع (عن يسار) ضد اليمين (ابن عبد) بغير إضافة أبي عروة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعليه أثر غسل وهو طيب النفس فظننا أنه ألم بأهله فقلنا: نراك أصبحت طيب النفس قال: أجل والحمد لله ثم ذكر الغنى فقال: لا بأس إلخ. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/382)
9710 - (لا بد) للناس (من العريف) أي من يلي أمر سياستهم وحفظ شأنهم وتعرف أمورهم ليعرفها من فوقه عند الحاجة [ص:383] لأن الإمام لا يمكنه مباشرة جميع الأمور بنفسه فيحتاج إليه (والعريف في النار) زاد أبو يعلى في روايته يؤتى بالعريف يوم القيامة فيقال ضع سوطك وادخل النار وذلك لأن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى التورط في المعاصي وقول الطيبي: قوله العرفاء في النار ظاهر أقيم مقام المضمر يشعر بأن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن من الوقوع في المحذور المفضي إلى العذاب فهو كقوله سبحانه {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية فينبغي للعاقل كونه على حذر منها لئلا يتورط فيما بؤديه إلى النار قال ابن حجر: ويؤيد هذا التأويل ما في حديث آخر حيث توعد الأمر بما توعد به العرفاء فدل على أن المراد الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم وأن الكل على خطر قال في الفردوس: العريف الذي يتعرف أمور القوم ويجسس أحوالهم
(أبو نعيم) وكذا ابن منده كلاهما (في) كتاب (المعرفة) معرفة الصحابة من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة أحد الضعفاء عن عبيد الله بن زياد الشني عن الجلاس بن زياد الشني (عن جعفر بن زياد) الشني قال الذهبي في التجريد: له حديث ضعيف وهو لا بد للناس من عريف وقال في الإصابة: رجاله مجهولون اه. ورواه أبو يعلى والديلمي عن أنس(6/382)
9711 - (لا بر) بالكسر الخير والفضل (أن يصام في السفر) أي فالفطر فيه أفضل بشرطه كما مر موضحا
(طب عن ابن عمرو) ابن العاص رمز المصنف لحسنه(6/383)
9712 - (لا تأتوا الكهان) الذين يدعون علم المغيبات قال: صحابيه معاوية بن الحكم قلت: يا رسول الله أمورا كنا نضعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان قلت: كنا نتطير قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصرفنكم
(طب عن معاوية بن الحكم) السلمي قضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين وهو عجب فقد أخرجه مسلم عن معاوية المذكور(6/383)
9713 - (لا تأتي مئة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة) أي مولودة فخرج الملائكة وإبليس فلا حاجة لتكلف جمع منهم المصنف إلى الجواب على الماء والهواء لا في الأرض (اليوم) فلا يعيش أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة وكانت عند رجوعه من تبوك أكثر من مئة وكان آخر الصحب موتا أبو الطفيل مات سنة عشر ومئة وهي رأس مئة سنة من مقاله ولا يدخل في الخبر الخضر فإن المراد ممن تعرفونه أو ترونه أو أل في الأرض للعهد أي أرضي التي نشأت فيها وبعثت منها وزعم أنه كان إذ ذاك في البحر ضعف بأن الأرض تتناول البر والبحر والمقابل للبحر البر لا الأرض وقيد بالأرض ليخرج عيسى فإنه في السماء وفيه وعظ أمته بقصر أعمارهم قال ابن جماعة: وأن أعمارهم يسيرة وأجورهم غزيرة وفيه ما فيه
(م) في باب نقص العمر (عن أبي سعيد) الخدري قال: لما رجع المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تبوك سألوه عن الساعة فذكره(6/383)
9714 - (لا تأخذوا الحديث) وهو ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم لتعليم الخلق من الكتاب والسنة وهما أصول الدين (إلا عمن تجيزون شهادته) فيشترط في روايته العدالة ومن ثم قال ابن سيرين: هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم والمراد الأخذ من العدول والثقات دون غيرهم وأخرج الشافعي عن عروة أنه كان يسمع الحديث يستحسنه ولا يرويه لكونه لا يثق ببعض رواته لئلا يؤخذ عنه وهذا مسوق لبيان الاحتياط في الرواية والتثبت في النقل واعتبار من يؤخذ عنه والكشف عن حال رجاله واحدا بعد واحد حتى لا يكون فيهم مجروح ولا منكر الحديث [ص:384] ولا معضل ولا كذاب ولا من يتطرق له طعن في قول أو فعل ومن كان فيه خلل فترك الأخذ عنه واجب لمن عقل وقد روى ابن عساكر عن مالك لا تحملوا العلم عن أهل البدع ولا تحمله عمن لم يعرف بالطلب ولا عمن يكذب في حديث الناس وإن كان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكذب
(السجزي) في الإبانة (خط) في ترجمة صالح بن حسان (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل أعله فقال: رواه أبو حفص الأبار عن صالح فاختلف عليه في رفعه ورواه أبو داود الحفري عن صالح عن محمد بن كعب قال ابن معين: وصالح ليس بشيء وقال النسائي: متروك الحديث ثم ساق له هذا الخبر(6/383)
9715 - (لا تؤخر الصلاة) أي عن وقتها لأن التأخير مع بقاء الوقت جائز مطلقا لقوله في خبر فابدأوا بالعشاء (لطعام ولا لغيره) إن ضاق وقتها بحيث لو أكل خرج الوقت
(د عن جابر) في الأطعمة من حديث محمد بن ميمون وهو منكر الحديث وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال عبد الحق: يعلى بن منصور كذبه أحمد(6/384)
9716 - (لا تؤخر الجنازة) أي الصلاة عليها (إذا حضرت) إلى المصلى أي إلا لزيادة مصلين وإلا إذا غاب الولي ولم يخف تغييرها
(هـ عن علي) أمير المؤمنين(6/384)
9717 - (لا تأذن امرأة في بيت زوجها) أي في دخوله أو في الأكل منه والمراد ببيته مسكنه بملك أم بغيره (إلا بإذنه) بالصريح أو ما ينزل منزلته من القرائن القوية قال النووي: أشار به إلى أنها لا تفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه وهو محمول على ما إذا لم تعلم رضاه به فإن علمته جاز نعم إن جرت عادته بادخال الضيفان موضعا معدا لهم حضر أو غاب لم يحتج لإذن خاص به وحاصله أنه لا بد من اعتبار الإذن تفصيلا أو إجمالا وهذا كله إذا سهل استئذانه فلو تعذر أو تعسر لنحو غيبة أو حبس ودعت ضرورة إلى الدخول عليها جاز بشرطه وفيه حجة على المالكية في إباحة دخول نحو الأب بيت المرأة بغير إذن زوجها لا يقال يعارضه حديث صلة الرحم لأنا نقول الصلة إنما تندب بما يملكه الواصل والتصرف في بيت الزوج لا تملكه إلا بإذنه (ولا تقوم من فراشها فتصلي تطوعا إلا بإذنه) الصريح أي إذا كان حاضرا فلو قامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة ذكره العمراني قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم عدم ثبوت الخبر بلفظ النهي وفيه أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع أما بإذنه الصريح فيجوز ويقوم مقامه ما يقترن بالإعلام برضاه
(طب عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات(6/384)
9718 - (لا تأذنوا) إرشادا أو ندبا (لمن) أي لإنسان استأذن في الدخول أو الجلوس أو الأكل أو نحو ذلك (لم يبدأ بالسلام) عقوبة له بإهماله لتحية أهل الإسلام
(هب والضياء) المقدسي (عن جابر) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم اه(6/384)
9719 - (لا تؤذوا مسلما بشتم كافر) قاله لما شكا إليه عكرمة بن أبي جهل أنه إذا مر بالمدينة قيل له هذا ابن عدو الله فقام خطيبا فذكره
(ك) في المناقب (عن سعيد بن زيد) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي في التلخيص فقال: قلت لا بل [ص:385] فيه ضعيفان وقال في المهذب: إسناده صالح(6/384)
9720 - (لا تأكلوا البصل النيء) فيكره لأن الملائكة تتأذى بريحه أما المطبوخ فلا كراهة فيه كما مر
(هـ عن عطية بن عامر) الجهني رمز لحسنه وفيه ابن لهيعة(6/385)
9721 - (لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال) قال في بحر الفوائد: الشيطان جسم يمكن أن يكون له يمين لكن لا يأكل بها لأنه معكوس مقلوب الخلقة فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل كفعله وقد يقال شمال الإنسان مشؤوم فإن الكافر يعطى يوم القيامة كتابه بشماله والإنسان جعل يمينه لما فوق الإزار من الأكل والطهارة وقال ابن جرير: النهي عن الأكل بالشمال لا يناقضه ما رويناه عن علي أنه أخذ رغيفا بيد وكبدا مشويا بالأخرى فأكل ذا بذا لأن النهي عن استعمال اليسرى إنما هو عند عدم شغل اليمين فهو كما لو كان بيمناه علة فلا كراهة اه
(د عن جابر) رمز لحسنه وقضية تصرف المصنف أن ذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو غفول بل هو في مسلم باللفظ المزبور(6/385)
9722 - (لا تألوا على الله) من الآلية اليمين أي لا تحلفوا على الله كأن تقولوا والله ليدخلن الله فلانا النار وفلانا الجنة (فإنه من تألى على الله أكذبه الله) قال المظهر: فلا يجوز لأحد أن يجزم بالغفران أو العقاب لأن أحدا لا يعلم مشيئة الله وإرادته في عباده بل يرجو للمطيع ويخاف للعاصي وإنما يجزم في حق من جاء فيه نص كالعشرة المبشرة اه. وقال العزالي: روي أن نبيا من الأنبياء كان ساجدا فوطئ بعض العتاة عنقه حتى ألصق الحصى بجبهته فرفع النبي عليه السلام رأسه مغضبا وقال: اذهب فلن يغفر الله لك فأوحى الله إليه تتألى علي في عبادي قد غفرت له وأخرج ابن عساكر في تاريخه أن عمر بن عبد العزيز قال لسليمان بن سعد: بلغنا أن فلانا عاملنا كان والده زنديقا قال: وما يضرك يا أمير المؤمنين فإن أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافرين فما ضره فغضب غضبا شديدا وقال: ما وجدت مثلا غير هذا ثم عزله
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف(6/385)
9723 - (لا تباشر) خبر بمعنى النهي (المرأة المرأة) زاد النسائي في الثوب الواحد أي لا تمس امرأة بشرة أخرى ولا تنظر إليها فالمباشرة كناية عن النظر إذ أصلها التقاء البشرتين فاستعير إلى النظر إلى البشرة يعني لا تنظر إلى بشرتها (فتنعتها) أي تصف ما رأت من حسن بشرتها وهو عطف على تباشر (لزوجها كأنه ينظر إليها) فيتعلق قلبه بها فيقع بذلك فتنة والنهي منصب على المباشرة والنعت معا فتجوز المباشرة بغير توصيف قال القابسي: هذا الحديث أصل لمالك في سد الذرائع فإن حكمة النهي خوف أن يعجب الزوج الوصف فيفضي إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة
(حم خ د) في النكاح (ت) في الاستئذان (عن ابن مسعود) ولم يخرجه مسلم وعزاه له الطبراني فوهم(6/385)
9724 - (لا تباع أم الولد) أي لا يجوز ولا يصح بيعها وبيعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل النسخ وفي خلافة الصديق لم يعلم به ولما اشتهر النسخ في زمن عمر ونهى عنه رجع له من ذهب إلى بيعهن ولو علموا أنه قاله عن رأي فخالفوه ولم يصح عن علي أنه قضى ببيعها ولا أمر به غاية الأمر أنه تردد وقال لشريح في زمن خلافته: اقض فيه بما كنت تقضي حتى يكون الناس جماعة
(طب عن خوات بن جبير) بن النعمان الأنصاري الأوسي أحد فرسان [ص:386] المصطفى صلى الله عليه وسلم وقيل هو صاحب ذات التحيين المذكورة في مقامات الحريري وقصتها معروفة توفي سنة أربعين(6/385)
9725 - (لا تباغضوا) أي لا تختلفوا في الأهواء والمذاهب والنحل المخالفة لما عليه السواد الأعظم لأن البدعة في الدين والضلال عن الصراط المستبين يوجب التباغض بين المؤمنين (ولا تنافسوا) أي لا ترغبوا في الدنيا ولا تفتتنوا بها لأن المنافسة فيها تؤدي إلى قسوة القلب (ولا تدابروا) أي لا تقاطعوا ولا تغتابوا أو لا يعطى كل منكم أخاه دبره ويلقاه فيعرض عنه ويهجره (وكونوا عباد الله إخوانا) أي لا يعلو بعضكم بعضا فإنكم جميعا عباد الله فنهى عن التدابر ليقبل كل بوجهه إلى وجه أخيه لأن المدابرة رد كل واحد دبره إلى أخيه وهو التولي المنهي عنه المؤدي إلى القطيعة
(م عن أبي هريرة)(6/386)
9726 - (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) لأن السلام إعزاز وإكرام ولا يجوز إعزازهم ولا إكرامهم بل اللائق بهم الإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم تصغيرا لهم وتحقيرا لشأنهم فيحرم ابتداؤهم به على الأصح عند الشافعية وأوجبوا الرد عليهم بعليكم فقط ولا يعارضه آية {سلام عليك سأستغفر لك ربي} وآية {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعملون} لأن هذا سلام متاركة ومنابذة لا سلام تحية وأمان (وإذا لقيتم أحدهم في طريق) فيه زحمة (فاضطروه إلى أضيقه) بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه نحو جدار أي لا تتركوا له صدر الطريق إكراما واحتراما فهذه الجملة مناسبة للأولى في المعنى والعطف وليس معناه كما قال القرطبي: إنا لو لقيناهم في طريق واحد نلجئهم إلى حرفة حتى يضيق عليهم لأنه إيذاء بلا سبب وقد نهينا عن إيذائهم ونبه بهذا على ضيق مسلك الكفر وأنه يلجيء إلى النار
(حم م د ت عن أبي هريرة)(6/386)
9727 - (لا تبرز فخذك) يعني لا تكشفها (ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) فيه أن الفخذ عورة ويشهد له خبر غط فخذك فإن الفخذ عورة
(د) في الحمام والجنائز (هـ) في الجنائز (ك) من حديث عاصم بن ضمرة (عن علي) أمير المؤمنين قال أبو داود: حديث فيه نكارة وقال الذهبي: عاصم ليس بذاك وفيه أيضا يزيد أبو خالد القرشي ليس بحجة كذا في التنقيح وقال في المهذب: تكلموا فيه اه. لكن قال ابن القطان في أحكام النظر: رجاله كلهم ثقات والانقطاع الذي فيه زال برواية الدارقطني(6/386)
9728 - (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله) ولهذا كان العلماء يغارون على دقيق العلم أن يبدؤه لغير أهله وسئل الحبر عن تفسير قوله تعالى {والله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} فقال: للسائل وما يؤمنك أني إن أخبرتك بتفسيرها كفرت فإنك تكذب به وتكذيبك به كفر بها فالمسألة الدقيقة لا تبذل لغير أهلها كالمرأة الحسناء التي تهدى إلى ضرير مقعد كما قيل: " خود تزف إلى ضرير مقعد "
(حم) والطبراني في الأوسط (ك) كلهم من حديث عبد الملك بن عمرو عن كثير بن زيد عن داود بن أبي صالح (عن أبي أيوب) الأنصاري قال داود: أقبل مروان بن الحكم فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر أي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتدري [ص:387] ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم آت الحجر سمعته يقول لا تبكوا إلخ. قال الهيثمي عقب عزوه لأحمد والطبراني: فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره رواه سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب بدل داود اه وكثير بن زيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي وقبله غيره وداود بن أبي صالح قال ابن حبان: يروي الموضوعات(6/386)
9729 - (لا تتبع) بضم أوله وفتح ثالثه خبر بمعنى النهي (الجنازة بصوت) أي مع صوت وهو النياحة (ولا نار) فيكره اتباعها بنار في مجمرة أو غيرها لأنه من شعائر الجاهلية ولما فيه من التفاؤل ومن ثم قيل يحرم (ولا يمشي) بضم أوله (بين يديها) أي بنار ولا صوت وقد يستدل بظاهره الحنفية على أن الماشي معها إنما يمشي خلفها وعرف من التقرير أن هذا كله إنما هو إذا حملت الجنازة لتقبر أما التبخير عند غسله وتكفينه فمندوب كما مر
(هـ عن أبي هريرة) رمز لحسنه. قال عبد الحق: وسنده منقطع. قال ابن القطان: والحديث لا يصح وإن كان متصلا للجهل بحال ابن عمير راويه عن رجل عن أبيه عن أبي هريرة وقال ابن الجوزي: فيه رجلان مجهولان(6/387)
9730 - (لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة) أو اعتكاف أو نحو ذلك
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه ابن ماجه بدون إلا إلخ قال الهيثمي: ورجاله موثقون(6/387)
9731 - (لا تتخذوا الضيعة) يعني القرية التي تزرع وتستغل وهذا وإن كان نهيا عن اتخاذ الضياع لكنه مجمل فسره بقوله (فترغبوا في الدنيا) يعني لا يتخذ الضياع من خاف على نفسه التوغل في الدنيا فيلهو عن ذكر الله فمن لم يخف ذلك لكونه يثق من نفسه بالقيام بالواجب عليه فيها فله الاتخاذ كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأراضي واحتبس الضياع {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} ومن وهم أن فعله ناسخ لقوله هنا فقد وهم كما بينه ابن جرير قال بعض الحكماء: الضياع مدارج الهموم وكتب الوكلاء مفاتيح العموم وقال: الضيعة إن تعهدتها صفت وإن لم تتعهدها ضاعت ووهب هشام للأبرش ضيعة فسأله عنها فقال: لا عهد لي بها فقال: لولا أن الراجع في هبته كالراجع في قيئه لأخذتها منك أما علمت أنها إنما سميت ضيعة لأنها تضيع إذا تركت وقال الغزالي: اتخاذ الضياع يلهي عن ذكر الله الذي هو السعادة الأخروية إذ يزدحم على القلب عصوبة الفلاحين ومحاسبة الشركاء والتفكر في تدبير الحذر منه وتدبير استنماء المال وكيفية تحصيله أولا وحفظه ثانيا وإخراجه ثالثا وكل ذلك مما يسود القلب ويزيل صفاءه ويلهي عن الذكر كما قال تعالى {ألهاكم التكاثر} فمن انتفى في حقه ذلك ساغ له الاتخاذ
(حم ت) في الزهد (ك) في الرقاق (عن ابن مسعود) وفي سندهما شهر بن عطية عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن ابن مسعود ولم يخرج الستة عن هؤلاء الثلاثة شيئا غير الترمذي وقد وثقوا(6/387)
9732 - (لا تتخذوا بيوتكم قبورا) أي لا تجعلوها كالقبور في خلوها عن الذكر والعبادة بل صلوا فيها قال ابن الكمال: كنى بهذا النهي عن الأمر بأن يجعلوا لبيوتهم حظا من الصلاة ولا يخفى ما في هذه الكناية من الدقة والغرابة فإن مبناها على كون الصلاة منهية عند المقابر على ما نص عليه في خبر: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها
(حم عن زيد بن خالد) الجهني(6/387)
[ص:388] 9733 - (لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا) أي هدفا يرمى بالسهام ونحوها لما فيه من العبث والتعذيب قاله لما رأى ناسا يرمون دجاجة محبوسة للرمي والنهي للتحريم لأنه لعن فاعل ذلك في خبر ولأنه تعذيب وتضييع مال بلا فائدة
(م) في الذبائح (ن هـ عن ابن عباس) ولم يخرجه البخاري(6/388)
9734 - (لا تترك هذه الأمة شيئا من سنن الأولين) بفتح السين أي طريق الأمم (حتى تأتيه) زاد في رواية شبرا شبرا وذراعا ذراعا
(طس عن المستورد) بن شداد وقال الهيثمي: ورجاله ثقات(6/388)
9735 - (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) أراد بالنار نارا بخصوصها وهي ما يخاف منه الانتشار قال النووي: هذا عام يشمل السراح وغيره وأما القنديل المعلق فإن خيف منه شمله الأمر بالإطفاء وإلا فلا لانتفاء العلة
(ق د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب(6/388)
9736 - (لا تمنوا) بحذف إحدى التاءين (الموت) فيكره ذلك وقيل يحرم لما فيه من طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من جزيل الفوائد وجليل العوائد كيف وفي زيادة الأجور بزيادة الأعمار ولو لم يكن إلا استمرار الإيمان لكفى فأي عمل أعظم منه؟ ثم إنه أطلق النهي هنا وقيده في غير ما حديث بكون تمنيه لضر نزل به والمراد الدنيوي لا الديني بدليل خبر لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل إلخ الحديث الآتي ومن المجموع عرف أن المنهي تمنيه لضرر دنيوي ولضرر ديني لا بأس فإن تجرد عنهما فمفهوم التقييد بالضرر أنه منهي غير أن أرجح الأنظار كما قاله الحافظ العراقي أن التقييد غالبي إذ الناس لا يتمنون إلا لضر فالمفهوم غير معمول به نعم قد استفاض عن جماهير من السلف تمنيه شوقا إلى الحضرة المتعالية الأقدسية ولا شك في حسنه بالنسبة لمقام الخواص. هذا وليس لك أن تقول إذا كانت الآجال مقدرة لا تزيد ولا تنقص فتمني الموت لا أثر له فالنهي عنه لا معنى له لأنا نقول هذا هو حكمة النهي لأنه عبث لا فائدة له وفيه مراغمة المقدور وعدم الرضا به ولا يشكل على كون تمنيه عبثا لا يؤثر في العمر لتقديره قول النبي صلى الله عليه وسلم في اليهود لو تمنوه لماتوا جميعا لأن ذاك بوحي في خصوص أولئك فرتبت آجالهم على وصف إن وجد ماتوا وإلا فلا والأسباب مقدرة كما أن المسببات مقدرة
(هـ عن خباب) بن الأرت ورواه أحمد والبزار وزاد فإن هول المطلع شديد قال الهيثمي: وسنده جيد(6/388)
9736 - (لا تتمنوا لقاء العدو) لما فيه من صورة الإعجاب والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام به وهو مخالف للاحتياط ولأنهم قد ينصرون استدراجا ولأن لقاء العدو أشد الأشياء على النفس والأمور الغائبة ليست كالمحققة فلا يؤمن أن يكون عند الوقوع على خلاف المطلوب وتمني الشهادة لا تستلزم تمني اللقاء وأخذ منه النهي عن طلب المبارزة ومن ثم قال علي كرم الله وجهه لابنه: لا تدع أحدا إلى المبارزة ومن دعاك لها اخرج إليه لأنه باغ وقد ضمن الله نصر من بغي عليه ولطلب المبارزة شروط مبينة في الفروع إذا جمعت أمن معها المحذور في لقاء العدو (وإذا لقيتموهم) أي العدو ويستوي فيهم الواحد والجمع قال تعالى {فإنهم عدو لي} (فاصبروا) اثبتوا ولا تظهروا التألم إن مسكم قرح فالصبر في القتال كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولا جزع وهو الصبر الجميل {إن الله مع الصابرين} قال الحرالي: فيه إشعار لهذه الأمة بأن لا تطلب [ص:389] الحرب ابتداء وإنما تدافع من منعها من إقامة دينها كما قال تعالى {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} فحق المؤمن أن يأتي الحرب ولا يطلبه فإنه إن طلبه فأوتيه عجز كما عجز من طلبه من الأمم السابقة وتمسك به من منع طلب المبارزة وقد يمنع ونبه بهذا الخبر على آفة التمني وشؤم الاختيار لأنهما ليسا من أوصاف العبودية إذ التمني اعتراض نفاه الله عن العباد بقوله {ما كان لهم الخيرة} {لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فما ظهر من آفات التمني ما قصه الله عن آدم في تمني الخلود في جوار المعبود فعدمه وتعب فأتعب وموسى تمنى الرؤية فخر صعقا وداود سأل درجة آبائه إبراهيم وإسحاق فأوحى إليه إني ابتليتهم فصبروا فقال: أصبر فأصابه ما أصابه وجرى ما جرى وتمنى سليمان ألف ولد فعوقب بشق إنسان وتمنى نبينا هداية عمه فعاتبه الله بقوله {إنك لا تهدي من أحببت}
<تنبيه> قضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل له بقية مقيدة كان ينبغي للمؤلف أن لا يحذفها ونص البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو وانتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس أي خطيبا فقال أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال اللهم يا منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم اه بنصه
(ق عن أبي هريرة)(6/388)
9738 - (لا تثوبن) بمثلثة ونون التوكيد (في شيء من الصلوات) أي لا تقولن يا بلال بعد الحيعلتين مرتين الصلاة خير من النوم (إلا في صلاة الفجر) لأنه يعرض للنائم تكاسل بسبب النوم
(ت هـ) من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن بلال) قال الترمذي: ضعيف اه وجزم البغوي بضعفه وعده النووي في الأحاديث الضعيفة وقال ابن حجر: فيه إسماعيل الملائي وهو ضعيف مع انقطاعه بين عبد الرحمن وبلال قال ابن السكن: لا يصح إسناده اه(6/389)
9739 - (لا تجادلوا في القرآن فإن جدالا فيه كفر) قال الحليمي: هو أن يسمع قراءة آية أو كلمة لم تكن عنده فيعجل عليه ويخطئه وينسب ما يقرؤه إلى أنه غير قرآن أو يجادله في تأويل ما يذهب إليه ولم يكن عنده ويضلله والجدال ربما أزاغه عن الحق وإن ظهر له وجهه فلذلك حرم وسمي كفرا لأنه يشرف بصاحبه على الكفر وقال ابن الأثير: الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة والمخاصمة والمراد هنا الجدل على الباطل وطلب المغالبة لإظهار الحق فإنه محمود لآية {وجادلهم بالتي هي أحسن}
(الطيالسي) أبو داود (هب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وكاد يكون خطأ ففيه فليح بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ابن معين والنسائي: غير قوي(6/389)
9740 - (لا تجار أخاك) روي بتخفيف الراء من الجري والمسابقة أي لا تطاوله وتغالبه وتجري معه في المناظرة ليظهر علمك للناس رياء وسمعة وروي بتشديدها أي لا تجتر عليه وتلحق به جريرة أو هو من الجر وهو أن تلويه بحقه وتجره من محله إلى وقت آخر (ولا تشاره) تفاعل من الشر أي لا تفعل به شرا تحوجه أن يفعل معك مثله وروي بالتخفيف (ولا تماره) أي تلتوي عليه وتخالفه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة عن حويرث) مصغر حرث (ابن عمرو) المخزومي له صحبة(6/389)
9741 - (لا تحاربوا أهل القدر) بالتحريك أي فإنه لا يؤمن أن يغمسوكم في ضلالهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون (ولا تفاتحوهم) أي لا تحاكموهم أو لا تبدأوهم بالسلام أو لا تبدأوهم بالمجادلة والمناظرة في الاعتقاديات لئلا يقع أحدكم في شك فإن لهم قدرة على المجادلة بغير حق والأول أظهر
(حم د ك عن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في المهذب: حكيم [ص:390] ابن شريك أي أحد رجاله لا يعرف وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح(6/389)
9742 - (لا تجاوزوا الوقت) أي الميقات (إلا بإحرام) فيحرم على مريد النسك مجاوزته بغير إحرام
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خصيف وفيه كلام كثير(6/390)
9743 - (لا تجتمع خصلتان في مؤمن) أي كامل الإيمان (البخل والكذب) فاجتماعهما في إنسان علامة نقص الإيمان
(سمويه عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه(6/390)
9744 - (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود) أي لا تصح صلاة من لا يسوي ظهره فيها والمراد منه الطمأنينة وهي واجبة فيهما عند الشافعي وأحمد دون أبي حنيفة ذكره المظهر قال الطيبي: وفيه بحث لأن الطمأنينة أمر والاعتدال أمر اه
(حم ن هـ) في الصلاة (عن أبي مسعود) واسمه عقبة بن عمرو وقال البيهقي: إسناده صحيح وقضية صنيع المصنف أنه لم يروه من الستة إلا هذين والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي إلى الأربعة جميعا(6/390)
9745 - (لا تجعلوا على العاقلة من قول معترف) في رواية من دية معترف (شيئا) أخذ به الشافعي
(طب عن عبادة) بن الصامت رمز المصنف لحسنه وهو هفوة فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه الحارث بن تيهان وهو متروك وقال الحافظ ابن حجر: إسناده واه وفيه محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب وفيه الحارث بن تيهان وهو منكر الحديث وروى الدارقطني والبيهقي عن عمر موقوفا العمد والعبد والصلح والاعتراف لا يعقله العاقلة وهو منقطع وفيه عبد الملك بن حسين ضعيف إلى هنا كلامه(6/390)
9746 - (لا تجلس) بفتح المثناة الفوقية أوله بخط المصنف فعل أمر (بين رجلين) يعني إنسانين (إلا بإذنهما) لأنه بغير إذن يوقع في النفس أضغانا ويورث أحقادا لإيذانه باحتقارهما مع ما فيه من التفاؤل بحصول الفرقة بينهما واختصاص النهي بأول الإسلام لا دليل عليه
(د عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه(6/390)
9747 - (لا تجلسوا على القبور) ندبا لأنه استخفاف بالميت واستصحاب حرمته بعد موته من الدين ومن أقبح القبيح الاستهانة بأعظم قد أحياها رب العالمين دهرا وشرفها بعبادته ووجهها لجواره في جنته (ولا تصلوا إليها) أي مستقبلين إليها لما فيه من التعظيم البالغ لأنه من مرتبة المعبود فجمع بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم والتعظيم البليغ قال ابن حجر: وذلك يتناول الصلاة على القبر أو إليه أو بين قبرين وفي البخاري عن عمر ما يدل على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة
(حم م 3) في الجنائز (عن أبي مرثد) بفتح الميم والمثلثة وسكون الراء بينهما لكنه ليس على شرطه(6/390)
9748 - (لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي) مقتضاه جواز التسمي بأحدهما منفردا فيجوز التسمي بمحمد ولا كلام فيه بل قال المؤلف إنه أفضل الأسماء أما التكني بكنيته وهي أبو القاسم فلا يجوز لمن اسمه محمد وأما غيره ففيه خلاف وقد مر [ص:391] ذلك
(حم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وآخره هاء الأنصاري البخاري ولد في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن ليس له رؤية ولا رواية بل روى هذا الحديث عن عمه رفعه رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(6/390)
9749 - (لا تجني أم على ولد) نهي أبرز في صورة النفي للتأكيد أي جنايتها لا تلحق ولدها مع ما بينهما من شدة القرب وكمال المشابهة فكل من الأصل والفرع يؤاخذه بجنايته غير مطالب بجناية الآخر وقد أخرج هذا المعنى بقوله لا تجني إلخ مخرجا بديعا لأن الولد إذا طولب بجناية أصله كأنه جنى تلك الجناية عليه فنفي الحكم من الأصل وجعل وقوع الجناية من أحدهما على الآخر منتفية كأنها لم تقع وذلك أبلغ فإن السبب إذا نفي من الأصل كان نفي المسبب آكد وأبلغ
(ن هـ عن طارق المحاربي) قال: قال رجل يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة قتلوا فلانا في الجاهلية فخذلنا بثأره فذكره رمز لحسنه وهذا رد لما كانت الجاهلية عليه مما هو معروف(6/391)
9750 - (لا تجني نفس على أخرى) أي لا يؤاخذ أحد بجناية أحد {ولا ترز وازرة وزر أخرى} قال القاضي: خبر في معنى النهي وفيه مزيد تأكيد لأنه كان نهاه فقصد أن ينتهي فأخبر عنه وهو الداعي إلى العدول عن صيغة النهي إلى صيغة الخبر ونظيره إطلاق لفظ الماضي في الدعاء ولمزيد التأكيد والحث على الانتهاء أضاف الجناية إلى نفسه والمراد به الجناية على الغير لأنها لما كانت سببا للجناية عليه قصاصا ومجازاة كالجناية على نفسه أبرزها على ذلك ليكون أدعى إلى الكف وأمكن في النفس لتضمنه ما يدل على المعنى الموجب للنهي وقد كانوا في الجاهلية يقودون بالجناية من يجدونه من الجاني وأقاربه الأقرب فالأقرب وعليه الآن ديدن أهل الجفاء من سكان البوادي والجبال
(ن هـ عن أسامة بن شريك) الثعلبي(6/391)
9751 - (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) في رواية إلا أن تجيزها الورثة فالوصية للوارث موقوفة على إجازة باقي الورثة فإن أجازوا نفذ ولا رجوع لهم وإلا فباطلة
(طس هق عن ابن عباس) قال الذهبي في المهذب: هذا حديث صالح الإسناد وقال ابن حجر: رجاله لا بأس بهم اه(6/391)
9752 - (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) وعكسه لحصول التهمة لبعد ما بينهما وأخذ به مالك وتأوله الشافعية كالجمهور على ما يعتبر فيه كون الشاهد من أهل الخبرة الباطنة كالإعسار وأما تأويل القاضي له بأن معنى لا تجوز لا تحسن إما لعدم ضبطه وتفطنه لما تختل به الشهادة عن وجهها وإما لأن شهادته قلما تنفع فإنه يعسر طلبه عند الحاجة إلى إقامة الشهادة فغير جيد
(د هـ) في القضاء (ك) في الأحكام (عن أبي هريرة) قال الذهبي: لم يصححه الحاكم وهو حديث منكر على نظافة إسناده وقال ابن عبد الهادي: فيه أحمد بن سعيد الهمداني قال النسائي: ليس بالقوي(6/391)
9753 - (لا تجوز شهادة ذي الظنة) أي شهادة ظنين أي متهم في دينه لعدم الوثوق به فعيل بمعنى مفعول من الظنة التهمة وقيل أراد به الذي أضاف نفسه إلى مواليه أو انتسب إلى غير أصوله وأقاربه لا نفي الوثوق به عن نفسه وقيل أراد المتهم بسبب ولاء أو قرابة وبه أخذ مالك (ولا ذي الحنة) بالتخفيف أي المداوة وهي لغة قليلة ضعيفة كما في الغرب إلا في الإحنة على قلتها جاءت في عدة أخبار وأما الذهاب إلى أنه الجنة بالجيم والنون فقال المطرزي: تصحيف وفيه [ص:392] رد على الحنفية في تجويزهم شهادة العدو على عدوه
(ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن قال ابن حجر: في إسناده نظر وقال القاضي: الحديث ضعيف مطعون الرواة لا احتجاج به(6/391)
9754 - (لا تحدوا النظر إلى المجذومين) لأنه أحرى أن لا تعافوهم فتزدروهم أو تحتقروهم
(الطيالسي) أبو داود (عق عن ابن عباس) رمز لحسنه(6/392)
9755 - (لا تحرم) في الرضاع (المصة) الواحدة من المص (ولا المصتان) في رواية بدله الرضعة ولا الرضعتان وفي رواية الإملاجة ولا الإملاجتان والكل لمسلم قال الشافعي: دل الحديث على أن التحريم لا يكفي فيه أقل من اسم الرضاع واكتفى به الحنفية والمالكية فحرموا برضعة واحدة تمسكا بإطلاق آية {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} قال القاضي: ويجاب عن الآية بأن الحرمة فيها مرتبة على الأمومة والأخوة من جهة الرضاع وليس فيها دلالة على أنهما يحصلان برضعة واحدة اه. وروى عبد الرزاق بإسناد قال ابن حجر: صحيح عن عائشة لا يحرم دون خمس رضعات معلومات وبه أخذ الشافعي وهو أحد روايتين عن أحمد والحديث المنسوخ ورد مثالا لما دون الخمس وإلا فالتحريم بالثلاث الذي ذهب إليه داود إنما يؤخذ منه بالمفهوم ومفهوم العدد ضعيف على أنه قد عارضه مفهوم حديث الخمس فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة وحديث المصتان جاء أيضا من طرق صحيحة قال بعضهم: إنه مضطرب ذكره ابن حجر
(حم م 4) في النكاح (عن عائشة ن حب عن الزبير) بن العوام ولم يخرجه البخاري إلا بلفظ المصة ولا بلفظ الرضعة وخرجه الشافعي بهما(6/392)
9756 - (لا تخيفوا أنفسكم بالدين) لفظ رواية الطبراني لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها قالوا وماذا يا رسول الله قال الدين وفي رواية لأحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تخيفوا أنفسكم وقال الأنفس فقيل يا رسول الله وبما نخيف أنفسنا قال الدين
(هق) وكذا أحمد وكأن المؤلف أغفله ذهولا (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين أحدهما رجاله ثقات ورواه عنه أيضا الطبراني وأبو يعلى وغيرهما وقد أجحف المؤلف في اختصار التخريج(6/392)
9757 - (لا تدخل الملائكة) يعني ملائكة الرحمة ونحوهم (بيتا) يعني مكانا (فيه جرس) هو كل شيء في العنق أو الرجل حين يصوت وذلك لأنه إنما يعلق على الدواب للرعاية والحفظ ليعرف سيرها ووقوفها فتسكن الرفقة إلى سماعها ويتكلون في السير عليها والملائكة حفظ لهم من بين أيديهم ومن خلفهم فإذا سكنت القلوب انقطعت بعد سكونها إليها عن سكونها لمسيرها ومسيرهم ومصيرها ومصيرهم وحافظها وحافظهم فإذا اتخذوا لهم حفظة لأنفسهم وكلوا إليها وليس الجرس كسائر ما يجعل وقاية للنفس والمال لأن في ذلك فوائد أخرى بخلاف الجرس ذكره الكلاباذي والظاهر أن التصويت علة عدم الدخول فلو شد بما منع تصويته زالت العلة قال ابن الصلاح: فإن وقع ذلك بمحل ولم يستطع تغييره ولا الخروج منه فليقل اللهم إني أبرأ إليك من هذا فلا تحرمني صحبة ملائكتك
(حكاية) قال ابن عربي: كان بمكة رجل من أهل الكشف يسمى ابن الأسعد من أصحاب شيخنا أبي مدين فكان يشاهد الملائكة يطوفون مع الناس فنظرهم يوما تركوا الطواف وخرجوا سراعا حتى لم يبق منهم أحد وإذا بالجمال بأجراسها دخلت المسجد بالروايا تسقي الناس فلما خرجوا رجعوا
(د) في باب الخاتم (عن عائشة) وفيه كما قال الذهبي: بنانة عن عائشة لا تعرف إلا برواية ابن جريج منها هذا الخبر(6/392)
[ص:393] 9758 - (لا تدخل الملائكة) ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف فهو عام أريد به الخصوص وادعاء التعميم وأنهم يطلعون على عمل العبد وهم خارج الدار تكلف كزاعم التخصيص بملائكة الوحي وأن ذلك خاص بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (بيتا) أي مكانا (فيه كلب) ولو لنحو زرع أو حرث كما رجحه النووي خلافا لما جزم به القاضي تمسكا بأن كلب وصورة نكرتان في سياق النفي والقلب بيت وهو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة من نحو غضب وحقد وحسد وكبر وعجب كلاب نابحة فلا تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب وهذا من قبيل التنبيه على البواطن بذكر الظواهر مع إرادتها ففارق الباطنية كما مر عن حجة الإسلام موضحا (ولا صورة) أي لحيوان بخلاف صورة غير ذي روح كشجر وسبق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توعد المصور بما أفاد أن التصوير كبيرة فالملائكة لا تدخله هجرانا له وغضبا عليه لعظم الإثم بمضاهاة الحق في خلقه لأنه الخالق المصور ولأنه ليس من جنس الصور ما هو مباح والأفعال أعراض لا بقاء لها والصور تبقى فهي أشد من المعاصي التي لا تبقى آثارها وأكثر المعاصي شهوات والتصوير أشد منها وأما الكلب فلنجاسته ولقذارته وخبث رائحته هو في ذلك أشد من سائر السباع فشدد فيه وأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقتله قال الكمال ابن أبي شريف: قوله فيه صورة إلخ الجملة في محل نصب صفة قوله بيتا
(حم ق ت ن هـ عن أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهلة وخرجه الحاكم عن علي بزيادة ولا جنب(6/393)
9759 - (لا تدعن صلاة الليل) يعني التهجد (ولو حلب شاة) أي مقدار حلبها
(طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه بقية وفيه كلام كثير(6/393)
9760 - (لا تدعوا) أي لا تتركوا (ركعتي الفجر) أي صلاتهما (وإن طردتكم الخيل) خيل العدو بل صلوهما ركبانا أو مشاة بالإيماء ولو لغير القبلة وهذا اعتناء عظيم بركعتي الفجر وحث على شدة الحرص عليهما حضرا وسفرا وأمنا وخوفا
(حم هـ عن أبي هريرة) رمز لحسنه قال عبد الحق: إسناده ليس بقوي(6/393)
9761 - (لا تدعوا) لا تتركوا كما في رواية (الركعتين اللتين قبل صلاة الفجر فإن فيهما الرغائب) أي ما يرغب فيه فإنه من عظيم الثواب وبه سميت صلاة الرغائب أي ما يرغب فيه فإنه من عظيم الثواب واحدها رغيبة
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الرحيم بن يحيى وهو ضعيف انتهى ورواه عنه أيضا أبو يعلى وقال: لا تتركوا بدل تدعوا(6/393)
9762 - (لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا) إلى الدفن ليلا كخوف انفجار الميت أو تغيره أو نحو فتنة وأخذ بظاهره الحسن فكره الدفن ليلا وتأوله الجمهور على أن النهي كان أولا ثم رخص أو أنه مقصور على دفنه قبل الصلاة كما يرشد إليه ما رواه مسلم في قصة فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر رجل إلى ذلك
(هـ عن جابر) قال ابن حجر: فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وهو ضعيف(6/393)
9763 - (لا تديموا النظر إلى المجذومين) بدون واو بخط المصنف لأنكم إذا أدمتم النظر إليهم حقرتموهم ورأيتم لأنفسكم [ص:394] عليهم فضلا فيتأذى به المنظور أو لأن من به الداء يكره أن يطلع عليه ومر أن الأمر بتجنب المجذوم والفرار منه لا ينافي النهي عن العدوي والطيرة لتوجيهات مرت ونزيد هنا أن صاحب المطامح قال: أمر بتجنبه والفرار منه استقذارا أو تأنفا
(حم هـ عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح: سنده ضعيف اه. وذلك لأن فيه محمد بن عبد الله العثماني الملقب بالديباج وثقه النسائي وقال البخاري: لا يكاد يتابع على حديث ثم أورد له هذا الخبر(6/393)
9764 - (لا تذبحن) شاة (ذات در) أي لبن ندبا أو إرشادا وهذا قاله لأبي الهيثم وقد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه فذهب ليصنع لهم طعاما وفي الحديث قصة طويلة في الشمائل وغيرها
(ت عن أبي هريرة) رمز لحسنه(6/394)
9765 - (لا تذكروا هلكاكم) في رواية موتاكم (إلا بخير) إلا أن تمس لذكره حاجة كجرحه في شهادته وروايته أو تحذير من بدعته وفساد طويته ذكره ابن عبد السلام في الشجرة وقضية صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه النسائي إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه اه بنصه. فحذف المصنف من سوء الصنيع
(ن عن عائشة) قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فذكره قال الحافظ العراقي: إسناده جيد(6/394)
9766 - (لا تذهب الدنيا حتى تصير) يعني حتى يصير نعيمها وملاذها والوجاهة فيها (للكع بن لكع) أي لئيم ابن لئيم أحمق واللكع عند العرب الأحمق ثم استعمل في الذم وقال أبو البقاء: هو مصروف لأنه نكرة وإن كان معدولا عن لاكع ولذلك دخلت عليه الألف واللام في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لكع بن لكع
(حم عن أبي هريرة) رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات(6/394)
9767 - (لا ترجعوا بعدي) لا تصيروا بعد موقفي هذا قاله في حجة الوداع أو بعد موتي (كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) بالرفع استثناف جواب لمن سأل عن تلك الحالة الأولى أو بالجزم بدل من ترجعوا أو جواب شرط مقدر أي فإن ترجعوا يضرب نحو لا تكفر فتدخل النار قال عياض: والرواية بالرفع والمراد أن ذلك كفر لمستحله أو كفر للنعمة أو يقرب من الكفر أو يشبه فعل الكفار أو الكفار المتلبسون بالسلاح أو أراد به الزجر والتهويل
(حم ق) البخاري في العلم ومسلم في الإيمان (ن) في العلم (هـ) في الفتن (عن جرير) بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع استنصت الناس ثم قال: لا ترجعوا إلخ (حم خ د ن عن ابن عمر) بن الخطاب (خ ن عن أبي بكرة خ ت عن ابن عباس)(6/394)
9768 - (لا تركبوا الخز) بفتح المعجمة وزاي أي لا تركبوا على الخز لحرمه استعماله لكونه كله من إبريسم (ولا النمار) أي ولا تركبوا على النمار أو على جلودها لأنه شأن المتكبرين وقال الهيثمي: كأنه كره زي العجم في مراكبهم واستحب القصد في اللباس والمركب وقيل جمع نمرة وهو الكساء المخطط ولو أنه المراد منه فلعل ذلك لما فيه من الزينة ذكره [ص:395] القاضي قال الراغب: اتخذ المهدي لجاما مفضضا فلامه المنصور وقال: أما يعلم الناس أن لك فضة؟ ارجع إلى حالك
(د) في اللباس (عن معاوية) سكت عليه ولم يعترضه المنذري وأقره البيهقي وقال النووي في رياضه: إسناده حسن(6/394)
9769 - (لا تروعوا المسلم) أي لا تخوفوه أو تفزعوه (فإن روعة المسلم ظلم عظيم) فيه إيذان بأنه كبيرة وأصل الحديث أن زيد بن ثابت نام في حفر الخندق فأخذ بعض أصحابه سلاحه فنهى عن ترويع المسلم من يومئذ كما في الإصابة لا يقال يشكل عليه ما رواه أحمد أن أبا بكر خرج تاجرا ومعه نعيمان وسويط فقال له: أطعمني فقال: حتى يجيء أبو بكر فذهب لأناس ثم باعه لهم موريا أنه قنه بعشرة قلائص فجاؤوا وجعلوا في عنقه حبلا وأخذوه فبلغ ذلك الصديق فذهب هو وأصحابه إليهم واستخلصوه لأنا نقول محل النهي في ترويع لا يحتمل غالبا وهذا ليس منه فإن نعيمان مزاح مضحاك معروف بذلك ومن هذا شأنه ففعله لا ترويع فيه
(طب عن عامر بن ربيعة) رمز المصنف لحسنه وهو غير مسلم فقد أعله الهيثمي بأن فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف(6/395)
9770 - (لا تزال) بالمثناة أوله (طائفة من أمتي) أي أمة الإجابة (ظاهرين) على الناس أي غالبين منصورين وهم جيوش الإسلام أو العلماء الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر فالمقاتلة معنوية (حتى يأتيهم أمر الله) أي القيامة (وهم) أي والحال أنهم (ظاهرون) على من خالفهم واحتمال أنه أراد بالظهور الشهرة وعدم الاستتار بعيد وزاد مسلم إلى يوم القيامة أي إلى قربه وهو حيت تأتي الريح فتقبض روح كل مؤمن وهو المراد بأمر الله هنا فلا تدافع بينه وبين خبر لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وفيه معجزة بينة فإن أهل السنة لم يزالوا ظاهرين في كل عصر إلى الآن فمن حين ظهرت البدع على اختلاف صنوفها من الخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم لم يقم لأحد منهم دولة ولم تستمر لهم شوكة بل {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} بنور الكتاب والسنة فلله الحمد والمنة وزعمت المتصوفة أن الإشارة إليهم لأنهم لزموا الاتباع بالأحوال وأغناهم الاتباع عن الابتداع قال بعضهم: ويحتمل أن هذه الطائفة مؤلفة من أنواع المؤمنين منهم شجعان ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وغير ذلك ولا يلزم كونهم من قطر واحد
(ق عن المغيرة) بن شعبة ورواه مسلم أيضا من حديث جابر بلفظ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة أكرم الله بها هذه الأمة(6/395)
9771 - (لا تزال أمتي بخير) في محل نصب خبر تزال وما في قوله (ما عجلوا) شرطية والجزاء محذوف لدلالة المذكور أولا عليه أو ما ظرفية أي مدة فعلهم (الإفطار) عقب تحقق الغروب بإخبار عدلين أو عدل على الأصح بأن تناولوا عقبه مفطرا امتثالا للسنة ووقوفا عند حدودها ومخالفة لأهل الكتاب حيث يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم فالتأخير لهذا القصد مكروه تنزيها وفيه إيماء إلى أن فساد الأمور تتعلق بتغير هذه السنة وأن تأخير الفطر علم على فساد الأمور قال القسطلاني: وأما ما يفعله الفلكيون من التمكين بعد الغروب بدرجة فمخالف للسنة فلذا قل الخير (وأخروا السحور) إلى الثلث الأخير امتثالا للسنة وحكمته أنه أرفق بالصائم وأقوى على العبادة وأن لا يزاد في النهار من الليل ولا يكره تأخير الفطر إذ لا يلزم من ندب الشيء كون ضده مكروها وتعجيل الفطر وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة
(حم عن أبي ذر) رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه سليمان بن أبي عثمان قال أبو حاتم: مجهول اه نعم قال ابن عبد البر: أخبار تعجيل الفطر وتأخير السحور متواترة(6/395)
[ص:396] 9772 - (لا تزال أمتي على الفطرة) أي السنة وفي رواية بخير (ما لم يؤخروا المغرب) أي صلاتها (إلى اشتباك النجوم) أي انضمام بعضها إلى بعض وظهورها كلها بحيث يختلط إنارة بعضها ببعض ويظهر صغارها من كبارها حتى لا يخفى منها شيء وفيه رد على الشيعة في تأخيرهم إلى ظهور النجوم وأن الوصال يحرم علينا شرعا لأن تأخير الفطر إذا كان ممنوعا فتركه بالكلية أشد منعا
(حم د) في الصلاة (ك عن أبي أيوب) الأنصاري قال الحاكم: على شرط مسلم وله شاهد صحيح (وعقبة بن عامر) الجهني (هـ عن ابن عباس) بلفظ حتى تشتبك النجوم قال الذهبي: قال أحمد: هذا حديث منكر قال ابن حجر: وفي الباب عن رافع بن خديج كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله أخرجاه ولأبي داود عن أنس نحوه(6/396)
9773 - (لا تزال طائفة من أمتي) قال البخاري في الصحيح وهم أهل العلم (قوامة على أمر الله) أي على الدين الحق لتأمن بهم القرون وتتجلى بهم ظلم البدع والفتون (لا يضرها من خالفها) لئلا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة قال ابن عطاء: ففساد الوقت لا يكون إلا بنقص أعدادهم لا بذهاب إمدادهم لكن إذا فسد الوقت أخفاهم الله قال البيضاوي: أراد بالأمة أمة الإجابة وبالأمر الشريعة والدين وقيل الجهاد وبالقيام به المحافظة والمواظبة عليه والطائفة هم المجتهدون في الأحكام الشرعية والعقائد الدينية أو المرابطون في الثغور والمجاهدون لإعلاء الدين اه وقال النووي في التهذيب: حمله العلماء أو جمهورهم على حملة العلم وقد دعا لهم المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها وقد جعله عدولا ففي حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهذا إخبار منه بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه وأنه تعالى يوفق له في كل عصر خلقا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهذا من أعلام نبوته ولا يضر معه كون بعض الفساق يعرف شيئا من العلم بأن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف منه شيئا. وفيه فضل العلماء على الناس وفضل الفقه على جميع العلوم وفيه أن هذه الأمة آخر الأمم وأنه لا بد أن يبقى منها من يقوم بأوامر الله حتى يأتي أمر الله وطائفة الشيء بعضه من الناس أو المال قال الرافعي: وجاء عن الحبر أنها لواحد فما فوقه وقيل إنها اثنان وقيل ثلاثة وقيل أربعة
(هـ حم عن أبي هريرة) ورجاله موثقون قال ابن حجر: وهذا بمعنى ما اشتهر على الألسنة من خبر الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ولا أعرفه(6/396)
9774 - (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) أي معاونين أي غالبين أو قاهرين لأعداء الدين زاد في رواية لا يضرهم من خذلهم قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع الأمة ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومفسر ومحدث وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم اجتماعهم ببلد واحد ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله بقيام الساعة كما قال (حتى تقوم الساعة) أي إلى قرب قيامها لأن الساعة لا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله كما تقرر أو المراد حتى تقوم ساعتهم. وفيه كالذي قبله أن الله يحمي إجماع هذه الأمة من الخطأ حتى يأتي أمره وبيان قسم من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الإخبار بالغيب فقد وقع ما أخبر به فلم تزل هذه الطائفة من زمنه إلى الآن منصورة ولا تزال كذلك قال الحرالي: ففي طيه إشعار بما وقع وهو واقع وسيقع من قتال طائفة الحق لطائفة البغي سائر اليوم [ص:397] المحمدي مما يخلص من الفتنة ويخلص الدين لله توحيدا ورضا وثباتا على حال السلف الصالح وفيه أن هذه الأمة خير الأمم وأن عليها تقوم الساعة وإن ظهرت أشراطها وضعف الدين فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به
(ك) في الفتن (عن عمر) بن الخطاب وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي(6/396)
9775 - (لا تزوجن) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (عجوزا) انقطع نسلها (ولا عاقرا) لا تحمل وإن كانت شابة بل أو بكرا ويعرف بأقاربها (فإني مكاثر بكم الأمم) أي مغالب الأمم السابقة في الكثرة (يوم القيامة) فتزوج غير الولود مكروه تنزيها
(طب ك) من حديث معاوية الصدفي (عن عياض بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري مختلف في صحبته وجزم أبو حاتم في حديثه بأن حديثه مرسل قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن معاوية هذا ضعيف اه. وقال ابن حجر: هذا الحديث فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف(6/397)
9776 - (لا تزيدوا أهل الكتاب) في رد السلام عليهم إذا سلموا (على) قولكم (وعليكم) فإن الاقتصار عليه لا مفسدة فيه فإنهم إن قصدوا السلام عليكم فالمعنى ندعو عليكم بما دعوتم به علينا وإلا فهو رد عليهم بالهداية
(أبو عوانة) بفتح المهملة في صحيحه (عن أنس) بن مالك(6/397)
9777 - (لا تسأل الناس شيئا) إرشادا إلى درجة التوكل والتفويض إليه سبحانه (ولا سوطك) أي مناولته (وإن سقط منك حتى تنزل إليه) عن الدابة (فتأخذه) تتميم ومبالغة في الأمر بالكف عن السؤال قال ابن الجوزي: احتاجت رابعة فقيل لها: لو أرسلت إلى قريبك فلانا فبكت وقالت: الله أعلم أني استحي أن أطلب منه الدنيا وهو يملكها فكيف أسألها من لا يملكها. قال في الحكم: ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته فكيف لا يستحي أن يرفعها إلى خليقته
(حم عن أبي ذر)(6/397)
9778 - (لا يسأل الرجل) بالبناء للفاعل وللمفعول (فيم) أي في أي شيء (ضرب امرأته) أي لا يسأل عن السبب الذي ضربها لأجله لأنه يؤدي لهتك سترها فقد يكون لما يستقبح كجماع والنهي شامل لأبويها وقال ابن الملقن: سره دوام حسن الظن والمراقبة بالإعراض عن الاعتراض قال الطيبي: قوله لا يسأل عبارة عن عدم التحرج والتأثم لقوله تعالى {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} أي أزيلوا عن التوخي بالأذى والتوبيخ والهجر واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن اه قال الحرالي: في إشعاره إبقاء للمروءة في أنه لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا اه والرواية بالألف في فيما وهي لغة شاذة قال ابن مالك: لأن ما استفهامية مجرورة فحقها أن تحذف ألفها فرقا بينها وبين الموصولة ويجوز كونها موصولة وأفاد حل ضرب الزوجة (ولا تنم إلا على وتر) أي على صلاته
(حم ك) في البر والصلة من حديث عبد الرحمن المستملي عن الأشعث (عن عمر) بن الخطاب قال الأشعث: تضيفت عمر فقام في الليل فتناول امرأته فضربها ثم ناداني يا أشعث قلت لبيك فقال احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي مع أن فيه عند الحاكم كأبي داود عبد الله المستملي قال عبد الحق: لم أر أحدا نسبه ولا تكلم فيه وقال ابن القطان: هو مجهول لا يروى عنه إلا هذا الحديث وقال في الميزان: لا يعرف إلا في حديثه عن الأشعث عن عمر ثم ساق هذا الخبر(6/397)
[ص:398] 9779 - (لا تسافر المرأة) مجزوم بلا الناهية وكسر الراء لالتقاء الساكنين (ثلاثة أيام) بلياليها ولمسلم ثلاث ليال أي بأيامها وللأصيل ثلاثا وفي رواية فوق ثلاثة أيام وفي أخرى يوم وليلة وأخرى يوم وليس القصد بها التحديد بل المدار على ما يسمى سفرا عرفا والاختلاف إنما وقع لاختلاف للسائل أو المواطن وليس هو من المطلق والمقيد بل من العام الذي ذكرت بعض أفراده وذا لا يخصص على الأصح (إلا مع ذي محرم) بفتح فسكون بنسب أو رضاع أو مصاهرة وفي رواية إلا معها ذو محرم أي من يحرم عليه نكاحها من الأقارب كأخ وعم وخال ومن يجري مجراهم كزوج كما جاء مصرحا به في رواية قال ابن العربي: النساء لحم على وضم كل أحد يشتهيهن وهن لا مدفع عندهن بل الاسترسال فيهن أقرب من الاعتصام فحصن الله عليهن بالحجاب وقطع الكلام وحرم السلام وباعد الأشباح إلا مع من يستبيحها وهو الزوج أو يمنع منها وهو أولو المحارم ولما لم يكن بد من تصرفهن أذن لهن فيه بشرط صحبة من يحميهن وذلك في مكان المخالفة وهو السفر مقر الخلوة ومعدن الوحدة
(حم ق د ن عن ابن عمر) بن الخطاب(6/398)
9780 - (لا تسافر امرأة بريدا) أي أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل منتهى مد البصر (إلا ومعها محرم محرم عليها) بضم الميم وشد الراء مفتوحة زاده تأكيدا وإيضاحا وليس في البريد تصريح بتحريم ما فوقه من يوم أو ليلة أو ثلاثا لأن مفهوم الظرف غير حجة عند كثيرين
(د ك) في الحج (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي(6/398)
9781 - (لا تسافر) مجزوم بلا الناهية وكسرت الراء لالتقاء الساكنين (المرأة) سفرا مباحا أو لحج فرض (إلا مع ذي محرم) أي محرمية وفي معناه الزوج (ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) والمحرم من حرم نكاحه على التأييد بسبب مباح لحرمتها وفيه وفيما قبله أنه يحرم سفرها بغير نحو محرم أو زوج أي وما ألحق بهما كعبد لها ثقة أو أجنبي ممسوح أو نسوه ثقات فلا يلزمها الحج إن وجدت ذلك لخوف استمالتها وخديعتها
(حم ق عن ابن عباس)(6/398)
9782 - (لا تسبوا الأموات) أي المسلمين كما دل عليه بلام العهد فالكفار سبهم قربة (فإنهم قد أفضوا) بفتح الهمزة والضاد وصلوا (إلى ما قدموا) عملوا من خير وشر والله هو المجازي إن شاء عفا وإن شاء عذب فلا فائدة في سبهم فيحرم كما قال النووي: سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية كسب أهل البدع والفسقة للتحذير من الاقتداء بهم وكجرح الرواة لابتناء أحكام الشرع على بيان حالاتهم وقد أجمعوا على جواز جرح المجروح من الرواة حيا وميتا
(حم خ) في الجنائز (عن عائشة)(6/398)
9783 - (لا تسبوا الأموات) الذين ليسوا بكفار ولا فجار بعد موتهم (فتوذوا الأحياء) من بنيه وأقاربه أخذ منه جمع حرمة ذكر أبوي النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه نقص فإن ذلك يؤذيه وإيذاؤه كفر والله أعلم بهما وقد أطنب المصنف في الاستدلال لعدم الحكم عليهما بكفر
(حم ت عن المغيرة) بن شعبة قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح وقال شيخه العراقي: رجاله ثقات إلا أن بعضهم أدخل بين المغيرة وبين زياد بن علاقة رجلا لم يسم(6/398)
9784 - (لا تسبوا الأئمة) الإمام الأعظم ونوابه وإن جاروا (وادعوا الله لهم بالصلاح فإن صلاحهم لكم صلاح) إذ بهم حراسة الدين [ص:399] وسياسة الدنيا وحفظ منهاج المسلمين وتمكينهم من العلم والعمل وقال الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام لأني لو جعلتها النفسي لم تجاوزني ولو جعلتها له كان صلاح الإمام صلاح العباد والبلاد
(طب) وكذا في الأوسط (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه الحسين بن محمد بن مصعب الأسناني ولم أعرفه وبقية رجال الكبير ثقات(6/398)
9785 - (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر وسببه أنهم كان يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان كذا في الكشاف وقال المنذري: معنى الحديث إن العرب كانت إذا نزل بأحدهم مكروه بسبب الدهر اعتقدوا أن الذي أصابه فعل الدهر فكان هذا كاللعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا الله فنهاهم عن ذلك
(م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ(6/399)
9786 - (لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة) أي قيام الليل بصياحه فيه ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم وفي رواية للطيالسي لا تسبوا الديك فإنه يدل على مواقيت الصلاة قال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ولا يستهان به بل حقه الإكرام والشكر ويتلقى بالإحسان وليس في معنى دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراحة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فيذكر الناس بصراخه الصلاة ولا تجوز الصلاة بصراخه من غير دلالة سواه إلا ممن جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة
(د) في الأدب (عن زيد بن خالد) الجهني قال: صرخ ديك قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكره قال النووي في الأذكار والرياض: إسناده صحيح وقال غيره: رجاله ثقات فرمز المؤلف لحسنه فقط تقصير أو قصور(6/399)
9787 - (لا تسبوا الريح) أي لا تشتموها (فإنها من روح الله) أي رحمة لعباده (تأتي بالرحمة) أي بالغيث والراحة والنسيم (والعذاب) باتلاف النبات والشجر وهلاك الماشية وهدم البناء فلا تسبوها لأنها مأمورة فلا ذنب لها (ولكن سلوا الله من خيرها) الذي تأتي به (وتعوذوا بالله من شرها) المقدر في هبوبها أي اطلبوا المعاذ والملاذ منه إليه قال الشافعي رحمه الله: لا ينبغي شتم الريح فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء ثم أخرج بإسناده حديثا منقطعا أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر فقال له: لعلك تسب الريح وقال مطرف: لو حبست الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض
(حم هـ) في الأدب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته(6/399)
9788 - (لا تسبوا السلطان فإنه) وفي خط المصنف فإنهم والظاهر أنه سبق فلم بدليل ذكر السلطان قبله بالإفراد (فيء الله في أرضه) يأوي إليه المظلوم الفيء هو الظل يأوي إليه من آذاه حر الشمس سمي فيئا لتراجعه وكذا السلطان جعله الله معونة لخلقه فيصان منصبه عن السب والامتهان ليكون احترامه سببا لامتداد فيء الله ودوام معونة خلقه وقد حذر السلف من الدعاء عليه فإنه يزداد شرا ويزداد البلاء على المسلمين
(هب عن أبي عبيدة) بن الجراح وفيه ابن أبي فديك وقد مر وموسى بن يعقوب الزمعي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي: غير قوي وعبد الأعلى قال الذهبي: لا يعرف وإسماعيل بن رافع قال: ضعيف(6/399)
[ص:400] 9789 - (لا تسبوا الشيطان) فإن السب لا يدفع عنكم ضرره ولا يغني عنكم من عداوته شيئا (و) لكن (تعوذوا بالله من شره) فإنه المالك لأمره الدافع لكيده عمن شاء من عباده
(المخلص) أبو طاهر (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره فما أوهمه صنيع المؤلف حيث أبعد في العزو من أنه لا يوجد مخرجا لغير المخلص غير جيد(6/400)
9790 - (لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال) زاد في رواية فيهم تنصرون وبهم ترزقون وفيه رد على من أنكر وجود الأبدال كابن تيمية
(طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: فيه عمرو بن واقد ضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح(6/400)
9791 - (لا تسبوا) زاد في رواية لا تلعنوا (تبعا فإنه كان قد أسلم) قال الزمخشري: هو تبع الحميري كان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذم الله قومه ولم يذمه وهو الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند وقيل هدمها وقيل هو الذي كسا البيت وقيل لملوك اليمن التتابعة لأنهم يتبعونه وسمي الظل تبعا لأنه يتبع الشمس اه. قال ابن الأثير: اسمه أسعد وقال السهيلي لا ندري أي التتابعة أراد غير أن في حديث معمر عن هشام بن منبه عن أبي هريرة رفعه لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسا الكعبة فإن صح فهو الذي أراد وقيل إنه كان يؤمن بالبعث ومما ينسب له قوله:
ويأتي بعدهم رجل عظيم. . . نبي لا يرخص في الحرام
يسمى أحمد يا ليت أني. . . أعمر بعد مبعثه بعام
(حم) من طريق ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي (عن سهل بن سعد) الساعدي رمز المصنف لحسنه وهو غير صواب فقد قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني: فيه عمرو بن جابر وهو كذاب اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب وبعد أن ذكره فكان ينبغي إكثاره من ذكر مخرجيه فمنهم الطبراني والبغوي والطبري وابن مريم والدارقطني وغيرهم(6/400)
9792 - (لا تسبوا ماعزا) بن مالك الذي رجم واسمه غريب وماعز لقبه وذلك لأن الحد طهره ومن ثم صح أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على الجهينة التي رجمت فقال عمر: تصلي عليها وقد زنت فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل يوجد توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله وفي البخاري أنه صلى على ماعز وفي أبي داود لا. وجمع بحمل صلاته عليه على معناها اللغوي وعدمها على الشرعي
(طب عن) عامر (أبي الطفيل) الخزاعي قال البغوي: ليس له غيره رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه الوليد بن عبد الله بن أبي ثور ضعفه جماعة وقد وثق وبقية رجاله ثقات(6/400)
9793 - (لا تسبوا مضر) جد المصطفى صلى الله عليه وسلم الأعلى قال ابن دحية: سمي به لأنه كان يمضر بالقلوب لحسنه وجماله ويعرف بمضر الحمراء وكانت له فراسة وقيافة وكلمات حكمية سبق منها أنموذج وقال السهيلي: هو من المضيرة شيء يصنع من لبن سمي به لبياضه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل مضر الحمراء وقيل بل أوصى إليه أبوه بقبة حمراء وهو أول من سن للعرب حداء الإبل وكان أحسن الناس صوتا (فإنه كان قد أسلم) وكان يتعبد على دين إسماعيل أو على ملة إبراهيم قال ابن حبيب: وهو من ولد إسماعيل بلا شك وفي خبر إذا اختلف الناس فالحق مع مضر
(ابن سعد) [ص:401] في الطبقات (عن عبد الله بن خالد مرسلا) هو التيمي مولاهم المدني(6/400)
9794 - (لا تسبوا ورقة بن نوفل فإني قد رأيت له جنة أو جنتين) قال الحافظ العراقي: هذا شاهد لما ذهب إليه جمع من أن ورقة أسلم عند ابتداء الوحي ويؤيده خبر البزار وغيره عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عنه فقال: أبصرته في بطنان الجنة على سندس قال: والظاهر أنه لم يكن متمسكا بالمبدل من النصرانية بل بالصحيح منها الذي هو الحق
(ك) في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم (عن عائشة) قال: على شرطهما وأقره الذهبي(6/401)
9795 - (لا تسبي) خطابا لأم السائب (الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم) أي المؤمنين (كما يذهب الكير) بالكسر كير الحداد المبني من طين وقيل زقه الذي ينفخ به كما مر (خبث الحديد) لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة وتناول الأغذية والأدوية النافعة وفي ذلك إعانة على تنقية البدن ونفي أخباثه وفضوله وتصفيته من مواده الرديئة وتفعل به كما تفعل النار بالحديد من نفي خبثه وتصفية جوهره وأشبهت نار الكير التي تصفي الحديد وهذا القدر هو المعلوم عند علماء الأبدان وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه وإخراج خبثه فأمر يعلمه أطباء القلوب كما أخبر به نبيهم عليه الصلاة والسلام لكن إذا أيس من برء المرض لم ينجح فيه هذا العلاج ذكره ابن القيم
(م) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله قال: قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم السائب فقال: ما لك تزفزفين أي ترتعدين قالت: الحمى لا بارك الله فيها فال: لا تسبي وساقه وقوله تزفزفين بزاي مكررة وفاء مكررة أي: ترتعدين وتتحركين بسرعة قال النووي: وروي براء مكررة وقافين(6/401)
9796 - (لا تستبطئوا الرزق) أي حصوله (فإنه لم يكن عبد) من عباد الله (ليموت حتى يبلغه) أي يصل إليه (آخر رزق هو له) في الدنيا (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أخذ الحلال وترك الحرام) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف
(ك هق) وأبو الشيخ [ابن حبان] (عن جابر) بن عبد الله قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه أيضا أبو نعيم وقال: غريب من حديث شعبة تفرد به حبيش بن مبشر عن وهب بن جرير(6/401)
9797 - (لا تسكن) يا ثوبان (الكفور) أي القرى البعيدة عن الناس التي لا يمر بها أحد إلا نادرا واحده كفر كفلس قال الزمخشري: وأكثر من يتكلم به أهل الشام (فإن ساكن الكفور كساكن القبور) اي هو بمنزلة الميت لا يشاهد الأمصار والجمع سميت كفورا لأنها خاملة مغمورة الاسم ليست في شهرة المدن ونباهة الأمصار قاله الزمخشري ولم يطلع عليه الإمام ابن الكمال فعزى للمطرزي أن الكفر القرية لسترها الناس واقتصر على ذلك وفي التفسير الموسوم بالتيسير معناه أن أهل القرى لبعدهم عن العلم كالموتى أي لجهلهم وقلة تعاهدهم لأمر دينهم ومن ثم قيل الجاهل ميت وإن لم يدفن بيته قبر وثوبه كفن وفيه النهي عن سكنى البادية ونحو ذلك فإنه مذموم لما ذكر وقد دل على ذلك النص القرآني قال تعالى حكاية عن يوسف {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو} فجعل مجيء إخوته من البدو من جملة إحسان الحق إليه وإليهم بحكم التبعية فهو ثناء على الحق بما فعل مع إخوته ومعه ومن ثم عد بعضهم النقل من الريف إلى مصر من النعم وحمده عليها حيث قال الحمد لله الذي نقلني من بلاد الجفاء والجهل إلى بلاد العطف والعلم ثم قضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته كما في الميزان: ولا [ص:402] تأمرن على عشرة فإن من تأمر على عشرة جاء مغلولة يده إلى عنقه فكه الحق أو أوثقه الظلم قال ابن تيمية: وقد جعل الله سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقة القلب ما لا يقتضيه سكنى البادية كما أن البادية توجب من صلابة البدن والخلق ومتانة الكلام ما لا يكون في القرى هذا هو الأصل وإن جاز تخلف المقتضي لمانع فقد يكون سكنى البادية أنفع من القرى
(خد) عن أحمد بن عاصم عن حبوة عن بقية عن صفوان عن راشد بن سعد عن ثوبان (حب) من وجه آخر عن بقية فمن فوقه (عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز لحسنه ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ لا تعمرن الكفور فإن عامر الكفور كعامر القبور ورواه البيهقي من طريقين في أحدهما سعيد بن سنان الحمصي ضعفه أحمد وقال البخاري: منكر الحديث والنسائي: متروك والجوزجاني: أخاف أن يكون أحاديثه موضوعة وساق له في الميزان من مناكيره هذا الخبر وفي الطريق الآخر بقية وقد مر وراشد بن سعد قال الذهبي في الذيل: قال ابن حزم: ضعيف وكذا قال الدارقطني وقال مرة: لا بأس به والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات(6/401)
9798 - (لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليمهم إشارة بالكفوف) وفي رواية بالأكف (والحواجب) فلا يكفي لإقامة السنة أن يأتي بالتحية بغير لفظ كالإشارة بشيء مما ذكر أو بالانحناء ولا بلفظ غير السلام ومن فعل ذلك لم يجب جوابه ومن سلم لا يجزئ في جوابه إلا السلام ولا يكفي الرد بالإشارة بل ورد الزجر عنه في عدة أخبار هذا منها قال بعضهم: ولهذا لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يرد على المسلم بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة قال النووي: ولا يرد عليه خبر أسماء مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى يده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة وخص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن في شغل منعه من اللفظ بجواب السلام كالمصلي والأخرس وكذا السلام على الأصم. قالوا تحية النصارى وضع اليد على الفم واليهود الإشارة الأصبع والمجوس الانحناء والعرب حياك الله والملوك أنعم صباحا والمسلمين السلام عليكم وهي أشرف التحيات وأكرمها
(هب) من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن طلحة بن زيد عن ثور بن يزيد عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وليس كذلك وإنما رواه مقرونا ببيان حاله فقال عقبه: هذا إسناد ضعيف بمرة فإن طلحة بن زيد الرقي متروك الحديث متهم بالوضع وعثمان ضعيف وكيف يصح ذلك والمحفوظ في حديث صهيب وبلال أن الأنصار جاؤوا يسلمون عليه وهو يصلي فكان يشير إليهم بيده إلى هنا كلامه بنصه فحذف المصنف ذلك تلبيس فاحش وإيهام مضر ثم إن قضية صنيعه أيضا أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه مع أن الترمذي خرجه مع خلف يسير ولفظه عنده لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالأكف قال الترمذي: غريب قال ابن حجر: وفيه ضعف قال: لكن خرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه: لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة(6/402)
9799 - (لا تسمي غلامك) أي عبدك خصه بالذكر لأن الأرقاء أكثر تسمية بها وإلا فالحر كذلك ولولا تفسير الراوي له بالقن في رواية لكان حمله على الصبي عبدا أو حرا أفيد لمجيئه في التنزيل كذلك {رب أنى يكون لي غلام} (رباحا) من الربح (ولا يسارا) من اليسر ضد العسر (ولا أفلح) من الفلاح (ولا نافعا) من النفع والنهي للتنزيه لا للتحريم بدليل خبر مسلم أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينهي أن يسمى بمقبل وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع ثم سكت أي أراد أن ينهى عنه نهي تحريم وإلا فقد صدر النهي عنه على وجه الكراهة وأما تسمية النبي صلى الله [ص:403] عليه وآله وسلم مواليه بتلك الأسماء فلبيان الجواز لا تختص الكراهة بها بل يلحق بها ما في معناها كمبارك وسرور ونعمة وخير لأنه يؤدي إلى أن يسمع كلاما يكرهه كما نص عليه بقوله (فانك تقوم أثم هو) أي لا يوجد ذلك الرد في ذلك المحل (فتقول لا) يعني إذا سألت أنت عن واحد مسمى بأحد هذه الأسماء فقلت: هل هو في مكان كذا أو لم يكن فيه يقول في الجواب لا فيتطير به ويدخل في باب النطق المكروه وقد يكون أفلح غير أفلح ومبارك غير مبارك فيكون من تزكية النفس بما ليس فيها وفي ابن ماجه أن زينب كان اسمها برة فقيل تزكي نفسها فقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها زينب وإنما كره هذه الأسماء ونحوها لما مر وتكره لمعان أخر كقبح المعنى المشتق منه
(م) في الأدب وغيره (عن سمرة) بن جندب(6/402)
9800 - (لا تسموا العنب الكرم) زاد في رواية فإن الكرم قلب المؤمن وذلك لأن هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع في المسمى بها وقلب المؤمن هو المستحق لذلك دون شجرة العنب وهل المراد النهي عن تخصيص شجر العنب بهذا الاسم وأن قلب المؤمن أولى به منه فلا يمنع من تسميته بالكرم كما قال في المسكين والرقوب والمفلس إذ المراد أن تسميته بها مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف بالكرم والخير لأصل هذا الشراب الخبيث المحرم وذلك ذريعة إلى مدح المحرم وتهيج النفوس إليه محتمل (ولا تقولوا خيبة الدهر) نهى عنه لأن عادة الجاهلية نسبة الحوادث إلى الزمان فيقولون {وما يهلكنا إلا الدهر} فيسبونه (فإن الله هو الدهر) أي مقلبه والمنصرف فيه على حذف مضاف أو الدهر بمعنى الداهر قال بعض الكاملين: ذهب المحققون إلى أن الدهر من أسماء الله معناه الأزلي الأبدي ولم يكونوا عالمين بتسمية الله به فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم فوجه المنع من سبه بين وفيه الأمر بالمحافظة على الأوضاع وأن لا يتعدى في ذلك قانون السماع وقال ابن العربي: إنما نهى عنه لأن الناس لغفلهم إذا رأوا فعلا عقب فعل نسبوه إليه وخصوه به وإنما هي أفعال الله يترتب بعضها على بعض ولا ينسب لغيره فعلها إلا مجازا فالسب والهجر شيء يكره
(ق) في الأدب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه(6/403)
9801 - (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) فبيعه فيه باطل لعدم العلم به والقدرة على تسليمه الغرر استتار عاقبة الشيء وتردده بين أمرين
(حم هـ حق عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: فيه انقطاع والصحيح موقوف وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن السماك وقال: صدوق ليس حديثه بشيء وقال ابن جماعة: فيه انقطاع وقال الهيثمي: رواه أحمد مرفوعا وموقوفا وكذا الطبراني ورجال الموقوف رجال الصحيح وفي رجال المرفوع منهم محمد بن السماك شيخ أحمد لم أجد من ترجمه وبقيتهم ثقات وقال ابن حجر: رواه أحمد مرفوعا وموقوفا من طريق زيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عنه قال البيهقي: فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه وكذا الدارقطني وغيره(6/403)
9802 - (لا تشد) بصيغة المجهول نفي بمعنى النهي لكنه أبلغ منه لأنه كالواقع بالامتثال لا محالة (الرحال) جمع رحل بفتح الراء وحاء مهملة وهو للبعير بقدر سنامه أصغر من القتب كنى بشدها عن السفر إذ لا فرق بين كونه براحلة أو فرس أو بغل أو حمار أو ماشيا كما دل عليه قوله في بعض طرقه في الصحيح إنما يسافر فذكره شدها غالبي (إلا إلى ثلاثة مساجد) الاستثناء مفرغ والمراد لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة لا أنه لا يسافر أصلا إلا لها والنهي للتنزيه عند الشافعية كالجمهور وقول عياض والجويني والقاضي حسين للتحريم فيحرم شده الرحل لغيرها كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة. قال [ص:404] النووي: غلط فإن قوله لا تشد معناه لا فضيلة في شدها. قال الطيبي: وهو أبلغ مما لو قيل لا تسافر لأنه صورة حالة المسافر وتهيئة أسبابها وأخرج النهي مخرج الإخبار أي لا ينبغي ولا يستقيم أن تقصد الزيارة بالراحلة إلا إلى هذه الثلاثة (المسجد الحرام) بالجر بدل من ثلاثة وبالرفع خبر مبتدأ محذوف وتالياه معطوفان عليه والمراد به هنا نفس المسجد لا الكعبة ولا مكة ولا الحرم كله وإن كان يطلق على الكل الحرام بمعنى المحرم (ومسجدي هذا) في رواية مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل لعله من تصرف الرواة (والمسجد الأقصى) وهو بيت المقدسي سمي به لبعده عن مسجد مكة مسافة أو زمنا أو لكونه لا مسجد وراءه أو لأنه أقصى موضع من الأرض ارتفاعا وقربا إلى السماء خص الثلاثة لأن الأول إليه الحج والقبلة والثاني أسس على التقوى والثالث قبلة الأمم الماضية ومن ثم لو نذر إتيانها لزمه عند مالك وأحمد وكذا عن بعض الشافعية لكن الصحيح عندهم قصره على الأول لتعلق النسك به وقال الحنفية يلزمه إذا نذر المشي لا الإتيان وشدها لغير الثلاثة لنحو علم أو زيارة ليس للمكان بل لمن فيه قال البيضاوي: ينبغي أن لا يشتغل إلا بما فيه صلاح دنيوي وفلاح أخروي ولما كان ما عدا الثلاثة من المساجد متساوية الأقدار في الشرف والفضل وكان التنقل والارتحال لأجلها عبثا ضائعا نهى الشارع عنه والمتقضي لشرفها أنها أبنية الأنبياء ومتعبداتهم
(حم ق د ن هـ عن أبي هريرة حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (هـ عن ابن عمرو) بن العاص(6/403)
9803 - (لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر) أي أصله ومنبعه ومن ثم كان شربها من أفجر الفجور وأكبر الكبائر بل ذهب بعض الصحابة إلى أنها أكبرها بعد الشرك وذهب جمع من المجتهدين وتبعه المؤلف إلى أن شاربها يقتل في الرابعة وزعموا صحة الحديث بذلك من غير معارض
(هـ عن أبي الدرداء)(6/404)
9804 - (لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا) لأن الله يغار على قلب عبده أن يشتغل بغيره وإذا أراد بعبد خيرا سلط عليه أنواع العذاب حتى ينزع حبها من قلبه
(هب عن محمد بن النضر الحارثي مرسلا)(6/404)
9805 - (لا تشغلوا قلوبكم بسبب الملوك) وإن جاروا لأن منصبه يصان عن السب والامتهان (ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم) بالهداية والتوفيق فإنكم إن فعلتم ذلك (يعطف الله قلوبهم عليكم) فاستقيموا يستقيموا وكما تكونوا يول عليكم وكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل
(ابن النجار) في تاريخه (عن عائشة)(6/404)
9806 - (لا تشمن ولا تستوشمن) أي لا تفعلن الوشم ولا تطلبن من غيركن أن يفعلن بكن ذلك لما فيه من التعذيب وتغيير خلق الله وذلك حرام شديد التحريم بل ادعى بعضهم أنه مجمع عليه
(خ ن عن أبي هريرة)(6/404)
9807 - (لا تشم الطعام كما تشمه السباع) في رواية كره أن يشم الطعام كما تشمه السباع
(طب عن أم سلمة) قال البيهقي عقب تخريجه: إسناده ضعيف اه. فحذف المصنف ذلك من كلامه غير صواب وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه عباد بن كثير الثقفي وكان كذابا متعمدا هكذا جزم به(6/404)
9808 - (لا تصاحب إلا مؤمنا) وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة ومن ثم قيل صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة [ص:405] الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا وإذا مرت على الطيب حملت طيبا وقال الشافعي: ليس أحد إلا له محب ومبغض فإذن لا بد من ذلك فليكن المرجع إلى أهل طاعة الله ومن ثم قيل:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره. . . وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد
وصحبة من لا يخاف الله لا يؤمن غائلتها لتغيره بتغير الأعراض قال تعالى {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري قال حجة الإسلام: والإخوان ثلاثة: أخ لآخرتك فلا نزاع فيه إلا الدين وأخ لدنياك فلا نزاع فيه إلا الخلق وأخ لتسأنس به فلا نزاع فيه إلا السلامة من شره وخبثه وفتنته. قال في الحكم: لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله. قال القصار: اصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوها من المعاذير وقال التستري: احذر صحبة ثلاثة: الجبابرة الغافلين والقراء المداهنين والصوفية الجاهلين أي الذين قنعوا بظاهر النسبة وتحلوا للناس بالزهد والتعبد وهؤلاء على العوام فتنة وبلاء. قال علي كرم الله وجهه: قطع ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك فالعالم يغر الناس بتهتكه والجاهل يفتنهم بتنسكه فعليك بامتحان من أردت صحبته لا لكشف عورة بل لمعرفة الحق (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة بل هي أوثق عرى المداخلة ومخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه والحاصل أن مقصود الحديث كما أشار إليه الطيبي النهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتقي فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعا ولا تخالل إلا تقيا
(غريبة) قال ابن عربي: اجتمع جمع من المشايخ بدعوة بزقاق بمصر فقدم الطعام واحتاجوا آنية وثم إناء زجاج جديد أعد للبول ولم يستعمل فغرف فيه فنطق منذ أكرمني الله بأكل هؤلاء السادة لا أكون وعاء للأذى ثم انكسر نصفين فقال ابن عربي: سمعتم ما قال؟ قالوا لا. قال: قال كذا وقال غير هذا أيضا. قال وكذا كم قلوبكم أكرمها الله بالإيمان فلا ترضوا أن تكون محلا لنجاسة المعصية وحب الدنيا
(حم د ت حب عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي: إسناده لا بأس به(6/404)
9809 - (لا تصحب الملائكة) وفي رواية لا تقرب وفي أخرى لا تتبع وهو يبين أن المراد بنفي الصحبة نفي مجرد اللقاء لا في الملازمة والمراد ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة ونحوهم (رفقة) بضمن الراء وكسرها جماعة مترافقة في سفر (فيها كلب) ولو لحراسة الأمتعة سفرا كما اقتضاه ظاهر الخبر قال القرطبي وهو قول أصحاب مالك قال: لكن الظاهر أن المراد غير المأذون في اتخاذه لأن المسافر يحتاجه (ولا جرس) بفتح الراء الجلجل وبسكونها صوته وذلك لأنه من مزامير الشيطان والملائكة ضده ولأنه يشبه الناقوس فيكره تنزيها عند الشافعية جرس الدواب وقال ابن العربي المالكي: لا يجوز بحال لأنها أصوات الباطل وشعار الكفار اه. وزعم أن ذلك شعار الكفار ممنوع ومما فيه من المضار أنه يدل على أصحابه بصوته وكأنه عليه السلام يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة وعطف ولا جرس على فيها كلب وإن كان مثبتا لأنه في سياق النفي وذكر الرفقة في الحديث غالبي فلو سافر وحده كره له صحبة الجرس والكلب لوجود المعنى ولا يختص الحكم بجرس الإبل والخيل والبغال والحمر كذلك بل وعنق الرجل كما ذكره الزين العراقي
(حم م د ت) في الجهاد (عن أبي هريرة)(6/405)
9810 - (لا تصحبن أحدا لا يرى لك من الفضل كمثل ما ترى له) كجاهل قدمه المال وبذل الرشوة في فضائل دينية لحاكم [ص:406] ظالم منعها أهلها وأعطاه مكافأة لرشوته فتصدر وترأس وتنكب عن أن يرى لأحد مثل ما يرى له وتشبه بالظلمة في تبسطهم وملابسهم ومراكبهم. قال بعضهم: وكان يشير إلى تجنب صحبة المتكبرين المتعاظمين في دين أو دنيا سواء كان فوقه أو دونه لأنه إن كان فوقه لم يعرف له حق متابعته وخدمته بل يراه حقا عليه وأنه شرف بصحبته فإن صحبته في طلب الدين قطعك بكثرة اشتغاله عن الله وإن صحبته للدنيا من عليك برزق الله وإن كان دونك لم يعرف لك حرمة بل يرى له حقا بصحبته لك فإن صحبته في الدين كدره عليك بسوء معاشرته أو للدنيا لم تأمن من أذيته وخيانته وفي المجالسة للدينوري عن الأصمعي ماتاه على أحد قط مرتين قيل وكيف؟ قال: لأنه إذا تاه على مرة لم أعدله وقيل:
إذا تاه الصديق عليك كبرا. . . فته كبرا على ذلك الصديق
وقال بعض البلغاء: أخبث الناس المساوي بين المحاسن والمساوي. قال الغزالي: وأوصى علقمة العطاردي ابنه عند وفاته فقال: إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا مددت يدك بالخير مدها وإن رأى منك حسنة عدها وإن رأى سيئة سدها ومن إذا قلت صدق قولك وإن حاولت أمرا أمدك وإن تنازعتما في شيء آثرك قال علي رضي الله عنه:
إن أخاك الحق من كان معك. . . ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك. . . شتت فيه شمله ليجمعك
ومن كلامهم البديع:
محك المودة والإخاء. . . حالة الشدة دون الرخاء
ومن ثم قيل:
دعوى الإخاء على الرخاء كثيرة. . . وفي الشدائد تعرف الإخوان
(حل عن سهل بن سعد) وفيه عبد الله بن محمد بن جعفر القزوبني قال الذهبي: قال ابن يونس: وضع أحاديث فافتضح بها(6/405)
9811 - (لا تصلح الصنيعة) أي الإحسان (إلا عند ذي حسب أو دين) أي لا تنفع الصنيعة وتثمر حمدا وثناء وحسن مقابلة وجميل جزاء إلا عند ذي أصل ذكي وعنصر كريم كالرياضة تستخرج جوهر الفرس إن كان نجيبا وإن كان هجينا أو برذونا لم تفده الرياضة خلق نجابة لم يكن في عنصر أبيه وأمه وهذا لمن يطلب بها العاجل والحال فإن قصد بها وجه الله انتفع بها في المآل وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البزار كما لا تصلح الرياضة إلا في النجيب اه ومن ثم قال الشافعي: لا صنيعة عند ندل ولا شكر للئيم ولا وفاء لعبد وقال: ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك: المرأة والفلاح والعبد وقال: ما أكرمت أحدا فوق مقداره إلا اتضع من قدري عنده بمقدار ما أكرمته رواه البيهقي وروي أيضا عن سفيان: وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام
(البزار) في مسنده عن أحمد بن المقدام عن عبيد بن القاسم عن هشام عن عروة (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه خرجه وأقره وليس كذلك بل قال: إنه منكر اه وقال الهيثمي: فيه عبيد بن القاسم وهو كذاب اه ورواه ابن عدي من حديث الحسين بن مبارك الطبراني عن ابن عياش عن هشام عن أبيه عن عائشة وقال: منكر المتن والبلاء فيه من الحسين لا من ابن عياش وإن كان مختلطا اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقصى ما نوزع به أن له شاهدا(6/406)
9812 - (لا تصلوا صلاة) لفظ رواية أحمد لا تصلي صلاة وفي رواية لا تعاد الصلاة (في يوم مرتين) أي لا تفعلوها ترون وجوب ذلك ولا تقضوا الفرائض لمجرد مخافة الخلل في المؤدى أما إعادة المنفرد الصلاة في جماعة فجائز بل سنة في جميع الصلوات عند الشافعي حتى المغرب خلافا لأحمد لأن فرضه الأولى وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في خبر الشيخين ففي الحمل على المنفرد جمع بين الأخبار
(حم د) وكذا النسائي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني كلهم [ص:407] من حديث سليمان بن يسار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال سليمان: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون قلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت أي جماعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وصححه ابن السكن لكن قال البيهقي: تفرد به حسين المعلم وقال الدارقطني: تفرد به حسين بن ذكوان عن عمرو بن شعيب عنه وفي الموطأ عن نافع أن رجلا سأل ابن عمر فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الإمام أفأصلي معه قال: نعم قال: أيتهما أجعل صلاتي؟ قال: ليس ذلك إليك قال ابن حجر: وقد يجمع بأن الممتنع إعادتها على هيئتها والثاني إعادتها على وجه أكمل اه(6/406)
9813 - (لا تصلوا خلف النائم ولا المحدث) يعارضه ما صح أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة قال الخطابي: وقد يقال لم تكن عائشة نائمة بل مضطجعة ولذا قالت فكان إذا سجد غمزني قبضت رجلي فإذا قام بسطتها إلا أن يقال كان ذلك الغمز المتكرر مرارا إيقاظا لكن ما في الصحيحين عن عائشة أيضا كان يصلي صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت يقتضي أنها كانت نائمة لا مضطجعة قال الكمال: ويجاب بأن محل النهي إذا كانت لهم أصوات يخاف منها التغليط أو الشغل وخلافه على خلافه
(د هق عن ابن عباس) رضي الله عنهما رمز المصنف لحسنه وليس بصواب فقد جزم الحافظ ابن حجر في تخريج الهداية بضعف سنده اه وساقه البيهقي من سنن أبي داود من حديث عبد الملك بن محمد عن عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن ابن كعب عن ابن عباس ثم قال: هذا مرسل قال الذهبي: يريد بالرسالة كون عبد الله لم يسم من حدثه قال: ورواه هشام بن زياد وهو متروك عن أبي بن كعب رضي الله عنه(6/407)
9814 - (لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر) فإن ذلك مكروه فإن قصد إنسان التبرك بالصلاة في تلك البقعة فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله والمراد كراهة التنزيه قال النووي: كذا قال أصحابنا ولو قيل بتحريمه لظاهر الحديث لم يبعد ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة فهي مكروهة كراهة تحريم ثم إن تحقق نبش المقبرة فلا تصح الصلاة فيها بلا حائل طاهر لاختلاطها بصديد الموتى وكراهة تنزيه إن تحقق عدم نبشها أو شك فيه فتصح الصلاة فيها ولو بلا حائل قطعا في الأولى على الأصح في الثانية مع الكراهة فيها لأن الأصل عدم النجاسة وإنما كرهت فيها لأن المقبرة مظنة النجاسة ولاحتمال نبشها في الثانية
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن كيسان المروزي ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان ورواه مسلم من حديث أبي مرثد بلظ لا تصلوا إلى القبوور ولا تجلسوا عليها(6/407)
9815 - (لا تصومن امرأة) وزوجها حاضر صوم تطوع (إلا أن يأذن زوجها) فيكره لها ذلك تنزيها عند بعض الأئمة وتحريما عند بعضهم لأن له حق التمتع بها في كل وقت والصوم يمنعه وحقه فوري فلا يفوت بتطوع ولا بواجب على التراخي وصوم النفل وإن ساغ قطعه لكنه يهاب الإقدام على إفساده فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة ذكره العمراني قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي هذا كله في ابتداء الصوم فلو نكحها صائمة فلا حق له في تفطيرها كما جزم به المروزي من عظماء الشافعية وأعظم بها فائدة قل من تعرض لها أما وهو غائب عن البلد فلا يكره بل يسن قال أبو زرعة: وفي معنى غيبته كونه لا يمكنه التمتع بها لنحو مرض وأما الفرض فلا يحتاج لإذنه نعم إن كان موسعا فهو كالنفل وأما لو أذن فلا حرج
(حم د حب ك عن أبي سعيد) الخدري ظاهر صنيع المصنف أنه ليس للشيخين في هذا الحديث رواية وهو ذهول بالغ فقد عزاه في مسند الفردوس للبخاري باللفظ المذكور ورواه مسلم في الزكاة بلفظ لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها [ص:408] شاهد إلا بإذنه وخرجه البخاري في النكاح لكنه لم يقل وهو شاهد وقضية كلامه أيضا أن كلا ممن عزاه إليه لم يذكر إلا ذلك فأبو داود ذكر قيد الشهود أيضا وزاد فيه غير رمضان(6/407)
9816 - (لا تصوموا يوم الجمعة مفردا) وفي رواية بدل مفردا وحده وذلك لأنه سبحانه استأثر يومها لعباده فلم ير أن يخصه العبد بشيء من العمل سوى ما يخصه به ذكره الطيبي وأما التوجيه بأن هذا اليوم له فضل على الأيام فلما قوي الداعي لصومه نهى الشارع عنه حذرا من أن يلحقه العامة بالواجبات بمتابعتهم عليه فمنقوض بيوم عرفة فإنهم أطبقوا على ندب صومه غير مبالين بهذا الاحتمال ثم إن هذا الخبر لا يعارضه ما في السنن عن ابن مسعود قلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر في يوم الجمعة لأن ذاك غريب كما قال الترمذي وذا صحيح وبفرض تساويهما يتعين حمله على صومه مع ما قبله أو بعده جمعا بين الأدلة
(حم ن ك عن جنادة) بضم أوله ثم نون بن أمية (الأزدي) الشامي يقال اسم أبيه كثير مختلف في صحبته قال: دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في نفر من الأزد يوم الجمعة فدعانا لطعام بين يديه فقلنا: إنا صيام قال: صمتم أمس قلنا: لا قال: أفتصومون غدا قلنا: لا قال: فأفطروا ثم ذكره قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي(6/408)
9817 - (لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم) لأنه يوم عبادة وتبكير وذكر غسل فيسن فطره معاونة عليها ذكره النووي ولا يقدح فيه زوال الكراهة بصوم يوم قبله أو بعده لأن ما يحصل بسببه من الفتور في تلك الأعمال يجبره الصوم قبله أو بعده وفي خبر رواه أحمد تعليل منع صومه بأنه يوم عيد ولا يقدح فيه أن يوم العيد لا يصام مع ما قبله وبعده لأن يوم الجمعة لما أشبه العيد أخذ من شبهه النهي عن تحريمه صومه وبصومه مع ما قبله أو بعده ينتفي التحري
<تنبيه> قال ابن تيمية: علل الفقهاء الحديث بأنه يخاف أن يزاد في الصوم المفروض ما ليس منه كما زاده أهل الكتاب فإنهم زادوا في صومهم وجعلوه ما بين الشتاء والصيف وجعلوا له طريقة بالحساب يعرفونه بها
(حم عن أبي هريرة) رمز لحسنه ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو غفلة فقد خرجاه معا عن أبي هريرة بلفظ " لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده " اه(6/408)
9818 - (لا تصوموا يوم السبت إلا في فريضة) لفظ رواية الترمذي والحاكم إلا فيما افترض عليكم أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض فإن قصد صومه بعينه بحيث لم يجب عليه إلا يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت فإنه يصومه وحده (وإن لم يجد أحدكم إلا عود كرم أو لحاء) بكسر اللام وحاء مهملة وبالمد (شجرة) أي قشرها وفي رواية عتبة (فليفطر عليه) وفي رواية فليمضغه وفي آخر فليمصه قال الحافظ العراقي: هذا من المبالغة في النهي عن صومه لأن قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار وهذا النهي للتنزيه لا للتحريم والمعنى فيه إفراده كما في الجمعة بدليل حديث صيام يوم السبت لا لك ولا عليك وهذا شأن المباح والدليل على أن المراد إفراده بالصوم حديث عائشة أنه كان يصوم شعبان كله وقوله إلا في فريضة يحتمل أن يراد ما فرض بأصل الشرع كرمضان لا بالتزام كنذر ويحتمل العموم وقد اختلف في صوم السبت فقال الشافعية: يكره إفراده بصوم ما لم يوافق عادته أو نذره ونقل نحوه عن الحنفية وقال مالك: لا يكره وقال أحمد: هذا الحديث على ما فيه يعارضه حديث أم سلمة حين سئلت أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها قالت السبت والأحد وحديث [ص:409] نهى عن صوم الجمعة إلا بيوم قبله أو يوم بعده فالذي بعده السبت وأمر بصوم المحرم وفيه السبت ولا يقال يحمل النهي على إفراده لأن الاستثبناه هنا دليل التناول وهذا يقتضي أن الحديث عم صومه كل وجه وإلا لما دخل الصوم المفروض يستثنى فإنه لا إفراد فيه والأكثر على عدم الكراهة ذكره الأثرم وقيل قصده بعينه في الفرض لا يكره وفي النفل يكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره له أو موافقته عادة وقد يقال الاستثناء أخرج بعض صور الرخصة وأخرج الباقي بالدليل ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة فقيل هو يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالصوم وترك العمل ففي صومه تشبه بهم وهذه العلة منتفية في الأحد وقيل هو يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه ونقض بالأحد وقد يقال إذا كان يوم عيد فمخالفتهم فيه بالصوم لا الفطر
(حم ت د هـ) بل رواه أصحاب السنن جميعا كما ذكره العراقي (ك) في الصوم (عن) عبد الله بن بشر عن أخته (الصماء بنت بسر) المازنية أخت عبد الله بن بسر أو عمته قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وقال الترمذي: حسن اه. وأعل بأن له معارضا بسند صحيح وبقول مالك هذا الخير كذب وبقول النسائي مضطرب فقيل هكذا أو قيل عبد الله بن بسر وقيل عنه عن أبيه وقيل عنه عن الصماء وقيل عنهما عن عائشة وانتصر له وأجيب ووقع اضطراب في الجواب عن الاضطراب قال ابن حجر: وبالجملة فهذا التلون في حديث واحد بسند واحد مع اتحاد المخرج بوهن روايته ويضعف ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع الطرق وهنا ليس كذلك وزعم أبو داود نسخه ورجح واعترض(6/408)
9819 - (لا تضربوا إماء الله) جمع أمة وهي الجارية لكن المراد هنا المرأة ولو حرة لأن الكل إماء الله كما أن الرجال عبيده أي لا تضربوهن لأنكم أنتم وهن سواء في كونكم خلق الله ولكم فضل عليهن أن جعلكم الله قوامين عليهم فإن وافقوكم فأحسنوا إليهم وإلا فاتركوهم إلى غيركم ولما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك جاءه عمر فقال ذأرن بذال معجمة فهمزة أي اجترأن النساء على أزواجهن فأمر بضربهن فطاف بآل النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها فقال: ليس أولئك لخياركم قالوا كان النهي مقدما على نزول الآية المبيحة لضربهن ثم لما احتيج لتأديبهن لنحو نشوز نزلت ثم اختار لهم الصبر والتحمل وأن لا يضربوا وللضرب شروط مبينة في الفروع
(د ن هـ ك عن إياس بن عبد الله ابن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة بضبط المصنف فموحدة تحتية مخففة الدوسي قال في الكاشف: مختلف في صحبته أورده ابن منده وغيره في الصحابة وجرى عليه الحافظ ابن حجر وقال في الرياض بعد عزوه للنسائي: إسناده صحيح وخرجه عنه أيضا الشافعي في المسند(6/409)
9820 - (لا تضربوا الرقيق) أي لا تضربوا رقيقكم ضربا للتشفي من الغيظ (فإنكم لا تدرون ما توافقون) يعني ما يقع عليه الضرب من الأعضاء فربما وقع على عين فتفقأ أو على عضو فيكسر أو على صدر أو خاصرة فيقتل فحذرهم أن يضربوا مماليكهم فيحدث منه حدث فيشرك في دمه أما ضربهم لتأديب أو حد فجائز بل قد يجب وعليه أن لا يتعدى ولا يؤاخذ بما تلف من ذلك على الوجه المشروع وإنما أطلق النهي لأن أكثر السادة إنما يضرب للغضب لنفسه في نفع أو ضر شفاء لما في الصدور فحسب
(طب) وكذا أيو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: في سند الطبراني وأبو يعلى عكرمة بن خالد بن سلمة وهو ضعيف(6/409)
9821 - (لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم) منهم في الوضع والرفع بغير اختيار (فإن لها) يعني الآنية (أجلا كآجال الناس) فإذا انقضى أجلها فلا حيلة للمملوك في دفعه وعمر الشيء هو بقاؤه إلى زمان فساد صورته التي بزوالها يزول عنه ذلك [ص:410] الاسم الذي كان يستحقه جمادا كان أو بناء أو حيوانا وخص الإماء لا لإخراج العبيد بل لأن مزاولتهن لأواني الأطعمة والطبخ أكثر قال ابن الجوزي: فيه النهي عن ضرب المملوك إذا تلف منه شيء
(حل عن كعب بن عجرة) أورده في الميزان في ترجمة العباس بن الوليد الشرفي وقال: ذكره الخطيب في الملخص فقال: روى عن ابن المديني حديثا منكرا رواه عمه أحمد ابن أبي الحواري من حديث كعب بن عجرة مرفوعا ثم ساق هذا بعينه(6/409)
9822 - (لا تطرحوا الدر في أفواه الخنازير) يريد بالدر العلم وبالخنازير من لا يستحقه من أهل الشر والفساد ومصداق ذلك في كلام الله القديم ففي الإنجيل لا تعطوا القدس الكلاب ولا تلقوا جواهركم أمام الخنازير فتدوسها بأرجلها فترجع فتذمنكم اه. قال حجة الإسلام: ومن قصد بطلب العلم المنافسة والمباهاة والتقدم على الأقران واستمالة وجوه الناس وجمع الحطام فهو ساع في هدم دينه وإهلاك نفسه فصفقته خاسرة وتجارته بائرة وفعله معين له على عصيانه شريط له في خسرانه فهو كبائع سيف من قاطع طريق ومن أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكا فيها اه. فعلى العالم أن لا يعرج إلى بث الحكمة لغير أهلها وأن لا يضعها إلا في قلب طاهر نقي لإتقانه الحكمة فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب إن لكل تربة غرسا ولكل بناء أساس وما كل رأس تستحق التيجان ولا كل طبيعة تستحق إفادة البيان وإن كان ولا بد فيقتصر معه على إقناع يبلغه فهمه قيل كما أن لب الثمار معد للأنام والتبن مباح للأنعام فلب الحكمة معد لذوي الألباب وقشورها مجعولة للأغنام وكما أنه من المحال أن يشم الأخشم ريحا فمحال أن يفيد الحمار بيانا صحيحا
(ابن النجار) في ذيل تاريخ بغداد (عن أنس) بن مالك حديث ضعيف جدا بل أورده ابن الجوزي في الموضوعات لكن له شاهد عن ابن ماجه عن أنس بلفظ واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب(6/410)
9823 - (لا تطرحوا) وفي رواية لا تعلقوا (الدر في أفواه الكلاب) فإن الحكمة كالدر بل أعظم ومن كرهها أو لم يعرف قدرها فهو شر من الكلب والخنزير ولذلك قيل: كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وقال علي كرم الله وجهه وأشار إلى صدره إن ههنا علما جما لو وجدت له حملة. قال الغزالي: وصدق فقلوب الأبرار قبور الأسرار فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلمه إلى كل أحد هذا إذا كان من يفهمه كيس أهلا للانتفاع به فكيف بمن لا يفهمه وقيل في قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} الآية أنه نبه به على هذا المعنى وذلك لأنه لما منعنا من تمكين السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر تفاديا أنه ربما يؤديه إلى هلاك دنيوي فلأن يمنع عن تمكينه من حقائق العلوم التي إذا تناولها السفيه أداه إلى ضلال وإضلال وهلاك وإهلاك: أولى قال:
إذا ما اقتنى العلم ذو شرة. . . تضاعف ما ذم من مخبره
وصادف من علمه قوة. . . يصول بها الشر في جوهره
وكما أنه يجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدا أن يدفعوا إليهم أموالهم للآية فواجب على الحكماء والعلماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولا أن يدفعوا إليهم العلوم بقدر استحقاقهم فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأخروية كما أن المال قنية في المعاونة على الحياة الدنيوية
(المخلص) أبو الطاهر والعسكري (عن أنس) بن مالك وفيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار كذاب يضع لكن شاهده ما قبله فهما يتعاضدان ثم هذا قد رواه باللفظ المزبور أبو نعيم والطبراني والديلمي وغيرهم ولعل المؤلف اقتصر على هذه الطريق لكونها أقوى عنده ولو جمع الكل لكان أولى(6/410)
9824 - (لا تطرقوا النساء) بضم الراء ولا يكون إلا (ليلا) عند الجمهور فالإتيان به للتأكيد أو على لغة من قال إنه يستعمل [ص:411] في النهار أيضا وهذا في البخاري بلفظ لا تطرقوا النساء بعد صلاة العتمة هذا لفظه وأخذ من هذا الحديث ونحوه أنه لو تزوج امرأة وطالبها بالتسليم فطلبت هي أو وليها التأخير لتنظف وتزيل نحو وسخ أمهلت قالوا لأنه إذا منع الزوج الغائب أن يطرقها معافصة فهذا أولى
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف وقد وثق اه. ورمز المصنف لحسنه ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر بزيادة مبينة لوجه النهي ولفظه لا تطرقوا أهلكم ليلا فخالفه رجلان فسعيا إلى منازلهما فرأى كل واحد في بيته ما يكره اه. قال الحافظ العراقي: وسنده جيد(6/410)
9825 - (لا تطعموا المساكين مما لا تأكلون) فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا و {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فينبغي إطعام نحو الفقير من كل متصدق عليه من أجود ما عنده وأحبه إليه وإذا لم يكن من الجيد فذلك من سوء الأدب فإنه إذا أمسك الجيد لنفسه وأهله فقد آثر على الله غيره ولو فعل هذا بضيفه لأوغر به صدره مع أنه مخلوق أخرج ابن سعد أن الربيع بن خيثم كان يحب السكر فإذا جاء السائل ناوله فيقال له: ما يصنع بالسكر الخبز خير له فيقول: سمعت الله يقول {ويطعمون الطعام على حبه} وكان ابن عمر يتصدق في السنة بألف قنطار من السكر فقيل له في ذلك فقال: والله أنا أحب السكر وقد سمعت الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}
(حم عن عائشة) قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله فقيل يا رسول الله ألا تطعمه المساكين؟ فذكره قال الهيثمي: رجاله موثقون(6/411)
9826 - (لا تطلقوا) في رواية البزار لا تطلق (النساء إلا من ريبة) أي تهمة (فإن الله لا يحب الذواقين) من الرجال للنساء (ولا الذواقات) من النساء للرجال أي من يتزوج بقصد ذوق العسيلة فإذا ذاق فارق فيكره التزوج بهذا القصد ويكره الطلاق لغير ريبة أي ولا عذر
(طب) وكذا البزار (عن أبي موسى) الأشعري. قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني والبزار معا: أحد أسانيد البزار فيه عمران القطان وثقه أحمد وابن حبان وضعفه يحيى وغيره ورواه عنه البزار أيضا قال عبد الحق: وليس لهذا الحديث إسناد قوي قال ابن القطان: وصدق بل هو مع ذلك منقطع(6/411)
9827 - (لا تظهر الشماتة لأخيك) كذا هو باللام في خط المصنف وفي رواية بأخيك بباء موحدة في الدين وهي الفرح ببلية من تعاديه أو يعاديك (فيرحمه الله) رغما لأنفك وفي رواية فيعافيه الله (ويبتليك) حيث زكيت نفسك ورفعت منزلتك وشمخت بأنفك وشمت به. قال الطيبي: ويرحمه الله نصب جوابا للنهي ويبتليك عطف عليه وهذا معدود من جوامع الكلم
<تنبيه> أخذ قوم من هذا الخبر أن في الشماتة بالعدو غاية الضرر فالحذر الحذر نعم أفتى ابن عبد السلام بأنه لا ملام في الفرح بموت العدو من حيث انقطاع شره عنه وكفاية ضرره
(ت) في الزهد من طريقين أحدهما من حديث عمر بن إسماعيل بن مجالد عن حفص بن غياث عن يزيد بن سنان عن مكحول (عن واثلة) والآخر من طريق القاسم بن أمية الحذاء عن حفص بن غياث به ثم قال الترمذي: حسن غريب وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال: عمر بن إسماعيل كذاب كذبه ابن معين وغيره والقاسم لا يجوز الاحتجاج به قال: ولا أصل للحديث وهذا مما انتقده القزويني على المصابيح وزعم وضعه كابن الجوزي ونازعهما العلائي(6/411)
9828 - (لا تعجبوا بعمل عامل) أي لا تعجبوا عجبا يفضي إلى القطع بنجاته والحكم على الله عز وجل بمغيب (حتى تنظروا [ص:412] بما يختم له) لأن الخاتمة بالخير والشر تفيد قوة الرجاء والخوف لا القطع بحاله الذي لا يعلمه إلا الله فإن العمل على الخاتمة وهي غيب عنا ومن ثم منعوا لعن الكافر المعين لأنا لا ندري بما يختم له وتمام الحديث عند أحمد في المسند فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار ثم يتحول فيعمل عملا صالحا اه بنصه وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا أخبرني الوالد تاج العارفين قال أخبرنا الشيخ العلامة محمد بن حمص البهجوري قال حدثنا شيخ الإسلام يحيى المناوي قال أنبأنا الحافظ الكبير ولي الدين أحمد العراقي قال حدثتنا أم محمد بنت محمد بن علي الصالحية قالت أنبأني جدي عن أبي جعفر محمد الصيدلاني عن فاطمة الجورذانية عن أبي بكر بن زيدة عن أبي القاسم الطبراني عن محمد بن خالد الراسبي عن عبد الواحد بن غياث عن فضالة بن جبير عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجبوا إلخ
(طب عن أبي أمامة) رمز لحسنه وفيه فضالة بن جبير قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة ثم إن ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يره مخرجا لأقدم من الطبراني وممن خرجه باللفظ المزبور البزار أيضا وقال الحافظ العراقي: هذا حديث عالي الإسناد لكنه ضعيف لضعف رواته(6/411)
9829 - (لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد) لما مر في أخبار أنه يرد القضاء المبرم
(ن) من حديث عمر بن محمد الأسلمي رواه عنه معلى بن أسد عن ثابت (عن أنس) بن مالك قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: لا أعرف عمر وتعقب عليه اه. وفي الميزان عن أبي حاتم: مجهول قال في اللسان: وقد تساهل الحاكم في تصحيحه(6/412)
9830 - (لا تعذبوا) من استحق التعذيب (بعذاب الله) يعني النار لأنها أشد العذاب ولذلك كانت عذاب الكفار في دار القرار ولأنها جعلت في الدنيا للإرفاق فلا تستعمل في غيره فمن استحق القتل فاقتلوه بالسيف أو بمثل ما قتل به هذا حيث أمكن ولا يجوز قتله بالتحريق هذا عند أكثر السلف والخلف هبه بسبب كفر أو قصاص وقصة العرنيين منسوخة أو كانت قصاصا بالمماثلة وذهب علي كرم الله وجهه إلى حل تحريق الكفار مبالغة في النكاية والنكال لأعداء ذي الجلال لكن في شرح السنة للبغوي أنه لما بلغه قول ابن عباس الآتي رجع أما لو تعذر قتل من وجب قتله إلا بإحراقه فيجوز فقد روى الحكيم عن ابن مسعود كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فمرت حية فقال اقتلوها فسبقتنا إلى جحر فدخلت فقال هاتوا سعفة ونارا فأضرمها نارا اه فلما فاته هذا العدو أوصل إليه الهلاك من حيث قدر
(د ت ك) في الحدود (عن ابن عباس) قضية صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي في مسند الفردوس إلى البخاري ثم رأيته في كتاب الجهاد بهذا اللفظ بعينه مسندا ولفظه أن عليا حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقوله من بدل دينه فاقتلوه اه بحروفه وخرجه البخاري أيضا في استتابة المرتدين وأبو داود وابن ماجه في الحدود والترمذي والنسائي في المحاربة كلهم عن ابن عباس فاقتصار المؤلف على أبي داود من ضيق العطن وممن ذهب إلى مذهب علي مالك فإنه سئل عمن سب النبي صلى الله عليه وسلم فأمر كاتبه أن يكتب فزاد كاتبه ويحرق بالنار فقال أصبت كذا في المطامح وأنا أقول هذا غير مقبول فإن كلام مالك هذا كالصريح في أنه يحرق بعد قتله وأما علي فحرفهم وهم أحياء فلا يجوز بمجرد هذا أن ينسب إلى مالك أنه قائل بقول علي(6/412)
[ص:413] 9831 - (لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة قال الزمخشري: هو أن تأخذ الصبي العذرة وهي وجع بحلقه فتدغر المرأة ذلك الموضع أي تدفعه بأصبعها (وعليكم بالقسط) بالضم من العقاقير معروف في الأدوية
(خ عن أنس) بن مالك(6/413)
9832 - (لا تعزروا) في رواية لا تعزير (فوق عشرة أسواط) وفي رواية بدل أسواط جلدات وفي رواية ضربات وزاد في رواية إلا في حد من حدود الله تعالى قال ابن حجر: وظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من جلد أو ضرب اه. أخذ به أحمد فمنع الزيادة عليها أناطه الجمهور برأي الإمام وعليه الشافعي لكنه شرط أن لا يبلغ تعزير كل إنسان حده وقال الحديث منسوخ أو مؤول قال ابن حجر تبعا للنووي: ولا يعرف القول به عن أحد من الصحابة وقول القرطبي: قال به الجمهور: ممنوع والتعزير مصدر عزر مأخوذ من العزر وهو الرد والمنع واستعمل في الدفع عن الإنسان كدفع أعدائه عنه وكدفعه عن إتيانه القبيح ومنه عزره القاضي أي أدبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول وبالفعل بحسب اللائق وجاء عطفه على التأديب في رواية للبخاري وفرق بأن التعزير يكون سبب المعصية والتأديب أعم منه ومنه تأديب الوالد والمعلم
(هـ) عن هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عباد بن كثير عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) رمز لحسنه قال في الميزان عن العقيلي: هذا حديث منكر وقال ابن الجوزي: موضوع(6/413)
9833 - (لا تغالوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (في الكفن) أي لا تبالغوا في كثرة ثمنه وأصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة الحد في كل شيء (فإنه يسلبه) بهاء في آخره بخط المصنف أي يسلبه الميت (سلبا سريعا) علة للنهي كأنه قال لا تشتروا الكفن بثمن غال فإنه يبلى بسرعة وهو تبذير {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} واستعار لبلاء الثوب السلب تتميما لمعنى السرعة
(د) من رواية الشعبي (عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال المنذري وغيره: فيه أبو مالك عمرو بن هاشم قال البخاري: فيه نظر ومسلم: ضعيف وأبو حاتم: لين الحديث والبستي: يقلب الأسانيد وخالف ابن معين فوثقه اه وقال ابن حجر: فيه عمرو بن هاشم مختلف فيه وفيه انقطاع بين الشعبي وعلي لأن الدارقطني ذكر أنه لم يسمع منه غير حديث واحد اه(6/413)
9834 - (لا تغبطن فاجرا بنعمة إن له عند الله قاتلا) بمثناة فوقية بضبط المصنف (لا يموت)
(هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البخاري في تاريخه والطبراني في الأوسط الكل بسند ضعيف قاله الحافظ العراقي فافراد المصنف البيهقي بالعزو له غير جيد(6/413)
9835 - (لا تغضب) أي لا تفعل ما يحملك على الغضب أو لا تفعل بمقتضاه بل جاهد النفس على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به فإذا ملك الإنسان كان في أسره وتحت أمره ومن ثم قال سبحانه {ولما سكت عن موسى الغضب} فمن لم يمتثل ما يأمره به غضبه وجاهد نفسه اندفع عنه شر غضبه وربما سكن عاجلا وإليه الإشارة بقوله {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} ومن غضب فإن في الحقيقة إنما يغضب على ربه فقال بعض الصوفية: الغضب نسيان العبودية لأن صفة العبد الذلة والانكسار والصغار والاضطرار ومن هذا حاله كيف يليق به الغضب وكفى المغضوب عقوبة في الدنيا [ص:414] الاحتراق بنار نفسه وفي الأخرى إبطال حسناته
(حم خ) في الأدب (ت) في البر (عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم ورواه الطبراني عن أبي الدرداء وزاد ولك الجنة قال المنذري: بسندين أحدهما صحيح (حم ك عن جارية بن قدامة) التميمي السعدي صحابي على الصحيح قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب فردد عليه مرارا قال: لا تغضب قال حارثة: ففكرت فإذا الغضب يجمع الشر كله وفي بعض طرقه ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب وفي رواية أوصني ولا تكثر وفي أخرى مرني بأمر وأقلله كي أعقله وفي أخرى أعيش به سيدا في الناس ولا تكثر قال لا تغضب(6/413)
9836 - (لا تغضب فإن الغضب مفسدة) للظاهر بتغير اللون ورعدة الأطراف والخروج عن حيز الاعتدال وقبح الصورة وللباطن دينا ودنيا من إضمار الحقد وإطلاق اللسان بنحو شتم وفحش واليد بنحو ضرب وقتل إلى غير ذلك مما يفسد القلب ويغضب الرب هذا إن تمكن من المغضوب عليه وإلا رجع غضبه على نفسه فمزق ثوبه ولطم خده ورمى بنفسه إلى الأرض وربما قويت عليه نار الغضب فأطفأت بعض حرارته الغريزية فأغمى أو كلها فمات
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب عن رجل) هو أبو الدرداء أو ابن عمر أو سفيان الثقفي أو غيرهم ويحتمل أن كلا منهم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه فأوصاه به(6/414)
9837 - (لا تغضب ولك الجنة) فإنه يترتب على التحرز من الغضب حصول الخير الدنيوي والأخروي وهذه الأخبار الثلاثة من جوامع الكلم وبدائع الحكم فقد حوت هذه اللفظة وهي لا تغضب من استجلال المصالح ودرء المفاسد مما لا يمكن عده ولا ينتهي حده و {الله أعلم حيث يجعل رسالاته} وقد تضمنت أيضا دفع أكثر الشرور من الإنسان فإنه في مدة حياته بين لذة وألم فاللذة سببها ثوران الشهوة بنحو أكل أو جماع والألم سببه ثوران الغضب ثم كل من اللذة والغضب قد يباح تناوله أو دفعه كنكاح الزوجة ودفع قاطع الطريق وقد يحرم كالزنا والقتل فالشر إما عن شهوة كالزنا أو عن غضب كالقتل فهما أصل الشرور ومبدؤها فبتجنب الغضب بندفع نصف الشر بهذا الاعتبار وأكثره في الحقيقة فإن الغضب يتولد عنه القذف والهجر والطلاق والحقد والحسد والحلف الموجب للحنث أو الندم بل والقتل بل والكفر كما كفر جبلة حين غضب من لطمة أخذت منه قصاصا. وبهذا التقرير فحديث الغضب هذا ربع الإسلام لأن الأعمال خير وشر والشر ينشأ عن شهوة أو غضب والخبر يتضمن نفي الغضب فتضمن نفي نصف الشر وهو ربع المجموع
(ابن أبي الدنيا طب عن أبي الدرداء) قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله ثقات(6/414)
9838 - (لا تفقع أصابعك) أي أصابع يديك (وأنت في الصلاة) فيكره تنزيها وكذا وهو ذاهب إليها أو منتظرها قال في الفردوس: التفقيع غمز الأصابع حتى يكون لها نقيض وهو مثل الفرقعة
(هـ عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: سنده ضعيف الحارث راويه عن علي ضعيف ثم بسطه(6/414)
9839 - (لا تقام الحدود في المساجد) صيانة لها وحفظ لحرمتها فيكره ذلك تنزيها نعم لو التجأ إليه من عليه قود جاز استيفاؤه فيه حتى المسجد الحرام فيبسط النطع ويستوفى فيه تعجيلا لاستيفاء الحق عند الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقتل في الحرم بل يلجأ إلى الخروج (ولا يقتل الوالد بالولد) أي لا يقاد والد بقتل ولده لأنه السبب في إيجاده فلا يكون هو السبب في إعدامه أو معناه لا يقتل الابن بقود وجب عليه لأبيه قال الطيبي: والأول أقرب وسائر الأصول كالأب. [ص:415]
(حم ت) في الديات (ك عن ابن عباس) قال أعني الترمذي: ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم المكي وقد تكلم فيه بعضهم اه وإسماعيل تركه النسائي وقال الذهبي: ضعفوه(6/414)
9840 - (لا تقبل) بالضم على البناء لما لم يسم فاعله وفي رواية لأحمد وغيره لا يقبل الله (صلاة بغير طهور) بضم الطاء على الأشهر لأن المراد به المصدر أي تطهير والمراد ما هو أعم من الوضوء والغسل وبالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء ولهذا قال بعض المحققين: القبول حصول الثواب على الفعل الصحيح والصحة وقوع الفعل مطابقا للأمر وكل مقبول صحيح ولا عكس فالقبول مستلزم للصحة لا العكس ونفي الأخص وإن كان لا يستلزم نفي الأعم لكن المراد بعدم القبول هنا ما يشمل عدم الصحة وذكر الطهور في سياق النفي ليعم كل صلاة ولو نفلا وجنازة وسجدة تلاوة وشكر وفيه أن طهارة الحدث والنجس شرط لكل ذلك لكن محله في القادر عليها فالعاجز عنها يصلي محدثا وبالنجس ويعيد وقول الخطابي فيه اشتراط الطهر للطواف لأن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سماه صلاة تعقبه اليعمري بأن المشبه لا يقوى قوة المشبه به من كل وجه (ولا صدقة من غلول) بضم المعجمة مما أخذ من جهة غلول أي خيانة في غنيمة أو نحو سرقة أو غصب فالغلول مصدر أطلق على اسم المفعول فالمعنى لا تقبل صدقة من مال مغلول نظير {هذا خلق الله} أي مخلوقه ومن على هذا للتبعيض أو لبيان الجنس أو بمعنى الباء كما في {ينظرون من طرف خفي} ويحتمل كون الغلول مصدرا على بابه ويكون من لابتداء الغاية أي لا يقبل صدقة مبدؤها ومنشؤها غلول والأول أقرب ذكره الولي العراقي وذكر الصدقة في سياق النفي ليعم الواجبة والمندوبة فلو سرق مالا وأخرجه عن زكاته أو عبدا فأعتقه عن كفارته لم يجزئه وإن أرضى صاحب المال والقن بعد لفقد شرط الصحة وهو حل المال فالصدقة بحرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طهور ذكره ابن العربي قال العراقي: وقضيته أنه لا يقبل لا عن المتصدق ولا عن صاحبه وإن نواه عنه لكن ذكروا أنه إذا مات المغصوب منه بلا وارث وتعذر دفعه لقاض أمين يتصدق به الغاصب على الفقراء بنية الغرامة إن وجده فتستثنى هذه الصورة ووجه الجمع بين هاتين الجملتين في الحديث أن الصلاة والصدقة قرينتان في القرآن والطهارة شرط الصلاة وانتفاء الحرام شرط المال المتصدق به ذكره جمع وقال الطيبي: قرن عدم قبول الصدقة من حرام بعد قبول الصلاة بدون وضوء إيذانا بأن التصدق تزكية النفس من الأوضار وطهارة لها كما أن الوضوء كذلك ومن ثم صرح بلفظ الطهور وهو المبالغة في الطهر وهذا الحديث رواه أيضا الشيرازي في الألقاب عن طلحة بزيادة قرينة ثالثة ولفظه " لا يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله ولا صلاة عبد بغير طهور ولا صدقة من غلول "
<تنبيه> قال ابن حجر في شرح الترمذي: في بعض الروايات الصحيحة من غير طهور فيحتمل أن تكون فيه من للتبيين نظير التي في الجملة الأخرى وهي ولا صدقة من غلول ويحتمل أن يكون من فيه مرادفة الباء كما قال ابن يونس النحوي ومما يؤكد هذا صحة الروايتين معا تارة بالباء وتارة بمن والقصة واحدة فدل على الترادف اه
(م) في الطهارة (ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لأن مداره على سماك بن حرب وهو لا يخرج عنه لكونه ليس من شروطه وسببه كما في مسلم عن مصعب بن سعد قال: دخل ابن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض فقال: ألا تدعو الله يا ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره يعني إنك غير سالم من الغلول لكونك كنت عامل البصرة فلا يقبل الله الدعاء لك وقصده بذلك زجره وظاهر كلام المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا الثلاثة وليس كذلك فقد قال ابن محمود شارح أبي داود: رواه الجماعة كلهم إلا البخاري ورواه سعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر موقوفا وزاد ولا نفقة من ربا (لا تقبل) بمثناة فوقية أوله والبناء للمجهول وفي أكثر الروايات لا يقبل الله قال ابن حجر: وحقيقة القبول وقوع الطاعة مجزئة مسقطة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها مظنة [ص:416] الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في حديث " من أتى عرافا لم تقبل له صلاة " فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولذلك كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها (صلاة الحائض) أي الحرة التي بلغت سن الحيض (إلا بخمار) وهو ما تخمر به الرأس أي تستره وخص الحيض لأنه أكثر ما يبلغ به الإناث لا للاحتزاز فالصبية المميزة لا تقبل صلاتها إلا بخمار قال الطيبي: وكان الظاهر أن يقال لا تقبل صلاة الحرة إلا بخمار فكنى عنها بما يختص بها من الوصف توهينا لها بما يصدر عنها من كشف رأسها كأنه قيل لها غطي رأسك يا ذات الحيض وفيه أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة وعورة المرأة الحرة عند الشافعي ما سوى الوجه والكفين والمبعضة ما بين السرة والركبة فيجب عليها سترها كلها واغتفر الحنفي نحو الربع من غير السرة ودون الدرهم منها
(حم ت هـ عن عائشة) رمز لحسنه ورواه عنها أبو داود وكأن المصنف أغفله سهوا وإلا فهو مقدم في العزو على ذينك قال ابن حجر: ورواه أصحاب السنن غير النسائي وابن خزيمة والحاكم وإسحاق والطيالسي وأحمد وابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف وقال: وقفه أشبه والحاكم بالإرسال(6/415)
9842 - (لا تقتلوا الجراد) أي لغير الأكل فيحرم (فإنه من جند الله الأعظم) يعني إذا لم يتعرض لإفساد نحو زرع وحينئذ يندفع بقتل أو غيره
(طب هب عن أبي زهير) تصغير زهر النميري أو الأنماري أو التميمي صحابي ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف(6/416)
9843 - (لا تقتلوا الضفادع) فيحرم (فإن نقيقهن) ترجيع صوتهن (تسبيح)
(ن عن ابن عمرو) بن العاص وفيه المسيب بن واضح السلمي قال في الميزان عن أبي حاتم: صدوق يخطئ كثيرا فإذا قيل له لم يقبل وساق له ابن عدي مناكير هذا منها وسئل الدارقطني عنه فقال: ضعيف(6/416)
9844 - (لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) وفي رواية الطبراني لا تقصص رؤياك إلا على عالم أو ناصح
(ت عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني في الصغير قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وضعفه جمع(6/416)
9845 - (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار) أو ما قيمته ربع دينار فصاعدا فلا تقطع في أقل وهو مذهب الشافعي وقال مالك وأحمد: ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ذلك وقال أبو حنيفة: عشرة دراهم أو ما قيمته ذلك والحديث عليهم حجة
(م ن هـ عن عائشة) هذا كالصريح في أنه من تفردات مسلم عن صاحبه ولعله ذهول فقد عزاه الصدر المناوي للجماعة كلهم في باب قطع السرقة قال: واللفظ للبخاري(6/416)
9846 - (لا تقطع الأيدي في السفر) أي سفر الغزو بدليل الرواية الأخرى في الغزو بدل السفر يعني لا تقطع إذا سرق من الغنيمة لأنه شريك بسهمه فيه وكذا لو زنى لا يحد وحمله بعضهم على العموم لأنه قال مخافة أن يلحق المتطوع بالعدو فإذا رجعوا قطع وبه أخذ الأوزاعي وأجراه في كل حد قال ابن العربي: وهذا لا أعلم له أصلا في الشرع وحدوده تقام على أهلها وإن كان ما كان وتبعه الحافظ ابن حجر فقال: هذا يعارضه خبر البيهقي أقيموا الحدود في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم اه
(حم 3 والضياء) المقدسي وكذا ابن حبان كلهم (عن بسر) بضم [ص:417] الباء الموحدة وسكون السين المهملة بن أبي أرطاة أو ابن أرطاة قال ابن حجر: والأول أصح قال ابن حبان: ومن قال ابن أرطاة فقد وهم وقد مر هذا موضحا واسم أبي أرطاة عمير بن عويمر بن عمران قال أعني ابن حجر: مختلف في صحبته يعني بسر وقال: وهذا إسناد مصري قوي وبسر من شيعة معاوية قال ابن معين: وبسر رجل سوء قال البيهقي: إنما قاله لما ظهر من سوء فعله في قتاله أهل المدينة وغيرهم قال الذهبي: الحديث جيد لا يرد بمثل هذا(6/416)
9847 - (لا تقولوا الكرم) أي للعنب (ولكن قولوا العنب والحبلة) بفتح الباء وقد تسكن هي أصل شجرة العنب والعنبة يطلق على الثمر والشجر والمراد هنا الشجر ولذلك سمته العرب كرما ذهابا إلى أن الخمر تكسب شاربها كرما ويلتفت عليه قول القائل فيابنة الكرم بل يا ابنة الكرم فلما حرم الخمر نهاهم عن ذلك تحقيرا لها وتذكيرا لتحريمها وبين لهم في خبر أن الكرم هو قلب المؤمن لأنه معدن التقوى لا الخمر المؤدي إلى اختلال العقل وفساد الرأي وإتلاف المال
(م) في الأدب (عن واثلة) ابن الأسقع قال ابن حجر: ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن واثلة شيئا(6/417)
9848 - (لا تقوم الساعة) اسم علم ليوم القيامة (حتى يتباهى) أي يتفاخر (الناس في المساجد) أي في عمارتها ونقشها وتزويقها كفعل أهل الكتاب بكنائسهم وبيعهم وقيل المراد عمارتها بالصلاة فيها وذكر الله لا بنيانها
(حم د هـ حب عن أنس) بن مالك ورواه عنه الطبراني والديلمي(6/417)
9849 - (لا تقوم الساعة حتى لا يقال) وفي رواية لمسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول (في الأرض الله الله) بتكرار الجلالة ورفعها على الابتداء وحذف الخبر ذكره النووي وقد قال: يغلط بعض الناس فلا يرفعه اه. ورجح القرطبي النصب بفعل مضمر وليس المراد أن لا يتلفظ بهذه الكلمة بل أنه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل أو التكرار كناية عن أن لا يقع إنكار قلبي على منكر لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه الله الله فالمعنى لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر
(حم م) في الإيمان (ت عن أنس) بن مالك وذكر الترمذي في العلل عن البخاري أن فيه اضطرابا(6/417)
9850 - (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) وذلك أنه تعالى يبعث الريح الطيبة فتقبض روح كل مؤمن فلم يبق إلا شرار الناس وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وسائر الآيات العظام وقد أورد مسلم في حديث آخر أن الله يبعث ريحا طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم وفي حديث له آخر يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا تبقي على وجه الأرض أحدا في قلبه مثقال ذرة من خير إلا قبضته وفيه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان ثم ينفخ في الصور
(حم م عن ابن مسعود)(6/417)
9851 - (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس) أي أحظاهم أي بطيباتها (بالدنيا لكع ابن لكع) قال الطيبي: هو غير منصرف للعدل والصفة وقال الزمخشري: هو بالرفع اسم يكون معدول عن اللكع يقال لكع الوسخ عليه لكعا فهو [ص:418] لكع إذا ألصق به إلى الرجل اللئيم كما عدلت لكاع للمرأة اللئيمة ثم استعمل للأحمق والعبد واللئيم وأريد به من لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق من الأسافل والرعاع
إذا التحق الأسافل بالأعالي. . . فقد طابت منادمة المنايا
(حم ت) في الزهد (والضياء) المقدسي (عن حذيفة) قال الترمذي: حسن غريب اه وفيه عبد العزيز الدراوردي قال في الكاشف: عن أبي زرعة: سيء الحفظ وعمر مولى المصلب لينه يحيى وقال أحمد: لا بأس به(6/417)
9852 - (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فلا مفهوم له فالمرأة مثله لكن لما كان الغالب أن الرجال هم المبتلون بالشدائد والنساء محجبات لا يصلين نار الفتنة خصهم
كتب القتل والقتال علينا. . . وعلى الغانيات جر الذيول
(فيقول يا ليتني مكانه) أي ميتا حتى أنجو من الكرب ولا أرى من المحن والفتن وتبديل وتغيير رسوم الشريعة ما أرى فيكون أعظم المصائب الأماني وهذا إن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة وقد قال ابن مسعود: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه وعليه قوله:
وهذا العيش ما لا خير فيه. . . ألا موت يباع فأشتريه
قال الحافظ العراقي: ولا يلزم كونه في كل بلد ولا كل زمن ولا في جميع الناس بل يصدق على اتفاقه للبعض في بعض الأقطار في بعض الأزمان وفي تعليق تمنيه بالمرور وإشعار بشدة ما نزل بالناس من فساد الحال حالتئذ إذ المرء قد يتمنى الموت من غير استحضار لهيئته فإذا شاهد الموتى ورأى القبور نشز بطبعه ونفر بشجيته من تمنيه فلقوة الشدة لم يصرفه عنه ما شاهده من وحشة القبور ولا يناقض هذا النهي عن تمني الموت لأن مقتضى هذا الحديث الإخبار عما يكون وليس فيه تعرض لحكم شرعي
(حم ق عن أبي هريرة)(6/418)
9853 - (لا تقوم الساعة حتى لا يحج) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء مبنيا للمفعول (البيت) أي الكعبة وأشار البخاري إلى أن هذا يعارضه الخبر المار ليحجن البيت بعد يأجوج ومأجوج لأن مفهومه أن البيت يحج بعد أشراط الساعة ومفهوم هذا أنه لا يحج بعدها لكن جمع بأنه لا يلزم من حج البيت بعد خروجها امتناع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة قاله ابن حجر وقوله ليحجن البيت أي محله لأن الحبشة إذا خربوه لا يعمر بعد
(ع ك) في الفتن (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على شرطهما وعلته أن آدم وابن مهدي رفعاه وأن الطيالسي رواه عن شعبة موقوفا(6/418)
9854 - (لا تقوم الساعة حتى يرفع الركن والقرآن) غاية لعدم قيام الساعة قال الحكيم: لله في أرضه أربعة من آثاره القرآن وهو كلامه والسلطان وهو ظله والكعبة وهي بيته والولي وهو خليفته في أرضه فعلى كلامه طلاوة وعلى ظله هيبة وعلى بيته وقار وعلى خليفته جلالة فهؤلاء الأربع تقوم الأرض فإذا دنا قيام الساعة رفع القرآن وهدمت الكعبة بما لها من الأركان وذهب السلطان وقبض الأولياء ولم يبق في الأرض حرمة فالعارفون إنما يأخذون من القرآن لطائفه وطلاوته ومن السلطان هيبته وظله فلا يلحظون أفعاله وسيرته ومن البيت وقاره إلى تلك الأحجار والأبنية ومن الولي نور جلاله
(السجزي عن ابن عمر) بن الخطاب(6/418)
9855 - (لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا) أي يغيرون الأحاديث ويكذبون فيها أو يدعون النبوة أو الأهواء [ص:419] الفاسدة والاعتقادات الباطلة أو غير ذلك وزاد في رواية آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى كأنها عنبة
(طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فإن الطبراني رواه من طريقين عن ابن عمرو باللفظ المذكور وزاد في أحدهما كلهم يزعم أنه نبي فأما طريق المختصر ففيها يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف وأما الأخرى فمن طريق ابن إسحاق قال حدثني شيخ من أشجع ولم يسمه وسماه أبو داود في رواية سعيد بن طارق قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات اه ورواه مسلم بلفظ لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله وابن عدي بلفظ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ورواه من طريق أخرى بلفظ ثلاثون كذابا العنسي ومسلمة والمختار(6/418)
9856 - (لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية) أي يرويه قوم عن قوم كالقصاص والوعاظ يقولون وقع لفلان كذا وكان لفلان كذا ويبكون ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم (والورع تصنعا) وهو تكلف حسن السمت والتزين
(حل عن أبي هريرة) رضي الله عنه(6/419)
9857 - (لا تكبروا في الصلاة) أي لا تحرموا بها (حتى يفرغ المؤذن من أذانه) بل تمهلوا قليلا حتى يحصل الاستعداد بنحو طهر وستر وشغل خفيف وكلام قصير وأكل لقم توفر خشوعه وتقديم سنة راتبة
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه(6/419)
9858 - (لا تكثر همك) يا ابن مسعود (ما يقدر) لك (يكن) أي لا بد من كونه (وما ترزقه يأتك) فالهم لا يرد عنك مقضيا وعدم سكوتك عند جولان الموارد في صدرك حتى يكثر غمك لا يغني عنك شيئا وقد فرغ ربك من ثلاث ومحصول ذلك يرجع إلى الحث على قوة الإيمان بالقدر وأن المرء لا يصيبه إلا ما كتب له والراحة والسكون ثقة بضمان الله ورضا بقدره قال الغزالي: هذا الحديث هو الكلام الجامع البالغ في قلة اللفظ وكثرة المعنى ومن فوائده الرضا بالقضاء وفراغ القلب وقلة الهم فتوكل على الله واترك التدبير في أمورك كلها إلى من يدبر السماء والأرض فتريح نفسك من كل شيء لا يبلغه علمك ونظرك من أمر يكون غدا أو لا يكون وتكف عن لعل ولو إذ ليس فيه إلا شغل القلب وتضييع الوقت ولعله يكون أمور لم تخطر ببالك فيكون ما سبق من فكرك وتدبيرك لغوا بلا فائدة بل خسرانا مبينا تندم عليه وتغبن فيه ومن ثم قيل:
سبقت تقادير الإله وحكمه. . . فأرح فؤادك من لعل ومن لو
وقال:
سيكون ما هو كائن في وقته. . . وآخر الجهالة متعب محزون
فلعل ما تخشاه ليس بكائن. . . ولعل ما ترجوه ليس يكون
وتقول لنفسك يا نفس لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وهو حسبنا ونعم الوكيل
(هب) وكذا الأصبهاني في ترغيبه (عن مالك بن عبادة) الغافقي مصري له صحبة (البيهقي في القدر) وكذا في الشعب وكأن المصنف ذهل عنه (عن ابن مسعود) قال العلائي: حديث غريب فيه يحيى بن أيوب احتجا به وفيه مقال لجمع اه ورواه أبو نعيم والديلمي(6/419)
[ص:420] 9859 - (لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات) بقيته كما في مسند الفردوس عن مخرجيه أحمد والطبراني المجهزات اه قال عمرو بن العاص لمعاوية وقد دخل عليه وفي حجره صبية: انبذها فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء قال: لا تفعل فما ندب الموتى ولا تفقد المرضى ولا أعان على الحزن مثلهن
(حم طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات(6/420)
9860 - (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب) أي على تناول ذلك لأن المريض إذا عافه فذلك لاشتغال طبيعته لمجاهدة مادة المرض أو سقوط شهوته لموت الحار الغريزي وكيفما كان إعطاء الغذاء في هذه الحالة غير لائق (فإن الله يطعمهم ويسقيهم) أي يحفظ قواهم ويمدهم بما يقع موقع الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن ذكره البيضاوي وأما تفسيره بأنه يطهرهم في رين الذنوب وإذا طهروا منه قذف نور اليقين في قلوبهم فاغتذوا به بدليل أن المريض يمكث مدة لا يذوق شيئا وقوته باقية ولو كان صحيحا لعجز فغير صواب لأن قائله إن أراد أن ذلك يخص المؤمن فالوجدان قاض بأن الكافر كالمؤمن في صبر تلك المدة بلا فرق وإن أراد الشمول فهو ذهول لأن الكافر خبيث مخبث لا يطهر المرض شيئا من ذنوبه ولو قذف في قلبه أدنى ذرة من يقين لاهتدى في طرفة عين فما هذه المقالة إلا مزلقة زلق فيها ذلك العلامة
(ت هـ ك) في الطب (عنه) أي عن عقبة قال الترمذي: حسن غريب قال في المنار: ولم يبين علته المانعة من تصحيحه وهي عندي موجبة لضعفه لأن فيه بكير بن يونس أو يونس بن بكير قال أبو حاتم: منكر الحديث ضعيفه اه قال الذهبي: ضعفوه وقال البيهقي: تفرد به بكر وهو فيما قال البخاري: منكر الحديث اه وفي الميزان عن أبي حاتم: هذا حديث باطل وأورده ابن الجوزي من عدة طرق وأعلها كلها وقال في الأذكار: فيه بكر بن يونس وهو ضعيف(6/420)
9861 - (لا تكلفوا) بحذف إحدى التاءين (للمضيف) لئلا تملوا الضيافة وترغبوا عنها بل أحضروا له ما سهل
(ابن عساكر) في تاريخه (عن سلمان) الفارسي(6/420)
9862 - (لا تكون زاهدا حتى تكون متواضعا) أي لين الجانب مخفوض الجناح لعباد الله
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه يعقوب بن يوسف وهو كذاب اه وفي الميزان يعقوب بن عبد الله عن فرقد لا يدرى من هو ثم ساق له هذا الخبر بعينه(6/420)
9863 - (لا تلاعنوا) بفتح التاء والعين وحذف إحدى التاءين تخفيفا (بلعنة الله) فإن اللعنة الإبعاد من الرحمة والمؤمنون رحماه بينهم (ولا بغضبه) أي لا يدعو بعضكم بعضا بغضب الله كأن يقال عليه غضب الله (ولا بالنار) في رواية ولا بجهنم أي لا يقول أحدكم اللهم اجعله من أهل النار ولا احرقه بنار جهنم قال الطيبي: قوله لا تلاعنوا إلخ من عموم المجاز لأنه في بعض أفراده حقيقة وفي بعضها مجاز وهذا مختص بمعين لجواز اللعن بالوصف الأعم والأخص كالمصورين
(د ت ك عن سمرة) بن جندب قال الترمذي: حسن صحيح(6/420)
9864 - (لا تلومونا على حب زيد) بن حارثة مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبيبه كيف وقد قدم أبوه وعمه في فدائه [ص:421] فاختاره عليهما فقالا: ويحك تختار العبودية على الحرية وعلى أهلك فقال: رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحد فتبناه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل {ادعوهم لآبائهم} قال الزهري: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد وقال الحافظ: سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيدا لمحبة قريش في قصي قال في الزهر: وهو فاسد ثم اندفع في توجيهه
(ك عن) أبي عبد الله (قيس بن أبي حازم مرسلا) هو البجلي تابعي كبير ثقة مخضرم يقال له رؤية هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففاتته الصحبة وهو الذي يقال إنه اجتمع له أنه يروي عن العشرة(6/420)
9865 - (لا تمار أخاك) أي لا تخاصمه من المماراة وهي المخاصمة (ولا تمازحه) بما يتأذى به قالوا والمزاح المنهي عنه هو ما فيه إفراط أو مداومة أو أذى قال الماوردي: اعلم أن للمزاح إزاحة عن الحقوق ومخرجا إلى العقوق يصم المازح ويؤذي الممازح وقال الغزالي: المزاح يريق ماء الوجه ويسقط المهابة ويستجر الوحشة ويؤذي القلوب وهو مبدأ اللجاج والغضب والتضارب ومغرس الحقد في القلوب فإن مازحك غيرك {فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} وكن من {الذين إذا مروا باللغو مروا كراما} وقال في الأذكار: المزاح المنهي ما فيه إفراط ومداومة فإنه يورث الضحك والقسوة ويشغل عن الذكر والفكر في مهمات الدين فيورث الحقد ويسقط المهابة والوقار وما سلم من ذلك هو المباح الذي كان المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله فإنه إنما كان يفعله نادرا لمصلحة كمؤانسة وتطييب نفس المخاطب وهذا لا منع منه قطعا بل هو مستحب (ولا تعده موعدا فتخلفه) قال الطيبي: إن روي منصوبا كان جوابا للنهي على تقدير أن يكون مسببا عما قبله أو مرفوعا فالمنهي الوعد المستعقب للأخلاق أي لا تعد موعدا فأنت تخلفه على أنه جملة خبرية معطوفة على إنشائية والوفاء بالوعد سنة مؤكدة بل قيل واجب كما مر قال حجة الإسلام: والمراء قبيح جدا لأن فيه إيذاء للمخاطب وتجهيلا له وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد الفطنة والعلم ثم هو مشوش للعيش فإنك لا تمار سفيها إلا ويؤذيك ولا حليما إلا ويقليك ويحقد عليك ولا ينبغي أن يحدك الشيطان ويقول أظهر الحق ولا تداهن فيه فإن الشيطان أبدا يسخر بالحمقاء إلى الشر في معارض الخير فلا تكن ضحكة له يسخر بك فإظهار الحق حسن مع من يقبل منك وذلك بطريق النصيحة لا المماراة وللنصيحة صيغة وهيئة تحتاج إلى تلطف وإلا صارت فضيحة وكان فسادها أكثر من صلاحها ومن خالط متفقهة العصر غلب على طبه المراء وعسر عليه الصمت ففر منهم فرارك من الأسد
(ت) في البر (عن ابن عباس) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال الحافظ العراقي: يعني من حديث ليث بن أبي سليم وضعفه الجمهور وقال الذهبي: فيه ضعف من جهة حفظه(6/421)
9866 - (لا تمس القرآن) يا حكيم بن حزام أي لا تمس ما كتب عليه قرآن أو شيء منه بقصد الدراسة (إلا وأنت طاهر) أي متطهر عن الحدثين الأكبر والأصغر فيحرم مس ذلك بدون ذلك وهذا قاله لما بعثه واليا إلى اليمن
(طب قط ك) في المناقب (عن حكيم بن حزام) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(6/421)
9867 - (لا تمس النار) أي نار جهنم (مسلما رآني أو رأى من رآني) أي غالبا فتمس بعض من رأى من رآه للتطهير
(ت والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله(6/421)
9868 - (لا تمسح يدك) لفظ رواية الطبراني لا تنمندل (بثوب من لم تكسو) يعني إذا كانت متلوثة بنحو طعام فلا تمسحها بثوب إنسان لم تكسه أنت ذلك الثوب الذي تمسح فيه والمراد منه النهي عن التصرف في مال الغير والتحكم على من لا ولاية له عليه. قال الطيبي: ولعل المراد بالثوب الإزار والمنديل. [ص:422]
(حم طب) وكذا الخطيب في التاريخ (عن أبي بكرة) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وقال ابن الجوزي: حديث لا يثبت والواقدي أي أحد رجاله كذبه أحمد ومبارك بن فضالة مضعف(6/421)
9869 - (لا تمنعوا إماء الله) بكسر الهمزة والمد جمع أمة وذكر الإماء دون النساء إيماء إلى علة نهي المنع عن خروجهن للعبادة يعرف بالذوق (مساجد الله) قال الشافعي: أراد المسجد الحرام عبر عنه بالجمع للتعظيم فلا يمنعن من إقامة فرض الحج اه. وأيده غيره بخبر لا تمنعوا إماء الله مسجد الله واعترض باحتمال أن يراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا الحرم فلا تأييد فيه فإن كان المراد مطلق المساجد فالنهي للتنزيه إذا كانت المرأة ذات حليل بشرط أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات جلاجل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا نحو شابة ممن يفتتن بها فإن كانت خلية حرم المنع إذا وجدت الشروط ذكره النووي
(حم م) في الصلاة من حديث الزهري عن سالم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال سالم: فقال لابن عمر: إنا لنمعهن قال: فغضب غضبا شديدا وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول إنا لنمنعهن ورواه عنه أيضا أبو داود بلفظ لا تمنعوا نسائكم المساجد وبيوتهن خير لهن وقضية صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد جزم الحافظ ابن رجب بكونه في الصحيحين وعبارته: اتفق الشيخان عليه(6/422)
9870 - (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) لأن الرحمة في الخلق رقة القلب ورقته علامة الإيمان ومن لا رقة له لا إيمان له ومن لا إيمان له شقي فمن لا يرزق الرقة شقي ذكره الطيبي قال ابن العربي: حقيقة الرحمة إرادة المنفعة وإذا ذهبت إرادتها من قلب شقي بإرادة المكروه لغيره ذهب عنه الإيمان والإسلام. قال عليه الصلاة والسلام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمن جاره بوائقه " وكما يلزم أن يسلم هن لسانه ويده يلزم أن يسلم من قلبه وعقيدته المكروهة فيه فإن اليد واللسان خادمان للقلب اه وقال الزين العراقي: هل المراد فيه تنزع الرحمة من قلبه بعد أن كان في قلبه رحمة لأن حقيقة النزع إخراج شيء من مكان كان فيه أو المراد لم يجعل في قلبه رحمة أصلا فيكون كقوله رفع القلم عن ثلاث والمراد شقاء الآخرة أو الدنيا أو هما وبالرحمة العامة كما في رواية الطبراني قال القرطبي: الرحمة رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند رؤية مبتلى أو صغيرا أو ضعيف يحمله على الإحسان له واللطف والرفق به والسعي في كشف ما به وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله يعطف الحيوان على نوعه وولده ويحسن عليه حال ضعفه وصغره وحكمتها تسخير القوى للضعيف كما مر وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار التي ثمرتها هذه المصلحة العظيمة التي هي حفظ النوع رحمة واحدة من مئة ادخرها الله يوم القيامة يرحم بها عباده فمن خلق الله في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضرر المبتلى فقد رحمه الله بذلك في الجنان وجعل ذلك على رحمته إياه في المآل فمن سلبه ذلك المعنى وابتلاه بتقيضه من القسوة والغلظة ولم يلطف بضعيف ولا أشفق على مبتلى فقد أشقاه حالا وجعل ذلك علما على شقوته مآلا نعوذ بالله من ذلك
(حم د) في الأدب (ت) في البر (حب ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه البخاري في الأدب المفرد قال ابن الجوزي في شرح الشهاب: وإسناده صالح ورواه عنه أيضا البيهقي قال في المهذب: وإسناده صالح(6/422)
[ص:423] 9871 - (لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج) من المسجد فيسن الفصل بينهما بالانتقال من محل الفرض والخروج لغيره فإن لم يفعل فصل بنحو كلام
(حم د عن معاوية) الخليفة رمز لحسنه(6/423)
9872 - (لا توله) بضم التاء ولام مفتوحة مشددة بضبط المصنف (والدة عن) وفي رواية على (ولدها) أي لا تخرج إلى الوله وهو الحزن الذي يخرج عن التحصيل بغلبته على العقول ذكره ابن العربي وقال الزمخشري: معناه لا نعزل عنه ويفرق بينها وبينه من الواله وهي التي فقدت ولدها والمراد النهي عن التفريق بينهما بنحو بيع والواله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد اه
(هق عن أبي بكر) الصديق قال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف ورواه أبو عبيدة في غريب الحديث مرسلا من مراسيل الزهري ورواية ضعيفة(6/423)
9873 - (لا تيأسا) الخطاب لاثنين شكيا له الضيق (من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما) أي ما دمتما في قيد الحياة وقوله رؤوسكما هو كقولهم قطعت رؤوس الكبشين قال ابن مالك في شرح التسهيل: يختار في المضافين إلى متضمنها لفظ الإفراد على لفظ التشبه ولفظ الجمع على لفظ الإفراد لأنهم استثقلوا اثنتين في شيئين هما كشيء واحد لفظا ومعنى فعدلوا إلى غير لفظ التثنية فكان الجمع أولى لأنه شريكهما في الضم وبذلك جاء القرآن نحو {فقد صغت قلوبكما} و {فاقطعوا أيديهما} وفي الحديث أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه وجاء لفظ الإفراد أيضا في الكلام الفصيح ومنه حديث ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ولم يجيء لفظ التثنية إلا في الشعر اه (فإن الإنسان تلده أمه أحمر لا قشر عليه ثم يرزقه الله) قال ابن الأثير: المراد بالقشر اللباس ومنه خبر إن الملك يقول للصبي المنفوس خرجت إلى الدنيا وليس عليك قشر اه وقد مر غير مرة أن الله ضمن الرزق لعباده فاليأس من ذلك الضمان من ضعف الاستيقان قال الغزالي: البلية الكبرى لعامة هذا الخلق أمر الرزق وتدبيره أتعبت نفوسهم وأشغلت قلوبهم وأكثرت غمومهم وضاعفت همومهم وضيعت أعمارهم وأعظمت تبعتهم وأوزارهم وعدلت بهم عن باب الله وخدمته إلى خدمة الدنيا وخدمة المخلوقين فعاشوا في غفلة وظلمة وتعب ونصب ومهانة وذل وقدموا الآخرة مفاليس بين أيديهم الحساب والعذاب إن لم يرحمهم الله بفضله وانظر كم من آية أنزل الله في ذلك وكم من ذكر من وعده وضمانه وقسمه على ذلك؟ ولم تزل الأنبياء والعلماء يعظون الناس ويبينون لهم الطريق ويصنفون لهم الكتب ويضربون لهم الأمثال وهم مع ذلك لا يهتدون ولا يتقون ولا يطهرون بل هم في غمرة فإنا لله وإنا إليه راجعون وأصل ذلك كله قلة التدبر لآيات الله والتفكر في صنائعه وترك التذكر لكلام الله وكلام رسول الله والتأمل لأقوال السلف والإصغاء إلى كلام الجاهلين والاغترار بعبادات الغافلين حتى تمكن الشيطان منهم ورسخت العادات في قلوبهم فأداهم ذلك إلى ضعف القلب ورقة اليقين
(حم هـ حب والضياء) المقدسي (عن حبة) بموحدة تحتية (وسواء ابني خالد) الأسديين ويقال هما العامريان أو الخزاعيان صحابيان نزلا الكوفة لهما حديث واحد(6/423)
9874 - (لا جلب) بجيم محركا أي لا ينزل الساعي موضعا ويجلب أرباب الأموال إليه ليأخذ زكاتهم أو لا يبيع الرجل فرسه من يحثه على الجري بنحو صياح على ما مر (ولا جنب) بجيم ونون مفتوحتين أن يجلس العامل بأقصى محل ويأمر بالزكاة أن تجنب أي تحضر إليه فنهى عن ذلك وأرشد إلى أن زكاتهم إنما تؤخذ في دورهم وأخرج النهي [ص:424] بصورة الخبر تأكيدا أو هو أن تجنب فرسا إلى فرس يسابق عليه فإذا أفتر المركوب تحول للجنوب ولعل المراد هنا الأول بقرينة زيادة أبي داود في روايته الآتية عن شعيب ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم وفي القاموس لا جلب ولا جنب هو أن يرسل في الجلبة فيجتمع له جماعة يصيحون به ليرد عن وجهه أو هو أن لا يجلب الصدقة إلى المياه والأمصار بل يتصدق بها في مراعيها وأن ينزل العامل موضعا ثم يرسل من يجلب المال إليه ليأخذ صدقته وأن يتبع الرجل فرسه فيركض خلفه ويزجره (ولا شغار) بكسر الشين وفتح الغين المعجمتين (في الإسلام) قال القاضي: الشغار أن يشاغر الرجل الرجل وهو أن تزوجه أختك على أن يزوجك أخته ولا مهر. وهذا من شغر البلد إذا خلا من الناس أو السلطان لأنه عقد خال عن المهر أو من شغرت بني فلان من البلاد إذا أخرجتهم وفرقتهم وقولهم تفرقوا شغر بغر لأنهما إذا تبادلا بأختيهما فقد أخرج كل منهما أخته إلى صاحبها وفارق بها إليه والحديث دليل على فساد هذا العقد لأنه لو صح لكان في الإسلام وهو قول أكثر العلماء والمقتضي لفساده الاشتراك في البضع الذي جعله صداقا وقال أبو حنيفة: يصح العقد ولكل منهما مهر المثل
(ت) في النكاح (والضياء) في المختارة (عن أنس) بن مالك قال ابن القطان: فيه ابن إسحاق مختلف فيه وأخرجه أيضا أبو داود في الجهاد والترمذي في النكاح وابن ماجه في الفتن وقال الترمذي: حسن صحيح(6/423)
9875 - (لا حبس) بضم الحاء وفتحها على الاسم والمصدر واقتصر المصنف في نسخته على الضبط بالضم (بعد سورة النساء) أي لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه أشار به إلى ما كان يفعله الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه: كانوا إذا كرهو النساء لقبح أو فقر حبسوهن من الأزواج لأن أولياء الميت كانوا أولى بهم من غيرهم
(هق عن ابن عباس) قال: لما نزلت سورة النساء قال صلى الله عليه وسلم لا حبس إلخ رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: وفيه عيسى بن لهيعة وهو ضعيف اه ورواه الدارقطني باللفظ المذكور عن ابن عباس وقال: لم يسند غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان وسبقه في الميزان فقال عن الدارقطني: حديث ضعيف وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه(6/424)
9876 - (لا حليم) حلما كاملا (إلا ذو عثرة) أي إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ واستخجل من ذلك وأحب أن يستر من رآه على عيبه أو المراد لا يتصف الحليم بالحلم حتى يرى الأمور ويعثر فيها ويستبين مواقع الخطأ فيجتنبها ويدل له قوله (ولا حكيم إلا ذو تجربة) بالأمور فيعرف أن العفو كيف يكون محبوبا فيعفو عن غيره إذا وقع في زلة كما علم بالتجارب أنه لا يسلم من الوقوع في مثلها ومن ثم كان داود قبل العثرة يقول يا رب لا تغفر للخطائين فلما عثر صار يجلس بين الفقراء ويقول مسكين بين مساكين رب اغفر للخطائين كي تغفر لداود معهم والعثرة المرة من العثار وإحكام الشيء إصلاحه عن الخلل والحكيم: المتيقظ المتنبه أو المتقن للحكمة الحافظ لها وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع في كثير من الروايات ورواه العسكري عن أبي سعيد أيضا بزيادة ثالث فقال: لا حليم إلا ذو أناة ولا عليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة
(ت) في البر (حب ك) في الأدب من حديث دراج عن أبي الهيثم (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وليس كما قال ففي المنار ما حاصله أنه ضعيف وذلك لأنه لما نقل عن الترمذي أنه حسن غريب قال: ولم يبين المانع من صحته وذلك لأن فيه دراجا وهو ضعيف وقال ابن الجوزي: تفرد به دراج وقد قال أحمد: أحاديثه مناكير اه وحكم القزويني بوضعه لكن تعقبه العلائي بما حاصله أنه ضعيف لا موضوع(6/424)
[ص:425] 9877 - (لا حمى) أي ليس لأحد منع الرعي في أرض مباحة والاختصاص به كما كانت الجاهلية تفعله. قال الشافعي: كان الشريف منهم إذا نزل بعشيرته بلدا استعوى كلبا فحمى لخاصته مدى عواه فلم يرعه معه أحد فنهى الشارع عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس وتقديم القوي على الضعيف (إلا لله ورسوله) أي إلا ما يحمى لخيل المسلمين وركابهم المرصدة للجهاد والحمل وتفصيل المذهب أن للنبي صلى الله عليه وسلم الحمى لنفسه ولغيره ولأئمة المسلمين لا لهم كما حمى عمر البقيع لنعم الصدقة وخيل الغزاة وأما الآحاد فلا لهم ولا لغيرهم هذا هو المصحح عند الشافعية وعليه أبو حنيفة ومالك وتمسك البعض بظاهر الخبر فمنعه لغير النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا وأجيب بأن المعنى إلا على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصالح المسلمين
(حم خ) في الجهاد والشرب (د) في الخراج وكذا النسائي في الحمى والشرب خلافا لما يوهمه كلام المصنف كلهم (عن الصعب) ضد السهل (ابن جثامة) بفتح الجيم وبالمثلثة المشددة واسمه مزيد بن قيس الكناني الليثي(6/425)
9878 - (لا حمى في الإسلام ولا مناجشة) وهو أن يزيد في ثمن السلعة وهو لا يزيد شراءها ليغر غيره فتشتري بما ذكره وأصل النجش الإغراء والتحريض وحكمة النهي ما فيه من التغرير وإنما ذكر بصيغة المفاعلة لأن التجار يتعارضون في ذلك فيفعل هذا بصاحبه على أن يكافئه بمثله
(طب عن عصمة بن مالك) قال الهيثمي: إسناده ضعيف هكذا جزم به وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه(6/425)
9879 - (لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داءا أيسرها الهم) لأن العبد إذا تبرأ من الأسباب وتخلى من وبالها انشرح صدره وانفرج همه وغمه وجاءته القوة والعصمة والغياث والتأييد والرحمة وقويت جوارحه الباطنة وسطت الطبيعة على ما في الباطن من الأدواء فغيرتها ودفعتها والتقييد بالعدد موكول إلى علم الشارع ويحتمل أن المراد التكثير لكنه يبعده أنه لم يعهد إلا في السبعين ونحوها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (عن أبي هريرة) وفيه كما في الميزان بشر بن رافع قال البخاري: لا يتابع في حديثه وقال أحمد: ضعيف وقال غيره: حدث بمناكير هذا منها اه. وقضية كلام المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه في الأوسط وفيه بشر المذكور قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات(6/425)
9880 - (لا خزم) جمع خزامة حلقة شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير كان بنو إسرائيل تخزم أنوفها وتخرق تراقيها ونحو ذلك من أنواع التعذيب فوضع الله عن هذه الأمة أي لا يفعل الخزام في الإسلام (ولا زمام) أراد ما كان عباد بني إسرائيل يفعلونه من لازم الألوف بأن يخرق الأنف ويجعل فيه زمام كزمام الناقة لتقاد به (ولا سياحة) أراد نفي مفارقة الأمصار وسكنى البوادي وترك شهود الجمعة والجماعة أو أراد الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة والإفساد كذا قيل وهو غير ملائم لما قبله ولا لقوله (ولا تبتل ولا ترهب في الإسلام)
(عب عن طاوس مرسلا) هو ابن كيسان الفارسي لقب به لأنه كان طاوس القراء(6/425)
[ص:426] 9881 - (لا خير في الإمارة لرجل مسلم) أي كامل الإسلام لأنها تفيده قوة بعد ضعف وقدرة بعد عجز والنفس مجبولة على الشر أمارة بالسوء فيتخذها ذريعة إلى الانتقام من العدو والنظر للصديق بغير حقه وتتبع الأغراض الفاسدة وهذا مخصوص بمن لم يتعين عليه وإلا وجب عليه قبولها وكانت له خيرا وسبب الحديث أن رجلا قام يشكو من عامله فقال: يا رسول الله إنه أخذنا بدخول كانت بيننا وبينه في الجاهلية فذكره
(حم) وكذا الطبراني (عن حبان) بكسر الحاء المهملة وبفتحها وبموحدة أو تحتية (ابن بح) بضم الموحدة فمهملة ثقيلة الصدائي ذكره ابن الربيع وقال لأهل مصر عنه حديث واحد وفي التجريد له وفادة وشهد فتح مصر قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجال أحمد ثقات رمز المصنف لحسنه(6/426)
9882 - (لا خير في مال لا يرزأ) بضم أوله والهمز آخره بضبط المصنف (منه) أي لا ينقص منه والرزء النقص (وجسد لا ينال منه) بالآلام والأسقام فإن المؤمن ملقى والكافر موقى وإذا أحب الله عبدا ابتلاه كما تقدم في غير ما حديث
(ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا)(6/426)
9883 - (لا خير فيمن لا يضيف) أي فيمن لا يطعم الضيف الذي ينزل به أي إذا كان قادرا على ضيافته ولم يعارضه ما هو أعم من ذلك كنفقة من تلزمه مؤونته
(حم هب عن عقبة بن عامر) الجهني رمز المؤلف لحسنه قال الحافظ العراقي: فيه ابن لهيعة وقال المنذري والهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة(6/426)
9884 - (لا رضاع إلا ما فتق) أي وسع (الأمعاء) يعني إنما يحرم من الرضاع ما كان في الصغر ووقع منه موقع الغذاء بحيث ينمو منه بدنه فلا أثر للقليل وإنما يؤثر الكثير الذي يوسع الأمعاء ولا لقليل ولا كثير في كبير
(هـ عن الزبير) بن العوام رمز المصنف لحسنه وهو فيه تابع للترمذي لكنه بين أنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام عن أم سلمة اه وقال جمع: إن فاطمة لم تلق أم سلمة ولم تسمع منها ولا من عائشة وإن تربت في حجرها(6/426)
9885 - (لا رقية إلا من عين أو حمة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم مخففة أي سم أي لا رقية أولى وأنفع من رقية العيون أي المصاب بالعين ومن رقية من لدغة ذي حمة والحمة سم العقرب وشبهها وقيل فوعة السم وقيل حدته وحرارته وزاد في رواية أو دم أو رعاف يعني لا رقية أولى وأنفع من الرقية لمعيون أو ملسوع أو راعف لزيادة ضررها فالحصر بمعنى الأفضل فهو من قبيل لا فتى إلا علي فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالرقية بكلمات الله التامات وآياته المنزلات لأمراض كثيرة وعوارض غزيرة وقال بعضهم: معنى الحصر هنا أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية فيلحق بالعين نحو خبل ومس لاشتراكهما في كونهما تنشآن عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني وبالسم كل عارض للبدن من المواد السمية
(م هـ عن بريدة) بن الحصيب (حم د ت عن عمران) بن الحصين قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات فقول ابن العربي حديث معلول غير مقبول(6/426)
9886 - (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) زاد في رواية عبد ربه أي يمر عليه العام من أوله إلى آخره وهو في ملكه [ص:427] ويجوز كون الحول فعلا مستقبلا مبنيا من لفظ الحول الذي هو السنة وأن يكون من قولهم حال إلى محل كذا أي تحول أو من حال الشخص إذا تحول من حال عن العهد إذا انقلب والكل متقارب ثم هذا فيما يرصد للزيادة والنماء أما ما هو نماء في نفسه كحب وتمر فلا يعتبر فيه حول عند الشافعي
(هـ عن عائشة) أشار المصنف إلى أنه حسن وذلك منه غير حسن فإن الحديث مروي من طريقين أحدهما لابن ماجه عن عائشة وهي الطريق التي سلكها وقد قال الحافظ العراقي: سندها ضعيف أي لضعف حارثة بن أبي الرجال راويه وقال ابن حجر: هو ضعيف وقال البيهقي: جارية ليس بحجة والأخرى من رواية أبي داود عن علي وسندها كما قال الزين العراقي جيد فانعكس على المصنف فحذف الطريق الحسنة الجيدة السند وآثر الطريقة الضعيفة وحسنها قال ابن حجر: وخرجه الدارقطني باللفظ المزبور عن أنس وفيه حسان بن سياه وفي ترجمته أورده ابن عدي وضعفه اه(6/426)
9887 - (لا زكاة في حجر) كياقوت وزمرد ولؤلؤ وسائر المعادن غير النقد وإن زادت قيمتها عليه كجوهر نفيس
(عد هق عن ابن عمرو) بن العاص قال البيهقي: رواه عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه عثمان بن عبد الرحمن والوقاصي عن عمرو وخالفهما محمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو فلم يرفعه والثلاثة ضعفاء إلى هنا كلامه(6/427)
9888 - (لا سبق) بفتح الباء ما يجعل من المال للسابق على سبقه وبالسكون مصدر سبقت أي لا تجوز المسابقة بعوض (إلا في) هذه الأجناس الثلاثة قال الخطابي: والرواية الصحيحة بالفتح (خف) أي ذي خف (أو حافر) أي ذي حافر يعني الإبل والفرس (أو نصل) أي سهم فلا يستحق سبق إلا في هذه الأشياء وما في معناها والخف للإبل والحافر للخيل فكنى ببعض أعضائها عنها وهذا على حذف أي ذو خف وذو وذو وقوله لا سبق بالنفي العام الذي بمعنى النهي يدل على حصر السبق في هذه الأشياء لكن يلحق بها ما في معناها كما تقرر ولا خلاف في جواز الرهان على المسابقة بغير عوض وكذا به لكن بشروط مبينة وفيه جواز المسابقة على الفيل لأنه ذو خف وهو الأصح عند الشافعية خلافا لأبي حنيفة وأحمد
(حم عن أبي هريرة) ورواه عنه الشافعي والحاكم وصححه(6/427)
9889 - (لا سمر) بفتح الميم من المسامرة الحديث بالليل وقيل بسكونها مصدر وأصل السمر ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه (إلا لمصل أو مسافر)
(حم) من حديث خيثمة عن رجل (عن ابن مسعود) وقال مرة عن خيثمة عن ابن مسعود بإسقاط رجل رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات(6/427)
9890 - (لا شفعة إلا في دار أو عقار) هو كسلام كل ملك ثابت له أصل كدار ونخل وفيه رد على من أثبتها في غير عقار كالأشجار والثمار
(هق عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: إسناده ضعيف وأقره الذهبي عنه ورواه البزار عن جابر قال ابن حجر: بسند جيد اه. وبه يعرف أن المصنف لم يصب حيث اقتصر على الطريق الضعيفة وأهمل الجيدة(6/427)
9891 - (لا شيء أغير) بالرفع خبر لا أفعل تفضيل من الغيرة (من الله تعالى) أي لا شيء أزجر منه على ما لا يرضاه وأصل ذلك أن المرء إذا وجد ما يكرهه أو يسره تغيرت حاله إلى مكروه أو محبوب فضرب مثلا لتغير الحال بعلم [ص:428] المكروه فسمى الوعيد قبل والجزاء بعد غيرة وقوله شيء اسم من أسمائه التي لا يختص بها فكل موجود شيء وهو سبحانه شيء لا كالأشياء يسمى به في التعريف ولا يسمى به في الابتهال {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} ولا يسمى بشخص لأن حقيقة المماثل من الأجسام التي تشغل الحيز وتستقر بالمكان ويحجب ما وراءه عن العيان وذلك كله محال عليه معنى ممنوع تسميته شرعا وما وقع من ذلك في خبر ابن عمرو لا يعول عليه وبقية الحديث ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " غيرة على عبده أن يقع فيما يضره وشرع عليها أعظم العقوبات وذلك أشرف الغيرة سمع الشبلي قارئا يقرأ {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} قال: أتدرون ما هذا الحجاب هذا حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله يعني أنه سبحانه لم يجعل الكفار أهلا لمعرفته ومن غيرة الله أن العبد يفتح له باب من الصفاء والأنس فيطمئن إليه ويلتذ به ويشغله عن المقصود فيغار عليه فيرده إليه بالفقر والذل ويشهده غاية فقره وإعدامه وأنه ليس معه من نفسه شيء فتعود عزة ذلك الأنس والصفاء ذلة ومسكنة وذرة من هذا أنفع للعبد من الجبال الرواسي من ذلك الصفاء والأنس المجرد عن شهود اليقين
(حم ق عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق(6/427)
9892 - (لا صرورة) بفتح الصاد وضم الراء الأولى وفتح الثانية أي لا تبتل (في الإسلام) لأنه من فعل الرهبان أو لا يترك الإنسان الحج فإنه من أركان الإسلام وأصله من الصر وهو الحبس يعني لا ينبغي أن يكون في الإسلام أحد يستطيع التزوج ولا يتزوج أو الحج ولا يحج فعبر عنه بهذه العبارة تشديدا وتغليظا: وقال القاضي: الصرورة من انقطع عن النكاح وسلك سبيل الرهبانية وأصلها أن الرجل إذا ارتكب جريمة لجأ إلى الكعبة وكان في أمان الله ما دام فيها فيقال له صرورة ثم اتسع فيها فاستعمل لكل متعبد معتزل عن النساء ويقال الصرورة الذي لم يحج وهو المنع كأنه أبى أن يحج ومنع نفسه عن الإتيان به وظاهر هذا يدل على أن تارك الحج غير مسلم والمراد به أنه لا ينبغي أن يكون في الإسلام أحد يستطيع الحج لا يحج فعبر عنه بهذه العبارة تشديدا وتغليظا اه
(حم د ك) في الحج (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي واغتر به المصنف فرمز لصحته وهو غير مسلم فإن فيه كما قاله جمع منهم الصدر المناوي عمر بن عطاء وهو ضعيف واه وقال ابن المديني: كذاب(6/428)
9893 - (لا صلاة) أي صحيحة لأن صيغة النفي إذا دخلت على فعل في لفظ الشارع إنما تحمل على نفي الفعل الشرعي لا الوجودي (بعد) فعل (الصبح) أي صلاته (حتى ترتفع) وفي رواية حتى تشرق (الشمس) كرمح كما في أخبار أخر (ولا صلاة) صحيحة (بعد) فعل العصر أي صلاتها (حتى تغرب) أي يسقط جميع القرص ولفظ الشمس ساقط وفي بعض الروايات فعلم مما قررته أن الكراهة بعدهما متعلقة بالفعل في وقتيهما فلو صلاهما قضاء في وقت آخر لم تكره الصلاة بعدهما قال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهية أي وهي كراهة تحريم لا تنزيه على الأصح واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في نفل له سبب كتحية وعيد وكسوف وجنازة وقضاء فائتة فذهب الشافعي إلى الجواز بلا كراهة وأدخله أبو حنيفة في عموم النهي اه ونوزع في دعوى الإجماع وقال البيضاوي: اختلف في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغرب والاستواء فذهب داود إلى الجواز مطلقا حملا للنهي على التنزيه وجوز الشافعي الفرض وما له سبب وحرم أبو حنيفة الكل إلا عصر يومه وحرم مالك النفل دون الفرض ووافقه أحمد إلا ركعتي الطواف اه وهذا الحديث صريح أو كالصريح في تعميم الكراهة في وقت العصر من فعلها إلى الغروب وهو ما عليه الجمهور واستشكل بما في البخاري عن معاوية وأبي داود عن علي [ص:429] بإسناد صحيح لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة وأجيب بأن الحديث الأول أصح بل متواتر كما يأتي وتقدم
(ق ن هـ) في الصلاة (عن أبي سعيد) الخدري (حم د هـ عن عمر) بن الخطاب ورواه أحمد من حديث قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عمر أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول فذكره قال المصنف: وهذا متواتر وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ورد من رواية جمع من الصحابة تزيد على العشرين ورواه الدارقطني عن أبي ذر وزاد في آخره إلا بمكة أي فلا يكره فيها فهو مستثنى من حديث أبي سعيد وعمر لشرف الحرم(6/428)
9894 - (لا صلاة لمن لم يقرأ) فيها (بفاتحة الكتاب) أي لا صلاة كائنة لمن لم يقرأ فيها وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة هذا هو الأصل بخلاف لا صلاة لجار المسجد ولا صلاة لآبق ونحو ذلك فإن قيام الدليل على الصحة أوجب كون المراد كونا خاصا أي كاملة فعلية يكون من حذف الخبر لا من وقوع الجار والمجرور خبرا والشافعية يثبتون ركنية الفاتحة وعلى معنى الوجوب عند الحنفية فإنهم لا يقولون بوجوبها قطعا بل ظنا لكنهم لا يخصون الفرضية والركنية بالقطعي فيتعين قراءتها عندهم فتبطل الصلاة بتركها ولا يقوم غيرها مقامها وعند الحنفية أنها مع الوجوب ليست شرطا للصحة بل الفرض قراءة ما تيسر من القرآن لآية {فاقرؤوا ما تيسر منه} وقوله لا صلاة إلا بالفاتحة أو غيره {وإنه لفي زبر الأولين} وأجيب عن الأول بأن المراد الفاتحة أو من لا يعرفها جمعا وإلا لزم النسخ والمجاز والتعبد أولى منه وعن الثاني بأن راويه مطعون فيه وأن قوله أو غيرها أدناه وعن الثالث بأنه مجاز والمأمور به القراءة حقا اه وإذا قلنا بوجوبها فعجز عنها أتى بسبع آيات فإن عجز فذكر بعدد حروفها خلافا لمالك قياسا على الصوم وتمسكا بأن من كان معه شيء من القرآن فليقرأ وإلا فليسم الله ورد الأول بالفرق والثاني بأنه لبيان إثبات ما قدر ثم هذا الحديث ليس فيه إلا وجوب قراءتها وأما تعينها في كل ركعة فعلم من دليل آخر
<تنبيه> قال ابن القيم في البدائع: قولهم قرأت الكتاب يتعدى بنفسه وأما قرأت بأم القرآن وحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ففيه نكتة بديعة قل من يفطن لها هي أن الفعل إذا عدى بنفسه فقلت قراءة سورة كذا اقتضى اقتصارك عليها تخصيصا بالذكر إذا عدى بالباء فمعناه لا صلاة لمن لم يأت بهذه السورة في قراءته أو في صلاة في جملة ما يقرأ به وهذا لا يعطى الاقتصار عليها بل يشعر بقراءة غيرها معها
<تنبيه> قال ابن عربي: شرعت المناجاة بالكلام الإلهي في القيام في الصلاة دون غيره من أحواله للاشتراك في القيومية من كون العبد قائما في الصلاة والله قائم على كل نفس بما كسبت فما للعبد ما دام قائما حديث إلا مع ربه فإن قيل الرفع من الركوع قيام ولا قراءة فيه قلنا إنما شرع للفصل بينه وبين السجود فلا يسجد إلا من قيام فلو سجد من ركوع كان خضوعا من خضوع ولا يصح خضوع من خضوع لأنه عين الخروج عما يوصف بالدخول فيه فيكون لا خضوع مثل عدم العدم ومن ثم فصل بين السجدتين برفع ليفصل بين حال الخضوع ونقيضه ولهذا كانت الملوك يحيون بالانحناء وهو الركوع أو بوضع الوجه بالأرض وهو السجود وإذا تواجهوا وأثنوا عليهم قام المتكلم أو المثني بين يديه فلا يكلمه في غير حال القيام
(حم ق 4) في الصلاة (عن عبادة) بن الصامت(6/429)
9895 - (لا صلاة) صحيحة (لمن لا وضوء له) وفي لفظ لا صلاة إلا بوضوء (ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي لا وضوء كاملا لمن لم يسم الله أوله فالتسمية أوله مستحبة عند الشافعية والحنفية وأوجبها أحمد في رواية تمسكا بظاهر هذا الحديث قال القاضي البيضاوي: هذه الصيغة حقيقة في نفي الشيء وتطلق مجازا على نفي الاعتداد به لعدم صحته نحو [ص:430] لا صلاة إلا بطهور أو كماله نحو لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد والأول أشيع وأقرب إلى الحقيقة فيجب المصير إليه ما لم يمنع مانع وهنا محمول على نفي الكلام خلافا لأهل الظاهر لخبر من توضأ فذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله كان طهورا لأعضاء وضوئه أو لم يرد به الطهور عن الحدث فإنه لا يتجزأ بل الطهور عن الذنوب اه وقال ابن حجر: يعارض هذا الخبر خبر المسيء صلاته إذا قمت فتوضأ كما أمرك الله الحديث لم يذكر التسمية وخبر أبي داود وغيره أنه لم يرد السلام على من سلم عليه وهو يتوضأ فلما فرغ قال: لم يمنعني إلا أني كنت على غير وضوء فإذا امتنع من ذكر الله قبل الوضوء فكيف يوجب التسمية حينئذ وهو من ذكر الله اه وهذا الحديث رواه أيضا الدارقطني باللفظ المزبور وزاد فيه ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولا يؤمن بي من لم يحب الأنصار اه بنصه ورواه الطبراني بلفظه وزاد ولا صلاة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار
(حم د هـ ك) من طريق يعقوب بن سلمة (عن أبي هريرة) وقال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن إسناده فيه لين وقال المنذري: صححه الحاكم وليس كما قال فهم رووه كلهم عن يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة وقد قال البخاري وغيره: لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب سماع من أبيه وأبو سلمة لا يعرف فالصحة من أين وقال ابن حجر: ظن الحاكم أن يعقوب هو الماجشون فصحح على شرط مسلم فوهم ويعقوب بن سلمة هو الليثي مجهول الحال اه. وقال ابن الهمام بعد ما عزاه لأبي داود: ضعف بالانقطاع وبقول أحمد لا أعلم في التسمية حديثا ثابتا
(هـ عن سعيد ابن زيد) هذا حديث اختلف في تحسينه وتضعيفه فمن ظاهر كلامه تحسينه البخاري فإنه أجاب الترمذي حين سأله عنه بأنه أحسن شيء في هذا الباب وقال جمع منهم ابن القطان: بل هو ضعيف جدا فيه ثلاثة مجاهيل وقال ابن الجوزي: حديث غير ثابت وانتصر مغلطاي للأول(6/429)
9896 - (لا صلاة بحضرة طعام) نفي بمعنى النهي أي لا يصلي أحد بحضرة طعام وورد بهذا اللفظ في صحيح ابن حبان (ولا وهو يدافعه الأخبثان) بمثلثة البول والغائط فتكره الصلاة تنزيها بحضرة طعام يتوق إليه وبمدافعة الأخبثين أي أو أحدهما لما في ذلك من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع فيؤخر ليأكل ويفرغ نفسه وفيه تقديم فضيلة حضور القلب على فضيلة أول الوقت وأما خبر لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره فمعلول وبفرض صحته يحمل على من لم يشغل قلبه بذلك جمعا بين الدليلين وألحق بحضور الطعام قرب حضوره والنفس تتوق إليه وبمدافعة الأخبثين ما في معناهما من كل ما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع كما ألحق بالغضب في خبر لا يقضى القاضي وهو غضبان ما في معناه من نحو جوع وعطش شديد وغم وفرح ومحل الكراهة إذا اتسع الوقت وإلا وجبت الصلاة بحاله ومتى صلى مع الكراهة صحت صلاته عند الجمهور لكن يندب إعادتها وقال أهل الظاهر بوجوبها لظاهر الحديث والجمهور قالوا معنى لا صلاة أي كاملة
<تنبيه> قال الأشرفي: هذا الحديث بهذا التركيب لا أتحققه قال الطيبي: وقد يقال لا الأولى لنفي الجنس وبحضرة طعام خبرها ولا الثانية زائدة للتأكيد والواو عطف جملة على جملة وقوله هو مبتدأ ويدافعه خبر وفيه حذف تقديره ولا صلاة حين يدافعه الأخبثان فيهما يعني الرجل يدفع الأخبثين حتى يؤدي الصلاة والأخبثان يدفعانه ويجوز حمل المدافعة على الدفع مبالغة ويجوز حذف اسم لا الثانية وخبرها وقوله وهو يدافعه حال أي لا صلاة للمصلي وهو يدافعه الأخبثان
(د) في الصلاة (عن عائشة) ظاهر صنيع المؤلف أن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وهو ذهول فقد خرجاه معا عنهما باللفظ المزبور(6/430)
9897 - (لا صلاة) أي كاملة (لملتفت) بوجهه وهو في الصلاة بلا حاجة قال في فتح القدير: وحد الالتفات المكروه [ص:431] أن يلوي عنقه حتى يخرج عن مواجهة القبلة اه. أما الالتفات بصدره فمبطل للصلاة وأما بوجهه فقط لحاجة فجائز بلا كراهة لوروده من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم كما مر
(طب عن) يوسف بن (عبد الله بن سلام) بالتخفيف قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: حديث مضطرب لا يثبت اه. وفيه الصلت بن مهران قال في الميزان عن ابن القطان: مجهول الحال وأورد له هذا الخبر ثم قال: لا يثبت وقال الهيثمي: فيه الصلت ضعفه الأزدي وقال عبد الحق: هذا غير ثابت قال في المنار: ولم يبين علته وهو من الأحاديث المنقطعة ورجاله مجهولون ومع ذلك اضطربوا فيه ومثل هذا لا يلتفت إليه ولا ينبغي لمن يذكره طي إسناده وهو عدم اه(6/430)
9898 - (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) أخذ بظاهره أحمد ورد بأنه محمول على نفي الكمال لا الصحة لمقتضى اقتضاه قال ابن الدهان في العزة: هذا الحديث قرره جمع بكامله وهو نقض لما أصلناه من الصفة لا يجوز حذفها والتقدير عندي لا كمال صلاة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اه. وقد تمسك بظاهره الظاهرية على أن الجماعة واجبة ولا حجة فيه بفرض صحته لأن النفي المضاف إلى الأعيان يحتمل أن يراد به نفي الإجزاء ويحتمل نفي الكمال وعند الاحتمال يسقط الاستدلال
(قط) عن أبي مخلد عن جنيد بن حكيم عن أبي السكين الطائي عن محمد بن السكين عن عبد الله بن كثير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر (عن جابر) بن عبد الله وقال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن المذكر عن محمد بن سعيد بن غالب العطار عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن داود اليماني عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم قوما في الصلاة فقال: ما خلفكم قالوا: لحا كان بيننا فذكره ثم قال الدارقطني: إسناده ضعيف وقال في المهذب: فيه سليمان اليماني ضعفوه وقال عبد الحق: هذا حديث ضعيف قال ابن القطان: وهو كما قال في الميزان في موضع قال الدارقطني: حديث مضطرب وفي موضع: منكر ضعيف وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: هذا حديث مشهور بين الناس وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت وفي الباب عن علي وهو ضعيف أيضا وفي تخريج الهداية بعد ما عزاه للدارقطني فيه سليمان بن داود اليمامي أبو الجمل وهو ضعيف ومحمد بن سكين ضعيف ورواه ابن حبان عن عائشة وفيه عمر بن راشد يضع الحديث وهو عند الشافعي عن علي وزاد وجار المسجد من أسمعه المنادي ورجاله ثقات إلى هنا كلامه وقال الزركشي: رواه الدارقطني وقيل لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عبد الحق أن رواته ثقات وبالجملة هو مأثور عن علي ومن شواهده حديث الشيخين " من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر "(6/431)
9899 - (لا ضرر) أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه (ولا ضرار) فعال بكسر أوله أي لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو فالضرر فعل واحد والضرار فعل اثنين أو الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه والأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل وقال الحرالي: الضر بالفتح والضم ما يؤلم الظاهر من الجسم وما يتصل بمحسوسه في مقابلة الأذى وهو إيلام النفس وما يتصل بأحوالها وتشعر الضمة في الضر بأنه عن قهر وعلو والفتحة بأنه ما يكون من مماثل أو نحوه اه. وفيه تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل لأن النكرة في سياق النفي تعم وفيه حذف أصله لا لحوق أو إلحاق أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد في ديننا أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص وقيد النفي بالشرع لأنه بحكم القدر الإلهي لا ينبغي وأخذ منه الشافعية أن للجار منع جاره من وضع جذعه على جداره وإن احتاج وخالف أحمد تمسكا بخبر لا يمنع أحد جاره أن يضع خشبته على جداره ومنعه الشافعية بأن فيه جابر الجعفي ضعفوه وبفرض صحته [ص:432] فقد قال ابن جرير: هو وإن كان ظاهره الأمر لكن معناه الإباحة والإطلاق بدليل هذا الخبر وخبر إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
(حم هـ عن ابن عباس) قال: قضى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ضرر ولا ضرار قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال النووي في الأذكار: هو حسن (هـ عن عبادة) بن الصامت رمز لحسنه قال الذهبي: حديث لم يصح وقال ابن حجر: فيه انقطاع قال: وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من وجه آخر أقوى منه اه. ورواه الحاكم والدارقطني عن أبي سعيد وزاد من ضر ضره الله ومن شق شاق الله عليه اه وفيه عثمان بن محمد بن عثمان لينه عبد الحق والحديث حسنه النووي في الأربعين قال: ورواه مالك مرسلا وله طرق يقوي بعضها بعضا وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به(6/431)
9900 - (لا ضمان على مؤتمن) تمسك به الشافعية والحنابلة على أنه لا ضمان على الأجير كقصار وصباغ إذا لم يقصر وضمنه مالك
(هق) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني البيهقي: حديث ضعيف ورواه الدارقطني عن ابن عمرو من هذا الوجه وقال: عمرو بن عبد الجبار وعبيدة ضعيفان وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: هذه طريقة ضعيفة وفي تخريج الهداية: إسناده ضعيف وسبقه الذهبي فقال في التنقيح كأصله: لا يصح وفي المهذب: إنه صحيح(6/432)
9901 - (لا طاعة لمن لم يطع الله) في أوامره ونواهيه وفي رواية لأحمد أيضا لا طاعة لمن عصى الله فإذا أمر الإمام بمعصية فلا سمع ولا طاعة كما هو نص حديث البخاري أنه لا يجب ذلك بل يحرم على من قدر على الامتناع
(حم عن أنس) بن مالك رمز لصحته وقال الهيثمي: فيه عمرو بن زينب لم أعرفه وبقية رجال أحمد رجال الصحيح وقال ابن حجر: سنده قوي(6/432)
9902 - (لا طاعة لأحد) من المخلوقين كائنا من كان ولو أبا أو أما أو زوجا (في معصية الله) بل كل حق وإن عظم ساقط إذا جاء حق الله (إنما الطاعة في المعروف) أي فيما رضيه الشارع واستحسنه وهذا صريح في أنه لا طاعة في محرم فهو مقيد للأخبار المطلقة
(حم ق د ن عن علي) أمير المؤمنين(6/432)
9903 - (لا طاعة لمخلوق) صلة طاعة (في معصية الخالق) خبر لا وفيه معنى النهي يعني لا ينبغي ولا يستقيم ذلك وتخصيص ذكر المخلوق والخالق يشعر بغلبة هذا الحكم قال الزمخشري: قال مسلمة بن عبد الملك لأبي حازم: ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله تعالى {وأولى الأمر منكم} قال: أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} قال ابن الأثير: يريد طاعة ولاة الأمر إذا أمروا بما فيه إثم كقتل ونحوه وقيل معناه أن الطاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بمعصية والأول أشبه بمعنى الحديث
(حم ك عن عمران) بن الحصين (و) عن (الحكم بن عمرو الغفاري) ويقال له الحكم بن الأقرع صحابي نزل البصرة قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح ورواه البغوي عن النواس وابن حبان عن علي بلفظ لا طاعة لبشر في معصية الله وله شواهد في الصحيحين(6/432)
9904 - (لا طلاق قبل النكاح) في رواية نكاح منكرا وهو أنسب بقوله (ولا عتاق قبل ملك) الطلاق رفع قيد النكاح [ص:433] باختيار الزوج فحيث لا نكاح فلا طلاق فيكون الطلاق لغوا كالعتاق قبل الملك وبه قال الشافعية واعتبر الحنفية الطلاق قبل النكاح إذا أضيف إليه أعم أو أخص نحو كل امرأة أتزوجها فهي طالق وإن تزوجت هندا فهي طالق وأولوا الحديث بما لو خاطب أجنبية بطلاق ولم يضفه إلى النكاح قال القاضي: وهو تقييد وتخصيص للنص بما ينبو عنه ومخالفة للقياس لغير موجب قال الطيبي: والنفي وإن ورد على لفظ الطلاق والعتاق لكن المنفي محذوف أي لا وقوع طلاق قبل نكاح ولا تقرر عتاق قبل شراء وكذا يقال فيما يجيء على هذا النحو
(هـ) في الطلاق (عن المسور) بكسر الميم بن مخرمة رمز المصنف لحسنه وهو فيه تابع للحافظ ابن حجر حيث قال: سنده حسن وعليه اقتصر صاحب الإلمام لكنه اختلف فيه على الزهري فقال علي بن الحسين بن واقد عن هشام عن عروة عن المسور وقال حماد بن خالد عن هشام عن الزهري عن عروة عن عائشة اه. ورواه أبو يعلى من حديث جابر مرفوعا وزاد ولا نكاح إلا بولي قال ابن عبد الهادي: ورجاله ثقات(6/432)
9905 - (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) أي إكراه لأن المكره يغلق عليه الباب ويضيق عليه غالبا حتى يأتي بما أكره عليه فلا يقع طلاقه بشرطه عند الأئمة الثلاثة وقال أبو حنيفة يصح طلاقه دون إقراره لوجود اللفظ المعتبر من أهله في محله لكن لم يوجد الرضا بثبوت حكمه وهو غير معتبر كما في طلاق الهازل وعتقه وضعفه القاضي بأن القصد إلى اللفظ معتبر بدليل عدم اعتبار طلاق من سبق لسانه وهنا القصد إلى اللفظ من نتيجة الإكراه فيكون كالعدم بالنسبة للمكره وتفسير الإغلاق بالغضب رد بما صح عن الحبر وعائشة أنه يقع طلاقه وأفتى به جمع من الصحابة وزعم أن المعنى لا تعلق التطليقات كلها دفعة حتى لا يبقى منها شيء لكن مطلق طلاق السنة يأباه قوله ولا عتاق إذ المعنى المذكور لا يجيء في العتاق
(حم د هـ ك) كلهم في العتاق (عن عائشة) وقال الحاكم بعد ما خرجه من طريقين عنها: إنه صحيح على شرط مسلم ورده الذهبي بأن فيه من إحدى طريقيه محمد بن عبيد بن صالح لم يحتج به مسلم وضعفه أبو حاتم ومن الأخرى نعيم بن حماد صاحب مناكير اه وعمل بقضيته ابن حجر فضعف الخبر(6/433)
9906 - (لا طلاق إلا لعدة) قبلها كما في رواية مسلم في قوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} أي لاستقبالها فالمراد النهي عن إيقاعه بدعيا لتضررها بتطويل العدة عليها (ولا عتاق إلا لوجه الله) قيل أراد به النهي عن العتق حال الغضب فإنه حينئذ لا يكون صادرا عن قصد صحيح ونية صادقة يتوخى بها وجه الله تعالى قال القاضي: وهو كما ترى اه وقال ابن حجر: أراد بذلك اختيار النية لأنه لا يظهر كونه لوجه الله تعالى إلا مع القصد وفيه رد على زعم أن من أعتق عبده لوجه الله أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الاعتاق والزيادة على ذلك لا تخل بالعتق
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه أحمد بن سعيد بن فرقد وهو ضعيف(6/433)
9907 - (لا عدوى) أي لا سراية لعلة من صاحبها لغيره يعني أن ما يعتقده الطبائعيون من أن العلل المعدية مؤثرة لا محالة باطل بل هو متعلق بالمشيئة الربانية والنهي عن مداناة المجذوم من قبيل اتقاء الجدار المائل والسفينة المعيبة (ولا صفر) بفتحتين وهو تأخير المحرم إلى صفر في النسيء أو دابة بالبطن تعدى عند العرب. قال البيضاوي: ويحتمل أن يكون نفيا لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي والفتن (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح وحكى أبو زيد تشديدها دابة تخرج من رأس القتيل أو تتولد من دمه فلا تزال تصيح حتى يؤخذ بثأره كذا تزعم العرب فأكذبهم الشارع قال القرطبي: ولا ينافيه خبر: لا يورد ممرض على مصح لأنه إنما نهى عنه خوف الوقوع في اعتقاد ذلك [ص:434] أو تشويش النفس وتأثير الوهم فينبغي تجنب طرق الأوهام فإنها قد تجلب الآلام وبهذا الجمع سقط التعارض بين الحديثين وعلم أنه لا دخل للنسخ هنا فإنهما خبران عن أمرين مختلفين لا متعارضين قال ابن رجب: المشروع عند وجود الأسباب المكروهة الاشتغال بما يرجى به دفع العذاب من أعمال الطاعة والدعاء وتحقيق التوكل والثقة بالله قال بعض الحكماء: صحيح الأصوات في هياكل العبادات بأفنان اللغات محلل ما عقدته الأفلاك الدائرات أي على زعمهم
<تنبيه> قال ابن مالك في شرح التسهيل: أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا مع إلا نحو لا إله إلا الله ومن حذفه دون إلا نحو لا ضرر ولا ضرار ولا عدوى ولا طيرة
(حم ق) في الطب (عن أبي هريرة حم م عن السائب) ابن يزيد ابن أخت عمران وفي مسلم عن أبي هريرة أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا عدوى ولا صفر ولا هام ويحدث عنه أيضا أنه قال لا يورد ممرض على مصح قال الحارث بن أبي ذئاب وهو ابن عم أبي هريرة فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر(6/433)
9908 - (لا عدوى ولا طيرة) بكسر ففتح من التطير التشاؤم بالطيور (ولا هامة ولا صفر ولا غول) هو بالفتح مصدر معناه البعد والهلاك وبالضم الاسم وهو من السعالى وجمعه أغوال وغيلان كانوا يزعمون أن الغيلان في الفلاة وهر من جنس الشياطين تتراءى للناس وتتغول أي تتلون فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطل ذلك وقيل إنما أبطل ما زعموه من تلونه لا وجوده ومعنى لا غول أي لا يستطيع أحد إضلال أحد قال القاضي: والمراد بقوله لا عدوى إلخ أن مصاحبة المعلول ومؤاكلته لا توجب حصول تلك العلة ولا تؤثر فيها لتخلفه عن ذلك طردا وعكسا لكنها تكون من الأسباب المقدرة التي تعلقت المشيئة بترتب العلة عليها بالنسبة إلى بعض الأبدان إحداث الله تعالى فعلى العاقل التحرز عنها ما أمكن بتحرزه عن الأطعمة الضارة والأشياء المخوفة والطيرة التفاؤل بالطير وكانوا يتفاءلون بأسمائها وأصواتها والهامة الصداء وهو طائر كبير يضعف بصره بالنهار ويطير بالليل ويصوت فيه ويقال له يوم والناس يتشاءمون بصوته ومن زعمات العرب أن روح القتيل الذي لا يدرك ثاره تصير هامة فتبدوا وتقول اسقوني فإذا أدرك ثأره طارت وقوله لا غول يحتمل أن المراد به نفيه رأسا وأن المراد نفيه على الوجه الذي يزعمونه فإنهم يقولون هو ضرب من الجن يتشخصون لمن يمشي وحده في ملاة أو في الليلة الليلاء ويمشي قدامه فيظن الماشي خلفه أنه إنسان فيتبعه فيوقعه في الهلاك اه. وقال الطيبي: لا التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات ونفت ذواتها وهي غير منفية فيوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة الشرع فإن العدوى وصفر والهامة موجودة والمنفي هو ما زعمت الجاهلية لا إثباتها فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ في باب الكناية
(حم م عن جابر) بن عبد الله(6/434)
9909 - (لا عقر في الإسلام) قال ابن الأثير: هذا نفي للعادة الجاهلية وتحذير منها كانوا في الجاهلية يعقرون الإبل أي ينحرونها على قبور الموتى ويقولون صاحب القبر كان يعقرها للأضياف في حياته فيكافأ بصنيعه بعد موته. قال المجد ابن تيمية: وكره الإمام أحمد أكل لحمه قال: قال أصحابنا وفي معناه ما يفعله كثير من التصدق عند القبر بنحو خبز اه وأصل العقر ضرب قوائم البعير والشاة بالسيف وهو قائم
(د عن أنس) بن مالك سنده رمز المصنف لحسنه(6/434)
9910 - (لا عقل كالتدبير) قال الطيبي: أراد بالتدبير العقل المطبوع وقال القيصري: هو خاطر الروح العقلي وهو خاطر التدبير لأمر المملكة الإنسانية فالنظر في جميع الخواطر الواردة عليه من جميع الجهات ومنه تؤخذ الفهوم والعلوم [ص:435] الربانية وهذا الشخص هو الملك وإليه يرجع أمور المملكة كلها فيختار ما أمره الشرع أن يختار ويترك ما أمره الشرع أن يتركه ويستحسن ما أمره الشرع أن يستحسنه ويستقبح ما أمره أن يستقبحه وصفة خاطر هذا الملك التثبت والنظر في جميع ما يرد عليه من الخواطر فينفذ منها ما يجب تنفيذه ويرد ما يجب رده وخواطر هذا الجوهر الشريف وإن كثرت ترجع إلى ثلاثة أنواع الأمر بالتنزه عن دني الأخلاق والأعمال والأحوال ظاهرا وباطنا والأمر بالاتصاف بمحاسن الأخلاق والأعمال والأحوال وأعاليها كذلك والأمر بإعطاء جميع أهل مملكته حقوقهم وتنفيذ الأحكام الشرعية فيهم (ولا ورع كالكف) الورع في الأصل الكف ويقال ورع الرجل يرع بالكسر فيهما فهو ورع ثم استعير للكف عن المحارم فإن قيل فعليه الورع هو الكف فكيف يقال الورع كالكف قلنا الكف إذا أطلق فهم منه كف الأذى أو كف اللسان كما في خبر خذ عليك هذا وأخذ بلسانه فكأنه قيل لا ورع كالصمت أو كالكف عن أذى الناس (ولا حسب كحسن الخلق) أي لا مكارم مكتسبة كحسن الخلق مع الخلق فالأول عام والثاني خاص وأخرج في الشعب عن علي كرم الله وجهه التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين والعقل خير صاحب والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب قالوا وذا من جوامع الكلم
(هـ) وكذا ابن حبان والبيهقي في الشعب (عن أبي ذر) وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال أبو حاتم: غير ثقة ونقل ابن الجوزي عن أبي زرعة أنه كذاب وأورده في الميزان في ترجمة صخر بن محمد المنقري من حديثه وقال: قال ابن طاهر: كذاب وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بالبواطيل فمنها هذا الخبر(6/434)
9911 - (لا غرار) بغين معجمة وراءين (في صلاة ولا تسليم) قال الزمخشري: الغرار النقصان من غارت الناقة نقص لبنها ورجل مغار الكف إذا كان بخيلا وللسوق درة وغرار أي نفاق وكساد وغرار الصلاة أن لا تقيم أركانها معدلة كاملة وفي التسليم أن يقول السلام عليك إذا سلم وأن يقتصر في رد السلام علي وعليك ومن روى ولا تسليم فعطفه عن لا غرار فمعناه لا نوم فيها ولا سلام إلى هنا كلامه
(حم د ك) في الصلاة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم ورواه معاوية بن هشام عن النوري وشك في رفعه(6/435)
9912 - (لا غصب) بصاد مهملة بضبط المصنف (ولا نهبة) أي لا يجوز ذلك في الإسلام
(طب عن عمرو بن عوف) الأنصاري البدوي ويقال له عمير(6/435)
9913 - (لا غول) بضم الغين المعجمة أي لا وجود له أو لا يضر تلونه
(د عن أبي هريرة) وفيه ابن عجلان وقد مر(6/435)
9914 - (لا فرع) بغاء وراء وعين مهملتين مفتوحات وهو أول نتاج ينتج كانت الجاهلية تذبحه لطواغيتها فقال ابن حجر: أي لا فرع واجب (ولا عتيرة) واجبة قاله الشافعي فلا ينافي الأمر بالعتيرة في أخبار كثيرة وقال غيره: هي النسيكة التي تعتر أي تذبح في رجب تعظيما له لكونه أول الأشهر الحرم ثم إن النهي مخصوص بما يذبح لذلك مرادا به الأصنام أما ما تجرد عن ذلك فمباح بل مندوب عند الشافعي بل إن سهل كل شهر فأفضل
(حم ق 4 عن أبي هريرة)(6/435)
9915 - (لا قطع في ثمر) بفتح المثلثة والميم أي ما كان معلقا في النخل قبل أن يجز ويحرز (ولا كثر) محركا جمار النخل [ص:436] وهو شحمه الذي يخرج منه الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارا وكثرا لأنه أصل الكوافير وحيث تجتمع وتكثر ذكره الزمخشري وقال ابن الأثير: الثمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار اه. لكن يناقضه أنه فسره في رواية النسائي بالحمام فقال: والكثر الحمام وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته إلا ما أواه الجرين هكذا هو ثابت في الترمذي وغيره فبين بالحديث الحالة التي يجب فيها القطع وهي حالة كون المال في حرز فلا قطع على من سرق من غير حرز قال القرطبي بالإجماع إلا ما شذ به الحسن وأهل الظاهر. وقال ابن العربي: قد اتفقت الأمة على أن شرط القطع أن يكون المسروق محرزا يحرز مثله ممنوعا من الوصول إليه بمانع اه. لكن أخذ بعمومه فلم يقطعوا في فاكهة رطبة ولو محرزة وقاسوا عليه الأطعمة الرطبة التي لا تدخر قال ابن العربي: وليس مقصود الحديث ما ذهبوا إليه بدليل قوله إلا ما أواه الجرين فبين أن العلة كونه في غير حرز له غير المحرزة(6/435)
5 - (حم 4) في باب الصدقة (حب) كلهم (عن رافع بن خديج) مرفوعا ورواه أيضا مالك والبيهقي قال ابن العربي: وإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه وقال ابن حجر: اختلف في وصله وإرساله وقال الطحاوي: تلقت الأئمة متنه بالقبول ثم قال ابن حجر: وفي الباب أبو هريرة عند ابن ماجه بسند صحيح(6/436)
9916 - (لا قطع في زمن المجاعة) أي في السرقة في زمن القحط والجدب لأنه حالة ضرورة
(خط عن أبي أمامة)(6/436)
9917 - (لا قليل من أذى الجار) أي لا بد من قليل من أذى الجار كذا في الفردوس
(طب حل عن أم سلمة) قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات(6/436)
9918 - (لا قود إلا بالسيف) وفي رواية للدارقطني إلا بالسلاح وقد تمسك بهذا الكوفيون إلى ما ذهبوا إليه مخالفين للجمهور أن المقتول إذ قتل بكعصى أو حجر لا يقتل بما قتل به بل بالسيف ورده الجمهور بأنه حديث ضعيف وبفرض ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه وبالنهي عن المثلة وهو صحيح لكنه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص جمعا بين الدليلين وهذا مستثنى من اعتبار المساواة في القود فمن قتل بالسحر قتل بالسيف إجماعا وكذا بنحو خمر ولواط
(هـ عن أبي بكرة) قال أبو حاتم: حديث منكر وأعله البيهقي بمبارك بن فضالة رواه عن الحسن عن أبي بكرة (وعن النعمان بن بشير) وسنده أيضا ضعيف قال عبد الحق وابن عدي وابن الجوزي: طرقه كلها ضعيفة والبيهقي: لم يثبت له إسنادا وأبو حاتم: حديث منكر والبزار: أحسبه خطأ وقال ابن حجر: رواه ابن ماجه والبزار والبيهقي والطحاوي والطبراني وألفاظهم مختلفة وإسناده ضعيف ورواه الدارقطني عن أبي هريرة وفيه سليمان بن أرقم متروك(6/436)
9919 - (لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة (1)) لعدم انضباطها ففي المأمومة ثلث الدية والجائفة نصف عشر دية صاحبها والمنقلة عشر فإن أوضحت فخمسة عشر
(هـ عن العباس) رمز المصنف لحسنه وهو زلل ففيه أبو كريب الأزدي مجهول ورشدين بن سعد وقد مر ضعفه غير مرة
_________
(1) المنقلة: بضم الميم وفتح النون وتشديد القاف مكسورة ومفتوحة: وهي الشجة التي تخرج منها العظام كما في المصباح(6/436)
9920 - (لا كبيرة مع الاستغفار) أي طلب مغفرة الذنب من الله والندم على ما فرط منه والمراد أن التوبة الصحيحة تمحو [ص:437] أثر الخطيئة وإن كانت كبيرة حتى كأنها لم تكن فيلتحق بمن لم يرتكبها والثوب المغسول كالذي لم يتوسخ أصلا قال الغزالي: فالتوبة بشروطها مقبولة ماحية لا محالة قال: فمن توهم أن التوبة تصح ولا تقبل كمن توهم أن الشمس تطلع والظلام لا يزول (ولا صغيرة مع الإصرار) فإنها بالمواظبة تعظم فتصير كبيرة فكبيرة واحدة تتصرم ولا يتبعها مثلها العفو منها أرجى من صغيرة يواظب عليها ألا ترى أنه لو وقعت قطرات ماء على حجر متوالية أثرت فيه وإن صب كثير منه دفعة لم يؤثر
(فر) وكذا القضاعي (عن ابن عباس) قال ابن طاهر: وفيه أبو شيبة الخراساني قال البخاري: لا يتابع على حديثه ورواه ابن شاهين باللفظ المزبور عن أبي هريرة وكذا الطبراني في مسند الشاميين(6/436)
9921 - (لا كفالة في حد) قال في الفردوس: الكفالة الضمان يقال هو ضامن وكفيل فمن وجب عليه حد فضمنه عنه غيره فيه لم يصح
(عد هق عن ابن عمرو) بن العاص وهو ما بيض له الديلمي(6/437)
9922 - (لا نذر في معصية) أي لا وفاء في نذر معصية ولا صحة له ولا عبرة به ولا العقاد له فإن نذر أحد فيها لم يجز له فعلها وعليه الكفارة (وكفارته كفارة يمين) أي مثل كفارته وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي ومالك لا ينعقد نذره ولا كفارة عليه
(حم 4) من حديث الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (عن عائشة) قال الترمذي: وهذا حديث لا يصح قال الزهري: لم يسمعه من أبي سلمة قال غيره وإنما سمعه من سليمان بن أرقم وهو متروك قال ابن حجر في الفتح: رواته ثقات لكنه معلول وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصح لكن له شاهد نبه عليه المؤلف بقوله (ن) من طريقين (عن عمران بن حصين) قال الحافظ العراقي: وفيه اضطراب من طريقيه ثم بينه قال: وقال النسائي بعد ذكر حديث عمران: هذا حديث محمد بن الزبير أي أحد رجاله ضعيف لا يقوم بمثله الحجة وكذا ضعفه ابن معين والبخاري وأبو حاتم اه وقال ابن حجر: خرجه النسائي وضعفه وفي الروضة هو ضعيف باتفاق المحدثين لكن تعقب ابن حجر دعواه الاتفاق بقول من ذكر(6/437)
9923 - (لا نعلم شيئا خيرا من ألف مثله إلا الرجل المؤمن)
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه قال الهيثمي: مداره على أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف(6/437)
9924 - (لا نكاح إلا بولي) أي لا صحة له إلا بعقد ولي فلا تزوج امرأة نفسها فإن فعلت فهو باطل وإن أذن وليها عند الشافعي كالجمهور خلافا للحنفية وتخصيصهم الخبر بنكاح الصغيرة والمجنونة والأمة خلاف الظاهر ذكره البيضاوي والجمهور على أن الحديث لا إجمال فيه وقول الباقلاني: هو مجمل إذ لا يصح النفي لنكاح بدون ولي مع وجوده حسا فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين الصحة والكمال ولا مرجح فكان مجملا منع بأن المرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات إذا ما انتفت صحته لا يعتد به فيكون كالعدم بخلاف ما انتفى كماله
(حم 4) في النكاح (ك) في النكاح (عن أبي موسى) الأشعري (هـ) في النكاح (عن ابن عباس) ورواه أيضا ابن حبان وغيره وأطال الحاكم في تخريج طرقه ثم قال: وفي الباب عن علي ثم عد ثلاثين صحابيا وقد أفرد الدمياطي طرقه بتأليف قال المصنف: وهو متواتر(6/437)
9925 - (لا نكاح) صحيح وحمله على نفي كماله لكونه على صدد فسخ الأولياء لعدم الكفاءة عدول عن الظاهر من غير دليل [ص:438] وحمل الكلام على ما بعد اللفظ بالنسبة إليه كاللغز ذكره القاضي (إلا بولي وشاهدين) وفي رواية للدارقطني وشهود ومهر إلا ما كان من النبي عليه الصلاة والسلام وأخرج الطبراني في الأوسط بسند قال ابن حجر: حسن عن ابن عباس لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان
(طب عن أبي موسى) الأشعري رمز لحسنه(6/437)
9926 - (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) من إضافة الموصوف إلى صفته لأن القول من صفة الشاهد وشاهدان عدلان وشهود عدول ثم يضيفه إليها اتساعا ولما استعمل الإضافة أفرد المضاف إليه
(هق عن عمران) بن الحصين (وعن عائشة) قال الذهبي في المهذب: إسناده صحيح اه ورواه الدارقطني بهذا اللفظ عن ابن عباس وقال: رجال هذا الحديث ثقات هذه عبارته ورواه من حديث عمران بن حصين هذا وفيه بكر بن بكار قال النسائي: ليس بثقة عبد الله بن محرز قال البخاري: منكر الحديث ورواه أيضا عن ابن عمر يرفعه وفيه ثابت بن زهير قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن حجر: رواه أحمد والدارقطني والطبراني والبيهقي من حديث الحسن عن عمران وفيه عبد الله محرز متروك اه وفي شرح المنهاج للأذرعي أن ابن حبان خرجه في صحيحه بلفظ وقال: لا يصح ذكر الشاهدين إلا فيه قال الأوزاعي: وهذا يرد قول ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر اه. وبه يعرف ما في كلام الحافظ ابن حجر(6/438)
9927 - (لا هجرة بعد فتح مكة) أي لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب فهذا معجرة له فإنه إخبار بأنها تبقى دار إسلام ولا يتصور منها هجرة أو لا هجرة واجبة من مكة إلى المدينة بعد الفتح كما كانت قبله لمصيرها دار إسلام واستغناء المسلمين عن ذلك إذ كان معظم الخوف من أهله فالمراد لا هجرة بعد الفتح لمن لم يكن هاجر قبله أما الهجرة من بلاد الكفر فباقية إلى يوم القيامة وأما الهجرة المندوبة وهي الهجرة من أرض يهجر فيها المعروف ويشيع فيها المنكر أو من أرض أصاب فيها ذنبا فهي باقية وفي رواية للبخاري أيضا لا هجرة بعد الفتح قال ابن حجر: أي فتح مكة إذا عم إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب من بلدة فتحها المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين إما قادر على الهجرة لا يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فالهجرة منه واجبة وإما قادر لكنه يمكنه إظهار ذلك وأداؤه فيندب لتكثر المسلمين ومعرفتهم والراحة من رؤية المنكر وإما عاجز لنحو مرض فله الإقامة وتكلف الخروج
<تنبيه> قال الأبي: اختلف في أصول الفقه في مثل هذا التركيب يعني قوله لا هجرة بعد الفتح هل هو لنفي الحقيقة أو لنفي صفة من صفاتها كالوجوب أو غيره فإن كان لنفي الوجوب فيدل على وجوب الجهاد على الأعيان فيكون المستدرك وجوب الجهاد على الأعيان وعلى أن المعنى الحقيقي فالمعنى أن الهجرة بعد الفتح ليست بهجرة وإنما المطلوب من الجهاد الطلب الأعم من كونه على الأعيان أو كفاية والمذهب أن الجهاد الآن فرض كفاية أكبر ما لم يعين الإمام طائفة فيكون عينيا عليها وفي الحديث إشارة صوفية وذلك أنه قد مر في حديث أن الجهاد أكبر وأصغر فالأصغر جهاد العدو والأكبر جهاد النفس وهواها وحينئذ فيلزم في الهجرة أن تكون كبرى وصغرى فالصغرى ما ذكر والكبرى هجرة النفس من مألوفها وشهواتها وردها إلى الله تعالى في كل حال ولا يقدر على هذه الهجرة إلا أهل الهمم السنية والمقاصد العلية ومن كان ضعيفا لا يقدر على هذه الهجرة فلا يهمل نفسه بالكلية فإنه علامة الخسران وليأخذ نفسه بالرفق والسياسة في الجهاد والهجرة
(خ) في الحج والجهاد (عن مجاشع بن مسعود) السلمي نزيل البصرة قتل يوم الجمل مع عائشة وقضية صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ممنوع فقد رواه الجماعة كلهم إلا ابن ماجه ولفظ مسلم " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "(6/438)
[ص:439] 9928 - (لا هجر بعد ثلاث) قال ابن الأثير: يريد الهجر ضد الوصل يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة لا ما كان منه في جانب الدين كهجر أهل الأهواء والبدع فإنه مطلوب أبدا اه. فيحرم هجر المسلم فوق ثلاث ويجوز ما دونها لأن الآدمي جبل على الغضب فعفي عن الثلاث ليذهب ذلك العارض وذهب مالك والشافعي إلى أن السلام يقطع الهجر ويرفع الإثم ولو بنحو مكاتبة أو مراسلة كما أن تركه يزيد الوحشة
(حم م عن أبي هريرة)(6/439)
9929 - (لا هم إلا هم الدين) أي لا هم أشغل للقلب وأشد مؤونة على الدين والدنيا من هم دين لا يجد وفاءه ويهتم باستعداده قبل طلبه ويتحمل مؤونته في تأخيره وأشار بالحديث إلى ترك الاستدانة مهما أمكن وتعجيل قضائه إن لزمه تخفيفا للهم في دنياه (ولا وجع إلا وجع العين) لشدة قلقه ولخطره فإن العين أرق عضو مع شرفها وفيه حث على الصبر عليه لعظم الأجر وحث على عيادة الأرمد بخلاف ما تعوده العامة وقال العسكري: في هذا القول التعظيم لأمر الدين وكذا وجع العين فإن من الأوجاع ما هو أشد لكن عادة العرب إذا أرادت تعظيم شيء تنفي عنه غيره ومثله لا سيف إلا ذو الفقار
(عد) عن محمد بن يوسف الصفري عن قرين بن سهل بن قرين عن أبيه عن ابن أبي ذؤيب عن خالد عن ابن المنكدر عن جابر (هب) وكذا الطبراني وأبو نعيم في الطب كلهم من حديث قرين بن سهل عن أبيه عن أبي ذؤيب عن خالد عن ابن المنكدر (عن جابر) قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني وحده: فيه سهل بن قرين ضعيف ورواه العسكري عنه بلفظ لا غم إلا غم الدين وفيه أيضا قرين وقضية كلام المصنف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل عقباه ببيان علته فقال ابن عدي: باطل الإسناد والمتن وقال الأزدي: سهل كذاب وقال البيهقي: هو حديث منكر قال أعني البيهقي: قرين منكر الحديث وقال: ليس له غير أحاديث ثلاثة هذا منها وهي باطلة متونها وأسانيدها وقال الهيثمي كالذهبي: قرين كذبه الأزدي وأبوه لا شيء وحكم ابن الجوزي عليه بالوضع ونوزع بما لا طائل فيه(6/439)
9930 - (لا وباء مع السيف ولا نجاء مع الجراد) الرياء مرض عام وقد جرت العادة الإلهية أنه لا يجتمع مع القتال بالسيف في قطر واحد فإن وقع الوباء في قطر لا يقع السيف معه وعكسه والجراد إذا وقع بأرض لا نبات للزرع معه لأنه يجرد الأرض بأكله ما فيها فتصير جردا لا نبات فيها ولذلك سمي جرادا
(ابن صصري في أماليه عن البراء) بن عازب(6/439)
9931 - (لا وتران) هذا على لغة من ينصب المثنى بالألف فإنه لا يبنى الاسم معها على ما ينصب به فهو كقراءة من قرأ {إن هذا لساحران} (في ليلة) أي من أوتر ثم تهجد لا يعيد الوتر إذا نام ثم قام وبهذا أخذ الشافعي وهو حجة على أبي حنيفة حيث قال: يشفع بركعة واستشكاله بأن المغرب وتر وهاذ وتر فيلزم وقوع وترين في ليلة رد بأن المغرب وتر النهار وهذا وتر الليل وبأنها وتر الفروض وهذا وتر النفل
(حم 3 والضياء عن طلق) بن علي قال الترمذي: حسن قال عبد الحق: ونصححه(6/439)
9932 - (لا وصال في الصوم) أي لا جواز له ولا حل بالنسبة إلى الأمة فيحرم عند الشافعي وزعم أن مقصود النهي الرخصة للضعيف لا العزم على الصائم خلاف الظاهر
(الطيالسي) أبو داود (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لصحته ورواه عنه الديلمي أيضا(6/439)
[ص:440] 9933 - (لا وصية لوارث) لأن الغرض بذلها وزاد البيهقي وغيره إلا أن تجيز الورثة وليس المعنى نفي صحة الوصية للوارث بل نفي لزومها أي ولا صية لازمة لوارث خاص إلا بإجازة بقية الورثة إن كانوا مطلقي التصرف هب الموصى به زاد على الثلث أم لا
<تنبيه> هذا الحديث احتج به من ذهب إلى جواز نسخ القرآن بالسنة ولو آحاد فإنه ناسخ لقوله سبحانه {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} ومن ذهب إلى أنه لم يقع قط نسخ القرآن إلا بالمتواتر قال: لا نسلم عدم تواتر ذلك للمجتهدين الحاكمين بالنسخ
(قط عن جابر) بن عبد الله ظاهر صنيع المصنف أن الدارقطني لم يكن منه إلا روايته عن جابر فحسب وليس كذلك بل رواه عن جابر ثم صوب إرساله من هذا الوجه ومن حديث علي وسنده ضعيف ومن طريق ابن عباس وسنده حسن ذكره كله ابن حجر في تخريج الرافعي وقال في تخريج الهداية: في خبر الدارقطني مع إرساله ضعف اه. وقال بعده في مواضع أخر: هو ساقط وقال في موضع آخر: رجاله ثقات لكنه معلول اه ورواه البخاري معلقا وقال في تخريج المختصر: رواه الدارقطني من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا وأسانيده ظاهرة الصحة إذ المتبادر أن عطاء هو ابن أبي رباح فلو كان كذلك كان على شرط الصحيح لكن عطاء هو الخراساني وفيه ضعف ولم يسمع من ابن عباس وأخرجه سعيد بن منصور عن عمرو بن دينار مرفوعا وهو مرسل رجاله رجال الصحيح وإذا انضم بعض طرقه لبعض قوي اه(6/440)
9934 - (لا وضوء إلا من صوت أو ريح) قال الطيبي: نفى جنس أسباب التوضئ واستثنى منه الصوت والريح والنواقض كثيرة فلعل ذلك في صورة مخصوصة فالمراد نفي جنس الشك وإثبات اليقين أي لا يتوضأ من شك مع سبق ظن الطهر إلا بيقين صوت أو ريح وقال اليعمري: هذا الحديث ونحوه أصل في إعمال الأصل وطرح الشك والعلماء متفقون على العمل بهذه القاعدة في كل صورة لكنه اختلف في صورة المشكوك فيه ما هو والمتحقق ما هو وهو ما لو شك في الحدث بعد سبق الطهر فالشافعي أعمل الأصل المذكور وهو الطهارة وطرح الشك الحادث وهو الحدث وأجاز الصلاة ومالك منع من الصلاة مع الشك في بقاء التطهير إعمالا للأصل الأول وهو ترتب الصلاة في الذمة وقال: لا يبطل إلا بطهر متيقن وهذا الحديث طاهر في إعمال الطهارة الأولى وطرح الشك وقوله إلا من صوت أو ريح لا ينفي وجوبه من غائط وبول لأن الشريعة كما قال ابن العربي لم تأت جملة بل آحادا وفصولا يتوالى واحدا بعد آخر حتى أكمل الله الدين ولأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " ثم قتل العلماء بنحو عشرة أسباب بزيادة أدلة فكذا هنا ولأن قوله إلا من صوت أو ريح أي ضراط وفساء يحمل عليه البول والغائط فإنه خارج معتاد فينقض بهما كهما وقال الكمال ابن أبي شريف: المعنى لا يبطل الوضوء إلا بيقين لا أن مبطله ينحصر فيما ذكر
(ت هـ) في الطهارة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وأصله قول الترمذي: هذا حديث صحيح وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لغير هذين مع أن الإمام أحمد خرجه وقال البيهقي: حديث ثابت اتفق الشيخان على إخراج معناه(6/440)
9935 - (لا وضوء لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم) أي لا وضوء كاملا
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي(6/440)
9936 - (لا وفاء لنذر في معصية الله) زاد في رواية ولا فيما لا يملك العبد
(حم) من حديث سليمان بن موسى (عن جابر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح لكنه موقوف على جابر وسليمان قيل لم يسمع منه اه وقد رمز المؤلف لحسنه وقضية كلام المصنف أن ذا لم يخرج في أحد الصحيحين وليس كذلك بل هو في مسلم عن عمران باللفظ الواقع في المتن [ص:441] بدون ذكر السبب لكنه في ضمن حديث طويل فلذا أغفله المصنف ورواه مستقلا أيضا بلفظ لا نذر في معصية الله وكذا رواه أبو داود والنسائي(6/440)
9937 - (لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر) بحذف الألف عند الجمهور ولأبي ذر بإثباتها بوزن أفعل وعليها شرح ابن التين وقال في الصحاح: لا يقال أشر إلا في لغة رديئة (منه) فيما يتعلق بالدين أو غالبا وحمله الحسن على التعميم فأورد عليه ابن عبد العزيز بعد الحجاج فقال: لا بد للناس من تنفيس أي أن الله ينفس عن عباده وقتا ما ويكشف البلاء عنهم حينا ما وأجاب غيره بأن المراد بالتفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحب أحياءا وفي زمن عمر انقرضوا وزمن الصحب خير مما بعده لخبر خير القرون قرني (حتى تلقوا ربكم) أي حتى تموتوا وهذا علم من أعلام نبوته لإخباره به وقد وقع واستشكل أيضا بزمان عيسى فإنه بعد الدجال وأجيب بأن المراد الزمان الذي بعد عيسى أو جنس الزمان الذي فيه الأمر وأن المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر في زمن الحجاج فما بعده إلى الدجال وأما زمن عيسى فله حكم مستأنف وبأن المراد بالأزمنة أزمنة الصحابة بناء على أنهم المخاطبون به فيختص بهم فأما من بعدهم فلم يقصدوا بالخير لكن الصحابي فهم التعميم
(حم خ ن) في الفتن من حديث الزبير بن عدي (عن أنس) قال الزبير: أتينا أنسا فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال: اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلخ سمعته من نبيكم عليه الصلاة والسلام ورواه عنه أيضا الترمذي(6/441)
9938 - (لا يؤذن إلا متوضئ) فيكره تنزيها للمحدث ولو أصغر أن يؤذن غير متطهر وأخذ بظاهره الأوزاعي فأوجب الوضوء للأذان قال: لأن للأذان شبها بالصلاة في تعلق أجزائها بالوقت واشتراكهما في طلب استقبال القبلة
(ت) من حديث الزهري (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وهو منقطع والراوي له عن الزهري ضعيف(6/441)
9939 - (لا يؤمن أحدكم) لفظ رواية ابن ماجه أحد أي إيمانا كاملا ونفي اسم الشيء بمعنى الكمال عنه مستفيض في كلامهم وخصوا بالخطاب لأنهم الموجودون إذ ذاك والحكم عام (حتى أكون أحب إليه) غاية لنفي كمال الإيمان ومن كمل إيمانه علم أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بترجيح حبه على حب كل (من ولده ووالده) أي أصله وفرعه وإن علا أو نزل والمراد من له ولادة وقدم الولد على الوالد لمزيد الشفقة وفي رواية للبخاري تقديم الوالد ووجهه أن كل أحد له والد ولا عكس وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال بل عند البعض من نفسه ولذلك لم يذكر النفس وشمل لفظ الوالد الأم إن أريد من له ولادة أو ذات ولد ويحتمل أنه اكتفى بذكر أحدهما كما يكتفى من أحد الضدين بالآخر وعطف عليه من عطف العام على الخاص قوله (والناس أجمعين) حبا اختياريا إيثارا له عليه الصلاة والسلام على ما يقتضي العقل رجحانه من حبه احتراما وإكراما وإجلالا وإن كان حب غيره لنفسه وولده مركوزا في غريزته فسقط استشكاله بأن المحبة أمر طبيعي غريزي لا يدخل الاختيار فكيف تكلف به إذ المراد حب الاختيار المستند إلى الإيمان كما تقرر فمعناه لا يؤمن أحدكم حتى يؤثر رضاي على هوى والديه وأولاده قال الكرماني: ومحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إرادة طاعته وترك مخالفته وهو من واجبات الإسلام والحديث من جوامع الكلم لأنه جمع فيه أصناف المحبة الثلاث محبة الإجلال [ص:442] وهي محبة الأصل ومحبة الشفقة وهي محبة الوالد ومحبة المجانسة وهي محبة الناس أجمعين وشاهد صدق ذلك بذل النفس في رضا المحبوب وإيثاره على كل مصحوب قال الإمام النووي: وفي الحديث تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة فمن رجح جانب المطمئنة كان حبه لنبيه راجحا ومن رجح الأمارة كان بالعكس
<تنبيه> قال الكرماني: أحب أفعل تفضيل بمعنى مفعول وهو مع كثرته على خلاف القياس إذ القياس أن يكون بمعنى فاعل وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لأن الممتنع الفصل بأجنبي مع أن الظرف يتوسع فيه
(حم ق ن) في الإيمان (هـ) في السنة (عن أنس) بن مالك ورجاله ثقات(6/441)
9940 - (لا يؤمن أحدكم) إيمانا كاملا فالمراد بنفيه هنا نفي بلوغ حقيقته ونهايته من قبيل خبر لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (حتى يحب) بالنصب لأن حتى جارة وأن بعدها مضمرة ولا يجوز الرفع فتكون حتى عاطفة لفساد المعنى إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبة ذكره الكرماني (لأخيه) في الإسلام من الخير كما في رواية النسائي والقضاعي وابن منده والإسماعيلي وغيرهم فمن قصره على كف الأذى فقد قصر ولا حاجة لقول البعض هو عام مخصوص إذ المرء يحب لنفسه وطء حليلته لا لغيره والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدينية والدنيوية وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها والمحبة إرادة ما تعتقده خيرا قال النووي: المحبة الميل إلى ما يوافق المحب وقد يكون بحواسه كحسن الصورة أو بعلته أو بعقله إما لذاته كالفضل والكمال أو لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر والمراد هنا الميل الاختياري دون القهري (ما يحب لنفسه) من ذلك وأن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من السوء ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم بغض نقيضه وذلك ليكون المؤمنون كنفس واحدة ومن زعم كابن الصلاح أن هذا من الصعب الممتنع غفل عن المعنى والمراد وهو أن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها كما تقرر وبه دفع ما قيل هذه محبة عقلية لا تكليفية طبيعية لأن الإنسان جبل على حب الاستئثار فتكليفه بأن يحب له ما يحب لنفسه مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا وذكر الأخر غالبي فالمسلم ينبغي أن يحب للكافر الإسلام وما يترتب عليه من الخير والأجر ومقصود الحديث انتظام أحوال المعاش والمعاد والجري على قانون السداد {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وعماد ذلك وأساسه السلامة من الأدواء القلبية كالحاسد يكره أن يفوته أحد أو يساويه في شيء والإيمان يقتضي المشاركة في كل خير من غير أن ينقص على أحد من نصيب أحد شيء نعم من كمال الإيمان تمني مثل فضائله الأخروية الذي فات فيها غيره وآية {لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} نهي عن الحسد المذموم فإذا فاقه أحد في فضل دين الله اجتهد في لحاقه وحزن على تقصيره لا حسدا بل منافسة في الخير وغبطة
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك لكن لفظ رواية مسلم حتى يحب لأخيه أو قال جاره ورواية البخاري وغيره بغير شك وسبب هذا الحديث كما خرجه الطبراني عن أبي الوليد القرشي قال: كنت عند بلال بن أبي بردة فجاء رجل من عبد القيس وقال: أصلح الله الأمير إن أهل الطف لا يؤدون زكاتهم وقد علمت ذلك فأخبرت الأمير فقال: من أنت قال: من عبد القيس قال: ما اسمك قال: فلان فكتب لصاحب شرطته يسأل عنه عبد القيس فقال: وجدته لعمر في حبسه فقال: الله أكبر حدثني أبي عن جدي أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث(6/442)
9941 - (لا يبغي) وفي رواية للطبراني لا يسعى (على الناس إلا ولد بغي وإلا من فيه عرق منه) قال في الفردوس: البغي الاستطالة على الناس
(طب عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: فيه أبو الوليد القرشي مجهول وبقية رجاله ثقات وقال ابن الجوزي: فيه سهل الأعرابي قال ابن حبان: منكر الرواية لا يقبل ما انفرد به(6/442)
[ص:443] 9942 - (يبلغ العبد أن يكون من المتقين) قال الطيبي: أن يكون من المتقين ظرف يبلغ على تقدير مضاف أي درجة المتقين (حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس) أي يترك فضول الحلال حذرا من الوقوع في الحرام قال الغزالي: الاشتغال بفضول الحلال والانهماك فيه يجر إلى الحرام ومحض العصيان لشره النفس وطغيانها وتمرد الهوى وطغيانه فمن أراد أن يأمن الضرر في دينه اجتنب الخطر فامتنع عن فضول الحلال حذرا أن يجره إلى محض الحرام فالتقوى البالغة الجامعة لكل ما لا ضرر فيه للدين وقال الطيبي: إنما جعل المتقي من يدع ذلك لذلك لأن المتقي لغة اسم فاعل من وقاه فاتقى والوقاية فرط الصيانة ومنه فرس واق أي يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء من بوله وشرعا من يقي نفسه تعاطي ما يستوجب العقوبة من فعل أو ترك والتقوى مراتب الأولى التوقي عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك قال الله تبارك وتعالى {وألزمهم كلمة التقوى} الثانية تجنب كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر وهو المتعارف بالتقوى في الشرع والمعني بقوله عز وجل {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} الثالثة التنزه عما يشغل سره عن ربه وهو التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله {اتقوا الله حق تقاته} والمرتبة الثانية هي المقصودة بالحديث ويجوز تنزيله على الثالثة أيضا واللام في لما بيان لحذرا لا صلة لأن صلته به كقوله تعالى {هيت لك} وقوله تعالى {لمن أراد أن يتم الرضاعة} كأنه قيل حذرا لماذا قيل به بأس
(ت هـ) في الزهد (ك عن عطية) بن عروة (السعدي) جد عروة بن محمد مختلف في اسم جده وربما قيل فيه عطية بن سعد صحابي نزل الشام له ثلاثة أحاديث قال الترمذي: حسن غريب قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك أنه من رواية أبي بكر بن النضر وفيه عبد الله بن يزيد لا يعرف حاله(6/443)
9943 - (لا يبلغ) في رواية لا يستكمل (العبد حقيقة الإيمان) أي كماله قال ابن حجر: الحقيقة هنا الكمال ضرورة لأن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا (حتى يخزن من لسانه) أي يجعل فمه خزانة للسانه فلا يفتحه إلا بمفتاح إذن الله ومن للتبعيض أي يخزن من لسانه ما كان باطلا ولغوا عاطلا فيخزنه من الباطل خوف العقاب ومن اللغو والهذيان وكثير من المباح خوف العقاب أي لا يصل إلى خالص الإيمان ومحضه وكنهه حتى لا ينطق إلا بخير قال ابن الأثير: والحقيقة ما يصل إليه حق الأمل ووجوبه من قولهم فلان حامي الحقيقة إذا حمى ما يوجب عليه حمايته واللسان أشبه الأعضاء بالقلب لسرعة حركته فإذا خف في نطقه بطبعه وسرعة حركته وعجلته أورث القلب سقما وإذا فسد القلب فسد الباطن والظاهر وفي حديث آخر لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه
(طس) وكذا في الصغير (والضياء) في المختارة (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه داود بن هلال ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه ضعفا وبقية رجاله رجال الصحيح غير زهير بن عباد وقد وثقه جمع(6/443)
9944 - (لا يتجالس قوم إلا بالأمانة) أي لا ينبغي إلا ذلك فلا يحل لأحد أن يفشي سر غيره وهو خبر بمعنى النهي
(المخلص) أبو طاهر (عن مروان بن الحكم) بن أبي العاص ولد بمكة سنة اثنتين ولم ير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رمز لحسنه(6/443)
9945 - (لا يترك الله أحدا يوم الجمعة إلا غفر له) لأنه يوم لا تسجر فيه جهنم بل تغلق أبوابها ولا يعمل سلطان النار فيه [ص:444] ما يعمل في سائر الأيام وهو يومه الذي يحكم فيه بين عباده فيميز بين أحبابه وأعدائه ويومه الذي يدعوهم إلى زيارته في جنة عدن ويومه الذي يفيض فيه من عظائم الرحمة ما لا يفيض مثلها في غيره فمن ثم كان يوم الغفران والكلام في أهل الإيمان وفي الصغائر ما اجتنب الكبائروكم له من نظائر
(خط عن أبي هريرة) قال في الميزان: حديث منكر جدا وهو مما طعن فيه على أحمد بن نصر بن حماد اه. ورواه الحاكم في تاريخه والديلمي عن أنس(6/443)
9946 - (لا يتكلفن) بنون التوكيد (أحد لضيفه) لفظ رواية البيهقي للضيف (ما لا يقدر عليه) لما مر بيانه غير مرة
(هب عن سلمان) الفارسي وفيه كما قال الحافظ العراقي: محمد بن الفرج الأزرق متكلم فيه وقال الذهبي: قال الحاكم: طعن عليه لاعتقاده ولصحبته الكرابيسي(6/444)
9947 - (لا يتم بعد احتلام) وفي رواية للبزار بعد حلم أي لا يجري على البالغ حكم اليتيم. والحلم بالضم ما يراه النائم مطلقا لكن غلب استعماله فيما يرى من أمارة البلوغ كذا في النهاية وفي المغرب حلم الغلام احتلم والحالم المحتلم في الأصل ثم عم فقيل لمن بلغ مبلغ الرجال حالم أشار إلى أن حكم اليتيم جار عليه قبل بلوغه من الحجر في ماله والنظر في مهماته وكفالته وإيوائه فإذا احتلم وكانت حالة البلوغ استقل ولا يسمى باليتيم (ولا صمات) بالضم أي سكون (يوم إلى الليل) أي لا عبرة به ولا فضيلة له وليس مشروعا عندنا كما شرع للأمم قبلنا فنهى عنه لما فيه من التشبه بالنصرانية قال الطيبي: والنفي وإن جرى على اللفظ لكن المنفي محذوف أي لا استحقاق يتم بعد احتلام ولا حل صمت يوم إلى الليل
(د) في الوصايا (عن علي) أمير المؤمنين رمز لحسنه وتعقبه المنذري في حواشيه بأن فيه يحيى الجاري بالجيم قال البخاري: يتكلمون فيه قال: وقد روي عن أنس وجابر وليس فيها شيء يثبت وقال النووي في الأذكار والرياض: إسناده حسن(6/444)
9948 - (لا يتمنى) نهي أخرج بصورة النفي للتأكيد ذكره القاضي وهو كما في الكشاف أبلغ وآكد لأنه قدر أن المنهي حال ورود النهي عليه انتهى عن المنهي عنه وهو يخبر عن انتهائه كأنه يقول لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن البر والسلوك لطريق الله وعليه الخبر السالف خياركم من طال عمره وحسن عمله لأن من شأن الازدياد والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب كيف يطلب القطع عن مطلوبه (أحدكم الموت) لدلالته على عدم الرضا بما نزل الله به من المشاق ولأن ضرر المرض مطهر للإنسان من الذنوب والموت قاطع له ولأن الحياة نعمة وطلب إزالة النعمة قبيح (إما محسنا فلعله يزداد) من فعل الخيرات (وإما مسيئا) بكسر همزة إما فيهما ونصب محسنا ومسيئا. قال القاضي: وهو الرواية المعتد بها تقديره إن كان محسنا فحذف الفعل بما استكن فيه من الضمير وعوض عنه ما وأدغم في ميمها النون ويحتمل أن يكون إما حرف القسم ومحسنا منصوب بأنه خبر كان والتقدير إما أن يكون محسنا أو حال والعامل فيه ما دل عليه الفعل السابق أي إما أن يتمناه محسنا اه وروي بفتحها ورفع محسن بجعله صفة لمبتدأ محذوف ما بعده خبره يستعتب وقال ابن مالك: تقديره إما أن يكون محسنا وإما أن يكون مسيئا فحذف يكون مع اسمها وأنفي الخبر قال: ولعل هنا شاهد على مجيء لعل للرجاء عن التعليل وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل وتعقبه الدماميني فقال: اشتمل كلامه على أمرين ضعيفين قابلين للنزاع أما الأول فجزمه بأن محسنا ومسيئا خبر ليكون محذوفا مع احتمال [ص:445] أن يكونا حالين من فاعل يتمنى وهو أحدكم وعطف أحد الحالين على الآخر وأتى بعد كل حال بما ينبه على علة النهي عن تمني الموت والأصل لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا وإما مسيئا أي سواء كان على حالة الإحسان أو الإساءة أما إذا كان محسنا فلا يتمناه لعله يزداد إحسانا على إحسانه فيضاعف ثوابه وإما أن يكون مسيئا فلا يتمناه فلعله يندم على إساءته ويطلب الرضا فيكون سببا لمحو ذنوبه وأما الثاني فادعاؤه أن أكثر مجيء لعل للترجي وهذا قيد ممنوع وكتب أكابر النحاة طافحة بالإعراض عنه (فلعله يستعتب) أي يطلب العتبى أي الرضا لله بأن يحاول إزالة غضبه بالتوبة ورد المظالم وتدارك الفائت وإصلاح العمل ذكره القاضي قال التوربشتي: والنهي وإن أطلق لكن المراد منه التقييد بما وجه به من تلك الدلالة وقد تمناه كثير من الصديقين شوقا إلى لقاء الله تعالى وتنعما بالوصول لحضرته وذلك غير داخل تحت نهي التقييد والمطلق راجع للمقيد اه. هذا وليس لك أن تقول لم تنحصر القسمة في هذين الوصفين فلعله يكون مسيئا فيزداد إساءة فتكون زيادة العمر زيادة له في الشقاء كما في خبر: شر الناس من طال عمره وساء عمله أو لعله يكون محسنا فتنقلب حاله إلى الإساءة لأنا نقول ترجى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له زيادة الإحسان أو الانكفاف عن السوء بتقدير أن يدوم على حاله فإذا كان معه أصل الإيمان فهو خير له بكل حال وبتقدير أن يخف إحسانه فذلك الإحسان الخفيف الذي داوم عليه مضاعف له مع أصل الإيمان وإن زادت إساءته فالإساءة كثير منها مكفر وما لا يكفر يرجى العفو عنه فما دام معه الإيمان فالحياة خير له كما بينه المحقق أبو زرعة
(حم خ) في الطب مطولا (ن عن أبي هريرة) وهذا حديث اشتمل على جملتين الأولى خرجها الشيخان وهي لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته والثانية هذه التي اقتصر عليه المصنف(6/444)
9949 - (لا يجتمع كافر وقاتله) أي المسلم الثابت على الإسلام كما في المطامح (في النار) نار جهنم (أبدا) قال القاضي: يحتمل أن يختص بمن قتل كافرا في الجهاد فيكون ذلك مكفرا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها وأن يكون عقابه بغير النار أو يعاقب في غير محل عقاب الكفار ولا يجتمعان في إدراكها اه. قال الطيبي: والوجه الأول وهو من الكناية التلويحية نفي الاجتماع بينهما فيلزم نفي المساواة فيلزم أن لا يدخل المجاهد النار أبدا إذ لو دخلها لساواه وقوله أبدا بمعنى قط في الماضي وعوض في المستقبل تنزيلا للمستقبل منزلة الماضي
(م د) في الجهاد (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(6/445)
9950 - (لا يجزي) بفتح أوله وزاي معجمة (ولد والدا) وفي رواية والده أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه والأم مثله بطريق أولى ومثلهما الأجداد والجدات من النسب (إلا أن) أي بأن (يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) أي يخلصه من الرق بسبب شرائه أو نحوه يعني يتسبب في دخوله في ملكه بأي سبب كان في شراء أو هبة بلا ثواب أو بغير ذلك فالشراء خرج مخرج الغالب لأن الرقيق كالمعدوم لاستحقاق غيره منافعه ونقصه عن المناصب الشريفة فتسببه في عتقه المخلص له من حيز ذلك كأنه أوجده كما أن الأب سبب في إيجاده فهو تسبب في إيجاد معنوي في مقابلة الإيجاد الصوري كذا قرره بعض الأعاظم وهو في ذلك مستمد من قول ابن العربي المعنى فيه أن الأبوين أخرجا الولد من حيز العجز إلى حيز القدرة فإنه تعالى أخرج الخلق من بطون أمهاتهم لا يقدرون على شيء كما لا يعلمون شيئا فيكفله الوالدان حتى خلق الله له القدرة والمعرفة واستقل بنفسه بعد العجز فكنفاه بفضل الله وقوته لا بصورة الأمر وحقيقته أن يجد والده في عجز الملك فيخرجه إلى قدرة الحرية اه لكن جعل الطيبي الحديث من قبيل التعليق بمحال للمبالغة يعني لا يجزي ولد والده إلا أن يملكه فيعتقه وهو محال فالمجازاة محال اه وتبعه عليه بعضهم فقال: القصد بالخبر الإيذان بأن قضاء حقه [ص:446] محال لأنه خص قضاء حقه في هذه الصورة وهي مستحيلة إذ العتق يقارن الشراء فقضاء حقه مستحيل
(خد م) في العتق (د ت عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(6/445)
9951 - (لا يجلد) لفظ رواية مسلم لا يجلد أحد (فوق عشرة أسواط) في رواية بدله جلدات قال في الكشاف: والجلد ضرب الجلد (إلا في حدود الله تعالى) يعني لا يزاد على عشرة أسواط بل بالأيدي والنعال أو الأولى ذلك فتجوز الزيادة إلى ما دون الحد بقدر الجرم عند الشافعي وأبي حنيفة وأخذ أحمد بظاهر الخبر فمنع بلوغ التعزير فوقها واختاره كثير من الشافعية وقالوا لو بلغ الشافعي لقال به لكن يرده نقل إمامهم الرافعي إنه منسوخ محتجا بما منه عمل الصحابة بخلافه مع إقرار الباقين ونوزع بما لا يجدي ونقل المؤلف عن المالكية أن الحديث مختص بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر اه. قال القرطبي في شرح مسلم: ومشهور مذهب مالك أن ذلك موكول إلى رأي الإمام بحسب ما يراه أليق بالجاني وإن زاد على أقصى الحدود قال: والحديث خرج على أغلب ما يحتاج إليه في ذلك الزمان قال في الكشاف: وفي جلد الجلد إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم
(حم ق 4 عن أبي بردة بن نيار) بكسر النون فمثناة تحتية مخففة وهو البلوى حليف الأنصار واسمه هانئ وقيل الحارث بن عمرو وقيل مالك بن هبيرة أنصاري أوسي قال ابن حجر: متفق عليه وتكلم في سنده ابن المنذر والأصيلي من جهة الاختلاف فيه(6/446)
9952 - (لا يجلس الرجل بين الرجل وابنه في المجلس) فيكره ذلك تنزيها ومثله الأم وبنتها ويظهر أن المراد الأصل وإن علا فالجد والجدات كذلك
(طس عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم(6/446)
9953 - (لا يجوع أهل بيت عندهم التمر) هذا وارد في بلاد ليس من عادتهم الشبع بغيره وفيه حث على القنع وتنبيه على حل ادخار قوت العيال فإنه أسكن للنفس وأحصن عن الملال
(م) في الأطعمة (عن عائشة)(6/446)
9954 - (لا يحافظ على ركعتي الفجر إلا أواب) أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة مطيع له وقد مدح الله الحافظين للعبادة بقوله {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب} وخص ركعتي الفجر بالتنصيص على حفظهما اعتناء بشأنهما
(هب عن أبي هريرة)(6/446)
9955 - (لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب وهي صلاة الأوابين) فيه الرد على من كرهها وقال إن إدامتها تورث العمى والأواب الرجاع إلى الله بالتوبة يقال آب إلى الله رجع عن ذنبه فهو أواب مبالغة
(ك) في صلاة التطوع (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان أورده في ترجمة محمد بن دينار من حديثه ونقل ابن معين وغيره تضعيفه وعن النسائي توثيقه(6/446)
9956 - (لا يحتكر) القوت (إلا خاطئ) بالهمز أي عاص أو آثم اسم فاعل من أخطأ يخطئ إذا أثم ومنه قوله تعالى {إن قتلهم كان خطئا كبيرا} والاسم منه الخطيئة والاحتكار جمع الطعام وحبسه تربصا به الغلاء والخاطئ من تعهد [ص:447] ما لا ينبغي والمخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره كذا قرره قوم وقال ابن العربي: قوله خاطئ لفظة مشكلة اختلف ورودها في لسان العرب فيقال خطئ في دينه خطأ إذا أثم ومنه {إنه كان خطأ كبيرا} وقد يكون الخطأ فيما لا إثم فيه ومنه {إن نسينا أو أخطأنا} وإذا اشترك ورودها لم يفصلها إلا القرائن فقوله لا يحتكر إلا خاطئ أي إلا آثم فاحتكار القوت أي اشتراؤه في الرخاء ليبيعه إذا غلا السعر حرام عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك وحكمته دفع الضرر من عامة الناس كما يجبر من عنده طعام احتاجه الناس دونه على بيعه حينئذ وقال أحمد احتكار الطعام وحده بمكة والمدينة والثغور لا في الأمصار
(حم م د ت هـ عن معمر) بفتح الميمين وسكون المهملة بينهما (ابن عبد الله) بن نافع بن فضلة العدوي وهو ابن أبي معمر صحابي كبير من مهاجرة الحبشة وفي الباب أبو هريرة خرجه الحاكم بلفظ من احنكر يريد أن يغالي بها المسلمين فهو خاطئ(6/446)
9957 - (لا يحرم الحرام الحلال) فلو زنى بامرأة لم تحرم عليه أمها وبنتها وإلى هذا ذهب الشافعي كالجمهور فقالوا الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة وأثبتها به الحنفية قال بعضهم: وهي مسألة عظيمة في الخلاف ليس فيها خبر صحيح من جانبنا ولا من جانبهم وممن قال بقول أبي حنيفة الأوزاعي وأحمد وإسحاق وهي رواية عن مالك وحجة الجمهور أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء والزنا لا مهر فيه ولا عدة ولا إرث وبالغ الحنفية فقالوا تحرم امرأته بمجرد لمس أمها والنظر لفرجها ثم هذا الحديث قد عورض بحديث ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام لأن المحكوم به فيه إعطاء الحلال حكم الحرام احتياطا وتغليبا لا صيرورته في نفسه حراما ذكره التاج السبكي على أن هذا الحديث قال العراقي في تخريج المنهاج لا أصل له
(هـ) في النكاح (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الزيلعي: فيه إسحاق بن محمد القروي روى له البخاري وليس بإسحاق بن عبد الله القروي ذلك مجروح (هق) عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يتبع المرأة حراما أينكح ابنتها فذكره ثم قال البيهقي: تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو ضعيف والصحيح عن الزهري عن علي مرسلا وموقوفا اه. وقال الذهبي: عثمان متروك وقال ابن الجوزي: قال أبو حاتم: يروي عن الثقات الموضوعات وقال يحيى: يكذب وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث رواه الدارقطني والطبراني عن عائشة بلفظ لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال وفي إسنادهما عثمان الوقاصي متروك وخرج ابن ماجه الجملة الأولى منه عن ابن عمر وإسناده أصلح من الأول(6/447)
9958 - (لا يحل لمسلم أن يروع) بالتشديد أي يفزع (مسلما) وإن كان هازلا كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه فيفزع لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
(حم د) في الأدب من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن رجال) من الصحابة أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزعه فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزين العراقي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني: حديث حسن(6/447)
9959 - (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين) في المجلس (إلا بإذنهما) يعني يكره له ذلك وأراد نفي الحل المستوي الطرفين
(حم د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن(6/447)
9960 - (لا يخرف قارئ القرآن) أي لا يفسد عقله والخرف فساد العقل لنحو كبر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) [ص:448] ابن مالك ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي(6/447)
9961 - (لا يدخل الجنة إلا رحيم) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البيهقي قالوا يا رسول الله كلنا رحيم قال ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس دل هذا الخبر على أن الرحمة ينبغي شمولها وعمومها للكافة فمن لم يكن كذلك فهو فظ غليظ فلا يليق بجوار الحق في دار كرامته وأبعد القلوب من الله القلب القاسي
(هب عن أنس) بن مالك(6/448)
9962 - (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم كما جاء مبينا هكذا في مسلم عن سفيان بل وردت هذه اللفظة في الأدب المفرد للبخاري فقول الشيخ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي أن لفظ رحم لم ترد وإنما هو حكاية لاختلاف العلماء في معنى قاطع قصور عجيب وهجوم قبيح وكان الأدب أن يقول لا أقف على ذلك والمراد لا يدخل الجنة التي أعدت لوصال الأرحام أو لا يدخلها مع اتصافه بذلك بل يصفي من خبث القطيعة إما بالتعذيب أو بالعفو وكذا يقال في نحو لا يدخل الجنة متكبر وشبهه وهو محمول على المستحل أو على سوء الخاتمة وقد ورد الحث فيما لا يحصى من الأخبار على صلة الرحم ولم يرد لها ضابط فالمعول على العرف ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والواجب منها ما يعد به في العرف واصلا وما زاد تفضل ومكرمة الرحم والقرابة وهو من بينك وبينه نسب وإن لم يرث ولم يكن محرما على الأصح
(حم ق) في الأدب (د) في الزكاة (ت) في البر (عن جبير) بن مطعم(6/448)
9963 - (لا يدخل الجنة) أي مع الداخلين في الوعيد الأول من غير عذاب ولا بأس أو لا يدخلها حتى يعاقب بما اجترحه وكذا يقال فيما بعده قال التوربشتي: هذا هو السبيل في تأويل أمثال هذه الأحاديث لتوافق أصول الدين وقد هلك في التمسك بظاهر أمثال هذه النصوص الجم الغفير من المبتدعة ومن عرف وجوه القول وأساليب البيان من كلام العرب هان عليه التخلص بعون الله من تلك الشبه (خب) بمعجمة مفتوحة وباء موحدة خداع يفسد بين المسلمين بالخدع وقد تكسر خاؤه وأما المصدر فبالكسر كذا في النهاية أي لا يدخل الجنة مع هذه الخصلة حتى يطهر منها إما بتوبة في الدنيا أو بالعفو أو بالعذاب بقدره (ولا بخيل ولا منان) أي من يمن على الناس بما يعطيهم فهو من المنة وهي وإن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر أو في المعروف كدرت الصنيعة ويمكن كونه من المن وهو النقص والقطع يريد الخيانة والنقص من الحق قال الطيبي: وقوله لا يدخل الجنة أشد وعيدا من يدخل النار لأنه يرجى منه الخلاص فهو وعيد شديد
(ت) في البر (عن أبي بكر) الصديق وقال: حسن غريب ورواه أيضا أحمد وأبو يعلى وغيرهما قال الحافظ المنذري والعراقي: وهو ضعيف وقال الذهبي في الكبائر: خرجه الترمذي بسند ضعيف(6/448)
9964 - (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) أي دواهيه جمع بائقة الداهية وجاء في حديث تفسيرها بالشر وهو تفسير بالأعم زاد في رواية قالوا وما بوائقه قال شره وذلك لأنه إذا كان مضرا لجاره كان كاشفا لعورته حريصا على إنزال البوائق به دل حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته أو على امتهانه ما عظم الله حرمته وأكد وصلته فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به فإن المعاصي بريده ومن ختم له بالكفر لا يدخلها أو هو في المستحل أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره
(تتمة) قال ابن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل [ص:449] الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان بقدر الطاقة كهدية وسلام وطلاقة وجه وتفقد حال ومعاونة وغير ذلك وكف أسباب الأذى الحسية والمعنوية عنه وتتفاوت مراتب ذلك بالنسبة للجار الصالح وغيره
(م) في الإيمان (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري في الفتح بهذا اللفظ لكنه فيه بأتم منه ولفظه والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه خرجه في الأدب(6/448)
9965 - (لا يدخل الجنة صاحب مكس) المراد به العشار وهو الذي يأخذ الضريبة من الناس قال البيهقي: المكس النقصان فإذا انتقص العامل من حق أهل الزكاة فهو صاحب مكس اه والمكس في الأصل الخيانة والماكس العاشر والمكس ما يأخذه قال الطيبي: وفيه أن المكس من أعظم الموبقات وعده الذهبي من الكبائر ثم قال: فيه شبهة من قاطع الطريق وهو شر من اللص فإن عسف الناس وجدد عليهم ضرائب فهو أظلم وأغشم ممن أنصف في مكسه ورفق برعيته. وجابي المكس وكاتبه وآخذه من جندي وشيخ وصاحب زاوية شركاء في الوزر أكالون للسحت
(حم د ك عن عقبة بن عامر) الجهني قال الحاكم: صحيح وقال في المنار: فيه إسحاق مختلف فيه(6/449)
9966 - (لا يدخل الجنة سيء الملكة) أي من يسيء الصنيعة إلى مماليكه وسوء الملكة وإن كان أعم لكنه غالبا يستعمل في المماليك كذا قاله جمع وأنت خبير بأن القصر تقصير إذ لا ملجأ له هنا والحمل على الأعم أتم وهذا تهديد شديد {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} وقال الطيبي: مراده أن سوء الملكة يدل على سوء الخلق وهو شؤم والشؤم يوؤث الخذلان والعذاب بالنيران
<فائدة> قال بعضهم: الجامع للأخلاق ومحاسن الشريعة على الإطلاق الخلق الحسن والأدب والاتباع والإحسان والنصيحة فهذه أمهات الأخلاق وقواعد الأخلاق أربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدل
(ت) في البر (هـ) في الأدب (عن أبي بكر) الصديق قال الترمذي: غريب ورمز المصنف لحسنه وفيه فرقد السنجي ضعيف ورواه أحمد أيضا عن أبي بكر وزاد فقال رجل: أليس يا رسول الله أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين وأيتاما قال: بلى فأكرموهم كرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون قالوا: فما ينفعنا يا رسول الله قال: فرس مرتبطة بقاتل عليها في سبيل الله ومملوكك يكفيك فإذا صلى فهو أخوك قال الهيثمي: فيه فرقد وهو ضعيف(6/449)
9967 - (لا يرث) نفي تضمن معنى النهي وهو أبلغ (الكافر المسلم ولا المسلم الكافر) لانقطاع الموالاة بينهما وإن أسلم قبل قسم التركة وبه قال الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة خلافا للبعض في بعض الصور والإرث عند اختلاف الدين للأبعد الموافق لا لبيت المال خلافا للقاضي ودخل في الكافر المرتد وهو مذهب الشافعي وأحمد فماله لبيت المال لا لوارثه المسلم مطلقا وقال مالك: إلا إن قصد بردته إحرامه فله وقال أبو حنيفة: كسبه قبل ردته لوارثه وبعده لبيت المال وهذا الحديث مخصص لقوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} إلخ الشامل للولد الكافر ففيه رد صريح على من منع تخصيص الكتاب بخبر الواحد
(حم ق 4) في الفرائض (عن أسامة) بن زيد وقضية كلام المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا الثلاثة وليس كذلك فقد عزاه جمع منهم ابن حجر للجميع وقال: أغرب في المنتقى فزعم أن مسلما لم يخرجه وابن الأثير فادعى أن النسائي لم يخرجه(6/449)
9968 - (لا يرد القضاء) المقدر (إلا الدعاء) أراد بالقضاء هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه أو أراد برده تسهيله فيه حتى [ص:450] يصير كأنه رد وقال بعضهم: شرع الله الدعاء لعباده لينالوا الحظوظ التي جعلت لهم في الغيب حتى إذا وصلت إليهم فظهرت عليهم توهم الخلق أنهم نالوها بالدعاء فصار الدعاء من السلطان ما يرد القضاء (ولا يزيد من العمر إلا البر) يعني العمر الذي كان يقصر لولا بره أو أراد بزيادته البركة فيه فعلى الأول يكون الدعاء والبر سببين من أسباب السعادة والشقاوة ولا ريب أنهما مقدران أيضا قال القاضي: مر أن القضاء قسمان جازم لا يقبل الرد والتعويق ومعلق وهو أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ما لم يرده عائق وذلك العائق لو وجد كان ذلك أيضا قدرا مقضيا وقيل المراد بالقضاء ما يخاف نزوله وتبدو طلائعه وأماراته من المكاره والفتن ويكون القضاء الالهي خارجا بأن يصان عند العبد الموفق للخير فإذا أتى به حرس من حلول ذلك البلاء فيكون دعاؤه كالراد لما كان يظن حلوله ويتوقع نزوله وقيل الدعاء لا يدفع القضاء النازل بل يسهله ويهونه من حيث تضمنه الصبر عليه والتحمل فيه والرضا بالقضاء وهو معنى خبر الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل
(ت) في القدر (ك) في الدعاء (عن سلمان) الفارسي قال الترمذي: حسن قال في المنار: ولم يصححه لأن فيه عنده أبا مودود البصري واسمه فضة نزيل الري قال أبو حاتم: ضعيف(6/449)
9969 - (لا يزال هذا الأمر) أي أمر الخلافة (في قريش) يستحقونها أي لا يزال الذي يليها قرشيا وفي رواية (ما بقي من الناس اثنان) أمير ومؤمر عليه وليس المراد حقيقة العدد بل انتفاء كون الخلافة في غيرهم مدة بقاء الناس في الدنيا فلا يصح عقد الخلافة لغيرهم وعليه انعقد الإجماع في زمن الصحابة ومن بعدهم وهو حكم مستمر إلى آخر الدنيا ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة وقال ابن المنير: وجه الدلالة من الحديث ليس من تخصيص قريش بالذكر فإنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند المحققين بل الحجة وقوع المبتدأ معرفا بلام الجنس لأن المبتدأ حقيقة هنا الأمر الواقع صفة لهذا وهذا لا يوصف إلا بالجنس فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش فكأنه قال: لا أمر إلا من قريش قال ابن حجر: يحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض فإن ببلاد اليمن طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد من أواخر المئة الثالثة إلى الآن وأما من بالحجاز من ذرية الحسن وهم أمراء مكة وينبع ومن ذرية الحسين وهم أمراء المدينة فإنهم تحت حكم غيرهم من ملوك مصر فبقي الأمر لقريش بقطر من الأقطار في الجملة وقال الكرماني: لم يخل الزمان من وجود خليفة من قريش إذ بالمغرب خليفة منهم على ما قيل
(حم ق عن ابن عمر)(6/450)
9970 - (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) أي ما داوموا على هذه السنة لأن تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم ولأن فيه مخالفة أهل الكتاب في تأخيرهم إلى اشتباك النجوم وفي ملتنا شعار أهل البدع فمن خالفهم واتبع السنة لم يزل بخير فإن أخر غير معتقد وجوب التأخير ولا ندبه فلا ضير فيه كما قال الطيبي أن متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الطريق المستقيم ومن تعوج عنها فقد ارتكب المعوج من الضلال ولو في العبادة
(حم ق ت) في الصوم (عن سهل بن سعد) الساعدي(6/450)
9971 - (لا يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ منه) أي ممن هو برئ منه باطنا بأن لم يكن قد سرق ما اتهمه به (حتى يكون أعظم جرما من السارق) أي حتى يكون صاحب المال أعظم ذنبا ممن سرق ماله بسبب اتهامه ممن هو برئ في نفس الأمر
(هب عن عائشة) قال في الميزان: هذا حديث منكر(6/450)
[ص:451] 9972 - (لا يسأل بوجه الله) أي ذاته والوجه يعبر به عن الذات والجملة يعني لا يسأل بالله شيء (إلا الجنة) كأن يقال اللهم إنا نسألك بوجهك الكريم أن تدخلنا الجنة روي نفيا ونهبا ومجهولا ومخاطبا مفردا وقيل المراد لا تسألوا من الناس شيئا بوجه الله كأن يقال: أعطني شيئا لوجه الله فإن الله أعظم من أن يسأل به شيئا من الحطام. قال الحافظ العراقي: وذكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص فلا يسأل الله بوجهه في الأمور الدنيئة بخلاف الأمور العظام تحصيلا أو دفعا كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم به
(د) في الأدب (والضياء) في المختارة (عن جابر) قال في المهذب: فيه سليمان بن معاذ قال ابن معين: ليس بشيء اه. وقال عبد الحق وابن القطان: ضعيف(6/451)
9973 - (لا يعدل) بضم الياء التحتية بضبط المصنف (بالرعة) في المصباح ورع عن المحارم يرع بكسرتين ورعا بفتحتين أي كثير الورع
(ن عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه(6/451)
9974 - (لا يعضه بعضكم بعضا) أي لا يرميه بالعضهة وهي الكذب والبهتان والعضهة والعضيهة النميمة
(الطيالسي) أبو داود (عن عبادة) بن الصامت رمز لحسنه وفيه أبو الأشعث أورده الذهبي في الضعفاء وقال: هو جعفر بن الحارث كوفي نزل واسطا ضعفوه(6/451)
9975 - (لا يغل مؤمن) أي كامل الإيمان فالغلول دلالة على نقص الإيمان ولذلك عده الذهبي وغيره من الكبائر واستدلوا عليه بهذا الحديث وغيره كخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه وأنه كان على ثقل المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها وخبر زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع المصطفى صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه خرجه أبو داود وغيره وخبر أحمد ما نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا علىالغال وقاتل نفسه والأخبار فيه كثيرة
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) رمز لحسنه قال الهيثمي: وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان وضعفه ابن عدي وبقية رجاله ثقات(6/451)
9976 - (لا يغلق) لا نافية أو ناهية كما في المنضد فإن كانت ناهية كسرت القاف لالتقاء الساكنين أو نافية رفعت والأحسن جعلها نافية قال الطيبي: يغلق بفتح الياء واللام (الرهن) أي لا يستحقه مرتهنه إذا لم يرد ما يرهنه به يقال غلق الرهن غلوقا إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر على تخليصه وكان من أفاعيل الجاهلية أن الراهن إذا لم يرد ما عليه في الوقت المشروط ملك المرتهن الرهن فأبطل الشارع ذلك صريحا وفي رواية الشافعي لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه قال الشافعي: قوله لا يغلق بشيء أي إن ذهب لا يذهب بشيء وإن أراد صاحبه فكاكه فلا يغلق في يد الذي هو في يده والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه عن ملكه بوجه يصح قال ابن العربي: في هذا الحديث التعلق بالرهن فقال الشافعي ومالك: ظهر الرهن ومنفعته للراهن وعليه نفقته وليس للمرتهن إلا حق التوثق وقال أحمد: الغلة للمرتهن والنفقة عليه يحلبه ويركبه بقدره سواء وقال أبو حنيفة: منافع الرهن عطل
(هـ) من طريق إسحاق بن راشد [ص:452] عن الزهري (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وأخرجه الحاكم وغيره من عدة طرق قال الدارقطني: إسناده حسن وأقره الذهبي وقال ابن حجر: له طرق كلها ضعيفة(6/451)
9977 - (لا يغني حذر من قدر) تمامه عند الحاكم والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة اه بنصه فيستعمل العبد الحذر المأمور به من الأسباب وأدوية الأمراض والاحتراز في المهمات معتقدا أنه لا يدفع القضاء المبرم وإنما يدفع الدواء والتحرز قضية معلقة بشرط غير مبرم
<فائدة> مات لذؤيب بن أبي ذؤيب الصحابي أربعة أخوة بالطاعون في زمن عمر فرثاهم بقصيدة مطلعها:
أمن المنون وريبة تتوجع. . . والدهر ليس بمعتب من يجزع
وإذا المنية أنشبت أظفارها. . . ألفيت كل تميمة لا تنفع
(ك) في كتاب الدعاء (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن زكريا بن منصور أحد رجاله مجمع على ضعفه اه وفي الميزان ضعفه ابن معين ووهاه أبو زرعة وقال البخاري: منكر الحديث وساق له هذا الخبر وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح(6/452)
9978 - (لا يفقه) أي لا يفهم (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) أي لا يفهم ظاهر معانيه من قرأه في أقل من هذه المدة وأما إذا أعمل فكره وأمعن تدبره فلا يفهم أسراره إلا في أزمان متطاولة ويفهم منه نفي التفهيم لا نفي الثواب ثم يتفاوت هذا بتفاوت الأشخاص وأفهامهم ثم إن هذا لا حجة فيه لمن ذهب إلى تحريم قراءته في دون ثلاث كابن حزم إذ لا يلزم من عدم فهم معناه تحريم قراءته ذكره العراقي
(د) في الصلاة (ت) في القراءة (هـ) في الصلاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: صحيح ونوزع قال ابن حجر: وله شاهد عن سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود اقرؤوا القرآن في سبع ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث اه وظاهر إقامته الشاهد عليه أنه سلم ضعفه ويدفعه أن النووي جزم بصحة سنده في الأذكار(6/452)
9979 - (لا يقبل الله) المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة مسقطة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا (صلاة أحدكم إذا أحدث) أي وجد منه الحدث وهو الخارج المخصوص وما في معناه من جميع نواقض الوضوء أو نفس خروج ذلك الخارج وما في معناه ولا يمكن كما قال الولي العراقي إرادة المنع المترتب على ذلك لأن هذا الحديث هو الدال على المنع فلو حمل قول إذا أحدث على المنع لم يكن فيه فائدة اه وفيه رد على ابن سيد الناس حيث قال: الحدث يطلق ويراد به الخارج ويطلق ويراد به الخروج ويراد به المنع المترتب على الخروج وهذا هو المنوي رفعه فإن كلا من الخارج والخروج وقع وما وقع لا يمكن رفعه وأما المنع المرتب على الخروج فإن الشارع حكم به ومد غايته إلى استعمال الطهور فباستعماله يرتفع المنع ويصح قول القائل رفع الحدث أي المنع (حتى يتوضأ) أي إلى أن يتطهر بماء أو تراب وإنما اقتصر على الوضوء لأنه الأصل الغالب وأخذ من نفي القبول ممتد إلى غاية عدم وجوب الوضوء لكل صلاة لأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها فيقتضي قبول الصلاة بعده مطلقا ويرشحه أن صلاة اسم جنس وقد أضيف فيعم ولأنه قيد عدم القبول بشرط الحدث ومفهومه أنه إذا لم يحدث تقبل صلاته وإن لم يجدد وفي الكلام حذف تقديره حتى يتوضأ ويصلي لاستحالة قبول الصلاة غير مفعوله وقال أبو زرعة: صلاة أحدكم مفرد مضاف فيعم كل صلاة حتى الجنازة وهو مجمع عليه وحكى عن [ص:453] الشعبي وابن جرير صحتها بلا طهر قال النووي: وهو مذهب باطل فلو صلى محدثا بلا عذر أثم ولم يكفر عند الجمهور لأن الكفر بالاعتقاد وهذا اعتقاد صحيح وكفره الحنفية كمن استهان بمصحف
(حم ق د ت) في الطهارة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه(6/452)
9980 - (لا يقبل إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان) لأن العمل بدون إيمان الذي هو تصديق القلب لا فائدة له والتصديق بمجرده بلا عمل لا يكفي أي في الكمال كما مر
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه قال الهيثمي: فيه سعيد بن زكريا اختلف في ثقته وجرحه(6/453)
9981 - (لا يقتل) بالبناء للمفعول خبر بمعنى النهي (مسلم) في رواية بدله مؤمن (بكافر) ذميا أو غيره وهو مذهب الشافعي وقتل أبو حنيفة المسلم بذمي وفي سنن البيهقي عن ابن مهدي عن ابن زياد قلت لزفر: يقولون تدرأ الحدود بالشبهات وأقدمتم على أعظم الشبهات قال: وما هو قلت: قتل مسلم بكافر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر قال: أشهد على رجوعي عنه
<تنبيه> هذا الحديث روي بزيادة ولفظه لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده وقد مثل به أهل الأصول للأصح عندهم أن عطف الخاص على العام كعكسه لا يخصص فقوله ولا ذو عهد في عهده يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير حربي فقال الحنفي يقدر الحربي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك بين المعطوفين في صفة الحكم فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بذمي
(حم ت هـ عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رمز لحسنه وقضية كلام المصنف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين وهو عجب فقد قال ابن حجر: خرجه البخاري من طريق أبي جحيفة عن علي في حديث(6/453)
9982 - (لا يقتل حر بعبد) وبه قال الشافعي
(هق) من حديث جويبر عن الضحاك (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وهو قصور أو تقصير فقد تعقبه الذهبي على البيهقي فقال: قلت جويبر هالك وقال ابن حجر: فيه جويبر وهو من المتروكين وأورده الذهبي من طريق آخر عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي قال علي: من السنة أن لا يقتل حر بعبد فتعقبه الذهبي فقال: فيه إرسال وجابر واه اه ورواه الدارقطني أيضا عن ابن عباس وقال: جويبر متروك والضحاك ضعيف(6/453)
9983 - (لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن) خبر بمعنى النهي فيحرم ذلك ولو بعض آية عند الشافعي كالجمهور وجوز أبو حنيفة بعضها لا كلها ومالك آيات قليلة وداود الكل وفي رواية لم يذكر الحائض وفي أخرى الحائض والجنب لا يقرآن شيئا من القرآن وفي رواية ولا النفساء
<فائدة> روى الدارقطني وغيره عن عكرمة قال: كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها ففزعت امرأته فلم تجده فقامت فرأته على الجارية فرجعت فأخذت الشفرة ثم خرجت ففزع فلقيها تحمل الشفرة قال: وأين رأيتني قالت: رأيتك على الجارية قال: ما رأيتني وقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب قالت: فاقرأ قال:
أتانا رسول الله يتلو كتابه. . . كما لاح مشهور من الفجر ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا. . . به موقنات أن ما قال واقع [ص:454]
يبيت بجافي جنبه عن فراشه. . . إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
قالت: آمنت بالله وكذبت البصر ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فضحك حتى بدت نواجذه
(حم ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في التنقيح: فيه ضعف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: ضعيف وقال ابن حجر: فيه إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازين ضعيفة وهذا منها ورواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن ومن وجه آخر فيه متهم عن أبي معشر وهو ضعيف وأخطأ ابن سيد الناس حيث صحح طريق المغيرة فإن فيها عبد الملك بن سلمة ضعيف وقال في المهذب: تفرد به إسماعيل بن عياش وهو منكر الحديث عن الحجازيين والعراقيين وقد روى عن غيره عن موسى وليس بصحيح اه وفي الميزان عن ابن أحمد عن أبيه أن هذا باطل(6/453)
9984 - (لا يقص على الناس) أي لا يتكلم عليهم بالقصص والإفتاء قال الطيبي: قوله لا يقص ليس بنهي بل هو نفي وإخبار أن هذا الفعل ليس بصادر إلا من هؤلاء (إلا أمير) أي حاكم وهو الإمام قال حجة الإسلام: وكانوا هم المفتين (أو مأمور) أي مأذون له في ذلك من الحاكم (أو مرائي) وهو من عداهما سماه مرائيا لأنه طالب للرياسة متكلف ما لم يكلفه الشارع حيث لم يؤمر بذلك لأن الإمام نصب للمصالح فمن رآه لائقا نصبه للقص أو غير لائق فلا. هذا ما قرره حجة الإسلام. وقصر الزمخشري له على أن المراد خصوص الخطبة لا ملجأ إليه فلا معول عليه
<تنبيه> قال الراغب: لا يصلح الحكيم لوعظ العامة لا لنقص فيه بل لنقص في العامة فلن ترى الشمس أبصار الخفافيش وبين الحكيم والعامي من تنافي طبعيهما وتنافر شكليهما من التنافر كما بين الماء والنار والليل والنهار وقد قيل لسلمة بن كهيل ما لعلي رفضته العامة وله في كل خير ضرس قاطع قال: لأن وضوء عيونهم قصير عن نوره والناس إلى أشكالهم أميل وقال جاهل لحكيم: أحبك فقال: نعيت إلى نفسي قيل: ولم قال: لأنه إن صدق فليس حبه إلا إلى نقيصة بدت من نفسي لنفسه فأنست به وعليه قال الشاعر:
لقد زادني حبا لنفسي أنني. . . بغيض إلى كل امرئ غير طائل
فحق الواعظ أن يكون له مناسبة إلى الحكماء يقدر على الاقتباس عنهم والاستفادة منهم ومناسبة إلى الدهماء يقدرون على الأخذ عنه كالوزير للسلطان الذي يجب أن يكون فيه أخلاق الملوك وتواضع السوقة ليصلح كونه واسطة بينه وبينهم وكالنبي الذي جعله الله من البشر وأعطاه قوة الملك ليمكنه التلقي من الملك ويمكن البشر الأخذ عنه وإليه الإشارة بقوله {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} تنيها على أن ليس في وسعكم التلقي عن الملك ما لم يتجسم فيصير كصورة رجل فحق الواعظ أن يكون له نسبة إلى الحكيم وإلى العامة يأخذ منهم ويعطيهم كنسبة الغضاريف إلى العظم واللحم جميعا ولولاها لم يكن للعظم اكتساب الغذاء من اللحم فتأمله فإنه بديع جدا
(حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ العراقي: وإسناده حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه ثم إن ما ذكر من أن الحديث هكذا فحسب هو ما وقع للمؤلف والذي وقفت عليه في سند أحمد لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال أو مرائي فلعل المؤلف سقط من قلمه المختال(6/454)
9985 - (لا يلدغ المؤمن) بدال مهملة وغين معجمة وفي رواية العسكري لا يسع بسين وعين مهملتين (من حجر) بضم الجيم فحاء مهملة (مرتين) روي برفع الغين نفي معناه المؤمن المتيقظ الحازم لا يؤتى من قبل الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وبكسرها نهي أي ليكن فطنا كيسا لئلا يقع في مكروه بعد وقوعه فيه مرة قبلها وذا من جوامع كلمه التي لم يسبق إليها أراد به تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحل حصول مضرة سبقت له فيه وكما أن هذا مطلوب في أمر الدنيا [ص:455] فكذا في أمور الآخرة فالمؤمن إذا أذنب ينبغي أن يتألم قلبه كاللديغ ويضطرب ولا يعود كما فعل يوسف بعد همه بزليخا كان لا يكلم امرأة حتى يرسل على وجهه شيئا (1) وهذا الحديث فيه قصة وهو ما أخرجه العسكري أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار وقال: لا نعد لمثلها فقال الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره قال العسكري: وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأبي عزة الجمحي الشاعر وكان يهجوه ويحرض عليه الكفار وكان قد أصابه مرض فتجنبه الناس فضرب بطنه بشفرة فمارت عن جوفه وشقت جلده فخلص من البرص فأسر يوم بدر فسأل المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه فعاهده أن لا يحرض عليه وأطلقه ثم حضر أحدا مع الكفار فلما خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد أسره وسأله أن يمن عليه فقال: كلا لا تتحدث بالأبطح وتفتل سباليك وتقول خدعت محمدا مرتين ثم ذكر الحديث وأمر به فقتل فصار الحديث مثلا ولم يسمع ذلك قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الطيبي: لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم من نفسه الزكية الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنا كاملا حازما ذا شهامة ونهاه عن ذلك تأنيبا يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دينه أن ينخدع من مثل هذا الغادر والمتمرد مرة بعد أخرى فاتته عن حدث الحلم وامض لشأنك في الانتقام والانتصار من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى التحلم والعفو وأنشد النابغة في المعنى:
ولا يخر في حلم إذا لم تكن له. . . بوادر تحمى صفوه أن يكدرا
(حم ق د) في الأدب (هـ) في الفتن (عن أبي هريرة حم هـ عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) فيه نظر فإن الأنبياء معصومون لقوله تعالى {الله أعلم حيث يجعل رسالته}(6/454)
9986 - (لا يمس القرآن إلا طاهر) أي لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على طهارة يعني مس المكتوب فيه ومن الناس من حمله على القراءة أيضا فعن ابن عباس أنه كان لا يبيح القراءة المحدث كذا قرره الزمخشري
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله موثقون اه قال ابن حجر: ورواه أيضا أبو حاتم والدارقطني وعبد الرزاق والبيهقي والطيالسي وغيرهم اه. ورواه الدارقطني بهذا اللفظ عن ابن عمر قال الغرياني: فيه سليمان بن موسى الأموي لينه النسائي وقال البخاري: له مناكير(6/455)
9987 - (لا يموتن) بنون التوكيد (أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله) أي لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة وهي حسن الظن بالله تعالى بأن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه لأنه إذا حضر أجله وأتت رحلته لم يبق لخوفه معنى بل يؤدي إلى القنوط وهو تضييق لمجاري الرحمة والإفضال ومن ثم كان من الكبائر القلبية فحسن الظن وعظم الرجاء أحسن ما تزوده المؤمن لقدومه على ربه قال الطيبي: نهى أن يموتوا على غير حالة حسن الظن وذلك ليس بمقدور بل المراد الأمر بحسن الظن ليوافي الموت وهو عليه اه. ونظيره {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وهذا قاله قبل موته بثلاث والنهي وإن وقع عن الموت لكنه غير مراد إذ هو غير مقدور بل المراد النهي عن عدم سوء الظن بل عن ترك الخشوع وأفاد الحث على العمل الصالح المفضي إلى حسن الظن والتنبيه على تأميل العفو وتحقيق الرجاء في روح الله تعالى
(حم م) في آخر صحيحه (د) في الجنائز (هـ) في الزهد كلهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاثة أيام لا يموتن فذكره(6/455)
[ص:456] حرف الياء(6/456)
9988 - (يأتي على الناس زمان الصابر) كذا بخط المصنف وفي رواية القابض (فيهم على دينه كالقابض على الجمر) شبه المعقول بالمحسوس أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسى بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع
(ت عن أنس) بن مالك رضي الله عنه(6/456)
9989 - (يأتي على الناس زمان يكون المؤمن أذل من شاته) أي مقهورا مغلوبا عليه فهو مبالغة في كمال الذلة والهوان لما هو محافظ عليه من الإيمان
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك(6/456)
9990 - (يؤجر المرء في نفقته كلها إلا في التراب) أي في نفقته في البنيان الذي لم يقصد به وجه الله وقد زاد على ما يحتاجه لنفسه وعياله على الوجه اللائق فإنه ليس له فيه أجر بل ربما كان عليه وزر
(ت عن خباب) بفتح المعجمة وموحدتين أولاهما ساكنة ابن الأرت رمز المصنف لصحته(6/456)
9991 - (يؤم القوم أقرؤهم للقرآن) خبر بمعنى الأمر فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما قال البغوي: لم يختلفوا في أن القراءة والفقه مقدمان على غيرهما واختلف في فقه مع قراءة فقدم أبو حنيفة القراءة وعكس الشافعي ومالك لأن الفقه يحتاج إليه في سائر الأركان والقراءة في ركن واحد وإنما نص في الخبر على الأقرأ لأنه كان أعلم لتلقي الصحب القرآن بأحكامه وقال القاضي: إنما قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم الأقرأ على الأعلم لأن الأقرأ في زمنه كان أفقه أما لو تعارض فضل القراءة وفضل الفقه فيقدم الأفقه وعليه أكثر العلماء لأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر وأمس من حاجته للقراءة لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور وما يقع فيها من الحوادث غير محصور فلو لم يكن فقيها فائقا فيه كثيرا ما يعرض له في صلاته ما يقطعها عليه وهو غافل عنه
(حم عن أنس) بن مالك رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله موثقون اه وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين والأمر بخلافه فقد خرجه مسلم في صحيحه بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وكذا أبو داود والترمذي وعلقه البخاري(6/456)
9992 - (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه) في الإسلام جمع قذاة وهي ما يقع في العين والماء والشراب من نحو تراب وتبن ووسخ (وينسى الجذع) واحد جذوع النخل (في عينه) كأن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به مثل ضرب لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة وذلك من أقبح القبائح وأفضح الفضائح فرحم الله من حفظ قلبه ولسانه ولزم شأنه وكف عن عرض أخيه وأعرض عما لا يعنيه فمن حفظ هذه الوصية دامت سلامته وقلت ندامته فتسليم [ص:457] الأحوال لأهلها أسلم والله أعلى وأعلم ولله در القائل:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره. . . ويعمى عن العيب الذي هو فيه
فلا خير فيمن لا يرى عيب نفسه. . . ويعمى عن العيب الذي بأخيه
وما ذكر من أن الحديث هكذا هو ما وقفت عليه في نسخ وذكر ابن الأثير أن سياق الحديث " يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يبصر الجذل في عينه " قالوا والجذل بالكسر والفتح أصل الشجر يقطع وقد يجعل الله العود جذلا
<تنبيه> هذا الحديث مثل من أمثال العرب السائرة المتداولة وروي عنهم بألفاظ مختلفة فمنها أن رجلا كان صلب أبوه في حرب ثم تناول آخر وعابه فقال له الآخر: يرى أحدكم القذاة في عينه ولا يرى الجذع معترضا في أست أبيه وفي لفظ تبصر القذاة في عين أخيك وتدع الجذع المعترض في حلقك وفي لفظ في أستك وفي لفظ في عينك فكل هذا أمثال متداولة بينهم
(حل) وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) قال العامري: حسن(6/456)
9993 - (يبعث الناس على نياتهم) قال الداودي: معناه أن الأمم تعذب ومعهم من ليس منهم فيصاب جميعهم بآجالهم ثم يبعثون على أعمالهم فالطائع عند البعث يجازي بعمله والعاصي تحت المشيئة قال ابن حجر: والحاصل أنه لا يلزم من الاشتراك في الهلاك الاشتراك في الثواب أو العقاب بل يجازي كل أحد على حسب نيته
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته(6/457)
9994 - (يبعث كل عبد على ما مات عليه) أي على الحال التي مات عليها من خير وشر قال الهروي: وليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت ثم هذا الحديث يوضحه حديث أبي داود عن ابن عمر وقيل: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو قال: إن قتلت صابرا محتسبا بعثت صابرا محتسبا وإن قتلت مرائيا مكاثرا بعثت مرائيا مكاثرا على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله بتلك الحال وفي حديث أبي هريرة عن أنس مرفوعا من مات سكرانا فإنه يعاين ملك الموت سكرانا ويعاين منكرا ونكيرا سكرانا ويبعث يوم القيامة سكرانا إلى خندق في وسط جهنم يسمى السكران قال عياض: أورد مسلم هذا الحديث عقب حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله مشيرا إلى أنه مفسر له ثم أعقبه بحديث ثم بعثوا على أعمالهم مشيرا إلى أنه وإن كان مفسرا لما قبله لكنه عام فيه وفي غيره
(م عن جابر) ووهم الحاكم حيث استدركه(6/457)
9995 - (يتجلى لنا ربنا ضاحكا) أي يظهر لنا وهو راض عنا ويتلقانا بالرحمة والرضوان والسرور والأمان (يوم القيامة) تمامه عند مخرجه الطبراني عن أبي موسى حتى ينظروا إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة اه. بنصه قال الخطابي: الضحك الذي يعتري البشر عند الفرح والطرب محال على الحق تقدس وإنما هذا مجاز عن رضاه عنهم وإقباله عليهم والكرام يوصفون بالبشر وحسن اللقاء عند القدوم عليهم
<تنبيه> قال المؤلف وغيره: من خصائص هذه الأمة أنه تعالى يتجلى عليهم فيرونه ويسجدون له بإجماع أهل السنة وفي الأمم السابقة احتمالان لابن أبي جمرة قال المؤلف: ورأيت بخط الزركشي عن غرائب الأصول لمسلمة بن القاسم أن حديث تجلى الله يوم القيامة ومجيئه في الظلل محمول على أنه تعالى يغير أبصار خلقه حتى يرونه كذلك وهو على عرشه غير متغير عن عظمته ولا متنقل عن ملكه كذا جاء عن الماجشون قال: فكل حديث جاء في التنقل والرؤية في المحشر معناه أنه [ص:458] يغير أبصار خلقه فيرونه نازلا ومتجليا ويناجي خلقه ويخاطبهم وهو غير متغير عن عظمته ولا متنقل ليعلموا أن الله على كل شيء قدير
(طب) وكذا تمام في فوائده (عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: وفيه علي بن زيد بن جذعان وهذا الحديث موجود في مسلم بلفظ فيتجلى لهم يضحك(6/457)
9996 - (يترك الكاتب الربع) يعني يلزم السيد أن يحط عن المكاتب بعض النجوم والأولى كونه الربع وقت الوجوب قبل العتق
(ك عن علي) أمير المؤمنين(6/458)
9997 - (يجزئ من الوضوء مد ومن الغسل صاع) قال الشافعي وأحمد: ليس معناه أنه لا يجزئ أكثر ولا أقل بل هو قدر ما يكفي إذا وجد الشرط وهو جري الماء على العضو وعمومه أجزأ قل أم كثر لكن السنة أن لا ينقص في الوضوء عن مد والغسل عن صاع
(هـ) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن أبيه (عن) جده (عقيل) بن أبي طالب الهاشمي صحابي عالم بالنسب رمز لحسنه قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: إسناده فيه ضعف لكن له طرق باعتبار مجموعها يكون حسنا قال ابن القطان: وقد وجدت لهذا المعنى إسنادا صحيحا عند ابن السكن بلفظ يجزئ من الوضوء المد ومن الجنابة الصاع فقال رجل لراويه جابر: ما يكفيني فقال: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا اه هذا بلفظه خرجه الحاكم في مستدركه وقال: على شرطهما وأقره عليه الذهبي وعقيل هذا أخو علي كرم الله وجهه وهو أكبر من علي بعشرين سنة وكان نسابة أخباريا ومن لطائف إسناد هذا الحديث أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده(6/458)
9998 - (يجزئ من الوضوء رطلان من ماء) قال جمع: والإجزاء يعم الواجب والمندوب رخصه آخرون بالواجب واعتمده المازري ونصره الأصفهاني والقرافي لكن استبعده السبكي وقال: قضية كلام الفقهاء أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض
(ت عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن عيسى البصري قال في الكاشف: ضعفوه(6/458)
9999 - (يجزئ من السواك الأصابع) إذا كانت خشنة لحصول مسمى الدلك والاتقاء بها وبهذا أخذ جمع وقد جوز الشافعية السواك بأصبع غيره الخشنة وحكوا في أصبع نفسه أوجها المشهور المنع والثاني الجواز واختاره في المجموع والثالث الجواز عند فقد غيرها فقط ولم يفرق بقية المذاهب بين أصبعه وأصبع غيره
(الضياء) في المختارة (عن أنس) بن مالك وقال: إسناده لا بأس به اه ورواه البيهقي عنه أيضا وضعفه وتبعه مغلطاي وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: رواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي من حديث ابن المثنى عن النضر عن أنس وفي إسناده نظر وكثير ضعفوه اه وقال في تخريج الهداية: ذكره البيهقي من طرق ووهاها وقد صحح أيضا بعض طرقه(6/458)
10000 - (يجير على أمتي) وفي رواية بدله على الناس (أدناهم) أي إذا أجار واحد من المسلمين ولو عبدا واحدا أو جمعا من الكفار وأمنهم جار على جميع المسلمين وفي رواية لأبي يعلى وغيره يجير على المسلمين
(حم ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه رجل لم يسم وبقية رجال أحمد رجال الصحيح اه وقضية صنيع المصنف أن ذا لم يخرج في أحد دواوين الإسلام وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الجهاد والزكاة والديات وغيرها لكنه في أثناء حديث طويل فلعل المصنف لم يتنبه له ورواه مستقلا باللفظ المزبور الطيالسي وغيره(6/458)
[ص:459] 10001 - (يحب الله العامل إذا عمل أن يحسن) وفي رواية أن يتقن عمله فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصورة والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله واحتمل أن المراد يحب من العامل بالطاعة أن يحسنها بإخلاص واستيفاء للشروط والأركان والآداب
(طب عن كليب) مصغرا (ابن شهاب) الجرمي والد عاصم له ولأبيه صحبة(6/459)
10002 - (يحرم) بالضم وشد الراء المكسورة وروي بالفتح وضم الراء (من الرضاعة) وفي رواية من الرضاع قال جمع من العلماء: يستثنى أربع نسوة تحرمن من النسب مطلقا وفي الرضاع قد لا يحرمن: الأولى أم الأخ في النسب حرام لأنها إما أم أو زوج أب الثانية أم الحفيد حرام في النسب لأنها أم بنت أو زوج ابن الثالثة جدة الولد في النسب حرام لأنها أم زوجة الرابعة أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد يكون الأربع الأجنبيات وزاد بعضهم أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة فيحرمن من النسب لا الرضاع قال بعضهم: التحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك لأنهن لم يحرمن من النسب بل من جهة المصاهرة (ما يحرم من النسب) ويباح من الرضاع ما يباح من النسب
(حم ق د ن هـ) في النكاح (عن عائشة) قالت: يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي قال نعم ذكره (حم م ن هـ عن ابن عباس) ورواه أحمد عن عائشة باللفظ المزبور وزاد من خال أو عم أو ابن أخ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(6/459)
10003 - (يخرب الكعبة) بضم الياء وفتح الخاء المعجمة وشد الراء المكسورة من التخريب والجملة فعل ومفعول والفاعل قوله (ذو السويقتين) بضم السين وفتح الواو تثنية سويقة مصغرا للتحقير (من الحبشة) بالتحريك نوع معروف من السودان يقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام قال ابن دريد: جمع الحبش أحبوش بضم أوله وأما قولهم الحبشة فعلى غير قياس وأصل التحبيش التجميع ومن للتبعيض أي يخربها ضعيف من هذه الطائفة إشارة إلى أن الكعبة المعظمة يهتك حرمتها حقير نضو الخلق وإنما سلط عليها ولم يحبس عنها كالفيل لأن هذا إنما هو قرب الساعة عند فناء أهل الحق فسلط على تخريبها لئلا تبقى مهانة معطلة بعد ما كانت مهابة مبجلة ومن هذا التقرير استبان أنه لا تعارض بين هنا وقوله تعالى {حرما آمنا} الأمن إلى قرب القيامة وخراب الدنيا كما تقرر وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين فيسابها حليتها ويجردها من كسوتها كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته أو بمعوله هكذا عزاه لهما جمع منهم الديلمي
(ق ن عن أبي هريرة)(6/459)
10004 - (يد الله على) وفي رواية (الجماعة) أي حفظه ووقايته وكلاءته عليهم. قال الزمخشري: يعني أن جماعة أهل الإسلام في كنف الله ووقايته فوقهم فأقيموا في كنف الله بين ظهرانيهم ولا تفارقوهم اه وقال الطيبي: معنى على كمعنى فوق في آية {يد الله فوق أيديهم} فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من تابع الإمام الحق فكأنما تابع الله ومن تابع الله نصره وخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم اه. وقال ابن عربي: حكمة ذلك أن الله لا يعقل إلها إلا من حيث أسمائه الحسنى لا من حيث هو معرى عنها فلا بد من توحيد عينه وكثرة أسمائه وبالمجموع [ص:460] هو الإله فيد الله وهي القوة مع الجماعة. أوصى حكيم أولاده عند موته فقال: إيتوني بجماعة عصى فجمعها وقال: اكسروها مجموعة فلم يقدروا ففرقها وقال: اكسروها ففعلوا فقال: هكذا أنتم لن تغلبوا ما اجتمعتم فإذا تفرقتم تمكن منكم العدو وكذا القائلون بالدين إذا اجتمعوا على إقامة الدين ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذا الإنسان في نفسه إذا اجتمع في نفسه على إقامة دين الله لم يغلبه شيطان من إنس ولا جن بما يوسوس به إليه مع مساعدة الإيمان والملك تلميذ له وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الترمذي ومن شذ شذ إلى النار اه بنصه ورواه الطبراني بلفظ يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف يركض ورجاله كما قال الهيثمي ثقات
(ت) في الفتن (عن ابن عباس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه وقد رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم فقد قال الصدر المناوي: فيه سلمان بن سفيان المدني ضعفوه وقال غيره: فيه إبراهيم بن ميمون قال ابن حجر: لكن له شواهد كثيرة منها موقوف صحيح(6/459)
10005 - (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم) أي قلوبهم (مثل أفئدة الطير) في رقتها ولينها كما في خبر أهل اليمن أرق أفئدة أي أنها لا تحمل أشغال الدنيا فلا يسعها الشيء وضده كالدنيا والآخرة أو في التوكل كقلوب الطير تغدو خماصا وتروح بطانا وفي الهيبة والرهبة لأن الطير أفزع شيء وأشد الحيوان خوفا لا يطبق حبسا ولا يحتمل إشارة هكذا أفئدة هؤلاء مما حل بها من هيبة الحق وخوف جلال الله وسلطانه لا يطيق حبس شيء يبدو من آثار القدرة ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى شيئا من آثارها كغمام فزع فإذا أمطرت سرى عنه وسمع إبراهيم بن أدهم قائلا يقول كل ذنب مغفور سوى الإعراض عنا فسقط مغمي عليه وسمي علي بن الفضيل قتيل القرآن وعليه فمعنى يدخل الجنة إلخ أي الذين هم لله خائفون وله مجلون ولهيبته خاضعون ومن عذابه مشفقون
(حم م عن أبي هريرة)(6/460)
10006 - (يدور المعروف على يد مئة رجل آخرهم فيه كأولهم) أي في حصول الأجر له فالساعي في الخير كفاعله ومر ما يعلم منه أن حصول الأجر لهم على هذا النحو لا يلزم التساوي في المقدار
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأشهر ولا أقدم ولا أحق بالعزو من ابن النجار وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه مع أن الطيالسي خرجه وكذا الديلمي باللفظ المزبور عن أنس(6/460)
10007 - (يذهب الصالحون) أي يموتون (الأول فالأول) أي قرن فقرن. قال أبو البقاء: يجوز رفعه على الصفة أو البدل ونصبه على الحال وجاز ذلك وإن كان فيه الألف واللام لأن الحال ما يتخلص من المكر لأن التقدير ذهبوا مترتبين اه. قال الزركشي: وهل الحال الأول أو الثاني أو المجموع منهما خلاف كالخلاف في هذا حلو حامض لأن الحال أصلها الخبر وقال الطيبي: الفاء للتعقيب ولا بد من تقدير أي الأول منهم فالأول من الباقين منهم وهكذا حتى ينتهي إلى الحثالة والأول بدل من الصالحون وفي رواية يذهب الصالحون أسلافا ويقبض الصالحون الأول فالأول والثانية تفسير للأولى قال القرطبي: وأراد بهم من أطاع الله وعمل بما أمر به وانتهى عما نهى عنه (وتبقى حفالة) بضم الحاء المهملة وفاء وروي حثالة بثاء مثلثة وهما الرديء والفاء والثاء كثيرا ما يتعاقبان (كحفالة) بالفاء أو بالمثلثة على ما تقرر (الشعير أو) يحتمل الشك ويحتمل التنويع ذكره ابن حجر (التمر) أي كرديئهما والمراد سقط الناس ومن هذا أخذ ابن مسعود [ص:461] قوله فيما رواه أبو نعيم وغيره يذهب الصالحون أسلافا ويبقى أهل الريب ممن لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا (لا يباليهم الله تعالى بالة) أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا والمبالاة الاكتراث ويعدى بالباء وعن وبنفسه وبالة مصدر لا يبالي وأصله بالية كمعافاة وعافية حذفت الياء تخفيفا ذكره القاضي البيضاوي وأذن بأن موت الصالحين من الأشراط وبأن الاقتداء بأهل الخير محبوب وجوز خلو الأرض من عالم حتى لا يبقى إلا الجهل
(حم خ عن مرداس) بكسر الميم وسكون الراء وفتح المهملة أيضا ابن مالك (الأسلمي) من أصحاب الشجرة شهد الحديبية وفي الباب المستورد وغيره(6/460)
10008 - (يرث الولاء من يرث المال) قضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الترمذي من ولد أو والد
(ت) في الفرائض (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي اه. وجزم البغوي بضعفه وذلك لأن فيه ابن لهيعة(6/461)
10009 - (يستجاب لأحدكم) أي لكل واحد منكم في دعائه (ما لم يعجل يقول) هذا استئناف بيان لاستعجاله في الدعاء أي يقول بلفظه أو في نفسه وفي رواية مسلم فيقول قد (دعوت) وفي رواية له أيضا قد دعوت ربي (فلم يستجب لي) والمراد أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو أنه أتى من الدعاء بما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل لربه وفيه حث على ترك استعجال الإجابة
(ف د ت هـ) في الدعاء (عن أبي هريرة) ظاهره أن النسائي لم يروه لكن الصدر المناوي عزاه للجماعة جميعا(6/461)
10010 - (يسروا) بفتح فتشديد أي خذوا بما فيه التيسير على الناس بذكر ما يؤلفهم لقبول الموعظة في جميع الأيام لئلا يثقل عليهم فينفروا وذلك لأن التيسير في التعليم يورث قبول الطاعة ويرغب في العبادة ويسهل به العلم والعمل (ولا تعسروا) لا تشددوا أردفه بنفي التعسير مع أن الأمر بشيء نهي عن ضده تصريحا لما لزم ضمنا للتأكيد ذكره الكرماني وأولى منه قول جمع عقبه به إيذانا بأن مراده نفي التعسير رأسا ولو اقتصر على يسر والصدق على كل من يسر مرة وعسر كثيرا كذا قرره أئمة هذا الشأن ومنهم النووي وغيره وبه يعرف أن لا حاجة لما تكلفه المولى ابن الكمال حيث قال: أراد بالتعسير التهيئة كخبر كل ميسر لما خلق له فلا يكون قوله ولا تعسروا تأكيدا بل تأسيسا اه وأنت خبير بأنه مع عدم دعاء الحاجة إليه لا يلائمه السياق بل ينافره (وبشروا) بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته وشمول عفوه ومغفرته من التبشير وهو إدخال السرور والبشارة الإخبار بخبر سار وقوله بشروا بعد قوله يسروا فيه جناس خطي ولم يكتف به بل أردفه بقوله (ولا تنفروا) لما مر وهو من التنفير أي لا تذكروا شيئا تنهزمون منه ولا تصدروا بما فيه الشدة وقابل به بشروا مع أن ضد البشارة النذارة لأن القصد من النذارة التنفير فصرح بالمقصود منها ومن جعل معنى يسروا اصرفوا وجوه الناس إلى الله في الرغبة فيما عنده وردوه في طلب الحوائج إليه ودلوهم في كل أحوالهم ومعنى لا تعسروا لا تردوهم إلى الناس في طلب ما يحتاجونه فقد صرف اللفظ عن ظاهره بلا ضرورة وهذا الحديث كما قال الكرماني وغيره من جوامع الكلم لاشتماله على الدنيا والآخرة لأن الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالجميل والإخبار بالسرور تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين وفيه الأمر بالتيسير بسعة الرحمة والنهي عن التنفير بذكر التخويف أي من غير ضمه إلى التبشير وتأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه والأخذ بالأرفق [ص:462] وتحسين الظن بالله لكن لا يجعل وعظه كله رجاء بل يشوبه بالخوف فيجعلها كأدنى حافر والعلم والعمل كجناحي طائر
(حم ق ن عن أنس) بن مالك ورواه البخاري وغيره عن أبي موسى الأشعري وذكر أنه قال ذلك له ولمعاذ لما بعثهما إلى اليمن وزاد بعد ما ذكر هنا وتطاوعا ولا تختلفا قال أبو البقاء: وإنما قال يسروا بالجمع مع أن المخاطب اثنان لأن الاثنين جمع في الحقيقة إذ الجمع ضم شيء إلى شيء أو يقال إن الاثنين أميران والأمير إذا قال شيئا توقع قبول الأمر إلى الجمع أو أراد أمرهما وأمر من يوليانه(6/461)
10011 - (يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء) قال القرطبي: فأعظم بمنزلة هي بين النبوة والشهادة بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولما كان العلماء يحسنون إلى الناس بعلمهم الذي أفنوا فيه نفائس أوقاتهم أكرمهم الله تعالى بولاية مقام الإحسان إليهم في الآخرة بالشفاعة فيهم جزاءا وفاقا وقد أخذ بقضية هذا الخبر جمع جم فصرحوا بأن العلم أفضل من القتل في سبيل الله لأن المجاهد وكل عامل إنما يتلقى عمله من العالم فهو أصله وأسه وعكس آخرون وقد رويت أحاديث من الجانبين وفيها ما يدل للفريقين قال ابن الزملكاني: وعندي أنه يجب التفصيل في التفضيل وأن يحمل على بعض الأحوال أو بعض الأشخاص كل بدليل
(هـ) من حديث عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن غيلان عن أبان (عن عثمان) بن عفان رمز المصنف لحسنه وهو عليه رد فقد أعله ابن عدي والعقيلي بعنبسة ونقلا عن البخاري أنهم تركوه ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الخبر(6/462)
10012 - (يشفع يوم القيامة الشهيد) في سبيل الله (في سبعين) إنسانا (من أهل بيته) شمل الأصول والفروع والزوجات وغيرهم من الأقارب ويحتمل أن المراد بالسبعين التكثير وفيه أن الإحسان إلى الأقارب أفضل منه إلى الأجانب
(د عن أبي الدرداء) رمز لحسنه(6/462)
10013 - (يشمت العاطس) ندبا على الكفاية لو قاله بعض الحاضرين أجزأ عنهم قال النووي: لكن الأفضل أن يقوله كل منهم (ثلاثا) أي ثلاث مرات في ثلاث عطسات كل واحدة عقب الحمد قال ابن حجر: فلو تتابع عطاسه فلم يحمد لغلبه العطاس فهل يشمت بعد الحمد ظاهر الخبر نعم (فما زاد) عن العطسات الثلاث فهو مزكوم من الزكام (فلا يشمت) بعد هذا لأن الذي به مرض لا يقال إذا كان مريضا فهو أحق بالدعاء من غيره لأنا نقول يندب أن يدعى له لكن غير دعاء العاطس بل الدعاء للمريض بنحو عافية وسلامة وشفاء ونحوه مما يناسب حال المريض ولا يكون من باب التشميت
(د عن سلمة) ابن الأكوع رمز المصنف لحسنه(6/462)
10014 - (يطبع المؤمن) أي الكامل (على كل خلق) غير مرضي أي يجعل الخلق طبيعة لازمة له يعسر تركه يشق مجاهدته أي يخلق عليها من خير وشر قال الجوهري: طبعت الدرهم أي عملته والطباع الذي يعمله (ليس الخيانة والكذب) أي فلا يطبع عليهما بل قد يحصلان تطبعا وتخلقا والطباع ما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا تكاد تزاولها من خير وشر قال الطيبي: وإنما كانت الخيانة والكذب منافيين لحاله لأنه حكم بأنه مؤمن والإيمان يضادهما إذ الخيانة ضد الأمانة لا إيمان لمن لا أمانة له والكذب قد مر أنه مجانب للإيمان في غير ما مكان وليس من شرطه أن لا يوجد منه خيانة ولا كذب أصلا بل أن [ص:463] لا يكثر منه
<تنبيه> قال ابن مالك في شرح الكفاية: من أدوات الاستنثاء ليس وهي على فعليتها وعملها إلا أن المرفوع بها لا يكون إلا مستترا لأنهم قصدوا أن لا يليها إلا لأنها أصل الأدوات الاستثنائية والمستثنى بها واجب النصب بمقتضى الخبرية من الاستثناء بها هذا الحديث أي ليس بعض خلقه الخيانة هذا التقدير الذي يقتضيه الإعراب والتقدير المعنوي يطلق على كل خلق إلا الخيانة والكذب اه وقد ذكروا أن هذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه النحو فإنه جاء إلى حماد بن سلمة فاستملى منه حديث ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء فقال سيبويه ليس أبو الدرداء فصاح به حماد لحنت يا سيبويه إنما هذا استثناء فقال والله لأطلبن علمها ثم مضى ولزم الأخفش وغيره
<تنبيه> قال الغزالي: الكذب ليس حراما لعينه بل لضرورة وذلك جائز حين تعين طريقا للمصلحة ونوزع بأنه يلزم منه جوازه حيث لا ضرر وأجيب بأنه يمنع منه حسما للمادة فلا يباح منه إلا لما فيه مصلحة
(هب عن ابن عمر) ابن الخطاب رمز لحسنه قال في المهذب: فيه عبد الله بن حفص الوكيل وهو كذاب اه وقال في الضعفاء: قال ابن عدي: كان يضع الحديث وقال في الكبائر: روي بإسنادين ضعيفين ورواه البيهقي في الشعب من طريق أخرى وقال: فيه سعيد بن رزين من الضعفاء وأقول: فيه أيضا علي بن هاشم أورده أيضا في الضعفاء وقال: له مناكير وقال ابن حبان: غال في التشيع ورواه الطبراني باللفظ المزبور وقال الهيثمي: فيه عبد الله بن الوليد ضعيف ورواه أحمد بلفظ يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب قال الهيثمي: وفيه انقطاع ورواه البزار وأبو يعلى بلفظ يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب قال المنذري: رواته رواة الصحيح وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح: سنده قوي وبه يعرف أن المؤلف لم يصب في إيثاره الطريق الضعيفة وضربه عن الصحيحة صفحا(6/462)
10015 - (يعطى المؤمن في الجنة قوة مئة من الرجال في النساء) أي أمر النساء وهو الجماع والظاهر أن المراد بالمئة التكثير وأن قوته فيها على الجماع غير منناهية بدليل الخبر المار أن الواحد له ذكر لا ينثنى فإنه لا فتور هناك
(ت حب عن أنس) بن مالك قال الترمذي: حسن صحيح(6/463)
10016 - (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) بفتح الدال والمراد به جميع حقوق العباد من نحو دم ومال وعرض فإنها لا تغفر بالشهادة وذا في شهيد البر أما شهيد البحر فيغفر له حتى الدين لخبر فيه والكلام فيمن عصى باستدانته أما من استدان حيث يجوز ولم يخلف وفاء فلا يحبس عن الجنة شهيدا أو غيره
(حم م) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري(6/463)
10017 - (يقتل) عيسى (ابن مريم الدجال بباب لد) بالضم وشد الدال جبل بالشام أو بفلسطين وفي رواية للطيالسي والديلمي يقتله دون باب لد سبعة عشر ذراعا قال في مسند الفردوس: اللد بالرملة من أرض الشام قال ابن العربي: ورد أنه إذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء فإما أن تكون صفة قتله أضيفت إلى عيسى لأنها عند لقائه وإما أن يدركه في تلك الحال فيقتله هناك قتلا
(طب عن مجمع) بضم أوله وفتح الجيم وشد الميم مكسورة (بن جارية) ابن عامر الأنصاري أحد بني مالك بن عوف كان أبوه ممن اتخذ مسجد الضرار ومجمع غلام جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلا(6/463)
10018 - (يكسى الكافر لوحين من نار في قبره) أي يجعل واحد غطاء وآخر وطاء وقضيته أن الكفار يعذبون في قبورهم [ص:464] وهو مما جرى عليه بعضهم لكن ذهب آخرون أنهم إنما يعذبون في الآخرة بنار جهنم
(ابن مردويه) في تفسيره (عن البراء) بن عازب(6/463)
10019 - (يكون في آخر الزمان عباد) بضم العين والتشديد بضبط المصنف (جهال) قال القرطبي: هذا الحديث صحيح المعنى لما ظهر من ذلك في الوجود قال مكحول يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أفتن من جيفة حمار (وقراء فسقة) رواية أبي نعيم فساق
(حل) عن أنس ثم قال مخرجه أبو نعيم هذا حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو قاض بصري في حديثه نكارة اه (ك) في الرقاق من حديث يوسف بن عطية عن ثابت (عن أنس) قال الحاكم: صحيح فشنع عليه الذهبي فقال: قلت يوسف هالك اه وفي الميزان عن البخاري منكر الحديث وساق له هذا الخبر اه ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه ثم قال: يوسف كثير المناكير اه ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث في مواضع من المغني(6/464)
10020 - (يلبي المعتمر) أي يلبي في عمرته كلها يعني في أحواله كلها (حتى يستلم الحجر) أي بالتقبيل أو وضع اليد وظاهره أنه يلبي حال دخوله المسجد وبعد رؤيته البيت وحال مشيه حتى يشرع في الاستلام لأنه جعل الاستلام غاية
(د عن ابن عباس) رمز لحسنه(6/464)
10021 - (يمن الخيل في شقرها) أي البركة فيما احمر من الخيل حمرة صافية جدا مع حمرة العرف والذنب قال ابن مهاجر: سألت عقيل بن شبيب لم فضل الأشقر؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب أشقر وزاد الطبراني بسند فيه ضعف وأيمنها ناصية ما كان منها أغر محجلا مطلق اليد اليمنى اه
(حم د ت) في الجهاد (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وهو فيه تابع للترمذي حيث قال: حسن غريب لكن في المنار عندي أنه صحيح قال: رواته كلهم ثقات وما في سنده مما يوهم الانقطاع مدفوع عند التأمل(6/464)
10022 - (يمينك) مبتدأ وخبره (على ما يصدقك عليه صاحبك) أي واقع عليه لا تؤثر فيه التورية فالمعنى يمينك التي يجوز أن تحلفها هي التي لو علمها صاحبك لصدقك فيها فلا يجوز الحلف حتى تعرض الأمر على نفسك فإن رأيته في نفس الأمر كذلك وإلا فأمسك فإن التورية لا تفيد أي إن كان المستحلف القاضي فلو حلف بغير استحلافه نفعته التورية فالحاصل أن اليمين على نية الحالف إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه فعلى نيتهما
(حم م) في الأيمان والنذور (د) فيه (ت) في الأحكام (هـ) في الكفارة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري ورواه الترمذي في العلل أيضا عن أبي هريرة وقال: إنه سأل عنه البخاري فقال: هو حديث هشيم لا أعرف أحدا رواه غيره(6/464)
10023 - (ينزل عيسى ابن مريم) من السماء إلى الأرض آخر الزمان وهو نبي رسول على حاله لا كما وهم البعض أنه يأتي واحدا من هذه الأمة نعم هو كأحدهم في حكمه بشرعنا ذكره السبكي (عند المنارة البيضاء) في رواية واضعا يديه على أجنحة ملكين إذا أدنى رأسه قطر وإذا رفع تحادر منه جمان كاللؤلؤ
<فائدة> قال في الزاهر: سميت منارة لأنها آلة ما يضيء وينير من السرج قال لبيد: [ص:465]
وتضيء في وجه الظلام منيرة. . . كجانة البحري سل نظامها
(شرقي دمشق) قال ابن كثير: هذا هو الأشهر في محل نزوله وقد وجدت منارة بزمننا سنة إحدى وأربعين وسبع مئة بحجارة بيض ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله من بناها. قال الجرالي: وإذ أنزل عيسى وقع العموم الحقيقي في الطريق المحمدي باتباع الكل له
<تنبيه> قال العلماء: الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه فبين الله كذبهم وأنه الذي ينزل فيقتلهم أو أن نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض لأنه جعل له أجلا إذا جاء أدركه الموت ولا ينبغي لمخلوق من تراب أن يموت في السماء ويوافق نزوله خروج الدجال فيقتله لا أنه ينزل له قصدا ذكر هذا الأخير الحليمي قال ابن حجر: والأول أجود وقال البسطامي في كتاب الجفر الأكبر: يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة ويتزوج في العرب فيولد له أولاد ويكون على مقدمة عسكر عيسى أصحاب الكهف يحميهم الله في زمانه ليكونوا من أنصاره إلى الله ومن أمارات خروجه عمارة بيت المقدس وخراب يثرب ثم نزول الروم بمرج دابق ثم فتح قسطنطينية
(فائدة مهمة) نقل ابن سيد الناس في ترجمة سلمان الفارسي من رواية الطبراني والطبري أن عيسى نزل إلى الأرض بعد الرفع في حياة أمه وخالته فوجد أمه تبكي عند الجذع فسلم عليها وأخبرها بحاله فسكن ما بها ووجه الحواريين في بعض الحوائج قال الطبري: فإذا جاز نزوله بعد رفعه مرة قبل نزوله آخر الزمان فلا بدع أنه ينزل مرات ونقل أن سلمان اجتمع به أيام سياحته لطلب من يرشده للدين الحق قبل البعثة وأعلمه بقرب ظهور المصطفى صلى الله عليه وسلم
<تنبيه> سئل المؤلف هل ينزل جبريل على عيسى فإن قلتم نعم فيعارضه قوله للمصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الوفاة هذه آخر وطئتي في الأرض فأجاب بأنه ينزل عليه لما في مسلم في قصة الدجال ونزول عيسى فبينما هم كذلك إذا أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور الحديث فقوله: أوحى الله إلى عيسى ظاهر في نزول جبريل إليه وأما حديث الوفاة فضعيف ولو صح لم يكن فيه معارضة لحمله على أنه آخر عهده بإنزال الوحي
(طب) وكذا في الأوسط (عن أوس بن أوس) الثقفي له وفادة رمز لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال في بحر الفوائد: قد ورد في نزوله أحاديث كثيرة روتها الأئمة العدول التي لا يردها إلا مكابر أو معاند(6/464)
10024 - (ينزل في الفرات كل يوم مثاقيل من بركة الجنة) قال ابن حجر: الفرات بالمثناة في الخط في حالتي الوصل والوقف وجاز في القراءة الشاذة أنها هاء تأنيث وشبهها أبو المظفر بن الليث بالياقوت والتابوت
(خط عن ابن مسعود)(6/465)
10025 - (يهرم ابن آدم) أي يكبر (ويبقى معه) خصلتان (اثنتان) استعارة يعني تستحكم الخصلتان في قلب الشيخ كاستحكام قوة الشاب في شبابه (الحرص) على المال والجاه والعمر (وطول الأمل) فالحرص فقره ولو ملك الدنيا والأمل تعبه ذكره الحرالي وإنما لم تذهب هاتان الخصلتان لأن المرء جبل على حب الشهوات كما قال تعالى {زين للناس} الآية وإنما تنال هي بالمال والعمر والنفس معدن الشهوات وأمانيها لا تنقطع فهي أبدا فقيرة لتراكم الشهوات عليها قد برح بها خوف الفوت وضيق عليها فهي مفتونة بذلك وخلصت فتنتها إلى القلب فأصمته عن الله وأعمته لأن الشهوة ظلمات ذات رياح هفافة والريح إذا وقع في الأذن أصمت والظلمة إذا حلت بالعين أعمت فلما وصلت هذه الشهوة إلى القلب حجبت النور فإذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فتمزق الحجاب فذلك تقواه به يتقى مساخط الله ويحفظ حدوده ويؤدي فرائضه فإذا أشرق الصدر بذلك النور تأدى إلى النفس فأضاء ووجدت له النفس حلاوة وطلاوة ولذة تلهيه عن شهوات الدنيا وزخرفها فيحيى قلبه ويصير غنيا بالله الكريم في فعاله الحي في ديموميته القيوم في ملكه والنفس حينئذ بجواره وفي غناء الجار غناء فصارت تقواه في قلبه وهو في ذلك النور وغناه في نفسه طمأنينتها ومعرفتها أين معدن الحاجات [ص:466] وحكم عكسه عكس حكمه أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه
<فائدة> ذكر في البستان عن أبي عثمان النهدي قال: بلغت نحوا من ثلاثين ومئة سنة وما من شيء إلا وقد أنكرته إلا أملي فإني أجده كما هو قال: وكان أبو عثمان عظيم القدر كبير الشأن
(حم ق) في الزهد (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وقضية كلام المصنف أن القزويني تفرد به من بين الستة وليس كذلك بل هو في الصحيحين بتغيير يسير ولفظ مسلم يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر ولفظ البخاري يكبر ابن آدم إلخ ولفظه في رواية لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل(6/465)
10026 - (يوزن يوم القيامة مداد العلماء) أي الحبر الذي يكتبون به في الإفتاء ونحوه كالتأليف (ودم الشهداء) أي المهراق في سبيل الله (فيرجع مداء العلماء على دم الشهداء) ومعلوم أن أعلى ما للشهيد دمه وأدنى ما للعالم مداده فإذا لم يف دم الشهداء بمداد العلماء كان غير الدم من سائر فنون الجهاد كلا شيء بالنسبة لما فوق المداد من فنون العلم وهذا مما احتج به من فضل العالم على الشهيد قال ابن الزملكاني: وهو حديث لا تقوم به الحجة وقد أوضح جماعة في تضعيفه المحجة وورد ما يدل على تساويهما في الدرجة والانصاف أن ما ورد للشهيد من الخصائص وصح فيه من دفع العذاب وغفران النقائص لم يرد مثله للعالم لمجرد علمه ولا يمكن أحد أن يقطع له به في حكمه وقد يكون لمن هو أعلى درجة ما هو أفضل من ذلك وينبغي أن يعتبر حال العالم وثمرة علمه وماذا عليه وحال الشهيد وثمرة شهادته وما أحدث عليه فيقع التفضيل بحسب الأعمال والفوائد فكم من شهيد وعالم هون أهوالا وفرج شدائد وعلى هذا فقد يتجه أن الشهيد الواحد أفضل من جماعة من العلماء والعالم الواحد أفضل من كثير من الشهداء كل بحسب حاله وما ترتب على علومه وأعماله
(الشيرازي) في كتاب الألقاب (عن أنس) بن مالك (الموهبي) في فضل العلم (عن عمران) بن حصين (ابن عبد البر) أبو عمر (في) كتاب (العلم عن أبي الدرداء ابن الجوزي) كتاب (العلل) المتناهية في الأحاديث الواهية عن النعمان بن بشير قال الزين العراقي: سنده ضعيف اه. وقضية صنيع المصنف أن ابن الجوزي خرجه في العلل ساكتا عليه وليس كذلك بل عقبه ببيان علنه فقال: حديث لا يصح وهارون بن عنتر أحد رجاله قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به يروي المناكير ويعقوب القمي ضعيف اه. وقال في الميزان: متنه موضوع(6/466)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الياء](6/466)
10027 - (اليد العليا خير) لفظ رواية الطبراني أفضل (من اليد السفلى) يعني المنفق أفضل من الآخذ أي ما لم تشتد حاجته كما مر قال الحافظ العراقي: ولم يقيد الأخذ بالسؤال فاقتضى كون يده سفلى وإن لم يسأل إلا أن يحمل المطلق على المقيد ويقال أراد الأخذ مع السؤال (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك نفقته يقال عال الرجل أهله أي قام بما يحتاجونه من نحو قوت وكسوة وغيرهما وتتمة الحديث عند مخرجه الطبراني أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك
<تنبيه> قال الراغب: في هذا الحديث إشارة إلى فضل المعلم على المتعلم
(حم طب عن ابن عمر) [ص:467] ابن الخطاب قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: إسناده حسن وهو في البخاري بتقديم وتأخير وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وهو عجب فقد خرجه البخاري من حديث أبي هريرة بزيادة ولفظه اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله اه. وقال المنذري: خرجه الشيخان معا بنحوه عن حكيم بن حزام(6/466)
10028 - (اليمن حسن الخلق) بالضم أي البركة والخير الإلهي فيه
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن عائشة) قال الزين العراقي: في سنده ضعف(6/467)
10029 - (اليمين على نية المستحلف) بكسر اللام أي من استحلف غيره على شيء وورى الحالف فالعبرة بنية المستحلف لا الحالف. وبه أخذ مالك في أحد قوليه وخصه الشافعي بما إذا استحلفه القاضي أو نائبه بحق وإلا نفعته التورية ومنه ما لو حلف بطلاق أو عتق
(م) في الأيمان (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(6/467)
10030 - (اليوم الموعود) المذكور في قوله تعالى {واليوم الموعود وشاهد ومشهود} (يوم القيامة والشاهد) المذكور في قوله سبحانه {وشاهد} (يوم الجمعة) أي يشهد لمن حضر صلاته والجمعة بمعنى المجموع كالضحك بمعنى المضحوك منه ويوم الجمعة يوم الوقت الجامع سميت جمعة لأن الخلق اجتمعوا فيها وفرغ الله من خلقهم فيه (والمشهود) المذكور في قوله تعالى {ومشهود} (يوم عرفة) لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه ذكره ابن الأثير وقال البعض: معنى كون يوم الجمعة شاهدا أنه يشهد لكل عامل بما عمل فيه وكذلك كل يوم وله فضل مخصوص باجتماع الناس في صلاة الجمعة ما لا يجتمعون في غيره من الأيام ومعنى كون يوم عرفة مشهودا أنه يشهد الناس فيه موسم الحج والملائكة (ويوم الجمعة ادخره الله لنا) فلم يظفر به أحد من الأمم السابقة فهو اليوم الذي هدانا الله له واختاره لنا وأنعم علينا به فالعمل فيه له مزية على غيره من الأيام ولذلك ذهب بعضهم إلى أنه إذا وافق الوقوف بعرفة يوم جمعة كان لتلك الحجة فضل على غيرها وأما ما رواه رزين أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ففي ثبوته وقفة (وصلاة الوسطى صلاة العصر)
(طب عن أبي مالك الأشعري) قال ابن القيم: الظاهر أن هذا من تفسير أبي هريرة(6/467)
10031 - (اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة) لأنه تعالى عظم شأنه في سورة البروج حيث أقسم به وأوقعه واسطة العقد لقلادة اليومين العظيمين ونكره لضرب من التفخيم وأسند إليه الشهادة على سبيل المجاز لأنه مشهود فيه نحو نهاره صائم وليله قائم وقد أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء واضطربت فيه أقوال آخرين فقيل الشاهد والمشهود محمد ويوم القيامة وقيل عيسى وأمته وقيل أمة محمد وسائر الأمم وقيل يوم التروية وقيل يوم عرفة ويوم الجمعة وقيل الحجر الأسود والحجيج وقيل الأيام والليالي وبنو آدم وقيل الحفظة وبنو آدم وقيل الأنبياء ومحمد كذا في الكشاف (وما طلعت الشمس [ص:468] ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له) دعاءه (ولا يستعيذ) بالله (من شيء إلا أعاذه الله منه) قال بعضهم: قد ادخر الله لهذه الأمة يوم الجمعة المؤذن بنهاية الوصل إذ مقام الجمعية هو مقام الوصل الذي هو أكمل المقامات وأعلاها وأغلاها وجعل لليهود السبت المؤذن بقطيعتهم وحرمانهم وللنصارى الأحد المؤذن بوحدتهم وتفردهم عن مواطن الخيرات والسعادات فكان مما خصت به كل أمة من الأيام دليل على أحوالها وما يؤول إليه أمرها وذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية هيئتها وأنها يوم عيد ولا يصام مفردا وقراءة تنزيل وهل أتى في صبحها والجمعة والمنافقين فيها والغسل لها والتطيب والسواك ولبس أحسن الثياب وتبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالذكر حتى يخرج الخطيب والخطبة والإنصات وقراءة الكهف وعدم كراهة التنفل وقت الاستواء ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة ونفي سجر جهنم يومها وساعة الإجابة فيها وأنها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الأمة وخير أيام الأسبوع وخلق فيه آدم وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت به الخبر وغير ذلك
(ت) في التفسير (هق) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وهو واه اه. وقال الذهبي في المهذب: موسى بن عبيدة واه اه(6/467)
[خاتمة المؤلف](6/468)
وبنجاز الكلام على هذا الحديث تم شرح الكتاب ووراء ذلك من العلم البحر العباب وقد أتيت فيه بفوائد جمة على قدر الوقت والهمة وراعيت جانب التوسط في تقريره محافظة على سهولة تناوله وتيسيره أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم موجبا للفوز بجنات النعيم وأن يعم النفع به ببركة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم والحمد لله وحده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(6/468)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير (*) :
لفظ البخاري في صحيحه (53) عن أبي جمرة قال كنت أقعد مع ابن عباس يجلسني على سريره فقال أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي فأقمت معه شهرين ثم قال: " إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة قال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى فقالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع؛ أمرهم بالإيمان بالله وحده قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت وربما قال المقير وقال احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم " قال الحافظ في الفتح: قال النووي: الوفد الجماعة المختارة للتقدم في لقى العظماء واحدهم وافد. قال: ووفد عبد القيس المذكورون كانوا أربعة عشر راكبا كبيرهم الأشج. قال ابن أبي جمرة: في قوله " من القوم " دليل على استحباب سؤال القاصد عن نفسه ليعرف فينزل منزلته. قوله: (مرحبا) هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحبا بضم الراء أي سعة والرحب بالفتح الشيء الواسع وقد يزيدون معها أهلا أي وجدت أهلا فاستأنس وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أم هانئ " مرحبا بأم هانئ " وفي قصة عكرمة بن أبي جهل " مرحبا بالراكب المهاجر " وفي قصة فاطمة " مرحبا بابنتي " وكلها صحيحة. وأخرج النسائي من حديث عاصم بن بشير الحارثي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما دخل فسلم عليه " مرحبا وعليك السلام ". قوله: (غير خزايا) : وخزايا جمع خزيان وهو الذي أصابه خزي والمعنى أنهم أسلموا طوعا من غير حرب أو سبي بهم ويفضحهم. قوله (ولا ندامى) قال الخطابي: كان أصله نادمين جمع نادم لأن ندامى إنما هو جمع ندمان أي المنادم في اللهو وقال الشاعر فإن كنت ندماني فبالأكبر أسقني لكنه هنا خرج على الاتباع كما قالوا العشايا والغدايا وغداة جمعها الغدوات لكنه أتبع انتهى. وقد حكى القزاز والجوهري وغيرهما من أهل اللغة أنه يقال نادم وندمان في الندامة بمعنى فعلى هذا فهو على الأصل ولا إتباع فيه. والله أعلم. قوله: (إلا في الشهر الحرام) والمراد بالشهر الحرام الجنس فيشمل الأربعة الحرم وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين وما والاها من أطراف العراق ولهذا قالوا - كما في رواية شعبة عند المؤلف في العلم - وإنا نأتيك من شقة بعيدة. قال ابن قتيبة: الشقة السفر. وقال الزجاج: هي الغاية التي تقصد. قوله: (فأمرهم بأربع) أي خصال أو جمل قال القرطبي: قيل إن أول الأربع المأمور بها إقام الصلاة وإنما ذكر الشهادتين تبركا بهما كما قيل في قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) وإلى هذا نحا الطيبي فقال: عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبا لغرض جعلوا سياقه له وطرحوا ما عداه وهنا لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين - لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة - ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما كما كان الأمر في صدر الإسلام قال: فلهذا لم يعد الشهادتين في الأوامر. قيل ولا يرد على هذا الإتيان بحرف العطف فيحتاج إلى تقدير. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: لولا وجود حرف العطف لقلنا إن ذكر الشهادتين ورد على سبيل التصدير لكن يمكن أن يقرأ قوله " وإقام الصلاة " بالخفض فيكون عطفا على قوله " أمرهم بالإيمان " والتقدير أمرهم بالإيمان مصدرا به وبشرطه من الشهادتين وأمرهم بإقام الصلاة إلخ قال: ويؤيد هذا حذفهما في رواية المصنف في الأدب من طريق أبي التياح عن أبي جمرة ولفظه " أربع وأربع أقيموا الصلاة إلخ ". فإن قيل ظاهر ما ترجم به المصنف من أن أداء الخمس من الإيمان يقتضي إدخاله مع باقي الخصال في تفسير الإيمان والتقدير المذكور يخالفه أجاب ابن رشيد بأن المطابقة تحصل من جهة أخرى وهي أنهم سألوا عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة وأجيبوا بأشياء منها أداء الخمس والأعمال التي تدخل الجنة هي أعمال الإيمان فيكون أداء الخمس من الإيمان بهذا التقرير. فإن قيل: فكيف قال في رواية حماد بن زيد عن أبي جمرة " آمركم بأربع: الإيمان بالله: شهادة أن لا إله إلا الله. وعقد واحدة " كذا للمؤلف في المغازي وله في فرض الخمس " وعقد بيده " فدل على أن الشهادة إحدى الأربع. وأما ما وقع عنده في الزكاة من هذا الوجه من زيادة الواو في قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " فهي زيادة شاذة لم يتابع عليها حجاج بن منهال أحد والمراد بقوله شهادة أن لا إله إلا الله أي وأن محمدا رسول الله كما صرح به في رواية عباد بن عباد في أوائل المواقيت ولفظه " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله " ثم فسرها لهم " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " الحديث. والاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله على إرادة الشهادتين معا لكونها صارت علما على ذلك كما تقدم تقريره في باب زيادة الإيمان وهذا أيضا يدل على أنه عد الشهادتين من الأربع لأنه أعاد الضمير في قوله ثم فسرها مؤنثا فيعود على الأربع ولو أراد تفسير الإيمان لأعاده مذكرا وعلى هذا فيقال: كيف قال أربع والمذكورات خمس؟ وقد أجاب عنه القاضي عياض - تبعا لابن بطال - بأن الأربع ما عدا أداء الخمس قال: كأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر ولم يقصد ذكرها بعينها لأنها مسببة عن الجهاد ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين. قال: وكذلك لم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض. وقال غيره: قوله " وأن تعطوا " معطوف على قوله " بأربع " أي آمركم بأربع وبأن تعطوا ويدل عليه العدول عن سياق الأربع والإتيان بأن والفعل مع توجه الخطاب إليهم قال ابن التين: لا يمتنع الزيادة إذا حصل الوفاء بوعد الأربع. قلت: ويدل على ذلك لفظ رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة " آمركم بأربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم ". وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ويحتمل أن يقال إنه عد الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها في كتاب الله وتكون الرابعة أداء الخمس أو أنه لم يعد أداء الخمس لأنه داخل في عموم إيتاء الزكاة والجامع بينهما أنهما إخراج مال معين في حال دون حال. وقال البيضاوي: الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة هنا تفسير للإيمان وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها والثلاثة الأخر حذفها الراوي اختصارا أو نسيانا. كذا قال وما ذكر أنه الظاهر لعله يحسب ما ظهر له وإلا فالظاهر من السياق أن الشهادة أحد الأربع لقوله " وعقد واحدة " وكان القاضي أراد أن يرفع الإشكال من كون الإيمان واحدا والموعود بذكره أربعا وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع وهو في حد ذاته واحد والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها ثم فسرها فهو واحد بالنوع متعدد بحسب وظائفه كما أن المنهي عنه - وهو الانتباذ فيما يسرع إليه الإسكار - واحد بالنوع متعدد بحسب أوعيته والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوف النفس إلى التفصيل ثم تسكن إليه وأن يحصل حفظها للسامع فإذا نسى شيئا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد فإذا لم يستوف العدد الذي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع. وما ذكره القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الحج في الحديث لأنه لم يكن فرض هو المعتمد وقد قدمنا الدليل على قدم إسلامهم لكن جزم القاضي بأن قدومهم كان في سنة ثمان قبل فتح مكة تبع فيه الواقدي وليس بجيد لأن فرض الحج كان سنة ست على الأصح كما سنذكره في موضعه إن شاء الله ولكن القاضي يختار أن فرض الحج كان سنة تسع حتى لا يرد على مذهبه أنه على الفور اهـ. وقد احتج الشافعي لكونه على التراخي بأن فرض الحج كان بعد الهجرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الحج في سنة ثمان وفي سنة تسع ولم يحج إلا في سنة عشر وأما قول من قال إنه ترك ذكر الحج لكونه على التراخي فليس بجيد لأن كونه على التراخي لا يمنع من الأمر به وكذا قول من قال إنما تركه لشهرته عندهم ليس بقوي لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم وكذا قول من قال: إن ترك ذكره لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر ليس بمستقيم لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الإخبار به ليعمل به عند الإمكان كما في الآية بل دعوى أنهم كانوا لا سبيل لهم إلى الحج ممنوعة لأن الحج يقع في الأشهر الحرم وقد ذكروا أنهم كانوا يأمنون فيها. لكن يمكن أن يقال إنه إنما أخبرهم ببعض الأوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلا وتركا. ويدل على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها. وأما ما وقع في كتاب الصيام من السنن الكبرى للبيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن أبي زيد الهروي عن قرة في هذا الحديث من زيادة ذكر الحج ولفظه " وتحجوا البيت الحرام " ولم يتعرض لعدد فهي رواية شاذة وقد أخرجه الشيخان ومن استخرج عليهما والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق قرة لم يذكر أحد منهم الحج وأبو قلابة تغير حفظه في آخر أمره فلعل هذا مما حدث به في التغير وهذا بالنسبة لرواية أبي جمرة. وقد ورد ذكر الحج أيضا في مسند الإمام أحمد من رواية أبان العطار عن قتادة عن سعيد بن المسيب - وعن عكرمة - عن ابن عباس في قصة وفد عبد قيس. وعلى تقدير أن يكون ذكر الحج فيه محفوظا فيجمع في الجواب عنه بين الجوابين المتقدمين فيقال: المراد بالأربع ما عدا الشهادتين وأداء الخمس. والله أعلم. قوله: (ونهاهم عن أربع: عن الحنتم إلخ) والحنتم بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثناة من فوق هي الجرة كذا فسرها ابن عمر في صحيح مسلم وله عن أبي هريرة: الحنتم الجرار الخضر وروى الحربي في الغريب عن عطاء أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. (والدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد هو القرع قال النووي: والمراد اليابس منه. وحكى القزاز فيه القصر. (والنقير) بفتح النون وكسر القاف: أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء. (والمزفت) بالزاي والفاء ما طلي بالزفت. (والمقير) بالقاف والياء الأخيرة ما طلي بالقار ويقال له القير وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت قاله صاحب المحكم. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي بكرة قال: أما الدباء فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخرطون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت. وأما النقير فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت. وأما الحنتم فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر. وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت. انتهى. وإسناده حسن. وتفسير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من غيره لأنه أعلم بالمراد. ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع فيها الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر كما سيأتي في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. قوله: (وأخبروا بهن من وراءكم) بفتح من وهي موصولة ووراءكم يشمل من جاءوا من عندهم وهذا باعتبار المكان ويشمل من يحدث لهم من الأولاد وغيرهم وهذا باعتبار الزمان فيحتمل إعمالها في المعنيين معا حقيقة ومجازا. واستنبط منه المصنف الاعتماد على أخبار الآحاد على ما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه شروح مركز ((نور الإسلام)) لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية لبعض أحاديث زوائد الجامع الكبير(7/1)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: لفظ مسلم في صحيحه (18) : عن أبي سعيد الخدري في حديثه هذا " أن أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم وأنهاكم عن أربع عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير قالوا يا نبي الله ما علمك بالنقير قال بلى جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء قال سعيد أو قال من التمر ثم تصبون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف قال وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك قال وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ففيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها قالوا يا رسول الله إن أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان قال وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " وفي رواية: " …وتذيفون فيه من القطيعاء أو التمر والماء " الشرح: قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم (فتقذفون فيه من القطيعاء) أما تقذفون فهو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم قاف ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ثم فاء ثم واو ثم نون كذا وقع في الأصول كلها في هذا الموضع الأول ومعناه تلقون فيه وترمون. وأما قوله في الرواية الأخرى وهي رواية محمد بن المثنى وابن بشار عن ابن أبي عدي: (وتديفون به من القطيعاء) فليست فيها قاف وروى بالذال المعجمة وبالمهملة وهما لغتان فصيحتان وكلاهما بفتح التاء وهو من ذاف يذيف بالمعجمة كباع يبيع وداف يدوف بالمهملة كقال يقول وإهمال الدال أشهر في اللغة. وضبطه بعض رواة مسلم بضم التاء على رواية المهملة وعلى رواية المعجمة أيضا جعله من أذاف والمعروف فتحها من ذاف وأذاف ومعناه على الأوجه كلها خلط. والله أعلم. وأما القطيعاء فبضم القاف وفتح الطاء وبالمد وهو نوع من التمر صغار يقال له الشهريز بالشين المعجمة والمهملة وبضمهما وبكسرهما. قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف) معناه إذا شرب هذا الشراب سكر فلم يبق له عقل وهاج به الشر فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه. وهذه مفسدة عظيمة. ونبه بها على ما سواها من المفاسد. وقوله أحدكم أو أحدهم شك من الراوي. والله أعلم. وقوله (وفي القوم رجل أصابته جراحة) واسم هذا الرجل جهم وكانت الجراحة في ساقه. قوله صلى الله عليه وسلم: (في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها) أما (الأدم) فبفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد الذي تم دباغه. وأما (يلاث على أفواهها) فبضم المثناة من تحت وتخفيف اللام وآخره ثاء مثلثة. كذا ضبطناه وكذا هو في أكثر الأصول وفي أصل الحافظ أبي عامر العبدري (تلاث) بالمثناة فوق. وكلاهما صحيح. فمعنى الأول يلف الخيط على أفواهها ويربط به. ومعنى الثاني تلف الأسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه. قوله (إن أرضنا كثيرة الجرذان) كذا ضبطناه (كثيرة) بالهاء في آخره ووقع في كثير من الأصول (كثير) بغير هاء. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: صح في أصولنا كثير من غير تاء التأنيث والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان. ومن نظائره قول الله عز وجل: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وأما (الجرذان) فبكسر الجيم وإسكان الراء وبالذال المعجمة جمع (جرذ) بضم الجيم وفتح الراء كنغر ونغران وصردان. والجرذ نوع من الفأر كذا قاله الجوهري وغيره. وقال الزبيدي في مختصر العين: هو الذكر من الفار. وأطلق جماعة من شراح الحديث أنه الفأر. قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان) هكذا هو في الأصول مكرر ثلاث مرات. وقال النووي في شرحه لحديث ابن عباس: م (17) عن أبي جمرة عن ابن عباس قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله ثم فسرها لهم فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير زاد خلف في روايته شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة قوله: (وفد عبد القيس) قال صاحب التحرير: الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد. قال: ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر راكبا: الأشج العصري رئيسهم ومزيدة بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وصحار بن العباس المري وعمرو بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عايش. ولم نعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء. قال: وكان سبب وفودهم أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. فبينا منقذ بن حيان قاعد إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم فنهض منقذ إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أمنقذ بن حيان كيف جميع هيئتك وقومك؟ " ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل يسميهم لأسمائهم. فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة واقرأ باسم ربك. ثم رحل قبل هجر. فكتب النبي صلى الله عليه وسلم معه جماعة إلى جماعة عبد القيس كتابا فذهب به وكتمه أياما ثم اطلعت عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ بالذال المعجمة ابن حارث والمنذر هو الأشج سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأثر كان في وجهه وكان منقذ رضي الله عنه يصلي ويقرأ فنكرت امرأته ذلك فذكرته لأبيها المنذر فقالت: أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب: أنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة تعني القبلة فيحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة ذلك ديدنه منذ قدم فتلاقيا فتجاريا ذلك فوقع الإسلام في قلبه. ثم ثار الأشج إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم وأجمعوا على السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار الوفد فلما دنوا من المدينة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجلسائه: " أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج العصري غير ماكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ ثم يسلم قوم حتى وتروا ". قال: وقولهم: (إنا هذا الحي من ربيعة) لأنه عبد القيس بن أفصى يعني بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة المفتوحة ابن دعمي بن جديلة بن أسد به ربيعة بن نزار وكانوا ينزلون البحرين الخط وأعنابها وسرة القطيف والسفار والظهران إلى الرمل إلى الأجرع ما بين هجر إلى قصر وبينونة ثم الجوف والعيون والأحساء إلى حد أطراف الدهنا وسائر بلادها. هذا ما ذكره صاحب التحرير. قولهم: (إنا هذا الحي) فالحي منصوب على التخصيص. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح الذي نختاره نصب (الحي) على التخصيص ويكون الخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة. وقد جاء بعد هذا في الرواية الأخرى: (إنا حي من ربيعة) . وأما معنى الحي فقال صاحب المطالع: الحي اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض. قولهم: (وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر) سببه أن كفار مضر كانوا بينهم وبين المدينة فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم. قولهم: (ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام) معنى نخلص: نصل ومعنى كلامهم: إنا لا نقدر على الوصول إليك خوفا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام فإنهم لا يتعرضن لنا كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرام وامتناعهم من القتال فيها. وقولهم: (شهر الحرام) كذا هو في الأصول كلها بإضافة شهر إلى الحرام وفي الرواية الأخرى أشهر الحرم. والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم: مسجد الجامع وصلاة الأولى. ومنه قول الله تعالى: {بجانب الغربي} {ولدار الآخرة} فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم. وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف في الكلام للعلم به فتقديره: شهر الوقت الحرام وأشهر الأوقات الحرم ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة وجانب المكان الغربي ونحو ذلك. والله أعلم. ثم إن قولهم: (شهر الحرام) المراد به جنس الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر حرم كما نص عليه القرآن العزيز وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه (إلا في أشهر الحرم) . والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون. ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عدها على قولين حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. قال: والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة قال: وأهل المدينة يقولون ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وقوم ينكرون هذا ويقولون جاذوا بهن من سنتين. قال أبو جعفر: وهذا غلط بين وجهل باللغة لأنه قد علم المراد وأن المقصود ذكرها وأنها في كل سنة؛ فكيف يتوهم أنها من سنتين. قال: والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم قال: وهذا أيضا قول أكثر أهل التأويل. قال النحاس: وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور. قال: وجاء من الشهور ثلاثة مضافات شهر رمضان وشهر ربيع. يعني والباقي غير مضافات. وسمي الشهر شهرا لشهرته وظهوره. والله أعلم. قوله: صلى الله عليه وسلم: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله ثم فسرها لهم فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) . وفي رواية: (شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة) وفي الطريق الأخرى: (قال: وأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع. قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده. قال: وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم) . وفي الرواية الأخرى قال: (أمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم) . هذه ألفاظه هنا وقد ذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة من صحيحه وقال فيه في بعضها " شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وذكره في باب إجازة خبر الواحد وذكره في باب بعد باب نسبة اليمن إلى إسماعيل صلى الله عليه وسلم في آخر ذكر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقال فيه: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان " بزيادة واو. وكذلك قال فيه في أول كتاب الزكاة: الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله " بزيادة واو أيضا. ولم يذكر فيها الصيام. وذكر في باب حديث وفد عبد القيس: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله. فهذه ألفاظ هذه القطعة في الصحيحين وهذه الألفاظ مما يعد من المشكل وليست مشكلة عند أصحاب التحقيق. والإشكال في كونه صلى الله عليه وسلم قال: " آمركم بأربع ". والمذكور في أكثر الروايات خمس. واختلف العلماء في الجواب عن هذا على أقوال أظهرها: ما قاله الإمام ابن بطال رحمه الله تعالى في شرح صحيح البخاري قال: أمرهم بالأربع التي وعدهم بها ثم زادهم خامسة يعني أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر فكانوا أهل جهاد وغنائم. وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح نحو هذا فقال قوله: أمرهم بالإيمان بالله أعاده لذكر الأربع ووصفه لها بأنها إيمان ثم فسرها بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم فهذا موافق لحديث بني الإسلام على خمس ولتفسير الإسلام بخمس في حديث جبريل صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن ما يسمى إسلاما يسمى إيمانا وأن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان. وقد قيل إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن نزل فرضه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " وأن تؤدوا خمسا من المغنم " فليس عطفا على قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " فإنه يلزم منه أن يكون الأربع خمسا وإنما هو عطف على قوله " بأربع " فيكون مضافا إلى الأربع لا واحدا منها؛ وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان. قال: وأما عدم ذكر الصوم في الرواية الأولى فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه. فافهم ذلك وتدبره تجده إن شاء الله تعالى مما هدانا الله سبحانه وتعالى لحله من العقد. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو. وقيل في معناه غير ما قالاه مما ليس بظاهر فتركناه. والله أعلم. وأما قول الشيخ إن ترك الصوم في بعض الروايات إغفال من الراوي وكذا قاله القاضي عياض وغيره وهو ظاهر لا شك فيه قال القاضي عياض رحمه الله: وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الأشهر. والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) ففيه إيجاب الخمس من الغنائم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية وفي هذا تفصيل وفروع سننبه عليها في بابها إن وصلناه إن شاء الله تعالى. ويقال: (خمس) بضم الميم وإسكانها. وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها ويسكن والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير) وفي رواية: (المزفت) بدل المقير فنضبطه ثم نتكلم على معناه إن شاء الله تعالى. (فالدباء) بضم الدال وبالمد وهو القرع اليابس أي الوعاء منه. وأما (الحنتم) فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة. وأما (النقير) فبالنون المفتوحة والقاف. وأما (المقير) فبفتح القاف والياء. فأما (الدباء) فقد ذكرناه. وأما (الحنتم) فاختلف فيها فأصح الأقوال وأقواها: أنها جرار خضر وهذا التفسير ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي رضي الله عنه وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء. والثاني: أنها الجرار كلها قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة. والثالث: أنها جرار يؤتي بها من مصر مقيرات الأجواف وروي ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه. ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد أنها حمر. والرابع: عن عائشة رضي الله عنها جرار حمر أعافها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر. والخامس: عن ابن أبي ليلى أيضا أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف. وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر. والسادس عن عطاء: جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. وأما (النقير) : فقد جاء في تفسيره في الرواية الأخيرة أنه: جذع ينقر وسطه. وأما (المقير) فهو المزفت وهو المطلي بالقار وهو الزفت. وقيل: الزفت نوع من القار. والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: المزفت هو المقير. وأما معنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب. وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا ويبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه. ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفي فيها المسكر. بل إذا صار مسكرا شقها غالبا. ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا ". رواه مسلم في الصحيح. هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء. قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل. قال: وقال قوم: التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية. ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن عمر وعباس رضي الله عنهم. والله أعلم(7/2)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ولفظه: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " قال النووي: (الاعتصام بحبل الله) هو التمسك بعهده وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بأدبه. (والحبل) يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ويوصلون بها المتفرق فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تفرقوا) فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام. واعلم أن الثلاثة المرضية إحداها: أن يعبدوه. والثانية: ألا يشركوا به شيئا. الثالثة: أن يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا وأما (قيل وقال) فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين على قولين: أحدهما: أنهما فعلان فقيل: مبنى لما لم يسم فاعله وقال: فعل ماض. والثاني: أنهما اسمان مجروران منونان؛ لأن القيل والقول والقالة كله بمعنى ومنه قوله تعالى {ومن أصدق من الله قيلا} ومنه قولهم: كثر القيل والقال. وأما (كثرة السؤال) : فقيل: المراد به القطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه. وفي الصحيح: " كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها " وقيل: المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك وقيل: يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان وهذا ضعيف لأنه قد عرف هذا من النهي عن قيل وقال وقيل: يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب. وأما (إضاعة المال) : فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس(7/3)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث روى معناه أبو داود (2093) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها " وقال الألباني: حسن صحيح. قال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود: قوله صلى الله عليه وسلم (تستأمر اليتيمة) هي صغيرة لا أب لها والمراد هنا البكر البالغة سماها باعتبار ما كانت كقوله تعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} وفائدة التسمية مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة. ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها ولا لإبائها فكأنه عليه السلام شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر أي تستأذن. كذا قال القاري في المرقاة (وإن أبت فلا جواز عليها) : بفتح الجيم أي فلا تعدي عليها ولا إجبار. قال الخطابي في المعالم: واليتيمة ها هنا هي البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتيم فدعيت به وهي بالغة. والعرب ربما دعت الشيء بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الاسم. وقال: وقد اختلف العلماء في جواز إنكاح غير الأب للصغيرة فقال الشافعي: لا يزوجها غير الأب والجد ولا يزوجها الأخ ولا العم ولا الوصي. وقال الثوري: لا يزوجها الوصي. وقال حماد بن سليمان ومالك بن أنس: للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ وروى ذلك عن شريح. وقال أصحاب الرأي: لا يزوجها الوصي حتى يكون وليا لها وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصيا لأن لها الخيار إذا بلغت انتهى. وقال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث: اختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة: فرأى بعض أهل العلم: أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ فإذا بلغت فلها الخيار في إجاز النكاح أو فسخه وهو قول بعض التابعين وغيرهم وقال بعضهم: لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ ولا يجوز الخيار في النكاح وهو قول سفيان الثوري والشافعي وغيرهما من أهل العلم. وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز ولا خيار لها إذا أدركت واحتجا بحديث عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين " وقد قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي: حديث حسن. (قال سكاتها إقرارها) : وفي رواية للبخاري: " سكاتها إذنها ". وفي أخرى له " رضاها صمتها ". قال ابن المنذر: يستحب إعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال ابن شعبان منهم: يقال لها ذلك ثلاثا إن رضيت فاسكتي وإن كرهت فانطقي. وقال بعضهم: يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة. واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء: فعند المالكية: إن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج. وعند الشافعية: لا أثر لشيء من ذلك في المنع إلا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه. وقرق بعضهم بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وإن كان باردا دل على الرضا. وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن ومن يستوي سكوتها وسخطها. كذا في الفتح(7/4)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قال الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في الصحيحة 690: أخرجه أحمد (6 / 47) والحسن بن عرفة فى جزئه (2 / 2) ومن طريقه ابن بلبان فى تحفة الصديق فى فضائل أبى بكر الصديق (50 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبى بكر القرشى عن ابن أبى مليكة عن عائشة قالت: " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبى بكر: إئتنى بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لايختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال " أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر " وقال ابن بلبان: تفرد به ابن أبى مليكة أبو محمد ويقال له: أبو بكر القرشى. قلت: وهو ضعيف لكنه لم يتفرد به فقال أحمد (6 / 106) : ثنا مؤمل قال ثنا نافع يعنى ابن عمر ثنا ابن أبى مليكة به نحوه. وهذا إسناد جيد فى المتابعات نافع هذا ثقة ثبت ومؤمل هو ابن إسماعيل وهو صدوق سىء الحفظ كما فى التقريب. وله طريق أخرى من رواية عروة عن عائشة قالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه: " ادعى لى أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإنى أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " أخرجه مسلم (7 / 110) وأحمد (6 / 144) وله طريق ثالث يرويه القاسم بن محمد عنها نحوه ولفظه: لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه وأعهده أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون أخرجه البخارى (4 / 46 ـ 47 405 ـ 406) . طريق رابع يرويه عبيد الله بن عبد الله عنها قالت: " لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة. . . فقال ـ وهو فى بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة: مر الناس فليصلوا فلقى عمر بن الخطاب فقال: ياعمر صل بالناس. فصلى بهم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فعرفه وكان جهير الصوت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا بلى قال: يأبى الله جل وعز ذلك والمؤمنون مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة: يارسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه. . . الحديث. أخرجه أحمد (6 / 34) من طريق معمر عن الزهرى عنه. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وخالفه عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر. أخرجه أبو داود (4661) . فجعله من مسند ابن زمعة ولعله الصواب فقد قال ابن إسحاق: حدثنى الزهرى حدثنى عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: فذكر نحوه وزاد بعد قوله: يأبى الله ذلك والمسلمون: فبعث إلى أبى بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس. أخرجه أبو داود (4660) والسياق له وأحمد (4 / 322) . وهذا سند جيد. قال النووي في شرح مسلم: (2387) قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ادعي لي أباك أبا بكرة وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا ولا يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة: (أنا ولا) بتخفيف: (أن ولا) أي يقول: أنا أحق؛ وليس كما يقول: بل يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. وفي بعضها أنا أولى: أي أنا أحق بالخلافة في هذا الحديث دلالة ظاهرة لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره. وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع ووقع كل ذلك. وأما طلبه لأخيها مع أبي بكر فالمراد أنه يكتب الكتاب. ووقع في رواية البخاري: (لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه وأعهد) ولبعض رواة البخاري (وآتيه) بألف ممدودة ومثناة فوق ومثناة تحت من الإتيان. قال القاضي: وصوبه بعضهم وليس كما صوب بل الصواب ابنه بالباء الموحدة والنون وهو أخو عائشة وتوضحه رواية مسلم: (أخاك) ولأن إتيان النبي صلى الله عليه وسلم كان متعذرا أو متعسرا وقد عجز عن حضور الجماعة واستخلف الصديق ليصلي بالناس واستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة. والله أعلم. وفي صحيح البخاري (5666) حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكرياء أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد قال: " قالت عائشة: وا رأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة وا ثكلياه والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذاك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون " قال الحافظ في الفتح: قوله: (وارأساه) هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع وعند أحمد والنسائي وابن ماجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة " رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه ". قوله: (ذاك لو كان وأنا حي) ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت أي لو مت وأنا حي ويرشد إليه جواب عائشة وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ولفظه: " ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك " وقولها " واثكلياه " بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد وليست حقيقته هنا مرادة بل هو كلام كان يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها. وقولها " والله إني لأظنك تحب موتي " كأنها أخذت ذلك من قوله لها " لو مت قبلي " وقولها " ولو كان ذلك " في رواية الكشميهني " ذاك " بغير لام أي موتها " لظللت آخر يومك معرسا " بفتح العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف يقال أعرس وعرس إذا بنى على زوجته ثم استعمل في كل جماع والأول أشهر فإن التعريس النزول بليل. ووقع في رواية عبيد الله " لكأني بك والله لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله " بل أنا وارأساه " هي كلمة إضراب والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد الله " ثم بدئ في وجعه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم ". قوله: (لقد هممت أو أردت) شك من الراوي ووقع في رواية أبي نعيم " أو وددت " بدل " أردت ". قوله: (أن أرسل إلى أبي بكر وابنه) كذا للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون ووقع في رواية مسلم " أو ابنه " بلفظ أو التي للشك أو للتخيير وفي أخرى " أو آتيه " بهمزة ممدودة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان بمعنى المجيء والصواب الأول ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه. وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم " ادعي لي أباك وأخاك " وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته. قلت: في هذا التعليل نظر لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة. ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم " لقد هممت إلخ " وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة وإن كان ظاهر الحديث بخلافه. ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة فكأنه يقول: كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك هذا إن كان المراد بالعهد العهد بالخلافة وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض محارمها حتى لو احتاج إلى قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك. قوله: (فأعهد) أي أوصي. قوله: (أن يقول القائلون) أي لئلا يقول أو كراهة أن يقول. قوله: (أو يتمنى المتمنون) بضم النون جمع متمني بكسرها وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية فكم من ساكت وهو ساخط وكم من شاك وهو راض فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان والله أعلم. وقال الحافظ في شرح الحديث في كتاب الأحكام: قوله (فاعهد) أي أعين القائم بالأمر بعدي هذا هو الذي فهمه البخاري فترجم به وإن كان العهد أعم من ذلك لكن وقع في رواية عروة عن عائشة بلفظ " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا وقال في آخر ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وفي رواية لمسلم " أدعي لي أبا بكر أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وفي رواية للبزار " معاذ الله أن تختلف الناس على أبي بكر " فهذا يرشد إلى أن المراد الخلافة وأفرط المهلب فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف(7/5)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه البخاري (57) بلفظ: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " قال الحافظ في الفتح: قوله: (عن جرير بن عبد الله) هو البجلي بفتح الجيم قوله: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي عياض: اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة. قلت: زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن إسماعيل المذكور وله في الأحكام ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال: " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني " فيما استطعت والنصح لكل مسلم " ورواه ابن حبان من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه: " فكان جرير إذا اشترى شيئا أو باع يقول لصاحبه: اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر ". وروى الطبراني في ترجمته: " أن غلامه اشترى به فرسا بثلثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال: إن فرسك خير من ثلثمائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة ". قال القرطبي: كانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر فلذلك اختلفت ألفاظهم. وقوله: (فيما استطعت) رويناه بفتح التاء وضمها وتوجيههما واضح والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق كما هو المشترط في أصل التكليف ويشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو. والله أعلم. أهـ. وقوله (وتبرأ من الشرك) هذا من أصول الإيمان أن يتبرأ المؤمن من الشرك وأهله كما فعل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فانه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلم يدع معه غيره ولا أشرك به طرفة عين وتبرأ من كل معبود سواه وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرأ من أبيه فقال " يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " وقال تعالى " وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فانه سيهدين " وقال تعالى " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم " وقال تعالى " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين " ولهذا وأمثاله قال تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " أي ظلم نفسه بسمهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفى في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلا وهو في الآخرة من الصالحين السعداء فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طرق الضلالة والغي فأي سفه أعظم من هذا أم أي ظلم أكبر من هذا كما قال تعالى " إن الشرك لظلم عظيم "(7/6)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب الإيمان (18) ولفظه: حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك " قال الحافظ في الفتح: قوله: (بايعوني) زاد في باب وفود الأنصار " تعالوا بايعوني " والمبايعة عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) . قوله: (ولا تقتلوا أولادكم) قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره: خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم. فالعناية بالنهي عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات وقتل البنين خشية الإملاق أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم. قوله: (ولا تأتوا ببهتان) البهتان الكذب يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وكذا يسمون الصنائع الأيادي. وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال: هذا بما كسبت يداك. ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم يشاهد بعضا كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان قاله الخطابي وفيه نظر لذكر الأرجل. وأجاب الكرماني: بأن المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدا ومحصله أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيا فليس بمانع. ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كأن المعنى: لا ترموا أحدا بكذب تزورونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم. وقال أبو محمد ابن أبى جمرة: يحتمل أن يكون قوله " بين أيديكم " أي في الحال وقوله " وأرجلكم " أي في المستقبل لأن السعي من أفعال الأرجل. وقال غيره: أصل هذا كان في بيعة النساء وكنى بذلك - كما قال الهروي في الغريبين - عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها. ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولا. والله أعلم. قوله: (ولا تعصوا) للإسماعيلي في باب وفود الأنصار " ولا تعصوني " وهو مطابق للآية والمعروف ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا. قوله: (في معروف) قال النووي: يحتمل أن يكون المعنى ولا تعصوني ولا أحد أولى الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشيء بعده. وقال غيره: نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله. قوله: (فمن وفى منكم) أي ثبت على العهد. ووفى بالتخفيف وفي رواية بالتشديد وهما بمعنى. قوله: (فأجره على الله) أطلق هذا على سبيل التفخيم لأنه لما أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما. وأفصح في رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث في الصحيحين بتعيين العوض فقال " الجنة " وعبر هنا بلفظ " على " للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء وسيأتي في حديث معاذ في تفسير حق الله على العباد تقرير هذا. فإن قيل: لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات؟ فالجواب: أنه لم يهملها بل ذكرها على طريق الإجمال في قوله " ولا تعصوا " إذ العصيان مخالفة الأمر والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات أن الكف أيسر من إنشاء الفعل لأن اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح والتخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل. قوله: (ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب) زاد أحمد في روايته " به ". قوله: (فهو) أي العقاب (كفارة) زاد أحمد " له " وكذا هو للمصنف من وجه آخر في باب المشيئة من كتاب التوحيد وزاد " وطهور ". قال النووي: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة. قلت: وهذا بناء على أن قوله " من ذلك شيئا " يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث " ومن أتى منكم حدا " إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا. لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء في قوله " فمن " لترتب ما بعدها على ما قبلها وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك. وما ذكر في الحد عرفي حادث فالصواب ما قال النووي. وقال الطيبي: الحق أن المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئا أى شركا أيا ما كان. وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به مأ يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك. ويجاب بأن طلب الجمع يقتضي ارتكاب المجاز فما قاله محتمل وإن كان ضعيفا. ولكن يعكر عليه أيضا أنه عقب الإصابة بالعقوبة في الدنيا والرياء لا عقوبة فيه فوضح أن المراد الشرك وأنه مخصوص. وقال القاضي عياض: ذهب أكثر العلماء أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا " لكن حديث عبادة أصح إسنادا. ويمكن - يعني على طريق الجمع بينهما - أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك. قلت: حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وهو صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله. قلت: وقد وصله آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب وأخرجه الحاكم أيضا فقويت رواية معمر وإذا كان صحيحا فالجمع - الذي جمع به القاضي - حسن لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما؟ وقالوا في الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قديما ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمعه عبادة وفي هذا تعسف. ويبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك. والحق عندي أن حديث أبي هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة وإنما كان ليلة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه. وسيأتي في هذا الكتاب - في كتاب الفتن وغيره - من حديث عبادة أيضا قال: " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره. . الحديث. وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة: أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام " فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة قي النشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة. فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها. فذكر بقية الحديث. وعند الطبراني له طريق أخرى وألفاظ قريبة من هذه. وقد وضح أن هذا هو الذي وقع في البيعة الأولى. ثم صدرت مبايعات أخرى ستذكر في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى منها هذه البيعة في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة. والذي يقوي أنها وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهي قوله تعالى (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال " قرأ آية النساء " ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال " فتلا علينا آية النساء قال: أن لا تشركن بالله شيئا " وللنسائي من طريق الحارث بن فضيل عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا تبايعونني على ما بايع عليه النساء: أن لا تشركوا بالله شيئا " الحديث. وللطبراني من وجه آخر عن الزهري بهذا السند " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة ". ولمسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ". فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة. ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا " فذكر نحو حديث عبادة ورجاله ثقات. وقد قال إسحاق بن راهويه: إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر اهـ. وإذا كان عبد الله بن عمرو أحد من حضر هذه البيعة وليس هو من الأنصار ولا ممن حضر بيعتهم وإنما كان إسلامه قرب إسلام أبي هريرة وضح تغاير البيعتين - بيعة الأنصار ليلة العقبة وهي قبل الهجرة إلى المدينة وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة وشهدها عبد الله بن عمرو وكان إسلامه بعد الهجرة بمدة طويلة - ومثل ذلك ما رواه الطبراني من حديث جرير قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ما بايع عليه النساء " فذكر الحديث وكان إسلام جرير متأخرا عن إسلام أبي هريرة على الصواب وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدح به فكان يذكرها إذا حدث تنويها بسابقيته فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء عقب ذلك توهم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك. ونظيره ما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده - وكان أحد النقباء - قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب " وكان عبادة من الإثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى " على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا " الحديث فإنه ظاهر في اتحاد البيعتين ولكن الحديث في الصحيحين كما سيأتي في الأحكام ليس فيه هذه الزيادة وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد. والصواب أن بيعة الحرب بعد بيعة العقبة لأن الحرب إنما شرع بعد الهجرة ويمكن تأويل رواية ابن إسحاق وردها إلى ما تقدم وقد اشتملت روايته على ثلاث بيعات: بيعة العقبة وقد صرح أنها كانت قبل أن يفرض الحرب في رواية الصنابحي عن عبادة عند أحمد والثانية بيعة الحرب وسيأتي في الجهاد أنها كانت على عدم الفرار والثالثة بيعة النساء أي التي وقعت على نظير بيعة النساء. والراجح أن التصريح بذلك وهم من بعض الرواة والله أعلم. ويعكر على ذلك التصريح في رواية ابن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة أن بيعة ليلة العقبة كانت على مثل بيعة النساء واتفق وقوع ذلك قبل أن تنزل الأية وإنما أضيفت إلى النساء لضبطها بالقرآن. ونظيره ما وقع في الصحيحين أيضا من طريق الصنابحي عن عبادة قال " إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم "؛ وقال " بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا " الحديث. فظاهر هذا اتحاد البيعتين ولكن المراد ما قررته أن قوله " إني من النقباء الذين بايعوا - أي ليلة العقبة - على الإيواء والنصر " وما يتعلق بذلك ثم قال: بايعناه إلخ أي في وقت آخر ويشير إلى هذا الإتيان بالواو العاطفة في قوله " وقال بايعناه ". وعليك برد ما أتى من الروايات موهما بأن هذه البيعة كانت ليلة العقبة إلى هذا التأويل الذي نهجت إليه فيرتفع بذلك الإشكال ولا يبقى بين حديثي أبي هريرة وعبادة تعارض ولا وجه بعد ذلك للتوقف في كون الحدود كفارة. واعلم أن عبادة بن الصامت لم ينفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك علي بن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه " من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده في الآخرة " وهو عند الطبراني بإسناد حسن من حديث أبى تميمة الهجيمي ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت بإسناد حسن ولفظه " من أصاب ذنبا أقيم عليه ذلك الذنب فهو كفارة له ". وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعا " ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب ". وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضي والله الهادي. قوله: (فعوقب به) قال ابن التين: يريد به القطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا. قال: وأما قتل الولد فيس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكنى عنه قلت: وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) ولكن قوله في حديث الباب " فعوقب به " أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا. قال ابن التين: وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو رادع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق. قلت: بل وصل إليه حق أي حق فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان وغيره " إن السيف محاء للخطايا " وعن ابن مسعود قال " إذا جاء القتل محا كل شيء " رواه الطبراني وله عن الحسن ابن علي نحوه وللبزار عن عائشة مرفوعا " لا يمر القتل بذنب إلا محاه " فلولا القتل ما كفرت ذنوبه وأي حق يصل إليه أعظم من هذا؟ ولو كان حد القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل وهل تدخل في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام وغيرها؟ فيه نظر. ويدل للمنع قوله " ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله " فإن هذه المصائب لا تنافي الستر ولكن بينت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تكفر الذنوب فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حد فيه. والله أعلم. ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور. وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول للمعتزلة ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة عليه. قوله: (ثم ستره الله) زاد في رواية كريمة " عليه ". قوله: (فهو إلى الله) قال المازني: فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ولم يقل لا بد أن يعذبه. وقال الطيبي: فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه. قلت: أما الشق الأول فواضح. وأما الثاني فالإشارة إليه إنما تستفاد من الحمل على غير ظاهر الحديث وهو متعين. قوله: (إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه) يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وقال بذلك طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا. وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد فقيل: يجوز أن يتوب سرا ويكفيه ذلك. وقيل: بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية. وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنا بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته وإلا فلا. (تنبيه) زاد في رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث " ولا ينتهب " وهو مما يتمسك به في أن البيعة متأخرة لأن الجهاد عند بيعة العقبة لم يكن فرض والمراد بالانتهاب ما يقع بعد القتال في الغنائم. وزاد في روايته أيضا: " ولا يعصى بالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك شيئا ما كان قضاء ذلك إلى الله " أخرجه المصنف في باب وفود الأنصار عن قتيبة عن الليث ووقع عنده " ولا يقضى " بقاف وضاد معجمة وهو تصحيف وقد تكلف بعض الناس في تخريجه وقال: إنه نهاكم عن ولاية القضاء ويبطله أن عبادة رضي الله عنه ولى قضاء فلسطين في زمن عمر رضي الله عنه. وقيل: إن قوله " بالجنة " متعلق بيقضي أي لا يقضى بالجنة لأحد معين. قلت: لكن يبقى قوله " إن فعلنا ذلك " بلا جواب ويكفي في ثبوت دعوى التصحيف فيه رواية مسلم عن قتيبة بالعين والصاد المهملتين وكذا الإسماعيلي عن الحسن ابن سفيان ولأبي نعيم من طريق موسى بن هارون كلاهما عن قتيبة وكذا هو عند البخاري أيضا في هذا الحديث في الديات عن عبد الله بن يوسف عن الليث في معظم الروايات لكن عند الكشميهني بالقاف والضاد أيضا وهو تصحيف كما بيناه. وقوله " بالجنة " إنما هو متعلق بقوله في أوله " بايعنا ". والله أعلم(7/7)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه البخاري (534) حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال حدثنا أبو بكر عن سليمان قال صالح بن كيسان حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره عن أبي هريرة ونافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنهما حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم قال الحافظ في الفتح: وقد روى ابن ماجه من طريق عبد الرحمن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بعضه " أبردوا بالظهر " وروى السراج من هذا الوجه بعضه " شدة الحر من فيح جهنم ". قوله (إذا اشتد) أصله اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أدغمت إحدى الدالين في الأخرى ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى. قوله (فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي أخروا إلى أن يبرد الوقت. يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة ومثله في المكان أنجد إذا دخل نجدا وأتهم إذا دخل تهامة. والأمر بالإبراد أمر استحباب وقيل أمر إرشاد وقيل بل هو للوجوب. حكاه عياض وغيره وغفل الكرماني فنقل الإجماع على عدم الوجوب نعم قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج وخصه بعضهم بالجماعة فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل وهذا قول أكثر المالكية والشافعي أيضا لكن خصه بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد وهو قول إسحاق والكوفيين وابن المنذر واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر الآتي بعد هذا لأن في روايته " أنهم كانوا في سفر " وهي رواية للمصنف أيضا ستأتي قريبا قال: فلو كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد. قال الترمذي والأول أولى للاتباع. وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرقتهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة. انتهى. وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر وليس هناك كن يمشون فيه فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص العام - وهو الأمر بالإبراد - معنى يخصصه وذلك جائز على الأصح في الأصول لكنه مبني على أن العلة في ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم وللمتمسك بعمومه أن يقول: العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جباههم حالة السجود ويؤيده حديث أنس " كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر " رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا اللفظ وأصله في مسلم وفي حديث أنس أيضا في الصحيحين نحوه وسيأتي قريبا. والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر؛ فإن الإبراد لا يزيل الحر عن الأرض وذهب بعضهم إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا. وقالوا: معنى أبردوا صلوا في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تأويل بعيد ويرده قوله " فإن شدة الحر من فيح جهنم " إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير وحديث أبي ذر الآتي صريح في ذلك حيث قال " انتظر. . انتظر " والحامل لهم على ذلك حديث خباب " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا " أي فلم يزل شكوانا وهو حديث صحيح رواه مسلم. وتمسكوا أيضا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت وبأن الصلاة حينئذ أكثر مشقة فتكون أفضل والجواب عن حديث خباب أنه محمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا عن وقت الإبراد وهو زوال حر الرمضاء وذلك قد يستلزم خروج الوقت فلذلك لم يجبهم أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد فإنها متأخرة عنه واستدل له الطحاوي بحديث المغيرة بن شعبة قال " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة ثم قال لنا أبردوا بالصلاة " الحديث وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان. ونقل الخلال عن أحمد أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الإبراد رخصة والتعجيل أفضل وهو قول من قال إنه أمر إرشاد وعكسه بعضهم فقال: الإبراد أفضل. وحديث خباب يدل على الجواز وهو الصارف للأمر عن الوجوب. كذا قيل وفيه نظر لأن ظاهره المنع من التأخير. وقيل معنى قول خباب " فلم يشكنا " أي فلم يحوجنا إلى شكوى بل أذن لنا في الإبراد حكي عن ثعلب ويرده أن في الخبر زيادة رواها ابن المنذر بعد قوله " فلم يشكنا " وقال " إذا زالت الشمس فصلوا " وأحسن الأجوبة كما قال المازري الأول والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة أو مطلقة والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم ولا التفات إلى من قال التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق بل قد يكون الأخف أفضل كما في قصر الصلاة في السفر. قوله (بالصلاة) كذا للأكثر والباء للتعدية وقيل زائدة. ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة. وفي رواية الكشميهني " عن الصلاة " فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها وقد جاء صريحا في حديث أبي سعيد كما سيأتي آخر الباب فلهذا حمل المصنف في الترجمة المطلق على المقيد والله أعلم. وقد حمل بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم فقال به أشهب في العصر وقال به أحمد في رواية عنه في الشتاء حيث قال: تؤخر في الصيف دون الشتاء ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح لضيق وقتهما. قوله (فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور وهل الحكمة فيه دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع؟ وهذا أظهر أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب؟ ويؤيده حديث عمرو بن عبسة عند مسلم حيث قال له " أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم " وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب. فكيف أمر بتركها؟ وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبه فقال: وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه والصلاة لا تنفك عن كونها طلبا ودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ. واستدل بحديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن الله تعالى غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله سوى نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يعتذر بل طلب لكونه أذن له في ذلك. ويمكن أن يقال سجر جهنم سبب فيحها وفيحها سبب وجود شدة الحر وهو مظنة المشقة التي هي مظنة سلب الخشوع فناسب أن لا يصلي فيها. لكن يرد عليه أن سجرها مستمر في جميع السنة والإبراد مختص بشدة الحر فهما متغايران فحكمة الإبراد دفع المشقة وحكمة الترك وقت سجرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب والله أعلم. قوله (من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى. ويؤيده الحديث الآتي: " اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين " والحديث رواه البخاري أيضا (538) عن أبي سعيد بلفظ: " عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم " قال الحافظ في الفتح: قوله (بالظهر) قد يحتج به على مشروعية الإبراد للجمعة وقال به بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المصنف كما سيأتي في بابه لكن الجمهور على خلافه كما سيأتي توجيهه إن شاء الله تعالى(7/8)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: " أبشر " بصيغة الأمر من الإبشار أي سر واستبشر قوله " تقتلك الفئة الباغية " المراد بالفئة أصحاب معاوية والفئة الجماعة والباغية هم الذين خالفوا الإمام وخرجوا عن طاعته بتأويل باطل وأصل البغي مجاوزة الحد وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في قصة بناء المسجد النبوي: " كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ". قال الحافظ في الفتح: فإن قيل: كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ . فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في إتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورن للتأويل الذي ظهر لهم انتهى. قال الحافظ: روى حديث تقتل عمار الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم انتهى(7/9)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه الترمذي (2088) ولفظه: عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من وعك كان به فقال: أبشر فإن الله يقول هي ناري أسلطها على عبدي المذنب لتكون حظه من النار " قال الحافظ في الفتح: في قول البخاري: (باب الحمى من فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون التحتانية بعدها مهملة والمراد سطوع حرها ووهجه. واختلف في نسبتها إلى جهنم؛ فقيل حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. وقد جاء في حديث أخرجه البزار من حديث عائشة بسند حسن وفي الباب عن أبي أمامة عند أحمد وعن أبي ريحانة عند الطبراني وعن ابن مسعود في مسند الشهاب " الحمى حظ المؤمن من النار " وهذا كما تقدم في حديث الأمر بالإبراد أن شدة الحر من فيح جهنم وأن الله أذن لها بنفسين وقيل: بل الخبر ورد مورد التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها كما قيل بذلك في حديث الإبراد والأول أولى والله أعلم. ويؤيده قول ابن عمر في آخر الباب(7/10)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه البخاري (567) ولفظه: عن أبي موسى قال: " كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في بقيع بطحان والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأصحابي وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى ابهار الليل ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم فلما قضى صلاته قال لمن حضره: على رسلكم أبشروا إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم أو قال: ما صلى هذه الساعة أحد غيركم لا يدري أي الكلمتين قال قال أبو موسى: فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الحافظ في الفتح: قوله: (وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة) فيه دلالة على أن تأخير النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدا. ومثله قوله في حديث ابن عمر الآتي قريبا " شغل عنها ليلة " وكذا قوله في حديث عائشة " أعتم بالصلاة ليلة " يدل على أن ذلك لم يكن من شأنه والفيصل في هذا حديث جابر " كانوا إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطئوا أخر ". (فائدة) : الشغل المذكور كان في تجهيز جيش رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. قوله: (حتى ابهار الليل) بالموحدة وتشديد الراء أي طلعت نجومه واشتبكت والباهر الممتلئ نورا قاله أبو سعيد الضرير. وعن سيبويه: ابهار الليل كثرت ظلمته وأبهار القمر كثر ضوؤه. وقال الأصمعي: ابهار: انتصف مأخوذ من بهرة الشيء وهو وسطه ويؤيده أن في بعض الروايات " حتى إذا كان قريبا من نصف الليل " وهو في حديث أبي سعيد كما سيأتي وسيأتي في حديث أنس عند المصنف " إلى نصف الليل ". وفي الصحاح: أبهار الليل ذهب معظمه وأكثره. وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة " حتى ذهب عامة الليل ". قوله: (على رسلكم) بكسر الراء ويجوز فتحها المعنى تأنوا. قوله: (إن من نعمة الله) استدل به على فضل تأخير صلاة العشاء ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل لكن قال ابن بطال: ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال " إن فيهم الضعيف وذا الحاجة " فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى. قلت: وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال: إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل " وسيأتي في حديث ابن عباس قريبا " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا ". وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " فعلى هذا من وجد به قوة على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم. ونقل ابن المنذر عن الليث وإسحاق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث وقال الطحاوي: يستحب إلى الثلث وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم: التعجيل أفضل وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا: إنه مما يفتى به على القديم وتعقب بأنه ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير ومن حيث النظر التفصيل والله أعلم. قوله: (فرحى) جمع فرحان على غير قياس ومثله " وترى الناس سكرى " في قراءة أو تأنيث فراح وهو نحو الرجال فعلت وفي رواية الكشميهني " فرجعنا وفرحنا " ولبعضهم " فرجعنا فرحا " بفتح الراء على المصدر ووقع عند مسلم كالرواية الأولى وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى ما انضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/11)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن هذا القرآن سبب) أي حبل يرتقى به قال ابن الأثير الجزري في " النهاية ": أصله من السبب وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شىء كقوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) أي الوصل والمودات. ومنه حديث عوف بن مالك " أنه رأى في المنام كأن سببا دلى من السماء " أي حبلا. وقيل لا يسمى الحبل سببا حتى يكون أحد طرفيه معلقا بالسقف أو نحوه. قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله عز وجل هو حبل الله) قيل المراد بحبل الله عهده وقيل: السبب الموصل إلى رضاه ورحمته وقيل: هو نوره الذي يهدي به. أهـ. قوله صلى الله عليه وسلم (فتمسكوا به) أي لأنه يتوصل به إلى الخروج من الفتن والبعد عن الضلال والكفر قال الله تعالى {إنه لقول فصل وما هو بالهزل) قال الطيبي: من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتها من التكبر كفر ومن ترك عجزا أو كسلا أو ضعفا مع اعتقاد تعظيمه فلا إثم عليه أي بترك القراءة ولكنه محروم كذا في المرقاة. والقرآن حبل الله المتين طرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد المؤمن فمن استمسك به فتعلم وعمل وعلم مخلصا لله متبعا لهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يضل أبدا حتى يلقى الله فهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم لمن حفظ كتاب الله وعمل به نسأل الله أن يجعلنا منهم. قال الطيبي: والحبل مستعار للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شيء أي الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه. قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فى السلسلة الصحيحة 713: " أبشروا أبشروا أليس تشهدون أن لاإله إلا الله وأنى رسول الله؟ قالوا: نعم قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا " رواه عبد بن حميد فى المنتخب من المسند (1 / 58) : حدثنا ابن أبى شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى شريح الخزاعى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره ثم رأيته فى المصنف لابن أبى شيبة (12 / 165) بهذا السند وأخرجه ابن نصر فى قيام الليل (74) من طريق أخرى عن أبى خالد الأحمر به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وله شاهد مرسل أخرجه أبو الحسين الكلابى فى حديثه (240 / 1) عن الليث بن سعد عن سعيد (يعنى المقبرى) عن نافع بن جبير به مرسلا. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد وهو أصح من الموصول. وقد وصله الطبرانى فى المعجم الكبير (1 / 77 / 1) من طريق أبى عبادة الزرقى الأنصارى نا الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال. . . فذكره لكن أبو عبادة هذا متروك واسمه عيسى بن عبد الرحمن بن فروة(7/12)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: وفى السلسلة الصحيحة 661: قال الألباني رحمه الله: أخرجه ابن ماجه (81) وأحمد (2 / 186) عن حماد عن ثابت عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبو أيوب هو المراغى الأزدى البصرى. وقال البوصيرى فى الزوائد (54 / 1) : هذا إسناد رجاله ثقات وكذا قال المنذرى فى الترغيب (1 / 160) ولكنه أعله بالانقطاع بين أبى أيوب وابن عمرو ولاوجه له. والله أعلم. وله طريق أخرى أخرجه أحمد (2 / 208) عن على بن زيد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو به. وهذا إسناد لابأس به فى الشواهد رجاله كلهم ثقات غير على بن زيد هو ابن جدعان ففيه ضعف من قبل حفظه. الشرح: قال السندي في شرح ابن ماجة: قوله (وعقب من عقب) في الصحاح التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة وفي الحديث من عقب في الصلاة فهو في الصلاة. وقال السيوطي التعقيب في المساجد انتظار الصلوات بعد الصلاة قوله (قد حفزه) بحاء مهملة وفاء وزاي أي أعجله النفس بفتحتين (قد حسر) كشف وفيه دليل على أن الركبة ليست بعورة وفي الزوائد هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات. أهـ. وفي الحديث فضل انتظار صلاة الجماعة والجلوس في المسجد عقب الصلاة وأن ذلك سبب لأن يباهي الله ملائكته بعباده المصلين والجالسين في المساجد انتظارا للصلاة(7/13)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: روى أبو داود (3092) حدثنا سهل بن بكار عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أم العلاء قالت: " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة " قال في عون المعبود: (عادني) : من العيادة (يذهب الله به) : أي بسبب المرض (خطاياه) أي المسلم (خبث الذهب والفضة) : قال ابن الأثير في النهاية: الخبث بفتحتين هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا انتهى. قال المنذري: وأم العلاء هي عمة حكيم ابن حزام وكانت من المبايعات. والحديث سكت عنه. وفى السلسلة الصحيحة 741: أخرجه أبو داود (3092) حدثنا سهل بن بكار عن أبى عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أم العلاء قالت: عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال:. . . . فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد ورجاله ثقات رجال البخارى وفى بعضهم كلام لايضر. (تنبيه) أورد السيوطي: هذا الحديث فى الجامع الكبير (1 / 6 / 2) من رواية الطبرانى فقط عن أبى العلاء ولم يورده الهيثمى فى المجمع لأنه فى السنن فليس على شرطه. وللحديث طريق أخرى عن أم العلاء بلفظ: " اصبرى فإنه (يعنى وجع الحمى) يذهب خبث المؤمن كما تذهب النار خبث الحديد " أخرجه ابن السكن وابن منده من طريق الزبيدى عن يونس بن سيف أن حرام بن حكيم أخبره عن عمته أم العلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادها من حمى فرآها تضور من شدة الوجع فقال لها. . . الحديث. كذا فى الإصابة لابن حجر. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات فهو إسناد جيد وله شاهد من طريق فاطمة الخزاعية قالت: عاد النبى صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهى وجعة فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اصبرى فإنها. . . الحديث. قال الهيثمى (2 / 307) : رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح وله شاهد آخر من حديث خالد بن يزيد عن أبى الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد امرأة من الأنصار فقال لها: أهى أم ملدم؟ قالت: نعم؛ فلعنها الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاتسبيها فإنها تغسل ذنوب العبد كما يذهب الكير خبث الحديد أخرجه الحاكم (1 / 346) وقال صحيح على شرط مسلم وإنما أخرجه بغير هذا اللفظ من حديث حجاج بن أبى عثمان عن أبى الزبير ووافقه الذهبى. قلت: خالد بن يزيد هو الجمحى المصرى وهو ثقة محتج به فى الصحيحين. وفى الصحيحة 715: وحديث حجاج أخرجه مسلم (8 / 16) والبخارى فى الأدب المفرد (516) والبيهقى (3 / 377) من طريق أبى الزبير حدثنا جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمى لابارك الله فيها فقال:. . . فذكره. ورواه ابن ماجه (2 / 348) من حديث أبى هريرة مرفوعا نحوه دون القصة. وفيه موسى بن عبيدة ضعيف(7/14)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: الحديث رواه البخاري (4141) ومسلم (2770) : من طريق الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضا: ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا قد شهد بدرا قالت أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت وماذا قال قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم قلت أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت قلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة قالت له بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقونني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي قالت: فأنزل الله عز وجل: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله عز وجل (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم) قال حبان بن موسى قال عبد الله بن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك قال الزهري: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط وزاد في حديث صالح قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول فإنه قال: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء وزاد أيضا قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذلك شهيدا في سبيل الله وفي رواية: عن عائشة قالت لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي وايم الله ما علمت على أهلي من سوء قط وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي وساق الحديث بقصته وفيه: ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل جاريتي فقالت والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها أو قالت خميرها ـ شك هشام ـ فانتهرها بعض أصحابه فقال اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر وقد بلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له فقال سبحان الله والله ما كشفت عن كنف أنثى قط قالت عائشة وقتل شهيدا في سبيل الله وفيه أيضا من الزيادة: وكان الذين تكلموا به مسطح وحمنة وحسان وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة (هذا لفظ مسلم) قال النووي في شرح مسلم: قولها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه) هذا دليل لمالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء في العمل بالقرعة في القسم بين الزوجات وفي العتق والوصايا والقسمة ونحو ذلك وقد جاءت فيها أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة قال أبو عبيد: عمل بها ثلاثة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: يونس وزكريا ومحمد صلى الله عليه وسلم قال ابن المنذر: استعمالها كالإجماع قال: ولا معنى لقول من ردها والمشهور عن أبي حنيفة إبطالها وحكي عنه إجازتها قال ابن المنذر وغيره: القياس تركها لكن عملنا بها للآثار. وفيه: القرعة بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن ولا يجوز أخذ بعضهن بغير قرعة هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وآخرون وهو رواية عن مالك وعنه رواية أن له السفر بمن شاء منهن بلا قرعة؛ لأنها قد تكون أنفع له في طريقه والأخرى أنفع له في بيته وماله. قولها: (آذن ليلة بالرحيل) روي بالمد وتخفيف الذال وبالقصر وتشديدها: أي: أعلم. قولها: (وعقدي من جزع ظفار قد انقطع) أما (العقد) فمعروف نحو القلادة (والجزع) بفتح الجيم وإسكان الزاي وهو خرز يماني وأما (ظفار) فبفتح الظاء المعجمة وكسر الراء وهي مبنية على الكسر تقول: هذه ظفار ودخلت ظفار وإلى ظفار بكسر الراء بلا تنوين في الأحوال كلها وهي قرية في اليمن. قولها: (وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري) هكذا وقع في أكثر النسخ (لي) باللام وفي بعض النسخ (بي) بالباء واللام أجود ويرحلون بفتح الياء وإسكان الراء وفتح الحاء المخففة أي: يجعلون الرحل على البعير وهو معنى قولها (فرحلوه) بتخفيف الحاء و (الرهط) هم جماعة دون عشرة و (الهودج) بفتح الهاء مركب من مراكب النساء. قولها: (وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام) فقولها (يهبلن) ضبطوه على أوجه أشهرها ضم الياء وفتح الهاء والباء المشددة أي: يثقلن باللحم والشحم والثاني: يهبلن بفتح الياء والباء وإسكان الهاء بينهما والثالث: بفتح الياء وضم الباء الموحدة ويجوز بضم أوله وإسكان الهاء وكسر الموحدة قال أهل اللغة: يقال: هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه وفي رواية البخاري (لم يثقلن) وهو بمعناه وهو أيضا المراد بقولها: (ولم يغشهن اللحم) و (يأكلن العلقة) : بضم العين أي: القليل ويقال لها أيضا: البلغة. قولها: (فتيممت منزلي) أي: قصدته. . قولها: (وكان صفوان بن المعطل) هو بفتح الطاء بلا خلاف كذا ضبطه أبو هلال العسكري والقاضي في المشارق وآخرون. قولها: (عرس من وراء الجيش فأدلج) التعريس: النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان والمشهور الأول. قولها: (ادلج) بتشديد الدال وهو سير آخر الليل. قولها: (فرأى سواد إنسان) أي: شخصه. قولها: (فاستيقظت باسترجاعه) أي: انتبهت من نومي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. قولها: (خمرت وجهي) أي: غطيته. قولها: (نزلوا موغرين في نحر الظهيرة) (الموغر) بالغين المعجمة النازل في وقت الوغرة بفتح الواو وإسكان الغين وهي: شدة الحر كما فسرها في الكتاب في آخر الحديث وذكر هناك أن منهم من رواه (موعرين) بالعين المهملة هو ضعيف و (نحر الظهيرة) : وقت القائلة وشدة الحر. قولها: (وكان الذي تولى كبره) أي: معظمه وهو بكسر الكاف على القراءة المشهورة وقرئ في الشواذ بضمها وهي لغة. قولها: (وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول) هكذا صوابه (ابن سلول) برفع (ابن) وكتابته بالألف صفة لعبد الله وقد سبق بيانه مرات وتقدم إيضاحه في كتاب الإيمان في حديث المقداد مع نظائره. قولها: (والناس يفيضون في قول أهل الإفك) أي: يخوضون فيه و (الإفك) بكسر الهمزة وإسكان الفاء هذا هو المشهور وحكى القاضي فتحهما جميعا قال: هما لغتان كنجس ونجس وهو الكذب. قولها: (هو يريبني أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه) (يريبني) : بفتح أوله وضمه يقال: رابه وأرابه إذا أوهمه وشككه و (اللطف) بضم اللام وإسكان الطاء ويقال: بفتحها معا لغتان وهو: البر والرفق. قولها: (ثم يقول كيف تيكم؟) هي: إشارة إلى المؤنثة كذلكم في المذكر. قولها: (خرجت بعد ما نقهت) هو بفتح القاف وكسرها لغتان حكاهما الجوهري في الصحاح وغيره والفتح أشهر واقتصر عليه جماعة يقال: نقه ينقه نقوها فهو ناقه ككلح يكلح كلوحا فهو كالح ونقه ينقه نقها فهو ناقه كفرح يفرح فرحا والجمع نقه بضم النون وتشديد القاف والناقه هو الذي أفاق من المرض ويبرأ منه وهو قريب عهد به لم يتراجع إليه كمال صحته. قولها: (وخرجت مع أم مسطح قبل المناصع) أما (مسطح) فبكسر الميم وأما (المناصع) فبفتحها وهي مواضع خارج المدينة كانوا يبرزون فيها. قولها: (قبل أن نتخذ الكنف) هي جمع كنيف قال أهل اللغة: الكنيف الساتر مطلقا. قولها: (وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه) ضبطوا (الأول) بوجهين أحدهما: ضم الهمزة وتخفيف الواو والثاني: الأول بفتح الهمزة وتشديد الواو وكلاهما صحيح والتنزه: طلب النزاهة بالخروج إلى الصحراء. قولها: (وهي بنت أبي رهم وابنها مسطح بن أثاثة) أما (رهم) فبضم الراء وإسكان الهاء و (أثاثة) بهمزة مضمومة وثاء مثلثة مكررة و (مسطح) لقب واسمه (عامر) وقيل: (عوف) كنيته أبو عباد وقيل: أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين وقيل: أربع وثلاثين واسم أم مسطح (سلمى) . قولها: (فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح) أما (عثرت) فبفتح الثاء وأما (تعس) فبفتح العين وكسرها لغتان مشهورتان واقتصر الجوهري على الفتح والقاضي على الكسر ورجح بعضهم الكسر وبعضهم الفتح ومعناه: عثر وقيل: هلك وقيل: لزمه الشر وقيل: بعد وقيل: سقط بوجهه خاصة. وأما (المرط) فبكسر الميم وهو: كساء من صوف وقد يكون من غيره. قولها: (أي هنتاه) هي بإسكان النون وفتحها الإسكان أشهر قال صاحب نهاية الغريب: وتضم الهاء الأخيرة وتسكن ويقال في التثنية: هنتان وفي الجمع هنات وهنوات وفي المذكر هن وهنان وهنون ولك أن تلحقها الهاء؛ لبيان الحركة فتقول يا هنه وأن تشبع حركة النون فتصير ألفا فتقول: يا هناه ولك ضم الهاء فتقول: يا هناه أقبل قالوا: وهذه اللفظة تختص بالنداء ومعناه: يا هذه وقيل: يا امرأة وقيل: يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم ومن المذكور حديث الصبي ابن معبد قلت: يا هناه إني حريص على الجهاد. والله أعلم. قولها: (قلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها) (الوضيئة) : مهموزة ممدودة هي الجميلة الحسنة والوضاءة: الحسن ووقع في رواية ابن ماهان (حظية) من الحظوة وهي: الوجاهة وارتفاع المنزلة والضراير. جمع ضرة وزوجات الرجل ضراير؛ لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم وغيره والاسم منه الضر بكسر الضاد وحكي ضمها وقولها: إلا كثرن عليها هو بالثاء المثلثة المشددة أي: أكثرن القول في عيبها ونقصها. قولها: (لا يرقأ لي دمع) هو بالهمزة أي: لا ينقطع. قولها: (ولا أكتحل بنوم) أي: لا أنام. قولها: (استلبث الوحي) أي: أبطأ ولبث ولم ينزل. قولها: (وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) هذا الذي قاله علي - رضي الله عنه - هو الصواب في حقه؛ لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره. قولها: (والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثه السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله) فقولها (أغمصه) بفتح الهمزة وكسر الميم وبالصاد المهملة أي: أعيبها والداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى ومعنى هذا الكلام: أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره إلا نومها عن العجين. قولها: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول) أما (أبي) فمنون وابن سلول بالألف وسبق بيانه وأما استعذر: فمعناه: أنه قال من يعذرني فيمن آذاني في أهلي كما بينه في هذا هذا الحديث ومعنى (من يعذرني) من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعاله ولا يلومني وقيل: معناه من ينصرني والعذير الناصر. قولها: (فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك منه) قال القاضي: هذا مشكل لم يتكلم فيه أحد وهو قولها: (فقام سعد بن معاذ فقال أن أعذرك منه) وكانت هذه القصة في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست فيما ذكره ابن إسحاق ومعلوم أن سعد بن معاذ مات في إثر غزاة الخندق من الرمية التي أصابته وذلك سنة أربع بإجماع أصحاب السير إلا شيئا قاله الواقدي وحده قال القاضي: قال بعض شيوخنا: ذكر سعد بن معاذ في هذا وهم والأشبه أنه غيره ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في السير وإنما قال: إن المتكلم أولا وآخرا أسيد بن حضير قال القاضي: وقد ذكر موسى بن عقبة أن غزوة المريسيع كانت سنة أربع وهي سنة الخندق وقد ذكر البخاري اختلاف ابن إسحاق وابن عقبة قال القاضي: فيحتمل أن غزاة المريسيع وحديث الإفك كانا في سنة أربع قبل قصة الخندق قال القاضي: وقد ذكر الطبري عن الواقدي أن المريسيع كانت سنة خمس قال: وكانت الخندق وقريظة بعدها وذكر القاضي إسماعيل الخلاف في ذلك وقال: الأولى أن يكون المريسيع قبل الخندق قال القاضي: وهذا لذكر سعد في قصة الإفك وكانت في المريسيع فعلى هذا يستقيم فيه ذكر سعد بن معاذ وهو الذي في الصحيحين وقول غير ابن إسحاق في غير وقت المريسيع أصح هذا كلام القاضي وهو صحيح. قولها: (ولكن اجتهلته الحمية) هكذا هو هنا لمعظم رواة صحيح مسلم (اجتهلته) بالجيم والهاء أي: استخفته وأغضبته وحملته على الجهل وفي رواية ابن ماهان هنا (احتملته) بالحاء والميم وكذا رواه مسلم بعد هذا من رواية يونس وصالح وكذا رواه البخاري ومعناه: أغضبته فالروايتان صحيحتان. قولها: (فثار الحيان الأوس والخزرج) أي: تناهضوا للنزاع والعصبية كما قالت: حتى هموا أن يقتتلوا. قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله) معناه: إن كنت فعلت ذنبا وليس ذلك لك بعادة وهذا أصل اللمم. قولها: (قلص دمعي) هو بفتح القاف واللام أي: ارتفع لاستعظام ما يعييني من الكلام. قولها لأبويها: (أجيبا عني) فيه تفويض الكلام إلى الكبار؛ لأنهم أعرف بمقاصده واللائق بالمواطن منه وأبواها يعرفان حالها وأما قول أبويها: (لا ندري ما نقول) فمعناه: أن الأمر الذي سألها عنه لا يقفان منه على زائد على ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي من حسن الظن بها والسرائر إلى الله تعالى. قولها: (ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه) أي: ما فارقه. قولها: (فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء) هي بضم الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة والمد وهي: الشدة. قولها: (حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق) معنى (ليتحدر) لينصب و (الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم وهو: الدر شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بحباب اللؤلؤ في الصفاء والحسن. قولها: (فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: كشف وأزيل. قولها: (فقالت لي أمي قومي فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي) معناه: قالت لها أمها: قومي فاحمديه وقبلي رأسه واشكريه لنعمة الله تعالى التي بشرك فقالت عائشة ما قالت إدلالا عليه وعتبا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن طرائقها وجميل أحوالها وارتفاعها عن هذا الباطل الذي افتراه قوم ظالمون ولا حجة له ولا شبهة فيه قالت: وإنما أحمد ربي سبحانه وتعالى الذي أنزل براءتي وأنعم علي وبما لم أكن أتوقعه كما قالت: ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى. قوله عز وجل: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم} أي: لا يحلفوا والألية: اليمين قولها: (أحمي سمعي وبصري) أي: أصون سمعي وبصري من أن أقول: سمعت ولم أسمع وأبصرت ولم أبصر. قولها: (وهي التي كانت تساميني) أي: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي مفاعلة من السمو وهو الارتفاع. قولها: (وطفقت أختها حمنة تحارب لها) أي: جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك وطفق الرجل بكسر الفاء على المشهور وحكي فتحها وسبق بيانه. قوله: (ما كشفت عن كنف أنثى قط) (الكنف) : هنا بفتح الكاف والنون أي: ثوبها الذي يسترها وهو كناية عن عدم جماع النساء جميعهن ومخالطتهن. قوله: (وفي حديث يعقوب موعرين) يعني بالعين المهملة وسبق بيانه وقوله في تفسير عبد الرزاق: (الوغرة شد الحر) هي بإسكان الغين وسبق بيانه. قوله صلى الله عليه وسلم: (أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي) هو بباء موحدة مفتوحة مخفف ومشددة رووه هنا بالوجهين التخفيف أشهر ومعناه: اتهموها والابن بفتح الهمزة يقال: ابنه ويأبنه بضم الباء وكسرها: إذا اتهمه ورماه بخلة سوء فهو مأبون قالوا: وهو مشتق من الابن بضم الهمزة وفتح الباء وهي: العقد في القسي تفسدها وتعاب بها. قوله: " حتى أسقطوا لهابه فقالت: سبحان الله " ومعناه: صرحوا لها بالأمر ولهذا قالت: سبحان الله؛ استعظاما لذلك وقيل: أتوا بسقط من القول في سؤالها وانتهارها يقال أسقط وسقط في كلامه إذا أتى فيه بساقط وقيل: إذا أخطأ فيه قولها (والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب) وهي القطعة الخالصة. قولها: (وأما المنافق عبد الله بن أبي فهو الذي كان يستوشيه) أي: يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا ندعه يحمد. والله أعلم. واعلم أن في حديث الإفك فوائد كثيرة: إحداها: جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل واحد قطعة مبهمة منه وهذا وإن كان فعل الزهري وحده فقد أجمع المسلمون على قبوله منه والاحتجاج به. الثانية: صحة القرعة بين النساء وفي العتق وغيره مما ذكرناه في أول الحديث مع خلاف العلماء. الثالثة: وجوب الإقراع بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن. الرابعة: أنه لا يجب قضاء مدة السفر للنسوة المقيمات وهذا مجمع عليه إذا كان السفر طويلا وحكم القصير حكم الطويل على المذهب الصحيح وخالف فيه بعض أصحابنا. الخامسة: جواز سفر الرجل بزوجته. السادسة: جواز غزوهن. السابعة: جواز ركوب النساء في الهوادج. الثامنة: جواز خدمة الرجال لهن في تلك الأسفار. التاسعة: أن ارتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير. العاشرة: جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان بغير إذن الزوج وهذا من الأمور المستثناة. الحادية عشر: جواز لبس النساء القلائد في السفر كالحضر. الثانية عشر: أن من يركب المرأة البعير وغيره لا يكلمها إذا لم يكن محرما إلا لحاجة؛ لأنهم حملوا الهودج ولم يكلموا من يظنونها فيه. الثالثة عشر: فضيلة الاقتصار في الأكل للنساء وغيرهن وألا يكثر منه بحيث يهبله اللحم لأن هذا كان حالهن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم فهو الكامل الفاضل المختار. الرابعة عشر: جواز تأخر بعض الجيش ساعة ونحوها لحاجة تعرض له عن الجيش إذا لم يكن ضرورة إلى الاجتماع. الخامسة عشر: إعانة الملهوف وعن المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي الأقدار كما فعل صفوان - رضي الله عنه - في هذا كله. السادسة عشر: حسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن عند الضرورة في برية أو غيرها كما فعل صفوان من إبراكه الجمل من غير كلام ولا سؤال وإنه ينبغي أن يمشي قدامها لا بجنبها ولا وراءها. السابعة عشر: استحباب الإيثار بالركوب ونحوه كما فعل صفوان. الثامنة عشر: استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين أو الدنيا وسواء كانت في نفسه أو من يعز عليه. التاسعة عشر: تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي سواء كان صالحا أو غيره. العشرون: جواز الحلف من غير استحلاف. الحادية والعشرون: أنه يستحب أن يستر عن الإنسان ما يقال فيه إذا لم يكن في ذكره فائدة كما كتموا عن عائشة - رضي الله عنها - هذا الأمر شهرا ولم تسمع بعد ذلك إلا بعارض عرض وهو قول أم مسطح: تعس مسطح. الثانية والعشرون: استحباب ملاطفة الرجل زوجته وحسن المعاشرة. الثالثة والعشرون: أنه إذا عرض عارض بأن سمع عنها شيئا أو نحو ذلك يقلل من اللطف ونحوه لتفطن هي أن ذلك لعارض فتسأل عن سببه فتزيله. الرابعة والعشرون: استحباب السؤال عن المريض. الخامسة والعشرون: أنه يستحب للمرأة إذا أرادت الخروج لحاجة أن تكون معها رفيقة تستأنس بها ولا يتعرض لها أحد. السادسة والعشرون: كراهة الإنسان صاحبه وقريبه إذا أذى أهل الفضل أو فعل غير ذلك من القبائح كما فعلت أم مسطح في دعائها عليه. السابعة والعشرون: فضيلة أهل بدر والذب عنهم كما فعلت عائشة في ذبها عن مسطح. الثامنة والعشرون: أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بأذن زوجها. التاسعة والعشرون: جواز التعجب بلفظ التسبيح وقد تكرر في هذا الحديث وغيره. الثلاثون: استحباب مشاورة الرجل بطانته وأهله وأصدقاءه فيما ينوبه من الأمور. الحادية والثلاثون: جواز البحث والسؤال عن الأمور المسموعة عمن له به تعلق أما غيره فهو منهي عنه وهو تجسس وفضول. الثانية والثلاثون: خطبة الإمام الناس عند نزول أمر مهم. الثالثة والثلاثون: اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين من تعرض له بأذى في نفسه أو أهله أو غيره واعتذاره فيما يريد أن يؤذيه به. الرابعة والثلاثون: فضائل ظاهرة لصفوان بن المعطل - رضي الله عنه - بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بما شهد وبفعله الجميل في إركاب عائشة - رضي الله عنها - وحسن أدبه في جملة القضية. الخامسة والثلاثون: فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما. السادسة والثلاثون: المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات وتسكين الغضب. السابعة والثلاثون: قبول التوبة والحث عليها. الثامنة والثلاثون: تفويض الكلام إلى الكبار دون الصغار لأنهم أعرف. التاسعة والثلاثون: جواز الاستشهاد بآيات القرآن العزيز ولا خلاف أنه جائز. الأربعون: استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية ظاهرة. الحادية والأربعون: براءة عائشة - رضي الله عنها - من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين قال ابن عباس وغيره: لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا إكرام من الله تعالى لهم. الثانية والأربعون: تجدد شكر الله تعالى عند تجدد النعم. الثالثة والأربعون: فضائل لأبي بكر - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم. . .} الآية. الرابعة والأربعون: استحباب صلة الأرحام وإن كانوا مسيئين. الخامسة والأربعون: العفو والصفح عن المسيء. السادسة والأربعون: استحباب الصدقة والإنفاق في سبيل الخيرات. السابعة والأربعون: أنه يستحب لمن حلف على يمين ورأى خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه. الثامنة والأربعون: فضيلة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها. التاسعة والأربعون: التثبيت في الشهادة. الخمسون: إكرام المحبوب بمراعاة أصحابه ومن خدمه أو أطاعه كما فعلت عائشة رضي الله عنها بمراعاة حسان وإكرامه إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم. الحادية والخمسون: أن الخطبة تبتدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله. الثانية والخمسون: أنه يستحب في الخطب أن يقول بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادتين: أما بعد وقد كثرت فيه الأحاديث الصحيحة. الثالثة والخمسون: غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم واهتمامهم بدفع ذلك. الرابعة والخمسون: جواز سبب المتعصب لمبطل كما سب أسيد بن حضير سعد بن عبادة لتعصبه للمنافق وقال: إنك منافق تجادل عن المنافقين وأراد أنك تفعل فعل المنافقين ولم يرد النفاق الحقيقي(7/15)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة) أما (يكبو) فمعناه: يسقط على وجهه. وأما (تسفعه) فهو بفتح التاء وإسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا. قوله صلى الله عليه وسلم: (لأنه يرى ما لا صبر له عليه) كذا هو في الأصول في المرتين الأوليين. وأما الثالثة: فوقع في أكثر الأصول (ما لا صبر له عليها) وفي بعضها (عليه) وكلاهما صحيح ومعنى (عليها) : أي: نعمة لا صبر له عليها أي: عنها. قوله عز وجل: (يا ابن آدم ما يصريني منك) هو بفتح الياء وإسكان الصاد المهملة ومعناه يقطع مسألتك مني. قال أهل اللغة: (الصري) بفتح الصاد وإسكان الراء هو القطع وروي في غير مسلم (ما يصريك مني) قال إبراهيم الحربي: هو الصواب وأنكر الرواية التي في صحيح مسلم وغيره (ما يصريني منك) وليس هو كما قال بل كلاهما صحيح؛ فإن السائل متى انقطع من المسئول انقطع المسئول منه والمعنى: أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك. والله أعلم. (تصويب) : في المتن مايعريني وهو خطأ وليس عند مسلم ولا أحمد ولا غيرهما وإنما ما يصريني بالصاد المهملة(7/16)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: قوله صلى الله عليه وسلم (ابن آدم ستون وثلاثمائة مفصل) وفي رواية مسلم (1007) عن عائشة مرفوعا: (خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل) هو بفتح الميم وكسر الصاد وهو السلامى - بضم السين المهملة وتخفيف اللام - وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء. قال النووي: قال العلماء: المراد صدقة ندب وترغيب لا إيجاب وإلزام. قوله: (الكلمة الطيبة) أصل الطيب ما تستلذه الحواس ويختلف باختلاف متعلقه وطيب الكلام من جليل عمل البر لقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن) الآية والدفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل. ووجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن إعطاء المال يفرح به قلب الذي يعطاه ويذهب ما في قلبه وكذلك الكلام الطيب فاشتبها من هذه الحيثية. قوله: (إماطة الأذى) أي تنحيته وإبعاده. والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره ووقع في حديث أبي هريرة في ذكر شعب الإيمان " أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ومعنى كون الإماطة صدقة أنه تسبب إلى سلامة من يمر به من الأذى , فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة على النفس(7/17)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: في الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة واضحة لعمرو وهشام ابني العاصي حيث شهد النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالإيمان وسنسوق شيئا مما ذكره العلماء في سيرتهما رضي الله عنهما. قال الحافظ في الإصابة: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي أمير مصر يكنى أبا عبد الله وأبا محمد أمه النابغة من بني عنزة بفتح المهملة والنون أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان وقيل بين الحديبية وخيبر وكان يقول أذكر الليلة التي ولد فيها عمر بن الخطاب وقال ذاخر المعافري رأيت عمرا على المنبر أدعج أبلج قصير القامة وذكر الزبير بن بكار والواقدي بسندين لهما: أن إسلامه كان على يد النجاشي وهو بأرض الحبشة وذكر الزبير بن بكار: ان رجلا قال لعمرو ما أبطأ بك عن الإسلام وأنت أنت في عقلك؟ قال: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم وكانوا ممن يواري حلومهم الخبال فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروا عليه فلذنا بهم فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا فإذا حق بين فوقع في قلبي الإسلام فعرفت قريش ذلك مني من إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم عليه فبعثوا إلى فتى منهم فناظرني في ذلك فقلت: أنشدك الله ربك ورب من قبلك ومن بعدك أنحن أهدى أم فارس والروم قال نحن أهدى قلت فنحن أوسع عيشا أم هم؟ قال: هم. قلت: فما ينفعنا فضلنا عليهم إن لم يكن لنا فضل إلا في الدنيا وهم أعظم منا فيها أمرا في كل شيء؟ وقد وقع في نفسي أن الذي يقوله محمد من أن البعث بعد الموت ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته حق ولا خير في التمادي في الباطل " وأخرج البغوي بسند جيد عن عمر بن إسحاق أحد التابعين قال: استأذن جعفر بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوجه إلى الحبشة فأذن له قال عمير: فحدثني عمرو بن العاص قال لما رأيت مكانه قلت والله لأستقلن لهذا ولأصحابه فذكر قصتهم مع النجاشي قال: فلقيت جعفرا خاليا فأسلمت. قال: وبلغ ذلك أصحابي فغنموني وسلبوني كل شيء فذهبت إلى جعفر فذهب معي إلى النجاشي فردوا علي كل شيء أخذوه ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته وولاه غزاة ذات السلاسل وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح ثم استعمله على عمان فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو أميرها ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وولاه عمر فلسطين أخرج بن أبي خيثمة من طريق الليث قال: " نظر عمر إلى عمرو يمشي فقال ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا " وقال إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن قبيصة بن جابر: " صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه " وقال محمد بن سلام الجمحي: " كان عمر إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه يقول أشهد أن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد " وكان الشعبي يقول: " دهاة العرب في الإسلام أربعة فعد منهم عمرا وقال فأما عمرو فللمعضلات " وقد روى عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث روى عنه ولداه عبد الله ومحمد وقيس بن أبي حازم وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو قيس مولى عمرو وعبد الرحمن بن شماسة وأبو عثمان النهدي وقبيصة بن ذؤيب وآخرون ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره كما تقدم وأخرج أحمد من حديث طلحة أحد العشرة رفعه: " عمرو بن العاص من صالحي قريش " ورجال سنده ثقات إلا أن فيه انقطاعا بين أبي مليكة وطلحة وأخرجه البغوي وأبو يعلى من هذا الوجه وزاد نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله وأخرجه بن سعد بسند رجاله ثقات إلى بن أبي مليكة مرسلا لم يذكر طلحة وزاد يعني عبد الله بن عمرو بن العاص. هشام بن العاصي بن وائل السهمي تقدم نسبه في أخيه عمرو قال بن حبان كان يكنى أبا العاص فكناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا مطيع وقال ابن سعد أمه أم حرملة بنت هشام بن المغيرة وكذا قال ابن السكن كان قديم الإسلام هاجر الى الحبشة وأخرج بن السكن بسند صحيح عن بن إسحاق عن نافع عن بن عمر عن عمر قال: " اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص حين أردنا أن نهاجر وأينا تخلف عن الصبح فقد حبس فلينطلق غيره قال فأصبحت أنا وعياش وحبس هشام وفتن فافتتن " الحديث وأخرج النسائي والحاكم من طريق محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: " ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو " ورويناه في أمالي المحاملي من طريق عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر نحوه وأخرج البغوي من طريق أبي حازم عن سلمة بن دينار عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جئنا فإذا أناس يتراجعون في القرآن فاعتزلناهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الحجرة يسمع كلامهم فخرج مغضبا حتى وقف عليهم فقال بهذا ضلت الأمم قبلكم وان القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض إنما أنزل يصدق بعضه بعضا ثم التفت الي والى أخي فغبطنا أنفسنا أن لا يكون رآنا معهم " رواه سويد بن سعيد عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وقال الواقدي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية في رمضان قبل الفتح وقال ابن المبارك في الزهد عن جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: " مر عمرو بن العاص بنفر من قريش فذكروا هشاما فقالوا أيهما أفضل فقال عمرو شهدت أنا وهشام اليرموك فكلنا نسأل الله الشهادة فلما أصبحنا حرمتها ورزقها " وكذا قال ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو زرعة الدمشقي. وذكره موسى بن عقبة وأبو الأسود عن عروة وابن إسحاق وأبو عبيد ومصعب والزبير وآخرون فيمن استشهد بأجنادين وقال الواقدي عن مخرمة بن بكير عن أم بكر بنت المسور قالت: كان هشام رجلا صالحا فرأى من بعض المسلمين بأجنادين بعض النكوص فألقى المغقر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو ويصيح يا معشر المسلمين الي الي أنا هشام بن العاص أمن الجنة تفرون حتى قتل " ومن طريق خالد بن معدان: لما انهزمت الروم بأجنادين انتهوا الى موضع لا يعبره الا انسان واحد فجعلت الروم تقاتل عليه فقاتل هشام حتى قتل ووقع على تلك الثلمة فسدها فما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يدوسوه فقال عمرو أيها الناس ان الله قد استشهده ورفع روحه إنما هي جثة ثم أوطأه وتبعه الناس حتى تقطع ثم جمعه عمرو بعد ذلك وحمله في نطع فواراه ". في المستدرك للحاكم: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا أبي ثنا مخرمة بن بكير بن الأشج عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة قالت: " كان هشام بن العاص بن وائل رجلا صالحا رأى يوم أجنادين من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم فألقى المغفر ثم قال يا معشر المسلمين إن هؤلاء الغلفان لا صبر لهم على السيف فاصنعوا كما أصنع قال فجعل يدخل وسطهم فيقتل النفر منهم وجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح إلي يا معشر المسلمين إلي أنا هشام بن العاص بن وائل أمن الجنة تفرون حتى قتل رضي الله تعالى عنه " حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ثنا جعفر بن محمد الفريالي ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا عبد الرحمن بن بشير عن محمد بن إسحاق أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " كنا نقول ما لأحد توبة إن ترك دينه بعد إسلامه ومعرفته فأنزل الله فيهم يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله فكتبتها بيدي ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص بن وائل فصاح بها فجلس على بعيره ثم لحق بالمدينة رضي الله تعالى عنه " ذكر مناقب عمرو بن العاص حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنا إسماعيل بن قتيبة ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: مات عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه النابغة بنت حرملة بن الحارث بن كلثوم بن جوشن بن عمرو بن عبد الله بن خزيمة بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار وكان قصيرا يخضب بالسواد وقد قيل النابغة بنت حرملة بن سبية من عنزة وأخوه من أمه عروة بن أمامة العدوي وكان من مهاجرة الحبشة وأخوه هشام بن العاص قتل يوم أجنادين شهيدا وقد قيل أن عمرو بن العاص توفي سنة إحدى وخمسين والله أعلم حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا علي بن عبد العزيز وموسى بن الحسن وعبد الله بن مهران الضرير قالوا ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو " حدثني الحسين بن الحسن بن أيوب ثنا عبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة المكي ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا حرملة بن عمران حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي فراس مولى عمرو بن العاص: " أن عمرا لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله: إذا أنا مت فاغسلني وكفني وشد علي إزاري أو أزري فإني مخاصم فإذا أنت غسلتني فأسرع بي المشي فإذا أنت وضعتني في المصلى وذلك يوم عيد إما فطر أو أضحى فانظر في أفواه الطرق فإذا لم يبق أحد واجتمع الناس فابدأ فصل علي ثم صل العيد فإذا وضعتني في لحدي فأهيلوا علي التراب فإن شقي الأيمن ليس أحق بالتراب من شقي الأيسر فإذا سويتم علي التراب فاجلسوا عند قبري نحو نحر جزور وتقطيعها استأنس بكم " وفي سنن البيهقي: عمرو بن العاصي رضي الله تعالى عنه أخبرنا محمد بن حاتم قال أنا حبان قال أنا عبد الله عن موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يقول سمعت عمرو بن العاص يقول: " فزع الناس بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتفرقوا فرأيت سالما احتبى سيفه فجلس في المسجد فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني وسالما وأتى الناس فقال أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان؟ " وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص إلى البحرين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وخرجنا معه فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يرحم الله عمرا فتذاكرنا كل من اسمه عمرو فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يرحم الله عمرا. قال: ثم نعس الثالثة فاستيقظ فقال يرحم الله عمرا. فقلنا: يا رسول الله من عمرو هذا؟ قال عمرو بن العاص. قلنا: وما شأنه؟ قال: كنت إذا بديت الصدقة جاء فأجزل منها فأقول يا عمرو أنى لك هذا قال من عند الله وصدق عمرو إن له عند الله خيرا كثيرا قال زهير بن قيس لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قلت لألزمن هذا الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له عند الله خيرا كثيرا حتى أموت " رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال قال زهير: فلما كانت الفتنة قلت أتبع هذا الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ورجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات وعن محمد بن إسحق قال كان إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة عند النجاشي فقدموا المدينة في صفر سنة ثمان من الهجرة قلت إسلامهم في يوم واحد معروف وأما إسلام خالد وعثمان بن طلحة عند النجاشي فلم أجده إلا عن ابن إسحق من قوله والله أعلم وعن رافع بن ابي رافع الطائي قال لما كانت غزوة ذات السلاسل استعمل عمرو بن العاص على جيش فيهم أبو بكر قال الحديث رواه الطبراني ورجاله ثقات وعن ابن بريدة أن عمر قال لأبي بكر حين شيع عمرا: أو تزيد الناس نارا ألا ترى إلى ما يصنع هذا بالناس فقال دعه فإنما ولاه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمه بالحرب. رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح غير المنذر بن ثعلبة وهو ثقة وعن عمرو بن العاص قال: " بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني قال فأتيته وهو يتوضأ فصعد في البصر ثم طأطأ فقال إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة فقلت يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام وأن اكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو نعما بالمال الصالح للمرء الصالح " رواه أحمد وقال كذا في النسخة نعما بنصب النون وكسر العين وقال أبو عبيدة بكسر النون والعين رواه الطبراني في الأوسط والكبير وقال فيه: " ولكن أسلمت رغبة في الإسلام وأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم ونعما بالمال الصالح للمرء الصالح " ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح وعن محمد بن الأسود بن خلف قال: " كنا جلوسا في الحجر في أناس من قريش إذ قيل قدم الليلة عمرو بن العاص قال فما أكثرنا أن دخل علينا فمددنا إليه أبصارنا فطاف ثم صلى في الحجر ركعتين وقال أقرصتموني؟ قلنا: ما ذكرناك إلا بخير ذكرناك وهشام بن العاص فقلنا: أيهما أفضل؟ قال بعضهم: هذا وقال بعضنا: هشام قال: أنا أخبركم عن ذلك؛ أسلمنا وأحببنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصحناه ثم ذكر يوم اليرموك فقال أخذت بعمود الفسطاط ثم اغتسلت وتحنطت ثم تكفنت فعرضنا أنفسنا على الله عز وجل فقبله فهو خير مني يقولها ثلاثا. " رواه الطبراني وفيه أبو عمرو مولى بني أمية ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: " جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا فلما رأى ذلك ابنه عبد الله قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك قال: أي بني كان ذلك وسأخبرك عن ذلك؛ أما والله ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني ولكن شهد على رجلين أنه فارق الدنيا وهو يحبهما ابن سمية وابن أم عبد فلما حزبه الأمر جعل الغلال من ذقنه وقال اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك وكانت تلك هجيراه حتى مات " قلت في الصحيح طرف منه رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (تخريج الحديث) قال الألباني فى السلسلة الصحيحة 156: (ابنا العاص مؤمنان: هشام وعمرو) . أخرجه عفان بن مسلم فى حديثه (ق 238 / 2) حدثنا حماد بن سلمة ثنا محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة رفعه. وأخرجه أحمد (2 / 354) وابن سعد (4 / 191) من طريق عفان به وكذلك أخرجه الحاكم (3 / 452) . ثم أخرجه أحمد (2 / 304 327 353) وابن سعد وأبو على الصواف فى حديثه (3 / 2 / 2) وابن عساكر (13 / 52 / 1) من طرق أخرى عن حماد به. قلت: وهذا سند حسن وسكت عليه الحاكم والذهبى ومن عادتهما أن يصححا هذا الإسناد على شرط مسلم. وله شاهد خرجه ابن عساكر من طريق ابن سعد ثنا عمر بن حكام بن أبى الوضاح ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير ابن حكام فلم أعرفه. ثم استدركت فقلت: هو عمرو بالواو سقط من قلمى أو من ناسخ ابن عساكر وعمرو بن حكام معروف بالرواية عن شعبة وهو ضعيف إلا أنه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال ابن عدى فهو صالح للاستشهاد به(7/18)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: في الحديث منقبة عظيمة وفضيلة كريمة وشرف رفيع لعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم فالحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما وأمهما سيدة نساء أهل الجنة وجدتهما السيدة خديجة أفضل نساء أهل الجنة وجدهما النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين وسيد ولد آدم أجمعين نسأل الله عز وجل بحبنا لهم أن لا يحرمنا صحبتهم في الفردوس الأعلى من الجنة آمين. والحديث رواه بلفظه ابن ماجه (118) : حدثنا محمد بن موسى الواسطي حدثنا المعلى بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما " ورواه أيضا الترمذي (3768) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا جرير ومحمد بن فضيل عن يزيد نحوه قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وابن أبي نعم هو عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي ويكنى أبا الحكم [وصححه الألباني] ورواه الترمذي أيضا (3781) حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن وإسحق بن منصور قالا أخبرنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة قال: " سألتني أمي متى عهدك تعني بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت ما لي به عهد منذ كذا وكذا فنالت مني فقلت لها دعيني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك قال إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل [وصححه الألباني] قال المباركفوري في شرح الترمذي: قوله: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " بفتح الشين المعجمة وبالموحدة الخفيفة جمع شاب وهو من بلغ إلى ثلاثين ولا يجمع فاعل على فعال غيره ويجمع على شيبة وشبان أيضا. قال المظهر: يعني هما أفضل من مات شابا في سبيل الله من أصحاب الجنة ولم يرد به سن الشباب لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة؛ كما يقال فلان فتى إن كان شيخا يشير إلى مروءته وفتوته أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل. قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وهذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة من طرق كثيرة ولذا عده الحافظ السيوطي من المتواترات. قال السندي شارح ابن ماجه: قيل إضافة الشباب إلى أهل الجنة بيانية فإن أهل الجنة كلهم شباب فكأنه قيل سيدا أهل الجنة وحينئذ لا بد من اعتبار الخصوص أي ما سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وقيل: بل المراد أنهما سيدا كل من مات شابا ودخل الجنة ولا يلزم أنهما ماتا شابين حتى يرد أنه لا يصح فإنهما ماتا شيخين ورد بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص فضلهما على من مات شابا بل هما أفضل على كثير ممن مات شيخا وقد يقال وجه التخصيص عدهما ممن مات شابا فانظر إلى عدم بلوغهما عند الموت أقصى سن الشيوخة ولا يجوز أن يقال عدهما شابين نظرا إلى شبابهما حين الخطاب لكونهما كانا صغيرين حينئذ لا شابين. وفي الزوائد رواه الحاكم في المستدرك من طريق المعلى بن عبد الرحمن كالمصنف والمعلى اعترف بوضع ستين حديثا في فضل علي قاله ابن معين فالإسناد ضعيف وأصله في الترمذي والنسائي من حديث حذيفة انتهى. قلت أراد أن في الترمذي والنسائي بلا زيادة وأبوهما خير منهما وقد رواه الترمذي بدون هذه الزيادة من حديث أبي سعيد أيضا(7/19)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: في الحديث منقبة عظيمة لعمار بن ياسر الصحابي الجليل رضي الله عنه وأنه موفق لاختيار الأرشد من الأمور. قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس الامام الكبير أبو اليقظان العنسي المكي مولى بني مخزوم أحد السابقين الاولين والاعيان البدريين وأمه هي سمية مولاة بني مخزوم من كبار الصحابيات أيضا قال ابن سعد قدم والد عمار ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخا لهم فرجع أخواه وأقام ياسر وحالف أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أمة له اسمها سمية بنت خباط فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة ثم مات ابو حذيفة فلما جاء الله بالاسلام أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله وتزوج بسمية بعد ياسر الازرق الرومي غلام الحارث بن كلدة الثقفي وله صحبة وهو والد سلمة بن الازرق ويروى عن عمار قال كنت تربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسنه وروى عمرو بن مرة عن عبد الله بن سملة قال رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا وإن الحربة في يده لترعد فقال والذي نفسي بيده لقد قاتلت بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ولو قاتلونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أننا على الحق وأنهم على الباطل زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: (أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فألبسهم المشركون أدراع الحديد وصفدوهم في الشمس وما فيهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد) وروى منصور عن مجاهد: (أول من أظهر إسلامه سبعة فذكرهم زاد فجاء أبو جهل يشتم سمية وجعل يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها فكانت أول شهيدة في الاسلام) وعن عمر بن الحكم قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول وكذا صهيب وفيهم نزلت (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوأنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة خير لو كانوا يعلمون) النحل 41 منصور بن أبي الاسود عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " قيل لم يسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبي بكر وروى أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال عذب المشركون عمارا بالنار فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به فيمر يده على رأسه ويقول: " يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم تقتلك الفثة الباغية " ابن عون عن محمد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عمارا وهو يبكي فجعل يمسح عن عينيه ويقول أخذك الكفار فغطوك في النار فقلت كذا وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك " روى عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: (أخذ المشركون عمارا فلم يتركوه حتى نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ورائك قال شر يا رسول الله والله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال فكيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان قال: فإن عادوا فعد.) جرير بن حازم عن الحسن عن عمار: (قال قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن والانس قيل وكيف قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لاستقي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه فلما كنت على رأس البئر إذا برجل أسود كأنه مرس فقال والله لا تستقي اليوم منها فأخذني وأخذته فصرعته ثم أخذت حجرا فكسرت وجهه وأنفه ثم ملأت قربتي وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل أتاك على الماء أحد قلت نعم فقصصت عليه القصة فقال: أتدري من هو؟ قلت: لا. قال: ذاك الشيطان.) الحسن بن صالح عن أبي ربيعة عن الحسن عن أنس مرفوعا قال: " ثلاثة تشتاق إليهم الجنة علي وسلمان وعمار " [ت ك عن أنس وحسنه الألباني في صحيح الجامع] أبو إسحاق عن هانىء بن هانئ عن علي قال: " استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا؟ قال عمار قال: " مرحبا بالطيب المطيب " أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح [وصححه الألباني] وروى عثام بن علي عن الاعمش عن أبي إسحاق عن هانىء بن هانىء قال: كنا جلوسا عند علي فدخل عمار فقال مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن عمارا ملىء إيمانا إلى مشاشه " [حل. عن علي وصخخه اللباني] جماعة عن الثوري عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي عن ربعي عن حذيفة مرفوعا: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد " [ (ت) عن ابن مسعود (الروياني) عن حذيفة (عد) عن أنس. قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 1144 في صحيح الجامع.] ابن عون عن الحسن قال عمرو بن العاص: " إني لارجو أن لا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم مات يوم مات وهو يحب رجلا فيدخله الله النار قالوا قد كنا نراه يحبك ويستعملك فقال الله أعلم أحبني أو تألفني ولكنا كنا نراه يحب رجلا عمار بن ياسر قالوا فذلك قتيلكم يوم صفين قال قد والله قتلناه " العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد قال: " كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله فخرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار فلقيته فرضي " أخرجه أحمد والنسائي [صححه الألباني] (زيادة) وروى البخاري عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. " عمار بن رزيق عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: " إن الله قد أمننا من أن يظلمنا ولم يؤمنا من أن يفتنناأرأيت إن أدركت فتنة قال عليك بكتاب الله قال أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق " إسناده منقطع قال عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد عن ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما خير ابن سمية بين أمرين إلا اختار أيسرهما " رواه الثوري وغيره عنه وبعضهم رواه عن الدهني عن سالم عن علي ابن علقمة عن ابن مسعود عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار عن عائشة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الارشد منهما " رواه عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال قالت عائشة أبو نعيم حدثنا سعد بن أوس عن بلال بن يحيى أن حذيفة أتي وهو ثقيل بالموت فقيل له قتل عثمان فما تأمرنا فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أبو اليقظان على الفطرة؛ ثلاث مرات؛ لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم " قال علقمة قال لي أبو الدرداء: أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان؟ يعني عمارا الحديث حماد بن سلمة أنبأنا أبو جمرة عن إبراهيم عن خيثمة بن عبد الرحمن قلت لابي هريرة حدثني فقال: تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد والمجار من الشيطان عمار بن ياسر؟ ! داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد فجعلنا ننقل لبنة لبنة وعمار ينقل لبنتين لبنتين فترب رأسه فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله أنه جعل ينفض رأسه ويقول: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية! خالد الحذاء عن عكرمة سمع أبا سعيد بهذا ولفظه " ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار فجعل يقول أعوذ بالله من الفتن ". معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن حزم عن أبيه قال: لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال قتل عمار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتله الفئة الباغية فدخل عمرو على معاوية فقال: قتل عمار. فقال: قتل عمار فماذا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقتله الفئة الباغية " قال: دحضت في بولك أو نحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه الذين ألقوه بين رماحنا أو قال بين سيوفنا. شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية " أبو عوانة في مسنده وأبو يعلى من حديث أحمد بن محمد الباهلي حدثنا يحيى بن عيسى حدثنا الاعمش حدثنا زيد بن وهب أن عمارا قال لعثمان: حملت قريشا على رقاب الناس عدوا علي فضربوني فغضب عثمان ثم قال: " مالي ولقريش عدوا على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فضربوه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية وقاتله في النار " وأخرج أبو عوانة أيضا مثله من حديث القاسم الحداني عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن عثمان واخرج أبو عوانة من طريق حماد بن سلمة عن أبي التياح عن عبد الله ابن أبي الهذيل عن عمار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " تقتلك الفئة الباغية " وفي الباب عن عدة من الصحابة فهو متواتر قال يعقوب بن شيبة سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا فقال فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال جاء خباب إلى عمر فقال: ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار الثوري عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال قرىء علينا كتاب عمر: " أما بعد فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود معلما ووزيرا وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا واقتدوا بهما وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي " رواه شريك فقال آثرتكم بهما على نفسي ويروى أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف مغيرة عن إبراهيم أن عمارا كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر بياسين وقال زر رأيت عمارا قرأ إذا السماء انشقت وهو على المنبر فنزل فسجد شعبة عن قيس سمع طارق بن شهاب يقول: (إن اهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار فظفروا فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة شيئا فقال رجل تميمي أيها الاجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا فقال عمار: خير أذني سببت فإنها أصيبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر إن الغنيمة لمن شهد الوقعة) قال الواقدي حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال. قال الشعبي: سئل عمار عن مسألة فقال هل كان هذا بعد قالوا لا قال فدعونا حتى يكون فإذا كان تجشمناه لكم قال عبد الله بن أبي الهذيل: رأيت عمارا اشترى قتا بدرهم وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة الاعمش عن أبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد: أن رجلا من الكوفة وشى بعمار إلى عمر فقال له عمار إن كنت كاذبا فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطأ العقبين. ويقال سعوا بعمار إلى عمر في أشياء كرهها له فعزله ولم يؤنبه. وقيل إن جريرا سأله عمر عن عمار فقال هو غير كاف ولا عالم بالسياسة. الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت قال سألهم عمر عن عمار. فأثنوا عليه وقالوا: والله ما أنت أمرته علينا ولكن الله أمره فقال عمر اتقوا الله وقولوا كما يقال فوالله لأنا أمرته عليكم فإن كان صوابا فمن قبل الله وإن كان خطأ إنه من قبلي داود بن أبي هند عن الشعبي قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال: لئن قلت ذاك لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني الاسود بن شيبان حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال: كان عمار بن ياسر قليل الكلام طويل السكوت وكان عامة قوله عائذ بالرحمن من فتنة عائذ بالرحمن من فتنة فعرضت له فتنة عظيمة الاعمش عن عبد الله بن زياد قال عمار: (إن أمنا يعني عائشة قد مضت لسبيلها وإنها لزوجته في الدنيا والاخرة ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها) وأخرج نحوه البخاري من حديث أبي وائل قال أبو إسحاق السبيعي قال عمار لعلي: ما تقول في أبناء من قتلنا؟ قال: لا سبيل عليهم. قال: لو قلت غير ذا خالفناك. الاعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن حميد قال عمار لعلي يوم الجمل: ما تريد أن تصنع بهؤلاء؟ فقال له علي: حتى ننظر لمن تصير عائشة؟ ! فقال عمار: ونقسم عائشة؟ قال: فكيف نقسم هؤلاء؟ ! قال: لوكنت غير ذا ما بايعناك. الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال: (قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن قال فشرب ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن " ثم تقدم فقتل) سعد بن إبراهيم الزهري عن أبيه عمن حدثه سمع عمارا بصفين يقول: أزفت الجنان وزوجت الحور العين اليوم نلقى حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم مسلم بن إبراهيم حدثنا ربيعة بن كلثوم حدثنا أبي قال: (كنت بواسط فجاء أبو الغادية عليه مقطعات وهو طوال فلما قعد قال: كنا نعد عمارا من خيارنا فإني لفي مسجد قباء إذ هو يقول وذكر كلمة لو وجدت عليه أعوانا لوطئته فلما كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة فطعنه رجل فانكشف المغفر عنه فأضربه فإذا رأس عمار قال يقول مولى لنا لم أر أبين ضلالة منه) عفان حدثنا حماد حدثنا كلثوم بن جبر عن أبي الغادية قال: سمعت عمارا يقع في عثمان يشتمه فتوعدته بالقتل فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس فقيل هذا عمار فطعنته في ركبته فوقع فقتلته فقيل قتل عمار وأخبر عمرو بن العاص فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن قاتله وسالبه في النار " ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا " قاتل عمار وسالبه في النار " قال ابن أبي خالد عن قيس أو غيره قال عمار: " ادفنوني في ثيابي فإني رجل مخاصم " وعن عاصم بن ضمرة: أن عليا صلى على عمار ولم يغسله قال أبو عاصم عاش عمار ثلاثا وتسعين سنة وكان لا يركب على سرج ويركب راحلته عبد الله بن طاووس عن أبي بكر بن حزم قال: " لما قتل عمار دخل عمرو ابن حزم على عمرو بن العاص فقال قتل عمار وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتله الفئة الباغية فقام عمرو فزعا إلى معاوية فقال ما شأنك قال قتل عمار قال قتل عمار فكان ماذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتله الفئة الباغية قال أنحن قتلناه وإنما قتله علي وأصحابه جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال بين سيوفنا " قلت: كانت صفين في صفر وبعض ربيع الاول سنة سبع وثلاثين. قرأت على الحافظ عبد المؤمن بن خلف أخبركم يحيى بن أبي السعود أخبرتنا شهدة أنبأنا ابن طلحة أخبرنا أبو عمر الفارسي حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب حدثنا جدي حدثنا خلف بن سالم حدثنا وهب بن جرير حدثنا جويرية حدثنا يحيى بن سعيد عن عمه قال: " لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز بين الصفين جسيم على فرس جسيم ضخم على ضخم ينادي يا عباد الله بصوت موجع روحوا إلى الجنة ثلاث مرار الجنة تحت ظلال الاسل فثار الناس فإذا هو عمار فلم يلبث أن قتل ". وبه حدثنا جدي يعقوب حدثنا علي بن عاصم حدثنا عطاء بن السائب عن أبي البختري الطائي قال: " قاول عمار رجلا فاستطال الرجل عليه فقال عمار أنا إذا كمن لا يغتسل يوم الجمعة فعاد الرجل فاستطال عليه فقال له عمار إن كنت كاذبا فأكثر الله مالك وولدك وجعلك يوطأ عقبك " وبه حدثنا جدي حدثنا وهيب بن جرير حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار: أنه قال ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الايمان أو قال من كمال الايمان الانفاق من الاقتار والانصاف من نفسك وبذل السلام للعالم(7/20)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: رواه الترمذي (893) حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال: " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم لم يروا بأسا أن يتقدم الضعفة من المزدلفة بليل يصيرون إلى منى وقال أكثر أهل العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم لا يرمون حتى تطلع الشمس ورخص بعض أهل العلم في أن يرموا بليل والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يرمون وهو قول الثوري والشافعي. ورواه النسائي (3064) أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ قال حدثنا سفيان عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات يلطح أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " ورواه أبو داود (1940) حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان قال حدثني سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: " قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " قال أبو داود اللطخ الضرب اللين قال في عون المعبود: (أغيلمة) : بدل من الضمير في قدمنا. قال في النيل: منصوب على الاختصاص أو على الندب. قال في النهاية: تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام: جمع غلام وهو جائز في القياس , ولم يرد في جمع الغلام أغلمة وإنما ورد غلمة بكسر الغين والمراد بالأغيلمة الصبيان , ولذلك صغرهم (على حمرات) : بضم الحاء المهملة والميم جمع الحمر وحمر جمع لحمار (فجعل) : النبي صلى الله عليه وسلم (يلطح) : بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة. قال الجوهري: اللطح: الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى. أي يضرب بيده ضربا خفيفا , وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم (أفخاذنا) : جمع فخذ (ويقول أبيني) : بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة , كذا قال ابن رسلان في شرح السنن. وقال في النهاية: الأبيني بوزن الأعيمي تصغيرا لأبناء بوزن أعمى هو جمع ابن. (زيادة) وقال في لسان العرب: قال: أبيني تصغير بنين كأن واحده إبن مقطوع الألف فصغره فقال أبين ثم جمعه فقال أبينون؛ قال ابن بري عند قول الجوهري كأن واحده إبن قال: صوابه كأن واحده أبنى مثل أعمى ليصح فيه أنه معتل اللام وأن واوه لام لا نون بدليل البنوة أو أبن بفتح الهمزة على ميل الفراء أنه مثل أجر وأصله أبنو قال: وقوله فصغره فقال أبين إنما يجيء تصغيره عند سيبويه أبين مثل أعيم. وقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم أبينى لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس. قال ابن الأثير: الهمزة زائدة وقد اختلف في صيغتها ومعناها فقيل إنه تصغير أبنى كأعمى وأعيم وهو اسم مفرد يدل على الجمع وقيل: إن ابنا يجمع على أبنا مقصورا وممدودا وقيل: هو تصغير ابن وفيه نظر. وقال أبو عبيد: هو تصغير بني جمع ابن مضافا إلى النفس قال: وهذا يوجب أن يكون صيغة اللفظة في الحديث أبيني بوزن سريجي وهذه التقديرات على اختلاف الروايات (حتى تطلع الشمس) : استدل بهذا من قال إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس. قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجه. والحسن العرني بجلي كوفي ثقة واحتج به مسلم واستشهد به البخاري غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع. وقال الإمام أحمد بن حنبل: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئا. انتهى. والعرني بضم العين المهملة وفتح الراء المهملة. قال المباركفوري شارح الترمذي: قوله: (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) فيه دليل على عدم جواز الرمي في الليل وعليه أبو حنيفة والأكثرون خلافا للشافعي. والتقييد بطلوع الشمس لأن الرمي حينئذ سنة وما قبله بعد طلوع الفجر جائز اتفاقا كذا في المرقاة. قوله: (وهو قول الثوري والشافعي) : احتج الشافعي بحديث أسماء , أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله مولى أسماء: " عن أسماء أنها رمت الجمرة , قلت لها إنا رمينا الجمرة بليل , قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس: " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " بحمل الأمر على الندب ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال: " بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر " قاله الحافظ في الفتح وقال فيه: وقال الحنفية لا يرمي جمرة العقبة , إلا بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز , وإن رماها قبل الفجر أعادها , وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور وزاد إسحاق ولا يرميها قبل طلوع الشمس , وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور , ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاوس والشعبي والشافعي , واحتج الجمهور بحديث ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله الحديث. وفيه: " فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه البخاري ومسلم. واحتج إسحاق بحديث ابن عباس: " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ". انتهى كلام الحافظ. قوله: (قدم ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء والصبيان والخدم(7/21)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: روى هناد في كتاب الزهد (2 / 411) حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويلبس الصوف ويلعق إصبعه ويأكل على الأرض ويقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد " وفي مسند أبي يعلى: حدثنا محمد بن بكار حدثنا أبو معشر عن سعيد عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا قال فنظرت إلى جبريل قال فأشار إلي أن ضع نفسك قال فقلت نبيا عبدا قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا يقول آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " قال الهيثمي وإسناده حسن وروى الترمذي (2320) عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه [وصححه الألباني] قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: (تعدل) بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي (عند الله جناح بعوضة) هو مثل للقلة والحقارة. والمعنى أنه لو كان لها أدنى قدر (ما سقى كافرا منها) أي من مياه الدنيا (شربة ماء) أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطي شيئا مما له قدر عند المعطي فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه كما أشار إليه حديث: " إن الله يحمي عبده المؤمن عن الدنيا كما يحمي أحدكم المريض عن الماء ". قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه ابن ماجه والضياء المقدسي. وقال المناوي بعد نقل قول الترمذي هذا: ونوزع. يعني ونوزع الترمذي في تصحيح الحديث ووجه المنازعة أن في سند هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف(7/22)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس متخشعا يأكل على الأرض ولا يتكيء صلى الله عليه وسلم وقد روى البخاري في صحيحه عن علي بن الأقمر قال سمعت أبا جحيفة يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكل متكئا " قال الحافظ في الفتح: قوله (إني لا آكل متكئا) وكان سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن يسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال " أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا " قال ابن بطال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله. ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال " أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع فقال: بل عبدا نبيا. قال فما أكل متكئا " اهـ وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه. وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال " ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط " وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال " ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال: اللهم إني عبدك ورسولك " وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو فقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار " أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه " ومن حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك " واختلف في صفة الاتكاء: فقيل: أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان وقيل: أن يميل على أحد شقيه وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته قال: ومعنى الحديث إنى لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا. وفي حديث أنس " أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع " وفي رواية " وهو محتفز " والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن وأخرج ابن عدي بسند ضعيف: زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل قال مالك هو نوع من الاتكاء. قلت: وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها. وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه بالميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك. وحكى ابن الأثير في " النهاية " أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى به واختلف السلف في حكم الأكل متكئا: فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال: قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال " كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم " وإلى ذلك بقية ما ورد فيه من الأخبار فهو المعتمد ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطب والله أعلم(7/23)
من شرح المركز لزوائد الجامع الصغير: رواه ابن ماجة (5) عن أبي الدرداء قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه فقال أالفقر تخافون والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء قال أبو الدرداء صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء " الحديث فيه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بأن الله سيغنيهم من بعد فقرهم ولكنه يحذرهم من هذا الغنى الذي ينسي العباد عبادة ربهم فلا يزال حب الدنيا بهم حتى تزيغ القلوب بعد استقامتها وتضل بعد هداها وتكون الدنيا سبب فتنتهم. وقوله (لقد تركتكم على مثل البيضاء) يعني أنه صلى الله عليه وسلم سيأتيه الموت وقد أعذر إليهم وبين أحسن بيان هذه الشريعة العظيمة بلا لبس أو غموض. قال السندي في شرح سنن ابن ماجة: قوله (آلفقر) بمد الهمزة على الاستفهام وهو مفعول مقدم لتصبن على بناء المفعول والنون الثقيلة قوله (لا يزيغ) من الإزاغة بمعنى الإمالة عن الحق قوله (قلب أحدكم) بالنصب مفعول به (إلا هيه) هي ضمير الدنيا والهاء في آخره للسكت وهو فاعل يزيغ. قوله (لقد تركتكم) أي ما فارقتكم بالموت فصيغة الماضي بمعنى الاستقبال أو قد اجتهدت في إصلاح حالكم حتى صرتم على هذا الحال تركتكم عليها واشتغلت عنها بأمور أخر كالعبادة فصيغة الماضي على معناها قوله (على مثل البيضاء) ظاهر السوق أن هذا بيان لحال القلوب لا لحالة الملة والمعنى على قلوب هي مثل الأرض البيضاء ليلا ونهارا ويحتمل أن يكون لفظ المثل مقحما والمعنى على قلوب بيضاء نقية عن الميل إلى الباطل لا يميلها عن الإقبال عن الله تعالى السراء والضراء فليفهم(7/24)