5552 - (عليكم بأبوال الإبل) أي تداووا بها في المرض الملائم لذلك والتداوي بنجس يجوز عند الشافعية غير الخمر (البرية وألبانها) فإنها ترعى في المراعي الزكية الطيبة فيتولد لها لبنا صالحا قال ابن العربي: لا يمتنع أن تكون ألبان الإبل وأبوالها دواء في بعض الأحوال لبعض الأمراض لبعض الأشخاص في بعض البلدان وقد قالوا: إن أصلح اللبن لبن النساء ثم لبن الأتن ثم لبن الإبل ثم لبن المعز ثم البقر ثم الضأن وهو أغلظها ولا يمنع من ذكر الترتيب بقياس التجربة الطبية هذا الحديث لأنه إنما أشار على الأعراب باللبن عند سقمهم لأنهم نشأوا عليه فوافق أبدانهم والمعول عليه أن الألبان تختلف باختلاف الحيوان والأبدان والأهوية والأزمنة والمراعي والأقطار وأما البول فإنما دلهم عليه لما فيه من الحرافة وفيه نفع لداء البطن سيما الاستسقاء
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن صهيب) الرومي(4/347)
5553 - (عليكم بأسقية الأدم) بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوع والسقاء ظرف الماء واللبن (التي يلاث) بمثلثة أي يشد ويربط (على أفواهها)
(د عن ابن عباس) قال وفد عبد القيس: فيم نشرب يا رسول الله؟ فذكره رمز المصنف لحسنه(4/347)
5554 - (عليكم باصطناع المعروف) مع كل بر وفاجر (فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الله عز وجل)
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (قضاء الحوائج عن ابن عباس)(4/347)
5555 - (عليكم بألبان الإبل والبقر فإنها ترم) أي تجمع (من الشجر كله) أي من الحار والبارد والرطب فتقرب ألبانها لذلك من الاعتدال وإذا أكلت من الكل فقد جمعت النفع كله في أكلها فهذا هو الأكل لله لا لنفسها ولو آثرت المحبوب على المكروه كان أكلها لنفسها وإنما صار لحمها داء لأنها تأكل بالنهمة ذكره الحكيم الترمذي (وهو دواء من كل داء) يقبل العلاج به بل إذا شاء الله يجعل شفاء الضد في الضد ولهذا أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم العرنيين لما اصفرت وجوههم وعظمت بطونهم بشرب ألبان الإبل فشربوها حتى صحوا وفيه أن التداوي مباح وهو إجماع [ص:348] على ما في الهداية للحنفية وكأنه لم يلتفت للخلاف فيه لضعفه جدا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن طارق) بالفاف (ابن شهاب) الأحمس(4/347)
5556 - (عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر) أي لا تبقي شجرا ولا نباتا إلا علقت منه فيكون لبنها مركبا من قوى أشجار مختلفة وأنواع من النباتات متباينة فكأنه شراب مجتمع مطبوخ (وهو) أي اللبن (شفاء من كل داء) قال ابن القيم: إذا شرب سمن بقر أو معز بعسل نفع من السم القاتل والحية والعقرب وفي الموجز حار رطب في الأولى منضج محلل سيما بعسل وهو ترياق السموم المشروبة
(ك عن ابن مسعود)(4/348)
5557 - (عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمانها شفاء) من كل داء كما في الحديث الذي قبله (وإياكم ولحومها) أي احذروا أكلها (فإن لحومها داء) قال الحليمي: إنما قال ذلك لأن الأغلب عليها البرد واليبس وبلاد الحجاز قشيفة يابسة فلم يأمن إذا انضم إلى ذلك الهواء أكل لحم البقر أن يزيدهم يبسا فيتضرروا بها وأما لبنها فرطب وسمنها بارد ففي كل منها الشفاء من ضرر الهوى اه. قال الزركشي: وهو تأويل حسن قيل وهذا يعارضه ما صح أنه ضحى عن نسائه بالبقر
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (ك) في باب الطب (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال النسائي: قد تساهل الحاكم في تصحيحه قال الزركشي: قلت بل هو منقطع وفي صحته نظر فإن في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر وهو لا يتقرب بالداء(4/348)
5558 - (عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء) قال ابن القيم: إنما كانت كذلك لانها تأكل بالنهمة وترعى من كل الشجر حلوها ومرها وترد المزابل ومراعي السوء وترعى من المقاذير وتذر الأطايب من الشجر أحيانا فلما صارت تأكل بالنهمة صار لحمها داء والسمن أو اللبن الحادث عن أخلاط الشجر دواء بالنهمة عليها نبت لحمها فصارت منزوعة البركة وكل شيء لا يبارك فيه فهو دواء في الدنيا والآخرة والدواء ضد الداء والشفاء بعد الدواء وهو البرء
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن صهيب) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(4/348)
5559 - (عليكم بإنقاء الدبر) في الغسل في الاستنجاء (فإنه يذهب بالباسور) بخلاف الحجر والباسور قيل ورم تدفعه الطبيعة إلى كل موضع في البدن يقبل الرطوبة من المقعدة والأنثيين والأشفار وغير ذلك فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق وقد تبدل السين صادا فيقال باصور وقيل غير عربي
(ع عن ابن عمر) بن الخطاب(4/348)
5560 - (عليكم بثياب البيض فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم) ندبا فيهما
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب(4/348)
5561 - (عليكم بثياب البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها أمواتكم)
(البزار) في مسنده عن الحسن قال أظنه (عن أنس) قال الهيثمي: ورجاله ثقات وقد رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بغير شك(4/348)
[ص:349] 5562 - (عليكم) في رمي الجمار (بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة) قال السبكي: المراد بهذا مع قول الراوي في آخره والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان الإيضاح والبيان بحصى الخذف وليس المراد أن الرمي يكون على هيئة الخذف اه فبين به أن السنة في رمي الجمار أن يكون كهيئة الرمي باليد لا بهيئة الخذف فإنه منهي عنه في خبر الشيخين وعلله بأنه لا ينكأ العدو أنه يفقأ العين ويكسر السن وهو أن يضع الحصاة على بطن إبهامه ويرميها برأس السبابة وفيه رد على أبي حنيفة في قوله يجزئ الرمي بجميع أجزاء جنس الأرض وهذا قاله في حجة الوداع قال ابن جرير: وفيه أن على الإمام أن يعلم الناس مناسكهم فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم علمهم الرمي وقدر الحصاة التي يرمى بها
(حم ن حب عن الفضل بن عباس) قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فلما دخل بطن منى ذكره قال ابن حجر: إسناده صحيح(4/349)
5563 - (عليكم بذكر ربكم) أي بالإكثار منه امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} وأفضل الذكر لا إله إلا الله كما مر مرارا (وصلوا صلاتكم في أول وقتكم) الأصل في أول وقتها (فإن الله عز وجل يضاعف لكم الأجور) لكن يستثنى من ندب تعجيل الصلاة أول وقتها صور لعارض
(طب عن عياض) عياض في الصحابة نحو عشرين فكان ينبغي تمييزه(4/349)
5564 - (عليكم برخصة الله التي رخص لكم) قاله وقد رأى رجلا في السفر اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: ما له قالوا: صائم فذكره
(م عن جابر) بن عبد الله(4/349)
5565 - (عليكم بركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب) جمع رغيبة وهي ما يرغب فيه من الذخائر والأموال النفيسة أراد أن فيهما الأجر الجزيل والثواب الكثير
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أنس) بن مالك(4/349)
5566 - (عليكم بركعتي الضحى فإن فيهما الرغائب) جمع رغيبة أي الأجر العظيم فإن صلاها أربعا أو ستا أو ثمانيا فهو أعظم للأجر وقول بعضهم المواظبة على صلاتها تورث العمى لا أصل له
(خط) في ترجمة عبد الخالق السرخسي عن أنس بن مالك وفيه إبراهيم بن سليمان الزيات قال ابن عدي: ليس بالقوي(4/349)
5567 - (عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور) وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى كل موضع في البدن يقبل الرطوبة من مقعدة وأنثيين وأشفار وغير ذلك فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق وقد تبدل السين صادا وقيل إنه معرب لا عربي
(ابن السني) في الطب النبوي (عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه عنه الديلمي أيضا(4/349)
5568 - (عليكم بسيد الخضاب الحناء) فإنه (يطيب البشرة) يحسن لونها وممسها (ويزيد في الجماع) قال ابن العربي: قد أكثر الناس في [ص:350] الحناء ووضعت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب واتباع الجهال وطلاب المعاش بالباطل عند الناس تقربا إلى قلوبهم ولا يوجد فيها شيء إلا عن ضعف كحديث أبي رافع وغيره دونه فلا يعول عليه فلا فائدة فيه وأنذروا كل من يروي شيئا منه بعقوبة الله البالغة وبأنه قد تبوأ مقعده من النار بالوعيد الصادق الصحيح
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب من حديث معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه (عن) جده (أبي رافع) قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: معمر يتفرد عن أبيه بنسخة أكثرها مقلوب والاحتجاج به لا يجوز وقال ابن العربي: حديث لا يصح(4/349)
5569 - (عليكم بشواب النساء) أي انكحوهن وآثروهن على المسنات (فإنهن أطيب أفواها وأنتق بطونا وأسخن أقبالا) أي فروجا كما سبق رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب) له (عن يسير) بمثناة تحتية مضمومة فمهملة مصغرا على ما في نسخ وفي بعضها بشر بموحدة تحتية فمعجمة غير مصغر (ابن عاصم) بن سفيان الثقفي قال الذهبي: ثقة (عن أبيه) سفيان بن عبد الله الثقفي له صحبة ولي الطائف لعمر (عن جده) عبد الطائفي هكذا ساقه بعضهم قال الكمال ابن أبي شريف في كتاب من روى عن أبيه عن جده لم أعرف يسيرا أولا أباه ولا جده ولم أجده أيضا في ثقات التابعين لابن حبان اه. وهذا بناء على أنه يسير بمثناة ومهملة أما على أنه بشر بموحدة فمعجمة وهو ما في التقريب كأصله فهو معروف من ثقات الطبقة الثالثة(4/350)
5570 - (عليكم بصلاة الليل) أي التهجد فلا تدعوها (ولو) كان إنما تصلون (ركعة واحدة) فإنها بركة وفيها ندب التهجد وهو الصلاة بالليل بعد النوم ويكره ترك تهجد اعتاده
(حم في) كتاب الزهد وابن نصر (طب) عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال عليكم إلخ قال الهيثمي: فيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف(4/350)
5571 - (عليكم بغسل الدبر فإنه مذهبة للباسور) وفي رواية فإنه يذهب الباسور وقوله بغسل الدبر الرواية بغين معجمة وضم الدال والباء من الدبر كذا هو في النسخ السائرة لكن رأيت الديلمي ضبطه بالقلم بعين مهملة وفتح السين والدال وسكون الباء ثم قال الدبر بفتح فسكون هو النحل وعليه فيكون المراد أكل عسل النحل
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي وأورده في الميزان في ترجمة عثمان بن مطر الشيباني من حديثه ونقل عن جمع تضعيفه وأن حديثه منكر ولا يثبت وسياقه في اللسان في ترجمة عمر بن عبد العزيز الهاشمي وقال: شيخ مجهول له أحاديث مناكير لا يتابع عليها(4/350)
5572 - (عليكم بقلة الكلام) إلا في خير (ولا يستهوينكم الشيطان فإن تشقيق الكلام) أي التعمق فيه ليخرج أحسن مخرج (من شقائق الشيطان) ومن التشدق تكلف السجع والتصنع فيه قال في المناهج: كثرة الكلام تتولد عن أمرين إما طلب رئاسة يريد أن يرى الناس علمه وفصاحته وإما قلة العلم بما يجب عليه في الكلام وعلاجه ودواؤه ملاحظة ما ورد [ص:351] إن العبد مؤاخذ بما يتكلم به ومسؤول عنه {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} {إن عليكم لحافظين كراما كاتبين} ونحو ذلك من الآيات القرآنية والأخبار النبوية والآثار السلفية
(الشيرازي) في الألقاب (عن جابر) أن أعرابيا مدح النبي صلى الله عليه وسلم حتى أزبد شدقه أي ظهر عليه شبه الرغوة فذكره(4/350)
5573 - (عليكم بقيام الليل) يعني التهجد فيه (فإنه دأب الصالحين) أي عادتهم وشأنهم من دأب في العمل إذا جد فحولوه إلى العادة والشأن (قبلكم) أي هي عادة قديمة واظب عليها الكمل السابقون واجتهدوا في إحراز فضلها ومنه قوله تعالى {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} أي مواظبين على إصلاح العالم (وقربة إلى الله تعالى) وفي رواية وهو قربة لكم إلى ربكم نكر القربة إيذانا بأن لها شأنا وأتى بالجملة ولم يعطف قربة على دأب الصالحين لتدل باستقلالها على مزيد تقريب (ومنهاة) بفتح الميم وسكون النون (عن الإثم) أي حال من شأنها أن تنهى عن الإثم مفعلة من النهي والميم زائدة وقال القاضي: مفعلة بمعنى اسم فاعل ونظائره كثيرة مطهرة ومرضاة ومبجلة (وتكفير للسيئات) أي خصلة تكفر سيئاتكم (ومطردة للداء عن الجسد) أي حالة شأنها إبعاد الداء مفعلة من الطرد قال القاضي: معناه أن قيام الليل قربة تقربكم إلى ربكم وخصلة تكفر سيئاتكم وتنهاكم عن المحرمات {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال ابن الحاج: وفي قيام الليل من الفوائد أنه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق الجاف من الشجرة وينور القبر ويحسن الوجه ويذهب الكسل وينشط البدن وترى الملائكة موضعه من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا من السماء
(حم ت ك هق عن بلال) وقال الترمذي: حديث حسن غريب ولا يصح سمعت محمدا يعني البخاري يقول: محمد القرشي هو ابن سعد الشامي ترك حديثه (ت ك هق عن أبي أمامة) الباهلي (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء طب عن سلمان) الفارسي (ابن السني عن جابر) قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وقال الهيثمي: في سند الطبراني عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون ضعفه أبو داود ووثقه ابن حبان(4/351)
5574 - (عليكم بلباس الصوف تجدوا) لفظ رواية البيهقي تجدون (حلاوة الإيمان في قلوبكم) زاد الديلمي في روايته من حديث أبي أمامة هذا وبقلة الأكل تعرفوا في الآخرة وإن النظر إلى الصوف يورث التفكر والتفكر يورث الحكمة والحكمة تجري في أبدانكم مثل الدم فمن كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وغظم بدنه وقسا قلبه والقلب القاسي بعيد من الله عز وجل اه بلفظه. قال البيهقي: وهذه زيادة منكرة ويشبه كونها من كلام بعض الرواة فألحقت بالحديث وقال الحسن البصري: من لبس الصوف تواضعا لله زاده نورا في بصره وقلبه ومن لبسه إظهارا للزهد في الدنيا والتكبر به على الإخوان في نفسه كور في جهنم مع الشياطين وقال: ما كل الناس يصلح للبس الصوف لأنه يطلب صفاء ومراقبة لله وقيل له مرة: ما سبب لبسك الصوف؟ فسكت. فقيل: ألا تجيب؟ قال: إن قلت زاهدا في الدنيا زكيت نفسي أو فقرا وضيقا شكوت ربي
(ك هب) من رواية إسماعيل بن عياش عن ثور عن خالد بن معدان (عن أبي أمامة) الباهلي قال الزين العراقي: وفيه محمد بن يونس الكديمي وقد ضعفوه وقال غيره: فيه عبد الله بن داود التمار ضعفوه وإسماعيل بن عياش وفيه مقال وثور بن يزيد قدري(4/351)
5575 - (عليكم بلحم الظهر) أي بأكله (فإنه من أطيبه) أي من أطيب اللحم وأطيب منه الذراع وكان يحب الذراع وسم [ص:352] في الذراع وادعى بعضهم تقديم كل مقدم
(أبو نعيم) في الطب (عن عبد الله بن جعفر) قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة وأرغفة فجعل يأكل ويأكلون وسمعته يقول فذكره ورواه عنه هكذا الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه صرم بن حوشب متروك(4/351)
5576 - (عليكم بماء الكمأة الرطبة) بفتح الكاف وسكون الميم وبهمز ودونه واحدة الكمأ بفتح فسكون فهمز نبت لا ورق له ولا ساق له يوجد في الأرض بغير ذرع (فإنها من المن) المنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويأكل ومنه الترنجبين يشبه الكماة بجامع وجود كل بلا علاج (وماؤها شفاء للعين) بأن تؤخذ فتقشر ثم تسلق حتى تنضج أدنى نضج ثم تشق ويستخرج ماؤها ويكتحل به وهو حار. وقد فعل ذلك المتوكل في رمد أعيا الأطباء فبرأ في الدفعة الثانية فقال زعيم الأطباء يوحنا: أشهد أن صاحبكم يعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم لحكيم. فإن جعل المسيل في مائها وهو بارد لم ينجع بل يضر
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن صهيب) الرومي(4/352)
5577 - (عليكم بهذا السحور فإنه هو الغذاء المبارك) زاد الديلمي في روايته وإن لم يصب أحدكم إلا جرعة ماء فليتسحر بها
(حم ن عن المقدام) بن معد يكرب رمز المصنف لصحته وليس بصواب ففيه كما قالوا بقية ابن الوليد وغيره من الضعفاء(4/352)
5578 - (عليكم بهذا العود الهندي) وفي رواية البحري أي تداووا به (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء (يسعط به عن العذرة) وجع في الحلق يعرض للصبيان كما سبق موضحا (ويلد به من ذات الجنب) ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأخذ من سيء الأمراض وأخوفها وقد اقتصر في الحديث من السبعة على اثنين فإما أنه ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على اثنين لوجودهما دون غيرهما على أن منافعه تزيد على سبعة وإنما خصها لأنها أصول وتحت كل واحد منها منافع جمة لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم
(خ عن أم قيس) بنت محصن الأسدية أخت عكاشة يقال اسمها آمنة من السابقات المهاجرات(4/352)
5579 - (عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض) أي يقبض أهله كما سبق (وقيل أن يرفع) من الأرض بانقراضهم كما تقرر (العالم) العامل (والمتعلم) لوجه الله (شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعد) أي في بقية الناس بعد العالم والمتعلم قال المنذري: وهذا قريب المعنى من قوله: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه
(هـ عن أبي أمامة) الباهلي وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف لا يحتج به. ذكره المنذري(4/352)
5580 - (عليكم بهذه الحبة) وفي رواية للبخاري الحبيبة مصغرا (السوداء فإن فيها شفاء من كل داء) يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل جميع الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها إلا هي وأخذ من [ص:353] أحاديث أخر أن معنى كونها شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك وقيل قوله من كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها إنما تنفع من الأمراض الباردة لا الحارة إلا بالعرض (إلا السام وهو الموت) أي إلا أن يخلق الله الموت عندها فلا حيلة في دفعه
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (ت حب عن أبي هريرة حم عن عائشة) ورواه عنها أبو يعلى والديلمي أيضا(4/352)
5581 - (عليكم بهذه الخمس) كلمات أي واظبوا على قولها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها الباقيات الصالحات في قول ابن عباس
(طب عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لصحته وهو زلل فاحش فقد أعله الهيثمي وغيره: بأن فيه جرير بن أيوب وهو ضعيف جدا(4/353)
5582 - (عليكم بهذه الشجرة المباركة) أي بثمرة هذه الشجرة (زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة من الباسور) في كثير من النسخ بباء موحدة ورأيت في أصول قديمة صحيحة بالنون فليحرر ثم يحتمل أن المراد أكل الزيتون أو الريت المعتصر أو دهن الباسور به من خارج
(طب وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن عقبة بن عامر) الجهني قال في الميزان عقب إيراده: قال أبو حاتم: هذا كذاب وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح قال: لكن ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عثمان بن صالح وقال عن أبي حاتم إنه كذب(4/353)
5583 - (عليكم حج نسائكم) أي زوجاتكم حجة الإسلام (وفك عانيكم) أي أسيركم من أيدي الكفار وهذا في الأسير على بابه بالنسبة لمآسير المسلمين عند تعذر بيت المال وأما بالنسبة إلى الحج فيحمل على أن المراد أن ذلك على الرجال من باب المروءة والندب المؤكد لا الوجوب جمعا بينه وبين ما نطقت به أدلة أخرى من عدم إحجاج الزوجة قال المحب الطبري: ظاهر الحديث الوجوب بدليل على ولا أعلم أحد قال بوجوب السفر عليه معها فيحمل على الندب. وقال ابن جماعة: استدل به بعضهم على أن حج الرجل بامرأته أفضل من صلاة التطوع
(ص عن مكحول مرسلا)(4/353)
5584 - (عليكم هديا قاصدا) أي طريقا معتدلا غير شاق (عليكم هديا قاصدا عليكم هديا قاصدا) يعني الزموا القصد في العمل وهو استقامة الطريق أو الأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير (فإنه) أي الشأن (من يشاد هذا الدين يغلبه) أي من يقاومه ويقاويه ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل وترك الواجبات
(حم ك هق عن بريدة) قال: خرجت ذات يوم أمشي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فأخذ بيدي فانطلقنا جميعا فإذا برجل يصلي يكثر من الركوع والسجود فقال: أترى هذا مرائي قلت: الله ورسوله أعلم فأرسل يده [ص:354] وطبق بين يديه ثلاث مرات يرفع يديه ويضربهما ويقول عليكم إلخ قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله موثقون وقال ابن حجر في تخريج المختصر: إسناد أحمد حسن(4/353)
5585 - (عليكم من الأعمال بما) لفظ رواية مسلم ما بدون حرف جر ورواية البخاري بإثباته (تطيقون) أي الزموا ما تطيقون الدوام عليه بلا ضرر ولا تحملوا أنفسكم أورادا كثيرة لا تقدرون على أدائها فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق وهذا وإن ورد في الصلاة لكن اللفظ عام وهو المعتبر والخطاب للرجال والنساء ولكنه غلب الذكور قال ابن الحاج: فليحذر أن يتكلف من العمل ما عليه فيه مشقة أو يخل باشتغاله بالعلم لأن اشتغاله به أفضل وهذا باب كثيرا ما يدخل منه الشيطان على المشتغلين بالعلم إذا عجز عن تركهم له بأمرهم بكثرة الأوراد حتى ينقص اشتغالهم لأن العلم هو العدة التي يتلقى بها ويحذر منه منها فإذا عجز عن الترك رجع إلى باب النقص وهو باب قد غمض على كثير من طلبة العلم لأنه باب خير وعادة الشيطان أن لا يأمر بخير فيلتبس الأمر على الطالب فيخل بحاله وكان المرجاني يقول: ينبغي لطالب العلم أن يكون عمله في علمه كالملح في العجين إذا عدم منه لم ينتفع به والقليل منه يصلحه (فإن الله) ولفظ رواية فوالله (لا يمل) بمثناة تحتية وميم مفتوحتين أي لا يترك الثواب عنكم (حتى تملوا) بفتح أوليه أي تتركوا عبادته فإن من مل شيئا تركه وأتى بهذا اللفظ للمشاكلة كقوله {وجزاء سيئة سيئة} وأفاد أفضلية المداومة على الطاعة وإن قلت وشفقته على أمته ورأفته بهم وكراهة التشديد في العبادة والناس في العبادة على طبقات أعلاها وأفضلها طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ولا نائما إلا رأيته نائما وأصل الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال عليه تعالى فأول بما مر وهذا الحديث رواه مسلم بأتم من هذا ولفظه يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوم عليه وإن قل وإن كان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه ورواه البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: مه عليكم من الأعمال بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا قال البيضاوي: الملل فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه وأمثال ذلك إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من تنزه عنه فيستحيل تصوره في حقه فإذا أسند إليه أول بما هو منتهاه وغاية معناه كإسناد الرحمة والغضب والحياء والضحك إليه تعالى فالمعنى اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإنه لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر أحد اللفظين موافقة للأخرى وإن خالفتها قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقال الشاعر:
ألا لا يجهل أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلين
ولا يفتخر ذو عقل بجهل وإنما أراد فنجازيه بجهله ونعاقبه على سوء صنيعه
(طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي: إسناده حسن(4/354)
5586 - (عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منهما فإن إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله [ص:355] والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس يعني أهلكتهم بميل نفوسهم إلى الأمور المذمومة (وهم) مع ذلك (يحسبون أنهم مهتدون)
(ع عن أبي بكر) الصديق قال الهيثمي: فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف(4/354)
5587 - (عليكن) أيتها النسوة (بالتسبيح) أي بقول سبحان الله (والتهليل) أي التوحيد (والتقديس) أي قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح قالوا: والفرق بين التسبيح والتقديس أن التسبيح للأسماء والتقديس للآلاء وكلاهما يؤدي إلى العظمة (واعقدن بالأنامل) أي اعددن عدد مرات التسبيح بها وهذا ظاهر في عقد كل أصبع على حدته لا ما يعتاده كثير من العد بعقد الأصابع (فإنهن مسؤولات) عن عمل صاحبها (مستنطقات) للشهادة عليه فأما المؤمن فتنطق عليه بخيره وتسكت عن شره سترا من الله والكافر بالعكس فإن خيره لغير الله فهو هباء (ولا تغفلن) بضم الفاء بضبط المؤلف (فتنسين) بضم المثناة الفوقية وسكون النون وفتح السين بخطه (الرحمة) أي لا تتركن الذكر فتنسين منها وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة وكان ذلك معروفا بين الصحابة فقد أخرج عبد الله بن أحمد أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به وفي حديث رواه الديلمي نعم المذكر السبحة لكن نقل المؤلف عن بعض معاصري الجلال البلقيني أنه نقل عن بعضهم أن عقد التسبيح بالأنامل أفضل لظاهر هذا الحديث لكن محله إن أمن الغلظ وإلا فالسبحة أولى وقد اتخذ السبحة أولياء كثيرون ورؤي بيد الجنيد سبحة فقيل له: مثلك يمسك بيده سبحة فقال: طريق وصلت به إلى ربي لا أفارقه وفي رواية عنه شيء استعملناه في البدايات لا نتركه في النهايات أحب أن أذكر الله بقلبي ويدي ولساني ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر بالجمعية والحضور ومشاركة القلب للسان في الذكر والمبالغة في إخفاء ذلك أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة يغلب على حباتها الزينة وغلو الثمن ويمسكها من غير حضور في ذلك ولا فكر ويتحدث ويسمع الأخبار ويحكيها وهو يحرك حباتها بيده مع اشتغال قلبه ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح
(ت ك عن يسيرة) بمثناة تحتية مضمومة وسين وراء مهملتين بينهما مثناة تحتية وهي بنت ياسر أو أم ياسر صحابية من الأنصاريات وقيل من المهاجرات وظاهر اقتصار المصنف على الترمذي أنه تفرد به من بين الستة وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الصلاة ولم يضعفه(4/355)
5588 - (عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) يعني الأمراء والرعية وهذا قاله لما قالوا له: يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء من بعدك يأخذونا بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي لنا نقاتلهم ونعصيهم فذكره
(طب عن يزيد بن سلمة الجعفي) قال الهيثمي: فيه عبيد بن عبيدة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/355)
5589 - (علي أخي في الدنيا والآخرة) كيف وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فأسلم وصلى يوم الثلاثاء فمكث يصلي مستخفيا سبع سنين كما رواه الطبراني عن أبي رافع وفي الأوسط للطبراني عن جابر مرفوعا مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة وفيه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وآخى بينه وبين علي قال الإمام أحمد: ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي وقال النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: كل ما ورد في أخوة علي فضعيف(4/355)
[ص:356] 5590 - (علي أصلي وجعفر فرعي) أو جعفر أصلي وعلي فرعي هكذا ورد على الشك وفي رواية الطبراني قال في الحلية: علي سيد القوم محب المشهود ومحبوب المعبود باب مدينة الحكم والعلوم ورواية المهتدين ونور المطيعين وولي المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما وأوفرهم علما قدوة المتقين وزينة العابدين المنبئ عن حقائق التوحيد المشير إلى لوامع علم التفريد صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي والعهد الوافي فقاء عيون الفتن ووقى من فنون المحن فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين الأخيشن في دين الله الممسوس في ذات الله
(طب والضياء) المقدسي كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر بن عمه موسى بن جعفر عن صالح بن معاوية عن أخيه عبد الله عن أبيه (عن) جده (عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم(4/356)
5591 - (علي إمام البررة وقاتل الفجرة) أي المنبعثين في المعاصي (منصور) من عند الله (من نصره) أي معان من عند الله مؤيد بقوته (مخذول من خذله) أي متروك من رعاية الله وإعانته وما أحسن قول حكيم له لما دخل الكوفة: لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي أحوج إليك منك إليها وهو أول صبي أسلم إجماعا وصح إسلامه لأن الأحكام إذ ذاك كانت منوطة بالتمييز ولم يعبد وثنا قط
(ك) في فضائل الصحابة (عن جابر) قال الحاكم: صحيح فقال الذهبي: لا بل والله موضوع وأحمد أي ابن عبد الله وراويه كذاب فما أجهلك على سمعة معرفتك اه. وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إيراده(4/356)
5592 - (علي باب حطة) أي طريق حط الخطايا (من دخل منه) على الوجه المأمور به كما يشير إليه قوله سبحانه في قصة بني إسرائيل {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} (كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا) يعني أنه سبحانه وتعالى كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سببا للغفران جعل لهذه الأمة مودة علي والاهتداء بهديه وسلوك سبيله وتوليه سببا للغفران ودخول الجنان ونجاتهم من النيران والمراد يخرج منه خرج عليه
(قط في الأفراد عن ابن عباس) قضية صنيع المصنف أن الدارقطني خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال: تفرد به حسين الأشقر عن شريك وليس بالقوي قال: وقال البخاري: حسين عنده مناكير وقال الهذلي: هو كذاب(4/356)
5593 - (علي عيبة علمي) أي مظنة استفصاحي وخاصتي وموضع سري ومعدن نفائسي والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه. قال ابن دريد: وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره وذلك غاية في مدح علي وقد كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه وفي شرح الهمزية: أن معاوية كان يرسل يسأل عليا عن المشكلات فيجيبه فقال أحد بنيه: تجيب عدوك قال: أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا
(عد عن ابن عباس) وفيه ضرار بن صرد وأبو نعيم الطحان قال البخاري والنسائي: متروك وكذبه ابن معين(4/356)
5594 - (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا) في القيامة (علي الحوض) وهذا كان أعلم الناس بتفسيره [ص:357] قال المولى خسرو الرمي عندما قال القاضي إنه جمع في تفسيره ما بلغه عن عظماء الصحابة أراد بعظمائهم عليا وابن عباس والعبادلة وأبي وزيد. قال: وصدرهم علي حتى قال ابن عباس: ما أخذت من تفسيره فعن علي ويتلوه ابن عباس اه. ملخصا وقيل له: مالك أكثر الصحابة علما قال: كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني وكان عمر يتعوذ من كل معضلة ليس لها أبو الحسن ولم يكن أحد من الصحب يقول: سألوني إلا هو وعرض رجل لعمر وهو يطوف فقال: خذ حقي من علي فإنه لطم عيني فوقف عمر حتى مر علي فقال: ألطمت عين هذا قال: نعم رأيته يتأمل حرم المؤمنين فقال: أحسنت يا أبا الحسن وأخرج أحمد أن عمر أمر برجم امرأة فمر بها علي فانتزعها فأخبر عمر فقال: ما فعله إلا لشيء فأرسل إليه فسأله فقال: أما سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاث الحديث قال: نعم قال: فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها فقال عمر: لولا علي هلك عمر واتفق له مع أبي بكر نحوه فأخرج الدارقطني عن أبي سعيد أن عمر كان يسأل عليا عن شيء فأجابه فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن وفي رواية لا أبقاني الله بعدك يا علي
(طس ك) في فضائل الصحابة (عن أم سلمة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني صالح بن أبي الأسود ضعيف وأخرج البزار عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي: يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك فارقني قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/356)
5595 - (علي مني وأنا من علي) أي هو متصل بي وأنا متصل به في الاختصاص والمحبة وغيرهما ومن هذه تسمى اتصالية من قولهم فلان كأنه بعضه متحد به لاختلاطهما (ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) كان الظاهر أن يقال لا يؤدي عني إلا علي فأدخل أنا تأكيدا لمعنى الاتصال في قوله علي مني وأنا من علي وأخرج الطبراني عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليا إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت: لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمت قلت: يا رسول الله رأيت من علي كذا وكذا فقال: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي رواه الطبراني قال الهيثمي: فيه دكين ذكره أبو حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله وثقوا اه
(تتمة) أخرج أحمد من طريق الأجلح الكندي عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي والآخر خالد فقال: إذا التقيتما فعلي على الناس وإن افترقتما فكل منكم على حده فظهر المسلمون فسبوا فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه فكتب خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلما أتيته دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجهه فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ بك فقال: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي قال جدنا للأم الزين العراقي: الأجلح الكندي وثقه الجمهور وباقيهم رجاله رجال الصحيح وروى الترمذي والنسائي من حديث عمران بن الحصين في قصة طويلة مرفوعا ما تريدون من علي إن عليا مني وآنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال الترمذي: حديث حسن غريب
(حم ت ق هـ عن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة التحتية فمعجمة بعدها مثناة تحتية ثقيلة (ابن جنادة) السلولي بفتح السين المهملة له صحبة نزل الكوفة قال الذهبي: قال البخاري إسناد حديثه فيه نظر(4/357)
5596 - (علي مني بمنزلة رأسي من بدني) مبالغة في شدة الاتصال واللصوق به أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه
(خط عن البراء) بن عازب قال الخطيب: لم أكتبه إلا من هذا الوجه قال ابن الجوزي: وفي إسناده مجاهيل [ص:358] (فر عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: وفيه حسين الأشقر عنده مناكير وقيس بن أبي الربيع قال يحيى: ليس بشيء وقال أحمد: يتشيع(4/357)
5597 - (علي مني بمنزلة هارون من) أخيه (موسى) يعني متصل بي ونازل مني منزلته حين خلفه في قومه بني إسرائيل لما خرج إلى الطور فالباء زائدة كما قاله الكرماني ولما كان وجه الشبه مبهما في الجملة بينه بقول (إلا أنه لا نبي بعدي) ينزل بشرع ناسخ لهذه الشريعة نفى الاتصال به من جهة النبوة فبقى من جهة الخلافة لأنها تلي النبوة في الرتبة ثم إنها محتملة لأن تكون في حياته أو بعد مماته فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى بنحو أربعين سنة فتعين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك كمسير موسى إلى مناجاة ربه ذكره جمع منهم القرطبي قال: وإنما قال إلا إلخ تحذيرا مما وقع فيه قوم موسى من غلاة الروافض فإنهم زعموا أن عليا نبي يوحى إليه وتناهى بعضهم في الغلو إلى أن صار في علي ما صارت إليه النصارى في المسيح قالوا: إنه الإله وقد حرق علي من قال ذلك فافتتن به جماعة منهم وزادهم ضلالا فقالوا: الآن تحققنا أنه الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله وهذه كلها أقوال عوام جهال سخفاء العقول لا يبالي أحدهم بما يقول فلا ينفع معهم البرهان لكن السيف والسنان
(أبو بكر المطيري) بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف بضبط المصنف كغيره نسبة إلى المطيرة قرية بناحية سرمن رأى ينسب إليها جمع من المحدثين منهم أبو بكر هذا واسم محمد بن جعفر بن أحمد الصدفي المطيري حدث عنه الحسين بن عرفة وعنه الدارقطني وغيره كان ثقة مأمونا (في جزئه عن أبي سعيد) الخدري قضية صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر ولا أعلى منه وإلا لما أبعد النجعة إليه وهو ذهول عجيب فقد أخرجه أحمد والبزار. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح(4/358)
5598 - (علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه) قيل في معناه من كنت أتولاه فعلي يتولاه قال الحرالي: والمولى هو الولي اللازم الولاية القائم بها الدائم عليها لمن تولاه بإسناد أمره إليه فيما هو ليس بمستطيع له
(المحاملي في أماليه عن ابن عباس)(4/358)
5599 - (علي يزهر في الجنة ككواكب الصبح) أي كما تزهر الكواكب التي تظهر عند الفجر (لأهل الدنيا) يعني يضيء لأهل الجنة كما يضيء الكوكب النير المشرق لأهل الدنيا
(البيهقي في فضائل الصحابة فر عن أنس) بن مالك ورواه عنه الحاكم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى قال ابن الجوزي في العلل: حديث لا يصح فيه يحيى الفاطمي متهم وإبراهيم بن يحيى متروك(4/358)
5600 - (علي يعسوب المؤمنين) أي سيدهم (والمال يعسوب المنافقين) قال في المحكم: اليعسوب أمير النحل ثم كثر حتى سموا كل رئيس يعسوبا وقال ثعلب: اليعسوب ذكر النحل الذي يتقدمها ويحامي عنها وأما ما اشتهر على الألسنة أمير النحل علي فلا أصل له كما قاله الزركشي وغيره
(عد عن علي) قال ابن الجوزي في العلل: حديث غير صحيح ورواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وسلمان مطولا قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيد علي فقال: هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة وهذا يعسوب المؤمنين [ص:359] والمال يعسوب الظالمين(4/358)
5601 - (علي يقضي ديني) بفتح الدال أخرج الطبراني عن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتضر قالت له صفية: لكل امرأة من نسائك أهل تلجأ إليهم وإنك أجليت أهلي فإن حدث حدث فإلى من ألجأ؟ قال: إلى علي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وأخرج البزار عن جابر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس فقال: اضمن عني ديني ومواعيدي قال: لا أطيق ذلك فوقع به ابنه عبد الله فقال: فعل الله بك من شيخ فقال: دعني فدعا علي بن أبي طالب فقال: نعم هي علي فضمنها فلما قدم على أبي بكر مال قال: هذا مال الله وما أفاء على المسلمين فحق ما قضى عن نبيه فقضاها قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يحيى متروك
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف(4/359)
5602 - (عم الرجل صنو أبيه) بكسر المهملة أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه وفيه حث على القيام بحق العم وتنزيله منزلة الأب في الطاعة وعدم العقوق
(ت عن علي) بن أبي طالب (طب عن ابن عباس)(4/359)
5603 - (عمار بن ياسر ما عرض عليه أمر إلا اختار الأرشد منهما) أي الأكثر إصابة للصواب والرشد والصلاح
(هـ عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وفي الباب ابن مسعود عند أحمد ورجاله كما قال الهيثمي رجال الصحيح(4/359)
5604 - (عمار مليء إيمانا إلى مشاشه) بضم الميم بضبط المصنف أي ملأ الله جوفه به حتى تعدى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة والمشاش رؤوس العظام وفي رواية لمخرجه أبي نعيم أيضا عمار مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه قال: يعني مشاشه
(حل) في ترجمة عمار وكذا الخطيب من حديث هانئ بن هانئ (عن علي) أمير المؤمنين قال هانئ: كنا عند علي فدخل عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره. وفيه أحمد بن المقدام أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة صاحب مزاح ورواه عنه أيضا أبو يعلى والديلمي وفي الباب عائشة(4/359)
5605 - (عمار يزول مع الحق حيث يزول) أي يدور معه حيث دار فاهتدوا بهديه
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود)(4/359)
5606 - (عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه وخلط الإيمان بلحمه ودمه يزول مع الحق حيث زال ولا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا) المراد نار الآخرة
(ابن عساكر) في التاريخ عن علي أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(4/359)
5607 - (عمار تقتله الفئة الباغية) أي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام الحق وزاد الطبراني في رواية الناكبة عن الحق والمراد بهذه الفئة فئة معاوية كما جاء موضحا في رواية الطبراني وغيره وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع. [ص:360]
<فائدة> روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما في الإصابة عن أبي وائل عن أبي مسيرة أنه رأى عمارا وذا الكلاع وكان قتل مع معاوية يوم صفين في قباب بيض بفناء الجنة فقال: ألم يقتل بعضكم بعضا قالوا: بلى ولكن وجدنا الله واسع المغفرة
(حل) وكذا الخطيب (عن أبي قتادة) وفي الباب أبو أيوب رفعه تقتل عمارا الفئة الباغية(4/359)
5608 - (عمدا صنعته يا عمر) قاله له لما صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر: لقد صنعت شيئا لم تكن صنعته فذكره وفيه جواز الخمس والنفل بوضوء والمسح على الخف ورد على من أوجب الوضوء لكل فرض ولا ينافيه {إذا قمتم إلى الصلاة} لأن المراد محدثين
(حم م 4 عن بريدة) بن الحصيب(4/360)
5609 - (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة) أي يزهو ويضيء لأهلها كما يضيء السراج لأهل الدنيا وأنهم ينتفعون بهديه فيها كما ينتفع أهل الدنيا بضوء المصباح لما سبق أن العلماء يحتاج الناس إليهم في الجنة
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمر الغفاري وهو ضعيف (حل) من حديث محمد بن عمر الواقدي عن مالك عن ابن شهاب عن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال: غريب من حديث مالك تفرد به عنه الواقدي (ابن عساكر) في تاريخه (عن الصعب) بفتح المهملة الأولى وسكون الثانية ضد السهل (بن جثامة) بفتح الجيم وشد المثلثة الليثي نزيل ودان قيل: مات في خلافة الصديق قال في التقريب: والأصح في خلافة عثمان(4/360)
5610 - (عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان) أي يدور معه حيث دار فإنه كان مشتغلا بالحق والغالب على قلبه سلطانه
(طب) وكذا الأوسط (عد عن الفضل) بن عباس قال: تكلم عمر بكلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يودع الناس ويستحلهم في أول مرضه فذكره قال الهيثمي: وفي إسناده من لم أعرفه(4/360)
5611 - (عمرو بن العاص) يأتي كثيرا في كتب الحديث بحذف الباء لغة في المنقوص والفصيح إثباتها (من صالحي قريش) تمامه عند أحمد وأبي يعلى ونعم أهل البيت أبو عبد الله وأم عبد الله وعبد الله اه. قال أبو يزيد: جزع عمرو بن العاص عند موته جزعا شديدا فلما رأى ذلك ابنه قال: ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك قال: قد كان ذلك ولا أدري أحق كان ذلك أم يتألفني؟ مات بمصر يوم الفطر عن نحو مئة سنة
(ت عن طلحة) بن عبيد الله قال: قال: ألا أخبركم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشيء سمعته يقول فذكره قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/360)
5612 - (عمران بين المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وبكسر الدال وبضم ففتح فتشديد الأول على إرادة المصدر أو المكان أي بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة والثانية بمعنى المطهر وتطهره إخلاؤه من الأصنام أو الذنوب وإضافته من إضافة الموصوف بصفته بمسجد الجامع (خراب يثرب) أي عمران بيت المقدس يكون خراب يثرب (وخراب يثرب خروج الملحمة) أي وما به خراب يثرب خروج الملحمة وهي معترك القتال اسم لموضعه [ص:361] أي موضع التحام القتال ذكره ابن قرقول. وفي النهاية هي الحرب وموضعه يعني أنها اسم لمجموع ذلك. قال الجوهري: الوقعة العظيمة فزاد الوصف بالعظم (وخروج الملحمة فتح القسطنطينية) وهو لخروج الدجال جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم كل واحد منهما عين ما بعده وعبر به عنه
(حم د) في الفتن (عن معاذ) بن جبل قال المنذري: فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان بن صالح تكلم في غير واحد اه. وأورده في الميزان من جملة مناكيره(4/360)
5613 - (عمرة في رمضان تعدل حجة) أي تقابلها وتماثلها في الثواب لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت ذكره المظهر. قال الطيبي: وهذا من باب المبالغة وإلحاق الناقص بالكامل ترغيبا وبعثا عليه وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج اه. فعلم أنها لا تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن فرض الحج وفيه أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا كلها وأن ثواب العمل يزداد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص النية فإن أفضل أوقات العمرة رمضان قال الراغب: والعمرة الزيادة التي فيها عمارة الوقت وجعل في الشرع للقصد المخصوص
(حم خ هـ عن جابر) بن عبد الله (حم ق د هـ عن ابن عباس د ت هـ عن أم معقل) بفتح الميم وكسر القاف الأسدية وقيل الأنصارية (هـ عن وهب بن خنيس) بمعجمة ونون وموحدة تحتية ومهملة وزن جعفر الطائي صحابي نزل الكوفة ويقال اسمه هرم ووهب (طب عن الزبير) بن العوام وخرجه البزار عن علي وأنس(4/361)
5614 - (عمرة في رمضان كحجة معي) في حصول الثواب كما تقرر. قال ابن العربي: هذا صحيح مليح وفضل من الله ونعمة نزلت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها اه. وفيه كالذي قبله أنه يسن إكثار العمرة في رمضان وعليه الشافعية
(سمويه عن أنس) بن مالك وفيه داود بن يزيد الأزدي ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم وهلال بن يزيد قال في الميزان عن ابن حبان: في حديثه مناكير وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير وهو عجب فقد خرجه الطبراني والحاكم والبزار باللفظ المذكور بل هو عند مسلم على الشك بلفظ عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي وعزاه ابن العربي في شرح الترمذي إلى أبي داود بغير شك كما هنا وقال: إنه صحيح(4/361)
5615 - (عمل الأبرار) جمع بار هو المطيع (من الرجال) لفظ رواية الخطيب من رجال أمتي (الخياطة) أي خياطة الثياب (وعمل الأبرار من النساء المغزل) أي الغزل بالمغزل قال في الميزان: لازم ذلك الحياكة إذ لا يتأتى خياطة ولا غزل إلا بحياكة فقبح الله من وضعه اه. بلفظه وقد ورد في فضل المغزل أخبار منها ما رواه ابن عساكر عن زياد القرشي قال: دخلت على هند بنت المهلب وهي امرأة الحجاج فرأيت في يدها مغزلا تغزل به فقلت: أتغزلين وأنت امرأة أمير قالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطولكن طاقة أعظمكن أجرا وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس مرفوعا زينوا مجالس نسائكم بالمغزل وهما حديثان واهيان
(تمام) في فوائده عن عبد السلام بن أحمد القرشي عن محمد بن إسماعيل التميمي عن محمد بن عبد الله الخراساني عن موسى بن إبراهيم المروزي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال المؤلف في مختصر الموضوعات: وموسى متروك (خط) في ترجمة أبي داود النخعي من حديث أبي حازم عن سهل (وابن لال) في المكارم (وابن عساكر) في التاريخ وكذا أبو نعيم [ص:362] والديلمي كلهم (عن سهل بن سعد) الساعدي وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قدح في سنده فعقبه بأن أبا داود النخعي أحد رواته كذاب وضاع دجال وبسط ذلك بما منه أن يجيء ذكر أنه أكذب الناس وجزم الذهبي في الضعفاء بأنه كذاب دجال وفي الميزان عن أحمد كان يضع الحديث وعن يحيى كان أكذب الناس ثم سرد له أحاديث هذا منها ووافقه في اللسان وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بإيراد حديث تمام وقال ابن موسى متروك ولم يزد على ذلك(4/361)
5616 - (عمل البر) بالكسر (كله نصف العبادة والدعاء نصف) أي نصف العبادة الآخر (فإذا أراد الله بعبد خيرا انتحى) بحاء مهملة (قلبه للدعاء) أي مال قلبه له وتوجه إليه يقال انتحى في سيره اعتمد على الجانب الأيسر وانحنى انحناء مثله هذا هو الأصل ثم صار الانتحاء الاعتماد والميل في كل وجه
(ابن منيع) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/362)
5617 - (عمل الجنة) أي عمل أهل الجنة أو العمل الموصل إلى الجنة (الصدق وإذا صدق العبد بر وإذا بر آمن وإذا آمن دخل الجنة وعمل النار الكذب إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار) أي نار جهنم ومقصود الحديث الحث على لزوم الصدق وتجنب الكذب فالصدق محمود والكذب مذموم عقلا وشرعا وتطابقت على ذلك الملل والنحل لكن قد يعرض ما يصير الصدق مذموما بل حراما والكذب محمودا بل واجبا وليس الكلام فيه
(حم عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه(4/362)
5618 - (عمل قليل في سنة) أي مصاحب لها (خير من عمل كثير) أي في صورته وعدده (في بدعة) لأن ذاك وإن قل أكثر نفعا وذا أكثر ضررا ففي بمعنى مع كهي في {ادخلوا في أمم} فالظرفية مجازية فكأنهما لصدورهما معهما من صاحبهما مظروفان بهما متمكنان فيهما تشبه تمكنهما فيهما بتمكن المظروف في ظرفه ذكره الطيبي كالقاضي. وقال الخطابي: لا خير في العمل مع البدعة لكن المراد أنه مع السنة ينفع القليل ومع البدعة لا نفع فيه واعلم أن مصباح السعادة اتباع السنة والاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في مصادره وموارده وحركاته وسكناته حتى في هيئة أكله وقيامه وقعوده وكلامه قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه ومن نهاكم عنه فانتهوا} {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وذلك شامل لجميع الآداب فعليك أن تلبس السراويل قاعدا وتعتم قائما وتبتدئ باليمين في نعليك وتأكل بيمينك وتقلم أظفارك مبتدئا بمسبحة اليد اليمنى وتختم بإبهامها وفي الرجل بخنصر اليمنى وتختم باليسرى وكان بعضهم لا يأكل البطيخ لكونه لم ينقل كيفية أكل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له قال الغزالي: فلا ينبغي التساهل في ذلك ويقال هذا مما يتعلق بالعادات فلا معنى للاتباع فيه فإن ذلك يغلق بابا عظيما من أبواب السعادة
(الرافعي) الإمام في التاريخ (عن أبي هريرة فر) وكذا القضاعي والدارمي (عن ابن مسعود) وفيه أبان بن يزيد العطار لينه القطان(4/362)
5619 - (عمل هذا قليلا وأجر كثيرا) قاله حين جاءه رجل مقنع بالحديد فقال: [ص:363] يا رسول الله أقاتل وأسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل ففعل فقتل
(ق عن البراء) بن عازب. ورواه عنه أيضا أحمد والطيالسي وغيرهم(4/362)
5620 - (عموا بالسلام) بأن يقول المبتدئ إذا سلم على جمع السلام عليكم (وعموا بالتشميت) بأن يقول يرحمكم الله أو يهديكم الله أو يغفر الله لكم ونحو ذلك فلو قال يرحمك الله حصل أصل السنة والأمر للندب فيهما
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود)(4/363)
5621 - (عمي وصنو أبي العباس) بن عبد المطلب أي فاحفظوا حقي فيه وأحلوه محل الإكرام والإعظام فإن من آذاه فقد آذاني
(أبو بكر في الغيلانيات عن عمر) بن الخطاب(4/363)
5622 - (عن الغلام عقيقتان وعن الجارية عقيقة) أي يجزي عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة وبظاهره أخذ الليث والظاهرية فأوجبوها وأجاب الجمهور بأنه علقها في أخبار أخر على محبة فاعلها وذلك يدل على الندب ولو كانت واجبة لبين وجوبها بيانا عاما تقوم به الحجة
(طب عن ابن عباس)(4/363)
5623 - (عن الغلام شاتان مكافئتان) أي متساويتان في السن والحسن أو معادلتان لما يجب في الزكاة في الأضحية من الأسنان مذبوحتان من قولهم كافأ الرجل بين بعيرين إذا وجأ في لبة هذا ثم لبة ذاك فنحرهما معا ذكره الزمخشري وزاد أو مكافئتان دفعا لتوهم أن يتجن في أحديهما ويهون أمرهما فبين به أن تكون فاضلة كاملة وفيه تنبيه على تهذيب العقيقة من عيوب الأضحية (وعن الجارية شاة) على قاعدة الشريعة فإنه سبحانه فاضل بين الذكر والأنثى في الإرث والدية والشهادة والعتق فكذا العق ولا يعارضه أن فاطمة ذبحت عن الحسن والحسين كبشا كبشا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن كل واحد كبشا وذبحت أمهما عنهما كبشين واقتصاره في الأخبار على الشياه يفهم أنه لا يجزئ غيرهما ولو أعلى كالإبل والبقر وبه صرح جمع لكن نقل عن مالك أنه كان يعوق بجزور
(حم د ن هـ حب عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء ثم زاي الكعبية المكية الصحابية (عن عائشة طب عن أسماء بنت يزيد) بن السكن(4/363)
5624 - (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أم إناثا) فيه كالذي قبله رد على الحسن وغيره في زعمهم أنه لا يسن العقيقة عن الأنثى قال ابن المنذر: وهو رأي ضعيف لا يلتفت إليه لمخالفته السنة الصحيحة من وجوه وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية وعن مالك هما سواء فيعق عن كل منهما شاة قال الحليمي: وحكمة كون الأنثى على النصف من الذكر أن القصد استبقاء النفس فأشبهت الدية وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا عتق كل عضو منه ومن أعتق جاريتين كذلك
(حم د ت ن حب ك عن أم كرزت [ص:364] عن سلمان بن عامر) بن أوس بن حجر الضبي نزيل البصرة قال مسلم: لم يكن في الصحابة ضبي غيره (وعن عائشة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: له طرق عن الأربعة والبيهقي(4/363)
5625 - (عن يمين الرحمن تعالى وكلتا يديه يمين) أي هما بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال ينقص عن اليمين وكل ما جاء في الكتاب والسنة من هذا فمجاز واستعارة (رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء) أي يحسدونهم حسدا خاصا محمودا (بمقعدهم وقربهم من الله تعالى هم جماع من نوازع القبائل) أي جماعات من قبائل شتى (يجتمعون على ذكر الله فينتقون) أي يختارون الأفضل (من أطايب الكلام) أي أحسنه وخياره (كما ينتقي آكل التمر أطايبه)
(طب عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين ابن عامر بن خالد السلمي أبي نجيح صحابي قديم وقد رمز المصنف لحسنه(4/364)
5626 - (عند الله خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعل الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر) أي الفساد والسوء (وويل) حزن وهلاك ومشقة من عذاب (لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير) قال الراغب: الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل والشر ضده والخير قد يكون خيرا لواحد شرا لآخر والشر كذلك كالمال الذي يكون ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمرو ولذلك وصفه الله بالأمرين قال الطيبي: والمعنى الذي يحتوي على خيرية المال وعلى كونه شرا هو المشبه بالخزائن فمن توسل بفتح ذلك المعنى وأخرج المال منها وأنفق في سبيل الله ولا ينفقه في سبيل الشيطان فهو مفتاح للخير مغلاق للشر ومن توسل بإغلاق ذلك الباب في إنفاقه في سبيل الله وفتحه في سبيل الشيطان فهو مغلاق للخير ومفتاح للشر
(طب والضياء) المقدسي (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أبو يعلى والديلمي(4/364)
5627 - (عند الله علم أمية بن أبي الصلت) وذلك أن الشريد قال: ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل معك شيء من شعر أمية قلت: نعم فأنشدته مئة قافية كلما أنشدته قافية قال: هيه أي زدني ثم ذكره
(طب عن الشريد بن سويد) ظاهره أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور عن شريد المذكور كما في الفردوس وغيره(4/364)
5628 - (عند اتخاذ الأغنياء الدجاج) أي اقتنائهم إياها (يأذن الله تعالى بهلاك القرى) أي يكون ذلك علامة على هلاكها وما ذكر من أن لفظ الحديث هكذا هو ما في نسخ الكتاب لكن في الفردوس وغيره ما نصه: عند اتخاذ الأغنياء الدجاج هلاك الفقراء وبإذن الله عز وجل بهلاك القرى اه. فسقط من قلم المؤلف لفظ هلاك الفقراء
(هـ عن [ص:365] أبي هريرة) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج ثم ذكره. قال السخاوي: وهو ضعيف وقال المؤلف في الميزان تبعا للدميري: إنه واه ولابن حبان في الضعفاء عن ابن عمر مرفوعا الدجاج غنم فقراء أمتي والجمعة حج فقرائها(4/364)
5629 - (عند أذان المؤذن) للصلاة (يستجاب الدعاء) إذا توفرت شروطه وأركانه وآدابه كما سبق (فإذا كان الإقامة لا ترد دعوته) أي الداعي كأنه يقول إنه عند الإقامة أقوى في تأكد رجاء القبول منه عند الأذان
(خط عن أنس) بن مالك وبيض له الديلمي(4/365)
5630 - (عند كل ختمة) من القرآن يختمها القارئ (دعوة مستجابة) فيه عموم للقارئ والمستمع بل والسامع ومن ثم آكد واطلب الدعاء عند ختمه
(حل) من حديث جعفر بن مجاشع عن حمون بن عباد عن يحيى بن هاشم عن مسعر عن قتادة عن أنس وقال: لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى (وابن عساكر) في التاريخ وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه يحيى السمسار. قال في الميزان: كذبه ابن معين وتركه النسائي وقال ابن عدي: يضع الحديث ويسرقه قال: ومن بلاياه هذا الخبر في أخبار أخر(4/365)
5631 - (عندي أخوف عليكم من الذهب أن الدنيا ستصب عليكم صبا فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب) أي عند صب الدنيا عليها وما هم بتاركيه. مراده رجال أمته وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع
(حم عن رجل) من الصحابة ولا يضر إبهامه لأنهم عدول وقد رمز المصنف لحسنه(4/365)
5632 - (عنوان كتاب المؤمن يوم القيامة حسن ثناء الناس) عليه في الدنيا وعنوان الكتاب علامته التي يعرف بها ما في الكتاب من خير وشر وحسن وقبيح وقد عنونت الكتاب أعنونه <فائدة> قيل لبزرجمهر عندما قدم للقتل: تكلم بكلام تذكر به فقال: أي شيء قول إن الكلام لكثير لكن إن أمكنك أن تكون حديثا حسنا فافعل وكتب حكيم إلى الإسكندر: اعلم أن الأيام تأتي على كل شيء فتخلقه وتخلق آثاره وتميت الأفعال إلا ما رسخ في قلوب الناس فأودع قلوبهم محبة أبدية يبقى بها حسن ذكرك وكريم أفعالك وشرف آثارك
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن الحسن الأزدي. قال الذهبي: قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد(4/365)
5633 - (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب) أي حبه علامة يعرف المؤمن بها يوم القيامة وعنوان الكتاب بضم العين وقد تكسر وعنونته جعلت له عنوانا
(خط عن أنس) وفيه أبو الفرج أحمد بن محمد بن جوري العكبري قال مخرجه الخطيب: في حديثه مناكير. قال الذهبي: قلت له حديث موضوع انتهى. كأنه يشير إلى هذا. وقال ابن الجوزي: حديث لا أصل له(4/365)
5634 - (عهد الله تعالى أحق ما أدى) يحتمل أن المراد بالعهد الصلاة لقوله في الخبر الآتي: العهد الذي بيننا وبينهم [ص:366] الصلاة
(طب عن أبي أمامة) الباهلي رمز لحسنه(4/365)
5635 - (عهدة الرقيق ثلاثة أيام) فإذا وجد به المشتري عيبا فيها رده على البائع بلا بينة وإن وجده بعدها لم يرد إلا بينة هذا مذهب مالك ولم يعتبر الشافعي العهدة ونظر إلى العيب فإن أمكن حدوثه فالقول للبائع وإلا رده وقال لم يثبت خبر العهدة
(حم د ك هق) في البيع عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن (عن عقبة بن عامر هـ عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح لكن الحسن لم يسمع من عقبة أي فهو منقطع ومن ثم ضعفه أحمد وغيره(4/366)
5636 - (عودوا المريض) بضم العين والدال بينهما واو ساكنة أي زوروا فالفاعل عائد وجمعه عواد كذا في المصباح وقال ابن الأثير: العيادة الزيارة ثم اشتهرت في زيارة المريض حتى صار كأنه مختص به (واتبعوا الجنازة) فإنها (تذكركم الآخرة) أي أحوالها وأهوالها وهذا كالمحسوس والأمر للندب المؤكد قال بعضهم: أمر بذلك لحق المسلم وللاتعاظ فإن المرض والموت يذكران الآخرة لأنهما من أسباب الرحيل فيستعد وكأنه يشير به إلى أن يكون معظم قصدكم من اتباع الجنائز ذكر الآخرة لا ما أحدثوا من الرسم والعادة مع ما فيها من البركة بحضور المؤمنين ومعونة أهله على تجهيزه
(حم حب هق عن أبي سعيد) الخدري(4/366)
5637 - (عودوا المرضى) قال ابن بطال: يحتمل كون الأمر للوجوب على الكفاية فإطعام الجائع وفك الأسير يحتمل كونه للندب للحث على التواصل والألفة وجزم الداودي بالأول وقال الجمهور: هي في الأصل ندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبراني تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله وتباح فيما عداهما وفي الكافر خلف وقد نقل النووي في الكافر الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان واستدل بقوله عودوا المريض على مشروعية العيادة في كل مرض لكن استثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو وهذا لأمر خارجي قد يجيء مثله في بقية الأمراض كالمغمى عليه (ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور) والكلام في مريض مسلم كما هو ظاهر ويحتمل تقييده بما إذا لم يكن عاصيا بمرضه
(طس عن أنس) وضعفه المنذري ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب(4/366)
5638 - (عودوا المريض واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة والعيادة) تكون (غبا) أي يوما بعد يوم بحيث لا يمل (أو ربعا) بالكسر بأن يترك يومين بعد العيادة ثم يعاد في الرابع قال في الاتحاف: وهذا التقييد بحسب الأعم الأغلب وإلا فنحو الصديق والقريب يعاد كل يوم بحسب الحاجة والمصلحة والعادة (إلا أن يكون مغلوبا) على عقله بأن كان لا يعرف العائد حينئذ (فلا يعاد) لعدم فائدة العيادة لكن يدعى له (والتعزية) بالميت تكون (مرة) واحدة فلا يكررها المعزي فيكره لما فيه من تجديد الحزن ولا يجلس لها المعزي فإنه بدعة مكروهة كما قاله ابن القيم وغيره
(البغوي في مسند عثمان) بن عفان (عنه) أي عن عثمان ثم قال أعني مخرجه البغوي: هو مجهول الإسناد(4/366)
[ص:367] 5639 - (عودوا) بواو مشددة مكسورة بضبط المصنف من العادة سميت به لأن صاحبها يعاودها أي يرجع إليها مرة بعد أخرى (قلوبكم الترقب) من المراقبة وهي كما في العوارف علم القلب بنظر الله إليه فما دام هذا العلم يلازم القلب فهو مراقب (وأكثروا التفكر) من الفكر وهو تردد القلب بالنظر والتدبير لطلب المعاني وقيل: هو ترتيب أمور في الذهن يتوصل منها إلى مطلوب علما أو ظنا (والاعتبار) أي الاستدلال والاتعاظ والمعتبر المستدل بالشيء على الشيء والتفكر من أعلى مقامات السالكين قال الفضيل: التفكر مرآة تريل حسناتك وسيئاتك وقال ابن أدهم: التفكر مخ العقل ومن لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو. وفي الحكم: الفكر سير القلب في ميادين الاعتبار والفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له والتفكر فكرتان فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان فالأولى لأرباب الاعتبار والثانية لأرباب الشهود والاستبصار وفيها لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها في صلتك
(فر عن الحكم بن عمير) مصغرا وفيه يحيى بن سعيد العطار قال الذهبي: قال ابن عدي: بين الضعف وعيسى بن إبراهيم القرشي الهاشمي قال الذهبي: قال ابن معين: ليس بشيء وتركه أبو حاتم وموسى بن أبي حبيب ضعفه أبو حاتم(4/367)
5640 - (عوذوا) بسكون الواو وذال معجمة أي اعتصموا (بالله) والتجئوا إليه (من عذاب القبر) فإن عذاب القبر حق خلافا للمعتزلة (عوذوا بالله من عذاب النار) أي نار جهنم (عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال) فإنها أعظم الفتن (عوذوا الله من فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت وفتنة الموت فتنة الاحتضار أو القبر وذكره الفتنتين الأخيرتين من ذكر الخاص بعد العام
(م ن عن أبي هريرة)(4/367)
5641 - (عورة المؤمن) الذي رأيته في أصول صحيحة الرجل بدل المؤمن (ما بين سرته إلى ركبته) والعورة بسكون الواو الخلل في شعر وغيره وكل ما يستحي منه كما في القاموس وقال التلمساني: من العار الذي يلحق الذم بسببه يقال عورات الجسد وعورات الكلام
(سمويه عن أبي سعيد الخدري ورواه عنه أيضا الحرث في مسنده قال ابن حجر: وفيه شيخ الحرث داود بن المحبر رواه عن عباد بن كثير عن أبي عبد الله الشامي عن عطاء عنه وهو سلسلة ضعفاء إلى عطاء(4/367)
5642 - (عورة الرجل على الرجل كعورة المرأة على الرجل) فيحرم نظر الرجل إلى ما بين سرة الرجل وركبته وكذا المرأة مع المرأة
(ك) في اللباس (عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن فيه إبراهيم بن علي الرافعي ضعفوه(4/367)
5643 - (عوضوهن) أي عن صداقهن (ولو بسوط) أي ولو بشيء حقير جدا فإنه إذا كان متمولا يجوز جعله صداقا ولا تخلين العقد منه وإن كان صحيحا وقوله (يعني في التزويج) مدرج من كلام الراوي أو المصنف للبيان والإيضاح
(طب والضياء) [ص:368] في المختارة (عن سهل بن سعد) الساعدي قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم(4/367)
5644 - (عون العبد أخاه يوما خير من اعتكافه شهرا) يعني أفضل من اعتكافه في المسجد مدة شهر والعون الظهير على الأمر جمعه أعوان واستعان به فأعانه
(ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري(4/368)
5645 - (عويمر) بن زيد بن قيس الأنصاري أبو الدرداء الصحابي الجليل (حكيم أمتي وجندب) بن جنادة أبو ذر الغفاري (طريد أمتي يعيش وحده ويموت وحده والله يبعثه) يوم القيامة (وحده) قاله لما خرج لتبوك فأبطأ بأبي ذر بعيره فحمل متاعه على ظهره وتبع النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا فنظر ناظر فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشي وحده فقال: كن أبا ذر فلما تأملوه قالوا: هو فذكره
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن أبي المثنى المليكي) لعل صوابه الأملوكي بفتح الهمزة وسكون الميم وضم اللام وآخره كاف نسبة إلى أملوك بطن من ردمان قبيلة من رعين (مرسلا)(4/368)
5646 - (عيادة المريض أعظم أجرا من اتباع الجنائز) لأن فيها أربعة أنواع من الفوائد نوع يرجع إلى المريض ونوع يعود على العائد ونوع يعود على أهل المريض ونوع يعود على العامة فتدبر وقال في الإتحاف: وجهه أن معاملة الحي أولى وأفضل من معاملة غيره
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه عبد الرزاق وأبو الشيخ [ابن حبان] وغيرهما(4/368)
5647 - (عينان لا تمسهما النار أبدا عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) قال الطيبي: قوله عين بكت إلخ كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحملت النسبة بين العينين عين مجاهدة مع النفس والشيطان وعين مجاهدة مع الكفار والخوف والخشية مترادفان
(ن والضياء عن أنس) وعزاه الذهبي لأبي داود قال المناوي: وهو وهم وعزاه الهيثمي لأبي يعلى وقال المنذري: رجاله ثقات(4/368)
5648 - (عينان لا تريان النار عين بكت وجلا من خشية الله وعين باتت تكلأ في سبيل الله) أي تحرس فيه وأعلم أن البكاء إما من حزن وإما من وجع وإما من فزع وإما فرح وإما من شكر وإما من خشية من الله تعالى وهو أعلاها درجة وأغلاها ثمنا في الدار الآخرة وأما البكاء للرياء والكذب فلا يزداد صاحبه إلا طردا ومقتا وحق لمن لم يعلم وحق لمن لم يعلم ما جرى له به العلم في سابق علمه تعالى من سعادة مؤبدة أو شقاوة مخلدة وهو فيما بين هذين قد ركب المحرمات وخالف المنهيات أن يكثر بكاؤه وأن يهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن يجأر إلى الله عما سلف منه من سوابق مخالفاته وقبائح شهواته فعسى أن لا تمسه النار في دار القرار
(طس عن أنس) وفيه زافر بن سليمان قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه وشبيب بن بشر أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم لين الحديث(4/368)
[ص:369] 5649 - (عينان لا تصيبهما النار عين بكت في جوف الليل من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) أي في الثغر أو الجيش أو نحوهما قيل: بكاء العين من خشية الله يطفئ بحورا من النيران فإن خشيته تحرق قلبه فتذيب شحم فؤاده فتجري دموعه فتطفئ نار معصيته وسوى بين العين الباكية والحارسة لاستوائهما في سهر الليل لله والباكية بكت في جوف الليل خوفا لله والحارسة سهرت خوفا على دين الله
(ت) من حديث عطاء الخرساني (عن ابن عباس) قال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال: عطاء الخراساني يستحق أن يترك فإن عامة أحاديثه معلولة اه. ثم قال بعد سطيرات: عطاء الخراساني ثقة لم أر أحدا تكلم فيه بشيء(4/369)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف العين](4/369)
5650 - (العائد في هبته كالعائد في قيئه) أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكله يقبح أن يتصدق بشيء ثم يسترجعه بوجه من الوجوه كشرائه من المنتقل إليه فشبه بأخس الحيوانات في أخس أحوالها زيادة للتهجين والتنفير فيكره تنزيها لمن وهب أو تصدق أن يشتريه حتى ممن انتقل إليه من المتصدق عليه ولو وهب وأقبض لم يكن له أن يطلب ثوابا مطلقا عند الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: له طلب ثواب هبته أما الرجوع في الموهوب فمنعه الشافعي إن وهب لأجنبي لا لفرعه وعكس أبو حنيفة وقال مالك للأب الرجوع وكذا الأم ما لم يكن يتيما وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله وليس كذلك بل بقيته ليس لنا مثل السوء أي لا ينبغي لنا معشر المسلمين أن نتصف بصفة ذميمة يساهمنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها
(حم ق د ن هـ عن ابن عباس)(4/369)
5651 - (العارية مؤداة) أي واجبة الرد على مالكها عينا حال الوجود وقيمة عند التلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: هي أمانة في يده لا تضمن إلا بالتعدي وقال مالك: إن خفي تلفها ضمن وإلا فلا والعارية مشددة الياء مأخوذة من العار منسوبة إليه فإنهم يرون الاستعارة عارا وعيبا وقيل هي من التعاور وهو التداول (والمنحة مردودة) هي ما يمنح الرجل صاحبه من أرض يزرعها ثم يردها أو شاة يشرب درها ثم يردها وهي في معنى العارية وحكمها الضمان
(هـ عن أنس) قال الحافظ ابن حجر: وله في النسائي طريقان من رواية غيره صحح ابن حبان إحداهما(4/369)
5652 - (العارية مؤداة) أي مردودة مضمومة (والمنيحة مردودة) لأنه لم يعطه عينها بل لبها فإذا مضت أيام اللبن ردها (والدين) بفتح الدال (مقضي) إلى صاحبه أي صفته اللازمة هي القضاء (والزعيم) أي الكفيل يعني الضمين (غارم) ما ضمنه بمطالبة المضمون له سواء كان عن ميت ترك وفاء أم لا عند الشافعي ومالك خلافا لأبي حنيفة لأنه قول عام على تأسيس القواعد فحمل على عمومه فإن كانت الكفالة بالبدن فلا غرم عند الشافعي ومالك إلا أن مالكا غرمه إذا [ص:370] لم يحضره والشافعي لا والغرم أداء الشيء. قال الطيبي: ومن وجب عليه حق لغيره فإما أن يكون على سبيل الأداء بما يتصل فهو العارية أو بدون ما يتصل به فالمنحة أو على القضاء من غير عينه فالدين أو على الغرامة بالالتزام فالكفالة
(حم د) في البيع (ت هـ) في الوصايا (والضياء) في المختارة (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وقال ابن حجر: فيه إسماعيل بن عياش رواه عن شامي وهو شرحبيل بن مسلم وضعفه ابن حزم ولم يصب وهو عند الترمذي في الوصايا أتم سياقا كذا ذكره في تخريج الرافعي لكنه جزم في تخريج الهداية بضعفه(4/369)
5653 - (العافية عشرة أجزاء تسعة في الصمت) أي السكوت إلا عن خير (والعاشر في العزلة) أي الانفراد والتنحي (عن الناس) حيث استغنى عنهم واستغنوا عنه فإن دعاه الشرع إلى مخالطتهم لتعلم أو تعليم فلا خير فيها وعليه نزلت الإطلاقات المتباينة في مدحها وذمها وإنما كان الصمت كذلك لما فيه من كف اللسان عن النطق فيما تهواه النفس وذلك مع مخالطة الناس صعب شديد لا يحصل إلا بقهر النفس ومجاهدتها
(فر عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: هذا حديث منكر(4/370)
5654 - (العافية عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة) أي الكسب الحلال الذي يعيش به الإنسان (وجزء في سائر الأشياء) لأن المكتسب قائم بفرض ممتثل أمر الشارع بالاستغناء عن الناس وهو محبوب لله تعالى ففي الخبر المار " إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال " وفي رواية الديلمي أيضا العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشر كسب اليد من الحلال اه. فينبغي للعاقل أن يختار العافية فهي بالأغراض الدينية والدنيوية وافية فمن عجز واضطر إلى الخلطة فليلزم الصمت وما أحسن العزلة فهي للعبد ولاية لا يرى معها عزلة
(فر عن أنس بن مالك)(4/370)
5655 - (العالم أمين الله في الأرض) على ما أودع من العلوم ومنح من المفهوم فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون فالعلم من وجه عبادة ومن وجه خلافة عن الله وهي أجل خلافة فإن الله قد فتح على قلب العالم العلم الذي هو أخص صفاته فهو كالخازن لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له في الإنفاق على كل ما يحتاج إليه
رواه الإمام أبو عمر (ابن عبد البر) الذي قال فيه ابن الصلاح عن الباجي لم يخرج من الأندلس رجل أعلم بالحديث منه (في) كتاب (العلم) المؤلف الحافل (عن معاذ) بن جبل قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة مع أن أبا يعلى والديلمي خرجاه باللفظ المزبور(4/370)
5656 - (العالم والمتعلم شريكان في الخير) لاشتراكهما في التعاون على نشر العلم. ونشره أعظم أنواع البر وبه قوام الدنيا والدين (وسائر الناس لا خير فيهم) قال الشريف السمهودي: هذا قريب المعنى من خبر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما <تنبيه> قال الإمام الرازي: قد دل على فضل العلماء والعلم وشرفه المعقول والمنقول فمن الشواهد العقلية أن كون العلم صفة كمال والجهل صفة نقص معلوم للعقلاء ضرورة ولذلك لو قيل للعالم يا جاهل تأذى به ولو قيل للجاهل يا عالم فرح وإن علم كذب القائل وقد وقر في طباع الحيوانات الانقياد للإنسان لكونه أعلم منهم وفي طباع الناس كل طائفة منقادة للأعلم منها وتعظمه والعالم يطير في أقطار الملكوت ويسبح في بحار المعقولات والجاهل في ظلمات الجهل وضيقه فإن قيل قد ذكر فضل العالم والعلم وشرفه فهل هذا الفضل للعلماء والعلم من حيث [ص:371] هو أو للبعض من العلوم دون بعض أو لكلها كيف كانت؟ قلنا أما العلم من حيث هو ففيه شرف وتزكية للنفس وهو خير من الجهل إلا ما كان علما شيطانيا يهدي إلى الشر ويوقع فيه كالسحر وما ليس كذلك فمنه مباح ومنه مندوب ومنه واجب وحقيقة القول الكلي الذي يجمع معاني الشرف وتعتبر به المراتب أن شرف العلوم بشرف المعلوم فكلما كان المعلوم أشرف كان العلم أشرف فالعلم المتعلق بالله ومعرفة توحيده وعظمته وجلال صفاته أشرف العلوم لأن معلومه أشرف المعلومات وبهذا تعتبر بقية العلوم ويمتاز بعضها على بعض وشرف العالم بشرف علمه فالعالم بالأشرف أشرف مرتبة من العالم بما دونه ولا شرف أشرف من العلم بالله وإدراك الحقائق والمعارف الإلهية وحقائق التوحيد وعلوم المكاشفة والاشتغال بذلك والتوصل إليه والسعي في حصوله من أشرف المقاصد وأعلى المطالب وكذا العلم بأمره ونهيه وفهم كتابه وأسرار كلامه اه
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الهيثمي بأن فيه معاوية بن يحيى الصدفي قال ابن معين: هالك ليس بشيء(4/370)
5657 - (العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء) فكان عند أهل الدنيا والآخرة في الذروة العليا والرتبة الكبرى (وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء) فسقط من مرتبته وهان على أهل الدنيا في الآخرة عند الله {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} قال ابن الزملكاني: قال بعض مشايخنا كأن هذه الآية فينا نزلت وقد طم البلاء وعم بسبب طمع العلماء في الحطام وصار المؤمن القابض على دينه معهم كالقابض على الجمر لأنهم قد تمكنوا من صدور الخلق لغلبة الجهل عليهم فهم المقتدى بهم والمنظور إليهم فهم عند الخلق علماء وفي الملكوت جهال فمن تمسك بالسنة بين ظهراني هؤلاء بعد تمكنهم من الرياسة ونفاذ القول في الخلق فقد بارزهم بالمحاربة لأن في تمسكه بها هتكا لسترهم عند العامة وكشفا لعوارهم ونشرا لفضائحهم فالمتمسك بالحق يرصدونه بالعداوة ويرمونه عن قوس واحدة ويقذفونه بالعظائم ومع ذلك حرمة الإيمان معهم فالأولى أن لا يعذبهم بل يرحمهم <فائدة> اعتذر ابن عربي عن تسمية الصوفية العالم عارفا ولم يسموه عالما مع أنه أولى لاستعماله في النصوص بأن الغيرة غلبت عليهم لما رأوا اسم العالم يطلق عرفا على كل من حصل عنده علم كيفما كان ويكون قد أكب على الشهوات وتورط في الشبهات بل وفي المحرمات فأدركتهم الغيرة أن يشاركهم البطال في اسم واحد وقد شاع ذلك وذاع ففرقوا بين المقامين بأن خصوا اسم المعرفة بهذا المقام العلي والمعنى واحد في العلم والمعرفة
(فر عن أنس) وفيه الحسن بن عمرو القيسي قال الذهبي: مجهول(4/371)
5658 - (العالم سلطان الله في الأرض) بين خلقه (فمن وقع فيه) أي ذمه وعابه وسبه واغتابه (فقد هلك) أي فعل فعلا يؤدي إلى الهلاك الأخروي لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم أمر الدنيا إلا بالملك ولا يتم الملك إلا بالعلم لأنه مرشد السلطان إلى طريق سياسة الخلق وحراستهم فالعلم أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع فإضراره إضرار بالدنيا والدين فلذلك كانت أمه من الهالكين ومن ثم كان غيبة العلماء كبيرة (1) وقال الحرالي: إنما كان سلطانا بل أعظم لأن الملوك وإن تشرفوا بملك الدنيا فليس لهم من عزة الدين شيء والعلماء أعزهم [ص:372] الله بالدين تخدمهم الأحرار ويتوطأ لهم الأخيار ولا يجدون وحشة ولا يحضرون في محل الأشرار ولا تسقط لهم حرمة حيثما كانوا والسلطان لا يخدمه إلا من استرقه قهرا ولا يملك حجاب قلوبهم محصور في أقطار مملكته لا يخرج عنها حتى يمتنع الملوك من الحج خوف نيل الذل في غير موطن الملك والعالم ممكن في الأرض كلها قد خرج من سجن الملك إلى سعة العز بعزة الله
(فر عن أبي ذر) لكنه أعني الديلمي لم يذكر له سندا في مسند الفردوس بل بيض له لعدم وقوفه عليه فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب
_________
(1) قال ابن عساكر: اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(4/371)
5659 - (العالم والعلم والعمل في الجنة) إذا عمل العالم بما علم (فإذا لم يعمل العالم بما يعلم كان العلم والعمل في الجنة وكان العالم في النار) فهذا العالم كالجاهل بل الجاهل خير منه ولهذا قال سفيان: إن أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس وإن لم أعمل به فليس في الدنيا أجهل مني وقال أبو الدرداء: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا لكن ليس المراد بالعالم العامل كونه لا يصدر عنه ذنب قط لأن العصمة مقام الأنبياء بل أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب وإن حصلت منه هفوات أو زلات فلا تخرجه عن ذلك حيث تداركه مولاه بالإنابة سريعا فالعالم العامل لا يصر لأن النور الرباني المخامر لقلبه يمنعه منه {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} أي فيسترجعون من الشيطان ما اختلسه ويستردون منه ما افترسه لانبعاث جيوش الاستغفار والذلة والخضوع والافتقار وانقشاع سحب الغفلة والافتخار وإشراق شمس البصيرة فلا تدعهم تقواهم للإصرار على مخالفة مولاهم بل ربما كانوا بعد المعصية أكمل مما قبلها لعظيم ما نشأ عن ذلك من الذلة والانكسار والالتجاء والافتقار وهذا هو الحكمة في جريان المخالفة عليهم ومن ثم قال بعض العارفين: من سبقت له العناية لم تضره الجناية
(فر عن أبي هريرة) وفيه الحسن بن زياد أي اللؤلؤي قال الذهبي: كذبه ابن معين وأبو داود ورواه عنه أبو نعيم أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى(4/372)
5660 - (العامل بالحق على الصدقة) أي الزكاة المفروضة (كالغازي في سبيل الله عز وجل) أي في حصول الأجر ويستمر كذلك (حتى يرجع إلى بيته) أي يعود من عمله ذلك إلى محل إقامته قال الطيبي: إذا جعل غاية للمشبه لم يفد فائدة ما إذا جعل غاية للمشبه به لأن وجه التشبيه هو سعي الساعي والغازي في تحصيل بيت المال للمسلمين وفيه أن الساعي كالغازي الغانم وليس كالغازي الشهيد
(حم د ت ك) في الزكاة (عن رافع بن خديج) قال الترمذي: حسن وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن عزاه ابن القطان لأبي داود وقال: فيه ابن إسحاق عن عاصم والقول فيه كثير فالحديث لأجله حسن لا صحيح انتهى. وقال الهيثمي: في سنده أحمد بن إسحاق ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح(4/372)
5661 - (العباد) كلهم (عباد الله) وإن اختلفت أقطارهم وبلدانهم وتباينت طباعهم وألوانهم (والبلاد بلاد الله فمن) أي فأي إنسان مسلم (أحيا من موات الأرض شيئا) وهو ما لم يجر عليه ملك لآدمي (فهو له) وإن لم يأذن له الإمام [ص:373] عند الشافعي وشرط الحنفية (وليس لعرق ظالم حق) روي بالإضافة والصفة والمعنى أن من غرس أرض غيره أو زرعه بغير إذنه فليس لغرسه وزرعه حق إبقاء بل لمالك الأرض أن يقلع مجانا وقيل معناه أن من غرس أرضا أحياه غيره أو زرعها لم يستحق به الأرض وهو أوفق للحكم السابق وظالم إن أضيف إليه فالمراد به الغارس سماه ظالما لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه وإن وصف به فالمغروس سمي به لأنه لظالم أو لأن الظلم حصل به
(هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه ولذا رواه عنها ابن الجارود والعسكري وغيرهما وضعفه بعضهم(4/372)
5662 - (العبادة في الهرج) أي وقت الفتن واختلاط الأمور (كهجرة إلي) في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلا لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل قال ابن العربي: وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى ذار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة
(حم م ت هـ) في الفتن (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين ولم يخرجه البخاري(4/373)
5663 - (العباس مني وأنا منه) ومن ثم كان الصحب يعظمونه غاية التعظيم أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس لم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له وأخرج الزبير بن بكار كان أبو بكر وعمر ولايتهما لا يلقى العباس منهما أحد وهو راكب إلا نزل عن دابته وقادها ومشى مع العباس حتى يبلغ منزله أو مجلسه
(ت ك) في المناقب (عن ابن عباس) وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه من حديث إسرائيل اه. وفيه عبد الأعلى بن عامر قال الذهبي: ضعفه أحمد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(4/373)
5664 - (العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عم الرجل صنو أبيه) ولهذا كان يعامله معاملة الوالد حتى أنه كان إذا جلس يجلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه وكان كاتب سره فإذا جاء العباس تنحى أبو بكر وجلس العباس مكانه كما أخرجه الدارقطني
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(4/373)
5665 - (العباس وصيي ووارثي) ولهذا كان الصديق يجله كثيرا وكان عمر إذا قحطوا استسقى به فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا إذا قحطنا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمه فاسقنا فيسقون وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن صهيب رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم ارض عني
(خط) عن محمد بن المظفر عن محمد بن سليمان عن جعفر بن عبد الواحد عن سعيد بن سالم البهلي عن المسيب بن زهير عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ورواه ابن حبان عن علي والعسكري عن محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي من طريقيه هذين ثم قال: موضوع جعفر كذاب يضع ومحمد بن الضوء يروي عن أبيه مناكير اه. وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكنا عليه اه(4/373)
5666 - (العباس عمي وصنو أبي فمن شاء فليباهي) أي يفاخر (بعمه) ومن ثم كان الصحب يعرفون فضله ويقدمونه ويشاورونه [ص:374] ويأخذون برأيه وأخرج البغوي عن عروة أن عائشة قالت له: لقد رأيت من تعظيم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمه العباس أمرا عجيبا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين(4/373)
5667 - (العبد من الله وهو منه) وفي رواية والله منه (ما لم يخدم فإذا خدم وقع عليه الحساب) هذا قريب من معنى خير من اتخذ من الخدم غير ما ينكح الحديث فإذا حوسب فلا يخلو من الإخلال بحق من حقوق خادمه المتوجه لكونه جعل واليا عليه وكل عبد إلهي توجه لأحد عليه حق من المخلوقين فقد نقص من عبوديته لله بقدر ذلك الحق فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به فلا يكون عبدا محضا خالصا لله ومن ثم انقطع الأكابر عن الخلق ولزم الخلوات أو السياحات والخروج عن ملك الحيوانات فإنهم يريدون الحرية من جميع الأكوان. قال ابن عربي: ومن ذلك الزمن الذي حصل لي فيه هذا المقام ما ملكت حيوانا ولا الثوب الذي ألبسه فإني لا ألبسه إلا عارية لشخص معين والزمن أتملك فيه الشيء أخرج عنه حالا بهبة أو عتق وهذا ما حصل لي لما أردت التحقق بعبودية الاختصاص لله تعالى قيل لي: لا يصح لك هذا حتى لا يقوم لأحد عليك حجة قلت: ولا لله إن شاء الله قيل: وكيف ذلك؟ قلت: إنما تقام الحجج على المنكرين لا المعترفين وعلى أهل الدعاوى وأصحاب الحظوظ لا على من قال لا حق لي ولا حظ
(ص هب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وفيه إسماعيل بن عياش وفيه خلاف ورواه الديلمي أيضا(4/374)
5668 - (العبد مع من أحب) طبعا وعقلا وجزاءا ومحلا فكل مهتم لشيء فهو منجذب إليه كما سيأتي توضيحه وأراد بالعبد الإنسان قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه. . . فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فخالل خيارهم. . . ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
(حم) وكذا الطبراني (عن جابر) قال الهيثمي: إسناد أحمد حسن(4/374)
5669 - (العبد عند ظنه بالله) إن خيرا فخير وإن شرا فشر فإن ظن أن يسامحه سامحه وإن ظن أن يعاقبه عاقبه فلا يظن به إلا خيرا يرى الخير وهذا أصل عظيم في حسن الرجاء في الله وجميل الظن به (وهو مع من أحب)
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا رمز المصنف لحسنه(4/374)
5670 - (العبد الآبق) أي الهارب من مولاه بلا عذر (لا تقبل له صلاة) يعني لا يثاب عليها (حتى يرجع إلى مواليه) ونبه بالصلاة على غيرها من القرب وأراد بالعبد الإنسان ولو أنثى
(طب عن جرير) بن عبد الله ورواه عنه الطيالسي والديلمي رمز المصنف لحسنه(4/374)
5671 - (العبد المطيع) أي المذعن المنقاد (لوالديه) أي أصليه المسلمين ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما لا يكون الجواب إلا عن قول (ولربه في أعلى عليين) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من الأصول الصحيحة المحررة بخط الحافظ [ص:375] ابن حجر وغيره والمطيع لرب العالمين في أعلى عليين
(فر عن أنس) ورواه عنه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل لكان أولى(4/374)
5672 - (العتل) هو الشديد الجافي الغليظ الفظ هذا أصله لكن فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (كل رغيب الجوف) أي واسعه ذو رغبة في كثرة الأكل (وثيق الخلق) بالسكون أي ثابت قوي (أكول شروب جموع للمال منوع له) وهذا حال أكثر الناس الآن علموا أنه تعالى كريم ماجد جواد محسن متفضل لكن لم يشرق في قلوبهم نور جلاله ولا حل بها عظمته ولا تجلى عليها كبرياؤه ولا عارضها سلطانه ولا طالعت مجده وبهاءه ولا عاينت إحسانه وأياديه ولا فهمت تدبيره ولطفه في الأمور
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي الدرداء)(4/375)
5673 - (العتل الزنيم) هو المدعي في النسب الملحق بالقوم وليس منهم وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الفاحش) أي ذو الفحش في فعله وقوله (اللئيم) أي الشحيح الدنيء النفس وهذا قاله لما سئل عن نفس الآية
(ابن أبي حاتم) عبد الرحمن (عن موسى بن عقبة مرسلا) هو مولى آل الزبير ويقال مولى أم خالد زوجة الزبير قال في الكاشف: ثقة مفت وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى ولا أحق بالعزو من أبي حاتم ولا مسندا وهو ذهول عجيب فقد خرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن غنم الأشعري قال ابن منده: وله صحبة(4/375)
5674 - (العتيرة حق) كان الرجل يقول إذا كان كذا فعلي أن أذبح من كل عشرة شياه كذا في رجب يسمونها العتائر وهذا كان في صدر الإسلام ثم نسخ وقال الخطابي: تفسيرها في الخبر شاة تذبح في رجب هذا هو اللائق بالدين أما عتيرة الجاهلية فكانت للأصنام
(حم عن ابن عمرو) بن العاص رمز لحسنه(4/375)
5675 - (العجب أن ناسا من أمتي يؤمون البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فيهم المستبصر) هو المستبين لذلك القاصد له عمدا وهو بسين مهملة ومثناة فوقية وياء موحدة وصاد مهملة بعدها راء (والمجبور) المكره يقال أجبرته فهو مجبر هذه اللغة المشهورة وجبرته فهو مجبور وعليها ورد هذا الخبر (وابن السبيل) أي سالك الطريق معهم وليس منهم (يهلكون مهلكا واحدا) أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم (ويصدرون) يوم القيامة (مصادر شتى) أي يبعثهم الله مختلفين (على) حسب (نياتهم) فيجازون بمقتضاها والحاصل أن الهلاك يعم الطائع مع العاصي والطائع عند البعث يجازى بعمله وكذا العاصي إن لم يدركه العفو وفيه حث على التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا ينالهم ما يعاقبون به وأن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في الدنيا
(م عن عائشة) قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أي اضطرب بدنه فقلنا: صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فذكره(4/375)
[ص:376] 5676 - (العجماء) بالمد كل حيوان غير آدمي لأنه لا يتكلم ومنه قولهم صلاة النهار عجماء لأنها لا تسمع فيها قراءة ذكره الزمخشري. وقال البيضاوي: العجماء البهيمة وهي في الأصل تأنيث أعجم وهو الذي لا يقدر على الكلام سميت به لأنها لا تتكلم (جرحها جبار) بفتح الجيم وقيل بضمها وخفة الموحدة أي ما أتلفته بجرح أو غيره هدر لا يضمنه صاحبها ما لم يفرط لأن الضمان لا يكون إلا بمباشرة أو سبب وهو لم يجن ولم يتسبب وفعلها غير منسوب إليه نعم إن كان معها ضمن ما أتلفته ليلا ونهارا عند الشافعي (والبئر) أي وتلف الواقع في بئر حفرها إنسان بملك أو موات (جبار) لا ضمان فيه فإن حفرها متعديا كفى طريق أو ملك غيره ضمن وكذا لا ضمان لو انهارت على رجل يحفرها قال الطيبي: لا بد هنا من تقدير مضاف ليصح حمل الخبر على المبتدي أي فعل العجماء هدر باطل ولا يعتبر في الضمان وسقوط البئر على الشخص أو سقوط الشخص في البئر هدر (والمعدن) إذا حفره بملكه أو موات لاستخراج ما فيه فوقع فيه إنسان أو انهار على حافره (جبار) لا ضمان فيه ذكره الرافعي في شرح المسند فنقل نحوه عن السيوطي قصور وجمود (وفي الركاز) دفين الجاهلية أصله من الثبات واللزوم تقول: ركز الشيء في الأرض إذا ثبت (الخمس) لبيت المال والباقي لواجده وأفاد عطفه على المعدن تغايرهما وأن الخمس في الركاز لا في المعدن وهو مذهب الشافعي ومالك وفيه رد على أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن الركاز المعدن واحتمال أن هذه الأمور ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوقات مختلفة فجمعها الراوي وساقها مساقا واحدا فلا يكون فيه حجة خلاف الظاهر. (لطيفة) قال ابن عربي: مما نعتوا به المحب كالدابة جرحه جبار (حكى) أن خطافا راود خطافة في قبة سليمان عليه السلام فسمعه يقول بلغ مني حبك لو قلت لي اهدم القبة على سليمان فعلت فاستدعاه سليمان فقال له لا تعجل إن للمحبة لسانا لا يتكلم به إلا المحبون والعاشقون ما عليهم من سبيل فإنهم يتكلمون بلسان المحبة لا بلسان العلم والعقل فضحك سليمان ولم يعاقبه وقال هذا جرح جبار
(مالك) في الموطأ (حم ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمرو بن عوف)(4/376)
5677 - (العجم يبدأون بكبارهم إذا كتبوا) إليهم كتابا (فإذا كتب أحدكم) أيها العرب (فليبدأ بنفسه) في كتابه فإنه سنة الأنبياء {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن عبد الرحمن المقدسي قال الذهبي في الضعفاء: متهم وفي الباب ابن عباس وجابر وأبو ذر وأنس وأبو رمثة وعائشة والجهدمة وأبو الطفيل وجابر بن سمرة وغيرهم(4/376)
5678 - (العجوة من فاكهة الجنة) قال في المطامح: يعني أن هذه العجوة تشبه عجوة الجنة في الشكل والصورة والاسم لا في اللذة والطعم لأن طعام الجنة لا يشبه طعام الدنيا فيها وقال القاضي: يريد به المبالغة في الاختصاص بالمنفعة والبركة فكأنها من طعامها لأن طعامها يزيل الأذى والعناء
(أبو نعيم في الطب) النبوي (عن بريدة) رمز المصنف لحسنه وفيه صالح بن حبان القرشي ضعفه ابن معين وقال البخاري: فيه نظر وقال النسائي: غير ثقة وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر(4/376)
5679 - (العجوة والصخرة) صخرة بيت المقدس (والشجرة) الكرمة أو شجرة بيعة الرضوان (من الجنة) في مجرد الاسم والشبه الصوري [ص:377] غير أن ذلك الشبه يكسبها فضلا وفخرا والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة ولينه وقال الداودي: من وسط التمر قال ابن الأثير: ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى سواد وهو مما غرسه المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده في المدينة وهو الذي الكلام فيه وهذا الأخير ذكره القزاز
(حم هـ ك عن رافع) ضد خافض (ابن عمرو المزني) صحابي سكن البصرة وبقي إلى خلافة معاوية ورواه عنه الديلمي أيضا(4/376)
5680 - (العجوة من الجنة) بالمعنى المقرر (وفيها شفاء من السم) ظاهره خصوصية عجوة المدينة وقيل أراد العموم (والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) أي الماء الذي تنبت فيه وهو مطر الربيع وإن كان أراد ماء الكمأة نفسها فالمراد بللها أو نداؤها الذي يخلص إلى المرود منها إذا غرز فيها واكتحل به فإنه ينفع العين الذي غلب عليها اليبس الشديد ذكره الحليمي وسبق فيه تقرير آخر
(حم ت هـ عن أبي هريرة حم ن هـ عن أبي سعيد) الخدري (وجابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا وابن منيع وقد رمز المصنف لحسنه(4/377)
5681 - (العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم) مثلث السين قال الزمخشري: هي تمر بالمدينة من غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحليمي: معنى كونها من الجنة أن فيها شبها من ثمار الجنة في الطعم فلذلك صارت شفاء من السم ذلك أن السم قاتل وتمر الجنة خال من المضار والمفاسد فإذا اجتمعا في جوف عدل السليم الفاسد فاندفع الضرر (والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والكبش العربي الأسود شفاء من عرق النسا يؤكل من لحمه ويحسى من مرقه) وقد سبق ذلك كله موضحا قال السمهودي: لم يزل إطباق الناس على التبرك بالعجوة وهو النوع المعروف الذي يأثره الخلف عن السلف بالمدينة ولا يرتابون في تسميته بذلك
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عباس)(4/377)
5682 - (العدة دين) أي هي كالدين في تأكد الوفاء بها وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل ليجتمع لك مزية اللسان وثمرة الإحسان ولا تقل ما لا تفعل فإنك لا تخلو في ذلك من ذنب تكتسبه أو عجز تلتزمه
(طس) وكذا في الصغير (عن علي) أمير المؤمنين وقد أثنى الله سبحانه على إسماعيل عليه السلام بقوله {إنه كان صادق الوعد} (وعن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: سندهما فيه جهالة وقال تلميذه الهيثمي: فيه حمزة بن داود ضعفه الدارقطني ورواه أبو داود في مراسيله ورواه القضاعي في الشهاب بهذا اللفظ وقال: إنه حديث حسن قال السخاوي: وقد أفردت طرقه في جزء(4/377)
5683 - (العدة دين) أي هي في مكارم الأخلاق كالدين الواجب أداؤه في لزوم الوفاء بالعهد (ويل) حزن وهلاك (لمن وعد ثم أخلف ويل لمن وعد ثم أخلف ويل لمن وعد ثم أخلف) لما في الخلف من الانكسار والرجوع عنه من الخيبة بعد تجرع مرارة الانتظار فالمخلف يستوجب بالمنع لوم الخلف ومقت الغادر وهجنه الكذوب
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين قضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه الطبراني الذي عزى إليه أولا ولا غيره [ص:378] من المشاهير أصحاب الرموز وإلا لما أبعد النجعة وعزاه لبعض المتأخرين وهو عجيب فقد خرجه أبو نعيم وغيره بل والطبراني في الأوسط نفسه من حديث علي باللفظ المزبور من الوجه المسطور وقال الهيثمي: فيه حمزة المذكور(4/377)
5684 - (العدة عطية) أي عدتك بمنزلة عطيتك فلا ينبغي أن تخلفها كما لا ينبغي أن ترجع في عطيتك ولأنه إذا وعد فقد أعطى عهده بما وعد وقد قال تعالى {وأوفوا بالعهد} وفي الحديث من وعد وعدا فقد عهد عهدا كذا في شرح الشهاب للعامري وفي رواية العدة واجبة وأصل ذلك أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأله شيئا فقال: ما عندي ما أعطيك فقال: تعدني فذكره
(حل) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال: إذا وعد أحدكم حبيبه فلينجز له فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال: غريب تفرد به إبراهيم الفزاري اه. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وفيه أصبح بن عبد العزيز الليثي قال أبو حاتم: مجهول ورواه البخاري في الأدب المفرد موقوفا ورواه في الشهاب مرفوعا قال العامري: وهو غريب(4/378)
5685 - (العدل) وهو عبارة عن أن يكون ذو الأمر والسلطان مانعا كل فرد من رعيته من الجور والاعتداء (حسن) لأنه يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتنعم به الأرض وتنمو به الأموال ويكثر معه العمران ويعم معه الأمان قال الهرمزان لعمر حين رآه نائما بالمسجد مبتذلا: عدلت فأمنت فنمت. والعدل وضع الشيء في محله اللائق به شرعا وعرفا وهو يشمل كل فعل جميل جناني ولساني قال بعضهم: والعدل أصل لجميع الأخلاق الحميدة فكلها متفرعة عنه وما ورد في ذم الظلم مدح للعدل وعكسه فالعدل مدح بلسانين لسان التنصيص على فضله ولسان التنصيص على ذم ضده (ولكن) هو (في الأمراء) على الناس (أحسن) لأن الآحاد إذا لم يعدل الواحد منهم قوم بالسلطان وأما هو فلا مقوم له ولأن العدل ميزان صلاحه ونجاحه وفلاحه واستمرار دولته إذ لا نظام لها إلا به وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور إذ لا يقف على حد ولا ينتهي إلى غاية ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمله (السخاء حسن ولكن) هو (في الأغنياء أحسن) لأن به عمارة الدين والدنيا إذ به تستدفع سطوة الأعداء وبه يستكف نفار الخصماء ليصيروا له بعد الخصومة أعوانا وبعد العداوة إخوانا وقيل السخاء أن تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا (الورع حسن) في جميع الناس (ولكن) هو (في العلماء أحسن) منه في غيرهم لأن عدم الورع يزل أقدامهم (الصبر حسن) لكل أحد (ولكن) هو (في الفقراء أحسن) فإنهم يتعجلون به الراحة مع اكتساب المثوبة فهو في الفقراء أحسن من حيث عجزهم عن تلاقي ما هو في مظنة القوت فما لم يصبر الواحد منهم احتمل هما لازما وصبر صبرا كارها وقال علي للأشعث: إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك وأنت مأزور وقال شبيب للمهدي: إن أحق ما صبر عليه المرء ما لم يجد سبيلا إلى دفعه (التوبة) من الذنوب شيء (حسن) لكل عاص كبير أو صغير (ولكن) هي (في الشباب أحسن) منها في غيرهم والله يحب الشاب النائب (الحياء حسن) في الذكور والإناث (ولكن) هو (في النساء أحسن) منه في الرجال لأنهن إليه أحوج وهن به أحق وأحرى
<تنبيه> إن قيل: كيف جاز الجمع بين حرفي العطف الواو ولكن؟ قلنا: إذا جاءت الواو خرجت لكن من العطف وجردت لإفادة معنى الاستدراك كما جردت لا لتوكيد النفي وإن كانت للعطف في الأصل بدخول حرف العطف عليها وهو الواو في قولك لم يقم زيد [ص:379] ولا عمرو
(فر عن علي) أمير المؤمنين قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله ما علامة المؤمن قال: ستة أشياء حسن ولكن في ستة من الناس أحسن ثم ذكره(4/378)
5686 - (العرافة) وفي رواية بدله الإمارة (أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة) زاد في رواية إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية والعرافة سيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط فيه إذا جوزي الخزي والعذاب يوم القيامة وأما من كان أهلا وعدل فأجره عظيم كما تظاهرت الأخبار لكن في الدخول فيها خطر عظيم وقال القاضي: أمرها خطر والقيام بحقوقها عسر فلا ينبغي لعاقل أن يهجم عليها ويميل الطبيعة إليها كان من زلت قدمه فيها على متن الصواب قد يدفع إلى فتنة تؤدي به إلى عذاب والعريف القيم بأمر قبيلة أو محل يلي أمرهم ويتعرف منه الحاكم حالهم وهو من دون الرئيس من عرف فلان بالضم عرافة بالفتح أي صار عريفا ومن كلامهم ويل لكل رئيس من عذاب بئيس
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/379)
5687 - (العرب للعرب أكفاء) أي متماثلون متساوون والكفاءة كون الزوج نظير الزوجة في النسب ونحوه بخلاف غير العرب وهم العجم فليسوا أكفاء للعرب نعم القرشية لا يكافئها غير قرشي من العرب والهاشمية والمطلبية لا يكافئها غير هاشمي ولا مطلبي (والموالي أكفاء للموالي إلا حائك أو حجام) وهذا الحديث مما احتج به من جعل العجم ليسوا بأكفاء للعرب واحتج به أحمد على الكفاءة ليست حقا لواحد معين بل من الحقوق المطلقة في النكاح حتى يفرق بينهم عند عدمها
(هق) عن الحكم بن عبد الله الأزدي الزهري (عن عائشة) مرفوعا وتعقبه في المهذب بأن الحكم عدم ورواه بنحوه من وجه آخر عن ابن عمر قال في المهذب: ولم يصح كأنه من وضع عروة اه. وقال في المطامح: حديث منكر وقال في الفتح: لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما هذا الحديث فإسناده ضعيف ورواه البزار من حديث معاذ رفعه بلفظ العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء قال ابن حجر: وإسناده ضعيف(4/379)
5688 - (العربون لمن عربن) مع العربون أن يشتري ويدفع لبائعه شيئا على أنه إن رضيه فمن الثمن وإلا فهبة وهو باطل عند الأثمة الثلاثة فيجب رده لصاحبه وأجازه أحمد
(خط في رواة مالك عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه بركة بن محمد الحلبي متهم وأحمد بن علي بن أخت عبد القدوس قال في الميزان: عن الدارقطني متروك الحديث وخبره باطل ثم ساق هذا الخبر بعينه(4/379)
5689 - (العرش) الذي هو أعظم المخلوقات (من ياقوتة حمراء) فيه رد لما في الكشاف وغيره في تفسيره أنه من جوهرة خضراء قال: وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانون ألف عام اه. قال في المطامح: والعرش مخلوق جسماني هو جامع الجوامع في العالم العلوي المحيط وهو سفينة حاملة للوجود كله انتقش في ظله صور جميع العالم وهو مخلوق لا يعبر عنه ولم يقع في صحيح أخبار الإسراء عنه أخبار وفي أخبار كثيرة ما يدل على أنه أشرف المخلوقات وأعظمها وأكملها وأنه أولها وأسبقها إلى الوجود لكن في خبر يمين الله ملأى أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض إشارة إلى السماوات أول المخلوقات وهو ما في التوراة وقال العارف البوني: خلق الله العرش المجيد الذي لا غاية لناهيه ولا نهاية لتعاليه لؤلؤة بيضاء تتلألأ ملء الكون فلا يكون العبد على حالة من الأحوال إلا انطبع مثاله [ص:380] في العرش على الحالة التي يكون عليها فإذا كان يوم القيامة ووقف للمحاسبة كشف له عن صورته فرأى نفسه على الهيئة التي كان عليها في الدنيا فيذكر نفسه بمشاهدة نفسه فيأخذه من الحياء والخوف ما يجل وصفه ولهذا العرش الكريم أعوان يحملونه بعون الله تعالى وهذه أسماؤهم أبجد. هوزح. طيكل. منسع. فصقر. شتثخ. ذ ضظغ
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة عن الشعبي مرسلا)(4/379)
5690 - (العرف) يعني المعروف (ينقطع فيما بين الناس) أي أن من فعل معه ربما جحد وأنكر (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من فعله) إذا كان فعله لله فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا
(فر عن أبي اليسر) وفيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول(4/380)
5691 - (العسيلة الجماع) يعني أنه يكنى بها عنه لأن العسل فيه حلاوة ويلتذ بأكله والجماع له حلاوة ويلتذ به فكنى عما يجده المتناكحان من لذة الجماع بالعسل لكونه أحلى الأشياء وألذها
(حل عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد وأبو يعلى والديلمي قال الهيثمي: فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(4/380)
5692 - (العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر) قاله لما سئل عن قوله تعالى {وليال عشر والشفع والوتر}
(حم ك عن جابر) بن عبد الله(4/380)
5693 - (العطاس) بضم العين (من الله والتثاؤب) بفتح التاء لغلبة الأبخرة والهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط (من الشيطان) لأن العطاس ينشأ عنه العبادة فلذلك أضافه إلى الله والتثاؤب إنما ينشأ من ثقل النفس وإمتلائها المتسبب عن نيل الشهوات الذي يأمر به الشيطان فيورث الغفلة والكسل (وإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) ليرده ما استطاع (وإذا قال آه آه) حكاية صوت المتثائب (فإن الشيطان يضحك من جوفه) لما أنه قد وجد إليه سبيلا وقوي سلطانه عليه (وإن الله عز وجل يحب العطاس) قال ابن حجر: أي الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور بالتحميد والتشميت له ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت المذكور في قوله (ويكره التثاؤب) لأن العطاس يورث خفة الدماغ ويروحه ويزيل كدر النفس وينشأ عنه سعة المنافذ وذلك محبوب إلى الله فإذا اتسعت ضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط والطعام اتسعت للشيطان وكسر منه التثاؤب فأضيف للشيطان مجازا فأمر العاطس بالحمد على ما منح من الخفة <تنبيه> قال زين الحفاظ العراقي: لا يعارض قوله هنا العطاس من الله قوله في حديث عدي بن ثابت العطاس في الصلاة من الشيطان لأن هذا الحديث مطلق وحديث جد عدي مقيد بحالة الصلاة وقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليستثقل به عنه على أن حديث جد عدي ضعيف أو يقال إنما لا يوصف العطاس في الصلاة بالكراهة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب <فائدة> أخرج أبو نعيم في الطب النبوي عن علي مرفوعا من قال عند كل عطسة يسمعها " الحمد لله رب العالمين على كل حال " لم يصبه وجع ضرس ولا أذى أبدا
(ت وابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح بضعف سنده(4/380)
[ص:381] 5694 - (العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان) بمعنى أنه يستلذ بوقوع لك فيها ويحبه ويرضاه لما فيها من الحيلولة بين العبد وما ندب إليه من الحضور بين يدي الله والاستغراق في لذة مناجاته ولأنها إنما تكون غالبا من شره الطعام الذي هو من عمل الشيطان قال الطيبي: وإنما فصل بقوله في الصلاة بين الخصال لأن الثلاثة الأولى لا تبطل الصلاة بخلاف الأخيرة أي فإن الحيض يبطلها اتفاقا والقيء والرعاف عند بعض العلماء وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة إن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة قال ابن حجر: وهذا يعارضه هذا الحديث وفي سنده ضعيف وهو موقوف وأجاب المؤلف في فتاويه بأن المقام مقامان مقام إطلاق ومقام نسبي أما مقام الإطلاق فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من عمل الشيطان وعليه يحمل حديث الترمذي هذا وأما المقام النسبي فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس في الصلاة أحب إلى الله من التثاؤب فيها والتثاؤب فيها أكره إليه من العطاس فيها وعليه يحمل أثر ابن أبي شيبة فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض اه
(ت) في الاستئذان من حديث عدي بن ثابت (عن) أبيه عن جده يرفعه وجده قيل اسمه (دينار) وقيل هو دينار القراظ بظاء معجمة الخزاعي المدني تابعي كثير الإرسال قال المناوي: ومدار الحديث على شريك وفيه مقال معروف وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به عن الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه أيضا في الصلاة عن دينار المذكور(4/381)
5695 - (العطاس عند الدعاء شاهد صدق) وفي رواية شاهد عدل والشاهد الحاضر والصدق ضد الكذب وذلك لأن الملك يتباعد عن العبد عند الكذب من نتن ما جاء به كما جاء في الخبر فإذا غاب الملك عند الكذب حضر عند الصدق فشهد والملك حبيب الله وتقدم أن الله يحب العطاس فإذا أحبه فهو شاهد بالحق لما يكون عنده من حديث أو دعاء وكان صادقا كالملك
(أبو نعيم) في الطب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى بلفظ العطسة عند الحديث شاهد عدل(4/381)
5696 - (العفو) الذي هو التجاوز عن الذنب (أحق ما عمل به) فإنه سبحانه يزيد من يعفو عزا بأن ينتقم له ممن ظلمه فإن انتقم له في الدنيا أظهر عزه على ظالمه وإن أخره للقيامة كان هو العز الأكبر والشرف الأفخر
(ابن شاهين في) كتاب (المعرفة عن حليس بن زيد بن صفوان) الضبي قال الذهبي: له وفادة من وجه آخر(4/381)
5697 - (العقل على العصبة) العقل الدية سمي به لأنه من العقل وهو الشد لأن القاتل يأتي بالإبل فيعقلها بفناء المقتول وبه سميت العصبة التي تحمل العقل عاقلة وفيه دليل لقول فقهائنا إن دية الخطأ يختص وجوبها بعصبة القاتل سوى أصله وفرعه (وفي السقط) أي الجنين الذي فيه صورة خلق آدمي (غرة) أي رقيق أو مملوك ثم أبدل منه قوله (عبد أو أمة) وقيل للرقيق غرة لأنه غرة ما يملك أي خياره وأفضله وقيل أطلق اسم الغرة هي الوجه على الجملة كما قيل رقبة ورأس فكأنه قال فيه نسمة عبد أو أمة ذكره كله الزمخشري. وقال القاضي: الغرة المملوك وأصلها البياض في جبهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شيء لقولهم غرة القوم سيدهم ولما كان المملوك خير ما يملك سمي غرة وقيل الغرة لا يطلق إلا للرفيق الأبيض قال الطيبي: وأوفى قوله أو أمة للتقسيم
(طب عن حمل بن النابغة) صوابه بن مالك بن النابغة كما في التقريب كأصله وهو الهذلي [ص:382] أبو نضيلة بفتح النون وسكون المعجمة صحابي نزل البصرة وله ذكر في الصحيحين(4/381)
5698 - (العقيقة حق عن الغلام شاتان متكافئتان) أي متساويتان سنا وحسنا وفي رواية قال مكافئتان قال العسكري: هكذا يقوله بعض المحدثين وهو خطأ وكل شيء نشأ حتى يكون مثله فهو مكافئ له اه. وزاده دفعا لتوهم أن الفداء لو وقع بواحدة ينبغي كونها فاضلة كاملة فلما وقع في ثنتين جاز كون الثانية تتمة غير مقصودة فلا يشرع كمالها. قال ابن القيم: وفيه تنبيه على تهذيب العقيقة من عيوب الأضحية (وعن الجارية شاة) نص صريح يبطل قول من كرهها مطلقا ومن كرهها عن الجارية وذلك شأن اليهود فإنها كانت تعق عن الغلام لا الجارية ومن ثم عدوا العق عن الأنثى من خصائص هذه الأمة قال الإمام أحمد: الأحاديث المعارضة لأخبار العقيقة لا يعبأ بها
(حم عن أسماء بنت يزيد) الهيثمي رجاله محتج بهم(4/382)
5699 - (العقيقة تذبح لسبع) من الأيام (أو لأربع عشرة) يوما (أو لإحدى وعشرين) يوما قال أحمد: يعني أنها تذبح يوم السابع فإن لم يفعل ففي أربع عشرة فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين وحكمه كونها في السبع أن الطفل لا يغلب ظن سلامة بنيته وصحته خلقته وقبوله للحياة إلا بمضي الأسبوع والأسبوع دور يومي كما أن السنة دور شهري
(طس والضياء عن بريدة) قال الهيثمي: ورواه عنه أحمد أيضا وفيه إسماعيل بن المكي وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه(4/382)
5700 - (العلماء) بالعلوم الشرعية (أمناء الله على خلقه) لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين ففيه أنه يحب الرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم والأمناء جمع أمين وهو الثقة الحافظ لما أوهن عليه وقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم والرجوع إليهم حيث قال {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} قاله الغزالي وإن كانوا أمناء الله على خلقه فيجب أن يتكفل كل عالم بإقليم أو بلد أو محلة أو مسجد بتعليم أهلها دينهم وتمييز ما يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا ينبغي أن يصبر إلى أن يسأل بل يتصدى لدعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء وهم لم يتركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم في الجامع ويدورون على دورهم في الابتداء ويطلبون واحدا بعد واحد فيرشدونهم فإن مرضى القلوب لا يعرفون مرضهم كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره وهذا فرض عين على العلماء وعلى السلاطين أن يرتبوا في كل محلة من يعلم الناس دينهم فإن الدنيا دار مرض إذ ليس في بطن الأرض إلا ميت ولا على ظهرها إلا سقيم ومرض القلوب أكثر من الأبدان والعلماء أطباء والسلاطين قوام ديار المرضى فكل مريض لا يقبل العلاج بمداواة العالم سلم للسلطان ليكف شره عن الناس كما يسلم الطبيب المريض لمن يحميه
(القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه أيضا العقيلي في الضعفاء وقال العامري في شرح الشهاب: حسن(4/382)
5701 - (العلماء) وفي رواية الفقهاء (أمناء الرسل) فإنهم استودعوهم الشرائع التي جاؤوا بها وهي العلوم والأعمال وكلفوا الخلق طلب العلم فهم أمناء عليه وعلى العمل به فهم أمناء على الوضوء والصلاة والغسل والصوم والزكاة والحج وعلى الاعتقادات كلها وكل ما يلزمهم التصديق به والعلم والعمل فمن وافق علمه عمله وسره علته [ص:383] كان جاريا على سنة الأنبياء فهو الأمين ومن كان بضد ذلك فهو الخائن وبين ذلك درجات فلذلك قال: (ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا) لفظ الحاكم ويداخلوا في الدنيا (فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم) لفظ الحاكم فاعتزلوهم أي خافوا منهم واستعدوا وتأهبوا لما يبدو منهم من الشر فإنهم إنما يتقربون إلى السلطان باستمالة قلبه وتحسين قبح فعله وما يوافق هواه وإن أخبروه بما فيه نجاته استثقلهم وأبعدهم فمخالط السلطان لا يسلم من النفاق والمداهنة والخوض في الثناء والإطراء في المدح وفيه هلاك الدين والعلماء ساسات الناس والناس لهم تبع فلا إلباس ما لم يتلطخوا بأقذار الدنيا ويشتغلوا بشهوات النفوس عن مصالح العباد فإنهم إذا فعلوا ذلك سقطوا من مراتب العلية وهانوا على أهل الدنيا الدنية وفي الآخرة عند الله قال الثوري: احذر اللياذ بالأمراء وإياك أن تخدع ويقال لك ترد مظلمة وتدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها الفقهاء سلما
(الحسن بن سفيان) في مسنده عن مخلد بن مالك عن إبراهيم بن رستم عن عمر العبدي عن إسماعيل بن سميع (عن أنس) بن مالك (عق عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه قال ابن الجوزي: موضوع إبراهيم لا يعرف والعبدي متروك وقال المؤلف: قوله موضوع ممنوع وله شواهد فوق الأربعين فنحكم له عن مقتضى صناعة الحديث بالحسن(4/382)
5702 - (العلماء أمناء أمتي) قال الخطيب: هذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين كيف وهم أكمل الخلق علما بوحدانية الله تعالى وصفاته وأعرف الناس بأحكام الحلال والحرام؟ قال الحكيم الترمذي: بعث الله الرسل إلى الخلق بمعرفة الأمور ومعرفة التدبير فيها وكيف ولم وكنه الأمور عندهم مكنون قد أفشى الله من ذلك إلى الرسل من غيبه ما لا تحتمله عقول من دونهم وبفضل النبوة قدروا على احتماله فالعلم إنما بدأ من عند الله إلى الرسل ثم من عند الرسل إلى الخلق فالعلم بمنزلة البحر وأجرى منه واديا ثم أجرى من الوادي نهرا ثم أجرى من النهر جدول ثم من الجدول ساقية فلو أجرى إلى الجدول ذلك الوادي لغرقه وأفسده ولو مال البحر إلى الوادي لأفسده فبحر العلم عند الله فأعطى الرسل منها أودية ثم أعطت الرسل من أوديتهم أنهارا إلى العلماء ثم أعطت العلماء إلى العامة جداول صغارا على قدر طاقتهم ثم أجرت العامة إلى سواقيهم من أهلهم وأولادهم بقدر طاقة تلك السواقي ومن ثم جاء في حديث إن لله سرا لو أفشاه لفسد التدبير وللملوك سرا لو أفشوه لفسد ملكهم وللأنبياء سرا لو أفشوه لفسدت نبوتهم وللعلماء سرا لو أفشوه لفسد علمهم فلذلك كانوا أمناء على ذلك السر وإنما يفسد ذلك لأن العقول لا تحتمله فلما زيدت الأنبياء في عقولهم فنالوا العلم فقدروا على احتمال ما عجزت عنه العامة وزيد في عقول علماء الباطن فقدروا على احتمال ما عجز عنه علماء الظاهر. ألا ترى أن كثيرا منهم عجزوا عن قطع الوسوسة في الصلاة وعن المشي على الماء وطي الأرض حتى جحدوا عامة هذه الروايات التي جاءت في ذلك فلو نظر علماء الظاهر إلى ما أعطى الله أولئك فأبصروه لاستحيوا من إنكارهم لكن لم يبصروا ما أعطاهم الله وهو المعرفة
(فر عن عثمان) بن عفان. ورواه عنه أيضا الجرجاني(4/383)
5703 - (العلماء) العاملون (مصابيح الأرض) أي أنوارها التي يستضاء بها من ظلمات الجهل (وخلفاء الأنبياء) على أممهم (وورثتي وورثة الأنبياء) من قبلي {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا} قال في الكشاف: ما سماهم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله اه. ومعجزات الأنبياء ضربان أحدهما الوحي بواسطة الملك والثاني خرق العوائد كانقلاب العصا حية وقلق البحر وإحياء الموتى ونبع الماء من بين الأصابع وأفضل الناس من ورث منهم الأمرين جميعا فورثوا في مقابلة الوحي الإلهام والعلوم وتبين ما أتت به الأنبياء من الكتب بما جعل [ص:384] في قلوبهم من النور وورثوا في مقابلة الخوارق والآيات الكرامات وبذلك سموا أبدال النبيين لأنهم بدل منهم قال بعضهم: من ولي هذا المنصب فارتقى من مقام الولاية إلى مقام الوراثة عظمت عداوة الجهال له لعلهم بقبيح أفعالهم وقصورهم عن معارج رتب الكمال وإنكارهم لما وافق الهوى من أعمالهم وقال ابن عربي: العلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ولهذا قال الخضر: {ما فعلته عن أمري} فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان
<فائدة> سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح
(عد عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أبو نعيم والديلمي(4/383)
5704 - (العلماء قادة) أي يقودون الناس إلى أحكام الله من أمر ونهي إذ فهم أكمل الناس علما بوحدانيته تعالى ومعرفة أحكامه والعلم منشأ جميع النعم وأصلها (والمتقون سادة) أي أشراف الناس وأما جدهم (ومجالستهم زيادة) للجالس في تشبيهه بالمتقي والعمل بعلمه واقتفاء أثره والاستضاءة بأنواره
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ورواه الطبراني في حديث طويل قال الهيثمي: رجاله موثقون(4/384)
5705 - (العلماء ورثة الأنبياء) لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلا من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل. كتب قطب زمانه شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي إلى الإمام الرازي إذا صفت مصادر العلم وموارده من الهوى أمدته كلمات الله التي تنفذ البحار دون نفاذها ويبقى العلم على كمال قوته لا يضعفه تردده في تجاويف الأفكار وبقوته يتلقى الفهوم المستقيمة وهذه رتبة الراسخين في العلم المتسمين بصورة العمل وهم وراث الأنبياء كبر عملهم على العلم وعلمهم على العمل فصفت أعمالهم ولطفت فصارت مسامرات سرية ومحاورات روحية فتشكلت الأعمال بالعلوم لمكان لطافتها وتشكلت العلوم بالأعمال لقوة فعلها وسرايتها إلى الاستعدادات وهو الميراث الأكبر لأن الورثة إنما يورثون ميراث الدنيا بحكم أهل الدنيا والرسل إنما يورثون ورثتهم الحكم الربانية واعلم أنه كما لا رتبة فوق رتبة النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة قال ابن عربي: ومقام الوارثين لا مقام أعلى منه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس الله المخبؤون عنده المحجوبون لديه الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون سواه توجهم بتاج البهاء وإكليل السناء وأقعدهم على منابر الضياء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القومية لم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال الله فهم يشاهدون الصنعة والصانع ولا تحجبهم الصنعة عن الصانع وذلك غير ضار إلا إن شغل القلب حسن الصنعة فهؤلاء هم الوارثون حقا فهنيئا لهم بما نالوا من حقائق المشاهدة وهنيئا لنا على التصديق والتسليم لهم بالموافقة والمساعدة (يحبهم أهل السماء) أي سكانها من الملائكة (ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة) لأنهم لما ورثوا عنهم تعليم الناس الإحسان وكيفيته والأمر به إلى كل شيء ألهم الله الأشياء الاستغفار لهم مكافأة على ذلك ذكره الخطابي وقال القاضي: إنما يستغفر أهل السماوات لأنهم عرفوا بتعريفه وعظموا بقوله [ص:385] وأهل الأرض لأن بقاءهم وصلاحهم مربوط برأيه وقوله يستغفر لهم مجاز عن إرادة استقامة حالة المستغفر له من طهارة النفس ورفعة المنزلة ورخاء العيش لأن الاستغفار من العقلاء حقيقة ومن الغير مجاز وقال ابن جماعة: وجهه أنها لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل ويحرم منها ويحثون على الإحسان إليها ودفع الضر عنها وقال السيد السمهودي: لا رتبة فوق مرتبة من يشغل الملائكة وغيرهم من المخلوقات بالاستغفار والدعاء لهم حتى تقوم القيامة فإن قلت ما وجه زيادته إلى يوم القيامة قلت لأن العلم ينتفع به بعد موت العالم إلى يوم القيامة ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته قال الزمخشري: ففيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمته من أجل النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي فضلا عظيما وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) ضعفه جمع وقال ابن حجر: له طرق وشواهد يعرف بها أن للحديث أصلا اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم والديلمي والحافظ عبد الغني وغيرهم باللفظ المذكور بعضهم من حديث أنس وبعضهم من حديث البراء(4/384)
5706 - (العلماء ثلاثة رجل عاش بعلمه وعاش الناس به ورجل عاش الناس به وأهلك نفسه ورجل عاش بعلمه ولم يعش به غيره) فالأول من علم وعلم غيره والثاني من علم فعمل الناس بعلمه ولم يعمل هو بما علم والثالث من عمل بعلمه ولم يعلم غيره
(فر عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي وغيره متروك(4/385)
5707 - (العلم) أي الشرعي (أفضل من العبادة) لأن العلم مصحح لغيره مع كونه متعديا فالعبادة مفتقرة له ولا عكس ولأن العلماء ورثة الأنبياء ولا يوصف المتعبد بذلك ولأن العلم تبقى ثمرته بعد صاحبه والعبادة تنقطع بموته ومن ثمة اتفقوا كما في المجموع على أن الاشتغال بالعلم أفضل منه بنحو صلاة وصوم (ملاك) بكسر الميم (الدين) أي قوامه ونظامه (الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثبات الورع بالكف عن التوسع في الأمور الدنيوية المشغلة عن ذكر الله ودوام مراقبته
(خط وابن عبد البر في) كتاب (العلم) كلاهما (عن ابن عباس) وفيه معلى بن مهدي قال الذهبي في الذيل: قال أبو حاتم يأتي أحيانا بالمنكر وسوار بن مصعب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد والدارقطني متروك الحديث(4/385)
5708 - (العلم أفضل من العمل) لما تقرر ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة ولأن العابد تابع للعالم مقتد به مقلد له واجب عليه طاعته وفي الغيلانات إذا خلا الزمن عن سلطان ذي كفاءة فالأمور موكولة إلى العلماء ويلزم الأمة الرجوع إليهم ويصيرون ولاة فإن عسر جمعهم على واحد استقل كل قطر بإتباع علمائه فإن كثروا فالمتبع أعلمهم فإن استووا أقرع اه. قال السمهودي: وهذا من حيث انعقاد الولاية الخاصة فلا ينافي وجوب الطاعة العلماء مطلقا فاندفع ما للسبكي هنا وكان الإمام مالك يمتنع من الولايات فيحبس ويعذر ومع ذلك يمتثل أمره وكذا الشافعي فقد روى البيهقي كان الشافعي عطرا وكان به باسور فكان يمسح الاسطوانة التي يجلس عليها بغالية فعمد شخص إلى شاربه فلطخه قذرا وجاء حلقة الشافعي فقال: ما حملك على ذلك قال: رأيت تجبرك فأردت التواضع فأمر باعتقاله حتى انصرف فضربه ثلاثين أو أربعين وقال: هذا بما تخطيت المسجد بالقذر (وخير الأعمال أوساطها) لتوسط الوسط بين طرفين مذمومين [ص:386] إذ كل خصلة حسنة لها طرفان مذمومان فالسخاء وسط بين البخل والتبذير والشجاعة بين الجبن والتهور وأبعد الجهات والمقادير من كل طرفين وسطهما فإذا كان في الوسط فقد ابتعد عن المذموم بقدر الإمكان (ودين الله تعالى بين القاسي والغالي) يشير إلى أن المتدين ينبغي أن يكون سائسا لنفسه مدبرا لها فإن للنفس نفورا يفضي بها إلى التقصير ووفورا يؤول إلى سرف وقيادها عسر ولها أحوال ثلاثة فحال عدل وإنصاف وحال غلو وإسراف وحال تقصير وإجحاف فالأول أن يختلف قوي النفس من جهتين متقابلتين طاعة مسعدة وشفقة كافة فطاعتها تمنع من التقصير وشفقتها تصد عن السرف وهذه أحمد الأحوال لأن ما منع من التقصير تام وما صد عن السرف مستديم فالنمو إذا استدام فأخلق به أن يستكمل ومن ثم قال الحكماء: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه قوتا عصمه وإن أسرف فيه بشمه وربما كانت فيه منيته وأما حال التقصير فبأن تختص النفس بقوة الشفقة وتقدم قوى الطاعة فيدعوها الإشفاق إلى المعصية فيكون خائنا مغبونا (والحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا الله) قال أبو عبيد: أراد أن الغلو في العمل سيئة والتقصير عنها سيئة والحسنة كما جاء في خبر في فضل قارئ القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه فالغلو فيه التعمق والجفاء عنه التقصير وكلاهما سيئة (وشر السير الحقحقة) هي المتعب من السير أو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه والقصد بها الإشارة إلى الرفق في العبادة وعدم إجهاد النفس في المشقة فيها وهذا الحديث قد عدوه من الحكم والأمثال
(هب عن بعض الصحابة) فيه زيد بن رفيع أورده الذهبي في الضعفاء(4/385)
5709 - (العلم) أي العلم الذي هو أصل علوم الدين أو العلم النافع في الدين فالتعريف للعهد (ثلاثة) أي ثلاثة أقسام (وما سوى ذلك فهو فضل) أي زائد لا ضرورة إلى معرفته قال في المغرب: الفضل الزيادة وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل فضول بلا فضل وطول بلا طول ثم قيل لمن لا يعنيه فضولي (آية محكمة) أي لم تنسخ أو لا خفاء فيها قال الحرالي: وهي التي أبرم حكمها كما يبرم الحبل الذي يتخذ حكمة أي زماما يزم به الشيء الذي يخاف خروجه عن الانضباط كأن الآية المحكمة تحكم النفس عن جولانها وتمنعها عن جماحها وتضطرها إلى محالها وقال الطيبي: المحكمة التي أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه فكانت أم الكتاب أي أصله فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها ولا يتم ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدمات تفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربية (أو سنة قائمة) أي ثابتة دائمة محافظ عليها معمول بها عملا متصلا من قامت السوق نفقت لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات وينافس فيه المحصلون وإذا عطلت وأضيفت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه ودوامها إما أن يكون لحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والضعيف المتشعب منه أنواع كثيرة وما يتصل بها من المتممات وإما أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان والتيقظ وتفهم معانيها واستنباط العلوم الجمة منها لأن جلها بل كلها من جوامع الكلم التي أوتيها وخص بها هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم (أو فريضة عادلة) أي مساوية للقرآن في وجوب العمل بها وفي كونها صدقا وصوابا ذكره القاضي أو المراد العدل في القسمة أي معدله على سهام الكتاب والسنة بلا جور أو أنها مستنبطة منهما وسميت عادلة لأنها معادلة أي مساوية لما أخذ منها قال الطيبي: ويفقه من هذا أن المراد بقوله وما سوى ذلك هو فضل أن الفضل واحد الفضول الذي لا دخل له في أصل علوم الدين وما استعاذ منه بقول أعوذ بالله من علم لا ينفع
(د هـ) في السنة (ك) في الرقاق (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الذهبي في المهذب وتبعه الزركشي: فيه عبد الرحمن بن الفم ضعيف وقال في المنار: [ص:387] فيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي لم تثبت عدالته بل أحاديثه مناكير اه. وأقول: فيه أيضا عند ابن ماجه وغيره: رشد ابن سعد ومن ثم قال ابن رجب: الحديث فيه ضعف مشهور(4/386)
5710 - (العلم ثلاثة كتاب ناطق) أي مبين واضح (وسنة ماضية) أي جارية مستمرة ظاهرة (ولا أدري) أي قول المجيب لمن سأله عن مسألة لا يعلم حكمها لا أدري قال ابن عطاء الله: من علامة جهل السالك بطريق علم الظاهر أو الباطن أن يجيب عن كل ما يسأل عنه ويعبر عن كل ما شهد ويذكر كل ما علم لدلالته على أنه لم يكن بالله ولا لله بل لنفسه إذ النفس مع العقل والتمييز ومن طلب الحق بالعقل ضل وكان دليلا على جهله اه. وقال الماوردي: ليس بمتناه في العلم إلا ويجد من هو أعظم منه بشيء إذ العلم أكثر من أن يحيط به بشر وقيل لحكيم: من يعرف كل العلم قال: كل الناس وقال الشعبي: ما رأيت مثلي ولا أشاء أن ألقي رجلا أعلم مني إلا لقيته وهذا لم يقله تفضيلا لنفسه بل تعظيما للعلم أن يحاط به وكلما يجد بالعلم معجبا وبما أدركه منه مفتخرا إلا من كان فيه مقلا مقصرا لأنه يجهل قدره ويظن أنه نال بالدخول أكثر من غيره وأما من كان فيه متوجها ومنه مستكثرا فهو يعلم من بعد غايته والعجز عن إدراك نهايته ما يصده عن العجب به وقالوا: العلم ثلاثة أشبار فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه هو ومن نال منه الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه ما ناله وأما الثالث فهيهات لا يناله أحد قال أعني الماوردي: ومما أنذرك من حالي أني صنفت في البيوع كتابا جمعت له ما استطعت من كتب الناس وأجهدت فيه نفسي وكدرت فيه خاطري حتى تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أني أشد الناس اضطلاعا بعلمه فحضرني أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه بالبادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لشيء منها جوابا فأطرقت مفكرا ولحالي معتبرا فقالا: ما عندك له جواب وأنت زعيم هذه الطائفة قلت: لا فقالا: أيها لك وانصرفا فسألا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي فسألاه فأجابهما مسرعا فانصرفا راضيين بجوابه حامدين لعلمه فبقيت مرتبكا فكان ذلك زاجر نصيحة وتدبر عظمة اه. وأخذ من الحديث أن على العالم إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول لا أدري أو لا أحققه أو لا أعلمه أو الله أعلم وقول المسؤول لا أعلم لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة لأن العالم المتمكن لا يضر جهله ببعض المسائل بل يرفعه قوله لا أدري لأنه دليل على عظيم محله وقوة دينه وتقوى ربه وطهارة قلبه وكمال معرفته وحسن نيته وإنما يأنف من ذلك من ضعفت ديانته وقلت معرفته لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين ولا يخاف من سقوطه من نظر رب العالمين وهذه جهالة ورقة دين ومن ثم نقل لا أدري ولا أعلم عن الأئمة الأربعة والخلفاء الأربعة بل عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وجبريل عليهما السلام كما مر في حديث خير البقاع المساجد وفي مسند الدارمي موصولا من عدة طرق أن عليا كرم الله وجهه سئل عن مسألة فقال: لا علم لي بها ثم قال: وأبردها على كبدي سئلت عما لا علم لي به فقلت لا أعلم وفيه أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فقال: لا علم لي بها فولى الرجل فقال ابن عمر: نعم ما قال ابن عمر وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه عن خالد بن أسلم خرجنا نمشي مع ابن عمر فلحقنا أعرابي فسأله عن إرث العمة فقال: لا أدري قال: أنت ابن عمر ولا تدري قال: نعم اذهب إلى العلماء فلما أدبر قبل ابن عمر يديه وقال: نعم ما قلت وأخرج البخاري عن ابن مسعود من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من علم الرجل أن يقول لما لا يعلم الله أعلم ورواه الدارمي بلفظ إذا سئل العالم عما لا يعلم قال: الله أعلم وأخرج الهروي عن ابن مسعود إذا سئل أحدكم عما لا يدري فليقل لا أدري فإنه ثلث العلم وأخرج الحازمي في سلسلة الذهب عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عجلان: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيب في مقاتله والأخبار والآثار في هذا كثيرة وإنما أطلت بإيراد هذه النبذة لما تطابق عليه فقهاء زماننا من التحاشي عن ذلك والمبادرة إلى الجواب باللسان والقلم كيف كان
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن الديلمي رواه مرفوعا وهو ذهول بل صرح في الفردوس بعدم [ص:388] رفعه ورواه عنه أبو نعيم أيضا والطبراني في الأوسط والخطيب في رواة مالك والدارقطني في غرائب مالك موقوفا قال الحافظ ابن حجر: والموقوف حسن الإسناد(4/387)
5711 - (العلم حياة الإسلام) أي لأن الإسلام لا تعلم حقيقته وشروطه وآدابه إلا به (وعماد الدين) أي معتمده ومقصوده الأعظم (ومن علم علما أتم) بمثناة فوقية بخط المصنف وفي خبر يأتي أنمى (الله له أجره) بالنون ومعنى أتم أكمل ففي المصباح تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه أنمى زاد (ومن تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم) أي العلم اللدني الذي هو موهبة من الله يدرك به العبد ما للنفس من الحظوظ والفرض وما للحق من الحقوق والمفترض فيترك ما لها من الحظوظ ويقوم بما للحق من الحقوق وهو معنى قول البعض أراد به إلهامه علم ما لم يتعلم من مزيد معرفة الله وخدع النفس والشيطان وغرور الدنيا وآفات العمل من نحو عجب ورياء وكبر ورياضة النفس وتهذيبها وتحمل الصبر على مر القضاء والشكر على النعماء والثقة بما وعد والتوكل عليه وتحمل أذى الخلق وقد ثبت أن دقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعاة وجه تحصيل ذلك وهو ثلاث: الأول العمل بما علم على قدر الاستطاعة. الثاني اللجأ إلى الله على قدر الهمة. الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة ليحصل الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح وقد أشار لذلك الجنيد بقوله: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال بل عن الجوع والسهر ولزوم الأعمال. قال الغزالي: من انكشف له ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق ومن لم ير ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جدا ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والوقائع فكل حكم يظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام وقال حجة الإسلام: يتعين أن يكون أكثر الاهتمام بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة فجاهد تشاهد دقائق علم القلوب وتنفجر منها ينابيع الحكمة من القلب أما الكتب في التعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر الخارجة عن الحصر والحد إنما تنفتح بالمجاهدة قال: وكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على العمل ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب فلذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم من تعلم فعمل إلخ وفي بعض الكتب السالفة يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من ينزله ولا في تخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به العلم محصور في قلوبكم تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين وتخلقوا بأخلاق الصديقين أظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم ويعمركم انتهى. وقال الإمام مالك: علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر فمتى علم الظاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره وقال: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذفه الله في القلب يشير إلى علم الباطن (تتمة) قال يحيى بن معاذ: التقى ابن أبي الحواري وأحمد بن حنبل فقال أحمد حدثنا بحكاية سمعتها من أستاذك الداراني فقال يا أحمد قل سبحان الله وطولها بلا عجب قال سبحان الله وطولها بلا عجب قال سمعته يقول إذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما فقام أحمد وقعد ثلاثا وقال سمعت في الإسلام بحكاية أعجب من هذه ثم ذكر حديث من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم. قال التونسي: اجتمع العارف علي وفا والإمام البلقيني فتكلم علي معه بعلوم بهرت عقله فقال البلقيني: من أين لك هذا يا علي قال: من قوله تعالى {اتقوا الله ويعلمكم الله} فأسكت
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) [ص:389] ابن حبان (عن ابن عباس)(4/388)
5712 - (العلم خزائن ومفاتحها السؤال) قال الماوردي: حكي أن بعض الحكماء رأى شيخا يحب النظر في العلم ويستحي من السؤال فقال: يا هذا تستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله (فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة) من الأنفس (السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم) لا يعارضه خبر النهي عن السؤال لما سبق أن المراد به سؤال تعنت أو امتحان أو عما لا يحتاج إليه ونحو ذلك
(حل) وكذا العسكري (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: ضعيف أي وذلك لأن فيه داود بن سليمان الجرجاني الغازي كذبه ابن معين ولم يعرفه أبو حاتم قال في اللسان كأصله: وبكل حال هو شيخ كذاب له نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرضي ثم ساق له عدة أخبار هذا منها(4/389)
5713 - (العلم خليل المؤمن) لأنه لا نجاة ولا فوز إلا به فكأنه خالل المؤمن بمحبته ومودته يطلبه عند غيبته ويتمسك به عند وجوده ويستضيء بنوره عند جهله (والعقل دليله) فإنه عقال لطبعه أن يجري بعجلته وجهله لتقدم العقل بين يدي كل أمر من فعل وترك مسترشدا به في عاقبته استضاءة بنوره (والعمل قيمه) وفي رواية قائده أي العمل بمقتضى العلم والعقل شكرا لنعمتهما خوف ذهاب العلم أو تركه إذ العلم يقود المؤمن إلى كل خير (والحلم وزيره) فإن الوزير المعين المحتمل الأثقال فيستعين المؤمن على متابعة العلم بالحلم ولهذا روى ما ضم شيء لشيء أحسن من حلم إلى علم (والصبر أمير جنوده) جعل ما تقدم وتأخر جنودا وأميرها الصبر لا يعمل كل منهما فيما أهل له إلا به لأنه عجلة النفس وخفتها تفسد كل خلق حسن ما لم يتقدم الصبر أمامها (والرفق والده) فإن الرفق في المعونة والمساهلة كالوالد للمؤمن لا يصدر في أمر إلا بمراجعته وطاعته رجاء بركته (واللين أخوه) لا ينفصل ولا يستقل دونه
(هب عن الحسن) البصري (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لا علة فيه سوى الإرسال وليس كذلك بل هو مع إرساله ضعيف إذ فيه سوار بن عبد الله العنبري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال الثوري ليس بشيء وعبد الرحمن بن عثمان أبو بحر البكراوي قال أحمد: طرح الناس حديثه قال الحافظ العراقي: ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس وكذا الديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية عن أنس بسند ضعيف والقضاعي في مسند الشهاب عن أبي الدرداء أو أبي هريرة وكلاهما ضعيف اه. وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رواية إرساله تقصير أو قصور(4/389)
5714 - (العلم خير من العبادة) لأنه أسها وعمادها إذ هي مع الجهل فاسدة قال ابن عطاء الله: والمراد بالعلم في هذه الأخبار النافع المخمد للهوى القامع الذي تكتنفه الخشية ويكون معه الخوف والإنابة أما علم معه الرغبة في الدنيا والتملق لأبنائها وصرف الهمة لاكتسابها والجمع في الادخار والمباهاة والاستكثار وطول الأمل فما أبعده من ذلك (وملاك الدين الورع) كما سبق
(ابن عبد البر) في العلم (عن أبي هريرة) ورواه الديلمي عن عبادة(4/389)
5715 - (العلم خير من العمل) لأن العلم وظيفة القلب وهو أشرف الأعضاء والعمل وظيفة الجوارح الظاهرة ولا يكون [ص:390] العمل مقصودا إلا به والقصد صادر عن القلب فالعلم مقدم على العمل شرفا وحالا إذ الشيء يعلم أولا ثم يعمل به (وملاك الدين الورع والعالم من يعمل) ومن لا يعمل فهو والجاهل سواء بل الجاهل خير منه لأن علمه حجة عليه فأس طريق العلم ونتيجته العمل وفائدة العلم إنما هي العمل به لأن العلم بلا عمل عاطل والعمل بغير علم باطل إذ لا يصح العمل إلا بمعرفة كيفيته ولا تظهر فائدة العلم إلا بالعمل به على مقتضى السنة قال بعض العارفين: بالعلم يصح العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة توفق للزهد وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب في الآخرة وبالرغبة فيها تنال رضا الله تعالى
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبادة) بن الصامت ورواه عنه الديلمي أيضا(4/389)
5716 - (العلم دين) قال الطيبي: التعريف فيه للعهد وهو ما جاء به الرسول لتعليمه الخلق من الكتاب والسنة وهما أصول الدين (والصلاة دين فانظروا عمن تأخذون هذا العلم) قال الطيبي: المأخوذ عنه العدول الثقات المتقون كما بينه قوله في الحديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وعمن صلة تأخذون على تضمين معنى تؤدون وضمن انظروا معنى العلم (وكيف تصلون هذه الصلوات فإنكم تسألون) أي عن العلم والصلاة (يوم القيامة) يشير به إلى أن العلم ينبغي أن لا يؤخذ إلا عمن عرفت عالميته واشتهرت ديانته فلا يتلقاه عن جاهل فيضله ولا عن فاسق فيغويه
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب(4/390)
5717 - (العلم علمان فعلم) ثابت (في القلب) وهو ما أورث الخشية وأبعد عن الكبائر الظاهرة والباطنة (فذلك) هو العلم (النافع) لصاحبه (وعلم على اللسان) ولا قرار له لأنه شرارة من شرار الإيمان (فذلك حجة الله على ابن آدم) قال الطيبي: الفاء في فعلم تفصيلية وفي فذلك سببية من باب قوله خولان فأنكح أي هؤلاء الذين اشتهرت نساؤهم بالرغبة فيهما فأنكح منهم فكذلك قوله علم في القلب دل على كونه مرغوبا فيه فرتب عليه ما بعده وفي عكسه قوله فذلك حجة الله فإن صاحب العلم اللساني الذي لم يتأثر منه فإنه محجوج عليه ويقال له {لم تقولون ما لا تفعلون} ويمكن حمل الحديث على علمي الظاهر والباطن قال أبو طالب: علم الباطن وعلم الظاهر أصلان لا يستغني أحدهما عن صاحبه بمنزلة الإسلام والإيمان مرتبط كل منهما بالآخر كالجسم والقلب لا ينفك أحدهما من صاحبه وقيل علم الباطن يخرج من القلب وعلم الظاهر يخرج من اللسان فلا يجاوز الآذان وهذا لا ينصرف إليه اسم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء إذ هم العلماء العاملون الأبرار المتقون الذين آل إليهم العلم الموروث بالصفة التي كان عليها عند المورث لا من علمه حجة عليه وقد منعه سوء ما لديه من خبث نيته وسوء طويته واتباع شهوته أن يلج نور العلم قلبه ويخالط لبه {فأوردهم النار وبئس الورد المورود} قال بعضهم: وهذه صفة علماء زماننا تجدهم يجتهدون في تحسين الهيئة والثياب الفاخرة والمراكب السنية فإذا نظر إلى باطن أحدهم وجد خوف الرزق على قلبه كالخيال يكاد يموت من همه وخوف الخلق وخوف سقوط المنزلة من قلوبهم والفرح بمدحهم والثناء عليه وحب الرئاسة وطلب العلو والتبصبص للظلمة والأغنياء واحتقار الفقراء والأنفة من الفقر والاستكبار في موضع الحق والحقد على أخيه المسلم والعداوة والبغضاء وترك الحق مخافة الذل والقول بالهوى والحمية والرغبة في الدنيا والحرص عليها والشح والبخل وطول الأمل والأشر والبطر والغل والغش والمباهاة والرياء والسمعة والاشتغال بعيوب الخلق والمداهنة والإعجاب بالنفس والتزيين للمخلوق والصلف والتجبر وعزة النفس والقسوة والفظاظة والغلظة وسوء الخلق وضيق الصدر والفرح بالدنيا والحزن على فوتها وترك القنع والمراء والجفاء والطيش والعجلة والحدة وقلة الرحمة والاتكال على الطاعة وأمن سلب ما أعطى وفضول الكلام والشهوة [ص:391] الخفية وطلب العز والجاه واتخاذ الإخوان في العلانية على عداوة في السر والغضب إذا رد عليه قوله والتماس المغالبة لغير الله والانتصار للنفس والأنس بالخلق والوحشة من الحق والغيبة والحسد والنميمة والجور والعدوان فهذه كلها مزابل قد انضمت عليها طوية صدورهم وظاهرهم صوم وصلاة وزهد وأنواع أعمال البر فإذا انكشف الغطاء بين يدي الله عن هذه الأمور كان كمزبلة فيها أنواع الأقذار غشيت بالذبائح فأنتنت فهذا عالم مرائي مداهن يتصنع عند شهواته فلم يقدر أن يخلص عمله ونفسه مقيدة بنار الشهوة وقلبه مشحون بهوى نفسه وهذه كلها عيوب والعبد إذا كثرت عيوبه انحطت قيمته
(ش والحكيم) الترمذي وابن عبد البر (عن الحسن) البصري (مرسلا) قال المنذري: إسناده صحيح وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح (خط عنه) أي الحسن (عن جابر) مرفوعا قال المنذري: إسناده صحيح قال الحافظ العراقي: وسند جيد وإعلال ابن الجوزي له وهم وقال السمهودي: إسناده حسن ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس مرفوعا(4/390)
5718 - (العلم في قريش) القبيلة المشهورة وناهيك بالشافعي منهم (والأمانة في الأنصار) الأوس والخزرج والظاهر أن المراد الأمانة العلمية والمالية وغيرهما
(طب) وكذا في الأوسط (عن) عبيد الله بن الحارث (ابن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي الزبيدي قال الهيثمي: إسناد حسن(4/391)
5719 - (العلم ميراثي وميراث الأنبياء قبلي) يعني أن جميع الأنبياء لم يورثوا شيئا من الدنيا لعدم صرفهم هممهم إلى اكتسابها وإعراضهم عن الجمع والادخار واشتغالهم بما يوصل إلى دار القرار لكن لا ينتقل الشيء إلى الوارث إلا بالصفة التي كان عليها عند المورث كما سبق قال الغزالي: لا يكون العالم وارثا نبيه إلا إذا اطلع على جميع معاني الشريعة حتى لا يكون بينه وبينه إلا درجة النبوة وهي الفارقة بين الوارث والموروث إذ المورث هو الذي حصل المال له واشتغل بتحصيله واقتدر عليه والوارث هو الذي لم يحصله لكن انتقل إليه وتلقاه عنه اه. ثم ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تتمته عند مخرجه الديلمي فمن كان يرثني فهو معي في الجنة اه. بنصه فإثبات المصنف بعضا وحذف بعض لا ينبغي
(فر عن أم هانئ) وفيه إسماعيل بن عبد الملك قال الذهبي: قال النسائي غير قوي ورواه عنه أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه له كان أولى(4/391)
5720 - (العلم والمال يستران كل عيب والجهل والفقر يكشفان كل عيب) أراد بالعلم الذي يستر كل عيب النافع الذي يصحبه العمل قال ابن عطاء الله: مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم ولا يعمل كمن قعد هذه المدة يتطهر ولم يصل صلاة واحدة إذ مقصود العلم العمل كما أن القصد بالطهارة وجود الصلاة ثم إن المال وإن كان يستر العيب لكن لا نسبة بينه وبين ستر العلم لأن ذلك أتم وأكمل وقلما يجتمع العلم والمال قال الماوردي: قيل لبعض الحكماء: لم لا يجتمع العلم والمال قال: لعزة الكمال
(فر) من وراية الخليفة الرشيد عن أبيه عن جده عن علي بن عبد الله بن عباس (عن ابن عباس) وفي رجاله من هو متكلم فيه(4/391)
5721 - (العلم لا يحل منعه) أي عن مستحقه فمن منعه عنه ألجم بلجام من نار يوم القيامة كما في عدة أخبار قال البغدادي: المراد [ص:392] علم الدين المفترض طلبه على كافة المسلمين دون غيره فإن الجهل بالدين مهلك والعلم طريق نجاته فإذا أشفى على الهلاك بجهله وطلب ما يخلصه وجب كما يجب حفظ مهجته من هلاك حسي
(فر عن أبي هريرة) وفيه يزيد بن عياض قال النسائي وغيره: متروك ذكره الذهبي(4/391)
5722 - (العم والد) أي هو نازل منزلته في وجوب الاحترام والإعظام لتفرعهما عن أصل واحد وهذا خرج مخرج الزجر عن عقوقه
(ص عن عبد الله الوراق مرسلا)(4/392)
5723 - (العمائم تيجان العرب) أي فيها عز وجمال وهيبة ووقار كتيجان الملوك يتميزون بها عن غيرهم وما سواها من القلانس ليس إلا للعجم وأهل الخفة من الأتراك أي هي لهم بمنزلة التيجان للملوك وكانت العمائم إذ ذاك خاصة بالعرب (والاحتباء حيطانها وجلوس المؤمن في المسجد رباطه)
(القضاعي) في مسند الشهاب (فر عن علي) أمير المؤمنين قال العامري: غريب وقال السخاوي: سنده ضعيف أي وذلك لأن فيه حنظلة السدوسي قال الذهبي: تركه القطان وضعفه النسائي ورواه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل كان أولى(4/392)
5724 - (العمائم تيجان العرب) أطلق عليها تيجان لكونها قائمة مقامها (فإذا وضعوا العمائم وضعوا عزهم) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من نسخ قديمة مصححة بخط ابن حجر وغيره فإذا وضعوا العمائم وضع الله عزهم ثم خرج من طريق آخر العمائم وقار للمؤمنين وعز للعرب فإذا وضعت العرب عمائمها فقد خلعت عزتها اه. وعمم المصطفى صلى الله عليه وسلم عليا بيده وذنبها من ورائه وبين يديه وقال: هذه تيجان الملائكة
(فر عن ابن عباس) وفيه عتاب بن حرب قال الذهبي: قال العلائي: ضعيف جدا ومن ثم جزم السخاوي بضعف سنده ورواه عنه أيضا ابن السني قال الزين العراقي: وفيه عبد الله بن حميد ضعيف(4/392)
5725 - (العمامة على القلنسوة) أي لفها عليها (فصل) أي (قطع ما بيننا وبين المشركين) في المصباح فصلته عن غيره أو نحيته قطعته ومنه فصل الخصومات وهو الحكم بقطعها (يعطي يوم القيامة بكل كورة يدورها على رأسه نورا) في المصباح كار العمامة أدارها على رأسه وكورها بالتشديد مبالغة ومنه كورت الشيء إذا لففته على هيئة الاستدارة وفي هذا وما قبله ندب العمامة بقصد التجمل ونحوه وأنه يحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها وأن الأفضل كورها وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة في زمانه ومكانه فإن زاد على ذلك كره
(الباوردي عن ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي من مسلمة الفتح ثم نزل المدينة وليس له غير هذا الحديث كما في التقريب كأصله(4/392)
5726 - (العمد قود والخطأ دية)
(طب عن ابن عمرو بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي بن يزيد بن لوذان الأنصاري من عمال المصطفى صلى الله عليه وسلم على نجران قال الهيثمي: وفيه عمران بن أبي الفضل وهو ضعيف(4/392)
[ص:393] 5727 - (العمرى) اسم من أعمرتك الشيء أي جعلته لك مدة عمرك (جائزة) صحيحة ماضية لمن أعمر له ولورثته من بعده وقيل جائزة أي عطية (لأهلها) أي يملكها الآخذ ملكا تاما بالقبض كسائر الهبات ولا ترجع للأول عند الشافعي وأبي حنيفة وجعلها مالك إباحة منافع
(حم ق ن عن جابر) بن عبد الله (حم ق د ن عن أبي هريرة حم د ت عن سمرة) ابن جندب (عن زيد بن ثابت وابن عباس)(4/393)
5728 - (العمرى) بضم العين المهملة وسكون الميم والقصر مأخوذة من العمر (ميراث لأهلها) أي ميراث لمن وهبت له سواء أطلقت أو قيدت بعمر الآخذ أو ورثه أو المعطى بدليل قوله في الحديث الذي بعده لمن وهبت له وبهذا أخذ الشافعي وأبو حنيفة. وقال مالك: هي ميراث للواهب فترجع له أو لورثته بعد موت الآخذ لأنه إنما وهب المنفعة دون الرقبة والمؤمنون عند شروطهم
(م) في الفرائض (عن جابر) بن عبد الله (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(4/393)
5729 - (العمرى لمن وهبت له) هذا كما ترى نص صريح فيما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأبو حنيفة من عدم رجوعها للمعمر عقبه مطلقا لأنه إنما وهب الرقبة وحمله المالكية على المنافع وقالوا: هي تمليك منفعة الشيء مدة حياة الآخذ بغير عوض
(م د ن عن جابر) بن عبد الله(4/393)
5730 - (العمرى جائزة لأهلها) أي هي عطية جائزة لمن وهبت له لأنها من البر والمعروف ذكره القرطبي والمراد بالجواز الأعم لا الأخص لأن الأعم يشمل المندوب والواجب وهي مندوبة لما تقرر (والرقبى) بوزن العمرى مأخوذة من الرقوب لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه وكانا عقدين في الجاهلية (جائزة لأهلها) فهما سواء عند الجمهور ولا يناقضه خبر: لا تعمروا ولا ترقبوا لأن النهي فيه إرشادي معناه لا تهبوا أموالكم مدة ثم تأخذونها بل إذا وهبتم شيئا زال عنكم ولا يعود إليكم هبة بلفظ هبة أو عمرى أو رقبى
(4 عن جابر) بن عبد الله(4/393)
5731 - (العمرى جائزة) قال القاضي: قوله جائزة أي نافذة ماضية لمن أعمر له وقيل عطية (لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها) قال القاضي: العمري اسم من أعمرتك الشيء أي جعلته لك مدة عمرك وهي جائزة تملك بالقبض كسائر الهبات وتورث عنه كسائر أمواله سواء أطبق أو أردف بأنه لعقبه أو ورثته بعده وذهب جمع إلى أنه لو أطلق لم تورث عنه بل تعود بموته إلى المعمر وتكون تمليكا للمنفعة له مدة عمره دون الرقبة وهو قول مالك (والعائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد مسلم في روايته فيأكله. قال همام: قال قتادة ولا ألم القيء إلا حراما أي كما بقبح أن يقيء ثم يأكل يقبح أن يعمر أو يرقب ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه
(حم ن عن أبن عباس)(4/393)
5732 - (العمرى والرقبى سبيلهما سبيل الميراث) ينتقل بموت الأخذ لورثته لا إلى المعمر والمرقب وورثتهما خلافا لمالك [ص:394] قال النوري: قال أصحابنا للعمرى ثلاثة أحوال: أحدها أن يقول أعمرتك الدار فإذا مت فلورثتك أو عقبك فتصح اتفاقا ويملك رقبة الدار وهي هبة فإذا مات فلورثته وإلا فلبيت المال ولا يعود للواهب بحال. الثاني أن يقتصر على جعلتها لك عمرك ولا يتعرض لغيره والأصح صحته. الثالث أن يزيد فيقول فإن مت عادت لورثتي فيصح ويلغو الشرط
(طب عن زيد بن ثابت) ورواه عنه ابن حبان باللفظ المذكور ما عدا الرقبى(4/393)
5733 - (العمرة إلى العمرة) أي العمرة حال كون الزمن بعدها ينتهي إلى العمرة فإلى للانتهاء على أصلها قيل ويحتمل كونها بمعنى مع (كفارة لما بينهما) من الصغائر وظاهر الحديث على الأول أن المكفر هو العمرة الأولى لتقييدها بما قدرناه وعلى الثاني أنهما معا واستشكل كون العمرة كفارة لها مع أن تجنب الكبائر يكفرها وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير التجنب عام لجميع عمر العبد. قال في المطامح: نبه بهذا الحديث على فضل العمرة الموصولة بعمرة اه. وفيه رد على مالك حيث كره أن يعتمر في السنة غير مرة (والحج المبرور) أي الذي لا يخالطه إثم أو المقبول أو ما لا رياء فيه ولا فسوق (ليس له جزاء إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة. قال في المطامح: وقضية جعله العمرة مكفرة والحج جزاؤه الجنة أنه أكمل
(مالك حم ق 4) في الحج (عن أبي هريرة) هذا تصريح بأن الجماعة كلهم رووه لكن استثنى المناوي أبا داود(4/394)
5734 - (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا) أي الصغائر (والحج المبرور) أي الذي لا يشوبه إثم أو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب (ليس له جزاء إلا الجنة) قال ابن القيم: فيه دليل على التفريق بين الحج والعمرة في التكرار إذ لو كانت العمرة كالحج لا يفعله في السنة إلا مرة لسوى بينهما ولم يفرق
(حم عن عامر بن ربيعة) بن كعب بن مالك العنبري بسكون النون حليف آل الخطاب صحابي بدري مشهور. قال الهيثمي: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف(4/394)
5735 - (العمرتان تكفران ما بينهما) من الذنوب الصغائر ما اجتنبت الكبائر (والحج المبرور) أي المقبول (ليس له جزاء إلا الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب (وما سبح الحاج من تسبيحة ولا هلل من تهليلة ولا كبر من تكبيرة إلا يبشر بها تبشيرة) أي ما قال سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر إلا بشره الله أو ملائكته بأمره بكل واحدة من الثلاث ببشارة أي بحصول شيء يسره
(هب عن أبي هريرة) فيه من لم أعرفهم ولم أرهم في كتب الرجال(4/394)
5736 - (العمرة في الحج بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة الزكاة من الصيام) فيه إشارة إلى وجوب العمرة فلا يكفي الحج عن العمرة ولا عكسه
(فر عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد وهم ثلاثة قد رمي كل منهم بالكذب وجويبر قال الذهبي: قال الدارقطني متروك(4/394)
[ص:395] 5737 - (العنبر ليس بركاز) فلا زكاة فيه خلافا للحسن لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى ركازا لغة ولا عرفا (بل هو لمن وجده) وهو شيء يقذفه البحر بالساحل أو نبات يخلقه الله في قعره وجنباته أو نبع عين فيه أو شجر ينبت في البحر فينكسر فيلقيه الموج إلى الساحل أو روث دابة بحرية أو غير ذلك. قال ابن القيم: وهو أفخر أنواع الطيب بعد المسك وخطأ من قدمه عليه وضروبه كثيرة وألوانه شتى أبيض وأشهب وأحمر وأصفر وأخضر وأزرق وأسود وهو الأجود ومن منافعه أن يقوي القلب والحواس والدماغ
(ابن النجار) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله(4/395)
5738 - (العنكبوت شيطان فاقتلوه) هو دويبة تنسج في الهواء جمعه عناكب وننظر بين هذا وبين قوله في الخبر المار جزى الله العنكبوت عنا خيرا الحديث وقد يقال ذاك في معينة نسجت على باب الغار وأما هذا ففي الجنس بأسره
(د في مراسيله) عن ابن الصيفي عن بقية عن الوضين بن عطاء (عن يزيد بن مرشد) أبي عثمان الهمداني الصنعاني من صنعاء دمشق تابعي يرسل كثيرا (مرسلا)(4/395)
5739 - (العنكبوت شيطان) كان امرأة سحرت زوجها كما في خبر الديلمي فلأجل ذلك (مسخه الله تعالى فاقتلوه) ندبا وروى الثعلبي عن علي طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب قضية تصرف المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسلمة بن علي الخشني وقال: عامة حديثه غير محفوظ وفي الميزان هو شامي واه تركوه وقال أبو حاتم: لا يشتغل به والنسائي: متروك والبخاري: منكر الحديث(4/395)
5740 - (العهد الذي بيننا وبينهم) يعني المنافقين هو (الصلاة) بمعنى أنها موجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهد (فمن تركها فقد كفر) أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار فنقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له. قال في الكشاف: والعهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وقال القاضي: الضمير الغائب للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه والمعنى أن العمدة في إجراء الأحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة فإذا تركوها كانوا وسائر الكفار سواء قال التوربشتي: ويؤيد هذا المعنى قوله عليه السلام لما استؤذن في قتل المنافقين إني نهيت عن قتل المصلين قال الطيبي: ويمكن أن يكون الضمير عاما فيمن تابع النبي بالإسلام سواء كان منافقا أم لا
(حم ت ن حب ك) من حديث الحسين بن واقد (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح ولا علة له واحتج مسلم بالحسين وقال العراقي في أماليه: حديث صحيح وظاهر كلام المصنف أنه لم يروه من الأربعة إلا ذينك وليس كذلك بل رووه جميعا(4/395)
5741 - (العيافة) بالكسر زجر الطير (والطيرة) أي التشاؤم بأسماء الطيور وأصواتها وألوانها وجهة سيرها عند تنفيرها كما يتفاءل بالعقاب على العقوبة وبالغراب على الغربة وبالهدهد على الهدى وكما ينظر إن طار إلى جهة اليمين تيمن أو اليسار تشاءم (والطرق) الضرب بالحصى والخط بالرمل (من الجبت) أي من أعمال السحر فكما أن السحر حرام فكذا هذه الأشياء أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة قال القاضي: والجبت في الأصل الفشل الذي لا خير فيه وقيل أصله جبس فأبدلت السين تاءا تنبيها على مبالغته في الفشولة ثم استعير لما يعبد من دون الله وللساحر والسحر [ص:396] ولخساستها وعدم اعتبارها وقد فسر في الحديث عن كل واحد منهما ولا بد من إضمار في الأولين مثل إنه مما يماثل عبادة الجبت أو من قبيلها أو من أعمال الجبت أي السحر انتهى
(د) في الطب (عن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة بن برمة بضم الموحدة وسكون الراء الأسدي قال في التقريب كأصله: مختلف في صحبته ورواه عنه النسائي أيضا في التفسير وقال النووي بعد عزوه لأبي داود: إسناده حسن(4/395)
5742 - (العيادة) بمثناة تحتية أي زيارة المريض (فواق) بالضم والتخفيف وفيه ندب تخفيف الزيارة فلا يطيل القعود عند المريض لشغله بالمرض وقد تعرض له حاجة (ناقة) أي قدر الزمن الذي بين حلبتي الناقة وقال الطيبي: فواق خبر المبتدأ أي زمن العيادة قدر فواق ناقة
(هب عن أنس) ورواه عنه الديلمي بلا سند(4/396)
5743 - (العيدان) عيد الأضحى وعيد الفطر (واجبان على كل حالم) أي محتلم (من ذكر أو أنثى) يعني صلاته واجبة على كل من بلغ من الرجال والنساء والمراد أن ذلك متأكد الندب بحيث يقرب من الوجوب
(فر عن ابن عباس) وفيه عمرو بن شمس قال الذهبي: تركوه(4/396)
5744 - (العين حق) يعني الضرر الحاصل عنها وجودي أكثري لا ينكره إلا معاند وقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد وتدخل البستان فتضر بكثير من العروش بغير مس والصحيح ينظر إلى الأرمد فقد يرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو وقد ذكروا أن جنسا من الأفاعي إذا وقع بصره على الإنسان هلك وحينئذ فالعين قد تكون من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون وقد أجرى الله عادته بوجود كثير من القوى والخواص والأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيحدث في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وذلك بواسطة ما خلق الله في الأرواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة إنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية بغير اتصال ومنها ما يؤثر بالمقابلة ومنها ما يؤثر بتوجه الروح كالحادث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله ومنها ما يقع بالتوهم والتخييل فالخارج من عين العائن سهم معيون إن صادف البدن ولا وقاية لأثر فيه وإلا فلا كالسهم الحسي وقد يرجع على العائن
(حم ق د ن عن أبي هريرة عن عامر بن ربيعة)(4/396)
5745 - (العين حق) أي الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه (تستنزل الحالق) أي الجبل العالي قال الحكماء: والعائن يبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعان فيهلك أو يهلك نفسه قال: ولا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعين وتخلل مسام بدنه فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلقه عند شرب السم وهو بالحقيقة فعل الله قال المازري: وهذا ليس على القطع بل جائز أن يكون وأمر العين مجرب محسوس لا ينكره إلا معاند
(حم طب ك) في الطب (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي عقب عزوه لأحمد والطبراني: فيه دويد البصري قال أبو حاتم لين وبقية رجاله ثقات(4/396)
5746 - (العين) أي الإصابة بالعين (حق) أي كائن مقضي به في الوضع الإلهي لا شبهة في تأثيره في النفوس والأموال [ص:397] قال القرطبي: هذا قول عامة الأمة ومذهب أهل السنة وأنكره قوم مبتدعة وهم محجوجون بما يشاهد منه في الوجود فكم من رجل أدخلته العين القبر وكم من جمل أدخلته القدر لكن بمشيئة الله تعالى ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل فتمسك باستبعاد لا أصل له فإنا نشاهد من خواص الأحجار وتأثير السحر ما يقضي منه العجب وتحقق أن ذلك فعل مسبب كل سبب (ولو كان شيء سابق القدر) بالتحريك أي لو أمكن أن يسبق شيء القدر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له (لسبقته) أي القدر (العين) لكنها لا تسبق القدر فإنه تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة فإنهم بعد التقدير خلقوا قال القرطبي: فقوله ولو كان مبالغة في تحقيق إصابة العين تجري مجرى التمثيل إذ لا يرد القدر شيء فإنه عبارة عن سابق علمه تعالى ونفوذ مشيئته ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه فهو كقولهم لأطلبنك ولو تحت الثرى ولو صعدت السماء فأجرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لأن القدر لم يرده شيء وقال القاضي: معناه أن إصابة العين لها تأثير ولو أمكن أن يعاجل القدر شيء فيؤثر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر لسبقته العين (وإذا استغسلتم فاغتسلوا) خطاب لمن يتهم بأنه عائن أي إذ أمر العائن بما اعتيد عندهم من غسل أطرافه وما تحت إزاره ويصب غسالته على المعيون فليفعل ندبا وقيل وجوبا ويتعين المصير إليه عند خوف محذور بالمعان وغلب على الظن برؤه بالاغتسال وذلك لأنه كما يؤخذ ترياق لسم الحية من لحمها يؤخذ علاج هذا من أثر النفس الغضبية وأثر تلك العين كشعلة نار أصابت الجسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما صار إليه المازري من أنه تعبدي إنما هو لخفاء وجه الحكمة عليه قال ابن القيم: وهذا لا ينتفع به من أنكره ولا من فعله بقصد التجربة <تنبيه> عدوا من خصائص نبينا الاسغتسال من العين وأنه يدفع ضررها
(حم م) في الطب (عن ابن عباس) ولم يخرجه البخاري(4/396)
5747 - (العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم) فالشيطان يحضرها بالإعجاب بالشيء وحسد ابن آدم بغفلة عن الله فيحدث الله في المنظور علة يكون النظر بالعين سببها فتأثيرها بفعل الله لكن لما كان الناظر منهيا عن النظر لحقه الوعيد بجنايته المنهي عنها وهي النظر إلى شيء على غلة واستحسانه والحسد عليه من غير ذكر الله
<تنبيه> نقل ابن بطال عن بعضهم منع العائن من مداخلة الناس ولزوم بيته كالمجذوم بل أولى ونفقة الفقير في بيت المال قال النووي: وهو صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه
(الكجي في سننه) والقضاعي (عن أبي هريرة) قضية تصرف المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول شنيع فقد رواه باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور أحمد في المسند قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح(4/397)
5748 - (العين تدخل الرجل القبر) أي تقتله فيدفن في القبر (وتدخل الجمل القدر) أي إذا أصابته مات أو أشرف على الموت فذبحه مالكه وطبخه في القدر يعني أن العين داء والداء يقتل فينبغي للعائن أن يبادر إلى ما يعجبه بالبركة ويكون ذلك رقية منه <فائدة> أخرج ابن عساكر أن سعيدا الساجي من كراماته أنه قيل له: احفظ ناقتك من فلان العائن فقال: لا سبيل له عليها فعانها فسقطت تضطرب فأخبر الساجي فوقف عليه فقال: بسم الله حبس حابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه وعلى كبده وكلوتيه وشيق وفي ماله يليق فأرجع البصر هل ترى من فطور الآية فخرجت حدقنا العائن وسلمت الناقة
(عد حل) من حديث شعيب بن أيوب عن معاوية بن هشام عن الثوري عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال: غريب من حديث الثوري تفرد به معاوية اه. (عن أبي ذر) قال السخاوي: تفرد به شعيب بن أيوب عن معاوية عن هشام [ص:398] قال الصابوني: وبلغني أنه قيل له ينبغي أن تمسك عن هذه الرواية ففعل(4/397)
5749 - (العين وكاء السه) بفتح السين وكسر الهاء مخففا أي حفاظه عن أن يخرج منه شيء والوكاء بالكسر ما يشد به الكيس أو نحوه والسه الدبر (فمن نام فليتوضأ) وجوبا قال الزمخشري: جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة وهو الخيط الذي يشد بها فوها والسه الإست أصله سته فحذفت العين كما حذفت في مذ وإذا صغرت ردت فقيل ستيه اه. وقال البيضاوي: الوكاء ما يشد به الشيء والسه الدبر والمعنى أن الإنسان إذا تيقظ أمسك ما في بطنه فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله فلعله يخرج منها ما ينقض طهره وذلك إشارة إلى أن نقض الطهارة بالنوم وسائر ما يزيل العقل ليس لأنفسها بل لأنها مظنة خروج ما ينتقض الطهر به ولذلك خص منه نوم ممكن المقعدة وقال الطيبي: شبه عين الإنسان وجوفه ودبره بقربة لها فم مشدود بخيط وشبه ما يطلقه من الغفلة عند النوم بحل ذلك الخيط من فم القربة وفيه تصوير لقبح صدور هذه الغفلة من الإنسان
(حم هـ) وكذا أبو داود (عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال عبد الحق: حديث علي هذا ليس بمتصل قال ابن القطان: هو كما قال لكن بقي عليه أن يبين أنه من رواية بقية وهو ضعيف عن الوضين وهو واه فهاتان علتان مانعتان عن تصحيحه اه ولما رواه عبد الله بن أحمد وجده في كتاب أبيه بخط يده قال: كان في المحنة وقد ضرب على هذا الحديث في كتابه اه وقال الساجي: حديث منكر وقال ابن حجر: أعله أبو زرعة وأبو حاتم بالانقطاع بين علي والتابعي اه وقال الذهبي: الوضين لين وابن عائد لم يلحق عليا(4/398)
5750 - (العين) وفي رواية العينان (وكاء السه فإذا نامت استطلق الوكاء) أي انحل كنى بالعين عن اليقظة لأن النائم لا عين له تبصر قال القاضي: الوكاء ما يشد به الشيء والسه الدبر بمعنى أن الإنسان إذا تيقظ أمسك ما في بطنه فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله فلعله يخرج منها ما ينقض طهره وذلك إشارة إلى أن نقض الطهارة بالنوم وكل ما يزيل العقل ليس لأنفسها بل لكونها مظنة خروج ما ينتقض الطاهر به ولهذا خص علي النوم ممكنا مقعدته لأن الصحب كانوا ينامون قعودا حتى تخفض رؤوسهم الأرض ثم يصلون فإن قيل ينتقض بقوله إذا نامت العينان إلخ قلنا مخصوص بما ذكر وإلا لزم النسخ
(هق) من حديث بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس (عن معاوية) رمز المصنف لصحته وهو زلل فقد تعقبه البيهقي نفسه فقال: أبو بكر ضعيف وأقره عليه الذهبي في المهذب ثم رواه عن مروان بن جناح عن عطية عن معاوية موقوفا وقال: مروان أثبت من أبي بكر وقال ابن عبد البر: حديث علي ومعاوية ضعيفان ولا حجة فيهما من جهة النقل وقال مغلطاي لما سئل عن هذين الحديثين: حديث علي أثبت وقال ابن حجر: حديث معاوية ضعيف جدا وقال الذهبي: فيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف جدا ورواه الدارقطني بهذا اللفظ من هذا الوجه قال الغزالي في مختصره: وأبو بكر عبد الله بن أبي مريم قال عبد الحق: هو عندهم ضعيف جدا قال: وحديث علي غير متصل(4/398)
5751 - (العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزني) والعينان أصل زنا الفرج فإنهما له رائدان وإليه داعيان وقد سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع ضرره وقال لابن عمه علي تحذيرا مما يوقع في الفتنة ويورث الحسرة لا تتبع النظرة النظرة أما سمعت قول العقلاء من سرح ناظره أتعب خاطره ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت أوقاته؟
نظر العيون إلى العيون هو الذي. . . جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا [ص:399]
(حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: سنده جيد وقال المنذري: صحيح ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبزار ورواه ابن حبان عن أبي هريرة قال ابن حجر: وأصله في البخاري(4/398)
5752 - (العينان دليلان والأذنان قمعان) أي يتبعان الأخبار ويحدثان بها القلب قال الزمخشري: من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يسمعون ولا يعون وفلان قمع الأخبار يتبعها ويحدث بها ويقول ما لكم أسماع وإنما هو إقماع (واللسان ترجمان) أي يعبر عما في القلب (واليدان جناحان والكبد رحمة والطحال ضحك والرئة نفس والكليتان مكر والقلب ملك) هذه الأعضاء كلها وهي رعيته (فإذا صلح الملك صلحت رعيته وإذا فسد الملك فسدت رعيته) فالقلب هو العالم بالله وهو العاقل لله وهو الساعي إلى الله وهو المتقرب إليه وهو المكاشف بما عند الله ولديه وإنما الجوارح أتباع وخدم وآلات يستخدمها القلب ويستعملها استعمال الملك لعبيده واستخدام الراعي لرعيته والقلب هو المخاطب والمعاتب والمطالب والمعاقب وهو المطيع بالحقيقة لله وإنما الذي ينشر على الجوارح من العبادات أنواره وهو العاصي المتمرد على الله وإنما فواحش الأعضاء آثاره وإظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل وعاء يرشح بما فيه وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه وإذا جهل نفسه جهل ربه ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وقد حيل بينهم وبين أنفسهم فإن الله يحول بين المرء وقلبه وحيلولته بأن يمنعه عن مشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن وأنه كيف يهوي مرة إلى أسفل سافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع إلى أعلى عليين ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين ومن ثم من لم يعرف قلبه ليراقبه ويترصد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه فهو من الذين {نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} إذا علمت ذلك فالقلب في وسط مملكة كالملك وتجري القوة الخيالية المودعة في مقدم الدماغ مجرى صاحب بريده إذ تجتمع أخبار المحسوسات عنده وتجري القوة الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى خازنه ويجري اللسان مجرى ترجمانه وتجري الأعضاء المتحركة مجرى كتابه وتجري الحواس الخمسة مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد بأخبار صقع من الأصقاع فيوكل العين بأنواع الألوان والسمع بعالم الأصوات والشم بعالم الروائح وكذا سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العوالم ويؤدونها إلى القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلم صاحب البريد إلى الخازن وهي القوة الحافظة ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس منه ما يحتاجه في تدبير مملكته وقمع عدوه الذي هو مبتلى به ودفع قواطع طريق سفره عليه فإذا فعل ذلك كان موفقا سعيدا شاكرا وإذا عطل هذه الجملة واستعملها في رعاية أعداءه وهي الشهوة والغضب وسائر الحظوظ العاجلة وفي عمارة طريقه التي هي الدنيا دون منزله ومستقره الذي هو الآخرة كان مخذولا شقيا كافرا لنعمة الله فيستحق المقت والإبعاد في المنقلب والمعاد إذا تدبرت ذلك عرفت أن هذا الحديث ضربه المصطفى صلى الله عليه وسلم مثالا لذلك ولله دره
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة عد وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي سعيد) الخدري (الحكيم) الترمذي (عن عائشة) وسببه أنه دخل عليها كعب الأحبار فقال لها ذلك فقالت هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/399)
[ص:400] حرف الغين(4/400)
5753 - (غبار المدينة) النبوية (شفاء من الجذام) قال ابن جماعة: لما حج ابن المرحل المقدس سنة أحد وسبعين وسبع مئة ورجع إلى المدينة سمع شيخا من المحدثين يقول كان في جسد بعض الناس بياض فكان يخرج إلى البقيع عريانا وفي السحر ويعود فبرأ بذلك الغبار فكأن ابن المرحل حصل في نفسه شيء فنظر في يده فوجد فيها بياضا قدر الدرهم فأقبل على الله بالدعاء والتضرع وخرج إلى البقيع وأخذ من رمل الروضة ودلك به ذلك البياض فذهب
(أبو نعيم في الطب) النبوي وكذا الديلمي (عن ثابت بن قيس بن شماس) بفتح المعجمة وشد الميم خطيب الأنصاري وممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة(4/400)
5754 - (غبار المدينة يبرئ الجذام) هذا وما قبله مما لا يمكن تعليله ولا يعرف وجهه من جهة العقل ولا الطب فإن توقف فيه متشرع قلنا الله ورسوله أعلم وهذا لا ينتفع به من أنكره أو شك فيه أو فعله مجربا بل ولا الآحاد
(ابن السني وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي بكر بن محمد بن سلام مرسلا)(4/400)
5755 - (غبار المدينة يطفئ الجذام) قال السمهودي: قد شاهدنا من استشفى به منه وكان قد أضر به فنفعه جدا
(الزبير بن بكار في) كتاب (أخبار المدينة) وكذا ابن النجار وابن الجوزي وابن زبالة وغيرهم (عن إبراهيم بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك رجاء ذلك عن ابن عمر مرفوعا روى رزين عنه لما رجع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تبوك تلقاه رجال من المخلفين فأثاروا غبارا فخمر أو غطى بعض من كان معه أنفه فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عن وجهه وقال: أما علمتم أن عجوة المدينة شفاء من السم وغبارها شفاء من الجذام ولابن زبالة عن صيفي عن أبي عامر مرفوعا والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة وإنها شفاء من الجذام(4/400)
5756 - (غبن المسترسل حرام) قال الحنابلة: ويثبت الفسخ وقال أبو حنيفة والشافعي: لا وقال داود: يبطل البيع
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه موسى بن عمير الأعمى وهو ضعيف جدا اه. وفي الميزان موسى بن عمير الأعمى القرشي كذبه أبو حاتم وغيره ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث وقال السخاوي: هو ضعيف لكن له شاهد اه ولقد أحسن المصنف حيث عقبه به فقال:(4/400)
5757 - (غبن المسترسل ربا) أي أن ما غبنه به مما زاد على القيمة بمنزلة الربا في عدم حل تناوله
(هق عن أنس) قال الذهبي في التنقيح: المتهم بوضعه يعيش بن هشام القرقساني راويه عن مالك عن الزهري عن أنس (وعن جابر) بن عبد الله (وعن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ: سند هذا جيد(4/400)
5758 - (غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) الغدوة من أول النهار إلى الزوال والروحة منه إلى آخر [ص:401] النهار وسبيل الله طريق التقرب إليه بكل عمل خالص وأعلى أنواع التقربات الجهاد فالغدوة أو الروحة فيه خير من الدنيا وما فيها لأن بها ترتب ثوابها وبعض الثواب لو برز إلى الدنيا لاضمحلت وتلاشت دونه
(حم ق هـ عن أنس) بن مالك (ق ت ن عن سهل بن سعد) الساعدي (م هـ عن أبي هريرة ت عن ابن عباس) قال المصنف: هذا متواتر(4/400)
5759 - (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) هو بمعنى ما قبله ففيه ما فيه
(حم م ن عن أبي أيوب) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(4/401)
5760 - (غرة العرب كنانة) بالكسر والتخفيف قبيلة معروفة أي هم أشراف العرب وخيارهم وسادتهم (وأركانها) أي دعائمها التي بها وجودها (تميم وخطباؤها أسد) حي معروف (وفرسانها قيس ولله تعالى من أهل الأرض فرسان وفرسانه في الأرض قيس) القبيلة المشهورة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي ذر الغفاري)(4/401)
5761 - (غزوة في البحر مثل عشر غزوات في البر) في الأجر (والذي يسدر في البحر) أي يتحير وتدور رأسه من ريحه والسدر محركا الدوار وهو كثيرا ما يعرض لراكب البحر (كالمتشحط في دمه في سبيل الله)
(هـ عن أم الدرداء) ورواه عنها الديلمي أيضا(4/401)
5762 - (غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد فيه كالمتشحط في دمه) أي كالمذبوح المتلطخ بدمه يقال شحط الجمل ذبحه وهو بالسين المهملة كما في القاموس أعلا المائد الذي يدار برأسه من ريح البحر واضطراب السفينة
(ك عن ابن عمرو) بن العاص قال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: خالد بن يزيد أي أحد رجاله يروي الموضوعات عن الأثبات(4/401)
5763 - (غسل يوم الجمعة) تمسك به من قال الغسل لليوم للإضافة ومذهب الشافعية والمالكية وأبو يوسف للصلاة لزيادة فضلها على الوقت واختصاص الطهر بها كما مر دليلا وتعليلا (واجب) أي كالواجب في التأكيد أو في الكيفية لا في الحكم قال التوربشتي: وذلك لأن القوم كانوا عمالا في المهنة يلبسون الصوف وكان المسجد ضيقا ويتأذى بعضهم بريح عرق بعض فندبهم إلى الاغتسال بلفظ الوجوب ليكون أدعى إلى الإجابة وأما دعوى النسخ فلا ينقدح إلا بدليل ولا دليل بل مجموع الأحاديث تدل على استمرار الحكم وتأويل القدوري قوله واجب بمعنى ساقط وعلى بمعنى عن ركيك متعسف (على كل محتلم) أي بالغ لأن المراد حقيقته وهو نزول المني فإنه موجب للغسل يوم الجمعة وغيرها وخص الاحتلام لكونه أكثر ما يبلغ به الذكور كقوله لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار لأن الحيض أغلب ما يبلغ [ص:402] به النساء
(مالك) في الموطأ (حم د ت هـ عن أبي سعيد) الخدري لكن لفظ رواية مسلم غسل الجمعة على كل محتلم قال النووي: كذا وقع في جميع الأصول وليس فيه ذكر واجب(4/401)
5764 - (غسل يوم الجمعة واجب) أي ثابت لا ينبغي تركه لا ما يؤثم بتركه كما يقال رعاية فلان علينا واجبة (كوجوب غسل الجنابة) يعني كصفة غسل الجنابة فالتشبيه لبيان صفة الغسل لا لبيان وجوبه هذا هو الذي عليه التعويل وأخذ بظاهره جمع فأوجبوه علينا واختاره السبكي ونصره ابن دقيق العيد وقال: ذهب الأكثر إلى استحباب غسل الجمعة وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامكما علي واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على الظاهر وأقوى ما عارضوا به حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت إلخ ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث وربما أولوه تأويلا مستكرها
(الرافعي) إمام الدين القزويني في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ورواه الديلمي عن أبي هريرة(4/402)
5765 - (غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع) أي من حدوث وجع الرأس
(أبو نعيم في الطب) النبوي (عن أبي هريرة)(4/402)
5766 - (غسل الإناء وطهارة الفناء) أي نظافته قال في الفردوس: فناء الدار ساحتها (يورثان الغنى) الدنيوي والأخروي يحتمل أن المراد بالإناء القلب بدليل حديث إن لله تعالى آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وبالفناء الصدر وما حول القلب من جنوده وطهارة القلوب فيه الغنى الأكبر والعز الأفخر قال القونوي: وطهارة القلوب تحصل بسبب قلة التعسفات والتعلقات أو إذهابها ما خلا تعلقه بالحق وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام إمكانات الوسائط وكدورة القلب والروح والحرمان والحجب والمنع ونحوها تكون بالصفات المقابلة بهذه ولكثرة الأحطام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات والإنصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء التي هي مظاهر النجاسة وكما أن طهارة القلوب مما ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي وقبول عطايا الحضرة الإلهية على ما ينبغي ووفور الحظ منها فكذا الطهارة الظاهر الصورية
(خط) في ترجمة علي بن محمد الزهري من حديثه عن أبي يعلى عن شيبان عن سعيد عن عبد العزيز (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو يعلى الموصلي وعنه تلقاه الخطيب عازيا مصرحا فعزوه للفرع دون الأصل غير جيد ثم فيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في ذيل الضعفاء المتروكين وقال أبو حاتم: يرى القدر اضطر إليه الناس بآخره وسعيد بن سليم قال الذهبي: ضعفوه وفي الميزان علي بن محمد الزهري عن أبي يعلى كذبه الخطيب وغيره وضع على أبي يعلى خبرا متنه غسل الإناء إلى آخر ما هنا(4/402)
5767 - (غشيتكم السكرتان سكرة حب العيش وحب الجاه) أي حب ما يؤدي إلى الجاه (فعند ذلك لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر والقائمون بالكتاب والسنة) حالتئذ (كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار) هذا [ص:403] الحديث خرجه الحكيم الترمذي على غير هذا السياق ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله ثم تظهر فيكم السكرتان سكرة العيش وسكرة الجهل وستحولون إلى غير ذلك يفشو فيكم حب الدنيا فإذا كنتم كذلك لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ولم تجاهدوا في سبيل الله والقائمون اليوم بالكتاب والسنة في السر والعلانية السابقون الأولون
(حل) من حديث موسى بن أيوب عن إبراهيم بن شعيب الخولاني وابن أدهم عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال: غريب من حديث إبراهيم وهشام(4/402)
5768 - (غشيتكم الفتن) أي المحن أو البلايا (كقطع الليل المظلم أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة) أي جبل عال (يأكل من رسل غنمه أو رجل أخذ بعنان فرسه من وراء الدروب) أي الطرق جمع درب كفلوس وفلس وأصله المدخل بين جبلين ثم استعمل في معنى الباب فيقال لباب السكة السكة درب وللمدخل الضيق درب وليس أصله عربيا (يأكل من سيفه)
(ك) في الفتن (عن أبي هريرة) وقال: صحيح وأقره الذهبي(4/403)
5769 - (غضوا الأبصار) أي احفظوا الأعين عن النظر إلى ما لا يحل كامرأة أجنبية فإن النظر رائد الشهوة ورسولها وأصل حفظ الفرج فإن الحوادث مبدؤها من النظر فمن أطلق بصره أورده موارد الهلكان قال الغزالي: وفي غض الطرف تطهير القلب وتكثير للطاعة (واهجروا الدعار) أي الفساد والشر والخبث (واجتنبوا أعمال أهل النار) قال في الفردوس: أصل الدعر الفساد والشر والخبث يقال رجل داعر ورجال داعرون ودعار ودعرة <فائدة> في تذكرة العلم البلقيني حكى بعض الثقات عن نفسه قال: لازمت الذكر مدة حتى خطر لي أني تأهلت وسافرت فوافقت في سفري شابا نصرانيا جميلا فلما فارقته تألمت لفراقه فدخلت أخميم وأنا متألم فحضرت ميعاد ابن عبد الظاهر فنظر إلي وقال: ثم أناس يظنون أنهم الخواص وهم عوام العوام قال تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ومن للتبعيض ومعناه أن لا ترفع شيئا من بصرك إلى شيء من المعاصي
(طب عن الحكم بن عمير) الثمالي وفيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي قال في الميزان عن البخاري والنسائي: منكر الحديث وعن أبي حاتم: متروك ثم ساق له أخبارا هذا منها(4/403)
5770 - (غط فخذك) يا معمر ورأيت في أصول كثيرة غط عليك فخذيك (فإن الفخذ) بفتح فكسر أو فسكون ويكسر فسكون أو فكسر (عورة) سميت عورة لأنه يستقبح ظهرها وتغض الأبصار عنها فيحرم نظر الرجل إلى عورة رجل وهي ما بين سرته وركبته ولو من محرم ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة قال النووي: ذهب الأكثر إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية العورة السوأتان فقط وبه قال الظاهرية والاصطخري
(ك) في اللباس من حديث أبي كثير مولى محمد بن جحش (عن محمد بن عبد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدي قتل أبوه بمؤتة وله عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وعائشة وقال البخاري قتل أبوه يوم أحد قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فذكره. قال في المنار: في سنده اضطراب لكنه ليس بعلة عند الأكثر اه. وقد سبق وسيجيء أن البخاري أسنده في تاريخه الكبير من حديث محمد المذكور وعلقه في صحيحه فهذا بعض اضطرابه وقال ابن حجر: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير وقد روى عنه جمع ولم أجد فيه تصريحا بتعديل ومعمر هو معمر [ص:404] بن عبد الله بن نضلة العدوي(4/403)
5771 - (غط فخذك) وفي رواية للعيسوي في فوائده من حديث حرب بن قبيصة بن مخارق الهلالي عن أبيه عن جده مرفوعا وار فخذك (فإن فخذ الرجل من عورته) قاله وما قبله لما مر بمعمرا وجرهدا أو غيرهما وهو كاشف فخذه لا يناقضه كالحديث قبله خبر عائشة أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مضطجعا في بيته كاشفا فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو كذلك ثم عمر وهو كذلك ثم عثمان فجلس فسوى ثيابه وقال: ألا نستحي من رجل تستحي منه الملائكة لاحتمال أن المراد بكشف فخذه أنه كان مجردا عن الثوب الذي يخرج به للناس وليس عليه إلا ثوب مهنة وذلك هو اللائق بكمال حياته وقد استدل بهذا الحديث البخاري وغيره على أن الفخذ عورة واعترضه الإسماعيلي بأنه لا تصريح فيه بعدم الحائل ولا يقال الأصل عدمه
(حم ك) في اللباس (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في التنقيح: فيه ضعف(4/404)
5772 - (غطوا حرمة عورته) أي عورة الصبي (فإن حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير (ولا ينظر الله إلى كاشف عورته) قاله لما رفع إليه محمد بن عياض الزهري وهو صغير وعليه خرقة لم توار عورته فذكره واستدل به من ذهب من أئمتنا إلى حل نظر فرج الصبي الذي لم يميز والأصح عند الشافعية خلافه وأجابوا عن الحديث بأن ظاهر قوله رفع وكونها واقعة حال قولية والاحتمال يعمها يمنع حمله على التمييز
(ك) في المناقب (عن محمد بن عياض الزهري) قال: رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغري وعلي خرقة فذكره كذا استدركه على الشيخين وتعقبه الذهبي بأن إسناده مظلم ومتنه منكر ولم يذكروا محمد بن عياض في الصحابة(4/404)
5773 - (غطوا الإناء) أي استروه والتغطية الستر والأمر للندب سيما في الليل (وأوكئوا السقاء) مع ذكر اسم الله في هذه الخصلة وما قبلها وبعدها من الخصال فاسم الله هو السور الطويل العريض والحجاب الغليظ المنيع من كل سوء قال القرطبي: هذا الباب من الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية نحو {وأشهدوا إذا تبايعتم} وليس الأمر الذي قصد به الإيجاب وغايته أن يكون من باب الندب بل جعله جمع أصوليون قسما منفردا عن الوجوب والندب (فإن في السنة ليلة) قال الأعاجم في كانون الأول (ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط ولا سقاء لم يوك إلا وقع فيه من ذلك الوباء) بالقصر والمد الطاعون والمرض العام قال النووي: فيه جملة من أنواع الآداب الجامعة وجماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتحصل السلامة من الآفات الدنيوية والأخروية
(حم م) في الأشربة (عن جابر) بن عبد الله وفي رواية لمسلم أيضا يوما بدل ليلة(4/404)
5774 - (غطوا) وفي رواية لمسلم أكفئوا (الإناء وأوكئوا السقاء وأغلقوا الأبواب وأطفئوا السراج) أي أذهبوا نورها [ص:405] (فإن الشيطان) هو هنا للجنس أي الشياطين (لا يحل سقاء ولا يفتح بابا) أغلق مع ذكر الله عليه كما يوضحه الخبر المار في الهمزة حيث قال لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه (ولا يكشف إناء) كذلك قال ابن العربي هذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحدة وهو أن يكون الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة العجيبة ويتولج في المسام الضيقة فتعجزه الذكرى عن حل الغلق والوكاء وعن التولج من سائر الأبواب والمنافذ (فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض) ضبطه الأصمعي بضم الراء وأبو عبيدة بكسرها. قال القرطبي: والوجه الأول أي يجعل العود معروضا على فم الإناء (على إنائه عودا) أي بنصبه عليه بالعرض إن كان الإناء مربعا فإذا كان مستدير الفم فهو كله عرض هذا إن كان فيه شيء فإن كان فارغا كفاه على فمه (ويذكر اسم الله) عليه في هذا وما قبله فإنه الحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان (فليفعل) ولا يتركه (فإن الفويسقة) أي الفأرة سماها الفويسقة في معرض الذم لوجود معنى الفسق فيها وهو الخروج من شيء إلى غيره وذلك هنا إلى المذموم والأذى مذموم فمن يقع منه مذموم (تضرم على أهل البيت) وفي رواية على الناس (بيتهم) أي تحرقه سريعا وهو بضم التاء وسكون الضاد المعجمة وأضرم النار أوقدها والضرمة بالتحريك النار وقد أفاد ما تقرر آنفا أن ذكر الله يحول بين الشيطان وبين فعل هذه الأشياء وقضيته أنه يتمكن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله عليه وقد تردد ابن دقيق العيد في ذلك فقال: يحتمل أن يجعل قوله فإن الشيطان إلخ على عمومه ويحتمل تخصيصه بما ذكر اسم الله عليه ويحتمل أن يكون المنع من الله بأمر خارج عن جسمه قال: والحديث دل على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا رفعها ويحتمل كون التسمية عند الإغلاق ونحوه تطرده من البيت وعليه فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه وأخذ منه ندب غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في عموم الأبواب مجازا
(م هـ) في الأشربة (عن جابر) بن عبد الله(4/404)
5775 - (غفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء غير مصروف باعتبار القبيلة وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغرا (غفر الله لها) ذنب سرقة الحاج في الجاهلية وفيه إشعار بأن ما سلف منها مغفور (وأسلم سالمها الله) بفتح اللام من المسالمة وترك الحرب أي صالحها لدخولها في الإسلام اختيارا بغير حرب وقوله غفر الله وسالمها خبرين أريد بهما الدعاء أو هما خبران على بابهما ويؤيده قوله (وعصية) بمهملتين مصغرا وهم بطن من بني سليم (عصت الله ورسوله) بقتلهم القراء ببئر معونة ونقض العهد فلا يجوز حمله على الدعاء. فيه إظهار شكاية منهم فيستلزم الدعاء عليهم وما أحسن هذا الجناس وألذه على السمع وأعلقه بالقلب
(حم ق ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أبو قرصافة وسمرة وغيرهما(4/405)
5776 - (غفر الله لرجل ممن كان قبلكم) من الأمم السابقة (كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا قضى سهلا إذا اقتضى) قال ابن العربي: السهل والسمح ينظران من مشكاة واحدة ويجربان على سنن واحد ويتعلقان بمتعلق واحد وقوله ممن كان قبلكم كالحث لنا على امتثال ذلك لعل الله أن بغفر لنا وهذا الحديث قد تعلق به من جعل شرع من قبلنا شرع لنا لأنه تعالى ذكره لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرا ووعظا والحديث [ص:406] أصل في تكفير السيئات بالحسنات وتمسك به من فضل الغنى على الفقر قالوا: فإذا كان هذا الغفران في مجرد المساهلة فما بالك بمن تصدق وأطعم الجياع وكسى العراة؟
(حم ت هق عن جابر) ذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن وبه يعرف أن نسبة المصنف تحسينه للترمذي دون إمام الفن قصور والمحسن إنما هو قاضي الفن وحاكمه والترمذي ناقل(4/405)
5777 - (غفر الله عز وجل) خبر لا دعاء كما تفيده رواية أحمد عن أنس أن شجرة كانت على طريق الناس تؤذيهم فأتى رجل فعزلها فغفر له (لرجل أماط) أزال (غصن شوك عن الطريق) لئلا يؤذي الناس (ما تقدم من ذنبه وما تأخر) قال ابن العربي: هذا بأن تكون اعتدلت كفتا أعماله فلما وضعت في كفة الحسنات إماطته رجحت الكفة فكان ذلك علامة على المغفرة اه. ولا حاجة لذلك بل الكريم قد يجازي على القليل بالكثير ولهذا قال جمع عقب الحديث: إن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وفضل الله واسع وقال آخرون: هذا من مزيد كرم الله تعالى وتقدس حيث لم يضع عمل عامل وإن كان يسيرا فهو سبحانه يجازي العبد على إحسانه إلى نفسه والمخلوق إنما يجازي من أحسن إليه وأبلغ من ذلك أنه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به إلى نفسه وغيره وجازاه عليه بأضعاف مضاعفة لا نسبة لإحسان العبد إليها فهو المحسن بإعطاء الإحسان
(ابن زنجويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي(4/406)
5778 - (غفر) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي غفر الله (لامرأة) لم تسم (مومسة) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بضبطه (مرت بكلب على رأس ركي) بفتح الراي وكسر الكاف وشد التحتية بئر (يلهث) بمثلثة يخرج لسانه من شدة الظمأ (كاد يقتله العطش) لشدته وفي رواية يأكل الثرى من العطش أي التراب الندي (فنزعت خفها) من رجلها (فأوثقته) أي شدته (بخمارها) بكسر الخاء أي بغطاء رأسها والخمار ككتاب ما يغطى به الرأس (فنزعت) جذبت وقلعت (له من الماء) أي بالبئر فسقته (فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها للكلب على الوجه المشروح فإنه تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير إذا شاء فضلا منه. قال ابن العربي: وهذا الحديث يحتمل كونه قبل النهي عن قتل الكلاب وكونه بعده فإن كان قبله فليس بناسخ لأنه إنما أمر بقتل كلاب المدينة لا البوادي على أنه وإن وجب قتله يجب سقيه ولا يجمع عليه حر العطش والموت ألا ترى أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمر بقتل اليهود شكوا العطش فقال: لا تجمعوا عليهم حر السيف والعطش فسقوا واستدل به على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنها سقت الكلب من خفها ومنع باحتمال أن تكون صبته في شيء فسقته أو غسلت خفها بعد أو لم تلبسه على أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ولو قلنا به فمحله ما لم ينسخ <فائدة> قال شيخنا الشعراني: سقط على قلب زوجتي شيء فوصلت لحالة الموت فصاحت أهلها وإذا بقابل يقول وأنا بمجاز الخلاء خلص الذبابة من ضبع الذباب من الشق الذي تجاه وجهك ونحن نخلص لك زوجتك فوجدته عاضا عليها فخلصتها فخلصت زوجتي حالا
(خ) في بدء الخلق (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو كذلك من حيث اللفظ وأما بمعناه فرواه مسلم أيضا(4/406)
5779 - (غفر الله عز وجل لزيد بن عمرو) بن نفيل (ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم) الخليل ولم يعبد الأصنام وسبق [ص:407] أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى له في الجنة درجتين وقوله غفر الله إلخ يحتمل الخبر ويحتمل الدعاء
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعيد بن المسيب مرسلا)(4/406)
5780 - (غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق) قال القرطبي: شيئان لمسمى واحد كقوله {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ويحتمل أن المراد بالجفاء أن القلب لا يميل لموعظة ولا يجتمع لتذكرة والمراد بالغلظ أنها لا تفهم المراد ولا تعقل المعنى وفي خبر مر رأس الكفر نحو المشرق قال النووي: كان ذلك في عهده حين يخرج الدجال وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الترك الغاشمة العاتية (والإيمان والسكينة) أي الطمأنينة والسكون (في أهل الحجاز) لا يعارض خبر الإيمان يمان إذ ليس فيه النفي عن غيرهم ذكره ابن الصلاح
(حم م عن جابر) قال الهيثمي: وهو في الصحيح يعني صحيح البخاري باختصار أهل الحجاز(4/407)
5781 - (غنيمة أهل مجالس الذكر الجنة) أي غنيمة توصل للدرجات العلى في الجنة لما فيه من الثواب
(حم طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وإسناد أحمد حسن(4/407)
5782 - (غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال) قال أبو البقاء: ظاهر اللفظ يدل على أن غير الدجال هو المخاف وليس معنى الحديث هذا إنما معناه أني أخاف على أمتي من غير الدجال أكثر من خوفي منه فعليه يكون فيه تأويلان أحدهما أن غير مبتدأ وأخوف خبر مبتدأ محذوف أي غير الدجال أنا أخوف على أمتي منه الثاني أن يكون أخوف على النسب أي غير الدجال ذو خوف شديد على أمتي كما تقول فلانة طالق أي ذات طلاق قال وقوله (الأئمة المضلين) كذا وقع في هذه الرواية بالنصب والوجه أن تقديره من تعني بغير الدجال قال أعني الأئمة وإن جاء بالرفع كان تقديره الأئمة المضلون أخوف من الدجال أو غير الدجال الأئمة اه قال بعضهم: لما استعظم صحبه أمر الدجال وأشار به إلى أنه لم ينذرهم منه خوفا منه عليهم لأنهم لم يتخالجهم في الله شك إذ ليس كمثله شيء بل إيذانا بأن خروجه في زمن بأس وضيق وقال ابن العربي: هذا لا ينافي خبر لا فتنة أعظم من فتنة الدجال لأن قوله هنا غير الدجال إلخ إنما قاله لأصحابه لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال فالقريب المتيقن وقوعه لمن يخاف عليه يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به ولو كان أشد
(حم) وكذا الديلمي (عن أبي ذر) قال الحافظ العراقي: سنده جيد ورواه مسلم في آخر الصحيح بلفظ غير الدجال أخوفني عليكم ثم ذكر حديثا طويلا(4/407)
5783 - (غيرتان) تثنية غيرة وهي الحمية والأنفة (إحداهما يحبها الله والأخرى يبغضها الله ومخيلتان) تثنية مخيلة (إحداهما يحبها الله والأخرى يبغضها الله الغيرة في الريبة) أي عند قيام الريبة (يحبها الله والغيرة في غير الريبة) بل بمجرد سوء الظن (يبغضها الله) وهذه الغيرة تفسد المحبة وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه ومن الغيرة الفاسدة ما وقع لبعض الصوفية أنه قيل له: أتحب أن تراه قال: لا قيل: ولم قال: أنزه ذاك الجمال عن نظر مثلي وهذه شطحة مذمومة لا تعد من مناقب هذا القائل وإن جل فإن رؤيته تعالى أعلى نعيم الجنة وقد سألها من هو أعلى منزلة منه ومن غيره وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم (والمخيلة إذا تصدق الرجل يحبها الله) لأن الإنسان يهزه رائحة السخاء [ص:408] فيعطيها طيبة بها نفسه ولا يستكثر كثيرا ولا يعطي منها شيئا إلا وهو مستقل له (والمخيلة في الكبر يبغضها الله عز وجل) قال ابن حجر: وهذا الحديث ضابط الغيرة التي يلام صاحبها والتي لا يلام فيها قال: وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجل لضرورة امتناع اجتماع زوجين لامرأة لطريق الحل وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم كزنا أو نقص حق وجور عليها لضرة وتحققت ذلك أو ظهرت القرائن فهي غيرة مشروعة فلو وقع ذلك بمجرد توهم عن غير ريبة فهي الغيرة في غير ريبة وأما لو كان الزوج عادلا ووفى لكل من زوجتيه حقها فالغيرة منها إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم يتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل وعليه حمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك كعائشة وزينب وغيرهما
(حم طب ك) في الزكاة (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عبد الله بن زيد الأزرق وهو ثقة(4/407)
5784 - (غيروا) ندبا (الشيب) بنحو حناء أو كتم لا بسواد لحرمته (ولا تشبهوا) قال ابن بطال: بفتح أوله وأصله تتشبهوا فحذف إحدى التاءين ويجوز ضم أوله وكسر الموحدة والأول أظهر (باليهود) في ترك الخضاب فإنهم لا يخضبون فخالفوهم ندبا وقد دل الكتاب وجاء صريح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم وإذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى
(حم ن عن الزبير) بن العوام (ت) في اللباس (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع للترمذي لكن فيه عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال في الميزان: ضعفه ابن معين وشعبة ووثقه ابن حبان وقال النسائي: غير قوي وأبو حاتم: لا يحتج به ثم ساق هذا الخبر وأعاده في ترجمة يحيى بن أبي شيبة الرهاوي وقال: أجمعوا على ترك حديثه(4/408)
5785 - (غيروا الشيب) أي لونه ندبا قال الزين العراقي في شرح الترمذي: وصرفه عن الوجوب كون المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يختضب وكذا جمع من الصحابة انتهى وفيه نظر فما كان يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به (ولا تشبهوا باليهود والنصارى) أي فيما يتعلق بتغيير الشيب فيحتمل أن المراد أنهم لا يغيرونه أصلا وأنهم يغيرون بغير ما أذن فيه وهو الحناء والكتم والصفر قال الزين العراقي: والأولى أظهر بدليل خبر أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم لكن بدل للثاني حديث عمر عند الطبراني السواد خضاب الكافر لكن لا يلزم من نسبته للكافر دخول اليهود والنصارى فيه وفيه ندب مخالفة اليهود والنصارى مطلقا فإن العبرة بعموم اللفظ قال ابن تيمية: أمر بمخالفتهم وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرا مقصودا للشارع لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل القصد وإن كان الأمر بها في تغيير الشيب فقط فهو لأجل ما فيه من المخالفة فالمخالفة إما علة مفردة أو علة أخرى أو بعض علة وكيف كان يكون مأمورا بها مطلوبة من الشارع لأن الفعل المأمور إذا عبر عنه بلفظ مشتق من معنى أعم من ذلك الفعل فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرا مطلوبا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه مناسب للحكمة
(حم حب عن أبي هريرة) ورواه النسائي بدون قوله والنصارى(4/408)
5786 - (غيروا الشيب ولا تقربوا السواد) قال في الفردوس: يعني أبا قحافة أبا أبي بكر الصديق وذلك أنه جيء بأبي قحافة [ص:409] يوم الفتح وكان رأسه ولحيته ثغامة بيضاء فقال ذلك قال ابن حجر: يستحب الخضاب إلا إن كانت عادة أهل بلده ترك الصبغ فإن من يتفرد به عنهم يصير في مقام الشهرة فالترك أولى
(حم عن أنس) بن مالك قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى مسلم بلفظ وجنبوه بدل ولا تقربوه قال الديلمي: وفي الباب أسماء(4/408)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الغين](4/409)
5787 - (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله) أي قادمون عليه امتثالا لأمره (دعاهم) إلى الحج والغزو والاعتمار (فأجابوه وسألوه فأعطاهم) ما سألوه فيه ومقصود الحديث بيان أن الحاج حجا مبرورا لا ترد دعوته
(هـ حب عن ابن عمر) بن الخطاب(4/409)
5788 - (الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة) أي يكون ذلك نورا على وجوههم فيها
(حل عن أنس) ورواه عنه الطبراني والديلمي(4/409)
5789 - (الغدو والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله) أي مما يلحق به في الثواب أي فيه ثواب عظيم لما فيه من المجاهدة والمرادعة للنفس والشيطان ذكره ابن عساكر وغيره
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) فيه القاسم أبو عبد الرحمن وفيه خلاف ذكره الهيثمي(4/409)
5790 - (الغدو والرواح في تعليم العلم) أي الشرعي (أفضل عند الله من الجهاد في سبيل الله) ما لم يتعين الجهاد
(أبو مسعود الأصبهاني في معجمه وابن النجار) في تاريخه (فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى(4/409)
5791 - (الغرباء في الدنيا أربعة قرآن في جوف ظالم ومسجد في نادي قوم لا يصلى فيه ومصحف في بيت لا يقرأ فيه ورجل صالح مع قوم سوء) قال في الفردوس: النادي والندى مجتمع القوم ودار الندوة أخذت من ذلك لأنهم كانوا يجتمعون ويتحدثون فيها والمراد أن كل واحد منهم كالغريب النائي عن وطنه النازل في غير منزلته اللائقة به
(فر) وكذا ابن لال (عن أبي هريرة) وفيه عبد الله بن هارون الصوري قال الذهبي في الذيل: لا يعرف(4/409)
5792 - (الغرفة) أي في الجنة (من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم) بالفاء صدع ولا تكسر [ص:410] والفصم الكسر بلا إبانة وفي التنزيل {لا انفصام لها} (ولا وصم) أي عيب يقال ما في فلان وصمه أي عار ولا عيب (وإن أهل الجنة يتراءون) الغرفة منها (كما تتراءون الكوكب الدري الشرقي أو الغربي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما) بكسر العين كلمة مبالغة في المدح والمعنى لو فضل الرجال رجلا رجلا فضلهم أبو بكر وعمر
(الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد) الساعدي(4/409)
5793 - (الغريب إذا مرض فنظر عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه فلم ير أحدا يعرفه) ولا يعطف عليه (يغفر الله له ما تقدم من ذنبه) لأن المرض في الغربة من أعظم المصائب وأشد البلاء فجوزي عليه بالغفران والنجاة من النيران
(ابن النجار) في تاريخه وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال السخاوي بعد ما أورد هذا الخبر وما أشبهه: لا يصح شيء من ذلك(4/410)
5794 - (الغريق شهيد والحريق شهيد والغريب شهيد والملدوغ شهيد والمبطون شهيد ومن وقع عليه البيت فهو شهيد ومن يقع من فوق البيت فتدق رجله أو عنقه فيموت فهو شهيد ومن وقع عليه الصخرة فهو شهيد والغيرى على زوجها) غيرة غير مذمومة متجاوزة للحدود الشرعية وكذلك الأمة على سيدها (كالمجاهد في سبيل الله فلها أجر شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون أخيه) في الدين أي لدفع عنه والمراد أخوه في الإسلام وإن لم يكن أخوه في النسب (فهو شهيد ومن قتل دون جاره فهو شهيد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد) أي إذا أمر ظالما بمعروف أو نهاه عن منكر فقتله يكون شهيدا فهؤلاء كلهم شهداء في حكم الآخرة لا الدنيا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين(4/410)
5795 - (الغريق في سبيل الله شهيد) أي الغازي في البحر إذا غرق فيه فهو شهيد يعني هو من شهداء الآخرة
(تخ عن عقبة بن عامر)(4/410)
5796 - (الغزو خير لوديك) يا من قلنا له ألا تغزو فقال غرست وديا لي أي نخلا صغارا وأخاف أن تضيع فغزا الرجل ورجع فوجد وديه كأحسن الودى وأجوده
(فر عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى(4/410)
[ص:411] 5797 - (الغزو غزوان) قال القاضي: الغزو غزوان غزو على ما ينبغي وغزو على ما لا ينبغي فاختصر الكلام واستغنى بذكر الغزاة وعد أصنافها وشرح حالهم وبيان أحكامهم عن ذكر القسمين وشرح كل واحد منهما مفصلا (فأما من غزا ابتغاء وجه الله تعالى) أي طلبا للأجر الأخروي منه لا لأجل حظه من الغنيمة ولا ليقال فلان شجاع (وأطاع الإمام) أي في غزوه فأتى به على ما أمره (وأنفق الكريمة) أي الناقة العزيزة عليه المختارة عنده وقيل نفسه (وياسر الشريك) أي أخذ باليسر والسهولة مع الرفيق نفعا بالمعونة وكفاية للمؤونة (واجتنب الفساد في الأرض) بأن لم يتجاوز الحد المشروع في نحو قتل ونهب وتخريب (فإن نومه ونبهه) بفتح فسكون يقظته (أجر كله) أي ذو أجر وثواب والمراد أن من كان هذا شأنه فجميع حالاته من حركة وسكون ونوم ويقظة جالبة للثواب بمعنى أن كلا من ذلك أجر فقوله كله مبتدأ وأجر خبره ولا يصح جعل كله تأكيدا ذكره القاضي والطيبي (وأما من غزا فخرا ورياء) بالمد (وسمعة) بضم السين أي ليراه الناس ويسمعونه (وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف) أي الثواب وهو مأخوذ من كفاف الشيء وهو خياره أو من الرزق أي لم يرجع بخير أو بثواب يغنيه يوم القيامة أي لم يعد من الغزو رأسا برأس بحيث لا أجر ولا وزر بل عليه الوزر لأنه لم يغز
(حم ت ك هب عن معاذ) بن جبل قال الحاكم: صحيح وقال المناوي: فيه بقية وفيه ضعيف(4/411)
5798 - (الغسل يوم الجمعة سنة) أي غير واجب وهذا ما عليه جماهير السلف والخلف وحكاه الخطابي عن عامة الفقهاء وعياض عن أئمة الأمصار ونقل ابن عبد البر عليه الإجماع ونوزع
(طب حل عن ابن مسعود) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/411)
5799 - (الغسل واجب على كل مسلم في كل سبعة أيام) أي في كل سبعة أيام من يوم الجمعة كما فصح به في رواية ابن خزيمة والنسائي وبه احتج أبو ثور على أن الغسل لليوم (شعره وبشره) يعني أن كل من كان مسلما يلزمه عقلا أن يفعل ذلك وإلا لم يكن محافظا على اتباع السنة فهو واجب في تحقق الصفة على الكمال فتدبر
(طب عن ابن عباس)(4/411)
5800 - (الغسل يوم الجمعة واجب) في الأخلاق الكريمة وحسن المجالسة (على كل محتلم) أي بالغ وهو مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة المانعة من الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه إنزال كان واجبا للغسل سواء كان يوم الجمعة أو غيره (وأن يستن) أي يدلك أسنانه بالسواك وأن مصدرية أي والاستنان وهو الاستياك (وأن يمس) بفتح الميم على الأفصح (طيبا) أي أي طيب كان (إن وجد) الطيب أو السواك والطيب لكن تأكدهما دون تأكد الغسل إذ لم يقل أحد في أحدهما بالوجوب كما قيل فيه ولهذا أخذ الجمهور من عطفها عليه عدم وجوبه لأنهما حيث وقع الاتفاق على عدم وجوبهما فما عطفا عليه يكون غير واجب وظاهر الحديث أن الغسل مشروع للبالغ وإن لم يرد حضور الجمعة وظاهر خبر إذا جاء أحدكم أنه لمريدها ولو طفلا وبه أخذ الشافعية
(حم ق د [ص:412] عن أبي سعيد) الخدري(4/411)
5801 - (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم) لم يذكر في هذا الطريق لفظة واجب (والسواك) عليه أيضا قال ابن المنير: لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر بالملائكة وبني آدم (ويمس من الطيب ما قدر عليه) يحتمل أنه هو للتأكيد أي يفعل منه ما أمكن قال عياض: ويرجحه قوله (ولو من طيب المرأة) المكروه للرجال لظهور لونه وخفاء ريحه فإباحته للرجال لفقد غيره بدل للتأكيد (إلا أن يكثر) أي طيب المرأة فلا يفعل أفهم اقتصاره على المس الأخذ بالتخفيف وفيه تنبيه على الرفق وعلى تيسير الأمر في الطيب بأن يكون بأقل ما يمكن
<فائدة> حكى ابن العربي وغيره أن بعضهم قال: يجزئ عن الغسل للجمعة التطيب لأن القصد النظافة وعن بعضهم أنه لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بنحو ماء ورد ثم تعقبه بأنهم قوم وقفوا على المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعنى والجمع بين التعبد والمعنى أولى
(ن حب عن أبي سعيد) الخدري(4/412)
5802 - (الغسل من الغسل) أي الغسل لبدن الغاسل واجب من غسله لبدن الميت (والوضوء) واجب (من الحمل) أي من حمل الميت يفسره خبر من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وجرى على ذلك بعض الأئمة فأوجب الغسل على غاسل الميت والوضوء على حامله والأكثر على أن ذلك مندوب لا واجب فيأول الخبر بمعنى ما سبق
(الضياء) المقدسي (عن أبي سعيد)(4/412)
5803 - (الغسل صاع والوضوء مد) أي يسن أن يكون ماء الغسل صاعا وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وماء الوضوء مدا فإن نقص وأسبغ أجزأ وإن زاد كان إسرافا وهذا فيمن بدنه كبدن المصطفى صلى الله عليه وسلم نعومة ونحوها وإلا زيد ونقص لائق بالحال
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن القطان: ضعيف ولم يبين وجه ضعفه وبينه الهيثمي فقال: فيه الحكم بن نافع ضعفه أبو زرعة ووثقه ابن معين قال ابن القطان: ومعناه ورد من طريق صحيح عند ابن السكن(4/412)
5804 - (الغسل في هذه الأيام واجب) أي هو كالواجب في التأكد (يوم الجمعة ويوم الفطر) أي يوم عيده (ويوم النحر) أي عيده (ويوم عرفة) يعني هو في هذه الأيام متأكد الندب على وتيرة ما سبق
(فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن عبد الحميد قال الذهبي: قال أحمد كان يكذب جهارا(4/412)
5805 - (الغضب من الشيطان) لأنه ناشئ عن وسوسته وإغوائه فأسند إليه لذلك (والشيطان خلق من النار والماء يطفئ النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل) ظاهر الخبر أن الغضب عرض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام وفي خبر آخر ما يقتضي أنه عجن بطينة الإنسان فإذا نوزع في غرض من أغراضه اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه [ص:413] دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعالي البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين حتى يحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها
(ابن عساكر) وأبو نعيم عن أبي مسلم الخولاني (عن معاوية) قال: كلم معاوية بشيء وهو على المنبر فغضب فنزل فاغتسل ثم عاد إلى المنبر فذكره(4/412)
5806 - (الغفلة) التي هي غيبة الشيء عن البال (في ثلاث) من الخصال (عن ذكر الله) باللسان والقلب (وحين يصلي الصبح إلى طلوع الشمس) بان لا يشغل ذلك الزمن بشيء من الأوراد المأثورة والدعوات المشهورة عند الصباح (وغفلة الرجل عن نفسه في الدين) بفتح الدال (حتى يركبه) بأن يسترسل في الاستدانة حتى يتراكم عليه الديون فيعجز عن وفائها
(طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه خديج بن صومي وهو مستور وبقية رجاله ثقات انتهى وفيه عند البيهقي عبد الرحمن بن محمد المحاربي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة قال ابن معين: يروي عن المجهولين مناكير وعبد الرحمن الأفريقي ضعفه النسائي وغيره قال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا وخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة أيضا(4/413)
5807 - (الغل) بالكسر الحقد بدليل قرنه بقوله (والحسد يأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب) تحقيق لوجه التشبيه
(ابن صصري في أماليه عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين(4/413)
5808 - (الغلة بالضمان) هو كخبر الخراج بالضمان والغلة ما يحصل من زرع وتمر ونتاج وإجارة ولبن وصوف
(حم هق عن عائشة)(4/413)
5809 - (الغناء ينبت النفاق في القلب) ذهب بعضهم إلى أن لفظه الغنى بالقصر وأن المراد غنى المال الذي هو ضد الفقر وصوب بعض الحفاظ أنه بالمد وأن المراد به التغني ولذلك أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الملاهي واستدل لصحة هذا بأن مخرجه أخرجه أيضا من وجه آخر عن ابن مسعود موقوفا أن الغنى ينبت النفاق في القلب كما بنيت الماء البقل والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع فمقابلة الغناء بالذكر يدل على أن المراد به التغني (كما ينبت الماء البقل) أي هو سبب للنفاق ومنبعه وأسه وأصله وهذا تشبيه تمثيلي لأنه متبوع منتزع من عدة أمور متوهمة قال البغوي: الغناء رقية الزنا
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الملاهي عن ابن مسعود) ورواه ابن عدي عن أبي هريرة والديلمي عنه وعن أنس قال ابن القطان: وهو ضعيف وقال النووي: لا يصح وأقره الزركشي وقال العراقي: رفعه غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم(4/413)
5810 - (الغناء (1) ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) فيا لها من صفقة في غاية الخسران حيث باع سماع الخطاب [ص:414] من الرحمن بسماع المعازف والألحان والجلوس على منابر الدر والياقوت بالجلوس في مجالس الفسوق ومذهب الشافعي أنه مكروه تنزيها عند أمن الفتنة وأخذ جمع بظاهره فحرموا فعله واستماعه مطلقا قال ابن حجر: وزعم أن المراد بالغناء هنا غنى المال رد بأن الرواية إنما هي بالمد وغنى المال مقصور
(هب عن جابر) وفيه علي بن حماد قال الدارقطني: متروك وعبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلسا وإبراهيم ابن طهمان مختلف فيه
_________
(1) قال ابن حجر في النحفة ويكره الغناء بكسر أوله والمد بلا آلة وسماعه يعني استماعه لا مجرد سماعه بلا قصد لما صح عن ابن مسعود ومثله لا يقال من قبل الرأي فيكون في حكم المرفوع أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وقد جزم الشيخان في موضع بأنه معصية وينبغي حمله على ما فيه وصف نحو خمر أو تشبيب بأمرد أو أجنبية ونحو ذلك مما يحمل غالبا على معصية قال الأذرعي: أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم والنساء لتسكين صغارهم فلا شك في جوازه بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغب في خير كالحداء في الحج والغزو وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض الصحابة اه. ومما يحرم اتفاقا سماعه من أمرد أو أجنبية خشية فتنة وقضية قوله بلا آلة حرمته مع الآلة اه. ملخصا وقال ابن الملقن في العجالة ويكره الغناء بلا آلة وسماعه لقوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية(4/413)
5811 - (الغنى هو الإياس) أي القنوط (مما في أيدي الناس) أي ليس الغنى الحقيقي هو كثرة العرض والمال بل هو غنى النفس وقنعها بما قسم لها وقطع الآمال من الأموال التي بأيدي الناس والإعراض عنها بالقلب فيستغني بما حصل له لعلمه أنه لم يتغير وغنى النفس هو الاقتصار على ما يسد الخلة أو حصول الكمالات والتوكل على الرؤوف الغني أو كمال يمنع من ميل النفس وحرصها على الدنيا ولذتها حتى لا نفرق بين الحجر والذهب والمعنى أنه إذا يئس مما في أيدي الناس استغنى قلبه بالحق وسكنت نفسه إلى ضمانه وصار حرا عن التذلل لغيره ويحصل ذلك بصفاء توحيد قلبه بأن الخلق من ذروة العرش إلى منتهى تخوم العرش لا يستقلون بنفع ولا ضر إلا بإذنه تعالى وتسخيره
(حل والقضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما الغنى؟ فذكره وفيه أبو بكر إبراهيم بن زياد العجلي قال في اللسان: عن أبي حاتم مجهول والحديث الذي يرويه منكر ثم ساق هذا قال: مطين راويه عن إبراهيم قلت لإبراهيم: هذا رأيته في النوم فغضبت وقال: يقول لي هذا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: قال الأزدي إبراهيم متروك(4/414)
5812 - (الغنى) بالكسر والقصر ضد الفقر والمراد هنا غنى النفس (الإياس مما في أيدي الناس) أي قطع الطمع عما في أيديهم والقناعة والرضى بالمقسوم فهذا هو الغنى المحمود المعتبر (ومن مشى منكم إلى طمع من طمع الدنيا فليمش رويدا) أي شيئا برفق وتمهل وتأن فإنه لا يناله إلا ما قسم له فلا فائدة للكد
(العسكري في المواعظ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي باللفظ المذكور من هذا الوجه فاقتصار المصنف على العسكري تقصير أو قصور(4/414)
5813 - (الغنى الإياس مما في أيدي الناس وإياك والطمع) أي احذره واجتنبه (فإنه الفقر الحاضر) فإن الطامع كلما حصل على شيء طلب غيره وهلم جرا فنفسه فقيرة أبدا حتى يجذبه ملك الموت بخياشيمه ويقبض روحه من جسده وهو على تلك الحالة الخبيثة الرديئة من غير استعداد للموت ولا تأهب له
(العسكري) في المواعظ (عن ابن عباس)(4/414)
[ص:415] 5814 - (الغنم بركة) أي زيادة في النمو والخير ومنافع الغنم ظاهرة لا تكاد تحصى
(ع عن البراء) بن عازب رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عبد الله الرزاز وهو ثقة(4/415)
5815 - (الغنم بركة والإبل عز لأهلها والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وعبدك أخوك) في الدين (فأحسن إليه) بالقول والفعل والقيام بحقه (وان وجدته مغلوبا فأعنه) على ما كلفته من العمل ويحرم تكليفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام
(البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف اه وأورده في الميزان من حديث أبي هريرة باللفظ المزبور في ترجمة أرطاة بن الأشعث وقال: إنه هالك(4/415)
5816 - (الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها) جمع مربض كمجلس مأواها ليلا فلا تكره الصلاة فيه بخلاف الصلاة في عطن الإبل
(خط عن أبي هريرة) ورواه عنه الحاكم أيضا في التاريخ باللفظ المذكور وقال البيهقي: روي عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا والوقف أصح(4/415)
5817 - (الغنم أموال الأنبياء) أراد به أنها معظم أموال الأنبياء فنحو يحيى وعيسى الظاهر من قصصهما أنه لم يكن لهما أموال لا غنم ولا غيره
(فر عن أبي هريرة) وفيه موسى بن مطير قال الذهبي: قال غير واحد متروك الحديث(4/415)
5818 - (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) أي شبهها بجامع أن كلا منهما حصول نفع بلا جهد ومشقة والغنيمة الباردة ما حصل بلا حرب ولا مشقة
(ت) في الصوم (عن عامر بن مسعود) وهذا مرسل إذ عامر المذكور تابعي لا صحابي وهو والد إبراهيم القرشي كما بينه الترمذي نفسه فقال: مرسل وعامر لا صحبة له اه فعدم بيان المصنف لكونه مرسلا غير صواب(4/415)
5819 - (الغلام) أصله الشاب من الناس من الغلمة وهي شدة طلب النكاح وهيجان شهوته لكن المراد هنا المولود (مرتهن بعقيقته) أي هي لازمة له فيشبه في عدم انفكاكه منها بالرهن في يد مرتهنه يعني إذا لم يعق عنه فمات طفلا لا يشفع في أبويه كذا نقله الخطابي عن أحمد واستجوده وتعقب لأنه لا يقال لمن يشفع في غيره مرهون فالأولى أن يقال إن العقيقة سبب لانفكاكه من الشيطان الذي طعنه حال خروجه فهي تخليص له من حبس الشيطان له في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته فهي سنة مؤكدة عند الشافعي ومالك للحديث المذكور وهو حجة على أبي حنيفة في قوله إنها بدعة بل أخذ بظاهره الليث وجمع فأوجبوها وهي شاتان للذكر وشاة للأنثى عند الشافعي وعند مالك شاة للذكر كالأنثى (تذبح عنه) بالبناء للمفعول فأفاد أنه لا يتعين الذابح وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود وعند الحنابلة يتعين الأب إلا إن تعذر (يوم السابع) من يوم الولادة وهل يحسب يوم الولادة؟ وجهان رجح الرافعي الحسبان واختلف ترجيح النووي وتمسك به من قال بتأقيتها به وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وإنها تفوت بعده وهو قول مالك وعند الشافعية أن ذكر السابع للاختيار لا للتعيين ونقل الترمذي عن العلماء أنه يستحبون أن يذبح يوم السابع [ص:416] فإن لم يتهيأ فالرابع عشر فإن لم يتهيأ فالحادي والعشرون قال ابن حجر: ولم أره صريحا إلا للبوشنجي (ويسمى) فيه باسم حسن ومن لا يعق عنه لا تؤخر تسميته إلى السابع بل يسمى غداة ولادته كما اقتضاه صنيع البخاري وقال ابن حجر: إنه جمع لطيف قال: لكن قد اختلف في هذه اللفظة هل هي يسمي أو يدمي بالدال بدل السين؟ والأصح يسمي وحمل بعضهم قوله ويسمي على التسمية عند الذبح كما خرجه ابن أبي شيبة عن قتادة يسمي على العقيقة كما يسمي على الأضحية باسم الله عقيقة فلان (ويحلق رأسه) أي كله للنهي عن القزح ولا يطلى بدم العقيقة كما كانت الجاهلية تفعله واستمر زمنا في صدر الإسلام ثم نسخ وأمرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يجعلوا مكان الدم خلوقا ويتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة ولذلك كره الجمهور التدمية وإطلاقه حلق الرأس يشمل الأنثى لكن حكى الماوردي كراهة حلق رأسها وعن بعض الحنابلة تحلق واستدل بقوله يذبح ويسمي ويحلق بالواو وعلى عدم اشتراط الترتيب لكن خرج أبو الشيخ [ابن حبان] عن سمرة يذبح يوم سابعه ثم يحلق وفي تهذيب البغوي يستحب الذبح قبل الحلق وصححه في المجموع
(ت ك) من حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به عن الستة وليس كذلك فقد قال ابن حجر: رواه أحمد وأصحاب والسنن والحاكم والبيهقي عن سمرة وصححه الترمذي والحاكم وأحله بعضهم بأنه من رواية الحسن عن سمرة وهو مدلس لكن في البخاري أن الحسن سمع حديث العقيقة من سمرة قال أعني ابن حجر فكأنه نحى هذا(4/415)
5820 - (الغلام مرتهن بعقيقته) قال أحمد: محتبس عن الشفاعة لوالديه وتعقبه ابن القيم بأن شفاعة الولد في والده ليست بأولى من العكس وبأنه لا يقال لمن شفع لغيره إنه مرتهن بل المراد أن العقيقة تخليص له من الشيطان ومنعه من سعيه في مصالح آخرته (فأهريقوا عنه الدم) أمر من إهراق يهريق بسكون الهاء أهرياقا نحو استطاع يستطيع استطياعا وكأن الأصل أزاق فأبدلت الهمزة هاء ثم جعلت عوضا عن ذهاب حركة العين فصارت كأنها من نفس الكلمة ثم أدخل عليه الهمزة ذكره القاضي (وأميطوا) أزيلوا وزنا ومعنى (عنه الأذى) أي شعر رأسه وما عليه من قذر طاهر أو نجس ليخلف الشعر شعر أقوى منه ولأنه أنفع للرأس مع ما فيه من فتح مسام الرأس ليخرج البخار بسهولة وفيه تقوية حواسه والشافعي ندب ذبح شاتين عن الذكر إظهارا لشرفه وإبانة لمحله لذا فضل به على الأنثى كما فضله في الدية والإرث وغيرهما قالوا: وندب إماطة الأذى يعرفك أن ما اعتيد من لطخ رأس المولود بدم العقيقة غير جائز لأنه تنجس له بلا ضرورة وذلك من أكبر الأذى وقد جاء النهي عنه صريحا لأنه فعل الجاهلية
(هب عن سالم بن عامر) الضبي ظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه ولعله ذهول فقد عزاه في مسند الفردوس إلى عظيم الفن البخاري(4/416)
5821 - (الغلام) لفظ رواية مسلم إن الغلام (الذي قتله الخضر) وكان شابا ظريفا وضيء الوجه غير بالغ اسمه حنشور أو خنشور (طبع يوم طبع كافرا) أي جبل على الكفر وكتب في بطن أمه من الأشقياء ولا يعارضه خبر كل مولود يولد على الفطرة لأن المراد بالفطرة استعداد قبول الإسلام وذلك لا ينافي كونه شقيا في جبلته والمراد إن الله علم أنه لو بلغ كان كافرا لأنه كافر حالا إذ أبواه مؤمنان (و) لكنه (لو عاش) حتى بلغ (لأرهق أبويه) أي لحملهما حبه على اتباعه في كفره فكان ذلك (طغيانا) مجاوزا للحد في المعصية (وكفرا) جحودا للنعمة لا يقال كفره [ص:417] مآلا لا يبيح قتله حالا لأنا نقول جاز ذلك في شرعهم أو نقول هذا علم لدني قال تعالى {وعلمناه من لدنا علما} وله مشرب آخر غير معهود في الظاهر لا يليق إلا بأهل الكشف وهذا بناء على ما عليه الجمهور أن الغلام لم يكن بلغ وهو المعروف من اسم الغلام وذهب بعضهم إلى أنه كان بالغا وقال العرب تطلق الغلام على البالغ إذا كان قريبا منه توسعا قالت الأخيلية:
شفاها من الداء العضال الذي بها. . . غلام إذا هز القناة شفاها
وقال صفوان لحسان:
تلق ذباب السيف عني فإني. . . غلام إذا هوجيت لست بشاعر
قال القرطبي: والصحيح ما قاله الجمهور وأن المراد بطبع خلق قلبه على صفة قلب الكافر من القسوة والجهل ومحبة الفساد وضرر العباد ولما علم الله منه ذلك أمر الخضر بقتله فقتله من باب دفع الضرر كقتل الحيات والسباع العادية لا من باب القتل المترتب على التكليف ولا إشكال فيه على أصول أهل السنة فإنه تعالى الفعال لما يريد لا وجوب عليه وفيه بيان حكمة فعل الخضر فكأنه خرج مخرج الاعتذار عنه
(م د ت عن أبي) بن كعب ورواه عنه الطيالسي وغيره(4/416)
5822 - (الغيبة ذكرك) بلفظ أو كتابة أو رمز أو إشارة أو محاكاة (أخاك) في الدين في غيبته (بما) أي بالشيء الذي (يكره) لو بلغه في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو أهله أو خادمه أو ماله أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكره بلفظ أو إشارة أو رمز كما في الأذكار عن الحجة بل أو بالقلب قال: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم قال بعض من يدعي العلم أو بعض من ينسب للصلاح ونحو ذلك مما يفهم السامع المراد به ومنه قولهم عند ذكره الله يعافينا أو يتوب علينا أو نسأله السلامة فكل ذلك من الغيبة قال الغزالي: وإياك وغيبة القراء المرائين وهي أن تفهم المقصود من غير تصريح فتقول أصلحه الله وقد ساءني وغمني ما جرى عليه فنسأل الله أن يصلحنا وإياه فإن هذا جمع بين خبيثين الغيبة إذ به حصل التفهيم والآخر تزكية النفس والثناء عليها بالتحرج والصلاح وإن كان قصدك الدعاء له بالصلاح فادع له سرا وإن اغتممت له فعلامته أن لا تريد فضيحته فيحرم وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وعلم منه أن ذكره بما يكره غيبة وإن كان صدقا كما ذكره الغزالي
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) قضية تصرف المصنف أن هذا لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول بل رواه مسلم في البر والصلة ولفظه أتدرون ما الغيبة قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره ورواه الترمذي في البر والنسائي في التفسير فاقتصاره على أبي داود تقصير(4/417)
5823 - (الغيبة تنقض الوضوء والصلاة) تمسك بظاهره قوم من المتنسكين والعباد فأوجبوا الوضوء من النطق المحرم وبالغ بعضهم فقال: إذا خطر في القلب خاطر غير الله فهو حدث يتوضأ منه وهذا غلو لا يوافق عليه الجمهور والحديث عندهم خرج مخرج الزجر عن الغيبة
(تتمة) حكى في علم الهدى عن بعضهم أنه رأى سائلا عليه عباءة وبيده ركوة فقال: إني إنسان أقصد الورع ولا آكل إلا ما يلقيه الناس ربما آخذ قشرة شيء فربما سبقني النمل فهل علي شيء في تناوله قال: فقلت في نفسي ما على وجه الأرض من يتورع مثل هذا كالمنكر عليه فنظرت فإذا الرجل واقف على أرض من فضة صافية فقال لي: الغيبة حرام وغاب عن بصري
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي فإهمال المصنف للأصل واقتصاره على الفرع غير مرضي(4/417)
[ص:418] 5824 - (الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها راء مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما تكون ما بين الزوجين (من الإيمان) لأنها وإن تمازج فيها داعي الطبع وحق النفس بكونها مما يجدها المؤمن والكافر لكنها بالمؤمن أحق وهي له أوجب لأن فيها حفظ الرسوم الشرعية ذكره في المطامح (والبذاء من النفاق) كذا وقفت عليه في نسخ بالباء الموحدة لكن الذي أورده في النهاية المذاء بميم مكسورة يعني قيادة الرجل على أهله بأن يدخل الرجال عليهم ثم يخليهم يماذي بعضهم بعضا يقال أمذى الرجل وماذى إذا قاد على أهله وقيل هو المذاء بالفتح ثم وقفت على مسند البزار فرأيته بالميم وفيه تتمته وهي كما قال قلت: ما المذاء قال: الذي لا يغار اه. بنصه كأنه من اللين والرخاوة من أمذيت الشراب إذا أكثرت مزاجه فذهبت شدته وحدته ويروى المذال باللام وهو أن يقلق الرجل عن فراشه الذي يضاجع عليه حليلته ويتحول عنه ليفترشه غيره والماذل الذي يطيب نفسه عن الشيء يتركه ويسترخي عنه <تنبيه> قال الراغب: الغيرة ثوران الغضب حماية على الحرم وأكثر ما يراعى في النساء وجعل الله القوة الإنسانية سببا لصيانة المياه وحفظا للإنسان ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها وقد يستعمل ذلك في صيانة كل ما يلزم صيانته من السياسات الثلاث سياسة الرجل نفسه وسياسة الملك مدينته ولذلك قيل ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته بل ذبه عن كل مختص به وقال بعضهم: الغيرة إذا كانت في ميزان الاقتصاد حمدت بأن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن وتجسيس البواطن وقال ابن عربي: كن غيورا لله واحذر من الغيرة الطبيعية الحيوانية أن تستفزك وتلبس عليك نفسك بها والميزان أن الذي يغار لله إنما يغار لانتهاك محارمه على نفسه وعلى غيره فكما يغار على أمه أو حليلته أن يزني بها أحد يغار على أم غيره وحليلته أن يزني هو بها فمن زنى وادعى الغيرة في الدين أو المروءة فهو كاذب فلا يكون غيرته من الإيمان بل من الكفران ومن يكره شيئا لنفسه ولا يكرهه لغيره فليس بذي غيرة إيمانية وقال بعضهم: معنى الحديث أن الغيرة أساسها الإيمان لكن تكون الغيرة لله لا عليه وهي التي وقعت للشبلي لما أذن وقال أشهد أن لا إله إلا الله وعزتك لولا أمرتني بذكر محمد ما ذكرته معك ولعل هذا صدر منه قبل أن يعرف الله معرفة العارفين فإنه غار على الحق وذلك غير لائق إذ الحق رب كل مخلوق فلا يمكن اختصاصه به وحده فالغيرة المحمودة لا تكون إلا لله أو به أو لأجله لا عليه
(تتمة) ورد في حديث أن فتى جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا. فزجره أصحابه وهموا أن يبطشوا به فكفهم وقال: ادن فدنا منه فقال: يا هذا أتحب أن يزني أحد بأمك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن تزني بأمهاتهم قال: أتحب أن يزني أحد بامرأتك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن يزنى بزوجاتهم فقال الرجل: تبت إلى الله تعالى
(البزار) في مسنده (هب) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه قال البزار: تفرد به أبو مرحوم وهو عبد الرحيم ابن كروم قال أبو حاتم: مجهول وقال الهيثمي: فيه أبو مرحوم وثقه النسائي وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح(4/418)
5825 - (الغيلان سحرة الجن) قالوا: خلقها خلق إنسان ورجلاها رجلا حمار ورأى الغول جمع من الصحابة منهم عمر رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل الإسلام وضربه بسيفه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (مكائد الشيطان عن عبد الله بن عبيد بن عمير) بالتصغير (مرسلا) هو الليثي أبو الهاشم المكي عن ابن عباس وخلق وثقه أبو حاتم وغيره(4/418)
حرف الفاء(4/418)
5826 - (فاتحة الكتاب) سميت فاتحة لأنها فتح بها القرآن وفاتحة الشيء أوله. قال المولى الخسروي: والكتاب كالقرآن [ص:419] يطلق على الجزء والكل والمراد هنا الأول فمعنى فاتحة الكتاب أوله ثم صار علما بالغلبة على سورة الحمد وقد تطلق عليها الفاتحة وحدها فإما علم آخر بالغلبة أيضا واللام لازمة آو اختصار لعدم الإلباس واللام كالعوض عن المضاف إليه (شفاء من السم) قال الطيبي: ولعمري أنها كذلك لمن تدبر وتفكر وجرب. قال ابن القيم: إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسمائه تعالى ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به وتجنب ما نهى عنه والاستقامة عليه وتضمنها ذكر أوصاف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لجهله به مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع وحقيق بسورة هذا شأنها أن تشفي من السم ومن غيره
(ص هب عن أبي سعيد) الخدري (أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي(4/418)
5827 - (فاتحة الكتاب) قال العصام: سميت به لأن الله يفتح بها الكتاب على القارئ إذ فيها الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم الذي لأجله نزل الكتاب الكريم وبه يعرف وجه التسمية بسورة الكنز والكافية والوافية والشافية وأم الكتاب ولأمر ما صارت أول الكتاب اه. (شفاء من كل داء) من أدواء الجهل والمعاصي والأمراض الظاهرة لما حوته من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم وذلك من أعظم الأدوية الشافية الكافية قيل ومحل الرقية منها {إياك نعبد وإياك نستعين} لما فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع من أعلى الغايات وهي عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل ومن الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرها
(هب عن عبد الملك بن عمير مرسلا) هو الكوفي رأى عليا وسمع جريرا قال أبو حاتم: صالح الحديث ليس بالحافظ ثم إن فيه محمد بن منده الأصبهاني قال الذهبي: قال ابن أبي حاتم: لم يكن بصدوق(4/419)
5828 - (فاتحة الكتاب تعدل ثلثي القرآن) لاشتمالها على أكثر مقاصد القرآن من الحكمة العملية والنظرية باعتبار ما هو دعاء منها فالمشير إلى الحكمة العملية {الصراط المستقيم} والمشير إلى الحكمة النظرية ذكر السعداء وضدهم
<فائدة> قال ابن عربي: إذا قرأت الفاتحة فصل باسم الله الرحمن الرحيم بالحمد لله في نفس واحد من غير قطع فإني أقول بالله العظيم لقد حدثني أبو الحسن علي بن أبي الفتح الكفاري الطبيب بمدينة الموصل سنة أحد وست مئة وقال بالله العظيم لقد سمعت المبارك ابن أحمد المقرئ النيسابوري يقول بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر الفضل بن محمد الكاتب الهروي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر بن محمد الشاشي الشافعي من لفظه وقال بالله العظيم لقد حدثني عبد الله المعروف بأبي نصر السرخسي وقال بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن الفضل وقال بالله العظيم لقد حدثنا محمد بن علي بن يحيى الوراق الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد وقال بالله العظيم لقد حدثني موسى بن عيسى وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي وقال بالله العظيم لقد حدثني عمار بن موسى البرمكي وقال [ص:420] بالله العظيم لقد حدثني أنس بن مالك وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال بالله العظيم لقد حدثني جبريل وقال بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل وقال قال الله تعالى يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة: أشهد على أني قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت عنه السيئات ولا أحرق لسانه في النار وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار والفزع الأكبر ويلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين
(عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عباس)(4/419)
5829 - (فاتحة الكتاب أنزلت من كنز تحت العرش) لأن الله جمع نبأه العظيم فيها وكنزها تحت العرش ليظهرها في الختم عند تمام أمر الخلق وظهور بادئ الحمد بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه وتعالى يختم بما به بدأ ولم يظهرها قبل ذلك لأن ظهورها يذهب وهل الخلق ويمحو كفرهم. ذكره الحرالي
(ابن راهويه عن علي) أمير المؤمنين(4/420)
5830 - (فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرؤهما عبد في دار فيصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن) وفي كتاب الثواب لأبي الشيخ عن عطاء إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقضى إن شاء الله تعالى <تنبيه> قال حجة الإسلام: ورد في خبر إن آية الكرسي السيد والفاتحة وسر التخصيص أن جامع الأفضل ويسمى فاضلا والذي يجمع أنواعا أكثر يسمى أفضل فنون الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد وأما السؤد فعبارة عن رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه عن معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المتبوعة المقصودة التي يتبعها سائر المعارف واسم السيد بها أليق
(فر عن عمران بن حصين)(4/420)
5831 - (فاتحة القرآن تجزئ) أي تقضى وتنوب (ما لا يجزئ شيء من القرآن) قال القاضي: فيه وجوب القراءة في الصلاة فقال أحمد ومالك إنها سنة وأوجبها الباقون ثم اختلفوا في الواجب فقال الشافعي تتعين الفاتحة ولا يقوم غيرها مقامها لهذا الحديث ونحوه وقال أبو حنيفة يجب آية من القرآن أية آية منه (ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات) لاحتوائها على ما فيه من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وزيادتها بأسرار محجبة بين الأستار
<فائدة> قال ابن عربي: خدمت فاطمة بنت المثنى وكانت تقول أعطاني الله فاتحة الكتاب تخدمني فما شغلتني وكانت إذا قرأتها تنشئها في القراءة صورة مجسدة في الهواء الخارج من فيها بحروف الفاتحة حتى تقوم صورة مكملة فتقول يا فاتحة افعلي كذا وكذا فيكون كما قالت وأنا أعجب ممن عنده الفاتحة كيف يحتاج إلى غيرها وجاءتها امرأة تشتكي غيبة زوجها فقرأت الفاتحة ثم قالت يا فاتحة الكتاب تروحي إلى بلد كذا تأتي بزوجها فلم يلبث سوى مسافة الطريق
(فر عن أبي الدرداء) ورواه عنه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي(4/420)
5832 - (فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبدا) يريد إلى أن فارس تقاتل المسلمين مرة أو مرتين ثم يبطل ملكها [ص:421] ويزول فحذف الفعل لبيان معناه (والروم ذات القرون) جمع قرن (كلما هلك قرن خلفه قرن أهل صبر وأهله لآخر الدهر هم أصحابكم ما دام في العيش خير)
(الحارث) بن أبي أسامة (عن) عبد الله (ابن محيريز) بمهملة وراء وآخره زاي مصغرا هو ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي ثقة عابد من الطبقة الثالثة(4/420)
5833 - (فاطمة) ابنته (بضعة) بفتح أوله وحكى ضمه وكسره وسكون المعجمة والأشهر الفتح أي جزء (مني) كقطعة لحم مني (فمن أغضبها) بفعل لا يرضيها فقد (أغضبني) استدل به السهيلي على أن من سها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين قال ابن حجر: وفيه نظر قال الشريف السمهودي: ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه ومن ثم لما رأت أم الفضل في النوم أن بضعة منه وضعت في حجرها أولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تلد فاطمة غلاما فيوضع في حجرها فولدت الحسن فوضع في حجرها فكل من يشاهد الآن من ذريتها بضعة من تلك البضعة وإن تعددت الوسائط ومن تأمل ذلك انبعث من قلبه داعي الإجلال لهم وتجنب بغضهم على أي حال كانوا عليه اه. قال ابن حجر: وفيه تحريم أذى من يتأذى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بتأذيه فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتأذى به بشهادة هذا الخبر ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها من قبل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا {ولعذاب الآخرة أشد} اه
(خ) في المناقب (عن المسور) بن مخرمة(4/421)
5834 - (فاطمة بضعة) بفتح الباء على المشهور وفي رواية مضغة بميم مضمومة وبغين معجمة ذكره ابن حجر (مني يقبضني ما يقبضها) أي أكره ما تكرهه وانجمع مما تنجمع منه (ويبسطني ما يبسطها) أي يسرني ما يسرها (وإن الأنساب) كلها (تنقطع يوم القيامة) {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} (غير نسبي وسببي) النسب بالولادة والسبب بالزواج أصله من السبب وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ثم استعير لكل ما يوصل لأي شيء (وصهري) الفرق بينه وبين النسب أن النسب راجع لولادة قريبة لجهة الآباء والصهر من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج
<تنبيه> قال المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: في هذه الأخبار تحريم نكاح علي على فاطمة في حياتها حتى تأذن ويدل على ذلك قوله تعالى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} اه وقال غيره: أخذ من هذه الأخبار حرمة التزوج على بناته وممن جزم به الشيخ أبو علي السخي في شرح التلخيص فقال: يحرم التزويج على بنات النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤلف: ولعله يريد من ينسب إليه بالنبوة ويكون هذا دليله وقال ابن حجر في الفتح: لا يبعد أن يعد من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة لأنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدة فواحدة فلم يبق ممن تأنس به ممن يخفف عنها أمر الغيرة أحد
(حم ك عنه) أي عن المسور(4/421)
5835 - (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم) وفي رواية لأحمد والطبراني إلا ما كان من مريم (بنت عمران) فعلم أنها أفضل من عائشة لكونها بضعة منه وخالف فيه بعضهم قال السبكي الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة ولم يخف عنا الخلاف في ذلك ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل إلى هنا كلامه قال الشيخ شهاب الدين ابن [ص:422] حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون قال: فأفضلهن فاطمة فخديجة فعائشة وظاهر الأحاديث أفضليتها على أخواتها لكونه خصها بالبضعة منه دونهن ولتجرعها ألم فقده دونهن لموتهن في حياته بخلاف أمهن فإنها شاركتهن في ألم فقدها نعم ينبغي أن يلحق بها أخواتها في تفضلهن أيضا على أمهن بل نظر بعض الأئمة إلى ما فيهن من البضعة ففضلهن من هذه الحية أنه حصل لهن بها شرف عظيم فهو كتفضيل المصحف على كتب العلم وبه يعلم أن التفضيل لا ينحصر في زيادة الثواب إلى هنا كلام الشهاب. قال في المطامح: والتحقيق أن الفضيلة رتبة ذاتية فعائشة لها الفضيلة الرتبية لأنها رفيقته في الجنة وهو أعلى الخلق درجة فيها وفاطمة فضيلتها بالذات والاتصال وكذا سائر أولاده قال: وقد زل قدم البعض فقال إن فاطمة إنما شرفت بالمهدي الذي يخرج منها وهذا كفر لا غبار عليه وسمعت بعض شيوخنا يحكيه عن السهيلي عفا الله عنه وقد كفر وامتحن من أجلها فإنما قال ذلك من قلة الدين والاجتراء على الهوى والباطل اه. وقد اجترأ عفا الله عنه على السهيلي ونسب إليه ما لم يقله فإنه لم يقل إنها شرفت بالمهدي كما زعمه بل قال إن ذلك من جملة سؤددها وشتان ما بين التعبير وعبارة السهيلي في روضه عند كلامه على خبر إنها سيدة نساء أهل الجنة ما نصه قد دخل في هذا الحديث أمها وأخواتها وقد تكلم الناس في المعنى الذي سادت به غيرها دون أخواتها وأمها لأنهن متن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكن في صحيفته ومات سيد العالمين في حياتها فكان رزؤه في صحيفتها ومميزاتها وقد روى البزار عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال لها هي خير بناتي لأنها أصيبت بي ومن سؤددها أيضا أن المهدي المبشر به في آخر الزمان من ذريتها مخصوصة بذلك كله هذه عبارة بحروفها وليس فيها أنها إنما شرفت بالمهدي كما عزى إليه والتعصب يضيع العجائب وفي الفتاوى الظهيرية للحنفية أن فاطمة لم تحض قط ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلا تفوتها صلاة قال: ولذلك سميت بالزهراء وقد ذكره من صحبنا المحب الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وأورد فيه حديثين أنها حوراء آدمية طاهرة مطهرة لا تحيض ولا يرى لها دم في طمث ولا ولادة وفي الدلائل للبيهقي أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع يده على صدرها ورفع عنها الجوع فما جاعت بعد وفي مسند أحمد وغيره أنها لما احتضرت غسلت نفسها وأوصت أن لا يكشفها أحد فدفنها علي بغسلها ذلك وذكر العلم العراقي أن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتفاق
(تتمة) قال ابن حجر في الفتح: أقوى ما استدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن خبر إن فاطمة سيدة نساء العالمين إلا مريم وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات في حياتها فكان في صحيفتها قال: وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا في تفسيره الطبري عن فاطمة أنه ناجاها فبكت ثم ناجاها فضحكت فذكر الحديث في معارضة جبريل له القرآن مرتين وأنه قال: أحسب أني ميت في عامي هذا وأنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا فبكت فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت
(ك) في فضائل أهل البيت (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا عنه أحمد والطبراني قال ابن حجر: وإسناده حسن وإذا ثبت ففيه حجة لمن قال امرأة فرعون ليست بنبية(4/421)
5836 - (فاطمة أحب إلي منك) يا علي بن أبي طالب (وأنت أعز علي منها) وقوله (قاله لعلي) مدرج للبيان من الصحابي أو من المصنف
(طس عن أبي هريرة) قال: قال علي يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟ فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/422)
5837 - (فتح) بالبناء للمفعول وفي رواية للبخاري فتح الله (اليوم) نصب على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) من سدهم الذي بناه ذو القرنين (مثل) بالرفع مفعول ناب عن فاعله (هذه) أي الحلقة القصيرة [ص:423] (وعقد بيده تسعين) بأن جعل طرف سبابته اليمنى في أصل الإبهام وضمها محكما بحيث انطوت عقدة إبهامها حتى صارت كالحية المطوقة واختلف في العاقد ورجح بعضهم أن العقد مدرج وليس من الحديث وإنما الرواة عبروا عن الإشارة مثل هذه بذلك والمراد بالتمثيل التقريب لا التحديد وقد قيل إنهم يحفرون في كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوه إلا قليلا فيقولون غدا نأتي فيأتون إليه فيجدونه عاد كما كان فإذا جاء الوقت قالوا: عند المساء غدا إن شاء الله فإذا أتوا ونقبوه خرجوا <تنبيه> قال ابن العربي: الإشارة المذكورة تدل على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعلم عدد الحساب وليس فيه ما يعارض حديث إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب فإن هذا إنما جاء لبيان صورة معينة قال ابن حجر: والأولى أن يقال أراد بنفي الحساب ما يتعاناه أهل صناعته من الجمع والضرب والتكعيب وغير ذلك وأما عقد الحساب فاصطلاح تواضعه العرب بينهم استغناء به عن اللفظ وأكثر استعمالهم له عند المساومة سترا عمن حضر فشبه المصطفى صلى الله عليه وسلم قدر ما فتح بصفة معروفة بينهم
(حم ق عن أبي هريرة) وخرجاه أيضا عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم إلخ(4/422)
5838 - (فتح الله بابا للتوبة من المغرب عرضه مسيرة سبعين عاما لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه) أي من جهته ومر شرح ذلك مفصلا بما منه أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد فلا تغفل
(تخ عن صفوان بن عسال) المرادي صحابي له اثنا عشرة غزوة(4/423)
5839 - (فتنة الرجل) أي ضلاله ومعصيته أو ما يعرض له من الشر ويدخل عليه من المكروه (في أهله) مما يعرض له معهم من نحو هم وحزن أو شغله بهم عن كثير من الخير وتفريطه فيما يلزمه من القيام بحقهم وتأديبهم وتعليمهم (وماله) بأن يأخذه من غير حله ويصرفه في غير حله ووجهه أو بأن يشغله لفرط محبته له عن كثير من الخيرات (و) فتنته في (نفسه) بالركون إلى شهواتها ونحو ذلك (و) فتنته في (ولده) بفرط محبته والشغل به عن المطلوبات الشرعية (و) في (جاره) بنحو حسد وفخر ومزاحمة في حق وإهمال في تعهد ونبه بالأربع على ما سواها (يكفرها) أي الفتنة المتصلة بما ذكر (الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لأن الحسنات يذهبن السيئات ونبه به على ما عداها فنبه بالصلاة والصوم على العبادة الفعلية وبالصدقة على المالية وبالأمر والنهي على القولية وهي أصول المكفرات والمراد الصغائر فقط لخبر الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر يحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما بعدها يكفر المذكورات كلها لا كل واحد منهما وأن يكون من الكفر والشرك بأن تكفر الصلاة فتنة الأهل وهكذا إلخ وخص الرجل لأنه غالبا صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم
(ق ت هـ عن حذيفة) بن اليمان سببه أن عمر قال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة فقال حذيفة: أنا أحفظه كما قال قال: إنك عليه لجريء فكيف قال قال: فتنة الرجل إلخ قال: ليس هذه أريد ولكني أريد التي تموج كموج البحر قال: قلت ليس عليك فيها بأس بينك وبينها باب مغلق قال فيكسر الباب أو يفتح قال: قلت لا بل يكسر قال: فإنه إذا كسر لم يغلق أبدا قال: قلت أجل فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق: سله فسأله فقال: عمر قال: قلنا يعلم عمر من يعني قال: نعم كما كان دون غد ليلته وذلك أني أحدثه حديثا ليس بالأغاليط انتهى(4/423)
[ص:424] 5840 - (فتنة القبر في) أي فتنة القبر تكون في السؤال عن النبوة المحمدية فمن أجاب حين يسأل بأنه عبد الله ورسوله وأنه آمن به وصدقه نجا ومن تلعثم أو قال سمعت الناس يقولون شيئا فقلته عذب (فإذا سئلتم عني) في القبر (فلا تشكوا) أي لا تأتوا بالجواب على الشك والتردد بل اجزموا بذلك لتحصل لكم النجاة
(ك عن عائشة)(4/424)
5841 - (فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان) وهما غير سيحون وجيحون فإنه لم يرد أنهما من الجنة إلا في خبر ضعيف رواه الواحدي وأما سيحان وجيحان ففي مسلم ولا يكره استعمال مياه هذه الأربعة في الحدث والخبث. وإن كانت من الجنة لأن المنع منها تضييق والفرات نهر عظيم مشهور يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بالكوفة ثم بالحلة ثم يلتقي مع دجلة
(حم عن أبي هريرة) ورواه ابن منيع والحارث والديلمي رمز المصنف لصحته(4/424)
5842 - (فجور المرأة الفاجرة) أي المنبعثة في المعاصي (كفجور ألف) رجل (فاجر) في الإثم أو في الفساد والإضرار بالناس (وبر المرأة) أي عملها في وجوه الخير وتحليها بصنوف الديانات (كعمل سبعين صديقا) أي يضاعف لها ثواب عملها حتى يبلغ ثواب عمل سبعين صديقا
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حبان (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم والديلمي(4/424)
5843 - (فخذ المرء المسلم من عورته) لأن ما بين السرة والركبة عورة وهذا منه
(طب عن جرهد) ورواه الحاكم والديلمي عن ابن عباس بلفظ فخذ الرجل عورة(4/424)
5844 - (فراش للرجل وفراش لامرأته) قال الطيبي: فراش مبتدأ مخصصه محذوف يدل عليه قوله (والثالث للضيف) أي فراش واحد كاف للرجل وهكذا (والرابع للشيطان) لأنه زائد على الحاجة وسرف واتخاذه مماثل لعرض الدنيا وزخارفها فهو للمباهاة والاختيال والكبر وذلك مذموم وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويحث عليه فكأنه له أو هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت عليه ويقيل وفيه جواز اتخاذ الإنسان من الفرش والآلات ما يحتاجه ويترفه به قال القرطبي: وهذا الحديث إنما جاء مبينا لعائشة ما يجوز للإنسان أن يتوسع فيه ويترفه به من الفرش لا أن الأفضل أن يكون له فراش يختص به ولامرأته فراش فقد كان المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس له إلا فراش واحد في بيت عائشة وكان عنده فراشا ينامان عليه ويجلسان عليه نهارا وأما فراش الضيف فيتعين للمضيف إعداده لأنه من إكرامه والقيام بحقه ولأنه لا يتأتى له شرط الاضطجاع ولا النوم معه وأهله على فراش واحد ومقصود الحديث أن الرجل إذا أراد أن يتوسع في الفرش فغايته ثلاث والرابع لا يحتاجه فهو سرف وفقه الحديث ترك الإكثار من الآلات والأشياء المباحة والترفه بها وأن يقتصر على حاجته ونسبة الرابع للشيطان ذم له لكنه لا يدل على التحريم فكذا الفرش قيل وفيه أنه لا يلزمه المبيت مع زوجته بفراش ورد بأن النوم معها وإن لم يجب لكن علم من أدلة أخرى أنه أولى حيث لا عذر لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم
(حم م) في اللباس (د ن عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري(4/424)
5845 -[ص:425] (فرج) بالفاء للمفعول لتعظيم الفاعل أي فتح بمعنى شق (سقف) لفظ رواية البخاري عن سقف (بيتي) أضافه إليه لسكناه به وكان ملك أم هانئ فلذلك أضيف إليها في رواية باعتبار ملك البقعة ولا يعارضه رواية أنه كان بالحطيم لأنه فرج به من البيت إلى الحطيم وحكمة التعبير بالانفراج أن الملك انصب عليه من السماء انصبابة واحدة وفيه أيضا تمهيد بما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه كيفية ما سيفعل به لطفا به وتثبيتا له كذا قرره ابن حجر وفيه نظر لما أن الشق كان وقع من قبل أيضا (وأنا بمكة) جملة حالية دفع به توهم أنه كان بغيرها (فنزل جبريل) فانطلق به من البيت إلى الحجر ومنه كان الإسراء فلا يعارضه رواية إن الإسراء كان من المسجد ودخل من السقف لا الباب لكونه أوقع صدقا في القلب وأبلغ في المفاجأة وتنبيها على وقوع الطلب بغير موعد (ففرج) بفتح الفاء والراء والجيم أي شق (صدري) ما بين النحر إلى اللبة كما في رواية وقد شق صدره وهو صغير في بني سعد لينشأ على أكمل الأحوال ثم عند التكليف وهو ابن نحو اثني عشر لئلا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال ثم عند البعث ليتلقى ما يلقى إليه بقلب قوي ثم عند إرادة العروج وهو الذي الكلام فيه ليتأهب للمناجاة وهل شق صدره من خصائصه؟ خلاف (ثم غسله) ليصفو ويزداد قابلية لإدراك ما عجز القلب عن معرفته وكان غسله (بماء زمزم) لكون أصله من الجنة فيقوى على مشاهدة الملكوت الأعلى ومن خواصه أنه يقوي القلب ويسكن الروع وأخذ منه البلقيني أنه أفضل من الكوثر (ثم جاء) أي جبريل (بطست) بفتح أو كسر فسكون السين مهملة والمعجمة لغة لم يقف عليها من جعلها من لحن العامة وخصه دون بقية الأواني لأنه آلة الغسل عرفا وكان (من ذهب) لأنه أعلى أواني الجنة ولسرور القلب برؤيته وصفرته {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين} ولأن الطبائع الأربع فيه على السواء ولأنه أثقل الأشياء فهو موافق لثقل الوحي ولأن الأرض وكذا النار لا تأكله ولا تغيره كالقرآن وهذا قبل تحريم الذهب لأنه إنما حرم بالمدينة مع أنه فعل الملائكة ولا يلزم كونهم مثلنا في تحريم استعمال النقد كذا قالوه قال ابن جماعة: وأحسن منه أن يقال هذه من آنية الجنة فلا يحرم استعمالها لأنها خلقت للإباحة مطلقا (ممتلئ) صفة لطست وذكره على معنى الإناء لا على الطست لأنها مؤنثة (حكمة) أي علما تاما بالأشياء أو فقها أو قضاء أو عدلا (وإيمانا) تصديقا أو كمالا استعد به لخلافة الحق فالعطف يقرب من التأكيد والتتميم والملء مجاز عن عدم سعته لشيء آخر أو عن شدة الكثرة (فأفرغها) أي الطست والمراد ما فيها وجعل الضمير للحكمة ضعفه النووي بأنه يصير إفراغ الإيمان مسكوتا عنه (في صدري) صبها في قلبي (ثم أطبقه) غطاه وجعله مطبقا وختم عليه حتى لا يجد عدوه إليه سبيلا (ثم أخذ) جبريل (بيدي) أي أقامني وانطلق (فعرج) بالفتح أي جبريل (بي) أي صعد وفي رواية به على الالتفات (إلى السماء الدنيا) أي القربى منا وهي التي تلينا وننظرها ويقال لها الرفيع وفي خبر أحمد إنها موج مكفوف ولم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس إما اختصارا من الراوي أو لأن هذه قصة أخرى ليس فيها إسراء بناء على تعدد المعراج (فلما جئنا إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح) أي بابها وهذا يفيد أنه كان مغلقا وحكمته إظهار أنه لم يفتح إلا له بخلاف ما لو وجده مفتوحا وفيه دليل على أن المعراج كان ببدنه وإلا لما استفتح (قال) الخازن (من هذا) الذي قال افتح (قال هذا جبريل) ولم يقل أنا لأن قائلها يقع في العنا (قال هل معك أحد قال نعم معي محمد) فيه إشارة إلى أنه إنما استفتح لكونه مع إنسان ولو انفرد لما طلب الفتح وإلى أن السماء محروسة لا يدخلها أحد
[ص:426] إلا بإذن (قال فأرسل إليه) أي هل أرسل إليه للعروج رسولا والقول بأن معناه هل صار رسولا غير ظاهر لأن أمر نبوته ظاهر لا يخفى على الملائكة (قال نعم ففتح فلما) أي فتح لنا (فلما علونا السماء الدنيا فإذا) للمفاجأة وكذا أخواتها (رجل عن يمينه أسودة) قال الزمخشري: جمع سواد وهو الشخص والمراد هنا جماعة من بني آدم (وعن يساره أسودة) أشخاص أيضا (فإذا نظر قبل يمينه ضحك) سرورا وفرحا (وإذا نظر قبل شماله بكى) حزنا وغما (فقال) أي فسلمت عليه فقال (مرحبا) أي لقيت رحبا وسعة فاستأنس ولا تستوحش كلمة تقال لتؤنس القادم قال التوربشتي: مر وسلم على الأنبياء وإن كان أفضلهم لأنهم كانوا غائبين عنه وكان في حكم القائم وهم في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد (بالنبي الصالح والابن الصالح) اقتصر هو ومن يجيء على الصلاح لأنه صفة تشمل كمال الخير ولذا كررها كل منهم عند كل صفة والصالح القائم بما لزمه من حقوق الحق والخلق ونص على نبوته افتخارا به وخاطبوه بها لا بالرسالة مع كونها أشرف لأن معه جبريل وهو موصوف بالرسالة فلو قيل مرحبا بالرسول ربما التبس (قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم) أبو البشر (وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه) أي أرواحهم والنسم بفتح النون والسين مهملة جمع نسمة بفتحها وروي بشين معجمة والأول أصح (فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى) ولا يلزم من ذلك أن تكون أرواح الكفار في السماء لأن الجنة في جهته عن يمينه والنار في شماله فالرائي في السماء والمرئي في غيرها (ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح فلما مررت بإدريس) فيها (قال) لي (مرحبا) قال القاضي: من رحب رحبا بالضم إذا وسع وهو من المفاعيل المنصوبة لعامل مضمر لازم إضماره والمعنى أتيت رحبا وسعة (بالنبي الصالح والأخ الصالح) ذكر الأخ تلطفا وتواضعا إذ الأنبياء إخوة والمسلمون إخوة ولم يقل الابن لأنه ليس من ذريته (قلت) لجبريل (من هذا) المرحب (قال هذا إدريس) النبي وقضيته أن إدريس في الثانية وليس مرادا إذ ثم لترتيب الأخبار لا للواقع وكذا يقال في ذكر موسى قبل عيسى على أن هذه الرواية شاذة مخالفة للروايات الصحيحة (ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هذا قال هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا قال هذا عيسى ابن مريم) ثم هنا للترتيب الإخباري لا الزماني إلا إن قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على أن المرور بعيسى قبل موسى (ثم مررت بإبراهيم) الخليل (فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت من هذا قال هذا إبراهيم) الخليل ورؤيته كل نبي في السماء يدل على تفاوت رتبهم
[ص:427] وعبوره على جميعهم يدل على أنه أعلاهم رتبة والمرئي أرواحهم لا أجسادهم إلا عيسى فشخصه (ثم عرج بي حتى ظهرت) أي ارتفعت (بمستوى) بفتح الواو موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد (أسمع فيه صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة صريرها على اللوح حال كتابتها في تصاريف الأقدار (ففرض الله عز وجل على أمتي) أي وعلي وهذا بمعنى أوجب فسقط ما قيل النسخ لا يدخل الأخبار (خمسين صلاة) في رواية في كل يوم وليلة قيل كانت كل صلاة ركعتين (فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) في رواية ونعم الصاحب كان صاحبكم (فقال موسى ماذا فرض ربك على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال موسى فراجع ربك) في رواية فارجع إلى ربك أي إلى المحل الذي ناجيته فيه واعتنى موسى بذلك دون غيره لأنه لما قال يا رب اجعلني من أمة محمد لما رأى كرامتهم على ربهم اعتنى بهم كما يعتني بالقوم من هو منهم (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فوضع شطرها) يعني نصفها فقد حققت رواية ثابتة أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة فتحمل بقية الروايات عليها (فرجعت إلى موسى فأخبرته) بذلك (فقال راجع ربك) أي إلى محل المناجاة (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال هن خمس) عددا (وهي خمسون) ثوابا (لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحيت من ربي) تقديره حتى استحيت فلا أرجع فإن رجعت كنت غير راض ولا مسلم ولكني أرضى وأسلم أمري وأمرهم إلى الله تفرس من كون التخفيف وقع خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد كان سائلا في رفعها مع ما فهم من الالتزام في الأخير بقوله هي خمس إلخ (ثم انطلق بي) أي جبريل ولم يقل عرج إشعارا بأنه لا عروج من السابعة (حتى انتهى إلى سدرة المنتهى) أي إلى حيث تنتهي إليه أعمال العباد أو نفوس السائحين في الملأ الأعلى فيجتمعون فيه اجتماع الناس في أنديتهم أو إليه ينتهي علم الخلائق من الملائكة والرسل وأرباب النظر والاعتبار وما ورائه غيب لا يطلع عليه غيره تعالى ذكره كله القاضي. وقال غيره: سدرة المنتهى شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش من عجائب المخلوقات وبدائع المصنوعات ينتهي إليها علم الخلائق لا يتعداها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا يعارض ذا أنها في السادسة إذ أن المراد أن أصلها وأسها فيها وأغصانها وفروعها في السابعة (ففيها ألوان لا أدري ما هي) في رواية فلا يستطيع أحد أن ينعتها من حسنها (ثم أدخلت الجنة) أي والنار أيضا كما في رواية صحيحة لم يذكرها هنا اختصارا وزاد في الرواية وهي جنة المأوى ودار الإقامة. قال ابن العربي: وهي خارجة عن أقطار السماوات والأرض. وقال ابن عبد السلام: فيه أن سدرة المنتهى ليست في الجنة (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم فنون وكسر الموحدة جمع جنبذ بضم أوله وثالثه ما ارتفع واستدار كالقبة فارسي معرب ووقع في صحيح البخاري حبائل اللؤلؤ (وإذا ترابها المسك) وفيه عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وجواز النسخ في الإنشاءات قبل الفعل وأن الجنة موجودة والترحيب عند اللقاء والاستشفاع والمراجعة والحياء من تكثير الحوائج وأن الجنة في السماء وأن للسماء أبوابا وحفظة وأن النبي صلى الله عليه وسلم من نسل إبراهيم ومدح الإنسان في وجهه عند الأمن من نحو عجب وغير [ص:428] ذلك مما أفرد بالتأليف
(ق عن أبي ذر) بتشديد الراء (إلا قوله ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام فإنه عن ابن عباس وأبي حبة البدري) الأنصاري وهو بحاء مهملة مفتوحة وباء موحدة وذكره القابسي بمثناة تحتية وغلط وقال الواقدي: بالنون واسمه مالك بن عمرو بن ثابت قال: وليس ممن شهد بدرا أحد يكنى بأبي حبة بالباء وإنما أبو حنة من غزية من بني النجار قتل باليمامة ولم يشهد بدرا والأول قاله عبد الله بن عمارة الأنصاري قال الزركشي: وهو أعلم الأنصار(4/425)
5846 - (فرخ الزنا) بخاء معجمة بضبط المصنف وفي بعض النسخ فرج بالجيم وهو تصحيف (لا يدخل الجنة) مطلقا إن استحل أو مع السابقين الأولين إن لم يستحل وذلك لأنه يتعذر عليه اكتساب الفضائل الحسنة ويتيسر له رذائل الأخلاق. ذكره الطيبي وهذا وعيد شديد وتحذير عظيم على الإصرار عليه لئلا يكون قد باع أبكارا عربا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات مسافحات أو متخذات أخدان وحورا مقصورات في الخيام بعاهرات مسبيات بين الأنام
<تنبيه> قال ابن الجوزي: هذا الحديث ونحوه أحاديث مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} اه. قال الرافعي في تاريخ قزوين: رأيت بخط الإمام الطالفاني سألني بعض الفقهاء في المدرسة النظامية ببغداد في سنة ست وسبعين وخمس مئة عما ورد في خبر إن ولد الزنا لا يدخل الجنة وهناك جمع من الفقهاء فقال بعضهم: هذا لا يصح {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وذكر أن بعضهم قال في معناه: إنه إذا عمل عمل أصليه وارتكب الفاحشة لا يدخلها وزيفه بأن هذا لا يختص بولد الزنا ثم فتح الله علي جوابا شافيا لا أدري هل سبقت له أم لا؟ فقلت: معناه لا يدخل الجنة بعمل أصليه بخلاف ولد الرشد فإنه إذا مات طفلا وأبواه مؤمنان ألحق بهما وبلغ درجتهما بصلاحهما على ما قال تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} وولد الزنا لا يدخل بعمل أصليه أما الزاني فنسبه منقطع وأما الزانية فشؤم زناها وإن صلحت يمنع وصول بركة صلاحها إليه اه. بنصه
(عد) عن حمزة بن داود الثقفي عن محمد بن زنبور عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل عن أبي صالح السمان عن أبيه (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: موضوع اه. وسهيل بن صالح السمان قال يحيى: حديثه ليس بحجة وقال أبو حاتم: يكتب ولا يحتج به(4/428)
5847 - (فرغ الله عز وجل إلى كل عبد) أي انتهى تقديره في الأزل من تلك الأمور إلى تدبير الأمر بإبدائها أو إلى بمعنى اللام (من خمس) متعلق بفرغ (من أجله) أي عمره (ورزقه وأثره) بفتح المثلثة هي أثر مشيه في الأرض لقوله تعالى {ونكتب ما قدموا وآثارهم} (ومضجعه) بفتح الجيم يعني سكونه وحركته ومحل موته ومدفنه ومن ثم جمع بينهما ليشمل جميع أحواله من الحركات والسكنات (وشقي) هو (أو سعيد) فالسعادة أو الشقاوة من الكليات التي لا تقبل التغيير قال أبو البقاء: وشقي أم سعيد لا يجوز فيه إلا الرفع على تقدير وهو ولو جر عطفا على ما قبله لم يجز لأنه لو قلت فرغ من شقي أم سعيد لم يكن له معنى اه. وقال الغزالي: معنى الفراغ من ذلك أنه سبحانه لما قسم العباد قسمين وقدر لكل قسم ما ذكر وقدر أحدهما على اليقين أن يكون من أهل الجنة والآخر من أهل النار وعينهم تعيينا لا يقبل التغيير والتبديل فقد فرغ من أمرهم {فريق في الجنة وفريق في السعير} والرزق لا يزيد بالطلب ولا ينقص بتركه فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ مقدر مؤقت ولا تبديل لحكم الله ولا تغير لقسمته وكتابته لكن ما في اللوح قسمان قسم مكتوب مطلقا وقسم معلق [ص:429] بفعل العبد (تتمة) قال ابن عطاء الله: سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك
(حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته(4/428)
5848 - (فرغ إلى ابن آدم من أربع) لا ينافيه قوله فيما قبل خمس لأن مفهوم العدد غير معتبر أو لأن واحدة من هذه الأربع في طيها الخامسة أو لأنه أعلم بالقليل ثم بالكثير (الخلق) بسكون اللام (والخلق) بضمها المار في الخبر أيضا إن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق وأسلفنا الكلام فيه (والرزق والأجل) أي انتهى تقدير هذه الأربعة والفراغ منها تمثيل بفراغ العامل من عمله والكاتب من كتابته كما في خبر جفت الأقلام وطويت الصحف يريد ما ليس في اللوح المحفوظ من المقادير والكائنات (تتمة) قال في الحكم: ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه وقال ابن عربي: قد كملت النشأة واجتمعت أطراف الدائرة
(طس عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عيسى بن المسيب البجلي وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه الدارقطني في سننه وضعفه في غيرهما(4/429)
5849 - (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس) أي الفارق بيننا أنا نعتم على القلانس وهو يكتفون بالعمائم ذكره الطيبي فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها العمامة فأما لبس القلنسوة وحدها فزي المشركين وأما لبسها على غير قلنسوة فهو غير لائق لأنها تنحل لاسيما عند الوضوء وبالقلنسوة تشد الرأس وتحسن هيئة العمامة ذكره ابن العربي قال: والعمامة سنة المرسلين وعادة الأنبياء والسادة وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة فدل على أنها كانت عادة أمر باجتنابها حال الإحرام وشرع كشف الرأس إجلالا لذي الجلال وسننها أن يكون على قدر الحاجة فلا يعظمها زهوا فإنما كانت عمائم السلف لفتين أو ثلاثا انتهى. قال ابن تيمية: وهذا بين أن مفارقة المسلم المشرك في اللباس مطلوبة للشارع إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بدون العمامة حاصل فلولا أنه مطلوب أيضا لم يكن فيه فائدة
(د ت) في اللباس من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة (عن) أبيه عن (ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي صحابي من مسلمة الفتح له حديث واحد وهو هذا قال أعني الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم ولا يعرف العسقلاني ولا ابن ركانة وفي الميزان محمد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه انفرد به أبو الحسن شيخ لا يدري من هو متنه فرق بيننا إلى آخر ما هنا(4/429)
5850 - (فسطاط المسلمين) بضم الفاء وكسرها وبالطاء والتاء مكان الطاء المدينة التي يجمع فيها الناس وأبنية السفر دون السرادق وأبنية من نحو شعر والمراد هنا الأول (يوم الملحمة) هي الحرب ومحل القتال أو القتال نفسه (الكبرى بأرض يقال لها الغوطة) اسم للبساتين والمياه التي حول دمشق وهي غوطتها (فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ) أي يوم وقوع الملحمة وأصل الغوطة كل موضع كثير الماء والشجر
(حم عن أبي الدرداء) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه أبو داود باللفظ المذكور قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة ومعاذ(4/429)
[ص:430] 5851 - (فصل) بصاد مهملة ساكنة بمعنى فاصل أو فارق أو مميز (ما بين) النكاح (الحلال والحرام ضرب الدف) بالضم وبفتح معروف (والصوت في النكاح) المراد إعلان النكاح واضطراب الأصوات فيه والذكر في الناس وبعض الناس يذهب به إلى السماع يعني السماع المتعارف بين الناس الآن وهو خطأ والمعنى أن الفرق بين النكاح الجائز وغيره الإعلان والإشهار والنهي عن الضرب بالدف بفرض صحته محله في غير ذلك وفي الحديث عموم يقتضي طلب ضرب الدف فيه حتى للرجال ولعله مراد كما قاله الحافظ ابن حجر فإن الأحاديث القوية فيها الإذن للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن
(حم ت ن هـ ك) كلهم في النكاح (عن محمد بن حاطب) بن الحارث الجمحي له صحبة ورواية حسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي(4/430)
5852 - (فصل) بالصاد المهملة قال التوربشتي: ومن الناس من يقوله بالمعجمة وهو تصحيف (ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) أي فرق ما بينهما (أكلة السحر) قال النووي: المشهور وضبط الجمهور أنه بفتح الهمزة مصدر للمرة من الأكل وضبطه المغاربة بالضم وقال عياض: روي يالفتح والضم فبالضم بمعنى اللقمة وبالفتح الأكل مرة واحدة قال: وهو الأشبه هنا لأن الثواب في الفعل لا في الطعام قال الحافظ العراقي: ولو قيل الأشبه هنا الضم لم يبعد لأن الفضل يحصل بلقمة ولا يتوقف على زيادة انتهى. والقصد بهذا الحديث الحث على السحور والإعلام بأن هذا من الدين وذلك لأن الله أباح لنا إلى الفجر ما حرم عليهم من نحو أكل وجماع بعد النوم فمخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة التي خصصنا بها قال ابن تيمية: وفيه دليل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع قال مالك: ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون ترك العمل يوم الجمعة لئلا يصنعوا فيه كما فعل اليهود والنصارى في السبت والأحد
(حم م 4) كلهم في الصوم (عن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري(4/430)
5853 - (فصل ما بين لذة المرأة ولذة الرجل كأثر المخيط في الطين إلا أن الله يسترهن بالحياء) قال الزمخشري: اللذة في الأصل لذا فعلي فقلب أحد حرفي التضعيف حرف لين والمراد هنا لذة الجماع والمراد أن شهوة الرجل بالنسبة إلى شهوة المرأة شيء قليل جدا يكاد يكون لا أثر له في جنب عظم شهوة المرأة ولولا أن الله سترهن بالحياء لافتضحن وظهر ذلك عليهن والمراد جنس الرجال وجنس النساء لا كل فرد
(طس عن ابن عمرو ابن العاص) قال الهيثمي: فيه أحمد بن علي بن شوذب لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات قال ابن القيم: هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده مظلم لا يحتج بمثله(4/430)
5854 - (فضل) بضاد معجمة (الجمعة) أي صلاتها (في رمضان كفضل رمضان على الشهور) أي كفضل صومه على سائر الشهور ويحتمل أن المراد أن يوم الجمعة الذي هو من أيام رمضان أفضل من غيره من كل يوم جمعة كما أن شهر رمضان أفضل من جميع شهور السنة
(فر عن جابر) وفيه هارون بن زياد قال الذهبي: قال أبو حاتم: له حديث باطل وقال ابن حبان: كان ممن يضع وعمر بن موسى الرجيبي قال الذهبي: قال ابن عدي: يضع الحديث(4/430)
[ص:431] 5855 - (فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة) أي البعيدة (كفضل الغازي على القاعد) أضاف الفضل للدار والمراد أهلها على حد {واسأل القرية} وفيه فضل السكنى بقرب المسجد لسهولة المشي إلى الجماعة ويعارضه الحديث المار أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى وجمع بحمل ما هنا على الإمام ومن تعطل الجماعة القريبة بغيبته وذاك على من عدا ذلك لكثرة الخطا فيه المتضمنة لكثرة الثواب كما مر ولما أراد الساكنون بمنى التحول قرب المسجد نزل {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فأمسكوا
(حم عن حذيفة) بن اليمان ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي ورمز المصنف لحسنه وفيه ابن لهيعة(4/431)
5856 - (فضل الشاب العابد الذي تعبد) بمثناة فوقية بخط المصنف (في) حال (صباه) ومظنة صبوته (على الشيخ الذي تعبد) بمثناة فوقية بضبطه (بعد ما كبرت سنة كفضل) الأنبياء (المرسلين على سائر الناس) لأنه لما قهر نفسه بكفها عن لذاتها وقاسى تجرع مرارة مخالفة الهوى استحق التفضل على الشيخ الذي فقدت فيه دواعي الشهوة وصار يملك أدبه لكن هذا من قبيل المبالغة والترغيب في لزوم العبادة للشاب
(أبو محمد التكريتي في) كتاب (معرفة النفس فر كلاهما عن أنس) بن مالك وفيه عمر بن شبيب قال الذهبي: ضعفه الدارقطني وقال أبو زرعة: واه اه(4/431)
5857 - (فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا) وفي رواية سبعين صلاة قال أبو البقاء: كذا وقع في هذه الرواية سبعين والصواب سبعون والتقدير فضل سبعين لأنه خبر فضل الأول وقال الطيبي: سبعين مفعول مطلق أو ظرف أي تفضل مقدار سبعين ويجوز أن يكون الأصل بسبعين فحذفت الباء وبقي عملها ولفظ رواية الحاكم فضل الصلاة التي يستاك لها على التي لا يستاك لها سبعين ضعفا
(حم ك) في الطهارة (عن عائشة) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه ضعفه لأن مداره على ابن إسحاق ومعاوية بن يحيى الصدفي ويحيى قال الدارقطني: ضعيف ورواه أبو نعيم وابن حبان في الضعفاء من طرق أخرى قال ابن معين: حديث باطل لا يصح له إسناد قال ابن حجر: وأسانيده كلها معلولة(4/431)
5858 - (فضل العالم على العابد) أي فضل هذه الحقيقة على هذه الحقيقة أو هو من باب ركب القوم دوابهم (كفضلي على أمتي) قال الحجة: أراد العلماء بالله قال علي كرم الله وجهه: لقد سبق إلى الجنة أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولكنهم عقلوا عن الله مواعظه فوجلت منه قلوبهم واطمأنت إليه نفوسهم وقال شيخ الطريقين السهروردي: الإشارة بهذا الحديث إلى العلم بالله لا إلى علم البيع والشراء والطلاق والعتاق وقد يكون العبد عالما بالله ذا يقين وليس عنده علم من فروض الكفايات وقد كانت الصحابة أعلم من التابعين بحقائق اليقين ودقائق المعرفة وقد كان علماء التابعين فيهم من هو أقوم بعلم الفتوى والأحكام من بعض الصحابة <تنبيه> قال ابن عربي: علم الكلام مع شرفه لا يحتاج إليه أكثر الناس بل رجل واحد يكفي منه في البلد بخلاف العلماء بفروع الدين فإن الناس يحتاجون إلى الكثرة من علماء الشريعة ولو مات الإنسان وهو لا يعلم اصطلاح القائلين بعلم النظر كالجوهر والعرض والجسم [ص:432] والجسماني والروح والروحاني لم يسأله الله عن ذلك فإنما يسأل الناس عما وجب عليهم من التكليف بالفروع ونحوها
(الحارث) بن أبي أسامة (عن أبي سعيد) الخدري أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح فيه سلام طويل قال الدارقطني وغيره: متروك(4/431)
5859 - (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول إلى أدنى شرف الصحابة فإن المخاطبين بقوله أدناكم الصحب وقد شبهوا بالنجوم في حديث أصحابي كالنجوم وهذا التشبيه ينبه على أنه لا بد للعالم من العبادة وللعابد من العلم لأن تشبيههما بالمصطفى وبالعلم يستدعي المشاركة فيما فضلوا به من العلم والعمل كيف لا والعلم مقدمة للعمل وصحة العمل متوقفة على العلم؟ ذكره الطيبي. وقال الذهبي: إنما كان العالم أفضل لأن العالم إذا لم يكن عابدا فعلمه وبال عليه وأما العابد بغير فقه فمع نقصه هو أفضل بكثير من فقيه بلا تعبد كفقيه همته في الشغل بالرئاسة اه. وقال ابن العربي: للفظ العلم إطلاقات متباينة ينشأ عنها اختلاف الحد والحكم أيضا كلفظ العالم والعلماء وللالتباس الواقع في لفظ العلم غلط كثير من الناس في معنى خبر فضل العالم على العابد فحملوه على الفقيه بالمعنى المتعارف الآن وأن يكون ذلك والتقابل بين العالم والعابد في الحديث ينافي الاشتراك في صفة العلم التي بها التقابل كما هو الظاهر إذ لا عابد بدون علم الفقه في الجملة وأوضح من هذه الحجة الاتفاق على أن العبادة أفضل من العلم العملي المتعلق بها فيقتضي فضل العابد على العالم والحديث مصرح بخلافه ومن الواضح أن التفضيل ههنا إنما هو بحسب الوصف العنواني فافهم. على أن التوجيهات قليلة هنا كثيرة لكن بتعسف فلا يلتفت إليها عند المحصلين والتحقيق في ذلك ما قاله حجة الإسلام ونصه ثم العلم المقدم على العمل لا يخلو إما أن يكون هو العلم بكيفية العمل وهو علم الفقه وعلم كيفية العبادات وإما أن يكون علما سواه وباطل أن يكون الأول هو المراد لوجهين أحدهما أن فضل العالم على العابد والعابد هو الذي له علم العبادات فإن كان جاهلا فهو عابث فاسق والثاني أن العلم بالعمل لا يكون أشرف من العمل لأن العلم العملي يراد للعمل وما يراد لغيره يستحيل أن يكون أشرف منه إلى هنا كلامه ودعواه الاتفاق غير جيد لتصريحهم بأن التخلي لتعلم الفقه الذي منه العلم المتعلق بالعبادة أفضل من الاشتغال بالنفل الذي هو من العبادة فهو كما ترى ينادي برد هذا الاتفاق (إن الله عز وجل وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) أي يستغفرون لهم طالبين لتخليهم عما لا ينبغي ولا يبق بهم من الأوضار والأدناس لأن بركة علمهم وعملهم وإرشادهم وفتواهم سبب لانتظام أحوال العالم وذكر النملة والحوت بعد ذكر الثقلين والملائكة تتميم لجميع أنواع الحيوان على طريقة الرحمن الرحيم وخص النملة والحوت بالذكر للدلالة على إنزال المطر وحصول الخير والخصب ببركتهم كما قال بهم تنصرون وبهم ترزقون حتى أن الحوت الذي لا يفتقر إلى العلماء افتقار غيره لكونه في جوف الماء يعيش أبدا ببركتهم ذكره القاضي وقال الطيبي: قوله إن الله وملائكته جملة مستأنفة لبيان التفاوت العظيم بين العالم والعابد وأن نفع العابد مقصور على نفسه ونفع العالم متجاوز إلى الخلائق حتى النملة وعطف أهل السماوات على الملائكة تخصيص بحملة العرش وسكان أمكنة خارجة عن السماوات والأرض من الملائكة المقربين كما ثبت في النصوص وفي يصلون تغليب للعقلاء على غيرهم واشتراك فإن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الغير دعاء وطلب وذكر النملة وتخصيصها مشعر بأن صلاتها بحصول البركة النازلة من السماء فإن دأب النملة القنية وادخارها القوت في جحرها ثم التدرج منها إلى الحيتان وإعادة كلمة الغاية للترقي والصلاة من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار المعبر به في الرواية الأخرى ولا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وجميع المخلوقات بالاستغفار والدعاء له إلى القيامة [ص:433] ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته وأنه ليتنافس في دعوة رجل صالح فكيف بدعاء الملأ الأعلى وأما إلهام الحيوانات الاستغفار له فقيل لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ودفع الضر عنها حتى بإحسان القتلة والنهي عن المثلة فاستغفارهم له شكر لذلك النعمة وذلك في حق البشر آكد لأن احتياجهم إلى العلم أشد وعود فوائده عليهم أتم
(ت) في العلم (عن أبي أمامة) الباهلي قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فذكره قال الترمذي: غريب وفي نسخة حسن صحيح. قال الصدر المناوي: وفيه الوليد بن جميل لينه أبو زرعة(4/432)
5860 - (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) قال البيضاوي: العبادة كمال ونور لازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفا وفضلا ويتعدى منه إلى غيره فيستفيض نوره وكماله ويكمل بواسطته لكنه كمال ليس للعالم في ذاته بل نوره يتلقاه من المصطفى صلى الله عليه وسلم فلذلك شبه بالقمر ولا نظن أن العالم المفضل عار عن العمل ولا العابد عن العلم بل إن علم ذلك غالب على عمله وعمل هذا غالب على علمه ولذلك جعل العلماء ورثة الأنبياء والمراد بالفضل كثرة ثواب ما يعطيه الله للعبد في الآخرة من درجات الجنة ولذاتها ومأكلها ومشربها ونعيمها الجسماني أو ما يمنح من مقامات القرب ولذة النظر إليه وسماع كلامه ولذة المعارف الإلهية الحاصلة عند كشف الغطاء ونحو ذلك قال ابن الملقي: فيه أن نور العلم يزيد على نور العبادة كما مثله بالقمر بالنسبة لباقي الكواكب <تنبيه> قال ابن عربي: العالم أشرف من صاحب الحال فإن صاحب الحال حكمه كالمجنون لا يكتب له ولا عليه والعالم يكتب له وعليه فصاحب العلم أتم من صاحب الحال فالحال في الدنيا نقص وفي الآخرة تمام والعلم هنا تمام وفي الآخرة تمام <تنبيه> المراد في هذه الأخبار بالعالم من صرف زمنه للتعليم وللإفتاء والتصنيف ونحو ذلك وبالعابد من انقطع للعبادة تاركا ذلك وإن كان عالما
(حل عن معاذ) بن جبل قضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك بل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه(4/433)
5861 - (فضل العالم على العابد سبعين) فيه ما تقرر في حديث فضل الصلاة بسواك إلخ (درجة) أي منزلة عالية في الجنة وليس هو تمثيل للرفعة المعنوية كما قيل (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) وذلك لأن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد يقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها هكذا ورد تعليله في نص حديث عند الديلمي في الفردوس
(ع عن عبد الرحمن بن عوف) قال الهيثمي: فيه الخليل بن مرة قال البخاري: منكر الحديث وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه وليس بمتروك(4/433)
5862 - (فضل المؤمن العالم على المؤمن العابد سبعون درجة) زاد في رواية ما بين كل درجتين حضر الفرس السريع المضمر مئة عام وزاد لفظ المؤمن إشارة إلى أن الكلام في عالم كامل الإيمان عامل بعلمه وفي عابد كامل الإيمان عارف بالفروض العينية وإلا فهو غير عابد
(ابن عبد البر) في العلم (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: في سنده ضعف وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من ابن عبد البر وهو غفلة فقد خرجه ابن عدي عن أبي هريرة(4/433)
5863 - (فضل العالم على غيره) من كل عابد وإمام وغير ذلك فهو أعم مما قبله (كفضل النبي على أمته) لأن الشيطان [ص:434] يبدع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد مقبل على عبادته قاصر على نفع نفسه
(خط عن أنس) بن مالك(4/433)
5864 - (فضل العلم أحب إلي) وفي رواية الطبراني بدل أحب إلي خير (من فضل العبادة) أي نفل العلم أفضل من نفل العمل كما أن فرض العلم أفضل من فرض العمل وفضل العلم ما زاد على المفترض وقال السهروردي: الإشارة بهذا العلم ليس إلى علم البيع والشراء والطلاق والعتاق بل إلى العلم بالله وقوة اليقين وقد يكون العبد عالما بالله وليس عنده علم من فروض الكفايات وقد كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم أعلم من علماء التابعين رحمهم الله بحقائق اليقين ودقائق المعرفة وفي علماء التابعين من هو أقوم بعلم الفتوى من بعض الصحابة لأن فضل العلم يحكم العبادة ويصححها ويخلصها ويصفيها قال حجة الإسلام: العلم أشرف جوهرا من العبادة مع العمل به وإلا كان علمه هباء منثورا إذ العلم بمنزلة الشجرة والعبادة بمنزلة الثمر فالشرف للشجرة لكونها الأصل لكن الانتفاع بثمرتها فلا بد للعبد من أن يكون له من كلا الأمرين حظ ونصيب ولهذا قال الحسن: اطلبوا العلم طلبا لا يضر العبادة واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم (وخير دينكم الورع)
(البزار) في مسنده (طس ك عن حذيفة) بن اليمان قال المنذري: وإسناده لا بأس به وقال في موضع آخر: حسن (ك عن سعد) بن أبي وقاص ورواه الترمذي في العلل عن حذيفة ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فلم يعده محفوظا اه. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح والمتهم بوضعه عبد الله بن عبد القدوس(4/434)
5865 - (فضل القرآن) في رواية فضل كلام الله (على سائر الكلام كفضل الرحمن) تعالى وفي رواية للترمذي كفضل الله وعبر هنا بالرحمن مشاكلة لقوله تعالى {الرحمن علم القرآن} (على سائر خلقه) لأن بلاغة البيان تعلو إلى قدر علو المبين والكلام على قدر المتكلم فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علوه على خلقه فبيان كل مبين على قدر إحاطة علمه فإذا أبان الإنسان عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه وهو لا يحيط به علمه فلا يصل إلى غاية البلاغة في بيانه وإذا أنبأ عن الماضي فيقدر ما بقي من ناقص علمه لما لزم الإنسان من النسيان وإذا أراد أن ينبئ عن الآتي أعوزه البيان كله إلا بقدره فبيانه في الكائن ناقص وفي الماضي أنقص وبيانه في الآتي ساقط {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} وبيان الحق سبحانه وتعالى عن الكائن بالغ إلى غاية ما أحاط به علمه {قل إنما العلم عند الله} وعن المنقطع كونه بحسب إحاطته بالكائن وسبحانه من النسيان {لا يضل ربي ولا ينسى} وعن الآتي فيما هو الحق الواقع {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} والمبين الحق لا يوهم بيانه إيهام لنسبة النقص لبيانه والإنسان يتهم نفسه في البيان ويخاف من نسبة العي إليه فيضعف مفهوم بيانه ومفهوم بيان القرآن أضعاف أضعاف إفصاحه ذكره الحرالي
(ع في معجمه هب عن أبي هريرة) وفيه أشعث الحرالي قال الذهبي: ثقة وشهر بن حوشب أورده أعني الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي لا يحتج به وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه الترمذي بلفظ: فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه لكن عذر المصنف أنه وقع في ذيل حديث فلم ينبه له ولفظه بتمامه يقول الرب عز وجل من شغله القرآن عن ذكري وعن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. قال ابن حجر في الفتح: ورجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعيف وخرجه ابن عدي من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وفيه عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف وخرجه ابن الضريس من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وخرجه ابن حميد [ص:435] الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب وفيه صفوان بن أبي الصهب مختلف فيه وخرجه ابن الضريس أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قال: وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال ابن حجر: أشار البخاري في خلق الأفعال إلى أنه لا يصح مرفوعا(4/434)
5866 - (فضل الماشي خلف الجنازة على فضل الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع) وبهذا أخذ الحنفية فقالوا: الأفضل للمشيع أن يمشي خلفها وذهب الشافعية إلى أن الأفضل للمشيع المشي أمامها وإن ركب لأنه شفيع وحق الشفيع أن يتقدم واستظهر على ذلك بأحاديث أخرى
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الديلمي أيضا(4/435)
5867 - (فضل الوقت الأول على الآخر) وفي رواية فضل الصلاة أول الوقت على آخره (كفضل الآخرة على الدنيا) فأعظم به من فضل فيتأكد الحث على المبادرة
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف(4/435)
5868 - (فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره) من المساجد (مئة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمس مئة صلاة) كما سبق موضحا
(هب عن أبي الدرداء) وفيه سعيد بن سالم يعني القداح ليس بذاك عن سعيد بن بشير قال الذهبي: شبه المجهول(4/435)
5869 - (فضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده خمس وعشرون درجة) قال الزركشي: كذا وقع في الصحيحين خمس بحذف الموحدة في أوله والهاء من آخره قال: وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر:
أشارت كليب بالأكف الأصابع. . . أي إلى كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة (وفضل صلاة التطوع في البيت على فعلها في المسجد كفضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد
(ابن السكن عن ضمرة بن حبيب) الزهري الحمصي وثقه ابن معين (عن أبيه) حبيب(4/435)
5870 - (فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) قيل هم الحفظة وقيل غيرهم وأيد بأن الحفظة لم ينقل أنهم يفارقونه ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار وبأنهم لو كانوا الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله كيف تركتم عبادي ثم المراد باجتماعهم أنهم يشهدون الصلاة في جماعة أو هو أعم قال ابن بطال: وقوله وتجتمع إلخ إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين [ص:436] على خمس وعشرين يؤخذ من ذلك
(ق عن أبي هريرة)(4/435)
5871 - (فضل صلاة الرجل) والمرأة أولى وفي رواية فضل صلاة التطوع (في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة) وهذا في النفل وأما الفرض فصلاته في المسجد أفضل وإن رآه الناس بدليل خبر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
(طب عن صهيب بن النعمان) رمز المصنف لحسنه قال الذهبي في الصحابة: له حديث رواه عنه هلال بن يساف في الطبراني تفرد به قيس بن الربيع اه. وقال الهيثمي: فيه محمد بن مصعب الفرفسائي ضعفه ابن معين وغيره ووثقه أحمد(4/436)
5872 - (فضل صلاة الليل على النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية) يؤخذ من القياس أن من أراد الاقتداء به وتعليم غيره فصلاة النهار في حقه بذلك القصد أفضل ولم أر من ذهب إليه
(ابن المبارك) في الزهد (طب حل عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وخرجه البيهقي باللفظ المذكور وصحح وقفه(4/436)
5873 - (فضل غازي البحر على غازي البر كفضل غاز البر على القاعد في أهله وماله)
(طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن(4/436)
5874 - (فضل غازي البحر على غازي البر كعشر غزوات في البر) لما في ركوب البحر من الخطر والغرور والمشقة
(طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن(4/436)
5875 - (فضل حملة القرآن على الذي لم يحمله كفضل الخالق على المخلوق) فأفهم الناس من وهبه الله فهما في كلامه ووعيا في كتابه ففي علمه يندرج كل علم من أصناف العلوم ففيه تفصيل كل شيء قال الحكيم: وهذا فيمن حمل القرآن فأقامه على ما أنزل من ربه وعمل بأمره ونهيه ووعده ووعيده فإذا مر في تلاوته بذكر الجنة حن إليها وعمل عليها للقائه في داره والنظر إليه وإذا مر بذكر النار التي هي سجنه أشفى صدره من أعدائه لما أعد لهم وإذا مر بذكر القرون فرأى نصرة الأولياء ونقمة الأعداء فرح بنصرة الأولياء وشمت بنقمة الأعداء وإذا مر بضرب الأمثال صار قلبه مرآة قد عاينت ما وصف له فكأنه مشاهده بقلبه فزاده إيمانا مع إيمانه وإذا مر بحججه الدامغة للباطل قوي بها وازدادت بصيرته وإذا مر باللطائف وعلائم الرقة والرحمة ازداد علما بالله وبمنازل العباد منه وإذا مر بمحض التوحيد والفردية لهى عن كل ما سواه وانفرد به تعلقا بفرديته فمن هذا شأنه فهو المراد هنا وأما ذو التخليط الذي إنما يقرؤه مع كدورة النفس وضيقها وتعسرها وتكدرها ونفسه شهوانية ثقيلة في ائتماره بطيئة عن المسارعة إلى الخيرات متحملة أثقال التكليف ملجمة بالوحيد ولولاه لركضت به نفسه في ميادين الحائرين فأجنبي من هذا المقام
(فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن تميم الغرياني قال الذهبي: قال ابن حبان كان يضع الحديث والحكم بن أبان قال ابن المبارك: ارم به ورواه ابن لال وعنه أورده الديلمي فكان عزوه إلى الأصل أولى(4/436)
5876 - (فضل الثريد على الطعام كفضل عائشة على النساء) ضرب المثل بالثريد لأنه أفضل طعامهم ولأنه ركب من خبز [ص:437] ولحم ومرقة ولا نظير له في الأطعمة ثم إنه جامع بين الغداء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في الحلقوم فخص المثل به إيذانا بأنها جمعت مع حسن الخلق حسن الخلق وحسن الحديث وحلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل ومن ثم عقلت منه ما لم يعقل غيرها من نسائه وروت عنه ما لم يرو مثلها من الرجال إلا قليلا قال ابن القيم: الثريد وإن كان مركبا فإنه مركب من خبز ولحم فالخبز أفضل الأقوات واللحم سيد الإدام فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية وفي أفضلهما خلاف والصواب أن الحاجة للخبز أعم واللحم أفضل وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه
(هـ عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا(4/436)
5877 - (فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظاهرا) أي عن ظهر قلب (كفضل الفريضة على النافلة) فالقراءة نظرا في المصحف أفضل لأنها تجمع القراءة والنظر وهو عبادة أخرى نعم إن زاد خشوعه بها حفظا فينبغي كما في المجموع تفضيله لأن المدار على الخشوع ما أمكن إذ هو روح العبادة وأسها
(أبو عبيدة في فضائله) أي القرآن (عن بعض الصحابة) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وليس كذلك بل رواه أبو نعيم والطبراني والديلمي وفيه بقية(4/437)
5878 - (فضل الله قريشا) أي قبيلة قريش (بسبع خصال لم يعطها أحد قبلها ولا يعطاها أحد بعدهم: فضل الله قريشا أني منهم وأن النبوة فيهم وأن الحجابة فيهم) هي سدانة الكعبة وتولي حفظها لمن بيده مفتاحها كانت أولا في بني عبد الدار ثم صارت في بني شيبة بتقرير المصطفى صلى الله عليه وسلم (وأن السقاية فيهم) وكان يليها العباس جاهلية وإسلاما وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له فهي لآل العباس أبدا قالوا: فلا يجوز لأحد نزعها منهم ما بقي من ذريته أحد قال في المجمل: السقاية المحل الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم كان يشتري الزبيب فينبذ في ماء زمزم ويسقي الناس (ونصرهم على الفيل وعبدوا الله سبع سنين) أي من أسلم منهم (لا يعبده غيرهم) في تلك المدة وهي ابتداء البعثة (وأنزل الله فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم) وهي سورة (لإيلاف قريش)
(تخ طب ك) في التفسير من حديث يعقوب بن محمود الزهري عن إبراهيم بن محمد بن ثابت عن عثمان بن أبي عتيق عن سعيد بن عمرو عن أبيه عن جدته أم هانئ (والبيهقي في الخلافيات عن أم هانئ) أخت علي أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن يعقوب ضعيف وإبراهيم صاحب مناكير هذا أنكرها فالصحة من أين؟ وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم(4/437)
5879 - (فضل الله قريشا بسبع خصال فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبد الله إلا قريش) الظاهر أن المراد لا يعبده عبادة صحيحة إلا هم ليخرج أهل الكتابين فإنهم كانوا موجودين حينئذ يعبدون في الديورات والصوامع لكنها عبادة فاسدة (وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون) أي والحال أنهم عبدة أوثان (وفضلهم بأنه نزلت فيه سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين وهي لإيلاف قريش وفضلهم بأن فيهم النبوة والخلافة) أي الإمامة العظمى [ص:438] لا يجوز أن يليها إلا قريش (والحجابة والسقاية)
(طس عن الزبير) بن العوام قال الهيثمي: فيه مضعفون(4/437)
5880 - (فضلت على الأنبياء بست) وفي الحديث الآتي بخمس قال التوربشتي: وليس باختلاف تضاد بل اختلاف زمان وقع فيه حديث الخمس متقدما وذلك أنه أعطيها فحدث به ثم زيد فأخبر به ولا يعارضه لا تفضلوني لأن هذا إخبار عن الأمر الواقع لا أمر بالتفضيل وقد قيل إن الاختصاص بالمجموع لا بالجميع لأن نوحا هو آدم الأصغر ولم يبق على وجه الأرض بعد الغرق إلا من كان معه وعيسى كان سياحا في الأرض يصلي حيث أدركته الصلاة (أعطيت جوامع الكلم) أي جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة وقيل إيجاز الكلام في إشباع من المعنى فالكلمة القليلة الحروف منها تتضمن كثيرا من المعاني وأنواعا من الكلام (ونصرت بالرعب) يقذف في قلوب أعدائي فيخذلهم (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة (وجعلت لي الأرض طهورا) بفتح الطاء (ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة) أي أرسلت إرسالة محيطة بهم لأنها إذا شملتهم كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ولا يعارضه أن نوحا بعد خروجه من الفلك كان مبعوثا للكل لأن ذلك إنما كان لانحصار الخلق فيمن كان معه حيئنذ والمصطفى صلى الله عليه وسلم عموم رسالته في أصل بعثته فلا ملجئ إلى تأويل المطامح وغيرها للخبر بأن المراد مجموع الخمس لا جميعها نعم مال ابن دقيق العيد إلى أن بعثة الأنبياء بالنسبة للتوحيد عامة (وختم بي النبيون) أي أغلق باب الوحي وقطع طريق الرسالة وسد وجعل استغناء الناس عن الرسل وإظهار الدعوة بعد تصحيح الحجة وتكميل الدين أو أما باب الإلهام فلا ينسد وهو مدد يعين النفوس الكاملة فلا ينقطع لدوام الضرورة وحاجة الشريعة إلى تأكيد وتذكير وكما أن الناس استغنوا عن الرسالة والدعوة احتاجوا إلى التنبيه والتذكير لاستغراقهم في الوسواس وانهماكهم في الشهوات واللذات فالله تعالى أغلق باب الوحي بحكمة وتجديد وفتح الإلهام برحمته لطفا منه بعباده فعلم أنه ليس بعده نبي وعيسى إنما ينزل بتقرير شرعه قال الزين العراقي: وكذا الخضر وإلياس بناء على ثباتهما وبقائهما إلى الآن فكل منهما تابع لأحكام هذه الملة
(م ت عن أبي هريرة) ورواه أبو يعلى وغيره(4/438)
5881 - (فضلت على الأنبياء بخمس) من الخصال (بعثت إلى الناس كافة وذخرت شفاعتي لأمتي) قال في المطامح: قد استفاضت أخبار الشفاعة في الشريعة وصارت في حيز التواتر (ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) تمسك بظاهره وما قبله وما بعده أبو حنيفة ومالك على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض من حجر ورمل وحصباء قالوا فكما يجوز الصلاة عليها يجوز التيمم بها وخصه الشافعي وأحمد بالتراب تمسكا بخبر مسلم وجعلت تربتها لنا طهورا فحمل الإطلاق على التقييد: وقول القرطبي هو ذهول رد بأنه هو الذهول وذلك مبسوط في الأصول
(طب عن السائب بن يزيد) قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة وهو متروك(4/438)
[ص:439] 5882 - (فضلت بأربع جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ما يصلي عليه وجد الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الناس كافة ونصرت بالرعب من مسيرة شهرين يسير بين يدي وأحلت لي الغنائم) قال الطيبي: لا منافاة بين فيما سبق ست وخمس وهنا أربع لأن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر وقد يكون أعلم في وقت بأربع ثم بأكثر قال الزين العراقي: ويحصل بما في مجموع الأخبار إحدى عشرة خصلة وهي إعطاؤه جوامع الكلم ونصرته بالرعب وإحلال الغنائم وجعل الأرض طهورا ومسجدا وإرساله إلى الكافة وختم الأنبياء به وجعل صفوف أمته كصفوف الملائكة وإعطاؤه الشفاعة وتسميته أحمد وجعل أمته خير الأمم وإيتاؤه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش
(هق عن أبي أمامة) ورواه عنه بنحوه الطبراني وغيره(4/439)
5883 - (فضلت بأربع جعلت أنا وأمتي في الصلاة كما تصف الملائكة) قال الزين العراقي: المراد به التراص وإتمام الصفوف الأول فالأول في الصلاة فهو من خصائص هذه الأمة وكانت الأمم السابقة يصلون منفردين وكل واحد على حدة (وجعل الصعيد لي وضوءا وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم) فيه رد لقول ابن يزيد يحتمل أن المراد به الاصطفاف في الجهاد وفيه مشروعية تعديد نعم الله وإلقاء العلم قبل السؤال وأن الأصل في الأرض والطهارة وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني وأما حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فضعيف كما يأتي واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي لأنه خلق من ماء وتراب وقد ثبت أن كلا منهما طهور
(طب عن أبي الدرداء)(4/439)
5884 - (فضلت على الناس بأربع) خصها باعتبار ما فيها من النهاية التي لا ينتهي إليها أحد غيره لا باعتبار مجرد الوصف (بالسخاء) أي الجود فإنه كان أجود من الريح المرسلة (والشجاعة) هي كما سبق خلق غضبي بين إفراط يسمى تهورا وتفريط يسمى جبنا (وكثرة الجماع) لكمال قوته وصحة ذكورته (وشدة البطش) فيما ينبغي على ما ينبغي وقدم السخاء لجموم منافعه وثني بالشجاعة لأنه نبي الجهاد {يا أيها النبي جاهد الكفار} وثلث بالجماع لما سبق أن قوته عليه معجزة وربع بشدة البطش لأنه من لوازم القوة وساغ له مدح نفسه لأنه مأمون الخطأ ولذا جاز له الحكم لنفسه
(طس والإسماعيلي) في معجمه كلاهما من طريق واحدة (عن أنس) قال الهيثمي: إسناد الطبراني رجاله موثقون اه وغره قول شيخه العراقي: رجاله ثقات لكن في الميزان: إنه خبر منكر رواه الطبراني عن محمد بن هارون عن العباس بن الوليد عن مروان بن محمد عن سعيد بن بشر بن قتادة عن أنس ومروان بن محمد هو الدمشقي [ص:440] الطاطري كان مرجئا وفيه خلاف قال في اللسان: لا ذنب فيه لهذا الرجل والظاهر أن الضعف من قبيل سعد بن بشير اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: حديث لا يصح(4/439)
5885 - (فضلت على آدم بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى أسلم وكن أزواجي عونا لي) على طاعة ربي (وكان شيطان آدم كافرا) ولم يسلم (وكانت زوجته عونا على خطيئته) فإنها حملته على أن أكل من الشجرة فأهبطا من الجنة وقد فضل عليه بخصال أخرى ومفهوم العدد ليس بحجة عند الجمهور
(البيهقي في الدلائل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الوليد البقلانسي قال في الميزان: عن ابن عدي يضع وعن أبي عروبة كذاب قال: ومن أباطيله هذا الخبر وقال الحافظ العراقي: ضعيف لضعف محمد بن الوليد(4/440)
5886 - (فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين) فسجدات التلاوة أربع عشرة منها سجدتا سورة الحج وغيرها من السور ليس فيها إلا سجدة واحدة وهذا نص صريح ناص على ما ذهب إليه الشافعي من أن في الحج سجدتين وقال أبو حنيفة: فيها سجدة واحدة فسجدات التلاوة أربع عشرة بالاتفاق بين المذهبين لكن الشافعي يجعل في الحج ثنتين ولا سجود في " ص " والحنفي يثبت سجدة " ص " وينفي سجدة من سجدتي الحج
(د في مراسيله هق عن خالد بن سعدان مرسلا) قال أبو داود: وقد أسند هذا ولا يصح وقال ابن حجر: كأنه يشير إلى حديث عقبة وهو ما ذكره بقوله:(4/440)
5887 - (فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين) وأما خبر ابن عباس لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فناف وضعيف على أن الترك إنما ينافي الوجوب لا الندب (ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) أي السورة قال التوربشتي: كذا وجدنا في نسخ المصابيح يقرأها بإعادة الضمير إلى السورة وهو غلط والصواب فلا يقرأهما بإعادة الضمير إلى السجدتين كما في أبي داود والترمذي ووجه النهي عن قراءتهما أن السجدة شرعت في حق التالي بتلاوته والآيتان بها من حق التلاوة وتمامها فإن كانت بصدد التضييع فالأولى به تركها لأنها إما أن تكون واجبة فيأثم بتركها أو سنة فيلام بالتهاون بها
(حم ت) وكذا أبو داود وكأن المصنف ذهل عنه (طب ك عن عقبة بن عامر) قال: قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتان قال: نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما قال الطيبي: وهمزة الاستفهام مضمرة في قوله فضلت بدلالة قوله نعم في الجواب قال الحاكم: صحت الرواية في هذا من قول عمر وطائفة وقال الترمذي: إسناده ليس بقوي قال المناوي: وذلك لأن فيه ابن لهيعة وشرح ابن هاعان ولا يحتج بحديثهما كما قال المنذري وعجب سكوت الحاكم عليه وأعجب منه سكوت الذهبي وقال ابن حجر: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(4/440)
5888 - (فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة) أي لذة الجماع (ولكن الله ألقى عليهن الحياء) فهو [ص:441] الذي منعهن من إظهار تلك اللذة والاستكثار من نيلها والحرص على تحصيلها
(هب عن أبي هريرة) وفيه داود مولى أبي مكمل قال في الميزان: قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر انتهى. وأقول: فيه أيضا ابن لهيعة وأسامة بن زيد الليثي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه لين ورواه الطبراني والديلمي عن ابن عمر(4/440)
5889 - (فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي) قال الطيبي: هذه الخصال من بعض خصائص هذه الأمة المرحومة ثنتان منها لرفع الحرج ووضع الإصر كما قال تعالى {ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} وواحدة إشارة إلى رفع الدرجات في المناجاة بين يدي بارئهم صافين صفوف الملائكة المقربين كما قال {وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} وقال الخطابي: إنما جاء على مذهب الامتنان على هذه الأمة فإنه رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة عليها في بقاعها وكانت الأمم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم وقال الأشرفي: فيه أن الصلاة بالتيمم لا تجوز عند القدرة على الماء وقال البغوي: خص التراب بالذكر لكونه طهورا
(حم م ن عن حذيفة) بن اليمان(4/441)
5890 - (فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة) أي العار والمشقة الحاصلان للنفس من كشف العيوب في الدنيا ونشرها بين الناس بقصد الاستحلال والتنصل منها أهون من كتمانها وبقائها على رؤوس الناس ملطخا بها حتى تنشر وتشهر في الموقف الأعظم على رؤوس الأشهاد يوم التناد وهذا قاله للملاعنة لما أرادت تلتعن فعلى من ابتلى بأمر فيه خيانة أو تطفيف أو توجه حق عليه في نفس أو مال أن لا يمتنع من أداء الحق خوف العار والفضيحة
(طب) وكذا الأوسط (عن الفضل) بن عباس وفيه القاسم بن يزيد قال في الميزان عن العقيلي: حديث منكر ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وقال العراقي: هذا الحديث منكر وقال تلميذه الهيثمي: فيه مجهولون ورواه أبو يعلى بإسناد أصح من هذا إذ غايته أن فيه عطاء بن سليم مختلف فيه وبقية رجاله كما قال الهيثمي: ثقات فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى(4/441)
5891 - (فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفة يوم تعرفون) وقد مر ويأتي
(الشافعي) في مسنده (هق عن عطاء مرسلا) قال ابن حجر: ورواه الترمذي واستغربه وصححه الدارقطني عن عائشة تدفعه وصوب وقفه(4/441)
5892 - (فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف) قال الخطابي: معناه أن الخطأ موضوع عن الناس فيما سبيله الاجتهاد فلو اجتهد قوم فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين فأتموا ثم ثبت أن الشهر تسع وعشرون فصومهم وفطرهم ماض وكذا إذا أخطأوا يوم عرفة أجزاهم ولا قضاء تخفيفا [ص:442] من الله ورفقا بهم
(د هق) من حديث محمد بن المنكدر (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته قال البزار: ومحمد لم يسمع من أبي هريرة(4/441)
5893 - (فعل المعروف يقي مصارع السوء) قال العامري: المعروف هنا يعود إلى مكارم الأخلاق مع الخلق كالبر والمواساة بالمال والتعهد في مهمات الأحوال كسد خلة وإغاثة ملهوف وتفريج مكروب وإنقاذ محترم من محذور فيجازيه الله من جنس فعله بأن يقيه مثلها أو يقيه مصارع السوء عند الموت
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن أبي سعيد) الخدري والقضاعي في الشهاب(4/442)
5894 - (فقدت) بضم الفاء وكسر القاف مبنيا للمفعول (أمة) بالرفع نائب الفاعل جماعة أو طائفة (من بني إسرائيل لا يدري) بالبناء للمفعول (ما فعلت وإني لأراها) بضم الهمزة لأظنها ظنا مؤكدا يقرب من الرؤية البصرية (إلا الفأر) بإسكان الهمزة زاد مسلم في روايته مسخ وآية ذلك ما ذكره بقوله (ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب) لأن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل (وإذا وضع لها ألبان الشاه) أي الغنم (شربت) لأنها حلال لهم كلحمها وذلك دليل على المسخ قال القرطبي: هذا قاله ظنا وحدثا قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا فلما أوحى إليه به زال عنه التخوف وعلم أن الفأر ليس من نسل ما مسخ ويحرم أكل الفأر لا لكونه مسخ بل لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استخبثه كما استخبث الوزغ وأمر بقتله وسماه فويسقا
(حم ق عن أبي هريرة)(4/442)
5895 - (فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مئة عام) وفي رواية للترمذي أيضا عن جابر مرفوعا وحسنه يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا وفي مسلم عن ابن عمرو مرفوعا فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا قال القرطبي: اختلاف هذه الأخبار يدل على أن الفقراء مختلفون في الحال وكذا الأغنياء ويرتفع الخلاف بأن يرد المطلق إلى المقيد في روايتي الترمذي ويكون المعنى فقراء المسلمين المهاجرين والجمع بينهما وبين خبر مسلم أن سباق الفقراء من المهاجرين يسبقون سباق الأغنياء منهم بأربعين خريفا وغير سباق الأغنياء بخمس مئة عام
(ت عن أبي سعيد) الخدري وحسنه وتبعه المؤلف فرمز لحسنه(4/442)
5896 - (فقيه) في رواية الفقيه (واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) لأن الشيطان كلما فتح بابا على الناس من الهوى وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه العارف مكايده ومكامن غوائله فيسد ذلك الباب ويرده خائبا خاسرا والعابد ربما اشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري قال الغزالي: والمراد بالفقه هنا علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب لا تفريعات الطلاق واللعان والسلم والإجارة فإن التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما يشاهد من المتجردين فيه انتهى. وقال الذهبي: هذا الحديث لو صح نص في الفقيه الذي تبصر في العلم ورقى إلى الاجتهاد وعمل بعلمه لا كفقيه اشتغل بمحض الدنيا
(ت) في العلم (هـ) في السنة (عن ابن عباس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من [ص:443] هذا الوجه وأورده ابن الجوزي في العلل وقال: لا يصح والمتهم به روح بن جناح قال أبو حاتم: يروي عن الثقات ما لم يسمعه من ليس متجرا في صناعة الحديث شهد له بالوضع انتهى. وقال الحافظ العراقي: ضعيف جدا(4/442)
5897 - (فكرة ساعة) أي صرف الذهن لحظة من العبد في تدبير تقصيره وتفريطه في حقوق الحق ووعده وعيده وحضوره بين يديه ومحاسبته له ووزن أعماله وخوف خسرانه وجوازه على الصراط وشدة وحدته وغير ذلك من أهوال القيامة (خير من عبادة ستين سنة) مع عزوبة البال عن التفكير بهذه الأهوال لأنه إذا تفكر في ذلك قوي خوفه واجتمع همه وصارت الآخرة نصب عينيه فأوقع العبادة بفراغ قلب من الشواغل الدنيوية ونشاط وجد وتشمير ومن قل تفكره قسى قلبه وتفرق شمله وتتابعت عليه الغفلة فهو وإن تعبد فقلبه هائج بأشغال الدنيا متكل على عقله غير معتمد على ربه لا يتأثر بقوارع التخويف ولا ينزجر بزواجر التذكير قال الحرالي: لا خير في عبادة إلا بتفكر كما أن الباني لا بد أن يفكر في بنيانه كما قال الحكيم أول الفكرة آخر العمل وأول العمل آخر الفكرة كذلك من حق أعمال الإيمان أن لا تقع إلا بفكرة في إصلاح أوائلها السابقة وأواخرها اللاحقة وقال بعضهم: إن العبادة تنقسم إلى ظاهرة بالأركان وباطنة بالقلب والجنان وعادة الباطن أفضل وأخلص وأصفى ولأسلم والفكر أتمها لحصول القلب في عالم الغيب وخروجه عن عالم الشهادة والحس وعظم الفكر بحسب المتفكر فيه فمنهم من تفكر في المصنوعات استدلالا على صانعها ومنهم من تفكر في الجنة والنار كأنه يعاينها ومنهم من تفكر في عظمة الله ومشاهدته
(تتمة) قال الغزالي: عن وهب كان فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة صائما قائما فسأل الله حاجة فلم تقض فأقبل على نفسه وقال: من قبلك أتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل الله ملكا فقال: ساعتك التي ازدريت فيها نفسك خير من عبادتك التي مضت
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة) من حديث عثمان بن عبد الله القرشي عن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخراساني عن أبي هريرة أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه عثمان بن عبد الله القرشي عن إسحاق الملطي كذابان فأحدهما وضعه وتعقبه المؤلف بأن العراقي اقتصر في تخريج الأحياء على ضعفه وله شاهد(4/443)
5898 - (فكوا) خلصوا والفكاك بفتح الفاء وتكسر التخليص (العاني) بمهملة ونون أي أعتقوا الأسير من أيدي العدو بمال أو غيره كالرقيق قال ابن الأثير: العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا قال ابن بطال: فكاك الأسير فرض كفاية وبه قال الجمهور وقال ابن راهويه: من بيت المال وروي عن مالك وقال أحمد: يفادي بالرؤوس أو بالمال أو بالمبادلة (وأجيبوا الداعي) أي إلى نحو وليمة أو معاونة (وأطعموا الجائع) ندبا إن لم يصل لحالة الاضطرار ووجوبا إن وصل قال ابن حجر: وأخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر بإطعامه مستمر (وعودوا المريض) ندبا مؤكدا إن كان مسلما وإلا فجوازا وإن كان نحو قريب أو جار أو رجي إسلامه قال في المطامح: هذه مصلحة كلية ومواساة عامة لا يقوم نظام الدنيا والآخرة إلا بها وقال ابن الأثير: المقصرون الذين وجب حقهم على غيرهم منحصرون في هذه الأقسام صريحا أو كناية عند إمعان النظر
(حم خ عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الحارث وغيره(4/443)
5899 - (فلق البحر لبني إسرائيل) فدخلوا فيه لما تبعهم فرعون وجنوده (يوم عاشوراء) اليوم العاشر من المحرم فمن ثم [ص:444] صاموه شكرا لله على نجاتهم وهلاك عدوهم
(ع وابن مردويه) في التفسير (عن أنس) قال ابن القطان: فيه ضعيفان وقال الهيثمي: فيه يزيد الرقاشي وفيه كلام كثير(4/443)
5900 - (فمن أعدى الأول) قاله لمن استشهد على العدوى بإعداء البعير الأجرب للإبل وهو من الأجوبة المسكتة البرهانية التي لا يمكن دفعها إذ لو جلبت الأدواء بعضها لزم فقد الداء الأول لفقد الجالب فقطع التسلسل وأحال على حقيقة التوحيد الكامل الذي لا معدل له فهو جواب في غاية الرشاقة والبلاغة قال ابن العربي: وهذا أصل عظيم في تكذيب القدرية وأصل حدث العالم ووجوب دخول الأولية له ودليل على صحة القياس في الأصول وأما خبر لا يورد ممرض على المصح فهو نهي عن إدخال التوهم المحظور على العامة باعتقاد وقوع العدوى عليهم بدخول البعير الأجرب فيهم قال القرطبي: هذه الشبهة وقعت للطبائعيين ثم للمعتزلة فقال الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها ويسمون المؤثر طبيعة وقال المعتزلة به في أفعال العباد وقالوا قدرتهم مؤثرة فيها الإيجاد مستقلون بها واستدل كل بالمشاهدة الحسية وهو غلط سببه التباس إدراك العقد وفيه جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إن كان السائل أهلا لفهمه وإلا خوطب بما يحتمله عقله من الإقناعيات
(ق د ت عن أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوة ولا طيرة فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها؟ فذكره(4/444)
5901 - (فناء أمتي بالطعن والطاعون) قالوا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال (وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة) وفي الخبر المار اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون وقيل معناه أن غالب فنائهم بالفتن التي تسفك الدماء وبالوباء ولا يشكل بأن أكثر الأمة يموت بغيرهما لأن معنى الخبر الدعاء كما تقرر وقد استجيب في البعض أو أراد بالأمة طائفة مخصوصة كصحبه أو الخيار وقد مر ذلك موضحا في اللهم
(حم طب) كلاهما من رواية زياد بن علاقة عن رجل (عن أبي موسى) الأشعري (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده جيد وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجال بعضها ثقات اه. وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا المبهم(4/444)
5902 - (فهلا) تزوجت جارية (بكرا) يا جابر بن عبد الله الذي أخبر بأنه تزوج ثيبا قال في المفتاح: وهلا يطلب بها حصول النسبة ولهذا امتنع هل عندك عمرو أم بشر بالاتصال دون الانقطاع فقوله فهلا بكرا أي فهلا تزوجت بكرا ثم علله بقوله (تلاعبها وتلاعبك) اللعب المعروف وقيل هم من اللعاب وهو الريق ويؤيد الأول قوله (وتضاحكها وتضاحكك) وذلك ينشأ عن الألفة التامة فإن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول فلم يكن لها محبة كاملة بخلاف البكر ذكره الطيبي فأفاد ندب تزويج البكر وملاعبة الرجل امرأته وملاطفتها ومضاحكتها وحسن العشرة وغير ذلك
(حم ق د ن هـ) في النكاح (عن جابر) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزوجت بعد أبيك؟ قلت: نعم. قال: بكرا أم ثيبا قلت: ثيبا فذكره(4/444)
5903 - (فهلا بكرا تعضها وتعضك) فيدوم بذلك الائتلاف والموافقة ويبتعد وقوع الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله [ص:445] نعم الثيب أولى لعاجز عن الاقتضاض ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن كما اعتذر به جابر للنبي صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق واستصوبه منه قيل فيه رد لقول الأطباء أن جماع الثيب أنفع وأحفظ للصحة وأن جماع البكر لا ينفع بل يضر وهذا كما ترى غير مستقيم لأن مراد الأطباء بكراهة نكاح البكر كراهة وطئها في فم الفرج مع بقاء بكارتها بخلاف الثيب ذكره الطيبي
(طب) من حديث الربيع بن كعب بن عجرة (عن) أبيه (كعب بن عجرة) ولم أجد من ترجم الربيع وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف وقد وثقهم ابن حبان(4/444)
5904 - (فوا لهم) بضم الفاء وألف التثنية أمر لحذيفة وابنه بالوفاء للمشركين بما عاهدوهما عليه حين أخذوهما وأخذوا عليهم أن لا يقاتلوهم يوم بدر فاعتذرا للنبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذرهما وأمرهما بالوفاء (ونستعين الله عليهم) أي على قتالهم أي فإنما النصر من عند الله لا بكثرة عدد ولا عدد وقد أعانه الله تعالى وكانت واقعة أعز الله بها الإسلام وأهله
(حم عن حذيفة) بن اليمان(4/445)
5905 - (في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البر صدقته) قال ابن دقيق العيد: الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا الحديث البر بضم الموحدة وبراء مهملة اه. قال ابن حجر: والدارقطني رواه بزاي معجمة لكن طريقه ضعيفة (ومن رفع دنانير أو دراهم أو تبرا أو فضة لا يعدها لغريم ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة) {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}
(ش حم ك) في الزكاة (هق) كلهم (عن أبي ذر) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب: إسناده جيد ولم يخرجوه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي: إسناده لا بأس به وقال في تخريج المختصر: حديث غريب رواته ثقات لكنه معلول قال الترمذي: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال لم يسمع ابن جريج من عمران بن أبي أنس(4/445)
5906 - (في الإبل فرع وفي الغنم فرع ويعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم) كان الرجل في الجاهلية إذا تمت إبله مئة نحر بكرا لصنمه وهو الفرع وكان المسلمون يفعلونه في صدر الإسلام ثم نسخ كذا في النهاية
(طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن يزيد بن عبد الملك المزني عن أبيه) قال الهيثمي: رجاله ثقات وقد رواه ابن ماجه بنحوه(4/445)
5907 - (في الأسنان خمس خمس من الإبل) أي في الواجب لمن قلع له ذلك في كل سن خمس من الإبل
(د ن عن ابن عمرو) بن العاص(4/445)
5908 - (في الأصابع عشر عشر) يعني في الواجب لمن قطع له ذلك في كل إصبع عشر من الإبل. قال ابن جرير: وحكمه بذلك دليل على أن المدار هنا على الاسم دون المنفعة وقد أوضحه في خبر آخر بقوله الإبهام والخنصر سواء ولا شك أن في الإبهام من المنافع والجمال ما ليس في الخنصر إذ معظم عمل الآدمي في نحو كتابة وعلاج كل صناعة إنما هو [ص:446] بالإبهام والتي يليها وليس للخنصر من الجمال شيء وعلى منوال ذلك دية جميع الأضراس والأنياب سواء
(حم د ن) وكذا ابن ماجه وابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر: حديث حسن(4/445)
5909 - (في الأنف الدية إذا استوعى) كذا هو بخط المصنف بالعين والظاهر أنه سبق قلم وأنه بالفاء (جدعة مئة من الإبل وفي اليد خمسون وفي الآمة ثلث النفس وفي الجائفة ثلث النفس) هي الطبقة التي تنفذ إلى الجوف يقال جفته إذا أصبت جوفه واجفته الطعنة وجفته بها والمراد بالجوف هنا كل ما له قوة محيلة كبطن ودماغ (وفي المنقلة خمس عشرة) أي ما ينقل العظم عن موضعه (وفي الموضحة خمس وفي السن خمس وفي كل أصبع مما هنالك عشر عشر)
(هق عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور البزار قال الهيثمي: وفيه محمد بن أبي ليلى سيء الحفظ وبقية رجاله ثقات(4/446)
5910 - (في الإنسان ستون وثلاث مئة مفصل) وفي رواية ست مئة وستون قالوا: وهي غلط (فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة) قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: (النخاعة) أي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع والنخامة البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة (في المسجد يدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر) للشكر لأنها لم تشرع جابرة لغيرها بخلاف الرواتب (فركعتا الضحى تجزئ عنك) وخصت الضحى بذلك لتمحضها
(حم) في الأدب (حب عن بريدة) بن الحصيب قال المناوي: فيه علي بن الحسين بن واقد ضعفه أبو حاتم وقواه غيره(4/446)
5911 - (في الإنسان ثلاثة) من الخصال (الطيرة) بكسر ففتح التشاؤم بالشين يعني قلما يخلو الإنسان من طيرة (والظن) يعني الشك العارض (والحسد فمخرجه من الطيرة أن لا يرجع) بل يتوكل على الله ويمشي لوجهه حسن الظن بربه واثقا بجميل صنعه (ومخرجه من الظن أن لا يتحقق) ما خطر في قلبه ويحكم به (ومخرجه من الحسد أن لا يبغي) على المحسود والمؤمنون متفاوتون في أحوالهم فمنهم الضعيف إيمانه والقوي والعالي والداني فوصف المتوسطين منهم بقوله ومخرجه من الحسد إلخ وهذا الحسد المذموم الذي يتعين مجاهدة النفس عنه وكذا إذا أساء ظنه بأخيه طالبته نفسه بأن يقول فيه سوءا فيجاهدها وكذا الطيرة تمنع عن المضي فيجاهد نفسه وأما من علت رتبته فإنه وإن اشتمل على هذه الخصال لا تذم منه لأنها تكون في أسباب الدين لا الدنيا بأن يحسده في فضيلة فيتمناها كما يشير إليه خبر لا حسد إلا في اثنتين
(هب عن أبي هريرة)(4/446)
5912 - (في البطخ) ويقال البطيخ (عشر خصال هو طعام وشراب وريحان وفاكهة وأشنان) أي يغسل به الأيدي [ص:447] كما يغسل بالأشنان (ويغسل البطن) في رواية المشاة (ويكثر ماء الظهر) بمعنى المني (ويزيد في الجماع ويقطع الأبردة وينقي البشرة) إذا دلك فيه ظاهر الجسد في الحمام وفيه جواز غسل الأيدي بالبطيخ ويحتاج إلى تأويل ومن خصاله أيضا أنه يدر البول ويصفي البشرة إذا دلك به أو ببذره مدقوقا وإذا جفف كان أجلى وإذا ضمد بلحمه أورام العين سكن وجعها وإذا وضع قشره على يوافيخ الصبيان نفع أورام أدمغتهم ولا ينبغي أكله إلا بين طعامين لسرعة استحالته
(الرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (فر عن ابن عباس) مرفوعا (أبو عمرو النوقاني) بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون نسبة إلى نوقان إحدى مدينتي طوس نسب إليها جماعة من العلماء (في كتاب البطيخ عنه موقوفا) قال بعضهم: لا يصح في البطيخ شيء(4/446)
5913 - (في التلبينة شفاء من كل داء) كما مر توجيهه غير مرة حساء من نخالة ولبن وعسل أو من نخالة فقط وأنها تشد قلب الحزين كما في القاموس وغيره
(الحارث) بن أبي أسامة (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا(4/447)
5914 - (في الجمعة) أي في يومها (ساعة) أي لحظة لطيفة (لا يوافقها) أي لا يصادفها (عبد) مسلم (يستغفر الله) أي يطلب منه الغفران: الستر لذنوبه (إلا غفر له) وفيها أكثر من أربعين قولا أرجحها ثلاثة: الأول أنها تنتقل كليلة القدر ورجحه المحب الطبري تبعا للحجة الثاني أنها آخر ساعة من النهار واختاره أحمد ونقله العلائي عن الشافعي الثالث ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وصححه النووي قال ابن حجر: وما عدا الثلاثة ضعيف أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف قال عياض: وليس معنى هذه الأقوال أن كله وقت لها بل أنها في أثناء ذلك الوقت لقوله في رواية وأشار بيده يقللها وفائدة إبهامها بعث الدواعي على الإكثار فيها من الصلاة والدعاء ولو بينت لاتكل الناس عليها وتركوا ما عداها فالعجب مع ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها واستشكل ما اقتضاه الخبر من حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمطالع وساعة الإجابة متعلقة بالأوقات وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل كما في نظيره في ساعة الكراهة وفيه فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة وفضل الدعاء فيه وندب الإكثار منه وبقاء الإجمال بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وغير ذلك
(ابن السني عن أبي هريرة) ورواه مسلم بلفظ إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال وهي ساعة خفيفة(4/447)
5915 - (في الجنة مئة درجة) سبق أنه لا تعارض بينه وبين الأخبار الدالة على زيادة درجتها على المئة لخبر إن قارئ القرآن يصعد بكل آية معه درجة حتى يقرأ آخر شيء معه لأن تلك المئة درجات كبار وكل درجة منها تتضمن درجات صغارا (ما بين كل درجتين مئة عام) وفي رواية خمس مئة وفي أخرى أزيد وأنقص ولا تناقض لاختلاف السير والسرعة والبطء والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك تقريبا للأفهام أو خطابا لكل مؤمن بما يليق به من المقام
(ت عن أبي هريرة) وحسنه ورمز المصنف لحسنه(4/447)
5916 - (في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) مجازاة لهم على ما كان يصيبهم من العطش [ص:448] في صيامهم قال الحكيم الترمذي: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الصلاة باب الزكاة باب الجهاد باب الصدقة باب الحج باب العمرة باب الكاظمين الغيظ باب الراضين باب من لا حساب عليه باب الضحى باب الفرح باب الذاكرين باب الصابرين والظاهر أن الأبواب الأصول ثمانية وما زاد عليها كالخوخ المعهودة ثم إنه لم يقل يسمى باب الريانين لأن أل فيه للجنس والعموم مع المبالغة فهو أبين منه وأبلغ ولأن باب فعلان لم ينقل فيه جمع السلامة فقلما يقال في سكران سكرانين ذكره السهيلي
(خ عن سهل بن سعد) الساعدي وفي الباب غيره أيضا(4/447)
5917 - (في الجنة باب يدعى الريان) مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين (يدعى له الصائمون فمن كان من الصائمين دخله ومن دخله لا يظمأ أبدا) قال السهيلي: لم يقل باب الري لأنه لو قاله دل على أن الري مختص بالباب فما بعده ولم يدل على ري قبله وأما الريان ففيه إشعار بأنه لا يدخله إلا ريان بحيث لم يصبه من حر الموقف ما أصاب الناس من الظمأ
(ت هـ عنه)(4/448)
5918 - (في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن) أي يجامعهم المؤمن فالطواف هنا كناية على المجامعة وفي رواية الشيخين الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا وفي البخاري طولها ثلاثون ميلا قال ابن القيم: وهذه الخيام غير الغرف والقصور بل هي خيام في البساتين وعلى شط الأنهار وروى ابن أبي الدنيا عن أبي الحواري ينشأ خلق حور العين إنشاءا فإذا تكامل خلقهن ضربت عليهن الخيام
(حم م ت عن أبي موسى) الأشعري(4/448)
5919 - (في الجنة مئة درجة) المراد بالمئة التكثير وبالدرجة المرقاة (ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) هذا التفاوت يجوز كونه صوريا وكونه معنويا ويكون المراد بالدرجة المرتبة فالأقرب إليه سبحانه يكون أرفع درجة ممن دونه (والفردوس أعلاها درجة) والأعلى أبعد من الخلل من الأدنى والأطراف (ومنها تفجر) أي تتفجر (أنهار الجنة الأربعة) نهر الماء ونهر اللبن ونهر الخمر ونهر العسل فهي أربعة باختلاف الأنواع لا باعتبار تعداد الأنهار إذ كل نوع له أنهار لا نهر (ومن فوقها يكون العرش) أي عرش الرحمن (فإذا سألتموا الله) الجنة (فاسألوه الفردوس) لأنه فضلها وأعلاها قال ابن القيم: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه مما الجنان بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنان ولعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها كان الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج درجة فوق درجة كما يقال للقارئ اقرأ وارق
(حم ت ك عن عبادة بن الصامت) قال المناوي: هذا الحديث لم أقف عليه في الصحيحين ولا أحدهما(4/448)
[ص:449] 5920 - (في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) قال الطيبي: ما هنا موصولة أو موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق والمعنى ما رأت العيون كلهن ولا عين واحدة منهن فيحتمل نفي الرؤية والعين أو نفي الرؤية فحسب والمراد عيون البشر وآذانهم كما مر (ولا خطر على قلب بشر) من باب قوله تعالى {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} أي لا قلب ولا خطور فجعل انتفاء الصفة دليلا على انتفاء الذات أي إذا لم تحصل ثمرة القلب وهو الإخطار فلا قلب وخص البشر هنا دون القرينتين قبله لأنهم هم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون به بخلاف الملائكة
(البزار) في مسنده (طس) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح وقال المنذري: رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح(4/449)
5921 - (في الحبة) في رواية لمسلم إن في الحبة (السوداء) وهي الشونيز كما في صحيح مسلم (شفاء من كل داء) بالمد (إلا السام) والسام الموت ولابن ماجه إلا أن يكون الموت وأخرج العسكري عن الأصمعي قال: عنى المصطفى صلى الله عليه وسلم به أي السام الموت. ولم يسمع قبله ولا سمعته في شعر ولا في كلام جاهلي اه. وأخرج عن ابن الأعرابي قال: لم يسمع في كلام الجاهلية في شعر إنما هو إسلامي قال: وهذا عجيب ولم يأت في شيء جاهلي وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء والشونيز كثير المنافع وقوله من كل داء من قبيل {تدمر كل شيء بأمر ربها} أي كل شيء يقبل التدمير وفي رواية لمسلم ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام قال الخطابي: هذا من العموم الذي أريد به الخصوص ولا يجمع في طبع شيء من النبات كالشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها وتباين طبائعها وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من كل ورطوبة وبرودة وبلغم لأنه حار يابس فيشفي ما يقابله لأن الدواء بالمضاد والفداء بالمشاكل <تنبيه> قال بعض العارفين: جرت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحيل على الأدوية المفردة كالسناء والحبة السوداء لأنها جامعة وذرات حرف واحد ولا يحيل على مركبات الأدوية كما يضعه الأطباء لأنه صاحب جوامع التكلم <فائدة> رأيت بخط الحافظ شيخ الإسلام الولي العراقي ما نصه: قال ابن ناصر: لم يصح عن المصطفى صلى الله عليه سلم شيء فيما يروى في ذكر الحبوب إلا حديث الحبة السوداء وحده وفي رواية لمسلم ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام
(حم ق) كلهم في الطب (عن أبي هريرة) ولفظ ابن ماجه عليكم بالحبة السوداء إلخ(4/449)
5922 - (في الحجم شفاء) لاستفراغه أعظم الأخلاط وهو الدم وهو في البلاد الحارة أنجح من الفصد قال الموفق البغدادي: الحجامة نتقي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان في البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد يغني عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكره دون الفصد لأن العرب ما كانت تعرف إلا الحجامة غالبا وقال ابن القيم: التحقيق أن الحجامة والفصد مختلفان اختلاف الأزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الزمان الحار والمكان الحار أولى والفصد بعكسه ولهذا كان الحجم أنفع للصبيان
(سمويه حل والضياء) المقدسي (عن عبد الله بن سرجس) ورواه مسلم من حديث جابر بلفظ إن في الحجم شفاء وقد تقدم(4/449)
5923 - (في الخيل السائمة في كل فرس دينار) يغارضه خبر عفوت عن الخيل والرقيق وخبر ليس في الخيل والرقيق [ص:450] زكاة وخبر ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة
(قط هق عن جابر) قضية تصرف المصنف أن مخرجه خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل قال الدارقطني عقبه: تفرد به فورك بن الخضرم عن جعفر بن محمد وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء وقال الذهبي في التنقيح: إسناده مظلم وفيه فورك بن الخضرم اه. وفي الميزان عن الدارقطني فورك ضعيف جدا ثم أورد من مناكيره هذا الخبر وقال ابن حجر: سنده ضعيف جدا وقال الهيثمي: فيه ليث بن حماد وفورك كلاهما ضعيف(4/449)
5924 - (في الخيل وأبوالها وأرواثها كف من مسك الجنة) أي مقدار قبضة والأولى في مثل هذا أن يفوض فهمه إلى الشارع وتترك التعسفات في توجيهه
(ابن أبي عاصم في الجهاد عن عريب) بفتح المهملة وكسر الراء (المليكي) بضم ففتح بضبط المصنف شامي قال البخاري: يقال له صحبة قال الذهبي: له حديث من وجه ضعيف انتهى وأشار به إلى هذا الحديث(4/450)
5925 - (في الذباب في أحد جناحيه) قيل وهو الأيسر (داء) أي سم كما جاء هكذا في رواية (وفي الآخر شفاء فإذا وقع في الإناء) أي الذي فيه مائع كعسل (فارسبوه) أي اغمسوه يقال رسب الشيء رسوبا ثقل وصار إلى أسفل وفيه أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه لأن الشارع لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه لأنه إفساد واعتراضه بأنه لا يلزم من غمسه موته فقد يغمسه برفق وبأن الحديث غير مسوق لبيان النجاسة والطهارة بل لقصد بيان التداوي من ضرر الذباب أجيب بأنه وإن كان كذلك لكن لا يمنع أن يستنبط منه حكم (فيذهب شقاؤه بدائه)
(ابن النجار) في التاريخ (عن علي) ورواه أحمد والنسائي عن أبي سعيد بلفظ أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يدس السم ويؤخر الشفاء(4/450)
5926 - (في الركاز) الذي هو من دفين الجاهلية في الأرض (الخمس) بضمتين وقد تسكن الميم وإنما كان فيه الخمس لا نصف عشره لسهولة أخذه ولأنه مال كافر فنزل واجده منزلة الغانم فله أربعة أخماسه
(هـ عن ابن عباس طب عن أبي ثعلبة) الخشني (طس عن جابر وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه يزيد بن سنان وفيه كلام(4/450)
5927 - (في الركاز) بكسر الراء وتخفيف الكاف (الخمس) مذهب الأئمة الأربعة أن فيه الخمس لكن شرط الشافعي النصاب والنقدين لا الحول <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أنه أبيح لهم الكنز إذا أدوا زكاته
(أبو بكر بن أبي داود في جزء من حديثه عن ابن عمر) بن الخطاب(4/450)
5928 - (في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر باللين وكلاهما مصيب أحدهما جبريل والآخر ميكائيل ونبيان أحدهما يأمر باللين والآخر بالشدة وكل) منهما (مصيب إبراهيم ونوح) إبراهيم باللين ونوح بالشدة (ولي صاحبان [ص:451] أحدهما يأمر باللين والآخر بالشدة أبو بكر وعمر) بن الخطاب فأبو بكر يشبه ميكائيل وإبراهيم وعمر يشبه جبريل ونوحا
(طب وابن عساكر) في التاريخ وكذا الديلمي (عن أم سلمة) قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات(4/450)
5929 - (في السمع مئة من الإبل) إذا جنى إنسان على إنسان مسلم معصوم فأبطل سمعه فعليه دية كاملة وهي مئة من الإبل (وفي العقل مئة من الإبل) كذلك
(هق من معاذ) بن جبل(4/451)
5930 - (في السواك عشر خصال) فاضلة (يطيب الفم) أي يذهب برائحته الكريهة ويكسبه ريحا طيبة (ويشد اللثة) أي لحم الأسنان (ويجلو البصر ويذهب البلغم ويذهب الحفر) بفتح الحاء والفاء بضبط المصنف داء يصيب الأسنان (ويوافق السنة) أي الطريقة المحمدية (ويفرح الملائكة) لأنهم يحبون الريح الطيبة (ويرضي الرب) لما في فعله من الثواب (ويزيد في الحسنات) لأن فعله منها (ويصحح المعدة) أي ما لم يبالغ فيه جدا
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب وأبو نعيم في) كتاب فضل (السواك) من طريق الخليل بن مرة وفيه كما قال الولي العراقي: ضعف عن ابن أبي رباح (عن ابن عباس) وهذا الحديث خرجه الدارقطني في سننه عن ابن عباس من هذا الوجه لكن ترتيبه يخالف ما هنا ولفظه في السواك عشر خصال مرضاة للرب ومسخطة للشيطان ومفرحة للملائكة جيد للثة ويذهب بالحفر ويجلو البصر ويطيب الفم ويقل البلغم وهو من السنة ويزيد في الحسنات اه ثم قال أعني الدارقطني معلى بن ميمون أحد رجاله ضعيف متروك وروى أبو نعيم من طريق إسماعيل بن عباس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء عليكم بالسواك فلا تغفلوه وأديموه فإن فيه أربعة وعشرين خصلة أفضلها وأعلاها درجة أنه يرضي الرحمن ومن أرضى الرحمن فإنه يحل الجنان. الثانية أنه يصيب السنة. الثالثة أنه تضاعف صلاته سبعا وعشرين ضعفا. الرابعة أنه يورث السعة والغنى. الخامسة يطيب النكهة. السادسة يشد اللثة. السابعة يذهب الصداع ويسكن عروق رأسه فلا يضرب عليه عرق ساكن ولا يسكن عليه عرق ضارب. الثامنة يذهب عنه وجع الضرس. التاسعة تصافحه الملائكة لما ترى من النور على وجهه. العاشرة تنقي أسنانه حتى تبرق. الحادي عشر تشيعه الملائكة إذا خرج إلى مسجده لصلاته. الثانية عشر تستغفر له حملة العرش عند رفع أعماله. الثالث عشر يفتح له أبواب الجنة. الرابعة عشر يقال هذا مقتد بالأنبياء يقفو آثارهم ويلتمس هديهم. الخامسة عشر يكتب له أجر من تسوك من يومه ذلك في كل يوم. السادسة عشر تغلق عنه أبواب الجحيم. السابعة عشر تستغفر له الأنبياء والرسل. الثامنة عشر لا يخرج من الدنيا إلا طاهرا مطهرا. التاسعة عشر لا يعاين ملك الموت عند قبض روحه إلا في الصورة التي يقبض فيها الأنبياء. العشرون لا يخرج من الدنيا حتى يسقى من الرحيق المختوم. الحادية والعشرون يوسع عليه قبره وتكلمه الأرض من محبته وتقول كنت أحب نغمتك على ظهري فلأتسعن عليك. الثانية والعشرون يصير قبره عليه أوسع من مد البصر. الثالثة والعشرون يقطع الله عنه كل داء ويعقبه كل صحة. الرابعة والعشرون يكسى إذا كسي الأنبياء ويكرم إذا كرموا ويدخل الجنة معهم بغير حساب. قال العراقي: خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء والحديث في متنه نكارة وهو موقوف(4/451)
[ص:452] 5931 - (في الضبع) إذا صاده المحرم (كبش) هو فحل الضأن في أي سن كان والأنثى نعجة وواجب الضبع على قول الأكثر نعجة لا كبش
(هـ عن جابر) قال البيهقي: حديث جيد تقوم به الحجة ورواه بمعناه أصحاب السنن الأربعة(4/452)
5932 - (في الضبع كبش وفي الظبي) الغزال والأنثى ظبية (شاة) هي الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى من ضأن أو معز (وفي الأرنب) اسم جنس يقع على الذكر والأنثى (عناق) أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة وفي الروضة أنثى المعز من حين تولد حتى ترعى (وفي اليربوع) حيوان معروف كلون الغزال (جفرة) أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والذكر جفر سمي به لأنه جفر جنباه أي عظما
(هق) وكذا الدارقطني كلاهما من حديث أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله (عد هق عن عمر) بن الخطاب قال عبد الحق: رواه الثقات الأثبات عن عمر من قوله(4/452)
5933 - (في العسل في كل عشرة أزق زق) جمع قلة لزق وهو السقاء الذي زق جلده أي سلخ من قبل رأسه وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد والشافعي في القديم فأوجبوا فيه العشر وفي الجديد لا زكاة فيه وهو مذهب مالك لأنه ليس بقوت ولم يصح فيه خبر
(ت هـ) في الزكاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: لا يصح وفيه صدقة السمين ضعيف وقد خولف وقال النسائي حديث منكر وقال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح اه. وتعقبه مغلطاي بصحة حديث فيه في مسند الشافعي وغيره اه. وبالجملة فحديث الترمذي هذا جزم الحافظ ابن حجر وغيره ليضعفه(4/452)
5934 - (في الغلام) أي المولود الذكر (عقيقة) وهو ما يذبح عند حلق شعره (فأهريقوا) عنه (دما) أي اذبحوا عنه شاتين ويجزئ واحدة (وأميطوا عنه الأذى) نجسا أو طاهرا فيحلق شعر رأسه يوم السابع ويتصدق بزنته ذهبا فإن عسر ففضة أما الأنثى فيعق عنها بشاة واحدة
(ن عن سلمان بن عامر) الضبي صحابي مشهور(4/452)
5935 - (في الكبد الحارة أجر) يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان أجر والمراد المحترم
(هب عن سراقة) بضم المهملة وخفة الراء (ابن مالك) بن جشم المدلجي(4/452)
5936 - (في اللبن صدقة) أي زكاة ولم أر من أخذ بقضية هذا الخبر فأوجبها فيه ويمكن تنزيله على زكاة التجارة وقد يحمل على صدقة التطوع ويكون الطلب ندبا <فائدة> سئل جدي الشرف المناوي هل اللبن أفضل من العسل أم عكسه؟ فأجاب بأن الذي يظهر أن اللبن أفضل من العسل (الروياني) في مسنده (عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا الخلال والديلمي(4/452)
5937 - (في اللسان الدية إذا منع الكلام وفي الذكر الدية إذا قطعت الحشفة وفي الشفتين الدية)
(عد هق عن ابن عمرو) ابن العاص(4/452)
[ص:453] 5938 - (في المؤمن) أي الغير الكامل الإيمان (ثلاث خصال الطيرة والظن) أي السيء (والحسد) فقلما ينفك عنها (فمخرجه من الطيرة أن لا يرجع) عن مقصده بل يعزم ويتوكل على ربه (ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الحسد أن لا يبغي) على المحسود وقد مر معناه غير مرة
(ابن صصري في أماليه فر عن أبي هريرة)(4/453)
5939 - (في المنافق ثلاث خصال إذ حدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع (وإذا وعد أخلف) بأن لا يفي به (وإذا ائتمن خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقض ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو وقد مر ذلك أول الكتاب موضحا
(البزار) وكذا الطبراني في الأوسط (عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه يوسف بن الخطاب مجهول(4/453)
5940 - (في المواضح) جمع موضحة وهي التي ترفع اللحم عن العظم وتوضحه أي تظهر بياضه (خمس خمس من الإبل) إن كان في رأس أو وجه وإلا ففيها الحكومة عند الشافعي وتمام الحديث والأصابع كلها سواء عشر عشر من الإبل قال القاضي: وأمثال هذه التقديرات تعبد محض لا طريق إلى معرفته إلا التوقيف
(حم 4 عن ابن عمرو) بن العاص(4/453)
5941 - (في أحد جناحي) في خط المصنف جناح بدون الياء ولعله سبق قلم (الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام) أي المائع (فأملقوه) أي اغمسوه (فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء) والأمر للندب
(هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه(4/453)
5942 - (في الوضوء إسراف) أي مجاوزة للحد في قدر الماء (وفي كل شيء من العبادات وغيرها) إسراف بحسبه وهو مذموم
(ص عن يحيى بن أبي عمرو السيباني) بفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها موحدة أبو زرعة الحمصي قال الذهبي وغيره: ثقة وروايته عن الصحابة مرسلة فلذا قال (مرسلا)(4/453)
5943 - (في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذرية بطونهم) قال الزمخشري: الذرب فساد المعدة وقال ابن الأثير: الذرب بالتحريك داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ويفسد فيها فلا تمسكه وقد احتج بهذا الحديث من قال بطهارته من مأكول اللحم أما من الإبل فبنص الحديث وأما من غيرها فبالقياس وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني وذهب الشافعي كالجمهور إلى نجاسة كل بول وروث من مأكول أو غيره وردوا الأول بأنه للتداوي بدليل قوله شفاء وهو جائز كتناوله لعطش وميتة [ص:454] لجوع وأما حديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها فأراد بالحرام ما أخذ قليله بسبب أخذ كثيره أو أنه في المسكر أو المراد نفي الشفاء الحاصل بالحرام والشفاء ليس فيه بل الشافي هو الله فإن قيل فلا وجه لتخصيص الحرام قلنا تخصيص أحد النوعين بالذكر لا يدل على نفي الآخر بخلاف الصفة سيما إذا وقع السؤال لذلك النوع أو خص للزجر
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في الطب) النبوي وابن المنذر (عن ابن عباس) ورواه الحارث والديلمي وفيه ابن لهيعة وغيره(4/453)
5944 - (في أصحابي) الذين ينسبون إلى صحبتي وفي رواية في أمتي وهو أوضح في المراد (اثني عشر منافقا) هم الذين جاؤوا متلثمين وقد قصدوا قوله ليلة العقبة مرجعه من تبوك حتى أخذ مع عمار وحذيفة طريق الثنية والقوم ببطن الوادي فحماه الله وأعلمه بأسمائهم (فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة) زاد في رواية ولا يجدون ريحها (حتى يلج الجمل في سم الخياط)
(حم م عن حذيفة)(4/454)
5945 - (في أمتي خسف ومسخ وقذف) بالحجارة من جهة السماء استشكل هذا الحديث ابن مردويه عن جابر مرفوعا دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم شيئين وأبى أن يرفع عنهم اثنين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع عنهم الخسف والرجم وأبى أن يرفع الآخرين وأجيب أن الإجابة مقيدة بزمن مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة وأما بعد فيجوز وقوعه وبأن المراد أن لا يقع لجمعهم بل لأفراد منهم غير مقيد بزمن <تنبيه> من الغريب قول ابن العربي الممسوخ حيوانا مأكولا لا يحرم أكله لأن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وقال الحافظ ابن حجر: وحل أكل الآدمي إذا مسخ حيوانا مأكولا لم أره في كتب فقهائنا
(ك) في الفتن من حديث الحسن بن عمرو الفقي عن أبي الزبير (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: على شرط مسلم إن كان أبو الزبير سمع من ابن عمرو قال ابن حجر: والمسخ قد ورد في روايات كثيرة وفي أسانيدها مقال غالبا لكن يدل مجموعها على أن لذلك أصلا(4/454)
5946 - (في أمتي) أي سيظهر في أمتي (كذابون) صيغة مبالغة من الكذب وهو الخبر الغير المطابق للواقع ولا يعارضه الإخبار بإفشاء الكذب من القرن الرابع لأن المراد الزيادة على الكذب كما دلت عليه صيغة المبالغة وفي رواية كلهم يكذب على الله ورسوله (ودجالون) أي مكارون منسوبون من الدجل وهو التلبيس مبالغون في الكذب وأفردهم عن الأولين باعتبار ما قام بهم من المبالغة في الزيادة فيه تنبيها على أنهم النهاية التي لا شيء بعدها في هذا المبلغ وظاهر هذا أن الدجال إذا جمع أريد به علم الجنس وإذا أفرد فهو علم شخص (سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي) وعيسى إذا نزل إنما يحكم بشرعه
(حم طب) وكذا الديلمي (والضياء) المقدسي (عن حذيفة) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني والبزار رجال البزار رجال الصحيح وقضيته أن رجال ذينك ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أحسن(4/454)
5947 - (في بيض النعام يصيبه المحرم) أي يتلفه (ثمنه) أي يضمن قشره بقيمته لأنه ينتفع به
(هـ عن أبي هريرة) ورواه [ص:455] عنه أيضا الطبراني والديلمي(4/454)
5948 - (في بيضة نعام) يتلفها المحرم (صيام يوم أو إطعام مسكين) مدا من طعام وبهذا أخذ الأئمة ومذهب الشافعي أن في بيض النعام ولو مذرا القيمة
(هق) وكذا الدارقطني (عن أبي هريرة) قال الذهبي: هذا حديث منكر اه. ورواه الدارقطني أيضا عن عائشة بلفظ في بعض نعام كسره رجل محرم صيام يوم لكل بيضة قال عبد الحق: هذا لا يسند من وجه صحيح(4/455)
5949 - (في ثقيف) اسم قبيلة (كذاب) قيل هو المختار بن عبيد الذي زعم أن جبريل يأتيه بالوحي (ومبير) أي مهلك وتنوينه للتعظيم هو الحجاج لم يكن في الإهلاك أحد مثله قبل قتل مئة وعشرين ألفا صبرا سوى ما قتل في حروبه وفيه إخبار عن المغيات وقد وقع فهو من المعجزات
(ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن سلامة بنت الحسن) رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه من طريق الترمذي عبد الله بن عصم قال ابن حبان: منكر الحديث وخبر الطبراني أعله الهيثمي بأن فيه نسوة مساتير(4/455)
5950 - (في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة) ما له سنة كاملة سمي به لأنه يتبع أمه أو لأن قرنه يتبع أذنه (وفي أربعين من البقر مسنة) وتسمى ثنية وهي ما لها سنتان كاملتان سميت مسنة لكمال أسنانها
(ت هـ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه(4/455)
5951 - (في جهنم واد وفي الوادي بئر يقال له هبهب) قال ابن الأثير: الهبهب السريع وهبهب السراب إذا ترقرق (حق على الله أن يسكنها كل جبار) أي متمرد على الله عات متكبر قال القاضي: سمي بذلك إما للمعانه من شدة اضطراب النار فيه والهابه من هبهب الشراب إذا لمع أو لسرعة اتقاد ناره بالعصاة واشتعالها فيهم من الهبهب الذي هو السرعة أو لشدة أجيج النار فيه من الهباب وهو الصياح. قال الغزالي: أودية جهنم عدد أودية الدنيا وشهواتها وقد تضمن هذا الحديث ما يقصم الظهر جزعا ويبكي القلوب ألما والعيون دما من ظلمة الفؤاد من ظلم العباد وقسوة القلب والفؤاد <تنبيه> سميت جهنم لأنها كريهة المظهر والجهام السحاب الذي هرق ماؤه والغيث رحمة فلما أنزل الله الغيث من السحاب أطلق عليه اسم الجهام لزوال الرحمة الذي هو الغيث فكذا الرحمة أزالها الله من جهنم فكانت كريهة المنظر والمخبر
(ك) في الرقاق (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورده عليهما الزين العراقي بأن فيه أزهر بن وسنان ضعفه ابن معين وابن حبان وأورد له في الضعفاء هذا الحديث اه. فكما أن الحاكم لم يصب في تصحيحه لم يصبه ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع بل هو ضعيف(4/455)
5952 - (في خمس من الإبل شاه) وفي عشر شاتان وفي خمس عشر ثلاث شياه (وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين ابنة مخاض) زاد في رواية أنثى وهي التي تم لها سنة سميت لأن أمها تكون حاملا والمخاض الحوامل من النوق لا واحد لها من لفظها ويقال لواحدتها خلفة وإنما أضيفت إلى المخاض والواحدة لا تكون بنت نوق لأن أمها تكون من نوق حوامل وضعت حملها معهن في سنة وهي تتبعهن ووصفها بأنثى تأكيدا كما قال سبحانه {نعجة واحدة} [ص:456] وفائدة التأكيد أن لا يتوهم متوهم أن البنت هنا والابن في ابن لبون كالبنت في بنت طلق والابن في ابن آوى وابن داية يشترك فيها الذكر والأنثى (إلى خمس وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإن زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإن زادت واحدة ففيها جذعة) وهي التي تمت أربع سنين ودخلت في الخامسة (إلى خمس وسبعين فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومئة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون) دليل على استقرار الحساب بعد ما جاوز العدد المذكور وهو مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة والثوري يستأنف الحساب بإيجاب الشياه ثم بنت مخاض ثم بنت لبون على الترتيب السابق (فإذا كانت إحدى وعشرين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومئة فإذا كانت ثلاثين ومئة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومئة فإذا كانت أربعين ومئة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومئة فإذا كانت خمسين ومئة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومئة فإذا كانت ستين ومئة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومئة فإذا كانت سبعين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومئة فإذا كانت ثمانين ومئة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومئة فإذا كانت تسعين ومئة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومئة فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم أي راعيتها لا لمعلوفة (في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومئة فإن زادت واحدة فشاتان إلى المائتين فإن زادت على المائتين) واحدة (ففيها ثلاث إلى ثلاث مئة فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مئة شاة شاة ليس فيها شيء حتى تبلغ [ص:457] المئة ولا يفرق) بضم أوله وفتح ثالثه مشددا (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (ولا يجمع) بضم أوله وفتح ثالثه أي لا يجمع المالك والمصدق (بين متفرق) بتقديم التاء على الفاء (مخافة) وفي رواية للبخاري خشية (الصدقة) أي مخافة المالك كثرة الصدقة والساعي قلتها وفيه أن الخلطة تجمع مال الخليطين كواحد لكن بشروط مبينة في الفروع (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان) ما متضمنة معنى الشرط أي مهما كان من خليطين أي مخلوطين أو خالطين فإنهما أي الخليطين بالمعنى الثاني أو مالكيهما بالمعنى الأول ولا مانع من ذلك إذ فعيل تأتي بمعنى مفعول وبمعنى فاعل ويجوز جمعها باعتبارين فيكون خليط بمعنى مخلوط بالنسبة للمال وبمعنى خالط بالنسبة للمالك ومعنى يتراجعان أن من أخرج منهما زكاتهما من ماله رجع على الآخر بقدر نسبة ماله إلى جملة المال وقوله (بالسوية) أراد به النسبة (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) بكسر الراء أي كبيرة السن (ولا ذات عوار) بفتح العين المعيبة بما يرد به في البيع (من الغنم ولا تيس الغنم) أي فحل المعز (إلا أن يشاء المصدق) بتخفيف الصاد أي الساعي وبتشديدها أي المالك والاستثناء إما من التيس لأنه قد يزيد على خيار الغنم في القيمة لطلب الفحولة أو من الكل إذ أداؤه أنفع للمستحقين فالمنع في المذكورات موضعه إذا كانت ماشيته كلها كذلك والغرض كما قال الحطابي أن لا يأخذ الساعي شرار الأموال كما لا يأخذ كرائمها فلا يجحف بالمالك ولا يزري بالمستحقين
(حم عد ك عن ابن عمر) بن الخطاب(4/455)
5953 - (في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بني مخاض)
(د عن ابن مسعود)(4/457)
5954 - (في طعام العرس مثقال من ريح الجنة) الله أعلم بما أراد نبيه
(الحارث) بن أبي أسامة (عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الديلمي أيضا(4/457)
5955 - (في عجوة العالية) العجوة تمر بضرب إلى سواد والعالية الحوائط والقرى التي في الجهة العليا للمدينة مما يلي نجد (أول البكرة) بضم فسكون نصب على الظرفية (على ريق النفس) أي بزاق الإنسان نفسه (شفاء من كل سحر أو سم) لخاصية فيه أو لدعاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له أو لغير ذلك وهل تناوله أول الليل كتناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السحر والسم إلى الصباح احتمالان وظاهر الإطلاق المواظبة على ذلك قال الخطابي: كون العجوة ينفع من السحر والسم إنما هو ببركة دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر وقال ابن التين: يحتمل أن المراد نخل خاص لا يعرف الآن أو هو خاص بزمنه
(حم عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا(4/457)
5956 - (في كتاب الله) القرآن (ثمان آيات للعين: الفاتحة وآية الكرسي) لفظ رواية الديلمي كما رأيته في نسخة قديمة مصححة بخط الحافظ ابن حجر في كتاب الله عز وجل ثمان آيات للعين لا يقرؤها عبد في دار فتصيبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن فاتحة الكتاب سبع آيات وآية الكرسي اه بنصه
(فر عن عمران بن حصين) ورواه عنه الميداني أيضا(4/457)
[ص:458] 5957 - (في كل إشارة في الصلاة عشر حسنات) الظاهر أن المراد بالإشارة فيه الإشارة بالمسبحة في التشهد عند قوله لا إله إلا الله
(المؤمل) بوزن محمد بالهمزة (بن إهاب) بكسر أوله وبموحدة الربعي العجلي أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل الرملة أصله من كرمان قال في التقريب كأصله: صدوق له أوهام (في جزئه عن عقبة بن عامر) الجهني ورواه الطبراني بلفظ يكتب بكل إشارة يشيرها الرجل في صلاته بيده بكل أصبع حسنة أو درجة قال البيهقي: وسنده حسن(4/458)
5958 - (في كل) أي في إرواء كل (ذات كبد) بفتح فكسر أو فسكون أو كسر فسكون وفي ظرفية أو سببية كما في خبر في النفس مئة من الإبل (حرى) فعلى من الحر وهو تأنيث حران وهما للمبالغة وأنثها لأن الكبد مؤنث سماعي. قال القرطبي: عنى به حرارة الحياة أو حرارة العطش وفي رواية كل كبد رطبة أي حية يعني بها رطوبة الحياة (أجر) عام مخصوص بحيوان محترم وهو ما لم يؤمر بقتله ونبه بالسقي على جميع وجوه الإحسان من الإطعام قال القرطبي: وفيه أن الإحسان إلى الحيوان مما يغفر الذنوب وتعظم به الأجور ولا يناقضه الأمر بقتل بعضه أو إباحته فإنه إنما أمر به لمصلحة راجحة ومع ذلك فقد أمرنا بإحسان القتلة
(حم هـ عن سراقة بن مالك حم عن ابن عمرو) بن العاص وسببه كما في مسند أبي يعلى قيل يا رسول الله الضوال ترد علينا هل لنا أجر أن نسقيها قال: نعم ثم ذكره وقضية اقتصار المصنف على ابن ماجه من بين الستة أنه تفرد به وهو ذهول فقد خرجه الشيخان معا والبخاري في بدء الخلق وفي باب الآبار وعند أبي هريرة في لفظ في كل ذات كبد رطبة أجر ومسلم في الحيوان عنه كمثل معناه وعذر المصنف أنه في ذيل حديث المومسة التي سقت الكلب فلم يتفطن له(4/458)
5959 - (في كل ركعة تسليمة) بعد التشهد لمن شاء وذلك في النفل
(هـ عن أبي سعيد) الخدري ورواه الديلمي أيضا(4/458)
5960 - (في كل ركعتين التحية) فيه حجة لأحمد في وجوب التشهد الأول كالأخير وقال مالك وأبو حنيفة سنتان والشافعي الأول سنة والأخير واجب
(م عن عائشة) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير وكان يقرأ في كل ركعتين التحية(4/458)
5961 - (في كل ركعتين تشهد وتسليم على المرسلين وعلى من تبعهم من عباد الله الصالحين) وهم القائمون بما عليهم من حقوق الله وحقوق عباده وفيه أن الأفضل للمتنفل أن يتشهد في كل ركعتين ويسلم لا في كل ركعة
(طب عن أم سلمة)(4/458)
5962 - (في كل قرن من أمتي سابقون) قال الحكيم: هم البدلاء الصديقون الذين بهم يدفع البلاء عن وجه الأرض ويرزقون وذلك لأن النبوة ختمت بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا الولاية فكان من الصحب من المقربين قليل ومن بعدهم في كل قرن قليل اه وفي شرح الحكم أن المراد بالسابق الداعي إلى الله المبعوث على رأس كل قرن للتجديد
(الحكيم) الترمذي (عن أنس) ورواه أبو نعيم والديلمي عن ابن عباس فما أوهمه عدول المصنف للحكيم من أنه لا يوجد لأحد من المشاهير الذي وضع لهم الرموز غير جيد(4/458)
[ص:459] 5963 - (في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن) أي مخاصم واستثنى في رواية أخرى جماعة أخرى قد مر ذلك
(هب عن كثير بن مرة) ضد حلوة (الحضرمي) بفتح الحاء والراء (مرسلا) هو الحمصي قال ابن سعد: تابعي ثقة والنسائي: لا بأس به قال في التقريب كأصله: ووهم من عده الصحابة(4/459)
5964 - (في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس) أي من الآدميين وغيرهم (يريد قبضها) أي موتها (في تلك السنة) كلها والظاهر أن المراد غير شهداء البحر الذين هو يتولى قبض أرواحهم
(الدينوري) أبو بكر أحمد بن مروان المالكي (في) كتاب (المجالسة) تأليفه وهو في عدة أسفار نسبة إلى دينور بفتح الدال المهملة وسكون المثناة تحت وفتح النون والواو وآخره راء بلدة من بلاد الجبل عند قرمسين ينسب إليها جمع من العلماء والصلحاء (عن راشد بن سعد مرسلا) هو الحمصي شهد صفين قال الذهبي: ثقة مات سنة ثلاث عشرة ومئة(4/459)
5965 - (في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا) في رواية قبر سبعون نبيا ببناء قبر للمفعول
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وقال الهيثمي: ورجاله ثقات(4/459)
5966 - (في هذا مرة وفي هذا مرة يعني القرآن والشعر) يشير به إلى أنه ينبغي للطالب عند وقوف ذهنه لترويحه بنحو شعر أو حكايات فإن الفكر إذا أغلق ذهل عن تصور المعنى وذلك لا يسلم منه أحد ولا يقدر إنسان على مكابدة ذهنه على الفهم وغلبة قلبه على التصور لأن القلب مع الإكراه أشد نفورا وأبعد قبولا وفي أثر إن القلب إذا أكره عمي ولكن يعمل على رفع ما طرأ عليه بترويحه بشعر أو نحوه من الأدب ليستجيب له القلب مطيعا قال:
وليس بمغن في المودة شافع. . . إذا لم يكن بين الضلوع شفيع
وقال الحكماء: إن لهذه القلوب تنافرا كتنافر الوحش فألفوها بالاقتصاد في التعليم والتوسط في التقديم ليحسن طاعتها ويدوم نشاطها وهذا يسمى عندهم بالتحميض وكان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة وهاتوا من أشعاركم فإن النفس تمل كما تمل الأبدان وفي صحف إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام على العبد أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلي فيها بين نفسه ولذاته فيما يحل ويباح
(ابن الأنباري في) كتاب (الوقف) والابتداء (عن أبي بكرة)(4/459)
5967 - (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف في أهل القدر) بالتحريك قال الطيبي: قوله في أهل القدر بدل بعض من قوله هذه الأمة بإعادة العامل وانتصابه على الحال والعامل فعل محذوف دل عليه قرينة الحال
(ت هـ عن ابن عمر) ابن الخطاب رمز المصنف لصحته(4/459)
5968 - (في هذه الأمة خسف) لبعض المدن والقرى (ومسخ) أي تحول صورة بعض الآدميين إلى صورة بعض الحيوانات وغيرهم (وقذف) رمي بالحجارة من جهة السماء (إذا ظهرت القيان والمعازف [ص:460] وشربت الخمور) وقد مر تأويله
(ت عن عمران بن حصين) قال المنذري: خرجه الترمذي من رواية عبد العزيز بن عبد القدوس وقد وثق وقال: حديث غريب وقد روي عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط وقد رمز المصنف لحسنه(4/459)
5969 - (فيما سقت السماء) أي ماؤها فهو مع ما بعده من مجاز الحذف أو من ذكر المحل وإرادة الحلال (والأنهار) جمع نهر وهو الماء الجاري المتسع (والعيون) جمع عين (أو كان عثريا) بفتح المهملة والمثلثة ما يسقى بالسيل الجاري في حفر ويسمى البعلي ومنه ما يشرب من النهر بلا مؤونة أو يشرب بعروقه (العشر) مبتدأ خبره فيما سقت أي العشر واجب فيما سقت السماء (وفيما يسقي بالسواني) بخط المصنف بالنون جمع سانية (أو النضح) بفتح فسكون ما سقي من الآبار بالقرب أو الساقية فواجبه (نصف العشر) والفرق ثقل المؤونة في الثاني وخفتها في الأول والناضح ويسقى عليه من نحو بعير واستدل به الحنفية على وجوب الزكاة في قليل الزرع وكثيره وقال الشافعية مخصوص بحديث الشيخين أيضا ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة فقوله فيما سقت السماء العشر أي فيما لا يمكن التوثيق فيه جمعا بين الدليلين. وفيه رد على منع تخصيص السنة بالسنة
(حم خ 4 عن ابن عمرو)(4/460)
5970 - (فيهما فجاهد) أي إن كان لك أبوان فأبلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدو وقوله (يعني الوالدين) مدرج من كلام الراوي للبيان وهذا قاله لرجل استأذنه في الجهاد فقال: أحي والدك قال: نعم قال: ففيهما فجاهد أي إذا كان الأمر كما قلت فجاهد في خدمتهما وابذل في ذلك وسعك واتعب بذلك فإنه أفضل في حقك من الجهاد فيحتمل أنه كان متطوعا بالجهاد فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن خدمة أبويه أهم سيما إذا كان بهما حاجة إليه ويحتمل أنه نبئ أن الرجل لا كفاية له في الحرب وفيهما متعلق بالأمر قدم للاختصاص والجمهور على حرمة الجهاد إذا منعاه أو أحدهما بشرط إسلامهما
(حم ق) في الأدب (3) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص(4/460)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الفاء](4/460)
5971 - (الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب منها من العابد المقنط) أي الآيس من الرحمة وذلك لأن الفاجر الراجي لعلمه بالله قريب من الرحمة فقربه الله والعابد المقنط جاهل بالله ولجهله به بعد من الرحمة ورجاء العبد على قدر معرفته بربه وعلمه بجوده والقنوط من جهله به ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} فالمقنط إنما يقنط غيره لقنوطه فهو ضال عن ربه فما تغني العبادة مع الضلال و {لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}
(الحكيم) في النوادر (والشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن مسعود) وفيه عبد الله بن يحيى الثقفي أورده الذهبي [ص:461] في ذيل الضعفاء وقال: صويلح ضعفه ابن معين وسلام بن مسلم قال في الضعفاء: تركوه باتفاق وزيد العمى ضعيف متماسك ورواه عنه الحاكم ومن طريقه الديلمي بلفظ الفاجر الراجي رحمة الله أقرب إليها من العابد المجتهد الآيس منها الذي لا يرجو أن ينالها وهو مطيع لله عز وجل(4/460)
5972 - (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) شبهه به في ارتكاب الكبيرة قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} والزحف الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيبا إن زحف الصبي إذا دب على أسته قليلا قليلا سمي بالمصدر فكما يحرم الفرار من الزحف يحرم الخروج من بلد وقع فيها الطاعون (والصابر فيه كالصابر في الزحف) في حصول الثواب لكن محل النهي حيث قصد الفرار منه محضا بخلاف ما لو عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم لذلك أو قصد الراحة من البلد التي فيها الطاعون فلا يحرم
(حم وعبد بن حميد عن جابر)(4/461)
5973 - (الفار من الطاعون كالفار من الزحف) لما فيه من التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة مما قدر عليه (ومن صبر فيه كان له أجر شهيد) لما في الثبات من الوقوف مع المقدور والرضى به:
(حم عن جابر) قال الحافظ: جاء من حديث جابر بإسناد ضعيف ومن حديث عائشة بإسناد جيد اه وقد أورده المصنف من حديث جابر واقتصر عليه ثم لم يكتف بذلك حتى رمز لصحته فانعكس عليه الحال(4/461)
5974 - (الفأل مرسل) أي الفأل الحسن مرسل من قبل الله يستقبلك به كالبشير لك فإذا تفاءلت فقد أحسنت به الظن والله عند ظن عبده قال الحكيم: التفاؤل حسن الظن بالله في وارد ورده وهو شيء يختص بقوم ولا يكون لكل أحد كالفراسة والإلهام والحكمة فمن أعطي حظا من التفاؤل انتفع بالفأل فمن أعطي الفراسة فله منها حظ ومن لم يعطه فلا حظ له فيه فمعنى إرساله أن الله يرسل نبأ مما سيقع على لسان ذلك القائل (والعطاس شاهد عدل) أي دلالة صادقة على صدق الحديث الذي قارنه العطاس لأن العطسة تنفس الروح وتكشف الغطاء عن الملكوت بعد الكشف فذلك الوقت وقت حق يحقق صدق الحديث ويرجى فيه إجابة الدعاء
(الحكيم) الترمذي في نوادره قال: حدثنا محمد عن بقية بن الوليد عن رجل سماه (عن الرويهب) السلمي رفعه وبقية قد مر الكلام فيه غير مرة والرجل مجهول كما ترى ومحمد غير منسوب(4/461)
5975 - (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) الفتنة المحنة وكل ما يشق على الإنسان وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة قال تعالى {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} كذا في الكشاف وقال ابن القيم: الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما
(الرافعي) الإمام في تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه الديلمي لكن بيض ولده لسنده(4/461)
5976 - (الفجر فجران فجر يحرم فيه) على الصائم (الطعام) والشراب أي الأكل والشرب (وتحل فيه الصلاة) أي صلاة [ص:462] الصبح وهو الفجر الصادق (وفجر تحرم فيه الصلاة) أي صلاة الصبح بعد دخول وقتها بطلوعه (ويحل فيه الطعام) والشراب للصائم وهو الفجر الكاذب الذي يطلع كذنب السرحان ثم يذهب وتعقبه ظلمة
(ك هق) في الصلاة من حديث سفيان عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرطهما ووقفه بعضهم على سفيان وشاهده صحيح وهو ما ذكره بقوله:(4/461)
5977 - (الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان) ثم يذهب تعقبه ظلمة (فلا يحل الصلاة) أي صلاة الصبح أي وقتها لا يدخل به (ولا يحرم الطعام) والشراب على الصائم (وأما) الفجر (الذي يذهب مستطيلا في الأفق) أي نواحي السماء (فإنه يحل الصلاة) أي صلاة الصبح لأنه يدخل وقتها بطلوعه (ويحرم الطعام) والشراب على الصائم فالفجر الأول ويسمى الكاذب لا معول عليه في شيء من الأحكام بل وجوده كعدمه
(ك هق عن جابر) قال البيهقي: روي موصولا ومرسلا فالمرسل أصح قال ابن حجر: والمرسل الذي أشار إليه خرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني(4/462)
5978 - (الفخذ عورة) أي من العورة التي يجب سترها وهذا قاله لما مر على جرهد وهو كاشف عن فخذه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الترمذي والفرج فاحشة
(ت) وكذا البخاري في التاريخ وأبو داود وأحمد والطبراني من طرق كلهم (عن جرهد) بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهاء الأسلمي كان من أهل الصفة وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (وعن عباس) ورواه عنه أيضا أحمد وعبد بن حميد وضعفه البخاري في تاريخه وفال ابن حجر في المقدمة: فيه اضطراب وقال في الإصابة: اختلفوا في إسناده اختلافا كثيرا وصححه ابن حبان مع ذلك ورواه البخاري في تاريخه وأحمد والطبراني وغيرهم عن محمد بن جحش مرفوعا وعلقه البخاري في الصحيح في كتاب الصلاة ومما تقرر عرف أن اقتصار المؤلف على عزوه للترمذي وحده غير جيد(4/462)
5979 - (الفخر) أي ادعاء العظم والكبر (والخيلاء) بالضم والمد الكبر والعجب (في أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) قال الخطابي: إنما ذمهم لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمر دينهم وذلك يفضي إلى قسوة القلب (والسكينة) وهي السكون (والوقار) والتواضع (في أهل الغنم) لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من أسباب الفخر والخيلاء أي فاتخاذ الغنم أولى من اتخاذ الإبل لأن هذه تكسب خلقا مذموما وهذه خلقا محمودا
(حم عن أبي سعيد) الخدري ظاهره أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس لهما معا بلفظ الفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم اه بنصه. ثم رأيته فيه في كتاب الأنبياء كما ذكره(4/462)
5980 - (الفرار من الطاعون) من بلد هو فيها إلى محل ليس هو فيه (كالفرار من الزحف) لأنه فرار من قدر الله كما مر إلا متحيزا إلى فئة في لحوق الإثم وعظم الجرم
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وقضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر ولا أحق بالعزو من ابن سعد وإلا لما أبعد النجعة والأمر بخلافه فقد رواه أحمد بما يتضمن المعنى المذكور وزيادة ولفظه الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه له أجر شهيد اه فالعدول عنه غير سديد(4/462)
[ص:463] 5981 - (الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها) أي أشرفها وأفضلها ووسط كل شيء أحسنه لبعده عن الأطراف قال ابن القيم وغيره: فيه أن السماوات كرية مقبية فإن الأوسط لا يكون أعلاها إلا إذا كان كريا وأن الجنة فوق السماوات تحت العرش اه. وقال الطيبي: جمع بين الأعلى والأوسط ليكون أحدهما للحسي والآخر للمعنوي (ومنها) أي الفردوس (تفجر) بحذف إحدى التاءين (أنهار الجنة) الأربعة المذكورة في القرآن في قوله {فيها أنهار من ماء غير آسن} والمراد منها أصول أنهار الجنة قيل الجاري واحد وطبائعه أربعة: طبع الماء في إيجاد الحياة وطبع اللبن في التربية وطبع العسل في الشفاء والحلاوة وطبع الخمر في النشاط فيكون جمعه باعتبار معانيه كذا في شرح آثار النيرين وفيه أن أنهار الجنة تفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها
(طب) وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب. قال الهيثمي: أحد أسانيد الطبراني رجاله وثقوا وفي بعضهم ضعف(4/463)
5982 - (الفريضة في المسجد) أي فعلها يكون فيه ندبا مؤكدا (والتطوع في البيت) أي فعله يكون في البيت فإنه أفضل من فعله في المسجد لبعده عن الرياء والمراد التطوع الذي لا تشرع له جماعة وإلا فهو بالمسجد أفضل
(ع عن عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه(4/463)
5983 - (الفضل في أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك) قال في الإتحاف: المراد بالفضل الكامل وإنما يعين على ذلك أن يلاحظ الشخص بعمله وجه الله ويعرض عن الغرض الدنيء الدنيوي ولذلك آثار عظيمة في الدنيا والآخرة
(هناد) في الزهد (عن عطاء) بن أبي رباح مرسلا(4/463)
5984 - (الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس) أي الفطر هو اليوم الذي يجمعون على الفطر فيه هبه صادف الصحة أو لا ويوم الأضحى هو الذي يجمعون على التضحية فيه فيوم مرفوع خبر المبتدأ ويصح نصبه على الظرفية ويكون في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو الفطر تقديره الفطر في اليوم الذي يفطرون فيه قال الرافعي: احتج به الشافعي على أنه إذا شهدوا يوم عيد عند المساء أن اليوم الثلاثين كان يوم فطر لا تقبل الشهادة ويصلي من الغد أداء فليس يوم الفطر أول شوال مطلقا بل يوم فطر الناس ومثل ذلك الأضحى ويوم عرفة ويوافقه قول الترمذي معناه الفطر والصوم مع الجماعة ومعظم الناس
(ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا الشافعي والديلمي ورمز المصنف لصحته(4/463)
5985 - (الفطرة) واجبة (على كل مسلم) وعليه الإجماع إلا من شذ
(خط) في ترجمة عثمان البزار (عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم بن راشد الآدمي قال الذهبي في الضعفاء: وثقه الخطيب واتهمه ابن عدي وبهلول بن عيد الكندي قال الذهبي: ضعفوه(4/463)
5986 - (الفقر) وهو كما قال الحرالي: فقد ما إليه الحاجة في وقت من قيام المرء في ظاهره وباطنه (أزين على المؤمن [ص:464] من العذار الحسن على خد الفرس) لأن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه فطلبها شين والقلة منها زين والفقر في الأصل عدم المال وقلته وعند أهل التصوف عبارة عن الزهد والعبادة فيسمون من اتصف بذلك فقيرا وإن كان ذا مال وغيره غير فقير وإن كان فقيرا والصواب كما قاله جمع عدم النظر إلى الألفاظ المحدثة بل إلى ما جاء به الشارع
(طب عن شداد بن أوس هب عن سعيد بن مسعود) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف والمعروف أنه من كلام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم رواه ابن عدي في الكامل هكذا وقال في اللسان عن ابن عدي: إنه حديث منكر(4/463)
5987 - (الفقر أمانة فمن كتمه كان عبادة ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين) قد تقرر فيما قبله أن الفقر عند المتشرعة عدم المال والتقلل منه وعند الصوفية الانقطاع إلى الله وقد اختلفت عبارتهم وفيه ندب كتمان الفقر قال رويم الفقر حرمة له وحرمته ستره وإخفاؤه والغيرة عليه والضن به فمن كشفه وأظهره فليس من أهله ولا كرامه وفيه كالذي قبله وبعده شرف الفقير وضعة الغنى لأن الغنى هو فضول المال وحطام الدنيا ولا يكاد يدرك إلا بالطلب والطلب للاستكثار متوعد بغضب الله ومن حصلت له من غير طلب فهو مكثر وهو هالك إلا القليل قال بعض العارفين: كفى ذا المال أنه يحتاج إلى التطهير ولولا التدنيس به لم تطهره الزكاة قالوا: ولذلك لم تجب الزكاة على الأنبياء لكونهم لم يتدنسوا بها إذ هم خزان الله وأمناؤه على خلقه وللناس في التفضيل بين غني شاكر وفقير صابر معارك قال ابن القيم: والتحقيق أن أفضلهما أتقاهما فإن استويا استويا {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وفيه راجح بن الحسين مجهول(4/464)
5988 - (الفقر شين عند الناس وزين عند الله يوم القيامة) لأن الفقراء إلى الله ببواطنهم وظواهرهم ولا يشهدون لأنفسهم حالا ولا غنى ولا مالا وللفقر مع الرضى فضل كبير قال اليافعي: وفي مدح الفقر قلت:
وقائلة ما المجد للمرء والفخر. . . فقلت لها شيء كبيض العلا مهر
فأما بنو الدنيا ففخرهم الغنى. . . كزهر نضير في غد يبس الزهر
وأما بنو الأخرى ففي الفقر فخرهم. . . نضارته تزهو إذا فني الدهر
<تنبيه> قال ابن الكمال: سئلت عن الفقر مع كونه سواد الوجه في الدارين كيف كان فخر بفخر الناس فأجبت كونه سواد الوجه جهة مدح لا ذم إذ المراد من الوجه ذات الممكن ومن الفقر احتياجه في وجوده وسائر حاله إلى العمر وكون ذلك الاجتماع سواد وجهه عبارة عن لزومه لذاته بحيث لا ينفك السواد عن محله
(فر عن أنس) وفيه محمد بن مقاتل الرازي لا المروزي قال الذهبي في الذيل: ضعيف(4/464)
5989 - (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم) كان ضررهم على الدين والمسلمين أعظم من ضرر الكافرين والجاهلين فالفقهاء الذين هم ورثة الأنبياء وأمناؤهم على أممهم هم الذين جعلوا غرضهم ومرمى همهم إرشاد المسترشدين ونصيحة المؤمنين لا ما ينتحيه الفقهاء من الأغراض الخسيسة ويرومونه من المقاصد الركيكة من التصدي والتدريس والتبسط في البلاد والتشبه بالظلمة في ملابسهم ومراكبهم ومجالسهم [ص:465] ومنافسة بعضهم بعضا وفشو داء الضرائر بينهم وانقلاب حماليق حدقتهم إذا لمح ببصره مدرسة لآخر أو شرذمة جثوا بين يديه لاقتباس علم وتهالكه على أن يكون موطىء العقب دون الناس كلهم فما أبعد هؤلاء من قوله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا} ذكره كله الزمخشري. وقال الحكيم الترمذي: قد أبق علماء زماننا من مولاهم لأنهم تعجلوا حرية النفس وتقلبهم في دنياهم بمناهم وشهواتهم استبطأوا الحرية فتعجلوها فهربوا من العبودية له لأنهم عرفوه وهم به جهال فلا شربوا بالكأس الأوفى من محبته ولا ولهوا به وله العاكف ببابه ولا حييت قلوبهم بحياة الحي القيوم
(العسكري) في الأمثال (عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته(4/464)
5990 - (الفقه يمان والحكمة يمانية) أي منسوبة إلى اليمن والألف فيه معوضة عن ياء النسبة على غير قياس قيل معنى يمان أنه مكي وقد سبق تقريره قال الديلمي: والرواية المشهورة الإيمان يمان
(ابن منيع) في معجمه (عن أبي مسعود) البدري ورواه عنه الديلمي أيضا(4/465)
5992 - (الفلق) بفتحتين (سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون وإن جهنم لتتعوذ بالله منه) وهذا قاله تفسيرا لقوله تعالى {قل أعوذ برب الفلق}
(ابن مردويه) في التفسير (عن ابن عمرو) بن العاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل {قل أعوذ برب الفلق} والمعوذتين فذكره(4/465)
5991 - (الفلق جب) أي بئر (في جهنم مغطى) في رواية ابن أبي حاتم في قعر جهنم عليه غطاء إذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه
(ابن جرير) في التفسير (عن أبي هريرة) ورواه الديلمي عن عمر بن الخطاب(4/465)
حرف القاف(4/465)
5993 - (قابلوا للنعال) أي اعملوا لها قبالين قال الزمخشري: يقال نعل مقبلة ومقابلة وهي التي جعل لها قبالان وقد أقبلتها وقابلتها ومنه هذا الخبر ونعل مقبولة إذا شددت قبالها وقد قبلتها عن أبي زيد إلى هنا كلامه وقيل المراد أن يضع إحدى نعليه على الأخرى في المسجد
(ابن سعد) في الطبقات (والبغوي) في المعجم (والباوردي) في جزئه (طب وأبو نعيم) كلاهما من حديث عبد الله بن مسلم بن هرمز عن يحيى بن عبيد عن عطاء (عن) أبيه عن جده (إبراهيم الطائفي الثقفي) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يكلم الناس يقول لهم قابلوا إلخ قال الهيثمي: وعبد الله بن هرمز ضعيف قال ابن عبد البر: (وماله) أي لإبراهيم هذا (غيره) ونقل الذهبي عن ابن عبد البر أنه قال: لا يصح ذكره في الصحابة لأن حديثه مرسل فهو تابعي قال ابن حجر: لفظ ابن عبد البر إسناد حديثه ليس بالقائم ولا يصح صحبته عندي وحديثه مرسل انتهى فإن عنى بالإرسال انقطاعا بين أحد رواته فذاك وإلا فقد صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي إن ثبت إسناد حديثه لكن مداره على عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف وشيخه مجهول وفي سياقه خلف أيضا(4/465)
[ص:466] 5994 - (قاتل) وفي رواية لعن (الله اليهود) عاداهم أو لعنهم أو أهلكهم فأخرج في صورة المغالبة أو عبر عنه بما هو سبب عنه فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله تعالى ومقاتلته ومن قابله قتله ذكره الطيبي كالقاضي (إن الله عز وجل لما حرم عليهم الشحوم) أي أكلها في زعمهم إذ لو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة في إذابتها المذكورة بقوله (جملوها) بجيم أذابوها قائلين: الله حرم علينا الشحم وهذا ودك (ثم باعوها) مذابة (فأكلوا أثمانها) والمنهي عنه الإذابة للبيع للاستصباح فإنه جائز فالدعاء عليهم مرتب على المجموع لا على الجمع وفي رواية باعوه فأكلوا ثمنه قال الطيبي كالكرماني: الضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم الذي في ضمن الشحوم وفيه تحريم بيع الخمر واستعمال القياس وإبطال الحيل بفعل المحرم <تنبيه> قال عياض: أكثر اعتراض ملاعين اليهود والزنادقة على هذا الحديث بأن موطوءة الأب بالملك لولده بيعها دون وطئها وهو ساقط لأن قضية موطوءة الأب لم يحرم على الابن منها إلا وطؤها فقط فتدخل منتفعاتها حلال لغيره وشحم الميتة المقصود منه الأكل وهو حرام من كل وجه وحرمته عامة على كل اليهود فافترقا
(حم ق 4 عن جابر) بن عبد الله (ق عن أبي هريرة حم ق ن هـ عن عمر) بن الخطاب وسببه كما في أبي داود عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا خلف المقام فرفع رأسه إلى السماء فنظر ساعة ثم ضحك ثم ذكره(4/466)
5995 - (قاتل الله اليهود) أي أبعدهم عن رحمته لأنهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم وخص هنا اليهود لابتدائهم هذا الاتخاذ فهم أظلم وضم إليهم في رواية للبخاري النصارى وهم وإن لم يكن لهم إلا نبي واحد ولا قبر له لأن المراد النبي وكبار أتباعه كالحواريين أو يقال الضمير يعود لليهود فقط لتلك الرواية أو على الكل ويراد بأنبيائهم من أمروا بالإيمان بهم وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وإبراهيم قال القاضي: لما كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه أما من اتخذ مسجدا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه نحوه فلا حرج عليه ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام عند الحطيم؟ ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة لما فيها من النجاسة انتهى لكن في خبر الشيخين كراهة بناء المسجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد وظاهره أنها كراهة تحريم لكن المشهور عند الشافعية أنها كراهة تنزيه فيحمل ما تقرر عن القاضي على ما إذا لم يخف ذلك انتهى قال الشافعية وفيه أن لا يصلى على قبر نبي قيل وفي المطابقة بين الدليل والمدعي نظر إلا أن يقال إذا حرمت الصلاة إليه فعليه كذلك
(ق د عن أبي هريرة) وفي الباب جابر وابن عمر وغيرهما(4/466)
5996 - (قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون) قاله لما دخل الكعبة ورأى فيها تصاوير فمحاها وأصل اتخاذ الصور أن الأوائل فعلوها على شكل أسلافهم ليأنسوا برؤية صورهم ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ثم خلق من بعدهم خلق جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدونها فعبدوها فحذر المصطفى صلى الله عليه [ص:467] وسلم عن مثل ذلك وتوعد عليه سببا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفيه دليل على تحريم التصوير وقول بعضهم إنما يحرم في ذلك الزمان لقرب عهدهم بالأوثان أطنب القشيري في رده
(الطيالسي) أبو داود (والضياء) المقدسي (عن أسامة) بن زيد ورواه عنه الديلمي(4/466)
5997 - (قاتل دون مالك حتى تحوز مالك أو تقتل فتكون من شهداء الآخرة) أي يجوز لك ذلك فإن فعلت فقتلت كنت شهيدا في حكم الآخرة لا الدنيا
(حم طب عن مخارق) مخارق في الصحابة بجلي وشيباني وهلالي فلو ميزه لكان أولى رمز المصنف لحسنه(4/467)
5998 - (قاتل عمار وسالبه في النار) قتلته طائفة معاوية في وقعة صفين ضربته عادية المزنى برمح فسقط فجاء آخر فاحتز رأسه فاختصما إلى عمرو بن العاص ومعاوية كل يقول: أنا قتلته فقال عمرو: إنكما في النار <فائدة> قال ابن حجر: حديث تقتل عمارا الفئة الباغية رواه جمع من الصحابة منهم قتادة وأم سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأمية وأبو اليسر وعمار نفسه وغالب طرقه كلها صحيحة أو حسنة وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه
(طب عن عمرو بن العاص وعن ابنه) عبد الله ورواه عنه أحمد أيضا قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما: ورجال أحمد ثقات فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فعكس المصنف ولم يكتف بذلك حتى رمز لصحته(4/467)
5999 - (قارئ سورة الكهف تدعى) أي تسمى (في التوراة الحائلة) لأنها (تحول بين قارئها وبين النار) نار جهنم فتمنعه من دخولها وتخلصه من الزبانية بإذن ربها ويؤخذ من تعبيره بقارئ أن المراد المواظب على قراءتها في كل يوم أو في كل ليلة لا من قرأها أحيانا ثم يترك ويحتمل أن المراد في ليلة الجمعة ويومها لاستحباب قراءتها فيهما
(هب فر عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه وهو تلبيس فاحش بل عقبه بإعلاله فقال ما نصه: تفرد به محمد بن عبد الرحمن الجدعاني هكذا وهو منكر اه والجدعاني ضعفه أبو حاتم وغيره وفيه أيضا سليمان بن مرقاع أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال العقيلي: منكر الحديث وإسماعيل بن أبي أويس قال النسائي: ضعيف وقال الذهبي: صدوق صاحب مناكير وهذا الحديث والحديثان بعده سندها واحد وطريقها متحد(4/467)
6000 - (قارئ اقتربت) أي سورتها (تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها) أي حافظها عن ظهر قلب أو قارئها في المصحف (يوم تسود الوجوه) وهو يوم القيامة
(هب فر عن ابن عباس) فيه ما في الذي قبله(4/467)
6001 - (قارئ الحديد وإذا وقعت) الواقعة (والرحمن) أي وسورة الرحمن (يدعى في ملكوت السماوات والأرض ساكن [ص:468] الفردوس) أي جنة الفردوس أي أنه محكوم له بأنه سيسكنها مفروغ من ذلك مقطوع به عندهم
(هب فر عن فاطمة) الزهراء ثم قال البيهقي: تفرد بهما محمد بن عبد الرحمن عن سليمان وكلاهما منكر(4/467)
6002 - (قارئ ألهاكم التكاثر) أي سورتها بكمالها (يدعى في الملكوت مؤدي الشكر) لله سبحانه
(فر عن أسماء بنت عميس) وفيه إسماعيل بن أبي أويس قال الذهبي في الذيل: صدقوه لأنه صدوق صاحب مناكير وقال النسائي: ضعيف(4/468)
6003 - (قاربوا) أي اقصدوا أقرب الأمور فيما تعبدتم به ولا تغلوا فيه ولا تقصروا وقيل هو من قولهم قاربت الرجل لاطفته بكلام حسن لطيف (وسددوا) اقصدوا السداد في كل أمر (ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها) قال الغزالي: ولذلك سأل زيد بن ثابت ربه أن لا يزال محموما فلم يزل محموما ولم تفارقه الحمى حتى مات وكان في الأنصار من يتمنى العمى وقال عيسى عليه السلام: لا يكون عالما من لم يفرح بدخول المصائب والأمراض عليه لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه
(حم م ت عن أبي هريرة) قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره(4/468)
6004 - (قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فجار متعمدا أو قضى بغير علم فهما في النار) تمامه عند مخرجه الحاكم قالوا: فما ذنب هذا الذي يجهل قال: ذنبه أن لا يكون قاضيا حتى يعلم قال الذهبي: فكل من قضى بغير علم ولا بينة من الله ورسوله على ما يقضي به فهو داخل في هذا الوعيد المفيد أن ذلك كبيرة
(ك) في الأحكام (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن ابن بكير الغنوي أحد رجاله منكر الحديث وقال في الكبائر: إسناده قوي(4/468)
6005 - (قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار) قال البيهقي: المراد قاطع سدر في خلاة يستظل بها ابن السبيل وغيره بغير حق وههنا توجيهات ركيكة فاحذرها
(هق) من حديث بهز بن حكيم (عن معاوية بن حيدة)(4/468)
6006 - (قال الله تبارك وتعالى) أي تنزه عن كل ما لا يليق بكماله الأقدس (يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات) أي عن صلاتها (من أول النهار أكفك آخره) أي شر ما يحدثه في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد وأما هو فلا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية قالوا: هذا الحديث كلام قدسي والفرق بينه وبين القرآن أن القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل للإعجاز عن الإتيان بسورة من مثله والحديث القدسي إخبار الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام معناه بإلهام أو بالمنام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى بعبارة نفسه وجميع الأحاديث لم يضفها إلى الله ولم يروها عنه كما أضاف وروى الحديث القدسي قال الطيبي: وفضل القرآن على الحديث القدسي أن القدسي نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان من غير واسطة ملك غالبا لأن المنظور فيه المعنى [ص:469] دون اللفظ وفي القرآن اللفظ والمعنى منظوران فعلم من هذا مرتبة بقية الأحاديث اه. وقال الحافظ ابن حجر: هذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة
(حم د عن نعيم بن همام طب عن النواس) بن سمعان(4/468)
6007 - (قال الله تعالى يا ابن آدم صل) في رواية اركع (أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره) قال ابن تيمية: هذه الأربعة عندي هي الفجر وسننها وبه رد تلميذه ابن القيم على من استدل بها على سنة الضحى. قال بعضهم: يؤيد أنها الضحى ما في العيلانيات مرفوعا ما من عبد صلى الضحى ثم لم يتركها إلا عرجت إلى الله تعالى وقالت يا رب إن فلانا حفظني فاحفظه وإن تركها قالت يا رب إن فلانا ضيعني فضيعه
(حم عن أبي مرة الطائفي) قال في التقريب كأصله: شيخ لمكحول يقال له صحبة قيل الصواب أنه كثير بن مرة المتقدم قال الهيثمي: رجاله رجال صحيح (ت عن أبي الدرداء) قال في الميزان: حسن قوي الإسناد ورواه أيضا أبو داود والنسائي وفيه إسماعيل بن عياش(4/469)
6008 - (قال الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري) لكن وسعهم حلمه فأخرهم {ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} أي متخوفة لا تعي شيئا فيقال لهم {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} <تنبيه> قال الغزالي: المنعم هو الله والوسائط مسخرون من جهته فهو المشكور وتمام هذه المعرفة في الشك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلا في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحدا في حق الملك وكمال شكره أن لا يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركا في توحيده من إضافته النعمة للملك فكذلك من عرف الله وعرف أفعاله على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب والله هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت
(الحكيم) الترمذي (هب) وكذا الحاكم (عن أبي الدرداء) لكن الحكيم لم يذكر له سندا فكان اللائق عدم عزوه إليه ثم إن فيه عند مخرجه البيهقي كالحاكم مهنى بن يحيى مجهول وبقية بن الوليد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: يروي عن الكذابين ويدلسهم وشريح بن عبيد ثقة لكنه مرسل(4/469)
6009 - (قال الله تعالى من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليلتمس ربا سواي) قال الغزالي: كأنه يقول هذا لا يرضانا ربا حتى سخط فليتخذ ربا آخر يرضاه وهذا غاية الوعيد والتهديد لمن عقل ولمن صدق ولقد صدق من قال إذ سئل: ما العبودية والربوبية فقال: الرب يقضي والعبد يصبر وليس في السخط إلا الهم والضجر في الحال والوزر والعقوبة في المآل بلا فائدة إذ القضاء نافذ فلا ينصرف بالهلع والجزع كما قيل:
ما قد قضى يا نفس فاصطبري له. . . ولك الأمان من الذي لم يقدر [ص:470]
وتيقني أن المقدر كائن. . . حتم عليك صبرت أو لم تصبري
فمن ترك التسليم للقضاء فقد جمع على نفسه ذهاب ما أصيب به وذهاب ثواب الصابرين فهو خسران مبين ومن رضي بمكروه القضاء تلذذ بالبلاء ونال ثواب الصابرين ومن علم من نفسه العجز فليستعذ بالله من حمله ما لا يطيق وليقل كما علمه {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} ويسأل المعافاة ويستعين بالله على قضائه {فنعم المولى ونعم النصير} فإن قيل الشر والمعصية بقضاء الله فكيف يرضى به العبد قلنا الرضى إنما يلزم بالقضاء وقضاء الشر ليس بشر بل الشر المقضي قالوا والمقضيات أربعة نعمة وشدة وخير وشر فالنعمة يجب الرضى فيها بالقاضي والقضاء والمقضي ويجب الشكر عليها والشدة يجب الصبر عليها والخير يجب الرضى فيه بالقاضي والمقضي ويجب عليه ذكر المنة من حيث أنه وفقه له والشر يجب فيه الرضا بالقاضي والقضاء والمقضي من حيث إنه مقضي لا من حيث إنه شر <تنبيه> قال في شرح العوارف: أول ما كتب الله في اللوح المحفوظ إلى أنا الله لا إله إلا أنا من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سواي
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي هند الداري) نسبة إلى الدار بن هانئ واسمه يزيد بن عبد الله بن رزين صحابي سكن فلسطين ومات ببيت جبرين وهو أخو تميم الداري لأمه قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف جدا وبينه تلميذه الهيثمي فقال: فيه سعيد بن زياد قال الذهبي: متروك وأورده في اللسان في ترجمة سعيد من حديثه عن هند وقال الأزدي: متروك وساق ابن حبان له هذا وقال: لا أدري البينة منه أو من أبيه أو من جده(4/469)
6010 - (قال الله تعالى من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس ربا غيري) أي ولا رب إلا الله فعلى العبد الرضى بقضائه وإحسان الظن به وشكره عليه فإن حكمته واسعة وهو بمصالح العباد أعلم وغدا يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب البلاء كما يشكر الصبي بعد البلوغ مؤدبه على ضربه وتأديبه والبلاء تأديب من الله وعنايته لعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بأبنائهم روي أن بعض الأنبياء شكى إلى ربه الجوع والقمل عشر سنين فأوحى إليه كم تشكو؟ هكذا كان بدؤك عندي قبل أن أخلق السماوات والأرض هكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن أغير خلق الدنيا لأجلك أم أبدل ما قدرت عليك فيكون ما تحب فوق ما أحب؟ وعزتي وجلالي لئن تلجلج في صدرك هذا مرة أخرى لأمحونك من ديوان الأنبياء
(هب عن أنس)(4/470)
6011 - (قال الله تعالى الصيام جنة يستجن بها العبد من النار وهولي وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء بلا حساب لأن فيه الإعراض عن لذات الدنيا والنفس وحظوظها ومن أعرض عنها ابتغاء وجه الله لم يجعل بينه وبينه حجاب واعلم أن الصوم من أخص أوصاف الربوبية إذ لا يتصف به على الكمال إلا الله فإنه يطعم ولا يطعم فإضافته إلى نفسه بقوله وأنا أجزي به لكونه لا يتصف به أحد على الحقيقة إلا هو لأنه الغني عن الأكل أبد الآبدين ومن سواه لا بد له منه حتى الملائكة فإن طعامهم التسبيح والأذكار وشرابهم المحبة الخالصة والمعارف والعلوم الصافية من الأكدار ومن عداهم طعامهم وشرابهم ما يليق بهم في دار الدنيا وكل دار وقد دعا الباري إلى الاتصاف بأوصافه وتعبدهم بها بعد الطاقة والصوم من أخصها وأصعب الأشياء على النفوس لكونه خلاف ما جبلوا عليه لما أن وجودهم لا يقوم إلا بمادة بخلاف الغنى عن كل شيء
(حم هب عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: إسناد أحمد حسن(4/470)
[ص:471] 6012 - (قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له) أي كل عمل له فإن له فيه حظا ودخلا لإطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثوابا منهم (إلا الصيام فإنه) خالص (لي) لا يطلع عليه غيري أو لا يعلم ثوابه المترتب عليه أو وصف من أوصافي لأنه يرجع إلى صفته الصمدية لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسمه الصمد أو معناه أن الأعمال يقتص منها يوم القيامة في المظالم إلا الصوم فإنه لله ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئا واختاره ابن العربي وقيل لم يعبد به غير الله فلم تعظم الكفار في عصر قط آلهتهم بالصوم وإن عظموها بالسجود وغيره واستحسنه ابن الأثير وللطالقاني في ذلك جزء مفرد جمع فيه نحو خمسين قولا (وأنا أجزي به) صاحبه جزاءا كثيرا وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لا يطلع عليه غيري كصلاة بغير طهر أو ثوب نجس أو نحو ذلك مما لا يعلمه إلا الله (والصيام جنة) أي ترس يدفع المعاصي أو النار عن الصائم كما يدفع الترس السهم (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها لا يتكلم بقبيح (ولا يصخب) بسين أو بصاد مهملة لا يصيح وفي رواية لمسلم بدل يصخب يجهل وصحف من رواه ولا يسخر بالراء من السخرية (وإن سابه أحد) أي شاتمه يعني تعرض لشتمه (أو قاتله) أي أراد مقاتلته أو نازعه ودافعه (فليقل) بقلبه أو لسانه أو بهما وهو أولى (إني امرؤ صائم) ليكف نفسه عن مقاتلة خصمه (والذي نفس محمد بيده) أي بتقديره وتصريفه (لخلوف) بضم الخاء وخطأوا من فتحها تغير رائحة (فم الصائم) فيه رد على من قال لا تثبت الميم عند الإضافة إلا في الضرورة (أطيب عند الله من ريح المسك) أي عندكم فضل ما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ولا يتوهم أن الله يستطيب الروائح ويستلذ ما فإنه محال عليه تعالى وإنما معنى هذه الأطيبية راجع إلى أنه تعالى يثيب على خلوف فمه ثوابا أكثر مما يثيب على استعمال المسك حيث ندب الشرع إلى استعماله في الجمع والأعياد وغيرها ويحتمل أن يكون في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقيل يجازيه الله في الآخرة بأن يجعل نكهته أطيب من المسك كما في دم الشهيد أو هو مجاز واستعارة لتقريبه من الله (وللصائم فرحتان يفرحهما) أي يفرح بهما (إذا أفطر فرح بفطره) أي بإتمام صومه وسلامته من المفسدات لخروجه عن عهدة المأمور أو بالأكل والشرب بعد الجوع أو بما يعتقده من وجود الثواب أو بما ورد في خبر إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد (وإذا لقي ربه فرح بصومه) أي بنيل الثواب وإعظام المنزلة أو بالنظر إلى وجه ربه والأخير فرح الخواص
(ق ن) في الصوم (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة(4/471)
6013 - (قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم) زاد ابن خزيمة ومن كنت خصمه خصمته (يوم القيامة) والخصم مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كعدل وصوم (رجل أعطى بي ثم غدر) بحذف المفعول أي أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه ثم نقضه (ورجل باع حرا فأكل ثمنه) خص الأكل لأنه أعظم مقصود (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه) ما استأجر لأجله من العمل (ولم يعطه أجره) لأنه استوفى منفعته بغير عوض واستخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده. [ص:472]
(حم خ عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى وغيره(4/471)
6014 - (قال الله تعالى شتمني) بلفظ الماضي وروي بلفظ المضارع المفتوح الأول وكسر التاء والشتم الوصف بما يقتضي النقص (ابن آدم) أي بعض بني آدم وهم من أنكر البعث ومن ادعى أن له ندا (وما ينبغي له أن يشتمني) أي لا يجوز له أن يصفني بما يقتضي النقص (وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني) أي ليس له ذلك من حق مقام العبودية مع الربوبية (أما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا) لاستلزامه الإمكان المتداعي للحدوث وذلك غاية النقص في حق البارئ لأن الشتم توصيف الشيء بما هو نقص وإزراء وإثبات الولد له كذلك لأنه قول بمماثلة الولد له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي للحدوث ولأن الحكمة في التوالد استبقاء النوع فلو كان متخذا ولدا كان مستخلفا خلفا يقوم بأمره بعد عصره {تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا} (وأنا الله الأحد) حال من ضمير فقوله أو من محذوف أي فقوله لي (الصمد) أي الذي يصمد إليه في الحوائج (لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد) ومن هو كذلك فكيف ينسب إليه وهو واجب الوجود لذاته قديما وكل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية (وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني) وهذا قول منكري البعث من عبدة الأوثان (وليس أول الخلق) أي أول المخلوق أو أول خلق الشيء (بأهون علي من إعادته) الضمير للمخلوق أو للشيء قال القاضي: إشارة إلى برهان تحقق المعاد وإمكان الإعادة وهو أن ما يتوقف عليه تحقق البدن من مواده وأجزائه وصورته لو لم يكن وجوده ممكنا لما وجد أولا وقد وجد وإذا أمكن لم تمتنع لذاته وجوده ثانيا وإلا لزم انقلاب الممكن لذاته ممتنعا لذاته وهو محال وتنبيه على تمثيل يرشد العامي وهو ما يرى في الشاهد أن من عمد إلى اختراع صنعة لم يرى مثلها صعب عليه ذلك وتعب وافتقر إلى مكابدة أفعال ومعاونة أعوان ومرور أزمان ومع ذلك كثيرا لا يتم له الأمر ومن أراد إصلاح منكسر وإعادة منهدم هان عليه فيا معشر الغواة أتحيلون إعادة أبدانكم وإنكم معترفون بجواز ما هو أصعب منها بالنسبة لقدركم وأما بالنسبة لله فيستوي عنده نكوس بعوض طيار وتحليق فلك دوار {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} قال: والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص فإثبات الولد المماثل له في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي إلى الحدوث لأن الخدمة في التوالد استحفاظ النوع إذ لو كانت العناية الأزلية مقتضية لبقاء أشخاص الحيوان استغنى عن التناسل استغناء الأفلاك والكواكب عنه فلو كان البارئ متخذا ولدا لكان مستخلفا خلفا يقوم بأمره بعد عصره تعالى عن ذلك علوا كبيرا اه. وقال الطيبي: هذه أوصاف مشعرة بغلبة الحكم أما قوله الأحد فإنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد فلو فرض له ولد يكون مثله فلا يكون أحدا ولذلك قال في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} لأنه لو كان له ولد كان مثله نبيا لم يكن خاتم النبيين وهذا معنى الاستدراك في قوله {ولكن رسول الله} إلخ والصمد هو الذي يصمد إليه في الحوائج فلو كان له ولد لشركه فيه فيلزم فساد السماوات والأرض وقوله كفوا أي صاحبة ولا ينبغي له إذ لو فرض له ذلك لزم منه الاحتياج إلى قضاء الشهوة وكل ذلك وصف له بما فيه نقص وإزراء وهذا معنى الشتم فالأحد ذاتي والصمد إضافي والثالث سلبي فإن قيل أي الأمرين أعظم قلنا كلاهما عظيم لكن التكذيب أعظم لأن المكنونات لم تكون إلا للجزاء فمن أنكر الجزاء لزمه العبث في التكوين وإعدام السماوات والأرض فتنتفي جميع [ص:473] الصفات الكمالية التي أثبتها الشرع فيلزم منه التعطيل على أن الصفات الثبوتية إذا انتفت يلزم منه انتفاء الذات وكذا السلبية وذكر الله تكذيب ابن آدم وشتمه وعظمهما ولعمري أن أقل الخلق وأدناه إذا نسب ذلك إليه استنكف وامتلأ غضبا وكاد يستأصل قائله فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب}
(حم خ ك عن أبي هريرة)(4/472)
6015 - (قال الله تعالى كذبني ابن آدم) عموم يراد به الخصوص والإشارة إلى الكفار الذين يقولون هذه المقالات (ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك) هذا من قبيل ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء فيجب حمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي علل الحكم به بحسب التلميح وإلا لم يكن لتخصيص ابن آدم دون البشر والناس فائدة ذكره الطيبي قال: والتكذيب أعظم الأمرين (فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا) إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والناكح يستدعي باعثا له على ذلك والله منزه عن كل ذلك قال الطيبي: ومما في التكذيب والشتم من الفظاعة والهول أن المكذب منكر للحشر يجعل الله كاذبا والقرآن المجيد الذي هو مشحون بإثباته مفترى ويجعل حكمة الله في خلقه السماء والأرض عبثا والشاتم يحاول إزالة المخلوقات بأسرها ويزاول تخريب السماوات من أصلها {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} ثم تأمل في مفردات التركيب لفظة لفظة فإن قوله لم يكن له ذلك من باب تركيب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية لأن قوله لم يكن له ذلك نفي للكينونة التي هي بمعنى الانتفاء كقوله تعالى {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} أراد أن تأتي ذلك محال من غيره ومنه {وما كان لنبي أن يغل} معناه ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول فيجب أن يحمل لفظ ابن آدم على الوصف الذي يعلل الحكم به وإلا لما كان لتخصيص ابن آدم دون الناس والبشر فائدة وذلك لوجوه الأول له تلميح إلى قوله {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} من من الله عليهم بها المعنى أنا أنعمنا عليكم يإيجادكم من العدم وصورناكم في أحسن تقويم ثم أكرمناكم بأن أمرنا الملائكة المقربين بالسجود لأبيكم لتعرفوا قدر الإنعام فتشكروا فقلبتم الأمر فكفرتم ونسبتم المنعم إلى الكذب وإليه الإشارة بقوله تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} أي شكر رزقكم. الثاني تلميح إلى قوله {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} المعنى ألم تر أيها المكذب إلى أنا خلقناك من ماء مهين خرج من ذكر أبيك واستقر في رحم أمك فصرت تخاصمني بترهاتك فيما أخبرت به من الحشر والنشر بالبرهان فأنت خصيم لي بين الخصومة. الثالث أنه تلميح إلى قوله {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} المعنى أوليس الذي خلق هذه الأجرام العظام بقادر على أن يخلق مثل هذا الجرم الصغير الذي خلق من تراب ومن نطفة
(خ) في تفسير سورة البقرة (عن ابن عباس)(4/473)
6016 - (قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين) أي القائمين بما وجب عليهم من حق الحق والخلق (ما لا عين رأت) [ص:474] أي ما لا رأت العيون كلها لا عين واحدة فإن العين في سياق النفي تفيد الاستغراق ومثله قوله (ولا أذن سمعت) بتنوين عين وأذن وروي بفتحها (ولا خطر على قلب بشر) معناه أنه تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق فذكر الرؤية والسمع لأن أكثر المحسوسات تدرك بهما والإدراك ببقية الحواس أقل ولا يكون غالبا إلا بعد تقدم رؤية أو سماع ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقا إلى توهمها بذكر وخطور على قلب فقد جلت عن أن يدركها فكر وخاطر واستشكاله بأن جبريل رآها في عدة أخبار وأجيب بأنه تعالى خلق ذلك فيها بعد رؤيتها وبأن المراد عين البشر وآذانهم وبأن ذلك يتجدد لهم في الجنة كل وقت وبأن جبريل إنما ينظر ما أعد لعامتهم ولهذا قال بعض العارفين: المراد هنا التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه لأنها نعم خالقيات وأما النعم الخلقيات التي أخبر بها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنة النعيم فقد رأتها الأعين وسمعتها الآذان وخطرت على قلوب البشر وإلا لما أخبرها أحد وأما التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه فما رأتها عين ولا سمعت حقيقتها أذن ولا خطرت على قلب بشر إذ كل ما يخطر بالبال أو يمر بالخيال فالله بخلافه بكل حال وظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح مسلم ثم قرأ {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخر لأولئك وأخفي عن الخلق وفي رواية لمسلم عقيب قوله ولا خطر على قلب بشر ما نصه ذخر آبله ما أطلعكم الله عليه ثم قرأ {فلا تعلم نفس} الآية اه وزعم بعضهم أن قراءة الآية من قول أبي هريرة لا المرفوع وسياق مسلم يرده <تنبيه> في قوله أعددت دليل على أن الجنة مخلوقة الآن وقول الطيبي تخصيص البشر لأنهم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون بشأنه بخلاف الملائكة عورض بما زاده ابن مسعود في حديثه الذي رواه ابن أبي حاتم ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل
(حم ق ت هـ عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وغيره(4/473)
6017 - (قال الله تعالى إذا هم عبدي بحسنة) أي أرادها مصمما عليها عازما على فعلها (ولم يعملها) لأمر عاقه عنها (كتبت له حسنة) أي كتبت الحسنة التي هم بها ولم يعملها كتابة واحدة لأن الهم سببها وسبب الخير خير فوقع حسنة موقع المصدر (فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه) أي إن تركها خوفا منه تعالى ومراقبة له بدليل زيادة مسلم إنما تركها من جرائي أي من أجلي وإن تركها لأمر آخر صده عنها فلا (فإن عملها كتبتها سيئة واحدة) أي كتبت له السيئة كتابة واحدة عملا بالفضل في جانبي الخير والشر ولم يقل له مؤكدا لها لعدم الاعتناء بها المفاد من الحصر في قوله {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها}
(ق ت عن أبي هريرة)(4/474)
6018 - (قال الله تعالى إذا أحب عبدي لقائي) أي الموت وقال ابن الأثير: المصير إلى الآخرة وطلب ما عند الله وليس المراد الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها كره لقاءه (أحببت لقاء) أي أردت له الخير ومن أحب لقاء الله أحب التخلص إليه من الدار ذات الشوائب كما قال علي كرم الله وجهه لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي (وإذا كره لقائي كرهت لقاءه) قال الزمخشري: مثل حاله بحال عبد قدم على سيده [ص:475] بعد عهد طويل وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخط منها اه وقيل لأبي حازم: مالنا نكره الموت قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم الانتقال من العمران إلى الخراب ولما احتضر بشر فرح فقيل له: أتفرح بالموت قال: تجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه؟ <تنبيه> قال ابن عربي: من نعت محب الله أنه موصوف بأنه مقتول تالف سائر إليه بأسمائه طيار دائم السهر كامن الغم راغب في الخروج من الدنيا إلى لقاء محبوبه متبرم بصحبة ما يحول بينه وبينه كثير التأوه يستريح إلى كلام محبوبه خائف من ترك الحرمة في إقامة الخدمة يعانق طاعة محبوبه ويجانب مخالفته خارج عن نفسه بالكلية لا يطلب الدية في قتله يصبر على الضراء هائم القلب متداخل الصفات ما له نفس معه ملتذ في دهش لا يقبل حبه الزيادة بإحسان المحبوب ولا النقص بجفائه الناس حظه مخلوع النعوت مجهول الأسماء لا يفرق بين الوصل والهجر مصطلم مجهود مهتوك الستر سره علانية فضحه لا يعلم الكتمان
(مالك) في الموطأ (ن خ عن أبي هريرة)(4/474)
6019 - (قال الله تعالى قسمت الصلاة) أي قراءتها بدليل تفسيره بها قاله المنذري يعني الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله الحج عرفة وقيل من أسماء الفاتحة الصلاة فهي المعينة في الحديث (بيني وبين عبدي) وقدم تعالى نفسه في البينية فقال أولا بيني لأنه الواجب الوجود لنفسه وإنما استفاد العبد الوجود منه (نصفين) باعتبار المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء من قوله {وإياك نستعين} يزيد على نصف الثناء أو المراد قسمين والنصف قد يراد به أحد قسمي الشيء أي نصف عباده إلى {مالك يوم الدين} وهو حق الرب ونصف مناله إلى آخرها وهو حق العبد ولا ضمير في زيادة كلمات أحد القسمين على الآخر لأن كل شيء تحته نوعان أحدهما نصف له وإن لم يتحسد عددهما (ولعبدي ما سأل) أي له السؤال ومني الإعطاء ف {الحمد لله رب العالمين} آية {الرحمن الرحيم} آية ثانية {مالك يوم الدين} ثالثة {إياك نعبد وإياك نستعين} رابعة {اهدنا الصراط المستقيم} خامسة {صراط الذين أنعمت عليهم} سادسة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} سابعة فثلاث آيات لله تعالى وثلاث للعبد وواحدة بين العبد ومولاه فالتي لله هي الثلاث الأول وحينئذ (فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين) تمسك به من لا يرى البسملة منها لكونه لم يذكرها وأجيب بأن التنصيف يرجع إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة (قال الله تعالى حمدني عبدي) أي مجدني وأثنى علي بما أنا أهله قال ابن عربي: ومن هو العبد حتى يقول الله سبحانه وتعالى يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والتفضل الرباني لما وقع الاشتراك في المناجاة بقوله قال لي وقلت (فإذا قال الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإنعام (قال الله أثنى علي عبدي) لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية (فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي) عظمني (فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) فالذي للعبد منها {إياك نعبد} أي والذي لله {إياك نستعين} (فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي) أي خاص به (ولعبدي ما سأل) قال الطيبي: السورة في هذا التقدير أثلاث وقال في الثلث الأول حمدني وأثنى علي فأضافهما إلى نفسه وقال في الثلث الآخر هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فخصه بالعبد وفي [ص:476] الوسط جمع بينهما وقال هذا بيني وبين عبدي قال العارف البوبي: وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى فإنك إنما عبدته بإرادته ومعونته إذ العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحوله تعالى وإرادته. وقال البخاري في خلق الأعمال: قد بين بهذا الحديث أن القراءة غير المقروء فالقراءة هي التلاوة والتلاوة غير المتلو فبين أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله وأن قول الغير غير كلام الرب هذا من العبد الدعاء والتضرع ومن الله الأمر والإجابة فالقرآن كلام الرب والقراءة فعل العبد اه وقال ابن عربي: فيه أن القراءة في الصلاة لا تجزى إلا بأم القرآن لأنه تعالى بين أنه لا يناجى إلا بكلامه وبالجامع من كلامه والأم هي الجامعة فالحديث القدسي مفسر لما تيسر من القرآن <تنبيه> قال بعض العارفين: من كان في صلاته يشهد الغير معرى عن شهود الحق فيه فليس بمصل فلا يكون مناجيا والحق لا يناجى في الصلاة بالألفاظ بل بالحضور فالقائل الحمد لله بغير حضور مع الله لسانه لا عينه فيقول الله عند ذلك حمدني لسان عبدي لا عبدي فإن حضر قال حمدني عبدي المفروض عليه مناجاتي فالعبد إذا حضر تضمن اللسان وسائر الجوارح وإذا لم يحضر لم تقم عنه جارحة من جوارحه ولا من غير نفسها اه قال القاضي: وهذا الحديث يدل على فضل الفاتحة لا وجوبها إلا أن يقال قسمت الصلاة من حيث إنها عامة شاملة لأفراد الصلاة كلها في معنى قولنا كل صلاة مقسومة على هذا الوجه ويلزمه أن كل ما لا يكون مقسوما هكذا لا يكون صلاة والخالي عن الفاتحة لا يكون مقسوما على هذا الوجه فلا يكون صلاة
(حم م عن أبي هريرة) وسبب هذا كما في مسلم أن أبا هريرة حدث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام فقيل له إنما نكون وراء الإمام فقال اقرأها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله قسمت إلخ قال ابن حجر: وليس هو على شرط البخاري فلذلك لم يخرجه لكنه أشار إليه فيه(4/475)
6020 - (قال الله تعالى يا عبادي) جمع عبد وهو لغة الإنسان والمراد هنا بدلالة قوله الآتي إنسكم وجنكم الثقلان خاصة لاختصاص التكليف وتعاقب الفجور والتقوى ولذلك فصل المخاطبين بالإنس والجن فيما يأتي ذكره القاضي قال: وقد يكون عاما شاملا لذوي العلم كلهم من الملائكة والثقلين ويكون ذكر الملائكة مطويا مندرجا في قوله وجنكم لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب نحوهم لا يتوقف على صدور الفجور منهم ولا على إمكانه لأنه كلام صادر على سبيل الفرض والتقدير واعترضه الطيبي بأنه يمكن أن يكون الخطاب عاما ولا تدخل الملائكة في الجن لأن الإضافة في جنكم تقتضي المغايرة فلا يكون تفصيلا بل إخراج لغير القبيلتين الذين يصح اتصافهما بالتقوى والفجور (إني حرمت) أي منعت (الظلم على نفسي) أي تقدست وتعاليت عنه لأنه مجاوزة والتصرف في ملك الغير وكلاهما في حقي كالمحرم فهو استعارة مصرحة تبعية شبه تنزهه عنه بتحرز المكلف عما نهى عنه شرعا في الامتناع عنه ثم استعمل في جانب ما كان مستعملا في جانب المشبه به مبالغة ويحتمل كونه مشاكلة لقوله تعالى: وجعلته بينكم محرما ذكره الطيبي. قال العارف ابن عربي: من لم يخرج شيئا في الحقيقة عن ملكه فلا يتصف بالظلم فيما يجريه حكمه في ملكه ثم إنه قدم ذلك تمهيدا وتوطئة لقوله (وجعلته محرما بينكم) أي حكمت بتحريمه عليكم وهذا وما قبله توطئة لقوله (فلا تظالموا) بشد الظاء وتخفف. أصله تتظالموا أي لا يظلم بعضكم بعضا فإنه لا بد من اقتصاصه تعالى للمظلوم من ظالمه ولما قرر حرمة الظلم على النفس وعباده أتبعه بذكر إحسانه إليهم وغناه عنهم وفقرهم إليه فقال (يا عبادي) كرر النداء تنبيها على فخامة الأمور ونسبة الضلال إلى الكل بحسب مراتبهم (كلكم ضال) أي غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل {ووجدك ضالا فهدى} {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} أو ضال عن الحق لو ترك وما
[ص:477] يدعو له الطبع من الراحة وإعمال النظر المؤدي إلى المعرفة وامتثال الأمر وتجنب النهي (إلا من هديته) وفقته للإيمان أو للخروج عن مقتضى طبعه ولا يناقضه خبر كل مولود يولد على الفطرة لأن ذلك ضلال طار على الفطرة الأولى (فاستهدوني) سلوني الهداية بمعنى الدلالة على طريق الخير والإيصال إليها (أهدكم) أنصب لكم أدلة واضحة على ذلك أو أوصل من شئت إيصاله في سابق علمي الأزلي {من يهدي الله فهو المهتدي} وحكمة الطلب إظهار الافتقار والإذعان والاعتراف بمقام الربوبية ورتبة العبودية. قال الراغب: الضلال العدول عن الطريق المستقيم ويضاده الهداية ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا أو سهوا قليلا أو كثيرا فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتقى صعب جدا ونحن وإن كنا مصيبين من وجه لكنا ضالين من وجوه كثيرة فإن الاستقامة والصواب يجري مجرى المقرطس من المرمى وما عداه من الجوانب كلها ضلال وإليه أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: استقيموا ولن تحصوا فإذا كان كذلك صح أن يستعمل لفظ الضلال فيمن يكون له حظا ما ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار وإن كان بين الضالين بون بعيد. قال في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم {ووجدك ضالا فهدى} أي غير مهتد لما سبق لك من النبوة وقال موسى {وأنا من الضالين} تنبيها على أن ذلك منه سهو اه ولما فرغ من الامتنان بأمور الدين شرع في الامتنان بأمور الدنيا وبدأ بما هو أصل فيها ومكمل لمنافعها من الشبع واللبس إذ لا يستغنى عنهما ومن ثم وصف الجنة بقوله {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} فقال (ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) لأن الخلق ملكه ولا ملك لهم بالحقيقة وخزائن الرزق بيده فمن لا يطعمه بفضله بقي جائعا بعدله وأما {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فهو التزام تفضلا لا وجوبا (فاستطعموني) اطلبوا مني الطعام لأنه في يده تعالى وما في يد العبد ليس بحوله وقوته فلا يد له بالحقيقة بل اليد لرب الخليقة (أطعمكم) أيسر لكم أسباب تحصيله {إن الله هو الرزاق} وهذا تأديب للفقراء فكأنه قال: لا تطلبوا الطعمة من غيري فإن الذين استطعمتموهم أنا الذي أطعمهم. قال الطيبي: إن قلت ما معنى الاستثناء في قوله إلا من أطعمته وإلا من كسوته وليس أحد من الناس محروما عنهما؟ قلت لما كان الإطعام والكسوة معبرين عن النفع التام والبسط في الرزق وعدمهما عن التقتير والتضييق كما قال تعالى {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} سهل التقصي عن الجواب فظهر منه أنه ليس المراد من إثبات الجوع والعري في المستثنى منه نفي الشبع والكسوة بالكلية وليس في المستثنى إثبات الشبع والكسوة مطلقا بل المراد بسطهما وتكثيرهما (يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) واسألوا الله من فضله فإنه لا حول ولا قوة إلا به ولا استمساك إلا بسببه قال عيسى: ابن آدم أنت أسوأ بربك ظنا حين كنت أكمل عقلا لأنك تركت الحرص حين كنت جنينا محمولا ورضيعا مكفولا ثم أدرعته عاقلا قد أصبت رشدك وبلغت أشدك (يا عبادي إنكم تخطئون) بضم أوله وكسر ثالثه أي تفعلون الخطيئة عمدا وبفتح أوله وثالثه من خطأ يخطىء إذا فعل عن قصد (بالليل والنهار) هذا من قبيل المقابلة لاستحالة وقوع الخطأ من كل منهم ليلا ونهارا (وأنا أغفر الذنوب جميعا) غير الشرك وما لا يشاء مغفرته {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وأكد بأل الاستغراقية وجميعا المفيد كل منهما للعموم ليقوى الرجاء ولا يقنط أحد (فاستغفروني أغفر لكم) {وإني لغفار لمن تاب} ووطأ بعد الفاء بما قبلها إيذانا بأن غير المعصوم لا ينفك غالبا عن المعصية وفي هذه الجمل توبيخ يستحي منه كل مؤمن لأنه إذا لمح أنه
[ص:478] خلق الليل ليطاع فيه سرا استحياء أن ينفق أوقاته في ذلك إلا فيه كما أنه استحى بطبعه من صرف شيء من النهار حيث يراه الخلق للمعصية (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) بحذف نون الإعراب جوابا عن النفي أي لن تبلغوا لعجزكم إلى مضرتي ولا يستقيم ولا يصح أن تضروني حتى أتضرر منكم (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) أي لا يتعلق بي ضرر ولا نفع فتضروني أو تنفعوني لأنه تعالى غني مطلق والعبد فقير مطلق والفقير المطلق لا يملك للغني المطلق ضرا ولا نفعا فما اقتضاه ظاهر الخبر أن لضره أو نفعه غاية لكي لا يبلغها العبد غير المراد (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم) أي على تقوى أتقى قلب رجل أو على أتقى أحوال قلب رجل واحد منكم ذكره القاضي قال الطيبي: ولا بد منه ليستقيم أن يقع أتقى خبرا لكان ثم إنه لم يرد أن كلهم بمنزلة رجل واحد هو أتقى من الناس بل كل واحد من الجمع بمنزلته لأن هذا أبلغ كقولك ركبوا فرسهم وعليه قوله تعالى {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} في وجه ثم إضافة أفعل إلى نكرة مفردة يدل على أنك لو تقصيت قلب رجل رجل بل كل الخلائق لم تجد أتقى قلبا من هذا الرجل اه. (ما زاد ذلك في ملكي شيئا) نكره للتحقير (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا) لأنه مرتبط بقدرته وإرادته وهما باقيتان ذاتيتان لا انقطاع لهما فكذا ما ارتبط بهما وعائد التقوى والفجور على فاعلهما قال الطيبي: قوله شيئا يجوز كونه مفعولا إن قلنا أن نقص متعد ومفعولا مطلقا إن قلنا إنه لازم أي نقص نقصانا قليلا والتنكير فيه للتحقير (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) أي في أرض واحدة ومقام واحد (فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي) لأن أمري بين الكاف والنون قال القاضي: قيد السؤال بالاجتماع في مقام واحد لأن تزاحم السؤال مما يذهل المسؤول ويبهته ويعسر عليه إنجاح مآربهم والإسعاف بمطالبهم (إلا كما ينقص المخيط) بكسر فسكون ففتح الإبرة (إذا أدخل البحر) لأن النقص إنما يدخل المحدود الفاني والله سبحانه واسع الفضل عظيم النوال لا ينقص العطاء خزائنه فخاطب العباد من حيث يعقلون وضرب لهم المثل بما هو غاية القلة ونهاية ما يشاهدونه فإن البحر من أعظم المرئيات والإبرة صغيرة صقيلة لا يعلق بها شيء وإن فرض لكنه لا يظهر حسا ولا يعتد به عقلا فلذا شبه بها (يا عبادي إنما هي أعمالكم) أي هي جزاء أعمالكم (أحصيها) أضبطها وأحفظها (لكم) أي بعلمي وملائكتي الحفظة (ثم أوفيكم إياها) أي أعطيكم جزاءها وافيا تاما إن خيرا فخير وإن شرا فشر والتوفية إعطاء الحق على التمام ذكره القاضي وقال المظهر: أعمالكم تفسير لضمير المؤنث في قوله إنما هي يعني إنما تحصى أعمالكم أي تعد وتكتب أعمالكم من الخير والشر توفية لجزاء عمل أحدكم على التمام وقال الطيبي: ويمكن أن يرجع إلى ما يفهم من قوله أتقى قلب رجل وأفجر قلب رجل وهما الأعمال الصالحة والطالحة ويشهد لفظ إنما لاستدعائها الحصر أي ليس نفعها وضرها راجعا إلي بل أحصيها لكم لأجازيكم بها فمن وجد خيرا فليشكر الله لأنه هو هادي الضلال موفقهم للخير ومن وجد شرا فليلم نفسه لأنه باق على ضلالته الذي أشار إليه بقوله كلكم ضال اه. والتوفية إعطاء الحق على التمام قال ابن عربي: ولهذا يعود التنزيه على المنزه فمن كان علمه التنزيه عاد عليه تنزيهه فكان محاه منزها
[ص:479] عن أن يقوم به اعتقاد ما لا ينبغي أن يكون الحق عليه ومن هنا قال من قال سبحاني تعظيما لجلال الله إلى هنا كلامه (فمن وجد خيرا) ثوابا ونعيما بأن وفق لأسبابهما أو حياة طيبة هنيئة (فليحمد الله) على توفيقه للطاعات التي يترتب عليها ذلك الخير والثواب فضلا منه ورحمة (ومن وجد غير ذلك) أي شرا ولم يذكره بلفظه تعليما لخلقه كيفية أدب النطق بالكناية عما يؤذي أو يستهجن أو يستحى منه أو إشارة إلى أنه إذا اجتنب لفظه فكيف فعله (فلا يلوم إلا نفسه) فإنها آثرت شهواتها على رضى رزاقها فكفرت لأنعمه ولم تذعن لأحكامه وحكمه فاستحقت أن يقابلها بمظهر عدله وأن يحرمها مزايا جوده وفضله قال ابن عطاء الله: لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك وفي الحديث إيماء إلى ذم ابن آدم وقلة إنصافه فإنه يحسب طاعته من عمله لنفسه ولا يسندها إلى التوفيق ويتبرأ من معاصيه ويسندها إلى الأقدار فإن كان لا تصرف له كما يزعم فهلا كان في الأمرين وإلا فلم نفاه عن أحدهما وختم بهذه إيذانا بأن عدم الاستقلال بنحو الإطعام والستر لا ينافي التكليف بالفعل والترك لأنا وإن لم نستقل نحس بوجدان الفرق بين حركة الاختيار والاضطرار وهذا الحديث لجلالته وعظم فوائده كان راويه عن أبي ذر أبو إدريس إذا حدث به جثا على ركبتيه تعظيما له
<تنبيه> قال القونوي: الحق سبحانه جواد مطلق فياض على الدوام سابغ الإنعام دون بخل ولا التماس عوض ولا تخصيص طائفة بعينها تخصيصا يوهم منعا وتحجيرا على آخرين والخلائق كلهم يقبلون من عطاياه الذاتية والأسمائية بقدر استعداداتهم الكلية الغير المجعولة التي بها قبلوا منه الوجود أو لا حال ارتسامهم في علمه تقدس ويقبلون من عطائه باستعداداتهم التفصيلية الوجودية المجعولة بحسب طهارتهم الظاهرة والباطنة الوجودية وإنما قلنا الوجودية لأن الطهارة المختصة بالاستعداد الكلي الموجب قبول الوجود من الحق القبول التمام عبارة عن سلامة حقيقة القابل من أكثر أحكام الإمكان وقوة مناسبة تلك الحقيقة للحضرة الوحدانية الإلهية التي منها ينبسط على جميع القوابل الممكنة وهي الطهارة الأصلية وكما أن قلة الوسائط وأحكام الكثرة الإمكانية توجب الطهارة وثبوت المناسبة مع الحضرة الوحدانية الإلهية فيستلزم قبول العطايا الإلهية على وجه تام فكذلك كثرة الأحكام الإمكانية وقوتها وخواص إمكانات الوسائط التي هي النجاسات المعنوية يوجب نقص القبول وتغيير الفيض المقدس فإذا وضح هذا فنقول وفور الحظوظ من عطاياه سبحانه الذاتية والأسمائية ونقصانها راجع إلى كمال استعدادات القوابل ونقصها وكمال استعداد كل قابل ونقصه هو المعبر عنه بالطهارة والنجاسة عند أهل الطريق وذلك هو المشار إليه بقوله في هذا الحديث فمن وجد خيرا فليحمد الله إلخ ويؤيده {ما أصابك من حسنة فمن الله} الآية
(م) في الأدب (عن أبي ذر) وأخرجه عنه أيضا أحمد والترمذي وابن ماجه ورواته دمشقيون قال أحمد: ليس لأهل الشام حديث أشرف منه(4/476)
6021 - (قال تعالى إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب للحفظة إني أنا قيدت عبدي وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح) قال الغزالي: إنما نال العبد هذه المرتبة لأن كل مؤمن يقدر على الصبر على المحارم وأما الصبر على البلاء فلا يقدر عليه إلا ببضاعة الصديقين فإن ذلك شديد على النفس فلما قاسى مرارة الصبر جوزي بها الجزاء الأوفى اه. وفيه ترغيب في الصبر وتحذير من الشكوى لكن ليس من الشكوى قول المريض إني وجع أو وارأساه [ص:480] إذا اشتد به الوجع ونحو ذلك وقد ترجم البخاري باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع قال الطبري: وقد اختلف في ذلك والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على دفعه والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت وإنما كلف العبد أن لا يقع منه حال المرض أو المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه ومزيد الجزع والضجر وأما مجرد الشكوى فلا
(حم ع طب حل عن شداد بن أويس) قال الهيثمي: خرجه الكل من رواية إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني وهو ضعيف عن غير الشاميين اه. ولم يبال المصنف بذلك فرمز لحسنه(4/479)
6022 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما ذكرتني شكرتني وإذا ما نسيتني كفرتني) أي كفرت إنعامي عليك وإفضالي لديك وما الثانية مزيدة للتأكيد قيل مكتوب في التوراة عبدي اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فإذا ظلمت فاصبر فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك وحرك يدك أفتح لك باب الرزق
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهمداني وهو ضعيف انتهى. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/480)
6023 - (قال الله تعالى أنفق) على عباد الله وهو بفتح فسكون فكسر أمر بالاتفاق (أنفق عليك) بضم فسكون جواب الأمر أي أعطيك خلفه بل أكثر منه أضعافا مضاعفة {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} قال الطيبي: هذا مشاكلة لأن إنفاق الله لا ينقص من خزائنه شيئا وهذا ظاهر لأنه إذا أنفق ظهر بصورة الفقر والعبودية والسخاء فاستحق نظر الحق إليه من جهة فقره الذي لا بد من جبره ومن جهة مقابلة وصفه بوصف ربه وظهور معاني أسمائه فكأنه قال لعبده عند إنفاقه أتتسخى علي وأنا خلقت السخاء؟ وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فكان أكثر الناس إنفاقا وأتمهم جودا
(حم ق عن أبي هريرة)(4/480)
6024 - (قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) أي يقول في حقي ما أكرهه وزعم أن المراد يخاطبني بما يؤذي من يمكن في حقه التأذي تكلف قال الطيبي: والإيذاء إيصال مكروه إلى الغير وإن لم يؤثر فيه وإيذاؤه تعالى عبارة عن فعل ما لا يرضاه (يسب الدهر) يروى بحرف الجر وبياء المضارع والدهر اسم لمدة العالم من مبدأ تكوينه إلى انقراضه ويعبر به عن مدة طويلة (وأنا الدهر) أي مقلبه ومدبره فأقيم المضاف مقام المضاف إليه أو بتأويل الدهر على أن يكون مصدرا أي المصرف المدبر لما يحدث ولهذا عقبه بقوله (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) أي أجددهما وأبليهما وأذهب بالملوك كما في رواية أحمد والمعنى أنا فاعل ما يضاف إلى الدهر من الحوادث فإذا سب الآدمي الدهر يعتقد أنه فاعل ذلك فقد سبني ذكره الراغب. وقال القاضي: من عادة الناس إسناد الحوادث والنوازل إلى الأيام والأعوام وسبها لا من حيث إنها أيام وأعوام بل من حيث إنها أسباب تلك النوائب موصلتها إليهم على زعمهم فهم في الحقيقة ذموا فاعلها وعبروا عنه بالدهر في سبهم وهو بمعنى قوله أنا الدهر لا أن حقيقته حقيقة الدهر ولإزاحة هذا الوهم الزائغ أردفه بقوله (أقلب الليل والنهار) فإن مقلب الشيء ومغيره لا يكون نفسه وقيل فيه إضمار والتقدير وأنا مقلب الدهر والمتصرف فيه والمعنى أن الزمان يذعن لأمري لا اختيار له فمن ذمه على ما يظهر فيه صادرا عني فقد ذمني فأنا الضار والنافع والدهر ظرف لا أثر له ويعضده نصب الدهر على أنه ظرف متعلق بأقلب والجملة خبر المبتدأ [ص:481] انتهى كلامه قال المنذري: الجمهور على ضم الراء إلى هنا كلام المنذري
(حم ق د عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير وكأن المصنف أغفله سهوا(4/480)
6025 - (قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) بأن بنسب إلي ما لا يليق بجلالي (يقول يا خيبة الدهر) بفتح الخاء المعجمة أي يقول ذلك إذا أصابه مكروه (فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما) فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلي لأني فاعلها وإنما الدهر زمان جعلته ظرفا لمواقع الأمور
(م عن أبي هريرة)(4/481)
6026 - (قال الله تعالى سبقت) وفي رواية البخاري غلبت (رحمتي) أي غلبت آثار رحمتي على آثار (غضبي) والمراد بيان سعة الرحمة وشمولها ووصولها للخلائق قبل الغضب لكونها مقتضى ذاته دونه وإلا فهما من صفاته راجعتان لإرادته الثواب والعقاب لا توصف إحداهما بالسبق والغلبة على الأخرى فهو إشارة إلى مزيد العناية بعبيده والإنعام عليهم بغايات الفضل ونهاية الرفق والمسامحة وإلى أن مقام الفضل أوسع من مقام العدل والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذانه الأقدس والغضب يتوقف على سابقة عمل من العبد الحادث وقال الدماميني: الغضب إرادة العقاب والرحمة إرادة الثواب والصفات لا توصف بغلبة ولا يسبق بعضها بعضا لكن ورد هذا على الاستعارة ولا مانع من جعل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا الذات فالرحمة هي الثواب والإحسان والغضب الانتقام والعذاب فتكون الغلبة على بابها <تنبيه> قال ابن عربي: لما نفخ الروح في آدم عطس فقال الحمد لله فقال الله يرحمك الله يا آدم فسبقت رحمته غضبه ولذا قدم الرحمة في الفاتحة وأخر ذكر الغضب فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود فسبقت الرحمة إلى آدم قبل العقوبة على أكل الشجرة ثم رحم بعد ذلك فجاءت رحمتان بينهما غضب فتطلب الرحمتان الامتزاج لأنهما مثلان فانضمت هذه إلى هذه فانعدم الغضب بينهما كما قال بعضهم في يسرين بينهما عسر:
إذا ضاق عليك الأمر. . . ففكر في ألم نشرح
فعسر بين يسرين. . . إذا ذكرته فافرح
(تتمة) قال ابن المنكدر: إني لأستحي من الله أن أرى رحمته تعجز عن أحد من العصاة ولولا النص ورد في المشركين ما أخرجتهم لقوله تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء} وقال بعض العارفين: حضرة الحق تعالى مطلقة يفعل فيها ما يريد وما مع أحد من المؤمنين أمان بعدم مؤاخذته على ذنوبه وإنما يتعلق الناس بنحو قوله تعالى: سبقت رحمتي غضبي
(م عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي(4/481)
6027 - (قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق خلقا كخلقي) أي ولا أحد أظلم ممن قصد أن يصنع كخلقي وهذا التشبيه لا عموم له يعني كخلقي من بعض الوجوه في فعل الصورة لا من كل وجه واستشكل التعبير بأظلم بأن الكافر أظلم وأجيب بأنه إذا صور الصنم للعبادة كان كافرا فهو هو ويزيد عذابه على سائر الكفار بقبح كفره (فليخلقوا ذرة) [ص:482] بفتح المعجمة وشد الراء نملة صغيرة (أو ليخلقوا حبة) بفتح الحاء أي حبة بر بقرينة ذكر الشعير أو هي أعم (أو ليخلقوا شعيرة) والمراد تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه وأخذ منه مجاهد حرمة تصوير ما لا روح فيه حيث ذكر الشعيرة وهي جماد وخالفه الجمهور استدلالا بقوله في حديث آخر أحيوا ما خلقتم وفيه نوع من الترقي في الخساسة ونوع من التنزل والإلزام وحكي أنه وقع السؤال عن حكمة الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة فأجاب التقي الشمني بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعوبة والأمر بمعنى التعجيز فناسب الترقي من الأعلى للأدنى فاستحسنه الحافظ ابن حجر وزاد في إكرام الشيخ وإشهار فضيلته
(حم ق) في اللباس (عن أبي هريرة) قال: دخلت دارا بالمدينة أي لمروان بن الحكم فإذا أعلاها مصور بصور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره(4/481)
6028 - (قال الله تعالى لا يأتي ابن آدم) بالنصب مفعول مقدم وفاعله (النذر) بفتح النون وحكاية عياض ضمها غلط أو خلل من ناسخ (بشيء لم أكن قد قدرته) يعني النذر لا يأتي بشيء غير مقدر (ولكن يلقيه النذر إلى القدر) بالقاف في يلقيه والقدر بفتح القاف ودال مهملة أي إن صح أن القدر هو الذي يلقي ذلك المطلوب ويوجده لا النذر فإنه لا دخل له في ذلك وفي رواية يلقيه بالفاء (وقد قدرته له) أي النذر لا يصنع شيئا وإنما يلقيه إلى القدر فإن كان قدر وقع وإلا فلا (أستخرج به من البخيل) قال النووي: معناه أنه لا يأتي بهذه القربة تطوعا مبتدأ بل في مقابلة بنحو شفاء مريض مما علق النذر عليه وقال الزين العراقي: يحتمل أن يريد النذر المالي لأن البخل إنما يستعمل غالبا في البخل بالمال وأن يريد كل عبادة كما في خبر أبخل الناس من بخل بالسلام (فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) يعني أن العبد يؤتي على تحصيل مطلوبه ما لم يكن أتاه من قبل تحصيل مطلوبه ففيه إشارة إلى ذم ذلك قال الخطابي: وفي قوله أستخرج إشارة لوجوب الوفاء
(حم خ ن عن أبي هريرة)(4/482)
6029 - (قال الله تعالى إذا تقرب إلي العبد) أي طلب قربة مني بالطاعة (شبرا) أي مقدارا قليلا (تقربت إليه ذراعا) أي أوصلت رحمتي إليه قدرا أزيد منه وكلما زاد العبد قربا زاده الله رحمة (وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا) معروف وهو قدر مد اليدين (وإذا أتى إلي مشيا أتيته هرولة) وهو الإسراع في المشي أي أوصل إليه رحمتي بسرعة قال النووي: معناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود وقال في المطامح: الذراع والباع والشبر والهرولة ونحوها مقامات وأحوال مختلفة في الإجابة بحسب اختلاف درجات الخلق عند الحق سبحانه وقال القاضي: العبد لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات ويترقى من مقام إلى آخر أعلى منه حتى يحبه فيجعله مستغرقا بملاحظة جناب قدسه بحيث ما لاحظ شيئا إلا لاحظ ربه فما التفت إلى حاس ومحسوس وصانع ومصنوع وفاعل ومفعول إلا رأى الله وهو آخر درجات السالكين وأول درجات الواصلين
(خ عن أنس) بن مالك (وعن أبي هريرة هب [ص:483] عن سلمان) الفارسي(4/482)
6030 - (قال الله تعالى لا ينبغي لعبد) لي من الأنبياء (أن يقول أنا خير) في رواية أنا أفضل (من يونس بن متى) أي من حيث النبوة فإن الأنبياء فيها سواء وإنما التفاوت في الدرجات ونحوها أو المراد لا ينبغي لعبد بلغ كمال النفس والصبر على الأذى أن يرجح نفسه على يونس لأجل ما حكيت عنه من قلة صبره على أذى قومه لأن تلك أقدار وأمور عارضة لم تخطئه خردلة ومتى بفتح الميم وشد المثناة مقصور اسم أمه ولم يشتهر بها نبي سواه وقول ابن الأثير وعيسى غير مرضي إذ الشهرة بإحلال أبوين لمن له أبوان
(م عن أبي هريرة)(4/483)
6031 - (قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك) قال الطيبي: اسم التفضيل هنا لمجرد الزيادة والإضافة للبيان أو على زعم القوم (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) قال القاضي: المراد بالشركة هنا العمل والواو عاطفة بمعنى مع والضميران لمن أي أجعله وعمله مردودا من حضرتي والرياء دليل على السفه ورداءة الرأي وسوء الحظ ولقد صدق القائل:
يا مبتغي الحمد والثواب. . . في عمل تبتغي محالا
قد خيب الله ذا رياء. . . وأبطل السعي والكلالا
من كان يرجو لقاء ربه. . . أخلص من أجله الفعالا
الخلد والنار في يديه. . . فرائه يعطك النوالا
(م هـ عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال المنذري: وإسناد ابن ماجه رواته ثقات(4/483)
6032 - (قال الله تعالى أنا الرحمن أنا خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي) لأن أصل الرحمة عطف يقتضي الإحسان وهي في حقه تعالى نفس الإحسان أو إرادته فلما كان هو المنفرد بالإحسان التام والإفضال العام وركز في طبع البشر الرقة الحادثة الناشئ عنها الإحسان إلى من يرحم صح اشتقاق أحدهما من الآخر قال ابن العربي: وهذا الحديث يقتضي رعاية الاتفاق في الأسماء وأن ذلك النوع من الإخاء وقد قالوا في المثل: اتفاق الكنى إخاء ثان فإنه تعالى راعى في الرحم اتفاق اسمها مع اسمه في وجه انتظام الحروف الأصلية إذ النون زائدة والرحم مخلوقة محدثة وهو تعالى خالق غير محدث وفيه تنبيه على وهم الملحدة في قولهم هذا نسب بين الله وبين الرحم تعالى الله عما يقولون إذ جعلوا بينه وبين الرحم والنسب وإنما قالها على سبيل التشريف كما أنه جعل العبد قادرا عالما إلى آخر الصفات ولم يكن ذلك نسبا ولا تشبيها (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) أي من راعى حقوقها راعيت حقه ووفيت ثوابه ومن قصر لها قصرت به في ثوابه ومنزلته (ومن بتها بتته) أي قطعته لأن البت القطع فعطفه على ما قبلها تأكيد والمراد بالرحم التي يجب مواصلتها كل قريب ولو غير محرم كما مر غير مرة
(حم خ د) في الزكاة (ت) في البر (ك) في البر والصلة (عن عبد الرحمن بن عوف) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي (ك عن أبي هريرة) قال المنذري: في تصحيح الترمذي نظر فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه وبينه تلميذه الهيثمي(4/483)
[ص:484] 6033 - (قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) أي أنه خاص صفتي فلا يليق إلا بي فالمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي فإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جني عليه ذكره الغزالي. قال الكلاباذي: الرداء عبارة عن الجمال والبهاء والإزار عبارة عن الجلال والستر والحجاب فكأنه قال لا تليق الكبرياء إلا بي لأن من دوني صفات الحدوث لازمة له وسمة العجز ظاهرة عليه والإزار عبارة عن الامتناع عن الإدراك والإحاطة به علما وكيفية لذاته وصفاته فكأنه قال حجبت خلقي عن إدراك ذاتي وكيفية صفاتي بالجلال والعظمة (فمن نازعني واحدا منهما) أي جاذبني إياه (قذفته) أي رميته وفي رواية أدخلته (في النار) لتشوفه إلى ما لا يليق إلا بالقادر القهار القوي الجبار الغني العلي سبحانه {ليس كمثله شيء} قال في الحكم: كن بأوصاف ربوبيته متعلقا بأوصاف عبوديتك متحققا منعك أن تدعي ما ليس لك مما للمخلوقين أفيبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين؟ وقد أفاد هذا الوعيد أن التكبر والتعاظم من الكبائر
(حم د هـ عن أبي هريرة هـ عن ابن عباس) تبع في عزوه لأبي داود الأشبيلي. قال في المنار: ولا أعرفه عند أبي داود وهو عند مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بقريب من هذا اللفظ وهو قوله رداءه(4/484)
6034 - (قال الله تعالى: الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي قصمته) أي أذللته وأهنته أو قربت هلاكه. قال الزمخشري: هذا وارد عن غضب شديد ومناد على سخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي بين تلازم الأجزاء بخلاف الكسر وقال القاضي: والكبرياء الكبر وهو الترفع على الغير بأن يرى لنفسه عليه شرفا والعظمة كون الشيء في نفسه كاملا شريفا مستغنيا فالأول أرفع من الثاني إذ هو غاية العظمة فلذا مثله في الرداء وقيل الكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه إلا الحق فكبرياء ألوهيته التي هي عبارة عن استغنائه عما سواه وعظمة وجوبه الذاتي الذي هو عبارة عن استقلاله واستغنائه ومثلهما بالرداء والإزار إدناء للمتوهم من المشاهد وإبرازا للمعقول في صورة المحسوس فلما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره لا يشارك الباري في هذين فإنه الكامل المنعم المنفرد بالبقاء وما سواه ناقص محتاج على صدد الفناء {كل شيء هالك إلا وجهه} وكل مخلوق استعظم نفسه واستعلى على الناس فهو مزور ينازع رب العزة في حقه مستوجب لأقبح نقمه وأفظع عذابه أعاذنا الله منه ومن موجبه
(ك عن أبي هريرة)(4/484)
6035 - (قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعز إزاري من نازعني في شيء منهما عذبته) أي عاقبته وأصله الضرب ثم استعمل في كل عقوبة وقال حجة الإسلام: معناه أن العظمة والكبرياء من الصفات التي تختص بي ولا تنبغي لأحد غيري كما أن رداء الإنسان وإزاره يختص به لا يشارك فيه وفيه تحذير شديد من الكبر ومن آفاته حرمان الحق وعمى القلب عن معرفة آيات الله وفهم أحكامه والمقت والبغض من الله وأن خصلة تثمر لك المقت من الله والخزي في الدنيا والنار في الآخرة وتقدح في الدين لحري أن تتباعد عنها وقال ابن عربي: عجبا للمتكبر وهو يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات وأن قرصة النملة والبرغوث تؤلمه والمرحاض يطلبه لدفع ألم البول والحزاة عنه ويفتقر إلى كسرة خبز يدفع بها ألم الجوع عن نفسه فمن صفته هذه كل يوم وليلة كيف يصح أن يدخل قلبه كبرياء ما ذاك إلا للطبع الإلهي على قلبه
(سمويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) ورواه بنحوه أبو داود وابن ماجه أيضا(4/484)
[ص:485] 6036 - (قال الله تعالى: أحب عبادي) أي الصوام (إلي أعجلهم فطرا) أي أكثرهم تعجيلا للإفطار إذا تيقن الغروب لما فيه من الانقياد لأمر الشارع وسرعة ائتماره بأمره بمسارعة فطره ولأنه إذا أفطر قبل الصلاة تمكن من أدائها بتوفر خشوع وحضور قلب أو المراد أحب عبادي إلي من يخالف المبتدعة الزاعمين أن تأخير الفطر لاشتباك النجوم أفضل إذ المراد جميع هذه الأمة الذين يتدينون بتأخير الفطر أي هي أحب إلي ممن قبلهم من الأمم والفضل للمتقدم وفيه إشارة إلى تحريم الوصال علينا لاقتضاء الخبر كراهة تأخير الفطر فكيف بتركه
(حم ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب اه. وفيه مسلم بن علي الخشني قال في الميزان: شامي واه وقال البخاري: منكر الحديث والنسائي: متروك وابن عدي: حديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر(4/485)
6037 - (قال الله تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) يعني أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم وقال البيضاوي: كل ما يتحلى به الإنسان ويتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله تعالى منزلة لا يشاركه فيها من لم يتصف بها وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون مثل ذلك مضموما إلى ما له من المراتب الرفيعة الشريفة فذلك معنى قوله يغبطهم النبيون لأن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة وتكميل الخاصة إلى غير ذلك من كليات تشغلهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقهم والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة لكنهم إذا رأوا يوم القيامة منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله ودوا لو كانوا ضامين خصالهم إلى خصالهم فيكونوا جامعين بين الحسنيين فائزين بالمرتبتين هذا من أولى ما قيل في التأويل وأما قول السبكي هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب وأما أولئك فلا بد من سؤالهم عن التبليغ فيغبطون السالم من ذلك التعب لراحته ولا يلزم أن يكون حالة الراحة أفضل تعقبه ابن شهبة بأن المتحابين في مقام الولاية وهي أول درجة النبي قبل النبوة ولا يمكن أن يحصل للولي خصلة ليست للنبي قال: والجواب المرضي عندي أنهم لا يغبطونهم على منابر النور والراحة بل على المحبة فإن المحبة في الله محبة لله وهو مقام يتنافس به فالغبطة على محبة الله لا على مواهبه انتهى
(ت عن معاذ) ابن جبل ورواه الطبراني عن العرباض باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسنادهما جيد ومن ثم رمز المصنف لحسنه(4/485)
6038 - (قال الله تعالى وجبت) وفي رواية حقت (محبتي للمتحابين في والمتجالسين في) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد أبدا مشغولا في خلوته فإذا دخل إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك لأن لمجالسة الخواص أثرا في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم (والمتباذلين في) أي بذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته كما فعل الصديق رضي الله عنه ببذل نفسه ليلة الغار وماله حتى تخلل بعباءة لا لغرض من الدنيا ولا لدار القرار (والمتزاورين في) زاد الطبراني في روايته والمتصادقين في وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأنا أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير من أماكنها شوقا إليه وهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في [ص:486] اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافا وتلذذا وشوقا لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب قال ابن عربي: قد أعطاني الله من محبته الحظ الأوفر والله إني لأجد من الحب ما لو وضع على السماء لانفطرت وعلى النجوم لانكدرت وعلى الجبال لسيرت والحب على قدر التجلي والتجلي على قدر المعرفة لكن محبة العارف لا أثر لها في الشاهد
(حم طب ك عن معاذ) بن جبل قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال في الرياض: حديث صحيح وقال المنذري: إسناده صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني وثقوا(4/485)
6039 - (قال الله تعالى أحب ما تعبدني) بمثناة فوقية أوله بضبط المصنف (به عبدي إلي) بالتشديد بضبطه (النصح لي) والنصح له وصفه بما هو أهله عقدا أو قولا والقيام بتعظيمه ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وقال الحكيم: النصح لله أن لا يخلط بالعبودية شأن الأحرار وأفعالهم فيكون في سره وعلنه قد آثر أمر الله على هواه وحق الله على شهواته فإن خلط فيه ما ليس منه كانت العبودية مغشوشة والغش ضد النصح
(حم عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال زين الحفاظ في شرح الترمذي بعدما عزاه لأحمد: إسناده ضعيف اه. وأعله الهيثمي بأن فيه عبد الله بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف(4/486)
6040 - (قال الله تعالى أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه) إلى وطنه (إن أرجعته) إليه (بما) أي الذي (أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته) أي توفيته (أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة) لجوده بنفسه وبذله إياها في رضى الذي خلقه
(حم ن عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته(4/486)
6041 - (قال الله تعالى) يا محمد (افترضت على أمتك خمس صلوات) في اليوم والليلة (وعهدت عندي عهدا أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة) أي مع السابقين الأولين (ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) أخبر عباده أن تقربهم إليه بالعبادة فمن تقرب إليه بالطاعة تقرب الله منه بالتوفيق والاستطاعة <تنبيه> قال بعض الكاملين: رضاء الله تعالى في فرائضه والتقصير في الفرائض هو الذي أهلك النفوس ونكس الرؤوس فلو أتى بالفرائض على حسب الأمر لكان فيها رضى الله وغاية الدرجات
(هـ عن أبي قتادة) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي(4/486)
6042 - (قال الله تعالى إذا بلغ عبدي) أي المؤمن إذ أكثر الأمور الآنية إنما تتأتى فيه (أربعين سنة) وهو أحسن العمر واستكمال الشباب واستجماع القوة (عافيته من البلايا الثلاث من الجنون والبرص والجذام) لأنه عاش في الإسلام عمرا تاما ليس بعده إلا الإدبار فثبت له من الحرمة ما يدفع به عنه هذه الآفات التي هي من الداء العضال (وإذا بلغ خمسين سنة حاسبته [ص:487] حسابا يسيرا) لأن الخمسين نصف أرذل العمر الذي يرتفع ببلوغه الحساب جملة فببلوغ النصف الأول يخفف حسابه وخفة الحساب في الدنيا ألا ينزع منه البركة ولا يحرمه الطاعة ولا يخذله (وإذا بلغ ستين سنة) وهو عمر التذكر والتوفيق الذي قال الله تعالى فيه {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} (حببت إليه الإنابة) أي الرجوع إليه لكونه مظنة انتهاء العمر غالبا (وإذا بلغ سبعين سنة أحبته الملائكة) لأنه شهر حبه فيهم كما يقال هذا عبد قد كان في عبودية مولاه حفيا لم يأبق منه ولم يول عنه حتى شاخ في الإسلام وذهبت فيه قوته (وإذا بلغ ثمانين سنة) وهو الخرف (كتبت حسناته وألقيت سيئاته) لأن تعميره في الإسلام ضعف الأربعين أوجب له هذه الحرمة (وإذا بلغ تسعين سنة) وهو الفناء وقد ذهب أكثر العقل وهو منتهى أعمار هذه الأمة غالبا (قالت الملائكة أسير الله في أرضه) لأنه عجز وهو في ربقة الإسلام كأسير في وثاق لا يستطيع براحا (فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويشفع في أهله) تمامه عند مخرجه الحكيم فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا كتب له ما كان يعمل في صحته من الخير وإن كان عمل سيئة لم تكتب اه وحذف المصنف له غير جيد ثم قال الحكيم: هذا من جيد الحديث وقد أتت روايات أخر وليس فيها حكاية عن الله وهذا حديث يخبر عن حرمة الإسلام وما يوجب الله لمن قطع عمره مسلما من الإكرام ومثال هذا موجود في خلقه ترى الرجل يشتري عبدا فإذا أتت عليه ستون سنة فيقول قد طالت صحبة هذا وعتق عندنا فترفع عنه بعض العبودية وتخفف عنه في ضريبته فإذا زادت مدة صحبته زيد رفقا وعطفا والعبد لا يخلو من تخليط وإساءة فمولاه لطول صحبته لا يمنعه رفقه ورفده ولا يتعبه فإذا شاخ أعتقه
(الحكيم) الترمذي (عن عثمان) بن عفان وفيه مجهول وضعيف(4/486)
6043 - (قال الله تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة) أي شدة وبلاء (في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبله بصبر جميل استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا) أي أترك النصب والنشر ترك من يستحي أن يفعلهما لما مر أنه سبحانه إذا وصف بالاستحياء فالمراد به الشيء اللازم لانقباض النفس كما أن المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لعينهما واشترط جمال الصبر في صبره وهو الرضى لأن الصبر ثلاثة صبر الموحدين وصبر المقصرين وصبر المقربين فصبر الموحدين أن لا يسخطوا على ربهم بل صبروا على إيمانهم به وأعملوا جوارحهم في المعاصي وهو صبر ممزوج بالجزع فهو صبر الظالمين لأنفسهم وصبر المقصرين صبر بالقلب والجوارح فرضوا بقلبهم وحفظوا جوارحهم عن العصيان وفي النفس كره فلم يملكوا أكثر من هذا لحياة نفوسهم بالشهوات وصبر المقربين هو الرضى مع غلبة حلاوة التسليم وموت الشهوة فإذا صار العبد إلى هذه الدرجة لا يحاسب ولا يشاحح ويجاد عليه كما جاد بنفسه التي لا شيء عنده أعظم منها فألقاها بين يديه
<تنبيه> قال القرطبي: فيه أن الميزان حق ولا يكون في حق كل أحد فمن لا حساب عليه لا يوزن عليه والمجرمون يعرفون بسيماهم وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا من المؤمنين وقد يكون من الكفار وذكر حجة الإسلام أن الذين لا يحاسبون لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا وإنما هي براءات مكتوبة
(الحكيم) في النوادر (عن أنس) ورواه عنه ابن عدي باللفظ المزبور قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف(4/487)
[ص:488] 6044 - (قال الله تعالى حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتباذلين في) قال العلائي: معنى التباذل أن يبذل كل منهما ماله لأخيه متى احتاجه لا لغرض دنيوي قال بعضهم: هدية النظير للنظير الغالب فيها التودد والتقرب ومن المتدينين من يقصد بها التباذل كما حكى أن بعض الصوفية زار شيخه فأعطاه الشيخ ثوبا من ثيابه فلما ولى استدعاه الشيخ وقال هل معك شيء تدفعه لي فدفع إليه سجادته فقال أعلم أن هذه مباذلة لا مبادلة لعلنا أن ندخل في هذا الخبر وساقه (المتحابون في) يكونون يوم القيامة (على منابر) جمع منبر (من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) فقد عرفت مما مر بك من التقرير آنفا في مثله أنه ليس المراد أن الأنبياء ومن معهم يغبطون المتحابين حقيقة بل القصد بيان فضلهم وعلو قدرهم عند ربهم على آكد وجه وأبلغه
(حم طب ك عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني موثقون(4/488)
6045 - (قال الله تعالى إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه) بالتثنية أي محبوبتيه أي بفقدهما وفسره الراوي أو المصنف بقوله (يريد عينيه) سماهما بذلك لأن العالم عالمان عالم الغيب وعالم الشهادة وكل منهما محبوب ومدرك الأول البصيرة ومدرك الثاني البصر واشتق الحبيب من حبة القلب وهي سويداؤه نظير سواد العين قال أبو الطيب:
يود أن سواد الليل دام له. . . يزيد فيه سواد القلب والبصر
ولأن السرور يكنى عنه بقرة العين لما يشاهد المحبوب ويكنى عن الحزن بسخونتها للمفارقة عنه (ثم صبر) زاد الترمذي واحتسب بأن يستحضر ما وعد به الصابرون ويعمل به (عوضته منهما الجنة) أي دخولها لأن فاقدهما حبيس فالدنيا سجنه حتى يدخل الجنة فيا له من عوض ما أعظمه والالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة لأن ابتلاء الله العبد نعمة وصبره عليه مقتض لتضاعف تلك النعمة لقوله {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ولما أصيب ابن عباس ببصره أنشد:
إن يذهب الله من عيني نورهما. . . ففي لساني وقلبي للهدى نور
عقلي ذكي وقولي غير ذي خطل. . . وفي فمي صارم كالسيف مأثور
(حم خ) في كتاب المرض (عن أنس) بن مالك(4/488)
6046 - (قال الله تعالى إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له بهما ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما) وفي رواية حبيبتيه سماهما بذلك لما فيهما من جلب المسار ودفع المضار وتوقي الأخطار وقيل سماهما كريمتين لكثرة منافعهما دينا ودنيا ولأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوت رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه وإذا كان ثوابه الجنة فمن له عمل صالح آخر يزداد له في الدرجات قال داود: [ص:489] يا رب ما جزاء الحزين يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك قال: جزاءه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبدا وقال حجة الإسلام في كشف علم الآخرة: في الحديث الصحيح إن أول من يعطيهم الله أجورهم الذين ذهبت أبصارهم ينادي يوم القيامة بالمكفوفين فيقال لهم أنتم أحرى أي أحق من ينظر إلينا ثم يستحي الله تعالى منهم ويقولون لهم اذهبوا إلى ذات اليمين ويعقد لهم راية تجعل بيد شعيب عليه السلام فيصير إمامهم ومعهم من ملائكة النور ما لا يحصى عددهم إلا الله يزفونهم كما تزف العروس فيمر بهم على الصراط كالبرق الخاطف هذا فيمين صفته الصبر والحلم كابن عباس ومن ضاهاه من الأمة
(طب حل عن عرباض) بن سارية قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف(4/488)
6047 - (قال الله تعالى إني أنا الله) أي أنا المعروف المشهور بالوحدانية أو المعبود بحق فهو من قبيل أنا أبو النجم (لا إله إلا أنا) حال مؤكدة لمضمون هذه الجملة (من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني آمن من عذابي) لأنه أثبت عقد المعرفة بالاله قلبا وباللسان نطقا أنه إلهه فدخل في حصن كثيف فاستوجب الأمن قال الإمام الرازي: لا إله إلا الله محمد رسول الله أربعة وعشرون حرفا وساعات الليل والنهار كذلك فكأنه قيل كل ذنب أذنب من صغيرة وكبيرة سر وجهر خطأ وعمد قول وفعل في هذه الساعات مغفورة بهذه الحروف والكلمات والشهادتان سبع كلمات وللعبد سبعة أعضاء وللنار سبعة أبواب فكل كلمة من السبع تغلق بابا من الأبواب السبعة على عضو من الأعضاء السبعة وقال الإمام الرازي أيضا: جعل الله العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا يرى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى وصار محسنا ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة وأدخلنا القائل في حصنها حتى يكون واحدا بواحد ولا ظلم ولا جور <فائدة> في تاريخ نيسابور للحاكم أن عليا الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة الرازي وابن أسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث من لا يحصى فقالا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به؟ فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته فكانت له ذؤابتان متدليتان على عاتقه والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصاخ ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلا الضجيج فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس انصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم وكان المستملي أبو زرعة والطوسي فقال الرضى حدثنا أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه شهيد كريلاء عن أبيه على المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثني جبريل عليه السلام قال حدثني رب العزة سبحانه يقول كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ثم أرخى الستر على القبة وسار فعد أهل المحابر والدواين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض أمراء السبامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه في قبره فرؤي في النوم بعد موته فقيل ما فعل الله بك قال غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجمال الزرندي في معراج الوصول أن الحافظ أبا نعيم روى هذا الحديث بسنده عن أهل البيت إلى علي سيد الأولياء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء حدثني جبريل عليه السلام سيد الملائكة [ص:490] قال قال الله تعالى {إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فمن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
(الشيرازي) في الألقاب (عن علي) أمير المؤمنين ونحوه خبر الحاكم في تاريخه وأبو نعيم عن علي أيضا لا إله إلا الله حصني إلخ قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقول الديلمي: حديث ثابت مردود(4/489)
6048 - (قال الله تعالى يا ابن آدم) إنك (مهما عبدتني) كذا بخط المصنف وفي نسخ دعوتني بمغفرة ذنوبك كما يدل عليه السياق الآتي (و) الحال أنك (رجوتني) بأن ظننت تفضلي عليك بإجابة دعائك وقوله إذ الرجاء تأميل الخير وقرب وقوعه (ولم تشرك بي شيئا غفرت لك) ذنوبك أي سترتها عليك بعدم العقاب في الآخرة (على ما كان منك) من المعاصي وإن تكررت وتكثرت (وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوبا استقبلتك بملئهن من المغفرة وأغفر لك ولا أبالي) ولا أكترث بذنوبك ولا أستكثرها وإن كثرت فلا يتعاظمه شيء ولأنه لا حجر عليه تعالى فيما يفعله أو معنى لا أبالي لا أشغل بالي به قالوا: لا يوجد في الأحاديث أرجى من هذا قال المظهر: ولا يجوز لأحد أن يغتر به ويقول أكثر من الخطيئة ليكثر الله مغفرتي وإنما قاله لئلا ييأس المذنبون من رحمته ولله مغفرة وعقوبة لكن مغفرته أكثر لكن لا يعلم أحد أنه من المغفورين أو من المعاقبين فينبغي التردد بين الخوف والرجاء وقال الطيبي: هذا عام خص بحسب الأحوال والأزمان فإن جانب الخوف ينبغي رجحانه ابتداء والرجاء انتهاء أو مطلق محمول على المقيد بالمشيئة في {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} أو بالعمل الصالح مع الإيمان
(طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه إبراهيم بن إسحاق الضبي وقيس بن الربيع وفيهما خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح(4/490)
6049 - (قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) أي أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله أو أنا عند علمه وإيمانه بما وعدت من قبول حسناته والعفو عن زلاته وإجابة دعواته عاجلا وآجلا أو المراد أنا عند أمله ورجائه قال في المطامح: هذا أصل عظيم في حسن الرجاء في الله وجميل الظن به وليس لنا وسيلة إليه إلا ذلك قالوا: والأفضل للمريض أن يكون رجاؤه أغلب قال القرطبي: وقد كانوا يستحبون تلقين المحتضر محاسن عمله ليحسن ظنه بربه وقال البناني: كان شاب دهق فلما نزل به الموت أكبت أمه عليه تقول يا بني كنت أحذرك مصرعك هذا قال يا أماه لي رب كثير المعروف وإني لأرجو اليوم أن لا يعدمني معروفه
<تنبيه> قال ابن أبي جمرة: المراد بالظن هنا العلم لقوله {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} وفي المفهم معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال في الحكم: لا يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله (مهمة) قال العارف الشاذلي: قرأت ليلة {قل أعوذ برب الناس} فقيل لي شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك يذكرك أفعالك السيئة وينسيك ألطافه الحسنة ويقلل عندك ذات اليمين ويكثر عندك ذات الشمال ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله ورسوله فأحذرك هذا الباب فقد أخذ منه خلق كثير من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد
(طب ك) في التوبة (عن وائلة) بن الأسقع قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله ثقات وهذا في الصحيحين بدون قوله ما شاء(4/490)
[ص:491] 6050 - (قال الله تعالى يا ابن آدم قم إلي أمش إليك وامش إلي أهرول إليك) قال بعض العارفين: هذا وأشباهه إن خطر ببالك أو تصور في خيالك أن ذلك قرب مسافة أو مشي جارحة فأنت هالك فإنه سبحانه بخلاف ذلك وإنما معناه أنك إذا تقربت إليه بالخدمة تقرب منك بالرحمة أنت تتقرب منه بالسجود وهو يتقرب منك بالجود
(حم) من حديث شريح بن الحارث (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريح وهو ثقة(4/491)
6051 - (قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي إن ظن) بي (خيرا فله) مقتضى ظنه (وإن ظن) بي (شرا) أي أني أفعل به شرا (فله) ما ظنه فالمعاملة تدور مع الظن فإذا أحسن ظنه بربه وفى له بما أمل وظن والتطير سوء الظن بالله وهروب عن قضائه فالعقوبة إليه سريعة والمقت له كائن ألا ترى إلى العصابة التي فرت من الطاعون كيف أماتهم؟ قال الحكيم الترمذي: الظن ما تردد في الصدر وإنما يحدث من الوهم والظن هاجسة النفس وللنفس إحساس بالأشياء فإذا عرض أمر دبر لها الحس شأن الأمر العارض فما خرج لها من التدبير فهو هواجس النفس فالمؤمن نور التوحيد في قلبه فإذا هجست نفسه لعارض أضاء النور فاستقرت النفس فاطمن القلب فحسن ظنه لأن ذلك النور يريه من علائم التوحيد وشواهده ما تسكن النفس إليه وتعلمه أن الله كافيه وحسبه في كل أموره وأنه كريم رحيم عطوف به فهذا حسن الظن بالله وأما إذا غلب شره النفس وشهواتها فيفور دخان شهواتها كدخان الحريق فيظلم القلب وتغلب الظلمة على الضوء فتحيى النفس بهواجسها وأفكارها وتضطرب ويتزعزع القلب عن مستقره وتفقد الطمأنينة وتعمى عين الفؤاد لكثرة الظلمة والدخان فذلك سوء الظن بالله فإذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه حسن الظن بأن يزيده نورا يقذفه في قلبه ليقشع ظلمة الصدر كسحاب ينقشع عن ضوء القمر ومن لم يمنح ذلك فصدره مظلم لما أتت به النفس من داخل شهواتها والعبد ملوم على تقوية الشهوات من استعمالها فإذا استعملها فقد قواها ككانون: كلما ألقيت فيه حطبا ازداد لظما ودخانا
(حم عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف(4/491)
6052 - (قال الله تعالى لعيسى) ابن مريم (يا عيسى إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله وشكروا له وإن أصابهم ما يكرهون صبروا واحتسبوا ولا حلم) لهم باللام (ولا علم قال يارب كيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم قال أعطيهم من حلمي وعلمي) قال الطيبي: قوله ولا حلم ولا علم تأكيد لمفهوم صبروا واحتسبوا لأن معنى الاحتساب أن يبعثه على العمل الصالح الإخلاص وابتغاء مرضاة الرب لا الحلم ولا العلم فحينئذ يتوجه عليه أنه كيف يصبر ويحتسب من لا علم له ولا حلم فيقال إذا أعطاه من حلمه يتحلم ويتعلم بحلم الله وعلمه وفي موضع يتعلم موضع العقل إشارة إلى عدم جواز نسبة العقل وهو القوة المتهيئة لقبول العلم إلى الله تعالى عن صفات المخلوقين وقال الحكيم: هذه أمة مختصة بالوسائل من بين الأمم محبوة بالكرامات مقربة بالهدايات محفوظة من الولايات تولى الله هدايتهم وتأديبهم يسمون في التوراة صفوة الرحمن وفي الإنجيل حلماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء وفي القرآن {أمة وسطا} و {خير أمة أخرجت للناس} وقوله صبروا واحتسبوا: الاحتساب أن يرى ذلك الشيء الذي أخذه لله وإن كان صبره باسمه [ص:492] فالأصل لله وقوله صبروا أي ثبتوا فلم يزل أحدهم عن مقامه بزوال ذلك الشيء عنه فإن المؤمن يقول: إنا لله وها أنا بين يديه في طاعته ونعمه علي سابغة فإذا امتحنه فأزال عنه نعمه زال عن مقامه ذلك طلبا لتلك النعمة التي زالت فليس هذا إثبات وقوله ولا حلم ولا علم كأنه يخبر أنه تعالى قدر حلما وعلما لخلقه يتحالمون به بينهم ويعلمون فبذلك الحلم والعلم يتخلقون وفي حديث إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وكانت هذه الأمة آخر الأمم فرق ذلك فيهم ودق فلو تركهم على رقة تلك الأخلاق ورقة تلك الحلوم وقلة العلم لم ينالوا من الخير إلا قليلا ولم يزل الناس ينقصون من الخلق والرزق والعمر من زمن نوح فكان أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ستون ذراعا والرمانة يقعد في قشرتها عشرة رجال فلم تزل تنقص إلى الآن فانظر كم بين الخلقين والعمرين والرزقين؟ فكذا الخلقين لم يبق لنا من الحلم والعلم إلا قليلا ما نفسد أكثر مما نصلح فإن صبروا واحتسبوا أعطاهم وقوله أعطيتهم من حلمي وعلمي فالعلم النور يقذف في قلوبهم فينشرح الصدر فيتسع بذلك علمه والحلم اتساع القلب فكلما دخلته فكرة انهضم كما ينهضم الطعام في المعدة فاتسع القلب وصلحت فيه الأمور وقال ابن عربي: هذه الأمة في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة ولهذا ظهر فيها من العلوم الإلهية ما لم يظهر في غيرها من الأمم فإن الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية علمهم بالطبائع والإلهيون فهم غرباء قليلون جدا لا يكاد يظهر لهم أثر ثم إن المتأله منهم ممتزج بالطبيعة ولا بد والمتأله منا صرف خالص لا سبيل لحكم الطبع عليه
(حم طب ك هب) وكذا الحكيم (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبو حليس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان(4/491)
6053 - (قال الله تعالى: يا ابن آدم اثنتان لم يكن لك واحدة منهما جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك) بالتحريك أي عند خروج نفسك وانقطاع نفسك (لأطهرك به) من أدناسك (وأزكيك وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك) قال الفاكهاني: من خصائص هذه الأمة الصلاة على الميت والإيصاء بالثلث
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب(4/492)
6054 - (قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له) قال المظهر: فيه أن الاعتراف بذلك سبب للغفران وهو نظير أنا عند ظن عبدي بي وقد عير الله قوما فقال {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} قال الطيبي: وقوله من علم إلخ تعريض للوعيد به وبمن قال إن الله لا يغفر الذنوب بغير توبة ويشهد للتعريض قوله (ولا أبالي) أي لا أحتفل (ما لم يشرك بي شيئا) وفيه رد على المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليين وروي أن حماد بن سلمة عاد سفيان فقال سفيان: أترى يغفر الله لمثلي؟ قال: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي ومحاسبة أبوي ما اخترت إلا محاسبة الله لأنه أرحم بي منهما. قالوا: وهذا أرجى حديث في السنة ولا يغتر به فإنه تعالى كما أنه عظيم الثواب شديد العقاب فعقابه عظيم كما أن عفوه واسع جسيم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
(طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن جعفر بن عمر العدني أحد رجاله واه فالصحة من أين؟(4/492)
6055 - (قال الله تعال: ابن آدم اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما) قال ابن رجب: يشير إلى أن [ص:493] الأعمال بالخواتم فإذا كان البداءة والختام بخير شمل الخير ورجاء المغفرة حكم الجميع
(حل عن أبي هريرة) ورواه ابن المبارك في الزهد عن الحسن مرسلا(4/492)
6056 - (قال الله تعالى إن المؤمن مني بعرض كل خير إني أنزع نفسه من جنبيه وهو يحمدني) قال بعض الصحابة: مررت على سالم مولى أبي حذيفة في القتلى وبه رمق فقلت: أسقيك فقال جرني قليلا إلى العدو واجعل الماء في الترس فإني صائم فإن عشت إلى الليل شربته وقال الإمام الرازي: حكمة سؤال الملكين أن الملائكة لما طعنت في بني آدم بعث الله إليه ملكين يسألانه عن ربه ودينه فيقول ربي الله وديني الإسلام فيقول الله انظروا إليه أخذت روحه وماله وزوجته: فماله لعدوه وزوجته تحت غيره ومع ذلك هو مقر بتوحيدي وتنزيهي لتعلموا أني أعلم ما لا تعلمون
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس وعن أبي هريرة) ورواه أحمد بنحوه(4/493)
6057 - (قال الله تعالى أنا أكرم وأعظم عفوا من أن أستر على عبد مسلم في الدنيا ثم أفضحه بعد أن سترته ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني) أي في مدة دوام استغفاره لي وإن تاب ثم عاود الذنب ثم تاب وهكذا إلى ما لا يحصى
(الحكيم) في النوادر (عن الحسن) البصري (مرسلا عق عنه) أي الحسن (عن أنس) وفيه أيوب بن ذكوان قال في الميزان: عن البخاري: منكر الحديث وعن الأزدي: متروك الحديث وعن ابن عدي: ما يرويه لا يتابع عليه وفي اللسان: ذكر العقيلي هذا الحديث فيما أنكر عليه ثم قال: وروي من غير هذا الوجه بمعنى هذا اللفظ بإسناد أصلح منه(4/493)
6058 - (قال الله تعالى حقت محبتي على المتحابين) أي في الله (أظلهم في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلي) لأنهما لما تحابا في الله وتواصلا بروح الله وتآلفا بمحبته فكان ذلك منهما احتياشا إلى الله فآواهما إلى ظله
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان عن عبادة بن الصامت) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو ذهول فقد خرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله وثقوا اه. فعدول المصنف لابن أبي الدنيا واقتصاره عليه غير جيد(4/493)
6059 - (قال الله تعالى لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة قال ابن حجر: يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الجهري والتقدير إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى قال ابن بطال: هذا نص في أن الملائكة أفضل من الآدميين وهو مذهب جمهور أهل العلم وعليه شواهد من القرآن نحو {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} والخالد [ص:494] أفضل من الفاني فالملائكة أفضل وتعقبه جمهور أهل السنة بما هو معروف <تنبيه> قال بعض العارفين: الله تعالى له الأخلاق السنية وهي الأسماء الإلهية فمن ذكر الحق كان جليسه ومن كان جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم خلقه على قدر زمان مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون الله أدخله معهم في رحمته وكرامته فإنهم القوم لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه (من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ) أي جماعة من خواص خلقي المقبلين على ذكري داعيا لهم إلي أو ناشرا بينهم ثنائي أو دالا لهم على حقيقة ذكري أو مراقبتي أو شاغلا لهم بذكري (إلا ذكرته في الرفيق الأعلى) ظاهر هذا أن ذكر اللسان علانية أفضل من الذكر الخفي والذكر القلبي قال وهب: رأيت في بعض الكتب الإلهية أن الله يقول يا ابن آدم ما قمت لي بما يجب لي عليك أذكرك وتنساني وأدعوك وتفر مني خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد
(طب عن معاذ بن أنس) بن مالك قال الهيثمي: إسناده حسن(4/493)
6060 - (قال الله تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (إذا ذكرتني خاليا) عن الخلائق أو عن الالتفات لغيري وإن كنت معهم (ذكرتك خاليا) أي إن ذكرتني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرتك بالثواب والرحمة سرا وقال ابن أبي جمرة: يحتمل كونه كقوله تعالى {اذكروني أذكركم} معناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام وقال تعالى {ولذكر الله أكبر} أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف أمنه أو مستوحش آنسه {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وأكبر) وفي رواية بدله خير من الذين ذكرتني فيهم وهذا تنويه عظيم بشرف الذكر قال بعض العارفين: الذاكر ربه حياته متصلة دائمة لا تنقطع بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأتم من حياة المقتول في سبيل الله ومن لا يذكر الله ميت وإن كان في الدنيا بين الأحياء فإنه حي بالحياة الحيوانية وجميع العالم حي بحياة الذكر فمثل الذاكر وغيره مثل الحي والميت وإنما كان الذاكر أفضل من الشهيد الغير الذاكر لقوله في الخبر المار ألا أخبركم بأفضل إلخ
(هب عن ابن عباس) ورواه عنه البزار قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة(4/494)
6061 - (قال الله تعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن) أي اختبرته وامتحنته (فلم يشكني) أي لم يخبر بما عنده من الألم (إلى عواده) أي زواره في مرضه وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد لكنه اشتهر في عائد المريض كما سبق (أطلقته من إساري) أي من ذلك المرض (ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه) الذي أذهبه الألم (ودما خيرا من دمه) الذي أذهبه الألم (ثم يستأنف العمل) أي يكفر المرض عمله السيء ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فبلاؤه نعمة وسقمه منة وفي إفهامه أنه إذا شكى لم ينل هذه المثوبة قال الغزالي: الشكوى معصية قبيحة من أهل الدين فكيف لا تقبح من رب العالمين فالأحرى الصبر على القضاء فإن كان ولا بد من الشكوى فإلى الله فهو المبلي وهو المعافي والشكوى ذل وإظهار الذل للعبيد مع كونهم أذلاء قبيح قال حكيم: لا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك نعم لا بأس بالإظهار إذا صحت النية كأن يصف ما به للطبيب أو لغيره ليعلمه الصبر أو ليظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى ربه ولكن يحسن ممن عرف منه القوة والصرامة كما قيل لعلي في مرضه كيف [ص:495] أنت قال بشر فنظر بعض القوم لبعض ظانين أنه شكاية فقال: أأتجلد على الله؟ فأحب إظهار عجزه لما علموه من قوته
(ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: لم يخرجه الستة لعلته اه. وقال العراقي: سنده جيد(4/494)
6062 - (قال الله تعالى عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي) فإنه تعالى خلقه في غاية الحسن والإتقان وأعلى منصبه على سائر الحيوان وجعله مختصرا من العالم المحيط مركبا من كثيف وبسيط لم يبق في الإمكان شيء إلا وأودع فيه في أول نشأته ومبانيه حتى برز على غاية الكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال فليس في الوجود عجز ولا في القدرة نقصان قال ابن عربي: صح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان ولهذا قال بعض الأئمة يعني الغزالي ليس أبدع من هذا العالم في الإمكان فانظر إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني من ملك وملكوت حتى إذا ظهر في العالم مثل إنما وجدته في الإنسان كالشعر والظفر وكما أن في العالم ماءا ملحا وعذبا وزعاقا ومرا فكذا في الإنسان: فالمالح في عينه والزعاق في منخريه والمر في أذنيه والعذب في فمه وكما أن في العالم ترابا وماءا وهواءا ونارا ففي الإنسان مثل ذلك وكما أن في العالم رياحا أربع شمالا وجنوبا وصبا ودبورا ففي الإنسان أربع قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة وكما أن في العالم سباعا وشياطين وبهائم ففي الإنسان الافتراس وطلب القهر والغلبة والغضب والحقد والحسد والأكل والشرب والنكاح وكما أن في العالم ملائكة بررة سفرة ففي الإنسان طهارة وطاعة وكما أن في العالم من يظهر للأبصار ويخفى ففي الإنسان ظاهر وباطن: عالم الحس وعالم القلب فظاهره ملك وباطنه ملكوت وكما أن في العالم سماءا وأرضا ففي الإنسان علوا وسفلا فامش بهذا الاعتبار على العالم تجد النسخة الإلهية صحيحة ما اختل حرف ولا نقص معنى. والقصد بيان شرف الإنسان
(طس) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن المهرم متروك(4/495)
6063 - (قال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين: إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي) فمن كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر وبالعكس وذلك لأن من أعطى علم اليقين في الدنيا طالع الصراط وأهواله بقلبه فذاق من الخوف وركب من الأهوال ما لا يوصف فيضعه عنه غدا ولا يذيقه مرارته مرة ثانية وهذا معنى قول بعض العارفين لأنه لما صلى حر مخالفة القوى في الدنيا لم يذقه الله كرب الحر في العقبى. قال القرطبي: فمن استحى من الله في الدنيا مما يصنع استحى الله عن سؤاله في القيامة ولم يجمع عليه حياءين كما لم يجمع عليه خوفين وقال الحرالي: نار الحق في الدنيا للمعترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة ومحمد عليه الصلاة والسلام يعطى الأمن يوم القيامة حتى يتفرغ للشفاعة وما ذاك إلا من الخوف الذي كان علاه أيام الدنيا فلم يجتمع عليه خوفان فكل من كان له حظ من اليقين فعاين منه ما ذاق من الخوف سقط عنه من الخوف بقدر ما ذاق هنا قال العارفون: والخوف خوفان خوف عقاب وخوف جلال والأول يصيب أهل الظاهر والثاني يصيب أهل القلوب والأول يزول والثاني لا يزول
(حل عن شداد بن أوس) ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة(4/495)
6064 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك) أي سرا وخيفة إخلاصا وتجنبا للرياء (ذكرتك في نفسي) أي [ص:496] أسر بثوابك على منوال عملك وأتولى بنفسي إثابتك لا أكله لأحد من خلقي فهو وارد على منهج المشاكلة أو المعنى إن خلوت بذكري أخليت سرك عن سواي وإن أخفيت ذكرك إجلالا لي أخفيتك في غيبي فلا ينالك مكروه فتكون سري بين خلقي غاروا على أذكاره فغار على أوصافهم فهم خباياه في غيبه وأسراره في خلقه (وإن ذكرتني في ملأ) افتخارا بي وإجلالا لي بين خلقي (ذكرتك في ملأ خير منهم) أي ملأ الملائكة المقربين وأمواح المرسلين مباهات بك وإعظاما لقدرك وخيرية الملائكة من جهة أن حالتهم واحدة في الطاعة والمؤمنون مختلفون فهم بين طاعة ومعصية وفترة وتوفير وجد وتقصير والملأ الذي عنده مقدس لا يعصون الله بحال فقد تمسك بهذا من فضل الملائكة على البشر (وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول) يعني من دنا إلي وقرب مني بالاجتهاد والإخلاص في طاعتي قربته بالهداية والتوفيق وإن زاد زدت واعلم أنه سبحانه وتعالى أقرب من كل شيء إلى كل شيء أبعد إلى كل شيء من كل شيء وقربه من خلقه أقسام ثلاثة قرب العامة وهو قرب العلم وقرب الخاصة وهو قرب الرحمة وقرب خاصة الخاصة وهو قرب الحفظ والرعاية ذكره بعض الأعاظم وقال ابن عربي: هذا قرب مخصوص يرجع إلى ما يتقرب إليه سبحانه من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فضاعف القرب بالذراع فإن الذراع ضعف الشبر وما تقربت إليه إلا به لأنه لولا ما دعاك وبين لك طريق القرب وأخذ بناصيتك فيها لم تعرف الطريق التي يتقرب منه ما هي ولو عرفتها لم يكن لك حول ولا قوة إلا بالله اه. <تنبيه> قال العوفي: هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته
(حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/495)
6065 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني) أي مدة دعائك فهي زمانية نحو {ما يتذكر فيه من تذكر} (ورجوتني) أي أملت مني الخير (غفرت لك) ذنوبك (على ما كان منك) من عظائم وجرائم أو ما دمت تدعوني وترجو مغفرتي ولا تقنط من رحمتي فإني أغفر لك ولا تعظم علي مغفرتك وإن كانت ذنوبك كثيرة وذلك لأن الدعاء مخ العبادة والرجاء متضمن لحسن الظن بالله وهو قال أنا عند ظن عبدي بي وعند ذلك تتوجه الرحمة له وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء (ولا أبالي) بذنوبك إذ لا معقب لحكمي ولا مانع لعطائي كأنه من البال فإنه إذا قيل لا أبالي كأنه قال لا يشتغل بالي بهذا الأمر أو نحوه قال الطيبي: في عدم مبالاته معنى قوله {لا يسأل عما يفعل} (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك) بفرض كونها أجساما (عنان) بفتح المهملة سحاب (السماء) بأن ملأت ما بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى أو عنانها ما عن لك منها أي ظهر إذا رفعت رأسك ثم (استغفرتني) أي تبت توبة صحيحة (غفرت لك ولا أبالي) لأن الاستغفار استقالة والكريم محل إقالة العثرات وهذا على إطلاقه لأن الذنب إما شرك يغفر بالاستغفار أي التوبة منه وهو الإيمان أو دونه فبالندم والإقلاع بشرطه المعروف قال التوربشتي: العنان السحاب وإضافته على هذا المعنى إلى السماء غير فصيح وأرى الصواب أعنان السماء وهي صفائحها يحسها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن فلعل الهزة سقطت من بعض الرواة وورد أن العنان بمعنى العياء وأجاب الطيبي بأنه يمكن أن يجعل من باب قوله {فخر عليهم السقف من فوقهم} تصويرا لارتفاع شأن السحاب وأنه بلغ مبلغ السماء وقال القاضي: العنان السحاب الواحدة عنانة من عن إذا اعترض وأضيف إلى السماء لأنه معترض من دونها وقد يقال أعنان [ص:497] السماء والمعنى أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير والجليل والحقير (يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم كما في الرياض أفصح وأشهر أي بقريب ملئها أو مثلها وهو أشبه إذ الكلام سيق للمبالغة وقال القاضي: هو مأخوذ من القرب أي ما يقاربها في المقدار والقراب شبه جراب يضع فيها المسافر زاده وقراب السيف غمده (خطايا) قال الطيبي: تمييز من الإضافة نحو قولك ملأ الإناء عسلا (ثم لقيتني) أي مت حال كونك (لا تشرك بي شيئا) لاعتقادك لتوحيدي وتصديق رسلي وما جاؤوا به قال الطيبي: وثم للتراخي في الأخبار (لأتيتك بقرابها مغفرة) ما دمت تائبا عنها مستغفرا منها مستقبلا إياها وعبر به للمشاكلة وإلا فمغفرته أبلغ وأوسع من ذلك فهو بيان لكثرة مغفرته لئلا ييأس المذنبون عنها لكثرة الخطايا ولا يجوز الاغترار بهذا وإكثار المعاصي لأن لله عقوبة شديدة
(ت والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك(4/496)
6066 - (قال الله تعالى عبدي) بحذف حرف النداء (أنا عند ظنك بي وأنا معك) بالتوفيق والمعونة أو أنا معك بعلمي وهو كقوله {إنني معكما أسمع وأرى} والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} إلى أن قال {إلا هو معهم أينما كانوا} (إذا ذكرتني) أي دعوتني فاسمع ما تقوله فأجيبك وقال ابن أبي جمرة: أنا معك بحسب ما قصدت من ذكرك لي قال: ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر وتجنب النهي قال: والذي تدل عليه الأخبار أن الذكر نوعان أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه مثل هذا الخبر والثاني على خطر قال: والأول يستفاد من قوله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا لكن إن كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه فإنه يرجى له
(ك عن أنس) بن مالك(4/497)
6067 - (قال الله تعالى للنفس اخرجي) من الجسد (قالت لا أخرج إلا كارهة) قال الطيبي: ليس المراد نفسا معينة بل الجنس مطلقا كقوله أمر على اللئيم يسبني وذلك لأنها ألفت الجسد واشتدت مصاحبتها له وامتزاجها به فلا تخرج إلا بغاية الإكراه
(خد عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار هكذا وزاد قال اخرجي وإن كرهت قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/497)
6068 - (قال الله تعالى يا ابن آدم ثلاثة واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من عمل جزيتك به فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة وعلي الاستجابة والعطاء) تفضلا وتكرما لا وجوبا والتزاما فالاستجابة والعطاء أمر محقق لا ريب فيه لكن تارة يكون بعين المسؤول وتارة بدله مما هو أصلح وأنفع وتارة في الدنيا وأخرى في الآخرة
(طب عن سلمان) الفارسي رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه حميد بن الربيع مدلس وفيه ضعف(4/497)
6069 - (قال الله تعالى من لا يدعوني أغضب عليه) أي ومن يدعوني أحبه وأستجيب له وقيل في المعنى: [ص:498]
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
قال سبحانه {أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي} فقدم إجابته لنا إذا دعوناه على إجابتنا له إذا دعانا وجعل الاستجابة من العبد لأنها أبلغ من الإجابة لأنه سبحانه لا مانع له من الإجابة فلا فائدة للتأكيد وللإنسان موانع منها الهوى والنفس والشيطان والدنيا فلذلك أمر بالاستجابة فإن الاستفعال أشد في المبالغة من الأفعال وأين الاستخراج من الإخراج ولهذا يطلب الكون من الله العون (خاتمة) قالوا: هذه أحاديث قدسية وتفارق القرآن بأنه اللفظ المنزل للإعجاز بشيء منه والحديث القدسي إخبار الله نبيه معناه بإلهام أو منام فأخبر عنه بعبارة نفسه وبقية الأحاديث لم يضفها إليه ولم يروها فالقرآن أشرف الكل فالقدسي لأنه نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان بغير واسطة ملك غالبا لأن المنظور إليه معناه دون لفظه وفي التنزيل اللفظ والمعنى معا ذكره الطيبي
(العسكري في المواعظ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(4/497)
6070 - (قال ربكم أنا أهل أن أتقى) بالبناء للمفعول بضبط المصنف أي أخاف وأحذر فالحذر أن أوصف بما وصفني به المشركون {ويحذركم الله نفسه} ورأس الاتقاء اتقاء كلمة الكفر كما قال (فلا يجعل) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (معي إله) لأنه لا إله غيري ولو أشرك بي العبد أحدا معي لفعل محالا لجعله شيئا لا يكون وليس بكائن (فمن اتقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له) هذا على نسق التنزيل نسب الأهلية إلى نفسه في الفعلين لأنه شكور ولا يضيع أجر المحسنين فمن زعم أن أحدا من الموحدين يخلد في النار فقد أعظم الفرية ونسب ربه إلى الجور " تعالى الله عن ذلك " وقول بعض السلف بخلود أهل الكبائر أراد به طول المكث وأبهمه زجرا وتخويفا فلم يفهم أولئك مراده فضلوا وأضلوا قال الإمام الرازي: سمى نفسه أهل التقوى وسمى الموحدين أهل كلمة التقوى فكأنه يقول أنا أهل أن أكون مذكورا بهذه الكلمة وأنت أهل أن تكون ذاكرها فما أعظم هذا الشرف وقال الطيبي: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين ثم تجوز واستعمل في معنى الخليق والجدير فقيل فلان أهل لكذا أي خليق به وهو المعني بقوله {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} فأخبر بأنه حقيق بأن يتقى منه وخليق بأن يغفر لمن اتقاه ففوض الترتيب إلى ذهن السامع اه
(حم ت ن) في التفسير (هـ) في الزهد (ك) في التفسير كلهم من حديث سهيل القطيعي عن ثابت (عن أنس) وقال الترمذي: حسن غريب وسهيل ليس بالقوي وقد تفرد به عن ثابت(4/498)
6071 - (قال ربكم لو أن عبادي أطاعوني) في فعل المأمورات وتجنب المنهيات (لأسقيتهم المطر بالليل ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد) قال الطيبي: من باب التتميم فإن السحاب مع وجود الرعد فيه شائبة خوفا من البرق لقوله سبحانه {هو الذي يريكم البرق خوفا وطعما}
(حم ك) في التفسير من حديث صدقة بن موسى عن محمد بن واسع عن عمير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن صدقة واه فالصحة من أين؟(4/498)
6072 - (قال) لي (جبريل لو رأيتني) يا محمد حين قال فرعون عند إدراكه الغرق {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل [ص:499] وأنا من المسلمين} (وأنا آخذ من حال البحر) أي طينه الأسود المنتن (فأدسه في في فرعون) عندما أدركه الغرق (مخافة أن تدركه الرحمة) أي رحمة الله التي وسعت كل شيء وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا عجيبا يبهت الواصف عن كنهه فإني لما شاهدت تلك الحالة بهت غضبا على عدو الله لادعائه تلك العظمة والحاصل أنه إنما فعل ذلك غضبا لله لا أنه كره إيمانه لأن كراهة إيمان الكافر على ما قالوا كفر قال الماتريدي: إنما يكون الرضى بالكفر كفرا إذا رضي بكفر نفسه لا بكفر غيره وقد ذكر الزمخشري هذا بوزن قوله مخافة إلخ وقال دسه في فيه للغضب لله على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه قال وأما ما يضم إليه من قولهم مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات المباهتين لله ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه أي عند الحنفية وقد يجاب بأن جبريل عليه السلام أراد شغل قلبه لا لسانه
(حم ك عن ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما أغرق الله فرعون فقال {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} فقال لي جبريل إلخ قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان نقل عن أحمد أن يوسف بن مهران أحد رجاله لا يعرف ثم ساقه بلفظه(4/498)
6073 - (قال لي جبريل بشر خديجة) بنت خويلد أم المؤمنين (ببيت في الجنة من قصب) يعني قصب اللؤلؤ المجوف كما جاء مفسرا في هذا الخبر بعينه وهو إما من تتمة الحديث أو من كلام الصحابي (لا صخب فيه) بفتح المهملة والمعجمة والموحدة لا صياح فيه (ولا نصب) بالتحريك لا تعب لأن قصور الجنة ليس فيها ذلك كما ذكره ابن القيم قال السهيلي: المناسبة في هاتين الصفتين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دعى إلى الإيمان أجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا نزاع ولا تعب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب كون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة قال الخطابي: والبيت هنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته قال السهيلي: وهو صحيح يقال في القوم هو أهل بيت شرف وعزو في التنزيل {غير بيت من المسلمين} ونكتة تعبيره ببيت دون قصر أنها كانت ربة بيت في الإسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت وأيضا هي أول من بنى بيتا في الإسلام بتزوجها نبيا وجزاه الفعل يذكر بلفظ الفعل وإن كان أشرف منه كما جاء أن من كسى مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق ومنه خبر من بنى مسجدا - الحديث - لم يرد مثله في كونه مسجدا ولا في صفته بل قابل البنيان بالبنيان أي كما بنى بنى له كما قابل الكسوة بالكسوة والسقيا بالسقيا فهنا رفعت المماثلة لا في ذات المبنى أو المكسو فمن ثم اقتضت الفصاحة أن يعبر بها عما بشرت به بلفظ البيت وإن كان فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت قال ابن حجر: وفي البيت معنى آخر وهو أن مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليها
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن أبي أوفى) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي سمية وقد وثقه غير واحد(4/499)
6074 - (قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أفضل من بني هاشم) قال الحكيم: إنما طاف الأرض ليطلب النفوس الطاهرة الصافية المتزكية بمحاسن الأخلاق ولم ينظر للأعمال لأنهم كانوا أهل الجاهلية إنما نظر إلى أخلاقهم فوجد الخير في هؤلاء وجواهر [ص:500] النفوس متفاوتة بعيدة التفاوت <تنبيه> قال ابن عربي: من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه بعث من قوم لا هم لهم إلا قرى الضيف ونحر الجزور والحروب الدائمة وسفك الدماء وبهذا يتمدحون وبه يمدحون ولا خفاء عند كل أحد بفضل العرب على العجم بالكرم والسماحة والوفاء وإن كان في العجم كرماء وشجعان لكن في آحاد كما أن في العرب جبناء وبخلاء لكن في آحاد وإنما الكلام في الغالب وهذا لا ينكره أحد
(الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأقدم ولا أحق بالعزو منهما وهو ذهول فقد خرجه الإمام أحمد في المناقب وآخرون كالطبراني والبيهقي والديلمي وابن لال والمحاملي وغيرهم وكان ينبغي للمصنف البداءة بالعزو لأحمد كعادته قال ابن حجر في أماليه: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن(4/499)
6075 - (قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن) أي وإن زنى وإن سرق ومات مصرا على ذلك ولم يتب فهو تحت المشيئة إن شاء عذبه الله ثم أدخله الجنة وإن شاء عفى عنه ابتداء فلم يدخله النار وفيه رد على المعتزلة الزاعمين أن صاحب الكبيرة إذا مات بغير توبة يخلد في النار
(خ عن أبي ذر) الغفاري(4/500)
6076 - (قال لي جبريل ليبك الإسلام) أي أهله (على موت عمر) بن الخطاب فإنه قفل الفتنة كما ورد ومن موته نشأت الحروب بين المسلمين وكان ما كان
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي) بن كعب قال الهيثمي: فيه حبيب كاتب مالك وهو متروك كذاب وقال شيخه الحافظ العراقي: روياه عن الآجري في كتاب الشريعة عن أبي بسند ضعيف جدا وأورده ابن الجوزي في الموضوع(4/500)
6077 - (قال لي جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت) قال بعضهم: هذا وعظ وزجر وتهديد والمعنى فليتأهب من غايته للموت بالاستعداد لما بعده ومن هو راحل عن الدنيا كيف يطمئن إليها فيخرب آخرته التي هو قادم عليها وقال ابن الحاجب: هذا تسمية للشيء بعاقبته نحو لدوا للموت وابنوا للخراب (وأحبب من شئت فإنك مفارقه) أي تأمل من تصاحب من الإخوان عالما بأنه لا بد من مفارقته فلا تسكن إليه بقلبك ولا تطعه فيما يعصي ربك فإنه لا بد من فرقة الأخلاء كلهم إلى يوم قيل فيه {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} فإن كان ولا بد فأحبب في الله من يعينك على طاعة الحق تعالى ولا تعلق قلبا عرف مولاه بمحبة سواء قال بعض العارفين: من أحب بقلبه من يموت مات قلبه قبل أن يموت (واعمل ما شئت) مبالغة في التقريع والتهديد من قبيل {اعملوا ما شئتم} يجازيكم به فإن كان العمل حسنا سرك جزاؤه أو سيئا ساءك لقاؤه (فإنك ملاقيه) قال الغزالي: هذا تنبيه على أن فراق المحبوب شديد فينبغي أن تحب لا يفارقك وهو الله ولا تحب من يفارقك وهو الدنيا فإنك إذا أحببت الدنيا كرهت لقاء الله فيكون قدومك بالموت على ما تكرهه وفراقك لما تحبه وكل من فارق محبوبا أذاه في فراقه بقدر حبه وأنسه وأنس الواحد للدنيا أكثر من أنس فاقدها وأنشدوا:
يافرقة الأحباب لا بد لي منك. . . ويا دار دنيا إنني راحل عنك
ويا قصر الأيام مالي وللمنى [ص:501]. . . ويا سكرت الموت ما لي وللضحك
وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة. . . إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبك
ألا أي حي ليس للموت موقنا. . . وأي يقين منه أشبه بالشك
<فائدة> قال ابن السمعاني: سمعت إمام الحرمين يقول كنت بمكة فرأيت شيخا من أهل المغرب يطوف ويقول:
تمتع بالرقاد على شمال. . . فسوف يطول نومك باليمين
ومتع من يحبك من تلاق. . . فأنت من الفراق على يقين
(الطيالسي) أبو داود في مسنده (هب) من طريق أبي داود المذكور قال عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله ثم قال البيهقي: وروى ذلك من حديث أهل البيت أيضا والحسن بن أبي جعفر وهو الجعفي قال الذهبي: ضعفوه وأبو الزبير مر ضعفه غير مرة وأورده ابن الجوزي من عدة طرق ثم حكم عليه بالوضع(4/500)
6078 - (قال لي جبريل قد حببت) بالبناء للمفعول أي حبب الله (إليك الصلاة) أي فعلها (فخذ منها ما شئت) فإن فيها قرة عينك وجلاء همك وتفريج كربك
(حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح ومن ثم رمز المصنف لحسنه(4/501)
6079 - (قال لي جبريل راجع حفصة) بنت عمر بن الخطاب وكان طلقها طلقة رجعية (فإنها صوامة قوامة) بالتشديد أي دائمة القيام للصلاة (وأنها زوجتك في الجنة) سبب طلاقها كما رواه الطبراني أنها دخلت عليه في بيتها وهو يطأ مارية فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة وهو أن أباك يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا مت فأخبرت عائشة فطلقها. وعند ابن سعد عن شعبة مولى ابن عباس خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجاريته القبطية ببيت حفصة فجاءت فدقت الباب فخرج ووجهه يقطر فقالت: أما إني رأيت ما صنعت قال: فاكتمي علي وهي حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها فقالت له: أما يومي فتفرس فيه بالقبطية وتسلم لنسائك سائر أيامهن فطلق حفصة
(ك) وكذا ابن سعد والدارمي (عن أنس) بن مالك ولابن سعد مثله عن ابن عباس عن عمر قال ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن (وعن قيس بن زيد) الجهني ورواه عنه البزار وغيره قال ابن حجر: وقيس مختلف في صحبته(4/501)
6080 - (قال موسى بن عمران يا رب من أعز عبادك عندك قال من إذا قدر غفر) أي عفا وسامح فالعفو لا يزيد العبد إلا عزا ورفعة والعافي أجره على الله تعالى حقا كما قال في الحديث المار إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم من على الله أجره فلا يقوم إلا من عفى عن ذنب أخيه
(هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده(4/501)
6081 - (قال موسى) بن عمران (يا رب كيف شكرك آدم فقال علم أن ذلك مني فكان ذلك شكره) أي كان بمجرد هذه المعرفة شاكرا فإذن لا شكر إلا بأن تعترف بأن الكل منه وإليه وليس لغيره سوى مجرد مظهرية لما بين يديه [ص:502] فإن خالطك ريب في هذا لم تكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فهذا أصل أصيل إليه المرجع وعليه التعويل ذكره الغزالي قال: وإنما يكون العبد شاكرا إذا كان لشروط الشكر جامعا ومنها أن يكون فرحه بالمنعم لا بالنعمة ولا بالإنعام ولعل هذا مما يتعذر عليك فهمه فتمثله فتقول الملك الذي يريد السفر فأنعم على رجل بفرس يتصور أن يفرح به من حيث كونه مال ينتفع به وهذا فرح بالفرس فقط ومن حيث إنه يستدل به على غاية عناية الملك به لا من حيث كونه فرسا فالأول لا يدخل فيه معنى الشكر لأن فرحه بالفرس لا بالمعطي والثاني داخل في معنى الشكر من حيث كونه فرحا بالمنعم لا بالنعمة وقد أبان هذا الخبر عن استحالة الشكر شكر وأن من لم يشكر فقد شكر ومن نظر بعين التوحيد المحض عرف أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره وأن كل شيء هالك إلا وجهه لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام وهذا محال أن يوجد إذ الوجود المحقق هو القائم بنفسه وليس له بنفسه قوام فليس له بنفسه وجود بل هو قائم بغيره فهو موجود بغيره فإن اعتبر من حيث ذاته لم يكن له وجود البتة وإنما الموجود هو القائم بنفسه ومن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره فهو قيوم ولا يتصور أن يكون القيوم إلا واحدا فليس في الوجود إلا الحي القيوم الواحد فالكل منه مصدره وإليه مرجعه ويعبر الصوفية عن هذا بفناء النفس أي فنى عن نفسه وعن غير الله فلا يرى إلا الله فمن لا يفهم هذا ينكر عليهم ويسخر منهم فيسخرون منه هذا كله كلام الغزالي
(الحكيم) الترمذي (عن الحسن) البصري (مرسلا)(4/501)
6082 - (قال موسى لربه عز وجل ما جزاء من عزى الثكلى) أي من فقدت ولدها (قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) وإذا كان هذا جزاء المعزى فما جزاء المصاب لكن عظم الجزاء مشروط بعدم الجزع كما يقع من الجهلة من ضرب خد وشق ثوب ونشر شعر وتغيير زي وغير ذلك أما شدة الحزن العاري عن ذلك فغير مذموم وإن تطاول بدليل قصة يعقوب عليه السلام
(ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي بكر) الصديق (وعمران) بن حصين ورواه عنه الديلمي وغيره أيضا(4/502)
6083 - (قال داود) النبي (يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها) يعني أن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والإيمان كالبذر فيه والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها مجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق فيها كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة يوم الحصاد ولا يحصد أحد إلا ما زرع وقال الحكماء: كل يحصد ما يزرع ويجزى بما يصنع وزرع يومك حصاد غدك وقال الراغب: الإنسان في دنياه حارث وعمله حرثه ودنياه محرثته ووقت الموت وقت حصاده والآخرة بيدره ولا يحصد إلا ما زرعه ولا يكيل إلا ما حصده وكما أن في الدنيا مكاييل وموازين وأمناء وحفاظا وكتابا ففي الآخرة مثل ذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي الدرداء)(4/502)
6084 - (قال داود إدخالك يدك في فم التنين) ضرب من الحيات كالنخلة السحوق (إلى أن يبلغ المرفق فيقضمها) أي [ص:503] يعضها (خير لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان) أي من كان معدما فصار غنيا وليس هو من بيت شرف ولا مجد. أوحى الله إلى موسى لأن تدخل يدك إلى منكبيك في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر خرجه السلفي عن الثوري
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير سديد(4/502)
6085 - (قال سليمان بن داود لأطوفن) في رواية لأطيفن قال عياض: وهما لغتان فصيحتان واللام موطئة للقسم أي والله لأدورن (الليلة) أي في الليلة (على مئة امرأة) فكنى بالطواف عن الجماع وفي رواية سبعين وتسعين وغيرهما وجمع بأن البعض سراري والبعض حرائر على أن القليل لا ينفي الكثير بل مفهوم العدد غير حجة عند الأكثر وقوله الليلة يحتمل أن الليل في ذلك الزمان كان طويلا جدا بحيث يتأتى له فيه جماع مئة امرأة مع تهجده ونومه ويحتمل أنه تعالى خرق له العادة فيجامع ويتطهر وينام ثم هكذا ثم هكذا والليل في الطول على ما هو عليه الآن كما خرق الله العادة لأبيه داود عليهما السلام في قراءة الزبور بحيث كان يقرأه بقدر ما تسرج له دابته وهذا يوجد الآن في الأولياء كثيرا وفيه ما رزقه سليمان من القوة على الجماع وأنها في الرجال فضيلة وهي تدل على صحة الذكورية وكمال الإنسانية قال القرطبي: أعطى الأنبياء صحة النبوة وقوة الفحولية مع ما كانوا عليه من الجهد والمجاهدة حتى أن نبينا مات ولم يشبع من خبز الشعير وجاء عن سليمان أنه كان يفترش المئة امرأة وكان يأكل خبز الرماد ومن هذا حاله فالعادة ضعفه عن الجماع لكن العوائد خرقت لهم ولا يلزم مما تقرر تفضيل سليمان على محمد عليهما الصلاة والسلام لكونه لم يعط إلا قوة أربعين رجلا ولم يكن له غير عشرة نسوة ما ذاك إلا لأن سليمان تمنى أن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطي الملك وأعطي هذه القوة في الجماع ليتم له الملك على خرق العادة من كل الجهات لأن الملوك يتخذون من الحرائر والسراري بقدر ما أحل لهم ويستطيعونه فأعطي سليمان تلك الخصوصية ليتميز بها عنهم فكان نساؤه من جنس ملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده ونبينا خير أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني فأعطي ذلك القدر لرضاه بالفقر والعبودية فأعطي الزائد لخرق العادة (كلهن يأتي بفارس) أي تلد ولدا ويصير فارسا (يجاهد في سبيل الله) قاله تمنيا للخير وجزم لغلبة الرجاء عليه دلالة على أنه إنما تمناه لله تعالى لا لحظ نفسه ولا تظن به أنه قطع بذلك على الله أنه يفعل به بل هو قوة ورجاء من فضله حمله عليه حبه للخير (فقال له صاحبه) قرينه وبطانته أو الملك الذي يأتيه أو وزيره من الإنس أو خاطره وفي رواية الملك (قل إن شاء الله) ذلك (فلم يقل إن شاء الله) أي بلسانه لنسيان عرض له فعلة الترك النسيان لا الإباء عن التفويض إلى الرحمن فصرفه عن الاستثناء القدر السابق أن لا يكون ما تمنى وفيه تقديم وتأخير أي لم يقل إن شاء الله فقال صاحبه قل ذكره عياض فدل ذلك على أن أمور الغيب لا يجوز القطع عليها في نجح ما يرجى منها إلا مع الاستثناء (فطاف عليهن) جامعهن جميعا (فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق إنسان) قيل هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وقال بعض المتكلمين: نبه به على أن التمني وشؤم الاعتراض على التسليم والتفويض سلبه الاستثناء وأنساه إياه ليتم فيه قدره السابق (والذي) في رواية أما والذي (نفس محمد بيده) بقدرته وتدبيره (لو قال إن شاء الله لم يخنث) فلو قال إن شاء الله لحصل مراده (وكان دركا) بفتح الراء اسم من الإدراك أي لحاقا (لحاجته) يعني كان يحصل له ما يتمنى ولا يلزم من [ص:504] إخباره بذلك في حق سليمان وقوعه لكل من استثنى في أمنيته وهذه منقبة عظيمة لسليمان حيث كان همه الأعظم إعلاء كلمة الله حيث عزم أن يرسل أولاده الذين هم أكباده إلى الجهاد المؤدي إلى الموت وفيه جواز ذكر النساء وذكر الطواف عليهم بين الأصدقاء لأن في الإخبار لهم بذلك تنبيها على المبادرة بمثله وجواز ذكر أفعال الدنيا إذا ترتب عليه طاعة وعدم ربط الأشياء بالعوائد فيقول لا يكون كذا إلا من كذا ولا يتولد كذا إلا من كذا وأن المباح ينقلب طاعة بالنية ثم إن قيل طلب العلم أفضل من الجهاد لخبر فيه فكان الأولى لسليمان أن ينوي بهم أن يكونوا علماء قلنا العلماء جعلوا لتقرير الأحكام والفرسان لنصرة الدين فطلب سليمان ما هو المثبت للأصل مع أنه لا ينافي أن يكون الفارس عالما فإن قيل أيضا فلم لم تحمل منهن إلا واحدة ولم لم يمنع الحمل من الكل ولم كان الواحد لا يكون أنثى أو يكون رجلا كاملا فالجواب إنا إن قلنا إن ذلك إرادة إلهية لا مجال للعقل فيها فظاهر وإن نظرنا إلى كرامة الرسل على الله عز وجل بأن لنا من حكمة الحكيم وهو أنه لو لم يحمل منهن أحد لتشوش سليمان وخشي أن يكون قد رفعت عنه العصمة فلم تقبل نيته للخير ولو جاءت به أنثى كان ضد ما عزم عليه وذلك يدل على عدم القبول وكونه لم يكن تام الخلق من أجل ما نقص من الأسباب المبلغة لمراده وهو قوله إن شاء الله
(حم ق ن عن أبي هريرة)(4/503)
6086 - (قال يحيى بن زكريا لعيسى ابن مريم أنت روح الله) أي مبتدأ منه لأنه خلق روحه ابتداء بلا واسطة أصل وسبق مادة أو لأنه تعالى أحيي به الأموات كما أحيي بالأرواح الأبدان (وكلمته) الذي كان وجوده بلا أب لقوله " كن " بعد تعلق الإرادة بغير واسطة نطفة أو لأنه لما تكلم بغير أوانه لفرط غرابة ونهاية بلاغة بكلام مستغرب هو قوله: {إني عبد الله} الآية سمي بكلمة الله وأضيف إلى الله تعظيما وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب قال: كان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم عليه السلام فأرسله الله إلى مريم في صورة بشر فحملت بالذي خاطبها وهو روح عيسى عليه السلام فدخل من فيها فحملت به لسبع أو تسع ساعات ووضعته من يومها (وأنت خير مني) أي أفضل عند الله (فقال عيسى بل أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي) هذا قاله تواضعا أو قبل علمه بأنه أفضل فإنه أفضل منه بلا نزاع ولا يقدح فيه ما ذكره من السلام إذ قد يكون في المفضول مزية بل مزايا لا توجد في الفاضل
(فوائد) أخرج ابن عساكر أن عيسى لما بلغ سبع سنين أسلمت أمه للكتاب فكان المعلم لا يعلمه شيئا إلا بدره به فعلمه أبجد فقال: ما أبجد فقال: لا أدري قال: فكيف تعلمني ما لا تعلم ولا تدري فقال: إذا فعلمني فقال: الألف آلاء الله والباء بهاء الله والجيم جمال الله والدال دوام الله فعجب المعلم وأخرج عن يعلى بن شداد مرفوعا ليخرجن الله بشفاعة عيسى من جهنم مثل أهل الجنة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا)(4/504)
6087 - (قال رجل لا يغفر الله لفلان) أي العامل للمعاصي (فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها) أي الكلمة التي قالها (خطيئة فليستقبل العمل) أي يستأنف عمله للطاعات فإنها حبطت بتأليه على الله وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لا الحقيقة
(طب عن جندب) بن جنادة(4/504)
[ص:505] 6088 - (قالت أم سليمان بن داود لسليمان) وكانت من العابدات الصالحات قال ابن عساكر: وكان سليمان وضيئا أبيض جسيما يلبس البياض (يا بني لا تكثر النوم بالليل) الذي هو محل المناجاة ووقت المصافاة (فإن كثرة النوم بالليل) عن التهجد ونحوه (تترك الإنسان فقيرا يوم القيامة) لقلة عمله وفي إكثاره طول الغفلة وبله العقل ونقص الفطنة وسهو القلب ومن آفاته أنه يميت القلب عن تعاطي أسباب الدنيا وأحوالها مما لا بد للإنسان منه وربما استحكم في الإنسان كثرته حتى يصير حكمه مخالفا لحكم نوم الطبيعة المجعول راحة للجسد فيفسد صحة مزاجه الأصلي ومن مفاسده أنه يضعف نفسه الروحانية لكثرة ارتباطها بعالم الخيال وتخليها عن جسدها المأمورة بمساعدته على مصائب الدنيا سيما إن كان الجسد مظلما كثيفا بالأعمال الخارجة عن السنة والطبيعة الكلية فإنه يتركب من ذلك الارتباط ضعف الاعتقاد وفساد القوة الخيالية المصورة للأشياء في مرآة العقل فيصير لا يشهد أمرا إلا مقيدا مرتبطا منعقدا حتى ربما اختلط حاله على نفسه وربما التحق في الحكم بالحيوانات البهم البعيدة عن الإدراك وأنشد بعضهم يقول:
بقدر الكد تعطى ما تروم. . . ومن طلب العلا ليلا يقوم
وبعضهم:
بقدر الكد تكتسب المعالي. . . ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلا. . . يغوص في البحر من طلب اللآلى
(ن هـ هب عن جابر) قضية صنيع المصنف أن النسائي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله: فيه يوسف بن محمد بن المنكدر متروك وسنيد بن داود لم يكن بذاك وفيه أيضا موسى بن عيسى الطرسوسي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي ممن يسرق الحديث وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب(4/505)
6089 - (قبضات التمر للمساكين) أي الفقراء زاد ابن عدي في روايته وفلق الخبز (مهور الحور العين) يعني أن التصدق بقليل من التمر إذا تقبله الله أعد للمتصدق به في الجنان عددا من الحور العين وكذا الصلاة المقبولة قال الغزالي: عن أزهر بن مغيث رأيت في النوم امرأة لا تشبه نساء الدنيا قلت من أنت قالت من الحور قلت زوجيني نفسك قالت اخطبني من سيدي وامهرني قلت ما مهرك قالت طول التهجد
(قط في الأفراد) عن أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه عن جده عن طلحة بن زيد عن الوضين بن عطاء عن القاسم (عن أبي أمامة) الباهلي قال ابن الجوزي: موضوع تفرد به طلحة وهو متروك عن الوضين وهو واهي الحديث اه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات ورواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ مهور الحور العين قبضات التمر وفلق الخبز وقال ابن الجوزي: موضوع فيه عمر بن صبح يضع الأحاديث(4/505)
6090 - (قبلة المسلم أخاه) في الدين هي (المصافحة) أي هي بمنزلة القبلة وقائمة مقامها فهي مشروعة والقبلة غير مشروعة له
(المحاملي في أماليه فر) وكذا الخرائطي وابن عدي وابن شاهين كلهم عن (أنس) بن مالك وفيه عمر بن عبد الجبار قال في الميزان: عن ابن عدي وروى عن عمه مناكير وأحاديثه غير محفوظة ثم ساق له عدة أخبار هذا منها(4/505)
6091 - (قتال المسلم أخاه) في الدين وإن لم يكن من النسب (كفر) أي يشبه الكفر من حيث إنه من شأن الكفار فأطلق عليه الكفر لشبهه به أو أراد الكفر اللغوي وهو التغطية لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه [ص:506] فلما قاتله صار كأنه غطى حقه وأطلق عليه الكفر مبالغة في التهديد معتمدا على ما تقرر من القواعد أن ذلك يخرج عن الملة (وسبابه) بكسر السين وتخفيف الموحدة أي سبه له قال الحرالي: السباب أشد من السب وهو أن يقول فيه ما فيه وما ليس فيه (فسوق) أي خروج عن طاعة الله ورسوله والفسوق في عرف الشرع أشد من العصيان قال تعالى {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} وفيه تعظيم لحق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق
(ت عن ابن مسعود ن عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(4/505)
6092 - (قتال المسلم كفر) أي إن استحل قتاله (وسبابه فسوق) أي مسقط العدالة (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) بغير عذر شرعي
(حم ع طب والضياء عن سعد)(4/506)
6092 - (قتال المسلم) وفي رواية بدله المؤمن (كفر وسبابه فسوق) أي فسوق وفيه رد على المرجئة الزاعمين أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا تمسك فيه للخوارج الذين يكفرون بالمعاصي لأن ظاهره غير مراد كما تقرر لكن لما كان القتال أشد من السباب لإفضائه إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر غير مريد حقيقته التي هي الخروج عن الملة وهذا كله محمول على من فعله بغير تأويل وقيل أراد بقوله كفرانه قد يؤول بصاحبه إليه وهو بعيد وأبعد منه حمله على المستحل إذ لو أريد لم يحسن التفريق بين السباب والقتال فإن مستحل سب المؤمن بغير تأويل يكفر أيضا (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) بغير عذر شرعي
(حم طب والضياء عن سعد)(4/506)
6093 - (قتل الرجل صبرا) بأن أمسك فقتل في غير معركة بغير حق (كفارة لما) وقع (قبله من الذنوب) جميعا حتى الكبائر على ما اقتضاه إطلاق هذا الخبر وفي حديث آخر ما ترك القاتل على المقتول من ذنب
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو وهم فقد أعله الهيثمي بأن فيه صالح بن موسى بن طلحة وهو متروك(4/506)
6094 - (قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه) ظاهره وإن كان المقتول عاصيا ومات بلا توبة ففي عمومه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب وعلى المعتزلة الموجبين تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة
(البزار) في مسنده (عن عائشة) وقال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه قال الهيثمي: ورجاله ثقات(4/506)
6095 - (قتل المؤمن) أي بغير حق (أعظم عند الله من زوال الدنيا) ومن ثم ذهب بعض السلف إلى عدم قبول توبته تمسكا بهذا الخبر ونحوه كخبر الشيخين لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ففيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا بما يتوعد به الكافر وثبت عن ابن عمر أنه قال لمن قتل عاملا بغير حق تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة والجمهور على أن القاتل أمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه وهذا الحديث رواه الترمذي أيضا عن ابن عمر بلفظ زوال الدنيا عند الله أهون من قتل رجل مسلم قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بالصالح
(ن والضياء) المقدسي (عن بريدة) بن الحصيب ورواه الطبراني عن ابن عمر وحسنه الترمذي(4/506)
6096 - (قد تركتكم على البيضاء) وفي رواية عن المحجة البيضاء وهي جادة الطريق مفعلة من الحج القصد والميم زائدة (ليلها [ص:507] كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا) فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد (فعليكم) الزموا التمسك (بما عرفتم من سنتي) أي طريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض (وسنة) أي طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالإتباع من بقية الصحب وهذا بالنظر لتلك الأزمنة وما قاربها أما اليوم فلا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في قضاء ولا إفتاء لا لنقص في مقام أحد من الصحب ولا لتفضيل أحد الأربعة على أولئك بل لعدم تدوين مذاهب الأولين وضبطها وإجماع شروطها (عضوا عليها بالنواجذ) أي عضوا عليها بجميع الفم كناية عن شدة التمسك ولزوم الإتباع لهم والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها (وعليكم بالطاعة) أي الزموها (وإن كان) الأمير عليكم من جهة الإمام (عبدا حبشيا) فاسمعوا له وأطيعوا (فإنما المؤمن كالجمل الأنف) أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على قائده والقياس مأنوف لأنه مفعول به فجاء هذا شاذا (حيثما قيد انقاد)
(حم هـ ك عن عرباض) بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا فذكره وقضية تصرف المصنف أن ابن ماجه تفرد بإخراجه من بين الستة وهو ذهول فقد رواه أبو داود(4/506)
6097 - (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم) في رواية من بني إسرائيل (أناس محدثون) قال القرطبي: الرواية بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم أو صادق الظن وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد أو تكلمه الملائكة بلا نبوة أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب كأنه حدث به وألقى في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (فإن يكن من أمتي منهم أحد) هذا شأنه وفي رواية بدله وإن يك في أمتي من أحد (فإنه عمر بن الخطاب) كأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك كأنه نبي فلذلك أتى بلفظ إن بصورة الترديد قال القاضي: ونظير هذا التعليق في الدلالة على التأكيد والاختصاص قولك إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقته بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره وقال القرطبي: قوله فإن يكن دليل على قلة وقوعه وندرته وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون لأنه كثير في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر ومعنى الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع وقد دل على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصة الجبل يا سارية الجبل وغيره وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وليس لك أن تقول [ص:508] هذا كالصريح في تفضيل الفاروق على الصديق لأنا نمنعه بأن الصديق لا يتلقى عن قلبه بل عن مشكاة النبوة وهي معصومة والمحدث تارة يتلقى عنها وتارة عن قلبه وهو غير معصوم ولهذا كان عمر يزن الوارد بميزان الشرع فإن وافق وإلا لم يلتفت إليه قال ابن حجر: وقد كثر هؤلاء المحدثون بعد العصر الأول وحكمته زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فلما فات هذه الأمة المحمدية كثرة الأنبياء لكون نبيهم خاتم الأنبياء عوضوا تكثير الملهمين ومما تقدم عرف أنه ليس لأحد من الأولياء العمل بالوارد حتى يزنه بالميزان فإن وافق انتفع به هو ومن كاشفه به ممن يعتقد صدقة وزادهم إيمانا <تنبيه> قال الغزالي: قال بعض العارفين سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلى شماله وقال ما تقول رحمك الله ثم إلى يمينه كذلك ثم أطرق إلى صدره فقال ما تقول ثم أجاب فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي علم فسألت الملكين فكل قال لا أدري فسألت قلبي فحدثني بما أجبت فإذا هو أعلم منهما قال الغزالي: وكأن هذا معنى الحديث
(حم خ عن أبي هريرة حم م ت ن عن عائشة)(4/507)
6098 - (قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليما) من الأمراض كحقد وحسد وغيرهما (ولسانه صادقا) فيما يتكلم به فلا يقول إلا حقا (ونفسه مطمئنة) أي راضية بالأقضية الإلهية (وخليقته) أي طريقته (مستقيمة وأذنه مستمعة وعينه ناظرة) خص السمع والبصر لأن الآيات الدالة على وحدانية الله إما سمعية فالأذن هي التي تجعل القلب وعاء لها أو نظرية والعين هي التي تقرها في القلب وتجعله وعاء لها وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أحمد فأما الأذن فقمع والعين مقرة لما يوعى القلب وقد أفلح من جعل قلبه واعيا اه
(حم) وكذا ابن لال والبيهقي (عن أبي ذر) قال الهيثمي: إسناده حسن وقال المنذري: في إسناد أحمد احتمال للتحسين(4/508)
6099 - (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا) أي ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات ولا يلحقه بأهل الترفهات. قال القاضي: الفلاح الفوز بالبغية (وقنعه الله بما آتاه) بمد الهمزة أي جعله قانعا بما أعطاه إياه ولم يطلب الزياد لمعرفته أن رزقه مقسوم لن يعدو ما قدر له والفلاح الفوز بالبغية في الدارين والحديث قد جمع بينهما والمراد بالرزق الحلال منه فإن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح المرزوق وأثبت له الفلاح وذكر الأمرين وقيد الثاني بقنع أي رزق كفافا وقنعه الله بالكفاف فلم يطلب الزيادة وأطلق الأول ليشمل جميع ما يتناوله الإسلام ذكره الطيبي وصاحب هذه الحالة معدود من الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر على القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقراء إلا السلامة من قهر الرجال وذل المسألة
(حم م ت هـ عن ابن عمرو) بن العاص وتبع في العزو لما ذكر عبد الحق. قال في المنار: وهذا لم يذكره مسلم وإنما هو من عند الترمذي لم يقل بما آتاه وقال فيه: حسن صحيح(4/508)
6100 - (قد أفلح من رزق لبا) أي عقلا خاليا من الشوائب سمي به لأنه خالص ما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس وإنما أفلح من رزقه لأن العقل يدرك به المعاني ويمنع عن القبائح وهو نور الله في القلب وأي فلاح أعظم من امتلاء القلب بنور اليقين قال الكشاف: والفلاح الظفر بالمراد وقيل البقاء في الخير وأفلح دخل في الفلاح كأبشر دخل في البشارة
(هب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (بن هبيرة) بن عامر القشيري من وجوه الوفود قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفلح إلخ وفيه سعيد بن نشيط مجهول ذكره الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول(4/508)
[ص:509] 6101 - (قد كنت أكره لكم أن تقولوا ما شاء الله وشاء محمد) لما فيه من إيهام التشريك (ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد) وهذا نهي تنزيه رعاية للأدب ودفعا لذلك التوهم وإنما أتى بثم لكمال البعد مرتبة وزمانا. قال الخطابي: أرشدهم إلى رعاية الأدب في التقديم واختار لهم من بين طرق التقديم ثم المفيدة للترتيب والمهلة والفاصلة الزمانية ليفيد أن مشيئة غير الله مؤخرة بمراتب وأزمنة قال ابن القيم: وفي معناه الشرك المنهي عنه كقول من لا يتوقى الشرك أنا بالله وبك في حسب الله وحسبك وما لي إلا الله وأنت متكلي على الله وعليك ووالله وحياتك ونحوه من الألفاظ الشنيعة
(الحكيم) في النوادر (ن والضياء) في المختارة (عن حذيفة) بن اليمان(4/509)
6102 - (قد رحمها الله برحمتها ابنيها) جاءت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم ومعها ابنان لها فأعطاها ثلاث تمرات فأعطت كل واحد تمرة فأكلاها ثم جعلا ينظران إلى أمهما فشقت تمرتها بينهما فذكره
(طب عن الحسن) البصري (مرسلا) وهذا وهم أوقعه فيه أنه ظن أنه الحسن البصري وليس كذلك بل هو الحسن بن علي وليس بمرسل كما هو مبين في المعجم الكبير والصغير وجرى عليه الهيثمي وغيره ثم قال الهيثمي: وفيه خديج بن معاوية الجعفي وهو ضعيف اه. وقد رمز المصنف لحسنه فوقع في وهم على وهم(4/509)
6103 - (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة) أي عن حضورها ولا يسقط عنه الظهر (وإنا مجمعون إن شاء الله) قاله في يوم جمعة وافقت عيدا فإذا وافق يوم الجمعة يوم عيد وحضر من تلزمه من أهل القرى فصلوا العيد سقطت عنهم الجمعة عند الشافعي كالجمهور ولم يسقطها أبو حنيفة
(د هـ ك) في الجمعة وقال: صحيح غريب (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وفي إسناده بقية وصحح أحمد والدارقطني إرساله (هـ عن ابن عباس وعن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: ورواية ابن ماجه عن ابن عباس بدل أبي هريرة وهم نبه هو عليه وتخريجه له من حديث ابن عمر سنده ضعيف اه(4/509)
6104 - (قد عفوت) يشعر بسبق ذنب من إمساك المال عن الإنفاق (عن الخيل والرقيق) أي لم أوجب زكاتها عليكم ولم ألزمكم بها (فهاتوا) مؤذن بالتحقيق يعني الأصل فيما يملكه الإنسان من الأموال أن تزكى فقد عفوت عن الأكثر فهاتوا هذا النزر القليل وذكر الخيل والرقيق ليس للاختصاص بل للاستيعاب كقوله {لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} (صدقة الرقة) هي الدراهم المضروبة والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة (من كل أربعين درهما درهم) أي من كان له مال فليزك على هذا النسق (وليس في تسعين ومئة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك) وفيه حجة للشافعي في أنه لا وقص في زكاة الورق بل ما زاد على النصاب فبحسابه ورد على أبي حنيفة في ذهابه إلى إثبات الوقص هنا فإذا قيل المراد حساب أربعين أي في كل أربعين درهما درهم رد بالمنع لأنه علم صريحا من قوله إذا بلغت مائتين (وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة) مبتدأ وفي الغنم خبره قال الطيبي: وليس شاة هنا تمييزا [ص:510] مثله في قوله كل أربعين درهما درهم لأن درهما بيان مقدار الواحد من أربعين ولا يعلم هذا من الرقة فتكون شاة هنا لمزيد التوضيح (فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء) أي زكاة (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع) ولد البقرة (وفي الأربعين مسنة) طعنت في السنة الثالثة (وليس على العوامل شيء) جمع عاملة وهي ما يعمل من إبل وبقر في نحو حرث وسقي فلا زكاة فيها عند الثلاثة وأوجبها مالك (وفي خمس وعشرين من الإبل خمسة من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإن لك يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين فإذا كانت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومئة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) قال القاضي: الظاهر انه نهي للمالك عن الجمع والتفريق قصدا لسقوط الزكاة أو تقليلها (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار) بالفتح عيب وقد يضم وفي شرح السنة النقص والعيب (ولا تيس) أي فحل الغنم يعني إذا كانت ماشية أو بعضها إناثا لا يؤخذ منه ذكر بل أنثى إلا في موضعين (إلا أن يشاء المصدق) بفتح الدال والكسر أكثر فعلى الأول يراد به المعطي ويكون الاستثناء مختصا بقوله ولا تيس لأن رب المال ليس له أن يخرج ذات عوار وتيس وعلى الثاني معناه أن ما يراه المصدق أنفع للمستحقين فكأنه وكيلهم (وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر وما سقى بالغرب ففيه نصف العشر)
(حم د) في الزكاة من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) يرفعه وعاصم متكلم فيه لكن ذكر ابن حجر أن الترمذي نقل عن البخاري تصحيحه(4/509)
6105 - (قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض) أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق ما كان وما يكون وما هو كائن إلى الأبد (بخمسين ألف سنة) أراد طول الأمد وتمادي الزمن بين التقدير والخلق فإن قيل كيف يحمل على الزمن وهو مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ؟ أجيب بأن مقدار حركة الفلك الأعظم أي العرش موجودة حينئذ بدليل قوله في رواية {وكان عرشه على الماء} أي ما كان تحته قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء والماء على الريح فالعرش والماء خلقا قبل السماء والأرض وأخذ منه أن العرش أول المخلوقات وقيل القلم لخبر أحمد لما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال اكتب مقادير كل شيء فأوليته القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش قال ابن حجر: وأما خبر أول ما خلق الله العقل فليس له طريق يثبت
(حم ت عن ابن عمرو) ابن العاص رمز المصنف لحسنه وهو في مسلم بدون وكان إلخ(4/510)
[ص:511] 6106 - (قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية) هما يوم النيروز والمهرجان (وإن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر) قال الطيبي: وهذا نهي عن اللعب والسرور فيهما وفيه نهاية من اللطف وأمر بالعبادة وأن السرور الحقيقي فيهما {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} قال مخرجه البيهقي: زاد الحسن فيه أما يوم الفطر فصلاة وصدقة وأما يوم الأضحى فصلاة ونسك قال المظهر: وفيه دليل على أن تعظيم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما منهي عنه وقال أبو حفص الحنفي: من أهدى فيه بيضة لمشرك تعظيما لليوم كفر وكان السلف يكثرون فيه الاعتكاف بالمسجد وكان علقمة يقول اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم ونحن على إيماننا فاغفر لنا وقال المجد ابن تيمية: الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة وقال أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما
(هق عن أنس) رمز المصنف لحسنه وفيه محمد بن عبد الله الأنصاري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود تغير شديدا(4/511)
6107 - (قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر) وهو جهاد العدو المباين (إلى الجهاد الأكبر) وهو جهاد العدو المخالط قالوا وما الجهاد الأكبر قال (مجاهدة العبد هواه) فهي أعظم الجهاد وأكبره لأن قتال الكفار فرض كفاية وجهاد النفس فرض عين على كل مكلف في كل وقت {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} فإن البدن كالمدينة والعقل أعني المدرك من الإنسان كملك مدبر لها وقواه المدركة من الحواس الظاهرة والباطنة كجنوده وأعوانه وأعضاؤه كرعية والنفس الأمارة بالسوء التي هي الشهوة والغضب كعدو ينازعه في مملكته ويسعى في هلاك رعيته فصار بدنه كرباط وثغر ونفسه كمقيم فيه مرابط فإن جاهد عدوه فهزمه وقهره على ما يحب حمد أثره إذا عاد إلى الحضرة {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} وإن ضيع ثغره وأهل رعيته ذم أثره وانتقم منه عند لقاء الله فيقال له يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم ترد الضالة اليوم أنتقم منك وإلى هذه المجاهدة الكبرى أشار بالحديث قال ابن أدهم: أشد الجهاد جهاد الهوى فمن منع النفس هواها فقد استراح من الدنيا وبلاها وقال الحرالي: من لم يحترق بنار المجاهدة أحرقته نار الخوف ومن لم يحترق بنار الخوف أحرقته نار السطوة فعلى العاقل أن يجاهد نفسه ساعة فساعة ويخاطبها خطاب النصوح الآمر بنحو: أيتها النفس المطمئنة أنت على جناح سفر ودارك هذه غرور وكدر والمسافر إذا لم يتزود ركب متن الخطر وخير الزاد التقوى كما أنزل على سيد البشر فجدي السير وشدي المئزر بتجريد عزم التوبة والتلبس بلباس الحوبة وملازمة ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات فلا تتركي عمل اليوم لغد فالوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك
(خط) في ترجمة واصل الصوفي كذا الديلمي (عن جابر) ورواه عنه البيهقي أيضا في كتاب الزهد وهو مجلد لطيف وقال: إسناده ضعيف وتبعه العراقي(4/511)
6108 - (قدموا قريشا ولا تقدموها) بفتح التاء والقاف والتشديد بضبط المصنف أصله تتقدموها وحذفت تاء التفعيل [ص:512] لا تاء المضارعة أي ولا تتقدموا عليها في أمر شرع تقديمها فيه كالإمامة (وتعلموا منها ولا تعالموها) بفتح المثناة مفاعلة من العلم أي لا تغالبوها بالعلم ولا تفاخروها فيه فإنهم المخصوصون بالأخلاق الفاضلة والأعمال الكاملة وكانوا قبل الإسلام طبيعتهم قابلة للفضائل والفواضل والخيور الهوامل لكنها معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ولا هم مشتغلون بالعلوم العقلية المحضة من نحو حساب وطب إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من نحو شعر وبلاغة وفصاحة وخطب فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى أخذوه بعد المجاهدة الشديدة والمعالجة على نقلهم عن عادتهم الجاهلية وظلماتهم الكفرية بتلك الفطرة الجيدة السنية والقريحة السوية المرضية فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال المنزل إليهم كأرض جيدة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث أو ينبت بها شوك فصارت مأوى الخنازير والسباع فإذا طهرت عن المؤذي وزرع فيها أفضل الحبوب والثمار أنبتت من الحرث ما لا يوصف مثله
(الشافعي) في المسند (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) كلاهما (عن ابن شهاب) الزهري (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (عد عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أن الشافعي لم يخرجه إلا بلاغا فقط وليس كذلك فقد أفاد الشريف السمهودي في الجواهر وغيره أن الشافعي في مسنده وأحمد في المناقب خرجاه من حديث عبد الله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: خرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد(4/511)
6109 - (قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش) العلم الشرعي وآلته (ولا تعلموها) بضم المثناة وفتح العين وشد اللام بضبطه لأن التعليم إنما يكون من الأعلى إلى الأدنى ومن الأعلم لغيره فنهاهم أن يجعلوهم في مقام التعليم ومقام المغالبة بالعلم (ولولا أن تبطر قريش) أي تطغى في النعمة وتكفرها (لأخبرتها ما لخيارها عند الله) من المنازل العالية والمثوبات العظيمة يعني أنها إذا علمت ما لها عند الله من الثواب العظيم والنعيم المقيم المعد لها ربما بطرت وتركت العمل اتكالا على ما لها عنده من حسن الجزاء فلذلك لا أعلمها به
(طب) من حديث أبي معشر عن المقبري (عن عبد الله بن السائب) وأبو معشر قالوا: ضعيف ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس(4/512)
6110 - (قدموا قريشا) تصغير قرش وهي دابة في البحر لا تمر بشيء غث وسمين إلا أكلته أخرجه البيهقي عن ابن عباس وقد أكثر ابن دحية من حكاية الخلاف في تسمية قريش قريشا ومن أول من تسمى به؟ ولا تقدموها (ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها) أي لخيارها كما بينه الخبر الذي قبله (عند الله) من الخير والأجر وهذا وما قبله دليل على علو منزلتها وارتفاع قدرها عنده وأن المعد لها شيء عظيم لا يمكن الإنسان مع معرفته به أن لا يطغى وإضافة البطر إليها ليس غضبا عليها ولا حطا لقدرها لأنه جبلي ركب في الإنسان وطبعت فطرته عليه فلا يكاد يخلو منه وإن وجد من يقهر نفسه ويكف هواه فإليه المنتهى وقليل ما هم <تنبيه> استدل بقوله في هذه الأحاديث ونحوها قدموا قريشا على رجحان مذهب الشافعي على غيره لورود الأمر بتقديم القرشي على من ليس قرشيا قال عياض: ولا حجة فيها لأن المراد الخلافة وقد قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم ابن حذيفة في إمامة الصلاة وخلفه من قريش وأمر معاذ بن جبل وغيره على من معه من قريش وتعقبه النووي وغيره بأن في أحاديث الباب ما يدل على أن للقرشي [ص:513] مزية على غيره فصح الاستدلال به لترجيح الشافعي على غيره وليس مراد المستدل به أن الفضل لا يكون إلا لقرشي بل المراد أن كونه قرشيا من أسباب الفضل والتقديم كما أن من أسبابها الورع والفقه وغيرهما فيصح الاستدلال على تقديم الشافعي على من سواه في العلم والدين من غير قريش لأن الشافعي قرشي وعجب قول القرطبي في المفهم بعد ما ذكر نحو ما ذكره عياض أن المستدل بهذه الأحاديث على ترجيح الشافعي صحبته غفلة قارنها من صميم التقليد طيشة كذا قال: وهو الذي أصابته الغفلة لكونه لم يفهم مراد المستدل انتهى
<تنبيه> قال الشريف السمهودي وغيره: كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب
(البزار) في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين(4/512)
6111 - (قده) بضم فسكون (بيده) سببه أنه مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بنحو سير أو خيط فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكره
(طب عن ابن عباس)(4/513)
6112 - (قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة) لأنها محل المناجاة ومعدن المصافاة (وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير) أي فيما لم يرد فيه ذكر بخصوصه (والتسبيح أفضل من الصدقة) المالية (والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار) أي وقاية من نار جهنم قال الطيبي: ذكر خاصية المفضول وترك خواص الفاضل تنبيها على أنها تناهت عن الوصف فإن قلت: هذا الحديث يدل على أن الصوم دون الصلاة والصدقة ودل حديث كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم الحديث على أن الصوم أفضل قلت: إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة أفضل من الصدقة وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل منهما وما يدلى إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها كان أفضل
(قط في الأفراد هب عن عائشة) وفيه محمد بن سلام قال ابن مندة: له غرائب عن الفضل بن سليمان وفيه مقال عن رجل من بني خزيمة مجهول(4/513)
6113 - (قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة) قال الطيبي: قوله ألف درجة خبر لقوله قراءة القرآن على تقدير المضاف أي ذات ألف درجة ليصح الحمل كما في قوله تعالى {هم درجات} أي ذو درجات وإنما فضلت القراءة في المصحف لحظ النظر فيه وحمله ومسه وتمكنه من التفكر فيه واستنباط معانيه وقوله إلى ألفي درجة حال أي انتهى إلى ألفي درجة
(طب هب عن أوس بن أبي أوس الثقفي) واسم أبي أوس حذيفة صحابي معروف وهو غير أوس بن أوس الثقفي الصحابي على الصحيح فما هنا ابن أبي أوس وذاك بن أوس وكلاهما صحابي قال الذهبي: يقال إنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال والد عمرو بن أوس قال الهيثمي: فيه أبو سعيد بن عود وثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى وبقية رجاله ثقات(4/513)
[ص:514] 6114 - (قراءتك نظرا) في المصحف (تضاعف على قراءتك ظاهرا) أي عن ظهر قلب (كفضل) الصلاة (المكتوبة على) الصلاة (النافلة)
(ابن مردويه) في تفسيره (عن عمرو بن أوس) عمرو بن أوس في الصحابة ثقفي وأنصاري وقرشي ولو ميزه لكان أولى(4/514)
6115 - (قرب اللحم من فيك عند الأكل فإنه أهنأ) أي أكثر هناءا والهناء كما في العارضة خلوص الشيء عن النصب والنكد (وأبرأ) أي أسلم من الداء وروي بالميم والاستمراء الملائمة للذة
(حم ك) في الأطعمة (هب عن صفوان بن أمية) قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم بيدي فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي لكن قال المنذري: فيه انقطاع فإن الحاكم وأبا داود خرجاه من حديث عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان وعثمان لم يسمع منه ورواه عنه أيضا الترمذي وفيه عنده خاصة عبد الكريم المعلم واه(4/514)
6116 - (قرصت) بالتحريك لدغت وأصل القرص الأخذ بأطراف الأصابع (نملة) سميت نملة لتنملها أي كثرة حركتها (نبيا من الأنبياء) عزيز أو موسى أو داود روى أنه قال يا رب تعذب أهل قرية وفيهم المطيع فأراد ربه أن يريه العبرة في ذلك فسلط عليه الحر فلجأ لظل شجرة عندها بيت نمل فنام فلدغته واحدة وهو في ألذ النوم (فأمر بقرية النمل) أي محل اجتماعها أو سكنها والعرب تفرق في الأوطان فتقول لسكن الإنسان وطن وللإبل عطن وللأسد عرين وغابة وللظبى كناس وللذئب وجار وللطائر عش وللزنبور كور ولليربوع نافقاء وللنملة قرية (فأحرقت) بالبناء للمفعول والتأنيث وفي رواية للبخاري أحرق أي النمل وهو جائز في شرعه لا في شرعنا للنهي عن قتل النمل في خبر يجيء (فأوحى الله إليه) أي إلى ذلك النبي (أن) بحذف حرف الجر وبفتح الهمزة وهمزة الاستفهام مقدرة أو ملفوظة (قرصتك نملة) واحدة (أحرقت أمة) أي طائفة (من الأمم تسبح) أي مسبحة لله تعالى ووضع المضارع موضع مسبحة ليدل على الاستمرار ومزيد الإنكار وقال في البحر: فالعتب على ذلك النبي لزيادة القتل على نملة لدغته لا لنفس القتل والإحراق لأنه سائغ في شرعته حتى توعد سليمان الهدهد بقوله {لأعذبنه} وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بإحراق الكفار ثم نهى عنه فلو أحرق واحدة لم يعاتب وإنما عوتب لأنه فعله انتقاما وتشفيا اه وفي المفهم إنما عوتب حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع أذاه واحد منهم وكان الأولى الصبر والعفو لكن رأى النبي أن هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة ابن آدم أعظم من حرمة غير الناطق فلو لم ينضم لذلك التشفي الطبيعي لا يعاتب والذي يوجب ذلك التمسك بعصمة الأنبياء وأنهم أعلم الناس بالله وبأحكامه وأشدهم له خشية اه. وقال بعضهم: لم يعاتبه إنكارا لفعلته بل إيضاحا لحكمة شمول الإهلاك لجميع أهل القرية وضرب له المثل بالنمل أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الكل طريقا لإهلاك المستحق جاز إهلاك الكل وقوله تسبح قضيته أي تسبيح بنطق وقال كما أخبر تعالى عن الطير بأن له منطقا وفهمه سليمان معجزة له وأخبر عن النملة التي سمعها سليمان تقول ما قالت فهذا كما قال القرطبي يدل دلالة واضحة على أن لها نطقا وقولا لكن لا يسمعه كل أحد بل من شاء الله ممن خرق له العادة من نبي أو ولي ولا ينكر هذا من حيث أنا لا نسمعه إذ لا يلزم من عدم الإدراك عدم المدرك في نفسه قولا وكلاما (لطيفة) قال الزمخشري: دخل قتادة الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوني عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان [ص:515] كان ذكرا أو أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى فقيل له من أين عرفت قال من قوله تعالى {قالت نملة} ولو كان ذكرا لقال قال نملة
(ق د ن عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا قال بعضهم: وسبب القصة أن ذلك النبي مر على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال: يا رب فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبا ثم نزل تحت شجرة فلدغته نملة فأحرق الكل فقيل له ذلك(4/514)
6117 - (قرض الشيء خير من صدقته) قال الحرالي: القرض الجزء من الشيء والقطع منه كأنه يقطع له من ماله قطعة ليقطع له من ثوابه أقطاعا مضافة
(هق عن أنس) ورواه عنه أيضا النسائي وأبو نعيم والديلمي(4/515)
6118 - (قرض مرتين في عفاف) أي إغضاء عن الربا وما يؤدي إليه (خير من صدقة مرة) مفهومه أن الصدقة مرة بدرهم خير من قرض درهم وقد ورد في حديث في حرف الراء ما يخالفه
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك(4/515)
6119 - (قريش) قال المظهر: سميت بدابة في البحر هي سيدة الدواب البحرية وكذلك قريش سادة الناس قال ابن حجر: هو تصغير القرش بكسر فسكون: الحوت المعروف بالبحر (صلاح الناس ولا تصلح الناس إلا بهم ولا يعطى إلا عليهم) الظاهر أن المراد إعطاء الطاعة (كما أن الطعام لا يصلح إلا بالملح) قال الحليمي: وإذا وجبت التقدمة لقريش كانت لبني هاشم أوجب لأنهم أخص به منهم قال حرب الكرماني: فالعرب أفضل الناس وقريش أفضلهم هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة قال ابن تيمية: وهكذا جاءت الشريعة فإن الله خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص
(عد عن عائشة)(4/515)
6120 - (قريش خالصة الله تعالى فمن نصب لهم حربا سلب ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة) لعناية الله تعالى بها وهدايته إياها ألا ترى أنه لم يكن فيهم منافق في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا بعده وارتد بعده العرب إلا قريش مع كراهتهم الدخول في الإسلام والتربص بعد الفتح حتى جعل لهم مدة أربعة أشهر وكان صفوان بن أمية منهم ثم أسلم وذهب عكرمة بن أبي جهل على وجهه حتى بلغ البحر في قصة طويلة ثم كان من حسن إسلامه أنه إذا نشر المصحف يقول هذا كلام ربي فيغشى عليه وسهيل بن عمرو كان منه ما كان يوم الحديبية وبلغ من إسلامه أنه هاجر إلى الشام وقتل شهيدا وخطب يوم اليرموك خطبة بلغت من الناس مبلغا كانت سببا للفتح وكان صفوان بن أمية سأل الله الشهادة في إعزاز الدين وحكيم بن حزام باع داره لمعاوية بستين ألفا فقالوا غلبك قال والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزق خمر وأشهدكم أنها في سبيل الله
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عمرو بن العاص) ورواه عنه أيضا أبو نعيم(4/515)
6121 - (قريش على مقدمة الناس يوم القيامة ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لمحسنها عند الله من الثواب) المضاعف والدرجات الرفيعة فهم أفضل العرب الذين جنسهم أفضل الناس كما تقرر فمن عابهم أو طعن فيهم فهو [ص:516] مبتدع قال ابن تيمية: والأحاديث في فضل قريش فيها كثرة وهي تدل على فضل العرب إذ نسبة قريش إلى العرب نسبة العرب إلى الناس وسبب هذا الفضل ما خصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع أو بالعمل الصالح والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبادة ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني وجمعا للمعنى الكثير في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر كما نجده في لغتهم في جنس الحيوان مثلا فإنهم يعبرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة ثم يميزون بين أنواعه في أسماء إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي وأما العمل فمبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم فهم أقرب للأخلاق المحمودة من نحو سخاء وعلم وشجاعة ووفاء وكانوا قبل الإسلام طبيعتهم قابلة للخير معطلة عن فعله فلما جاءهم الهدى ببعثة خير الورى زالت تلك الريون عن قلبهم
(عد عن جابر) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ليس يرويه غير إسماعيل بن مسعدة وكان يحدث عن الثقات بالبواطيل وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الإثبات لا تحل الرواية عنه(4/515)
6122 - (قريش والأنصار وجهينة) كحيينة وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن إد بن طابخة بموحدة فمعجمة ابن الياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب (وأسلم) بفتح اللام ابن إلحاف بمهملة وفاء وزن الياس (وأشجع) بمعجمة وجيم وزن أحمد وهم بنو أشجع بن ريث بن غطفان منهم نعيم بن مسعود وغيره (وغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار ابن مليل بميم ولامين مصغرا منهم أبو ذر الغفاري (موالي) بتشديد التحتانية والإضافة أي أنصاري وأحبائي هذا هو الأنسب هنا وإن كان للمولى عدة معان وروي بالتنوين أي بعضهم أحباء لبعض وروي بتخفيف التحتية وحذف المضاف إليه أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله (ليس لهم مولى دون الله ورسوله) أب لا ولاء لأحد عليهم إلا الله ورسوله أو أن أشرافهم لم يجر عليه رق ولا يقال لهم موالي لأنهم ممن بادر إلى الإسلام ولم يسبوا فيرقوا لغيرهم ثم قيل موالي بتخفيف الياء وروي بتشديدها كأنه أضافهم إليه قال الطيبي: قوله ليس لهم إلخ. جملة مقررة للجملة الأولى على الطرد والعكس وفي تمهيد ذكر الله ورسوله وتخصيص ذكر الرسول إيذان بمكانته ومنزلته عند الله وإشعار بأن توليه إياهم بلغ مبلغا لا بقدر قدره قال ابن حجر: هذه سبع قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم وقال في موضع آخر: هذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبقوا كغيرهم وهذا إن سلم حمل على الغالب
(ق عن أبي هريرة)(4/516)
6123 - (قريش ولاة الناس في الخير والشر) يعني في الجاهلية والإسلام ويستمر ذلك (إلى يوم القيامة) فالخلافة فيهم ما بقيت الدنيا ومن تغلب على الملك بطريق الشوكة لا ينكر أن الخلافة في قريش قال ابن تيمية: والذي عليه أهل السنة والجماعة أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم وروميهم وفارسيهم وغيرهم وأن [ص:517] قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نسبا وإلا لزم الدور اه
(حم ت عن عمرو بن العاص) رمز المصنف لصحته(4/516)
6124 - (قريش ولاة هذا الأمر) أي أمر الإمامة العظمى زاد في رواية ما أقاموا الدين. قال ابن حجر: فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تقم قريش أمر الدين وقد وجد ذلك فإن الخلافة لم تزل فيهم والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين فضعف أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبق من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها اه. ونحن الآن في زمن ليس لهم فيه منها ولا الاسم (فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم) أي هكذا كانوا في الجاهلية وإذ قد علمنا أن أحدا منهم لم يبق بعده على الكفر علم أن المراد منه أن الإسلام لم ينقصهم عما كانوا عليه في الجاهلية من الشرف فهم سادة في الإسلام كما كانوا قادة في الجاهلية وقيل المراد بهذا الأمر الدين والمعنى أن مسلمي قريش قدوة غيرهم من المسلمين لأنهم المتقدمون في التصديق وكافروهم قدوة غيرهم من الكفار فإنهم أول من رد الدعوة وأعرض عن الآيات والنذر
(حم عن أبي بكر) الصديق (وسعد) بن أبي وقاص(4/517)
6125 - (قسم من الله تعالى لا يدخل الجنة بخيل) أي إنسان رزق مالا وحظا من الدنيا فلحبه له وعزته عنده وعظمته في عينه ووقعه في قلبه زواه عن حقوق الحق والخلق فهذا لا يدخلها حتى يطهر من دنس البخل وقبح الشح بنار جهنم أو يعفى عنه والمال في يد العبد أمانة سلطه الله على هلكته في الحق فمن عدل عن أمره وخزنه لنفسه فقد خان وخالف حكمة الكريم فحرم جنة النعيم وأيد الغزالي احتمالا حمل فيه الحديث على ظاهره وهو أن يراد بالبخل من بخل بأقبح بخل وهو كلمة الشهادة وقال بعضهم: المراد بالخبر أنه إذا تكامل في القلب نعت البخل والشح ولم يبق مع كمالها إيمان فلا يدخل الجنة والشح يضيق القلب عن كل خير ليتسع لضده وهو كل شر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس)(4/517)
6126 - (قسمت النار سبعين جزءا فللآمر) أي بالقتل (تسع وستون) جزأ منها (وللقاتل جزء حسبه) أي يكفيه هذا المقدار من العقاب ثم يحتمل أن هذا زجر وتهويل وتهديد للآمر ويحتمل أنه فيما لو أكره الآمر المأمور بغير حق
(حم) من حديث يزيد بن عبد الله المزني (عن رجل) من الصحابة قال: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القاتل والآمر فذكره رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس(4/517)
6127 - (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) أي وفروها وكثروها من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه {حتى عفوا} أي كثروا وأصل القص تتبع الأثر قال في المحكم بالليل ويطلق على إيراد الخبر تاما على من لم يحضره وعلى قطع شيء بشيء بآلة مخصوصة والمراد به هنا قطع الشعر النابت على الشفة العليا بغير استئصال وكذا قص الظفر أخذ أعلاه من غير استئصال
(حم عن أبي هريرة)(4/517)
6128 - (قصوا الشوارب مع الشفاه) يعني سووها مع الشفة بأن تقطعوا ما طال ودعوا الشارب مساويا لها فلا تستأصلوه بالكلية
(طب عن الحكم بن عمير) قال الهيثمي: فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان وهو متروك ورواه عنه أيضا الديلمي(4/517)
6129 - (قصوا أظافركم) جمع أظفور والأظفار جمع ظفر أي اقطعوا ما طال منها لأنها إن تركت بحالها تخدش وتخمش وتضر وتجمع الوسخ ربما أجنب ولم يصلها الماء فلا يزال جنبا (وادفنوا قلاماتكم) أي غيبوا ما قطعتموه منها في الأرض فإن جسد المؤمن ذو حرمة فما سقط منه فحرمته قائمة فدفنه كدفنه لئلا يقع في النار أو في شيء من الأقذار. قال في المصباح: والقلم أخذ الظفر والقلامة بالضم هي المقلومة عن طرف الظفر وقضية الإطلاق حصول السنة بقصها على أي وجه كان وقد ذكروا هيآت لم يصح فيها شيء (ونقوا براجمكم) أي بالغوا في تنظيف ظهور عقد مفاصل أصابعكم وقال الحكيم: هي قصبة الأصبع أمر بتنقيتها لئلا تدرن فيحول الدرن بين الماء والبشرة (ونظفوا لثاتكم) لحم أسنانكم (من الطعام) لئلا يبقى فيه الوضر فتتغير النكهة ويتأذى الملكان ولأنه طريق القرآن (واستاكوا) نظفوا أفواهكم بخشن يزيل القلح ولفظ رواية الحكيم واستنوا بدل واستاكوا وما عزاه المصنف إليه لم أره في كلامه (ولا تدخلوا علي قحرا) مصفرة أسنانكم من شدة الخلوف (بخرا) أي رائحة نكهتكم متغيرة منكرة والبخر بفتحتين نتن الفم هكذا الرواية لكن قال الحكيم: المحفوظ عندي قحلا فلجا ولا أعرف القحر <تنبيه> جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة في قص الأصابع بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ولم يذكر للندب دليلا وفي المجموع بعد نقله عن الغزالي وأن المازري اشتد إنكاره عليه ولا بأس بما قاله الغزالي إلا في تأخير إبهام اليمنى فالأولى تقديم اليمنى بكمالها على اليسرى قال ابن دقيق العيد: وكل ذلك لا أصل له وذكر الدمياطي عن بعض مشايخه أن من قص أظفاره مخالفا لم يرمد وأنه جربه اه وما ذكره عن بعض مشايخه نقله الولي العراقي عن بعض مشايخ أبيه حيث قال حكى والدي عن بعض مشائخه أنه يبدأ بمسبحة اليد اليمنى فالبنصر فالإبهام فالوسطى فالخنصر فإبهام اليسرى فالوسطى فالخنصر فمجاور الإبهام فمجاور الخنصر وقال: إنه جربه للسلامة من الرمد فصح وأنه كان يرمد فمن حين واظبه لم يرمد
(الحكيم) الترمذي (عن عبد الله بن بسر) المازني قال الحافظ ابن حجر: فيه راو مجهول وقال شيخه الزين العراقي: فيه عمر بن بلال غير معروف كما قاله ابن عدي وأقول: فيه أيضا عمر بن أبي عمر قال الذهبي: عن ابن عدي مجهول وإبراهيم بن العلاء لا يعرف(4/517)
6130 - (قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة) قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه يحصل سنة القص والنتف والحلق في أي وقت كان والضابط الحاجة وجاء في الخبر الآتي يفعل كل أربعين وفي بعضها كل أسبوع ولا تعارض لأن الأربعين أكثر المدة والأسبوع أقلها واختلف في اليوم الذي يتأكد فيه فعله من الأسبوع وقد اختلفت الأحاديث في ذلك ففي بعضها يوم الجمعة قال البيهقي في سننه: روينا عن أبي جعفر مرسلا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستحب أن يأخذ من شاربه وأظفاره يوم الجمعة. وفي الأوسط للطبراني عن عائشة مرفوعا من قلم أظفاره يوم الجمعة وقى من السوء إلى مثلها وفيه أحمد بن ثابت في جزئه ضعيف وورد في حديثنا هذا يوم الخميس وهو من الأحاديث المسلسلة أخبرني به والدي ورأيته
[ص:519] يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني الشيخ معاذ ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني أستاذي شيخ الإسلام يحيى المناوي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني شيخ الإسلام ولي الدين العراقي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني والدي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أخبرني أبو العباس أحمد الحرالي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا صفر بن يحيى وأبو طالب ابن العجمي وعمر بن سعيد الحلبوني والحافظ أبو الحجاج يوسف ومحمد وعبد الحميد أبو عبد الهادي الدمشقيون ورأيت كلا منهم يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا يحيى الثقفي ورأيناه يقلم أظفاره يوم الخميس قال أنا جدي لأبي أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل ورأيته يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا محمد الحسن بن السمرقندي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا حفص المستغفري وهو يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا جعفر المكي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام إسماعيل المروزي بها يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الإمام أبا بكر محمد النيسابوري يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الفضل بن العباس الكوفي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت الحسين بن هارون الضبي يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت عمر بن حفص يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت جعفر بن محمد يقلم أظفاره يوم الخميس قال رأيت علي بن الحسين يقلم أظفاره يوم الخميس وقال رأيت عليا رضي الله تعالى عنه يقلم أظفاره يوم الخميس وقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقلم أظفاره يوم الخميس قال يا علي قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس إلخ قال الزين العراقي: في إسناده من يحتاج للكشف عنه من المتأخرين أما الحسين بن هارون الضبي ومن بعده فثقات وأما قص الظفر فقد مر الكلام عليه بما فيه مقنع قال ابن قدامة في المغني: ويسن غسل رؤوس الأصابع بعد قصها ويقال إن الحك بها قبل غسلها يضر بالبدن ويستثنى من ندب قلم الأظفار موضع منها حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية وحالة الموت وحالة الغزو على ما في المحيط للحنفية وأما نتف الإبط فمتفق على ندبه وتحصل السنة بإزالته بحلق أو نورة لكن النتف أولى لأن الإبط محل الريح الكريه ونتفه يضعف أصوله ويرقق جرمه فيخف الاحتباس فتقل الرائحة المتعفنة ويتأكد أن يتولى ذلك بنفسه لما في تولي غيره لذلك من هتك الحرمة والمروءة بخلاف الشارب ذكره النووي قال الزين العراقي: وهو مسلم في النتف لا الحلق لعسر حلقه لنفسه ويندب البداءة بالإبط الأيمن فينتف الأيمن باليسرى والأيسر باليمنى لأنه المتيسر ويستثنى مع ما مر حالة الموت وذكر بعض الشافعية أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن له شعر تحت إبطه لحديث كان يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه قال الأسنوي: وبياض الإبط كان من خصائصه وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر واعترضه العراقي بأن ذلك لم يثبت بل لم يرد في شيء من الكتب المعتمدة والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياض إبطيه أن لا يكون له شعر لأنه إذا نتف بقي محله أبيض ولذلك ورد في حديث الترمذي عن عبد الله بن أقرم الخزاعي كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد والعفرة بياض غير ناصع فلو كان خاليا من الشعر لم يكن أعفر وإطلاق بياض الإبط في حق غيره موجود في كلام كثير من الفقهاء وغيرهم والإنكار فيه لأن الإبط لا تناله الشمس في السفر والحضر وأما حلق العانة فمجمع على ندبه قال النووي: فيسن حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما وتحصل السنة بقصه أو حلقه أو نتفه أو تنويره لكن الأفضل في الإبط النتف والعانة الحلق لأن الإبط محل الريح الكريه والنتف يضعف الشعر فيخف الريح كما مر ونتف العانة يرخي المحل نعم النتف للمرأة أفضل وينبغي لكل البداءة بالجانب الأيمن وحكمة حلق العانة التنظيف مما يكره عادة والتحسن للزوجين وهو للمرأة آكد وهذه الثلاثة لا تترك أكثر من أربعين يوما لحديث أبي داود عن أنس وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة [ص:520] فهي مضبوطة بالحاجة والأربعون غاية الترك والأفضل فعلها في كل أسبوع كما مر فيندب تعهد ذلك كل جمعة فإن لم يفعل فلا يهمله فوق أربعين
(التيمي) أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل (في مسلسلاته) بالفعل يوم الخميس (فر) كلاهما (عن علي) أمير المؤمنين(4/517)
6131 - (قفلة) هي المرة من القفول وهو الرجوع من سفر (كغزوة) أي رب قفلة تساوي الغزو لكن القفول ترجح مصلحته على مصلحة المضي للغزو كخوف على الحرم وكون العدو أضعاف المسلمين ونحو ذلك أو المراد أن أجر الغازي في انصرافه لأهله راجعا كأجره في إقباله للجهاد وقيل أراد بالقفلة الكرة على العدو بعدما انفصل عنه فرارا أو لغيره
(حم د ك) في الجهاد لكن الذي رأيته في مستدركه بخط الحافظ الذهبي كعمرة بدل غزوة (عن ابن عمرو) بن العاص وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي(4/520)
6132 - (قل هو الله أحد) مع كونها ثلاث آيات وآيات القرآن تزيد على ستة آلاف (تعدل ثلث القرآن) لأن القرآن قصص وأحكام وصفات وهي متمحضة للصفات فهي ثلثه أو لأن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب ثلث القرآن بغير تضعيف. قال الطيبي: فلا يلزم من تكريرها على الأول استيعاب القرآن ويلزم على الثاني <فائدة> قال ابن عربي: ظهر لبعض أهل المكاشفة صور سور القرآن فساطيط مئة وثلاثة عشر سورة وكان أميا فقال كنت أسمع أن القرآن مئة وأربعة عشر سورة فقيل له قل هو الله أحد لا تسعها السماوات والأرض
(مالك) في الموطأ (حم خ د ن عن أبي سعيد) الخدري (خ عن قتادة بن النعمان) بضم النون بن يزيد بن عامر الأنصاري الظفري البدري (م عن أبي الدرداء) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا وكيف؟ فذكره (ت ن عن أبي هريرة ن عن أبي أيوب) الأنصاري (حم هـ عن أبي مسعود الأنصاري) البدري (طب عن ابن مسعود وعن معاذ) بن جبل (حم عن أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط الأمويه أسلمت قديما وهي أخت عثمان لأمه (البزار) في مسنده (عن جابر) بن عبد الله (أبو عبيد) القاسم بن سلام (عن ابن عباس) قال المصنف: وهو متواتر(4/520)
6133 - (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) أي تساويه لأن معانيه آيلة إلى ثلاثة علوم: علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس وسورة الإخلاص تشتمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل والأساس للقسمين الآخرين وهو علم التوحيد على أبين وجه وآكده (وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن) كما سبق توجيهه بما يغني عن إعادته. قال حجة الإسلام: ما أراك تفهم وجه هذا أو كأني بك تقول هذا بعيد عن الفهم والتأويل فإن آيات القرآن تزيد على ستة آلاف فهذا القدر كيف يكون ثلثها وهذا لقلة معرفتك بحقائق القرآن ونظرك إلى ظاهر ألفاظه فتظن أنها تعظم وتكثر بطول الألفاظ وقصرها وذلك لظن من يؤثر الدراهم الكثيرة على جوهرة واحدة نظرا لكثرتها فاعلم أن الإخلاص تعدل ثلثه قطعا وأرجح والقرآن ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي هي مهمات القرآن وهي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم وهذه المعارف الثلاثة هي المهمات والباقي توابع والإخلاص مشتمل على واحدة من الثلاثة وهي معرفة الله وتوحيده وتقديسه عن مشارك في الجنس والنوع وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفء والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا مصمود في الوجود للحوائج سواه [ص:521] وليس فيها معرفة الآخرة والصراط المستقيم فلذلك تعدل ثلث القرآن أي ثلث الأصول منه كخبر الحج عرفة أي هو الأصل والباقي تابع
(طب ك عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(4/520)
6134 - (قل اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة اللهم إني أسألك من صالح ما تؤتى الناس من المال والأهل والولد غير الضال والمضل) أي غير الضال في نفسه المضل لغيره وهذا من جوامع الكلم وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو به
(ت عن عمر) بن الخطاب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر قل فذكره(4/521)
6135 - (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه) قال ابن فلاح في المغني: أجاز المبرد وصف اللهم قياسا على وصفه لو كانت معه ياء فكذا مع عوضها حملا عليه ومنعه سيبويه لبعده من التركيب عن التمكن المقتضي للوصف مع ضعف وصف المناوي ويحمل مثله على البدل وقال الرضي: لا يوصف اللهم عند سيبويه كما لا يوصف أخواته أي الأسماء المختصة بالنداء وأجاز المبرد وصفه لأنه بمنزلة يا ألله واستدل بنحو اللهم فاطر السماوات والأرض وهو عند سيبويه على النداء المستأنف ولا أرى في الأسماء المختصة بالنداء مانعا في الوصف بل السماع مفقود فيها (أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه. قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك) قال ابن القيم: قد تضمن هذا الحديث الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان. وغايته إما أن يعود على العامل أو على أخيه المسلم فتضمن الحديث مصدري الشر الذي يصدر عنهما وغايتيه اللتين يصل إليهما اه. فإن قلت لم قدم الاستعاذة من شر النفس مع أن شر الشيطان أهم في الدفع لأن كيده ومحاربته أشد من النفس لأن شرها وفساده إنما ينشأ من وسوسته ومن ثم أفردت له في التنزيل سورة تامة بخلافها قلت الظاهر أنه جعله من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى
(حم د ت حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال: إن أبا بكر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مرني بكلمات أقولهم إذا أصبحت وإذا أمسيت فذكرها قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال في الأذكار بعد ما عزاه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح غير حيي بن عبد الله المغافري وثقه جمع وضعفه آخرون(4/521)
6136 - (قل اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة) أي مستقرة تقطع بوحدانيتك وتجزم بحقيقة ما جاءت به رسلك بحيث (تؤمن بلقائك) أي بالبعث يوم الموت (وترضى بقضائك وتقنع بعطائك) أي تسكن تحت مجاري أحكامك. أوحى [ص:522] الله إلى داود لن تلقاني بعمل هو أرضى عنك ولا أحط لوزرك من الرضى بقضائي
(طب والضياء عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم(4/521)
6137 - (قل اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل فأعزني وإني فقير فارزقني) قال بعض العارفين: جرت عادة العامة أنهم متى حاولوا جلب رزق إنما يحاولونه بما يجانس كالتجارة والصنائع ومقاواة الأعداء في الحروب والمكايدة والخاصة إنما يحاولوه بما هو فوق تلك الرتبة من الأدعية والأذكار الصالحة فإنهم يملكون من أمر الله ما لا يملكه العامة فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدقع ضره بما وراء ذلك من الكلمات النافعة
(ك) في الدعاء عن ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبي داود الأزدي الأعمى (عن بريدة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: قلت أبو داود الأعمى متروك الحديث(4/522)
6138 - (قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي) فإنه لن يدخل الجنة أحد بعمله ولا الأكابر إلا أن يتغمدهم الله برحمته
(ك والضياء) في المختارة من حديث عبد الله بن محمد بن جابر بن عبد الله عن أبيه (عن) جده (جابر) القول مرتين أو ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل إلخ فقالها الرجل ثم قال عد فعاد ثم قال مخرجه الحاكم في الدعاء رواته مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح انتهى وعبد الله لم يخرج له أحد من الستة وتوابعها وابن محمد تابعي مدني حدث عنه ابناه(4/522)
6139 - (قل إذا أصبحت) أي إذا دخلت في الصباح (بسم الله على نفسي وأهلي ومالي فإنه لا يذهب لك شيء) هذا من الطب الروحاني المشروط نفعه بالإخلاص وحسن الاعتقاد
(ابن السني في عمل يوم وليلة عن ابن عباس) قال: شكا رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يصيبه الآقات فقال له قل إلخ قال النووي في الأذكار: وإسناده ضعيف(4/522)
6140 - (قل كلما أصبحت وإذا أمسيت بسم الله على ديني ونفسي وولدي وأهلي ومالي) قال ابن عربي: وحضور الذاكر عند نطقه بشيء من الأسماء الإلهية لا بد منه حتى يعرف من يذكر وكيف يذكر ومن يذكر والله خير الذاكرين وذكر الفخر الرازي أنه يشترط حضور القلب وفراغه من الشواغل الدنيوية والكدورات الجسمانية وإلا فلا يلومن إلا نفسه
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود)(4/522)
6141 - (قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فإن هؤلاء) الكلمات (تجمع لك دنياك وآخرتك) أي أمور دنياك وأمور آخرتك بالشروط المقررة فيما قبله
(حم هـ عن طارق) بن أشيم (الأشجعي) والد أبي مالك يعد في الكوفيين [ص:523] قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات وفي رواية قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني كلاما أقوله قال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلخ قال هؤلاء لربي فما لي؟ قال قل اللهم إلخ(4/522)
6142 - (قل اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكابي ما يوجب العقوبة (ظلما كثيرا) بالمثلثة في معظم الروايات وفي رواية بموحدة قال في الأذكار: فينبغي الجمع بينهما فيقال ظلما كثيرا كبيرا احتياطا للتعبد ومحافظة على لفظ الوارد (وأنه) أي الشأن (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك الرب المالك ولا حيلة لي في دفعها وهو اعتراف بالوحدانية وعظمته الربوبية واستجلاب للمغفرة (فاغفر لي مغفرة) نكره للتعظيم أي عظمة لا يدرك كنهها وزاد (من عندك) لأن الذي من عنده لا يحيط به وصف واصف ولا يحصيه عد عاد مع ما فيه من الإشارة إلى أنه طلب أنها تكون له تفضلا من عنده تعالى لا بعمل منه (وارحمني) تفضل علي وأحسن إلي وزدني إحسانا على المغفرة (إنك) بالكسر على الاستئناف البياني المشعر بالتعليل (أنت الغفور الرحيم) كل من الوصفين للمبالغة وقابل اغفر بالغفور وارحم بالرحيم فالأول راجع إلى اغفر لي والثاني إلى ارحمني فهو لف ونشر مرتب فهذا عبد اعترف بالظلم ثم التجأ إليه مضطرا لا يجد لذنبه ساترا غيره ثم سأله المغفرة وقال بعض المحققين: وقال من عندك مع أن الكل منه وإليه إشارة إلى أنه يطلب من خزائنه ما خزنه عن العامة ولله رحمة تعم الخلق وله رحمة تخص الخواص وهي المطلوبة هنا وقد استدل به للدعاء في آخر الصلاة قال في الأذكار: وهو صحيح فإن قوله الآتي في صلاتي يعم جميعها اه. وفيه رد على شيخ الإسلام زكريا أن قوله في صلاتي المراد به المحل اللائق بالدعاء وفيه منها وهو السجود وبعد التشهد الأخير فقط وفيه مشروعية طلب تعليم العلم من العلماء وإجابة العالم للمتعلم سؤاله والمراد بالنفس هنا بالذات المشتملة على الروح كما في قوله تعالى {أن النفس بالنفس} وإن اختلف العلماء في أن حقيقة النفس هي الروح أو غيرها حتى قيل إن فيها ألف قول والغفر الستر والمعنى أن الداعي طلب منه تعالى أن يجعل له ساترا بينه وبين الذنوب إن لم تكن وقعت وساترا بينه وبين ما يترتب عليها من العقاب والعتاب إن كانت وقعت ولا يخفى حسن ترتيب هذا الحديث حيث قدم الاعتراف بالذنب ثم بالوحدانية ثم بسؤال المغفرة لأن الاعتراف بذلك أقرب إلى العفو والثناء على السيد بما هو أهله أرجى لقبول سؤاله
(حم ق ت ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (وعن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فذكره وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير القرآن كالنخعي(4/523)
6143 - (قل آمنت بالله) أي جدد إيمانك بالله ذكرا بقلبك ونطقا بلسانك بأن تستحضر جميع معاني الإيمان الشرعي (ثم استقم) أي الزم عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات إذ لا تتأتى مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده وانتزاع هاتين الجملتين من آية {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} وهذا من بدائع جوامع الكلم فقد جمعتا جميع معاني الإيمان والإسلام اعتقادا وقولا وعملا إذ الإسلام توحيد وهو حاصل بالجملة الأولى والطاعة بسائر أنواعها في ضمن الثانية إذ الاستقامة امتثال كل مأمور وتجنب كل منهي وعرفها بعضهم بأنها المتابعة للسنن المحمدية مع التخلق بالأخلاق المرضية وبعضهم بأنها الإتباع مع ترك الابتداع وقيل حمل النفس على أخلاق الكتاب والسنة قال القشيري: وهي درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها وقال بعضهم: لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات [ص:524] ومفارقة الرسوم والعادات
(حم م ت ن هـ عن سفيان) بتثليث أوله (ابن عبد الله الثقفي) الطائفي له صحبة استعمله عمر على الطائف قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك فذكره ولم يخرجه البخاري قال النووي: لم يرو مسلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المناوي: ولم أر لسفيان هذا غير هذا الحديث في مسلم ولا في الأربعة اه. وهذا ذهول فقد رواه الترمذي عنه وزاد فيه قلت يا رسول الله ما أخوف ما أتخوف علي؟ قال هذا وأخذ بلسانه(4/523)
6144 - (قل) يا علي (اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم) قال القاضي: أمره بأن يسأل الله الهداية والسداد وأن يكون في ذلك مخطرا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم وسدادا كسداد السهم نحو الغرض والمعنى أن يكون في سؤاله طالبا غاية الهدى ونهاية السداد اه. وقال بعضهم: معناه إذا سألت الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق لأن سالك الفلاة يلزم الجادة ولا يفارقها خوفا من الضلال وكذا الرامي إذا رمى شيئا سدد السهم نحوه ليصيبه فأخطر ذلك بقلبك ليكون ما تنويه من الدعاء على شاكلة ما تستعمله في الرمي وقال القونوي: اشترط في هذا الحديث صحة الاستحضار للأمر المطلوب من الحق حال الطلب وذلك لأن الإجابة تابعة للتصور فالأصح تصورا للحق تكون أدعيته مجابة وصحة التصور تابعة للعلم المحقق والشهود الصحيح ولهذا قال في الحديث الآتي: لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما كان تام الشهود كانت أكثر أدعيته مستجابة وهكذا من داناه في المعرفة من الأنبياء والأولياء وهؤلاء هم الموعودون بالإجابة متى دعوا بالدعاء المشار إليه بقوله تعالى {ادعوني أستجب لكم} فمن لم يعرف ولم يستحضر حال الدعاء بضرب ما من ضروب الاستحضارات الصحيحة لم يدع الحق فلم يستجب له. قال الراغب: والتسديد أن تقوم إرادته وحركته نحو الغرض المطلوب ليهجم إليه في أسرع مدة يمكن الوصول فيها إليه وهو المسؤول بقوله {اهدنا الصراط المستقيم}
(م د ن عن علي) أمير المؤمنين ورواه الطبراني عن أبي موسى قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على نصف اليمن ومعاذا على نصفه فأتيته أسلم فقال لي قل إلخ(4/524)
6145 - (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: حب العيش) أي طول الحياة (والمال) مجاز واستعارة يعني أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم كاحتكام قوة الشاب في شبابه. ذكره النووي وقال غيره: حكمة تخصيص هذين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه أعظم في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر فلما أحس بقرب نفاذ ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه. قيل دخل رجل على أبي رجاء العطاردي فقال: كيف تجدك؟ قال حب جلدي على عظمي وهذا أمل جديد بين عيني فما خرجنا من عنده حتى مات وقال أبو عثمان النهدي: بلغت نحوا من مئة وثلاثين سنة وما من شيء إلا وقد عرفت النقص فيه إلا أملي فإنه كما هو
(م هـ عن أبي هريرة) وروى البخاري معناه(4/524)
6146 - (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وكثرة المال) قد عرفت معناه مما قبله. قال النووي: هذا صوابه اه. وقيل وصفه بكونه شابا لوجود هذين الأمرين فيه اللذين هما في الشباب أكثر وبهم أليق وحب الدنيا [ص:525] هو كثرة المال وطول الأمل هو طول الحياة وفيه من أنواع البديع التوشيع وهو الإتيان بمثنى وتعقيبه بمفردين <تنبيه> أخذ بعضهم هذا فنظمه فقال:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب. . . إن الحريص على الدنيا لفي تعب
لو كان يصدقني ذهني وفكرته. . . ما اشتد حرصي على الدنيا ولا نصبي
أسعى وأكدح فيما لست أدركه. . . والذهن يكدح في زندي وفي عصبي
(حم ن ك) في الرقاق (عن أبي هريرة عد وابن عساكر عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي(4/524)
6147 - (قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة) يشير إلى أن المؤمن الخير في الحيوانات كالنحل يأخذ أطايب الأشجار والنور الحلو ثم يعطي الناس ما يكثر نفعه ويحلو طعمه ويطيب ريحه فهو يحب الحلو ويطعم الحلو ويعطي الحلو. قال الحكيم: المؤمن الكامل قد وضع الله في قلبه حلاوة التوحيد بحلاوته فإذا جاءت الشهوة ضرب بتلك الحلاوة وجهها وردها بقوة هذه الحلاوة
(هب عن أبي أمامة) ثم قال أعنى البيهقي: متنه منكر وفي إسناده من هو مجهول (خط) في ترجمة أبي الحسن الخطيب (عن أبي موسى) الأشعري وقال أعني الخطيب: رجاله ثقات غير محمد بن العباس بن سهيل البزار وهو الذي وضعه وركبه على الإسناد اه. ونقله عنه في الميزان وأقره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الخطيب وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بإيراده من طريق البيهقي ولم يزد على ذلك وقد عرفت أن نفس مخرجه البيهقي طعن فيه ورواه الديلمي أيضا وزاد من حرمها على نفسه فقد عصى الله ورسوله ولا تحرموا نعمة الله والطيبات على أنفسكم وكلوا واشربوا واشكروا فإن لم تفعلوا لزمتكم عقوبة الله تعالى(4/525)
6148 - (قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس) أي خير ما اتخذوه كنزا وذخرا فإن هذه الثلاثة جامعة لجميع المطالب الدنيوية والأخروية وتعين عليها وإنما كان كذلك لأن الشكر يستوجب المزيد والذكر منشور الولاية والزوجة الصالحة تحفظ على الإنسان دينه ودنياه وتعينه عليهما
(هب عن أبي أمامة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ: يا معاذ قلب شاكر إلخ رمز المصنف لحسنه وفيه يحيى بن أيوب قال النسائي: ليس بذاك القوي(4/525)
6149 - (قلوب بني آدم تلين في الشتاء وذلك لأن الله تعالى خلق آدم من طين والطين يلين في الشتاء) فتلين فيه تبعا لأصلها والمراد بلينها أنها تصير سهلة منقادة للعبادة أكثر فخرج بذلك الكافر وكل قلب طبع على القسوة فإنه منعه من رجوعه إلى أصله عارض
(حل) من حديث يحيى عن شعبة بن الحجاج عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان (عن معاذ) عن جبل ظاهر صنيع المصنف أن أبا نعيم خرجه وأقره والأمر بخلافه بل بين أن عمر بن يحيى متروك الحديث قال في الميزان: أتى بخبر باطل شبه موضوع وهو هذا. قال: ولا نعلم لشعبة عن ثور رواية اه. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: إنما هو محفوظ من قول خالد كما قال أبو نعيم نفسه والمتهم يرفعه عمر بن يحيى وهو متروك ومحمد بن زكريا يضع اه. وتعقبه المؤلف فلم يأت بشيء(4/525)
[ص:526] 6150 - (قليل الفقه) لفظ رواية العسكري قليل العلم ورأيت بخط الحافظ الذهبي بدله التوفيق (خير من كثير العبادة) لأنه المصحح لها (وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) قال العسكري: أراد المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا أن العالم وإن كان فيه تقصير في عبادته أفضل من جاهل مجتهد لأن العالم يعرف ما يأتي وما يجتنب قال: وهذا مثل قول المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضلكم أعلمكم بهذا الدين وإن كان يزحف على أسته (وإنما الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي المؤمن ولا تحاور) بحاء مهملة (الجاهل) قال في الفردوس: المحاورة المكالمة وروي لا تجاور بالجيم اه. وهذا مسوق للنهي والزجر عن المراء والمجادلة
(طب) وكذا العسكري (عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: فيه إسحاق بن أسيد لين وقال: ورفع الحديث غريب وقال الهيثمي: فيه إسحاق بن أسيد قال أبو حاتم: لا يشتغل به اه. ورواه عنه البيهقي أيضا وقال: قال أبو حاتم إسحاق لا يشتغل به(4/526)
6151 - (قليل التوفيق خير من كثير العقل) فإن التوفيق هو رأس المال فعلى العاقل استيثاق الله تعالى لزيادة العمل والتقوى والجؤار إليه في إفاضته عليه من ذلك السبب الأقوى وفي رواية قليل التوفيق خير من كثير العمل وفي أخرى خير من كثير العبادة. قال بعض العارفين: ما قل عمل برز من قلب موفق زاهد ولا كثر عمل برز من قلب غافل لاه وحسن الأعمال نتائج حسن الأحوال (والعقل في أمر الدنيا مضرة والعقل في أمر الدين مسرة) قال الماوردي: ذكروا أن زيادة العقل في الأمور الدنيوية تفضي بصاحبها إلى الدهاء والمكر وذلك مذموم وصاحبه ملوم وقد أمر عمر أبا موسى أن يعزل زيادا عن ولايته فقال: يا أمير المؤمنين عن موجدة أم جناية قال: لا عن واحدة منهما ولكن خفت عن أن أحمل الناس فضل عقله وقال حكيم: كفاك من عقلك ما دلك على سبيل رشدك وقيل قليل يكفي خير من كثير يلهي
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) ورواه عنه الديلمي لكن بيض ولده لسنده(4/526)
6152 - (قليل العمل ينفع مع العلم) فإنه يصححه (وكثير العمل لا ينفع مع الجهل) لأن المتعبد بغير علم كالحمار في الطاحون كما سيجيء في خبر
(فر عن أنس) بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أي العمل أفضل قال العلم بالله قاله ثلاثا قال يا رسول الله أسألك عن العمل وتخبرني عن العلم فذكره(4/526)
6153 - (قليل تؤدي شكره) يا ثعلبة الذي قال ادع الله أن يرزقني مالا (خير من كثير لا تطيقه) تمامه عند الطبراني أما تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو سألت الله أن يسيل الجبال ذهبا وفضة لسألت اه. وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنه دعا لثعلبة هذا أن ينمي ماله فنمت غنمه حتى ضاقت المدينة عنها فنزل واديا وانقطع عن الجمعة والجماعة وطلبت منه الزكاة فقال ما هذه إلا أخية الجزية وفيه نزل {ومنهم من [ص:527] عاهد الله} الآية
(البغوي والباوردي وابن قانع وابن السكن وابن شاهين) كلهم في الصحابة وكذا الطبراني والديلمي من طريق معاذ بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم (عن أبي أمامة) الباهلي (عن ثعلبة بن حاطب) أو ابن أبي حاطب الأنصاري قال أبو أمامة: جاء ثعلبة إلى المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا نبي الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال: ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا لسارت فقال: ادع الله لي أن يرزقني مالا فوالذي بعثك بالحق نبيا لئن رزقنيه لأعطين كل ذي حق حقه قال: لا تطيقه فقال: يا نبي الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال: اللهم ارزقه مالا فاتخذ غنما فبورك له فيها وتمت حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها فكان يشهد مع المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنهار ولا يشهد صلاة الليل ثم نمت فكان لا يشهد إلا من الجمعة إلى الجمعة ثم نمت فكان لا يشهد الجمعة ولا الجماعة فقال المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويح ثعلبة ثم أمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذ الزكاة والصدقة فبعث رجلين فمرا على ثعلبة وقالا: الصدقة فقال: ما هذه إلا أخية الجزية فأنزل الله فيه ومنهم من عاهد الله} الآية. قال البيهقي: في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير اه وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: وفي كون صاحب هذه القصة إن صح الخبر ولا أظنه يصح هو البدري نظر(4/526)
6154 - (قم فصل فإن في الصلاة شفاء) من الأمراض القلبية والبدنية والهموم والغموم {واستعينوا بالصبر والصلاة} ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إليها والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للداء مقوية للقلب مفرحة للنفس مذهبة للكسل منشطة للجوارح ممدة للقوى شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب مبيضة للوجه حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة للشيطان مقربة من الرحمن وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة القلب والبدن وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما سيما إذا وفيت حقها من التكميل فما استدفعت أذى الدارين واستجلبت مصالحهما بمثلها وسرها أنها صلة بين العبد وربه وبقدر الوصلة يفتح الخير وتفاض النعم وتدفع النقم
(حم هـ عن أبي هريرة)(4/527)
6155 - (قم فعلمها عشرين آية) من القرآن (وهي امرأتك) قال القاضي: لهذا الحديث فوائد منها أن أقل الصداق غير مقدر وأنه يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقا وإليه ذهب الشافعي ولم يجوزه أبو حنيفة ومالك وأحمد ومنها الدلالة من طريق القياس على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وجعل منفعة الحر صداقا ولم يجوزه أصحاب الرأي وأولوا الحديث بأن المرأة لعلها وهبت المهر وهو تأويل لا يناسب السياق
(د عن أبي هريرة) رمز لحسنه(4/527)
6156 - (قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها) هكذا هو في صحيح مسلم بلفظ الماضي (المساكين وإذا أصحاب الجد) أي الأغنياء والجد بفتح الجيم الغنى (محبوسون) في العرصات فلم يؤذن لهم في دخول الجنة لطول حسابهم (إلا) وفي رواية بدلها غير. قال الطيبي: وهي بمعنى لكن والمغايرة بحسب التفريق (أصحاب النار) أي الكفار فقد أمر بهم إلى النار فلا يوقفون في العرصات بل يساقون إليها ويوقف المسيئون في العرصات للحساب والمساكين هم السابقون إلى الجنة لفقرهم وخفة ظهورهم (وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء) لأنهم يكفرن العشير وينكرن الإحسان قال في المطامح: يدل على [ص:528] أن الفقر أفضل من الغنى وهو مذهب الجمهور والخلاف مشهور <تنبيه> قال العكبري: إذا هنا للمفاجأة وهي ظرف مكان والجيد هنا أن ترفع المساكين على أنه خبر عامة من دخلها وكذا رفع محبوسون على أنه الخبر وإذا ظرف للخبر ويجوز أن تنصب محبوسين على الحال وتجعل إذا خبر والتقدير فبالحضرة أصحاب الجد فيكون محبوسين حالا والرفع أجود والعامل في الحال إذا وما يتعلق به من الاستقرار وأصحاب صاحب الحال
(حم ق ن عن أسامة بن زيد) لكن لفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه من نسخه المعتبرة قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار إلخ(4/527)
6157 - (قوائم منبري رواتب في الجنة) قال في الفردوس: يقال رتب الشيء إذا استقر ودام وعد المصنف هذه من خصائصه
(حم ن حب عن أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (طب ك عن أبي واقد) الليثي قال الهيثمي: فيه أي عند الطبراني يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف(4/528)
6158 - (قوام أمتي) بتشديد الواو (شرارها) بشين معجمة أوله والظاهر أن قوام بضم وتشديد يعني القائمون بأمر الأمة وهم أمراؤها وهم شرار الأمة غالبا لقلة الاستقامة وكثرة الجور منهم ورأيت في نسخ من الفردوس قديمة مصححة بخط الحافظ ابن حجر بشرارها بباء موحدة أوله وعليه فيظهر أن القوام بالفتح والتخفيف وأن المعنى إن قوامها يعني استقامتها وانتظام أحوالها يكون بشرارها فيكون من قبيل خبر إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وخبر إن الله يؤيد هذا الدين برجال ما هم من أهله
(حم طب عن ميمون بن سنباذ) بكسر السين بضبط المصنف وذال معجمة أبو المغيرة العقيلي قيل له صحبة قال الذهبي: وفيه نظر اه قال الهيثمي: فيه هارون بن دينار وهو ضعيف اه ورواه البخاري في تاريخه أيضا وقال ابن عبد البر: إسناده ليس بالقائم وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/528)
6159 - (قوام المرء عقله ولا دين لمن لا عقل له) لأن العقل هو الموقف على أسرار الدين ورتبة كل إنسان في الدين على قدر رتبة عقله وقد أخرج البيهقي عن جابر مرفوعا أن رجلا تعبد في صومعة فأمطرت السماء فأعشبت الأرض فرأى حمارا يرعى فقال يا رب لو كان لك حمارا لرعيته مع حماري فهم به نبيهم فأوحى الله إليه دعه فإنما أجازي العباد على قدر عقولهم
(هب عن جابر) قضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بما نصه تفرد به حامد بن آدم وكان متهما بالكذب اه بلفظه فكان على المصنف حذفه وليته إذ ذكره لم يحذف من كلام مخرجه علته(4/528)
6160 - (قوا بأموالكم عن أعراضكم) أي أعطوا الشاعر ونحوه ممن تخافون لسانه ما تستدفعون به شر وقيعتهم في أعراضكم بنحو سب أو هجو (وليصانع أحدكم) أيها المؤمنون (بلسانه عن دينه) ولهذا لما أنشده العباس بن مرداس قصيدته العينية قال اقطعوا عني لسانه أي أرضوه حتى يسكت كنى باللسان عن الكلام. قال الفاكهي: ولا ريب أن المال محبوب عظيم للنفوس فإذا طلب مداراة السفهاء بدفع المال فمداراتهم بلين المقال والسعي إليهم إن اقتضاه الحال أولى بطريق قياس المساواة أو طريق أولى ولا يبعد وجوبه في هذا الزمان
(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) وفيه الحسين بن المبارك قال ابن عدي: متهم بالوضع ثم ساق له هذا الحديث فحذف المصنف ذلك من [ص:529] كلام ابن عدي غير جيد(4/528)
6161 - (قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه) أخرج في الطيوريات بسند فيه ضعف عن بقية قال: سألت الأوزاعي ما معنى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم قوتوا طعامكم إلخ قال: صغر الأرغفة وقال في النهاية: حكى عن الأوزاعي أنه تصغير الأرغفة وكذا حكى عن ابن الجنيد قال القسطلاني: ولعل هذا هو سند كثير من الصوفية في تصغيره كنبي الوفاء وغيرهم
(طب عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا البزار قال ابن حجر: وسنده ضعيف وقال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله ثقات(4/529)
6162 - (قولوا اللهم صل على محمد) أي عظموه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف مثوبته (وعلى آل محمد) قال الطيبي: حمل الأول على العموم من الأصفياء وأتقياء الأمة فيدخل فيه أهل البيت دخولا أوليا أولى (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جمع قال ابن حجر: وإن ثبت أن له أولادا من غير سارة وهاجر دخلوا لا محالة ثم المراد المسلمون منهم بل المتقون (إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها أو بمعنى حامد أي يحمد أفعال عباده (مجيد) من المجد وهو صفة من كمل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وذلك يستلزم طلب الحمد والمجد (اللهم بارك على محمد) أي أثبت له دوام ما أعطيته من التشريف والكرامة من برك البعير إذا ناخ بمحل ولزمه ويطلق البرك على الزيادة والأصل الأول كذا في النهاية (وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) قال الطيبي: التشبيه ليس من إلحاق الناقص بالكامل بل من إلحاق ما لا يعرف بما يعرف والأتقياء والأصفياء من الأمة موازية للأنبياء من بني إسرائيل فمعناه كما سبقت منك الصلاة على إبراهيم نسألك الصلاة على محمد بالأولى وقال: في موقع التشبيه أقاويل أفردت بالتآليف ومن أحسنها قول صاحب القاموس عن بعض أهل الكشف إن التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك أن المراد باللهم صل على محمد اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في أتباعه أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله على آل محمد اجعل من أتباعه محدثين يخبرون بالمغيبات كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت منهم أنبياء يخبرون بالغيب فالمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم (إنك حميد) أي محمود (مجيد) أي ماجد وهو من كمل شرفا وكرما وقال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على العموم أي إنك حميد فاعل لما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى عبادك الصالحين انتهى. وفيه مشروعية الصلاة والسلام على من ذكر فيه والصلاة على محمد في التشهد الأول وعلى غيره في الأخير سنة أما الصلاة على محمد في الأخير فواجبة للأمر بالصلاة عليه في الكتاب والسنة قالوا: وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها
(حم ق د ن هـ عن كعب بن عجرة) قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ فذكره(4/529)
[ص:530] 6163 - (قولوا خيرا تغنموا) بقول الخير إذا نوى به نشر الخير وتعليمه والاشتغال به عن الشر فيغنم بنيته وكذا السكوت عن الشر بنية الصيانة عنه وأن لا ينشره ولا يبدأ به ولا يوافق أهله ففي خبر إن الكف عن الشر صدقة قال بعض السلف: كنا نتعلم السكوت كما تتعلمون الكلام (واسكتوا عن شر تسلموا) كما سبق تقريره في حرف الراء بما يغني عن إعادته
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن عبادة) بن الصامت ظاهر كلام المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه باللفظ المذكور قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن مالك الخشني وهو ثقة انتهى وممن خرجه أيضا الديلمي(4/530)
6164 - (قوموا) خطابا للأنصار أو لجميع من حضر منهم ومن المهاجرين (إلى سيدكم) سعد بن معاذ القادم عليكم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم وقيل معناه قوموا لإعانته في النزول عن الدابة لما به من الجرح الذي أصاب أكحله يوم الأحزاب وأيده التوربشتي بأنه لو أراد تعظيمه لقال قوموا لسيدكم ورده الطيبي بأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا إليه تلقيا وإكراما ويدل له ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله إلى سيدكم علة للقيام له وفيه ندب إكرام أهل الفضل من عالم أو صالح أو ذي شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا والتنبيه على شرف ذوي الشرف والتعريف بأقدارهم وتنزيلهم منازلهم وقد قام المصطفى صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل لكونه من رؤساء قريش ولعدي بن حاتم لكونه سيد بني طيء يتألفهما به وما ورد من النهي عن ذلك إنما هو في القيام للإعظام كما هو دأب الأعجام لا للإكرام كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعله كما أفصح بذلك الغزالي بقوله القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على جهة الإكرام والتنبيه على شرفه وإطلاق السيد على المخلوق
(د) في الأدب (عن أبي سعيد) الخدري قال ابن حجر: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول بل هو فيهما معا فالبخاري في الجهاد وفي فضل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي والنسائي في المناقب(4/530)
6165 - (قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (خير من قيام ستين سنة) أي من التهجد في الليل مدة ستين سنة وهذا فيما إذا تعين القتال
(عد وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة شراحيل العبسي (عن أبي هريرة) وشراحيل قال الذهبي في التاريخ: ضعفه ابن عوف الحمصي(4/530)
6166 - (قيد) وفي رواية قيدها (وتوكل) أي قيد ناقتك وتوكل على الله فإن التقييد لا ينافي التوكل إذ هو اعتماد القلب على الرب في كل عمل ديني أو دنيوي فالتقييد لا يضاده كما أن الكسب لا يناقضه قال المحاسبي: من ظن أن التوكل ترك كسبه فليترك كل كسب دنيوي وديني وكفى به جهلا
(هب عن عمرو بن أمية) الضمري الكناني قال: يا رسول الله أرسل راحلتي وأتوكل قال: بل قيد وتوكل ورواه عنه أيضا الحاكم بلفظ قيدها وتوكل قال الذهبي: وسنده جيد وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما عمرو بن عبد الله بن أمية الضمري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/530)
6167 - (قيدوا العلم بالكتاب) لأنه يكثر على السمع فتعجز القلوب عن حفظه والحفظ قرين العقل والقلب مستودعهما [ص:531] والنسيان كامن في الآدمي وأول من نسي آدم فسمي إنسانا فنسيت ذريته فالعلم يعقل ثم يحفظ فإذا كان القلب معلولا بهذه العلة والنسيان كامن فخيف ذهابه قيد بالكتابة لئلا يفوت ويدرس فنعم المستودع وإن دخله القلب فنعم الكشف له الكتاب وقد أدب الله عباده وحثهم على مصالحهم فقال {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} قال الماوردي: ربما اعتمد الطالب على حفظه فتصوره وأغفل تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في نفسه وهذا خطأ منه لأن التشكيك معترض والنسيان طار ومن ثم قال الخليل: اجعل ما في الكتب رأس المال وما في قلبك النفقة وقال مهند: لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لانحلت مع النسيان عقود الآخرين وقد كره كتابة العلم جمع منهم الحبر قال الذهبي: وانعقد الإجماع الآن على الجواز وقال ابن حجر في المختصر: الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم وعلى استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي الفساد ممن يتعين عليه تبليغ العلم اه. وقال بعض الأئمة: الكتابة تدبير من الله لعباده وهي من حروف مصورة مختلفة التخطيط علائم تدل على المعاني فإذا حفظت استغنى عن الكتاب وإن نسيت فالكتاب نعم المستودع وإذا أدب الله تجار الدنيا وحثهم على كتابة المداينة فكيف بتجار الآخرة في تقييد الأمانات العلمية التي أودعهم إياها وأخذ عليهم الميثاق أن يؤدوه ولا يكتموه وإذا علمت هذا ظهر لك اتجاه بحث بعض الأعاظم وجوب كتابة العلم الشرعي وتقييد رسومه لئلا يندرس فتدبر وليس لك أن تقول قد ذم الله الكتابة في قوله {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} لأنا نقول إنما ذم من ألحق في التوراة ما ليس منها كما يعرف بتدبر الآية والقصة فإن قيل نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث بقوله في خبر مسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن قلنا جمع بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خوف لبسه بغيره أو بكتابة غير القرآن معه في شيء واحد إذ النهي متقدم والإذن ناسخ عند أمن اللبس قال ابن حجر: وهو أقربها مع أنه لا ينافيها وقيل النهي خاص لمن خيف منه الاتكال على الكتاب دون الحفظ دون غيره ومنهم من أعل خبر مسلم بالوقف وقيل العلم شجر والخط ثمر وقيل الخط لسان اليد وقيل هو الطلسم الأكبر وقيل كل مأثرة بنتها الأقلام لم تطمع في درسها الأيام
(الحكيم) الترمذي في النوادر (وسمويه) كلاهما (عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن المثنى الأنصاري من رجال البخاري لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعيف وهو صدوق (طب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه لكن أورده في الميزان في ترجمة عباد بن كثير من حديثه وقال عن البخاري: تركوه وعن ابن معين ليس بشيء وادعاه في ترجمة عبد الحميد المدني أخو فليح ونقل تضعيفه عن جمع وأورده ابن الجوزي من طرق وقال: لا يصح(4/530)
6168 - (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) من القيلولة قال الجوهري: وهي النوم في الظهيرة وقال الأزهري: القيلولة والمقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن ثم يكن معه نوم بدليل قوله سبحانه وتعالى {وأحسن مقيلا} والجنة لا نوم فيها وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة لإعانتها على قيام الليل قال حجة الإسلام: وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد كما أن في السحور معونة على صيام النهار فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار
(طب وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي والديلمي والبزار (عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس كما ذكر فقد قال الهيثمي: فيه كثير بن مروان وهو كذاب اه وقال في الفتح: في سنده كثير بن مروان متروك(4/531)
6169 - (قيم الدين) أي عماده الذي يقوم به وينتظم (الصلاة وسنام العمل) أي أعلى الأعمال وأفضلها وأعظمها (الجهاد [ص:532] وأفضل أخلاق الإسلام الصمت) أي السكوت عما لا ينبغي (حتى يسلم الناس منك) أي من لسانك ويدك
(ابن المبارك) في الزهد (عن وهب بن منبه) بضم الميم وفتح النون وشد الموحدة (مرسلا) هو اليماني الصنعاني الأخباري القاص كان واسع العلم لكنه متهم بالقدر(4/531)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف القاف](4/532)
6170 - (القائم بعدي) بالخلافة وهو أبو بكر (في الجنة والذي يقوم بعده) أي الذي يقوم بها بعده وهو عمر رضي الله تعالى عنه (في الجنة والثالث) وهو عثمان (في الجنة والرابع) وهو علي (في الجنة) إذ هم خلفاؤه حقا وبعدهم وبعد أيام الحسن إنما صار ملكا وفي رواية للديلمي بدل والرابع والقائم الرابع بعدي في الجنة يعني عليا فذكرهم وإن كان باقي العشرة في الجنة لكونهم ولوا الخلافة واختلفت الفرق في شأنهم فمنهم من جعل الحق في الخلافة لعلي دون الشيخين ومنهم من جعل الحق لأولئك وأبغض عليا فنص على أن كلا منهم في الجنة لكونه على الحق وأن الطعن مردود
(ابن عساكر) في ترجمة عثمان (عن ابن مسعود) وفيه عبد الله بن سلمة بن عبيدة قال الذهبي: ضعفه الدارقطني(4/532)
6171 - (القاتل لا يرث) من المقتول شيئا أخذ بعمومه الشافعية فمنعوا توريثه مطلقا قال الحنابلة إلا الخطأ وورثه مالك من المال دون الدية
(ت هـ) كلاهما في الفرائض (عن أبي هريرة) قال الترمذي: لا يصح ولا يعرف إلا من هذا الوجه قال الذهبي ثم ابن حجر في تخريج الرافعي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. قال النسائي: متروك وقال البيهقي: إسحاق لا يحتج به وقال مرة: هو واه لكن له شواهد تقويه وقال ابن حجر في تخريج المختصر: رواه النسائي من حديث أبي هريرة وفيه إسحاق بن أبي فروة قال النسائي متروك وإنما خرجته لئلا يترك من الوسط وخرجه الترمذي وقال: لا يصح وإسحاق تركه بعض أهل العلم منهم أحمد(4/532)
6172 - (القاص) الذي يقص على الناس ويعظمهم ويأتي بأحاديث لا أصل لها يعظ ولا يتعظ ويختال ويرغب في جلوس الناس إليه (ينتظر المقت) من الله تعالى لما يعرض في قصصه من الزيادة والنقصان ولأنه مستهدف لكيد الشيطان فهو يقول له أما تنظر إلى الخلق فهم موتى من الجهل هلكى من الغفلة قد أشرفوا على النار؟ أما لك رحمة على عباده تنقذهم من المعاطب بنصحك ووعظك وقد أنعم الله عليك بقلب بصير ولسان ذلق ولهجة مقبولة فكيف تكفر نعمته وتتعرض لسخطه وتسكت عن إشاعة العلم ودعوة الخلق إلى الصراط المستقيم فلا يزال يستدرجه بلطائف الحيل حتى يشتغل بوعظ الناس ثم يدعوه إلى أن يتزين لهم ويتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الفصاحة ويقول إن لم تفعل ذلك سقط وقع كلامك من قلبهم ولم يهتدوا إلى الحق فلا يزال يقرر ذلك وهو في أثنائه يؤكد فيه شوائب الرياء ولذة الجاه والتعزز بكثرة العلم والنظر إلى الخلق بعين الاحتقار ليستدرج المسكين بالنصح إلى الهلاك والمقت فيتكلم ظانا [ص:533] أن قصده الخير وإنما قصده الجاه والقبول فيمقته الله وهو يظن أنه عنده بمكان (والمستمع) للعلم الشرعي (ينتظر الرحمة) من الله تعالى (والتاجر) أي الصدوق الأمين كما سبق (ينتظر الرزق) أي الربح من الله (والمحتكر) الذي حبس الطعام الذي تعم الحاجة إليه ليبيعه بأغلى إذا غلا السعر (ينتظر اللعنة) أي الطرد والبعد عن مواطن الرحمة (والنائحة) التي تنوح على الميت (ومن حولها) من النسوة اللاتي يندبنه أو يستمعن كلامهن ونوحهن وبكائهن (من) كل (امرأة مستمعة) إلى نوحهن (عليهن لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) إن لم يتبن والحديث مسوق للزجر والتنفير من فعل ذلك والإصغاء إليه أو الرضى به فإنه حرام
(طب) عن عبد الله بن أيوب بن زادان عن شيبان بن فروخ الأيلي عن بشر بن عبد الرحمن الأنصاري عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن العبادلة الأربعة المذكورين بقوله (عن ابن عمر) بن الخطاب (وابن عمرو) بن العاص (وابن عباس وابن الزبير) وبشر الأنصاري قال العقيلي وابن حبان: وضاع وفي الميزان عن ابن عدي: من مصائبه أحاديث هذا منها وأورده ابن الجوزي في الموضوعات عن الطبراني من هذا الطريق وقال: لا يصح عبد الوهاب ليس بشيء وابن زادان متروك وتبعه عليه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره عليه(4/532)
6173 - (القبلة حسنة والحسنة بعشرة)
(حل عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي(4/533)
6174 - (القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة) قال جبريل إلا الدين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إلا الدين) بفتح الدال هكذا هو في رواية الترمذي أي ما تعلق بذمته من دين الآدمي وذلك لأن حق الآدمي لا يسقطه إلا عفوه أو استيفاؤه فإذا قتل سقط عنه حق الحق بفضله وبقي حق العبد وقال ابن حجر: يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التبعات وحصول التبعات لا تمنع حصول درجة الشهادة وليس للشهادة معنى إلا أن الله يثيب من حصلت له ثوابا مخصوصا ويكرمه كرامة زائدة وقد بين الحديث أنه يكفر عنه ما عدا التبعات فإن كان له عمل صالح كفرت الشهادة سيئاته غير التبعات فإن عمله الصالح ينفعه في موازنة ما عليه من التبعات وتبقى له درجة الشهادة خالصة فإن لم يكن له عمل صالح فهو تحت المشيئة
(م) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص (ت عن أنس) قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمدا يعني البخاري فلم يعرفه(4/533)
6175 - (القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد ذلك الودائع) حيث أمكنه ردها إلى أربابها والإيصاء بها ولم يفعل
(طب حل عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/533)
6176 - (القتل في سبيل الله شهادة والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والنفساء شهادة) فالأول شهيد الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه والباقون شهداء في حكم الآخرة فيغسلون ويصلى عليهم
(حم والضياء) المقدسي (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه أي عند أحمد رجل لم يسم(4/533)
6177 - (القتل في سبيل الله شهادة والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والحرق شهادة والسيل) بفتح السين المشددة [ص:534] ومثناة تحتية أي الغرق في الماء كذا ضبطه المصنف بخطه ورأيته بعيني فيه فما في كثير من النسخ من أنه السل تحريف من النساخ (والنفساء يجرها ولدها بسررها إلى الجنة)
(حم عن راشد بن حبيش) صحابي على ما قاله أحمد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عباده يعوده فقال: أتعلمون من الشهداء من أمتي؟ فأرمى القوم بأبصارهم فقال عبادة: ساندوني فأسندوه فقال: يا رسول الله الصابر المحتسب قال: إن شهداء أمتي إذن لقليل ثم ذكره رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/533)
6178 - (القدر نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر) بالتحريك (فقد استمسك بالعروة الوثقى) لأن من قطع بأن الخلق لو أجمعوا كلهم على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قدره الله له ولو أجمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قدره عليه وطرح الأسباب فقد استمسك بأعظم العرى واستنار قلبه وانشرح صدره وأيقن بأن العبد لا يعلم مصلحته إلا أن أعلمه الله إياها ولا يقدر على تحصيلها حتى يقدره الله عليها ولا يريد ذلك حتى يخلق الله فيه إرادة ومشيئة فعاد الأمر كله إلى من ابتدأ منه وهو الذي بيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله قيل وفي التقدير بطلان التدبير والمرء طالب والقضاء غالب والقضاء يبعد القريب ويقرب البعيد
(طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف(4/534)
6179 - (القدر سر الله) أي هو استأثر به فلم يطلع على بعضه إلا بعض خواص خلقه وطلب سر الله تعالى منهي عنه لما فيه من سوء الأرب وعدم الأدب والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز سره وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فلا تفشوا سر الله عز وجل اه. وفي رواية للديلمي بدله فلا تتكلفوا علمه قال بعضهم: استأثر تعالى بسر القدر ونهى عن طلبه ولو كشف لهم عنه وعن عاقبة أمرهم لما صح التكليف كما لا يصح عند كشف الغطاء يوم القيامة فالسعادة فضل الله والشقاوة عدله قال الكرماني: وسر الله ينكشف للخلائق إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها لم يذكر المصنف له مخرجا لعدم استحضاره لمن خرجه حال التصنيف وقد خرجه أئمة مشاهير منهم أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر وابن عدي في الكامل عن عائشة قال الحافظ العراقي: وكلاهما ضعيف ولا يقدح عدم الاطلاع على مخرجه في جلالة المؤلف لأنه ليس من شرط الحافظ إحاطته بمخرج كل حديث في الدنيا. (1)
_________
(1) [وحيث أن تخريج السيوطي موجود في الصل المطبوع فلعله ليس من السيوطي أو نسخة أخرى أو أضيف بناء على شرح المناوي. وهذا الكلام من المناوي غاية في الإنصاف ويبين تقييمه للإمام السيوطي بأنه من أجل الحفاظ ويوضح سبب تحامله في مواضع أخرى من الشرح على السيوطي ألا وهو منع الاستهانة بادعاء الاجتهاد كما ذكر بالتفصيل في التعليق على الحديث 3771. دار الحديث](4/534)
6180 - (القدرية) زاد الطبراني في روايته والمرجئة (مجوس هذه الأمة) لأن إضافة القدرية الخير إلى الله والشر لغيره يشبه إضافة المجوس الكوائن إلى إلهين أحدهما يزدان ومنه الخير والآخر هرمز ومنه الشر لكن يقولون ذلك في الأحداث والأعيان والقدرية يقولون في الأحداث دون الأعيان قال الطيبي: هذا تقرير قول الخطابي كجمع ومذهب المعتزلة خلافه قال الزمخشري في كتاب المنهاج: إن قلت إن الحسنة والسيئة من الله أم من العبد؟ قلت الحسنة التي هي الخصب والصحة من الله والطاعة من العبد لكن الله لطف به في أدائها وبعثه عليها والسيئة التي هي القحط والمرض من الله وهو صواب وحكمة وأما المعصية فمن العبد والله بريء منها قال القاضي والطيبي: وقوله مجوس هذه الأمة تركيبه من قبيل القلم أحد [ص:535] اللسانين ولفظة هذه إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا عن هذه الأمة المكرمة بهذه الهيئة الشنيعة حيث نزلوا من أوج المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة (إن مرضوا فلا تعودوهم) أي لا تزوروهم في مرضهم بل اهجروهم لينزجروا فيتوبوا (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضروا جنائزهم ولا تصلوا عليهم وخص النهي عن حقوق المسلمين على المسلمين بهاتين الخصلتين لأنهما ألزم وأولى إذ المرض والموت حالتان مفتقرتان إلى الدعاء له بالصحة والصلاة عليه بالمغفرة
(د ك) في الإيمان من حديث أبي حازم عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن المنذر: حديث منقطع وأشار إلى ذلك الحاكم حيث قال: على شرطهما إن صح لأبي حازم سماع من ابن عمر كذا في التلخيص وقال في المهذب: هو منقطع بين أبي حازم وابن عمر وقال في الكبائر: رواته ثقات لكنه منقطع اه ورده ابن الجوزي وقال: لا يصح(4/534)
6181 - (القراء عرفاء أهل الجنة) لأن في الجنة أمراء وعرفاء فالأمراء الأنبياء والعرفاء هم القراء والعريف من تحت يد الأمير له شعبة من السلطان فالعرافة ثم لأهل القرآن وأهله هم من عرف به هنا تلاوة له وعملا به
(ابن جميع) بضم الجيم (في معجمه) عن محمد بن منصور الواسطي أبي بكر عن أبي أمية محمد بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن أنس (والضياء) في المختارة (عن أنس) قال في الميزان: المتهم به محمد بن منصور الطروسي شيخ لابن جميع(4/535)
6182 - (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق) بالبناء للمجهول (من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار) لأن القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس فمن لم يجعله إمامه فقد بنى على غير أساس فانهار به في نار جهنم وقال الزمخشري: الماحل الساعي وهو من المحال وفيه مطاولة وإفراط من التماحل ومنه المحل وهو القحط المتطاول الشديد يعني من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة في العفو عن فرطاته ومن ترك العمل به ثم على إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه اه. وقال في الزاهر: معناه من شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع فهو في النار ويقال لا تجعل القرآن ماحلا أي شاهدا عليه
(حب هب عن جابر) بن عبد الله (طب هب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك(4/535)
6183 - (القرآن غنى لا فقر بعده) أي فيه غنى لقلب المؤمن إذا استغنى بمتابعته عن متابعة غيره فيستغني به عن البدع ويستضئ بنوره في ظلمات الفتن ويستشفى بشفائه من جميع الأدواء (ولا غنى دونه) لأن جميع الموجودات عاجزة فقيرة ذليلة فمن استغنى بفقير زاد فقره ومن تعزز بذليل زاد ذله ومن تعلق بغير الله انقطع حبله قال في المطامح: وغيرها يحتمل كونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ولا غنى فوق الغنى بالقرآن ويحتمل أن المراد نفي الفقر المحسوس وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرزق يلتمس بوجوه منها النكاح وقال الغزالي: لازم رجل باب عمر فقال: يا هذا هاجرت إلى عمر أو إلى الله تعلم القرآن فإنه يغنيك عن بابي فغاب حتى فقده عمر فوجده يتعبد فقال: ما شغلك عنا قال: قرأت القرآن فأغناني عن عمر فقال: وما وجدت فيه؟ قال: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} فبكى عمر رضي الله تعالى عنه
(ع) وكذا الطبراني (ومحمد بن نصر) كلهم (عن أنس) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال: فيه عبد أبي يعلى يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف(4/535)
[ص:536] 6184 - (القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف) يقرؤه من الثواب (زوجة) في الجنة (من الحور العين) قال في التحرير: فضل القرآن على سائر الكتب المنزلة ثلاثين خصلة لم تكن في غيره
(طس عن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال في الميزان: تفرد بخبر باطل وساق هذا الخبر قال الطبراني: ولا يروى إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات وقال في موضع آخر: رواه الطبراني عن شيخه محمد بن عبيد ذكره في الميزان بهذا الحديث ولم أجده لغيره فيه كلاما وبقية رجاله ثقات(4/536)
6185 - (القرآن يقرأ على سبعة أحرف ولا تماروا في القرآن فإن مراءا في القرآن كفر) قال ابن النقيب: من خصائص القرآن كونه يقرأ على سبعة أحرف وقال الحليمي في المنهاج: ومن عظم قدر القرآن أنه تعالى خصه بأنه دعوة وحجة ولم يكن مثل ذلك لنبي قط إنما كان لكل منهم دعوة ثم يكون له حجة وغيرها وقد جمعها الله لرسوله في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه وكفى الدعوة شرفا أن يكون حجتها معها وكفى الحجة شرفا أن لا تنفصل الدعوة عنها انتهى
(حم عن أبي جهيم) مصغرا بن الحارث بن الصمت بكسر المهملة وشد الميم ابن عمرو الأنصاري قيل اسمه عبد الله وقد ينسب لجده قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/536)
6186 - (القرآن هو النور المبين) أي الضياء الذي يستغنى به إلى سلوك الهدى (والذكر) أي المذكور أو ما يتذكر به أي يتعظ (الحكيم) أي المحكم آياته {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} أي المشتمل على الحقائق أو الحكيم بمعنى ذي الحكمة ذكره القاضي. قال الطيبي: والذكر إن فسر بالمذكور فالمناسب أن يؤول الحكيم بالمحكم أي هذا القرآن المذكور محكم آياته ورصين ألفاظه مصبوب في قالبي البلاغة والفصاحة أعجز الخلق عن الإتيان بمثله وإن فسر بالشرف والكرم فالموافق أن يؤول الحكيم بذي الحكمة لأن كون الكلام شريفا إنما يكون باعتبار ما يتضمنه من الحكمة والنكت والمعاني الدقيقة واللطائف الرشيقة (والصراط المستقيم) أي هو مثل الصراط المستقيم في كونه يوصل سالكه إلى المقصد الأسنى فهو تشبيه بحذف أداته وقيل جعله نفس الصراط المستقيم لظهور بياناته النافية لطرائق الدين
(هب عن رجل) من الصحابة(4/536)
6187 - (القرآن هو الدواء) أي من الأمراض الروحانية كالاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوة والمعاد وكالأخلاق المذمومة وفيه أوضح بيان لأنواعها وحث على اجتنابها ومن الأمراض الجسمانية بالتبرك بقراءته عليها لكن مع الإخلاص وفراغ القلب من الأغيار وإقباله على الله بكليته وعدم تناول الحرام وعدم الآثام واستيلاء الغفلة على القلب فقراءة من هذا حاله مبرئ للأمراض وإن أعيت الأطباء ولهذا قال بعض الأئمة: متى تخلف الشفاء فهو إما لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المحل المنفعل أو لمانع قوي يمنع تخلفه أن ينجع فيه الدواء كما تكون في الأدوية الحسية شفاء لما في الصدور {وننزل من القرآن ما هو شفاء} قال الأكثر: من جنسية لا تبعيضية فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون ولله حكمة بالغة في إخفاء سر التداوي [ص:537] به عن نفوس أكثر العالمين كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم <تنبيه> قال ابن عربي: إذا كان الإنسان مؤمنا بالقرآن أنه كلام الله وشفاء للأدواء فليأخذ عقيدته منه ويترك المبارزة في ديوان المجادلة فإنه قد تضمن جميع الأصول فنزه سبحانه نفسه أن يشبهه شيء من المخلوقات أو يشبه شيئا بقوله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} و {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} وأثبت رؤيته في دار الآخرة بظاهر قوله {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} و {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} ونفى الإحاطة بدركه بقوله {لا تدركه الأبصار} وأثبت كونه قادرا بقوله {وهو على كل شيء قدير} وأثبت كونه عالما بقوله {أحاط بكل شيء علما} وأثبت كونه مريدا بقوله {فعال لما يريد} وأثبت كونه سميعا بقوله {لقد سمع الله} وأثبت كونه بصيرا بقوله {ألم يعلم بأن الله يرى} وكونه متكلما بقوله {وكلم الله موسى تكليما} وكونه حيا بقوله {الحي القيوم} وإرسال الرسل {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله {محمد رسول الله} وأنه آخر الأنبياء بقوله {وخاتم النبيين} وأن كل ما سواه خلقه بقوله {الله خالق كل شيء} وخلق الجن بقوله {وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون} وحشر الأجساد بقوله {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم} إلى مثل هذا مما تحتاجه العقائد لمن حشر ونشر وقضاء وقدر وجنة ونار وقبر وميزان وحوض وصراط وحساب وصحف وكل ما لا بد منه للمعتقد أن يعتقده {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فاستبان أن في القرآن غنية لصاحب الداء العضال ومقنعا لمن عزم على طريق النجاة ورغبا في سمو الدرجات وترك العلوم التي تتوارد عليها الشكوك فيضيع الوقت ويخاف المقت
(السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين قال شارحه العامري: حسن صحيح اه وفيه الحسن بن رشيق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة تكلم فيه عبد الغني وسعاد أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو حاتم شيعي وليس بالقوي(4/536)
6188 - (القصاص ثلاثة أمير أو مأمور أو محتال) وهو من لم يأذن له الإمام أو نائبه لأن دخوله في عهدة ما لم يخاطب به دل على احتياله وفيه إشعار بأن قص الإمام أو مأذونه محبوب مطلوب قال تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وما ورد من النهي عن القص فموضعه في قاص يروي أخبارا موضوعة ويحكي أقوالا تومئ إلى هفوات وتساهلات يقصر فهم العامة عن درك معانيها أو عن كونها هفوة نادرة مردفة بتكفيرات ومتدارك بحسنات فإن العامي يعتصم بذلك في مساهلاته ويمهد لنفسه عذرا ويحتج بأنه حكى ذلك عن بعض المشايخ وكلنا بصدد المعاصي وقد عصى من هو أكبر مني ونحو ذلك مما يفيده جرأة على الله من حيث لا يشعر وإثم ذلك عليه وعلى العاصي الذي أرداه حتى وقع في مهواة وأكثر ما اعتاد القصاص والوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق والمجلس مشحون بأخلاط العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات للصور الجميلة فتحرك الأشعار من قلوبهم ما هو مستكن فيها فتشتغل نيران الشهوات فيزعقون ويتواجدون وكل ذلك يرجع إلى فساد ذكره حجة الإسلام
(طب عن عوف بن مالك وعن كعب بن عياض) الأشعري صحابي نزل الشام رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الله بن يحيى الإسكندراني ولم أجد من ترجمه ورواه عنه أيضا أحمد والديلمي(4/537)
6189 - (القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل [ص:538] فهو في النار ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار) قال في المطامح: هذا التقسيم بحسب الوجود لا بحسب الحكم ومعروف أن مرتبة القضاء شريفة ومنزلته رفيعة لمن اتبع الحق وحكم على علم بغير هوى {وقليل ما هم} روي أن عمر جاءه خصمان فأقامهما فعادا فأقامهما فعادا ففصل بينهما فقيل له فيه فقال وجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فعالجت نفسي حتى ذهب ذلك قال القاضي: الإنسان خلق في بدر فطرته بحيث يقوى على الخير والشر والعدل والجور ثم تعرض له دواعي داخلة وأسباب خارجة تتعارض وتتصارع فتجذبه هؤلاء مرة وهؤلاء أخرى حتى يفضي التطارد بينهما إلى أن يغلب أحد الحزبين ويقهر الآخر فتنقاد له بالكلية ويستقر على ما يدعوه إليه فالحاكم إن وفق حتى غلب له أسباب العدل وتمكن فيه دواعيه صار بشراشره مائلا إلى العدل مشغوفا به متحاشيا عما ينافيه ونال به الجنة وإن خذل بأن كان على خلاف ذلك جار بين الناس ونال بشؤمه النار وقيل معناه من كان الغالب على أقضيته العدل والتسوية بين الخصمين فله الجنة ومن غلب على أحكامه الجور والميل إلى أحدهما فله النار
(ع 4 ك عن بريدة) وسكت عليه أبو داود وصححه الحاكم. قال الذهبي في الكبائر: صححه الحاكم والعهدة عليه(4/537)
6190 - (القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة: قاض قضى بالهوى فهو في النار وقاض قضى بغير علم فهو في النار وقاض قضى بالحق فهو في الجنة) فيه إنذار عظيم للقضاة التاركين للعدل والأعمال والمقصرين في تحصيل رتب الكمال قالوا: والمفتي أقرب إلى السلامة من القاضي لأنه لا يلزم بفتواه والقاضي يلزم بقوله فخطره أشد فيتعين على كل من ابتلي بالقضاء أن يتمسك من أسباب التقوى بما يكون له جنة ويحرص على أن يكون الرجل الذي عرف الحق فقضى به وكان المخصوص من القضاة الثلاثة بالجنة ويجعل داء الهوى عنه محسوما ولحظه ولفظه بين الخصوم مقسوما ولا يأل فيما يجب من الاجتهاد إذا اشتبه عليه الأمران ويعلم أنه إن اجتهد وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران وصوب الصواب واضح لمن استشف بنور الله برهانه ويتوكل على الله في قصده ويتقي فإن الله يهدي قلبه ويثيب لسانه
(طب) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب صححه بعضهم وأفرد ابن حجر فيه جزءا وقال الهيثمي: رجاله ثقات(4/538)
6191 - (القلب ملك وله جنود) جمع جند وهم أتباع يكونون نجدة للمتتبع ذكره الحرالي وصلاح القلب وحياته مادة كل خير وفساده مادة كل شر فبصلاحه وحياته يكون قوته وسمعه وبصره وعفته وشجاعته وصبره وسائر أخلاقه الفاضلة ومحبته للحسن وبغضه للقبيح بخلاف الفاسد فإنه لا فرق بين الحسن والقبيح وجنوده تابعون له (فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده) يعني هو أصل الكل إن أفسدته فسد الكل وإن أصلحته صلح الكل إذ هو الشجرة وسائر الأعضاء أغصان ومن الشجرة تشرب الأغصان وتصلح وتفسد وأن الملك وسائر الأعضاء تبع وأركان وإذا صلح الملك صلحت الرعية وإذا فسد فسدت فصلاح العين واللسان والبطن وغيره دليل على صلاح القلب وعمرانه وإذا رأيت فيها خللا فاعلم أنه منه ذكره الغزالي وقال ابن عربي: سبب ارتباط صلاح الرعية وفسادها بصلاحه وفساده أنه تعالى إذا ولي خليفة على قوم يعطيه أسرارهم وعقولهم فيكون مجموع رعيته فمتى خانهم في أسرارهم ظهر فيهم وإن اتقى الله ظهر فيهم. قال بعض العارفين: قد بنى الله الإنسان على صورة مدينة [ص:539] وجعل فيه بيتا له وهو القلب وأسكن فيه ملكا وهو الإيمان قال الغزالي: النفس عسكر القلب وللقلب عساكر مختلفة {وما يعلم جنود ربك إلا هو} فالقلب هو الملك إذ هو محل السلطنة في الجسد فإذا ألبسه الله خلعة الولاء وهو الإيمان حجبه عن أعدائه وجعل له وزيرا وهو العقل وسورا وهو اليقين ومعراجا وهو النجاة وجيشا وهو المعرفة وبابا وهو الإخلاص كل ذلك بقدرته وإرادته {لا يسأل عما يفعل} (والأذنان قمع والعينان مسلحة) أي يتقي بهما (واللسان ترجمان) عما في الضمير (واليدان جناحان والرجلان بريد والكبد رحمة والطحال ضحك والكليتان مكر والرئة نفس) أخرج الطبراني عن كعب قال: أتيت عائشة فقلت هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإنسان فانظري هل يوافق نعتي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: انعت فقال: عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريدان وكبده رحمة ورئته وطحاله ضحك وكليته مكر والقلب ملك فإذا طاب طاب جنوده وإذا فسد فسدت نفس جنوده فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإنسان هكذا وأخرج البيهقي عن علي كرم الله وجهه: إن العقل في القلب وإن الرحم في الكبد وإن الرأفة في الطحال وإن النفس في الرئة قد مر في آخر حرف العين أن هذا مثل ضربه الشارع بين به كيف كان القلب ملكا والجوارح جنوده تقريبا للأفهام فإن التصريح بعجائب القلب وأسراره الداخلية في جملة عالم الملكوت مما يكل عن دركه أكثر الأوهام قال الغزالي: والقلب له جندان جند يرى بالأبصار وجند لا يرى إلا بالبصائر وهو في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان وهذا معنى الجند أما جنده المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة لأنها كلها خادمة مسخرة له وهو المتصرف فيها خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت والرجل بالتحرك تحركت واللسان بالتكلم تكلم وكذا سائر الأعضاء
(هب عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: قال الإمام أحمد هكذا جاء موقوفا ومعناه جاء في حديث النعمان بن بشير مرفوعا اه وعده في الميزان من المناكير(4/538)
6192 - (القلس حدث) قال في الفردوس: القلس هو ما يخرج من الحلق شبه القيء يقال قلس إذا قاء فهو قالس وقال الخليل: القلس ما خرج ملء الفم أو دون ذلك فإذا غلب فهو قيء اه وأخذ بذلك الحنفية والحنابلة فقالوا: خروج القيء وغيره من النجاسات من غير السبيلين ينقض الوضوء وأجيب بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاء وغسل فمه فقيل له أما تتوضأ فقال حدث القيء غسله أو بأن الحديث منسوخ أو محمول على غسل الفم
(قط) من حديث سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن أبيه (عن) جده (الحسن بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني الدارقطني: لم يروه عن زيد غير سوار وسوار متروك اه(4/539)
6193 - (القناعة مال لا ينفذ) لأن القناعة تنشأ من غنى القلب بقوة الإيمان ومزيد الإيقان ومن قنع أمد بالبركة ظاهرا وباطنا لأن الإنفاق منها لا ينقطع إذ صاحبها كلما تعذر عليه شيء قنع بما دونه ورضي فلا يزال غنيا عن الناس ولهذا كان ما يقنع به خير الرزق كما في الخبر السابق ومن قنع بما قسم له كانت ثقته بالله التي شأنها أن لا تنقطع لتأكد الوثاقة كنز له لا ينفذ إمداده ولهذا قال لقمان لابنه: يا بني الدنيا بحر عميق غرق فيه ناس كثير فاجعل سفينتك فيها القناعة
<تنبيه> سئل بعض الصوفية عن مقام القناعة هل يطلب من ربه القناعة بما أعطاه الحق له من معرفته كما يقنع [ص:540] بنظيره من القوت؟ فأجاب بأن القناعة المطلوبة خاصة بأمور الدنيا لئلا يشتغل بكثرتها عن آخرته لكونه مجبولا على الشح وأما القناعة من المعرفة بالقليل فمذمومة بنص آية {وقل رب زدني علما} أي بك وبأسرار أحكامك لا زيادة من التكاليف فإنه كان يكره السؤال في الأحكام وأنشد يقول:
إن القناعة باب أنت داخله. . . إن كنت ذاك الذي يرجى لخدمته
فاقنع بما أعطت الأيام من نعم. . . من الطبيعة لا تقنع بنعمته
لو كان عندك مال الخلق كلهم. . . لم يأكل الشخص منه غير لقمته
وأنشد يقول:
لا تقنعن بشيء دونه أبدا. . . وأشره فإنك مجبول على الشره
واحرص على طلب العلياء تحظ بها. . . فليس نائم ليل مثل منتبه
وقال أبو العتاهية:
تسربلت أخلاقي قنوعا وعفة. . . فعندي بأخلاقي كنوز من الذهب
فلم أر حظا كالقنوع لأهله. . . وأن يحمل الإنسان ما عاش في الطلب
وقال ابن دريد:
ذاق روح الغنى من لا قنوع له. . . ولم تر قانعا ما عاش مفتقرا
العرف من يأته تحمد معيشته. . . ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا
(القضاعي) وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه خلاد بن عيسى الصفار ورواه الطبراني في الأوسط عن جابر باللفظ المذكور رزاد وكنز لا يفنى قال الذهبي: وإسناده واه(4/539)
6194 - (القنطار ألفا أوقية) بألف التثنية. قال في الكشاف: القنطار المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته ومنه القنطرة لأنه مشيد. قال بعضهم يصف ناقة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها. . . لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
قال النووي: وأجمع أهل الفقه والحديث واللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهما
(ك) في النكاح (عن أنس) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {والقناطير المقنطرة} فذكره. قال الحاكم: على شرطهما ورده الذهبي بأنه خبر منكر(4/540)
6195 - (القنطار اثنتا عشرة ألف أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء وربما جاء وقية وليست بعالية وهمزتها زائدة كذا في النهاية (كل أوقية خير مما بين السماء والأرض) قاله في تفسير القناطير المقنطرة. قال أبو عبيد: لا تجد العرب تعرف وزن القنطار. وفي رواية للديلمي القنطار مئة رطل والرطل اثني عشرة أوقية والأوقية سبعة دنانير والدينار أربعة وعشرون قيراطا اه. وقال ابن الأثير: الأوقية في غير هذا الحديث نصف سدس الرطل وهو جزء من اثني عشر جزءا ويختلف باختلاف اصطلاح البلاد اه. وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند قال المؤلف في حاشية القاضي صحيح عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قول الله {والقناطير المقنطرة} قال: القنطار ألف دينار
(هـ حب عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/540)
6196 - (القهقهة) أي الضحك بصوت يقال قه قها ضحك وقال في ضحكه قه بالسكون فإذا كرر قيل قهقه قهقهة كدحرج [ص:541] دحرجة (من الشيطان) أي هو يحبها ويحمل عليها (والتبسم) أي الضحك قليلا من غير صوت (من الله) فتبطل القهقهة الصلاة دون التبسم عند الحنفية وكذا عند الشافعية إن ظهر منها حرفان أو حرف مفهم
(طس عن أبي هريرة) رضي الله عنه(4/540)
حرف الكاف(4/541)
6197 - (كاتم العلم) أي عن أهله (يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء) لما سبق أن العلم يتعدى نفعه إليهما فإنه آمر بالإحسان إليهما حتى بإحسان القتلة فكتمه يضر بهما وبغيرهما من الحيوانات وقد تظافرت النصوص القرآنية على ذم كاتم العلم {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} {وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلا به وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا وتارة خوفا أن يحتج عليهم بما أظهروه منه وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين للعلم فإنه تارة يكتمونه بخلا به وتارة كراهة أن ينال غيرهم من الفضل والتقدم والوجاهة ما نالوه وتارة اعتياضا برئاسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رتبته وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل وذلك كله مذموم وفاعله مطرود من منازل الأبرار ومقامات الأخيار مستوجب للعنة في هذه الدار ودار القرار
(ابن الجوزي في) كتاب (العلل) المتناهية في الأخبار الواهية (عن أبي سعيد) الخدري وقضية صنيع المصنف أن ابن الجوزي سكت عليه والأمر بخلافه فإن تعقبه بقوله: حديث لا يصح فيه يحيى بن العلاء قال أحمد: كذاب يضع(4/541)
6198 - (كاد الحليم أن يكون نبيا) أي قرب من درجة النبوة وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكن لم يكن لفقد شرط أو عروض مانع. قال العسكري: كذا يرويه المحدثون ولا تكاد العرب تجمع بين كاد وأن وبهذا نزل القرآن. (لطيفة) قد ألغز أبو العلاء المصري في لفظة كاد فقال:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة. . . جرت في لساني جرهم وثمود
إذ ما نفت والله أعلم أثبتت. . . وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقال الشهاب الحجازي: فلم أجد أحدا أجاب فقلت
لقد كاد هذا اللغز يصدئ فكرتي. . . وما كدت أشفى غلتي بورود
وهذا جواب يرتضيه ذوو النهى. . . وممتنع عن فهم كل بليد
وهذا الجواب لغز أيضا فأوضحه بعضهم بقوله:
أشار الحجازي الإمام الذي حوى. . . علو ما زكت من طارف وتليد
إلى كاد إفصاحا لذي الفضل والنهى. . . وأبهم إبعادا لكل بليد
(خط) في ترجمة محمد البزدوي (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي متروك والربيع بن صبح ضعفه ابن معين وغيره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/541)
[ص:542] 6199 - (كاد الفقر) أي الفقر مع الاضطرار إلى ما لا بد منه كما ذكره الغزالي (أن يكون كفرا) أي قارب أن يوقع في الكفر لأنه يحمل على حسد الأغنياء والحسد يأكل الحسنات وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه ويلثم به دينه وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه ولذلك استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفقر وقال سفيان الثوري: لأن أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذلي في سؤال الناس قال: ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض فلعلي أكفر ولا أشعر فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا لأنه يحمل المرء على ركوب كل صعب وذلول وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه كما فعل ابن الراوندي في قوله:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه. . . وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة. . . وصير العالم التحرير زنديقا
والفقر نعمة من نعم الله إلى الإنابة والالتجاء إليه والطلب منه وهو حلية الأنبياء ورتبة الأولياء وزي الصلحاء ومن ثم ورد خبر: إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين فهو نعمة جليلة بيد أنه مؤلم شديد التحمل <تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث ثناء على المال ولا تقف على وجه الجمع بين المدح والذم إلا بأن تعرف حكمة المال ومقصوده وإفادته وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه شر من وجوه وليس بخير محض ولا بشر محض بل هو سبب للأمرين معا يمدح مرة ويذم مرة والبصير المميز يدرك أن المحمود منه غير المذموم (وكاد الحسد أن يكون سابق القدر) أي كاد الحسد في قلب الحاسد أن يغلب على العلم بالقدر فلا يرى أن النعمة التي حسد عليها أنها صارت إليه بقدر الله وقضائه كما أنها لا تزول إلا بقضائه وقدره وغرض الحاسد زوال نعمة المحسود ولو تحقق القدر لم يحسده واستسلم وعلم أن الكل بقدر <تنبيه> قال ابن الأنباري في الانتصاف: لا يستعمل أن مع كاد في اختيار ولذلك لم يأت في القرآن ولا في كلام فصيح فأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا فإن صح فزيادة أن من كلام الراوي لا من كلام الرسول لأنه أفصح من نطق بالضاد وقال النووي: إثبات أن مع كاد جائز لكنه قليل وقال ابن مالك: وقوع خبر كاد مقرونا بأن قد خفي على أكثر النحاة وقوعه والصحيح جوازه لكنه قليل ولذلك لم يقع في القرآن لكن عدم وقوعه فيه لا يمنع من استعماله قياسا
(حل) من حديث المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن حجاج بن قرافصة عن يزيد الرقاشي (عن أنس) ويزيد الرقاشي قال في الميزان: تالف وحجاج قال أبو زرعة: ليس بقوي ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه يزيد المذكور ورواه الطبراني من وجه آخر بلفظ كاد الحسد أن يسبق القدر وكادت الحاجة أن تكون كفرا قال الحافظ العراقي: وفيه ضعف وقال السخاوي: طرقه كلها ضعيفة قال الزركشي: لكن يشهد له ما خرجه النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر فقال رجل ويعتدلان قال نعم(4/542)
6200 - (كادت النميمة) أي قارب نقل الحديث من قوم لقوم على وجه الإفساد (أن تكون سحرا) أي خداعا ومكرا أو صرفا للشيء عن وجهه وإخراجا للباطل في صورة الحق فلما كادت النميمة أن تجذب السامع إلى بغض المنقول عنه ويوقع بينه وبين الشرور شبهت بالسحر الحقيقي
(ابن لال) في المكارم (عن أنس) وفيه الكديمي وقد مر غير مرة ضعفه والمعلى بن الفضل قال الذهبي في الضعفاء: له مناكير ويزيد الرقاشي قد تكرر أنه متروك(4/542)
6201 - (كافل اليتيم) أي المربي له أو القائم بأمره من نحو نفقة وكسوة وتأديب وغير ذلك (له) كقريبه (أو لغيره) [ص:543] كالأجنبي (أنا وهو كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى (في الجنة) مصاحبا له فيها وقد تطابقت الشرائع والأديان على الحث على الإحسان إلى اليتيم وحق على من سمع هذا الحديث العمل به ليكون رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة أفضل من ذلك وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى من كلام داود عليه السلام كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع تحصد رواه الطبراني وكذا البخاري في الأدب المفرد
(عن أبي هريرة) ورواه البخاري بدون قوله ولغيره اه والتقديم والتأخير مع اتحاد المعنى لا أثر له ورواه الطبراني بزيادة قيل حسن لا بد منه. ولفظه كافل اليتيم أو لغيره إذا اتقى معي في الجنة كهاتين قال الهيثمي: رجاله ثقات والمراد اتقى في التصرف لليتيم(4/542)
6202 - (كان أول من أضاف الضيف) أي أول الناس تضيفا (إبراهيم) الخليل قال في النهر: وهو الأب الحادي والثلاثون لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو أول من اختتن قال ابن المسيب: وأول من قص شاربه وأول من رأى الشيب والضيف مجازا باعتبار ما يؤول إليه وفي رواية كان يسمى أبا الضيفان كان يمشي الميل والميلين في طلب من يتغذى معه قيل دعا من يأكل معه فحضر فقال له قل بسم الله قال لا أدري ما الله فهبط جبريل فقال يا خليل الله إن الله يطعمه منذ خلقه وهو كافر فبخلت أنت عليه بلقمة وفي الكشاف كان لا يتغذى إلا مع ضيف فلم يجده يوما فإذا هو بفوج من الملائكة بصورة البشر فدعاهم فخيلوا له أن بهم جذاما فقال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أن عافاني
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (قرى الضيف عن أبي هريرة)(4/543)
6203 - (كان على موسى) بن عمران (يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف) بضم الكاف وتشديد الميم أو بكسر الكاف قلنسوة صغيرة أو مدورة (وسراويل صوف) قال ابن العربي: إنما جعل ثيابه كلها صوفا لأنه كان بمحل لم يتيسر له فيه سواه فأخذ باليسر وترك التكليف والعسر وكان من الاتفاق الحسن أن آتاه الله تلك الفضيلة وهو على تلك اللبسة التي لم يتكلفها وقال الزين العراقي: يحتمل كونه مقصودا للتواضع وترك التنعم أو لعدم وجود ما هو أرفع ويحتمل أنه اتفاقي لا عن قصد بل كان يلبس كل ما يجد كما كان نبينا يفعل (وكانت نعلاه من جلد حمار ميت) يحتمل أنها كانت مدبوغة فذكر في الحديث أصلها وترك ذكر الدباغ للعلم به وجرى العادة بدباغها قبل لبسها ويحتمل أن شرعه استعمالها بدون دباغ ولكونها من جلد ميت في الجملة قيل له {اخلع نعليك إنك بالواد المقدس} أي طأ الأرض بقدميك لتصيب قدميك بركة هذا الوادي الذي من الله به عليك فأخذ اليهود منه لزوم خلع النعلين في الصلاة وليس الأخذ صحيحا كما سبق قال ابن عربي: قد أمر بخلع نعليه التي جمعت ثلاثة أشياء الجلد وهو ظاهر الأمر أي لا تقف مع الظاهر في كل الأحوال الثاني البلادة فإنها منسوبة إلى الحمار الثالث كونه ميتا غير ذكي والموت الجهل وإذا كنت لا تعقل ما تقول ولا ما يقال لك كنت ميت والمناجي لا بد أن يكون بصفة من يعقل ما يقول وما يقال له فيكون حي القلب فطنا بمواقع الكلام غواصا على المعاني التي يقصدها من يناجيه واعلم أن هذا الحديث قد وقع فيه في بعض الروايات زيادة منكرة بشعة قال الحافظ ابن حجر: وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه أخرج ابن الجوزي في الموضوعات الحديث عن ابن مسعود باللفظ المذكور زاد في آخره فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة قال: أنا الله قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوق والمتهم به حميد الأعرج قال ابن حجر: كلا والله إن حميدا بريء من هذه الزيادة المنكرة وما أدرى ما أقول في ابن بطة بعد هذا
(ت) من حديث حميد بن علي الأعرج عن عبد الله بن الحارث (عن [ص:544] ابن مسعود) ثم قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال حميد هذا منكر الحديث اه. وذكر مثله في المستدرك ثم قال: هذا أصل كبير في التصوف وعده في الميزان من مناكير الأعرج لكن شاهده خبر أبي أمامة عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم قال الذهبي: ساقه من طريق ضعيف وسقط نصف السند من النسخة اه وبه عرف أنه لا اتجاه لجعل ابن الجوزي له في الموضوعات لكن قال الزين العراقي: هو حديث غير صحيح وقال المنذري: صححه الحاكم ظانا أن حميدا الأعرج هو ابن قيس المكي وإنما هو ابن علي وقيل ابن عمار أحد المتروكين(4/543)
6204 - (كان داود) نبي الله (أعبد) وفي رواية من أعبد (البشر) أي أكثرهم عبادة في زمانه أو مطلقا والمراد أشكرهم قال تعالى {اعملوا آل داود شكرا} أي بالغ في شكري وابذل وسعك فيه قيل جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فما من ساعة إلا وإنسان منهم قائم يصلي
(ت ك) في التفسير من حديث فضيل عن محمد بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة اه وأفاد الهيثمي أن البزار رواه بإسناد حسن وبه يعرف أن المصنف لم يصب حيث آثر الرواية التي فيها الكذب على الرواية الحسنة بل قال في جواهر العقدين: إن الحديث في صحيح مسلم(4/544)
6205 - (كان أيوب) النبي عليه السلام (أحلم الناس) أي أكثرهم حلما والحلم سعة الأخلاق (وأصبر الناس) أي أكثرهم صبرا على السقم وصفة الحليم تحمل أثقال الأمر والنهي بالرضى وسعة الصدر (وأكظمهم للغيظ) لأن الله شرح صدره فاتسع لتحمل مساوئ الخلق ومن ثم لما سئل حكيم عن الحلم قال: هو تطييب الأمور في الصدور وسئل علي: ما العلم؟ قال: خشية الرب واعتزال الخلق قيل: فما الحلم قال: كظم الغيظ وملاك النفس
(الحكيم) الترمذي (عن ابن أبزى) الذي وقفت عليه في كتب الحكيم ابن أبزى بفتح الهمزة وسكون الموحدة ثم زاي مقصور الخزاعي صحابي صغير(4/544)
6206 - (كان الناس يعودون داود) أي يزورونه (يظنون أن به مرضا وما به شيء إلا شدة الخوف) وفي رواية للحكيم بدله الفرق (من الله تعالى) زاد أبو نعيم في رواية والحياء هذا لفظه وذلك لما غلب على قلبه من الهيبة الجلالية عاين القلب سلطانا عظيما فلم يتمالك لأنه لزمه الوجل حتى كاد يغلق كبده فظهرت العبرة على جوارحه الظاهرة قال يزيد الرقاشي: خرج داود في أربعين ألفا يعظهم ويخوفهم فمات منهم ثلاثون ألفا ورجع في عشرة آلاف وكان له جاريتان اتخذهما حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب قعدتا على رجليه وصدره مخافة أن تتفرق مفاصله فيموت
(ابن عساكر) في ترجمة داود وكذا أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور ولعل المؤلف لم يستحضر كلا منهما عن (ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن عبد الرحمن بن غزوان قال الذهبي: قال ابن حبان يضع وقال ابن عدي متهم بالوضع ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير سديدة لإيهامه(4/544)
6207 - (كان زكريا) بالمد والقصر والشد والتخفيف اسم أعجمي (نجارا) فيه إشارة إلى أن كل أحد لا ينبغي له أن يتكبر [ص:545] عن كسب يده لأن نبي الله مع علو درجته اختار هذه الحرفة وفيه أن التجارة لا تسقط المروءة وأنها فاضلة لا دناءة فيها فالاحتراف بها لا ينقص من مناصب أهل الفضائل
(حم م) في المناقب (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن ماجه ولم يخرجه البخاري قال القرطبي: بل الحرف والصنائع غير الدينية زيادة في فضل أهل الفضل لحصول مزيد التواضع والاستغناء عن الغير وكسب الحلال الخالي عن المنة قال: وقد كان كثير من الأنبياء يزاولون الأعمال فآدم الزراعة ونوح التجارة وداود الحدادة وموسى الكتابة كان يكتب التوراة بيده وكل منهم قد رعى الغنم(4/544)
6208 - (كان نبي من الأنبياء) إدريس أو دانيال أو خالد بن سنان (يخط) كانت العرب تأخذ خشبة وتخط خطوطا كثيرة على عجل كي لا يلحقها العدد وتمحو خطين خطين وإن بقي زوج فهو علامة النجاح أو فرد فعلامة الخيبة والعرب تسميه الأشحم ذكره الزمخشري. وقال القاضي: قوله يخط أي يضرب خطوطا كخطوط الرمل فيعرف الأحوال بالفراسة بتوسط تلك الخطوط (فمن وافق خطه) أي من وافق خطه خطه في الصورة والحالة وهي قوة الخاطر في الفراسة وكماله في العلم والورع الموجبين لها (فذاك) الذي تجدون إصابته أو فذاك الذي يصيب ذكره القاضي قال: والمشهور خطه بالنصب فيكون الفاعل مضمرا وروي بالرفع فيكون المفعول به محذوفا قال الحكيم: والخط علم عظيم خص به أهله وقيل المراد به الزجر عنه والنهي عن تعاطيه لأن خط ذلك النبي عليه السلام كان معجزة وعلما لنبوته وقد انقطعت نبوته ولم يقل فذلك الخط حرام دفعا لتوهم أن خط ذلك النبي عليه السلام حرام وقال النووي: الصحيح أن معناه أن من وافق خطه فهو مباح له لكن لا طريق لنا إلى العلم باليقين بالموافقة فلا يباح والقصد أنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا بها يقين اه فقال ابن الأثير: قال ابن عباس الحزر ما يخطه الحازر وهي بمهملة وزاي معجمة أي يحرز الأشياء ويقدرها بظنه وهو علم قد تركه الناس يأتي صاحب الحاجة إليه فيعطيه حلوانا فيقول اقعد حتى أخط وبين يديه غلام بيده منديل فيأتي أيضا رخوة فيخط فيها خطوطا بالعلة ليلا يلحقها العدد ثم يمحوها على مهل خطين خطين وغلامه يقول العيان بن عيان أسرع البيان فإن بقي خطان فعلامة النجح وإلا فالخيبة وهو علم معروف فيه تصانيف
(حم م) في الصلاة (د ن عن معاوية بن الحكم) بفتح الحاء والكاف السلمي قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام إلى أن قال ومنا رجال يخطون فذكره ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن معاوية(4/545)
6209 - (كان رجل يداين الناس) أي يجعلهم مديونين له وفي رواية رجل لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس (فكان يقول لفتاه) أي غلامه كما صرح به في رواية أخرى (إذا أتيت معسرا) وهو من لم يجد وفاء (فتجاوز عنه) بنحو إنظار وحسن تقاض والتجاوز التسامح في التقاضي وقبول ما فيه نقص يسير (لعل الله) أي عسى الله (أن يتجاوز عنا) قال الطيبي: أراد القائل نفسه لكن جمع الضمير إرادة أن يتجاوز عمن فعل هذا الفعل ليدخل فيه دخولا أوليا ولهذا ندب للداعي أن يعم في الدعاء (فلقي الله) أي رحمته في القبر أو القيامة (فتجاوز عنه) أي غفر له ذنوبه ولم يؤاخذه بها لحسن ظنه ورجائه أنه يعفو عنه مع إفلاسه من الطاعات وأفاد بفضل إنظار المعسر والوضع عنه ولو لما قل وأنه مكفر وفضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار فعل الخير وإن قل فلعلها تكون سببا للرحمة والمغفرة
(حم ق ن) في البيع (عن أبي هريرة)(4/545)
[ص:546] 6210 - (كان هذا الأمر) أي الخلافة (في حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح المثناة تحت قبيلة بواد من اليمن (فنزعه الله منهم) ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم (وجعله في قريش وسيعود إليهم) في آخر الزمان بعد نزعه من قريش
(حم طب عن ذي مخبر) بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الميم ويقال ذو مخبر بموحدة بدل الميمين أخي النجاشي صحابي خدم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال الهيثمي: رجالهما ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر وإسماعيل بن عياش أحد رجاله ضعفوه وبقية مدلس يروي عن الضعفاء(4/546)
6211 - (كان الحجر الأسود أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم) وليس من لازم تسويدها له أن تبيضه طاعات مؤمنيهم كما زعمه بعض الضالين ونسب للجاحظ فقد تكون من فوائد بقائه مسودا أن يأتي سواده شهيدا على الكفار يوم القيامة <فائدة> في أمالي ابن دريد عن الحبر أن آدم أهبط ومعه الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج فوضعه على أبي قبيس فكان يضيء بالليل كأنه القمر فحيث بلغ ضوءه كان من الحرم اه
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه(4/546)
6212 - (كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة) بسبب إماطتها
(هـ عن أبي هريرة) ورواه أحمد وأبو يعلى عن أنس ورمز المصنف لحسنه(4/546)
6213 - (كبر كبر) أي ليلي الكلام أو يبدأ بالكلام الأكبر وسببه أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا إلى خيبر وهي يومئذ صلح فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم وهو أحدث القوم فقال فذكره
(حم ق د عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة ومثلثة ساكنة (حم عن رافع بن خديج) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن ماجه في الديات والنسائي في القضاء فما أوهمه المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا أولئك غير صواب(4/546)
6214 - (كبرت الملائكة على آدم) أربعا في الصلاة عليه زاد الحاكم في روايته وكبر أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وكبر عمر على أبي بكر وكبر صهيب على عمر أربعا وكبر الحسن على علي أربعا وكبر الحسين على الحسن أربعا اه. وهذا كما ترى صريح في رد قول الفاكهي أن الصلاة على الجنائز من خصائص هذه الأمة
(ك) عن مبارك بن فضالة عن الحسن (عن أنس) بن مالك (حل عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن مبارك ليس بحجة(4/546)
6215 - (كبرت خيانة) أنثه باعتبار التمييز وهو فاعل معنى (أن تحدث أخاك حديثا) في الدين وإن لم يكن أخاك من النسب (هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) لأنه ائتمنك فيما تحدثه به فإن كذبته فقد خنت أمانته وخنت أمانة [ص:547] الإيمان فيما أوجب من نصيحة الإخوان {والله لا يحب الخائنين} قال الطيبي: أخاك فاعل كبرت وأنث الفعل له باعتبار المعنى لأنه نفس الخيانة وفيه معنى التعجب كما في {كبر مقتا عند الله} والمراد خيانة عظيمة منك إذا حدثت أخاك المسلم بحديث وهو يعتمد عليك اعتمادا على أنك مسلم لا تكذب فيصدقك والحال أنك كاذب قال النووي: والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا به فلا بأس وإلا كره فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق حرم عليه وعليه ينزل هذا الخبر ونحوه
(خد د) في الأدب (عن سفيان بن أسيد) بفتح الهمزة وإسناده كما قال النووي في الأذكار: فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود فاقتضى كونه حسنا عنده قال البغوي: ولا أعلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المنذري: رواه أبو داود من رواية بقية بن الوليد (حم طب) وكذا ابن عدي (عن النواس) بن سمعان قال المنذري: رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون وفيه خلف وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي: فيه شيخ الإمام أحمد عمر بن هارون ضعيف وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي: في حديث سفيان ضعفه ابن عدي وحديث النواس سنده جيد(4/546)
6216 - (كبر) أي شق وعظم (مقتا عند الله الأكل من غير جوع) فإنه مذموم شرعا وطبا مورث لأمراض كثيرة وكثيرا ما يفضي إلى الموت فهو كفر لنعمة الحياة (والنوم من غير سهر والضحك من غير عجب) لأنه يقسي القلب وينسي ذكر الرب (وصوت الرنة) أي الصياح (عند المصيبة) أي عند حدوثها (والمزمار عند النعمة)
(فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عبد الله بن أبان قال الذهبي: قال ابن عدي مجهول منكر الحديث وعمرو بن بكر السكسكي قال ابن عدي: منكر الحديث(4/547)
6217 - (كبروا على موتاكم بالليل والنهار أربع تكبيرات) أي كبروا في الصلاة على الجنازة أربع تكبيرات سواء صليتم على موتاكم ليلا أو نهارا
(حم عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه(4/547)
6218 - (كبري الله) يا أم هانئ التي قالت يا رسول الله دلني على عمل فإني ضعفت وكبرت وبدنت (مئة مرة) أي قولي (الله أكبر مئة مرة واحمدي الله مئة مرة) أي قولي الحمد لله مئة مرة (وسبحي الله مئة مرة) أي قولي (سبحان الله مئة مرة فإن ذلك خير من مئة فرس ملجم مسرج في سبيل الله) أي فإن ثواب هذه الكلمات أعظم من ثواب إعداد تلك الخيول للجهاد (وخير من مئة بدنة) أي وثوابها أعظم من ثواب مئة بدنة تنحر ويفرق لحمها على المساكين (وخير من مئة رقبة) أي وثوابها أعظم من ثواب عتق مئة رقبة لله تعالى وزاد الحاكم في رواية متقبلة وقول لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يشبهها عمل اه
(هـ عن أم هانئ) قالت: يا رسول الله دلني على عمل فإني قد ضعفت وكبرت وبدنت فذكره رمز المصنف لحسنه ورواه الحاكم عن زكريا بن منظور عن محمد بن عقبة عن أم هانئ وصححه وتعقبه الذهبي بأن زكريا ضعفوه وسقط من بين محمد وأم هانئ اه وسند ابن ماجه محرر(4/547)
6219 - (كتاب الله القصاص) برفعهما على الابتداء والخبر وحذف مضاف أي حكمة القصاص والإشارة إلى نحو قوله [ص:548] {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} الآية وقوله {وإن عاقيتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية وقوله {والجروح قصاص} وكذا قوله {وكتبنا عليهم فيها} إلى قوله {السن بالسن} إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا إن لم يرد ناسخ ويجوز بنصب الأول على الإغراء أي عليكم كتاب الله والزموا كتاب الله ورفع الثاني على حذف الخبر أي القصاص أوجب أو مستحق والقصاص قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان
(حم ق د ن هـ عن أنس) بألفاظ متقاربة والمعنى متفق وهذا قاله في قصة كسر الربيع ثنية الأنصارية(4/547)
6220 - (كتاب الله) أي القرآن (هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض) أي هو الوصلة التي يوثق عليها فيستمسك بها من أراد الرقي والعروج إلى معارج القدس وجوار الحق كأنه قيل ما السبب الموصل إلى الله الذي في السماء سلطانه فقال: هو التمسك بالقرآن والسبب في أصل اللغة هو الحبل
(ش وابن جرير) الطبري (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه(4/548)
6221 - (كتب الله مقادير الخلائق) أي أجرى القلم على اللوح أو غيره بتحصيل مقاديرها على وفق ما تعلق به وإرادته وليس المراد هنا أصل التقدير لأنه أزلي لا ابتداء له (قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) معناه طول الأمد وتكثير ما بين الخلق والتقدير من المدد لا التحديد إذ لم يكن قبل السماوات والأرض سنة ولا شهر فلا تدافع بينه وبين خبر الألفين المار قال البيضاوي: أو تقديره ببرهة من الدهر الذي يوم فيه كألف سنة مما تعدون أو من الزمان نفسه قال: فإن قلت كيف يحمل على الزمان وهو على المشهور مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ قلت فيه كلام وإن سلم فمن زعم ذلك قال بأنه مقدار الفلك الأعظم الذي هو عرش الرحمن وكان موجودا حينئذ بدليل قوله فيما بعده {وكان عرشه على الماء} (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات قال بعض أهل التحقيق: ذلك الماء هو العلم قال بعضهم: وفيه صراحة بأن أول المخلوقات العرش والماه والله أعلم بأيهما سبق الآخر ومن وهم أن هذا الخبر يدل على أن أولها العرش فحسب فقد وهم ثم أن ما ذكر من الأولية يعارضه خبر الترمذي أول ما خلق القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد وادعى بعضهم أن أول ما خلق الله الماء ثم أوجد منه سائر الأجرام تارة بالتلطيف وأخرى بالتكثيف <تنبيه> قال التونسي: في قوله {وكان عرشه على الماء} بيان استحالة الجهة في حقه تعالى لأن استقرار العرش على الماء فعلم بأنه لما خرقت العادة باستقرار هذا الجرم العظيم الذي هو أعظم الأجرام على الماء الذي ليس من عادة مثله بل ولا عادة أقل منه من الأجرام الراتبة أن يستقر على الماء علم أن الاستواء عليه ليس استواء استقرار وتمكن
(م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا الترمذي وغيره ولم يخرجه البخاري(4/548)
6222 - (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي) هذا على وزان {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله عفو كريم يتجاوز عنه بفضله والمراد بالسيف القاطع بوقوعها ذكره الطيبي وقال القاضي: التزمها تفضلا وإحسانا والمراد بالرحمة ما يعم الدارين قال: والله تعالى غفور رحيم بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مسامح فيها اه. وقال التفتازاني: الكتابة باليد تصوير وتمثيل لإثباته وتقديره
(هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(4/548)
[ص:549] 6223 - (كتب علي الأضحى) أي التضحي (ولم يكتب عليكم) أيها الأمة (وأمرت بصلاة الضحى) أي بفعلها في كل يوم في وقتها المعروف (ولم تؤمروا بها) أي أمر إيجاب بل أمر ندب وهذا من أدلة الجمهور على عدم وجوب التضحية علينا وأوجبها الحنفية على المقيم القادر
(حم طب) وكذا أبو يعلى (عن ابن عباس) قال الذهبي: فيه جابر الجعفي ضعيف جدا بل كذاب رافضي خبيث وقال ابن حجر في التخريج: حديث ضعيف من جميع طرقه وصححه الحاكم فذهل اه. لكن قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح اه(4/549)
6224 - (كتب على ابن آدم) أي قضى عليه وأثبت في اللوح المحفوظ وقيل خلق له إرادة وعدة من الحواس وغيرها والأول هو المناسب لمعاني هذا الباب (نصيبه من الزنا) أي مقدماته من التمني والتخطي لأجله والتكلم فيه طلبا أو حكاية أو استماعا ونحوها (مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) أي بالإتيان بما هو المقصود من ذلك أو بالترك أو بالكف عنه ولما كانت المقدمات من حيث كونها طلائع وأمارات تؤذن بوقوع ما هي وسيلة إليه تشابه المواعيد والأخبار عن الأمور المتوقعة سمى ترتب المقصود عليها الذي هو كالمدلول لها وعدم ترتبه صدقا وكذبا
(هـ عن أبي هريرة) ورواه البخاري مختصرا(4/549)
6225 - (كثرة الحج والعمرة تمنع العلة) التي هي الفقر والمسكنة يعني أنهما سببان للغنى بخاصية فيهما علمها الشارع
(المحاملي) أبو الحسن بن إبراهيم (في أماليه) عن أم سلمة وفيه عبد الله بن شبيب المكي قال الذهبي في الضعفاء: متهم ذو مناكير وفليح بن سليمان قال النسائي وابن معين: ليس بقوي وخالد بن إلياس قال الذهبي: منكر وليس بالساقط(4/549)
6226 - (كخ كخ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسرها منونة وغير منونة فهي ست لغات وهي كلمة ردع للطفل عن تناول شيء مستقذر قال الزمخشري: وتقال عند التقذر من الشيء أيضا قال:. . . وعاد وصل الغانيات كخا. . . اه. وهي من أسماء الأفعال على ما في التسهيل ومن أسماء الأصوات على ما في حواشيه الهشامية عربية أو معربة وهذه قالها للحسن وقد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فزجره وقال (ارم بها) وفي رواية اطرحها وفي أخرى ألقها ولا تعارض فإنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال كخ إشارة إلى استقذار ذلك ويحتمل عكسه (أما) بهمزة الاستفهام وفي رواية بحذفها وهي مرادة (شعرت) بالفتح فطنت يعني أخفي علي فطنتك (أنا) آل محمد صلى الله عليه وسلم (لا نأكل الصدقة) بالتعريف وفي رواية بدونه أي لحرمتها علينا وظاهره يعم النفل لكن السياق خصها بالفرض لأنه الذي يحرم على آله وفيه أن الطفل يجنب الحرام لينشأ عليه ويتمرن وحل تمكينه من اللعب بما لا يملكه حيث لا ضرر ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع المميز إعلاما بالنهي وأخذ منه ندب مخاطبة نحو العجمي بما يفهمه من لغته
(ق عن أبي هريرة)(4/549)
[ص:550] 6227 - (كذب النسابون) قال في الكشاف: يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله علمها عن العباد (قال الله تعالى {وقرونا بين ذلك كثيرا} ) يعني هم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله قال ابن دحية: أجمع العلماء والإجماع حجة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا انتسب لا يجاوز عدنان
(ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس)(4/550)
6228 - (كرامة) وفي رواية إكرام (الكتاب ختمه) زاد القضاعي في روايته وذلك قوله تعالى {إني ألقي إلي كتاب كريم} قيل في تفسيره وصفته بالكرم لكونه مختوما قال العامري: الكرم هنا التكريم للكتاب ويرجع إلى السر المودع فيه وقد يسمى المكتوب كتابا ومآل التكريم يعود إلى المكتوب فيه بصيانة سره بالختم ولما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكتاب إلى ملوك العجم قيل له لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم فاصطنعه وعن ابن المقنع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك ورواه من هذا الوجه القضاعي والثعلبي والواحدي قال ابن ظاهر: وافقه عندهم محمد بن مروان وهو متروك الحديث وقال العامري: هو جلي حسن(4/550)
6229 - (كرم المرء دينه) أي به يشرف ويكرم ظاهرا وباطنا قولا وفعلا وفي رواية للعسكري كرم الرجل تقواه والكرم كثرة الخير والمنفعة لا ما في العرف من الاتفاق والبذل شرفا وفخرا (ومروءته عقله) لأن به يتميز عن الحيوان وبه يعقل نفسه عن كل خلق دنيء ويكفها عن شهواتها الرديئة وطباعها الدنيئة ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من حق الحق والخلق فليس المراد بالمروءة ما في عرفكم من جمال الحال والاتساع في المال بذلا وإظهارا فليس كل عاقل يكون له مال يتوسع فيه بذلا وعطاء بل قال الحكماء: المروءة نوعان أحدهما البذل والعطاء والآخر كف الهمة عن الأسباب الدنيئة وهو أتم وأعلا (وحسبه خلقه) بالضم أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بشرف أخلاقه وليس كرمه بكثرة ماله بل بمحاسن أخلاقه وقال الأزهري: أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه وإن لم يكن له نسب وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له. قال العلائي: وحاصل المروءة راجعة إلى مكارم الأخلاق لكنها إذا كانت غريزة تسمى مروءة وقيل المروءة إنصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء مما أوتي إليك من خير أو شر
<تنبيه> قد أخذ أبو العتاهية معنى هذا الحديث فنظمه فقال:
كرم الفتى التقوى وقوته. . . محض اليقين ودينه حسبه
والأرض طينته وكل نبي. . . حوافيها واحد نسبه
(حم ك) في النكاح (هق) من وجهين وضعفهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي بأن فيه مسلما الزنجي ضعيف وقال البخاري: منكر الحديث وقال الرازي: لا يحتج به(4/550)
6230 - (كسب الإماء حرام) أي بالزنا أو الغناء كما يفسره خبر أبي يعلى والديلمي كسب المغنيات والنوات حرام
(الضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: وصححه ابن حبان وفي الباب غيره(4/550)
6231 - (كسر عظم الميت ككسره حيا)
(حم د هـ عن عائشة)(4/550)
6232 - (كسر عظم الميت) المسلم المحترم (ككسر عظم الحي في الإثم) لأنه محترم بعد موته كاحترامه حال حياته قال [ص:551] ابن حجر في الفتح: يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته
(هـ عن أم سلمة) وقع في الإمام أن مسلما رواه ورد عليه(4/550)
6233 - (كفى بالدهر) وفي رواية بالموت (واعظا) كفى بتقلبه بأهله مرققا ملينا للقلوب مبينا لقرب حلول الحمام لكل إنسان والسعيد من اتعظ بغيره (وبالموت مفرقا) بشد الراء وكسرها قال الحرالي: الواعظ إهزاز النفس بوعود الجزاء وهذا قد عده العسكري من الحكم والأمثال
(ابن السني في عمل يوم وليلة) وكذا العسكري (عن أنس) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جاري يؤذيني فقال: اصبر على أذاه وكف عنه أذاك فما لبثت إلا يسيرا إذ جاءه فقال: مات فذكره هذا من بليغ حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ووجيزها لأنه لما علم أن أسباب العظات كثيرة من العبر والآيات وطوارق الآفات وسوء عواقب الغفلات ومفارقة الدنيا وما بعد الممات قال: في عظة الموت كفاية عن جميع ذلك لأن الموت ينزعه عن جميع محبوباته في الدنيا ومخوفاته إما إلى الجنة وإما إلى ما يكرهه وذلك يوجب المنع من الركون إلى الدنيا والاستعداد إلى الآخرة وترك الغفلة(4/551)
6234 - (كفى بالسلامة داء) لأن دوام سلامة العبد في نفسه وأهله من المصائب تورثه البطر والعجب والكبر وتحبب إليه الدنيا لما يألفه من الشهوات وحب الدنيا رأس كل خطيئة والتمتع بالشهوات المباحات يحجب القلوب عن الآخرة وكل ذلك يسقم الدين ويكدر الإيمان ويخرج إلى الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} لكن هذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في عدة أحاديث لأن المطلوب عافية سليمة العاقبة مما ذكر
(فر عن ابن عباس) وفيه عمران القطان قال الذهبي: ضعفه يحيى والنسائي قال الديلمي: وفي الباب أنس(4/551)
6235 - (كفى بالسيف شاهدا) قاله لما بلغه أن سعد بن عبادة لما نزل قوله تعالى {والمحصنات من النساء} الآية. قال: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف ولم أمهله لآتي بأربعة شهداء وأخذ بقضيته أحمد فقال: لو أقام بينة أنه وجده مع امرأته فقتله هدر وإن لم يأت بأربعة شهداء وأوجب الشافعي القود لكن قال له فيما بينه وبين الله قتله ثم إن ما ذكر من أن لفظ الحديث شاهدا هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب لكن ذكر ابن الأثير أن الرواية كفى بالسيف أراد أن يقول شاهدا فأمسك ثم قال: لولا أن يتابع فيه الغيران والسكران وجواب لولا محذوف أراد لولا تهافت الغيران والسكران في القتل لتممت على جعله شاهدا وحكمت إلى هنا كلامه
(هـ عن سلمة بن المحبق) وفيه الفضل بن دلهم قال في الكاشف: قال أبو داود وغيره: ليس بقوي(4/551)
6236 - (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع) يعني لو لم يكن للرجل إثما إلا تحدثه بكل ما يسمعه من غير بينة أنه صدق أم كذب يكفيه من الإثم لأنه إذا تحدث بكل ما يسمعه لم يخلص من الكذب إذ جميع ما يسمع ليس بصدق بل بعضه كذب فعليه أن يبحث ولا يتحدث إلا بما ظن صدقه فإن ظن كذبه حرم وإن شك وقد أسنده لقائله وبين حاله برئ من عهدته وإلا امتنع أيضا ومحل ذلك ما إذا لم يترتب عليه لحوق ضرر وإلا حرم وإن كان صدقا بل إن تعين الكذب طريقا لدفع ذلك وجب
(د ك عن أبي هريرة)(4/551)
[ص:552] 6237 - (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتا ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان الله على كل شيء مقيتا} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة لله وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة
(حم د ك) في الزكاة (هق عن ابن عمرو) بن العاص صححه الحاكم وأقره الذهبي وقال في الرياض: إسناده صحيح ورواه عنه أيضا النسائي وهو عند مسلم بلفظ: كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملكه قوته وسببه كما في البيهقي: أن ابن عمرو كان ببيت المقدس فأتاه مولى له فقال: أقيم هنا رمضان؟ قال: هل تركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا. قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره(4/552)
6238 - (كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمر دينه ودنياه) لأنه إنما يوثق به ويعتمد عليه فيما يخبر عنه عن أمر الدين والدنيا إذا استمرت أحواله من الخلق على الأمانة والعدل والصيانة فثقة المؤمنين به نوع شهادة له بالصدق والوفاء فيسعد بشهادتهم فإنهم شهداء الله في الأرض
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك ورواه القضاعي في الشهاب وقال شارحه العامري: حسن غريب(4/552)
6239 - (كفى بالمرء شرا أن يتسخط ما قرب إليه) أي ما قرب له المضيف من الضيافة فإن التكلف للضيف منهي عنه فإذا قدم له ما حضر فسخط فقد باء بشر عظيم لأنه ارتكب المنهي
(ابن أبي الدنيا في) كتاب (قرى الضيف) بكسر القاف (وأبو الحسن بن بشران في أماليه عن جابر) وفيه يحيى بن يعقوب القاضي. قال في الميزان: قال أبو حاتم محله الصدق وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر(4/552)
6240 - (كفى بالمرء علما أن يخشى الله) إنما يخشى الله من عباده العلماء (وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بنفسه) لجمعه بين العجب والكبر والاغترار بالله. قال الغزالي: وهذه الآفة قلما ينفك عنها العلماء والعباد. قال: ومن اعتقد جزما أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله فإن الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله وحكمه لنفسه بأنه خير من غيره جهل محض وأمن من مكر الله {ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} وفي الفردوس من حديث أنس: كان حكيمان يلتقيان فيعظ أحدهما صاحبه فالتقيا فقال أحدهما لصاحبه: عظني وأوجز وأجمع فإني لا أقدر أن أقف عليك من العبادة فقال: احذر أن يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك
(هب عن مسروق مرسلا)(4/552)
[تابع حرف الكاف](5/1)
6241 -[ص:2] (كفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) فالجاهل أو العاصي إذا عبد الله وتواضع وذل هيبة لله وخوفا منه فقد أطاع بقلبه فهو أطوع لله من العالم المتكبر والعابد المعجب. ولذلك روي أن رجلا من بني إسرائيل أتى عابدا منهم فوطئ على رقبته وهو ساجد فقال: ارفع فوالله الله لا يغفر الله لك فأوحى الله إليه أيها المتعالي علي بل أنت لا يغفر الله لك ولذلك قال الحسن: صاحب الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف الخز أي إن صاحب الخز يذل لصاحب الصوف ويرى الفضل له وصاحب الصوف يرى الفضل لنفسه
(حل عن ابن عمرو) ابن العاص. ورواه عنه الديلمي أيضا(5/2)
6242 - (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) أي إذا لم يتثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد لكن التعمد شرط الإثم. قال القرطبي: والباء في بالمرء زائدة هنا على المفعول وفاعل كفى أن يحدث وقد تزاد الباء على فاعل كفى كقوله تعالى {وكفى بالله شهيدا}
(م) في مقدمة صحيحه (عن أبي هريرة) ورواه أبو داود في الأدب مرسلا(5/2)
6243 - (كفى بالمرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع) تمامه قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا؟ قال: وإن كان خيرا فهي مذلة إلا من رحمه الله وإن كان شرا فهو شر اه. قالوا: وفيه تحذير من شر الإشارة إلى الإنسان بالأصابع
(طب) وكذا أبو نعيم (عن عمران بن حصين) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه كثير بن مروان المقدسي قال العقيلي: لا يتابع كثير على لفظه إلا من جهة مقارنته وقال يحيى: كثير ضعيف وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(5/2)
6244 - (كفى بالمرء من الكذب) كذا هو في خط المؤلف وفي رواية العسكري: كفى بالمرء من الكذب كذبا (أن يحدث بكل ما سمع) أي لو لم يكن للرجل كذب إلا تحدثه بكل ما سمع من غير مبالاة أنه صادق أو كاذب لكفاه من جهة الكذب لأن جميع ما سمعه لا يكون صدقا وفيه زجر عن الحديث بشيء لا يعلم صدقه (وكفى بالمرء من الشح أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي) منه كله بحيث (لا أترك منه شيئا) ولو قليلا فإن ذلك شح عظيم ومن ثم عد الفقهاء مما ترد به الشهادة المضايقة في التافه وهذا عد من الحكم والأمثال
(ك) في البيع عن الأصم عن هلال ابن العلاء بن هلال بن عمر الرقي عن ابن عمر بن هلال قال: حدثني أبو غالب (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي أن هلال بن عمرو وأبوه لا يعرفان فالصحة من أين؟(5/2)
[ص:3] 6245 - (كفى بالموت واعظا) كيف واليوم في الدور وغدا في القبور وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا. . . أرجى حياة أم من الموت أجزع
كيف وهو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر. قيل: أن أعرابيا كان يسير على جمل فخر الجمل ميتا فنزل عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تنبعث هذه أعضاءك كاملة وجوارحك سالمة ما شأنك ما الذي كان يبعثك ما الذي صرعك ما الذي عن الحركة منعك ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه متعجبا في أمره وأنشأ يقول:
جاءته من قبل المنون إشارة. . . فهوى صريعا لليدين وللفم
قال الحسن: قد أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت معه وقيل: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كل نعيم وقال الغزالي: الموت هو القيامة الصغرى ومن مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال له {لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وفيها يقال له {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} والقيامة الصغرى بالنسبة للكبرى كالولاية الصغرى بالنسبة للكبرى فإن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى الصغرى نسبة فضاء العالم إلى مضيق الرحم ونسبة فضاء العالم الذي يقدم عليه بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع فقس الآخرة بالأولى فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة والمقر بالصغرى لا الكبرى ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال فما أعظم غفلتك يا مسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالكبرى للجهل والضلال أفلا تكفيك القيامة الصغرى ألك اعتذار بعد قول سيد الأبرار كفى بالموت واعظا أما تستحي من استبطائك هجوم الموت إقتداءا برعاع الغافلين الذين لا ينظرون {إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون {فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} أيظنون أنهم في الدنيا خالدون {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم يعودون كلا {إن كل لما جميع لدينا محضرون} لكن {ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} قال الحراني: والوعظ دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق مما يخوفها في مقام التذكير بما يرجيها ويبسطها (وكفى باليقين غنى) لأنه سكون النفس عند جولان الموارد في الصدر لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيا فإذا رزق العبد السكون إلى قضاء الله والرضى به فقد أوتي الغناء الأكبر قال الخواص: الغنى حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن عطاياه رضى فذاك الغني كل الغنى وإن أمسى طاويا وأصبح معوزا
<تنبيه> قد تضمن هذا الخبر الحث على الزهد وهو أمر قد تطابقت عليه الملل والنحل قال الغزالي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وصحف إبراهيم وكل كتاب منزل ما أنزل إلا لدعوة الحق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم أن يكونوا ملوكا في الدنيا والآخرة أما ملك الدنيا فبالزهد والقناعة وأما الآخرة فبالقرب منه تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل معه والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا ليفوت عليهم ملك الأخرى إذ هما ضرتان ونعيم الدنيا لا يسلم له أيضا لكدرها ومنازعتها وطول الهم والغم وإلا لحسده عليها أيضا فلما كان الزهد أيضا جاء حتى عداه عنه ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه [ص:4] وبذلك يصير العبد حرا وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيكون مسخرا كالبهيمة يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد فما أعظم اغترار الإنسان أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكا وينال الربوبية بأن يصير عبدا ومثله هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد: هل لك حاجة قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك قال: كيف؟ قال: من أنت عبده فهو عبدي أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتهم فهم عبيدي فهذه هو الملك في الدنيا وهو الجار إلى ملك الآخرة فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة
(طب) من حديث الحسن البصري (عن عمار) بن ياسر وضعفه المنذري وقال العلائي: حديث غريب منقطع لأن الحسن لم يدرك عمارا وفيه أيضا الربيع بن بدر قال الدارقطني: متروك وقال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا وهو معروف من قول الفضيل بن عياض(5/3)
6246 - (كفى بالموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة) لأنه أعظم المصائب وأبشع الرزايا وأشنع البلايا فتفكر يا ابن آدم في مصرعك وانتقالك من موضعك وإذا انتقلت من سعة إلى ضيق وخانك الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك ونقلت من مهادك فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك من مالك إلا الأكفان بل هو للخراب وجسمك للتراب فاعتبر يا مسكين بمن صار تحت الثرى وانقطع عن الأهل والأحباب بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر وجمع الأموال والذخائر فجاء الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه وليتأمل حال من مضى من إخوانه ودرج من أقاربه وخلانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحى التراب محاسن وجوههم وتفرقت في القبور أجزاؤهم وترملت نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم واقتسم غيرهم طريقهم وتلادهم وقيل إن الكنز الذي كان للغلامين كان فيه لوح من ذهب فيه " عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك
(ش حم في) كتاب (الزهد عن الربيع بن أنس مرسلا) بصري نزل خراسان روى عن أنس وغيره قال أبو حاتم: صدوق وقال ابن أبي داود: حبس بمرو ثلاثين سنة(5/4)
6247 - (كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملك قوته) قال النووي: قوته مفعول يحبس وقال المظهري: يحبس مبتدأ وكفى خبره مقدما أو خبر مبتدأ محذوف وإثما تمييز وهذا حث على النفقة على العيال وتحذير من التقصير فيها
(م) في الزكاة (عن ابن عمرو بن العاص) جاءه قهرمانه فقال: أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا قال: فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره(5/4)
6248 - (كفى ببارقة السيوف) أي بلمعانها قال الراغب: البارقة لمعان السيف (على رأسه) يعني الشهيد (فتنة) فلا يفتن في قبره ولا يسأل إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم <تنبيه> قال القرطبي: إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل قدرا وأعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم في التنزيل على الشهداء {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} وقد جاء في المرابط الذي هو أقل رتبة من الشهيد أنه لا يفتن فكيف بمن هو أعلى منه وهو الشهيد
(ن عن رجل) له صحبة قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد فذكره(5/4)
[ص:5] 6249 - (كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما) لأن كثرة المخاصمة تفضي غالبا في ما يذم صاحبه وقد ورد الترغيب في ترك المخاصمة ففي أبي داود عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وأبغض العباد إلى الله تعالى الألد الخصم كما في الصحيحين ولهذا قال داود لابنه: يا بني إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان قال بعضهم: ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا اشغل للقلب من المخاصمة فإن قيل لا بد من الخصومة لاستيفاء الحقوق فالجواب ما قال الغزالي: أن الذم المتأكد إنما هو خاص بباطل أو بغير علم كوكلاء القاضي وقال بعض العارفين: إذا رأيت الرجل لجوجا مرائيا معجبا برأيه فقد تمت خسارته
(ت عن ابن عباس) وقال: غريب وخرجه عنه البيهقي والطبراني قال ابن حجر: وسنده ضعيف(5/5)
6250 - (كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي) أخذ به جمع فأوجبوا الصلاة عليه كلما ذكر لكن الذي عليه الجمهور أنه إنما تجب عليه الصلاة في الصلوات الخمس
(ص عن الحسن مرسلا)(5/5)
6251 - (كفى بالمرء نصرا أن ينظر إلى عدوه في معاصي الله) لأن العاصي ممقوت متعرض للعطب والمؤاخذة بذنوبه في الدنيا والآخرة وذلك نصر للمرء بلا شك
(فر عن علي) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده وليس كذلك(5/5)
6252 - (كفى بالرجل أن يكون بذيا فاحشا بخيلا) فيه أن هذه الأخلاق الثلاثة مذمومة منهي عنها قال الغزالي: ومصدرها الخبث واللؤم قال إبراهيم بن ميسرة: يجاء بالفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب قال الغزالي: وحقيقته التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة ويجري أكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما ينطق به فإن لأهل الفساد عبارات فاحشة يستعملونها فيه وأهل الصلاح يتحاشون عن التعرض لها بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز
(هب عن عقبة بن عامر) الجهني(5/5)
6253 - (كفى بالمرء في دينه أن يكثر خطؤه) أي إثمه وذنوبه (وينقص حلمه وتقل حقيقته جيفة بالليل) أي نائم طول الليل كأنه جسد ميت لا روح فيه لا يتهجد ولا يذكر الله فيه (بطال بالنهار) لا حرقة له (كسول) جزوع (هلوع) صيغة مبالغة أي شديد الجزع والضجر (منوع رتوع) أي متسع في الخصب قال في الفردوس: الهلع الحرص والشح والرتوع الأكول بسعة ولهمة
(حل) وكذا الديلمي عن (الحكم بن عمير) وفيه بقية بن الوليد وقد مر غير مرة وعيسى بن إبراهيم قال الذهبي: تركه أبو حاتم(5/5)
6254 - (كفى بالمرء إثما أن يشار إليه بالأصابع) قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا فقال: و (إن كان خيرا فهي مزلة إلا من رحم الله تعالى وإن كان شرا فهو شر) قال في الإحياء " قد ذكر الحسن للحديث تأويلا لا بأس به وهو أنه لما رواه [ص:6] قيل له: إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع فقال: إنه لم يعن هذا إنما عنى به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه وفيه أن الاشتهار مذموم وأن المحمود الخمول إلا من نشره الله لنشر دينه من غير تكلف منه الشهرة
(هب) من حديث كثير بن مرة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وشاح (عن عمران بن حصين) ثم قال أعني البيهقي: كثير هذا غير قوي انتهى فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه خرجه وأقره غير سديد وفي الميزان: كثير ضعفوه وقال يحيى: كذاب ثم أورد له هذا الخبر(5/5)
6255 - (كفاك الحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها) قال البيهقي: هذا إن صح فإنما أراد وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور به فقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقتلها ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ويدل لذلك حديث مسلم من قتل وزغة بضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية
(قط في الأفراد هق عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني أيضا(5/6)
6256 - (كفارة الذنب الندامة) أي ندامة تغطي ذنبه لأن الكافر كافر لأنه يغطي نعمة الله بالجحود قال الطيبي: الكفارة عبارة الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة وهي فعالة للمبالغة كصرابة وقتالة وهي من الصفات الغالبة في الاسمية والندم الغم اللازم والحزن (ولو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ليغفر لهم)
<تنبيه> قال رزين: من خصائص هذه الأمة أن الندم لهم توبة وكانت بنو إسرائيل إذا أخطأ أحدهم حرم عليه كل طيب من الطعام وتصبح خطيئته مكتوبة على باب داره
(حم طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه لكن قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي: فيه يحيى بن عمر بن مالك الذكري وهو ضعيف(5/6)
6257 - (كفارة المجلس) أي اللفظ الواقع في المجلس (أن يقول العبد) بعد أن يقوم كما جاء هكذا في رواية الأوسط للطبراني (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك) قال الحليمي: هذا قد يلتحق بقوله تعالى {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب}
(طب عن ابن عمرو) بن العاص (وعن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط انتهى لكن رواه النسائي في اليوم والليلة عن رافع بن خديج قال الحافظ العراقي: سنده حسن(5/6)
6258 - (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين) قال ابن حجر: حمله بعضهم على النذر المطلق وأما حمل بعضهم على نذر اللجاج والغضب فلا يستقيم إلا في رواية كفارة اليمين من غير تعرض لقيد عدم التسمية وقال ابن العربي: النذر الذي لم يسم هو النذر المطلق وأما المقيد وهو المعين فلا بد من الوفاء به
(حم م 3) كلهم في النذر (عن عقبة بن عامر) ولم يخرجه البخاري وما جرى عليه المصنف من نسبة الحديث بتمامه إلى مسلم غير صواب وإنما رواه بدون قوله ولم يسم ورواه من عداه بدون قيد التسمية(5/6)
[ص:7] 6259 - (كفارة من اغتبت) أي ذكرته بما يكره في غيبته (أن تستغفر له) أي تطلب له المغفرة من الله أي إن تعذرت مراجعته واستحلاله وإلا تعين ما لم يترتب عليه مفسدة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت عن أبي عبيدة بن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه عن عتبة بن عبد الرحمن القرشي عن خالد بن يزيد اليماني (عن أنس) بن مالك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: عتبة متروك وتعقبه المؤلف بأن البيهقي خرجه في الشعب عن عتبة وقال: إسناده ضعيف وبأن العراقي في تخريج الإحياء اقتصر على تضعيفه ورواه عنه الخطيب في التاريخ والديلمي فاقتصار المصنف هنا على ابن أبي الدنيا غير جيد لإبهامه قال الغزالي: وهذا الحديث يحتج به للحسن في قوله يكفيك من الغيبة الاستغفار دون الاستحلال(5/7)
6260 - (كفارات الخطايا إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله من واجباته وسننه (على المكاره) من نحو شدة برد (وإعمال الأقدام إلى المساجد) أي السعي إليها لنحو صلاة (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) في المسجد وغيره فذلك يكفر الصغائر ما اجتنبت الكبائر
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] ورمز المصنف لحسنه(5/7)
6261 - (كفر بالله تبرؤ) أي ذو تبرئ (من نسب وإن دق) ليس المراد بالكفر حقيقته التي يخلد صاحبها في النار ومناسبته إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان ولم يخلقني من ماء فلان والواقع خلافه
(البزار) في مسنده (عن أبي بكر) الصديق رمز المصنف لحسنه(5/7)
6262 - (كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرف أو جحده وإن دق) قال ابن بطال: ليس معنى هذين الخبرين من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وإنما المراد به من تحول عن نسبه لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى {ادعوهم لآبائهم} {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} فنسب كل منهم إلى أبيه الحقيقي لكن بقي بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود ليس الأسود أباه بل تبناه واسم أبيه الحقيقي عمر بن ثعلبة
(هـ عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني والديلمي وغيرهم(5/7)
6263 - (كفر بالله العظيم عشرة) من المكلفين (من هذه الأمة الغال) أي الخائن في المغنم وغيره (والساحر والديوث) الذي لا يغار على أهله (وناكح المرأة في دبرها وشارب الخمر ومانع الزكاة ومن وجد سعة ومات ولم يحج والساعي في الفتن) بالإفساد (وبائع السلاح من أهل الحرب ومن نكح ذات محرم منه) أي كل منهم يكفر إن استحل ذلك لكن ينبغي استثناء الواطئ في دبر امرأته
(ابن عساكر) في تاريخه (عن البراء) بن عازب وظاهر صنيع المصنف [ص:8] أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر مع أن الديلمي أخرجه باللفظ المزبور عن البراء المذكور من هذا الوجه(5/7)
6264 - (كف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك)
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الصمت عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه(5/8)
6265 - (كف عنا جشاءك) هو الريح الذي يخرج من المعدة عند الشبع (فإن أكثرهم) يعني الناس (شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع وهو مذموم طبا وشرعا كيف وهو يقرب الشيطان ويهيج النفس إلى الطغيان والجوع يضيق مجاري الشيطان ويكسر سطوة النفس فيندفع شرهما ومن الشبع تنشأ شدة الشبق إلى المنكوحات ثم يتبعها شدة الرغبة إلى الجاه والمال اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات ثم يتبع ذلك استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد من ذلك آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحسد والحقد والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء والبطر والأشر وذلك مفض إلى الجوع في القيامة وعدم السلامة إلا من رحم ربك
(ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال الترمذي: حسن غريب وذلك الرجل هو أبو جحيفة كما صرح به في عدة روايات وكان لم يبلغ الحلم قال في المعارف: ولم يأكل بعد ذلك ملء بطنه حتى فارق الدنيا رمز المصنف لحسنه(5/8)
6266 - (كف عنه أذاك واصبر لأذاه فكفى بالموت مفرقا) قاله لمن شكى إليه أذى جاره له ثم عاد عن قرب وذكر أنه مات قال الغزالي: فيه الأمر بالصبر لمن أوذي بفعل أو قول أو جنى عليه في نفسه أو ماله والصبر على ذلك بترك المكافأة قال بعض الصحابة: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانا إذا لم يصبر على الأذى وقال تعالى {ولنصبرن على ما آذيتمونا} وقال لرسوله {ودع أذاهم وتوكل على الله} وقال {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} إلى غير ذلك من الآيات ولذلك مدح تعالى العافين عن حقوقهم في القصاص فقال {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}
(ابن النجار) في التاريخ (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحبلي) بضم المهملة والموحدة وهو المغافري من ثقات الطبقة الثالثة (مرسلا) قال: شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاره فذكره(5/8)
6267 - (كفوا صبيانكم) عن الانتشار (عند العشاء فإن للجن) حينئذ (انتشارا) أي تفرقا (وخطفة) أي استيلاء بسرعة
(د عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لصحته ورواه العسكري أيضا عن جابر بلفظ كفوا فراشيكم حتى تذهب فحمة عتمة العشاء وقال جمع: فاشية وهي ما ينشر ويفشو من نحو إبل وغنم قال: ومن لا يضبط من أصحاب الحديث يقول مواشيكم وهو تصحيف(5/8)
6268 - (كفوا عن أهل لا إله إلا الله) وهم من نطق بها أي مع نطقه بالشهادة الثانية وإن لم يعلم ما في قلبه (لا تكفروهم بذنب) [ص:9] ارتكبوه وإن كان من أكبر الكبائر كالقتل والزنا والسرقة (فمن أكفر أهل لا إله إلا الله) أي حكم بكفرهم (فهو إلى الكفر أقرب) منه إلى الإيمان فمخالف الحق من أهل القبلة ليس بكافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد فإنه حينئذ ليس من أهل لا إله إلا الله فنكفره وقال علي كرم الله وجهه: أعلم الناس بالله أشدهم حبا وتعظيما لأهل لا إله إلا الله. قال ابن عربي: إياك ومعاداة أهل لا إله إلا الله فإن لهم من الله الولاية العامة فهم أولياء الله ولو جاؤوا بقراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته ومن لم يطلعك الله على عداوته لله فلا تتخذه عدوا فإذا تحققت أنه عدو الله وليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم بأبيه ولا تعاد عباد الله بالإنكار ولا بما ظهر على اللسان بل اكره فعله لا عينه والعدو لله إنما يكره عينه ففرق بين من يكره عينه وهو عدو الله ومن يكره فعله وهو المؤمن العاصي
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه الضحاك بن حمزة عن علي بن زيد وقد اختلف في الاحتجاج بهما(5/8)
6269 - (كل آية في القرآن درجة في الجنة) فيقال للقارئ ارق في درجها على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميعه استولى على أقصى درج الجنة ومن قرأ جزءا منها فرقيه في الدرج بقدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة وهذا تحريض لنا على الإكثار من القراءة وملازمة التدبر والعمل به (ومصباح في بيوتكم) من كثرة الملائكة المفيضين للرحمة والمستمعين لتلاوته قال الإمام أحمد: رأيت الله عز وجل في النوم فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون عندك قال: بكلامي يا أحمد قلت: بفهم أو بغير فهم قال: بفهم أو بغير فهم
(حل عن ابن عمرو) ابن العاص وفيه رشد بن سعد وقد مر غير مرة تضعيفه(5/9)
6270 - (كل ابن آدم يأكله التراب) أي كل أجزاء ابن آدم تبلى وتنعدم بالكلية أو المراد أنها باقية لكن زالت أعراضها المعهودة قال إمام الحرمين: ولم يدل قاطع سمعي على تعين أحدهما ولا يبعد أن تصير أجسام العباد بصفة أجسام التراب ثم تعاد بتركها إلى المعهود (إلا عجب الذنب) بفتح العين فسكون العظم الذي في أصل صلبه فإنه قاعدة البدن كقاعدة الجدار فيبقى ليركب خلقه منه عند قيام الناس من قبورهم وقال القاضي: أراد طول بقائه تحت التراب لا أنه لا يفنى أصلا لأنه خلاف المشهور (منه خلق ومنه يركب) أي منه ابتداء خلق الإنسان وابتداء تركيبه ويحتمل أن المراد ابتداء خلقه ومنه يركب خلقه عند قيام الساعة وهذا أظهر ثم هذا عام خص منه نحو عشرة أصناف كالأنبياء والشهداء والصديقين والعلماء العاملين والمؤذن المحتسب وحامل القرآن فمعنى الخبر كل ابن آدم مما يأكله التراب وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة
(م د ن عن أبي هريرة)(5/9)
6271 - (كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين) لا يناقضه الخبر المار أنت ومالك لأبيك لما سبق أن معناه إذا احتاج لمالك أخذه لا أنه يباح له ماله على الإطلاق إذ لم يقل به أحد
(هق) عن أبي عبيد عن هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى (عن حبان) بكسر المهملة وموحدة مشددة وآخره نون ابن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة (الجمحي) أشار المصنف لصحته وهو ذهول أو قصور فقد استدرك عليه الذهبي في المهذب فقال: قلت لم يصح مع انقطاعه(5/9)
[ص:10] 6272 - (كل البواكي) على موتاهن (يكذبن) أي فيما يصفن من الفضائل أو الفواضل (إلا أم سعد) بن معاذ فإنها لم تكذب فيما وصفته به لاتصاف ميتها بذلك
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم مرسلا) هو الزهري ولى قضاء واسط قال الذهبي: صدوق(5/10)
6273 - (كل الخير أرجو من ربي) أي أؤمل منه أن يجمع في زمن الخيور ما تفرق في سائر الأنبياء وقد حقق الله رجاءه وهذا قاله للعباس في مرضه فبين به أنه يطلب للمريض أن يكون رجاؤه أقوى من خوفه عكس الصحيح
(ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن العباس) بن عبد المطلب(5/10)
6274 - (كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها) أي جزاءه إلى (يوم القيامة) فيجازي بها فاعلها فيه إن شاء قال الطيبي: من في منها منصوبة المحل مفعولة بيؤخر وتكون ابتدائية (إلا عقوق الوالدين) أي الأصلين المسلمين (فإن الله يعجله) أي يعجل عقوبته (لصاحبه) أي فاعله (في الحياة الدنيا قبل الممات) ولا يغتر العاق بتأخير التأثير حالا بل يقع ولو بعد حين كما وقع لابن سيرين أنه لما ركبه الدين اغتم فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة ونظر بعض العباد إلى أمر فقيل له لتجدن غبه بعد أربعين سنة فكان كذلك. قال الذهبي: وفيه أن العقوق كبيرة وهو متفق عليه
(طب ك) في البر من حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه (عن أبي بكرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: بكار ضعيف(5/10)
6275 - (كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم) الخليل يعني هم كلهم ذريته فليس من عربي إلا وهو منهم
(ابن سعد) في الطبقات (عن علي) بضم العين وفتح اللام بضبط المصنف (ابن رباح مرسلا) هو اللخمي وكان في المكتب إذ قتل عثمان(5/10)
6276 - (كل الكذب يكتب على بن آدم إلا ثلاث الرجل يكذب في الحرب) فلا يكتب عليه في ذلك إثم (فإن الحرب خدعة) بل قد يجب إذا دعت إليه ضرورة أهل الإسلام (والرجل يكذب على المرأة فيرضيها) صادق بامرأته وغيرها كأمته أو نحو ابنته من عياله (والرجل يكذب بين الرجلين) بينهما نحو إحن وفتن (ليصلح بينهما) فالكذب في هذه الأحوال غير محرم بل قد يجب ومحصوله أن الكذب تجري فيه الأحكام الخمسة والضابط كما قال الغزالي: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام لفقد الحاجة وإن لم يكن للتوصل إليه إلا به جاز إن كان ذلك المقصود جائزا ويجب إن كان واجبا وله أمثلة كثيرة
(طب وابن السني في عمل يوم وليلة) والخرائطي في المكارم (عن النواس) بن سمعان رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه محمد [ص:11] ابن جامع العطار وهو ضعيف اه. وقال شيخه العراقي: فيه انقطاع وضعف ورواه ابن عدي عن أسماء بنت يزيد يرفعه بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: يا أيها الناس ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما يتتابع الفراش في النار؟ كل الكذب. إلى آخر ما هنا(5/10)
6277 - (كل) مبتدأ (المسلم) فيه رد لزعم أن كلا لا تضاف إلا إلى نكرة (على المسلم حرام) خبره (ماله) أي أخذ ماله بنحو غصب (وعرضه) أي هتك عرضه بلا استحقاق (ودمه) أي إراقة دمه بلا حق وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورة معروفة من الدين بالضرورة وجعلها كل المسلم وحقيقته لشدة اضطراره إليها فالدم فيه حياته ومادته المال فهو ماء الحياة الدنيا والعرض به قيام صورته المعنوية واقتصر عليها لأن ما سواها فرع عنها وراجع إليها لأنه إذا قامت الصورة البدنية والمعنوية فلا حاجة لغيرهما وقيامهما إنما هو بتلك الثلاثة ولكون حرمتها هي الأصل والغالب لم يحتج لتقييدها بغير حق فقوله في رواية إلا بحقها إيضاح وبيان وذا حديث عظيم الفوائد كثير العوائد مشير إلى المبادئ والمقاصد (حسب امرئ من الشر) يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يحقر أخاه المسلم) أي يذله ويهينه ويزدريه ولا يعبأ به لأن الله أحسن تقويمه وسخر ما في السماوات والأرض لأجله ومشاركة غيره له إنما هي بطريق التبع وسماه مسلما ومؤمنا وعبدا وجعل الأنبياء الذين هم أعظم الخلق من جنسه فاحتقاره احتقار لما عظمه الله وشرفه ومنه أن لا يبدأه بالسلام ولا يرده عليه احتقارا
(د) في الأدب (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم بتمامه بتقديم وتأخير ولفظه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه اه(5/11)
6278 - (كل أمتي معافى) بفتح الفاء مقصورا اسم مفعول من عافاه الله إذا أعفاه وقال النووي: هو بالهاء في آخره هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة اه. وفي نسخ المصابيح وغيرها معافى بلا هاء كما هنا قال الطيبي: وعليه فينبغي أن تكتب ألفه بالياء فيكون مطابقا للفظ كل (إلا المجاهرين) أي لكن المجاهرين بالمعاصي لا يعافون من جاهر بكذا بمعنى جهر به وعبر بفاعل للمبالغة أو هو على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهد بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه (وإن من الجهار) أي الإظهار والإذاعة (أن يعمل الرجل بالليل عملا) مسيئا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح (وقد ستره الله فيقول عملت البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول من برح زال (كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) بإشهار ذنبه في الملأ وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر
(ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى وغيره(5/11)
6279 - (كل أمتي معافى) اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفى الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه (إلا المجاهرين) أي المعلنين بالمعاصي [ص:12] المشتهرين بإظهارها الذين كشفوا ستر الله عنهم وروي المجاهرون بالرفع ووجهه بأن معافى في معنى النفي فيكون استثناء من كلام لغو موجب والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون ثم فسر المجاهر بأنه (الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل) عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امراته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه
(طس) وكذا الصغير (عن أبي قتادة) قال الهيثمي: وفيه عوف بن عمارة وهو ضعيف(5/11)
6280 - (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) بفتح الهمزة والموحدة بامتناعه عن قبول الدعوى أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها لأن من ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع والمراد أمة الدعوة فالآبي هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة وقيل أمة الإجابة فالآبي هو العاصي منهم استثناهم تغليظا وزجرا عن المعاصي قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: (من أطاعني) أي انقاد وأذعن لما جئت به (دخل الجنة) وفاز بنعيمها الأبدي بين أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله (ومن عصاني) بعدم التصديق أو بفعل المنهي (فقد أبى) (1) فله سوء المنقلب بإبائه والموصوف بالإباء إن كان كافرا لا يدخل الجنة أصلا أو مسلما لم يدخلها مع السابقين الأولين قال الطيبي: ومن أبى عطف على محذوف أي عرفنا الذين يدخلون الجنة والذي أبى لا نعرفه وكان من حق الجواب أن يقال من عصاني فعدل إلى ما ذكره تنبيها به على أنهم ما عرفوا ذاك ولا هذا إذ التقدير من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة ومن اتبع هواه وزل عن الصواب وخل عن الطريق المستقيم دخل النار فوضع أبى موضعه وضعا للسبب موضع المسبب
(خ) في أواخر الصحيح (عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم ووهم الحاكم في استدراكه وعجب إقرار الذهبي له عليه في تلخيصه
_________
(1) [من عصاه صلى الله عليه وسلم فقد أبى دخول الجنة لأنه أبى وامتنع عن الطريق الوحيد الموصل إليها. دار الحديث](5/12)
6281 - (كل امرئ مهيأ لما خلق له) أي مصروف مسهل لما خلق له إن خيرا فخير وإن شرا فشر وفيه إيماء إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن عمله أمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبا وإن كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك لكن لا إطلاع لنا عليه فعلى المكلف بخاصة نفسه ولا يكلها إلى ما يؤول إليه أمره فيلام ويستحق العقوبة
(حم طب عن أبي الدرداء) قال: قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أو شيء نستأنفه فقال: بل فرغ منه قالوا: فكيف بالعمل فذكره قال الهيثمي: سليمان بن عنبسة وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر بعد ما عزاه لأحمد: سنده حسن(5/12)
6282 - (كل امرئ في ظل صدقته) يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس (حتى يقضى) لفظ رواية الحاكم حتى يفصل (بين الناس) يعني أن المتصدق يكفى المخاوف ويصير في كنف الله وستره يقال أنا في ظل فلان أي في داره وحماه أو المراد الحقيقة بأن تجسد الصدقة فيصير بها في ظل بخلق الله وإيجاده كما قيل فيه وفي نظائره المعروفة كذبح [ص:13] الموت ووزن الأعمال {والله على كل شيء قدير} وكان بعض السلف لا يأتي عليه يوم إلا تصدق ولو ببصلة أو لقمة
(حم ك) في الزكاة (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في المهذب: إسناده قوي وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات(5/12)
6283 - (كل أمر ذي بال) أي حال شريف محتفل ومهتم به شرعا كما يفيده التنوين المشعر بالتعظيم والبال أيضا القلب كأن الأمر ملك قلب صاحبه لاشتغاله به وقيل شبه الأمر بذي قلب على الاستعارة المكنية بأن يشبه برجل له قلب ثبت وجنان ذو عزم فنبه عن لازم المشبه به وهو البال المنكر تنكير تفخيم على موضع الاستعارة في أمر فيكون قوله أقطع من قوله (لا يبدأ فيه بالحمد أقطع) ترشيحا للاستعارة قال الطيبي: والأولى أن يحمل الحمد هنا على الثناء على الجميل من نعمة وغيرها من أوصاف الكمال والجلال والإكرام والإفضال. واعلم أن لفظ ابن ماجه لا يبدأ فيه بالحمد أقطع والبيهقي بالحمد لله ولفظ البغوي بحمد الله قال التاج السبكي: والكل بلفظ أقطع من غير إدخال الفاء على خبر المبتدأ وجاء في رواية فهو أجذم بإدخال الفاء على خبر المبتدأ وليس ذا في أكثر الروايات. قال النووي: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب وبين يدي جميع الأمور المهمة
(هـ هق) وكذا أبو عوانة الإسفرايني في مسنده المخرج على صحيح مسلم (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه تبعا لابن الصلاح قال: وإنما لم يصح لأن فيه قرة بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين وغيره وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: منكر الحديث جدا ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد(5/13)
6284 - (كل أمر ذي بال) أي ذي شأن وشرف وفي رواية كل كلام والأمر أعم من الكلام لأنه قد يكون فعلا فلذا آثر روايته. قال ابن السبكي: والحق أن بينهما عموما وخصوصا من وجه فالكلام قد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد يكون خبرا والأمر قد يكون فعلا وقد يكون قولا (لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) أي ناقص غير معتد به شرعا. وسبق أن المراد بالحمد ما هو أعم من لفظه وأنه ليس القصد خصوص لفظه فلا تنافي بين روايتي الحمد والبسملة قال الكازروني: وقد فهموا من تخصيص الأمر بذي البال أنه لا يلزم في ابتداء الأمر الحقير التسمية لأن الأمر الشريف ينبغي حفظه عن صيرورته أبتر والحقير لا اهتمام ولا اعتداد بشأنه
<تنبيه> قال النووي: في كتاب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا قال: ويحمل هذا الحديث وما أشبهه على أن المراد لا يبدأ فيه بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فكأنه روي على أوجه بذكر الله ببسم الله بحمد الله قال: وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ بلفظ الحمد بل بالبسملة اه. قال ابن حجر: والحديث الذي أشار إليه صححه ابن حبان وفي إسناده مقال. وبتقدير صحته فالرواية المشهورة بلفظ بحمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية ثم اللفظ وإن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهو الأمور التي تحتاج إلى تقديم الخطبة. وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الذي خرجه أبو داود بلفظ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير وقد جمعت كتب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو [ص:14] يؤيد ما قررته اه
(عبد القادر الرهاوي) بضم الراء كما في الصحاح نسبة إلى رها بالضم حي من مذحج وذكر ابن عبد الهادي عن عبد الغني بن سعيد المصري أنه بالفتح (في) أول كتاب (الأربعين) البلدانية وكذا الخطيب في تاريخه (عن أبي هريرة) قال النووي في الأذكار بعد سياقه هذا الحديث وما قبله: روينا هذه الألفاظ في الأربعين للرهاوي وهو حديث حسن وقد روي موصولا ومرسلا قال: ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا فالحكم الاتصال عند الجمهور(5/13)
6285 - (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله) قال النووي في الأذكار: وأحسن العبارات فيه " الحمد لله رب العالمين " (والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة) قال ابن السبكي: دخول الفاء في خبر هذا المبتدأ مع عدم اشتماله على واقع موضع الشرط أو نحوه موصولا بظرف أو شبهه أو فعل صالح للشرطية وجهه أن المبتدأ وهو كل ما أضيف لموصوف بغير ظرف ولا جار ولا مجرور ولا فعل صالح للشرطية فجاز دخول الفاء على حد قوله:
كل أمر مباعد أو مداني. . . فمنوط بحكمة المتعالي
وفيه كالذي قبله تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع وقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على نبيه أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم من الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن ذكره كله الزمخشري
(الرهاوي) في الأربعين (عن أبي هريرة) ثم قال الرهاوي: غريب تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جدا لا يعتبر بروايته ولا بزيادته ومن ثم قال التاج السبكي: حديث غير ثابت وقال القسطلاني: في إسناده ضعفاء ومجاهيل وقال في اللسان كأصله إسماعيل بن أبي زياد قال الدارقطني: متروك يضع الحديث وقال الخليلي: شيخ ضعيف والراوي عنه حسين الزاهد الأصفهاني مجهول ورواه ابن المديني وابن منده وغيرهم بأسانيد كلها مشحونة بالضعفاء والمجاهيل(5/14)
6286 - (كل أهل الجنة يرى مقعده من النار) أي نار جهنم (فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكرا) قال أبو البقاء: يكون بمعنى يحدث وكان تامة وشكر فاعلها ولو روي بالنصب كان خبر كان بمعنى انتهى وظاهره أن الرواية بالرفع والثابت بخط المصنف النصب فلعل فيه روايتين (وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون عليه حسرة) تمامه عند الحاكم ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}
(حم ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح(5/14)
6287 - (كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا مسجدا) أو نحوه مما بنى بقصد القربة إلى الله كمدرسة ورباط فإنه [ص:15] ليس بوبال بل مطلوب محبوب بشرطه ويستثنى في خبر آخر ما لا بد منه لحاجة الإنسان للسكنى وذلك لأن حاجة النفس إلى المسكن كحاجتها إلى المطعم والمشرب والملبس والمركب فإذا كان البناء مما لا يستغنى عنه فلا ضير فيه والحاصل كما في الكشاف أن العمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه أي وحرام انتهى. وقال ابن الأثير: والوبال المكروه ما أراد به في الحديث العذاب في الآخرة
(هب عن أنس) رمز لحسنه(5/14)
6288 - (كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه) أي إلا ما كان شيئا قليلا بقدر الحاجة فلا يوسعه ولا يرفعه خرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي عمار إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين؟ قال الشهاب ابن حجر: ومثله لا يقال من قبل الرائي وكتب عمر إلى أبي موسى لا تشتغلوا بالبناء قد كان لكم في بناء فارس والروم كفاية الزموا السنة تبقى لكم الدولة وقال نوح لما قيل له في الخص الذي بني له ليسكنه هذا لمن يموت كثير قال الزمخشري: ازدحم الناس على درجة الحسن فتحركت وكانت رثة فصاح بهم ابنه فزجره وقال: لولا أنه حان من الدنيا ارتحال وإلى الآخرة انتقال لجددنا لكم البناء شوقا للقائكم ورجاء لحديثكم وما على الدرجة نشفق ولكن عليكم فاربعوا (1) على أنفسكم ومر بدار لبعض العلماء جديدة فقال رفع الطين ووضع الدين غره من في الأرض ومقته من في السماء أخرب داره وعمر دار غيره وكان أبو ذر لا يبني قط شيئا من داره إذا انهدم ويقول: إن رب المنزل لا يدعنا نقيم به إلا بعض أيام (وكل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به)
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه هانئ بن المتوكل قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال
_________
(1) [اربعوا: بهمزة وصل وفتح الباء كما في شرح مسلم للنووي. دار الحديث](5/15)
6289 - (كل بني آدم يمسه الشيطان) أي يطعنه في جنبه كما بينه في الرواية الآتية (يوم ولدته أمه إلا مريم) بنت عمران (وابنها) عيسى لاستجابة دعاء حنة لها بقولها {إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} وعلى هذا فالمس حقيقي وقيل أراد به الطمع في الإغواء لا حقيقة النخس وإلا لامتلأت الدنيا صياحا. فالاستهلال تصوير وتخييل لطمع الشيطان كأنه يمسه بيده وعليه فلا يرد ما قيل لو كان كذا لما خصا بالاستثناء لأن الصالحين كلهم كذا ما ذاك إلا لأن المراد كما قال عياض هما ومن في معناهما أما إذا أريد بالمس حقيقته وأنه من الفضائل فلا مانع من اختصاصهما حتى على المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ اختصاص المفضول بشيء لا يوجد في الفاضل غير عزيز كذا قرره بعض الأفاضل وهي زلقة زلقها مما عملته أيدي الزمخشري قال التفتازاني: طعن الزمخشري في صحة الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه وإلا فأي امتناع في أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما يرى ويسمع فليست تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يتصور في حق المولود حين يولد. قال: ثم أوله الزمخشري على تقدير صحته بأن المراد بالمس الطمع في إغوائه واستثناء مريم وابنها لعصمتهما ولما لم يخص هذا المعنى بهما عم الاستثناء لكل من يكون على صفتهما وهذا إما تكذيب للحديث بعد صحته وإما قول بتعليل الاستثناء والقياس عليه قال: وليت شعري من أين ثبت تحقق طمع الشيطان ورجائه وصدقه في أن هذا المولود محل لإغوائه ليلزمنا إخراج كل من لا سبيل له إلى إغوائه فلعله يطمع في إغواء من سوى مريم وابنها ولا يتمكن منه إلى هنا كلام السعد قال: وقد يشكل على ظاهر الحديث أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يحل حملها على الإعاذة من المس الذي يكون حين الولادة والجواب أن المس ليس إلا بعد الانفصال وهو الوضع ومعه الإعاذة غايته أنه عبر عنه بالمضارع لقصد الاستمرار بخلاف الوضع والتسمية اه
(م عن أبي هريرة)(5/15)
[ص:16] 6290 - (كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية (بإصبعه) بالإفراد وفي رواية للبخاري بالتثنية. قال الطيبي: المس والطعن عبارة عن الإصابة بما يؤذيه ويؤلمه لا كما زعمه المعتزلة أن المس تخييل واستهلاله صارخا من مسه تصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه. . . بما هو لاق من أذاها يهدد
وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأوسع مما كان فيه وارغد
فمن باب حسن التعليل فلا يستقيم تنزيل الحديث على أنه لا ينافيه وقال البيضاوي: مس الشيطان تعلقه بالمولود وتشويش حاله والإصابة بما يؤذيه ويؤلمه أولا كما قال تعالى عن أيوب {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} والاهتمام بحصول ما يصير ذريعة ومتسلقا في إغوائه اه. فقوله يؤلمه بين به أن المس حقيق ردا على الزمخشري (حين يولد) زاد البخاري في رواية في آل عمران فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب) أي المشيمة التي فيها الولد. قال ابن حجر: اقتصر هنا على عيسى دون الأولى لأن هذا بالنسبة للطعن في الجنب وذاك بالنسبة للمس أو هذا قبل الإعلام بما زاد وفيه بعد
(خ عن أبي هريرة) ورواه مسلم بمعناه في المناقب(5/16)
6291 - (كل بني آدم حسود ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) هذا الحديث سقط من قلم المصنف منه طائفة فإن سياقه عند أبي نعيم الذي عزاه إليه: كل بني آدم حسود وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد اه. وإنما كان كل أدمي حسودا لأن الفضل يقتضي الحسد بالطبع فإذ نظر الإنسان إلى من فضل عليه في مال أو علم أو غيرهما لم تملكه نفسه عن أن يحسده فإن بادر بكفها انكف وإلا سقط في مهاوي الهلكة وقيل لا يفقد الحسد إلا من فقد الخير أجمع ولذلك قال بعض الشعراء:
إن العرانين تلقاها محسدة. . . ولا ترى للئام الناس حسادا
وقال أبو تمام:
وذو النقص في الدنيا. . . بذي الفضل مولع
وقال البحتري:
لا تحسدوه فضل رتبته التي. . . أعيت عليكم وافعلوا كفعاله
قال في عين العلم: ونبه بهذا الحديث على أن سبب الحسد خبث النفس وأنه داء جبلي مزمن قل من يسلم منه
(حل عن أنس) بن مالك وفيه مجاهيل(5/16)
6292 - (كل بني آدم خطاء) بشد الطاء والتنوين يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطأ وهو من أبنية المبالغة. قال الطيبي: إن أريد بلفظ كل الكل من حيث هو كل فهو تغليب لأن الأنبياء ليسوا بمبالغين في الخطأ وإن أريد به الاستغراق وأن كل واحد خطاء لم يستقم إلا على التوزيع كما يقال هو ظلام للعبيد أي يظلم كل واحد واحد فهو ظالم بالنسبة إلى كل أحد ظلام بالنسبة إلى المجموع وإذا قلت هو ظلام لعبده ما كان مبالغا في الظلم (وخير الخطائين التوابون) يعني أن [ص:17] العبد لا بد أن يجري عليه ما سبق به القدر فكأنه قال لا بد لك من فعل الذنوب والخطايا لأن ذلك مكتوب عليك فأحدث توبة فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عظمت وإنما يؤتى من ترك التوبة وتأخيرها فإن الله غفور يحب التوابين وقد قال تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة} فما وصفهم بعد السيئة أصلا
(حم ت هـ ك عن أنس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة اه. قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل فيه لين وقال في موضع آخر: فيه ضعف وقال الزين العراقي: فيه علي بن مسعدة ضعفه البخاري اه. وقال جدي في أماليه: حديث فيه ضعف اه. لكن انتصر ابن القطان لتصحيح الحاكم وقال ابن مسعدة: صالح الحديث وغرابته إنما هي فيما انفرد به عن قتادة(5/16)
6293 - (كل بني آدم ينتمون) قال في الفردوس: الانتماء الارتفاع في النسب (إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) قال في أصل الروضة: من خصائصه أن أولاد بناته ينتسبون إليه بخلاف غيره اه. قال المصنف: ولم يذكروا مثله في أولاد بنات بناته كأولاد بنت بنته زينب من عبد الله بن جعفر وهم موجودون الآن فهم من آله وذريته وأولاده إجماعا لكن لا يشاركون أولاد الحسنين في الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقد فرقوا بين من يسمى ولد الرجل وبين من ينسب إليه فالخصوصية للطبقة العليا فقط فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه وأولاد زينب وأم كلثوم ابنتا فاطمة ينسبون إلى أبيهم لا إلى أمهم ولا إلى أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم جريا على قاعدة الشرع أن الولد يتبع أباه ما خرج عن ذلك إلا أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي نص عليها في هذا الخبر وهو مقصور على سلالة الحسنين رضي الله عنهما
(طب عن فاطمة الزهراء) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه أبو بشر ابن نعامة وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الأحاديث الواهية وقال: لا يصح. فقول المصنف هو حسن غير حسن(5/17)
6294 - (كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم) انظر لفظه كيف خص التعصيب بأولادها دون أختيها ولهذا ذهب السلف والخلف إلى أن ابن الشريفة غير شريف إذا لم يكن أبوه شريفا وهل يطلق على الزينبية أنهم أشراف؟ خلاف هذا ما ذكره المؤلف وقال الشهاب ابن حجر الهيثمي: معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته أنه يطلق عليه أنه أب لهم وأنهم بنوه حتى يعتبر ذلك في الكفاءة فلا يكافئ شريفة هاشمي غير شريف قال: وقولهم إن بني هاشم والمطلب أكفاء محله فيما عدا هذه الصورة قال الذهبي: والعلامة الخضراء لا أصل لها في الشرع بل حدث سنة ثلاثة وسبعين وسبع مئة بأمر السلطان شعبان
(طب عن عمر) بن الخطاب وذلك أنه خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فاعتل بصغرها وقال: أعددتها لابن أخي جعفر فقال عمر: والله ما الباه أردت ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: فيه بشر بن مهران وهو متروك(5/17)
6295 - (كل بيعين) بتشديد التحتية بعد الموحدة (لا بيع بينهما) أي ليس بينهما بيع لازم (حتى يتفرقا) من مجلس العقد (إلا بيع الخيار) بينهما فيلزم البيع حينئذ بالتفرق فيلزم باشتراطه
(حم ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب(5/17)
6296 - (كل جسد) وفي رواية كل لحم (نبت من سحت فالنار أولى به) هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس [ص:18] بالباطل من الكبائر قال الذهبي: يدخل فيه المكاس وقاطع الطريق والسارق والخائن والزاني ومن استعار شيئا فجحده ومن طفف في وزن أو كيل ومن التقط مالا فلم يعرفه وأكله ولم يتملكه ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر ومخبر المشتري بالزائد هكذا عد هذه المذكورات من الكبائر مستدلا عليها بهذا الحديث ونحوه ولا يخلو بعضها من نزاع. <تنبيه> هذا الحديث مما تمسك به المعتزلة على ذهابهم إلى أنه لا شفاعة لصاحب الكبيرة وقالوا: هو نص صريح
(هب حل) من حديث زيد بن أرقم (عن أبي بكر) الصديق قال زيد: كان لأبي بكر مملوك يغل عليه فاتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ثم قال: من أين جئت به قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فأعطوني قال: أف لك كدت أن تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له لا تخرج إلا بالماء فجعل يشرب الماء ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له كل هذا من أجل لقمة قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه عبد الواحد بن واصل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الأزدي وعبد الواحد بن زيد قال البخاري والنسائي: متروك قال أبو نعيم: وفي الباب عن عائشة وجابر(5/17)
6297 - (كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة) إنما صرفه إلى الطاعة لأنها أكشف الأشياء وأشهرها عند الناس فالعامة إنما تعرف الطاعة والمعصية فكل ما أمر الله به فهو طاعة وما نهى عنه فهو معصية والطاعة عند الخواص بذل النفس فيما أمر ونهى والمعصية إباؤها وامتناعها والقنوت الركوع فكل شيء استقر ولم يتحرك فهو راكد فالقنوت مقابلة الشيء بالشيء راكد عليه والقنوت مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه فإذا قابله بقلبه فقد بذل له نفسه فقد أطاعه
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: في إسناد أحمد وأبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وأقول فيه أيضا دراج عن أبي الهيثم وقد سبق أن أبا حاتم وغيره ضعفوه وأن أحمد قال: أحاديثه مناكير(5/18)
6298 - (كل خطبة ليس فيها تشهد) وفي رواية شهادة موضع تشهد (فهي كاليد الجذماء) أي المقطوعة والجذم سرعة القطع يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء علي فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها لصاحبها قال ابن العربي: ذكر الله مفتح كل كلام ولولا الحاجة إلى الدنيا لكان الكلام كله مصروفا إليه فإذا لم يكن بد من الذكر فليكن بعد الذكر له وأراد بالتشهد هنا الشهادتين من إطلاق الجزء على الكل كما في التحيات قال القاضي: أصل التشهد الإتيان بكلمة الشهادة وسمى التشهد تشهدا لتضمنه إياهما ثم اتسع فيه فاستعمل في الثناء على الله تعالى والحمد له
(د) في الأدب من حديث مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب عن أبيه (عن أبي هريرة) وعبد الواحد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة. قال ابن معين: ليس بشي. وقال الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها وعاصم أورده في الضعفاء أيضا وقال: قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به أي وقد انفرد به كما قاله البيهقي قال: وإنما تكلم ابن معين في أبي هاشم الرفاعي لهذا الحديث(5/18)
6299 - (كل خطوة) ضبطت بالضم والفتح (يخطوها أحدكم إلى الصلاة) أي إليها (تكتب له حسنة ويمحى عنه بها سيئة)
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وليس على ما ينبغي ففيه إبراهيم بن خالد أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: وثقوه وقال أبو حاتم: كان يتكلم بالرأي ليس محله محل المستمعين(5/18)
[ص:19] 6300 - (كل خلة يطبع عليها المؤمن) أي يمكن أن يطبع عليها (إلا الخيانة والكذب) فلا يطبع عليهما وإنما يحصل له ذلك بالتطبع ولهذا صح سلب الإيمان عنه في قوله " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " ولا معارضة بين استثناء الخصلتين هنا وخبر من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق من إذا أؤتمن خان وإذا وعد أخلف وإذا حدث كذب لأن خلف الوعد داخل في الكذب والفجور من لوازم الخيانة
(ع عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: فيه علي بن هاشم مجروح وقال الدارقطني: وقفه على سعد أشبه بالصواب وقال الذهبي في الكبائر: روي بإسنادين ضعيفين اه(5/19)
6301 - (كل خلق الله تعالى حسن) أي أخلاقه المخزونة عنده التي هي مئة وسبعة عشر كلها حسنة فمن أراد به خيرا منحه شيئا منها
(حم طب عن الشريد بن سويد) رمز المصنف لحسنه(5/19)
6302 - (كل دابة من دواب البحر والبر ليس لها دم منعقد) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ يتفصد وهو رواية (فليست لها ذكاة) قال في الفردوس: يقال تفصد الدم إذا سال اه
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك وجزم الحافظ ابن حجر بضعف سنده(5/19)
6303 - (كل دعاء محجوب) عن القبول (حتى يصلي) بالبناء للمفعول أي حتى يصلي الداعي (على النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه إذ هي الوسيلة إلى الإجابة لكونها مقبولة والله من كرمه لا يقبل بعض الدعاء ويرد بعضا فالصلاة عليه شرط في الدعاء وهو عبادة والعبادة بدون شرطها لا تصح
(فر عن أنس) ابن مالك (هب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه قال بعضهم: وقفه ظاهر وأما رواية أنس فيحتمل كونه ناقلا لكلام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ففيه تجريد جرد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه نبيا وخاطبه وهو هو وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الوقف وأنه لم يرو عن علي إلا موقوفا والأمر بخلافه أما الأول فلأن فيه محمد بن عبد العزيز الدينوري قال الذهبي في الضعفاء: منكر الحديث وأما الثاني فقد رواه الطبراني في الأوسط عن علي موقوفا وزاد فيه الأول فقال: كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد قال الهيثمي: رجاله ثقات اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رواية الديلمي الضعيفة ورواية البيهقي الموقوفة المعلولة وإهماله الطريق المسندة الجيدة الإسناد من سوء التصرف(5/19)
6304 - (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات) حال كونه (مشركا) بالله يغني كافرا به وخص الشرك لأنه أغلب أنواع الكفر حالتئذ لا للإخراج (أو قتل مؤمنا متعمدا) بغير حق وهذا في الإشراك مقطوع به {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وفي القتل منزل على ما إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ قال الذهبي في الكبائر: وأعظم من ذلك أن تمسك مؤمنا لمن عجز عن قتله فيقتله أو تشهد بالزور على جمع مؤمنين فتضرب أعناقهم بشهادتك الملعونة
(د عن أبي الدرداء [ص:20] حم ن) في المحاربة (ك) في الحدود (عن معاوية) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي قال المناوي وغيره: رجاله ليس فيهم إلا من روى له الشيخان أو أحدهما إلا أبا عوف الأنصاري وهو ثقة وقال الهيثمي: رواه البزار عن عبادة أيضا ورجاله ثقات(5/19)
6305 - (كل ذي مال أحق بماله) من والده وولده (يصنع به ما شاء) من إعطاء وحرمان وزيادة ونقصان
(هق عن ابن المنكدر) بضم الميم وسكون النون عبد الله بن الهدير بضم الهاء وفتح المهملة ابن عبد العزى القرشي التيمي أحد أعلام التابعين (مرسلا)(5/20)
6306 - (كل ذي ناب من السباع) يصول به كأسد ونمر وذئب وكلب (فأكله حرام) وبهذا أخذ جمهور السلف والخلف وهو قول الشافعي وأبو حنيفة ومالك في إحدى قوليه والثاني وبه قال جمهور صحبه يكره بخلاف ما له ناب لا يصول به كضبع فأكله غير حرام فإن فرض عدوه به كما قيل فيخص بحديثه عموم الحديث
(م) في الصيد (ن) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال ابن عبد البر: مجمع على صحته(5/20)
6307 - (كل راع مسؤول عن رعيته) أي كل حافظ لشيء يسأله الله عنه يوم القيامة هل أصلح ما تحت نظره وقام بحقوقه أم لا
(خط) في ترجمة عبيد الله الخزاعي (عن أنس) وقال: تفرد به الزبير بن بكار ورواه عنه الطبراني ومن طريقه تلقاه الخطيب مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه ربيعة بن عثمان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق. وقال فيه أبو حاتم: منكر الحديث ورواه أيضا البيهقي في أشعب باللفظ المزبور(5/20)
6308 - (كل سارحة ورائحة على قوم حرام على غيرهم) قال في الفردوس: السارحة التي تسرح بالغداة إلى مراعيها اه. والمراد أن كل ماشية أسامها القوم حرم على غيرهم التعرض لها بمنعها من الرعي وغيره
(طب) عن أبي أمامة قال الهيثمي: فيه سليمان بن سلمة الجبابري وهو ضعيف وقال غيره: فيه الحسن بن علي العمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: حافظ رفع موقوفات قليلة وسليمان بن سلمة الجبابري تركه أبو حاتم وغيره وبقية ضعفوه(5/20)
6309 - (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) وفي رواية بدل ونسبي وصهري قال الديلمي: السبب هنا الوصلة والمودة وكل ما يتوصل به إلى الشيء عنك فهو سبب وقيل السبب يكون بالتزويج والنسب بالولادة وهذا لا يعارضه حسنه في أخبار أخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعا لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه فقوله لا أغني عنكم أي بمجرد نفسي من عير ما يكرمني الله تعالى به أو كان قبل علمه بأنه يشفع ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء
(طب ك) في فضائل علي (هق عن عمر) بن الخطاب قال عمر: فتزوجت أم كلثوم لما سمعت ذلك وأحببت أن يكون بيني وبينه نسب وسبب خرج هذا السبب البزار (طب عن ابن عباس وعن المسور) بن مخرمة قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل منقطع وقال [ص:21] الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات(5/20)
6310 - (كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم مفرد سلاميات عظام الجسد أو أنامله أو مفاصله أي كل مفصل من المفاصل الثلاث مئة وستين التي في كل واحد عظم (من الناس عليه) ذكره مع أن سلامى مؤنثة باعتبار العضو هي المفصل لا لرجوعه لكل كما قيل (صدقة) إيجابها عليه مجاز وفي الحقيقة واجبة علي صاحبه (كل يوم تطلع فيه الشمس) في مقابلة ما أنعم الله عليه في تلك السلامى من باهر النعم ودوامها ولو شاء لسلبها القدرة وهو فيه عادل فإبقاؤها لا سيما مع التقصير في خدمته توجب دوام شكره بالتصدق وغيره ما دامت تلك النعم إذ لو فقد له عظم واحد أو يبس أو لم ينبسط فلم ينقبض لاختلت حياته وعظم بلاؤه والصدقة تدفع البلاء وليس المراد بالصدقة هنا المالية فحسب بل كنى بها عن نوافل الطاعات كما يفيده قوله (تعدل) هو في تأويل المصدر مبتدأ خبره صدفة (بين الاثنين) متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين (صدقة عليهما) لوقايتهما مما يترتب عليه الخصام من قبيح الأقوال والأفعال (وتعين) فيه وما بعده ما ذكر أي وفي إعانتك (الرجل) يعني الإنسان (على دابته فيحمل عليها) المتاع أو الراكب بأن يعينه في الركوب أو يحمله كما هو (وترفع) بمثناة فوقية بضبط المصنف (له عليها متاعه صدقة) أي أجرها كأجر صدقة عليه حذفت المضافات وحرف التشبيه للمبالغة وكذا في أخواته وهذا تشبيه محسوس بمحسوس والجامع عقلي وهو ترتب الثواب على كل منهما (والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبضمها ما بين القدمين وهو مبتدأ والباء زائدة (يخطوها) في رواية يمشوها (إلى الصلاة صدقة) أطلق على الكلمة صدقة كدعاء وذكر وسلام وثناء وغير ذلك مما يجمع القلوب ويؤلفها وعلى الخطوة إلى الصلاة صدقة مع عدم تعدي نفعها إلى الغير للمشاركة وتشبيها لهما بالمال في سعة الأجر وقيل هما صدقة على نفس الفاعل وفيه حض على حضور الجماعة ولزوم المساجد والسعي إليها (ودل الطريق صدقة وتميط) بضم أوله تنحى (الأذى) أي مما يؤذي المارة كقذر وحجر وشوك (عن الطريق) يذكر ويؤنث (صدقة) على المسلمين وأخرت هذه لكونها دون ما قبلها كما يشير إليه خبر شعب الإيمان وحمل الأذى على أذى الظالم والطريق على طريقه تعالى وهو شرعه بعيد وشرط الثواب على هذه الأعمال خلوص النية
(حم ق عن أبي هريرة)(5/21)
6311 - (كل سنن قوم لوط) أي طرائقهم (فقدت إلا ثلاثا) من سننها فإنها باقية إلى الآن معمول بها (جر نعال السيوف) على الأرض (وخضب الأظفار وكشف عن العورة)
(الشاشي وابن عساكر عن الزبير) بن العوام وقضية كلام المصنف أنه لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فإن أبا نعيم والديلمي خرجاه باللفظ المزبور عن الزبير المذكور(5/21)
6312 - (كل شراب أسكر) أي الذي فيه قوة الإسكار ومن شأنه أن يسكر وفي رواية لمسلم كل شراب مسكر (فهو حرام) [ص:22] فيه عموم يشمل جميع الأشربة نيئا أو مطبوخا عنبا أو غيره فلا وجه لتخصيص أحد الأشربة كيف والأخبار متعاضدة على ذلك
(حم ق 4 عن عائشة) قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع بكسر الموحدة وسكون الفوقية وهو نبيذ العسل فذكره وفي رواية لمسلم عن أبي موسى كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام وفي رواية عنه أيضا أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة(5/21)
6313 - (كل شرط) أي اشتراط (ليس في كتاب الله) أي في حكمه أو ليس فيه جوازه أو وجوبه بواسطته كالنص القرآني وقال القرطبي: قوله ليس في كتاب الله أي ليس مشروعا فيه تأصيلا ولا تفصيلا فإن من الأحكام ما لا يوجد تفصيله في الكتاب كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع والقياس (فهو باطل وإن كان مئة شرط) يعني وإن شرط مئة مرة لا يؤثر فذكره للمبالغة لا لقصد عين هذا العدد قال الطيبي: وهذا من الشرط الذي يتبع به الكلام السابق بلا جزاء للمبالغة وقال القرطبي: هذا خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط الشرعية صحيحة
(البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن ابن عباس) رمز لصحته(5/22)
6314 - (كل شيء بقدر) أي جميع الأمور إنما هي بتقدير الله في الأزل فالذي قدر لا بد أن يقع والمراد كل المخلوقات أي بتقدير محكم وهو تعلق الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب (حتى العجز) التقصير فيما يجب فعله أو من الطاعة أو أعم (والكيس) بفتح الكاف أي النشاط والحذق والظرافة أو كمال العقل أو شدة معرفة الأمور أو تمييز ما فيه الضر من النفع قال الطيبي: قوبل الكيس بالعجز على المعنى لأن المقابل الحقيقي للكيس البلادة ولعجز القوة وفائدة هذا الأسلوب تقييد كل من اللفظين بما يضاد الآخر يعني حتى الكيس والقوة والبلادة والعجز من قدر الله فهو رد على من يثبت القدرة لغيره تعالى مطلقا ويقول إن أفعال العباد مستندة إلى قدرة العبد واختياره ولأن مصدر الفعل الداعية ومنشؤه القلب الموصوف بالكياسة والبلادة ثم القوة والضعف ومكانهما الأعضاء والجوارح إذا كانوا بقدر الله وقضائه فأي شيء يخرج عنهما وقال التوربشتي: الكيس جودة القريحة وأتى به في مقابل العجز لأنه الخصلة المفضية بصاحبها إلى الجلادة وإتيان الأمور من أبوابها وذلك يقتضي العجز ولذلك كنوا به عن الغلبة فقالوا كايسته فكيسته أي غلبته قال: والعجز هنا عدم القدرة وقيل ترك ما يجب فعله والعجز والكيس روي بالجر بحتى أو بعطفه على شيء وبالرفع على كل أو بأنه مبتدأ حذف خبره أي كائنان بقدر الله ورجح الطيبي أن حتى حرف جر بمعنى إلى نحو {حتى مطلع الفجر} قال: ومعنى الحديث يقتضي الغاية لأنه أراد به أن أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكيس الموصل صاحبه إلى البغية والعجز الذي يتأخر به عن دركها وقال ابن حجر: معناه أن كل شيء لا يقع في الوجود إلا وقد سبق به علم الله ومشيئته وإنما جعلهما في الحديث غاية لذلك إشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا مرادة منا فلا تقع بعد ذلك إلا بمشيئة الله {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وقال القونوي: لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل كل شيء منسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الأفعال والصفات والأحوال وغير ذلك فإن قلت: كيف هذا مع حديث الصحيح عن أم حبيبة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمعها وهي تقول اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأخي معاوية وبأبي فقال لها: سألت الله بأرزاق مقسومة وآجال مضروبة لا يعجل منها شيء قبل محله ولا يؤخر بعد محله فلو سألت الله أن يجيرك من عذاب القبر وعذاب النار انتهى فما الفرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حث عليه من طلب الإجارة من النار والقبر؟ فالجواب: [ص:23] أن المقدرات ضربان ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكلية المختصة بالإنسان أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها محصورة في أربعة أمور العمر والرزق والأجل والشقاء والسعادة وأما اللوازم الجزئية التفصيلية فإنها لم تكد تنحصر ولم يمكن تعيين ذكرها وأيضا فظهور بعضها وحصوله للإنسان يتوقف على أسباب وشروط ربما كان بالدعاء والكسب والسعي والتعمل من جملتها بمعنى أنه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط أو الشروط بخلاف تلك الأربعة فإنه ليس للإنسان في ذلك قصد ولا تعمل ولا سعي بل ذلك نتيجة قضاء الله وقدره بموجب علمه السابق الثابت المحكم أزلا وأبدا فهذا فرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حرض عليه فتدبر
(حم م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمر) بن الخطاب(5/22)
6315 - (كل شيء فضل عن ظل بيت وجلف الخبز) بكسر وسكون (وثوب يواري عورة الرجل والماء لم يكن لابن آدم فيه حق) قال ابن الأثير: الجلف الخبز وحده لا أدم معه وقيل خبز يابس ويروى بفتح اللام جمع جلفة وهي الكسرة من الخبز وقال القاضي: الجلف هنا الظرف كالخرج والجوالق يريد ما يترك فيه الخبز
(حم) وكذا أبو نعيم في ترجمة عثمان (عن عثمان) بن عفان رمز المصنف لحسنه وفيه حريث بن السائب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الساجي وفيه حمدان قال النسائي: ليس بثقة وقال أبو داود: رافضي(5/23)
6316 - (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب) فهو مذموم واللذة التي لا تعقب ألما في الآخرة ولا التوصل إلى لذة هناك فهي باطلة إذ لا نفع فيها ولا ضرر وزمنها قليل ليس لتمتع النفس بها قدر (إلا أن يكون أربعة) أي واحد من أربعة هي (ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين (1)) قال القرطبي: فيه تحريم الغناء لأنه لم يرخص في شيء منه إلا في هذه الثلاثة فيحرم ما سواها من اللهو لأنه باطل كما في خبر آخر (وتعليم الرجل السباحة) أي العوم فإنه عون ولهذا كانت لذة اللعب بالدف جائزة لإعانتها على النكاح كما تعين لذة الرمي بالقوس وتأديب الفرس على الجهاد وكلاهما محبوب لله فما أعان على حصول محبوبه فهو من الحق ولهذا عد ملاعبة الرجل امرأته من الحق لإعانتها على النكاح المحبوب لله ولما كانت النفوس الضعيفة كالمرأة والصبي لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئا من اللهو واللعب بحيث لو فطمت بالكلية طلبت ما هو شر لها منه رخص لهما في ذلك ما لم يرخص لغيرهما كما دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله قائلا: هو لا يحب الباطل ولم يمنعهن لما يترتب عليه من المفسدة
(ن) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير) الأنصاري قال: رأيتهما يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه وهو تقصير فقد قال في الإصابة: إسناده صحيح فكان حق المصنف أن يرمز لصحته وجابر هذا قال البخاري: له صحبة وقال ابن حبان: يقال له صحبة
_________
(1) قال العزيزي: الغرض بمعجمين بينهما راء مرمى السهم يحتمل أن المراد مشيه بينهما في القتال ليجمع السهام المرمى بها أو مبارزة للقتال اه(5/23)
[ص:24] 6317 - (كل شيء للرجل حل من المرأة في) حال (صيامه ما خلا ما بين رجليها) كناية عن جماعها فتجوز القبلة لمن لم تحرك شهوته
(طس عن عائشة) وفيه إسماعيل بن عياش وقد مر غير مرة الخلاف فيه ومعاوية بن طويع اليزني أورده الذهبي في الذيل وقال: مجهول(5/24)
6318 - (كل شيء ينقص) كذا هو بخط المصنف وفي رواية يغيض بغين وضاد معجمتين يقال غاض الشيء إذا نقص وفاض إذا زاد وكثر (إلا الشر فإنه) لا ينقص بل (يزاد فيه) يحتمل أن المراد كل زمان يأتي بعده أكثر شرا منه
(حم طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الهيثمي بأن فيه أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ورجل آخر لم يسم(5/24)
6319 - (كل شيء جاوز الكعبين من الإزار) يعني كل شيء جاوزهما من قدم صاحب الإزار المسبل يعذب (في النار) عقوبة له على فعله حيث فعل خيلاء فإسبال الإزار بقصدها حرام لهذا الوعيد الشديد ويستثنى النساء ومن أسبله لضرورة كمن بقدميه نحو جرح يؤذيه نحو ذباب وفقد غيره ذكره الزين العراقي
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه اليمان ابن المغيرة ضعفه الجمهور(5/24)
6320 - (كل شيء قطع من الحي فهو ميت) أفاد به أن ما أبين من الحي فحكمه كميتته طهارة ونجاسة فنحو يد الآدمي ومشيمته طاهر ونحو ألية الخروف نجسة
(حل) من حديث يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: تفرد به خارجة فيما أعلم ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد عن عطاء عن أبي واقد الليثي وهو المشهور الصحيح اه(5/24)
6321 - (كل شيء خلق من الماء) فهو مادة الحياة وأصل العالم
(حم ك) في البر (عن أبي هريرة) قلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح خلا أبا ميمونة وهو ثقة(5/24)
6322 - (كل شيء سوى الحديدة) وفي رواية الدارقطني كل شيء سوى السيف وهي مبينة للمراد بالحديدة (خطأ) أي غير صواب يعني أنه من وجب عليه القتل فقتله الإمام أو المستحق بغير السيف كان مخطئا (ولكل خطأ أرش) قال ابن حجر: يعارضه خبر أنس في قصة العرنيين فعند مسلم في بعض طرقه إنما سملهم لأنهم سملوا الرعاء فالأولى حمله على غير المماثلة في القصاص جمعا بين الأدلة وحجة الجمهور في ذهابهم إلى أن القاتل يقتل بما قتل به قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقوله {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}
(طب عن النعمان بن بشير) قال ابن حجر: سنده ضعيف وقال الذهبي في التنقيح: فيه جابر الجعفي واه وفي الميزان عن جمع: كذاب قائل بالرجعة ثم أورد له هذا الخبر وقال: قال البخاري: لا يتابع عليه ورواه البيهقي في سننه أيضا باللفظ المزبور ورواه الدارقطني وفيه عنده جابر المذكور(5/24)
[ص:25] 6323 - (كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة) أي فيؤجر عليه بشرط الصبر والاحتساب على ما فيه مما سلف تقريره قال ابن العربي: فالكفارات سارية في الدنيا والإنسان لا يسلم من أمر يضيق صدره ويؤلمه حسا وعقلا حتى قرصة البرغوث والعثرة والآلام محدودة مؤقتة ورحمة الله غير موقتة فإنها وسعت كل شيء فمنها ما يكون من طريق المنة ومنها ما يؤخذ بطريق الوجوب الإلهي في قوله {كتب ربكم على نفسه الرحمة} بعد قوله {فسأكتبها} ثم كتبها فالناس يأخذونها جزاء وبعضهم يكون له امتنانا وكل ألم في العالم في الدنيا والآخرة مكفر لأمور مؤقتة محدودة وهو جزاء لمن يتألم به من كبير وصغير بشرط تعقل التألم لا بطريق الإحساس بالتألم من غير تعقله وهذا المدرك لا يدركه من لا كشف له فالرضيع لا يعقل التألم وإن أحس به إلا أن نحو أبويه وأقاربه يتألم ويتعقل لما يرى من تألمه بمرضه فيكون ذلك كفارة لمتعقله فإن زاد ذلك الترحم به كان مع التكفير عنه مأجورا وأما الطفل إذا استعقل التألم وطلب النفور عن السبب المؤلم فألمه كفارة لما صدر منه مما يأثم به غيره من إيذاء حيوان أو طفل آخر وإبائه عما يدعوه إليه أبواه أو قتله بنحو نملة يطؤها برجله وسر هذا الأمر عجيب سار في الموجودات حتى الإنسان يتألم بنحو غم وضيق صدر فإنه كفارة لذنوب أتاها من حيث لا يشعر وذلك كله يراه أهل الكشف تحققا
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي إدريس) عائذ بن عبد الله (الخولاني) بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون الشامي أحد علماء التابعين ولد يوم حنين وله رؤية لا رواية فهو من حيث الرؤية صحابي ومن حيث الرواية تابعي (مرسلا)(5/25)
6324 - (كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعاء الوالد لولده)
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) كلام المصنف يؤذن بأنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجيب فقد خرجه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور عن أنس(5/25)
6325 - (كل شيء يتكلم به ابن آدم فإنه مكتوب عليه) أي يكتبه عليه الملكان الحافظان (فإذا أخطأ الخطيئة) قال في الفردوس: يقال خطئ إذا أذنب وأخطأ إذا لم يصب الصواب (ثم أحب أن يتوب إلى الله عز وجل فليأت بقعة مرتفعة فليمدد يديه إلى الله ثم يقول اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع أبدا فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك) قال السهيلي: هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث الخروج إلى براز من الأرض وإتيان بقعة رفيعة لعل المراد به مفارقة موضع المعصية فإنه موضع سوء وأهله كذلك إذا رآهم تشبه بهم أو رأوه فلم يبصروه ولم ينكروا عليه ويشهد لهذا التأويل أخبار كثيرة ومما يشير إلى ذلك الأمر بالخروج من ديار ثمود فهو إشارة إلى أن هجر مواضع المعصية من توابع التوبة لأن التوبة طهارة من الذنب ولا بد في الطهارة من طهارة القلب والجوارح ومن طهارة موضع التوبة كموضع الصلاة والثوب والبدن اه
(طب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: إنه منكر(5/25)
[ص:26] 6326 - (كل صلاة) لفظ عام يشمل الفرض والنفل والجماعة والفرادى لأن لفظ كل للعموم (لا يقرأ فيها بأم الكتاب) أي الفاتحة سميت به لأنها أول القرآن في التلاوة (فهي خداج) أي ذات خداج بكسر الخاء مصدر خدجت الناقة إذا ألقت ولدها ناقصا فلا تصح فاستعير للناقص أي فصلاته ذات نقصان أو خدجة أي ناقصة نقص فساد وبطلان فلا تصح الصلاة بدونها للمنفرد ولا للمقتدي عند الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجب على المأموم قراءة ووافقه مالك وأحمد في الجهرية
<تنبيه> قال ابن عربي: المصلي يناجي ربه والمناجاة كلام والقرآن كلام والعبد لا يعلم ما يكلم به ربه وقت مناجاته فكلمه ربه لما قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ثم إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي الحديث فما ذكر في حق المصلي إذا ناجاه يناجيه بغير كلامه ثم عين من كلامه أم القرآن إذا كان لا يناجي إلا بكلامه وبالجامع من كلامه والأم هي الجامعة فكأن الحديث مفسرا لما تيسر من القرآن
(حم عن عائشة حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هق عن علي) بن أبى طالب (خط عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن جابر وزاد إلا أن يكون وراء الإمام وقال: فيه يحيى بن سلام ضعيف(5/26)
6327 - (كل طعام لا يذكر اسم الله عليه فإنما هو داء) أي يضر بالجسد وبالروح وبالقلب (ولا بركة فيه وكفارة ذلك إن كانت المائدة موضوعة أن تسمي) الله تعالى بأن تقول بسم الله على أوله وآخره (وتعيد يدك) إلى تناول الطعام (وإن كانت قد رفعت أن تسمي الله وتلعق أصابعك) قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله قال ابن حجر: وفي نقل الإجماع نظر إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جمع إلى وجوبها وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة
(ابن عساكر) في ترجمة منصور بن عمار من حديثه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير (عن عقبة بن عامر) ثم قال أعني ابن عساكر: قال ابن عدي: ابن عمار منكر الحديث اه وقال الدارقطني: له أحاديث لا يتابع عليها وابن لهيعة حاله معروف ورواه أيضا من هذا الوجه الديلمي والمخلص والبغوي وغيرهما فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير جيد(5/26)
6328 - (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) وهو المجنون (والمغلوب على عقله) الذي لا يتحصل شيء من أمره قال ابن العربي: قد اتفق الكل على سقوط أثر قوله شرعا لكن يحاول له وليه أمره كله إن كان له ولي وإلا فالسلطان ولي من لا ولي له وقال: وهذا بخلاف المجنون الذي يجن مرة ويفيق أخرى فإنه في حال جنونه ساقط القول وفي حالة إفاقته معتبرة إلا إن غلب عليه الصرع فعتهه فيلحق بالأول
(ت) في الطلاق من حديث عطاء بن عجلان (عن أبي هريرة) قال الترمذي: وعطاء ضعيف ذاهب الحديث اه. قال ابن الجوزي: عطاء قال يحيى: كذاب كان يوضع له الحديث فيتحدث به وقال الرازي: متروك وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كتب حديثه إلا للإعتبار اه وقال ابن حجر: ضعيف جدا فيه عطاء بن عجلان متروك(5/26)
6329 - (كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر) . (ك) عن جابر (صح) (1)(5/26)
6330 - كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن محسر وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة) . (هـ) عن جابر (صح)
_________
(1) هذا الحديث والذي بعده ساقطان من نسخ الشرح(5/26)
[ص:27] 6331 - (كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عرنة) بضم العين المهملة وفتح الراء وزان رطبة وفي لغة بضمتين موضع بين منى وعرفات وتصغيرها عرينة وبها سميت القبيلة والنسبة إليها عرنى (وكل المزدلفة موقف وارفعوا عن بطن محسر) بصيغة اسم الفاعل وهو واد بين منى ومزدلفة سميت به لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات (وكل فجاج منى منحر وكل أيام التشريق ذبح) وقال الطيبي: أراد به التوسعة ونفي الحرج
(حم عن جبير بن مطعم) قال الهيثمي: رجاله موثقون(5/27)
6332 - (كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله عز وجل فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة) قال القاضي: معناه أن الرجل إذا مات لا يزاد عن ثواب ما عمل ولا ينقص منه شيء إلا الغازي فإن ثواب مرابطته ينمو ويتضاعف وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره إليه أو لا يزاد فاندفع قول البعض هذا الحديث يكاد يخل بالحصر المذكور في خبر " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث "
(طب حل عن العرباض) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات(5/27)
6333 - (كل عين زانية) يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم وذلك زناها أي فليحذر من النظر ولا يدع أحد العصمة من هذا الخطر فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي مع جلالته يا علي لا تتبع النظرة النظرة (والمرأة) في نسخة فالمرأة بالفاء (إذا استعطرت فمرت بالمجلس) فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها فكل من ينظر إليها فقد زنى بعينه ويحصل لها إثم لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه فإذن هي سبب زناه بالعين (فهي) أيضا (زانية) وفي رواية فهي كذا وكذا يعني زانية
(حم ت) في الاستئذان عن (أبي موسى) الأشعري قال الترمذي: حسن صحيح رمز المصنف لحسنه وقال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف تفرد الترمذي به من بين الستة وهو ذهول فقد رواه أيضا النسائي في الزينة باللفظ المذكور(5/27)
6334 - (كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت في سبيل الله وعينا خرج منها مثل رأس [ص:28] الذباب من خشية الله) فلا تبكي يوم القيامة بكاء حزن بل بكاء فرح وسرور لما ترى من عظيم إكرام الله لها وعظيم ثوابه
(حل عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(5/27)
6335 - (كل قرض صدقة) من المقرض على المقترض أي يؤجر عليه كأجر الصدقة
(طس حل عن ابن مسعود) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه جعفر بن ميسرة وهو ضعيف وقال غيره: فيه غسان بن الربيع أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وجعفر بن ميسرة الأشجعي قال أبو حاتم: منكر الحديث جدا(5/28)
6336 - (كل قرض جر منفعة) إلى المقرض (فهو ربا) أي في حكم الربا فيكون عقد القرض باطلا فإذا شرط في عقده ما يجلب نفعا إلى المقرض من نحو زيادة قدر أو صفة بطل
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: إسناده ساقط وأقول: فيه سوار بن مصعب قال الذهبي: قال أحمد والدارقطني: متروك(5/28)
6337 - (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم) أي مقطوع البركة أو ناقصها وما جرى عليه المصنف من أن لفظ الحمد بغير لام التعريف هو ما وقع لابن الملقن وغيره قال الكمال بن أبي شريف: والصواب في الرواية إثباتها وهكذا هو في نسخ أبي داود المعتمدة بالحمد لله
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أيضا النسائي في عمل يوم وليلة وابن ماجه في النكاح وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي وغيرهم قال ابن حجر: اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني إرساله(5/28)
6338 - (كل كلم) بفتح فسكون (يكلمه) بضم فسكون أي كل جرح يجرحه (المسلم في سبيل الله) قد يخرج في غير سبيله وفي رواية والله أعلم بمن يكلم في سبيله إشارة إلى الإخلاص (تكون يوم القيامة كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية كل كلمة يكلمها (إذ طعنت تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى أصله تتفجر (دما واللون لون الدم والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح (عرف مسك) وإنما أتى على هيئته ليشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة طيب ريحه إظهار فضله لأهل الموقف وانتشار ذلك فيهم ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد وفيه طهارة المسك ورد عليه من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد
(ق) في الجهاد (عن أبي هريرة)(5/28)
6339 - (كل ما) قال الحرالي: كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات (صنعت إلى أهلك) ابتغاء لوجه الله كما قيد به في عدة أخبار (فهو صدقة عليهم) فما أنفقه الإنسان بنية التقرب به فهو داخل في قسم إرادة الآخرة والسعي إليها قال السبكي: والعبادة أربعة أقسام أحدها ما وضعه الشرع عبادة كصلاة وصوم وحج وصدقة فمتى صح فقربة مطلقا وثانيها ما طلب الشرع من مكارم الأخلاق كإفشاء سلام ونحوه مما فيه مصلحة فإن وجد بنية الامتثال فقربة وإلا فمباح ثالثها ما لا يستقل بتحصيل مصلحة فإنما يفعل للتوصل به لغيره كالمشي فهو وسيلة فيكون بحسب ما قصد رابعها ما وضع مباحا مقصودا لتحصيل مصلحة دنيوية كأكل وشرب ونوم فإن حصل بغير نية أو نية دنيوية فمباح أو بنية دينية ففيه ثواب على النية فقط عند البعض وعليها مع الفعل عند البعض وهو الحق اه
(طب) من حديث الزبرقان بن عبد الله [ص:29] بن عمرو بن أمية عن أبيه (عن) جده (عمرو بن أمية) الضمري قال: مر على عثمان أو على عبد الرحمن بن عوف بمرط فاستغلاه فمر به على عمرو بن أمية فاشتراه فكساه امرأته فمر به عثمان أو عبد الرحمن فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت قال: تصدقت به على أهلي قال: أو كل ما صنعت إلى أهلك صدقة فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر ذلك فذكر ما قال عمرو لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: صدق عمرو كل ما صنعت إلخ والزبرقان هذا مشهور وثقه النسائي وغيره وأخرج له أيضا الترمذي وأبو داود وليس هو بالزبرقان الضمري ذاك انفرد به وقد كتبهما الذهبي وأشار إلى ضعف الفرق وأبوه انفرد به النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وجده صحابي مشهور من غير مرة ومن لطائف إسناد هذا الحديث أن من رواية الرجل عن أبيه عن جده وقال المنذري عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني: رواته ثقات وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير فكان حقه الرمز لصحته(5/28)
6340 - (كل مال النبي) ولفظ رواية الترمذي كل مال نبي أو مال كل نبي صدقة إذ النكرة في الإثبات للعموم (صدقة إلا ما أطعمه) في نسخة أطعمه الله وفي أخرى أطعمه بضم الهمزة أي أنا لكوني المتصرف في أموال المسلمين وضمير أطعمه على الأول عائد للنبي أو لله أي إلا ما نص على أنه يأكل منه عياله (أهله وكساهم إنا) معشر الأنبياء (لا نورث) وحكمته أن لا يتمنى الوارث موت نبي فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لمورثهم فيهلك الظان وينفر عنهم ولأنهم أحياء ولأنه تعالى شرفهم بقطع حظوظهم من الدنيا وما بأيديهم منها إنما هو عارية وأمانة ومنفعة لعيالهم وأممهم وأما قوله تعالى {وورث سليمان داود} فالمراد إرث العلم وكذا قول زكريا {يرثني} وقد كان ينفق من ماله ويتصدق بفضله ثم توفي فصنع الصديق كفعله
(د عن الزبير) وشهد به جمع من الصحابة رمز المصنف لحسنه(5/29)
6341 - (كل مال أدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا) على وجه الأرض فالكنز في عرف الشرع ما لم تؤد زكاته كيفما كان وفي لسان العرب المال المجتمع المخزون فوق الأرض وتحتها قال ابن الأثير: فهو حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل. وقال ابن عبد البر: والاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي ولا أعلم مخالفا في أن الكنز ما لم تؤد زكاته إلا شيئا روى عن علي وأبي ذر والضحاك وذهب إليه قوم من أهل الزهد قالوا: إن في المال حقوقا سوى الزكاة وقال القاضي: لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على الصحابة وظنوا أنها تمنع عن جمع المال وضبطه رأسا وأن كل من أثل مالا قل أم جل فالوعيد لاحق به فبين صلى الله عليه وسلم أن المراد في الكنز بالآية ليس الجمع والضبط مطلقا بل الحبس عن المستحق والامتناع عن الإنفاق الواجب الذي هو الزكاة وأنه تعالى ما رتب الوعيد على الكنز وحده بل على الكنز مع عدم الإنفاق وهو الزكاة
(هق عن ابن عمر) بن الخطاب مرفوعا وموقوفا وقال البيهقي: ليس بمحفوظ والمشهور وقفه(5/29)
6342 - (كل ما توعدون في مئة سنة) أي يكون وقوع جميعه في مئة سنة من آخر الزمان لأنه يقع في مئة سنة من البعثة والوفاة
(البزار) في مسنده (عن ثوبان) ورواه ابن الجوزي وأعله(5/29)
6343 - (كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته ومأدبة الله القرآن فلا تهجروه) سبق عن الزمخشري أن المأدبة مصدر بمنزلة [ص:30] الأدب وهو الدعاء إلى الطعام وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوليمة فالمعنى أن كل مولم يحب أن يأتيه الناس في وليمته إذا دعاهم وضيافة الله لخلقه القرآن فلا تتركوه بل داوموا على قراءته
(هب عن سمرة) بن جندب ورواه عنه الديلمي في الفردوس(5/29)
6344 - (كل مؤذ في النار) يعني كل ما يؤذي من نحو حشرات وسباع يكون في نار جهنم عقوبة لأهلها وقيل هو وعيد لمن يؤذي الناس أي كل من آذى الناس في الدنيا من الناس أو من غيرهم يعذبه الله في تلك الدار في نار الآخرة ذكره الزمخشري والخطابي
(خط) في ترجمة عثمان الأشج المعروف بابن أبي الدنيا (وابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن علي) أمير المؤمنين. قال الخطيب: وعثمان عندي ليس بشيء اه. وأورده الذهبي في المتروكين وقال: خبر غريب(5/30)
6345 - (كل مسجد فيه إمام ومؤذي فالاعتكاف فيه يصح) أخذ بظاهره الحنابلة فقالوا: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة وقال الثلاثة: يصح في كل مسجد
(قط عن حذيفة) قال الذهبي: هذا الحديث في نهاية الضعف وذلك لأن فيه سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث. قال ابن حبان: يضع على الأثبات ما لا يخفى ووهاه ابن عدي وأورد له من الواهيات عدة هذا منها وفي اللسان سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث(5/30)
6346 - (كل مسكر حرام) سواء كان من عنب أو نقيع زبيب أو تمر أو عسل أو غيرها كما ذهب إلى ذلك الجمهور واستدلوا بمطلق قوله كل على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا فدخل نحو حشيش وبنج وغيرهما وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة. قال الحافظ ابن حجر: وهي مكابرة لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة وبفرض تسليم عدم إسكارها فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء
(حم ق د ن هـ عن أبي موسى) الأشعري (حم ن عن أنس) بن مالك (حم د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ن هـ عن أبي هريرة هـ عن ابن مسعود) قال: قالوا يا رسول الله إن شرابا يصنع يقال له المزر وإن شرابا يقال له البتع من العسل فذكره. قال المصنف: الحديث متواتر(5/30)
6347 - (كل مسكر خمر) أي مخامر للعقل ومغطيه يعني أن الخمر اسم لكل ما يوجد فيه الإسكار وللشرع أن يحدث الأسماء بعد أن لم تكن كما أن له وضع الأحكام كذلك أو أنه كالخمر في الحرمة ووجوب الحد وإن لم يكن خمرا (وكل مسكر حرام) قال الزين العراقي: كذا في رواية الصحيح وفي بعض طرقه في الصحيح وكل خمر حرام والكل صحيح اه. والرواية الثانية يحصل منها مقدمتان وينتج ذلك كل مسكر حرام اه. قال ابن العربي: من زعم أن قوله كل مسكر خمر معناه مثل الخمر لأن حذف مثل في مثله مسموع شائع فقد وهم. قال: بل الأصل عدم التقدير ولا يصار إلى التقدير إلا لحاجة ولا يقال احتجنا إليه لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث لبيان الأسماء قلنا بل بيان الأسماء من جملة الأحكام لمن يعلمها وقال الطيبي: فيه دليل على جواز القياس باطراد العلة وقال في الفائق: قول نعمان الخمر كل ما أسكر فغيره حلال طاهر رد بخبر كل مسكر خمر إن من الحنطة خمرا الخمر من هاتين الشجرتين فالخمر [ص:31] في الكل حقيقة شرعية أو مجاز في الغير فيلزم النجاسة والتحريم (ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها) أي مصر عليها وهي معنى قوله في الرواية الأخرى لم يتب وفي رواية الصحيح إلا أن يتوب وفيه أن التوبة تكفر الكبائر والواو للحال وإدمانها مداومة شربها (لم يشربها في الآخرة) يعني لم يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا لم يشربها لم يدخلها أو أنه يدخلها ويحرم شربها بأن تنزع منه شهوتها ذكره ابن عبد البر واستشكل بأن من لا يشتهي شيئا لا يخطر بباله لا يحصل له عقوبة ذلك وشهوات الجنة كثيرة يستغني بعضها عن بعض وأجاب الزين العراقي بأن كل شهوة يجد لها لذة لا يجدها لغيرها فيكون ذلك نقصا في نعيمه بل ورد في الحديث أن الطعام الواحد في الجنة يجد لكل لقمة منه لذة لا يجدها لما قبلها فهذا في النوع الواحد فكيف بنعيم برأسه
(حم م 4) في الأشربة (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه(5/30)
6348 - (كل مسكر حرام) سواء اتخذ من العنب أم من غيره وفرق الحنفية بينهما بدعوى المغايرة في الاسم مع اتحاد العلة فيهما فإن كل ما قدر في المتخذ من العنب يقدر في المتخذ من غيرها. قال القرطبي: وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه للأصل في جميع أوصافه مع موافقته لظهور النصوص الصحيحة (وما أسكر منه الفرق) بالتحريك مكيلة تسع ستة عشر رطلا وبالسكون تسع مئة وعشرون رطلا (فملء الكف منه حرام) قال الطيبي: الفرق وملء الكف كلاهما عبارة عن التكثير والتقليل لا التحديد قال القرطبي: الأحاديث الواردة في هذا الباب على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا أن الأمر بتجنب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ومن غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادروا إلى إراقة ما كان من عصير غير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم للنهي عن إضاعة المال فلما بادروا للإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره مطلقا قال: وأما الأحاديث التي تمسك بها المخالف فلا شيء منها يثبت
(د ت عن عائشة) قال القرطبي: إسناده صحيح ولذلك رمز المؤلف لصحته ورواه مسلم عن ابن عمر بنحوه(5/31)
6349 - (كل مشكل) أي كل حكم أشكل علينا لخفاء النص فيه أو لتعارض نصين أو لعدم نص صريح ولم يقع على ذلك الحكم إجماع واجتهد فيه مجتهد ولم يظهر له شيء أو فقد المجتهد فهو (حرام) لبقائه على إشكاله بالنسبة للعلماء وغيرهم (وليس في الدين إشكال) عند الراسخين في العلم غالبا لعلمهم الحكم في الحادثة بنص أو إجماع أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإذا تردد شيء بين الحل والحرمة اجتهد فإن ظهر له الحكم بدليل غير خال عن تطرق الاحتمال فالورع العمل بالأحوط
(طب) وكذا القضاعي (عن تميم الداري) قال الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو مجمع على ضعفه وفي الميزان: كذبه مالك وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب وقال أحمد: لا يساوي شيئا وقال أبو زرعة: يضرب على حديثه وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ومن مناكيره هذا الحديث(5/31)
6350 - (كل مصور) لذي روح (في النار) أي يكون يوم القيامة في نار جهنم لتعاطيه ما يشبه ما انفرد الله به من الخلق [ص:32] والاختراع (يجعل له) بفتح ياء يجعل والفاعل الله أضمر للعلم به (بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم) أي يعذبه نفس الصورة بأن يجعل فيه روح والباء في بكل صورة شخصا يعذبه فالباء بمعنى لام السبب
(حم م) في اللباس من حديث سعيد بن أبي الحسن (عن ابن عباس) قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال له: ادن مني فدنا ثم قال: ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال له: أفتك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول فذكره(5/31)
6351 - (كل معروف) أي ما عرف فيه رضى الله عنه من جملة الخيرات وقال الحرالي: هو ما يشهد عيانه بموافقته وقبول موقعه بين الأنفس فلا يلحقها منه تنكر وقال في موضع آخر: هو ما تقبله الأنفس ولا تجد منه نكيرا (صدقة) أي ثوابه كثواب الصدقة وفيه إشارة إلى أنه لا يحتقر شيء من المعروف قال ابن بطال: دل الحديث على أن كل شيء يفعله الإنسان أو يقوله يكتب له به صدقة وقال ابن أبي جمرة: المراد بالصدقة الثواب فإن قارنت النية أثيب صاحبه جزما وإلا ففيه احتمال قال: وفيه إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في المحسوس فلا تختص بأهل اليسار مثلا بل كل أحد يمكنه فعلها غالبا بلا مشقة
(حم) بسند رجاله رجال الصحيح (خ) في الأدب (عن جابر) ابن عبد الله (حم م) في الزكاة (د) في الأدب (عن حذيفة) بن اليمان قال المصنف: هذا حديث متواتر(5/32)
6352 - (كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة) تسمية هذا وما قبله وما بعده صدقة من مجاز المشابهة أي لهذه الأشياء أجر كأجر الصدقة في الجنس لأن الجمع صادر عن رضا الله مكافأة على طاعته إما في القدر أو الصفة فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغايتها وقيل معناه أنها صدقة على نفسه واستدل بظاهر هذه الأحاديث الكعبي على أنه ليس في الشرع شيء يباح بل إما أجر وإما وزر فمن اشتغل بشيء عن المعصية أجر قال ابن التين: والجماعة على خلافه
(خط في الجامع) في آداب المحدث والسامع (عن جابر) بن عبد الله (طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقال الهيثمي: في سند الطبراني صدقة بن موسى الدقيقي وهو ضعيف(5/32)
6353 - (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أنواع البر وثوابه من تصدق بالمال والمعروف لغة ما عرف وشرعا قال ابن عرفة الطاعة: ولما تكرر الأمر بالصدقة في الكتاب والسنة مالت إليها القلوب فأخبرهم بأن كل طاعة من قول أو فعل أو بذل صدقة يشترك فيها المتصدقون حثا منه للكافة على المبادرة إلى فعل المرء طاقته وسميت صدقة لأنها من تصديق الوعد بنفع الطاعة عاجلا وثوابها آجلا (وما أنفق المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة) لأنه ينكف بذلك عن السؤال ويكف من ينفق عليه (وما وقى به المرء المسلم عرضه) أي يعطيه الشاعر ومن يخاف لسانه وشره (كتب له به صدقة) أي دفع به النقيصة عن عرضه بذكر ما يهتضم به في نفسه وفي أسلافه فإنه صدقة لأن صيانة العرض من جملة الخيرات لما أنه يحرم على الغير كالدم والمال قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله متطوعا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق في فعله ويقال لكل ما يحابي به المرء [ص:33] من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه قال عبد الحميد الهلالي: قلت لابن المنكدر: ما وقى الرجل به عرضه قال: يعطي الشاعر أو ذا اللسان (وكل نفقة أنفقها المسلم فعلى الله خلفها والله ضامن إلا نفقة في بنيان أو معصية) ظاهر هذا أنه لا يشترط في حصول الثواب نية القربة لكنه مقيد في أخبار أخر بقوله وهو يحتسبها فيحمل المطلق على المقيد وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة فإن نفقة الزوجة من ملاذ الدنيا المباحة ووضع اللقمة في فمها إنما يكون عند الملاعبة وهي أبعد الشيء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع ذلك فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يثاب عليه ثواب الصدقة ففي غير هذه الحالة أولى
(عبد بن حميد ك) من حديث عبد الحميد بن الحسن عن محمد بن المنكدر (عن جابر) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد ضعفوه وقال في الميزان: غريب جدا(5/32)
6354 - (كل معروف صدقة) قال القاضي: المعروف في اصطلاح الشارع ما عرف حسنه بالشرع وبإزائه المنكر وهو ما أنكره وحرمه وقال الراغب: المعروف اسم لكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل معا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال ابن أبي جمرة: يطلق المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من عمل البر جرت به العادة أم لا (والدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان) أي المتحير في أمره الحزين المسكين
<تنبيه> قال الماوردي: المعروف نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بجميل القول والباعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيكون ملقا مذموما وإن توسط واقتصد فهو بر محمود وفي منثور الحكم من قل حياؤه قل أحباؤه والعمل بذل الجاه والإسعاف بالنفس والمعونة في النائبة والباعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حد بخلاف الأولى فإنها وإن كثرت أفعال تعود بنفعين نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر ونفع على المعان بها في التخفيف والمساعدة فلذلك سماه هنا صدقة
(هب عن ابن عباس) وفيه طلحة بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: متروك وقال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحجاج ضعيف وقد جاء مفرقا في أخبار أخر(5/33)
6355 - (كل من ورد) وفي رواية لأبي نعيم كل من وافى (القيامة) من الأمم (عطشان) أي فترد كل أمة على نبيها في حوضه فيسقي من أطاعه منهم
(حل هب) كلاهما من حديث سهل بن نصر عن ابن أسماك الهيثمي بن جماز عن يزيد الرقاشي (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: دخلت على يزيد وهو يبكي في يوم حار وقد عطش نفسه أربعين سنة فقال: أدخل تعال نبكي على الماء البارد في اليوم الحار حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره ومحمد بن صبيح بن سماك أورده الذهبي في الضعفاء قال ابن نمير: ليس حديثه بشيء والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي: متروك ويزيد الرقاشي قال النسائي: متروك وقال الذهبي: ضعيف(5/33)
6356 - (كل مولود) من بني آدم (يولد على الفطرة) اللام للعهد والمعهود فطرة الله التي فطر الناس عليها أي الخلقة التي خلق الناس عليها من الاستعداد لقبول الدين والنهي لتتجلى بالحق وقبول الاستعداد والتأبي عن الباطل والتمييز بين [ص:34] الخطأ والصواب (حتى يعرب عنه لسانه) فحينئذ إن ترك بحاله وخلى وطبعه ولم يتعرض له من الخارج من يصده عن النظر الصحيح من فساد التربية وتقليد الأبوين والألف بالمحسوسات والانهماك في الشهوات ونحو ذلك لينظر فيما نصب من الدلالة الجلية على التوحيد وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك نظرا صحيحا يوصله إلى الحق وإلى الرشد عرف الصواب ولزم ما طبع عليه في الأصل ولم يختر إلا الملة الحنيفية وإن لم ينكر بحاله بأن كان أبواه نحو يهوديين أو نصرانيين (فأبواه) هما اللذان (يهودانه) أي يصيرانه يهوديا بأن يدخلاه في دين اليهودية المحرف المبدل بتفويتهما له (أو ينصرانه) أي يصيرانه نصرانيا (أو يمجسانه) أي يدخلانه المجوسية كذلك بأن يصداه عما ولد عليه ويزينا له الملة المبدلة والنحل الزائفة ولا ينافيه {لا تبديل لخلق الله} لأن المراد به لا ينبغي أن تبدل تلك الفطرة التي من شأنها أن لا تبدل أو هو خبر بمعنى النهي ذكره البيضاوي وقال الطيبي: الفطرة تدل على نوع من الفطر وهو الابتداء والاختراع والمعنى بها هنا تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة بالتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها لغيرها لأن هذا الدين حسنه مركوز في النفوس وإنما يعدل عنه بآفة من الآفات البشرية والتقليد والفاء في فأبواه للتعقيب أو للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه انتهى. والحاصل أن الإنسان مفطور على التهيئ للإسلام بالقوة لكن لا بد من تعلمه بالفعل فمن قدر الله كونه من أهل السعادة قيض الله له من يعلمه سبيل الهدى فصار مهذبا بالفعل ومن خذله وأشقاه سبب له من يغير فطرته ويثني عزمته والله سبحانه هو المتصرف في عبيده كيف يشاء {فألهمها فجورها وتقواها} قال الطيبي: فإن قلت أمر الغلام الذي قتله الخضر ينقض هذا البيت لأنه لم يلحق بأبويه بل خيف إلحاقهما به قلت لا ينقض بل يرفعه ويستبد بثباته لأن الخضر نظر إلى عالم الغيب وقتل الغلام وموسى اعتبر عالم الشهادة وظاهر الشرع فأنكر عليه ولذلك لما اعتذر الخضر بالخفى أمسك عنه
(ع طب هق عن الأسود بن سريع) له صحبة كان شاعر بني منقذ قضى بالبصرة قال في اللسان: وهذا له أسانيد جياد انتهى. ومن ثم رمز المصنف لصحته ورواه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ " كل إنسان تلده أمه على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين " فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكز الشيطان في خصيتيه إلا مريم وابنها " ورواه البخاري بلفظ " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء "(5/33)
6357 - (كل ميت) في أبي داود بالتعريف قال أبو زرعة: والصواب التنكير لاقتضاء التعريف استغراق أجزائه فيصير معناه يختم على كل جزء من أجزاء الميت وليس صحيحا فالتعريف تحريف (يختم على عمله) المراد به طي صحيفته وأن لا يكتب له بعد موته عمل (إلا الذي مات) أي الملازم في السفر للجهاد (في سبيل الله فإنه ينمو له عمله) أي يزيد (إلى يوم القيامة) قال الأبي: يعني الثواب المترتب على رباط اليوم والليلة يجري له دائما ولا يعارضه حديث " إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث " إما لأنه لا مفهوم للعدد في الثلاث وإما بأن يرجع هذا إلى إحدى الثلاث هنا وهو صدقة جارية (ويؤمن) بضم ففتح فتشديد (من فتان القبر) أي فتانيه منكر ونكير أي لا يأتيانه ولا يختبرانه بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه قال عياض: رويناه للأكثر بضم الفاء وجمع فاتن وعن الطبري بالفتح وذكره أبو داود مفسرا فقال: وأمن فتان القبر وقال القرطبي: هو جمع فاتن ويكون للجنس أو يؤمن من كل ذي فتنة فيه لكن المتبادر لا يضرانه ولا يفتن بهما <تنبيه> قال القرطبي: لا معنى للنمو إلا المضاعفة وهي موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه بل هي فضل دائم من الله تعالى لأن أعمال البر لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه ببيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما عمله من الأعمال الصالحة
(د ت [ص:35] ك) في الجهاد (عن فضالة عن عبيد حم عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف(5/34)
6358 - (كل ميسر) وفي رواية يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة (لما خلق له) أي مهيأ لما خلق لأجله قابل له بطبعه قال المفسرون في قوله فسنيسره أي سنهديه من يسر الفرس للراكب إذا سرجها وألجمها فليس المراد به هنا ما يقابل التعسير وأما قول الشريف في شرح حاشية المفتاح معناه كل موفق لما خلق لأجله فغير سديد كما بينه ابن الكمال وغيره لأن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد وليس المعنى هنا مقصور عليه بل المراد التهيئة لما خلق لأجله من خير وشر {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} (تنبيه آخر) قال الراغب: لما احتاج الناس بعضهم لبعض سخر كل واحد منهم لصناعة ما يتعاطاه وجعل بين طبائعهم وصنائعهم مناسبات خفية واتفاقات سماوية ليؤثر الواحد بعد الواحد حرفة ينشرح صدره بملابستها وتعطيه قواه لمزاولتها فإذا جعل إليه صناعة أخرى ربما وجد مستبلدا فيها متبرما منها سخرهم الله لذلك لئلا يختاروا كلهم صناعة واحدة فتبطل الأقوات والمعاونات ولولا ذلك ما اختاروا من الأسماء إلا أحسنها ومن البلاد إلا أطيبها ومن الصناعات إلا أجملها ومن الأفعال إلا أرفعها ولتنازعوا فيه لكن الله بحكمته جعل كلا منهم في ذلك مخيرا فالناس إما راض بصنعته لا يبغي عنها حولا كالحائك الذي رضي بصناعته ويعيب الحجام الذي يرضى بصناعته وبذلك انتظم أمرهم {كل حزب بما لديهم فرحون} وإما كاره لها يكابدها مع كراهته إياها كأنه لا يجد عنها بدلا وعلى ذلك دل هذا الحديث {نحن قسمنا بينهم معيشهتم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} فالتباين والتفرق والاختلاف سبب الالتئام والاجتماع والاتفاق فسبحان الله ما أحسن صنعه
(حم ق د عن عمران بن حصين ت عن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي بكر) الصديق قيل يا رسول الله أتعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم قال: فلم يعمل العاملون؟ فذكره(5/35)
6359 - (كل نائحة تكذب إلا أم سعد) بن معاذ القائلة حين احتمل نعشه:
ويل أم سعد أضر أمه وجدا. . . وسيدا سد به مسدا
قالوا: من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير وفي النياحة لخولة بنت حكيم وفي تعجيل صدقة عامين للعباس وفي ترك الإحداد لأسماء بنت عميس وفي الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذي يولد لعلي وفي فتح باب من داره في المسجد له وفي فتح خوخة فيه لأبي بكر وفي أكل المجامع في رمضان من كفارة نفسه وغير ذلك
(ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) ورواه الطبراني أيضا في الكبير والديلمي(5/35)
6360 - (كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة) بن عبد المطلب فإنها غير كاذبة في ندبه أي فلها النوح عليه فرخص لها فيه بخصوصها وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء كما تقرر قال في النهاية: الندب أن تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (مرسلا) أرسل عن عمرو عن خاله سعد بن أبي وقاص(5/35)
6361 - (كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري) قال المصنف: قيل معناه أن أمته ينسبون إليه وأمم [ص:36] سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب ورجح بما ذكر في سبب الحديث الآتي بيانه قال الطيبي: والنسب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الآباء والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها المتزوج وعلم بهذا الحديث ونحوه عظيم نفع الانتساب إليه عليه السلام ولا يعارضه ما في أخبار آخر من حثه لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا لكن الله يملكه نفع أقاربه فقوله لا أغني عنكم شيئا أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من نحو شفاعة ومعفرة فخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف
(ابن عساكر) في ترجمة زيد بن عمر بن الخطاب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه (عن عمر بن الخطاب) قال محمد خطب عمر إلى ابنته أم كلثوم فقال والله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ففعل فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فقال زفوني ثم ذكره قال الذهبي: فيه ابن وكيع لا يعتمد لكن ورد فيه مرسل حسن(5/35)
6362 - (كل نعيم زائل إلا نعيم أهل الجنة وكل هم منقطع إلا هم أهل النار) أي الخالدين فيها لدوام هذا الهم ومن ثم قال الحسن: كل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون الناس يسير
(ابن لال عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن حمدويه قال في الميزان: حدث بخبر باطل وعمرو بن الأزهر قال البخاري: يرمى بالكذب وقال أحمد: يضع الحديث وقال النسائي: متروك(5/36)
6363 - (كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه عمله شيئا) هذا ورد على سبيل الزجر والتنفير عن معاهدة الكفار
(طس عن جابر) قال الهيثمي: في إسناده ضعفاء وثقوا(5/36)
6364 - (كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها) ومن لا أهل له ولا بعل سيد على جوارحه فعلى كل أحد أن يعرف قدر ما ولاه الله عليه ويعلم أنه رقيب عليه وهو الذي استخلفه على ذلك وجعل له عليه السيادة ونبه بذلك على أن السيد إذا نقص من حال من ساد عليه نقص من سيادته بقدر ذلك وعزل بقدره ذكره الحرالي
(ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور(5/36)
6365 - (كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان) لغير نحو مسجد وما كان زائدا على الحاجة كما يشير إليه الخبر الآتي وغيره قال الحكيم: إنما صار غير مأجور لأنه ينفق في دنيا قد أذن الله في خرابها يزيد في زينتها حتى جعلت فتنة وبلوى للعباد ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن انتقل إلى ربه ما بنى مسكنا لنفسه وتبعه أولياء أمته فما وضع أحدهم لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وذلك لأنهم رأوا الدنيا جسرا منصوبا من خشب على نهر عظيم وهم عابرون فيه راحلون عنه فهل رأيتم أحدا يبني على جسر خشب سيما وقد عرفنا أن المطر ينزل والنهر يعظم بالسيول والجسور تنقطع فكل من بنى على جسر خشب عرضه للتلف فلو كشف الله بصيرة عمار الدنيا حتى روأها جسرا والنهر الذي بنيت عليه خطرا لما بنوا فلم تكن لهم عيون يبصرون بها الدنيا وإنها قنطرة خشب على نهر خرار ولا كان لهم سمع يسمعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم العالم بما أوحى إليه أن الدنيا قنطرة فلا بالإيمان عملوا ولا على [ص:37] الرؤية والكشف حصلوا {وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا}
(طب) وكذا الحكيم (عن خباب) بن الأرت رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: إسناده جيد اه. فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه عن جنابه باللفظ المزبور(5/36)
6366 - (كل نفقة ينفقها المسلم على نفسه وعلى عياله وعلى صديقه وعلى بهيمه يؤجر عليها إلا في بناء إلا بناء مسجد (2) يبتغي به وجه الله) وذلك لأنها نفقة في دنيا قد أذن الله بخرابها يزيد في زينتها التي هي فتنة وبلوى للعباد وعاقبتها أن يصير ما عليها صعيدا جرزا في خبر أن أبا الدرداء بنى كنيفا في منزله بحمص فكتب إليه عمر " لقد كان لك يا عويمر فيما بنت فارس والروم كفاية عن تزيين الدنيا وقد أذن الله بخرابها فإذا أتاك كتابي فارحل من حمص إلى دمشق فجعل ذلك عقوبة له "
(هب عن) أبي حمزة (إبراهيم مرسلا) وفيه علي بن الجعد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متقن فيه تجهم وقيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر
_________
(1) [قوله " إلا في بناء إلا بناء مسجد ": أي لا يؤجر في نفقة البناء إلا إن كان مسجدا. دار الحديث](5/37)
6367 - (كل يمين يحلف بها دون الله شرك) قال ابن العربي: يريد به شرك الأعمال لا شرك الاعتقاد من قبيل قوله " من أبق من مولاه فقد كفر " وذلك لأن اليمين عقد القلب على فعل أو ترك أخبر به الحالف ثم أكده بمعظم عنده فحجر الشرع التعظيم على غير الله لأنه إنما يجب له
(ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم والديلمي(5/37)
6368 - (كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلا يليق بمن أصله التراب الافتخار والتكبر والتجبر (لينتهين) اللام في جواب القسم أي والله لينتهين (قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن) عطف على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام هو واو الجمع المحذوف من ليكونن يعني والله إن أحد الأمرين واقع لا محالة إما الانتهاء أو كونهم (أهون على الله من الجعلان) دويبة سوداء قوتها الغائط فإن شمت ريحا طيبة ماتت فليحذر كل عاقل من الاتكال على شرف نفسه وفضيلة آبائه فإن ذلك يورث النقص والانحطاط عن معالمهم فنهايته الحسرة والندامة وغايته العداوة إذ كل يظهر مثالب الآخر ويثبت مفاخر نفسه فيؤدي لذلك فلا ينبغي لعاقل الإعجاب بنفسه {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
والناس يجمعهم في الأنساب. . . وإنما اختلفوا في الفضل شتاتا
وقيل:
إذا افتخرت بآباء مضوا سلفا. . . قالوا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقيل:
وليس فخار المرء إلا بنفسه. . . وإن عد آباء كراما ذوي نسب
وشرف النسب وإن كان له ثمرة فينبغي للمتصف به أن لا يعجب بنفسه ولا يفاخر بحسبه بل يهضم نفسه
(البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لحسنه وليس كما ذكر فقد أعله الهيثمي بأن فيه الحسن بن الحسين المقري وهو ضعيف(5/37)
6369 - (كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله) أي فارق الجماعة وخرج عن الطاعة التي يستوجب بها دخول الجنة (شراد البعير على أهله) شبهه به في قوة نفاره وحدة فراره لأن من ترك التسبب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه ونفر [ص:38] عنه والإباء شدة الامتناع وخص البعير لأنه أشد الحيوانات نفارا فإذا انفلت لا يكاد يلحق
(طس ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد وهو ثقة(5/37)
6370 - (كلكم راع) أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره من الرعاية وهي الحفظ يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان واليا ومن عدم الخيانة إن كان موليا عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة (فالإمام) أي الأعظم أو نائبه في رواية فالأمير (راع) فيمن ولي عليهم يقيم الحدود والأحكام على سنن الشرع ويحفظ الشرائع ويحمي البيضة ويجاهد العدو (وهو مسؤول عن رعيته) هل راعى حقوقهم أو لا (والرجل راع في أهله) زوجة وغيرها (وهو مسؤول عن رعيته) هل وفاهم حقوقهم من نحو نفقة وكسوة وحسن عشرة (والمرأة راعية في بيت زوجها) بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له والشفقة عليه والأمانة في ماله وحفظ عياله وأضيافه ونفسها (وهي مسؤولة عن رعيتها) هل قامت بما يجب عليها ونصحت في التدبير أو لا فإذا أدخل الرجل قوته بيته فالمرأة أمينة عليه وإن اختزنه دونها خرج عن أمانتها الخاصة وصارت هي وغيرها فيه سواء فإن سرقت من المخزن قطعت وفاقا للشافعي ومالك خلافا لأبي حنيفة في قوله: لا قطع بين الزوجين قال ابن العربي: كنت بالروضة المقدسة وعندنا عز الإسلام السميكاتي أحد أئمة الشافعية فتذاكرت معه المسألة وقلت الحنفية يقولون الزوجية توجب اتحادا في الأبدان تمنع من القطع كاتحاد الأبوة والبنوة فقال: هذا باطل إذ لو كان موجبا للاتحاد بينهما لأسقط القصاص فإذا كانت شبهة هذا الاتحاد لا تسقط العقوبة في محلها وهو البدن فأولى أن لا تسقط الواجب في غير محلها وهو المال وهو القطع بالسرقة (والخادم راع في مال سيده) بحفظه فعليه القيام بما يستحقه عليه من حسن خدمته ونصحه (وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه) بحفظه وتدبير مصلحته (وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع) بالفاء جواب شرط محذوف الفذلكة وهي التي يأتي بها المحاسب بعد التفصيل ويقول فلك كذا وكذا حفظا للحساب وتوقيا عن الزيادة والنقص (وكلكم مسؤول عن رعيته) عمم أولا ثم خصص ثانيا وقسم الخصوصية إلى جهة الرجل وجهة المرأة وجهة الخادم وجهة النسب ثم عم آخرا تأكيد البيان الحكم أولا وآخرا وفيه رد العجز على الصدر ذكره كله البيضاوي وقال الطيبي: كلكم راع تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي وكلكم مسؤول عن رعيته وفيه معنى التشبيه وهذا مطرد في التفصيل ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد وهذا القدر المشترك في التفصيل وأفاد أن الراعي غير مطلوب لذاته بل أقيم لحفظ ما استرعاه ويشمل المنفرد إذ يصدق عليه أنه راع في جوارحه بفعل المأمور وترك المنهي وفيه تكذيب لوضاع أموي افترى خبر إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات لا السيئات
(حم ق د ت عن ابن عمر)(5/38)
6371 - (كلما طال عمر المسلم كان له خير) لأنه في الدنيا كتاجر سافر ليتجر فيربح فيعود لوطنه سالما غانما فرأس ماله عمره ونقده أنفاسه ومزاولة جوارحه وربحه العمل فكلما زاد رأس المال زاد الربح واستشكل بأنه قد يعمل السيئات [ص:39] فيزيد عمره شرا وأجيب بحمل المؤمن على الكامل وبأن المؤمن بصدد أن يفعل ما يكفر ذنوبه لمن تجنب الكبائر أو فعل الحسنات فيقاوم بتضعيفها سيئاته وما دام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير
(طب) من حديث شداد (عن عوف بن مالك) قال شداد: قال عوف يا طاعون خذني إليك فقالوا: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما إلخ. قال: بلى. رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه النهاس بن فهم وهو ضعيف فرمز المصنف لحسنه فيه ما فيه(5/38)
6372 - (كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم) قال الحكيم: كان هذا الدعاء عند أهل البيت معروفا مشهورا يسمونه دعاء الفرج فيتكلمون به في النوائب والشدائد متعارفا عندهم غياثه والفرج به
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في كتاب الفرج) بعد الشدة (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه(5/39)
6373 - (كلمات من ذكرهن مئة مرة دبر كل صلاة الله أكبر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا قوة إلا بالله لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن) كناية عبر بها عن الكثرة عرفا قال النووي: ومن قالهن أكثر من مئة مرة فله الأجر المذكور والزيادة عليه وليس ذا من التحديد المنهي عن مجاوزة أعداده كعدد الركعات
(حم عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال الهيثمي: فيه أبو كثير لم أعرفه وبقية رجاله حديثهم حسن(5/39)
6374 - (كلمات من قالهن عند وفاته دخل الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم) يقولها (ثلاثا) من المرات (الحمد لله رب العالمين) يقولها (ثلاثا) من المرات (تبارك الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) ظاهر السياق أن هذه يقولها واحدة بخلاف الأولين وظاهره أن ذلك يكون آخر كلامه ويعارضه خبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والقياس أنه يأتي بهذه الكلمات ثم يأتي بكلمة الشهادة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين(5/39)
7375 - (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس عند فراغه) أي عند انتهاء لفظ ذلك المجلس وإرادة القيام منه (ثلاث مرات إلا كفر) بالبناء المفعول (بهن عنه) ما وقع منه من اللغط في ذلك المجلس (ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم الله بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة) والكلمات المذكورة هي (سبحانك اللهم وبحمدك [ص:40] لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) فإن ذلك يجبر ما كان وقع في ذلك المجلس مما يوجب العقوبة من حصائد الألسنة والهفوات والسقطات
(د حب عن أبي هريرة)(5/39)
6376 - (كلمتان) أراد بالكلمة الكلام من قبيل كلمة الشهادة وهو خبر وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله ونكتة تقديم الخبر تشويق السامع للمبتدأ (خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان) وصفها بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وإشارة إلى رشاقتهما قال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريها على اللسان بما خف على الحامل كنحو متاع فلا يثقله ففيه إشارة إلى أن التكاليف صعبة شاقة ثقيلة وهذه سهلة مع كونها تثقل في الميزان كثقل المشاق (حبيبتان) أي محبوبتان والمراد أن قائلها محبوب (إلى الرحمن) لتضمنها المدح بالصفات السلبية المدلول عليها بالتنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد وخص الرحمن من الأسماء الحسنى تنبيها على سعة الرحمة حيث يجازي على العمل القليل بثواب كثير جزيل (سبحان الله) أي تنزيهه عما لا يليق به (وبحمده) الواو للحال أي أسبحه متلبسا بحمدي له أو عاطفة أي أسبحه وأتلبس بحمده والحمد مضاف إلى الفاعل والمراد لازمه أو ما يوجبه (سبحان الله العظيم) وفيه جواز السجع إذا وقع بغير كلفة وحث على المواظبة على الكلمتين وتحريض على ملازمتهما وتعريض بأن جميع التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان ثقل غيرها من التكاليف فلا يليق تركها روي أن عيسى عليه السلام سئل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف قال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت عليكم فلا يحملنكم ثقلها على تركها فإن بذلك تثقل الموازين يوم القيامة والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت عليكم فلا يحملنكم على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة
(حم ق ت عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي في اليوم والليلة(5/40)
6377 - (كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض لا إله إلا الله والله أكبر) والمراد إذا قال ذلك بإخلاص وصحة نية وحضور قلب
(طب) من حديث معاذ بن أبي عبد الله بن رافع (عن معاذ) ابن جبل قال معاذ بن عبد الله: كنت في مجلس فيه ابن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن أبي عمرة فقال ابن أبي عمرة: سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: معاذ بن عبد الله لم أعرفه وابن لهيعة فيه ضعف وبقية رجاله ثقات(5/40)
6378 - (كلمتان قالهما فرعون ما علمت لكم من إله غيري إلى قوله أنا ربكم الأعلى فإن بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى)
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس)(5/40)
6379 - (كلم موسى) بالبناء المفعول والفاعل الله أي كلم الله موسى (ببيت لحم) قرية من قرى بيت المقدس
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك(5/40)
[ص:41] 6380 - (كلم المجذوم) أي من أصابه الجذام (وبينك وبينه قيد) بكسر فسكون (رمح أو رمحين) لئلا يعرض لك جذام فتظن أنه أعداك مع أن ذلك لا يكون إلا بتقدير الله وهذا خطاب لمن ضعف يقينه ووقف نظره عند الأسباب وما رواه الخطيب عن أنس كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فأتاه مجذوم فأراد أن يدخل عليه فقال: يا أنس اثن البساط لا يطأ عليه بقدمه اه. فلعله كان بحضرة من قصر نظره ووقف عند السبب
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عبد الله بن أبي أوفى) قال ابن حجر في الفتح: وسنده واه(5/41)
6381 - (كل الثوم نيئا فلولا أني أناجي ربي لأكلته) الذي وقفت عليه لأبي نعيم كلوا الثوم وتداووا به فإن فيه شفاء من سبعين داء ولولا أن الملك يأتيني لأكلته بحروفه ثم إن هذا الحديث قد عورض بأحاديث النهي عن أكل الثوم وأجاب زين الحفاظ العراقي بأن هذا حديث لا يصح فلا يقاوم الصحيح وبأن الأمر بعد النهي للإباحة بدليل حديث أبي داود كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه
(حل وأبو بكر في الغيلانيات عن علي) أمير المؤمنين وفيه حبة العرني قال الذهبي في الضعفاء: شيعي غالي ضعفه الدارقطني وقال زين الحفاظ: ضعفه الجمهور(5/41)
6382 - (كل) بلفظ الأمر جوازا (الجنين في بطن الناقة) التي ذكيت وخرج ولدها وليس فيه حياة مستقرة فإن ذكاتها ذكاته والناقة مثال فغيرها من كل مأكول كذلك
(خط عن جابر بن عبد الله)(5/41)
6383 - (كل) معي أيها المجذوم (بسم الله ثقة بالله) أي كل معي أثق ثقة بالله (وتوكلا على الله) أي وأتوكل توكلا عليه فالفعل المقدر منصوب على الحال والثقة الاعتماد هذا درجة من قوي توكله واطمأنت نفسه على مشاركة الأسباب وليس من هذا القبيل من ضعف يقينه ووقف مع الأسباب فإن مباعدته للمجذوم واتقاءه إياه أولى فلا تناقض بين الأخبار كما زعمه بعض الضالين
(4) في الطب (حب ك) في الأطعمة (عن جابر) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها في قصعة ثم ذكره قال ابن حجر: حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفيه نظر اه. وقال ابن الجوزي: تفرد به المفضل بن فضالة وليس بذلك ولا يتابع عليه إلا من طريق لين(5/41)
6384 - (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) قاله لمن رقي معتوها في القيود بالفاتحة ثلاثا غدوة وعشية وجمع بزاقه فتفل فشفي فأعطوه جعلا فقال: لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
(حم د) في البيع والطب (ك) في فضائل القرآن (عن عم خارجة) بن الصلت قيل اسمه علاقة بن صخار وقيل عبد الله بن عبثر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا النسائي في الطب(5/41)
6385 - (كل ما أصميت) أي ما أسرعت إزهاق روحه من الصيد والإصماء أن تقتل الصيد مكانه (ودع ما أنميت) أي ما أصبته بنحو سهم أو كلب فمات وأنت تراه والإنماء أن يصيب إصابة غير قاتلة وخرج به ما لو أصابه فغاب ومات [ص:42] ولا يدري حاله فلا يأكله
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن أظنه القرشي وهو متروك(5/41)
6386 - (كل) من السمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش مذبوح (ما طفا) أي علا من طفا بغير همز يطفو إذا علا الماء ولم يرسب (على البحر) وهو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه فأفاد حل ميتة البحر سواء مات بالاصطياد أم بنفسه وهو قول الجمهور وعن الحنفية يكره وفرقوا بين ما لفظه فمات وما مات بغير آفة وتمسكوا بحديث ابن الزبير عن جابر: ما ألقاه البحر أو جزره فكلوه. وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه خرجه أبو داود مرفوعا ونوزع فيه بالضعف والانقطاع والقياس يقتضي الحل لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية فكذا لو مات فيه فيحل أكله وإن أنتن كما قاله النووي والنهي عن أكل اللحم إذا أنتن للتنزيه نعم إن خيف منه ضرر حرم
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ويخالفه خبر أبي داود وابن ماجه: كلوا ما حسر عنه البحر وما قذف ودعوا ما طفا فوقه(5/42)
6387 - (كل ما فرى الأوداج) جمع ودج بالتحريك وهو العرق الذي في الأخدع (ما لم يكن قرض) بضاد معجمة بخط المصنف (سن أو حز ظفر) قال ابن الأثير: الرواية كل أمر بالأكل وقد ردها أبو عبيدة وغيره وقالوا: إنما هو كل ما أفرى الأوداج أي كل شيء أفرى والفري القطع أما السن والظفر فلا يحل أكل ما ذبح بهما لأنهما لا يفريان ولا يقع بهما غالبا إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح وظاهر الحديث أنه لا فرق بين المتصل والمنفصل وهو مذهب الجمهور وخصه الحنفية بالمتصل وأحلوا الذبح بالمنفصل وفرقوا بأنه في المتصل في معنى الخنق وبالمنفصل في معنى الآلة المستقلة من خشب أو غيره
(طب عن أبي أمامة) قال الذهبي: إسناده ضعيف(5/42)
6388 - (كل ما ردت عليك قوسك) قاله لمن قال: يا رسول الله أفتني في قوسي. قال ابن بطال: أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولو لم يعلم هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهوى أو من وقوعه على الأرض وأنه لو وقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل أو أن السهم إذا لم ينفذ في مقاتله لا يؤكل إلا إذا أدركت ذكاته
(حم عن عقبة بن عامر) الجهني. قال الهيثمي: وفيه راو لم يسم (وحذيفة) بن اليمان (حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هـ عن ثعلبة) جرثوم أو جرهم أو جرثم أو ناشب أو جرثومة أو عرنوف أو ناشر أو لاشن أو لاشر أو لاش أو لاشق والأشهر الأول وهو ابن عمرو أو ناسب أو ناسم أو ناسر أو لاسن أو ماسح أو لاسم أو جلهم أو حمير أو جرهم أو غير ذلك (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون نسبة إلى بني خشين بطن من النمر بن وبرة من قضاعة وكان إسلام أبي ثعلبة قبل خبير وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه فأسلموا وهذا الحديث رمز المصنف لحسنه. قال الحافظ ابن حجر: وفيه ابن لهيعة اه. وقضية صنيع المؤلف أن ابن ماجه قد تفرد بإخراجه من بين الستة وليس كذلك بل هو في أبي داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي ثعلبة قال: يا رسول الله أفتني في قوسي قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي. قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك وقوله يصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن(5/42)
[ص:43] 6389 - (كل مع صاحب البلاء) كأجذم وأبرص (تواضعا لربك وإيمانا) فإنه لا يصيبك منه شيء إلا بتقدير الله تعالى وهذا خطاب لمن قوي يقينه أما من لم يصل إلى هذه الدرجة فمأمور بعدم أكله معه كما يفيده خبر: فر من المجذوم
(الطحاوي) في مسنده (عن أبي ذر)(5/43)
6390 - (كلوا الزيت) زيت الزيتون (وادهنوا به) من ادهن رأسه على افتعل طلاه بالدهن وتولى ذلك بنفسه. قال الزين العراقي: والمراد بالادهان دهن الشعر به وقيده في رواية بدهن شعر الرأس وعادة العرب دهن شعورهم لئلا تشعث لكن لا يحمل الأمر به على الإكثار منه ولا على التقصير فيه بل بحيث لا تشعث رأسه فقط (فإنه) يخرج (من شجرة مباركة) لكثرة ما فيها من القوى النفاعة أو لأنها تنبت بالأرض المقدسة التي بورك فيها ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ما يخرج منها من الزيت
(ت) في الأطعمة (عن عمر) بن الخطاب (حم ت) في الأطعمة (ك) في التفسير (عن أبي أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين. قال الحافظ العراقي: كذا قيده الدارقطني والقول بأنه بالضم لا يصح. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر: في سنده من الطريقين اضطراب(5/43)
6391 - (كلوا الزيت وادهنوا به) قال بعضهم: مثال هذا الأمر للإباحة والندب لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه (فإنه طيب مبارك) أي كثير الخير والنفع والأمر فيه وفيما قبله إرشادي كما مر قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما في البلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيها خطر بالبصر
(هـ ك) من حديث عبد الله بن سعيد المقبري عن جده (عن أبي هريرة) وصححه فرده الذهبي بأن عبد الله واه وقال الزين العراقي بعد عزوه لابن ماجه وحده: فيه عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف(5/43)
6392 - (كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء) الظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره يعني أدواء كثيرة (منها الجذام) ظاهر هذا الخبر وما قبله أن إساغة المائعات تسمى أكلا فإذن هو يشكل على قولهم في تعريف الأكل هو إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف ممضوغا كان أو غيره قال ابن الكمال: فإذن لا يكون اللبن والسويق مأكولا اه. فالحديث كما ترى صريح في رده
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة)(5/43)
6393 - (كلوا التين) في الموجز هو حار قليلا رطب كثير الماء جيد الغذاء سريع الانحدار واليابس حار لطيف أغذى من جميع الفواكه (فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس) ويفتح السدد ويدر البول وينضج الدماميل ويحسن اللون ويلين ويبرد ويوافق الكلى والمثانة وعلى الريق يفتح مجاري الغذاء
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما في الطب (فر) كلهم من حديث يحيى بن أبي كثير عن الثقة (عن أبي ذر) والذي وقفت عليه لابن السني والديلمي ليس على هذا السياق بل سياقه بعد قوله هي التين وينفع من النقرس اه(5/43)
[ص:44] 6394 - (كلوا التمر على الريق فإنه) مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ويغذي كثيرا و (يقتل الدود) فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية فإذا أديم استعماله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه وقتله
(أبو بكر في الغلانيات فر) وكذا ابن عدي كلهم (عن ابن عباس) وفيه أبو بكر الشافعي قال في الميزان: شيخ للحاكم متهم بالوضع وعصمة بن محمد قال في الضعفاء: تركوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات(5/44)
6395 - (كلوا البلح بالتمر) قال في المصباح: البلح تمر النخل ما دام أخضر فإذا أخذ في التلون فبسر فإذ تكامل لونه فهو الزهو قال ابن القيم: إنما أمر بأكله معه دون البسر لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب فكل يصلح للآخر والبسر والتمر حاران وإن كان التمر أشد حرارة والتمر حار في الثانية وهل هو رطب أو يابس؟ قولان وهو مقو للكبد ملين يزيد في الباه ويغذي. (كلوا الخلق بالجديد فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد) وفي رواية الجديد بالخلق وقال في شرح الألفية: معناه ركيك لا ينطبق على محاسن الشريعة لأن الشيطان لا يغضب من حياة ابن آدم بل من حياته مسلما مطيعا لله ومن ثم اتفقوا على نكارته
(ن هـ ك) في الأطعمة (عن عائشة) قال الدارقطني: تفرد به يحيى بن محمد أبو زكير بن هشام قال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وقال ابن حبان: أبو زكير لا يحتج به يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل روي هذا الحديث ولا أصل له ومدار الحديث من جميع طرقه على أبي زكير وفيه أيضا محمد بن شداد قال الدارقطني: لا يكتب حديثه وتابعه نعيم بن حماد عن أبي زكير ونعيم غير ثقة وفي الميزان: هذا حديث منكر رواه الحاكم ولم يصححه مع تساهله في التصحيح اه. ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع والحاصل أن متنه منكر وفي سنده ضعفاء والمنكر من قبيل الضعف ففيه ضعف على ضعف إن سلم عدم وضعه(5/44)
6396 - (كلوا جميعا) أي مجتمعين كما أمرتم بالصلاة كذلك (ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة) وهو محسوس لا سيما إذا كان المجتمعون على الطعام إخوانا على طاعته كما في المطامح قال ابن المنذر: يؤخذ منه استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده وفيه إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت النعمة معها والبركة فتعم الحاضرين قال بعضهم: وفي الأكل مع الجماعة فوائد منها ائتلاف القلوب وكثرة الرزق والمدد وامتثال أمر الشارع لأنه تعالى أمرنا بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ولا يستقيم ذلك إلا بائتلاف القلوب ولا تألف إلا بالاجتماع على الطعام وشر الناس من أكل وحده ومنع رفده كما مر في حديث فمن فعل ذلك وأراد من الناس نصرته على إقامة الدين فقد أتى البيوت من غير أبوابها وربما خذلوه عنادا لبغضهم له إذ البخيل مبغوض ولو كثر تعبده والسخي محبوب ولو فاسقا كما هو مشاهد
(هـ) من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وليس كما ظنه فقد ضعفه المنذري قال: فيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير واهي الحديث وقال ابن حجر: عمرو بن دينار هذا ضعفوه وهو غير عمرو بن دينار شيخ ابن عيينة ذاك وثقوه(5/44)
6397 - (كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة [ص:45] والأربعة كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن البركة في المجاعة) قال ابن حجر: يؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة ونقل إسحاق بن راهويه عن جبير أن معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين والذي يشبع الاثنين يكفي قوت أربعة وفيه أن لا ينبغي للمرء أن يحتقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع
(العسكري في) كتاب (المواعظ عن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه الطبراني في الأوسط بدون قوله فإن البركة إلخ وضعفه المنذري(5/44)
6398 - (كلوا لحوم الأضاحي) قال ابن العربي: لما كان إراقة دم الأضحية لله أذن في أكلها رحمة وقد كان القرابين لا تؤكل في سائر الشرائع فمن خصائص هذه الأمة أكل قرابينها (وادخروا) قاله لهم بعد ما نهاهم عن الادخار فوق ثلاث لجهد أصاب الناس ذلك العام فلم يضحي إلا بعضهم فحثهم على المواساة فلما زالت العلة ارتفع النهي عن الادخار فرخص لهم فيه فالأمر للإباحة لا للوجوب خلافا للظاهرية وأفهم اقتصاره عليها عدم جواز البيع واتفقوا عليه لكن اختلف في الجلد فجوز أبو حنيفة بيعه بما ينتفع به ومنعه الجمهور
(حم ك) في الأضحية (عن أبي سعيد) الخدري (وقتادة بن النعمان) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال زين الحفاظ: ودخل في عمومه المنفرد والآكل مع غيره وفيه احتمال للخطابي(5/45)
6399 - (كلوا في القصعة من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها) بالتحريك وقد يسكن (فإن البركة تنزل في وسطها مع ما فيه من القناعة والبعد عن الشره والنهمة والأمر للإرشاد أو الندب بل قيل للوجوب قال زين الحفاظ العراقي: وجه النهي عن الأكل من الوسط أن وجه الطعام أفضله وأطيبه فإذا قصده بالأكل استأثر به على رفقته وهو ترك أدب وسوء عشرة فأما إذا أكل وحدة فلا حرج والمراد بالبركة هنا الإمداد من الله وقال ابن العربي: البركة في الطعام لمعان كثيرة فمنها استمراره وصونه عن مرور الأيدي عليه فتتقذره النفس وأن زبدة المرق في الوسط فإذا أخذ الطعام من الحواشي ينتثر عليه شيئا فشيئا وإن أخذه من أعلاه فما بعده دونه في الطيب اه. قال الزين: وشمل عموم الطعام الخبز فلا يأكل من وسط الرغيف كما في الإحياء بل يأكل من استدارته إلا إذا قل الخبز ويندب الأكل مما يلي الآكل ويكره مما يلي غيره قال في المطامح: وهل للآكل أن يدير الصفحة إذا وضعها ربها أم لا لأن مالكها أملك بوضعها؟ ذهب جماعة من المحدثين إلى الثاني
(حم هق عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه(5/45)
6400 - (كلوا من حواليها) يعني القصعة التي فيها الطعام (وذروا ذروتها) أي اتركوا أعلاها ووسطها ندبا لا وجوبا وبين وجه ذلك بقوله (يبارك فيها) فإنكم إذا فعلتم ذلك يبارك فيها وليس المراد ترك الأكل من الأعلى والوسط بل إنه يبدأ بالأكل من حواليها حتى ينتهي إلى الوسط فيأكل ثم يلحسها فإنها تستغفر له كما يأتي في حديث زاد البيهقي: ثم قال: فوالذي نفسي بيده ليفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه بسم الله
(د هـ عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة ومهملة كان للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصعة يقال لها الغراء يجملها أربعة رجال فلما أصبحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله [ص:46] صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة قال: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال: كلوا فذكره قال في الرياض: إسناده حسن ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن قال في المهذب: وإسناده صالح(5/45)
6401 - (كلوا بسم الله) أي قائلين بسم الله (من حواليها وأعفوا رأسها) عن الأكل (فإن البركة تأتيها من فوقها) قال في المطامح: تحقيق هذه البركة وكيفية نزولها أمر إيماني لا يطلع على حقيقته وأخذ منه ابن العربي أن الآكل يأكل الرغيف على ثلاث وثلاثين لقمة ويستدير من الجوانب حتى ينتهي إلى الوسط كما يشير إليه قوله فإن البركة تأتيها من فوقها إلى هنا كلامه فأما ما ذكره من الأكل من حواليها فقد يسلم وأما هذا العدد فليس في الحديث دلالة عليه البتة
(هـ عن واثلة) بن الأسقع وفيه ابن لهيعة(5/46)
6402 - (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف) أي مجاوزة حد (ولا مخيلة) كعظيمة بمعنى الخيلاء وهو التكبر وقيل بوزن مفعلة من اختال إذا تكبر أي بلا عجب ولا كبر {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} ولفظ رواية النسائي وابن ماجه " كلوا واشربوا وتصدقوا ما لم يخف إسراف ولا مخيلة " وهذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه والإسراف يضر بالجسد والمعيشة والخيلاء تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس وبالآخرة حيث تكسب الإثم
(حم ن هـ ك عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم: صحيح وهو عندهم من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال المنذري: ورواته إلى عمرو ثقات محتج بهم في الصحيح(5/46)
6403 - (كلوا السفرجل فإنه يجلي عن الفؤاد ويذهب بطخاء الصدر) قال أبو عبيد: الطخاء ثقل وغشاء يقال ما في السماء طخاء أي سحاب وظلمة قال الزمخشري: عن جعفر بن محمد ريح الملائكة ريح الورد وريح الأنبياء ريح السفرجل وريح الآس ريح الحور
(ابن السني) أحمد بن محمد بن إسحاق (وأبو نعيم) في الطب (عن جابر) بن عبد الله(5/46)
6404 - (كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر) أي غليه وحرارته والسفرجل بارد قابض جيد للمعدة والحلو منه أقل بردا ويبسا والحامض أشد يبسا وبردا وأكله يسكن الظمأ والقيء ويدر البول ويعقل البطن وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة ويمنع الغثيان وتصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام ويقوي المعدة والكبد ويشد القلب ويسكن النفس
(ابن السني وأبو نعيم) معا في الطب (فر عن أنس) وفيه محمد بن موسى الحوشي قال الذهبي: قال أبو داود: ضعيف عن عيسى بن شعيب قال ابن حبان: يستحق الترك(5/46)
6405 - (كلوا السفرجل فإنه يجم الفؤاد) أي يريحه وقيل يفتحه ويوسعه من جمام الماء وهو اتساعه وكثرته (ويشجع القلب) أي يقويه (ويحسن الولد) قيل يجمعه على صلاحه ونشاطه قال الحرالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينبه على حكمة الله في الأشياء التي بها يتناول أو يجتنب عملا بقوله تعالى {يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} فكان يبين لهم حكمة الله في المتناول من مخلوقاته ومعرفة أخص منافعها مما خلقه ليكون غذاء في سعته أو ضرورة أو إداما أو فاكهة ودواء كذلك ومعرفة موازنة ما بين الانتفاع بالشيء ومضرته واستعماله على حكم الأغلب من منفعته [ص:47] واجتنابه على حكم الأغلب من مضرته
(فر عن عوف بن مالك) وفيه عبد الرحمن العرزمي أورده الذهبي في الضعفاء ونقل تضعيفه عن الدارقطني قال ابن الجوزي: ليس لخبر السفرجل مدار يرجع إليه وقال ابن القيم: روي في السفرجل أحاديث هذا منها ولا تصح(5/46)
6406 - (كما تكونوا يولى عليكم) فإذا اتقيتم الله وخفتم عقابه ولى عليكم من يخافه فيكم وعكسه وفي بعض الكتب المنزلة أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رجمة وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم ومن دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا وروى الطبراني عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يدعو على الحجاج فقال: لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم فقد روي أعمالكم عمالكم وكما تكونوا يولى عليكم
(فر) وكذا القضاعي كلاهما من حديث يحيى بن هاشم عن يونس بن إسحاق عن أبيه عن جده (عن أبي بكرة) مرفوعا قال السخاوي: ورواية يحيى في عداد من يضع (هب) من جهة يحيى بن هشام عن يونس بن إسحاق (عن أبي إسحاق) عمر بن عبد الله (السبيعي مرسلا) بلفظ كما تكونون كذلك يؤمر عليكم ثم قال: هذا منقطع وراويه يحيى بن هشام ضعيف والسبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة وسكون المثناة تحت وعين مهملة نسبة إلى سبيع بطن من همدان وله طريق أخرى مسندة عند ابن جميع في معجمه والقضاعي من جهة أحمد بن عثمان الكرماني عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا قال ابن طاهر: والمبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالعمدة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة(5/47)
6407 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار وهما طريقان فأيهما أخذتم أدركتم) إليه وفي رواية للعسكري وهما طريقان في أيهما سلكتم وردتم على أهله وفي رواية فأيهما أخذتم أدتكم إليه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال
(ابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن منيع والعسكري (عن أبي ذر) وفيه مكبر بن عثمان التنوخي قال في الميزان عن ابن حبان: منكر الحديث جدا ثم ساق من مناكيره هذا الخبر(5/47)
6408 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار فاسلكوا أي طريق شئتم فأي طريق سلكتم وردتم على أهله) فمن سلك طريق أهل الله ورد عليهم فصار من السعداء ومن سلك طريق الفجار ورد عليهم وكان منهم فصار من الأشقياء والإنسان مع من أحب ومن تشبه بقوم فهو منهم والعبد يبعث على ما مات عليه
(حل عن يزيد بن مرثد مرسلا)(5/47)
6409 - (كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء) وفي رواية لأبي نعيم أيضا كما لا يضر مع الإيمان ذنب لا ينفع مع الشرك عمل انتهى. وأراد بالإيمان الحقيقي الكامل الذي يملأ القلب نورا فتستأنس النفس وتصير تحت سلطنته وقهره فهذا هو الذي لا يضر معه شيء من الأشياء إذ الإيمان كما في شرح الحكم قد يكون بالغيب وقد يكون عن كشف وشهود وهو الحقيقي
(خط عن عمر) بن الخطاب وفيه منذر بن زياد الطائي وعنه حجاج بن [ص:48] نصير ومنذر قال في الميزان عن الدارقطني: متروك الحديث وساق له ابن عدي مناكير منها هذا الخبر وقال الفلاس: كان كذابا وحجاج ضعفه ابن معين وغيره وقال البخاري: متروك (حل) من حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه عن مسروق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن إبراهيم تفرد به يحيى بن اليمان ويحيى بن اليمان ثقة من رجال مسلم لكنه فلج في آخر عمره فساء حفظه(5/47)
6410 - (كما يضاعف لنا) معشر الأنبياء (الأجر) أي الثواب ورفع الدرجات (يضاعف علينا البلاء) وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما سبق ولذلك كان على المصطفى صلى الله عليه وسلم من التشديدات في التكليفات ما لم يكن على غيره وكان يوعك كما يوعك الرجلان
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه(5/48)
6411 - (كما تدين تدان) أي كما تفعل تجازى بفعلك وكما تفعل يفعل معك سمى الفعل المبتدأ جزاء والجزاء هو الفعل الواقع بعده ثوابا كان أو عقابا للمشاكلة كما في {وجزاء سيئة سيئة مثلها} مع أن الجزاء المماثل مأذون فيه شرعا فيكون حسنا لا سيئا قال الميداني في ذلك: ويجوز إجراؤه على ظاهره أي كما تجازي أنت الناس على صنيعهم تجازى أنت على صنيعك والكاف في محل نصب للمصدر أي تدان دينا مثل دينك والقصاص إن لم يكن فيك أخذ من ذريتك ولهذا قال تعالى {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله} فاتق الله في أولاد غيرك يحفظك في ذريتك وييسر لهم ببركة تقواك ما تقر به عينك بعد موتك وإن لم تتق الله فيهم فأنت مؤاخذ بذلك في نفسك وذريتك وما فعلته كله يفعل بهم وهم وإن كانوا لم يفعلوا لكنهم تبعا لأولئك الأصول وناشئون عنهم {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}
(عد) من جهة مكرم بن عبد الله الجوزجاني عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن نافع (عن ابن عمر) ثم ضعفه بمحمد المذكور فعزو الحديث لمخرجه وحذفه من كلامه وتصريحه بتضعيفه غير صواب قال الزركشي: ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وفي الزهد عن أبي قلابة مرسلا بلفظ الذنب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت وكما تدين تدان وبه يتقوى وقال ابن حجر: له شاهد مرسل خرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة يرفعه قال: ورجاله ثقات ورواه أحمد في الزهد عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء فذكره(5/48)
6412 - (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضى ما أقسم لأجله (منهم البراء بن مالك) أخو أنس لأبويه قال أنس: ثم إن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أقسمت على ربك عز وجل لأبرك فأقسم على ربك فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسمت يا براء على ربك قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا رواه أبو نعيم وغيره عن أنس
(ت والضياء) في المختارة (عن أنس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه أبو نعيم(5/48)
6413 - (كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم عمار بن ياسر) قال الزين العراقي: وقد قلت في ذلك: [ص:49]
لا تحسب الفخر في لبس وتدريع. . . ووصف حسن وزي غير مشروع
فرب أشعث ذي طمرين مدفوع. . . إن قال قولا تراه غير مسموع
لكنه عند رب الناس ذي قسم. . . بر إذا رام أمرا غير ممنوع
<تنبيه> قال ابن عربي: هؤلاء الذي أرادهم بهذا الحديث هم الرجال المسمون بالملامتية الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها وهذا ما يسمى مقام القرب اقتطعهم لله إليه وحبسهم في خيام الأعمال الظاهرة فلا يعرفون بخرق العوائد فلا يلفت إليهم بل هم غامضون في الناس مغمورون فيهم وقد قال بعضهم في صفتهم لما سئل عن قولهم: العارف مسود الوجه في الدنيا والآخرة أي مستغرقا لأوقاته كلها في تجليات الحق له فلا يرى نفسه ولا مقامه كونا من الأكوان والأكوان في نور الحق ظلمة فلا يشهد إلا سواد الدوام التجلي عليه فهو مع الحق في الدارين أو المراد بالتسويد السيادة وبالوجه حقيقة الإنسان أي له السيادة في الدارين واعلم أن الظهور للرسل كمال وللأولياء نقص لأن الرسل مضطرون إليه لأجل التشريع بخلاف الأولياء فإن الله أكمل لهم الدين فكمال حالهم ستر مرتبتهم عن نفوسهم فضلا عن غيرهم فمن منازل صونهم أداء الفريضة مع الجماعة ولا يتوطن مكانا في المسجد وإذا كلمه الناس كلمهم ورأى الحق عليه رقيبا في كلامه وإذا سمع كلامهم سمع كذلك ويقلل مجالسة الناس حتى جيرانه لئلا يشعر به ويقضي حاجة الصغير والأرملة ويلاعب أولاده وأهله بما يرضي الله ويمزج ولا يقول إلا حقا وإن عرف في موضع انتقل إلى غيره فإن لم تمكنه النقلة استقضى من يعرفه وألح عليه في حوائجه حتى ينفي عنه وإن كان عنده مقام التحول في الصورة تحول كما كان قضيب البان وهذا كله حيث لم يرد الحق إظهاره
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) ورواه أيضا الطبراني في الأوسط عنها باللفظ المزبور فما أوهمه صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز غير جيد قال الهيثمي: وسنده ضعيف لكنه يجبر بتعدده فقد رواه الرافعي في أماليه أيضا(5/48)
6414 - (كم من عذق) بكسر العين المهملة غصن من نخلة وأما بفتحها فالنخلة بكمالها وليس مرادا هنا (معلق لأبي الدحداح) بدالين وحاءين مهملات ولا يعرف اسمه (في الجنة) جزاء له على جبره لخاطر اليتيم الذي خاصمه أبو لبانة في نخلة فبكى فاشتراها أبو الدحداح من أبي لبابة بحديقة فأعطاها اليتيم فبإشارة الباقي على الفاني جوزى بتكثير النخل في الجنة فوق ما لأمثاله والجزاء من جنس العمل
(حم م د ت عن جابر بن سمرة) ورواه عنه الطيالسي أيضا(5/49)
6415 - (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه) فيه تأكيد عظيم لرعاية حق الجار والحث على مؤاساته وإن جار وذلك سبب للائتلاف والاتصال فإن أهان كل أحد جاره انعكس الحال
(خد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والأصفهاني وضعفه المنذري(5/49)
6416 - (كم من عاقل عقل عن الله أمره وهو حقير عند الناس ذميم المنظر) ينجو إذا وقف على معرفة نفسه واشتغل بالعلم بحقائقه من حيث هو إنسان فلم ير فرقا بينه وبين العالم الأكبر ورأى أنه مطيع لله ساجد له قائم بما تعين عليه من عبادة خالقه فطلب الحقيقة التي يجتمع فيها مع العالم فلم يجد إلا الإمكان والافتقار والذلة والخضوع والمسكنة [ص:50] ثم رأى أن العالم فطر على عبادة ربه فافتقر هذا العاقل إلى من يرشده وينزله الطريق المقربة إلى سعادته لما سمع قوله سبحانه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فعبده بالافتقار إليه كما عبده سائر العالم ثم رأى أن الله قد حد له حدودا ونهاه عن تعديها وأن يأتي من أمره بما استطاع فتعين عليه العلم بما شرعه الله يقيم عبادته الفرعية كما أقام الأصلية فعلمها فإذا علم أمر ربه ونهيه ووفى حقه وحق عبوديته فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه فهو من الناجين الفرجين يوم القيامة (وكم من ظريف اللسان جميل المنظر عظيم الشأن هالك غدا في القيامة) لسوء عمله وكآبة منقلبه وقبح سيرته وسوء سريرته إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم فالقلب هو محل نظر الحق فلا عبرة بحسن الظاهر وزخرف اللسان مع خبث الجنان
(هب) من حديث نهشل بن سعيد عن عبادة بن كثير عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي: تفرد به نهشل بن عباد اه. ونهشل هذا قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابا وعباد بن كثير قال البخاري: تركوه وعبد الله بن دينار قال الذهبي: ليس بالقوي(5/49)
6417 - (كم ممن) وفي رواية من (أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد وكم ممن قد مات على فراشه وحتف أنفه عند الله صديق شهيد) قال في الفردوس: قال أبو عبيد: يقال مات فلان حتف أنفه إذا مات على فراشه وقال غيره: قيل له ذلك لأن نفسه تخرج بتنفسه من فيه وأنفه وغلب أحد الاسمين على الآخر لتجاورهما وأصل هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السهم فذكره وعلى ذلك ترجم البخاري باب لا يقال فلان شهيد أي على سبيل القطع والجزم إلا أن يكون بالوحي فالمقصود بالحديث النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال
(حل) من حديث عبد الله بن خبيق عن يوسف بن أسباط عن حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت (عن أبي ذر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السلاح فذكره ثم قال أبو نعيم: غريب بهذا الإسناد واللفظ لم نكتبه إلا من حديث يوسف اه ويوسف بن أسباط أورده الذهبي في الضعفاء وقال: وثقه يحيى وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال ابن حجر: في إسناده نظر فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بمعجمة ثم موحدة وقاف مصغرا عن يوسف بن أسباط الزاهد(5/50)
6418 - (كم من حوراء عيناء) أي واسعة العين بيضاء أعدت لرجل في الجنة (وما كان مهرها) في الدنيا (إلا) شيئا قليلا مثل (قبضة) قبضها (من حنطة أو مثلها من تمر) وناولها لمسكين قاصدا بها وجه الله تعالى فيثيبه بها زوجة في الجنة من الحور العين وتتعدد الزوجات بتعدد القبضات سبحان الكريم ما أوسع عطاءه
(عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن هشام بن عبد الملك عن عقبة بن السكن الفزاري عن أبان بن المجبر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حبان: باطل وأبان متروك وقال مخرجه العقيلي: لا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو دونه وفي الميزان عن ابن حبان: حديث باطل وقال الأزدي: أبان متروك الحديث وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصرها فلم يتعقبه(5/50)
6419 - (كم من مستقبل يوما لا يستكمله غدا ومنتظر غدا لا يدركه) بين به أن على العاقل أن يروض نفسه ويكشف لها حالة [ص:51] الأجل ويصرفها عن غرور الأمل حتى لا يطول الأمل أجلا قصيرا ولا ينسيه موتا ولا نشورا والليل والنهار يتراكضان تراكض البريد يقربان كل بعيد ويخلقان كل جديد قال رجل لزاهد في البصرة: ألك حاجة ببغداد قال: ما أحب أن أشط أملي بمن يذهب لبغداد ويجيء أما سمعت قول عيسى عليه السلام الدنيا ثلاثة أيام أمس مضى ما بيدك منه وغدا لا تدري أتدركه أم لا ويوم أنت فيه فاغتنمه وقال إمام الحرمين: الدنيا ثلاثة أنفاس نفس مضى عملت فيه ما عملت ونفس أنت فيه ونفس لا تدري أتدركه أم لا إذ كم من تنفس نفسا ففاجأه الموت قبل النفس الآخر فلست تملك إلا نفسا واحدا لا يوما ولا ساعة فبادر في هذا النفس إلى الطاعة قبل الفوت وإلى التوبة قبل الموت ولا تهتم بالرزق فلعلك لا تبقى حتى تحتاج إليه فيكون وقتك ضائعا والهم فاضلا
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عون بن عبد الله أورده في اللسان ونقل عن الدارقطني ما يفيد تضعيفه(5/50)
6420 - (كمل) بتثليث الميم لكن الكسر ضعيف والكمال المتناهي والتمام (من الرجال كثير) لأن كمال المرء في سبعة العلم والحق والعدل والصواب الصدق والأدب والكمال في هذه الخصال موجود في كثير من الرجال بفضل العقول وتفاوتها لأن المعرفة تبع للعقل والنساء ناقصات عقل فعقلهن على النصف من الرجال ولهذا عدلت شهادة اثنتين رجلا (ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا آسية) بنت مزاحم قيل من العمالقة وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى وقيل عمة موسى وقيل بنت عمة فرعون (امرأة فرعون) أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى (ومريم بنت عمران) أم عيسى فإنهما برزتا على الرجال لما أعطيتا من سلوك السبيل إلى الله ثم الوصول إليه ثم الاتصال به والمراد بالكمال هنا التناهي في الفضائل والبر والتقوى وحسن الخصال وتمسك به من زعم نبوة مريم وآسية لأن كمال البشر إنما هو في مقام النبوة وارد بأن الكمال في شيء ما يكون حصوله للكامل أوفى من غيره والنبوة ليست أولى للنساء لبنائها على الظهور للدعوة وحالهن الاستنكار والكمال في حقهن الصديقية ثم الظاهر أنهما خير نساء عصرهما والتفضيل بينهما مسكوت عنه وعلم من دليل منفصل أن مريم أفضل وزادت عليهما فاطمة بزيادة كمال من كمال أبويها (وأن فضل عائشة) بنت أبي بكر الصديق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) لا تصريح فيه بأفضلية عائشة على غيرها لأن فضل الثريد على غيره إنما هو لسهولة مساغه وتيسر تناوله وكان يومئذ جل طعامهم
<تنبيه> قال ابن عربي: كمال الوجود وجود النقص فيه إذ لو لم يكن كان كمال الوجود ناقصا لعدم لنقص فيه قال تعالى {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فما نقصه شيئا حتى النقص أعطاه فهذا كمال العلم ولله كمال يليق به وللإنسان كمال يليق به ومن نقص من الناس عن هذا الكمال فذلك النقص الذي في العالم لأن الإنسان من جملة العالم وما كل إنسان يقبل الكمال وما عداه فكامل في مرتبته لا ينقص شيء بنص القرآن فما ظهر في العالم نقص إلا في الإنسان لأنه مجموع حقائق العالم وهو المختصر الوجيز منه
(حم ق ت عن أبي موسى) الأشعري رواه عنه النسائي أيضا(5/51)
6421 - (كن في الدنيا كأنك غريب) أي عش بباطنك عيش الغريب عن وطنه بخروجك عن أوطان عاداتها ومألوفاتها بالزهد في الدنيا والتزود منها للآخرة فإنها الوطن أي أن الآخرة هي دار القرار كما أن الغريب حيث حل نازع لوطنه ومهما نال من الطرف أعدها لوطنه وكلما قرب مرحلة سره وإن تعوق ساعة ساءه فلا يتخذ في سفره المساكن [ص:52] والأصدقاء بل يجتزئ بالقليل قدر ما يقطع به مساقة عبوره لأن الإنسان إنما أوجد ليمتحن بالطاعة فيثاب أو بالإثم فيعاقب {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فهو كعبد أرسله سيده في حاجة فهو إما غريب أو عابر سبيل فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه وهذا أصل عظيم في قصر الأمل وأن لا يتخذ الدنيا وطنا وسكنا بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بد له من مركب وزاد ورفقاء وطريق يسلكها فالمركب نفسه ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للراكب والزاد التقوى والرفقاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصراط المستقيم وإذا سلك الطريق لم يزل خائفا من القطاع إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع (أو عابر سبيل) قال الطيبي: الأحسن جعل أو بمعنى بل شبه الناسك السالك بغريب لا مسكن له يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن بلد الغربة وابن السبيل بينه وبين مقصده أودية رديئة ومفارز مهلكة وقطاع وشأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة قال بعض العارفين: الأرواح خلقت قبل الأجساد ثم أفيضت من عالمها العلوي النوراني فأودعت هذا الجسد الترابي الظلماني فاجتمعا اجتماع غربة كل منهما يشير إلى وطنه ويطير إلى مسكنه فالبدن أخلد إلى الأرض والروح بدون السمو لم ترض
راحت مشرقة ورحت مغربا. . . شتان بين مشرق ومغرب
(خ) في الرقاق (عن ابن عمر) بن الخطاب (زاد حم د ت هـ وعد نفسك من أهل القبور) أي استمر سائرا ولا تفتر فإن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية فلا تتنافس في عمارة الدور فعل المستوطن المغرور فيأتيك الموت من غير استعداد وتقدم على سفر الآخرة بغير زاد رواه العسكري وزاد: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فإنه لا تدري ما اسمك غدا قالوا: وذا من جوامع الكلم(5/51)
6422 - (كن ورعا تكن أعبد الناس) أي داوم عليه في جميع الحالات حتى يصير طبعا لك فتكون أعبد الناس لدوام مراقبتك واشتغالك بأفضل العبادات بظاهرك وباطنك بإيثار حقك على حظك وهذا كمال العبودية ولهذا قال الحسن: ملاك الدين الورع وقد رجع ابن المبارك من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها وأبو يزيد إلى همدان لرد نملة وجدها في قرطم اشتراه وقال: غريبة عن وطنها وابن أدهم من القدس للبصرة لرد تمرة فانظر إلى قوة ورع هؤلاء وتشبه بهم إن أردت السعادة (وكن قنعا تكن أشكر الناس) لأن العبد إذا قنع بما أعطاه الله رضي بما قسم له وإذا رضي شكر فزاده الله من فضله جزاء لشكره وكلما زاد شكرا ازداد فضلا {لئن شكرتم لأزيدنكم} (وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان لإعراضك عن هواك وإن لم تحب لهم ما تحب لنفسك فأنت مؤمنا ناقص الإيمان لمتابعتك هواك (وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) أي كامل الإسلام فإن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه (وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) وفي رواية البيهقي بدله فإن في كثرة الضحك فساد لقلب وإذا فسد القلب فسد الجسد كله. <تنبيه> الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا وللقلب حياة وموت فحياته بدوام الطاعة وموته بإجابة غير الله من النفس والهوى والشيطان بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة بنص الخبر أوحى الله إلى داود ومن عصاني فقد مات ومن أسباب موت [ص:53] القلب الأشر والبطر والفرح وإذا مات لم يستجب له الله إذا دعاه
<تنبيه> المأمور بالكف عن كثرة الضحك إنما هو أمثالنا أما من ذاق مشرب القوم من الأحباب فليس مرادا بهذا الخطاب قال بعض العارفين: جلس ذو النون للوعظ والناس حوله يبكون وشاب يضحك فزجره فأنشأ يقول:
كلهم يعبدون الله من خوف النار. . . ويرون النجاة حظا جزيلا
ليس لي في الجنان والنار رأي. . . أنا لا أبتغي بحبي بديلا
فقيل له: فإن طردك فما تفعل؟ قال:
فإذا لم أجد من الحب وصلا. . . رمت في النار منزلا ومقيلا
ثم أزعجت أهلها ببكائي. . . بكرة في ضريعها وأصيلا
معشر المشركين نوحوا علي. . . أنا عبد أحببت مولى جليلا
لم أكن في الذي ادعيت صدوقا. . . فجزائي منه العذاب الوبيلا
وقال ابن عربي: خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها وجمالها كأن عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني
(هب) من حديث أبي رجاء وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) قال العلائي: وأبو رجاء متكلم فيه وأقول: فيه أيضا يزيد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يرى بالقدر وبه يعرف أن العامري لم يصب في زعمه لصحته(5/52)
6423 - (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) بأن جعله الله حقيقة تقصر عقولنا عن معرفتها وأفاض عليها وصف النبوة من ذلك الوقت ثم لما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر بكليته جسما وروحا وأما قول الحجة المراد بالخلق التقدير لا الإيجاد فإنه قبل ولادته لم يكن موجودا فتعقبه السبكي بأنه لو كان كذلك لم يختص
(ابن سعد) في الطبقات (عن قتادة مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال والديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ثم إن فيه بقية وقد مر الكلام فيه وسعيد بن بشير ضعفه ابن معين وغيره(5/53)
6424 - (كنت نبيا) لم يقل كنت إنسانا ولا كنت موجودا إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أوفى كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان الشرع واحدا (وآدم بين الروح والجسد) يعني أنه تعالى أخبره بمرتبته وهو روح قبل إيجاد الأجسام الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ذكره ابن عربي ومنه أخذ بعضهم قوله لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد أول من قال بلى ولهذا صار متقدما على الأنبياء وهو آخر من يبعث فإن قيل حقيقة آدم في هذا الهيكل المخلوق من طين المنفوخ فيه الروح فمجموع الروح والجسد [ص:54] هو المسمى بآدم فما معنى وآدم بين الروح والجسد؟ فالجواب أنه مجاز عما قبل تمام خلقته قريبا منه كما يقال فلان بين الصحة والمرض أي حالة تقرب من كل منهما قال السخاوي: وما اشتهر على الألسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فلم أقف عليه
(ابن سعد) في الطبقات (حل عن ميسرة الفجر) له صحبة من أعراب البصرة (ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء طب عن ابن عباس) قال: قيل يا رسول الله متى كنت نبيا فذكره قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد وفيه قيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الترمذي في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري ولم يعرفه قال أبو عيسى: وهو غريب وأخرجه البخاري في تاريخه وأحمد بن السكن والبغوي عن ميسرة أيضا وأخرجه عنه الحاكم بلفظ قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا قال: وآدم بين الروح والجسد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأخرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور عنه قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح(5/53)
6425 - (كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط) فإنهما كانا أشد الناس إيذاء وظلما له وقد بلغ من إيذائهما ما حكاه بقوله (إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى) كالغائط والدم (فيطرحونه على بابي) تناهيا في إيصال الأذية مبالغة في إضرار تلك النفس الطاهرة الزكية لما أراد الله وقدر في الأزل من تضاعف العقاب على تلك النفوس الشقية وقصة أبي جهل في وضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد مشهورة وفي ذلك إرشاد إلى ندب تحمل الأذى من الجار وأن من صبر فله عقبى الدار
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة)(5/54)
6426 - (كنت من أفل الناس في الجماع حتى أنزل الله علي الكفيت) بفتح الكاف وسكون الفاء وفتح الياء بضبط المصنف كذا رأيته بخطه في نسخته (فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم) هذا صريح في رد ما قيل إن معنى الكفيت في خبر ورزقت الكفيت ما أكفت به معيشتي أي أضم وأصلح قال ابن سيد الناس: وكثرة الجماع محمودة عند العرب إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمدح به سيرة مرضية
(ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن إبراهيم مرسلا) وهو الزهري (وعن صالح بن كيسان مرسلا) رأى ابن عمر وسمع عروة والزهري قال الذهبي: كان جامعا بين الفقه والحديث والمروءة وغير ذلك(5/54)
6427 - (كنت نهيتكم عن الأشربة) جمع شراب وهو كل مائع رقيق يشرب ولا يتأتى فيه المضغ حلالا أو حراما قاله ابن الكمال (إلا في ظروف الأدم) فإنها جلد رقيق لا تجعل الماء حارا فلا يصير مسكرا وأما الآن فاشربوا في كل وعاء ولو غير أدم (غير أن لا تشربوا مسكرا) فإن زمن الجاهلية قد بعد واشتهر التحريم وتقرر في النفوس فينسخ ما كان قبل ذلك من تحريم الانتباذ في تلك الأوعية خوفا من مصيره مسكرا فلما تقرر الأمر أبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط عدم الإسكار
(م عن بريدة) بن الحصيب كزبيب وفي رواية له عنه أيضا نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل [ص:55] شيئا ولا تحرمه وكل مسكر حرام(5/54)
6428 - (كنت نهيتكم عن الأوعية) أي عن الانتباذ في الظروف (فانبذوا) في أي وعاء كان ولو أخضر وأبيض لعموم الخبر خلافا لبعض المتقدمين (واجتنبوا كل مسكر) أي ما من شأنه الإسكار أي من أي شراب كان وهذا نسخ صريح لنهيه عن النبذ في المزفت والنقير وبه أخذ الحبر
(هـ) عن بريدة ورواه عنه أيضا ابن جرير وغيره(5/55)
6429 - (كنت نهيتكم) نهي تنزيه أو تحريم (عن لحوم الأضاحي) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها (فوق ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر وأوجبت عليكم التصديق بها عند مضي الثلاث وإنما نهيتكم عن ذلك (ليتسع ذوو الطول) أي ليوسع أصحاب الغنى (على من لا طول له) أي على الفقراء (فكلوا ما بدا لكم) أي مدة بدو الأكل لكم ولو فوق ثلاث (وأطعموا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح الآن الادخار فوق ثلاث والأكل متى شاء مطلقا قال القرطبي: وهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم يبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض قال النووي: وهذا من نسخ السنة بالسنة قال ابن العربي: هذا من ناسخ الحديث ومنسوخه وهو باب عسر أعسر من القرن وقد كان أكلها مباحا ثم حرم ثم أبيح ففيه رد على المعتزلة الذي يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر قالوا: ومحل جواز الأكل في التطوع لا المنذور
(هـ عن بريدة) وفي الباب عن علي وغيره(5/55)
6430 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى (فزوروا القبور) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر أو تقبيل أو سجود عليه أو نحو ذلك فإنه كما قال السبكي بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال (فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة) ونعم الدواء لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه فإن انتفع بالإكثار منها فذاك وإلا أكثر من مشاهدة المحتضرين فليس الخبر كالعيان قال القاضي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بتكاثر الأموال فعل الجاهلية وأما الآن فقد جاء الإسلام وهدم قواعد الشرك فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر المموت والبلى قال ابن تيمية: قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي وعلله بأنها تذكر الموت والدار الآخرة وأذن إذنا عاما في زيارة قبر المسلم والكافر والسبب الذي ورد عليه لفظ الخبر يوجب دخول الكافر والعلة موجودة في ذلك كله وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والاستغفار لهم فهذا المعنى يختص بالمسلمين انتهى
(هـ عن ابن مسعود) قال المنذري: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذه الأحاديث لم يخرج منها شيء في أحد الصحيحين وليس كذلك بل جمع مسلم غالبها في حديث واحد وهو نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وعن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا انتهى. وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بنحوه(5/55)
[ص:56] 6431 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا) بالضم أي قبيحا أو فحشا وقد أهجر في منطقة أفحش وأكثر الكلام فيما لا ينبغي وقوله نهيتكم خطاب رجال فلا يدخل فيه الإناث على المختار عند أصحابنا فلا يندب لهن لكن يجوز مع الكراهة ثم الزيارة بمجرد هذا القصد يستومي فيها القبور كما سبق قال السبكي: متى كانت الزيادة بهذا القصد لا يشرع فيها قصد قبر بعينه ولا تشد الرحال لها وعليه يحمل ما في شرح مسلم من منع شد الرجال لزيارة القبور وكذا بقصد التبرك إلا الأنبياء فقط وقال بعضهم: استدل به على حل زيارة القبور هب الزائر ذكرا أم أنثى والمزور مسلما أم كافرا قال النووي: بالجواز قطع الجمهور وقال صاحب الحاوي: ولا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط انتهى. وحجة الماوردي آية {ولا تقم على قبره} وفيه نظر انتهى
(ك) في الجنائز (عن أنس) قال ابن حجر: سنده ضعيف(5/56)
6432 - (كنس المساجد مهور الحور العين) بمعنى أن له بكل كنسة يكنسها لمسجد من المساجد حوراء في الجنة ويظهر أن ذلك إذا فعله محتسبا لا بأجرة كما هو المتعارف الآن
(ابن الجوزي) في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية من حديث عبد الواحد بن زيد عن الحسن (عن أنس) بن مالك وأورده أيضا بسنده في الموضوعات وحكم بوضعه وقال: فيه مجاهيل وعبد الواحد بن زيد متروك انتهى وروى نحوه الديلمي والطبراني(5/56)
6433 - (كونوا في الدنيا أضيافا) يعني بمنزلة الضيف ودار ضيافتكم الإسلام والضيف ينزل حيث ينزله المضيف ويأكل ما قدم له ولا يتحكم فإنه لا بد من الارتحال وسائر ما تراه في هذه الدنيا خيال ومن لا يعرف مرتبة الخيال فلا عنده من المعرفة رائحة بحال وقد قال عليه الصلاة والسلام الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فنبه به على أن ما أدرك في هذه الدار كإدراك النائم في النوم وهو خيال فبالموت يرى أنه استيقظ وهكذا كل حال يكون فيه لا بد لك من الانتقال عنه كالضيف لا بد له من الانتقال (واتخذوا المساجد بيوتا) يعني لدينكم إليها تأوون وإلى ذكر الله فيها تسكنون ولطاعته فيها تأنسون ولدينكم بكثرة المقام فيها تحصنون كبيوت الدنيا لأسباب دنياكم ولأنس أهليكم وتحصين أموالكم واتخذوها لمعاشكم وفكاهتكم وخصوماتكم فإنها لم تبن لذلك كما في الخبر المار (وعودوا قلوبكم الرقة) أي عند ذكر الله ووعده ووعيده ورقتها بدوام الفكر في الذكر ونسيان ذكر الخالق بإيثار ذكر الحق ويحتمل أن المراد تعويد القلب الرقة على الإخوان وإصفائها بذكر الله (وأكثروا التفكر والبكاء) يعني التفكر في عظمة الله وقوة بطشه فيكثر البكاء والحذر يمتنع من متابعة هواه كما قال (ولا تختلفن) في رواية لئلا تختلفن (بكم الأهواء) أما أهواء الدنيا فتقطع عن الاستعداد للآخرة وأما أهواء البدع في الدين فتقطع عن المولى (تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون) وهذا الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعهم عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج عن ملك الحيوان
(الحسن بن سفيان حل) وكذا الديلمي (عن الحكم بن عمير) وفيه عندهم جميعا بقية وموسى بن حبيب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم(5/56)
[ص:57] 6434 - (كونوا للعلم رعاة) كذا هو في الفردوس وغيره بالراء وفي نسخ بالواو فليحرر (ولا تكونوا له رواة) تمامه عند مخرجه أبي نعيم فقد يرعوي من لا يروى وقد يروى من لا يرعوي إنكم لم تكونوا عالمين حتى تكونوا بما علمتم عاملين اه بلفظه. فاقتصار المصنف على هذه القطعة وحذف ما عداها من سوء التصرف وإن كان جائزا. قال في شرح الحكم: علم الهداية يحصل به المقصود من أوله وهلة وعلم الرواية لا تحصل به الهداية إلا بشرط وتدرج. وعلم الهداية تسبقه الخشية للقلب فتسكنه الهيبة والحياء والأنس وقال الماوردي: ربما عنى المتعلم بالحفظ من غير تصور ولا فهم حتى يصير حافظا لألفاظ المعاني وهو لا يتصورها ولا يفهم ما تضمنها يروي بغير روية ويخير عن غير خبرة فهو كالكتاب الذي لا يدفع شبهة ولا يؤدي حجة
(حل عن ابن مسعود) من رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ابن مسعود(5/57)
6435 - (كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل) لأن اللسان ترجمان القلب يؤدي إليه القلب علم ما فيه فيعبر عنه اللسان فيرمي به إلى الأسماع فيولج القلب إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكلام ابن آدم على ضروب منها ما يخلص للآخرة فذلك محبوب مطلوب متوعد عليه خير. ومنها ما يخلص للدنيا ولا نصيب للآخرة فيه وذلك مرغوب عنه متوعد عليه ومنها ما لا بد لهم منه في معاشهم كأخذ وعطاء فذلك مأذون فيه والحساب من ورائه ومن ثم قال بعض السلف: ما تكلمت بكلمة منذ عشرين سنة لم أتدبرها قبل التكلم بها إلا ندمت عليها إلا ذكر الله وهذا الحديث مقتبس من قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية. قال: كلام يكون بخير فهو له وفيه ثواب وشر فهو عليه وفيه عقاب ولغو وعله حسابه وعقابه فلا يضيع نعمة نطقه فيما لا حاجة إليه وربما جر كثرة الكلام المباح إلى الحرام
(ت هـ ك هب عن أم حبيبة) قال الترمذي: غريب(5/57)
6436 - (كلام أهل السماوات) من الملائكة (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أن ذلك أكثر كلامهم
(خط) في ترجمة خلف الموازيني (عن أنس) وفيه أحمد بن محمد بن عمران. قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف معروف وداود بن صفير قال الدارقطني وغيره: منكر الحديث وابن عدي: غاليا في التشيع ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(5/57)
6437 - (كلامي لا ينسخ كلام الله وكلام الله ينسخ كلامي وكلام الله ينسخ بعضه بعضا) وهذا من خصائص هذه الشريعة وهذا النبي صلى الله عليه وسلم. قال الجلال: من خصائصه أن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ ثم هذا الحديث احتج به من منع نسخ الكتاب بالسنة وذهب الأكثر إلى جوازه لأن السنة مما أتى به الله قالوا: والخبر منكر
(عد قط عن جابر) قال الذهبي: فيه جيرون بن واقد الإفريقي متهم فإنه روى بقلة حيائه هذا الحديث اه. وقال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه جيرون غير ثقة وعنه داود بن محمد القنطري أتى بحديثين باطلين قاله الذهبي وقال ابن الجوزي في العلل: قال ابن عدي هذا حديث منكر وفي الميزان تفرد به القنطري وهو موضوع وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذف ما أعله به غير مرضي(5/57)
[ص:58] 6438 - (كيف أنتم) أي كيف الحال بكم فهو سؤال عن الحال وعامله محذوف أي كيف تصنعون فلما حذف الفعل أبرز الفاعل (إذا كنتم من دينكم في مثل القمر ليلة البدر لا يبصره منكم إلا البصير)
(ابن عساكر) في ترجمة صدقة الخراساني (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وأقره ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: إن صدقة ضعفه أحمد والنسائي ووثقه أبو زرعة اه. وفي الضعفاء للذهبي عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به(5/58)
6439 - (كيف أنتم) أي كيف تصنعون (إذا جارت عليكم الولاة) الحال المسؤول عنها أتصبرون أم تقاتلون وترك القتال لازم كما هو مصرح به في عدة أخبار
(طب عن عبد الله بن بسر) المازني رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه عمرو بن هلال الحمصي مولى بني أمية قال الهيثمي: جهله ابن عدي قال في الميزان: قال ابن عدي: غير معروف ولا حديثه بمحفوظ وأشار إلى هذا الحديث قال في اللسان: قال ابن عدي هذا الذي ضعفه ابن عدي(5/58)
6440 - (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) أي الخليفة من قريش على ما وجب واطرد أو وإمامكم في الصلاة رجل منكم كما في مسلم أن يقال له صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة. وقال الطيبي: معنى الحديث أي يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم وصحح المولى التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل فإمامته أولى وفي رواية بدل إمامكم منك ويؤمكم منكم ومعناه يحكم بشريعة الإسلام وهذا استفهام عن حال من يكونون أحياء عند نزول عيسى كيف يكون سرورهم بلقاء هذا النبي الكريم وكيف يكون فخر هذه الأمة وعيسى روح الله يصلي وراء إمامهم وذلك لا يلزم انفصال عيسى من الرسالة لأن جميع الرسل بعثوا بالدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل والنهي عما خالف ذلك من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحدة منها حق بالإضافة إلى زمانها مراعى فيه صلاح من خوطب به فإذا نزل المتقدم في أيام المتأخر نزل به على وقفه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي تنبيها على أن اتباعه لا ينافى الإيمان به بل يوجبه
(ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا(5/58)
6441 - (كيف أنت يا عويمر) أي أخبرني على أي حالة تكون يا عويمر وهو تصغير عامر (إذا قيل لك) من قبل الله تعالى (يوم القيامة أعلمت أم جهلت فإن قلت علمت قيل لك فماذا عملت بما علمت وإن قلت جهلت قيل لك فما كان عذرك فيما جهلت ألا تعلمت) هذا من الأدلة الشرعية على قبح الجهل وعلى وبال عدم العمل بالعلم وهو استعظام لما يقع يومئذ من الدهشة والتحير في الجواب والارتباك فيما لا حيلة في دفعه ولا سبيل إلى التخلص منه وأن ما يحدث المرء به نفسه ويسهله عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يجدي فأفاد أن الغفلة عن الله على ضربين الجهل بأمر الدين فلا يعرف ما يأتي ولا يعلم ما يذر والسهو عما يعلم ذهابا عن إتيان ما أمر الله به وركوبا لما نهى عنه بشهوة النفس وغرور الدنيا وزخارفها وهذا أقبح النوعين
(ابن عساكر) في تاريخه عن (أبي الدرداء)(5/58)
[ص:59] 6442 - (كيف بكم) قال الطيبي: كيف يسأل بها عن الحال أي ما حالكم وكيف أنتم (إذا كنتم عن) وفي نسخ في (دينكم كرؤية الهلال) كيف تفعلون وكيف يكون حالكم إذا خفيت عليكم أحكام دينكم فلم تبصرونها لغلبة الجهل واستيلاء الرين على القلب وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون في أمر مهول لا مخلص منه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة)(5/59)
6443 - (كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم) استخبار فيه إنكار وتعجيب أي أخبروني كيف يطهر الله قوما لا ينصرون الظالم القوي على العاجز الضعيف مع تمكنهم من ذلك أي لا يطهرهم الله أبدا فما أعجب حالكم إن ظننتم أنكم مع تماديكم في ذلك يطهركم ولأن التقديس من قدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ويقال قدس إذا طهر لأن مطهر الشيء يبعده عن الأفذار
(هـ هب عن جابر) بن عبد الله(5/59)
6444 - (كيف يقدس الله أمة) أي من أين يتطرق إليها التقديس والحال أنه (لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متعتع) بفتح التاء أي من غير أن يصيبه ويزعجه قال القاضي: ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فترك إزالة المنكر مع القدرة أبلغ في الذم وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن ذنب النبي أيوب الذي ابتلي به أنه استعان به مسكين على ظالم فلم يعنه
(ع هق) وكذلك في الشعب (عن بريدة) قال: لما قدم جعفر من الحبشة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني ما أعجب ما رأيته بها قال: موت امرأة على رأسها مكتل فأصابها فارس فرماه فجعلت تلمه وتقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فذكره قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط وبقية رجاله ثقات وقال بعضهم عقب عزوه للبيهقي: وفيه عمرو ابن قيس عن عطاء أورده الذهبي في المتروكين وقال: تركوه واتهم أي بالوضع(5/59)
6445 - (كيف وقد قيل) قاله لعقبة وقد تزوج فأخبرته امرأة أنها أرضعتهما فركب إليه يسأله فقال: كيف أي كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها من الرضاع فإنه بعيد من المروءة والورع ففارقها ونكحت غيره قال الشافعي: كأنه لم يره شهادة فكره له المقام معها تورعا أي فأمره بفراقها لا من طريق الحاكم بل بالورع لأن شهادة المرضعة على فعلها لا يقبل عند الجمهور وأخذ أحمد بظاهر الخبر فقبلها ولم يجز بحضرته ترافع ولا أداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار وهو كسائر ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص لا يثبت إلا بأربع قاله القاضي قال الطيبي: كيف سؤال عن الحال وقد قيل حال وهما يستدعيان عاملا يعمل فيهما يعني كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها؟ هذا بعيد من المروءة والورع وفيه أنه يجب تجنب مواقع التهم وأنشدوا:
قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا. . . فما اعتذارك عن قول إذا قيلا
(خ) في الشهادات (عن) أبي سروعة بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الواو والمهملة (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن الحارث) بالمثلثة بن عامر القرشي النوفلي من مسلمة الفتح ورواه أبو داود في القضاء والترمذي في الرضاع والنسائي في النكاح(5/59)
[ص:60] 6446 - (كيلوا طعامكم) عند البيع وخروجه من مخزنه (يبارك لكم فيه) أي يحصل فيه الخير والبركة والنمو بنفي الجهالة عنه أما في البيع والشراء فظاهر وأما كيل ما يخرجه لعياله فلأنه إذا أخرجه جزافا قد ينقص عن كفايتهم فيتضررون أو يزيد فلا يعرف ما يدخر لتمام السنة فأمر بالكيل ليبلغهم المدة التي ادخر لها. قال ابن الجوزي وغيره: وهذه البركة يحتمل كونها للتسمية عليه وكونها لما بورك في مد أهل المدينة بدعوته ولا ينافيه خبر عائشة أنها كانت تخرج قوتها بغير كيل فبورك لها فيه حتى علمت المدة التي تبلغ إليها عند انقضائها لأن ما هنا في طعام يشترى أو يخرج من مخزنه فبركته بكيله لإقامة القسط والعدل وعائشة كالته اختبارا فدخله النقص وقوله يبارك بالجزم جوابا للأمر
(حم خ) في الأطعمة (عن المقدام) بكسر الميم (بن معد يكرب) غير معروف (تخ هـ عن عبد الله بن بسر حم هـ عن أبي أيوب طب عن أبي الدرداء)(5/60)
6447 - (كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل) قال البعض: كأنه يشير إلى أنه إذا علم كيله ووزنه حلت البركة بنفي الجهالة ونفي التهمة عن الطعام بيده وكان بعضهم إذا أنفذ حاجة مع غلمانه ختمها ويقول فيه فائدتان سلامة سرى من سوء الظن بالغلام ويمنعه من الخيانة ويعوده الأمانة لكن مجرد الكيل لا يحصل البركة ما لم ينضم له قصد الامتثال فيما يشرع كيله ومجرد عدم الكيل لا ينزعها ما لم ينضم له قصد الاختبار والمعارضة
(ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ورواه القضاعي وغيره وقال بعضهم: حسن غريب(5/60)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الكاف](5/60)
6448 - (الكافر يلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول) يا رب (أرحني ولو إلى النار) أي ولو بصرفي من الموقف إلى جهنم لكونه يرى أن ما فيه أشد منها وفيه أن العذاب لا يكون في الآخرة بإدخال الجحيم فقط بل قد يكون بأنواع أخر تقدم على دخولها
(خط) في ترجمة علي بن عبد الملك الطائي (عن ابن مسعود) وفيه بشر بن الوليد قال الذهبي: صدوق لكنه لا يعقل كان قد خرف(5/60)
6449 - (الكبائر) جمع كبيرة وهي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب واختلف فيها على أقوال والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حدا وصرح بالوعيد عليه (الإشراك بالله) بالرفع خبر المبتدأ المقدر (وعقوق الوالدين) بأن يفعل الولد ما يتأذى به الوالد تأذيا ليس بهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة ذكره النووي كابن الصلاح (وقتل النفس) بغير حق (واليمين الغموس) والواو في الأربعة للعطف على السابق والشرك أعظمها
(حم خ ت ن عن ابن عمرو)(5/60)
6450 - (الكبائر سبع) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: هن (الشرك بالله) بأن يتخذ معه إلها غيره (وعقوق الوالدين) أي [ص:61] الأصلين المسلمين وإن عليا (وقتل النفس التي حرم الله) قتلها (إلا بالحق) كالقصاص والقتل بالردة والرجم (وقذف) المرأة (المحصنة) بفتح الصاد أي التي أحصنها الله من الزنا وبكسرها اسم فاعلة أي التي حصنت فرجها من الزنا (والفرار) أي الهرب (من الزحف) يوم القتال في جهاد الكفار (وأكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان (وأكل مال اليتيم) أي الطفل الذي مات أبوه والمراد بغير حق قال الذهبي في الكبائر: وفرار الفار عن سلطانه أعظم وزرا من فرار الفار من عسكر خذلوا ثم انضم إلى بلد سلطانه وكذا فرار من فر لفرار سلطانه أخف كالجند في فرارهم (والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة) هذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر وأخذ منه ثبوت الصغيرة لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وما وقع للأستاذ الباقلاني والإمام من أن كل ذنب كبيرة وتفهيم الصغيرة فإنما هو نظر إلى عظمة من عصى الرب فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة مع وفاقهم في الحرج على أنه لا يكون بمطلق المعصية فالخلف لفظي يرجع إلى مجرد التسمية ثم إنه لا يلزم من كون المذكورات أكبر الكبائر استواء رتبتها في نفسها كما إذا قلت زيد وعمرو أفضل من بكر فإنه لا يقتضي استواؤهما قال الطيبي: ليس لقاتل أن يقول كيف عدها هنا سبعا وفي أحاديث أخر أكثر لأنه إنما أنهى في كل مجلس ما أوحي إليه أو سنح له باقتضاء أحوال السائل وتفاوت الأوقات فالأضبط أن تجمع كلها وتجعل مقيسا عليها كما بينه ابن عبد السلام
(طس عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته والأمر بخلافه ففيه عبد السلام بن حرب أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق وقال ابن سعد: في حديثه ضعف وإسحاق ابن عبد الله بن أبي فروة ساقه الذهبي في الضعفاء وقال: متروك واه(5/60)
6451 - (الكبائر) جمع كبيرة قال أبو البقاء: وهي من الصفات الغالبة التي لا يكاد يذكر الموصوف معها (الشرك بالله) أي أن تجعل لله ندا وتعبد معه غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو جني أو نجم أو غير ذلك قال الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} فمن أشرك به ومات مشركا فهو من أصحاب النار قلت: كما أن من آمن به ومات مؤمنا فمن أهل الجنة وإن عذب (والإياس من روح الله) بفتح الراء (والقنوط من رحمة الله) قال القاضي: ليس لقائل أن يقول كيف عد الكبائر هنا ثلاثا أو أربعا وفي حديث آخر سبعا لأنه لم يتعرض للحصر في شيء من ذلك ولم يعرب به كلامه أما في هذا الحديث فظاهر وأما في رواية السبع فلأن الحكم مطلق والمطلق لا يفيد الحصر فإن قلت بل الحكم فيه كلي إذ اللام في الكبائر للاستغراق قلت لو كانت للاستغراق لا للجنس كان المعنى كل واحدة من هذه الخصال وهو فاسد أما في رواية اجتنبوا السبع الموبقات فإنه لا يستدعي عدم اجتناب غيرها ولا أن غيرها غير موبق لا بلفظه ولا بمعناه ومفهوم اللقب ضعيف مزيف
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال: إن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر فذكره. رمز المصنف لحسنه قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن(5/61)
6452 - (الكبائر الإشراك بالله) أي مطلق الكفر وتخصيص الشرك لغلبته في الوجود حالتئذ واحتمال إرادة تخصيصه [ص:62] رد بأن بعض الكفر أقبح من الشرك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد (وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار يوم الزحف) أي الإدبار للفرار يوم الازدحام للقتال والزحف الجماعة الذين يزحفون أي يمشون بمشقة (وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين) مصدر عق والده يعق عقوقا فهو عاق أذاه وعصاه وخرج عليه (وإلحاد بالبيت) أي ميل عن الحق في الكعبة أي حرمها (قبلتكم أحياءا وأمواتا) فيه انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر فيفيد ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وقد فهم الفرق بين الكبيرة والصغيرة من مدارك الشرع وقد جاء في عدة أخبار ما يكفر الخطايا ما لم يكن كبائر فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعة ومنها ما لا يكفر وذلك عين المدعي ولهذا قال حجة الإسلام: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بفقيه واعلم أن هذا الحديث قد روى بأتم من هذا ولفظه الكبائر تسع الشرك بالله وقتل مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم ما من رجل يموت لم يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب قال الذهبي في الكبائر: إسناده صحيح ووضع عليه علامة أبي داود والنسائي فكان ينبغي للمؤلف إيثاره
(عق عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لصحته وفيه عبد الحميد بن سنان قال في الميزان: لا يعرف ووثقه بعضهم وقال البخاري: حديثه عن ابن عمر فيه نظر(5/61)
6453 - (الكبر من بطر الحق) أي فعل من بطره أي دفعه وأنكره وترفع عن قبوله (وغمط الناس) بطاء مهملة كذا بخط المؤلف وهي رواية مسلم وفي رواية الترمذي غمص بغين معجمة وصاد مهملة بدل الطاء قال القاضي: فالمعنى واحد قال الغزالي: وقوله غمص الناس أي ازدراهم واحتقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه وبطر الحق رده وقال القاضي: البطر الحيرة والمعنى التحير في الحق والتردد فيه أو معناه التكبر عن الحق وعدم الالتفات إليه أو معناه إبطاله وتضييعه من قولهم ذهب دم فلان بطرا أي هدرا وغمط الناس احتقارهم والتهاون بحقوقهم والمتكبر منازع لله في صفته الذاتية التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياه فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله
(د ك عن أبي هريرة) ورواه يعلى عن ابن مسعود وهو في مسلم من جملة حديث(5/62)
6454 - (الكبر الكبر) بضم الكاف والباء ونصب آخره على الإغراء أي كبر الكبر أو ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشادا إلى الأدب في تقديم الأسن قاله وقد حضر إليه جمع في شأن صاحب لهم وجدوه قتيلا في خيبر فلم يعرف قاتله فبدأ أصغرهم ليتكلم فذكره ثم طالبهم ببينة فقالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: ما نرضى بأيمان اليهود فكره أن يبطل دمه فواده بمئة من إبل الصدقة أي اشتراها من أصحابها بعد ما ملكوها قال القاضي: خبر القسامة أصل من أصول الشرع به أخذ العلماء كافة وإنما اختلفوا في كيفية الأخذ
(ق د عن سهل بن أبي حثمة) الخزرجي صحابي مشهور(5/62)
6455 - (الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم) محترم في نفس أو مال (أو دفع به عن دين) لأنه لغير ذلك غش وخيانة ومن ثم كان أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا وقبح الكذب مشهور معروف إذ ترك الفواحش بتركه وفعلها [ص:63] بفعله فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن ولهذا أجمع على حرمته إلا لضرورة أو مصلحة قال الغزالي: وهو من أمهات الكبائر قال: وإذا عرف الإنسان بالكذب سقطت الثقة بقوله وازدرته العيون واحتقرته النفوس وإذا أردت أن تعرف قبح الكذب فانظر إلى قبح كذب غيرك ونفور نفسك عنه واستحقارك لصاحبه واستقباحك ما جاء به قال: ومن الكذب الذي لا إثم فيه ما اعتيد في المبالغة كجئت ألف مرة فلا يأثم وإن لم يبلغ ألفا قال: ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل أن يقال كل الطعام فيقول لا أشتهيه وذلك منهي عنه وهو حرام إن لم يكن فيه غرض صحيح وقال الراغب: الكذب عار لازم وذل دائم وحق الإنسان أن يتعود الصدق ولا يترخص في أدنى الكذب فمن استحلاه عسر فطامه وقال بعض الحكماء: كل ذنب يرجى تركه بتوبة إلا الكذب فكم رأينا شارب خمر أقلع ولصا نزع ولم نر كذابا رجع وعوتب كذاب في كذبه فقال: لو تغرغرت به وتطعمت حلواته ما صبرت عنه طرفة عين
(الروياني) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم رمز لحسنه(5/62)
6456 - (الكذب يسود الوجه) لأن الإنسان إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه الله وكذبه إيمانه من قلبه فينظر أثر ذلك على وجهه {يوم تبيض وتسود وجوه} قال البيهقي: والكذب مراتب أعلاها في القبح والتحريم الكذب على الله ثم رسوله ثم كذب المرء على عينه فلسانه فجوارحه وكذبه على والديه ثم الأقرب فالأقرب أغلظ من غيره (والنميمة عذاب القبر) أي هي سبب له وأوردها عقب ذم الكذب إشارة إلى أن من الصدق الممدوح ما يذم كالنميمة والغيبة والسعاية فإنها تقبح وإن كان صدقا لذلك قيل كفى بالنميمة ذما أنه يقبح فيها الصدق
<تنبيه> قال الراغب: الكذب إما أن يكون اختراع قصة لا أصل لها أو زيادة في قصة أو نقصانا أو تحريفا بتغيير عبارة فالاختراع يقال له الافتراء والاختلاق والزيادة والنقص يقال له ذنب وكل من أراد كذبا على غيره فإما أن يقول بحضرة المقول فيه أو بغيبته وأعظم الكذب ما كان اختراعا بحضرة المقول فيه وهو المعبر عنه بالبهتان والداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب الترؤس وذلك أن المخبر يرى أن له فضلا على المخبر بما علمه فيظن أنه يجلب بقوله فضيلة ومسرة وهو يجلب به نقيصة وفضيحة كذبة واحدة لا توازي مسرات
(هب) من حديث زياد بن المنذر عن أبي داود (عن أبي برزة) مرفوعا وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل أعله فقال عقبه: في هذا الإسناد ضعف اه. وقد تساهل في إطلاقه عليه الضعف وحاله أفظع من ذلك فقد قال الهيثمي وغيره: فيه زياد بن المنذر وهو كذاب اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب(5/63)
6457 - (الكرسي لؤلؤ والقلم وطول القلم سبع مئة سنة) أي مسيرة سبع مئة عام والظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره (وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون) قال في الكشاف: في آية الكرسي هذا تصوير لعظمة الله وتخييل لأن الكرسي عبارة عن المعقد الذي لا يزيد على القاعد وهنا لا يتصور ذلك وقال في الكشف: الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وقوله {وسع كرسيه السماوات والأرض} تصويرا لعظمته وتخييل فقط ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد {وما قدروا الله حق قدره} اه. وقال الجمهور: الكرسي مخلوق عظيم مستقل بذاته وقال الإمام الرازي: قد جاء في الأخبار الصحيحة أن الكرسي جسم عظيم مستقل بذاته تحت العرش وفوق السماء السابعة ولا امتناع من القول به فوجب القول بإثباته
(الحسن بن سفيان حل عن محمد بن الحنفية مرسلا) هذا تصريح من المصنف بأن أبا نعيم لم يروه إلا مرسلا وهو ذهول عجيب فإنه إنما رواه عن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين مرفوعا [ص:64] ثم إن فيه عندهما عنبسة بن عبد الرحمن فقد مر قول الذهبي وغيره: فيه متروك متهم(5/63)
6458 - (الكرم التقوى والشرف التواضع) قال السكري: أراد أن الناس متساوون وأن أحسابهم إنما هي بأفعالهم لا بأنسابهم قال الحجاج بن أرطأة لسوار بن عبد الله: أهلكني حب الشرف فقال: سوار اتق الله تشرق (واليقين الغنى) فإن العبد إذا تيقن أن له رزقا قدر لا يتخطاه عرف أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد سوى الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه وشكر عليه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في اليقين) أي في كتاب اليقين (عن يحيى بن كثير مرسلا) ورواه العسكري عن عمر بلفظ الكرم التقوى والحسب المال لست بخير من فارسي ولا نبطي إلا بتقوى(5/64)
6459 - (الكريم) أي الجامع لكل ما يحمد (ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم) قال في التنقيح: ابن الأول مرفوع وما بعده مجرور وكذا قوله الآتي يوسف بن يعقوب إلى آخره فإن ابن الأول صفة الكريم المرفوع وأما البواقي فصفة للكرم المجرور قال: فليتنبه لذلك فإنه مما يخفى اه. وهذا من تتابع الإضافات لكنه غير مستكره قال في دلائل الإعجاز عازيا للصاحب بن عباد: إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف وكتب ابن في الثلاثة بدون ألف لعله من تصرف النساخ وصوابه إثباتها لوقوعها بين الصفات (يوسف) بالرفع خبر المبتدأ وهو قوله الكريم (ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) نسب مرتب لما ذكر من اللف والنشر وأي كريم أكرم ممن حاز مع كونه ابن ثلاثة أنبياء متراسلين شرف النبوة وحسن الصورة وعلم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرعايا في القحط والبلاء؟ قال الشاعر:
إن السرى إذا سرى فبنفسه. . . وابن السرى إذا سرى أسراهما
وقد وقع قوله الكريم ابن الكريم إلخ موزونا ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى {وما علمناه الشعر} لأنه لم يقع منه قصدا
(حم خ) في تفسير يوسف (عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي هريرة) ووهم الحاكم فاستدركه وعجب من الذهبي كيف أقره عليه وغلط الطيبي فقال: رواه الشيخان والذي روياه إنما هو خبر أكرم الناس المال(5/64)
6460 - (الكشر) بكسر الكاف ظهور الأسنان للضحك (لا يقطع الصلاة ولكن يقطعها القرقرة) أي الضحك العالي إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم عند الشافعية. وقال أبو حنيفة: القهقهة تبطلها مطلقا
(خط عن جابر) وفيه ثابت بن محمد الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعف لغلطه ورواه عنه الطبراني في الصغير مرفوعا وموقوفا قال الهيثمي: ورجاله موثقون(5/64)
6461 - (الكلب الأسود البهيم) أي الذي لا شية فيه بل كله أسود خالص شيطان سمي شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن ثم قال أحمد: لا يحل الصيد به ولا يؤكل مصيده لأنه شيطان وقال الثلاثة: لا فرق بين الأسود وغيره وليس المراد بالحديث إخراجه من جنس الكلاب لأنه إذا ولغ في الإناء يغسل كغيره ولا يزاد وأخذ بظاهر هذا الخبر المالكية فمنعوا اقتناء الأسود إلا لحاجة نحو صيد أو حرس وجوزوا قتله دون غيره والأصح [ص:65] عند الشافعية حال اقتنائه لما ذكر وجواز قتل العقور لا غيره مطلقا قيل ولولا أن لسان الكلب معقول لتكلم
(حم عن عائشة) رمز المصنف لصحته وليس كما ينبغي فقد قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح(5/64)
6462 - (الكلمة الحكمة) قال التوربشتي: روي بالإضافة وروي الكلمة الحكيمة بالياء وكل قريب فالمراد بالكلمة الحكمة المقيدة والحكمة التي أحكمت مباينها بالعلم والعقل والحكيم المتقن للأمور الذي له غور فيها. قال الطيبي: وعلى الرواية الأولى يعني الكلمة الحكمة جعل الكلمة نفس الحكمة مبالغة وعلى رواية الحكيمة يكون من الإسناد المجازي لأن الحكيم قائلها (ضالة المؤمن) أي مطلوبه فلا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته (فحيث وجدها فهو أحق بها) أي بالعمل بها واتباعها يعني أن كلمة الحكمة ربما نطق بها من ليس لها بأهل ثم رجعت إلى أهلها فهو أحق بها كما أن صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده. خطب الحجاج فقال: إن الله أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مؤونة الدنيا فليته كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا فقال الحسن: خذوها من فاسق الحكمة ضالة المؤمن ووجد رجل يكتب عن مخنث شيئا فعوتب فقال: الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها. قال بعضهم: والحكمة هنا كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيحة وقال القاضي: الكلمة هنا بمعنى الكلام والحكمة المحكمة وهي التي تدل على معنى فيه دقة للحكيم الفطن المتقن الذي له غور في المعاني وضالته مطلوبه والمعنى أن الناس متفاوتة الأقدام في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة فمن قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث ينبغي أن لا ينكر على من رزق فهمها وألهم تحقيقها ولا ينزع فيه كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها وأن من سمع كلاما ولم يفهم معناه أو لم يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه ويحمله إلى من هو أفقه منه فلعله يفهم منه ما لا يفهمه ويستنبط ما لا يمكنه استنباطه كما أن الرجل إذا وجد ضالة مضيعة فلا يضيعها بل يأخذها ويتفحص عن صاحبها حتى يجده فيردها عليه فإن العالم إذا سئل عن معنى ورأى في السائل دراية وفطانة يستعيد بها فهمه فعليه أن يعلمه ولا يمنعه
<تنبيه> قال العارف ابن عربي: لا يحجبنك أيها الناظر في العلم النبوي الموروث إذا وقفت على مسألة من مسائله ذكرها فيلسوف أو متكلم أن تنقلها وتعمل بها لكون قائلها لا دين له فإن هذا قول من لا تحصيل له إذ الفيلسوف ليس كل علمه باطلا فإذا وجدنا شرعنا لا يأباها قبناها سيما فيما وصفوه من الحكم والتبرئ من الشهوات ومكائد النفوس وما تنطوي عليه من سوء الضمائر
(ت) في العلم (هـ) في الزهد كلاهما عن إبراهيم بن المفضل عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة ابن عساكر) في تاريخه وكذا القضاعي (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن المفضل مضعف اه. وقال في العلل: قال يحيى: إبراهيم ليس حديثه بشيء رمز المصنف لحسنه وقال العامري: غريب(5/65)
6463 - (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم وبعدها همزة شيء أبيض كالشحم ينبت بنفسه (من المن) الذي نزل على بني إسرائيل أي مما خلقه الله لهم في التيه كان ينزل عليهم في شجرهم مثل السكر أو هو الترنجبين أو من شيء يشبهه طبعا [ص:66] أو طعما أو نفعا أو من حيث حصولها بلا تعب لكونه ينبت بنفسه بغير استنبات أو أراد بالمن النعمة وزعم أن المراد به مما من الله به على عباده يأباه ظاهر السبب وهو أن جمعا من الصحب قالوا: ما نرى الكمأة إلا الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار والله ما نرى لها أصلا في الأرض ولا فرعا في السماء وقال قوم: هي جدوى الأرض فلا نأكلها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (وماءها شفاء للعين) إذا خلط بالدواء كالتوتيا لا مفردا فإنه يؤذيها وقال النووي: بل مطلقا وقيل إن كان الرمد حارا فماؤها البحت شفاء وإلا فمخلوطا قال الديلمي: أنا جربت ذلك أمرت أن تقطر عين جارية بمائها وقد أعيي الأطباء علاجها فبرأت وقال ابن القيم: اعترف فضلاء الأطباء كالمسيحي وابن سينا بأن الكمأة تجلو العين
(حم ق ت عن سعيد بن زيد حم ن هـ عن أبي سعيد) الخدري (وجابر) بن عبد الله (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس وعن عائشة)(5/65)
6464 - (الكمأة من المن) مصدر بمعنى المفعول أي الممنون به (والمن من الجنة وماؤها شفاء للعين) أي شفاء من داء العين إذا خلط مع أدوية لا مفردا ذكره الزمخشري قال ابن جرير: وإنما خص الكمأة مع مشاركة الكشوت في حدوثه في العراق بلا أصل لأنه يقتني ثم يربي وينمو فينمو بخلاف الكمأة وقال بعضهم: أشار بإدخال من على المن إلى أنها فرد من أفراده فالترنجبين فرد من أفراد المن وإن غلب استعمال المن عليه عرفا والمن أنواع من النبات الذي يؤخذ عفوا بلا علاج وماؤها شفاء للعين أي شفاء لداء العين إذا خلط بغيره من الأدوية اللائقة لا مفردا ذكره الزمخشري وحكى إبراهيم بن الحرث عن صالح وعبد الله بن أحمد بن حنبل أنهما اشتكيا أعينهما فأخذا الكمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا قال ابن الجوزي: وحكى شيخنا ابن عبد الباقي أن رجلا عصر ماءها واكتحل به فذهبت عينه قال ابن حجر: والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة كغيرها خلق في الأصل سليما من المضار ثم عرضت له آفات من نحو جوار وامتزاج فالكمأة في الأصل نافع وإنما عرض له المضار بالمجاورة واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينفع مستعمله ويدفع عنه الضرر لنيته والعكس بالعكس
(أبو نعيم) في الطب (عن أبي سعيد) الخدري(5/66)
6465 - (الكنود) بفتح الكاف وضم النون مخففا الكافر والعاصي والمراد به في القرآن (الذي يأكل وحده) تيها وتكبرا وترفعا على غيره واستحقارا له (ويمنع رقده) بكسر فسكون عطاءه وصلته (ويضرب عبده) أو أمته أو زوجته حيث لا يجوز الضرب وهذا قاله لما سئل عن تفسير الآية
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) وفيه الوليد بن مسلم وقد سبق(5/66)
6466 - (الكوثر) فوعل من الكثرة المفرطة (نهر في الجنة حافتاه) أي جانباه (من ذهب) يحتمل مثل الذهب في النضارة والضياء ويحتمل الحقيقة وأخذ بها جمع مفسرون فرجحوا أنه نهر في الجنة ورجح آخرون أنه حوض في القيامة لخبر مسلم {ولكل وجهة هو موليها} (ومجراه على الدر) أي اللؤلؤ (والياقوت) لا يعارضه ما في رواية أن طينه مسك لجواز كون المسك تحت اللؤلؤ والياقوت كما يدل له قوله (تربته أطيب ريحا من المسك وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج) لا يلزم من ذلك الاستغناء عن أنهار العسل كمائهم لأنها ليست للشرب
(حم ت هـ عن ابن عمر) [ص:67] ابن الخطاب رمز المصنف لحسنه وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس موقوفا في قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر} هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل شاطئه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت خص الله به نبيه قبل الأنبياء وما ذكر في عمقه قد يخالفه ما خرجه ابن أبي الدنيا أيضا عن ابن عباس مرفوعا بإسناد حسن عن سماك أنه قال في حديث لابن عباس أنهار الجنة في أخدود قال: لا لكنها تجري على أرضها مستكفة لا تفيض ههنا ولا ههنا وأجيب بأن المراد إنها ليست في أخدود كالجداول ومجاري الأنهار التي في الأرض بل سائحة على وجه الأرض مع عظمها وارتفاعها حافاتها فلا ينافي ما ذكر في عمقها(5/66)
6467 - (الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة) وهو النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في البخاري (ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر وآكلها أنعم منها) قال القرطبي في التذكرة: ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وعكس آخرون والصحيح أن له حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل في الجنة وكل منهما يسمى كوثرا قال ابن حجر: وفيه نظر لأن الكوثر داخل الجنة كما في هذا الحديث وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لأنه يمد منه
(ك عن أنس) بن مالك(5/67)
6468 - (الكيس) أي العاقل قال الزمخشري: الكيس حسن التأني في الأمور والكيس المنسوب إلى الكيس المعروف به وقال ابن الأثير: الكيس في الأمور يجري مجرى الرفق فيها وقال الراغب: الكيس القدرة على جودة استنباط ما هو أصلح في بلوغ الخير وتسميتهم الغادر كيسا إما على طريق التهكم أو تنبيها على أن الغادر يعد ذلك كيسا (من دان نفسه) أي حاسبها وأذلها واستعبدها وقهرها يعني جعل نفسه مطيعة منقادة لأوامر ربها قال أبو عبيد: الدين الدأب وهو أن يداوم على الطاعة والدين الحساب قال ابن عربي: كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به وما يفعلونه ويقيدونه في دفتر فإذا كان بعد العشاء حاسبوا نفوسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم من قول وعمل وقابلوا كلا بما يستحقه إن استحق استغفارا استغفروا أو التوبة تابوا أو شكرا شكروا ثم ينامون فزدنا عليهم في هذا الباب الخواطر فكنا نقيد ما نحدث به نفوسنا ونهم به ونحاسبها عليه (وعمل لما بعد الموت) قبل نزوله ليصير على نور من ربه فالموت عاقبة أمور الدنيا فالكيس من أبصر العاقبة والأحمق من عمي عنها وحجبته الشهوات والغفلات (والعاجز) المقصر في الأمور وهذا ما وقفت عليه في النسخ ورواه العسكري بلفظ الفاجر بالفاء (من أتبع نفسه هواها) فلم يكفها عن الشهوات ولم يمنعها عن مقارفة المحرمات واللذات (وتمنى على الله) زاد في رواية الأماني بتشديد الياء جمع أمنية أي فهو مع تقصيره في طاعة ربه واتبع شهوات نفسه لا يستعد ولا يعتذر ولا يرجع بل يتمنى على الله العفو والعافية والجنة مع الإصرار وترك التوبة والاستغفار قال الطيبي: والعاجز الذي غلبت عليه نفسه وقهرته فأعطاها ما تشتهيه قوبل الكيس بالعاجز والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي وللعاجز القادر إيذانا بأن الكيس هو القادر والعاجز هو السفيه واصل الأمنية ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر ولذلك يطلق على الكذب وعلى ما يتمنى قال الحسن: إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ويقول أحدهم إني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} وقال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية ويتمنى على الله المغفرة قال العسكري: وفيه رد على المرجئة [ص:68] وإثبات الوعيد اه. قد أفاد الخبر أن التمني مذموم وأما الرجاء فمحمود لأن التمني يفضي بصاحبه إلى الكسل بخلاف الرجاء فإنه تعليق القلب بمحبوب يحصل حالا قال الغزالي: والرجاء يكون على أصل والتمني لا يكون على أصل فالعبد إذا اجتهد في الطاعات يقول أرجو أن يتقبل الله مني هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعفو وأحسن الظن فهذا رجاء وأما إذا غفل وترك الطاعة وارتكب المعاصي ولم يبال بوعد الله ولا وعيده ثم أخذ يقول أرجو منه الجنة والنجاة من النار فهذه أمنية لا طائل تحتها سماها رجاء وحسن ظن وذلك خطأ وضلال وهو المشار إليه في الحديث وفيه قال الحسن: إن أقواما ألهتهم أمي المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ليس لهم حسنة يقول: إني أحسن الظن بربي وكذب ولو أحسن الظن بربه لأحسن العمل له <تنبيه> قال الزمخشري: الأماني جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل اه. وقال غيره: التمني طلب ما لا مطمع فيه أو ما فيه عسر فالأول نحو قول الهرم:. . . ألا ليت الشباب يعود يوما. . . الثاني نحو قول العادم ليت لي مالا فأحج منه فإن حصول المال ممكن لكن يعسر والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن لا الواجب كمجيء الغد
(حم ت هـ) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة (عن شداد بن أوس) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري قال الذهبي: لا والله أبو بكر واه قال ابن طاهر: مدار الحديث عليه وهو ضعيف جدا(5/67)
6469 - (الكيس من عمل لما بعد الموت) من حيث إنه لا خير يصل إليه الإنسان أفضل مما بعد الموت لأن عاجل الحال يشترك في درك ضره ونفعه وجميع الحيوانات بالطبع وإنما الشأن في العمل للآجل فجدير بمن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة أو النار مورده أن لا يكون له ذكر إلا الموت وما بعده ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا تدبير إلا فيه ولا مطلع إلا إليه ولا تعريج إلا عليه ولا اهتمام إلا به ولا حوم إلا حوله ولا انتظار وتربص إلا له وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت فلذلك كان الكيس من عمل لما بعد الموت ولا يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب ولا يتجدد ذكره إلا عند التذكر بالإصغاء إلى المذكرات والنظر في المنهيات (والعاري العاري من الدين) بكسر الدال بضبط المصنف وذلك لأن الإنسان إذا بلغ وقع في حومة الحرب بين داعي العقل والهوى وداعي الطبع والهوى فإن غلب باعث الدين رد جيش الهوى خاسئا أو داعي الهوى سقط نزاع داعي الدين رأسا فاستلبه الشيطان لباس الإيمان فيمسي ويصبح وهو عريان (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) فهو العيش الكامل وما سواه ظل زائل وحال حائل
(هب) من حديث عون بن عمارة عن هشام بن حسان بن ثابت (عن أنس) قال أعني البيهقي: وعون ضعيف اه. وممن ضعفه أيضا أبو حاتم وغيره(5/68)
باب كان وهي الشمائل الشريفة(5/68)
قال الراغب: هي عبارة عما مضى من الزمان وفي كثير من وصف الله تنبئ عن معنى الأزلية نحو {وكان الله بكل شيء عليما} وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقا بوصف له وهو موجود فيه فينبه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك عنه نحو {وكان الإنسان كفورا} وإذا استعمل في الماضي جاز أن يكون المستعمل فيه بقي على حاله وأن يكون تغير نحو فلان كان كذا ثم صار كذا ولا فرق بين مقدم ذلك الزمن وقرب العهد به نحو كان آدم كذا وكان زيد هنا وقال القرطبي: زعم بعضهم أن كان إذا أطلقت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لدوام الكثرة والشأن فيه العرف وإلا فأصلها أن تصدق على من فعل الشيء ولو مرة (وهي الشمائل الشريفة) جمع [ص:69] شمائل بالكسر وهو الطبع والمراد صورته الظاهرة والباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها الخاصة بها ووجه إيراد المصنف لها في هذا الجامع مع أن كله من المرفوع قول الحافظ ابن حجر: الأحاديث التي فيها صفته داخلة في قسم المرفوع اتفاقا(5/68)
6470 - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا مقصدا) بالتشديد أي مقتصدا يعني ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير كأنه نحى به القصد من الأمور. قال البيضاوي: المقصد المقتصد يريد به المتوسط بين الطويل والقصير والناحل والجسيم وقال القرطبي: الملاحة أصلها في العينين والمقصد المقتصد في جسمه وطوله يعني كان غير ضئيل ولا ضخم ولا طويل ذاهبا ولا قصيرا بل كان وسطا
(م) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية من حديث الجريري (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة ورواه عنه أيضا أبو داود في الأدب فما أوهمه كلامه من تفرد ذينك به عن الأربعة غير جيد. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري قال: فقلت كيف رأيته؟ فذكره وفي رواية لمسلم عنه أيضا كان أبيض مليح الوجه(5/69)
6471 - (كان أبيض كأنما صيغ) أي خلق من الصوغ يعني الإيجاد أي الخلق. قال الزمخشري: من المجاز فلان حسن الصيفة وهي الخلقة وصاغه الله صيغة حسنة وفلان بين صيغة كريمة من أصل كريم (من فضة) باعتبار ما كان يعلو بياضه من الإضاءة ولمعان الأنوار والبريق الساطع فلا تدافع بينه وبين ما يأتي عقبه من أنه كان مشربا بحمرة وآثره لتضمنه نعته بتناسب التركيب وتماسك الأجزاء فلا اتجاه لجعله من الصوغ بمعنى سبك الفضة وقد نعته عمه أبو طالب بقوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه. . . ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وفي رواية لأحمد فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة وفي أخرى للبزار ويعقوب بن أبي سفيان بإسناد قال ابن حجر: قوي عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصفه فقال: كان شديد البياض وفي رواية لأبي الطفيل عن الطبراني ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره (رجل الشعر) بكسر الجيم ومنهم من سكنها أي مسرح الشعر كذا في الفتح وفسر بما فيه تثن قليل وما في المواهب أنه روى أنه شعر بين شعرين لا رجل ولا سبط فالمراد به المبالغة في قلة التثني
(ت فيها) أي الشمائل (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته(5/69)
6473 - (كان أبيض مشربا بياضه بحمرة) بالتخفيف من الإشراب. قال الحرالي: وهو مداخلة نافذة سابغة كالشراب وهو الماء الداخل كلية الجسم للطافته ونفوذه وقال البيهقي: يقال إن المشرب منه حمرة إلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر وروي مشربا بالتشديد اسم مفعول من التشرب يقال بياض مشرب بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة فهو هنا للمبالغة في شدة البياض المائل إلى الحمرة (وكان أسود الحدقة) بفتحات أي شديد سواد العين قال في المصباح وغيره: حدقة العين سوادها جمعه حدق وحدقات كقصب وقصبات وربما قيل حداق كرقبة ورقاب (أهدب الأشفار) جمع شفر بالضم ويفتح حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر وهي الهدب بالضم [ص:70] والأهدب كثيرة ويقال لطويله أيضا وما أوهمه ظاهر هذا التركيب من أن الأشفار هي الأهداب غير مراد ففي المصباح عن ابن قتيبة العامة تجعل أشفار العين الشعر وهو غلط وفي المغرب لم يذكر أحد من الثقات أن الأشفار الأهداب فهو إما على حذف مضاف أي الطويل شعر الأجفان وسمي النابت باسم المنبت للملابسة
(البيهقي في) كتاب (الدلائل) أي دلائل النبوة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الترمذي أيضا لكن قال: أدعج العينين بدل أسود الحدقة (كان أبيض مشربا بحمرة) أي مخالط بياضه حمرة كأنه سقي بها (ضخم الهامة) بالتخفيف أي عظيم الرأس وعظمه ممدوح محبوب لأنه أعون الادراكات ونيل الكمالات (أغر) أي صبيح (أبلج) أي مشرق مضيء وقيل الأبلج من نقي ما بين حاجبيه من الشعر فلم يقترنا والاسم البلج بالتحريك والعرب تحب البلج وتكره القرن (أهدب الأشفار) قد سمعت ما قيل فيه وحذف العاطف فيه وفيما قبله ليكون أدعى إلى الإصغاء إليه وأبعث للقلوب على تفهم خطابه فإن اللفظ إذا كان فيه نوع غرابة وعدم ألفة أصغى السمع إلى تدبره والفكر فيه فجاءت المعاني مسرودة على نمط التعديد إشعارا بأن كلا منها مستقل بنفسه قائم برأسه صالح لانفراده بالغرض (البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين(5/69)
6474 - (كان أحسن الناس وجها) حتى من يوسف قال المؤلف: من خصائصه أنه أوتي كل الحسن ولم يؤت يوسف إلا شطره (وأحسنهم خلقا) بضم المعجمة على الأرجح فالأول إشارة إلى الحسن الحسي والثاني إشارة إلى الحسن المعنوي ذكره ابن حجر وما رجحه ممنوع فقد جزم القرطبي بخلافه فقال: الرواية بفتح الخاء وسكون اللام قال: أراد حسن الجسم بدليل قوله بعده ليس بالطويل إلخ قال: وأما ما في حديث أنس الآني فروايته بضم الخاء واللام فإنه عنى به حسن المعاشرة بدليل بقية الخبر وفي رواية وأحسنه بالإفراد والقياس الأول قال أبو حاتم: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا وقال غيره: جرى على لسانهم بالإفراد ومنه حديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالإفراد في الثاني (ليس بالطويل البائن) بالهمز وجعله بالياء وهم أي الظاهر قوله من باب ظهر أو المفرط طولا الذي بعد عن حد الاعتدال وفاق سواه من الرجال (ولا بالقصير) بل كان إلى الطول أقرب كما أفاده وصف الطويل بالبائن دون القصير بمقابله وجاء مصرحا به في رواية البيهقي وزعم أن تقييد القصير بالمتردد في رواية لوجوب جمل المطلق على المقيد يدفعه أن حمله عليه في النفي لا يجب وفي الإثبات تفصيل
(ق عن البراء) بن عازب ورواه عنه أيضا جمع منهم الخرائطي(5/70)
6475 - (كان أحسن الناس قدما) بفتح القاف والدال وهي من الإنسان معروفة وهي أنثى وتصغيرها قديمة والجمع أقدام وقد روى ابن صاعد عن سراقة قال: دنوت من المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فرأيت ساقه في غرزه كأنها جهارة أي في شدة البياض فلا ينافيه ما ورد أنه كان في ساقه حموشة
(ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن بريدة مرسلا) هو قاضي مرو قال الذهبي: ثقة ولد سنة 15 وعاش مئة سنة(5/70)
6476 - (كان أحسن) لفظ رواية الترمذي من أحسن (الناس خلقا) بالضم لحيازته جميع المحاسن والمكارم وتكاملها فيه ولما اجتمع فيه من خصال الكمال وصفات الجلال والجمال ما لا يحصره حد ولا يحيط به عد: أثنى الله عليه به في كتابه بقوله [ص:71] {وإنك لعلى خلق عظيم} فوصفه بالعظم وزاده في المدحة بعلى المشعرة باستعلائه على معالي الأخلاق واستيلائه عليها فلم يصل إليها مخلوق وكمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل لأنه الذي تقتبس به الفضائل وتجنب الرذائل وقضية كلام المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا وكان بساطهم من جريد النخل كذا في صحيح مسلم <فائدة> روى أبو موسى بإسناد مظلم كما في الإصابة إلى هدية عن حماد عن ثابت عن أنس قال: وفد وفد من اليمن وفيهم رجل يقال له ذؤالة بن عوقلة الثمالي فوقف بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله من أحسن الناس خلقا وخلقا قال: أنا يا ذؤالة ولا فخر فذكر حديثا ركيك الألفاظ
(م د عن أنس) بن مالك تمامه في بعض الروايات قال أي أنس: وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال: أحسبه كان فطيما فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير ما فعل النفير قال: فكان يلعب به هكذا هو عند مسلم وفيه أيضا عنه كان من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب فخرجت حتى أمر على صبيان يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: أنيس ذهبت حيث أمرتك قلت: نعم أنا ذاهب(5/70)
6477 - (كان أحسن الناس) صورة وسيرة (وأجود الناس) بكل ما ينفع حذف للتعميم أو لفوت إحصائه كثرة لأن من كان أكملهم شرفا وأيقظهم قلبا وألطفهم طبعا وأعدلهم مزاجا جدير بأن يكون أسمحهم صلة وأنداهم يدا ولأنه مستغن عن الغانيات بالباقيات الصالحات ولأنه تخلق بصفات الله تعالى التي منها الجود (وأشجع الناس) أي أقواهم قلبا وأجودهم في حال البأس فكان الشجاع منهم الذي يلوذ بجانبه عند التحام الحرب وما ولى قط منهزما ولا تحدث أحد عنه بفرار وقد ثبتت أشجعيته بالتواتر النقلي قال المصنف: بل يؤخذ ذلك من النص القرآني لقوله {يا أيها النبي جاهد الكفار} فكلفه وهو فرد جهاد الكل و {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ولا ضير في كون المراد هو ومن معه إذ غايته أنه قوبل بالجمع وذلك مفيد للمقصود وقد جمع صفات القوى الثلاث العقلية والغضبية والشهوية والحسن تابع لاعتدال المزاج المستتبع لصفات النفس الذي به جودة القريحة الدالة على العقل واكتساب الفضائل وتجنب الرذائل والجود كمال القوة الشهوية والغضبية كمالها الشجاعة وهذه أمهات الأخلاق الفاضلة فلذلك اقتصر عليها قاله الطيبي
(ق ت هـ عن أنس) بن مالك وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته في البخاري ولقد فزع أهل المدينة أي ليلا فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس أي استعاره من أبي طلحة وقال: وجدناه بحرا هكذا ساقه في باب مدح الشجاعة في الحرب وفي مسلم في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم عقب ما ذكر وقد قرع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا قال: وجدناه بحرا أو إنه لبحر انتهى(5/71)
6478 - (كان أحسن الناس صفة وأجملها) لما منحه الله من الصفات الحميدة الجليلة (كان ربعة إلى الطول ما هو بعيد ما بين المنكبين أسيل الخدين) في رواية الترمذي سهل الخدين أي ليس في خديه نتوء ولا ارتفاع وأراد أن خديه أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلد (شديد سواد الشعر أكحل العينين) أي شديد سواد أجفانهما (أهداب الأشفار) [ص:72] قال ابن حجر: وكأن قوله أسيل الخدين هو الحامل على من سأل كأن وجهه مثل السيف (إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص) أي لا يلصق القدم بالأرض عند الوطء قال المصنف وغيره: وذكر كثير أنه كان إذا مشى على الصخر غاصت قدماه فيه ولم أقف له على أصل (إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة وإذا ضحك يتلألأ) أي يلمع ويضيء ولا يخفى ما في تعدد هذه الصفات من الحسن وذلك لأنها بالتعاطف تصير كأنها جملة واحدة قالوا: ومن تمام الإيمان به الإيمان بأنه سبحانه خلق جسده على وجه لم يظهر قبله ولا بعده مثله وفي الأثر أن خالد بن الوليد خرج في سرية فنزل بحي فقال سيد الحي: صف لنا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: أما إني أفصل فلا فقال: أجمل فقال: الرسول على قدر المرسل كذا في أسرار الإسراء لابن المنير
(البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة)(5/71)
6479 - (كان أزهر اللون) أي نيره وحسنه وفي الصحاح كغيره الأبيض المشرق وبه أو بالأبيض المنير فسره عامة المحدثين حملا على الأكمل أو لقرينة ولعل من فسره بالأبيض الممزوج بحمرة نظر إلى المراد بقرينة الواقع قال محقق: والأشهر في لونه أن البياض غالب عليه سيما فيما تحت الثياب لكن لم يكن كالجص بل نير ممزوج بحمرة غير صافية بل مع نوع كدر كما في المغرب ولهذا جاء في رواية أسمر وبه يحصل التوفيق بين الروايات (كان عرقه) محركا يترشح من جلد الحيوان (اللؤلؤ) في الصفاء والبياض وفي خبر البيهقي عن عائشة كان يخصف نعله وكنت أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نورا (إذا مشى تكفأ) بالهمز وتركه أي مال يمينا وشمالا
(م) في المناقب (عن أنس) بن مالك وروى معناه البخاري(5/72)
6480 - (كان أشد حياء) بالمد أي استحياء من ربه ومن الخلق يعني حياؤه أشد (من) حياء (العذراء) البكر لأن عذرتها أي جلدة بكارتها باقية (في خدرها) في محل الحال أي كائنة في خدرها بالكسر سترها الذي يجعل بجانب البيت والعذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما يكون خارجه لكون الخلوة مظنة الفعل بها ومحل حيائه في غير الحدود ولهذا قال بالذي اعترف بالزنا: أنكتها؟ لا يكنى كما بين في الصحيح في كتاب الحدود
(حم ق) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي فضائله (هـ) في الزهد (عن أبي سعيد) الخدري وفي الباب أنس وغيره(5/72)
6481 - (كان أصبر الناس) أي أكثرهم صبرا (على أقذار الناس) أي ما يكون من قبيح فعلهم وسيء قولهم لأنه لانشراح صدره يتسمع لما تضيق عنه صدور العامة فكانت مساوئ أخلاقهم ومدانئ أفعالهم وسوء مسيرهم وقبح سيرتهم في جنب صدره كقطرة دم في قاموس اليم وفيه شرف الصبر
(ابن سعد) في الطبقات (عن إسماعيل بن عياش) بفتح المهملة وشد المثناة وشين معجمة وهو ابن سليم (مرسلا) هو العنسي بالنون عالم الشام في عصره صدوق في روايته عن أهل بلده يخلط في غيرهم(5/72)
6482 - (كان أفلج الثنيتين) أي بعيد ما بين الثنايا والرباعيات والفلج والفرق فرجة بين الثنيتين كذا في النهاية وزاد الجوهري رجل مفلج الثنايا أي منفرجها قال محقق: فله معيتان قيل أكثر الفلج في العليا وهي صفة جميلة لكن مع القلة لأنه أتم في الفصاحة لاتساع الأسنان فيه (إذا تكلم رىء) كقيل على الأفصح وروي كضرب (كالنور يخرج من بين ثناياه) جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من تحت قال الطيبي: ضميره يخرج إلى [ص:73] الكلام فهو تشبيه في الظهور إلى النور فالكاف زائدة وحاصله أنه يخرج كلامه من بين الثنايا الأربع شبيها بالنور في الظهور قال محقق: والأنسب بأول الحديث أن المعنى يخرج من الفلج ما يشبه نور النجم أو نحوه فالضمير إلى المشبه المقدر وقيل يخرج من صفاء الثنايا تلألؤ <تنبيه> كانت ذاته الشريفة كلها نورا ظاهرا وباطنا حتى أنه كان يمنح لمن استحقه من أصحابه سأله الطفيل بن عمرو آية لقومه وقال: اللهم نور له فسطع له نور بين عينيه فقال: أخاف أن يكون مثلة فتحول إلى طرف سوطه وكان يضيء في الليل المظلم فسمي ذا النور وأعطى قتادة بن النعمان لما صلى معه العشاء في ليلة مظلمة ممطرة عرجونا وقال: انطلق به فإنه سيضيء له من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذ دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه ليخرج فإنه الشيطان فكان كذلك ومسح وجه رجل فما زال على وجهه نورا ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر في وجهه كما ينظر في المرآة إلى غير ذلك
(ت في) كتاب (الشمائل طب) وكذا في الأوسط (والبيهقي) في الدلائل (عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف جدا(5/72)
6483 - (كان حسن السبلة) بالتحريك ما أسبل من مقدم اللحية على الصدر ذكره الزمخشري وهو الشعرات التي تحت اللحى الأسفل أو الشارب وفي شرح المقامات للشربيني: السبلة مقدم اللحية ورجل مسبل وفلان خفيف العذارين وهما ما اتصل من اللحية بالصدغ وهما العارضان وهما ما نبت في الخدين من الشعر على عوارض الأسنان
(طب عن العذاه) بفتح العين المهملة وشد الذال المعجمة وآخره مهملة (ابن خالد) بن هودة العامري أسلم يوم حنين هو وأبوه جميعا قال البيهقي: فيه من لم أعرفهم(5/73)
6484 - (كان خاتم النبوة في ظهره بضعة) بفتح الباء قطعة لحم (ناشزة) بمعجمات مرتفعة من اللحم وفي رواية مثل السلعة وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة سوداء أو خضراء ومكتوب عليها محمد رسول الله أو سر فأنت المنصور ونحو ذلك. قال ابن حجر: فلم يثبت منها شيء. قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل كبيضة الحمامة وإذا كثر جمع اليد وفي الخاتم أقوال متقاربة وعد المصنف وغيره جعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان من خصائصه على الأنبياء وقال: وسائر الأنبياء كان خاتمهم في يمينهم
(ت فيها) أي الشمائل (عن أبي سعيد) الخدري(5/73)
6485 - (كان خاتمه غدة) بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مشددة قال المؤلف: ورأيت من صحفه بالراء وسألني عنه فقلت إنما هو بالدال والغدة كما في القاموس وغيره كل عقدة في الجسد أطاف بها شحم وفي المصباح لحم يحدث بين الجلد واللحم يتحرك بالتحريك (حمراء) أي تميل حمرة فلا تعارض بينه وبين روايته أنه كان لون بدنه قال العصام: وفيه رد لرواية أنها سوداء أو خضراء (مثل بيضة الحمامة) أي قدرا وصورة لا لونها بدليل وصفها بالحمرة قبله وفي رواية لابن حبان مثل البندقة من اللحم وفي رواية للبيهقي مثل السلعة وفي رواية للحاكم والترمذي شعر يجتمع وفي رواية للبيهقي كالتفاحة وكلها متقاربة وأصل التفاوت في نظر الرائي بعد أو قرب
(ت عن جابر بن سمرة)(5/73)
6486 - (كان ربعة من القوم) بفتح الراء وكسر الباء على ما ذكره بعضهم لكن الذي رأيته في الفتح لابن حجر بكسر الراء [ص:74] وسكون الموحدة أي مربوعا قال: والتأنيث باعتبار النفس اه. وقال غيره: هو وصف يشترك فيه المذكر والمؤنث ويجمع على ربعات بالتحريك وهو شاذ وفسره بقوله (ليس بالطويل البائن) أي الذي يباين الناس بزيادة طوله وهو المعبر عنه في رواية بالمشيب وفي رواية أخرى بالممغط أي المتناهي في الطول من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواه (ولا بالقصير) زاد البيهقي عن علي وهو إلى الطول أقرب ووقع في حديث أبي هريرة عند الهذلي في الزهريات قال ابن حجر: بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب (أزهر اللون) أي مشرقه نيره زاد ابن الجوزي وغيره في الرواية كأن عرقه اللؤلؤ. قال في الروض: الزهرة لغة إشراق في اللون أي لون كان من بياض أو غيره وقول بعضهم: إن الأزهر الأبيض خاصة والزهر اسم للأبيض من النوار فقط خطأه أبو حنيفة فيه وقال: إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها. وفي حديث يوم أحد نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تزهران تحت المغفر اه. وقال ابن حجر: قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد ورد ذلك صريحا في روايات أخر صريحة عند الترمذي والحاكم وغيرهما كان أبيض مشربا بياضه بحمرة (ليس بالأبيض الأمهق) كذا في الأصول ورواية أمهق ليس بأبيض قال القاضي: وهم (ولا بالآدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة لكنها حمرة بصفاء فيصدق عليه أنه أزهر كما ذكره القرطبي والعرب تطلق على من هو كذلك أسمر والمراد بالسمرة التي تخالط البياض ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار قال ابن حجر بإسناد صحيح صححه ابن حبان أنه كان أسمر وفي الدلائل للبيهقي عن أنس كان أبيض بياضه إلى السمرة وفي لفظ لأحمد بسند حسن أسمر إلى البياض قال ابن حجر: يمكن توجيه رواية أمهق بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته فقد نقل عن رؤية أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه على تقدير ثبوت الرواية (وليس) شعره (بالجعد) بفتح الجيم وسكون العين (القطط) بفتحتين أي الشديد الجعودة الشبيه شعر السودان (ولا بالسبط) بفتح فكسر أو سكون المنبسط المسترسل الذي لا تكسر فيه فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة
(ق د ت عن أنس) بن مالك تبع في عزوه للشيخين ابن الأثير. قال الصدر المناوي: والظاهر أن ما قاله وهم فإني فحصت عن قول أنس كان ربعة من القوم فلم أقف عليها في مسلم بل هي رواية البخاري ولهذا قال عبد الحق: قوله كان ربعة من القوم من زيادة البخاري على مسلم. فالصواب نسبة هذه الرواية للبخاري دونه(5/73)
6487 - (كان شبح الذراعين) بشين معجمة فموحدة فحاء مهملة عبلهما عريضهما ممتدهما ففي المجمل شبحت الشيء مددته (بعيد) بفتح فكسر (مابين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر وما موصولة أو موصوفة لا زائدة لأن بين من الظروف اللازمة للإضافة فلا وجه لإخراجه عن الظرفية بالحكم بزيادة ما والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر وذلك آية النجابة وجاء في رواية بعبد مصغرا تقليلا للبعد المذكور إيماء إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن وافيا منافيا للاعتدال (أهدب أشفار العينين) أي طويلهما غزيرهما على ما مر
(البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة)(5/74)
6488 - (كان شعره دون الجمة وفوق الوفرة) وفي حديث الترمذي وغيره فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جعله وفرة فالمراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه وما اتصل به مسترسل إلى المنكب والجمة شعر الرأس المتجاوز شحمة الأذن إذا وصل المنسكب كذا في الصحاح في حرف الميم وفيه في باب الراء المتجاوز من غير وصول وفي النهاية ما سقط على المنكبين ولعل مراده بالسقوط التجاوز وفي القاموس الوفرة ما سال على الأذن أو جاوز الشحمة قال أبو شامة: [ص:75] وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه وفي أخرى يضرب منكبيه ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله فروى في هذه الأحوال المتعددة بعدما كان حلقه في حج أو عمرة وأما كونه لم ينقل أنه زاد على كونه يضرب منكبيه فيجوز كون شعره وقف على ذلك الحد كما يقف الشعر في حق كل إنسان على حد ما ويجوز أن يكون كانت عادته أنه كلما بلغ هذا الحد قصره حتى يكون إلى أنصاف أذنيه أو شحمة أذنيه لكن لم ينقل أنه قصر شعره في غير نسك ولا حلقه ولعل ما وصف به شعره من الأوصاف المذكورة كان بعد حلقه له عمرة الحديبية سنة ست فإنه بعد ذلك لم يترك حلقه مدة يطول فيها أكثر من كونه يضرب منكبيه فإنه في سنة سبع اعتمر عمرة القضاء وفي ثمان اعتمر من الجعرانة وفي عشر حج اه
(ت في الشمائل د عن عائشة)(5/74)
6489 - (كان شبيه نحو عشرين شعرة) بيضاء في مقدمة هذا بقية الحديث وقد اقتضى حديث ابن بشران شيبه كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة لكن خص ذلك بعنفقته فيحتمل أن الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن وقع عند ابن سعد قال ابن حجر بإسناد صحيح عن حميد عن أنس ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة وروى الحاكم عنه لو عددت ما أقبل من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة وفي حديث الهيثم بن زهر ثلاثون عددا وجمع بينهما باختلاف الأزمان وبأن رواية ابن سعد إخبار عن عده وما عداها إخبار عن الواقع فأنس لم يعد أربع عشرة وهو في الواقع سبع عشرة أو ثمان عشرة أو أكثر وذلك كله نحو العشرين
(ت فيها) أي في الشمائل (هـ) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن راهويه وابن حبان والبيهقي(5/75)
6490 - (كان ضخم الرأس) أي عظيمه وفي رواية ضخم الهامة (واليدين) يعني الذراعين كما جاء مبينا هكذا في رواية (والقدمين) يعني ما بين الكعب إلى الركبة وجمع بين الرأس واليدين والقدمين في مضاف لشدة تناسبهما إذ هي جميع أطراف الحيوان وهو بدونها لا يسماه
(خ) في باب اللباس (عن أنس) بن مالك(5/75)
6491 - (كان ضليع الفم) بفتح الضاد المعجمة أي عظيمه أو واسعه والعرب تتمدح بعظمه وتذم صغره قال الزمخشري: والضليع في الأصل الذي عظمت أضلاعه ووفرت فأجفر جنباه ثم استعمل في موضع العظيم وإن لم يكن ثم أضلاع وقيل ضليعه مهزولة وذابلة والمراد ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما وقيل هذا كناية عن قوة فصاحته وكونه يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (أشكل العينين) أي في بياضهما حمرة على الصحيح وذلك محمود قال محقق: وذا ينافيه كونه أدعج (منهوس العقب) بإعجام الشين وإهمالها أي قليل لحم العقب بفتح فكسر مؤخر القدم ففي جامع الأصول رجل منهوس القدمين والعقبين بسين وشين خفيف لحمهما وفي القاموس المنهوس من الرجال قليل اللحم
(م ت) كلاهما (عن جابر بن سمرة)(5/75)
6492 - (كان ضخم الهامة) كبيرها وعظم الرأس يدل على الرزانة والوقار (عظيم اللحية) غليظها كثيفها هكذا وصفه جمع منهم علي وابن مسعود وغيرهما وفي رواية حميد عن أنس كانت لحيته قد ملأت من ههنا إلى ههنا ومد بعض الرواة يديه على عارضيه
(البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين وروى الترمذي نحوه(5/75)
[ص:76] 6493 - (كان فخما) بفتح الفاء فمعجمة ساكنة أفصح من كسرها أي عظيما في نفسه (مفخما) اسم مفعول أي معظما في صدور الصدور وعيون العيون لا يستطيع مكابر أن لا يعظمه وإن حرص على ترك تعظيمه كان مخالفا لما في باطنه فليست الفخامة جسيمة وقيل فخما عظيم القدر عند صحبه مفخما معظما عند من لم يره قط وهو عظيم أبدا ومن ثم كان أصحابه لا يجلسون عنده إلا وهم مطرقون لا يتحرك من أحدهم شعرة ولا يضطرب فيه مفصل كما قيل في قوم هذه حالهم مع سلطانهم:
كأنما الطير منهم فوق رؤوسهم. . . لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال
وقيل: فخامة وجهه وعظمه وامتلاؤه مع الجمال والمهابة (يتلألأ) أي يضيء ويتوهج (وجهه تلألؤ القمر) أي يتلألأ مثل تلألؤه فأعرب المضاف إليه إعرابه بعد حذفه للمبالغة في التناسي (ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر سمي بدرا لأنه يسبق طلوعه مغيب الشمس فكأنه يبدر بطلوعه والقمر ليلة البدر أحسن ما يكون وأتم ولا يعارضه قول القاضي في تفسير {والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها} أنه يبدر طلوعه غروبها ليلة البدر وطلوعها طلوعه أول الشهر لأن مراده بالغروب الإشراف عليه وشبه الوصاف تلألؤ الوجه بتلألؤ القمر دون الشمس لأنه ظهر في عالم مظلم بالكفر ونور القمر أنفع من نورها (أطول من المربوع) عند إمعان التأمل وربعه في بادي النظر فالأول بحسب الواقع والثاني بحسب الظاهر ولا ريب أن الطول في القامة بغير إفراط أحسن وأكمل (وأقصر من المشذب) بمعجمات آخره موحدة اسم فاعل وهو البائن الطول مع نحافة أي نقص في اللحم من قولهم نخلة شذباء أي طويلة بشذب أي قطع عنها جريدها ووقع في حديث عائشة عند ابن أبي خيثمة لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذ فارقاه نسبا إلى الطول ونسب إلى الربعة (عظيم الهامة) بالتخفيف (رجل الشعر) كأنه مشط فليس بسبط ولا جعد قال القرطبي: والرواية في رجل بفتح الراء وكسر الجيم وهي المشهورة وقال الأصمعي: يقال شعر رجل بفتح فكسر ورجل بفتح الجيم ورجل بسكونها ثلاث لغات إذا كان بين السبوطة والجعودة وقال غيره: شعر مرجل أي مسرح وكان شعره بأصل خلقته مسرحا (إن انفرقت عقيقته) أي إن انقلبت عقيقته أي شعر رأسه انفرق بسهولة لخلفة شعره حينئذ (فرق) بالتخفيف أي جعل شعره نصفين نصفا عن يمينه ونصفا عن شماله سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود قبل أن يحلق فاستعير له اسمه (وإلا) بأن كان مختلطا متلاصقا لا يقبل الفرق بدون ترجل (فلا) يفرقه بل يتركه بحاله معقوصا أي وفرة واحدة والحاصل أنه إن كان زمن قبول الفرق فرقه وإلا تركه غير مفروق وهذا أقعد من قول جمع معناه أنه إن انفرق بنفسه تركه مفروقا لعدم ملاءمته لقوله وإلا فلا لمصير معناه وإلا فلا يتركه مفروقا وهو ركيك وهذا بناء على جعل قوله وإلا فلا كلاما تاما وجعل بعضهم قوله فلا (يجاوز شحمة أذنيه إذا هو وفرة) كلاما واحدا وفسره تارة بأنه لا يجوز شحمة أذنيه إذا أعفاه من الفرق وقوله إذا هو وفره بيان لقوله وإلا وأخرى بأنه إذا انفرق لا يجوز شحمة أذنه في وقت توفير الشعر قال: وبه يحصل الجمع بين الروايات المختلفة في كون شعره وفرة وكونه جمة فيقال يختلف باختلاف أزمنة الفرق وعدمه واعلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أولا لا يفرق تجنبا لفعل المشركين وموافقة لأهل الكتاب ثم فرق واستقر عليه (أزهر اللون) أبيضه نيره وهو أحسن الألوان فالمراد أبيض اللون ليس بأمهق ولا آدم وحينئذ فاللون مستدرك (واسع الجبين) يعني الجبينين وهما ما اكتنف الجبهة عن يمين وشمال والمراد بسعتهما امتدادهما طولا وعرضا وذلك محمود محبوب (أزج الحواجب) أي مرققهما مع تقوس
[ص:77] وغزارة شعر جمع حاجب وهو ما فوق العين بلحمه وشعره أو هو الشعر الذي فوق العظم وحده وسمي به لحجبه الشمس عن العين أي منعه لها والحجب المنع وعدل عن الحاجبين إلى الحواجب إشارة إلى المبالغة في امتدادهما حتى صار كعدة حواجب (سوابغ) بالسين أفصح من الصاد جمع سابغة أي كاملات. قال الزمخشري: حال من المجرور وهو الحواجب وهي فاعلة في المعنى إذ تقديره أزج حواجبه أي زجت حواجبه (في غير قون) بالتحريك أي اجتماع يعني أن طرفي حاجبيه قد سبقا أي طالا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا (بينهما) أي الحاجبين (عرق) بكسر فسكون (يدره) أي يحركه نافرا (الغضب) كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلئ الضرع لبنا إذا در فيظهر ويرتفع (أقنى) بقاف فنون مخففة من القنا وهو ارتفاع أعلى الأنف واحد يدأب وسطه (العرنين) أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وهو بكسر فسكون الأنف أو ما صلب منه أو أوله حيث يكون الشم والقنا فيه طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه (له) أي للعرنين أو للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرب (نور) بنون مضمومة (يعلوه) يغلبه من حسنه وبهاء رونقه (يحسبه) بضم السين وكسرها أي النبي أو عرنينه (من لم يتأمله) أي يمعن النظر فيه (أشم) مرتفعا قصبة الأنف قال محقق: وذا يفيد أن قناه كان قليلا فمن عكس انعكس عليه ومن قال المشهور كان أشم فالكتب المشهورة تكذبه اه. ومراده الدلجي والشمم ارتفاع قصبة الأنف وإشراف الأرنبة (كث اللحية) وفي رواية للحارث عن أم معبد كثيف اللحية بفتح الكاف غير دقيقها ولا طويلها وفيها كثافة كذا في النهاية وفي التنقيح كث اللحية كثير شعرها غير مسبلة وفي القاموس كثت كثرت أصولها وكثفت وقصرت وجعدت ولذا روى كانت ملتفة وفي شرح المقامات للشريشي كثة كثيرة الأصول بغير طول ويقال للحية إذا قص شعرها وكثر إنها لكثة وإذا عظمت وكثر شعرها قيل إنه لذوا عشنون فإذا كانت اللحية قليلة في الذقن ولم يكن في العارضين فذلك السنوط والسناط وإذا لم يكن في وجهه كثير شعر فذلك الشطط واللحية بكسر اللام وفي الشكاف الفتح لغة الحجاز الشعر النابت على الذقن خاصة (سهل الخدين) ليس فيهما نتوء ولا ارتفاع وهو بمعنى خبر البيهقي وغيره كان أسيل الخدين وذلك أعذب عند العرب (ضليع) بضاد معجمة (الفم) عظيمه أو واسعه (أشنب) أي أبيض الأسنان مع بريق وتحديد فيها أو هو رونقها وماؤها أو بردها وعذوبتها (مفلج الأسنان) أي مفرج ما بين الثنايا (دقيق) بالدال وروي بالراء (المسربة) بضم الراء وتفتح وضم الميم وسكون السين المهملة ما دق من شعر الصدر كالخيط سائلا إلى السرة (كأن عنقه) بضم المهملة وبضم النون وتسكن (جيد) بكسر فسكون وهما بمعنى وإنما عبر به تفننا وكراهة للتكرار اللفظي (دمية) كعجمة بمهملة ومثناة تحتية الصورة المنقوشة من نحو رخام أو عاج شبه عنقه بعنقها لأنه يتأنق في صنعتها مبالغة في حسنها وخصها لكونها كانت مألوفة عندهم دون غيرها (في صفاء الفضة) حال مقيدة لتشبيهه به أي كأنه هو حال صفائه قال الزمخشري: وصف عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وظرف الشكل وحسن الهيئة والكمال وبالفضة في اللون والإشراق والجمال (معتدل الخلق) أي معتدل الصورة الظاهرة يعني متناسب الأعضاء خلقا وحسنا (بادنا) أي ضخم البدن لكن لا مطلقا بل بالنسبة لما يأتي من كونه شثن الكفين والقدمين جليل الشماش والكتد ولما كانت البدانة قد تكون من كثرة اللحم وإفراط السمن الموجب لرخاوة البدن وهو مذموم دفعه بقوله (متماسكا) يمسك بعض أجزائه بعضا من غير ترزرز قال الغزالي: لحمه متماسك يكاد يكون على الخلق الأول ولم يضره السن أراد أنه في السن الذي من شأنه استرخاء اللحم كان كالشباب ولا يناقض كونه بادنا ما في رواية البيهقي ضرب اللحم لأن القلة والكثرة والخفة والتوسط من
[ص:78] الأمور النسبية المتفاوتة فحيث قيل بادن أريد عدم النحولة والهزال وحيث قيل ضرب أريد عدم السمن التام (سواء البطن والصدر) بالإضافة أو التنوين كناية عن كونه خميص البطن والحشاء أي ضامر البطن من قبل طويل النجاد أي القامة (عريض الصدر) في الشفاء واسع الصدر وفي المواهب رحب الصدر والعرض خلاف الطول قال البيهقي: كان بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وظهره عريض فهو مساو لبطنه أو العريض بمعنى الوسيع أو مجاز عن احتمال الأمور (بعيد ما بين المنكبين) تثنية منكب مجتمع عظم العضد والمنكب وهو لفظ مشترك يطلق على ما ذكر وعلى المحل المرتفع من الأرض وعلى ريشة من أربع في جناح الطير (ضخم الكراديس) أي عظيم الألواح أو العظام أو رؤوس العظام وقال البغوي: الأعضاء وفيه دلالة على المقصود وقال محقق: والمراد عظام تليق بالعظم كالأطراف والجوارح وقد ثبت عظيم الأطراف والجوارح (أنور المتجرد) الرواية بفتح الراء قال البغوي وغيره: بمعنى نيره قال محقق: ولا حاجة له لأن أفعل التفضيل إذا أضيف فأحد معنييه الفضيل على غير المضاف إليه والإضافة للتوضيح فكأنه قال متجرده أنور من متجرد غيره قال البغوي وغيره: المتجرد ما جرد عنه الثياب وكشف من جسده أي كان مشرف البدن ثم المراد جميع البدن والقول بأن المراد ما يستر غالبا ويجرد أحيانا متعقب بالرد (موصول ما بين اللبة) بفتح اللام المنحر وهي التطامن الذي فوق الصدر وأسفل الحلق من الترقوتين (والسرة) بشعر متعلق بموصول (يجري) يمتد شبهه بجريان الماء وهو امتداده في سيلانه (كالخط) الطريقة المستطيلة في الشيء والخط الطريق وطلبه الاستقامة والاستواء فشبه بالاستواء وروي كالخيط والتشبيه بالخط أبلغ وهذا معنى دقيق المسربة المار (عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك) أي ليس عليهما شعر سوى ذلك وما ذكر من أن اللفظ الثديين تثنية ثدي هو ما في نسخ هذا الجامع لكن في النهاية الثندوتين قال: وهما للرجل كالثديين للمرأة فمن ضم الثاء همز ومن فتحها لم يهمز أراد إن لم يكن على ذلك الموضع كثير لحم اه. والأول هو رواية الشفاء وغيره وقول القرطبي ولا شعر تحت إبطيه رده الولي العراقي بأنه لم يثبت والخصوصية لا تثبت بالاحتمال (أشعر) أي كثير شعر (الذراعين) تثنية ذراع ما بين مفصل الكف والمرفق وفي القاموس من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (والمنكبين وأعالي) جمع أعلى (الصدر) أي كان على هذه الثلاثة شعر غزير (طويل الزندين) بفتح الزاي عظما الذراعين تثنية زند كفلس وهو ما انحسر عنه اللحم من الذراع (رحب الراحة) واسعها حسا وعطاء ومن قصره على حقيقة التركيب أو جعله كناية عن الجود فحسب فغير مصيب. قال الزمخشري: ورحب الراحة أي الكف دليل الجود وصغرها دليل البخل قال محقق: وأما سعة القدمين فلم أقف عليه لكنه يفهم مما مر أنه ضخمها (سبط القصب) بالقاف أي ليس في ذراعيه وساقيه وفخذيه نتوء ولا تعقد والقصب جمع قصبة كل عظم أجوف فيه مخ (شثن الكفين) أي في أنامله غلظ بلا قصر وذلك يحمد في الرجل لكونه أشد لقبضه ويذم في النساء (والقدمين) وذا لا يعارضه خبر البخاري عن أنس ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفه لأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته ومن ثم قال ابن بطال: كانت كفه ممتلئة لحما غير أنها مع ضخامتها لينة أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا بل كان بالنسبة لأصل الخلقة وحيث وصف بالغلظ والشثونة فبالنسبة إلى امتهانهن بالعمل فإنه يتعاطى كثيرا من أموره (سائل الأطراف) بسين ولام أي ممتدها كذا في النهاية لكن البيهقي وغيره فسروه بممتد الأصابع طوال غير معقدة ولا متثنية ويؤيده رواية كأن أصابعه قضبان فضة أي أغصانها والوجه التعميم فقد ورد سبط القصب وفسر بكل عظم ذي مخ والسبوط الامتداد قاله أبو نعيم وروي شائل الأطراف بشين معجمة أي مرتفعها وهو قريب من سائل
[ص:79] من قوله شالت الميزان ارتفعت إحدى كفتيه يعني كان مرتفع الأصابع بلا أحد يذاب ولا تقبض وروي سائن بالنون وهي بمعنى سائل بالسين المهملة وسائر بالراء من السير بمعنى طويلها ومحصول ما وقع الشك فيه في هذه اللفظة سائل بمهملة وبمعجمة وسائن بالنون وسائر براء. قال الزمخشري: ومقصود الكل أنها غير متعقدة (خمصان) بضم المعجمة وفتحها (الأخمصين) مبالغة من الخمص أي شديد تجافي أخمص القدم عن الأرض وهو المحل الذي لا يلصق بها عند الوطء (مسيح القدمين) أملسهما مستويهما لينهما بلا تكسر ولا تشقق جلد (بحيث ينبو عنهما الماء) أي يسيل ويمر سريعا إذا صب عليهما لاصطحابهما (إذا زال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (زال تقلعا) أي إذا ذهب وفارق مكانه رفع رجليه رفعا بائنا متداركا إحداهما بالأخرى مشية أهل الجلادة فتقلعا حال أو مصدر منصوب أي ذهاب قلع والقلع في الأصل انتزاع الشيء من أصله أو تحويله عن محله وكلاهما يصلح أن يراد هنا أي ينزع رجله عن الأرض أو يحولها بقوة (ويخطو) يمشي (تكفؤا) بالهمز وتركه أي تمايل إلى قدام من قولهم كفأت الإناء إذا قلبته أو إلى يمين وشمال ويؤيد الأول قوله الآتي كأنما ينحط (ويمشي) تفتن حيث عبر عن المشي بعبارتين فرارا من كراهة تكرار اللفظ (هونا) بفتح فسكون أي حال كونه هينا أو هو صفة لمصدر محذوف أي مشيا هينا بلين ورفق والهون الرفق (ذريع) كسريع وزنا ومعنى (المشية) بكسر الميم أي سريعها مع سعة الخطوة فمع كون مشيه بسكينة كان يمد خطوته حتى كأن الأرض تطوى له (إذا مشى كأنما ينحط من صبب) أي منحدر من الأرض وأصله النزول من علو إلى سفل ومنه صببت الماء والمراد التشبيه بالمنحدر من علو إلى سفل بحيث لا إسراع ولا إبطاء. وخير الأمور أوساطها. قال بعضهم: والمشيات عشرة أنواع هذه أعدلها وبما تقرر يعرف أنه لا تعارض بين الهون الذي هو عدم العجلة وبين الانحدار والتقلع الذي هو السرعة فمعنى الهون الذي لا يعجل في مشيته ولا يسعى عن قصد إلا لحادث أمر مهم وأما الانحدار والقلع فمشيه الخلقي (وإذا التفت التفت جميعا) وفي رواية جمعا كضربا أي شيئا واحدا فلا يسارق النظر ولا يلوي عنقه كالطائش الخفيف بل كان يقبل ويدبر جميعا. قال القرطبي: ينبغي أن يخص بالفتاته وراءه أما التفاته يمنة أو يسرة فبعنقه (خافض) من الخفض ضد الرفع (الطرف) أي البصر يعني إذا نظر إلى شيء خفض بصره تواضعا وحياءا من ربه وذلك هو شأن المتأمل المتفكر المشتغل بربه ثم أردف ذلك بما هو كالتفسير له فقال (نظره إلى الأرض) حال السكوت وعدم التحدث (أطول من نظره إلى السماء) لأنه كان دائم المراقبة متواصل الفكر فنظره إليها ربما فرق فكره ومزق خشوعه ولأن نظر النفوس إلى ما تحتها أسبق لها من نظرها إلى ما علا عليها أما في غير حال السكوت والسكون فكان ربما نظر إلى السماء بل جاء في أبى داود وكان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء وهذا كله في غير الصلاة أما فيها فكان ينظر إليها أولا فلما نزلت {والذين هم في صلاتهم خاشعون} أطرق
<فائدة> رأيت بخط الحافظ مغلطاي أن ابن طغر ذكر أن عليا أتاه راهب بكتاب ورثه عن آبائه كتبه أصحاب المسيح فإذا فيه: الحمد لله الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. أمته الحمادون نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى المساء (جل نظره) بضم الجيم أي معظمه وأكثر (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ أي النظر بشق العين مما يلي الصدغ أراد به هنا أنه كان أكثر نظره في حال الخطاب الملاحظة وكثرة الفكر فلا يعارض قوله إذا التفت التفت جميعا (يسوق أصحابه) أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم كأنه يسوقهم تواضعا وإرشادا إلى ندب مشي كبير القوم وراءهم ولا [ص:80] يدع أحدا يمشي خلفه أو ليختبر حالهم وينظر إليهم حال تصرفهم في معاشهم وملاحظتهم لإخوانهم فيربي من يستحق التربية ويكمل من يحتاج التكميل ويعاقب من يليق به المعاقبة ويؤدب من يناسبه التأديب وهذا شأن المولى مع رعيته أو لأن الملائكة كانت تمشي خلف ظهره أو لغير ذلك وإنما تقدمهم في قصة جابر رضي الله تعالى عنه لأنه دعاهم إليه فجاؤوا تبعا له (ويبدأ) وفي رواية يبدر أي يسبق (من لقيه بالسلام) حتى الصبيان تأديبا لهم وتعليما لمعالم الدين ورسوم الشريعة وإذا سلم عليه أحد رد عليه كتحيته أو أحسن منها فورا إلا لعذر كصلاة وبراز قال ابن القيم: ولم يكن يرده بيده ولا برأسه ولا بأصبعه إلا في الصلاة ثبت بذلك عدة أخبار ولم يجيء ما يعارضها إلا شيء باطل
(ت في الشمائل) النبوية (طب هب عن هند بن أبي هالة) بتخفيف اللام وكان وصافا لحلية النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربيبه إذ هو ابن خديجة ودالة اسم لدارة القمر قتل مع علي يوم الجمل وقيل مات في طاعون عمواس وبقي مدة لم يجد من يدفنه لكثرة الموتى حتى نادى مناد واربيب رسول الله فترك الناس موتاهم ورفعوه على الأصابع حتى دفن رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده عنده وإلا ففيه جميع بن عمر العجلي قال أبو داود: أخشى أن يكون كذابا وتوثيق ابن حبان له متعقب بقول البخاري: إن فيه نظرا ولذلك جزم الذهبي بأنه واه وفيه رجل من تميم مجهول ومن ثم قال بعض الفحول: خبر معلول(5/76)
6494 - (كان في ساقيه) روي بالإفراد وبالتثنية (حموشة) بحاء مهملة مفتوحة وشين معجمة أي دقة قال القاضي: حموشة الشاق دقتها يقال حمشت قوائم الدابة إذا دقت هكذا ضبط بعضهم. وقال بعضهم: خموشة بضم أوله المعجمة دقتها وبكسره ليفيد التقليل والمراد نفي غلظها وذلك مما يمتدح به وقد أكثر أهل القيافة من مدحها وفوائدها
(ت) في المناقب (ك) كلاهما (عن جابر بن سمرة) وقال: حسن غريب صحيح(5/80)
6495 - (كان في كلامه) وفي رواية كان في قراءته (ترتيل) أي تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات بحيث يتمكن السامع من عدها (أو ترسيل) عطف تفسيري أو شك من الراوي وفي الحديث أن الناس دخلوا عليه صلى الله عليه وسلم أرسالا يصلون عليه أي فرقا مقطعة يتبع بعضهم بعضا وأخذ بذا جمع ففضلوا قراءة القليل المرتل على الكثير بغير ترتيل لأن القصد من القراءة التدبر والفهم وذهب قوم إلى فضيلة الكثرة واحتجوا بأخبار قال ابن القيم: والصواب أن قراءة الترتيل والتدبر أرفع قدرا وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة والثاني كمن تصدق بدنانير كثيرة
(د عن جابر) بن عبد الله قال الزين العراقي: فيه شيخ لم يسم(5/80)
6496 - (كان كثير العرق) محركا ما يترشح من جلد الحيوان كما سبق وقد يستعار لغيره وكانت أم سليم تجمع عرقه فتجعله في قارورة وتخلطه في الطيب لطيب ريحه والقلب الطاهر الحي يشم منه رائحة الطيب كما أن القلب الخبيث الميت يشم منه رائحة النتن لأن نتن القلب والروح يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره والعرق يفيض من الباطن فالنفس العلية يقوى طيبها ويفوح عرف عرقها حتى يبدو على الجسد والخبيثة بضدها
<فائدة> أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعا قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إني زوجت ابنتي وأنا أحب أن تعينني بشيء قال: ما عندي شيء ولكن إذا كان غدا فأتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية ما بيني وبينك أن أجيف ناحية الباب فلما كان من الغد أتاه الرجل بقارورة واسعة وعود شجرة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلت العرق عن ذراعيه حتى امتلأت [ص:81] القارورة فقال: خذها وأمر بنتك أن تغمس هذا العود في القارورة فتتطيب فكانت إذا تطيبت شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين قال الذهبي: حديث منكر
(م عن أنس) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أم سليم فيقيل عندها فتبسط له نطعا وكان كثير العرق فكانت تجمعه فتجعله في الطيب(5/80)
6497 - (كان كثير شعر اللحية) أي غزيرها مستديرها زاد في رواية قد ملأت ما بين كتفيه قال القرطبي: ولا يفهم منه أنه كان طويلها لما صح أنه كان كث اللحية أي كثير شعرها غير طويله انتهى. قال الغزالي: وفي خبر غريب أنه كان يسرحها في اليوم مرتين
(م عن جابر بن سمرة)(5/81)
6498 - (كان كلامه كلاما فصلا) أي فاصلا بين الحق والباطل وآثره عليه لأنه أبلغ أو مفصولا عن الباطل أو مصونا عنه فليس في كلامه باطل أصلا أو مختصا أو متميزا في الدلالة على معناه وحاصله أنه بين المعنى لا يلتبس على أحد بل (يفهمه كل من سمعه) من العرب وغيرهم لظهوره وتفاصيل حروفه وكلماته واقتداره لكمال فصاحته على إيضاح الكلام وتبيينه ولهذا تعجب الفاروق من شأنه وقال له: مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال: كانت لغة إسماعيل قد درست أي متممات فصاحتها فجاءني بها جبرائيل فحفظتها وورد أنه كان يتكلم مع الفرس بالفارسية قال الزمخشري: وقد أعيا أولئك المفلقين المصاقع حتى قعدوا مقهورين ونكبوا فصاروا مبهوتين واستكانوا وأذعنوا وأسهبوا بالاستعجاب وأيقنوا أن الله عزت قدرته محض هذا اللسان العربي وألقى على لسانه زبدته فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وما قرن بمنطقه منطق إلا كان كالبرذون مع الحصان المطهم ولا وقع من كلامه شيء في كلام الناس إلا أشبه الوضح في ثقبة الأدهم وقال ابن القيم: كان أفصح الخلق وأعذبهم كلاما وأسرعهم أداء وأحلاهم منطقا حتى كان كلامه يأخذ بالقلوب ويسبي الأرواح وقد شهد له بذا أعداؤه وقد جمعوا من كلامه المفرد الموجز البليغ البديع دواوين لا تكاد تحصى
(د عن عائشة) ورواه عنها أيضا الترمذي لكنه قال: يحفظه من جلس إليه وقال النسائي في يوم وليلة يحفظه كل من سمعه قال الزين العراقي: وإسناده حسن(5/81)
6500 - (كان أبغض الخلق) أي أبغض أعمال الخلق (إليه الكذب) لكثرة ضرره وجموم ما يترتب عليه من المفاسد والفتن وكان لا يقول في الرضى والغضب إلا الحق كما رواه أبو داود عن ابن عمر ولهذا كان يزجر أصحابه وأهل بيته عنه ويهجر على الكلمة من الكذب المدة الطويلة وذلك لأنه قد يبنى عليه أمورا ربما ضرت ببعض الناس وفي كلام الحكماء إذا كذب السفير بطل التدبير ولهذا لما علم الكفار أنه أبغض الأشياء إليه نسبوه إليه فكذبوه بما جاءهم به من عند الله ليغيظوه بذلك لأنه يوقف الناس عن قبول ما جاء به من الهدى ويذهب فائدة الوحي وروي أن حذيفة قال: يا رسول الله ما أشد ما لقيت من قومك قال: خرجت يوما لأدعوهم إلى الله فما لقيني أحد منهم إلا وكذبني
(هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه وهو باطل فإنه خرجه من حديث إسحاق بن إبراهيم الديري عن [ص:82] عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعن محمد بن أبي بكر عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن عائشة ثم عقبه بما نصه قال البخاري: هو مرسل يعني بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة ولا يصح حديث ابن أبي مليكة قال البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح اه. فأفاد بذلك أن فيه ضعفا أو انقطاعا فاقتطاع المصنف لذلك من كلامه وحذفه من سوء التصرف وإسحاق الديري يستبعد لقيه لعبد الرزاق كما أشار إليه ابن عدي وأورده الذهبي في الضعفاء(5/81)
6501 - (كان أحب الألوان إليه) من الثياب وغيرها (الخضرة) لأنها من ثياب الجنة فالخضرة أفضل الألوان ولهذا كانت السماء خضراء وما نرى نحن من الزرقة إنما هو لون البعد وفي الخبر إن النظر إلى الخضرة والماء الجاري يقوي البصر فلخصاصته بهذه المزية كان أحب الألوان إليه قال ابن بطال: وكفى به شرفا موجبا للمحبة
(طس وابن السني وأبو نعيم في الطب) النبوي (عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا البزار. قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما خرجه ابن عدي في البيهقي عن قتادة قال: خرجنا مع أنس إلى الأرض فقيل: ما أحسن هذه الخضرة فقال أنس: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم الخضرة(5/82)
6502 - (كان أحب التمر إليه العجوة) قيل عجوة المدينة وقيل مطلقا وهي أجود التمر وألينه وألذه هناك ولها منافع كثيرة مر بيان بعضها
(أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا (هـ) أبو الشيخ [ابن حبان] وابن ماجه باللفظ المزبور قال الزين العراقي: فإسناده ضعيف(5/82)
6499 - (كان وجهه مثل) كل من (الشمس والقمر) أي الشمس في الإضاءة والقمر في الحسن والملاحة أو الواو بمعنى بل إذ الشمس تمنع استيفاء الحظ من رؤيتها فاللائق القمر وما في الوفاء من أنه لم يقم مع شمس إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس لا ينافي التشبيه بالشمس لأنه إن سلم عدم المبالغة أو المسامحة في الغلبة فذلك حين كانت الشمس في السماء الرابعة لا مطلقا على أنه يكفي أنها أعرف وأشهر ولا دعوى المماثلة العرفية لأن القدر الغير الفاحش لا يضر عرفا (وكان مستديرا) مؤكد لعدم المشابهة التامة والمماثلة أي هو أضوأ وأحسن لاستدارته دونه فكيف يشبهه أي يماثله أو مؤكد لمشابهتهما وقيل التشبيه بالنيرين إنما يتبادر منه الضوء والملاحة فبين الاستدارة ليكون التشبيه فيها أيضا
(م عن جابر بن سمرة)(5/82)
6503 - (كان أحب الثياب إليه) من جهة اللبس (القميص) أي كانت نفسه تميل إلى لبسه أكثر من غيره من نحو رداء أو إزار لأنه أستر منهما وأيسر لاحتياجهما إلى حل وعقد بخلافه فهو أحبها إليه لبسا والحبرة أحبها إليه رداء فلا تدافع بين حديثيهما أو ذاك أحب المخيط وذا أحب غيره ويلوح من ذلك أن لبسه له أكثر وكان لا يختلج في ذهني خلافه حتى رأيت الحافظ العراقي قال في حديث إلباس المصطفى صلى الله عليه وسلم قميصه لابن أبي لما مات ما نصه: وفيه لبسه عليه الصلاة والسلام للقميص وإن كان الأغلب من عادته وعادة سائر العرب لبس الإزار والرداء اه. ولم أقف له على سلف في جزمه بهذه الأغلبية بالنسبة لخصوص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفوق كل ذي علم عليم ولا يلزم من كون ذلك أغلب للعرب كونه أغلب له لأن أحواله وشؤونه كانت منوطة بما يؤمر به وبما كان دأب آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين فيما لم يوح إليه بشيء لا بشعار العرب وزيهم على أن أغلبية لبس الإزار والرداء لا ينافي أغلبية لبس القميص ولا مانع من لبس الثلاثة غالبا معا فتدبر
(د ت) في اللباس (ك) كلهم (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا النسائي في الزينة قال الصدر المناوي: وفيه أبو ثميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء [ص:83] لكن وثقه ابن معين(5/82)
6504 - (كان أحب الثياب إليه) أن يلبسها هذا لفظ رواية الشيخين (الحبرة) كعنبة برد يماني ذو ألوان من التحبير وهو التزيين والتحسين قال الطيبي: والحبرة خبر كان وأن يلبسها متعلق أحب أي كان بأحب الثياب إليه لأجل اللبس الحبرة لاحتمالها الوسخ أو للينها وحسن انسجام نسجها وإحكام صنعتها وموافقتها لبدنه الشريف فإنه كان بالغ النهاية في النعومة واللين فالخشن يضره ودعوى أنه إنما أحبها لكونها خضراء وثياب أهل الجنة خضر يردها ما جاء في رواية أنها حمراء قال في المطامح: وهذا على ما فهم أنس من حاله ولعل البياض كان أحب إليه وذكر في غير ما حديث أنه خير الثياب وقال البغدادي: كانت أحب الثياب إليه لكنه لم يكثر من لبس المخطط وقد يحب الشيء ويندب إليه ولا يستعمله لخاصية في غيره كقوله أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وما روي قط أنه أخذ نفسه بذلك بل قالت عائشة: كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم مع القطع بأنه سيد أولي العزم وقال بعضهم: هذا الحديث يعارضه ما ورد أنه صلى بثوب أحمر فخلعه وأعطاه لغيره وقال: أخشى أن أنظر إليه فيفتنني عن صلاتي وأجيب بأن أقبية الحبرة خاصة بغير الصلاة جمعا بين الحديثين
(ق) في اللباس (د ن عن أنس) بن مالك(5/83)
6505 - (كان أحب الدين) بالكسر يعني التعبد (إليه ما دام عليه صاحبه) وإن قل ذلك العمل المداوم عليه يعني ما واظب عليه مواظبة عرفية وإلا فحقيقة الدوام شمول جميع الأزمنة وذلك غير مقدور وإنما كان أحب إليه لأن المداوم يدوم له الإمداد والإسعاد من حضرة الوهاب الجواد وتارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصول والهاجر بعد ما منحه من الفضل والبدل وبدوام القليل تستمر الطاعة والإقبال على الله بخلاف الكثير المشاق
(خ د عن عائشة)(5/83)
6506 - (كان أحب الرياحين) جمع ريحان نبت طيب الريح أو كل نبت طيب الريح كذا في القاموس وفي المصباح الريحان كل نبت طيب الريح لكن إذا أطلق عند العامة انصرف إلى نبات مخصوص (إليه الفاغية) نور الحناء وهو من أطيب الرياحين وأحسنها ومر في خبر أنها سيدة الرياحين في الدنيا والآخرة وفي الشعب عن ابن درستويه الفاغية عود الحناء يغرس مقلوبا فيخرج بشيء أطيب من الحناء فيسمى الفاغية قال المصنف: وفيه منافع من أوجاع العصب والتمدد والفالج والصداع وأوجاع الجنب والطحال ويمنع السوس من الثياب ودهنه يلين العصب ويحلل الإعياء والنصب ويوافق الخناق وكسر العظام والشوهة وأوجاع الأرحام ويقوي الشعور ويزينها ويكسيها حمرة وطيبا
(طب هب) من حديث عبد الحميد بن قدامة (عن أنس) قال ابن القيم: الله أعلم بحال هذا الحديث فلا نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا نعلم صحته وقال الذهبي في الضعفاء: عبد الحميد بن قدامة عن أنس في الفاغية قال البخاري: لا يتابع عليه اه(5/83)
6507 - (كان أحب الشاة إليه مقدمها) لكونه أقرب إلى المرعى وأبعد عن الأذى وأخف على المعدة وأسرع انهضاما وذا من طلبه الذي لا يدركه إلا أفاضل الأطباء فإنهم شرطوا في جودة الأغذية نفعها وتأثيرها في القوى وخفتها على المعدة وسرعة هضمها
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (هق) كلهم (عن مجاهد) بن جبير (مرسلا)(5/83)
6508 - (كان أحب الشراب إليه الحلو البارد) الماء العذب كالعيون والآبار الحلوة فإنه كان يستعذب له الماء أو [ص:84] الممزوج بعسل أو المنقوع في تمر وزبيب قال ابن القيم: والأظهر أنه يعمها جميعها ولا يشكل بأن اللبن كان أحب إليه لأن الكلام في شراب هو ماء أو فيه ماء وإذا جمع الماء هذين الوصفين أعني الحلاوة والبرد كان من أعظم أسباب حفظ الصحة ونفع الروح والكبد والقلب وتنفذ الطعام إلى الأعضاء أتم تنفيذ وأعان على الهضم وقال في العارضة: كان يشرب الماء البارد ممزوجا بالعسل فيكون حلوا باردا وكان يشرب اللبن ويصب عليه الماء حتى يبرد أسفله
(حم ت) في الأشربة عن عائشة وقال: الصحيح عن الزهري مرسلا (ك) في الأطعمة (عن عائشة) وتعقبه الذهبي بأنه من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عن عائشة وعبد الله هالك فالصحيح إرساله اه(5/83)
6509 - (كان أحب الشراب إليه اللبن) لكثرة منافعه ولكونه لا يقوم مقام الطعام غيره لتركبه من الجبنية والسمنية والمائية وليس شيء من المائعات كذلك لكن ينبغي أن لا يفرط في استعماله لأنه رديء للمحموم والمصروع وإدامته نؤذي الدماغ وتحدث ظلمة البصر والغشى ووجع المفاصل وسدد الكبد ونفخ المعدة ويصلحه العسل ونحوه
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس)(5/84)
6510 - (كان أحب الشراب إليه العسل) أي الممزوج بالماء كما قيده به في رواية أخرى وفيه من حفظ الصحة ما لا يهتدي لمعرفته إلا فضلاء الأطباء فإن شربه ولعقه على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويجلو لزوجتها ويدفع فضلاتها ويفتح سددها ويسخنها باعتدال ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وإنما يضر بالعرض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيجها ودفع ضرره لهم بالخل قال في العارضة: العسل واللبن مشروبان عظيمان سيما لبن الإبل فإنها تأكل من كل الشجر وكذا النحل لا تبقي نورا إلا أكلت منه فهما مركبان من أشجار مختلفة وأنواع من النبات متباينة فكأنهما شرابان مطبوخان مصعدان لو اجتمع الأولون والآخرون على أن يركبوا شيئين منهما ما أمكن فسبحان جامعهما
(ابن السني وأبو نعيم) معا كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عائشة)(5/84)
6511 - (كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان) أخذ منه أن أفضل الصوم بعد رمضان شعبان ومر الجمع بينه وبين قوله أفضل الصيام بعد رمضان المحرم
(د ن عن عائشة) ورواه عنها الحاكم باللفظ المزبور وزاد ثم يصله برمضان وقال: على شرطهما وأقره عليه الذهبي(5/84)
6512 - (كان أحب الصباغ إليه الخل) أي كان أحب الصبوغ إليه ما صبغ بالخل والخل إذا أضيف إليه نحو نحاس صبغ أخضر أو نحو حديد صبغ أسود
(أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] باللفظ المذكور قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف(5/84)
6513 - (كان أحب الصبغ إليه الصفرة) لعله أراد به الخضاب بدليل أنه كان يخضب بها ومر به من خضب بالصفرة فاستحسنه ويحتمل أنه المراد من الثياب ولا يعارضه النهي عن المصفر والمزعفر لأن ما في هنا في الأصل بخلاف ذلك قال ابن العربي: ولم يرد في لباس الأصفر حديث اه. وهو خطأ وزلل فقد قال الحافظ عبد الحق وغيره: ورد في الأصفر أحاديث كثيرة منها ما خرجه البخاري عن أم خالد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي قميص [ص:85] أصفر وفي أبي داود قيل لابن عمر لم تصبغ بالأصفر فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شيء أحب إليه من الصفرة وقد كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأخرج الطبراني عن قيس التميمي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أصفر ورأيته يسلم على نساء وقال ابن عبد البر: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه
(طب عن ابن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته وإنه لشيء عجيب فقد قال فيه الهيثمي: فيه عبيد بن القاسم وهو كذاب متروك(5/84)
6514 - (كان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز) وهو بفتح المثلثة أن يثرد الخبز أي يفتت ثم يبل بمرق وقد يكون معه لحم لمزيد نفعه وسهولة مساغه وتيسر مناولته وبلوغ الكفاية منه بسرعة اللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ (والثريد من الحسيس) هو تمر خلط بأقط وسمن والأصل فيه الخلط قال الراجز:
التمر والسمن جميعا والأقط. . . الحيس إلا أنه لم يختلط
(د) من رواية رجل من أهل البصرة لم يسم عن عكرمة عن ابن عباس ثم قال أبو داود في بعض رواياته: وهو حديث ضعيف (ك) من رواية عمر بن سعيد عن عكرمة (عن ابن عباس) وقال: صحيح وأقره الذهبي(5/85)
6515 - (كان أحب العراق إليه) بضم العين جمع عرق بالسكون وهو أكل اللحم عن العظم تقول عرقت العظم عرقا أكلت ما عليه من اللحم كذا في المصباح قال في النهاية: وهو جمع نادر (ذراعي الشاة) تثنية ذراع كحمار وهو من الغنم والبقر ما فوق الكراع وذلك لأنها أحسن نضجا وأسرع استمراء وأعظم لينا وأبعد عن مواضع الأذى مع زيادة لذتها وعذوبة مذاقها
(حم د وابن السني وأبو نعيم) كلاهما في الطب النبوي (عن ابن مسعود) رمز لصحته(5/85)
6516 - (كان أحب العمل إليه ما دووم عليه وإن قل) لما تقدم من أن المداومة توجب ألفة النفس للعبادة الموجب لإقبال الحق تعالى بمزايا الإكرام ومواهب الإنعام
(ت ن عن عائشة وأم سلمة) معا ورواه مسلم من حديث عائشة بلفظ كان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه(5/85)
6517 - (كان أحب الفاكهة إليه الرطب والبطيخ) بكسر الباء وكان يأكل هذا بهذا دفعا لضرر كل منهما وإصلاحا له بالآخر لأن الرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة ويزيد في الباه لكنه سريع العفن معكر للدم والبطيخ بارد رطب مطف للحرارة الملتهبة وفيه دليل على حل أكل الطيبات وقد أمرت الرسل بأكلها في القرآن ورد على من كره ذلك من السلف وفعل ذلك إن نشأ عن بخل فهو حرام شديد التحريم أو بقصد مخالفة النفس وقمع الشهوة فجائز
(عد عن عائشة) وفيه عباد بن كثير الثقفي نقل في الميزان تضعيفه عن جمع ثم ساق له هذا الحديث عن عائشة (النوقاني في كتاب) ما ورد في فضائل (البطيخ عن أبي هريرة) قال العراقي: وكلاهما ضعيف جدا(5/85)
6518 - (كان أحب اللحم إليه الكتف) لأنها أسلم من الأذى وأبعد عنه وأقوى اللحم وأطيبه وأسرعه نضجا كالذراع المتصلة بالكتف وفيه رد على المانعين أكل اللحم من فرق الضلال
(أبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) ورواه [ص:86] عنه أيضا باللفظ المزبور أبو الشيخ [ابن حبان] قال الحافظ العراقي: وإسناده ضعيف لكن في الصحيحين عن أبي هريرة ما هو في معناه وهو قوله وضعت بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه(5/85)
6519 - (كان أحب ما استتر به لحاجته) أي لقضاء حاجة في نحو الصحراء (هدف) بفتح الهاء والدال ما ارتفع من أرض أو بناء (أو حائش نخل) بحاء مهملة وشين معجمة نخل مجتمع ملتف كأنه لالتفافه يحوش بعضه لبعض وفيه ندب الاستتار عند قضاء الحاجة (1) والأكمل أن يغيب الشخص عن الناس قال النووي: وهذه سنة متأكدة
(حم م د هـ عن عبد الله بن جعفر) قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وقال إلى آخره
_________
(1) ولا يشكل على هذا كراهة الحاجة تحت الشجر الذي من شأنه أن يثمر لأن فضلاته صلى الله عليه وسلم كانت طاهرة
[لا يسلم لكلام الحاشية هذا إذ لا يلزم من نص الحديث ولا من شرح المناوي كون ذلك تحت النخل بل يلزم عكسه حيث مفهوم الحديث أنه كان يستتر خلف ما ارتفع من أرض ولا يمكن أن يكون تحتها وكذلك خلف حائش نخل لا تحته فليتنبه ولا دخل لطهور فضلاته صلى الله عليه وسلم بهذا الموضوع فليتنبه. دار الحديث](5/86)
6520 - (كان أخف) لفظ رواية مسلم من أخف (الناس صلاة) إذا صلى إماما لا منفردا كما صرح به الحديث الآتي عقبه (في تمام) للأركان قيد به دفعا لتوهم من يفهم أنه ينقص منها حيث عبر بأحق قال ابن تيمية: فالتخفيف الذي كان يفعله هو تخفيف القيام والقعود وإن كان يتم الركوع والسجود ويطيلهما فلذلك صارت صلاته قريبا من السواء وقال بعضهم: محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبت عنه التطويل أيضا جدا أحيانا
(م ت عن أنس) بن مالك وفي رواية لمسلم أيضا كان يوجز في الصلاة ويتم وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي في المغني: إنه متفق عليه(5/86)
6521 - (كان أخف الناس صلاة على الناس) يعني المقتدين به (وأطول الناس صلاة لنفسه) ما لم يعرض ما يقتضي التحقيق كما فعل في قصة بكاء الصبي ونحوه وفيه كالذي قبله أنه يندب للإمام التخفيف من غير ترك شيء من الأبعاض والهيئات لكن لا بأس بالتطويل برضاهم إن انحصروا كما استفيد من حديث آخر
(حم ع) من حديث نافع بن سرجس (عن أبي واقد) بقاف ومهملة الليثي بمثلثة بعد التحتية واسمه الحارث بن مالك المديني شهد بدرا قال في المهذب: إسناده جيد ونافع هذا قال أحمد: لا أعلم إلا خيرا اه(5/86)
6522 - (كان إذا أتى مريضا أو أتي به) شك من الراوي (قال) في دعائه له (أذهب الباس) بغير همز للمؤاخاة وأصله الهمز أي الشدة والعذاب (رب الناس) بحذف حرف النداء اشفه بهاء السكت أو الضمير للعليل (وأنت) وفي رواية بحذف الواو (الشافي) أخذ منه جواز تسميته تعالى بما ليس في القرآن بشرط أن لا يوهم نقصا وأن يكون له أصل في القرآن وهذا منه فإن فيه {وإذا مرضت فهو يشفين} (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف تقديره لنا أوله (إلا شفاؤك) بالرفع على أنه بدل من محل لا شفاء. قال الطيبي: خرج مخرج الحصر تأكيدا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا عرف باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع إلا بتقدير الله (شفاء) مصدر منصوب بقوله اشف (لا يغادر) بغين معجمة يترك (سقما) بضم فسكون وبفتحتين وفائدة التقييد به أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض [ص:87] فيخلفه مرض آخر وكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء وقال الطيبي: قوله شفاء إلى آخره تكميل لقوله اشف وتنكير سقما للتقليل واستشكل الدعاء بالشفاء مع ما في المرض من كفارة وأجور وأجيب بأن الدعاء عبادة وهو لا ينافيهما (1) قال ابن القيم: وفي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته ورحمته وأنه وحده الشافي
(ق هـ) وكذا النسائي أربعتهم في الطب كلهم (عن عائشة)
_________
(1) لأنهما يخصان بأول المرض وبالصبر عليه والداعي بين حسنيين إما أن يحصل له مقصوده أو يعرض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل ذلك من فضل الله تعالى(5/86)
6523 - (كان إذا أتى باب قوم) بنحو عيادة أو زيارة أو غير ذلك من المصالح (لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه) كراهة أن يقع النظر على ما لا يراد كشفه مما هو داخل البيت (ولكن) يستقبله (من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم) وذلك لأن الدور يومئذ لم تكن لها ستور والظاهر أن تكرير السلام إنما هو لمن عن يمينه مرة ومن عن يساره مرة
(حم د) في الأدب (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسين مهملة ساكنة رمز المصنف لحسنه وفيه كما قال ابن القطان: بقية وحاله معروف ومحمد بن عبد الرحمن بن عدة ذكره أبو حاتم ولم يذكر له حالا قال ابن القطان: فهو عنده مجهول(5/87)
6524 - (كان إذا أتاه الفيء) بالهمز ولا يجوز الإبدال والإدغام كما في المصباح وهو الخراج والغنيمة وأما تخصيصه بما حصل من كفار بلا قتال وإيجاف فعرف الفقهاء (قسمه) بين مستحقيه (في يومه) أي في اليوم الذي يصل إليه فيه (فأعطى الآهل) بالمد الذي له أهل أي زوجة اسم فاعل من أهل يأهل بكسر العين وضمها أهو لا إذا تزوج حظين بفتح الحاء بضبط المصنف لأنه أكثر حاجة فيعطى نصيبا له ونصيبا لزوجته أو زوجاته (وأعطى العزب) الذي لا زوجة له (حظا) واحدا لما ذكر وفيه طلب مبادرة الإمام للقسمة ليصل الحق لمستحقه فينتفع به فورا ولا يجوز التأخير إلا لعذر وقوله العزب هكذا هو في عدة نسخ والذي في المصابيح الأعزب قال القاضي: وهو أفعل من العزوبة هكذا هو وما رأيته مستعملا بهذا المعنى إلا في هذا الحديث وإنما المستعمل له العزب
(د) في الخراج وسكت عليه (ك) كلاهما (عن عوف بن مالك) قال الحافظ العراقي: وأما خبر كان يعطي العطاء مقدار العيلة فلم أر له أصلا(5/87)
6525 - (كان إذا أتاه رجل فرأى في وجهه بشرا) بكسر الباء وسكون الشين طلاقة وجه وأمارة سرور (أخذ بيده) إيناسا له واستعطافا ليعرف ما عنده مما يسره من نصرة الدين وقيام شعار الإسلام وتأييد المؤمنين قال ابن العربي: الأخذ باليد نوع من التودد والمعروف كالمصافحة
(ابن سعد) في الطبقات (عن عكرمة مرسلا) وهو مولى ابن عباس(5/87)
6526 - (كان إذا أتاه الرجل) يعني الإنسان فقد وقع له تغيير أسماء عدة نساء (وله اسم لا يحبه) لكراهة لفظه أو معناه عقلا أو شرعا (حوله) بالتشديد أي نقله إلى ما يحبه لأنه كان يحب الفأل الحسن وكان شديد الاعتناء بالعدول عن اسم تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس وكذا ما فيه تزكية النفس وفي أبي داود لا تزكوا أنفسكم هو الله أعلم بأهل [ص:88] البر منكم
(ابن منده) الحافظ المشهور (عن أبي) الوليد (عتبة) بضم المهملة ومثناة فوقية ساكنة وموحدة (ابن عبد) السلمي صحابي شهد أول مشاهده قريظة عمره مئة سنة وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأشهر من ابن منده ولا أحق بالعزو منه وهو عجب فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن عتبة المذكور قال الهيثمي: ورجاله ثقات(5/87)
6527 - (كان إذا أتاه قوم بصدقتهم) أي بزكاة أموالهم (قال) امتثالا لقول ربه له {وصل عليهم} (اللهم صل على آل فلان) كناية عمن ينسبون إليه أي زكى أموالهم التي بذلوا زكاتها واجعلها لهم طهورا واخلف عليهم ما أخرجوه منها واعطف عليهم بالرحمة واغفر لهم إنك أنت الغفور الرحيم وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام إذ يكره تنزيها إفراد الصلاة على غير نبي أو ملك لأنه صار شعارا لهم إذا ذكروا فلا يقال لغيرهم وإن كان معناه صحيحا
(حم ق د ن هـ) كلهم في الزكاة (عن) عبد الله (ابن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي(5/88)
6528 - (كان إذا أتاه الأمر) الذي (يسره) وفي رواية أتاه الشيء يسره (قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذي يكرهه قال الحمد لله على كل حال) قال الحليمي: هذا على حسن الظن بالله تعالى وأنه لم يأت بالمكروه إلا لخير علمه لعبده فيه وأراده به فكأنه قال اللهم لك الخلق والأمر تفعل ما تريد وأنت على كل شيء قدير
(ابن السني في عمل يوم وليلة ك) في كتاب الدعاء عن زهير بن محمد عن منصور بن صفية عن أمه (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح فاعترضه الذهبي بأن زهير له مناكير وقال ابن معين: ضعيف فأنى له بالصحة(5/88)
6529 - (كان إذا أتي بطعام) زاد أحمد في روايته من غير أهله (سأل عنه) عمن أتى به (أهدية) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا وبالنصب بتقدير أجئتم به هدية (أم) جئتم به (صدقة فإن قيل) هو صدقة أو جئنا به صدقة (قال لأصحابه) أي من حضر منهم (كلوا ولم يأكل) هو منه لأنها حرام عليه (وإذا قيل هدية) بالرفع (ضرب بيده) أي مد يديه وشرع في الأكل مسرعا (فأكل معهم) من غير تحام عنه تشبيها للمد بالذهاب سريعا في الأرض فعداه بالباء قال البيضاوي: وذلك لأن الصدقة منحة لثواب الآخرة والهدية تمليك للغير إكراما ففي الصدقة نوع ذل للأخذ فلذا حرمت عليه بخلاف الهدية
(ق ن) في الزكاة (عن أبي هريرة)(5/88)
6530 - (كان إذا أتي بالسبي) النهب وأخذ الناس عبيدا وإماء (أعطى أهل البيت جميعا) أي الآباء والأمهات والأولاد والأقارب (كراهة أن يفرق بينهم) لما جبل عليه من الرأفة والرحمة فاستفدنا من فعله أن يسن للإمام أن يجمع شملهم ولا يفرقهم لأنه أدعى إلى إسلامهم وأقرب إلى الرحمة والإحسان بهم
(حم د عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته(5/88)
6531 - (كان إذا أتي بلبن قال بركة) أي هو بركة يعني شربه زيادة في الخير وكان تارة يشربه خالصا وتارة مشوبا بماء بارد لأنه عنده الحلب حار وتلك البلاد حارة تنكسر حدة حره ببرد الماء
(هـ عن عائشة)(5/88)
[ص:89] 6532 - (كان إذا أتي بطعام أكل مما يليه) تعليما لأمته آداب الأكل فإن الأكل مما يلي الغير مكروه لما فيه من مزيد الشره والنهمة وإلحاق الأذى بمن أكل معه وسببه أن كل آكل كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع ما فيه من تقذر النفوس مما خاضت فيه الأيدي ثم هو سوء أدب من غير فائدة إذا كان الطعام لونا واحدا أما إذا اختلفت أنواعه فيرخص فيه كما أشار إليه بقوله (وإذا أتي بالتمر جالت) بالجيم (يده فيه) أي دارت في جهاته وجوانبه فتناول منه ما أحب من جال الفرس في الميدان يجول جولا وجولانا قطع جوانبه والجول الناحية وجال في البلاد طاف فيها غير مستقر وذلك لفقد العلة المذكورة فيما قبله ومنه أخذ الغزالي أن محل ندب الأكل مما يليه ما إذا كان الطعام لونا واحدا وما إذا كان غير فاكهة أما هي فله أن يجيل يده فيها لأنها في معنى التمر قال ابن العربي: إذا كان الطعام صنفا واحدا لم يكن للجولان فيه معنى إلا الشره والمجاعة وإذا كان ذا ألوان كان جولانها له معنى وهو اختيار ما استطاب منه اه. وقضيته ما مر أنه لا يكره الأكل من غير ما يليه إذا أكل وحده لكن صرح بعض الشافعية بالكراهة
(خط) في ترجمة عبيد بن القاسم (عن عائشة) وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فقد تعقبه بما نصه: قال أبو علي هذا كذاب وعبيد بن أخت سفيان كان يضع الحديث وله أحاديث مناكير اه كلامه(5/89)
6533 - (كان إذا أتي بباكورة التمرة) أي أول ما يدرك من الفاكهة قال أبو حاتم: الباكورة هي أول كل فاكهة ما عجل الإخراج وابتكرت الفاكهة أكلت باكورتها ونخلة باكورة وباكور وبكور أثمرت قبل غيرها (وضعها على عينيه ثم على شفتيه وقال) في دعائه (اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره) كان القياس أولها وآخرها لكنه ذكره على إرادة النوع (ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان) خص الصبي بالإعطاء لكونه أرغب فيه ولكثرة تطلعه إلى ذلك ولما بينهما من المناسبة في حداثة الانفصال عن الغيب وذا أقرب من قول الطيبي في وجه المناسبة الصبي ثمرة الفؤاد وباكورة الإنسان
(ابن السني عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجال الصغير رجال الصحيح اه. وكلامه كالصريح في أن سند الكبير مدخول فعزو المؤلف الحديث إلى الطريق الضعيفة وضربه صفحا عن الطريق الصحيحة من سوء التصرف (الحكيم) الترمذي في النوادر كلهم (عن أنس) بن مالك(5/89)
6534 - (كان إذا أتي بمدهن الطيب لعق منه) أولا (ثم ادهن) قال في المصباح: المدهن بضم الميم والهاء ما يجعل فيه الدهن والمدهنة تأنيث المدهن قال: وهو من النوادر التي جاءت بالضم وقياسه الكسر والدهن بالضم ما يدهن به من زيت أو غيره لكن المراد هنا الدهن المطيب
(ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب أحد فقهاء التابعين (والقاسم) بن محمد الفقيه المشهور (مرسلا)(5/89)
6535 - (كان إذا أتي بامرئ قد شهد بدرا) أي غزوة بدر الكبرى التي أعز الله بها الإسلام (والشجرة) أي والمبايعة [ص:90] التي كانت تحت الشجرة والمراد جاؤوا به ميتا للصلاة عليه (كبر عليه تسعا) أي افتتح الصلاة عليه بتسع تكبيرات لأن لمن شهد هاتين القضيتين فضلا على غيره في كل شيء حتى في تكبيرات الجنائز (وإذا أتي به قد شهد بدرا ولم يشهد الشجرة أو شهد الشجرة ولم يشهد بدرا كبر عليه سبعا) من التكبيرات إشارة إلى شرف الأول وفضله عليه (وإذا أتي به لم يشهد بدرا ولا الشجرة كبر عليه أربعا) من التكبيرات إشارة إلى أنه دونهما في الفضل قالوا: وذا منسوخ بخبر الحبر أن آخر جنازة صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم كبر أربعا قالوا: وهذا آخر الأمرين وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله وقد مر خبر " إن الملائكة لما صلت على آدم كبرت عليه أربعا وقالوا تلك سنتكم يا بني آدم " وقال أبو عمرو: انعقد الإجماع على أربع ولم نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا ابن أبي ليلى وقال النووي في المجموع: كان بين الصحابة خلاف ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع لكن لو كبر الإمام خمسا لم تبطل صلاته
(ابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله وفيه محمد بن عمر المحرم قال في الميزان: قال أبو حاتم: واه وقال ابن معين: ليس بشيء ثم أورد له هذا الخبر(5/89)
6536 - (كان إذا اجتلى النساء) أي كشف عنهن لإرادة جماعهن يقال جلوت واجتليت السيف ونحوه كشفت صداه وجلي الخبر للناس جلاء بالفتح والمد وضح وانكشف وجلوت العروس واجتليتها مثله (أقعى) أي قعد على ألييه مفضيا بهما إلى الأرض ناصبا فخذيه كما يقعى الأسد (وقبل) المرأة التي قعد لها يريد جماعها وأخذوا منه أنه يسن مؤكدا تقديم المداعبة والتقبيل ومص اللسان على الجماع وكرهوا خلافه وقد جاء في خبر رواه الديلمي عن أنس مرفوعا " ثلاثة من الجفاء أن يؤاخي الرجل الرجل فلا يعرف له اسما ولا كنية وأن يهيئ الرجل لأخيه طعاما فلا يجيبه وأن يكون بين الرجل وأهله وقاعا من غير أن يرسل رسوله المزاح والقبل لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة " وروى الخطيب عن أم سلمة أنه كان يغطي رأسه ويخفض صوته ويقول للمرأة عليك بالسكينة
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أسيد الساعدي) بكسر العين المهملة(5/90)
6537 - (كان إذا حلف واجتهد في اليمين قال: لا والذي نفس أبو القاسم بيده) أي ذاته وجملته (بيده) أي بقدرته وتدبيره قال الطيبي: وهذا في علم البيان من أسلوب التجريد لأنه جرد من نفسه من يسمى أبا القاسم وهو هو وأصل الكلام الذي نفسي ثم التفت من التكلم إلى الغيبة
(حم عن أبي سعيد) الخدري رمز لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه بل رواه أبو داود في الإيمان وابن ماجه في الكفارة وله ألفاظ(5/90)
6538 - (كان إذا أخذ مضجعه) بفتح الميم والجيم أي أراد النوم في مضجعه أي استقر فيه لينام والمضجع موضع الضجوع (جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن) كما يوضع الميت في اللحد وقال الذكر المشهور فختم به كلامه فيندب ذلك لكل من أراد النوم ليلا أو نهارا وعلم من هذا كونه على شقه الأيمن والنوم عليه أسرع إلى الانتباه لعدم استقرار القلب حالتئذ فإنه بالجانب الأيسر فيتعلق ولا يستغرق في النوم بخلاف النوم على الأيسر لأن القلب لاستراحته يستغرق فيبطئ الانتباه والنوم عليه وإن كان أهنأ لكن إكثاره يضر القلب لميل الأعضاء إليه فتنصب المواد فيه
(طب عن حفصة) [ص:91] بنت عمر بن الخطاب رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن هذا ليس في الكتب الستة ولا كذلك فقد خرجه الترمذي عن البراء بزيادة وقال رب قني عذابك يوم تبعث عبادك(5/90)
6539 - (كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده) ليس فيه ذكر اليمنى وهو مبين في الرواية قبلها (ثم يقول باسمك اللهم) أي بذكر اسمك (أحيا) ما حييت (وباسمك أموت) أي وعليه أموت وباسمك المميت أموت وباسمك المحيي أحيا لأن معاني الأسماء الحسنى ثابتة له سبحانه وكل ما ظهر في الوجود فصادر عن تلك المقتضيات أو لا أنفك عن اسمك في حياتي ومماتي وهو إشارة إلى مقام التوحيد وقيل الاسم مفخم من قبيل سبح اسم ربك يعني أنت تحييني وتميتني أراد به النوم واليقظة فنبه على إثبات البعث بعد الموت (وإذا استيقظ) أي انتبه من نومه (قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا) أي أيقظنا بعد ما أنامنا أطلق الموت على النوم لأنه يزول معه العقل والحركة ومن ثم قالوا: النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وقالوا: النوم أخو الموت كذا قرره بعض المتأخرين وهو استمداد من بعض قول المتقدمين (قوله أحيانا بعدما أماتنا) أي رد أنفسنا بعد قبضها عن التصرف بالنوم يعني الحمد لله شكرا لنيل نعمة التصرف في الطاعات بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت وزوال المانع عن التقرب بالعبادات (وإليه النشور) الإحياء للبعث أو المرجع في نيل الثواب مما نكسب في حياتنا هذه وفيه إشارة بإعادة اليقظة بعد النوم إلى البعث بعد الموت وحكمة الدعاء عند النوم أن يكون خاتمة عمله العبادة فالدعاء هو العبادة {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وحكمة الدعاء عند الانتباه أن يكون أول ما يستيقظ يعبد الله بدعائه وذكره وتوحيده
<تنبيه> قال القاضي: ورد آنفا أنه كان إذا قعد نظر إلى السماء فقرأ {إن في خلق السماوات والأرض} إلى آخر السورة ثم قام فتوضأ وقد دل بهذا على أن المتهجد إذا استيقظ ينبغي أن يشغل كل عضو منه بما هو المطلوب منه والموظف له من الطاعات فيطالع بعينه عجائب الملك والملكوت ثم يتفكر بقلبه فيما انتهى إليه حاسة بصره يعرج بمواقي فكره إلى عالم الجبروت حتى ينتهي إلى سرادقات الكبرياء فيفتح لسانه بالذكر ثم يتبع بدنه نفسه بالتأهب للصلاة وللوقوف في مقامات التناجي والدعاء
(حم م عن البراء) بن عازب (حم خ عد عن حذيفة) بن اليمان (حم ق عن أبي ذر) الغفاري(5/91)
6540 - (كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال بسم الله) وفي رواية باسمك اللهم (وضعت جنبي) أي بإقدارك إياي وضعت جنبي ففيه الإيمان بالقدر وفي رواية أنه كان يقول " باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه " قال الولي العراقي: قال السبكي: وينبغي لنا الاقتصار على الوارد فلا يقال أرفعه إن شاء الله فإنه لما قدم الجار والمجرور كان المعنى الإخبار بأن الرفع كان باسم الله وهو عمدة الكلام (اللهم اغفر لي ذنبي واخسئ شيطاني) أي اجعله خاسئا أي مطرودا وهو بوصل الهمزة يقال خسئت الكلب أي طردته وخسأ يتعدى ولا يتعدى (وفك رهاني) أي خلصني من عقال ما اقترفت نفسي من الأعمال التي لا ترتضيها بالعفو عنها والرهان كسهام الرهن وهو ما يجعل وثيقة بالدين والمراد هنا نفس الإنسان لأنها مرهونة بعملها {كل امرئ بما كسب رهين} (وثقل ميزاني) يوم توزن الأعمال (واجعلني في الندي الأعلى) أي الملأ الأعلى من الملائكة والندي بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء كما في الأذكار القوم المجتمعون في مجلس ومنه [ص:92] النادي وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة فتتأكد المواظبة عليه كلما أريد النوم وهو من أجل الأدعية المشروعة عنده على كثرتها
(د) في الأدب (ك) في الدعاء وصححه (عن أبي الأزهر) قال النووي في الأذكار: ويقال أبو زهير الأنماري الشامي قال البغوي في المعجم: لم ينسب ولا أدري أله صحبة أم لا وفي التقريب: صحابي لا يعرف اسمه وإسناده حسن(5/91)
6541 - (كان إذا أخذ مضجعه) من الليل (قرأ قل يا أيها الكافرون) أي سورتها (حتى يختمها) ثم ينام على خاتمتها فإنها براءة من الشرك كما جاء معللا به في خبر آخر
(طب عن عباد) بن عباد بموحدة مشددة (ابن أخضر) وهو عباد بن عباد بن علقمة المازني المصري المعروف بابن أخضر وكان زوج أمه وليس بصحابي فليحرر رمز المصنف لحسنه وليس كما زعم فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه يحيى الحماني ويحيى الجعفي كلاهما ضعيف جدا(5/92)
6542 - (كان إذا أخذ أهله) أي أحدا من أهل بيته (الوعك) أي الحمى أو ألمها (أمر بالحساء) بالفتح والمد طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن (فصنع) بالبناء للمفعول (ثم أمرهم فحسوا وكان يقول أنه ليرنو) بفتح المثناة التحتية وراء ساكنة فمثناة فوقية أي يشد ويقوي (فؤاد الحزين) قلبه أو رأس معدته (ويسرو عن فؤاد السقيم) بسين مهملة أي يكشف عن فؤاده الألم ويزيله (كما تسرو إحداهن الوسخ بالماء عن وجهها) أي تكشفه وتزيله قال ابن القيم: هذا ماء الشعير المغلي وهو أكثر غذاء من سويقه نافع للسعال قامع لحدة الفضول مدر للبول جدا قامع للظمأ مطف للحرارة وصفته أن يرض ويوضع عليه من الماء العذب خمسة أمثاله ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى خمساه
(ت) في الطب (ك) في الأطعمة كلهم (عن عائشة) وقال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(5/92)
6543 - (كان إذا ادهن) بالتشديد على افتعل تطلى بالدهن أي أراد ذلك (صب في راحته) أي في بطن كفه (اليسرى فبدأ بحاجبيه) فدهنهما أولا (ثم عينيه ثم رأسه) وفي رواية الطبراني عن عائشة كان إذا دهن لحيته بدأ بالعنفقة
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن عائشة)(5/92)
6544 - (كان إذا أراد الحاجة) أي القعود للبول أو الغائط (لم يرفع ثوبه) عن عورته لفظ رواية أبي داود حال قيامه بل يصبر (حتى يدنو) أي يقرب (من الأرض) فإذا دنا منها رفعه شيئا فشيئا وهذا الأدب مستحب اتفاقا ومحله ما لم يخف تنجس ثوبه وإلا رفع قدر حاجته
(د ت) في الطهارة (عن أنس) بن مالك (وعن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن جابر) بن عبد الله وقد أشار المصنف لصحته وليس بمسلم فأما من طريقي أبي داود والترمذي فقد قال أبو داود نفسه وتبعه المنذري وعبد السلام بن حرب رواه عن الأعمش عن أنس وهو ضعيف وقال الزين العراقي: مداره على الأعمش وقد اختلف عليه فيه ولم يسمع الأعمش من أنس وهو ضعيف وإن كان رآه وفي حديث ابن عمر مجهول وذكر الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عن حديث أنس وابن عمر فقال: كلاهما مرسل ثم قال أعني العراقي: والحديث [ص:93] ضعيف من جميع طرقه وقد أورد النووي في الخلاصة الحديث في فصل الضعيف فدل على أنه ضعيف عنده من جميع طرقه اه. قال في موضع آخر: الحديث ضعيف من جميع طرقه لأن رواية الأعمش عن ابن عمرو وعن أنس متقطعة وقال الصدر المناوي: الحديث ضعيف من رواية ابن عمر وصرح الترمذي أيضا بضعفه وإرساله قال بعض شراح أبي داود وضعفه للانقطاع أو لأن فيه متهما وقال عبد الحق: الأكثر على أن الحديث مقطوع وأن فيه رجلا لا يعرف وهو الصحيح وأما من طريق الطبراني فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله العجلي قيل إنه كان يضع الحديث(5/92)
6545 - (كان إذا أراد الحاجة) بالصحراء (أبعد) بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح ذكره الفقهاء وقال في الروض: لم يبين مقدار البعد وهو مبين في حديث ابن السكن في سننه أي في وتهذيب الآثار للطبري والأوسط والكبير للطبراني أي بسند جيد كما قاله الولي العراقي في شرح أبي داود بأنه على ثلثي فرسخ من مكة أو نحو ميلين أو ثلاثة وهو بفتح الميم الأخيرة وقال أبو دريد: الأصح كسرها مفعل من غمست كأنه اشتق من الغميس النبات الأخضر الذي ينبت في الخريوش اليابس وعلى رواية الفتح هو من غمست الثوب غطيته وهو مستور بهضاب الرمضاء والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن يأتي مكانا للمذهب إلا وهو مستور منخفض وفيه دليل على ندب الإبعاد لنحوه فإن قيل إنما يحصل الاستتار بذلك عن عيون الإنس فكيف بالجن قلنا يحصل المقصود في الجن وهو عدم قدرتهم على النظر إليه بأن يقول بسم الله كما مر في الحديث فإن قيل كما ثبت الإبعاد ثبت عدمه أيضا كما في أبي داود عن حذيفة أجيب بأنه إنما فعله لبيان الجواز أو لحاجة كخوف والبول أخف من الغائط لكراهة ريحه واحتياجه إلى زيادة تكشف وفي معنى الإبعاد اتخاذ الكنيف في البيوت وضرب الحجب وإرخاء الستور وإعماق الحفائر ونحو ذلك مما يستر العورة ويمنع الريح قال الولي العراقي: ويلحق بقضاء الحاجة كل ما يستحى منه كالجماع فيندب إخفاؤه بتباعد أو تستر وكذا إزالة القاذورات كنتف إبط وحلق عانة كما نقله والدي عن بعضهم
(هـ عن بلال بن الحارث) المزني قدم سنة خمس في وفد مزينة وأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيق (حم ن هـ عن عبد الرحمن بن أبي قرار) بشديد الراء بضبط المصنف وليس بصحيح ففي التقريب كأصله بضم القاف وتخفيف الراء السليمي الأنصاري ويقال له الفاكه قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه: هذا حديث ضعيف لضعف رواته ومنهم كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف المزني قال أحمد مرة: منكر الحديث ومرة: لا يساوي شيئا والنسائي والدارقطني: متروك وأبو زرعة: واه وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب وابن حبان: يروي الموضوع اه لكن يعضده رواية أحمد عن المغيرة كان إذا تبرز تباعد ورواية أبي داود عن جابر كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد وهو بمعنى كان إذا أراد الحاجة أبعد لأنه جعل غاية الانطلاق أن لا يراه أحد وذلك إنما يحصل بالإبعاد ذكره الولي العراقي قال: فإن قيل يحصل بمكان خال وإن لم يبعد قلنا لا يأتي إلا في الكنف المعدة ولم تكن الكنف اتخذت ذلك الوقت فلا يحصل المقصود من ذلك إلا بالإبعاد(5/93)
6546 - (كان إذا أراد أن يبول فأتى عزازا من الأرض) بفتح العين ما صلب واشتد منها من العزوز وهي الناقة الضيقة الإحليل الذي لا ينزل لبنها إلا بجهد وإنما يكون في أطرافها (أخذ عودا فنكت به في الأرض حتى يثير من التراب ثم يبول فيه) ليأمن عود الرشاش عليه فينجسه ولأن البول يخد في الأرض اللينة فلا يسيل ومتى سال قد يلوث رجله وذيله إن لم يرفعه فإن رفعه أدى إلى تكشفه فيستحب فعل ذلك لكل من بال بمحل صلب قال النووي: وهذا متفق [ص:94] عليه
(د في مراسيله والحارث) بن أبي أسامة (عن طلحة بن أبي قنان) بفتح القاف والنون العبدري مولاهم الدمشقي. قال في التقريب كأصله: مجهول أرسل حديثا أي وهو هذا (مرسلا) وهو ابن قنان العبدري مولاهم قال ابن القطان: لم يذكر عبد الحق لهذا علة إلا الإرسال وطلحة هذا لا يعرف بغير هذا وفي الميزان طلحة هذا لا يدرى من هو تفرد عنه الوليد بن سليمان(5/93)
6547 - (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه) أي ذكره (وتوضأ) وضوء (للصلاة) أي توضأ كما يتوضأ للصلاة وليس معناه أنه توضأ لأداء الصلاة إنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا قال ابن حجر: يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد ويحتمل الاكتفاء بغسلها في الوضوء عن إعادته وعليه فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول جزء وإنما قدم على أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى وإلى الثاني ذهب بعض قدماء الشافعية ونقل ابن بطال الإجماع على عدم وجوب الوضوء مع الغسل ورد بأن مذهب داود أن الغسل لا يجزئ عن الوضوء للمحدث
(ق د ن هـ عن عائشة)(5/94)
6548 - (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ) أي غسل أعضاءه الأربعة بالنية ولما كان الوضوء لغويا وشرعيا دفع توهم إرادة اللغوي الذي هو مطلق النظافة بقوله (وضوءه للصلاة) احترازا عن الوضوء اللغوي فيسن وضوء الجنب للنوم ويكره تركه ونقل ابن العربي عن مالك والشافعي أنه لا يجوز النوم بدونه إن أراد به نفي الحل المستوي الطرفين فمسلم وإلا فهو باطل عند الشافعي إذ لم يقل هو ولا أحد من صحبه بوجوبه ونوم المصطفى صلى الله عليه وسلم بغير وضوء وهو جنب بفرض صحة الخبر به لبيان الجواز وحكمة الوضوء تخفيف الحدث سيما إن قلنا بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند قال ابن حجر: رجاله ثقات عن شداد رفعه إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة وقيل حكمته أنه أحد الطهارتين وعليه فيقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي بإسناد قال ابن حجر: حسن عن عائشة كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم أي عند فقد الماء وقيل حكمته أن ينشط إلى العود أو الغسل ونقل ابن دقيق العيد عن نص الشافعي أنه مثل الجنب الحائض بعد الانقطاع وفيه ندب التنظف عند النوم قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريه بخلاف الشياطين (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب غسل يديه ثم يأكل ويشرب) لأن أكل الجنب بدون ذلك يورث الفقر كما جاء في خبر الديلمي عن شداد بن أوس يرفعه: ثلاث تورث الفقر أكل الرجل وهو جنب قبل أن يغسل يديه وقيامه عريانا بلا مئزر وسترة والمرأة تشتم زوجها في وجهه
(د ن هـ عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات وفي الميزان عن ابن عدي: منكر(5/94)
6549 - (كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه) أي يلصق بشرته ببشرتها قال الحرالي: المباشرة التقاء البشرتين عمدا وليس المراد هنا الجماع فقط (وهي حائض أمرها أن تتزر ثم يباشرها) بالمئزر أي بالاتزار اتقاءا عن محل الأذى وفي رواية تأتزر بهمزتين قال القاضي كالهروي: وهي الصواب فإن الهمزة لا تدغم في التاء ولعل الإدغام من تحريف [ص:95] بعض الرواة وفي المفصل إنه خطأ لكن قيل أنه مذهب كوفي والمراد أمرها بعقد إزار في وسطها بستر ما بين سرتها وركبتها كالسراويل ونحوه أي يضاجعها ويمس بشرتها وتمس بشرته للأمن حينئذ من الوقوع في الوقاع المحرم وهو عليه الصلاة والسلام أملك الناس لأربه ولا يخاف عليه ما يخاف عليهم من أن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه لكنه فعل ذلك تشريعا للأمة فأفاد أن الاستمتاع بما بين سرة الحائض وركبتها بلا حائل حرام وبه قال الجمهور وهو الجاري على قواعد المالكية في سد الذرائع ويجوز بحائل والحديث مخصص لآية {فاعتزلوا النساء في المحيض} وفيه تبليغ أفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم للاقتداء به وإن كانت مما يستحى ذكره عادة
(خ د عن ميمونة) ورواه عنه أيضا البيهقي وغيره(5/94)
6550 - (كان إذا أراد من الحائض شيئا) يعني مباشرة فيما دون الفرج كالمفاخذة فكنى بها عنه (ألقى على فرجها ثوبا) ظاهره أن الاستمتاع المحرم إنما هو بالفرج فقط وهو قول للشافعي ورجحه النووي من جهة الدليل وهو مذهب الحنابلة وحملوا الأول على الندب جمعا بين الأدلة قال ابن دقيق العيد: ليس في الأول ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد وفصل بعضهم بين من يملك أربه وغيره
(د عن بعض أمهات المؤمنين) قال ابن حجر: وإسناده قوي قال ابن عبد الهادي: انفرد بإخراجه أبو داود وإسناده صحيح(5/95)
6551 - (كان إذا أراد سفرا) أي للغزو أو نحوه ومفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر قال ابن حجر: وليس عمومه مرادا بل يقرع فيما لو أراد القسم بينهن فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع فمن قرعت بدأ بها وفي رواية للبخاري كان إذا أراد أن يخرج إلى سفر (أقرع بين نسائه) تطييبا لنفوسهن وحذرا من الترجيح بلا مرجح عملا بالعدل لأن المقيمة وإن كانت في راحة لكن يفوتها الاستمتاع بالزوج والمسافرة وإن حظيت عنده بذلك تتأذى بمشقة السفر فإيثار بعضهن بهذا وبعضهن بهذا اختيارا عدول عن الانصاف ومن ثم كان الاقراع واجبا لكن محل الوجوب في حق الأمة لا في حقه عليه الصلاة والسلام لعدم وجوب القسم عليه كما نبه عليه ابن أبي جمرة (فأيتهن) بتاء التأنيث أي أية امرأة منهن وروي فأيهن بدون تأنيث. قال الزركشي: والأول هو الوجه قال الدماميني: ودعواه أن الرواية الثانية ليست على الوجه خطأ إذ المنقول إذا أريد بأي المؤنث جاز إلحاق التاء به موصولا كان أو استفهاما أو غيرهما (خرج سهمها خرج بها معه) في صحبته وفي رواية أخرج بزيادة همزة قال ابن حجر: والأول الصواب وهذا أول حديث الإفك وفيه حل السفر بالزوجة وخروج النساء في الغزوات وذلك مباح إذا كان العسكر تؤمن عليه الغلبة وكان خروج النساء مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجهاد فيه مصلحة بينة لإعانتهن على ما لا بد منه وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته كما في البخاري وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا الله ورسوله هكذا ذكره في كتاب الهبة وفيه مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء ونحو ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبارها
(ق) في الإفك (د هـ عن عائشة) وروي عن غيرها أيضا(5/95)
6552 - (كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد) أي بأطيب ما تيسر عنده من طيب الرجال فيندب التطيب عند إرادة الإحرام وكونه بأطيب الطيب وأنه لا بأس باستدامته ومنعه مالك وفي الحديث رد عليه
(م عن عائشة)(5/95)
[ص:96] 6553 - (كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة) كرطبة وقد تسكن الحاء ما أنحفت به غيرك (سقاه من ماء زمزم) لجموم فضائله وعموم فوائده ومدحه في الكتب الإلهية قال وهب: إنكم لا تدرون ماء زمزم والله إنها لفي كتاب الله أي التوراة المضنونة وبرء وشراب الأبرار لا تنزف ولا تدم طعام من طعم وشفاء من سقم لا يعمد إليها امرؤ فيتضلع منها إلا نفت ما به من داء وأحدثت له شفاء والنظر إلى زمزم عبادة تحط الخطايا حطا رواه عبد الرزاق وابن منصور بسند فيه انقطاع
(حل عن ابن عباس) قال ابن حجر: هذا غريب من هذا الوجه مرفوعا والمحفوظ وقفه وفيه مقال من جهة محمد بن حميد الرازي ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر وخرجه الفاكهي في تاريخ مكة موقوفا بسند على شرط الشيخين(5/96)
6554 - (كان إذا أراد أن يدعو على أحد) في صلاته (أو يدعو لأحد) فيها (قنت) بالقنوت المشهور عنه (بعد الركوع) تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع قال: وإنما يكون بعده عند الدعاء على قوم أو لقوم وتعقب باحتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا في هذه الحالة
(خ) بهذا اللفظ في التفسير (عن أبي هريرة) قال الذهبي: وروى مسلم نحوه اه. فما أوهمه صنيع المصنف من أن هذا مما تفرد به البخاري غير جيد والتشبث بالخلف اللفظي خيال(5/96)
6555 - (كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر) أي صلاته (ثم دخل معتكفه) في رواية في معتكفه أي انقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاته الصبح لأن ذلك وقت ابتداء اعتكافه بل كان يعتكف من الغروب ليلة الحادي والعشرين وإلا لما كان معتكفا للعشر بتمامه الذي ورد في عدة أخبار أنه كان يعتكف العشر بتمامه وهذا هو المعتبر عند الجمهور لمن يريد اعتكاف عشر أو شهر وبه قال الأئمة الأربعة ذكره الحافظ العراقي وغيره
(د ت) في الاعتكاف (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه فظاهر صنيعه أنه لم يروه أحد من الستة غير هذين والأمر بخلافه بل رواه الجماعة جميعا لكن عذره أن الشيخين إنما روياه مطولا في ضمن حديث فلم يتنبه له لوقوعه ضمنا(5/96)
6556 - (كان إذا أراد أن يودع الجيش) الذي يجهزه للغزو (قال أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم) قال الطيبي: قوله أستودع الله هو طلب حفظ الوديعة وفيه نوع مشاكلة للتوديع جعل دينهم وأمانتهم من الودائع لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف فيكون ذلك سببا لإهمال بعض أمور الدين فدعا المصطفى صلى الله عليه وسلم لهم بالمعونة في الدين والتوفيق فيه ولا يخلو المسافر من الاشتغال بما يحتاج فيه إلى نحو أخذ وإعطاء وعشرة فدعا للناس المصطفى صلى الله عليه وسلم بحفظ الأمانة وتجنب الخيانة ثم بحسن الإختتام ليكون مأمون العاقبة عما سواه في الدنيا والدين
(د ك) في الجهاد وكذا النسائي في اليوم والليلة (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير شهد الحديبية وولى الكوفة. قال في الأذكار: حديث صحيح وقال في الرياض: رواه أبو داود بإسناد صحيح(5/96)
6557 - (كان إذا أراد غزوة ورى) بتشديد الراء أي سترها وكنى عنها (بغيرها) أي بغير تلك الغزوة التي أرادها [ص:97] فيوهم أنه يريد غزو جهة أخرى كان يقول إذا أراد غزو خيبر كيف تجدوا مياهها موهما أنه يريد غزو مكة لا أنه يقول أريد غزو خيبر وهو يريد مكة فإنه كذب وهو محال عليه والتورية أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيسأل عنه وعن طريقه فيفهم السامع بسبب ذلك أنه يقصد المحل القريب والمتكلم صادق لكن لخلل وقع من فهم السامع خاصة وأصله من وريت الخبر تورية سترته وأظهرت غيره وأصله ورا الإنسان لأنه من ورى بشيء كأنه جعله وراءه وضبطه السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها وذلك لئلا يتفطن العدو فيستعد للدفع والحرب كما قال الحرب خدعة وفي البخاري أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز واستقبل غزو عدو كثير فجلى المسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بجهته الذي يريد وعن كعب بن مالك ظاهر صنيعه أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو وهم بل هو فيهما فقد قال الحافظ العراقي: هو متفق عليه اه. وهو في البخاري في غزوة تبوك وفي موضع آخر وفي مسلم في التوبة كلاهما عن كعب المزبور مطولا ولفظهما: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة يعني تبوك غزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا وغزوا كثيرا فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بجهته الذي يريد اه. وقد تقرر غير مرة عن مغلطاي وغيره من أهل الفن أنه ليس لحديثي عزو حديث لغير الشيخين مع وجود ما يفيده لأحدهما(5/96)
6558 - (كان إذا أراد أن يرقد) في رواية بدله ينام (وضع يده اليمنى تحت خده) في رواية رأسه (ثم يقول: اللهم قني عذابك) أي أجرني منه (يوم تبعث) في رواية تجمع (عبادك) من القبور إلى النشور للحساب يقول ذلك (ثلاث مرات) أي يكرره ثلاثا والظاهر حصول أصل السنة بمرة وكمالها باستكمال الثلاث
(د) في الأدب وكذا النسائي في يوم وليلة كلاهما (عن حفصة) أم المؤمنين ورواه الترمذي عن حذيفة لكن بدون التثليث وحسنه ورمز المصنف لحسنه(5/97)
6559 - (كان إذا أراد أمرا) أي فعل أمر من الأمور استخار الله تعالى (قال اللهم خر لي واختر لي) أي اختر لي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه فالخيرات كلها من خيرته والصفوة من الخيرات مختارة
(ت) عن عائشة (عن أبي بكر) الصديق وفيه زنفل العوفي قال في الميزان: ضعفه الدارقطني وساق له هذا الخبر وقال النووي في الأذكار بعد عزوه للترمذي: سنده ضعيف وقال ابن حجر بعدما عزاه للترمذي: سنده ضعيف(5/97)
6560 - (كان إذا أراد سفرا قال) عند خروجه له (اللهم بك أصول) أي أسطو على العدو وأحمل عليه (وبك أحول) عن المعصية أو أحتال والمراد كيد العدو (وبك أسير) إلى العدو فانصرني عليهم. قال الزمخشري: المحاولة طلب الشيء بحيلة ونظيرها المراوغة والمصاولة المواثبة وهو من حال يحول حيلة بمعنى احتال والمراد كيد العدو وقيل هو من حال بمعنى تحرك اه
<تنبيه> في حاشية الكشاف للطيبي في آية {الآن خفف الله عنكم} هذا التخفيف للأمة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة كيف يخاطب بتخفيف لقاء الأضداد وكيف يخاطب به وهو الذي يقول في هذا الحديث بك أصول وبك أحول ومن كان به كيف يخفف عنه أو يثقل عليه
(حم) وكذا البزار (عن علي) أمير المؤمنين. قال الهيثمي: رجالهما ثقات اه. فإشارة المصنف لحسنه تقصير بل حقه الرمز لصحته(5/97)
[ص:98] 6561 - (كان إذا أراد أن يزوج امرأة من نسائه) يعني من أقاربه أو بنات أصحابه الأقربين (يأتيها من وراء الحجاب فيقول لها يا بنية إن فلانا قد خطبك فإن كرهتيه فقولي لا فإنه لا يستحي أحد أن يقول لا وإن أحببت فإن سكوتك إقرار) زاد في رواية فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن لم تحركه أنكحها فيستحب لكل ولي مجبر أن يفعل ذلك مع موليته لأنه أطيب للنفس وأحمد عاقبة
(طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك وقد وثقه ابن معين في رواية ورواه ابن عدي في الكامل وابن أبي حاتم في العلل وأبو الشيخ [ابن حبان] والغرياني في كتاب النكاح ورواه البيهقي عن ابن عباس وعكرمة المخزومي وغيرهما(5/98)
6562 - (كان إذا استجد ثوبا) أي لبس ثوبا جديدا (سماه) أي الثوب (باسمه قميصا) أي سواء كان قميصا (أو عمامة أو رداء) بأن يقول رزقني الله هذه العمامة. كذا قرره البيضاوي (ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه) قال الطيبي: الضمير راجع إلى المسمى وقال المظهر: يحتمل أن يسميه عند قوله اللهم لك الحمد كما كسوتني هذه العمامة والأول أوجه لدلالة العطف بثم وفيه رد وقوله كما كسوتنيه مرفوع المحل مبتدأ وخبره (أسألك من خيره) وهو المشبه أي مثل ما كسوتنيه من غير حول مني ولا قوة (وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) وقال ابن العربي: خير ما صنع له استعماله في الطاعة وشر ما صنع له استعماله في المعصية وفيه ندب للذكر المذكور لكل من لبس ثوبا جديدا والظاهر أن ذلك يستحب لمن ابتدأ لبس غير ثوب جديد بأن كان ملبوسا ثم رأيت الزين العراقي قال: يستحب عند لبس الجديد وغيره بدليل رواية ابن السني في اليوم والليلة إذا لبس ثوبا
(حم د ت) كلاهما في اللباس (ك) في اللباس أيضا كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن وقال النووي: صحيح ورواه أيضا النسائي في اليوم والليلة وابن السني(5/98)
6563 - (كان إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة) لكونه أفضل أيام الأسبوع فتعود بركته على الثوب وعلى لابسه
(خط عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وعنبسة أحد رواته مجروح ومحمد بن عبيد الله الأنصاري يروي عن الأثبات ما ليس من حديثهم فلا يجوز الاحتجاج به(5/98)
6564 - (كان إذا استراث الخبر) أي استبطأ وهو استفعل من الريث وهو الاستبطاء يقال راث ريثا أبطأ واسترثته استبطأته (تمثل ببيت طرفة) وهو قوله (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) وأوله. . . ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا. . . وفي رواية أنه كان أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه تمثل مرة ببيت أخي قيس بن طرفة ستبدى إلخ والتمثيل إنشاد بيت ثم آخر ثم آخر وتمثل بشيء ضربه مثلا كذا في القاموس والمثل الكلام الموزون في مورد خاص ثم شاع في [ص:99] معنى يصح أن تورده باعتبار أمثال مورودة
(حم عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح قال: ورواه الترمذي أيضا لكن جعل مكانه طرفة بن رواحة(5/98)
6565 - (كان إذا استسقى) أي طلب الغيث عند الحاجة إليه (قال اللهم اسق عبادك) لأنهم عبيدك المتذللون الخاضعون لك فالعباد هنا كالسبب للسقي (وبهائمك) جمع بهيمة وهي كل ذات أربع لأنهم يرحمون فيسقون وفي خبر لابن ماجه لولا البهائم لم تمطروا (وانشر رحمتك) أي ابسط بركات غيثك ومنافعه على عبادك (وأحي بلدك الميت) قال الطيبي: يريد به بعض بلاد المبعدين عن مظان الماء الذي لا ينبت فيه عشب للجذب فسماه ميتا على الاستعارة ثم فرع عليه الأحياء وزاد الطبراني في روايته واسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا
(د عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النووي في الأذكار: وإسناده صحيح وقال ابن القطان: فيه علي بن قادم وهو وإن كان صدوقا فإنه مستضعف ضعفه يحيى وقال ابن عدي: نقبت عليه أحاديث رواها عن الثوري وهذا منها وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحارثي وقال: حدث بأشياء لم يتابع عليها اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وتصحيح النووي له(5/99)
6566 - (كان إذا استسقى قال اللهم أنزل في أرضنا بركتها وزينتها) أي نباتها الذي يزينها (وسكنها) بفتح السين والكاف أي غياث أهلها الذي تسكن إليه نفوسهم (وارزقنا وأنت خير الرازقين)
(أبو عوانة) في صحيحه المشهور (طب) كلاهما (عن سمرة) قال ابن حجر: إسناده ضعيف(5/99)
6567 - (كان إذا استفتح) الذي وقفت عليه في أصول مخرجي هذا الحديث افتتح (الصلاة) أي ابتدأ فيها (قال) أي بعد تكبيرة الإحرام (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك) قال ابن الأثير: الاسم هنا صلة قال الفخر الرازي: وكما يجب تنزيه ذاته عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب (وتعالى جدك) أي على جلالك وعظمتك والجد الحظ والسعادة والغنى (ولا إله غيرك) لفظ رواية الترمذي كان إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه اه. قال الطيبي: والواو في وبحمدك للحال أو هو عطف جملة فعلية على مثلها إذ التقدير أنزهك تنزيها وأسبحك تسبيحا مقيدا بشكرك وعلى التقديرين اللهم جملة معترضة والجار والمجرور أعني بحمدك متصل بفعل مقدر والباء سببية أو حال من فاعل أو صفة لمصدر محذوف أي نسبح بالثناء عليك أو متلبسين بشكرك أو تسبيحا مقيدا بشكرك وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم سن الافتتاح لكن قال الحافظ ابن حجر: يعارض حديث الاستفتاح حديث أنس أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أخرجاه وخبر مسلم عن جابر كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ثم إن الحديث المشروح قد تمسك به الحنابلة على أن السنة في الافتتاح إنما هي ما ذكر مخالفين [ص:100] للشافعي في ذهابه إلى ندبه بقوله وجهت وجهي إلخ
(د ت هـ ك) وصححه (عن عائشة) ثم قال مخرجه أبو داود: لم يروه عن عبد السلام غير طلق بن غنام وليس هذا الحديث بالقوي وقال النووي في الأذكار: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد ضعيفة قال الذهبي: خرجه الترمذي من طريق حارثة بن أبي الرجال وهو واه (ن هـ ك عن أبي سعيد) الخدري قال الذهبي: فيه علي بن علي الرفاعي وفيه لين (طب عن ابن مسعود وعن واثلة) بن الأسقع قال الصدر المناوي: روي مرفوعا عن عائشة وأبي سعيد والكل ضعيف ورواه مسلم موقوفا قال: ووهم المحب الطبري حيث عزاه للسبعة أي الستة وأحمد فإنه ليس في الصحيح بل ولا صحيح بل ضعيف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: فيه علة خفية وهي الانقطاع بين أبي الجوزاء أوس بن عبد الله وعائشة فإنه لم يسمع منها وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات لكن فيه انقطاع وأعله أبو داود وغيره وقال الهيثمي في رواية الطبراني: فيه عمرو بن حسين وهو ضعيف وقال الطيبي: حديث حسن قال: وقد رماه في المصابيح بالضعف وليس الأمر كما توهمه(5/99)
6568 - (كان إذا استلم الركن) اليماني (قبله) بغير صوت (ووضع خده الأيمن عليه) ومن ثم ذهب جمع من الأئمة إلى ندب ذلك لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يستلمه ويقبل يده ولا يقبله
(هق) من حديث عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد (عن ابن عباس) ثم قال أعني البيهقي: وعبد الله ضعيف وتعقبه الذهبي في المهذب فقال: قال أحمد صالح الحديث لكنه نقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين والنسائي وابن المديني وأورد له هذا الحديث(5/100)
6569 - (كان إذا استن) أي تسوك من السن وهو إمرار شيء فيه خشونة على آخر ومنه المسن (أعطى السواك الأكبر) أي يناوله بعد ما تسوك به إلى أكبر القوم الحاضرين لأن توقير الأكبر واجب وإذا لم نبدأ به لم نوقره وسيجيء في خبر " ليس منا من لم يوقر كبيرنا " فيندب تقديم الأكبر في السواك وغيره من سائر وجوه الإكرام والتوقير وفيه حل الاستياك بحضرة الغير والظاهر أن المراد به الأفضل ويحتمل الأسن ثم محل تقديمه (1) ما لم يؤد إلى ترك سنته ككون من عن اليمين خلافه كما يشير إليه قوله (وإذا شرب) ماء أو لبنا (أعطى الذي عن يمينه) ولو مفضولا صغيرا كما مر قيل وفيه أيضا مشروعية الهبة وفيه ما فيه قال ابن حجر: وظاهر تخصيص الشراب أن ذلك لا يجري في الأكل لكن وقع في حديث أنس خلافه
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عبد الله بن كعب) بن مالك السلمي قال في التقريب: يقال له رؤية أي ولا رواية له اتفاقا فالحديث مرسل
_________
(1) قال الشيخ وهذا يشعر بجواز دفع السواك للغير لكن حمله على جوازه بكراهة في شأن غير الشارع على أنه كان يفعل ذلك لبيان الجواز فلا ينافي كراهة الاستياك بسواك الغير(5/100)
6570 - (كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة) أي بصلاة الظهر يعني صلاها في أول وقتها وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه (وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة) أي دخل بها في البرد بأن يؤخرها إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه قاصدا الجماعة قال الإمام البخاري: يعني هنا صلاة الجمعة قياسا على الظهر لا بالنص لأن أكثر الأحاديث تدل على الإبراد بالظهر وعلى التبكير بالجمعة مطلقا وقوله أعني البخاري يعني الجمعة يحتمل كونه قول التابعي مما فهم وكونه من تفقه فترجح عنده إلحاقا بالظهر لأنها إما ظهر وزيادة أو بدل عن الظهر لكن الأصح من مذهب الشافعي عدم الإبراد بها
(خ ن عن أنس) بن مالك ولم يخرجه [ص:101] مسلم ولا الثلاثة وإطلاق الصدر المناوي أن أصحاب السنن الأربعة لم يخرجوه ذهول عن النسائي(5/100)
6571 - (كان إذا اشتد الريح الشمأل) هي مقابل الجنوب (قال اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت فيها) وفي رواية بدله من شر ما أرسلت به والمراد أنها قد تبعث عذابا على قوم فتعوذ من ذلك فتندب المحافظة على قول ذلك عند اشتدادها وعدم الغفلة عنه
(ابن السني) وكذا البزار (طب) كلهم (عن عثمان بن أبي العاص) رمز المصنف لحسنه وهو غير جيد فقد قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن إسحاق وأبو شيبة كلاهما ضعيف(5/101)
6572 - (كان إذا اشتد الريح قال اللهم) اجعلها (لقحا) بفتح اللام والقاف من باب تعب أي حاملا للماء كاللقحة من الإبل (لا عقيما) لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان لا ولد له شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم {وأرسلنا الرياح لواقح}
(حب ك) في الأدب وكذا ابن السني كلهم (عن سلمة بن الأكوع) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي قال في الأذكار: إسناده صحيح(5/101)
6573 - (كان إذا اشتكى) أي مرض (نفث) بالمثلثة أي خرج الريح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوذات) بالواو المشددة: الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب أو المراد: الفلق والناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو المراد الكلمات المعوذات بالله من الشيطان والأمراض أي قرأها ونفث الريح على نفيه أو أن المعوذتين وكل آية تشبههما نحو {وإن يكاد} الآية أو أطلق الجمع على التثنية مجازا ذكره القاضي. قال الزمخشري: والنفث بالفم شبيه بالنفخ ويقال نفث الراقي ريقه وهو أقل من التفل والحية تنفث السم ومنه قولهم لا بد للمصدور أن ينفث ويقال أراد فلان أن يقر بحقي فنفث في ذؤابة إنسان حتى أفسده (ومسح عنه بيده) لفظ رواية مسلم بيمينه أي مسح من ذلك النفث بيمينه أعضاءه وقال الطيبي: الضمير في عنه راجع إلى ذلك النفث والجار والمجرور حال أي نفث على بعض جسده ثم مسح بيده متجاوزا عن ذلك النفث إلى جميع أعضائه وفائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر وفيه تفاؤل بزوال الألم وانفصاله كانفصال ذلك الريق وخص المعوذات لما فيها من الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ففي الإخلاص كمال التوحيد الاعتقادي وفي الاستعاذة من شر ما خلق ما يعم الأشباح والأرواح وبقية هذا الحديث في صحيح البخاري فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه فطفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الأعلى
<تنبيه> قال الحكيم: جاء في رواية بدل فنفث فقرأ فدل على أن النفث قبل القراءة وفي حديث بدأ بذكر القرآن ثم النفث وفي آخر بدأ بذكر النفث بالقراءة فلا يكون النفث إلا بعد القراءة وإذا فعل الشيء لشيء كان ذلك الشيء مقدما حتى يأتي الثاني وفي حديث آخر نفث بقل هو الله أحد وذلك يدل على أن القراءة تقدم ثم نفث ببركتها لأن القصد وصول نورها إلى الجسد فلا يصل إلا بذلك فإذا قرأ استنار صدره بنور المقروء الذي يتلوه كل قارئ على قدره والنفث من الروح والنفخ من النفس وعلامته أن الروح باردة والنفس حارة فإذا قال نفث خرجت الريح باردة لبرد الروح وإذا قال هاه خرجت حارة فتلك نفثه والثانية نفخة وذلك لأن الروح مسكنه الرأس ثم ينبث في البدن والنفس في البطن ثم ينبث في البدن كله وفي كل منهما حياة بهما يستعملان البدن بالحركة ولا روح سماوية والنفس أرضية والروح شأنه الطاعة والنفس ضده فإذا ضم شفتيه اعتصر الروح في مسكنه فإذا أرسله خرج إلى شفتيه مع برد فذلك النفث [ص:102] وإذا فتح فاه اعتصرت النفس فإذا أرسله خرجت ريح جلدة فلذلك ذكر في الحديث النفث لأن الروح أسرع نهوضا إلى نور تلك الكلمات والنفس ثقيلة بطيئة وإذا صار الريح بالنفث إلى الكفين مسح بهما وجهه وما أقبل من بدنه لأن قبالة المؤمن حيث كان فهو لقبالة الله فإذ فعل ذلك بجسده عند إيوائه إلى فراشه أو عند مرضه كان كمن اغتسل بأطهر ماء وأطيبه فما ظنك بمن يغتسل بأنوار كلمات الله تعالى. <فائدة> قال القاضي: شهدت المباحث الطبية على أن الريق له دخل في النضح وتبديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المغيرات ولهذا ذكروا في تدبير المسافر أنه يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد غير الماء الذي تعود شربه ووافق مزاجه جعل شيئا منه في سقايته ويشرب الماء من رأسه ليحفظ عن مضرة الماء الغريب ويأمن تغير مزاجه بسبب استنشاق الهواء المغاير للهواء المعتاد ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها
(ق د ن عن عائشة) ورواه عنها النسائي أيضا(5/101)
6574 - (كان إذا اشتكى) أي مرض والشكاية كما قال الزركشي المرض (ورقاه جبريل قال بسم الله يبريك) الاسم هنا يراد به المسمى فكأنه قال الله يبريك من قبيل {سبح اسم ربك الأعلى} ولفظ الاسم عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى والمسمى هو مدلولها لكنه قال: يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة ذكره القرطبي (من كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد) خصه بعد التعميم لخفاء شره (وشر كل ذي عين) من عطف الخاص على العام لأن كل عائن حاسد ولا عكس فلما كان الحاسد أعم كان تقديم الاستعاذة منه أهم وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعيون تصيبه تارة وتخطئه أخرى فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام خابت فهو بمنزلة الرمي الحسي لكن هذا من النفوس والأرواح وذلك من الأجسام والأشباح ولهذا قال ابن القيم: استعاذ من الحاسد لأن روحه مؤذية للمحسود مؤثرة فيه أثرا بينا لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة تقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصة والتأثير كما يكون بالاتصال قد يكون بالمقابلة وبالرؤية وبتوجه الروح وبالأدعية والرقى والتعوذات وبالوهم والتخييل وغير ذلك وفيه ندب الرقية بأسماء الله وبالعوذ الصحيحة من كل مرض وقع أو يتوقع وأنه لا ينافي التوكل ولا ينقصه وإلا لكان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحق الناس بتحاشيه فإن الله لم يزل يرقى نبيه في المقامات الشريفة والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه وقد رقى في أمراضه حتى مرض موته فقد رقته عائشة في مرض موته ومسحته بيدها ويده وأقر ذلك
(م) في الطب (عن عائشة) ورواه أيضا ابن ماجه في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في البعوث أربعتهم عن أبي سعيد مع خلف يسير والمعنى متقارب جدا(5/102)
5675 - (كان إذا اشتكى اقتحم) أي استف وفي رواية تقحم (كفا) أي ملأ كفا (من شونيز) بضم الشين المعجمة وهو الحبة السوداء (وشرب عليه) أي على أثر استفافه (ماءا وعسلا) أي ممزوجا بعسل لأن لذلك سرا بديعا في حفظ الصحة لا يهتدي إليه إلا خاصة الأطباء ومنافع العسل لا تحصى حتى قال ابن القيم: ما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه ولم يكن معول الأطباء إلا عليه وأكثر كتبهم لا يذكرون فيها السكر ألبتة
(خط عن أنس) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سعيد القطان ضعيف قال الحافظ العراقي وفيه الوليد بن شجاع. قال أبو حاتم: لا يحتج به(5/102)
[ص:103] 6576 - (كان إذا اشتكى أحد رأسه) أي وجع رأسه (قال) له (اذهب فاحتجم) فإن للحجامة أثرا بينا في شفاء بعض أنواع الصداع فلا يجعل كلام النبوة الخاص الجزئي كليا عاما ولا الكلي العام جزئيا خاصا وقس على ذلك (وإذا اشتكى رجله) أي وجع رجله (قال) له (اذهب فاخضبها بالحناء) لأنه بارد يابس محلل نافع من حرق النار والورم الحار وللعصب إذا ضمد به ويفعل في الجراحات فعل دم الأخوين فلعل المراد هنا إذا اشتكى ألم رجله من إحدى هذه العلل ومن خواصه العجيبة المجربة أنه إذا بدأ بصبي جدري وخضب به أسافل رجليه أمن على عينيه
(طب عن سلمى امرأة أبي رافع) داية فاطمة الزهراء ومولاة صفية عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم لها صحبة وأحاديث(5/103)
6577 - (كان إذا أشفق من الحاجة ينساها ربط في خنصره) بكسر الخاء والصاد كما في المصباح وهي أنثى (أو في خاتمه الخيط) ليتذكرها به والذكر والنسيان من الله إذا شاء ذكر وإذا شاء أنسى وربط الخيط سبب من الأسباب لأنه نصب العين فإذا رآه ذكر ما نسي فهذا سبب موضوع دبره رب العالمين لعباده كسائر الأسباب كحرز الأشياء بالأبواب والأقفال والحراس وأصل اليقين وهم الأنبياء لا يضرهم الأسباب بل يتعين عليهم فعلها للتشريع فتدبر <تنبيه> قال بعض العارفين: النسيان من كمال العرفان. قال تعالى في حق آدم {فنسي ولم نجد له عزما} وكان كاملا بلا ريب وكماله هو الذي أوجب النسيان لأنه كان يعلم أن فيه مجموع الوجود المقابل لأخلاق الحق تعالى وأن الحق نزه نفسه عن النسيان وجعله من حقيقة العبد كما وصف تعالى نفسه بالجواد وجعل البخل من وصف خلقه لا من وصفه فافهم
(ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) الترمذي في النوادر (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى بلفظ كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في إصبعه خيطا ليذكرها. قال الزركشي: فيه سالم بن عبد الأعلى قال فيه ابن حبان: وضاع وقال ابن أبي حاتم: حديث باطل وابن شاهين في الناسخ: أحاديثه منكرة وقال المصنف في الدرر: قال أبو حاتم حديث باطل وقال ابن شاهين: منكر لا يصح ورواه ابن عدي عن واثلة بلفظ: كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا زاد في رواية الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر ليذكره به قال الحافظ العراقي: وكلاهما سنده ضعيف وقال السخاوي: فيه سالم بن عبد الأعلى رماه ابن حبان بالوضع واتهمه أبو حاتم بهذا الحديث وقال: هو باطل وقال ابن شاهين: جميع أسانيده منكرة وفي الميزان في ترجمة بشر بن إبراهيم الأنصاري عن العقيلي وابن عدي وابن حبان: هو يضع الحديث اه. ورواه عن ابن عمر أيضا أبو يعلى وكذا هو في رابع الخلعيات قال الحافظ ابن حجر: وفيه سالم بن عبد الأعلى وهو متروك ونقل الترمذي عن البخاري أنه منكر وأبو حاتم عن أبيه أنه باطل اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طرق ثلاثة الأولى للدارقطني عن ابن عمر باللفظ المذكور هنا وقال: تفرد به مسلم وليس بشيء وقال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه الثانية له ولابن عدي معا عن واثلة بلفظ كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا وقال: تفرد به بشير بن إبراهيم الأنصاري وهو يضع الحديث الثالثة للدارقطني والبغوي عن رافع بن خديج رأيت في يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيطا فقلت: ما هذا قال: أستذكر به وقال: تفرد به غياث وهو متروك ثم حكم بوضعه من جميع طرقه وزاد المؤلف طريقا رابعا وهو ما رواه الطبراني عن محمد بن [ص:104] عبدوس عن عبد الجبار بن عاصم عن بقية عن أبي عبد مولى بني تيم عن سعيد المقبري عن رافع بلفظ كان يربط الخيط في خاتمه يستذكر به(5/103)
6578 - (كان إذا أصابته شدة) بالتشديد كعدة (فدعا) برفعها (رفع يديه) حال الدعاء (حتى يرى) بالبناء للمجهول (بياض إبطيه) أي لو كان بلا ثوب لرئي أو كان ثوبه واسعا فيرى بالفعل وذكر بعض الشافعية أنه لم يكن بإبطيه شعر قال في المهمات: وبياض الإبط كان من خواصه وأما إبط غيره فأسود لما فيه من الشعر ورده الزين العراقي بأن ذلك لم يثبت والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياض إبطه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر اه. وحكمة الرفع اعتياد العرب رفعهما عند الخضوع في المسألة والذلة بين يدي المسؤول وعند استعظام الأمر والداعي جدير بذلك لتوجهه بين يدي أعظم العظماء ومن ثم ندب الرفع عند التحريم والركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول إشعارا بأنه ينبغي أن يستحضر عظمة من هو بين يديه حتى يقبل بكليته عليه
(ع عن البراء) بن عازب رمز لحسنه(5/104)
6579 - (كان إذا أصابه رمد) بفتح الراء والميم وجع عين (أو أحد من أصحابه دعا بهؤلاء الكلمات) وهي (اللهم متعني ببصري واجعله الوارث مني وأرني في العدو ثأري وانصرني على من ظلمني) هذا من طبه الروحاني فإن علاجه صلى الله عليه وسلم للأمراض كان ثلاثة أنواع بالأدوية الطبية وبالأدوية الإلهية وبالمركب منهما فكان يأمر بما يليق به ويناسبه
(ابن السني) في الطب النبوي (ك) في الطب (عن أنس) بن مالك سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه والأمر بخلافه فقد تعقبه الذهبي على الحاكم فقال: فيه ضعفاء(5/104)
6580 - (كان إذا أصابه غم) أي حزن سمي به لأنه يغطي السرور (أو كرب) أي هم (يقول حسبي الرب من العباد) أي كافيني من شرهم (حسبي الخالق من المخلوقين حسبي الرازق من المرزوقين حسبي الذي هو حسبي حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) الذي ضمني إليه وقربني منه ووعدني بالجميل والرجوع إليه قال الحكيم: قد جعل الله في كل موطن سببا وعدة لقطع ما يحدث فيه من النوائب فمن أعرض عن السبب والعدة ضرب عنه صفحا واغتنى بالله كافيا وحسيبا وأعرض عما سواه وقال حسبي الله عند كل موطن ومن كل أحد كفاه الله وكان عند ظنه إذ هو عبد تعلق به ومن تعلق به لم يخيبه وكان في تلك المواطن فإذا ردد العبد هذه الكلمات بإخلاص عند الكرب نفعته نفعا عظيما وكن له شفيعا إلى الله تعالى في كفايته شر الخلق ورزقه من حيث لا يحتسب وكان الله بكل خير إليه أسرع
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (من طريق الخليل بن مرة) بضم الميم وشد الراء نقيض حلوة الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري نزيل الرقة ضعيف (عن فقيه أهل الأردن) بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملتين وتشديد النون من بلاد الغور من ساحل الشام وطبرية من الأردن (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(5/104)
[ص:105] 6581 - (كان إذا أصبح وإذا أمسى) أي دخل في الصباح والمساء (يدعو بهذه الدعوات اللهم إني أسألك من فجاءة الخير) بالضم والمد وفي لغة وزان تمرة أي عاجله الآتي بغتة (وأعوذ بك من فجاءة الشر فإن العبد لا يدري ما يفجأه إذا أصبح وإذا أمسى) قال ابن القيم: من جرب هذا الدعاء عرف قدر فضله وظهر له جموم نفعه وهو يمنع وصول أثر العائن ويدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان العبد لها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنه سلاح والسلاح بضاربه
(ع وابن السني) في الطب (عن أنس) بن مالك ورمز المصنف لحسنه(5/105)
6582 - (كان إذا أصبح وإذا أمسى قال أصبحنا على فطرة الإسلام) بكسر الفاء أي دينه الحق وقد ترد الفطرة بمعنى السنة (وكلمة الإخلاص) وهي كلمة الشهادة (ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) الظاهر أنه قاله تعليما لغيره ويحتمل أنه جرد من نفسه نفسا يخاطبها قال ابن عبد السلام في أماليه: وعلى في مثل هذا تدل على الاستقرار والتمكن من ذلك المعنى لأن المجسم إذا علا شيئا تمكن منه واستقر عليه ومنه {أولئك على هدى من ربهم} قال النووي في الأذكار: لعله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهرا ليسمعه غيره فيتعلمه منه (وملة أبينا إبراهيم) الخليل (حنيفا) أي مائلا إلى الدين المستقيم (مسلما وما كان من المشركين) قال الحرالي: جمع بين الحجتين السابقة بحسب الملة الحنيفية الإبراهيمية واللاحقة بحسب الدين المحمدي وخص المحمدية بالدين والإبراهيمية بالملة لينتظم ابتداء الأبوة الإبراهيمية لطوائف أهل الكتاب سابقهم ولاحقهم ببناء ابتداء النبوة الآدمية في متقدم قوله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} الآية لينتظم رؤوس الخطابات بعضها ببعض وتفاصيلها بتفاصيلها
(حم طب) وكذا النسائي في اليوم والليلة وإغفاله غير جيد كلهم (عن عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالزاي وألف مقصورة الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث استعمله علي على خراسان وكان عالما مرضيا مختلف في صحبته قال ابن حجر: له صحبة ونفاها غيره وجزم ابن حجر بأنه صحابي صغير رمز المصنف لحسنه وليس يكفي منه ذلك بل حقه الرمز لصحته فقد قال النووي في الأذكار عقب عزوه لابن السني: إسناده صحيح وقال الحافظ العراقي في المغني: سنده صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح(5/105)
6583 - (كان إذا اطلى) أصله اطتلي قلبت التاء طاء وأدغمت يقال طليته بالنورة أو غيرها لطخته واطليت بترك المفعول إذا فعل ذلك بنفسه (بدأ بعورته) أي بما بين سرته وركبته (فطلاها بالنورة) المعروفة وهي زرنيخ وجص (وسائر جسده أهله) أي بعض حلائله فاستعمالها مباح لا مكروه وتوقف المؤلف في كونها سنة قال: لاحتياجه إلى ثبوت الأمر بها كحلق العانة ونتف الإبط وفعله وإن كان دليلا على السنة فقد يقال هذا من الأمور العادية التي لا يدل فعله لها على سنة وقد يقال فعله بيانا للجواز ككل مباح وقد يقال إنها سنة ومحله كله ما لم يقصد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله وإلا فهو مأجور آت بالسنة اه. قال: وأما خبر كان لا يتنور فضعيف لا يقاوم هذا الحديث القوي إسنادا على أن هذا الحديث مثبت وذاك ناف والقاعدة عند التعارض تقديم المثبت قال ابن القيم: ولم يدخل نبينا صلى الله عليه وسلم حماما قط ويرده ما رواه الخرائطي عن أحمد بن إسحاق الوراق عن سليمان بن ناشرة عن محمد بن زياد الألهاني قال: كان ثوبان مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم جارا لي وكان يدخل الحمام فقلت: فأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه [ص:106] وسلم تدخل الحمام فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام وكان يتنور وأخرجه أيضا يعقوب بن سفيان في تاريخه عن سليمان بن سلمة الحمصي عن بقية عن سليمان بن ناشرة به وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريقه
(هـ عن أم سلمة) قال ابن كثير في مؤلفه في الحمام: إسناده جيد ورواه عنها البيهقي أيضا قال في المواهب: ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال وقال ابن القيم: ورد في النورة عدة أحاديث هذا أمثلها وأما خبر كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه فجزم بضعفه غير واحد(5/105)
6584 - (كان إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده) فلا يمكن أحدا من أهله بمباشرتهما لشدة حيائه وفي رواية بدل عانته مغابنه بغين معجمة جمع مغبن من غبن الثوب إذ أثناه وهي بواطن الأفخاذ وطيات الجلد قال ابن حجر: وهذا الحديث يقابله حديث أنس كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه وسنده ضعيف جدا
(ابن سعد عن إبراهيم وعن حبيب بن أبي ثابت مرسلا) وإسناده صحيح قال ابن كثير: إسناده جيد وحبيب هو الأسدي كان ثقة مجتهدا ورواه ابن ماجه والبيهقي إلا فرجه عن أم سلمة قال في الفتح: ورجاله ثقات لكن أعل بالإرسال وأنكر أحمد صحته وروى الخرائطي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك(5/106)
6585 - (كان إذا اطلع على أحد من أهل بيته) أي من عياله وخدمه (كذب كذبة) واحدة بفتح الكاف وكسرها والذال ساكنة فيهما (لم يزل معرضا عنه) إظهارا لكراهته الكذب وتأديبا له وزجرا عن العود لمثلها (حتى يحدث توبة) من تلك الكذبة التي كذبها وفي رواية البزار ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة
(حم ك عن عائشة) وقال أعني الحاكم: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال يحيى بن سلمة العقبي قال العقيلي حدث بمناكير ثم ساق منها هذا الخبر(5/106)
6586 - (كان إذا اعتم) أي لف العمامة على رأسه (سدل عمامته) أي أرخاها (بين كتفيه) يعني من خلفه وفيه مشروعية العذبة قال في الفتح: وفيه يعني الترمذي أن ابن عمر كان يفعله والقاسم وسالم وأما مالك فقال: إنه لم ير أحدا يفعله إلا عامر بن عبد الله بن الزبير
(ت) في اللباس (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: حسن غريب رمز المصنف لحسنه وفي الباب عن علي ولا يصح إسناده(5/106)
6587 - (كان إذا اهتم أخذ لحيته بيده ينظر فيها) كأنه يسلي بذلك حزنه أو لكونه أجمع للفكرة
(الشيرازي) في الألقاب (عن أبي هريرة)(5/106)
6588 - (كان إذا أفطر) من صومه (قال) عند فطره (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) قال الطيبي: قدم الجار والمجرور في القرينتين على العامل دلالة على الاختصاص إظهارا للاختصاص في الافتتاح وإبداء لشكر الصنيع المختص به [ص:107] في الإختتام
(د) في الصوم من مراسيله وسننه (عن معاذ بن زهرة) ويقال أبو زهرة الضبي التابعي قال في التقريب كأصله: مقبول أرسل حديثا فوهم من ذكره في الصحابة مرسلا قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إلخ. قال ابن حجر: أخرجه في السنن والمراسيل بلفظ واحد ومعاذ هذا ذكره البخاري في التابعين لكنه قال معاذ أبو زهرة وتبعه ابن أبي حاتم وابن حبان في الثقات وعده الشيرازي في الصحابة وغلطه المستغفري ويمكن كون الحديث موصول ولو كان معاذ تابعيا لاحتمال كون الذي بلغه له صحابيا وبهذا الاعتبار أورده أبو داود في السنن وبالاعتبار الآخر أورده في المراسيل اه(5/106)
6589 - (كان إذا أفطر قال ذهب الظمأ) مهموز الآخر مقصور العطش قال تعالى {ذلك بأنهم لا يصبهم ظمأ} ذكره في الأذكار قال: وإنما ذكرته وإن كان ظاهرا لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدودا (وابتلت العروق) لم يقل ذهب الجوع أيضا لأن أرض الحجاز حارة فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش وكانوا يمتدحون بقلة الأكل لا بقلة الشرب (ثبت الآجر) قال القاضي: هذا تحريض على العبادة يعني زال التعب وبقي الأجر (إن شاء الله) ثبوته بأن يقبل الصوم ويتولى جزاءه بنفسه كما وعد {إن الله لا يخلف الميعاد} وقال الطيبي: قوله ثبت الأجر بعد قوله ذهب الظمأ استبشار منه لأنه من فاز ببغيته ونال مطلوبه بعد التعب والنصب وأراد اللذة بما أدركه ذكر له تلك المشقة ومن ثم حمد أهل الجنة في الجنة
(د) وكذا النسائي (ك) في الصوم من حديث حسين بن واقد عن مروان بن سالم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: احتج البخاري بمروان بن المقنع قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف وقال: كان ثم ساقه ورواه الدارقطني من هذا الوجه أيضا ثم قال. تفرد به الحسين بن واقد عن المقنعي وهو إسناد حسن قال ابن حجر: حديثه حسن(5/107)
6590 - (كان إذا أفطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني) وفي رواية للدارقطني أفطرنا وتقبل منا (إنك أنت السميع) لدعائي (العليم) بحالي وإخلاصي ولعله كان يأتي بالإفراد إذا أفطر وحده وبالجمع إذا أفطر مع غيره
(طب وابن السني) من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) قال ابن حجر: غريب من هذا الوجه وسنده واه جدا وهارون بن عنترة كذبوه اه وقال الهيثمي: فيه عبد الملك بن هارون ضعيف جدا اه ورواه الدارقطني من هذا الوجه فتعقبه الغرياني في مختصره فقال: فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة تركوه وقال السعدي: دجال(5/107)
6591 - (كان إذا أفطر قال الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت) فيندب قول ذلك عند الفطر من الصوم فرضا أو نفلا
(ابن السني هب عن معاذ) بن زهرة أو أبي زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال ذلك. قال ابن حجر: أخرجاه من طريق سفيان الثوري عن حصين عن رجل عن معاذ هذا وهذا محقق الإرسال اه وأقول: حصين بن عبد الرحمن هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة نسي أو شاخ وقال النسائي: تغير(5/107)
6592 - (كان إذا أفطر عند قوم) أي نزل ضيفا عند قوم وهو صائم فأفطر (قال) في دعائه (أفطر عندكم الصائمون) [ص:108] خبر بمعنى الدعاء بالخير والبركة لأن أفعال الصائمين تدل على اتساع الحال وكثرة الخير إذ من عجز عن نفسه فهو عن غيره أعجز (وأكل طعامكم الأبرار) قال المظهري: دعاء أو إخبار وهذا الوصف موجود في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أبر الأبرار (وتنزلت) وفي رواية بدله وصلت (عليكم الملائكة) أي ملائكة الرحمة بالبركة والخير الإلهي
(حم هق عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أبو داود قال الحافظ العراقي: بإسناد صحيح قال تلميذه ابن حجر: وفيه نظر فإن فيه معمرا وهو وإن احتج به الشيخان فإن روايته عن ثابت بخصوصه مقدوح فيها(5/107)
6593 - (كان إذا أفطر عند قوم قال أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وقد مر معناه
(طب عن ابن الزبير) رمز لحسنه(5/108)
6594 - (كان إذا اكتحل اكتحل وترا وإذا استجمر استجمر وترا) ظاهر السياق أن المراد بالاستجمار التبخر بنحو عود ويحتمل أن المراد الاستنجاء غير أن اقترانه بالاكتحال يبعده وفي كيفية الإيتار بالاكتحال وجهان أصحهما في كل عين ثلاثة لما رواه الترمذي وحسنه كان له مكحلة يكتحل منها كل عين ثلاثة أطراف والثاني يكتحل في عين وترا وفي عين شفعا ليكون المجموع وترا لما في الطبراني من حديث ابن عمر بسند قال الولي العراقي: ضعيف أنه كان إذا اكتحل جعل في اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرتين فجعلهما وتره وفي إيضاح التنبيه للأصبحي تفسير هذا الوجه قال يكتحل في اليمنى أربعة أطراف وفي اليسرى ثلاثة قال الولي العراقي: وهو تقييد غريب وفي أحكام المحب الطبري عن أنس كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكتحل وترا زاد ابن وضاح اثنين في كل عين وقسم بينهما واحدة
(حم عن عقبة بن عامر) ورواه عنه الطبراني اثنين أيضا قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا ابن لهيعة ورمز المصنف لصحته(5/108)
6595 - (كان إذا أكل طعاما) يلتصق بأصابعه ويحتمل مطلقا محافظة على البركة (لعق أصابعه الثلاث) زاد في رواية الحاكم التي أكل بها اه وهذا أدب حسن وسنة جميلة لإشعاره بعدم الشره في الطعام وبالاقتصار على ما يحتاجه وذلك أن الثلاث يستقل بها الظريف الخبير وهذا فيما يمكن فيه ذلك من الأطعمة وإلا فيستعان بما يحتاجه من أصابعه كما مر وهذا بعض الحديث وتتمته عند مسلم وغيره وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة وفيه رد على من كره لعق الأصابع استقذارا قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقولهم الترفيه لعق الأصابع واستقبحوه كأنهم ما علموا أن الطعام الذي علق بها وبالصفحة جزء من المأكول وإذا لم تستقذر كله فلا تستقذر بعضه وليس فيه أكثر من مصها بباطن الشفة
(حم م 3 عن أنس بن مالك)(5/108)
6596 - (كان إذا أكل لم تعد أصابعه ما بين يديه) لأن تناوله كان تناول تقنع ويترفع عن تناول النهمة والشره [ص:109] وكان يأمر بذلك غيره أيضا فيقول سم الله وكل مما يليك
(تخ عن جعفر بن أبي الحكم) الأوسي (مرسلا أبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة (عنه) أي عن أبي جعفر (عن الحكم بن نافع بن سبأ) كذا هو في خط المصنف والظاهر أنه سبق قلم فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في مواضع سنان بنونين وهو الأنصاري الأوسي له ولأبيه صحبة وفي التقريب صحابي له حديث مختلف في إسناده (طب عن الحكم بن عمرو الغفاري) بكسر المعجمة من بني ثعلبة أخي غفار نزل البصرة فاستعمله زياد على خراسان. رمز المصنف لحسنه وليس بسديد فهو ضعيف(5/108)
6597 - (كان إذا أكل أو شرب قال) عقبه (الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه) أي سهل دخوله في الحلق ومنه {ولا يكاد يسيغه} أي يبتلعه (وجعل له مخرجا) أي السبيلين قال الطيبي: ذكر نعما أربعا: الإطعام والإسقاء والتسويغ وسهولة الخروج فإنه خلق الأسنان للمضغ والريق للبلع وجعل المعدة مقسما للطعام ولها مخارج فالصالح منه ينبعث إلى الكبد وغيره يندفع في الأمعاء كل ذلك فضل ونعمة يجب القيام بواجبها من الشكر بالجنان والبث باللسان والعمل بالأركان
(د ن حب عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن حجر: حديث صحيح(5/109)
6598 - (كان إذا التقى الختانان) أي تحاذيا وإن لم يتماسا لأن ختانها فوق ختانه (اغتسل) أنزل أم لم ينزل والمراد محل ختان الرجل أي قطع جلدة تمرته وخفاض المرأة وهو قطع جلدة أعلى فرجها كعرف الديك وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وقاعدتهم رد الأثقل إلى الأخف
(الطحاوي) بفتح الطاء والحاء المهملتين وبعد الألف واو نسبة إلى طحا قرية بصعيد مصر منها هذا الإمام وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي صاحب كتاب شرح الآثار (عن عائشة) رمز المصنف لصحته(5/109)
6599 - (كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد) بضم الهمزة ودال مهملة
مفتوحة (ثم يمسك) عما زاد (ويقول كذب النسابون قال الله تعالى {وقرونا بين ذلك كثيرا} ) قال ابن عباس: لو شاء أن يعلمه لعلمه قال ابن سيد الناس: ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذا من إبراهيم إلى آدم لا يعلمه على حقيقته إلا الله تعالى
(ابن سعد) في الطبقات (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا في مسند الفردوس لكن قال السهيلي: الأصح أن هذا من قول ابن مسعود(5/109)
6600 - (كان إذا نزل عليه الوحي) أي حامل الوحي أسند النزول إلى الوحي للملابسة بين الحامل والمحمول ويسمى مجازا عقليا تارة واستعارة بالكناية أخرى بمعنى أنه شبه الوحي برجل مثلا ثم أضيف إلى المشبه الإتيان الذي هو من خواص المشبه به ينتقل الذهن منه إليه والوحي لغة الكلام الخفي وعرفا إعلام الله نبيه الشرائع بوجه ما (نكس رأسه) أي أطرق كالمتفكر (ونكس أصحابه رؤوسهم فإذا أقلع عنه) أي سرى عنه (رفع) رأسه
(م) في المناقب [ص:110] (عن عبادة بن الصامت) ولم يخرجه البخاري(5/109)
6601 - (كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك) أي حزن لنزول الوحي والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس والمستكن في كرب إما للنبي صلى الله عليه وسلم يعني كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أو لخوف ما عساه يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد أو الوحي بمعنى اشتد فإن الأصل في الكرب الشدة (وتريد وجهه) بالراء وتشديد الموحدة بضبط المصنف أي تغير لونه ذكره ابن حجر قال: وهذا حيث لا يأتيه الملك في صورة رجل وإلا فلا وقال القاضي: الضمير المستكن في كرب إما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أو تخوف مما عساه أن يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد أو للوحي بمعنى اشتد فإن الأصل في الكرب الشدة وتربد وجهه من الغضب إذا تعبس وتغير من الربدة وهو أن يضرب إلى الغبرة
(حم م) في المناقب (عنه) أي عن عبادة ولم يخرجه البخاري أيضا(5/110)
6602 - (كان إذا نزل عليه الوحي) بالمعنى السابق والمراد هنا وفيما مر من الوحي كما ذكره البعض (سمع عند وجهه شيء كدوي النحل) أي سمع من جانب وجهه وجهته صوت خفي كدوي النحل كأن الوحي يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافا غير تام فصاروا كمن يسمع دوي صوت ولا يفهمه أو سمعوه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من غطيطه وشدة تنفسه عند نزوله ذكره القاضي وكان يأتيه أيضا كصلصلة الجرس في شدة الصوت وهو أشده وكان يأتيه في صورة رجل فيكلمه وهو أخفه قال ابن العربي: وإنما كان الله يقلب عليه الأحوال زيادة في الاعتبار وقوة في الاستبصار
(حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن فيه يونس بن سلم قال فيه تلميذه عبد الرزاق أظنه لا شيء انتهى وقال النسائي: حديث منكر وأعله أبو حاتم وابن عدي والعقيلي بيونس المذكور وقال: لم يروه غيره ولا يتابع عليه(5/110)
6603 - (كان إذا انصرف من صلاته) أي سلم (استغفر) أي طلب المغفرة من ربه تعالى (ثلاثا) من المرات زاد البزار في روايته ومسح جبهته بيده اليمنى قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث كيف الاستغفار قال يقول أستغفر الله أستغفر الله قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي استغفاره عقب الفراغ من الصلاة استغفار من رؤية الصلاة (ثم قال) بعد الاستغفار والظاهر أن التراخي المستفاد من ثم غير مراد هنا (اللهم أنت السلام) أي المختص بالتنزه عن النقائض والعيوب لا غيرك (ومنك السلام) أي أن غيرك في معرض النقصان والخوف مفتقر إلى جنابك بأن تؤمنه ولا ملاذ له غيرك فدل على التخصيص بتقدم الخبر على المبتدأ أي وإليك يعود السلام يعني إذا شوهد ظاهرا أن أحدا من غيره فهو بالحقيقة راجع إليك وإلى توفيقك إياه ذكره بعضهم وقال التوربشتي: أرى قوله ومنك السلام واردا مورد البيان لقوله أنت السلام وذلك أن الموصوف بالسلامة فيما يتعارفه الناس لما كان قد وجد بعرضة أنه ممن يصيبه تضرر وهذا لا يتصور في صفاته تعالى بين أن وصفه سبحانه بالسلام لا يشبه أوصاف الخلق فإنهم بصدد الافتقار فهو المتعالي عن ذلك فهو السلام الذي يعطي السلامة ويمنعها ويبسطها ويقبضها (تباركت) تعظمت وتمجدت أو حييت بالبركة وأصل الكلمة للدوام والثبات ومن ذلك البركة وبرك البعير ولا تستعمل هذه اللفظة إلا لله تعالى عما تتوهمه الأوهام (يا ذا الجلال والإكرام)
(حم م 4) في الصلاة (عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله [ص:111] عليه وسلم ولم يخرجه البخاري(5/110)
6604 - (كان إذا انصرف) من صلاته بالسلام (انحرف) بجانبه أي مال على شقه الأيمن أو الأيسر فيندب ذلك للإمام والأفضل انتقاله عن يمينا بأن يدخل يمينا في المحراب ويساره إلى الناس على ما ذهب إليه أبو حنيفة أو عكسه على ما عليه الشافعي
(د عن يزيد) من الزيادة (ابن الأسود) العامري السوائي شهد حنينا كافرا ثم اسلم رمز المصنف لحسنه(5/111)
6605 - (كان إذا انكسفت الشمس أو القمر صلى) صلاة الكسوف (حتى ينجلي) وحكى ابن حبان في سيرته ومغلطاي والعراقي أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف فكانت أول صلاة الكسوف في الإسلام
(طب عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لحسنه(5/111)
6606 - (كان إذا اهتم أكثر من مس لحيته) فيعرف بذلك كونه مهموما قال البعض: ويجوز كون مسه لها تسليما لله بنفسه وتفويضا لأمره إليه فكأنه موجه نفسه إلى مولاه
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عائشة) ترفعه (أبو نعيم) في الطب أيضا (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: إسناده حسن اه. لكن أورده في الميزان ولسانه في ترجمة سهل مولى المغيرة من حديث أبي هريرة فقال: قال ابن حبان: لا يحتج به يروي عن الزهري العجائب ورواه البزار عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه رشدين ضعفه الجمهور(5/111)
6607 - (كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء) مستغيثا مستعينا متضرعا (وقال سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم) هو من أبنية المبالغة والقيم معناه القائم بأمور الخلق ومدبرهم ومدبر العالم في جميع أحوالهم ومنه قيم الطفل والقيوم هو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره ويقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به وأخذ الحليمي من الخبر أنه يندب أن يدعو الله بأسمائه الحسنى قال: ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا
(ت عن أبي هريرة)(5/111)
6608 - (كان إذا أوى إلى فراشه) أي دخل فيه قال القاضي: آوى جاء لازما ومتعديا لكن الأكثر في المتعدي المد (قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا) أي دفع عنا شر خلقه (وآوانا) في كن نسكن فيه يقينا الحر والبرد ونحرز فيه متاعنا ونحجب به عيالنا (فكم ممن لا كافي له ولا مؤوى له) أي كثير من خلق الله لا يكفيهم الله شر الأشرار ولا يجعل لهم مسكنا بل تركهم يتأذون في الصحارى بالبرد والحر وقيل معناه كم من منعم عليه لم يعرف قدر نعمة الله فكفر بها
(حم م 3) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري(5/111)
6609 - (كان إذا أوحى إليه وقد) بضم الواو بضبط المصنف أي سكن (لذلك ساعة كهيئة السكران) وهو المعبر عنه [ص:112] بالحال فإن الطبع لا يناسبه فلذلك يشتد عليه وينحرف له مزاج الشخص ثم يسرى عنه فيخبر عنه بما قيل له
(ابن سعد) في الطبقات (عن عكرمة) مولى ابن عباس (مرسلا) وفي الباب غيره أيضا(5/111)
6610 - (كان إذا بايعه الناس يلقنهم فيما استطعت) أي يقول فيما استطعت تلقينا لهم وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقه
(حم عن أنس) بن مالك(5/112)
6611 - (كان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار) قال القاضي: البعث مصدر بمعنى المبعوث أي إذا أراد أن يرسل جيشا أرسله في غرة النهار لأنه بورك له ولأمته في البكور كما في الخبر المار
(د) في الجهاد (ت) في البيوع (هـ) في التجارة من حديث عمارة بن حديد (عن صخرة) بن وداعة العامري الأزدي قال الترمذي: ولا يعرف له غيره قال الذهبي: وعمارة هذا لا يعرف(5/112)
6612 - (كان إذا بعث) أي إذا أرسل (أحدا من أصحابه في بعض أمره قال بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) أي سهلوا الأمور ولا تنفروا الناس بالتعسير وزعم أن المراد النهي عن تنفير الطير وزجره وكانوا ينفرونه فإن جنح عن اليمين تيمنوا أو الشمال تشاءموا زلل فاحش إذ المبعوث الصحابة كما قيد به ومعاذ الله أن يفعلوا بعد إسلامهم ما كانت الجاهلية تفعله
(د) في الأدب (عن أبي موسى) ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل لأبي داود وهو ذهول فقد خرجه مسلم في المغازي باللفظ المذكور(5/112)
6613 - (كان إذا بعث أميرا) على جيش أو نحو بلدة (قال) فيما يوصيه به (أقصر الخطبة) بالضم فعلة بمعنى مفعول كنسخة بمعنى منسوخ وغرفة بمعنى مغروف (وأقل الكلام فإن من الكلام سحرا) أي نوعا تستمال به القلوب كما تستمال بالسحر وذلك هو السحر الحلال وليس المراد هنا بالخطبة خطبة الصلاة كما هو جلي بل ما كان يعتاده البلغاء الفصحاء من تقديمهم أمام الكلام خطبة بليغة يفتتحونه بها ثم يشرع الخطيب في المقصود بعد ذلك
(طب) وكذا الخطيب في تاريخه (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ الهيثمي بأنه من رواية جميع بن ثور وهو متروك(5/112)
6614 - (كان إذا بلغه) من البلاغ وهو الانتهاء إلى الغاية (عن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان (الشيء) الذي يكرهه (لم يقل فلان يقول) كذا (ولكن) استدراك أفاد أن من شأنه أن لا يشافه أحدا معينا حياء منه بل (يقول) منكرا عليه ذلك (ما بال أقوام) أي ما شأنهم وما حالهم (يقولون كذا وكذا) إإشارة إلى ما أنكر وكان يكني عما اضطره الكلام فما يكره استقباحا للتصريح
(د عن عائشة) رمز لصحته(5/112)
6615 - (كان إذا تضور من الليل) بالتشديد أي تلوى وتقلب ظهرا لبطن (قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات [ص:113] والأرض وما بينهما العزيز الغفار)
(ن) في عمل اليوم والليلة (ك) في باب الدعاء (وكذا ابن حبان) كلهم عن عائشة وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح(5/112)
6616 - (كان إذا تعار) بتشديد الراء أي انتبه (من الليل) والتعار الانتباه في الليل مع صوت من نحو تسبيح أو استغفار وهذا حكمة العدول إليه عن التعبير بالانتباه فإن من هب من نومه ذاكرا لله وسأله خيرا أعطاه وإنما يكون ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه وصار حديث نفسه في نومه ويقظته قالوا: وأصل التعار السهر والتقلب على الفراش ثم استعمل فيما ذكر وقد ورد عن الأنبياء أذكار مأثورة منها أنه كان إذا انتبه (قال رب اغفر وارحم واهد للسبيل الأقوم) أي دلني على الطريق الواضح الذي هو أقوم الطرق وأعظمها استقامة وحذف المعمول ليؤذن بالعموم وفيه جواز تسجيع الدعاء إذا خلا عن تكلف وقصد كهذا فينبغي المحافظة على قول الذكر عند الانتباه من النوم ولا يتعين له لفظ لكنه بالمأثور أفضل ومنه ما ذكر في هذا الخبر
(محمد بن نصر) في كتاب فضل (الصلاة عن أم سلمة) وفي الباب غيرهما أيضا(5/113)
6617 - (كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد) اجتنابا للشبع وإيثارا للجوع تنزها عن الدنيا وتقويا على العبادة وتقديما للمحتاجين على نفسه كما يدل له خبر البيهقي عن عائشة ما شبع ثلاثة تباعا ولو شاء لشبع لكنه يؤثر على نفسه. قال الغزالي: فيندب للإنسان أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة وهذا هو الأقل وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع وذلك فعل المترفين
<تنبيه> قال ابن الحجاج: دعا موسى ربه أن يغنيه عن الناس فأوحى الله إليه يا موسى أما تريد أن أعتق بغدائك رقبة من النار وبعشائك كذلك قال: بلى يا رب فكان يتغدى عند رجل من بني إسرائيل ويتعشى عند آخر وكان ذلك رفعة في حقه ليتعدى النفع إلى عتق من من الله عليه بعتقه من النار
(حل عن أبي سعيد) الخدري غفل عنه الحافظ العراقي فقال: لم أجد له أصلا وإنما رواه البيهقي في الشعب من فعل أبي حجيفة(5/113)
6618 - (كان) قال الكرماني: قال الأصوليون مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار (إذا تكلم بكلمة) أي بجملة مفيدة (أعادها ثلاثا) من المرات وبين المراد بقوله (حتى تفهم) وفي رواية للبخاري ليفهم بمثناة تحتية مضمومة وبكسر الهاء وفي رواية له بفتحها (عنه) أي لتحفظ وتنقل عنه وذلك إما لأن من الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه فيكرره ليفهم ويرسخ في الذهن وإما أن يكون المقول فيه بعض إشكال فيتظاهر بالبيان دفع الشبه وفي المستدرك حتى تعقل عنه بدل حتى تفهم وهذا من شفقته وحسن تعليمه وشدة النصح في تبليغه قال ابن التين: وفيه أن الثلاث غاية ما يقع به الإقرار والبيان (وإذا أتى على قوم) أي وكان إذا قدم على قوم (فسلم عليهم) هو من تتميم الشرط (سلم عليهم) جواب الشرط (ثلاثا) قيل هذا في سلام الاستئذان أما سلام المار فالمعروف فيه عدم التكرار لخبر إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاثا واعترض بأن تسليم الاستئذان لا يثنى إذا حصل الإذن بالأولى ولا يثلث إذا حصل بالثانية قال الكرماني: والوجه أن معناه كان إذا أتى قوما يسلم تسليمة الاستئذان ثم إذا قعد سلم تسليمة التحية ثم إذا قام سلم تسليمة الوداع وهذه [ص:114] التسليمات كلها مسنونة وكان يواظب عليها وقال ابن حجر: يحتمل أنه كان يفعله إذا خاف عدم سماع كلامه اه وسبقه إليه جمع منهم ابن بطال فقال: يكرره إذا خشي أنه لا يفهم عنه أو لا يسمع أو أراد الإبلاغ في التعليم أو الزجر في الموعظة وقال النووي في الأذكار والرياض: هذا محمول على ما لو كان الجميع كثيرا وفي مسلم عن المقداد: كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان اه وجرى عليه ابن القيم فقال: هذا في السلام على جمع كثير لا يبلغهم سلام واحد فيسلم الثاني والثالث إذا ظن أن الأول لم يحصل به إسماع ولو كان هديه دوام التسليم ثلاثا كان صحبه يسلمون عليه كذلك وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثا وإذا دخل بيته سلم ثلاثا ومن تأمل هديه علم أنه ليس كذلك وأن تكرار السلام كان أحيانا لعارض إلى هنا كلامه
(حم خ) في العلم والاستئذان (ت) في الاستئذان (عن أنس) بن مالك(5/113)
6619 - (كان إذا تهجد) أي تجنب الهجود وهو نوم الليل قال الكرماني: يعني ترك النوم للصلاة فإذا لم يصل فليس بتهجد اه. قال أبو شامة: ولعله أراد في عرف الفقهاء أما في أصل اللغة فلا صحة لهذا الاشتراط إإلا أن يثبت أن لفظ تهجد بمعنى ترك الهجود فلم يسمع إلا من جهة الشارع فقط ولم تكن العرب تعرفه وهو بعيد (يسلم بين كل ركعتين) فاستفدنا أن الأفضل في نفل الليل التسليم من كل ركعتين
(ابن نصر) في كتاب الصلاة (عن أبي أيوب) الأنصاري وقد رمز المصنف لحسنه(5/114)
6620 - (كان إذا توضأ) أي فرغ من الوضوء (أخذ كفا من ماء) وفي رواية بدل كفا حفنة قال القاضي: والحفنة ملء الكفين ولا يكاد يستعمل إلا في الشيء اليابس ذكره الجوهري واستعماله في الماء مجاز (فنضح به فرجه) أي رشه عليه قال التوربشتي: قيل إنما كان يفعله دفعا للوسوسة وقد أجاره الله منها وعصمه من الشيطان لكن فعله تعليما للأمة أو ليرتد البول فإن الماء البارد يقطعه أو يكون النضح بمعنى الغسل كما قال البيضاوي وغيره
(حم د ن هـ ك عن الحكم بن سفيان مرسلا) وهو الثقفي وفي سماعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم خلاف قال ابن عبد البر: له حديث واحد في الوضوء مضطرب الإسناد وهو هذا وقال في الميزان: ما له يعني الحكم بن سفيان غيره وقد اضطرب فيه ألوانا(5/114)
6621 - (كان إذا توضأ فضل ماء) من ماء الوضوء (حتى يسيله على موضع سجوده) أي من الأرض ويحتمل على بعد أن المراد جبهته
(طب عن الحسن) بن علي أمير المؤمنين (ع عن الحسين) بن علي قال الهيثمي: إسناده حسن(5/114)
6622 - (كان إذا توضأ) زاد في رواية وضوءه للصلاة (حرك خاتمه) زاد في رواية في أصبعه أي عند غسل اليد التي فيها ليصل الماء إلى ما تحته يقينا فيندب ذلك ندبا مؤكدا سيما إن ضاق قال ابن حجر: هذا محمول على ما إذا كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك
(هـ) من حديث معمر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه (عن) جده (أبي رافع) مولى المصطفى واسمه أسلم أو إبراهيم أو صالح أو ثابت أو هرمز كان للعباس فوهبه للمصطفى فلما بشره بإسلام العباس أعتقه قال ابن سيد الناس: ومعمر منكر الحديث وقال ابن القيم ومغلطاي وغيرهما: حديث ضعيف ضعفه ابن عدي والدارقطني والبيهقي وعبد الحق وابن القطان وابن طاهر والبغدادي والمقدسي وابن الجوزي وغيرهم ومحمد قال فيه البخاري: منكر الحديث وقال الرازي: ذاهب منكر جدا ومعمر قال ابن معين: ما كان بثقة ولا مأمون وقال أبو حاتم عن بعضهم: كذاب [ص:115] وقال ابن حبان: أكثر أحاديثه مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به اه. وقال الأرغياني في حاشية مختصر الدارقطني: فيه معمر ليس بثقة وأبوه ضعيف وقال الحافظ ابن عبد الهادي وابن حجر: إسناده ضعيف ثم إن من لطائف إسناده أنه من رواية رجل عن أبيه عن جده وعبيد الله تابعي جليل خرج له جماعة وكان كاتبا لعلي رضي الله عنه(5/114)
6623 - (كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء العظم الناتئ في آخر الذراع مسي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء وفيه أنه يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين وهو مذهب الأربعة وقال زفر وداود: لا يجب والحديث حجة عليهما. قال الحافظ: يمكن أن يستدل لدخول المرفقين في الغسل بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم. هذا والحديث وإن كان ضعيفا لكن يقويه ما في الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفي البزار والطبراني وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق
(قط) من حديث القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه عن جده (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه وقال ابن جماعة وابن الملقن وابن حجر: ضعيف وقال الذهبي: القاسم متروك وسبقه لذلك أبو حاتم وقال أبو زرعة: منكر الحديث وقال الولي العراقي: حديث ضعيف لضعف القاسم عند الجمهور ولضعف جده عبد الله عند بعضهم وقال ابن حجر: ولا التفات لذكر ابن حبان للقاسم في الثقات وقد صرح بضعف هذا الحديث المنذري وابن الجوزي وابن الصلاح والنووي وغيرهم. إلى هنا كلام الحافظ. وقال الأرغياني في مختصر الدارقطني كما رأيته بخطه: فيه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل متروك قاله أبو حاتم وغيره. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال الذهبي: هو عبد الله بن محمد نسب إلى جده وعبد الله هذا أيضا فيه مقال اه. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه استرواح(5/115)
6624 - (كان إذا توضأ خلل لحيته بالماء) أي أدخل الماء في خلالها بأصابعه الشريفة. وفيه ندب تخليل اللحية الكثة فإن لحيته الشريفة كانت كثة ومثلها كل شعر لا يجب غسل باطنه قال ابن القيم: ولم يكن يواظب على التخليل
(حم ك عن عائشة) وصححه الحاكم (ت ك عن عثمان) بن عفان وقال الترمذي: حسن صحيح عنه (ت ك عن عمار) بن ياسر (ك عن بلال) المؤذن (هـ ك عن أنس) بن مالك (طب عن أبي أمامة) الباهلي (وعن أبي الدرداء وعن أم سلمة طس عن ابن عمر) بن الخطاب. قال الهيثمي: بعض هذه الطرق رجاله موثقون وفي البعض مقال اه. وأشار المصنف باستيعاب مخرجيه إلى رد قول أحمد وأبي زرعة لا يثبت في تخليل اللحية حديث(5/115)
6625 - (كان إذا توضأ أخذ كفا) بفتح الكاف أي غرفة (من ماء) وفي رواية غرفة من ماء (فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال الترمذي هكذا أمرني ربي) أن أخللها. قال الكمال ابن الهمام: طرق هذا الحديث متكثرة عن أكثر من عشرة من الصحابة لو كان كل منهم ضعيفا ثبت حجية المجموع فكيف وبعضها لا ينزل عن الحسن فوجب اعتبارها إلا أن البخاري يقول لم يثبت منها المواظبة بل مجرد الفعل إلا في شذوذ من الطرق فكان مستحبا لا سنة لكن ما في هذا الحديث من قوله بهذا أمرني ربي لم يثبت ضعفه وهو مغن عن نقل صريح المواظبة لأن أمره تعالى حامل عليها فيترجح [ص:116] القول بسنيته اه. وأما قول أحمد وأبي حاتم لا يصح في تخليل اللحية شيء فمرادهما به أن أحاديثه ليس شيء منها يرتقي إلى درجة الصحة بذاته لا أنه لم يثبت فيه شيء يحتج به أصلا
(د) في الوضوء كلاهما (عن أنس) بن مالك قال في المنار: فيه الوليد بن ذروان مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث لكن له سند حسن رواه به محمد بن يحيى الذهلي في العلل اه. قال في الإلمام: ودعواه جهالة الوليد على طريقته من طلب التعديل من رواية جماعة عن الراوي وقد روى عن الوليد هذا جمع من أهل العلم(5/115)
6626 - (كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك) يعني عركا خفيفا (ثم شبك) وفي رواية وشبك بالواو (لحيته بأصابعه) أي أدخل أصابعه مبلولة فيها (من تحتها) وهذه هي الكيفية المحبوبة في تخليل اللحية قيل والعارض من اللحية ما نبت على عرض اللحى فوق الذقن وقيل عارضا الإنسان صفحتا خذه كذا في الفائق قال ابن الكمال: وقول ابن المعتز:
كأن خط عذار شق عارضه. . . عيدان آس على ورد ونسرين
يدل على صحة الثاني وفساد الأول وكأنه قائله لم يفرق بين العذار والعارض
(هـ) وكذا الدارقطني والبيهقي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهم عبد الواحد بن قيس قال يحيى: شبه لا شيء وقال البخاري: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب ثم أورد له أخبارا هذا منها وفيه رد على ابن السكن تصحيحه له وقال عبد الحق تبعا للدارقطني: الصحيح أنه فعل ابن عمر غير مرفوع وقال ابن القطان: وبعد ذلك هو معلول بعبد الواحد بن قيس راويه عن نافع عن ابن عمر فهو ضعيف اه. وقال ابن حجر: إسناده إسناد ضعيف(5/116)
6627 - (كان إذا توضأ صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة) أي بالمسجد مع الجماعة وفيه ندب ركعتين سنة الوضوء وأن الأفضل فعلهما في بيته قبل إتيان المسجد <تنبيه> قال الكمال: هذه الأحاديث وما أشبهها تفيد المواظبة لأنهم إنما يحكمون وضوء الذي هو دأبه وعادته
(هـ عن عائشة) أم المؤمنين(5/116)
6628 - (كان إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره) أي بخنصر إحدى يديه والظاهر أنها اليسرى قال ابن القيم: هذا إن ثبت عنه فإنما فعله أحيانا ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه كعلي وعثمان وغيرهما
(د ت هـ) كلهم في الوضوء (عن المستورد) بن شداد واللفظ لأبي داود وقال الترمذي: حسن غريب قال اليعمري: يشير بالغرابة إلى تفرد ابن لهيعة به عن يزيد بن عمرو وبابن لهيعة صار حسنا وليس بغريب وهذا ليس بحسن فقد رواه عن يزيد كرواية ابن لهيعة الليث ابن سعد وعمرو بن الحارث وناهيك بهما جلالة ونبلا فالحديث إذن صحيح مشهور(5/116)
6629 - (كان إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه) فيه أن تنشيف ماء الوضوء غير مكروه أي إذا كان لحاجة فلا يعارض ما ورد في حديث آخر أنه رد منديلا جيء به إليه لذلك وذهب بعض الشافعية إلى أن الأولى عدمه بطرف ثوبه وأجاب عن هذا الحديث بأنه فعله بيانا للجواز
<فائدة> قال الكمال ابن الهمام: جميع من روى وضوءه عليه الصلاة والسلام قولا وفعلا اثنان وعشرون نفرا ثم ذكرهم وهم عبد الله بن زيد فعلا وعثمان وابن عباس والمغيرة وعلي الكل فعلا والمقدام بن معد يكرب قولا وأبو مالك الأشعري فعلا وأبو بكر قولا وأبو هريرة قولا وواثل بن حجر قولا وجبير بن نصير وأبو أمامة وأبو أيوب الأنصاري وكعب بن عمر اليماني وعبد الله بن أبي أوفى قولا والبراء [ص:117] ابن عازب فعلا وأبو كامل قيس بن عائذ فعلا والربيع بن معوذ قولا وعائشة فعلا وعبد الله بن أبي أنيس فعلا وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا في حديث ضعيف ورواه الدارقطني عن عائشة
(ت عن معاذ) بن جبل وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله حديث غريب وسنده ضعيف فيه رشدين عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهما ضعيفان انتهى. وقال الطبراني: لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد انتهى. لكن قول الترمذي أنه لا يصح فيه شيء رده مغلطاي بخبر فيه عن أم هانئ(5/116)
6630 - (كان إذا تلا قوله) تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال) في صلاته عقب الفاتحة (آمين) بقصر أو مد وهو أفصح مع تخفيف الميم فيهما: أي استجب ويقولها رافعا بها صوته قليلا (حتى يسمع) بضم أوله بضبط المصنف أي في الجهرية (من يليه من الصف الأول) وفيه أنه يسن للإمام بعد الفاتحة في الصلاة آمين وأنه يجهر بها في الجهرية ويقارن المأموم تأمين إمامه
(د عن أبي هريرة) أشار المصنف لحسنه وليس كما ادعى فقد رده عبد الحق وغيره بأن فيه بشر بن رافع الحارثي ضعيف وقال ابن القطان: وبشر يرويه عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة وهو لا يعرف حاله والحديث لا يصح من أجله انتهى(5/117)
6631 - (كان إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة وإذا جاء الصيف خرج ليلة الجمعة) يحتمل أن المراد بيت الاعتكاف ويحتمل أن المراد بالبيت الكعبة (وإذا لبس ثوبا جديدا حمد الله) أي قال اللهم لك الحمد كما كسوتنيه إلى آخر ما ورد عنه في الحديث المتقدم (وصلى ركعتين) أي عقب لبسه شكر الله تعالى على هذه النعمة (وكسى) الثوب (الخلق) بفتح اللام بضبط المصنف أي كسى الثوب البالي لغيره من الفقراء ونحوهم صدقة عنه ففيه أن لابس الثوب الجديد يسن له ثلاثة أشياء حمد الله تعالى والأكمل بلفظ الوارد وصلاة ركعتين أي بحيث ينسبان للبسه عرفا والتصدق بالثوب الخلق. قال في المصباح: خلق الثوب بالضم إذا بلي فهو خلق بفتحتين وأخلق الثوب بالألف لغة وأخلقته يكون الرباعي لازما ومتعديا
(خط) في ترجمة الربيع حاجب المنصور (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما (عن ابن عباس) وهو من رواية الربيع المذكور عن الخليفة المنصور عن أبيه عن جده وبه عرف حال السند(5/117)
6632 - (كان إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) أي شرع في قراءتها (علم) بذلك (أنها سورة) أي أنه نزل عليه بافتتاح سورة من القرآن لكون البسملة أول كل سورة من القرآن حتى براءة كما قال ابن عربي قال: لكن بسملتها نقلت إلى النمل فإن الحق تعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رجمته براءة وهي البسملة بحكم التبرئ من أهلها برفع الرحمة عنهم وقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت برحمتها بإيمانها بنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو البسملة التي سلبت عن المشركين <فائدة> في تذكرة المقريزي عن الميانشي أنه صلى خلف المازري فسمعه يبسمل فقال له أنت اليوم إمام في مذهب مالك فكيف تبسمل فقال قول واحد في مذهب مالك أن من قرأها في الفريضة لا تبطل صلاته وقول واحد في مذهب الشافعي أن من لم يقرأ بها بطلت صلاته فأنا أفعل ما لا [ص:118] تبطل به صلاتي في مذهب إمامي وتبطل بتركه في مذهب الغير لكي أخرج من الخلاف
(ك) في الصلاة عن معتمر عن مثنى بن الصلاح عن عمرو بن دينار عن سعيد (عن ابن عباس) وقال: صحيح فتعقبه الذهبي بأن مثنى متروك كما قاله النسائي(5/117)
6633 - (كان إذا جاءه مال) من فيء أو غنيمة أو خراج (لم يبيته ولم يقيله) أي إن جاءه آخر النهار لم يمسكه إلى الليل أو أوله لم يمسكه إلى القائلة بل يعجل قسمته وكان هديه يدعو إلى تعجيل الإحسان والصدقة والمعروف ولذلك كان أشرح الخلق صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا فإن للصدقة والبذل تأثيرا عجيبا في شرح الصدر
(هق خط عن) أبي محمد (الحسن بن محمد بن علي مرسلا)(5/118)
6634 - (كان إذا جرى به الضحك) أي غلبه (وضع يده على فيه) حتى لا يبدو شيء من باطن فمه وحتى لا يقهقه وهذا كان نادرا وأما في أغلب أحواله فكان لا يضحك إلا تبسما
(البغوي) في معجمه (عن والد مرة) الثقفي(5/118)
6635 - (كان إذا جاءه) لفظ رواية الحاكم أتاه (أمر) أي أمر عظيم كما يفيده التنكير (يسر به خر ساجدا شكرا لله) أي سقط على الفور هاويا إلى إيقاع سجدة لشكر الله تعالى على ما أحدث له من السرور ومن ثم ندب سجود الشكر عند حصول نعمة واندفاع نعمة والسجود أقصى حالة العبد في التواضع لربه وهو أن يضع مكارم وجهه بالأرض وينكس جوارحه وهكذا يليق بالمؤمن كلما زاده ربه محبوبا ازداد له تذللا وافتقارا فيه ترتبط النعمة ويجتلب المزيد {لئن شكرتم لأزيدنكم} والمصطفى صلى الله عليه وسلم أشكر الخلق للحق لعظم يقينه فكان يفزع إلى السجود وفيه حجة للشافعي في ندب سجود الشكر عند حدوث سرور أو دفع بلية ورد على أبي حنيفة في عدم ندبه وقوله لو ألزم العبد بالسجود لكل نعمة متجددة كان عليه أن لا يغفل عن السجود طرفة عين فإن أعظم النعم نعمة الحياة وهي متجددة بتجديد الأنفاس رد بأن المراد سرور يحصل عند هجوم نعمة ينتظر أن يفجأ بها مما يندر وقوعه ومن ثم قيدها في الحديث بالمجيء على الاستعارة ومن ثم نكر أمر للتفخيم والتعظيم كما مر
(د هـ ك) في الصلاة من حديث بكار بن عبد العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه (عن) جده (أبي بكرة) قال الحاكم: وبكار صدوق وللخبر شواهد وقال عبد الحق: فيه بكار وليس بقوي قال ابن القطان: لكنه مشهور مستور وقد عهد قبول المستورين وقول ابن معين ليس بشيء أراد به قلة حديثه قال: نعم الخبر معدول بأبيه عبد العزيز فإنه لا يعرف حاله اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين والأمر بخلافه فقد أخرجه الترمذي آخر الجهاد وقال: حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه(5/118)
6636 - (كان إذا جلس مجلسا) أي قعد مع أصحابه يتحدث (فأراد أن يقوم) منه (استغفر) الله تعالى أي طلب منه الغفر أي الستر (عشرا) من المرات (إلى خمس عشرة) بأن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه كما ورد تعيينه في خبر آخر فتارة يكررها عشرا وتارة يزيد إلى خمس عشرة وهذه تسمى كفارة المجلس أي أنها ماحية لما يقع فيه من اللغط وكان عليه الصلاة والسلام يقولها تعليما للأمة وتشريعا وحاشا مجلسه من وقوع اللغط
<تنبيه> أخرج النسائي في اليوم والليلة عن عائشة قالت: ما جلس رسول اله صلى الله عليه وسلم مجلسا ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلسا ولا تتلو قرآنا ولا تصلي صلاة إلا ختمت [ص:119] بهؤلاء الكلمات قال نعم من قال خيرا كن طابعا له على ذلك الخير ومن قال شرا كانت كفارة له " سبحانك وبحمدك لا إلا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك "
(ابن السني عن أبي أمامة) الباهلي(5/118)
6637 - (كان إذا جلس) لفظ رواية أبي داود في المسجد ولفظ البيهقي في مجلس وإغفال المصنف لفظه مع ثبوته في الحديث المروي بعينه غير مرضي (احتبى يديه) زاد البزار ونصب ركبتيه أي جمع ساقيه إلى بطنه مع ظهره بيديه عوضا عن جمعهما بالثوب وفي حديث أن الاحتباء حيطان العرب أي ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار وفيه أن الاحتباء غير منهي عنه وهذا مخصص بما عدا الصبح وبما عدا يوم الجمعة والإمام يخطب للنهي عنه أيضا في حديث جابر بن سمرة: الاحتباء مجلبة للنوم فيفوته سماع الخطيب وربما ينتقض وضوءه لما في أبي داود بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء أي بيضاء نقية قال الحافظ ابن حجر: ويستثنى أيضا من الاحتباء باليدين ما لو كان بالمسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيده فينبغي أن يمسك أحدهما بالأخرى كما وقعت الإشارة إليه في هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى ولا يشبك بين أصابعه في هذه الحالة لورود النهي عنه عند أحمد بسند لا بأس به ذكره ابن حجر
(د) وكذا الترمذي في الشمائل (هق) كلاهما من حديث عبد الله بن إبراهيم الغفاري عن إسحاق الأنصاري عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه ثم تعقبه أبو داود بأن الغفاري منكر الحديث وتعقبه أيضا الذهبي في المهذب بأنه ليس بثقة والصدر المناوي بأن ربيح قال أحمد غير معروف ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف إسناده وبه تبين أن رمز المصنف لحسنه غير حسن بل وإن لم يحسنه فاقتصاره على عزوه لمخرجه مع سكوته عما عقبه به من بيان الفادح من سوء التصرف(5/119)
6638 - (كان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) انتظارا لما يوحى إليه وشوقا إلى الرفيق الأعلى ذكره الطيبي وقوله جلس يتحدث خرج به حالة الصلاة فإنه كان يرفع بصره فيها إلى السماء أولا حتى نزلت آية الخشوع في الصلاة فتركه فإن قلت: ينافيه أيضا ما ورد في عدة أخبار أن نظره إلى الأرض كان أكثر من نظره إلى السماء قلت: يمكن الجواب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأوقات فإذا كان مترقبا لنزول الوحي عليه متوقعا هبوط الملك إليه نظر إلى جهته شوقا إلى وصول كلام ربه إليه واستعجالا ومبادرة لتنفيذ أوامره وكان في غير هذه الحالة نظره إلى الأرض أطول
(د) في الأدب (عن عبد الله بن سلام) بالفتح والتخفيف ورواه عنه أيضا البيهقي في دلائل النبوة ورمز المصنف لحسنه وفي طريقيه محمد بن إسحاق(5/119)
6639 - (كان إذا جلس يتحدث يخلع نعليه) أي ينزعهما فلا يلبسهما حتى يقوم وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي فخلعهما يوما وجلس يتحدث فلما انقضى حديثه قال لغلام من الأنصار: يا بني ناولني نعلي فقال: دعني أنا أنعلك قال: شأنك فافعله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إن عبدك يستحبب إليك فأحبه اه
(هب عن أنس) وفيه الخصر بن أبان الكوفي قال الذهبي: ضعفه الحاكم وجعفر بن سليمان ضعفه القطان وفي الكاشف ثقة فيه شيء(5/119)
6640 - (كان إذا جلس) يتحدث (جلس إليه أصحابه حلقا حلقا) بفتحتين على غير قياس واحده حلقة بالسكون والحلقة [ص:120] القوم الذين يجتمعون متدبرين وذلك لاستفادة ما يلقيه من العلوم ويبثه من أحكام الشريعة وتعليم الأمة ما ينفعهم في الدارين
(البزار) في مسنده (عن قرة بن إياس) سكوت المصنف على هذا الحديث غير جيد فقد قال الحافظ الهيثمي وغيره: فيه سعيد بن سلام كذبه أحمد اه(5/119)
6641 - (كان إذا حزبه) بحاء مهملة وزاي فموحدة مفتوحة (أمر) أي هجم عليه أو غلبه أو نزل به هم أو غم وفي رواية حزنه بنون أي أوقعه في الحزن يقال حزنني الأمر وأحزنني الأمر فأنا محزون ولا يقال محزن ذكره ابن الأثير (صلى) لأن الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه
(حم د عن حذيفة) بن اليمان وسكت عليه أبو داود(5/120)
6642 - (كان إذا حزبه) بضبط ما قبله (أمر قال) مستعينا على دفعه (لا إله إلا الله الحليم) الذي يؤخر العقوبة مع القدرة (الكريم) الذي يعطي النوال بلا سؤال (سبحان الله رب العرش العظيم) الذي لا يعظم عليه شيء (الحمد لله رب العالمين) وصف العرش بوصف مالكه فإن قيل هذا ذكر وليس بدعاء لإزالة حزن أو كرب فالجواب أن الذكر يستفتح به الدعاء أو يقال كان يذكر هذه الكلمات بنية الحاجة وذا كاف عن إظهاره لأن المذكور علام الغيوب وقد قال سبحانه من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وقال ابن أبي الصلت في مدح ابن جذعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني. . . حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوما. . . كفاه من تعرضك الثناء
<فائدة> أخرج النسائي عن الحسن بن الحسن بن علي أن سبب هذا أنه لما زوج عبد الله بن جعفر بنته قال لها: إن نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله إلى آخر ما ذكر فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوله قال الحسن: فأرسل إلي الحجاج فقلتهن فقال: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد قتلك فأنت اليوم أحب إلي من كذا وكذا فسل حاجتك
(حم عن عبد الله بن جعفر) وهو في مسلم بنحوه من حديث ابن عباس رمز لحسنه(5/120)
6643 - (كان إذا حلف على يمين) واحتاج إلى فعل المحلوف عليه (لا يحنث) أي لا يفعل ذلك المحلوف عليه وإن احتاجه (حتى نزلت كفارة اليمين) أي الآية المتضمنة مشروعية الكفارة وتمامه عند الحاكم فقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير اه. فإغفال المصنف له غير سديد
(ك) في كتاب الإيمان (عن عائشة) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي(5/120)
6644 - (كان إذا حلف قال والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه وفيه جواز تأكيد اليمين بما ذكر أي إذا عظم المحلوف عليه وإن لم يطلب ذلك المخاطب وقد سبق هذا غير مرة
(هـ عن رفاعة) بكسر الراء ابن عرابة بفتح المهملة وموحدة (الجهني) حجازي أو مدني صحابي روى عنه عطاء بن يسار رمز لحسنه(5/120)
[ص:121] 6645 - (كان إذا حم) أي أخذته الحمى التي هي حرارة بين الجلد واللحم (دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل) بها وذلك نافع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الغب العرضية أو الغير الخالصة التي لا ورم فيها ولا شيء من الأعراض الرديئة والمراد الفاسدة فيطفئها بإذن الله إذا كان الفاعل لذلك من أهل الصدق واليقين وأكابر المتقين
(طب ك) في الطب وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: صحيح وأقره عليه الذهبي لكن قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبزار والحاكم وأنه صححه: في سنده راو ضعيف وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه إسماعيل بن مسلم وهو متروك(5/121)
6646 - (كان إذا خاف قوما) أي شر قوم (قال) في دعائه (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) أي في إزاء صدورهم لتدفع عنا صدورهم وتحول بيننا وبينهم تقول جعلت فلانا في نحر العدو إذا جعلته قبالته وترسا يقاتل عنك ويحول بينه وبينك ذكره القاضي (ونعوذ بك من شرورهم) خص النحر لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع والعدو إنما يستقبل بنحره عن المناهضة للقتال أو للتفاؤل بنحرهم أو قتلهم والمراد نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم
(حم د) في الصلاة (ك) في الجهاد (هق) كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال النووي: في الأذكار والرياض: أسانيده صحيحة قال الحافظ العراقي: سنده صحيح(5/121)
6647 - (كان إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه) يعني كان إذا أعجبه شيء (قال اللهم بارك فيه ولا تضره) الظاهر أن هذا الخوف وهذا القول إنما كان يظهره في قالب التشريع للأمة وإلا فعينه الشريفة إنما تصيب بالخير الدائم والفلاح والإسعاد والنجاح فطوبى لمن أصابه ناظره وهنيئا لمن وقع عليه باصره
(ابن السني عن سعيد بن حكيم) ابن معاوية بن حيدة القشيري البصري أخو بهز تابعي صدوق(5/121)
6648 - (كان إذا خرج من الغائط) في الأصل الأرض المنخفضة ثم سمي به محل قضاء الحاجة (قال عقب خروجه بحيث ينسب إليه عرفا فيما يظهر (غفرانك) منصور بإضمار أطلب أي أسألك أن تغفر لي وأسألك غفرانك الذي يليق إضافته إليك لما له من الكمال والجلال عما قصرت فيه من ترك الذكر حال القعود على الخلاء. قال النووي: والمراد بغفران الذنب إزالته وإسقاطه فيندب لمن قضى حاجته أن يقول غفرانك سواء كان في صحراء أم بنيان وظاهر الحديث أنه يقوله مرة وقال القاضي وغيره: مرتين وقال المحب الطبري: ثلاثا فإن قيل: ترك الذكر على الخلاء مأمور به فلا حاجة للاستغفار من تركه قلت: فالجواب أن سببه من قبله فالأمر بالاستغفار مما تسبب فيه أو أنه سأل المغفرة لعجزه عن شكر النعمة حيث أطعمه ثم هضمه ثم جلب منفعته ودفع مضرته وسهل خروجه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ هذه النعم ففزع إلى الاستغفار وقال الحرالي: والغفران فعلان صيغة مبالغة تعطى الملاءة ليكون غفرا للظاهر والباطن لما أودعته لأنفس التي هي مظهر حكمة الله التي هي موقع مجموع الغفران والعذاب وقال القاضي: غفرانك بمعنى المغفرة [ص:122] ونصبه بأنه مفعول به والتقدير أسألك غفرانك ووجه تعقيب الخروج أنه كان مشغولا بما يمنعه من الذكر وما هو نتيجة إسراعه إلى الطعام واشتغاله بقضاء الشهوات هذا قصارى ما وجهوا به هذا الحديث وشبهه وهو من التوجيهات الاقناعية والرأي الفصل ما أشار إليه بعض العارفين أن سر ذلك أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه لخلاصه من هذه المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته وسأله أن يخلصه من المؤذي الآخر فيريح قلبه منه ويخففه وإسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال
(حم 4 حب ك) وكذا البخاري في الأدب المفرد وعنه رواه الترمذي ووهم ابن سيد الناس حيث قال: هو أبو إسماعيل الترمذي (عن عائشة) وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والنووي في مجموعه وأما قول الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عائشة هذا أي لا يعرف من وجه صحيح إلا من حديثها وغيره من أذكار الخروج ضعيف كما يجيء فاعتراض مغلطاي عليه ليس في محله ورواه البيهقي بزيادة ربنا وإليك المصير وقال: الأشبه أنه لا أصل لهذه الزيادة(5/121)
6649 - (كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى) بهضمه وتسهيل خروجه (وعافاني) منه وفي رواية الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني وفي أخرى الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى علي قوته وأذهب عني أذاه أي من احتباس ما يؤذي بدني ويضعف قواي على ما تقرر فيما قبله
(هـ عن أنس) بن مالك (ن عن أبي ذر) قال ابن محمود شارح أبي داود: في حديث ابن ماجه هذا إسماعيل بن مسلم المكي تركوه. وفي النسائي: إسناده مضطرب غير قوي وقال الدارقطني: حديث غير محفوظ وقال المنذري: ضعيف وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه: حديث ضعيف لضعف رواته ومنهم إسماعيل منكر الحديث قال المديني: أجمعوا على تركه وقال الفلاس: إنما يحدث عنه من لا يبصر الرجال ولا معرفة له بهم(5/122)
6650 - (كان إذا خرج من الغائط قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره) أي في تناول الغذاء أولا فاغتذى البدن مما صلح منه ثم بإخراج الفضلة ثانيا فله الحمد في الأولى والآخرة وهذا وضحه خبر كان إذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه لكنه ضعيف
(ابن السني) في عمل اليوم والليلة (عن أنس) قال الولي العراقي: فيه عبد الله بن محمد العدوي وهو ضعيف وجزم المنذري أيضا بضعفه فقال: هذا وما قبله أحاديث كلها ضعيفة ولهذا قال أبو حاتم: أصح ما في هذا الباب حديث عائشة السابق(5/122)
6651 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله) زاد الغزالي في الإحياء الرحمن الرحيم واعترض (التكلان على الله) بضم التاء الاعتماد عليه (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا حيلة ولا قوة إلا بتيسيره وإقداره ومشيئته
(هـ ك وابن السني) كلهم (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الحافظ العراقي فيه ضعف(5/122)
[ص:123] 6652 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله) أي اعتمدت عليه في جميع أموري (اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل) بفتح أوله وكسر الزاي بضبط المصنف من الزلل الاسترسال من غير قصد ويقال زلت رجله نزل إذا زلق والزلة الزلقة وقيل الذنب بغير قصد له زلة تشبيها بزلة الرجل. قال الطيبي: والأولى حمله على الاسترسال إلى الذنب ليزدوج مع قوله (أو فضل) بفتح النون وكسر الضاد بضبطه عن الحق من الضلالة (أو نظلم) بفتح النون وكسر اللام (أو نظلم) بضم النون وفتح اللام (أو نجهل) بفتح النون على بناء المعلوم أي أمور الدين (أو يجهل) بضم الياء بضبطه (علينا) أي ما يفعل الناس بنا من إيصال الضرر إلينا قال الطيبي: من خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور فيخاف العدل عن الصراط المستقيم فأما في الدين فلا يخلو أن يضل أو يضل وأما في الدنيا فإما سبب التعامل معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الخلطة والصحبة فإما أن يجهل أو يجهل عليه فاستعاذ من ذلك كله بلفظ وجيز ومتن رشيق مراعيا للمطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلين
(ت) في الدعوات (وابن السني) كلاهما (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا النسائي في الاستعاذة لكن ليس في لفظه توكلت على الله وقال الترمذي: حسن صحيح غريب وقال في الرياض: حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة(5/123)
6653 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله رب أعوذ بك من أن أزل أو أضل) بفتح فكسر فيهما وفي رواية أعوذ بك أن أزل أو أزل أو أضل أو أضل بفتح الأول فيهما مبني للفاعل والثاني للمفعول وهو المناسب لقوله (أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي) أي أفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإضلال ويحتمل أن يراد بقوله أجهل أو يجهل علي الحال الذي كانت العرب عليها قبل الإسلام من الجهل بالشرائع والتفاخر بالأنساب والتعاظم بالأحساب والكبرياء والبغي ونحوها
(حم ن هـ ك) في الدعاء وصححه (عن أم سلمة) ورواه عنها أيضا الترمذي وقال: حسن صحيح (زاد ابن عساكر) في روايته في تاريخه (أو أن أبغي أو أن يبغى علي) أي أفعل بالناس فعل أهل البغي من الإيذاء والجور والإضرار(5/123)
6654 - (كان إذا خرج يوم العيد) أي عيد الفطر أو الأضحى (في طريق رجع في غيره) مما هو أقصر منه فيذهب في أطولهما تكثيرا للأجر ويرجع في أقصرهما ليشتغل بهم آخر وقيل خالف بينهما ليشمل الطريقين ببركته وبركة من معه من المؤمنين أو ليستفتيه أهلهما أو ليشيع ذكر الله فيهما أو ليتحرز عن كيد الكفار وتفاؤلهم بأن يقولوا رجع على عقبيه أو لاعتياده أخذ ذات اليمين حيث عرض له سبيلان أو لغير ذلك
(ت ك عن أبي هريرة)(5/123)
6655 - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل [ص:124] أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي أو أبغي أو يبغى علي) قال الطيبي: فإذ استعاذ العبد بالله باسمه المبارك فإنه يهديه ويرشده ويعينه في الأمور الدينية وإذا توكل على الله وفوض أمره إليه كفاه فيكون حسبه {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله كفاه الله شر الشيطان
(طب عن بريدة) بن الحصيب(5/123)
6656 - (كان إذا خطب) أي وعظ وأصل الخطب المراجعة في الكلام (احمرت عليناه وعلا صوته) أي رفع صوته ليؤثر وعظه في خواطر الحاضرين (واشتد غضبه) لله تعالى على من خالف زواجره قال عياض: يعني بشدة غضبه أن صفته صفة الغضبان قال: وهذا شأن المنذر المخوف ويحتمل أنه لنهي خولف فيه شرعه وهكذا يكون صفة الواعظ مطابقة لما يتكلم به (حتى كأنه منذر جيش) أي كمن ينذر قوما من جيش عظيم قصدوا الإغارة عليهم فإن المنذر المعلم الذي يعرف القوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره وهو المخوف أيضا (بقول) أي حال كونه يقول (صبحكم) أي أتاكم الجيش وقت الصباح (مساكم) أي أتاكم وقت المساء قال الطيبي: شبه حاله في خطبته وإنذاره بقرب القيامة وتهالك الناس فيما يريهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإحاطة بهم بغتة بحيث لا يفوته منهم أحد فكما أن المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم فكذا حال الرسول صلى الله عليه وسلم عند الإنذار وفيه أنه يسن للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويحرك كلامه ويكون مطابقا لما تكلم به من ترغيب وترهيب قال النووي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وقال في المطامح: فيه دليل على إغلاظ العالم على المتعلم والواعظ على المستمع وشدة التخويف ثم هذا قطعة من حديث وبقيته عند ابن ماجه وغيره ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصابعه السبابة والوسطى ثم يقول أما بعد فإن خير الأمور كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
<تنبيه> قال ابن القيم: كان يخطب على الأرض والمنبر والبعير ولا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله قال: وقوله كان كثيرا يستفتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ليس معه سنة تقتضيه وكان كثيرا ما يخطب بالقرآن وكان يخطب كل وقت بما تقتضيه الحاجة. قال: ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته وكانت خطبته العارضة أطول من الراتبة
(تتمة) قال ابن عربي: شرعت الخطبة للموعظة والخطيب داعي الحق وحاجب بابه ونائبه في قلب العبد يرده إلى الله ليتأهب لمناجاته ولذلك قدمها في صلاة الجمعة لما ذكر من قصد التأهب للمناجاة كما سن النافلة القبلية للفرض لأجل الذكر والتأهب
(هـ حب ك عن جابر) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا ابن ماجه وإلا لما اقتصر عليه من بينهم على عادته وهو إيهام فاحش فقد خرجه الإمام مسلم في الجمعة عن جابر بن سمرة باللفظ المزبور ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة اه(5/124)
6657 - (كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا) قال ابن القيم: ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى قيام الدين به وهو جهل قبيح لأن الوارد العصا والقوس ولأن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق المشركين والمدينة التي كانت [ص:125] خطبته فيها إنما افتتحت بالقرآن
(هـ ك هق عن سعد القرظ) ورواه عنه أيضا الطبراني في الصغير قال الهيثمي: وهو ضعيف(5/124)
6658 - (كان إذا خطب يعتمد على عنزة) كقصبة رمح قصير (أو عصا) عطف عام على خاص إذ العنزة محركة عصا في أسفلها زج بالضم أي سنان وعبر عنها بعكاز في طرفه سنان وبعضهم بحربة قصيرة وفي طبقات ابن سعد أن النجاشي كان أهداها له وكان يصحبها ليصلي إليها في الفضاء أي عند فقد السترة ويتقي بها كيد الأعداء ولهذا اتخذ الأمراء المشي أمامهم بها ومن فوائدها اتقاء السباع ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خوف الرشاش وتعليق الأمتعة بها والركزة عليها وغير ذلك وقول بعضهم كان يحملها ليستتر بها عند الحاجة رد بأن ضابط السترة ما يستر الأسافل والعنزة لا تسترها
(الشافعي) في مسنده في باب إيجاب الجمعة (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا)(5/125)
6659 - (كان إذا خطب المرأة قال: اذكروا لها جفنة سعد بن عبادة) بفتح الجيم وسكون الفاء القصعة العظيمة المعدة للطعام وقضية تصرف المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته تدور معي كلما درت هكذا هو ثابت عند مخرجه ابن سعد وغيره وقال ابن عساكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان سعد يبعث إليه في كل يوم جفنة فيها ثريد بلحم أو ثريد بلبن أو غيره وأكثر ذلك اللحم فكانت جفنته تدور في بيوت أزواجه اه
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة مات سنة 92 (عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا) هو ابن النعمان الظفري قال الذهبي: وثق وكان علامة بالمغازي مات سنة عشرين وقيل غير ذلك وظاهر حال المؤلف أنه لم ير هذا لأشهر من ابن سعد ولا أحق بالعزو منه وهو عجب فقد خرجه الطبراني عن سهل ابن سعد قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من سعد صحفة فكان يخطب المرأة يقول لك كذا وكذا وجفنة سعد تدور معي كلما درت قال الهيثمي: فيه عبد المؤمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف(5/125)
6660 - (كان إذا خطب) امرأة (فرد لم يعد) إلى خطبتها ثانيا (فخطب امرأة فأبت ثم عادت) فأجابت (فقال قد التحفنا لحافا) بكسر اللام كل ثوب يتغطى به كنى به عن المرأة لكونها تستر الرجل من جهة الإعفاف وغيره (غيرك) أي تزوجت امرأة غيرك وهذا من شرف النفس وعلو الهمة ومن ثم قيل:
يا صاح لو كرهت كفى مبايتني. . . لقلت إذ كرهت كفى لها بيني
لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي. . . ولا أبالي حبيبا لا يباليني
قال المؤلف: وهذا من خصائصه ثم هو يحتمل التحريم ويحتمل الكراهة قياسا على إمساك كارهته ولم أر من تعرض له
(ابن سعد عن مجاهد مرسلا)(5/125)
6661 - (كان إذا خلا بنسائه ألين الناس وأكرم الناس ضحاكا بساما) حتى أنه سابق عائشة يوما فسبقته كما رواه [ص:126] الترمذي في العلل عنها. قال ابن القيم: وكان من تلطفه بهم أنه إذا دخل عليهم بالليل سلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ذكره مسلم
(ابن سعد) في طبقاته (وابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) وفيه حارثة بن أبي الرحال ضعفه أحمد وابن معين وفي الميزان عن البخاري منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر(5/125)
6662 - (كان إذا دخل الخلاء) بالفتح والمد أي أراد الدخول إلى المحل الذي يتخلى فيه لقضاء الحاجة ويسمى بالكنيف والحش والبراز بفتح الموحدة والغائط والمذهب والمرفق والمرحاض وسمى بالخلاء لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة أو لأن الشيطان الموكل به اسمه خلاء ونصبه بنزع الخافض أو بأنه مفعول به لا بالظرفية خلافا لابن الحاجب لأن دخل عدته العرب بنفسه إلى كل ظرف مكان مختص تقول دخلت الدار ودخلت المسجد ونحوهما كما عدت ذهب إلى الشام خاصة فقالوا: ذهبت الشام ولا يقولون ذهبت العراق ولا اليمن (وضع خاتمه) أي نزعه من أصبعه ووضعه خارج الخلاء لما كان عليه محمد رسول الله. قال مغلطاي: هذا أصل عظيم في ندب وضع ما فيه اسم معظم عند الخلاء وفيه ندب تنحية ما عليه اسم معظم عند قضاء الحاجة. هبه بصحراء أو عمران قال التاج الفزاري: لكنه في الصحراء عند قضاء الحاجة وفي العمران عند دخول الخلاء وقول ابن حبان الحديث يدل على عدم الجواز ممنوع إذ لا يلزم من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم شيئا أن يكون ضده غير جائز ولعله أراد بكونه غير جائز أنه غير مباح مستوي الطرفين بل مكروه
(4 حب ك) في مستدركه وقال: على شرط الشيخين وتبعه في الاقتراح وفي رواية الحكم التصريح بأن سبب النزع النقش كلهم (عن أنس) قال النووي: هذا الحديث ضعفه أبو داود والنسائي والبيهقي والجمهور قال: وقول الترمذي حسن مردود اه. ومثل به العراقي في ألفيته وشرحها للمنكر وقال بعضهم: هذا الحديث قد اختلفت رواته في حاله ما بين مصحح ومضعف فقال الترمذي: حسن غريب والحاكم: صحيح وأبو داود: منكر والنسائي: غير محفوظ والدارقطني: شاذ ومال مغلطاي إلى الأول والبغوي والبيهقي إلى الثاني لكن قال: له شواهد وقال ابن حجر: علته أنه من رواية همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس وابن جريج قيل لم يسمع من الزهري ولما نظر بعض الأعاظم إلى ذلك قال: إن في إثبات الكراهة بمجرد هذا الحديث نظر لأن الكراهة حكم شرعي(5/126)
6663 - (كان إذا دخل) وفي رواية للبخاري في الأدب المفرد كان إذا أراد أن يدخل وهي مبينة للمراد بقوله هنا دخل أي كان يقول الذكر الآتي عند إرادته الدخول لا بعده قال ابن حجر: وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول ولهذا قال ابن بطال: رواية أبي أعم لشمولها (الخلاء) وأصله المحل الذي لا أحد به ويطلق على المعد لقضاء الحاجة ويكنى به عن إخراج الفضلة المعهودة. قال الولي العراقي: والأولان حقيقيان والثالث مجازي قال: فيحتمل أن المراد في الحديث الأول ويوافقه أن الإتيان بهذا الذكر لا يختص بالنسيان عند الفقهاء وأن المراد الثاني ويوافقه لفظ الدخول وفي رواية الكنيف بدل الخلاء (قال) عند شروعه في الدخول (اللهم إني أعوذ) أي ألوذ وألتجئ (بك من الخبث) بضم أوله وثانيه وقد تسكن والرواية بهما وقول الخطابي تسكين المحدثين خطأ لأنه بالسكون جمع لأخبث لا لخبيث قال مغلطاي: هو الخطأ قال الولي العراقي: اتفق من بعده على تغليطه في إنكار الإسكان ثم افترقوا فرقتين فقالت إحداهما: هو بالسكون بمعناه بالتحريك وإنما هو مخفف منه وعليه النووي وابن دقيق العيد وقالت الأخرى ومنهم عياض: بالسكون معناه الشر والمكروه وقال ابن حجر كابن الأثير: وعليه فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب فإن فعلاء المضموم يسكن قياسا (والخبائث) المعاصي أو لخبث الشيطان والخبائث البول [ص:127] والغائط وأصل الخبث في كلامهم المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم أو من الملل فهو الكفر أو من الطعام فالحرام أو من الشراب فالضار اه. وفائدة قوله هذا مع كونه معصوما من الشياطين وغيرهم التشريع لأمته والاستنان بسنته أو لزوم الخضوع لربه وإظهار العبودية له قال الفاكهي: والظاهر أنه كان يجهر بهذه الاستعاذة إذ لو لم يسمع لم ينقل وإخباره عن نفسه بها بعيد وفيه استحباب هذا الذكر عند إرادة قضاء الحاجة وهو مجمع عليه كما حكاه النووي. قال ابن العربي: وإنما شرعت الاستعاذة في هذا المحل لأنه محل خلوة والشيطان يتسلط فيها ما لا يتسلط في غيرها ولأنه موضع قدر ينزه الله عن جريان ذكره على اللسان فيه والذكر مبعد للشيطان فإذا انقطع الذكر اغتنم تلك الغفلة فشرع تقديم الاستعاذة للعصمة منه
(حم ق 4) كلهم في الطهارة (عن أنس) بن مالك(5/126)
6664 - (كان إذا دخل الكنيف) بفتح الكاف وكسر النون موضع قضاء الحاجة سمي به لما فيه من التستر إذ معنى الكنيف الساتر (قال بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث) بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية وقال الخطابي: لا يجوز غيره واعترض بأنه يجوز إسكان الموحدة كنظائره فيما جاء على هذا الوجه قال النووي: وقد صرح جمع من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة قال ابن حجر: إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر (والخبائث) بياء غير صريحة ولا يسوغ التصريح بها كما بينه في الكشاف حيث قال: في معايش هو بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث ونحوهما فإن تصريح الياء فيها خطأ والصواب الهمزة أو إخراج الياء بين بين إلى هنا كلامه. وخص الخلاء بهذا لن الشياطين يحضرونه لكونه ينحي فيه ذكر الله ولا فرق في ندب هذا الذكر بين البنيان والصحراء والتعبير بالدخول غالبي فلا مفهوم له
(ش عن أنس) بن مالك قال الولي العراقي: فيه انقطاع(5/127)
6665 - (كان إذا دخل الخلاء) بالمد (قال يا ذا الجلال) أي صاحب العظمة التي لا تضاهى والعز الذي لا يتناهى
(ابن السني عن عائشة)(5/127)
6666 - (كان إذا دخل الغائط) أي أتى أرضا مطمئنة ليقضي فيها حاجته (قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس) بكسر الراء والنون وسكون الجيم فيهما لأنه من باب الاتباع (الخبيث المخبث) بضم فسكون فكسر قال الزمخشري: هو الذي أصحابه وأعوانه خبثا كقولهم للذي فرسه قوي مقو والذي ينسب الناس إلى الخبث ويوقعهم فيه (الشيطان الرجيم) أي المرجوم قال الولي العراقي: ينبغي الأخذ بهذه الزيادة وإن كانت روايتها غير قوية للتساهل في حديث الفضائل قال ابن حجر: وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهارا للعبودية ويجهر بها للتعليم قال: وقد روى المعمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ الأمر قال: إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية اه. وقال الولي العراقي في شرح أبي داود: وأصح ما في هذا ما رواه المعمري في عمل يوم وليلة بإسناد صحيح على شرط مسلم من حديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دخلتم الغائط فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال: وفي مصنف ابن أبي شيبة وذكر الحديث المتقدم قال: وهذا يدل لما قاله أصحابنا أنه يستحب هنا تقديم بسم الله على الاستعاذة وفارق الصلاة لأن الاستعاذة فيها للقراءة والبسملة هناك قراءة فقدمت
(د في مراسيله عن الحسن) البصري (مرسلا [ص:128] ابن السني) أبو بكر في عمل يوم وليلة من طريق إسماعيل بن مسلم (عنه) أي عن الحسن وعن قتادة أيضا كلاهما (عن أنس) بن مالك وإسماعيل بن مسلم ضعفه أبو زرعة وغيره (عد عن بريدة) بن الحصيب بإسناد ضعيف ورواه ابن السني أيضا باللفظ المذكور من حديث ابن عمر وروى ابن ماجه من طريق عبيد الله بن زجر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا " لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " ورواه ابن أبي شيبة موقوفا على حذيفة(5/127)
6667 - (كان إذا دخل المرفق) بكسر الميم وفتح الفاء الكنيف (لبس حذاءه) بكسر الحاء والمد نعله قال في المصباح: الحذاء ككتاب النعل وذلك صونا لرجله عما قد يصيبها (وغطى رأسه) حياء من ربه تعالى ولأن تغطية الرأس حال قضاء الحاجة أجمع لمسام البدن وأسرع لخروج الفضلات ولاحتمال أن يصل شعره ريح الخلاء فيعلق به. قال أهل الطريق: ويجب كون الإنسان فيما لا بد منه من حاجته حي خجل مستور
(ابن سعد) في الطبقات عن أبي بكر بن عبد الله (عن) أبي موسى حبيب بن صالح ويقال ابن أبي موسى الحمصي الطائي (مرسلا) ظاهر صنيعه أنه لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي: أبو بكر ضعيف وظاهره أيضا أنه لم يره مخرجا لغير ابن سعد ممن هو أشهر وأحق بالعزو إليه وهو عجب عجاب فقد رواه البيهقي عن حبيب المذكور ورواه أبو داود موصولا مسندا عن عائشة بزيادة ولفظه كان إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه لكن الظاهر أن المصنف لم يغفل هذا الموصول عن ذهول بل لعلمه أن فيه محمد بن يونس الكديمي متهم بالوضع(5/128)
6668 - (كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبث المخبث الشيطان الرجيم فإذا خرج قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه) خص هذا الدعاء بالخارج من الخلاء للتوبة من تقصيره في شكر النعمتين المنعم على العبد بهما وهما ما أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه وأبقى فيه قوة ذلك
<تنبيه> ذكر بعض المفسرين والمحدثين في قوله تعالى في نوح {إنه كان عبدا شكورا} أنه روى عبد الرزاق بسند منقطع أن نوحا كان إذا ذهب إلى الغائط يقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه
(ابن السني) أبو بكر في عمل يوم وليلة من طريق إسماعيل بن رافع عن دريد بن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: هذا حديث ضعيف وقال العراقي: إسماعيل مختلف فيه ورواية دريد بن نافع عن ابن عمر منقطعة(5/128)
6669 - (كان إذا دخل المسجد قال) حال شروعه في دخوله (أعوذ بالله العظيم) أي ألوذ بملاذه وألجأ إليه مستجيرا به (وبوجهه الكريم) أي ذاته إذ الوجه يعبر به عن الذات بشهادة {كل شيء هالك إلا وجهه} أي ذاته وعن الجهة كما في {فأينما تولوا فثم وجه الله} أي جهته (وسلطانه القديم) على جميع الخلائق قهرا وغلبة (من الشيطان الرجيم) أي المرجوم (وقال) يعني الشيطان (إذا قال ذلك حفظ مني سائر اليوم) أي جميع ذلك اليوم الذي يقول هذا الذكر فيه
(د عن [ص:129] ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وهو كذلك إذا علا فقد قال في الأذكار: إسناده جيد(5/128)
6670 - (كان إذا دخل يقول بسم الله والسلام على رسول الله) أبرز اسمه الميمون على سبيل التجريد عند ذكره التجاء إلى منصب الرسالة ومنزلة النبوة وتعظيما لشأنها كأنه غيره امتثالا لأمر الله في قوله {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) وإنما شرعت الصلاة عليه عند دخول المسجد لأنه محل الذكر وخص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج لأن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى الله وثوابه فناسب ذكر الرحمة فإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق فناسب ذكر الفضل كما سبق موضحا
(حم هـ طب عن فاطمة الزهراء) قال مغلطاي: حديث فاطمة هذا حسن لكن إسناده ليس بمتصل انتهى. والمصنف رمز لحسنه(5/129)
6671 - (كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) طلب المغفرة في هذا الخبر وما قبله تشريعا لأمته لأن الإنسان حمل التقصير في سائر الأحيان وأبرز ضمير نفسه الشريفة عن ذكر الغفران تحليا بالانكسار بين يدي الملك الجبار وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله
(ت) وكذا أبو داود خلافا لما يوهمه صنيعه كلاهما في الصلاة من حديث فاطمة بنت الحسن (عن) جدتها (فاطمة) الكبرى الزهراء وقالا جميعا: ليس إسناده بمتصل لأن فاطمة بنت الحسن لم تدرك فاطمة الكبرى رمز لحسنه وفيه ما فيه(5/129)
6672 - (كان إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صل على محمد وأزواج محمد) أورده المصنف عقب الأحاديث السابقة إشعارا بندب الصلاة على الأزواج عند دخول المسجد
(ابن السني عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه(5/129)
6673 - (كان إذا دخل السوق) أي أراد دخولها (قال) عند الأخذ فيه (بسم الله اللهم إني أسألك من خير هذه السوق) فيه أن السوق مؤنثة. قال ابن إسحاق: وهو أصح وأفصح وتصغيرها سويقة والتذكير خطأ لأنه قيل سوق نافقة وما سمع نافق بغيرها والنسبة إليها سوقي على لفظها (وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها) أي من شر ما استقر من الأوصاف والأحوال الخاصة بها (وشر ما فيها) أي من شر ما خلق ووقع فيها وسبق إليها (1) (اللهم [ص:130] إني أعوذ بك من أن أصيب يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة) إنما سأل خيرها واستعاذ من شرها لاستيلاء الغفلة على قلوب أهلها حتى اتخذوا الأيمان الكاذبة شعارا والخديعة بين المتبايعين دثارا فأتى بهذه الكلمات ليخرج من حال الغفلة فيندب لمن دخل السوق أن يحافظ على قوله ذلك فإذا نطق الداخل بهذه الكلمات كان فيه تحرزا عما يكون من أهل الغفلة فيها وهذا مؤذن بمشروعية دخول السوق أي إذا لم يكن فيه حال الدخول معصية كالصاغة وإلا حرم
(طب) عن بريدة وفيه كما قال الهيثمي: محمد بن أبان الجعفي وهو ضعيف (ك) في باب الدعاء (عن بريدة) قال الحافظ العراقي: فيه أبو عمرو وجار لشعيب بن حرب ولعله حفص بن سليمان الأسدي مختلف فيه وقال غيره: فيه أبو عمرو وجار لشعيب بن حرب ولا يعرف. وقال المديني: متروك وبه رد الذهبي في التلخيص تصحيح الحاكم له وفي الميزان محمد بن عمرو أو محمد بن عمر له حديث واحد وهو منكر ذكره البخاري في الضعفاء ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: قال البخاري لا يتابع عليه اه
_________
(1) ورد أن الشيطان يدخل السوق مع أول داخل ويخرج مع آخر خارج(5/129)
6674 - (كان إذا دخل بيته) أي إذا أراد دخوله (بدأ بالسواك) لأجل السلام على أهله فإن السلام اسم شريف فاستعمل السواك للإتيان به أو ليطيب فمه لتقبيل أهله ومضاجعتهم لأنه ربما تغير فمه عند محادثة الناس فإذا دخل بيته كان من حسن معاشرة أهله ذلك أو لأنه كان يبدأ بصلاة النفل أول دخوله بيته فإنه قلما كان يتنقل بالمسجد فيكون السواك للصلاة وقول عياض والقرطبي خص به دخول بيته لأنه مما لا يفعله ذو مروءة بحضرة الناس ولا ينبغي عمله بالمسجد ولا في المحافل ردوه وفيه ندب السواك عند دخول المسجد وبه صرح النووي وغيره وأنه مما يبدأ به من القربات عند دخوله وتكراره لذلك ومثابرته عليه وأنه كان لا يقتصر في ليله ونهاره على مرة لأن دخول البيت مما يتكرر والتكرر دليل العناية والتأكد وبيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وأنه لا يختص بوقت ولا حال معينة وأنه لا يكره للصائم في شيء من النهار لكن يستثنى ما بعد الزوال لحديث الخلوف وذكروا أن السواك يسن للنوم وعلته ما ذكر من الاجتماع بالأهل لأن مسهن وملاقاتهن على حال من التنظف أمر مطلوب مناسب دلت عليه الأخبار ولا مانع من كونه للمجموع وفيه مداومته على التعبد في الخلاء والملاء
(م د ن هـ) كلهم في الطهارة (عن عائشة) وحكى ابن منده الإجماع على صحته وتعقبه مغلطاي بأنه إن أراد إجماع العلماء قاطبة فمتعذر أو إجماع الأئمة المتعاصرين فغير صواب لأن البخاري لم يخرجه فأي إجماع مع مخالفته(5/130)
6675 - (كان إذا دخل) أي بيته (قال) لأهله وخدمه (هل عندكم طعام) أي أطعمه (فإذا قيل لا قال إني صائم) أي وإذا قيل نعم أمرهم بتقديمه إليه كما بينه في رواية أخرى وهذا محمول بقرينة أخبار أخر على صوم النفل لا الفرض وأنه قبل الزوال وأنه لم يكن تناول مفطرا
(د عن عائشة) رمز لصحته(5/130)
6676 - (كان إذا دخل الجبانة) محل الدفن سمي به لأنه يفزع ويجبن عند رؤيته ويذكر الحلول فيه وقال ابن الأثير: الجبانة الصحراء وتسمى بها المقابر لأنها تكون في الصحراء تسمية للشيء باسم موضعه (يقول السلام عليكم) لم يقل عليكم السلام ابتداء بل كان يكره ذلك ولا يعارضه ما في خبر صحيح أنه قال لمن قال عليك السلام لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى فإن ذلك إخبار عن الواقع لا عن المشروع أي أن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذا اللفظ كقوله: [ص:131]
عليك سلام الله قيس بن عاصم. . . ورحمة ربي الله ما شاء يرحم
فكره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم (أيتها الأرواح الفانية) أي الأرواح التي أجسادها فانية (والأبدان البالية) التي أبلتها الأرض (والعظام النخرة) أي المتفتتة تقول نخر العظم نخرا من باب تعب بلى وتفتت فهو نخر وناخر (الذي خرجت من الدنيا وهي بالله) أي لا بغيره كما يؤذن به تقديم الجار والمجرور على قوله (مؤمنة) أي مصدقة موقنة (اللهم أدخل عليهم روحا) بفتح الراء أي سعة واستراحة (منك وسلاما منا) أي دعاء مقبولا وأخذ ابن تيمية من مخاطبته للموتى أنهم يسمعون إذ لا يخاطب من لا يسمع ولا يلزم منه أن يكون السمع دائما للميت بل قد يسمع في حال دون حال كما يعرض للحي فإنه قد لا يسمع الخطاب لعارض وهذا السمع سمع إدراك لا يترتب عليه جزاء ولا هو السمع المنفي في قوله {إنك لا تسمع الموتى} إذ المراد به سمع قبول وامتثال أمر جاء في كثير من الروايات كان إذا وقف على القبور قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون قال البطليوسي: وهذا مما استعملت فيه إن مكان إذا فإن كلا منهما يستعمل مكان الآخر
(ابن السني عن ابن مسعود)(5/130)
6677 - (كان إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس) عليك هو (طهور) بفتح الطاء أي مرضك مطهر لك من ذنوبك (إن شاء الله) وذلك يدل على أن طهور دعاء لا خبر فيه وفيه أنه لا نقص على الإمام في عيادة بعض رعيته ولو أعرابيا جاهلا جافيا ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره ما ينفعه ويأمره بالصبر ويسليه إلى غير ذلك مما يجبر خاطره وخاطر أهله
(خ) في الطب وغيره (عن ابن عباس) قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أعرابي يعوده فقال له ذلك فقال الأعرابي: قلت طهور كلا بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزبره القبور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن(5/131)
6678 - (كان إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان وكان إذا كانت ليلة الجمعة قال هذه غراء) كحمراء أي سعيدة صبيحة (ويوم أزهر) أي نير مشرق ولفظ رواية البيهقي ويوم الجمعة يوم أزهر قال ابن رجب: فيه أن دليل ندب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا
(هب وابن عساكر) في تاريخه وأبو نعيم في الحلية وكذا البزار كلهم من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك قال النووي في الأذكار: إسناده ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه رواه وأقره وليس كذلك بل عقبه البيهقي بما نصه تفرد به زياد النميري وعنه زائدة بن أبي الرقاد وقال البخاري: زائدة عن زياد منكر الحديث وجهله جماعة وجزم الذهبي في الضعفاء بأنه منكر الحديث وبذلك يعرف أن قول إسماعيل الأنصاري لم يصح في فضل رجب غير هذا خطأ ظاهر(5/131)
6679 - (كان إذا دخل) في رواية بدله إذا حضر (رمضان أطلق كل أسير) كان مأسورا عنده قبله (وأعطى كل سائل) [ص:132] فإنه كان أجود ما يكون في رمضان وفيه ندب عتق الأسارى عند إقبال رمضان والتوسعة على الفقراء والمساكين
(هب) وكذا الخطيب والبزار كلهم (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: فيه أبو بكر الهذلي قال ابن حبان: يروي عن الأثبات أشياء موضوعة وقال غندر: كان يكذب (ابن سعد) في طبقاته (عن عائشة)(5/131)
6680 - (كان إذا دخل شهر رمضان شد مئزره) بكسر الميم إزاره وهو كناية عن الاجتهاد في العبادة (ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ) أي يفرغ يقال سلخت الشهر سلخا وسلوخا صرت في آخره فانسلخ أي مضى ومن شأن المشمر المنكمش أن يقلص إزاره ويرفع أطرافه ويشدها أو كناية عن اعتزال النساء كما يجعل حله كناية عن ضد ذلك قال الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم. . . دون النساء ولو بانت بأطهار
قال جمع: ولا بعد في إرادة الحقيقة والمجاز بأن يشد المئزر حقيقة ويعتزل النساء لكن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة كما لو قلت فلان طويل النجاد وأردت طول نجاده مع طول قامته قيل: احتمل عبد الملك بن مروان المتاعب في جلب جارية من بلاد الصين فلما بات جعل يتململ في فراشه ويقول: ما أشوقني إليك قالت: وما يمنعك مني قال: بيت الأخطل هذا وكان في حرب
(هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه فيه الربيع بن سليمان فإن كان هو صاحب الإمام الشافعي فثقة أو الربيع بن سليمان البصري الأزدي فضعيف قال يحيى: ليس بشيء(5/132)
6681 - (كان إذا دخل رمضان تغير لونه) إلى الصفرة أو الحمرة كما يعرض للخائف خشية من أن يعرض له فيها ما يقصر عن الوفاء بحق العبودية فيه (وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء) أي تضرع واجتهد فيه (وأشفق لونه) أي تغير حتى يصير كلون الشفق وهذا لولا غرض الإطناب كان يغني عنه قوله تغير لونه
(هب عن عائشة) فيه عبد الباقي ابن قانع قال الذهبي: قال الدارقطني يخطئ كثيرا(5/132)
6682 - (كان إذا دخل العشر) زاد ابن أبي شيبة الأخير من رمضان والمراد الليالي (شد مئزره) قال القاضي: المئزر الإزار ونظيره ملحف ولحاف وشده كناية عن التشمر والاجتهاد أراد به الجد في الطاعة أو عن الاعتزال عن النساء وبجنب غشيانهن (وأحيا ليله) أي ترك النوم الذي هو أخو الموت وتعبد معظم الليل لا كله بقرينة خبر عائشة ما علمته قام ليلة حتى الصباح فلا ينافي ذلك ما عليه الشافعية من كراهية قيام الليل كله (وأيقظ أهله) المعتكفات معه في المسجد واللاتي في بيوتهن إذا دخلها لحاجة أي يوقظهن للصلاة والعبادة
(ق) في الصوم (د ن) في الصلاة (هـ) في الصوم كلهم (عن عائشة)(5/132)
6683 - (كان إذا دعا لرجل أصابته الدعوة وولده وولد ولده) فيستجاب دعاؤه لذلك الرجل وبلغ ما دعا له به هو وذريته من بعده وسكت عما لو دعا عليه لأنه قد سأل الله تعالى أن يجعل دعاءه رحمة على المدعو عليه
(حم عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الحافظ الهيثمي متعقبا: رواه أحمد عن ابن حذيفة ولم أعرفه اه(5/132)
6684 - (كان إذا دعا بدأ بنفسه) زاد أبو داود في روايته وقال رحمة الله علينا وعلى موسى اه ومن ثم ندبوا للداعي أن يبدأ [ص:133] بالدعاء لنفسه قبل دعائه لغيره فإنه أقرب إلى الإجابة إذ هو أخلص في الاضطرار وأدخل في العبودية وأبلغ في الافتقار وأبعد عن الزهو والإعجاب وذلك سنة الأنبياء والرسل قال نوح {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} وقال الخليل {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} وقال {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}
<تنبيه> قال ابن حجر: ابتداؤه بنفسه في الدعاء غير مطرد فقد دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه فقال: رحم الله لوطا رحم الله يوسف ودعا لابن عباس بقوله اللهم فقهه في الدين ودعى لحسان بقوله اللهم أيده بروح القدس
(طب عن أبي أيوب) الأنصاري رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده حسن غير أن عدول المصنف للعزو للطبراني واقتصاره عليه غير جيد لإيهامه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وقد عرفت أن أبا داود خرجه فهو بالعزو إليه أحق(5/132)
6685 - (كان إذا دعا فرفع يديه) حال الدعاء (مسح وجهه بيديه) عند فراغه تفاؤلا وتيمنا أن كفيه ملئتا خيرا فأفاض منه على وجهه فيتأكد ذلك للداعي ذكره الحليمي وقال القونوي: سره أن الإنسان في دعائه ربه متوجه إليه بظاهره وباطنه ولهذا يشترط حضور القلب في الدعاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل دعاءا من قلب غافل لاه إذا علمته فاعرف أن يده الواحدة تترجم عن توجه الداعي من حيث ظاهره واليد الأخرى تترجم عن توجهه بباطنه واللسان يترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع إلى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن وهو كناية عن غيبة النائب في علم الحق أزلا وأبدا فإن وجه الشيء حقيقته وهذا الوجه مظهر تلك الحقيقة وإن كشف لك عن سر قوله تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه} استشرفت على سر آخر أغرب من هذا يتعذر إفشاؤه إلا لأهله اه
(د عن بريدة) رمز لحسنه(5/133)
6686 - (كان إذا دعا جعل) حال الدعاء (باطن كفيه إلى وجهه) وورد أيضا أنه كان عند الرفع تارة يجعل بطون كفيه إلى السماء وتارة يجعل ظهرهما إليها وحمل الأول على الدعاء بحصول مطلوب أو دفع ما قد يقع به بلاء والثاني على الدعاء برفع ما وقع به من البلاء وروى مسلم أنه فعل الثاني في الاستسقاء وأحمد أنه فعله بعرفة وحكمة رفعهما إلى السماء أنها قبلة الدعاء ومن ثم كانت أفضل من الأرض على الأصح فإنه لم يعص الله فيها
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وكأنه لم ير قول الحافظ العراقي: في سنده ضعيف ولا قول الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله وهو ضعيف(5/133)
6687 - (كان إذا دنا من منبره) أي قرب منه (يوم الجمعة) ليصعده إلى الخطبة (سلم على من عنده) أي من بقربه عرفا (من الجلوس فإذا صعد المنبر) أي بلغ الدرجة التالية للمستراح (استقبل الناس بوجهه ثم سلم) على الناس (قبل أن يجلس) فيسن فعل ذلك لكل خطيب ويجب رد سلامه عند الشافعية
(هق) من حديث عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه ابن حبان وابن القطان بعيسى المذكور وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه(5/133)
6688 - (كان إذا ذبح الشاة يقول أرسلوا بها) لعل المراد ببعضها فأطلق الكل وأراد البعض بقرينة المقام (إلى أصدقاء [ص:134] خديجة) زوجته الدارجة صلة منه لها وبرا وإذا كان فعل الخير عن الميت برا فالسوء ضد ذلك وإن كنا لا نعرف كيفيته ولا يضرنا جهلنا بكيفية ذلك بل علينا التسليم والتصديق وفيه حفظ العهد والصدق وحسن الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير ولو ميتا وإكرام أهل ذلك الصاحب وأصدقائه
(م عن عائشة) تمامه قالت عائشة: فأغضبته يوما فقلت: خديجة فقال: إني رزقت حبها(5/133)
6689 - (كان إذا ذكر أحدا فدعا له) بخير (بدأ بنفسه) ثم ثنى بغيره ثم عمم اتباعا لملة أبيه إبراهيم فتتأكد المحافظة على ذلك وعدم الغفلة عنه وإذا كان لا أحد أعظم من الوالدين ولا أكبر حقا على المؤمن منهما ومع ذلك قدم الدعاء للنفس عليهما في القرآن في غير موضع فغيرهما أولى
(م حب ك عن أبي) وقال الترمذي: حسن صحيح والحاكم: صحيح(5/134)
6690 - (كان إذا ذهب المذهب) بفتح فسكون أي ذهب في المذهب الذي هو محل الذهاب لقضاء الحاجة أو ذهب مذهبا على المصدر وهو كناية عن الحاجة (أبعد) بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح أي يغيب شخصه عن الناس بل روى الإمام ابن جرير في تهذيب الآثار أنه كان يذهب إلى المغمس مكان على نحو ميلين من مكة واستشكل هذا بما في الطبراني عن عصمة بن مالك وأصله في البخاري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال: يا حذيفة استرني حتى بال فذكر الحديث فمن ذاهب إلى أن ندب الإبعاد مخصوص بالتغوط لأن العلة خوف أن يسمع لخارجه صوت أو يشم له ريح وذلك منتف في البول ومن ثم ورد أنه كان إذا بال قائما لم يبعد عن الناس ولم يبعدوا عنه ومن ذاهب إلى أن تعميم الإبعاد ندب وأنه إنما لم يفعله أحيانا لضرورة فإنه كان يطيل القعود لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فإذا حضر البول وهو في بعض تلك الحالات ولم يمكنه تأخيره حتى يبعد كعادته فعل ذلك لما يترتب على تأخيره من الضرر فراعى أهم الأمرين واستفيد منه دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وفيه ندب التباعد لقضاء الحاجة وأن الأدب الكناية في ذكر ما يستحى منه
<فائدة> في النهاية تبعا لأبي عبيد الهروي يقال لموضع التغوط المذهب والخلاء والمرفق والمرحاض
(4 ك) وكذا الدارمي والبيهقي (عن المغيرة) بن شعبة وصححه الترمذي والحاكم وحسنه أبو داود ورواه أيضا عن المغيرة بن خزيمة في صحيحه(5/134)
6691 - (كان إذا رأى المطر قال اللهم صيبا) أي اسقنا صيبا وقوله (نافعا) تتميم في غاية الحسن لن لفظة صيبا مظنة للضرر والفساد. قال في الكشاف: الصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتكثير دل على أنه نوع من المطر شديد هائل فتممه بقوله نافعا صيانة عن الإضرار والفساد ونحوه قوله:
فسقى ديارك غير مفسدها. . . صوب الربيع وديمة تهمى
لكن نافعا في الحديث أوقع وأحسن من مفسدها اه
(خ عن عائشة) ولم يخرجه مسلم ورواه النسائي وابن ماجه لكن أبدل صاد صيبا سينا قال الحافظ العراقي: وسند الكل صحيح(5/134)
6692 - (كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه) حذرا من شره لقوله عائشة فيما رواه الترمذي استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب أو أن حكمة صرف وجهه عنه الجنوح إلى قول أبيه إبراهيم {لا أحب الآفلين} والهلال يكون من أول ليلة [ص:135] والثانية والثالثة ثم هو قمر
(د) من رواية أبي هلال محمد بن سليم الراسبي (عن قتادة) بن دعامة (مرسلا) قال ابن حجر عن المنذري: هلال لا يحتج به قال: وقد وجدت لهذا المرسل شاهدا مرسلا أيضا أخرجه مسدد في مسنده الكبير ورجاله ثقات ووجدت له شاهدا موصولا عند أبي نعيم وهو بعض حديث ورجاله ثقات إلا واحدا انتهى(5/134)
6693 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير) أي بركة (ورشد آمنت بالذي خلقك ثلاثا) أي يكرر ذلك ثلاثا (ثم يقول) بعده (الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا) قال الطيبي: إما أن يراد بالحمد الثناء على قدرته بأن مثل هذا الإذهاب العجيب وهذا المجيء الغريب لا يقدر عليه إلا الله أو يراد به الشكر على ما أولى العباد بسبب الانتقال من النعم الدينية والدنيوية ما لا يحصى وينصر هذا التأويل قوله هلال خير
(د عن قتادة بلاغا) أي أنه قال: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القيم: فيه وفيما قبله لين قال الحافظ العراقي: وأسنده أيضا الدارقطني في الأفراد والطبراني في الأوسط عن أنس وقال أبو داود: ليس في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح(5/135)
6694 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد) أي هاد إلى القيام بعبادة الحق تعالى يحدث عن ميقات الحج والصوم وغيرهما {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} (اللهم إني أسألك من خير هذا ثلاثا) أي كرر ذلك ثلاثا ثم يقول (اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر) بالتحريك (وأعوذ بك من شره) أي من شر كل منهما يقول ذلك (ثلاث مرات) قال الحكيم: اليمن السعادة والإيمان والطمأنينة بالله كأنه سأله دوامها والسلامة والإسلام أن يدوم له الإسلام ويسلم له شهره فإن لله في كل شهر حكما وقضاء في الملكوت فالمحرم شهره ورجب صفوته ورمضان مختاره وفيه تنبيه على ندب الدعاء سيما عند ظهور الآيات وتقلب أحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع ذكره التوربشتي
(طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: إسناده حسن(5/135)
6695 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله) قال الطيبي: روي بالفك والإدغام (علينا باليمن والإيمان والسلام والإسلام) وزاد قوله (ربي وربك الله) لأن أهل الجاهلية فيهم من يعبد القمرين فكأنه يناغيه ويخاطبه فيقول أنت مسخر لنا لتضيء لأهل الأرض ليعلموا عدد السنين والحساب قال القاضي: الإهلال في الأصل رفع الصوت ثم نقل إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالا لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه وهو في الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنا باليمن والإيمان انتهى. قال التوربشتي: وقوله ربي وربك الله تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز لفظ وفيه تنبيه على أن [ص:136] الدعاء مستحب سيما عند ظهور الآيات وتقلب الأحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والالتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع وقال الطيبي: لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام طلب في كل من الفقرتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما يرفقه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أن نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم كلها ومحتوية على المنافع بأسرها فدل على أن عظم شأن الهلال حيث جعل وسيلة لهذا المطلوب فالتفت إليه قائلا ربي وربك الله مقتديا بأبيه إبراهيم حيث قال {لا أحب الآفلين} بعد قوله {هذا ربي} واللطف فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم جمع بين طلب دفع المضار وجلب المنافع في ألفاظ يجمعها معنى الاشتقاق
(حم ت) في الدعوات (ك) في الأدب كلهم من حديث سليمان بن سفيان عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه (عن) جده (طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة قال الترمذي: حسن غريب وهو مستند المصنف في رمزه لحسنه ونوزع بأن الحديث عد من منكرات سليمان وقد ضعفه المديني وأبو حاتم والدارقطني وقال: لين ليس ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ وقال الحافظ ابن حجر: صححه الحاكم وغلط في ذلك فإن فيه سليمان بن سفيان ضعفوه وإنما حسنه الترمذي لشواهده انتهى. ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده(5/135)
6696 - (كان إذا رأى الهلال قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وأعوذ بك من شر القدر) محركا (ومن شر يوم المحشر) بفتح فسكون ففتح موضع الحشر كفلس بمعنى المحشور أي المجموع فيه الناس ولا شر ولا خير أعظم من يوم المحشر وخيره ولا مساوي ولا مغارب كيف وهو يوم الفزع الأعظم
(حم طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وقال شيخه الحافظ العراقي: رواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وأحمد في مسنديهما وفيه من لم يسم بل قال الراوي: حدثني من لا أتهم انتهى. وقال ابن حجر: غريب ورجاله موثقون إلا من لم يسم(5/136)
6697 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق) أي خلق قدرة الطاعة فينا (لما تحب وترضى ربنا وربك الله) قال البعض: هذا تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز ممكن ذكره التوربشتي
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات(5/136)
6698 - (كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والسكينة والعافية والرزق الحسن) لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام كل من القرينتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما ينفعه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أنه نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم ومحتوية على المنافع بأسرها
(ابن السني عن جرير بن أنس السلمي) قال الذهبي: لا صحبة له(5/136)
6699 - (كان إذا رأى الهلال قال هلال خير الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا أسألك من خير هذا الشهر ونوره وبركته وهداه وظهوره ومعافاته) فيه كما قبله دلالة على عظم شأن الهلال حيث جعله وسيلة لمطلوبه وسأله من بركته وظهوره
(ابن السني عن عبد الله بن مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وشد الراء وبالفاء ويقال ابن أبي مطرف الأزدي شامي قال الذهبي: يروى له حديث لا يثبت قاله البخاري(5/136)
6700 - (كان إذا رأى سهيلا) الكوكب (قال لعن الله سهيلا فإنه كان عشارا فمسخ) شهابا وفي رواية للدارقطني عن ابن عمر لما طلع سهيل قال: هذا سهيل كان عشارا من عشاري اليمن يظلمهم فمسخه الله شهابا فجعله حيث ترون وفي رواية لابن السني عن ابن عمر أيضا لما طلع سهيل قال: لعن الله سهيلا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان عشارا باليمن يظلمهم ويغصبهم في أموالهم فمسخه الله تعالى شهابا فعلقه حيث ترون وفي رواية لابن عدي عن ابن عمر أيضا أن سهيلا كان عشارا فمسخه الله كوكبا وفي رواية لأبي الشيخ عن أبي الطفيل مرفوعا لعن الله سهيلا إنه كان عشارا يعشر في الأرض بالظلم فمسخه الله شهابا وفي رواية له أيضا عن جابر عن الحكم لم يطلع سهيل إلا في الإسلام فإنه ممسوخ وفي رواية له عن عطاء نظر عمر إلى سهيل فسبه وإلى الزهرة فسبها وقال: أما سهيل فكان عشارا وأما الزهرة فهي التي فتنت هاروت وماروت وفيه ذم المكس وأنه موجب لأقبح العفوبات وأشدها وأشنعها وهو المسخ
(ابن السني) عن محمد بن أحمد بن المهاجر عن الفضل بن يعقوب الزحامي عن عبد الله بن جعفر عن عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل (عن علي) أمير المؤمنين. أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1) من عدة طرق منها هذا الطريق وقال: مداره على جابر الجعفي وهو كذاب ورواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح ورواه عنه أيضا الطبراني في الكبير لكنه قال في آخره فمسخه الله شهابا قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي وفيه كلام كثير
_________
(1) [وقد أحسن بذلك ولم ينازعه المناوي. دار الحديث](5/136)
6701 - (كان إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال) قال ابن عربي: أثنى عليه على كل حال لأنه المعطي بتجليه على كل حال فبالتجلي تغير الحال على الأعيان وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال وهو خشوع تحت سلطان التجلي فله النقصان يمحو ويثبت ويوجد ويعدم وفي الحديث الذي صححه الكشف إن الله إذا تجلى لشيء خشع له فإنه يتجلى على الدوام لأن التغيرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول فشأنه التجلي وشأن الموجودات التغير بالانتقال من حال إلى حال فمنا من يعرفه ومنا من لا يعرف ومن عرفه أظهر له العبودية في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال ولما ترقى المصطفى صلى الله عليه وسلم في المعرفة إلى رتب الكمال حمده وأثنى عليه على كل حال (رب أعوذ بك من حال أهل النار) بين به أن شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأن تلك الشدائد تعم بالتحقيق لأنها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأعراض كريمة في العاقبة تتلاشى في جنبها مشقة هذه الشدائد {وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} وما سماه الله خيرا فهو أكثر مما يبلغه الوهم والنعمة ليست خيرا عن اللذة وما اشتهته النفس بمقتضى الطبع [ص:138] بل هي ما يزيد في رفعة الدرجة ذكره الإمام الغزالي
(هـ) وكذا ابن السني (عن عائشة) قال في الأذكار: وإسناده جيد ومن ثم رمز المصنف لحسنه ورواه البزار من حديث علي وفيه عبد الله بن رافع وابنه محمد غير معروفين ومحمد ابن عبد الله بن أبي رافع ضعيف كذا في المنار(5/136)
6702 - (كان إذا راعه شيء) أي أفزعه (قال الله الله ربي لا أشرك به شيئا) أي لا مشارك له في ملكه فيسن قول ذلك عند الفزع والخوف
(ن عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه لكن فيه سهل بن هاشم الشامي قال في الميزان عن الأزدي: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر. وقال أبو داود: هو فوق الثقة لكن يخطئ في الأحاديث(5/138)
6703 - (كان إذا رضي شيئا) من قول أحد أو فعله (سكت) عليه لكن يعرف الرضا في وجهه كما مر ويجيء في خبر ما يصرح به
(ابن منده) في الصحابة (عن سهيل) بضم أوله بضبط المصنف (ابن سعد الساعدي أخي سهل) بفتح أوله بضبطه ابن سعد قال الذهبي في الصحابة: يروى له حديث غريب لا يصح اه وكان يشير به إلى هذا(5/138)
6704 - (كان إذا رفأ الإنسان) وفي رواية إنسانا بفتح الراء وتشديد الفاء وبهمز وبدونه أي هنأه ودعا له بدل ما كانت عليه الجاهلية تقول في تهنئة المتزوج والدعاء له (إذا تزوج) قال القاضي: والترفيه أن يقول للمتزوج بالرفاء والبنين والرفا بكسر الراء والمد الالتئام والاتفاق من رفأت الثوب إذا أصلحته أو السكون والطمأنينة من رفوت الرجل إذا أسكنته ثم استعير للدعاء للمتزوج وإن لم يكن بهذا اللفظ وقدمها الشارع على قولهم ذلك لما فيه من التنفير عن البنات والتقدير لبغضهن في قلوب الرجال لكونه من دأب الجاهلية (قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) وفي رواية على خير قال الطيبي: إذ الأولى شرطية والثانية ظرفية وقوله قال: بارك الله جواب الشرط وإنما أتى بقوله رفا وقيده بالظرف إيذانا بأن الترفية منسوخة مذمومة وقال: أولا بارك الله لك لأنه المدعو أصالة أي بارك الله في هذا الأمر ثم ترقى منه ودعا لهما وعداه بعلى لأن المدار عليه في الذراري والنسل لأنه المطلوب بالتزوج وحسن المعاشرة والموافقة والاستمتاع بينهما على أن المطلوب الأول هو النسل وهذا تابع قال الزمخشري: ومعناه أنه كان يضع الدعاء بالبركة موضع الترفية المنهي عنها واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وقيل غير ذلك
(حم 4 ك) في النكاح (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وقال في الأذكار بعد عزوه للأربعة: أسانيده صحيحة(5/138)
6705 - (كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) تفاؤلا بإصابة المراد وحصول الإمداد ففعل ذلك سنة كما جرى عليه جمع شافعية منهم النووي في التحقيق تمسكا بعدة أخبار هذا منها وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالاجتماع فقوله في المجموع لا يندب تبعا لابن عبد السلام وقال: لا يفعله إلا جاهل في حيز المنع كما مر
(ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال أعني الترمذي: صحيح غريب لكن جزم النووي [ص:139] في الأذكار بضعف سنده(5/138)
6706 - (كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة قنت) قال النووي: فيه أن القنوت سنة في صلاة الصبح وأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان يداوم على القنوت لاقتضاء كان للتكرار قال النووي في شرح مسلم: وهو الذي عليه الكثيرون والمحققون من الأصوليين ورجحه ابن دقيق العيد وقد بين في هذا الحديث محل القنوت وقد اختلف الصحب والتابعون في ذلك وما في هذا الحديث هو ما نقل عن الخلفاء الأربعة وعليه الشافعي ومذهب جمع من الصحب منهم أبو موسى والبراء أن محله قبل الرجوع وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وذهب جمع من السلف إلى ترك القنوت رأسا وعزاه الترمذي إلى أكثر أهل العلم وتعقبوه واختلف النقل عن أحمد
(محمد بن نصر) في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه ورواه الحاكم في كتاب القنوت بلفظ كان إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه ويدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت إلخ قال الزين العراقي: وفيه المقبري ضعيف(5/139)
6707 - (كان إذا رفع بصره إلى السماء قال يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك) قال الحليمي: هذا تعليم منه لأمته أن يكونوا ملازمين لمقام الخوف مشفقين من سلب التوفيق غير آمنين من تضييع الطاعات وتتبع الشهوات
(ابن السني عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(5/139)
6708 - (كان إذا رفعت) بصيغة المجهول (مائدته) يعني الطعام (قال الحمد لله حمدا) مفعول مطلق إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل والفعل مقدر (كثيرا طيبا) خالصا عن الرياء والسمعة والأوصاف التي لا تليق بجنابه تقدس لأنه طيب لا يقبل إلا طيبا أو خالصا عن أن يرى الحامد أنه قضى حق نعمته (مباركا فيه الحمد لله الذي كفانا) أي دفع عنا شر المؤذيات (وآوانا) في كن نسكنه (غير مكفى) مرفوع على أنه خبر ربنا أي ربنا غير محتاج إلى الطعام فيكفى لكنه يطعم ويكفي (ولا مكفور) أي مجحود فضله وتعميمه (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك فيعرض عنه (ولا مستغنى عنه) بفتح النون وبالتنوين أي غير متروك الرغبة فيما عنده فلا يدعى إلا هو ولا يطلب إلا منه وإن صحت الرواية بنصب غير فهو صفة حمدا أي حمدا غير مكفى به أي نحمد حمدا لا نكتفي به بل نعود إليه مرة بعد أخرى ولا نتركه ولا نستغني عنه و (ربنا) على هذا منصوب على النداء وعلى الأول مرفوع على الابتداء وغير مكفي خبره وفيه أعاريب أخر وتوجيهات كثيرة
(حم خ د ت هـ عن أبي أمامة) الباهلي قال خالد بن معدان: شهدت وليمة ومعنا أبو أمامة فلما فرغنا قام فقال: ما أريد أن أكون خطيبا ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند فراعه من الطعام ذلك ووهم الحاكم فاستدركه(5/139)
6709 - (كان إذا ركع سوى ظهره) أي جعله كالصفيحة الواحدة (حتى لو صب عليه الماء لاستقر) مكانه فيه دليل [ص:140] لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة أن الواجب في الركوع الانحناء بحيث تنال راحتاه ركبتيه وتطمئن واكتفى أبو حنيفة بأدنى انحناء
(هـ عن وابصة) بن معبد (طب عن ابن عباس وعن أبي برزة وعن أبي مسعود) رمز المصنف لحسنه قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: سنده ضعيف لضعف طلحة بن زيد راويه قال الساجي والبخاري: منكر الحديث وأبو نعيم: لا شيء وأبو أحمد وأبو داود والمديني: يضع الحديث وابن حبان: لا يحل الاحتجاج به والأزدي: ساقط اه. قال ابن حجر: فيه طلحة بن زيد نسبه أحمد وابن المديني إلى الوضع نعم هو من طريق الطبراني جيد فقد قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أبو يعلى بسند كذلك(5/139)
6710 - (كان إذا ركع قال) في ركوعه (سبحان) علم على التسبيح أي أنزه (ربي العظيم) عن النقائص وإنما أضيف بتقدير تنكيره ونصب بفعل محذوف لزوما أي سبح (وبحمده) أي وسبحت بحمده أي بتوفيقه لا بحولي وقوتي والواو للحال أو لعطف جملة على جملة والإضافة فيه إما للفاعل والمراد من الحمد لازمه وهو ما يوجب الحمد من التوفيق أو للمفعول ومعناه سبحت ملتبسا بحمدي لك (ثلاثا) أي يكرر ذلك في ركوعه ثلاث مرات (وإذا سجد قال) في سجوده (سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا) كذلك قال جمع ومشروعية الركوع ليس من خصائص هذه الأمة لأنه تعالى أمر أهل الكتاب به مع أمة محمد بقوله {واركعوا مع الراكعين} وفيه ندب الذكر المذكور وذهب أحمد وداود إلى وجوبه والجمهور على خلافه لأنه عليه الصلاة والسلام لما علم الأعرابي المسيء صلاته لم يذكر له ذلك ولم يأمره قال القاضي: قال فإن قلت لم أوجبتم القول والذكر في القيام والقعود ولم توجبوا في الركوع والسجود قلت لأنهما من الأفعال العادية فلا بد من مميز يصرفهما عن العادة ويمحضهما وأما الركوع والسجود فهما بذاتهما يخالفان العادة ويدلان على غاية الخضوع والاستكانة ولا يفتقران إلى ما يقارنهما فيجعلهما طاعة
(د عن عقبة بن عامر) الجهني رمز المصنف لحسنه قال الحاكم: حديث حجازي صحيح الإسناد وقد اتفقا على الاحتجاج براويه غير إياس بن عامر وهو مستقيم وخرجه ابن خزيمة في صحيحه ولعل المصنف لم يطلع على تصحيح الحاكم أو لم يرتضه حيث رمز لحسنه وكأنه توقف في تصحيحه لقول أبي داود هذه الزيادة يعني قوله وبحمده أخاف أن لا تكون محفوظة لكن بين الحافظ ابن حجر ثبوتها في عدة روايات ثم قال: وفيه رد لإنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة قال: وأصلها في الصحيح عن عائشة بلفظ كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك(5/140)
6711 - (كان إذا ركع فرج أصابعه) تفريجا وسطا أي نحى كل أصبع عن التي تليها قليلا (وإذا سجد ضم أصابعه) منشورة إلى القبلة وفيه ندب تفريج أصابع يديه في الركوع لأنه أمكن وتفريقها في السجود ومثله الجلسات قال القرطبي: وحكمة ندب هذه الهيئة في السجود أنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان وقال ابن المنير: حكمته أن يظهر كل عضو بنفسه ويتمكن حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد ومقتضاه أن يستقبل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن القصد هناك إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم واحد ذكره ابن حجر
(ك هق عن واثل بن حجر) ابن ربيعة قال الذهبي: له صحبة ورواية قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره عليه الذهبي وقال الهيثمي: سنده حسن(5/140)
[ص:141] 6712 - (كان إذا رمى الجمار مشى إليه) أي الرمي (ذاهبا وراجعا) فيه أنه يسن الرمي ماشيا وقيده الشافعية برمي غير النفر أما هو فيرميه راكبا لأدلة مبينة في الفروع وقال الحنفية: كل رمي بعده رمي يرميه ماشيا مطلقا ورحجه المحقق ابن الهمام وقال مالك وأحمد: ماشيا في أيام التشريق
(ت) في الحج (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته(5/141)
6713 - (كان إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف) أي لم يقف للدعاء كما يقف في غيرها من الجمرات وعليه إجماع الأربعة وضابطه أن كل جمرة بعدها جمرة يقف عندها وإلا فلا
(هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه(5/141)
6714 - (كان إذا رمدت) قالوا: الرمد ورم حار يعرض للشحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة أو حرارة في الرأس أو البدن أو غير ذلك (عين امرأة من نسائه) يعني حلائله (لم يأتها) أي لم يجامعها (حتى تبرأ عينها) لأن الجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه وطبيعته وأخلاطه والروح والنفس وكل حركة هي مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة والعين حال رمدها في غاية الضعف فأضر ما عليها حركة الجماع وهذا من الطب المتفق عليه بلا نزاع
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أم سلمة)(5/141)
6715 - (كان إذا زوج أو تزوج امرأة نثر تمرا) فيه أنه يسن لمن اتخذ وليمة أن ينثر للحاضرين تمرا أو زبيبا أو لوزا أو سكرا أو نحو ذلك وتخصيص التمر في الحديث ليس لإخراج غيره بل لأنه المتيسر عند أهل الحجاز لكن مذهب الشافعي أن تقديم ذلك للحاضرين سنة ونثره جائز ويجوز التقاطه والترك أولى
(هق عن عائشة)(5/141)
6716 - (كان إذا سأل الله) تعالى خيرا (جعل باطن كفيه إليه وإذا استعاذ) من شر (جعل ظاهرهما إليه) لدفع ما يتصوره من مقابلة العذاب والشر فيجعل يديه كالترس الواقي عن المكروه ولما فيه من التفاؤل برد البلاء
(حم عن السائب) رمز لحسنه قال ابن حجر: وفيه ابن لهيعة وقال الهيثمي: رواه أحمد مرسلا بإسناد حسن اه. وفيه إيذان بضعف هذا المتصل فتحيز المصنف له كأنه لاعتضاده(5/141)
6717 - (كان إذا سال السيل قال اخرجوا بنا إلى هذا الوادي الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه) فيسن فعل ذلك لكل أحد. قال الشافعية: ويسن لكل أحد أن يبرز للمطر ولأول مطر آكد ويكشف له من بدنه غير عورته ويغتسل ويتوضأ في سيل الوادي فإن لم يجمعهما توضأ
(الشافعي) في مسنده (هق) كلاهما (عن يزيد بن الهاد) مرسلا ظاهره أنه لا علة فيه إلا الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: إنه مع إرساله منقطع أيضا(5/141)
6718 - (كان إذا سجد جافى) مرفقيه عن إبطيه مجافاة بليغة أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها (حتى نرى) بالنون كما [ص:142] في شرح البخاري للقسطلاني وفي رواية حتى يرى بضم التحتية مبنيا للمفعول وفي رواية حتى يبدو أي يظهر لكثرة تجافيه (بياض إبطيه) فيسن ذلك سنا مؤكدا للذكر لا الأنثى قال ابن جرير: وزعم أنه إنما فعله عند عدم الازدحام وضيق المكان لا دليل عليه والكلام حيث لا عذر كعلة أو ضيق مكان اه. والمراد يرى لو كان غير لابس ثوبا أو هو على ظاهره وأن إبطه كان أبيض وبه صرح الطبري فقال: من خصائصه أن الإبط من جميع الناس متغير اللون بخلافه ومثله القرطبي وزاد ولا شعر عليه وتعقبه صاحب شرح تقريب الأسانيد بأنه لم يثبت وبأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من بياضه كونه لا شعر له
(حم) وكذا ابن خزيمة وأبو عوانة (عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه قال أبو زرعة: صحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح ورواه ابن جرير في تهذيبه من عدة طرق عن ابن عباس وسببه عنده أنه قيل له هل لك في مولاك فلان إذا سجد وضع صدره وذراعيه بالأرض فقال: هكذا يربض الكلب ثم ذكره وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وليس كذلك بل رواه البخاري بلفظ كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه ومسلم بلفظ كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه(5/141)
6719 - (كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته) وسجد على جبهته وأنفه دون كور عمامته قال ابن القيم: لم يثبت عنه سجود على كور عمامته في خبر صحيح ولا حسن وأما خبر عبد الرزاق كان يسجد على كور عمامته ففيه متروك
(ابن سعد) في طبقاته (عن صالح بن خيران) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة تحت وراء ويقال بحاء مهملة أيضا وهو السبائي بفتح المهملة والموحدة مقصورا (مرسلا) قال الذهبي: الأصح أنه تابعي وحكى في التقريب أنه من الطبقة الرابعة(5/142)
6720 - (كان إذا سر استنار وجهه) أي أضاء (كأنه) أي الموضع الذي يتبين فيه السرور وهو جبينه (قطعة قمر) قال البلقيني: عدل عن تشبيهه بالقمر إلى بشبيهه بقطعة منه لأن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد وهو المسمى بالكلف فلو شبه بالمجموع لدخلت هذه القطعة في المشبه به وغرضه الشبيه على أكمل وجه فلذلك قال قطعة قمر يريد القطعة الساطعة الإشراق الخالية من شوائب الكدر وقال ابن حجر: لعله حين كان متلثما والمحل الذي يتبين فيه السرور جبينه وفيه يظهر السرور فوقع الشبه على بعض الوجه فناسب تشبيهه ببعض القمر قال: ويحتمل أنه أراد بقطعة قمر نفسه والتشبيه وارد على عادة الشعراء وإلا فلا شيء يعدل حسنه وفي الطبراني عن جبير بن مطعم التفت بوجهه مثل شقة القمر فهذا محمول على صفته عند الالتفات وفي رواية للطبراني كأنه دارة قمر
(ق عن كعب بن مالك)(5/142)
6721 - (كان إذا سلم من الصلاة قال ثلاث مرات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) أخذ منه بعضهم أن الأولى عدم وصل السنة التالية للفرض بل يفصل بينهما بالأوراد المأثورة
(ع عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه(5/142)
6722 - (كان إذا سلم لم يقعد) أي بين الفرض والسنة لما صح أنه كان يقعد بعد أداء الصبح في مصلاه حتى تطلع الشمس [ص:143] وقد أشار إلى ذلك البيضاوي بقوله إنما ذلك في صلاة بعدها راتبة أما التي لا راتبة بعدها فلا (إلا بمقدار ما يقول اللهم أنت السلام) أي السالم من كل ما لا يليق بجلال الربوبية وكمال الألوهية (ومنك) لا من غيرك لأنك أنت السلام الذي تعطي السلامة لا غيرك وإليك يعود السلام وكل ما يشاهد من سلامة فإنها لم تظهر إلا منك ولا تضاف إلا إليك (السلام) أي منك يرجى ويستوهب ويستفاد السلامة (تباركت يا ذا الجلال والإكرام) أي تعاظمت وارتفعت شرفا وعزة وجلالا وما تقرر من حمل لم يقعد إلا بمقدار ما ذكر على ما بين الفرض والسنة هو ما ذهب إليه ذاهبون أي لم يمكث مستقبل القبلة إلا بقدر ما يقول ذلك وينتقل ويجعل يمينه للناس ويساره للقبلة وجرى ابن حجر على نحوه فقال: المراد بالنفي نفي استمراره جالسا على هيئته قبل الإسلام إلا بقدر ما يقول ذلك فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه. وقال ابن الهمام: لم يثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم الفصل بالأذكار التي يواظب عليها في المساجد في عصرنا من قراءة آية الكرسي والتسبيحات وأخواتها ثلاثا وثلاثين وغيرها والقدر المتحقق أن كلا من السنن والأعداد له نسبة إلى الفرائض بالتبعية والذي ثبت عنه أنه كان يؤخر السنة عنه من الأذكار هو ما في هذا الحديث فهذا نص صريح في المراد وما يتخيل أنه يخالفه لم يعرفوه إذ يلزم دلالته على ما يخالف اتباع هذا النص واعلم أن المذكور في حديث عائشة هذا هو قولها لم يقعد إلا مقدار ما يقول وذلك لا يستلزم سنية أن يقول ذلك بعينه في دبر كل صلاة إذا لم يقل إلا حتى يقول أو إلى أن يقول فيجوز كونه كان مرة بأوله ومرة يقول غيره من الأوراد الواردة ومقتضى العبارة حينئذ أن السنة أن يفصل بذكر قدر ذلك وذلك يكون تقريبا فقد يزيد قليلا وقد ينقص قليلا وقد يدرج وقد يرتل فأما ما يكون زيادة غير متقاربة مثل العدد المعروف من التسبيحات والتحميدات والتكبيرات فينبغي استنان تأخيره عن الراتبة وكذا آية الكرسي ونحوها على أن ثبوت ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمواظبة فلم تثبت بل الثابت ندبه إلى ذلك ولا يلزم من ندبه إلى شيء مواظبته عليه فالأولى أن لا تقرأ الأعداد قبل السنة لكن لو فعل لم تسقط حتى إذا صلى بعد الأوراد يقع سنة مؤداة قال أبو زرعة: هذا لا يعارضه خبر إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه لأنه كان يترك الشيء وهو يحب فعله خشية المشقة على الناس والافتراض عليهم
(م 4) في الصلاة كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري(5/142)
6723 - (كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح) أي هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين (قال لا حول ولا قوة إلا بالله) قال ابن الأثير: المراد بهذا ونحوه إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور كالصلاة هنا وهو حقيقة العبودية
(حم عن أبي رافع) ورواه عنه أيضا البزار والطبراني قال الهيثمي: وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف لكن روى عنه مالك(5/143)
6724 - (كان إذا سمع المؤذن يتشهد) أي ينطق بالشهادتين في أذانه (قال وأنا وأنا) أي يقول عند شهادة أن لا إله إلا الله وأنا وعند أشهد أن محمدا رسول الله وأنا. رواه ابن حبان وبوب عليه باب إباحة الاقتصار عند سماع الأذان على وأنا وأنا. قال الطيبي: وقوله وأنا عطف على قول المؤذن يتشهد على تقدير العامل لا الاستئناف أي وأنا أشهد كما تشهد والتكرير وأنا راجع إلى الشهادتين. قال: وفيه أنه كان مكلفا أن يشهد على رسالته كسائر الأمة وفيه لو اقتصر عليه حصل له فضل متابعة الأذان كله
(د ك عن عائشة)(5/143)
[ص:144] 6725 - (كان إذا سمع المؤذن قال حي على الفلاح قال: اللهم اجعلنا مفلحين) أي فائزين بكل خير ناجين من كل ضير
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن معاوية) بن أبي سفيان. قال السخاوي: وفيه نصر بن طريف أبو جزء القصاب متروك والراوي عنه عبد الله بن واقد قال البخاري: متروك(5/144)
6726 - (كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق) جمع صاعقة وهو قصفة رعد تنقض منها قطعة من نار (قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) خص القتل بالغضب والإهلاك بالعذاب لأن نسبة الغضب إلى الله استعارة والمشبه به الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله وغليان دم القلب ثم الانتقام من المغضوب عليه وأكثر ما ينتقم به القتل فرشح الاستعارة به عرفا والإهلاك والعذاب جاريان على الحقيقة في حق الحق ولما لم يكن تحصيل المطلوب إلا بمعافاة الله كما في خبر أعوذ بمعافاتك من عقوبتك قال: وعافانا إلخ
(حم ت) في كتاب الدعاء قال الصدر المناوي: بسند جيد (ك) في الأدب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي. لكن قال النووي في الأذكار بعد عزوه للترمذي: إسناده ضعيف. قال الحافظ العراقي: وسنده حسن قال المناوي: وقد عزاه النووي في خلاصته لرواية البيهقي وقال: فيه الحجاج بن أرطأة وهو قصور فإن الحديث في الترمذي من غير طريق الحجاج اه. وقال ابن حجر: حديث غريب أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحجاج صدوق لكنه مدلس وقد صرح بالتحديث والعجب من الشيخ يعني النووي يطلق الضعف على هذا وهو متماسك وسكت على خبر ابن مسعود وقد تفرد به متهم بالكذب(5/144)
6727 - (كان إذا سمع بالاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه) فمن ذلك تبديله عاصية بجميلة والعاصي بن الأسود بمطيع لأن الطباع السليمة تنفر عن القبيح وتميل إلى الحسن المليح وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير. قال القرطبي: وهذه سنة ينبغي الاقتداء به فيها وفي أبي داود كان لا يتطير وإذا بعث غلاما سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح ورؤي بشره في وجهه فإن كره اسمه رؤي كراهته في وجهه. قال القرطبي: ومن الأسماء ما غيره وصرفه عن مسماه لكن منع منه حماية واحتراما لأسماء الله وصفاته عن أن يسمى بها فقد غير اسم حكم وعزيز كما رواه أبو داود لما فيهما من التشبه بأسماء الله تعالى
(ابن سعد) في الطبقات (عن عروة) بن الزبير (مرسلا) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن سعد وأنه لم يقف عليه موصولا ولا عجب من هذا الإمام المطلع وقد رواه بنحوه بزيادة الطبراني في الصغير عن عائشة بسند قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ولفظه كان إذا سمع اسما قبيحا غيره فمر على قرية يقال لها عفرة فسماها خضرة هذا لفظه فعدول المصنف عنه قصور أو تقصير(5/144)
6728 - (كان إذا شرب الماء قال الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا) الفرات العذب فالجمع بينهما للإطناب وهو لائق في مقام السؤال والابتهال (برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا) بضم الهمزة مرا شديد الملوحة وكسر الهمزة لغة نادرة [ص:145] (بذنوبنا) أي بسبب ما ارتكبناه من الذنوب
(حل) من حديث الفضل عن جابر بن يزيد الجعفي (عن أبي جعفر) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب مرسلا ثم قال: غريب ورواه أيضا كذلك الطبراني في الدعاء. قال ابن حجر: وهذا الحديث مع إرساله ضعيف من أجل جابر الجعفي(5/144)
6729 - (كان إذا شرب تنفس) خارج الإناء (ثلاثا) من المرات إن كان يشرب ثلاث دفعات والمراد التنفس خارج الإناء يسمي الله في أول كل مرة ويحمده في آخرها كما جاء مصرحا به في رواية واستحب بعضهم أن يكون التنفس الأول في الشرب خفيفا والثاني أطول والثالث إلى ربه ولم أقف له على أصل (ويقول هو) أي الشرب بثلاث دفعات (أهنأ) بالهمز من الهناء وفي رواية بدله أروى من الري بكسر الراء أي أكثر ريا قال ابن العربي: والهناء خلوص الشيء عن النصب والنكد والاستمراء الملائمة واللذة (وأمرأ) بالهمز من المريء أي أكثر مراءة أي أقمع للظمأ وأقوى على الهضم (وأبرأ) بالهمز من البراءة أو من البرئ أي أكثر برءا أي صحة للبدن فهو يبرئ كثيرا من شدة العطش لتردده على المعدة الملتهبة بدفعات فتسكن الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه والثالثة ما عجزت عنه الثانية وذلك اسلم للحرارة الغريزية فإن هجوم البارد يطفئها ويفسد مزاج الكبد والتنفس استمداد النفس
(حم ق عن أنس) بن مالك(5/145)
6730 - (كان إذا شرب تنفس مرتين) أي تنفس في أثناء الشرب مرتين فيكون قد شرب ثلاث مرات وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع فلا تعارض بينه وبين ما قبله وبعده من الثلاث قال ابن العربي: وبالجملة فالتنفس في الإناء يعلق به روائح منكرة تفسد الماء والإناء وذلك يعلم بالتجربة ولذلك قلنا إن الشرب على الطعام لا يكون إلا حتى يسمح فمه ولا يدخل حرف الإناء في فيه بل يجعله على الشفة ويتعلق الماء بشربه بالشفة العليا مع نفسه بالاجتذاب فإذا جاء نفسه الخارج أبان الإناء عن فيه
(ت عن ابن عباس) قال الحافظ في الفتح: سنده ضعيف(5/145)
6731 - (كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا) قال القاضي: يعني كان يشرب بثلاث دفعات لأنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في برد المعدة وضعف الأعصاب (يسمي عند كل نفس) بفتح الفاء بضبطه (ويشكر) الله تعالى (في آخرهن) بأن يقول الحمد لله إلى آخر ما جاء في الحديث المتقدم والحمد رأس الشكر كما في حديث. قال الزين العراقي: هذا يدل على أنه إنما يشكر مرة واحدة بعد فراغ الثلاث لكن في رواية للترمذي أنه كان يحمد بعد كل نفس وفي الغيلانيات من حديث ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا يحمد على كل نفس ويشكر عند أخرهن
(ابن السني) في الطب (طب) كلاهما (عن ابن مسعود) قال النووي في الأذكار عقب تخريجه لابن السني: إسناده ضعيف قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح إلا المعلى فاتفقوا على ضعفه قال البخاري: منكر الحديث وقال النسائي: متروك انتهى. وسبقه الذهبي ففي الميزان معلى بن عرفان منكر الحديث وقال الحاكم: متروك وكان من غلاة الشيعة انتهى. ومن ثم قال ابن حجر: غريب ضعيف ورواه الدارقطني أيضا في الأفراد(5/145)
6732 - (كان إذا شهد جنازة) أي حضرها (أكثر الصمات) بضم الصاد السكوت (وأكثر حديث نفسه) أي [ص:146] في أهوال الموت وما بعده من القبر والظلمة وغير ذلك
(ابن المبارك وابن سعد) في الطبقات (عن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء وشد الواو وقال: صدوق عابد ربما وهم رمي بالإرجاء (مرسلا) هو مولى المهلب بن أبي صفرة قال الذهبي: ثقة مرجئ عابد(5/145)
6733 - (كان إذا شهد جنازة رؤيت عليه كآبة) بالمد أي تغير نفس بانكسار (وأكثر حديث النفس) قال في فتح القدير: ويكره لمشيع الجنازة رفع الصوت بالذكر والقراءة ويذكر في نفسه
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة(5/146)
6734 - (كان إذا شيع جنازة علا كربه) بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه (وأقل الكلام وأكثر حديث نفسه) تفكرا فيما إليه المصير
(الحاكم في) كتاب (الكنى عن عمران بن حصين)(5/146)
6735 - (كان إذا صعد المنبر) للخطبة (سلم) فيه رد على أبي حنيفة ومالك حيث لم يسنا للخطيب السلام عنده
(هـ عن جابر) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الزيلعي: حديث رواه وسأل عنه ابن أبي حاتم أباه فقال: هذا موضوع. وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف جدا انتهى. وكيفما كان فكان الأولى للمصنف حذفه من الكتاب فضلا عن رمزه لحسنه(5/146)
6736 - (كان إذا صلى الغداة) أي الصبح (جاءه خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه) للتبرك بيده الشريفة وفيه بروزه للناس وقربه منهم ليصل كل ذي حق لحقه وليعلم الجاهل ويقتدي بأفعاله وكذا ينبغي للأئمة بعده
(حم م عن أنس) بن مالك(5/146)
6737 - (كان إذا صلى الغداة) لفظ رواية مسلم الفجر (جلس في مصلاه) أي يذكر الله تعالى كما في رواية الطبراني (حتى تطلع الشمس) حسناء هكذا هو ثابت في صحيح مسلم في رواية وأسقطها في رواية أخرى قال البيضاوي: قيل الصواب حسناء على المصدر أي طلوعها حسناء ومعناه أنه كان يجلس متربعا في مجلسه إلى ارتفاع الشمس وفي أكثر النسخ حسناء فعلى هذا يحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف والمعنى ما سبق أو حالا والمعنى حتى تطلع الشمس نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة التي تتخيل فيها عند الطلوع بسبب ما يعترض دونها على الأفق من الأبخرة والأدخنة وفيه ندب القعود في المصلى بعد الصبح إلى طلوع الشمس مع ذكر الله عز وجل
(حم م 3) كلهم في الصلاة (عن جابر بن سمرة)(5/146)
6738 - (كان إذا صلى بالناس أقبل عليهم بوجهه) أي إذا صلى صلاة ففرغ منها أقبل عليهم ولضرورة أنه لا يتحول [ص:147] عن القبلة قبل الفراغ وذلك ليذكرهم ويسألهم ويسألوه فقال: هل فيكم مريض أعوده فإن قالوا: لا قال: فهل فيكم جنازة أتبعها (فإن قالوا لا قال من رأى منكم رؤيا) مقصور غير منصرف وتكتب بالألف كراهة اجتماع مثلين (يقصها علينا) أي لنعبرها له قال الحكيم: كان شأن الرؤيا عنده عظيما فلذلك كان يسأل عنه كل يوم وذلك من أخبار الملكوت من الغيب ولهم في ذلك نفع في أمر دينهم بشرى كانت أو نذارة أو معاتبة اه. وقال القرطبي: إنما كان يسألهم عن ذلك لما كانوا عليه من الصلاح والصدق وعلم أن رؤياهم صحيحة يستفاد منها الاطلاع على كثير من علم الغيب وليسن لهم الاعتناء بالرؤيا والتشوق لفوائدها ويعلمهم كيفية التعبير وليستكثر من الاطلاع على الغيب وقال ابن حجر: فيه أنه يسن قص الرؤيا بعد الصبح والانصراف من الصلاة وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل كان عليه السلام إذا صلى الصبح قال: هل رأى أحد منكم شيئا فإذا قال رجل أنا قال خيرا تلقاه وشرا توقاه وخيرا لنا وشرا لأعدائنا والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك. الحديث وسنده ضعيف جدا قال ابن حجر: في الحديث إشارة إلى رد ما خرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس ورد على من قال من أهل التعبير يستحب أن يكون تفسير الرؤيا بعد طلوع الشمس إلى الرابعة من العصر إلى قبيل المغرب فإن الحديث دل على ندب تعبيرها قبل طلوع الشمس ولا يصح قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة. قال المهلب: تعبير الرؤيا بعد الصبح أولى من جميع الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله فيما يفكره فيما يتعلق بمعاشه وليعرض الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه
<تنبيه> قال ابن العربي: صور العالم الحق من الاسم الباطن صور الرؤيا للنائم والتعبير فيها كون تلك الصور أحوال الرائي لا غيره فما رأى إلا نفسه فهذا هو قوله في حق العارفين {ويعلمون أنه الحق المبين} أي الظاهر فمن اعتبر الرؤيا يرى أمرا هائلا ويتبين له ما لا يدركه من غير هذا الوجه فلهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يسألهم عنها لأنها جزء من النبوة فكان يحب أن يشهدها في أمته والناس اليوم في غاية من الجهل بهذه المرتبة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتني بها ويسأل كل يوم عنها والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا له رأسا وقالوا: ليس لنا أن نحكم بهذا الخيال وما لنا وللرؤيا فيستهزئون بالرائي وذلك لجهل أحدهم بمقامها وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا وفي منامه في رؤيا فهو كمن يرى أنه استيقظ وهو في نومه وهو قوله عليه السلام الناس نيام فما أعجب الأخبار النبوية لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه وعظمت ما استهونه العقل القاصر فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق تعالى
(تكميل) قالوا: ينبغي أن يكون العابر دينا حافظا ذا حلم وعلم وأمانة وصيانة كاتما لأسرار الناس في رؤياهم وأن يستغرق المنام من السائل بأجمعه ويرد الجواب على قدر السؤال للشريف والوضيع ولا يعبر عند طلوع الشمس ولا غروبها ولا زوالها ولا ليله ومن آداب الرائي كونه صادق اللهجة وينام على طهر لجنبه الأيمن ويقرأ والشمس والليل والتين والإخلاص والمعوذتين ويقول اللهم إني أعوذ بك من سيء الأحلام وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافعة حافظة غير منسية اللهم أرني في منامي ما أحب. ومن آدابه أنه لا يقصها على امرأة ولا على عدو ولا جاهل
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب(5/146)
6739 - (كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع) ليفصل بين الفرض والنفل لا للراحة من تعب القيام فسقط قول ابن [ص:148] العربي أن ذلك لا يسن إلا للمتهجد (على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله أو تشريع لنا لأن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة بخلاف اليمين فإنه يكون معلقا فلا يستغرق وهذا بخلافه عليه السلام فإن قلبه لا ينام وهذا منصوب وعليه حمل الأمر به في خبر أبي داود وأفرط ابن حزم فأخذ بظاهره فأوجب الاضطجاع على كل أحد وجعله شرطا لصحة صلاة الصبح وغلطوه قال الشافعي فيما حكاه البيهقي: وتتأدى السنة بكل ما يحصل به الفعل من اضطجاع أو مشي أو كلام أو غير ذلك اه قال ابن حجر: ولا يتقيد بالأيمن
(خ عن عائشة) ظاهره أن هذا من تفردات البخاري على مسلم وليس كذلك فقد عزاه الصدر المناوي وغيره لهما معا فقالوا: رواه الشيخان من حديث الزهري عن عروة عن عائشة(5/147)
6740 - (كان إذا صلى صلاة أثبتها) أي داوم عليها بأن يواظب على إيقاعها في ذلك الوقت أبدا ولهذا لما فاته سنة العصر لم يزل يصليها بعده وما تركها حتى لقي الله وقد عدوا المواظبة على ذلك من خصائصه
(م عن عائشة)(5/148)
6741 - (كان إذا صلى) يحتمل أراد أن يصلي ويحتمل فرغ من صلاته أما فعل ذلك في أثناء الصلاة فبعيد لأمره في أخبار بالمحافظة على سكون الأطراف فيها (مسح بيده اليمنى على رأسه ويقول بسم الله الذي لا إله غيره الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم) وهو كل أمر يهم الإنسان أو يهينه (والحزن) وهو الذي يظهر منه في القلب خشونة وضيق يقال مكان حزن أي خشن وقيل الهم والغم والحزن من واد واحد وهي ما يصيب القلب من الألم من فوات محبوب إلا أن الغم أشدهما والحزن أسهلهما
(خط عن أنس) بن مالك(5/148)
6742 - (كان إذا صلى الغداة في سفر مشى عن راحلته قليلا) الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترتحل فظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته كما وقفت عليه في سنن البيهقي وناقته تقاد ولعل المصنف حذفه سهوا
(حل) من حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس قال: غريب من حديث سليمان ويحيى (هق عن أنس) ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ كان إذا صلى الفجر في السفر مشى. قال الحافظ العراقي: وإسناده جيد(5/148)
6743 - (كان إذا ظهر في الصيف استحب أن يظهر ليلة الجمعة وإذا دخل البيت في الشتاء استحب أن يدخل ليلة الجمعة) لأنها الليلة الغراء فجعل غرة عمله فيها تيمنا وتبركا
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في الطب) النبوي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا باللفظ المزبور البيهقي في الشعب وقال: تفرد به الزبيدي عن هشام وروى من وجه آخر أضعف منه عن ابن عباس اه(5/148)
6744 - (كان إذا طاف بالبيت استلم الحجر والركن) أي اليماني زاد في رواية وكبر (في كل طواف) أي في كل طوفة فذلك سنة قال الفاكهي عن ابن جرير: ولا يرفع بالقبلة صوته كصوته كقبلة النساء قال المصنف: وفي الحجر فضيلتان الحجر وكونه على قواعد إبراهيم فله التقبيل والاستلام وللركن اليماني فضيلة واحدة فله الاستلام فقط
(ك) في الحج (عن [ص:149] ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وأقره الذهبي(5/148)
6745 - (كان إذا عرس) بالتشديد أي نزل وهو مسافر آخر الليل للاستراحة والتعريس نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة (وعليه ليل) وفي رواية للترمذي بليل أي زمن ممتد منه (توسد يمينه) أي يده اليمنى أي جعلها وسادة لرأسه ونام نوم المتمكن لاعتماده على الانتباه وعدم فوت الصبح لبعده (وإذا عرس قبل الصبح) أي قبيله (وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده) لئلا يتمكن من النوم فتفوته الصبح كما وقع في قصة الوادي فكان يفعل ذلك لأنه أعون على الانتباه وذلك تشريع وتعليم منه لأمته لئلا يثقل بهم النوم فيفوتهم أول الوقت
(حم حب ك عن أبي قتادة) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي في الشمائل بل عزاه الحميدي والمزني إلى مسلم في الصلاة وكذا الذهبي لكن قيل إنه ليس فيه(5/149)
6746 - (كان إذا عصفت الريح) أي اشتد هبوبها وريح عاصف شديد الهبوب قال داعيا إلى الله (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به) قال الطيبي: يحتمل الفتح على الخطاب ويحتمل بناؤه للمفعول اه. وفي رواية بدل أرسلت به جبلت عليه أي خلقت وطبعت عليه ذكره ابن الأثير (وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت إليه) تمامه عند مخرجه مسلم وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال لعله كما قال قوم عاد {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا (1) } اه. بنصه وكأن المصنف ذهل عنه
(حم م ت عن عائشة)
_________
(1) الآية وكان خوفه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة كما عوقب قوم عاد وسروره بزوال الخوف وتخيلت السماء من المخيلة بفتح الميم سحابة فيها رعد وبرق تخيل إليه أنها ماطرة ويقال أخالت إذا تغيرت(5/149)
6747 - (كان إذا عطس) بفتح الطاء من باب ضرب وقيل من باب قتل (حمد الله) أي أتى بالحمد عقبه والوارد عنه الحمد لله رب العالمين وروي الحمد لله على كل حال (فيقال له يرحمك الله) ظاهره الاقتصار على ذلك لكن ورد عن ابن عباس بإسناد صحيح يقال عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله (فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم) أي حالكم وقد تقدم شرحه غير مرة
(حم طب عن عبد الله بن جعفر) ذي الجناحين رمز المصنف لحسنه وفيه رجل حسن الحديث على ضعف فيه وبقية رجاله ثقات ذكره الهيثمي(5/149)
6748 - (كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض) وفي رواية غض (بها صوته) أي لم يرفعه بصيحة كما يفعله العامة وفي رواية لأبي نعيم خمر وجهه وفاه وفي أخرى كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه إلخ قال التوربشتي: هذا نوع من الأدب بين يدي الجلساء فإن العطاس يكره الناس سماعه ويراه الراؤون من فضلات الدماغ
(د ت) وقال: [ص:150] حسن صحيح (ك) في الأدب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(5/149)
6649 - (كان إذا عمل عملا أثبته) أي أحكم عمله بأن يعمل في كل شيء بحيث يداوم دوام أمثاله وذلك محافظة على ما يحبه ربه ويرضاه لقوله في الحديث المار " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "
(م د عن عائشة)(5/150)
6750 - (كان إذا غزى قال اللهم أنت عضدي) أي معتمدي قال القاضي: العضد ما يعتمد عليه ويثق به المرء في الحرب وغيره من الأمور (وأنت نصيري بك أحول) بحاء مهملة قال الزمخشري: من حال يحول بمعنى احتال والمراد كيد العدو أو من حال بمعنى تحول وقيل أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر (وبك أصول) بصاد مهملة أي أقهر قال القاضي: والصول الحمل على العدو ومنه الصائل (وبك أقاتل) عدوك وعدوي قال الطيبي: والعضد كناية عما يعتمد عليه ويثق المرء به في الخيرات ونحوها وغيرها من القوة
(حم د) في الجهاد (د ت) في الدعوات (د ك والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن أنس) بن مالك وقال الترمذي: حسن غريب ورواه عنه أيضا النسائي في يوم وليلة(5/150)
6751 - (كان إذا غضب احمرت وجنتاه) لا ينافي ما وصفه الله به من الرأفة والرحمة لأنه كما أن الرحمة والرضا لا بد منهما للاحتياج إليهما كذلك الغضب والاستقصاء كل منهما في حيزه وأوانه ووقته وإبانه قال تعالى {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وقال {أشداء على الكفار رحماء بينهم} فهو إذا غضب إنما يغضب لإشراق نور الله على قلبه ليقيم حقوقه وينفذ أوامره وليس هو من قبيل العلو في الأرض وتعظيم المرء نفسه وطلب تفردها بالرياسة ونفاذ الكلمة في شيء
(طب عن ابن مسعود وعن أم سلمة)(5/150)
6752 - (كان إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه) لأن البعد عن هيئة الوثوب والمسارعة إلى الانتقام مظنة سكون الحدة وهو أنه يسن لمن غضب أن يتوضأ
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب عن أبي هريرة)(5/150)
6753 - (كان إذا غضب لم يجترئ عليه أحد إلا علي) أمير المؤمنين لما يعلمه من مكانته عنده وتمكن وده من قلبه بحيث يحتمل كلامه في حال الحدة فأظم بها منقبة تفرد بها عن غيره
(حم ك) في فضائل الصحابة عن حسين الأشقر عن جعفر الأحمر عن مخول عن منذر (عن أم سلمة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن الأشقر وثق وقد اتهمه ابن عدي وجعفر تكلم فيه اه. ورواه الطبراني عنها أيضا بزيادة فقالت: كان إذا غضب لم يجترئ عليه أحد أن يكلمه إلا علي قال الهيثمي: سقط منه تابعي وفيه حسين الأشقر ضعفه الجمهور وبقية رجاله وثقوا اه. فأشار إلى أن فيه مع الضعف انقطاع(5/150)
6754 - (كان إذا غضبت عائشة عرك بأنفهما) بزيادة الباء (وقال) ملاطفا لها (يا عويش) منادى مصغر مرخم فيجوز ضمه وفتحه على لغة من ينتظر وعلى التمام (قولي اللهم رب محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات [ص:151] الفتن) فمن قال ذلك بصدق وإخلاص ذهب غضبه لوقته وحفظ من الضلال والوبال
(ابن السني عن عائشة)(5/150)
6755 - (كان إذا فاته) الركعات (الأربع) أي صلاتها (قبل الظهر صلاها بعد الركعتين) اللتين (بعد الظهر) لأن التي بعد الظهر هي الجابرة للخلل الواقع في الصلاة فاستحقت التقديم وأما التي قبله فإنها وإن جبرت فسنتها التقدم على الصلاة وتلك تابعة وتقديم التابع الجابر أولى كذا وجهه الشافعية ووجهه الحنفية بأن الأربع فاتت عن الموضع المسنون فلا تفوت الركعتان أيضا عن موضعهما قصدا بلا ضرورة
(هـ عن عائشة) وقال الترمذي: حسن غريب ورمز المصنف لحسنه(5/151)
6756 - (كان إذا فرغ من طعامه) أي من أكله (قال الحمد لله الذي أطعمنا) لما كان الحمد على النعم يرتبط به القيد ويستجلب به المزيد أتى به صلى الله عليه وسلم تحريضا لأمته على التأسي به ولما كان الباعث على الحمد هو الطعام ذكره أولا لزيادة الاهتمام وكان السقي من تتمته قال: وسقانا لأن الطعام لا يخلو عن الشرب في أثنائه غالبا وختمه بقوله (وجعلنا مسلمين) عقب بالإسلام لأن الطعام والشراب يشارك الآدمي فيه بهيمة الأنعام وإنما وقعت الخصوصية بالهداية إلى الإسلام كذا في المطامح وغيره
(حم 4 والضياء) المقدسي في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وخرجه البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه. قال ابن حجر: هذا حديث حسن اه وتعقبه المصنف فرمز لحسنه لكن أورده في الميزان وقال: غريب منكر(5/151)
6757 - (كان إذا فرغ من دفن الميت) أي المسلم قال الطيبي: والتعريف للجنس وهو قريب من النكرات (وقف عليه) أي على قبره هو وأصحابه صفوفا (فقال استغفروا لأخيكم) في الإسلام (وسلوا له التثبيت) أي اطلبوا له من الله تعالى أن يثبت لسانه وجنهنه لجواب الملكين قال الطيبي: ضمن سلوا معنى الدعاء كما في قوله تعالى {سأل سائل} أي ادعوا الله له بدعاء التثبيت أي قولوا ثبته الله بالقول الثابت (فإنه) الذي رأيته في أصول صحيحة قديمة من أبي داود بدل هذا ثم سلوا له التثبيت (فهو الآن يسأل) أي يسأله الملكان منكر ونكير فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار وذلك لكمال رحمته بأمته ونظره إلى الإحسان إلى ميتهم ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده قال الحكيم: الوقوف على القبر وسؤال التثبيت للميت المؤمن في وقت دفنه مدد للميت بعد الصلاة لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له اجتمعوا بباب الملك يشفعون له والوقوف على القبر بسؤال التثبيت مدد العسكر وتلك ساعة شغل المؤمن لأنه يستقبله هول المطلع والسؤال وفتنته فيأتيه منكر ونكير وخلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا الملائكة ولا الطير ولا البهائم ولا الهوام بل خلق بديع وليس في خلقهما أنس للناظرين جعلهما الله مكرمة للمؤمن لتثبته ونصرته وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب وإنما كان مكرمة للمؤمن لأن العدو لم ينقطع طمعه بعد فهو يتخلل السبيل إلى أن يجيء إليه في البرزخ ولو لم يكن للشيطان عليه سبيل هناك ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء بالتثبيت وقال النووي: قال الشافعي والأصحاب: يسن عقب دفنه أن يقرأ عنده من القرآن فإن ختموا القرآن كله فهو أحسن قال: ويندب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها وقال المظهر: فيه دليل على أن [ص:152] الدعاء نافع للميت وليس فيه دلالة على التلقين عند الدفن كما هو العادة لكن قال النووي: اتفق كثير من أصحابنا على ندبه قال الآجري في النصيحة: يسن الوقوف بعد الدفن قليلا والدعاء للميت مستقبل وجهه بالثبات فيقال اللهم هذا عبدك وأنت أعلم به منا ولا نعلم منه إلا خيرا وقد أجلسته تسأله اللهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة كما ثبته في الدنيا اللهم ارحمه وألحقه بنبيه ولا تضلنا بعده ولا تحرمنا أجره اه
(د عن عثمان) بن عفان سكت عليه أبو داود وأقره المنذري ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن ظاهر كلامه أنه لم يره لغير أبي داود مع أن الحاكم والبزار خرجاه باللفظ المزبور عن عثمان قال البزار: ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه(5/151)
6758 - (كان إذا فرغ من طعامه قال اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت وأشبعت وأرويت فلك الحمد غير مكفور) أي مجحود فضله ونعمته <تنبيه> قال في الروض: نبه بهذا الحديث ونحوه على أن الحمد كما يشرع عند ابتداء الأمور يشرع عند اختتامها ويشهد له {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك قال ابن حجر: ويحتمل كسرها على أنه حال من القائل (ولا مستغنى) بفتح النون وبالتنوين (عنك) وقد سبق تقرير هذا عما قريب
(حم عن رجل من بني سليم) له صحبة قال ابن حجر: وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي فيه ضعف من قبل حفظه وسائر رجاله ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه(5/152)
6759 - (كان إذا فرغ من تلبيته) من حج أو عمرة (سأل الله رضوانه) بكسر الراء وضمها رضاه الأكبر (ومغفرته واستعاذ برحمته من النار) فإن ذلك أعظم ما يسأل وفي رواية واستعفى برحمته من النار والاستعفاء طلب العفو أي وهو ترك المؤاخذة بالذنب فلا يعاقبه عليه قال الرافعي: واستحب الشافعي ختم التلبية بالصلاة أي والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعدهما يسأل ما أحب قال ابن الهمام: ومن أهم ما يسأل ثم طلب الحنة بغير حساب
(هق عن خزيمة بن ثابت) وتعقبه الذهبي في المهذب بأن صالح بن محمد بن زائدة لين وعبد الله الأموي فيه جهالة وقال ابن حجر: فيه صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي مدني ضعيف فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لغير البيهقي وهو عجب فقد خرجه إمام الأئمة الشافعي عن خزيمة المذكور ورواه الطبراني كذلك عن خزيمة وفيه صالح المذكور ورواه الدارقطني هكذا وقال: صالح بن محمد ضعيف(5/152)
6760 - (كان إذا فقد الرجل من إخوانه) أي لم يره (ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له وإن كان شاهدا) أي حاضرا في البلد (زاره وإن كان مريضا عاده) لأن الإمام عليه النظر في حال رعيته وإصلاح شأنهم وتدبير أمرهم وأخذ منه أنه ينبغي للعالم إذا غاب بعض الطلبة فوق المعتاد أن يسأل عنه فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل فإن كان مريضا عاده أو في غم خفض عليه أو في أمر يحتاج لمعونة أعانه أو مسافرا تفقد أهله وتعرض لحوائجهم ووصلهم بما أمكن وإلا تودد إليه ودعا له
(ع عن أنس) قال الهيثمي: فيه عباد بن كثير كان صالحا لكنه ضعيف الحديث متروك لغفلته وفي الحديث قصة طويلة(5/152)
[ص:153] 6761 - (كان إذا قال الشيء ثلاث مرات لم يراجع) بضم أوله بضبطه فيه جواز المراجعة بأدب ووقار
(الشيرازي) في الألقاب (عن أبي حدرد) الأسلمي قضية تصرف المؤلف أنه لم ير هذا الحديث لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أحمد والطبراني في الأوسط والصغير روياه باللفظ المزبور عن أبي حدرد المذكور بسند قال الهيثمي: رجاله ثقات وفيه قصة وهو أن أبا حدرد كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه فقال: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها قال: أعطه حقه قال: والذي بعثك بالحق لم أقدر عليها قال: أعطه حقه قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها وقد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن نغنم شيئا فأقضيه حقه قال: أعطه قال: وكان إذا قال الشيء ثلاثا لم يراجع فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة ومتزر ببردة فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة فقال: اشتر هذه البردة فباعها منه بالدراهم فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها فقالت: ها دونك هذا البرد وطرحته عليه(5/153)