[تابع حرف الراء](4/1)
4368 -[ص:2] (رأس العقل المداراة) قال ابن الأثير: غير مهموز ملاينة الناس وحسن صحتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك أو يؤذوك وقد يهمز ومن ثم قيل: اتق معاداة الرجال فإنك لا تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم وينبغي الاعتناء بمداراة العدو أكثر فقد قيل:
ألقى العدو بوجه لا قطوب به. . . يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأحزم الناس من يلقى أعاديه. . . في جسم حقد وثوب من مسرات
قال الماوردي: لكن ينبغي مع تألفه أن لا يكون له راكنا وبه واثقا بل يكون منه على حذر ومن مكره على تحرز فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل وجبلة لا تزول وإنما يستكف بالتأليف إظهارها ويستدفع به إضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يبيد (وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) قال ابن الأثير: روي عن ابن عباس في معناه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة لهم معروفهم وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها فإن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخله الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة وفيه أن المداراة محثوث عليها أي ما لم تؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة كما في الكشاف
(هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه: وصله منكر وإنما يروى منقطعا اه وفيه محمد بن الصباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وحميد بن الربيع فإن كان هو الخراز فقد قال ابن عدي: يسرق الحديث أو السمرقندي فمجهول وعلي بن زيد بن جذعان ضعفوه(4/2)
4369 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) مع حفظ الدين قال الغزالي: فعلى من ابتلى بمخالطة الناس مداراتهم ما أمكن ويقطع الطمع عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع خائب غالبا وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله عليها وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عداوة وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق تطلب العيوب وقل لعله قصر لعذر لم أطلع عليه وإذا أخطأوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداء إلا أن تعلق بإثم يفارقونه عن جهل فاذكر الحق بلطف بغير عنف ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لم لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم فإن أشد الناس حماقة من يزكي نفسه (وما يستغني رجل عن مشورة) فإن من اكتفى برأسه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن ثم قال حكيم: المشورة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معها رأي ولا يفقد معها حزم وقال بعض الحكماء: الخطأ مع الاسترشاد أجمل من الصواب مع الاستبداد (وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة) فإن الدنيا مزرعة الآخرة وأحكام الآخرة مترتبة على أحكامها كما سبق <تنبيه> قال ابن عربي: الناس أحوالهم بعد موتهم على قدر ما كانوا عليه في الدنيا للتفرغ لأمر ما معين أو مختلف على قدر ما تحققوا به وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا [ص:3] غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا عزا في نفسه وإما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غيره فلا يبالي في أي مقام وفي أي حال أقام عنده في ظاهره إنما المعتبر حاله في نفسه ذكر القشيري أن رجلا دفن رجلا ونزع الكفن عن خده ووضعه على التراب فقال له الميت: يا هذا أتذلني بين يدي من أعزني ورأيت أنا مثل ذلك أن صاحبي الحسن هاب غاسله أن يغسله ففتح عينه في المغسل وقال له: اغسل فلا فرق بين الحياة والموت <فائدة> أخرج العسكري عن سفيان بن عيينة قال: ما من حديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم صحيح إلا وأصله في القرآن فقيل: يا أبا محمد قوله رأس العقل بعد الإيمان المداراة أين المداراة في القرآن قال: قوله تعالى {واهجرهم هجرا جميلا} فهل الهجر الجميل إلا المداراة ومن ذلك {ادفع بالتي هي أحسن} {وقولوا للناس حسنا} {ولمن صبر وغفر} وغير ذلك
(هب عن سعيد بن المسيب مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: مرسل وضعيف وقال ابن الجوزي: متن منكر وأقول فيه محمد بن عمرو وأبو جعفر قال الذهبي: مجهول ويحيى بن جعفر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين وقال: مجهول وزيد بن الحباب قال في الكاشف: لم يكن به بأس وقد يتهم والأشعث بن نزار ضعفوه وعلي بن زيد بن جذعان قال أحمد وغيره: ليس بشيء وبه يعرف أن إسناده عدم مع كونه مرسلا(4/2)
4370 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس) أي أشرف ما دل عليه نور العقل بعد الإيمان بالله بمشاهدة عظمة الله وعزته وعقل نفسه عن السكون إلى غير الله مداراة الناس أي ملاينتهم وملاطفتهم ومن المداراة أن لا يذم طعاما ولا ينهر خادما ولا يطمع في تغيير شيء من جبلات الناس إلا ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة ومن ثمة قيل: اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل: من صحت مودته احتملت جفوته وقيل: إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء:
لما عفوت ولم أحقد علي أحد. . . أرحت نفسي من حمل العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته. . . لأدفع الشر عني بالتحيات
وأحسن البشر للإنسان أبغضه. . . كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات
ولست أسلم ممن لست أعرفه. . . فكيف أسلم من أهل المودات
الناس داء دواء الناس تركهم. . . وفي الجفاء لهم قطع الأخوات
فخالط الناس واصبر ما بليت بهم. . . أصم أبكم أعمى ذا تقيات
ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري: أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلا وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي: من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند الله وجيها مشفقا كما في الدنيا وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم [ص:4] يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى {فقولا له قولا لينا} وقال تعالى {وأعرض عن الجاهلين} قال الحليمي: ولم يكمل علم حسن المعاشرة إلا للمعصوم فإن غيره إن ضبط شيئا أغفل بإزائه غيره
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلا)(4/3)
4371 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف: لا سؤدد لسيء الخلق وودع بعض العارفين أخا له عند سفره فقال له: عظني. فقال:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه. . . ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل
<فائدة> قال في الإحياء: ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح
(فر عن أنس) وفيه يحيى بن راشد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي(4/4)
4372 - (رأس الكفر) وفي رواية رأس الفتنة أي منشؤه ذلك وابتداؤه يكون (نحو) بالنصب لأنه ظرف مستقر في محل رفع خبر المبتدأ (بالمشرق) وفي رواية للبخاري قبل المشرق أي أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل: قتل فيها خمس مئة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق وقال ابن العربي: إنما ذم المشرق لأنه كان مأوى الكفر في ذلك الزمن ومحل الفتن ثم عمه الإيمان وأيا ما كان فالحديث من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع قال ابن حجر: وهو إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة للمدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم ثم استمرت الفتن بعد البعثة من تلك الجهة (والفخر) بفتح الخاء ادعاء الشرف والعظمة (والخيلاء) بضم ففتح الكبر واحتقار الناس (في أهل الخيل والإبل والفدادين) بشد الدال وتخفف جمع فدان البقر التي يحرث عليه أو آلة الحرث والسكة فعلى التشديد فهي جمع فداد وهو من يعلو صوته في نحو خيله والفديد الصوت الشديد وعلى التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف وأيد الأول برواية وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر ووجه ذمهم شغلهم بما هم فيه عن أمر دينهم (أهل الوبر) بالتحريك أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر (والسكينة) فعيلة من السكون ذكر الصغاني أنها بكسر السين وهي الوقار والتواضع أو الطمأنينة والرحمة (في أهل الغنم) لأنهم دون أهل الوبر في التوسع والكثرة وهما سبب للفخر والخيلاء أو أراد بهم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم
(مالك) في الموطأ (ق عن أبي هريرة)(4/4)
4373 - (رأس هذا الأمر) أي الدين أو العبادة أو الأمر الذي سأل عنه السائل (الإسلام) أي النطق بالشهادتين فهو من جميع الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فلا أثر لسائر الأمور بدونه كما لا أثر لحياة الحيوان بدون رأسه ففيه استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية (ومن أسلم سلم) في الدنيا بحقن الدم وفي الآخرة [ص:5] بالفوز بالجنة إن صحبه إيمان (وعموده) الذي يقوم به ويعتمد عليه هو (الصلاة) فإنها المقيمة لشعار الدين الرافعة لمنار الإسلام كما أن العمود هو الذي يقيم البيت فهي العمل الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر (وذروة) بضم أوله وكسره قيل: وفتحه أيضا (سنامه) ذروة كل شيء أعلاه والسنام ما ارتفع من ظهر البعير (الجهاد) فهو أعلا أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم دينا وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخر شبه الأمر المذكور بفحل إبل وخصها لكونها خيار أموالهم وببيت قاتم على عمد ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والعمود والسنام وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال <تنبيه> قال ابن الزملكاني: قد استبان من هذا ونحوه أن العبادات والقربات فيها أفضل ومفضول وقد دل على ذلك المعقول والمنقول ومنها ما يوصل إلى المقام الأسنى لكن قد يعرض للمفضول ما يكسبه على غيره فضلا فليفصل ذلك ليتخذه أصلا فإن العبادة تفضل تارة بحسب زمانها وأخرى بحسب مكانها وطورا بحسب حال المتصف بها وآونة بمقتضى سببها ومرة تترجح لعموم الانتفاع وأخرى بوقوعها في بعض الأزمة أو البقاع كما مر في خبر أفضل الأعمال ونحوه والحاصل أن العبادة تكون فاضلة ومفضولة باعتبارين مختلفين كما يصير فرض الكفاية في بعض الأحوال فرض عين
(طب عن معاذ) بن جبل(4/4)
4374 - (راصوا الصفوف) أي تلاصقوا وضاموا أكتافكم بعضها إلى بعض حتى لا يكون بينكم فرجة تسع واقفا أو يلج فيها مار (فإن الشيطان يقوم في الخلل) الذي بين الصفوف ليشوش صلاتكم ويقطعها عليكم. قال القاضي: والرص ضم الشيء إلى الشيء. قال الله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص} فالتراص في الصفوف هو التداني والتقارب يقال رص البناء إذا ضم بعضه إلى بعض
(حم عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته(4/5)
4375 - (راصوا صفوفكم) أي صلوها بتواصل المناكب (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم (وحاذوا بالأعناق) (1) بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق أنفسها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه ذكره القاضي. وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف بحاء مهملة وذال معجمة ووهم من قال بمعجمتين غنم سود صغار فكأن الشيطان يتصغر حتى يدخل في تضاعيف الصف قال الزمخشري: سميت به لأنها محذوفة عن المقدار الطويل
(ن عن أنس) رمز المصنف لصحته وظاهر اقتصاره على النسائي أنه تفرد بإخراجه عن الستة وإلا لذكره كعادته وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الصلاة باللفظ المزبور
_________
(1) [وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى " المحاذاة " المراد في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء ومنهم الإمام المناوي في شرحه المذكور أعلاه: جعلها على سمت وخط واحد وليس المراد " إلصاقها " ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق
هذا ومع أنه لم يرد الأمر لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الخلفاء الراشدين ولا من الأئمة المجتهدين " بإلصاق " الأقدام فإنا نرى من يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف
ورغم حسن نية من يتبع أدعياء العلم هؤلاء فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم فهمهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبب اعتمادهم على ذلك الفهم الخاطئ دون الرجوع إلى شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين
فمن تلك المساوئ الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة أعلاه أي المحاذاة بالمناكب والأعناق
ومنها أنهم ينحنون وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك
ومنها أن المبالغين منهم يتعدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن تدبر صلاتهم وتشويشهم على الغير
ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان " كما وقف كبر؟ ؟ " أي بدون تفعل وتصنع في جميع ما يتعلق بوقفته
ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وقفة التكبر والتحدي وليست وقفة العبد المتذلل لربه
وقد أجري البحث بواسطة برنامج المحدث في الكتب التالية ولم يعثر على الأمر بالمحاذاة بين الأقدام: الجامع الصغير وزيادة الجامع الصغير ومجمع الزوائد. وإنما وجدت كلمة " حاذوا " في مثل الحديث 1366: " أقيموا الصفوف وحاذوا بالمناكب وأنصتوا. . . " والحديث 1367: " أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل. . . " ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام وإن فرض وجود الأمر " بالمحاذاة " بين " الأقدام " فتكون كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في هذا الحديث أي جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت غير مبدلين ولا مغيرين. آمين. دار الحديث](4/5)
4376 - (رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق) لم يسم الرجل ولا المسروق منه ولا المسروق (فقال له أسرقت؟) بهمزة الاستفهام وروي بدونها (قال كلا) حرف ردع أي ليس الأمر كما قلت ثم أكد ذلك بالحلف بقوله (والذي) وفي [ص:6] رواية لا والذي (لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله إذ المؤمن الكامل لا يحلف بالله كاذبا (وكذبت عيني) بالتشديد على التثنية ولبعضهم بالإفراد أي كذبت ما ظهر لي من سرقة لاحتمال أنه أخذ بإذن صاحبه أو لأنه بان له فيه حق وفي رواية للبخاري وكذبت بتخفيفها. قال بعضهم: والتخفيف هو الظاهر بدليل رواية مسلم وكذبت نفسي وهذا خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف لا أنه كذب نفسه حقيقة أو أراد صدقه في الحكم لأنه لم يحكم بعلمه وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي ويحتمل أنه رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله فلما حلف رجع إلى ظنه ذكره جمع وقال القرطبي: ظاهر قول عيسى له سرقت أنه خبر عما فعل من السرقة وكأنه حقق السرقة عليه لكونه رآه أخذ مالا لغيره ويحتمل أنه استفهام حذفت همزته وحذفها قليل وقول الرجل كلا أي لا نفي ثم أكده باليمين وقول عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي أي صدقت من حلف وكذبت ما ظهر من ظاهر السرقة فيحتمل أن يكون أخذ ما له فيه حق أو يكون لصاحبه إذن أو أخذه لتغلبه واستدل به على درء الحد بالشبهة ومنع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا وعند الشافعي جوازه إلا في الحدود
(حم ق ن هـ عن أبي هريرة)(4/5)
4377 - (رأيت ربي عز وجل) بالمشاهدة العينية التي لم يحتمل الكليم أدنى شيء منها أو القلبية بمعنى التجلي التام فقد روي عنه عليه السلام لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل والأرجح أن الله جمع له بين الرؤية البصرية والجنانية ولا يعارضه قول الله لكليمه {لن تراني} وإن كان حرف لن لتأييد النفي إذ لا يلزم من نفيها عن موسى عليه السلام نفيها عن محمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه حي موجود فلا يمتنع رؤيته عقلا وحاسية العين غير ركن للرؤية ولولا حجب النفس والهوى لرأت العين في الدنيا ما يراه القلب وعكسه <فائدة> قال المؤلف: من خصائصه رؤيته للباري تعالى مرتين وركوب البراق في أحد القولين <تنبيه> هذا لا حديث رواه الدارقطني وغيره عن أنس وزاد فيه في أحسن صورة قال المؤلف: وهذا إن حمل على رؤية المنام فلا إشكال أو اليقظة فقد سئل عنه الكمال بن الهمام فأجاب بأن هذا حجاب الصورة اه. وجاء في بعض الروايات المطعون فيها رأيت ربي في صورة شاب. قال العارف ابن عربي: وهو حال من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كلام العرب واعلم أن المثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية لأن المثلية العقلية تستحيل عليه تعالى وتقدس وإذا وصفت موجودا بصفة أو أكثر ثم وصفت غيره بتلك الصفة فقد ماثله من وجه وإن كان بينهما تباين من جهة حقائق أخر لكنهما مشتركان في روح تلك الصفة ومعناها فكل منهما على صورة الآخر في تلك الصفة فافهم وانظر كونك دليلا عليه سبحانه فإذا دخلت من باب التعرية على المناظرة سلبت النقائص التي تجوز عليك عنه وإن كانت لم تقم به قط لكن المجسم والمشبه لما أضافها إليه سلب تلك الإضافة ولولاه لم يفعل ذلك اه. وقال القاضي: الحديث ورد بألفاظ منها أي صليت الليلة ما قضى لي ووضعت جنبي في المسجد فأتاني ربي في أحسن صورة وهذا لا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المشكل مشكلا والمشكل بغير شكله ثم لم يعد ذلك تخلل في الرؤيا أو خلل في الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم تعبير المنامات ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤية الأنبياء إلى تعبير وإن كان في اليقظة فلا بد من التعبير والتأويل فأقول صورة الشيء ما به يتميز الشيء عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزؤه المميز كما يطلق ذلك في الجثث يطلق ذلك في المعاني فيقال صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا فصورته تعالى ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء البالغة إلى أقصى مراتب الكمال
(حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. ومن ثمة رمز المصنف لصحته(4/6)
4378 - (رأيت الملائكة تغسل حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب) لما قتلا شهيدين بأحد قال في مسند الفردوس: وذلك [ص:7] لأنهما أصيبا وهما جنبان اه واعلم أن الذي عليه الجمهور وهو مذهب الشافعي أن شهيد المعركة لا يغسل وأما غيره من كل مسلم فيجب غسله وإن شاهدنا الملائكة تغسله لأن المقصود من الغسل التعبد بفعلنا له فلا يسقط عنا بفعل غيرنا
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الديلمي أيضا(4/6)
4379 - (رأيت إبراهيم) الخليل (ليلة أسري بي) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (فقال يا محمد أقرئ أمتك) أي أمة الإجابة (السلام) مني عليهم (وأخبرهم) عني (أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان) جمع قاع وهي أرض مستوية لا بناء ولا غراس فيها (وغراسها) جمع غرس وهو ما يغرس والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي. وقال الطيبي: هنا إشكال لأن الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل نحو قوله تعالى {تجري من تحتها الأنهار} على أنها ليست خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة والجواب أنها كانت قيعانا ثم أوجد الله فيها الأشجار والقصور على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إنه تعالى لما يسر له العمل لينال به الثواب جعل كالغارس لتلك الأشجار مجازا إطلاقا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله الأشجار عمل العامل أسند الغرس إليه والقصد بيان طيب الجنة والتشوق إليها والحث على ملازمة قول هؤلاء الكلمات التي هي الباقيات الصالحات. (تتمة) قال المؤلف: من خصائصه اختراق السماوات والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وإحياء الأنبياء له وصلاته إماما بهم وبالملائكة واطلاعه على الجنة والنار
عد هذه البيهقي (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفي وهو ضعيف ورواه الترمذي باختصار الحوقلة(4/7)
4380 - (رأيت ليلة أسري بي) أرواح الأنبياء متشكلين بصور كانوا عليها في الحياة فرأيت (موسى رجلا آدم) أي أسمر (طوالا) بضم الطاء وتخفيف الواو أي طويلا (جعدا) أي جعد الجسم وهو اجتماعه واكتنازه لا الشعر على الأصح (كأنه من رجال شنوءة (1)) أي يشبه واحدا من هذه القبيلة والشنوءة بفتح الشين التباعد بين الأدناس لقب به حي من اليمن لطهارة نسبهم وحسن سيرتهم (ورأيت عيسى) ابن مريم (رجلا مربوع الخلق) أي بين الطول والقصر قال الطيبي: وقوله (إلى الحمرة) حال أي مائلا لونه إلى الحمرة (والبياض) فلم يكن شديد الحمرة والبياض (بسط الرأس) أي مسترسل شعر الرأس والسبوطة ضد الجعودة (ورأيت مالكا) هذه رواية البخاري في بعض النسخ. قال النووي: وأكثر الأصول ملك بالرفع وجوابه أنه منصوب لكن سقطت الألف خطأ (خازن النار) نار جهنم (و) رأيت (الدجال) تمامه عند البخاري في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه اه. قيل: وهو من كلام الراوي أدرجه دفعا لاستبعاد السامع بدليل [ص:8] قوله إياه وإلا لقال إياي
(حم ق عن ابن عباس) واللفظ للبخاري
_________
(1) أي ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. ولقب به لشنآن كان بينه وبين أهله(4/7)
4381 - (رأيت جبريل) أي على صورته التي خلق عليها قال البيهقي: وهذا من خصائصه وفي الصحيحين أنه لم يره في الصورة التي خلق عليها إلا مرتين قال ابن تيمية: يعني المرة التي في الأفق الأعلى والنزلة الأخرى عند سدرة المنتهى (له ست مئة جناح) قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد أو عن خبر الله أو ملائكته وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة لكي يبقى الكلام في كيفيتها فسبق عن السهيلي أنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة فكيف بست مئة فدل على أنها صفات لا تضبط بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالا واعترض بأن لفظ الطبراني يرجح أنها كالطير وقد ورد نثر الجناح بحيث يسد الأفق وهذا نص صريح في أن جبريل ملك موجود يرى بالعيان ويدرك بالبصر فمن زعم أنه خيال موجود في الأذهان لا العيان فقد كفر وخرج عن جميع الملل قال حجة الإسلام: والملك له صورتان مثالية وحقيقية بل يرى بصور مختلفة في وقت واحد في مكانين لكن لا ندرك حقيقة صورته بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة كما رأى النبي جبريل في صورته مرتين وكان يريه نفسه في غيرها كصورة آدمي وذلك لأن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى لأن عالم الشهادة كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلب فلا يكون إلا محاكيا للصفة وموافقا لها لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى الحسن إلا بصورة حسنة والقبيح بصورة قبيحة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق
(طب عن ابن عباس) هذا كالصريح في أنه لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ العدول للطبراني والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في تفسير النجم ورواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود بلفظ إن النبي رأى جبريل له ست مئة جناح وبلفظ رأى جبريل في صورته له ست مئة جناح ورواه ابن حبان بأتم من الكل ولفظه رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ست مئة جناح ينثر من ريشه الدر والياقوت اه(4/8)
4382 - (رأيت أكثر من رأيت من الملائكة معتمين) أي على رؤوسهم أمثال العمائم من النور إذ الملائكة أجسام نورانية لا يليق لها هذه الملابس الجسمانية كما عرف مما تقرر
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة)(4/8)
4383 - (رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد بمؤتة (ملكا) أي على صورة ملك من الملائكة (يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوضه الله جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل الله وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه الله أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اه. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعا {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود [ص:9] وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عنه بسند صحيح
(ت ك) في المناقب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه والد علي بن المديني واه اه. فقال ابن حجر في الفتح: في إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة رفعه " مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم " خرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم(4/8)
4384 - (رأيت خديجة) وفي رواية أبصرت (خديجة) بنت خويلد القرشية الأسدية زوجته (على نهر من أنهار الجنة في بيت من القصب لا لغو فيه ولا نصب) بفتح الصاد أي تعب وقد سبق تقريره موضحا وهذا يحتمل رؤية اليقظة ورؤيا المنام ورؤيا الأنبياء وحي
(طب) وكذا في الأوسط (عن جابر) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة أنها ماتت قبل أن ينزل الفرائض والأحكام فذكره. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثق اه وقد رمز المصنف لحسنه(4/9)
4385 - (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة) الظاهر أن المراد الباب الأعظم المحيط ويحتمل على كل باب من أبوابها (مكتوبا) وفي رواية يذهب (الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر) وفي رواية بثماني عشر (فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال: لأن السائل يسأل وعنده) أي وعنده شيء من الدنيا أي قد يكون ذلك (والمسقترض) أي طالب القرض (لا يستقرض إلا من حاجة) عرضت له ولولاها لما اقترض قال الحكيم: معناه أن المتصدق حسب له الدرهم الواحد بعشرة فدرهم صدقة وتسعة زيادة والقرض ضوعف له فيه فدرهم قرضه والتسعة مضاعفة فهو ثمانية عشر والدرهم القرض لم يحسب له لأنه يرجع إليه فبقي التضعيف فقط وهو ثمانية عشر والصدقة لم ترجع إليه الدرهم فصارت له عشرة بما أعطى
(هـ عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف وأصله قول ابن الجوزي: حديث لا يصح قال أحمد: خالد بن يزيد أي أحد رجاله ليس بشيء وقال النسائي: ليس بثقة(4/9)
4386 - (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم المعجمة وتخفيف الزاي أحد رؤساء خزاعة الذي ولوا البيت بعد جرهم قال ابن الكلبي: لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم نزلوا بئر مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به منهم فهو غساني وانخرعت منهم بنو عمرو بن يحيى عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة (يجر قصبه) بضم القاف وسكون الصاد أمعاءه {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} كأنه كوشف بسائر من يعاقب (في النار) لكونه استخرج من باطنه بدعة جر بها الجريرة إلى قومه. قال الزمخشري: القصب واحد الأقصاب وهي الأمعاء ومنه القصاب لأنه يعالجها وقال ابن الأثير: اسم للأمعاء كلها وقيل: ما كان أسفل البطن من الأمعاء (وكان أول من سبب السوائب) أي أول من سن عبادة الأصنام بمكة وجعل ذلك دينا وحملهم على التقرب إليها بتسيب السوائب أي إرسالها تذهب وتجيء كيف [ص:10] شاءت على ما هو مقرر في كتب التفسير وغيرها (وبحر البحيرة) (1) التي يمنحونها للطواغيت ولا يحلبها أحد واستشكل ذا بقولهم لا تعذب أهل الفترة وأجيب أن هذا خبر واحد لا يعارض به القطع ويقصر التعذيب على المنصوص عليه ونحوه كصاحب المجن وأن من بلغته الدعوة ليس بأهل فترة بل أهلها الأمم الكائنة بين الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل لهم عيسى ولا أدركوا محمدا
(حم ق عن أبي هريرة)
_________
(1) أي ووصل الوصيلة وهي الشاة إذا ولدت ثلاثة بطون أو خمسة أو سبعة فإن كان آخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة وأكل منه الرجال والنساء وإن كانت عناقا استحيوها وإن كان جديا وعناقا استحيوا الذكر من أجل الأنثى وقالوا: هذه العناق وصلت أخاها فلم يذبحوهما وكان لبن الأنثى حراما على النساء فإن مات منهما شيء أكله الرجال والنساء جميعا وحمى الحامي وهو الفحل من الإبل إذا لفح من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء ولا يمنع من كلأ ولا ماء فإذا مات أكله الرجال والنساء واعلم أن الله جعل الأنعام رفقا بالعباد ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة قال تعالى {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} فكان أهل الجاهلية يقطعون طرق الانتفاع ويذهبون نعمة الله فيها ويزيلون المصلحة والمنفعة التي للعباد فيها بفعلهم الخبيث والنعم كثيرة الفائدة سهلة الانقياد وليس لها شراسة الدواب ولا نفرة الدواب ولشدة حاجة الناس إليها لم يخلق الله لها سلاحا شديدا كأنياب السباع وجعل من شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش وجعل قدمها سلاحها لتأمن به ولما كان أكلها الحشيش اقتضت الحكمة الإلهية أن جعل لها أفواها واسعة وأسنانا حدادا وأضراسا صلابا لتطحن به الحب والنوى(4/9)
4387 - (رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر) بن الخطاب لأن القلب إذا كان مطهرا عن مرعى الشيطان وقوته وهو الشهوات وكان له حظ من سلطان الجلال وإلهية لم يثبت لمقاومته شيء وهابه كل من رآه قال ابن عباس: كانت درته أهيب عند الناس من سيوف غيره وكانوا إذا أرادوا أن يكلموه رفعوا إلى بنته حفصة هيبة له
(عد عن عائشة) رضي الله عنها(4/10)
4388 - (رأيت) زاد الطبراني في المنام (كأن امرأة سوداء ثائرة) شعر (الرأس) منتفشة من ثأر الشيء إذا انتشر وفي رواية أحمد ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس (خرجت) في رواية أخرجت بالبناء للمجهول ولعل فاعل الإخراج النبي لتسببه فيه بدعائه (من المدينة) النبوية (حتى نزلت مهيعة) (1) أي أرض مهيعة كعظيمة وهي الجحفة (فتأولتها) أي أولتها يعني فسرتها من أول الشيء تأويلا إذا فسره بما يؤول إليه قال القاضي: والتأويل اصطلاحا تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بين (أن وباء المدينة) أي مرضها والوباء مرض عام يمد ويقصر (نقل إليها) وجه التأويل أنه شق من اسم السوداء السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها والصور في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة كما يرى الشيطان في صورة كلب وخنزير ونحو ذلك. قال بعضهم: إنه يتقي شرب الماء من عين جحفة التي يقال لها عين خم فقل من شرب منها إلا حم وكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. قال السمهودي: والموجود من الحمى بالمدينة ليس حمى الوباء بل رحمة ربنا ودعوة نبينا التكفير
(خ ت هـ) في تعبير الرؤيا (عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) بفتح الميم وسكون الهاء بعدها تحتية مفتوحة ثم عين مهملة(4/10)
[ص:11] 4389 - (رؤيا المؤمن) أي الصالح كما قيده به في الرواية الآتية فإن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مؤمن صادق صالح كما في المفهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي النبوة مجموع خصال تبلغ أجزاؤها ستة وأربعين ورؤياه جزء واحد منها وفي رواية يأتي بعضها من خمسة وأربعين وسبعة وأربعين وأربعة وأربعين وسبعين وخمسين وأربعين وخمس وعشرين وستة وعشرين وستين فهذه عشر روايات أكثرها في الصحيحين ولا سبيل إلى أخذ بعضها وطرح الباقي كما قال الماوردي قال: وأصحها وأشهرها عند المحدثين الأولى وفي الجمع بينها وجوه منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد البعثة حدث بأنها جزء من ستة وعشرين فلما أكمل عشرين حدث بأربعين فلما أكمل ثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعد ذلك بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته ورواية الخمسين لجبر الكسر والسبعين للمبالغة ومنها أن هذه التجزئة في طرق الوحي إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة ومنه بالملك ومنه بالإلهام ومنه في المنام ومنه كصلصلة الجرس وغير ذلك فتكون تلك الحالات إذا عدت غايتها إلى سبعين ومنها أن من كان في صلاحه وصدقه على رتبة كاملة يناسب كمال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءا من نبوة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكمالاتهم متفاضلة فكذا نسبة مقامات العارفين واستوجهه في المفهم وعبر النبوة دون الرسالة لأن الرسالة تزيد عليها بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها على بعض المغيبات
(حم ق عن أنس حم ق د ت عن عبادة بن الصامت حم ق هـ عن أبي هريرة) وفي الباب ابن مسعود وسمرة وحذيفة وغيرهم(4/11)
4390 - (رؤيا المسلم) وكذا المسلمة لكن إذا كان لائقا وإلا ففي الفتح عن القيرواني وغيره من أئمة التعبير أن المرأة إذا أرادت ما ليست له أهلا فهو لزوجها والعبد لسيده والطفل لأبويه (الصالح) قيل: المراد به من استبدل مزاجه وتفرغ خياله عن الأمور المزعجة واللذات الوهمية وقيل: الذي يناسب حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الإطلاع على شيء من علم الغيب (جزء من سبعين جزءا من النبوة) يعني من أجزاء علم النبوة من حيث أن فيها إخبارا عن الغيب والنبوة وإن لم تبق فعلمها باق فهو من قبيل ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أو أراد أنها كالنبوة في الحكم بالصحة لا أنها من النبوة حقيقة
(هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته(4/11)
4391 - (رؤيا المؤمن الصالح بشرى من الله) يبشره بها (وهي جزء من خمسين جزءا من النبوة) بالمعنى المقرر وقد يرى الصالح بل والفاسق والكافر الرؤيا الصادقة لكن نادرا لكثرة تمكن الشيطان منه بخلاف عكسه وحينئذ فالناس ثلاثة أقسام: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى التعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى التعبير ومن سواهم في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة أقسام: مستورون والغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيهم الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق قاله المهلب. قال القرطبي: وقد وقع لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة كمنام الملك الذي رأى سبع بقرات ومنام عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي كافرة ونحوه كثير لكنه قليل وقد يرى الصالح أضغاث [ص:12] الأحلام <تنبيه> قال ابن عربي: للرؤيا مكان ومحل وحال فحالها النوم وهو الغيبوبة عن المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة من التعب التي كانت عليه في اليقظة من الحركة وإن كانت في هواها والنوم قسمان قسم انتقال وفيه بعض راحة أو نيل غرض أو زيادة تعب والآخر قسم راحة فقط وهو النوم الخالص الصحيح الذي ذكر الله أنه جعله راحة للجوارح في حال اليقظة وجعل زمنه الليل غالبا وأما الانتقال فهو النوم الذي معه رؤيا فتنقل هذا لآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ليرى ما تقرر في خزانة الخيال التي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات وما صورته القوة المصورة التي هي في بعض خدم هذه الخزانة لترى النفس الناطقة ما استقر في خزانتها وما ثم في طبقات العالم من يعطي الأمر على ما هو عليه سوى الحضرة الخيالية فإنها تجمع بين ضدين وفيها تظهر الحقائق على ما هي عليه إما حال النوم أو الغيبة عن الحس بأي نوع كان وهي في النوم أتم وجودا وأعمه لأنه للعارفين والعامة وحال الغيبة والفناء والمحو لا يكون للعامة في الإلهيات
(الحكيم) الترمذي (طب) وكذا في الأوسط (عن العباس بن عبد المطلب) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: فيه إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات. اه. ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور لكنه قال ستين(4/11)
4392 - (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) أي من علم النبوة زاد البخاري في رواية وما كان من النبوة فإنه لا يكذب. اه. لكن قيل: إنها مدرجة من كلام ابن سيرين وقيل: إنما خص هذا العدد لأن الوحي كان يأتيه على أربعين أو ستة وأربعين أو خمسين نوعا الرؤيا نوع من ذلك وقد حاول الحليمي تعداد تلك الأنواع (وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها) أي هي لا استقرار لها ما لم تعبر قال الطيبي: التركيب من قبيل التشبيه التمثيلي شبه الرؤيا بطائر سريع الطيران علق على رجله شيء يسقط بأدنى حركة فالرؤيا مستقرة على ما يسوقه القدر إليه من التعبير (فإذا تحدث بها سقطت) أي إذا كانت في حكم الواقع ألهم من يتحدث بها بتأويلها على ما قدر فتقع سريعا كما أن الطائر ينقض سريعا (ولا تحدث بها إلا لبيبا) أي عاقلا عارفا بالتعبير لأنه إنما يخبر بحقيقة تفسيرها بأقرب ما يعلم منها وقد يكون في تفسيره بشرى لك أو موعظة (أو حبيبا) لأنه لا يفسرها لك إلا بما تحبه
(ت عن أبي رزين) العقيلي رمز المصنف لصحته(4/12)
4393 - (رؤيا المؤمن) الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها (كلام يكلم به العبد ربه في المنام) وبه فسر بعض السلف قوله سبحانه وتعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} قال من وراء حجاب في منامه وكانت رؤيا الأنبياء وحيا وأما رؤية غيرهم فلإلقاء الشيطان فيها لا يؤمن عليها والوحي محروس بخلاف غيره ولو كانت كالوحي لم تكن غرورا وقد قص الله شأن الرؤيا في تنزيله فسماه حديثا فقال: {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} ذكره الحكيم وروى الحاكم والعقيلي عن ابن عمر أن عمر لقي عليا فقال: يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا يعرج بروحه إلى العرش فالذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي: هو حديث منكر ولم يصححه الحاكم
(طب والضياء) المقدسي (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه اه. ورواه عنه أيضا الحكيم في نوادره قال الحافظ: وهو من روايته عن شيخه عن ابن أبي عمر وهو واه وفي سنده سعيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة(4/12)
4394 - (رباط) بكسر ففتح مخففا (يوم في سبيل الله) أي ملازمة المحل الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين وإن [ص:13] كان وطنه خلافا لابن التين بشرط نية الإقامة به لدفع العدو (خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باق وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستولاء وهو أعم من الظرفية وأقوى وهذا دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد ففيه رد على مالك في قوله أقله أربعون يوما وكثيرا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إليه لكن غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في كثير من المواطن (وموضع سوط أحدكم) الذي يجاهد به العدو (في الجنة خير من الدنيا وما عليها) مما ذكر (والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة) أي فضلها والغدوة بالفتح المرة من الغدو وهو الخروج أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة من الرواح وهو من الزوال إلى الغروب وأو للتقسيم لا للشك (خير من الدنيا وما عليها) أي ثوابها أفضل من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان بحذافيرها وتنعم بجميعها والمراد أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة ولا يختص بالغدو والرواح من بلده أو المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الحاصل لمن لو حصلت الدنيا كلها لأنفقها في الطاعة
(حم خ) في الجهاد (ت عن سهل بن سعد) الساعدي وعزاه ابن الأثير لمسلم قال المناوي: ولعله وهم(4/12)
4395 - (رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (وليلة خير من صيام شهر وقيامه) لا يعارضه رواية خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل لاحتمال إعلامه بالزيادة أو لاختلاف العاملين أو العمل أو الإخلاص أو الزمن (وإن مات) أي المرابط وإن لم يجر له ذكر لدلالة قوله (مرابطا) عليه (جرى عليه عمله) أي أجر عمله (الذي كان يعمله) حال رباطه أي لا ينقطع أجره وهذه فضيلة لا يشركه فيها أحد ولا ينافيه عد جمع نحو عشرة ممن يجري عليهم ثوابهم بعد موتهم لأن المجرى على هذا ثواب عمله وثواب رباطه وأما أولئك فشيء واحد قال الطيبي: ومعنى جري عمله عليه أن يقدر له من العمل بعد موته كما جرى منه قبل الممات (وأجري عليه رزقه) أي يرزق في الجنة كالشهداء (وأمن) بفتح فكسر وفي رواية بضم الهمزة وزيادة واو (من الفتن) بفتح الفاء أي فتنة القبر وروى وأمن فتاني القبر أي اللذين يفتنان المقبور وفي رواية بضمها جمع فاتن وتكون للجنس أي كل ذي فتنة أو هو من إطلاق الجمع على اثنين أو أكثر من اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين فقد ورد ثلاثة وأربعة (1)
(م) في الجهاد (عن سلمان)
_________
(1) وقال الشيخ ولي الدين: المراد به مسائله منكر ونكير قال: ويحتمل أن يكون المراد أنهما لا يجيئان إليه ولا يختبرانه بالكلية بل يكفي موته مرابطا في سبيل الله شاهدا على صحة إيمانه ويحتمل أنهما يجيئان إليه لكن يأنس بهما بحيث إنهما لا يضرانه ولا يروعانه ولا يحصل له بسبب مجيئهما فتنة اه(4/13)
4396 - (رباط يوم) واحد في سبيل الله (خير من صيام شهر وقيامه) لا يناقضه ما قيل قبله إنه خير من الدنيا وما فيها ولا ما بعده خير من ألف يوم لأن فضل الله مستزاد وجوده وكرمه منوال كل وقت ويمكن كون ذلك بحسب اختلاف الزمن والعمل والعامل قال القاضي: الرباط المرابطة وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في شفرهم وهؤلاء خيولهم في شفرهم ويكون كل منهم معد لصاحبه متربصا لقصده ثم اتسع فيه فأطلقت على ربط الخيل واستورادها لغزو أو عدو حيث كان وكيف كان وقد يتجوز به للمقام بأرض والتوقف فيها <تنبيه> هذا الحديث رواه أحمد بلفظ رباط يوم وليلة أفضل [ص:14] من صيام شهر وقيامه صائما لا يفطر وقائما لا يفتر قال أبو البقاء: صائما وقائما حالان وصاحب الحال محذوف دل عليه من صيام شهر وقيامه والتقرير أن يصوم الرجل شهرا ويقومه صائما وقائما
(حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف(4/13)
4397 - (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) فجعل حسنة الجهاد بألف وأخذ البعض من تعبيره بالجمع المحلى بلام الاستغراق أن المرابط أفضل من المجاهد في المعركة وعكسه بعضهم مجيبا بأن الحديث في حق من فرض عليه الرباط وتعين بنصب الإمام قال في المطامح: اختلف هل الأفضل الجهاد أم الرباط والحديث يدل على أن الرباط أفضل لأنه جعله الغاية التي ينتهي إليها أعمال البر والرباط بحقن دماء المسلمين والجهاد بسفك دماء المشركين فانظر ما بين الدمين حتى يصح لك أفضل العملين
(ت ن ك) في الجهاد (عن عثمان) بن عفان قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(4/14)
4398 - (رباط شهر خير من صيام دهر) فيه جواز السجع وحسن موقعه سيما إذا كان غير مقصود ولا تكلف كما هنا (ومن مات) حال كونه (مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر) يوم القيامة (وغدي عليه برزقه وريح من الجنة) ببناء غدي وريح إلى المفعول (ويجري عليه أجر المرابط) ما دام في قبره (حتى يبعثه الله) يوم القيامة من الآمنين {الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
(طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته(4/14)
4399 - (رباط يوم في سبيل الله يعدل عبادة شهر أو سنة) شك من الراوي (صيامها وقيامها من مات مرابطا في سبيل الله أعاذه الله من عذاب القبر وأجرى له أجر رباطه ما قامت الدنيا) أي مدة بقائها وهذا إذا قصد بذلك حراسة الدين ونصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى وإلا لم يحصل له الثواب الموعود
(الحارث عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو عجيب فقد عزاه الديلمي لمسلم من حديث سلمان ولعل المصنف ذهل عنه(4/14)
4400 - (رب) قال الولي العراقي: فيها ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها كلاهما مع التشديد والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو متحركة ومع التجرد منها فهذه اثني عشرة والضم والفتح مع سكون الباء وضم الحرفين مع التشديد والتخفيف (أشعث) أي ثائر الشعر مغبره قد أخذ فيه الجهد حتى أصابه الشعث وغلبته الغبرة قال القاضي: الأشعث المغبر الرأس المتفرق الشعر وأصل التركيب هو التفرقة والانتشار (مدفوع بالأبواب) أي يدفع عند إرادته الدخول على الأعيان والحضور في المحافل إما باللسان أو باليد واللسان احتقارا له فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يقعد معهم ويجلس بينهم (لو أقسم) حلف (على الله) ليفعل شيئا (لأبره) أي أبر قسمه وأوقع مطلوبه إكراما له وصونا ليمينه عن الحنث لعظم [ص:15] منزلته عنده أو معنى القسم الدعاء وإبراره إجابته ورب هنا للتقليل قال في المغني: وليست هي للتقليل دائما خلافا للأكثر ولا للتكثير دائما خلافا لابن درستويه جمع بل للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا. إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك ليبصرك مراتب الشعث الغبر الأصفياء الأتقياء ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك تقديم ما قدموا ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويعلمك أن الزينة إنما هي بلباس التقوى <تنبيه> قال في المنن: من الأخفياء الشعث من يجاب دعاؤه كلما دعا حتى أن بعض السوقة كان كل من دعا عليه مات لوقته وأراد جماع زوجته فقالت: الأولاد متيقظون فقال: أماتهم الله فكانوا سبعة فصلوا عليهم بكرة النهار فبلغ البرهان المتولي فأحضره وقال: أماتك الله فمات وقال: لو بقي لأمات خلقا كثيرا
(حم م) في الرقاق (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وفي الباب ابن عمرو وغيره(4/14)
4401 - (رب أشعث) أي جعد الرأس (أغبر) أي غير الغبار لونه لطول سفره في طاعة كحج وجهاد وزيارة رحم وكثرة عبادة (ذي طمرين) تثنية طمر وهو الثوب الخلق (ينبو عنه أعين الناس) أي ترجع وتغض عن النظر إليه احتقارا له واستهانة به يقال نبا السيف عن الضرب إذا رجع من غير قطع ونبا الطبع عن الشيء نفر فلم يقبله (لو أقسم على الله لأبره) أي لو سأل الله وأقسم عليه أن يفعله لفعل ولم يخيب دعوته وذلك لأن الانكسار ورثاثة الحال والهيئة من أعظم أسباب الإجابة ومن ثم ندب ذلك في الاستسقاء قال الحسن: احترقت أخصاص (1) بالبصرة إلا خص وسطها فقيل لصاحبها: ما لخصك لم تحترق قال: أقسمت على ربي أن لا يحرقه. ورأى أبو حفص رجلا مدهوشا فقال: مالك قال: ضل حماري ولا أملك غيره فوقف أبو حفص وقال: لا أخطو خطوة ما لم ترد حماره فظهر حماره فورا قال الغزالي: وهذا يجري لذوي الأنس وليس لغيرهم التشبه بهم وقال الجنيد: أهل الأنس يقولون في خلوتهم أشياء هي كفر عند العامة وفيه أن العبرة بالقلوب والأديان لا باللباس والمتاع والأبدان
(ك) في الرقائق (حل) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأقول: فيه عند أبي نعيم محمد بن زيد الأسلمي ضعفه النسائي وقبله وغيره
_________
(1) جمع خص قال في المصباح: الخص بيت من قصب والجمع أخصاص مثل قفل وأقفال(4/15)
4402 - (رب ذي طمرين لا يؤبه به) أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه لحقارته (لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضاه وتمامه في رواية ابن عدي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا اه. قال بعض الصوفية: وهذه الطائفة العلية أهل الولاية الكبرى المكتسبة بالتخلق والتحقق وهم النازلون في العالم منزلة القلب في الجسد فهم تحت حكم الحق وتحت رتبة الأنبياء وفوق العامة بالتصريف وتحتهم بالافتقار وهم أهل التسليم والأدب والعلم والعمل والانكسار والافتقار والذلة والعجز والصبر على البلاء والقيام تحت الأسباب وتجرع الغصص الموت الأحمر والأزرق والأبيض والأسود وأهل الهمة والدعوة والخفاء والظهور والإلهام والتقييد والإطلاق وحفظ حقوق المراتب والأسباب وأهل القدم الراسخ النافذ في كل شيء وهم أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم وورثته ونوابه وحفظته ووكلاؤه وأهل الحشر والنشر والحساب والوزن والمشي على الصراط كما يمشي عليه أدنى المؤمنين فهم المجهولون عند غالب الناس في الدارين لعدم ظهورهم في الدنيا بشيء من صفات السادة وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر أهل الثبات عند كشف الساق في المحشر وهم المطلعون على جريان الأقدار وسريانها في الخلق وهم العبيد اختيارا سادة اضطرارا المكاشفون بعلم دهر الدهور من الأبد إلى الأزل في نفس واحد فكما تنزل الحق تعالى بإخباره لنا أنه ينزل إلى سماء الدنيا ليعلمنا التواضع مع بعضنا فكذا هم يتنزلون مع العامة بقدر أفهامهم اه. وفيه إيماء إلى مدح الخمول وقيل: الاقتصار على الخمول أدعى [ص:16] إلى السلامة ورب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا والناس إنما اطلاعهم على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات وإنما الذي يعتبر عند الله خلوص الضمائر وتقوى القلوب وعلمهم من ذلك بمعزل فينبغي أن لا يتجرأ أحد على أحد استهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الحال وذا عاهة في بدنه أو غير لين في محادثته فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا منه فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهانة بمن عظمه الله وقد بلغ السلف إفراط توقيهم وتصونهم إلى أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي فعله ذكره الزمخشري <تنبيه> قال بعض العارفين: لا تحقر أحدا من خلق الله فإنه تعالى ما احتقره حين خلقه فلا يكون الله يظهر العناية بإيجاد من أوجده من عدم وتأتي أنت تحتقره فإن ذلك احتقار بمن أوجده وهو من أكبر الكبائر
(البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير جارية بن هرم وقد وثقه ابن حبان على ضعفه(4/15)
4404 - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع) قال الغزالي: قيل هو الذي يفطر على حرام أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام (ورب قائم) أي متهجد في الأسحار (ليس له من قيامه إلا السهر) كالصلاة في الدار المغصوبة وأداها بغير جماعة لغير عذر فإنها تسقط القضاء ولا يترتب عليها الثواب ذكره الطيبي
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي(4/16)
4405 - (رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم من صيامه الجوع والعطش) بمعنى أنه لا ثواب فيه لفقد شرط حصوله وهو الإخلاص أو الخشوع أو المراد لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وفي خبر مر " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل " وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح فلا يعاقب عقاب ترك العبادة بل يعاتب أشد عتاب حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ك هق عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: إسناده حسن وقال تلميذه الهيثمي: رجاله موثوقون(4/16)
4403 - (رب طاعم شاكر) لله تعالى على ما رزقه (أعظم أجرا من صائم صابر على ألم الجوع وفقد المألوف فالشاكر الذي تكامل شكره أعظم أجرا من الصابر فإن أول مقامه أنه صبر عن الطغيان بالنعمة ثم شكر المنعم برؤيتها منه وشكر النعمة حيث لم يستعز بها على معصية والصائم الصابر له مجرد الصبر وهذا من أقوى حجج من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا(4/16)
4406 - (رب عذق) بفتح العين وسكون الذال بضبط المصنف النخلة وبالكسر العرجون بما فيه (مذلل) بضم أوله والتشديد بضبط المصنف أي مسهل على من يجتني من التمر ويروى مدلى (لابن الدحداحة) ويقال ابن الدحداح بفتح الدالين المهملتين وسكون الحاء المهملة بينهما صحابي أنصاري لا يعرف إلا بأبيه مات في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه (في الجنة) مكافأة له على كونه تصدق بحائطه المشتمل على ست مئة نخلة لما سمع قوله سبحانه وتعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا}
(ابن سعد) في الطبقات (عن ابن مسعود) قال: لما نزل {من ذا الذي يقرض الله} الآية. قال ابن الدحداح: يا رسول الله استقرضنا ربنا قال: نعم قال: فإني أقرضته حائطا فيه ست مئة نخلة فذكره قال الهيثمي: رواه البزار وفيه حميد بن عطاء الأعرج [ص:17] ضعيف والطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل بن قيس ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب وغفول غريب فقد خرجه الإمام مسلم عن بدار عن غندر عن سعيد عن سماك عن جابر بن سمرة يرفعه(4/16)
4407 - (رب عابد جاهل) أي يعبد الله على جهل فيسخط الرحمن ويضحك الشيطان وهذا مضرته في الآخرة أعظم من غير المتعبد (ورب عالم فاجر) أي فاسق فعلمه وبال عليه (فاحذروا الجهال من العباد) بالتشديد جمع عابد (والفجار من العلماء) أي احترزوا عن الاعتزاز بتلبيساتهم فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بسببهم تتدرع إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق
(عد فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه ذكر أن بشرا الأنصاري أحد رواته وضاع وساق له أحاديث هذا منها ونقله عنه في الميزان كذلك فاقتصار المصنف على العزو له من سوء التصرف(4/17)
4408 - (رب معلم حروف أبي جاد دارس في النجوم) أي يتلو علمها ويقرر درسها (ليس له عند الله خلاق) أي حظ ولا نصيب (يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وأعطى كل ذي حظ حظه لانشغاله بما فيه اقتحام خطر وخوض جهالة وأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يعني وتضييع للعمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة وذلك غاية الخسران وهذا محمول على علم التأثير لا التسيير كما سلف ويجيء جمعا بين الأدلة وقد ورد النهي عن تعليم الصبيان حروف أبي جاد وذكر أنها من هجاء جاد والنهي للكرامة لا للتحريم إذ لا ضرورة في تعلمها وعن ابن عباس أن أول كتاب أنزل من السماء أبو جاد
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن يزيد العمي وهو كذاب ورواه عنه أيضا حميدة بن زنجويه بلفظ رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق(4/17)
4409 - (رب حامل فقه غير فقيه) أي غير مستنبط علم الأحكام من طريق الاستدلال بل يحمل الرواية من غير أن يكون له استدلال واستنتج منه ذكره في القواطع (ومن لم ينفعه علمه ضره) وفي رواية غره (جهله اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه) قال الذهبي: إشارة إلى أن الفهوم تتفاضل وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أورده عليك أو حرف معناه فلا تبادر إلى تضليله ولهذا قال علي كرم الله وجهه لمن قال له أطلحة والزبير كانا على باطل: يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: وفيه شهر بن حوشب(4/17)
4410 - (ربيع أمتي العنب والبطيخ) جعلهما ربيعا للأبدان لأن الإنسان يرتاح لأكلهما ويميل إليه فيربو نفعهما في البدن وينمو به ويظهر حسنه كما أن الربيع إظهار آثار رحمة الله وإحياء الأرض بعد موتها وفيه فضل العنب والبطيخ وهل [ص:18] الأفضل البطيخ أو العنب؟ فيه خلاف والأكثرين على تفضيل الثاني والأولى أكلهما معا ليكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا
(أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي (في كتاب الأطعمة وأبو عمرو النوقاني) بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون نسبة إلى نوقان إحدى مدينتي طوس (في كتاب البطيخ فر) وكذا العقيلي في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن أحمد بن مهدي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: ضعيف جدا عن محمد بن ضوء قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به كذاب متهتك بالخمرة والفجور عن عطاف بن خالد قال ابن معين: لا بأس به وقال أبو حاتم: ليس بذلك وقال الحاكم: ليس بمتين غمزه مالك وسبق أن السلمي وضاع ولهذا أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات وسكت عليه المؤلف في مختصرها(4/17)
4411 - (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) إضافة الشهر إلى الله يدل على شرفه وفضله ومعنى الإضافة الإشارة إلى أن تحريمه من فعل الله ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحللونه (1) ويحرمون مكانه صفر وأخذ بقضيته بعض الشافعية فذهب إلى أن رجب أفضل الأشهر الحرم قال ابن رجب وغيره: وهو مردود والأصح أن الأفضل بعد رمضان المحرم ولرجب سبعة عشر اسما سردها إلى رجب وغيره وله أحكام معروفة أفردت بالتأليف
<تنبيه> قال في كتاب الصراط المستقيم: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خبر كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب وقال النووي: لم يثبت في صوم رجب ندب ولا نهي بعينه ولكن أصل الصوم مندوب
(أبو الفتح بن الفوارس في أماليه عن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث ضعيف جدا هو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث اه. وكلام المؤلف كالصريح في أنه لم يره مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس من طرق ثلاث وابن نصر وغيرهما من حديث أنس باللفظ المزبور بعينه
_________
(1) في الأصل: " يحرولونه " وهو خطأ والصواب كما يدل عليه سياق النص هو " يحلونه " أو " يحللونه " فاخترنا هذا الخير. دار الحديث(4/18)
4412 - (رحم الله أبا بكر) إنشاء بلفظ الخبر أي بجاه وأنعم عليه في الدارين (زوجني ابنته) عائشة (وحملني إلى دار الهجرة) المدينة على ناقة له (وأعتق بلالا من ماله) لما رآه يعذب في الله عذابا شديدا (وما نفعني مال في الإسلام) لعل المراد به في نصرته (ما نفعني مال أبي بكر) (1) روى ابن عساكر أنه أسلم وله أربعون ألف دينار وفي رواية أربعون ألف درهم فأنفقها عليه ولا يعارضه حديث البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه الراحلة إلى الهجرة إلا بالثمن لاحتمال أنه أبرأه منه وفي رواية أنه أبراه منه وفي رواية أنه لما قال انفعني إلخ بكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. قال ابن المسيب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه وقد فسر [ص:19] قوله سبحانه {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى} بأن المراد منه أبو بكر قال في القوارف وغيره: ومن هنا عد الصوفية في الأخلاق شكر المحسن على الإحسان والدعاء له مع كمال توحيدهم وقطعهم النظر عن الأغيار ومشاهدتهم النعم من المنعم الجبار لكن يفعلونه اقتداء بسيدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم فإذا ارتقى الصوفي إلى ذروة التوحيد شكر الخلق بعد شكر الحق ويثبت لهم وجودا في المنع والعطاء بعد أن يرى المسبب أولا ولسعة علمه لا يحجبه الخلق عن الحق وفي النوادر عن بعضهم أدخلت صوفيا منزلي فقدمت له لبنا وسكرا فتناوله وقال: نحمد الله لا نحمدك فوضعت رجلي على عنقه فأخرجته ورجعت أكلته مع أهلي (رحم الله عمر) بن الخطاب (يقول الحق ولو كان مرا (2)) فكان لا يخاف في الله لومة لائم ومن ثمة قال: (لقد تركه الحق) أي قول الحق والعمل به (وما له من صديق) لعدم انقياد أكثر الخلق للحق ونفرتهم ممن يتصلب فيه ومن يلتزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الهوى قال بعض العارفين: لما لزمت النصح والتحقيق لم يتركا لي في الوجود صديقا (رحم الله عثمان) بن عفان (تستحيه الملائكة) أي تستحيي منه وكان أحيى هذه الأمة (وجهز جيش العسرة) من خالص ماله بما منه ألف بعير بأقتابها والمراد به تبوك كما في البخاري في المغازي (وزاد في مسجدنا) مسجد المدينة (حتى وسعنا) فإنه لما كثر المسلمون ضاق عليهم فصرف عليه عثمان حتى وسعه (رحم الله عليا) ابن أبي طالب (اللهم أدر الحق معه حيث دار) ومن ثم كان أقضى الصحابة وأفاد ندب شكر المحسن والاعتراف له في الملأ والمحافل والمجامع وليس ذلك تنقيصا لقدر الشاكر بل تعظيما له لظهور اتصافه بالإنصاف والمكافأة بالجميل
(ت عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: هذا الحديث يعرف بمختار قال البخاري: هو منكر الحديث وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه يتعمدها اه. وفي الميزان: مختار بن نافع منكر الحديث جدا ثم أورد من مناكيره هذا الخبر
_________
(1) فيه من الأخلاق الحسان شكر المنعم على الإحسان والدعاء له مع التوكل وصفاء التوحيد وقطع النظر عن الأغيار ورؤية النعم من المنعم الجبار
(2) أي كريها عظيم المشقة على قائله ككراهة مذاق الشيء(4/18)
4413 - (رحم الله) عبد الله (بن رواحة) بفتح الراء والواو والمهملة مخففا البدري الخزرجي تبعهم ليلة العقبة وهو أول خارج إلى الغزو استشهد في غزوة مؤتة (كان حيثما أدركته الصلاة) وهو سائر على بعيره (أناخ) بعيره وصلى محافظة على أدائها أول وقتها (1) فإن صلى فرضا على الدابة وهي سائرة لم يصح وإن كانت واقفة وأتم الأركان صح لكن نزوله وصلاته على الأرض حيث أمكن أفضل فلذلك آثره هذا الصحابي الجليل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه همام بن نافع الصنعاني قال في الميزان عن العقيلي: حديث غير محفوظ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور وزاد الإخوة ولفظه رحم الله أخي عبد الله بن رواحة كان أينما أدركته الصلاة أناخ قال الهيثمي: إسناد حسن انتهى. فاقتصار المصنف على ابن عساكر من ضيق العطن
_________
(1) وفيه أن يسن تعجيل الصلاة أول وقتها(4/19)
4414 - (رحم الله قسا (1)) قيل: يا رسول الله تترحم على قس؟ قال: نعم إنه (كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم) الخليل وورد من طرق عن ابن عباس قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يعرف القس بن ساعدة [ص:20] الأيادي قالوا: كلنا قال: فما فعل قالوا: هلك قال: ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر يقول: أيها الناس من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم قس قسما حتما لئن كان في الأمر رضى ليكونن سخطا إن الله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فقاموا أم تركوا فناموا؟ زاد في رواية أين الآباء والأجداد أين المريض والعواد أين الفراعنة الشداد أين من بنا وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغا وجمع وأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم مالا وأطول آجالا وأبعد آمالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود اه وفي السيرة اليعمرية وغيرها أن سبب الحديث أن رجلا أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ضلت له ضالة فطلبها فرأى قسا في ظل شجرة فسلم فرد فإذا هو بعين خوارة في أرض خوارة في مسجد بين قبرين وأسدين عظيمين فإذا سبق أحدهما للماء فتبعه الآخر ضربه بقضيب بيده وقال: ارجع حتى يشرب من قبلك فقلت: ما هذان العبران قال: أخوان لي كانا يعبدان الله لا يشركان به فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قيريهما حتى ألحق بهما ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع فانكب عليهما يقول:
خليلي هبا طالما قد رقدتما. . . أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تريا أني بسمعان مفرد. . . وما لي فيها من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا. . . طوال الليالي أو يجيب صداكما
أيكفيكما طول الحياة وما الذي. . . يرد على ذي لوعة إن بكاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا. . . كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فإنكما والموت أقرب غائب. . . بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية. . . لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قسا إلخ. قال الحافظ في البيان: إن لقس وقومه فضيلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ وعظته وعجب من حسن كلامه وأظهر تصويبه وهذا شرف تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال
(طب) وكذا في الأوسط (عن غالب بن أبحر) بموحدة وجيم وزن أحمد ويقال غالب بن دلج بكسر الدال وبتحتية ثم معجمة المزني صحابي له حديث نزل الكوفة قال الهيثمي: رجاله ثفات
_________
(1) وقد كان خطيبا حكيما واعظا متعبدا وأبي مضاف إلى ضمير المتكلم وإسماعيل بدل من المضاف أو منصوبا بأعني أو خبر عن محذوف(4/19)
4415 - (رحم الله لوطا) اسم أعجمي وصرف مع العجمة والعلمية وهو ابن هاران أو هارون أخي إبراهيم وهذا تمهيد وتقدمة للخطاب المزعج كما في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (كان يأوي) لفظ رواية البخاري لقد كان يأوي أي يأوي في الشدائد (إلى ركن شديد) أي أشد وأعظم وهو الله تعالى فإنه أشد الأركان وأعظمها وأصل ذلك أن قومه ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم إلى الإقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده منهم أحد فلما أراد الله إهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفي عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءه وعاتبوه على كتمانه أمرهم فقال: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} أي لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني قال القاضي: كأنه استغرب منه هذا القول وعده نادرة إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه وهو عصمة الله وحفظه وقال غيره: ترحم عليه لسهوه في ذلك الوقت حتى [ص:21] ضاق صدره فقال: {أو آوي إلى ركن شديد} أي إلى عز العشيرة وهو كان يحب الإيواء إلى الله وهو أشد الأركان وقال النووي: يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع له فشبههم بالركن من الحبل لشدتهم ومنعتهم (وما بعث الله بعده نبيا إلا كان في ثروة) أي كثرة ومنعة (من قومه) تمنع منه من يريده بسوء وتنصره وتحوطه واستشكل بآية {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} ولو كانوا في منعة لما قتلوا منهم ببيت المقدس في يوم واحد ثلاث مئة في التقييد بعدية لوط إلاحة بأنه لم يكن في منعة بشهادة {لو أن لي بكم قوة}
(ك) في أخبار الأنبياء (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي(4/20)
4416 - (رحم الله حمير) ابن سبأ بن بشخب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة من اليمن (أفواههم سلام وأيديهم طعام) يعني أفواههم لم تزل ناطقة بالسلام على كل من لقيهم إيناسا وجبرا وأيديهم ممتدة بمناولة الطعام للضيف والجائع فجعل الأفواه والأيدي نفس السلام والطعام لمزيد المبالغة (وهم أهل أمن وإيمان) أي الناس آمنون من أيديهم وألسنتهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان مملوءة بنور الإيقان بعيدة من الشقاق نفورة من النفاق
(حم ت عن أبي هريرة) قال رجل: يا رسول الله العن حميرا فأعرض عنه مرارا فذكره(4/21)
4417 - (رحم الله خرافة) بضم الخاء المعجمة وفتح المهملة (إنه كان رجلا صالحا) اسم رجل من عذرة استهوته الجن وحدث بما رأى فكذبوه وقالوا: حديث خرافة وجعلوه على كل ما يكذبونه وكل ما يستملح أو يتعجب منه روى الترمذي عن عائشة قالت: حدث النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بحديث فقالت امرأة منهن: كأنه حديث خرافة فقال: أتدري ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن فمكث دهرا ثم رجع فكان يحدث بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس: حديث خرافة وخرج ابن أبي الدنيا في ذم البغي عن أنس قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله فقالت إحداهن: كأن هذا حديث خرافة فقال: أتدرون ما خرافة؟ إنه كان رجلا صالحا من عذرة أصابته الجن فكان فيهم حينا فرجع فجعل يحدث بأحاديث لا تكون في الإنس فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم فأمرته أن يتزوج فذكر قصة طويلة قال ابن حجر: ورجاله ثقات إلا سحنة بن معونة فلم أعرفه
(الفضل) بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي بفتح المعجمة وشد الموحدة نسبة إلى ضبة أبي إد الكوفي كان علامة راوية للأدب ثقة (في) كتاب (الأمثال) قال: ذكر إسماعيل بن أبان عن زياد البكالي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال: سألت أي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة فقال: بلغني (عن عائشة) أنها قالت: قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حدثني بحديث خرافة فقال: رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة من الجن فأسروه فقال واحد: نستعبده وقال آخر: نقتله وقال آخر: نعتقه فمر بهم رجل منهم فذكر قصة طويلة. هذا كله من رواية المفضل عن عائشة فاقتصر المصنف على الجملة الأولى وحذف ما بعدها قال الحافظ ابن حجر: ولم أر من ذكر خرافة في الصحابة لكن هذا الحديث يدل عليه(4/21)
[ص:22] 4418 - (رحم الله الأنصار (1)) الأوس والخزرج غلبت عليهم الصفة (وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) في رواية وأزواجهم وذرياتهم وفي أخرى وموالي الأنصار وهذا دعاء أو خبر وذلك لما لأصولهم من القيام في نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن معه حال شدة الخوف والضيق والعسرة وحمايتهم له حتى بلغ أوامر ربه وأظهر الدين وأسس قواعد الشريعة فعادت مآثرهم الشريفة على أبنائهم وذرياتهم ومن ثم أكد الوصية بهم في غير ما حديث
(هـ عن عمرو بن عوف) بن يزيد بن ملحة المزني ورواه عنه أيضا الطبراني وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني وهو ضعيف وقد حسن له الترمذي وبقية رجاله ثقات
_________
(1) أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم واللام للعهد جمع ناصر كأصحاب وصاحب أو جمع نصير كأشراف وشريف وهم أهل المدينة خصوا بهذا الاسم دون غيرهم من الصحابة لما فازوا به دون غيرهم حيث آثروه وأصحابه على أنفسهم في المنازل والأموال وعادوا جميع الفرق الموجودين من عرب ومن عجم بسببه وبسبب أصحابه فلهذا كان يحبهم وسماهم بالأنصار وحذر من بغضهم وجعله علامة النفاق ورغب في حبهم حتى جعل ذلك علامة الإيمان تنويها لعظيم فضلهم وفي صحيح مسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا الحكم أيضا جار في كل الصحابة إذ كل واحد منهم له سابقة وسالفة وعناء في الدين فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق لكن خص الأنصار بذلك لما ذكرنا من إيوائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ولمحبته في الأنصار قال: " ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها " وعن أنس " إن الأنصار اجتمعوا فقالوا: إلى متى نشرب هذه الآبار فلو أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لنا أن يفجر لنا هذه الجبال عيونا فجاءوا بجماعتهم إليه صلى الله عليه وسلم فلما رآهم قال: مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة قالوا: أي والله يا رسول الله قال: فإنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: الدنيا تريدون؟ اطلبوا الآخرة فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله ادع الله أن يغفر لنا فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار وفي رواية ولنساء الأنصار ولنساء أبناء الأنصار وفي رواية ولجيران الأنصار(4/22)
4419 - (رحم الله المتخللين والمتخللات (1)) أي الرجال والنساء المتخللين من آثار الطعام والمخللين شعورهم في الطهارة فإن ذلك سنة مؤكدة
(هب عن ابن عباس) وفيه قدامة بن محمد المديني قال الذهبي في الضعفاء: وخرجه ابن حبان وإسماعيل بن شيبة قال الأزدي والنسائي: منكر الحديث ومن ثم قال البيهقي عقب تخريجه: فيه نظر
_________
(1) دعا لهم بالرحمة لاحتياطهم في العبادة فيتأكد الاعتناء به للدخول في دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم(4/22)
4420 - (رحم الله المتخللين من أمتي) أمة الإجابة (في الوضوء) أي والغسل (و) في (الطعام) (1) وفي رواية " من " بدل " في " شمل الحديث المحرم فيندب له التخليل لكن برفق دعا له بالرحمة لمتابعة أدب السنة وليفعل ذلك كل مقصر رجاء دعوته والتخليل من الطعام تتبع ما بقي بين الأسنان ليخرجه بالخلال لئلا يبقى فينتن ريح الفم ويتأذى به من يناجيه فدعا له بالرحمة لاحتياطه للعبادة والأدب والحرمة وليقتدي به كل من علمه
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي أيوب) الأنصاري قال شارحه: حسن غريب ورواه عنه الديلمي
_________
(1) أحاديث التخليل المشروحة: 85، 3267، 3671، 3672، 3673، 3938، 3939، 3940، 3941، 4419، 4420، 6624، 6625، 9022](4/22)
4421 - (رحم الله المتسرولات من النساء) أي اللذين يلبسون السراويل بقصد السترة فهو لهن سنة مؤكدة محافظة على ستر [ص:23] عوراتهن ما أمكن
(قط في الأفراد ك في تاريخه) تاريخ نيسابور من حديث محمد بن القاسم العتكي عن محمد بن شاذان عن بشر بن الحكم عن عبد المؤمن بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة (هب) قال: حدثنا الحاكم إسناده هذا (عن أبي هريرة) قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس بالمسجد مرت امرأة على دابة فلما حاذته عثرت بها فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: متسرولة فذكره وفيه من لا يعرف (خط في كتاب المتفق والمفترق (1)) من حديث أبي بكر الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن بشر بن بشار عن سهل بن عبد الواسطي عن يوسف بن زياد عن عبد الرحمن (عن سعد بن طريف) قال ابن حجر: سعد بن طريف ذكره الخطيب في المتفق والمفترق وقال: يقال له صحبة ثم روى له هذا الحديث وقال: لم أكتبه إلا من هذا الوجه وفي إسناده غير واحد من المجهولين وقال ابن الجوزي: جعل الخطيب سعدا هذا من الصحابة وفرق بينه وبين سعد من طريق الإسكاف ولا أراه إلا هو وليس في الصحابة من اسمه سعد بن طريف وكان الإسكاف وضاعا للحديث ويوسف بن زياد قال الدارقطني: مشهور بالأباطيل فالحديث موضوع اه. ونازعه المؤلف في دعواه وضعه (عق) من حديث إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن الصباح بن مجاهد (عن مجاهد بلاغا) أي أنه قال: بلغني أن امرأة سقطت عن دابتها فانكشفت والنبي صلى الله عليه وسلم قريب منها فأعرض فقيل: عليها سراويل فذكره ومحمد بن مسلم ضعفه أحمد ووثقه غيره
_________
(1) هما ما اتفق لفظا وخطا وأقسامه كثيرة منها أبو عمرو الجوني اثنان أحدهما عبد الملك بن حبيب التابعي والثاني اسمه موسى بن سهيل مصري سكن بغداد روى عن هشام بن عمار وغيره. وللمتحدثين أيضا المؤتلف والمختلف وهو ما يتفق في الخط صورته ويختلف في اللفظ صفته كعثام بن علي وغنام بن أوس ويسير بن عمرو وبشير بن بشار(4/22)
4422 - (رحم الله امرءا اكتسب طيبا) أي حلالا (وأنفق قصدا) أي بتدبير واعتدال من غير إفراط ولا تفريط (وقدم فضلا) أي ما فضل عن اتفاق نفسه وممونه بالمعروف بأن تصدق به على المحتاج ليدخره (ليوم فقره وحاجته) وهو يوم القيامة. قدم ذكر الطيب إيماء إلى أنه لا ينفعه يوم الجزاء عند الله إلا ما أنفقه من الحلال قال الحرالي: ولذلك لم يأذن الله لأحد في أكله حتى يتصف بالطيب للناس الذين هم أدنى المخاطبين بانسلاخ أكثرهم من العقل والشكر والإيمان ومحى اسمه عن الذين آمنوا {كلوا من طيبات ما رزقناكم}
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن عائشة)(4/23)
4423 - (رحم الله امرءا أصلح من لسانه) بأن تجنب اللحن أو بأن ألزمه الصدق وجنبه الكذب حث على إصلاح الألسن بدعائه له بالرحمة وإصلاحه من وجهين أحدهما إصلاح نطقه بالعربية ولسان العرب أشرف الألسنة سميت عربية لإعرابها عن الأشياء وأفصحها عن الحقائق ما لم يفصح غيرها وجميع العلوم مفتقرة إليها سيما الشرعية فلا يدرك حقائق الكتاب والسنة إلا بوفور الحظ منها وروى بعض المحدثين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة بسكون اللام ثم قال مخاطبا بعض العلماء: لي منذ عشرين سنة ما حلقت رأسي قبلها لهذا النعي فقال: هذا تصحيف والحلق محركا أي نهى أن يتحلق الناس قبل الجمعة وقيل: إن النصارى كفرت بتصحيف كلمة أوحى الله إلى عيسى أنا ولدتك بالتشديد فخففوا الثاني إصلاح اللسان بالتقوى وإدامة ذكر الله أو الخير والتنزه عن كل ما يقبح شرعا أو عادة حتى يصلح لسانه فلا ينطق إلا بخير قال الحكماء: الخرس خير من الكذب وصدق [ص:24] اللسان أول السعادة وقال بعض البلغاء: لا سيف كالحق ولا عون كالصدق والكذب جماع كل شر
(ابن الأنباري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء والموحدة نسبة إلى موهب بطل من المغافر (في) كتاب (العلم عد خط في الجامع) لآداب المحدث والسامع كلهم (عن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر بقوم رموا رشفا فأخطأوا فقال: ما أسوأ رميكم قالوا: نحن متعلمين قال: لحنكم أشد علي من رميكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب باللفظ المزبور وكأنه أغفله ذهولا وأورده في الميزان في ترجمة عيسى بن إبراهيم وقال: هذا ليس بصحيح (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: حديث لا يصح(4/23)
4424 - (رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا) قال ابن قدامة: هذا ترغيب فيه لكنه لم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر راويه لم يحافظ عليها وقال الغزالي: يستحب استحبابا مؤكدا رجاء الدخول في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن دعوته مستجابة لا محالة
(د ت) وحسنه (حب) وصححه كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن القيم: اختلف فيه فصححه ابن حبان وضعفه غيره وقال ابن القطان: سكت عليه عبد الحق مسامحا لكونه من رغائب الآمال وفيه محمد بن مهيان وهاه أبو زرعة وقال الفلاس: له مناكير منها هذا الخبر(4/24)
4425 - (رحم الله امرءا تكلم فغنم) بسبب قوله الخير (أو سكت) عما لا خير فيه (فسلم) بسبب صمته عن ذلك وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الأمثال <تنبيه> قال ابن عربي: أمراض النفس قولية وفعلية وتفاريع القولية كثيرة لكن عللها وأدويتها محصورة في أمرين الواحد أن لا تتكلم إذا اشتهيت أن تتكلم والآخر أن لا تتكلم إلا فيما إن سكت عنه عصيت وإلا فلا وإياك والكلام عند استحسان كلامك فإنه حالتئذ من أكبر الأمراض وما له دواء إلا الصمت إلا أن نجبر على رفع الستر وهذا هو الضابط اه
(هب عن أنس) ابن مالك (وعن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ العراقي: في سند المرسل رجاله ثقات والمسند فيه ضعف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين(4/24)
4426 - (رحم الله عبدا قال) أي خيرا (فغنم) ثوابا (أو سكت فسلم) من العقاب قال الديلمي: قال ذلك ثلاثا وعليه قيل:
وأمسكت إمساك الغبي وإنني. . . لأنطق من طير غدا فارق عشرا؟ ؟ (1)
(وقيل) :
تأمل فلا تستطيع رد مقالة. . . إذا القول في زلاته فارق الغما
_________
(1) " فارق عشرا ": هذه العبارة غير مقروءة في الأصل وهي بحاجة إلى تصحيح فليراجع. دار الحديث
_________
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان عن أبي أمامة ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أنس(4/24)
4427 - (رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم) قال الماوردي: يشير به إلى أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر لا يمكن استرجاع بوادره ولا يقدر على دفع شوارده فحق على العاقل أن يحترز من زلله بالإمساك عنه أو الإقلال منه قال علي كرم الله وجهه: اللسان معيار إطاشة الجهل وأرجحه العقل
(ابن المبارك) في الزهد وكذا الخرائطي في مكارم الأخلاق (عن خالد بن أبي عمران مرسلا) هو التجيبي التونسي [ص:25] قاضي إفريقية عن عروة وغيره قال الذهبي: صدوق فقيه عابد مات سنة تسع وثلاثين ومئة(4/24)
4428 - (رحم الله امرءا علق في بيته سوطا يؤدب به أهله) أي من أساء الأدب منهم ولا يتركهم هملا وقد يكون التأديب مقدما على العفو في بعض الأحوال وإنما قال علق ولم يقتصر على قوله أدب مع كونه أحضر إيذانا بأنه لا يضرب أو لا يزجر ويهدد ويحضر لهم آلة الضرب فإن نجع ذلك فيهم لا يتعداه لحصول الغرض وإلا ضرب ويتقي الوجه والمقاتل ولا يقصد بضربه تشفيا ولا انتقاما وإلا عاد وباله عليه
(عد) من حديث عباد بن كثير الثقفي عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله وظاهر صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل أعله بكثير هذا ونقل تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم(4/25)
4429 - (رحم الله أهل المقبرة) بتثليث الباء اسم للموضع الذي تقبر فيه الأموات أي تدفن قال ذلك ثلاثا فسئل عن ذلك فقال: (تلك مقبرة تكون بعسقلان) بفتح فسكون بلد معروف واشتقاقه من العساقيل وهو السراب أو من العسقيل وهو الحجارة الضخمة كذا في معجم البلدان قال الحافظ ابن حجر: وكان عطاء راوي هذا الخبر يرابط بها كل عام أربعين يوما حتى مات يعني أنه يستشهد جماعة فيدفنون في مقبرة فيها وهذا علمه من طريق الكشف
(ص) عن إسماعيل بن عياش (عن عطاء الخراساني) نسبة إلى خراسان بلد مشهور قال الجرجاني: معنى خور كل وسان معناه سهل أي كل بلا تعب وقال غيره: معناه بالفارسية مطلع الشمس والعرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس فخراسان فارس كذا في المعجم (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وعطاء هو ابن أبي مسلم مولى الملهب بن أبي صعرة قال ابن حجر: صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدنس أرسل عن معاذ وأضرابه وروي عن عكرمة والطبقة وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات فتعقبه ابن حجر في القول المسدد بأنه حديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط فليس فيه ما يحيله الشرع ولا العقل فالحكم عليه بالبطلان لا يتجه وطريقة الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون الأحكام وقد ورد معناه في خبر مسند متصل عند أبي يعلى والبزار بلفظ إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استغفر وصلى على أهل مقبرة بعسقلان وفي خبر الطبراني إذا دارت الرحى في أمتي كان أهلها أي عسقلان في خير وعافية(4/25)
4430 - (رحم الله حارس الحرس) بفتح الحاء والراء اسم الذي يحرس والحارس الحافظ وفي رواية بدله الجيش وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله وكأنه وهم بل بقيته كما في الفردوس وغيره الذين يكونون بين الروم وعسكر المسلمين ينظرون لهم ويحذرونهم انتهى
: (هـ ك) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(4/25)
4431 - (رحم الله) هو ماضي بمعنى الطلب (رجلا قام من الليل) أي بعد النوم إذ لا يسمى تهجدا إلا صلاة بعد نوم (فصلى) أي ولو ركعة لخبر عليكم بصلاة الليل ولو ركعة (وأيقظ امرأته) في رواية أهله وهي أعم (فصلت فإن أبت) أن تستيقظ (نضح) أي رش (في وجهها الماء) ونبه به على ما في معناه من نحو ماء ورد أو زهر (1) وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة وإيقاظها لذلك وعكسه. (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإذا أبى نضحت في وجهه الماء) أفاد كما قال الطيبي [ص:26] أن من أصاب خيرا ينبغي أن يحب لغيره ما يحب لنفسه فيأخذ بالأقرب فالأقرب فقوله رحم الله رجلا فعل كذا تنبيه للأمة بمنزلة رش الماء على الوجه لاستيقاظ النائم وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما نال ما نال بالتهجد من الكرامة أراد أن يحصل لأمته حظ من ذلك فحثهم عليه عادلا عن صيغة الأمر للتلطف
(حم د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وتعقب بأن فيه محمد بن عجلان تكلم فيه قوم ووثقه آخرون قال النووي بعد عزوه لأبي داود: إسناده صحيح
_________
(1) [أو منشفة صغيرة مبللة. ويقول كاتب هذه الحاشية من دار الحديث: إني استيقظت مرة بعد أن نضح الماء على وجهي كما ذكر في هذا الحديث فكان ذلك الاستيقاظ رغم شدة ثقل نومي يومها أسهل وأسرع وألطف ما أذكره على الإطلاق. ثم جربته على أحد أولادي وكان صعب الاستيقاظ فقام للحظته قائلا " شكرا ". فصلى الله على من علمنا الخير ودلنا إلى ألطف وأنجح السبل في ديننا ودنيانا آمين)
وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك. وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة (الفريضة والنافلة) وإيقاظها لذلك وعكسه. دار الحديث](4/25)
4432 - (رحم الله رجلا) مات و (غسلته امرأته وكفن في أخلاقه) أي ثيابه التي أشرفت على البلى وفعل ذلك بأبي بكر غسلته امرأته أسماء وكفن في ثيابه التي كان يتبذلها كذا في سنن البيهقي
(هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس بصواب فقد قال الذهبي: إسناده ضعيف فيه الحكم بن عبد الله تركوه(4/26)
4433 - (رحم الله عبدا) أي إنسانا (كانت لأخيه عنده مظلمة) بكسر اللام على الأشهر وحكى الضم والفتح وأنكر (في عرض) بالكسر محل المدح والذم من الإنسان كما سبق (أو مال) بسائر أصنافه (فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ) أي تقبض روحه (وليس ثم) أي هناك يعني في القيامة (دينار ولا درهم) ليقضي منه ما عليه (فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته) فيوفى منها لصاحب الحق (وإن لم تكن له حسنات) أو لم توفي وبقيت عليه بقية (حملوا عليه من سيئاتهم) أي ألقي عليه أصحاب الحقوق من ذنوبهم التي اجترحوها بقدر حقوقهم ثم يقذف في النار كما صرح به في عدة أخبار وهذا الحديث خرجه مسلم بمعناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا ولفظه المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصدقة وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار ولا يعارض ذلك {ولا تزر وازرة وزر أخرى} لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الحق تعالى في عباده وقد تعلق بعض الذاهبين إلى صحة الإبراء من المجهول بهذا الحديث وقال ابن بطال: بل فيه حجة لاشتراط التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي كونها معلومة القدر وقال ابن المنير: إنما وقع في الخبر حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه إنما الخلاف فيما لو أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط معرفة قدره والحديث مطلق
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن هذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد رواه سلطان المحدثين البخاري مع خلف لفظي لا يصلح عذرا للعدول(4/26)
4434 - (رحم الله عبدا) دعاء أو خبر وقرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء (سمحا) بفتح فسكون جوادا أو مساهلا غير مضايق في الأمور وهذا صفة مشبهة تدل على الثبوت ولذا كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي حيث قال: (إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى) أي وفى ما عليه بسهولة (سمحا إذا اقتضى) أي طلب قضاء حقه [ص:27] وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة وترك المشاححة والتضييق في الطلب والتخلق بمكارم الأخلاق وقال القاضي: رتب الدعاء على ذلك ليدل على أن السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء ويكون أهلا للرحمة والاقتضاء والتقاضي وهو طلب قضاء الحق. وقال ابن العربي: فإن كان سيء القضاء حسن الطلب فمطله بما عليه يحسب له في مقابله صبره بماله على غيره
(خ هـ) في البيع (عن جابر) مطولا ومختصرا(4/26)
4435 - (رحم الله قوما يحسبهم الناس مرضى وما هم بمرضى) وإنما الذي ظهر على وجوههم من التغيير من استيلاء هيبة الجلال على قلوبهم وغلبة سلطان الخوف والقهر على أفئدتهم
(ابن المبارك) في الزهد (عن الحسن البصري مرسلا) قال الحافظ العراقي: ورواه أحمد موقوفا على علي(4/27)
4436 - (رحم الله موسى) بن عمران كليم الرحمن (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به أي آذاه قومه بأشد مما أوذيت به من تشديد فرعون وقومه وإبائه عليهم وقصده إهلاكه بل ومن تعنت من آمن معه من بني إسرائيل حتى رموه بداء الأدرة واتهموه بقتل أخيه هارون لما مات معه في التيه بعد ما رأوا من معجزاته الحسية العجائب مما جاء به التنزيل من فظاظتهم وسوء طباعهم وفحش أخلاقهم (فصبر) قيل: لما سلك بهم البحر قالوا له: إن صحبنا لا نراهم فقال: سيروا فإنهم على طريق كطريقكم قالوا: لا نرضى حتى نراهم فقال: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة ففتحت لهم كوات في الماء فتراموا وتسمعوا وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال رجل يوم حنين: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فتغير وجهه ثم ذكره (1) وكان كلامه هذا شفقة عليهم ونصحا في الدين لا تهديدا وتثريبا إيثارا لحق الله على نفسه في ذلك المقام الذي هو عقب الفتح وتمكن السلطان الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويتشفى المغيظ المحنق ويدرك ثأره المؤثر فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسمحها ولله عقولهم ما أرزنها وأرجحها قال الزمخشري: وفيه تسلية للعالم لما يلقى من الجهلة وقال الغزالي: كما لا تخلو الأنبياء من الابتلاء بالمعاندين فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين فقلما انفك ولي أو عالم عن ضروب من الإيذاء بنحو إخراج من بلدة وسعاية إلى سلطان وشهادة عليه حتى بالكفر فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا فعلى العلماء العدل والقيام بنواميس الشريعة والصدع بالحق عند السلطان وإظهار السنن وإخماد البدع والقيام لله في أمور الدين ومصالح المسلمين وتحمل الأذى المترتب على ذلك ولا يرضون من فعالهم الظاهرة والباطنة بالجائز بل يأخذون بأحسنها وأكملها فإنهم القدوة والمرجع في الأحكام وحجة الله على العوام
(حم ق عن ابن مسعود) قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مئة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مثلها وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال: ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى إلخ
_________
(1) وقال ناس من الأنصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالتهم فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع أحدا غيرهم فلما اجتمعوا قال: ما كان حديث بلغني عنكم قال له بلغاؤهم وفقهاؤهم: أما ذوو رأينا فلم يقوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض
[تنبيه: هذه الحاشية لم يذكر رقمها في ضمن شرح المناوي فوضعناه في أكثر مكان مناسبة. دار الحديث](4/27)
[ص:28] 4437 - (رحم الله يوسف) النبي (إن كان لذا أناة حليما لو كنت أنا المحبوس) ولبثت في السجن هذه اللبثة (ثم أرسل إلي لخرجت سريعا) مبادرة إلى الخلاص والاستراحة منه ولم أقل {ارجع إلى ربك} الآية وهذا قاله تواضعا ورفعة لشأن يوسف وإيثارا لإخباره بكمال فضيلته وحسن نظره في بيان نزاهته وحمدا لصبره وترك عجلته وتنبيها على أن الأنبياء وإن كانوا من الله بمكان لا يرام فهم بشر يطرأ عليهم من الأحوال ما يطرأ على غيرهم فلا يعد ذلك نقصا
(ابن جرير) المجتهد المطلق المجمع على أمانته وجلاله في التهذيب (وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(4/28)
4438 - (رحم الله أخي يوسف لو أنا) كنت محبوسا تلك المدة (وأتاني الرسول) يدعوني إلى الملك (بعد طول الحبس لأسرعت الإجابة) أي إجابة رسول الملك الذي أخبر الله عنه بقوله {فلما جاءه الرسول} (حين قال له ارجع إلى ربك) أي سيدك (فاسأله ما بال النسوة) إلى آخر الآية وهذا من حسن تواضعه وثنائه على يوسف كما تقرر لا أنه كان عليه إثم أو تقصير لو كان محل يوسف عليه السلام لخرج مع الرسول وإنما أراد لم يكن يستثقل محنة الله فيعجل بل كان صابرا محتسبا مع طول أمد الحبس عليه. قال في الكشاف: إنما تأتي وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما سجن فيه لئلا يتسلق له الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلونه سلما إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في الحبس سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير فإن قيل: إنما ذكر المصطفى هذا على جهة المدح ليوسف فما باله يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره قلنا: إنما أخذ لنفسه وجها آخر من أن الرأي وجه آخر أي لو كنت أنا لبادرت الخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك وذلك أن هذه النقيصة والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد عليه السلام حمل الناس على الأحزم من الأمور دون التعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من ذلك السجن بما يفتح له ذلك من البقاء في سجنه وإن كان يوسف أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك وقال بعضهم: خاف يوسف أن يخرج من السجن فيناله من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك المنزلة ويقولون هذا الذي راود امرأة مولاه فأراد بيان براءته وتحقيق منزلته
(حم في) كتاب (الزهد وابن المنذر عن الحسن) البصري (مرسلا)(4/28)
4439 - (رحم الله أخي يحيى) سماه أخا لأن نسب الدين أعظم من نسب الماء والطين (حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير) ابن سنتين أو ثلاث على ما في تاريخ الحاكم عن الحبر بسند واه وأصح منه أنه كان ابن ثمان (فقال) لهم (أللعب [ص:29] خلقت) استفهام إنكاري أي بل خلقت للعبادة وهي الآن مطلوبة مني لأن الله أحكم عقله في صباه وإذا كان هذا مقال من لم يبلغ الحنث (فكيف بمن أدرك الحنث في مقاله) (1) وهذا يوضحه ما رواه ابن قتيبة من حديث ابن عمرو أن يحيى دخل بيت المقدس وهو ابن ثمان فنظر إلى العباد واجتهادهم فرجع إلى أبويه فمر في طريقه بصبيان يلعبون فقالوا: هلم نلعب فقال: إني لم أخلق للعب فذلك قوله تعالى {وآتيناه الحكم صبيا}
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل
_________
(1) أي صار قوله في حال صغره كقول من بلغ وكمل عقله أي لا يليق بي اللعب لأن الله تعالى أكمل عقلي في حال صباي ويحتمل أن يكون فكيف إلخ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس من كلام يحيى(4/28)
4440 - (رحم الله من حفظ لسانه) أي صانه عن التكلم فيما لا يعنيه قال الماوردي: للكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها ولا يعرى من النقص إلا أن يستوعبها وهي أربعة: الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في جلب نفع أو دفع ضر الثاني: أن يأتي به في محله ويتوخى به إصابة فرصة الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته الرابع: أن يتخير اللفظ اللذي يتكلم به فهذه الأربعة متى أخل المتكلم بشروط منها فقد أخطأ (وعرف زمانه) (1) أي ما يليق به فعمل على ما يناسبه (واستقامت طريقته) أي استعمل القصد في أموره كتب ابن عبد العزيز إلى ولده وقد بلغه أنه اتخذ خاتما من فضة أما بعد فإنه قد بلغني عنك أنك اتخذت خاتما من فضة فإذا وصلك كتابي فبعه واشتري به طعاما وأطعمه الفقراء واتخذ خاتما من حديد وانقش عليه " رحم الله من عرف قدر نفسه فاستراح "
(فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن زياد اليشكري الميموني قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: كذاب خبيث يضع الحديث وقال الدارقطني: كذاب اه ورواه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى
_________
(1) أي زمن تكليفه الذي يجري عليه فيه القلم فيحذره أو أهل زمانه فيقتدي بصالحهم ويتباعد عن طالحهم(4/29)
4441 - (رحم الله قسا) بن ساعدة الأيادي عاش ثلاث مئة وثمانين سنة وقيل: ست مئة قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا فسألهم عنه فقالوا: مات فقال: (كأني أنظر إليه) بسوق عكاظ (على جمل) أحمر أورق أي يضرب إلى الخضرة كلون الرماد أو إلى سواد (تكلم بكلام له حلاوة لا أحفظه) فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله فقال: هاتوه فذكروا خطبته البديعة السابقة المشحونة بالحكم والمواعظ وهو أول من آمن بالبعث من الجاهلية وأول من قال أما بعد وأول من كتب من فلان إلى فلان
(الأزدي) نسبة إلى أزدشنوءة بفتح الهمزة وسكون الزاي وكسر المهملة وهو أزد بن الغوث بن نيث بن ملكان (في الضعفاء عن أبي هريرة) وورد من عدة طرق أخرى قال ابن حجر: وكلها ضعيفة قال المصنف: إذا ضم بعضها إلى بعض حكم بحسنه فزعم ابن الجوزي وضعه غير سديد(4/29)
4442 - (رحم الله والدا أعان ولده على بره) بتوفيته ما له عليه من الحقوق فكما أن لك على ولدك حقا فلولدك عليك حق فمتى كان الوالد غأويا جافيا جر ولده إلى القطيعة والعقوق
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حيان (في) كتاب (الثواب عن علي) أمير المؤمنين وكذا عن عمر وقال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف(4/29)
4443 - (رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه) أي أداه من غير زيادة ولا نقص فمن زاد أو نقص فهو مغير لا مبدل (من هو أوعى منه) أي أعظم تذكرا يقال وعى يعي عيا إذا حفظ كلاما بقلبه ودام على حفظه ولم ينسه زاد في رواية فرب مبلغ أوعى من سامع أي لما رزق من جودة الفهم وكمال العلم والمعرفة وخص مبلغ السنة بالدعاء بالرحمة لكونه سعى في إحياء السنة ونشر العلم وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} قال البعض: فيه أنه يجيء آخر الزمان من يفوق من قبله في الفهم ونازعه ابن جماعة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن زيد بن خالد الجهني) ورواه الحاكم بنحوه(4/29)
[ص:30] 4444 - (رحم الله إخواني بقزوين) في إثبات الأخوة لهم دلالة على علو مرتبتهم وحيازتهم فضيلة ذاك الجناب الأفخم ولوصفه لهم بالأخوة جعلهم جمع كالصحابة بل مقتضى الأخوة عند الإنصاف أخص من الصحبة وهي الأخوة الدينية من حيث كونهم قائمين بالحق كل القيام ذكره في المطامح
(ابن أبي حاتم في) كتاب (فضائل قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء بعدها نون مدينة كبيرة شهيرة من بلاد العجم برز منها أئمة أكابر ذكره ابن خلكان في ترجمة أخي الإمام الغزالي (عن أبي هريرة وابن عباس معا - أبو العلاء العطار فيها عن علي)(4/30)
4445 - (رحم الله عينا بكت من خشية الله) أي من خوفه (ورحم الله عينا سهرت في سبيل الله) أي في الحرس في الرباط أو في قتال الكفار عند مقاومة العدو
(حل عن أبي هريرة) وقال: غريب من حديث الثوري لم يكتبه إلا محمد بن عبد الله الحميدي عن شعيب بن حرب(4/30)
4446 - (رحمة الله علينا وعلى موسى) هذا من حسن الأدب نحو {عفا الله عنك} تمهيدا لدفع ما يوحش من نسبة العجلة وعدم التأني إليه (لو صبر) بمعنى تصبر عن المبادرة بالسؤال للخضر عن إتلاف المال وقتل نفس لم تبلغ وترك الاستخبار عن ذلك حتى يكون هو الذي يخبره كما شرط ذلك عليه بقوله {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} (لرأى من صاحبه) الخضر (العجب) تمامه عند النسائي ولكنه قال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} انتهى. فبتركه الوفاء بالشرط حرم بركة صحبته واستفادة العلم من جهته (1) قالوا: وقد أدب الله العلماء بنفسه حيث لم يرد العلم إلى الله بنفسه لما سئل هل في الأرض أعلم منك قال المرسي: كنت في البحر وانفتح المركب واشتد الريح فانفتحت السماء ونزل ملكان أحدهما يقول موسى أعلم من الخضر والآخر يقول الخضر أعلم فنزل ملك آخر فقال: والله ما علم الخضر في علم موسى إلا كعلم الهدهد في علم سليمان قال ابن حجر: هذا الحديث مما استدل به من زعم أنه لم يكن الخضر حالة هذه المقالة موجودا إذ لو كان لأمكنه أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى وأجاب من ادعى بقاءه بأن التمني إنما كان يقع بينه وبين موسى وغير موسى لا يقوم مقامه قال ابن عطاء الله: وبقاء الخضر إلى الآن أجمع عليه هذه الطائفة وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه واشتهر إلى أن بلغ حد التواتر الذي لا يمكن جحده وفيه من آداب الدعاء أنه يبدأ بنفسه وفضل العلم والأدب مع العالم وحرمة المشايخ وترك اعتراض الكبير على كبير ولو دونه في الرتبة ولا يبدره بالإنكار بل يصبر حتى يكشف له القناع وأن على المتعلم تقليد معلمه حتى فيما خالف رأيه فإن خطأ مرشده أنفع من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب أحيانا بالحرارة ليزيد في قوته إلى حد يحتمل معه صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له بالطب وقال بعضهم: هذا أصل عظيم في وجوب التسليم في كل ما جاء به الشرع وإن لم تظهر حكمته للعقول
(د ن ك) في كتاب الأنبياء (عن أبي) بن كعب (زاد الباوردي " العجاب ") قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وهذا الحديث رواه الشيخان في قصة حديث الخضر وموسى بلفظ يرحم الله موسى لوددت أن لو كان صبر حتى يقص علينا من أخبارها
_________
ولا دلالة فيه على تفضيل الخضر عليه فقد يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل(4/30)
[ص:31] 4447 - (رحماء أمتي أوساطها) أي الذي يكونون في وسطها يعني قبل ظهور الأشراط
(فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عثمان بن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وغيره وعمرو بن شعيب اختلف فيه(4/31)
4448 - (رد جواب الكتاب كرد السلام) أي إذا كتب لك رجل بالسلام في كتاب ووصل إليك وعلمته بقراءتك أو بقراءة غيرك وجب عليك الرد باللفظ أو المراسلة وبه صرح جمع من الشافعية وهو مذهب ابن عباس قال النووي: ولو أرسل السلام مع إنسان وجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة ونوزع بأنه بالوديعة أشبه قال ابن حجر: والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه بالأمانة وإلا فوديعة ثم قال النووي: ولو أتاه شخص بسلام مع شخص أو في ورقة وجب الرد فورا ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرجه النسائي ويتأكد رد جواب الكتاب فإن تركه ربما أورث ضغائن ولهذا أنشد:
إذا كتب الخليل إلى خليل. . . فحق واجب رد الجواب
إذا الإخوان فاتهم التلاقي. . . فما صلة بأحسن من كتاب
قال الحرالي: والرد الرجوع إلى ما كان منه من البدء
(عد) من حديث الحسن بن محمد البلخي قاضي مرو عن حميد (عن أنس) بن مالك قضية صنيع المصنف أن مخرجه ابن عدي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله منكر جدا البلخي يروي الموضوعات والرواي عنه يروي المناكير وفي اللسان كل أحاديثه مناكير وقال ابن حبان: يروي الموضوعات لا تحل الرواية عنه ثم ساق له هذا الحديث ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن له شاهدا وهو قول ابن عباس المشار إليه بقوله (ابن لال) أبو بكر القرشي عن جعفر الخلدي عن عبيد بن غنام عن علي بن حكيم عن أبي مالك الجهني عن جويبر عن الضحاك (عن ابن عباس) ظاهر تصرف المؤلف أن ابن عباس رفعه والأمر بخلافه وإنما هو من كلامه فقد قال ابن تيمية: رفعه غير ثابت(4/31)
4449 - (رد سلام المسلم على المسلم صدقة (1)) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة وربما أفهم هذا أنه مندوب لا واجب والجمهور على الوجوب وأفهم أن الكافر لا يرد عليه وهو إجماع
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الشعاب عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا
_________
(1) الجار والمجرور متعلق برد ويجوز فتح السين وإسكانها وإن ثبتت الرواية بأحدهما فهي متبعة أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة أي الزكاة فإنه واجب(4/31)
4450 - (ردوا السائل ولو بظلف (1)) بكسر فسكون (محرق) لو للتقليل والمراد الرد بالإعطاء والمعنى تصدقوا بما تيسر كثر أو قل ولو بلغ في القلة الظلف مثلا فإنه خير من العدم وقال أبو حيان: الواو الداخلة على الشرط للعطف لكونها لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره ردوه بشيء على حال ولو بظلف وقيد الإحراق أي النييء كما هو عادتهم فيه لأن النييء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي وقال الطيبي: هذا تتميم لإرادة المبالغة في ظلف كقولها " كأنه علم في رأسه نار " يعني لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف فهو مثل ضرب للمبالغة والذهاب إلى أن الظلف إذ ذاك كأن له عندهم قيمة بعيد عن الاتجاه
(مالك) في الموطأ (حم تخ ن) في الزكاة (عن حواء بنت السكن) تدعى أم يحيد كفضيل يقال هي أخت أسماء كانت من المبايعات وفي التقريب: هي جدة عمرو بن معاذ صحابية [ص:32] لها حديث أي وهو هذا قال ابن عبد البر: حديث مضطرب
_________
(1) الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخف للبعير وقيد بالمحرق لمزيد المبالغة(4/31)
4451 - (ردوا السلام) على المسلم وجوبا لكن إن أتى بالسلام باللفظ العربي أما لو سلم بغيره فهل يستحق الجواب أقوال ثالثها يجب لمن لم يحسن العربية ويجب الرد فورا فإن أخر ثم رد لم يعد جوابا ذكره القاضي حسين ومحله حيث لا عذر قاله ابن حجر ولو وقع الابتداء بصيغة الجمع لم يكف الرد بصيغة الإفراد لأن الجمع يقتضي التعظيم فلا يكون ردا بالمثل فضلا عن الأحسن كذا ذكره ابن دقيق العيد (وغضوا البصر) عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه (وأحسنوا الكلام) أي ألينوا القول وتلطفوا مع الخلق نظرا للخالق فأفاد به أنه تسن المحافظة على شعائر الإسلام وظواهر الأحكام سيما للعلماء الأعلام كإفشاء السلام للخاص والعام ونهى عن منكر وأمر بمعروف إلى غير ذلك مما هو معروف
(ابن قانع) في المعجم (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رمز المصنف لحسنه(4/32)
4452 - (ردوا القتلى إلى مضاجعها) وفي رواية إلى مضاجعهم أي لا تنقلوا الشهداء عن مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا لفضل البقعة بالنسبة إليهم لكونها محل الشهادة وكذا من مات ببلد لا ينقل لغيره وهذا مستثنى من ندب جمع الأقارب في مقبرة واحدة. قال الزين العراقي: وهذا تشريف عظيم للشهداء لشبههم بالأنبياء حيث يدفن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المكان الذي مات فيه فألحق بهم الشهداء وقال المظهر: فيه أن الميت لا ينقل من الموضع الذي مات فيه إلى بلد أخرى قال الأشرفي: هذا كان في الابتداء أما بعده فلا. كما روي أن جابرا جاء بأبيه الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع فدفنه قال بعضهم: ولعله كان لضرورة
(ت) وحسنه (حب) كلاهما من رواية ربيح أو نبيح العنزي (عن جابر) قال: جاءت عمتي بأبي يوم أحد لتدفنه في مقابرنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ردوا القتلى إلى مضاجعها قال الترمذي: حسن صحيح. قال الزين العراقي: وقد حكى الترمذي نفسه عن البخاري أنه قال في ربيح منكر الحديث. وقال أحمد: غير معروف اه. وقضية صنيع المؤلف أن الترمذي تفرد به عن الستة وإلا لما خصه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي: خرج حديث جابر هذا بقية أصحاب السنن(4/32)
4453 - (ردوا المخيط) بالكسر الإبرة (والخياط) أي الخيط (من غل مخيطا أو خياطا) من الغنيمة (كلف يوم القيامة أن يجيء به وليس بجاء) يعني يعذب ويقال له جيء به وليس بقدر على ذلك فهو كناية عن دوام تعذيبه وهذا قاله لما قفل من حنين فجاء رجل يستحله خياطا أو مخيطا فذكره
(طب عن المستورد) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري حجازي نزل الكوفة ولأبيه صحبة قال الهيثمي: فيه أبو بكر عبد الله بن حكيم الزاهري وهو ضعيف وقواه البعض فلم يلتفت إليه ورواه البيهقي من وجه آخر وتعقبه الذهبي بأن فيه نكارة(4/32)
4454 - (ردوا مذمة السائل) بفتح الميم وبفتح الذال وتكسر أي ما يذمك به على إضاعته (ولو بمثل رأس الذباب) أي ولو بشيء قليل جدا وفي رواية ولو بمثل رأس الطائر من الطعام قال عيسى عليه السلام: من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وفيه كما قال الغزالي حل السؤال عند الاضطرار ولو كان السؤال حراما لما جاز إعانة المعتدي على عداوته والإعطاء إعانة
(عق عن عائشة) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح والمتهم به إسحاق [ص:33] ابن نجيح قال أحمد: وهو من أكذب الناس وقال يحيى: كان يضع وقال الذهبي: أفته من عثمان الوقاص(4/32)
4455 - (رسول الرجل إلى الرجل إذنه) (1) أي هو بمنزلة إذنه له في الدخول إذا وصل إلى محل المدعو إليه وأخذ بظاهره جمع فلم يوجبوا على المرسل إليه استئذانا إذا وصل وأوجبه آخرون وعليه العمل وقال في المطامح: وهو أقرب لمعقولية الاستئذان وجمع بأن الأول فيهما إذا قربت الرسالة والثاني إذا بعدت قال ابن التين: والكلام فيمن ليس عنده من يستأذن لأجله والأحوط والاستئذان كيفما كان
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) وسكت عليه ورواه عنه أيضا البخاري في الأدب المفرد وابن حبان وعده البغوي في الحسان
_________
(1) أي إذا أرسل رجل إلى آخر رسولا يدعوه للقدوم فذلك هو إذنه بالدخول وذلك إن كان لا يخشى منه اطلاع على العورات وإلا فعليه الاستئذان. أما إن كان لدخول مكان عمل أو بستان لا يوجد فيه من يستأذن لأجله فيشمله الحديث. دار الحديث(4/33)
4456 - (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم فمن امتثل أمر الله فقد بر الله وأكرمه وعظمه فرضى عنه ومن خالف أمره غضب عليه وهذا ما لم يشهد شاهد أبوة الدين بأن الوالد فيما يرومه خارج عن سبيل المتقين وإلا فرضى الرب في هذه الحالة في مخالفته وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة وقد تظاهرت على ذلك النصوص وفي خبر مرفوع لعن الله العاق لوالديه قال الذهبي: وإسناده حسن وقال وهب: أوحى الله إلى موسى وقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولدا يبره ومن عقهما قصرت عمره ووهبت له ولدا يعقه وقال أبو بكر بن أبي مريم: قرأت في التوراة من يضرب أباه يقتل
(ت) في البر (ك) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص على شرط مسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد وهو متروك(4/33)
4457 - (رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما) أي غضبهما الذي لا يخالف القوانين الشرعية كما تقرر قال الزين العراقي: وأخذ من عمومه أنه سبحانه يرضى عنه وإن لم يؤد حقوق ربه أو بعضها إذا كان الولد مسلما فإن قيل: ما وجه تعلق رضى الله عنه برضى الوالد قلنا: الجزاء من جنس العمل فلما أرضى من أمر الله بإرضائه رضي الله عنه فهو من قبيل لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الغزالي: وآداب الولد مع والده أن يسمع كلامه ويقوم بقيامه ويمتثل أمره ولا يمشي أمامه ولا يرفع صوته ويلبي دعوته ويحرص على طلب مرضاته ويخفض له جناحه بالصبر ولا يمن بالبر له ولا بالقيام بأمره ولا ينظر إليه شزرا ولا يقطب وجهه في وجهه
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد أيضا وهو متروك(4/33)
4458 - (رضيت لأمتي ما) أي الشيء الذي (رضي لها) به أبو عبد الرحمن عبد الله (ابن) مسعود الهذلي وأمه (أم عبد) الهذلية أسلم قديما وشهد المشاهد كلها وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ولا يحجبه وهو صاحب سؤاله ونعليه وطهوره وبشره بالجنة وإنما رضي لأمته ما رضيه لها لأنه كان يشبهه في مشيه وسمته وهديه وكان نحيفا قصيرا جدا طوله نحو ذراع ولي قضاء الكوفة وما يليها في خلافة عمر ومات بها أو بالمدينة سنة اثنين وثلاثين عن بضع وستين
(ك عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار وزاد وكرهت لها ما كره ابن أم عبد قال الهيثمي: وفيه محمد بن حميد الرازي وهو ثقة وبقية رجاله وثقوا(4/33)
[ص:34] 4459 - (رغم) بكسر الغين وتفتح أي لصق أنفه بالتراب وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان (أنف الرجل) يعني إنسان وذكر الرجل وصف طردي وكذا يقال فيما بعده (ذكرت عنده) بالبناء للمفعول (فلم يصل علي) أي لحقه ذل وخزي مجازاة له على ترك تعظيمي أو خاب وخسر من قدر أن ينطق بأربع كلمات توجبه لنفسه عشر صلوات من الله ورفع عشر درجات وحط عشر خطيئات فلم يفعل لأن الصلاة عليه عبارة عن تعظيمه فمن عظمه عظمه الله ومن لم يعظمه أهانه الله وحقر شأنه قال الطيبي: والفاء استبعادية كهي في قوله تعالى {فأعرض عنها} والمعنى بعيد من العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بما ذكر فلم يغتنمه حتى يموت فحقيق أن يذله الله اه. ورد بأن جعلها للتعقيب أولى ليفيد ذم التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره (ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) أي رغم أنف من علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام غفر له ما سلف من الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه (ورغم أنف رجل) أي إنه مدعو عليه أو مخبر عنه بلزوم ذل وصغار لا يطاق (أدرك عنده أبواه الكبر) قيد به مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كل زمن لشدة احتياجهما إلى البر والخدمة في تلك الحالة (فلم يدخلاه الجنة) لعقوقه لهما وتقصيره في حقهما وهو إسناد مجازي يعني ذل وخسر من أدرك أبويه أو أحدهما في كبر السن ولم يسع في تحصيل مآربه والقيام بخدمته فيستوجب الجنة جعل دخول الجنة بما يلابس الأبوين وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما ومسبب عنهما وتعظيمهما مستلزم لتعظيم الله ولذلك قرن تعالى الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته فمن لم يغتنم الإحسان إليهما سيما حال كبرهما فجدير بأن يهان ويحقر شأنه
(ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه وقال الحاكم: صحيح قال ابن حجر: وله شواهد(4/34)
4460 - (رغم أنفه) بالكسر أي لصق بالرغام أي التراب هذا أصله ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الظالم وقال القاضي: يستعمل رغم مجازا بمعنى كره من باب إطلاق اسم السبب على المسبب (ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) كرره ثلاثا لزيادة التنفير والتحذير (من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة) يعني لم يخدمهما حتى يدخل الجنة بسببهما قال بعضهم: والنبي رؤوف رحيم أرسل رحمة للعالمين فدعاؤه هنا على من آمن ببعد الرحمة لعله فيمن اشتغل بشهواته عن مرضات ربه بعد ما دله على سبيل الفلاح فتجافى عنه فكأنه أبى إلا النار بإكبابه على العصيان والتمرد على الرحمن فلم يستوجب الغفران حيث لم يعظم من أرسل رحمة بالصلاة عليه ولم يقم بتعظيم حرمة شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار واستخف بحق والديه فلم يقم بحقهما فحق لهؤلاء أن يطهرهم بالنار إن لم يدركهم اللطف
(حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(4/34)
4461 - (رفع عن أمتي الخطأ) أي إثمه لا حكمه إذ حكمه من الضمان لا يرتفع كما هو مقرر في الفروع (والنسيان) كذلك ما لم يتعاط بسببه حتى فوت الواجب فإنه يأثم (وما استكرهوا عليه) أي في غير الزنا والقتل إذ لا يباحان بالإكراه فالحديث منزل على ما سواهما قال البيضاوي: ومفهومه أن الخطأ والنسيان كان يؤاخذ بهما أولا إذ لا تمتنع [ص:35] المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك وإن كان خطأ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم يكن عزيمة لكنه تعالى وعدنا التجأوز عنه رحمة وفضلا ومن ثم أمر الإنسان بالدعاء به استدامة واعتدادا بالنعمة وفي جمع الجوامع أن هذا ليس من المجمد وخالف البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله وبعض الحنفية قالوا: لا يصح رفع المذكورات مع وجودها فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة لجمعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد منه رفع المؤاخذة اه. وقال ابن الهمام: قوله رفع إلخ من باب المقتضي ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ومن اعتبر في الحكم الأعم من حكم الدنيا والآخرة فقد عمته من حيث لا يدري إذ قد أثبته في غير محل الضرورة من تصحيح الكلام وصار كما لو أطال الكلام ساهيا فإنه يقول بالفساد فإن الشر في أن رفع فساده وجب شمول الصحة وإلا فشمول عدمها وإنما عفي القليل من العمل لعدم التحرز عنه اه
(طب عن ثوبان) رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد تعقبه الهيثمي بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف اه. وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر في الطلاق من الروضة أنه حسن ولم يسلم له ذلك بل اعترض باختلاف فيه وتباين الروايات وبقول ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة وذكر عبد الله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره ونقل الخلال عن أحمد من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله اه. وقد خفي هذا الحديث على الإمام ابن الهمام فقال: هذا الحديث يذكره الفقهاء بهذا اللفظ ولا يوجد في شيء من كتب الحديث(4/34)
4462 - (رفع القلم عن ثلاثة) كناية عن عدم التكليف إذ التكليف يلزم منه الكتابة فعبر بالكتابة عنه وعبر بلفظ الرافع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا لثلاثة وأن صفة الرفع لا تنفك عن غيرهم (عن النائم حتى يستيقظ) من نومه (وعن المبتلى) بداء الجنون (حتى يبرأ) منه بالإفاقة وفي رواية بدل هذا وعن المجنون حتى يعقل (وعن الصبي) يعني الطفل وإن ميز (حتى يكبر (1)) وفي رواية حتى يشب وفي رواية حتى يبلغ وفي رواية أخرى حتى يحتلم. قال ابن حبان: المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم دون الخير قال الزين العراقي: وهو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منهم لزوال الشعور فالمرفوع عن الصبي قلم المؤاخذة لا قلم الثواب لقوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما سألته: ألهذا حج قال: نعم. واختلف في تصرف الصبي فصححه أبو حنيفة ومالك بإذن وليه وأبطله الشافعي فالشافعي راعى التكليف وهما راعيا التمييز
(حم د ن هـ ك عن عائشة) وقال الحاكم: على شرطهما. قال ابن حجر: ورواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة من طرق عن علي وفيه قصة جرت له مع عمر وعلقها البخاري
_________
(1) بفتح أوله وثالثه أي يبلغ كما في رواية والمراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم والرفع لا يقتضي تقدم وضع كما في قول يوسف {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله} وهو لم يكن على تلك الملة أصلا وكذا قول شعيب {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا منها} ومعلوم أن شعيبا لم يكن على ملتهم قط(4/35)
4463 - (رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ) من جنونه بالإفاقة (وعن النائم حتى يستيقظ) [ص:36] من نومه (وعن الصبي حتى يحتلم) قال السبكي: ليس في رواية حتى يكبر من البيان وفي قوله حتى يبلغ في هذه الرواية فالتمسك بها لبيانها وصحة سندها أولى وقوله تعالى حتى يبلغ مطلق والاحتلام مقيد فحمل عليه لأن الاحتلام بلوغ قطعا وعدم بلوغ الخمسة عشر ليس ببلوغ قطعا
(حم د ك) في الحدود (عن علي) أمير المؤمنين (وعمر) بن الخطاب وذلك أن عمر أمر بامرأة مجنونة أن ترجم لكونها زنت فمر بها علي فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال لعمر: أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره فقال: صدقت وخلى عنها وقد أورده الحافظ ابن حجر من طرق عديدة بألفاظ متقاربة ثم قال: وهذه طرق يقوى بعضها بعضا وقد أطنب النسائي في تخريجها ثم قال: لا يصح منها شيء والموقوف أولى بالصواب(4/35)
4464 - (ركعة من عالم بالله خير من ألف ركعة من متجاهل بالله) لأن العالم به إنما يصلي صلاة باستيفاء المكملات من نحو تدبر وخشوع وخضوع والجاهل به وإن أتم أركانها وسننها لا ينال في مئة سنة ما يناله ذاك في لحظة واحدة من الفتوحات السبحانية والأسرار الرحمنية
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ورواه الديلمي من حديث أنس(4/36)
4465 - (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) قال في الرياض: وفي رواية لهما يعني الشيخين أحب إلي من الدنيا جميعا أي نعيم ثوابها خير من كل ما يتنعم به في الدنيا فالمفاضلة راجعة لذات النعيم لا إلى نفس ركعتي الفجر فلا يعارضه خبر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ذكره جمع وقال الطيبي: إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما يجري على زعم من يرى فيها خيرا أو يكون من باب {أي الفريقين خير مقاما} وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابا منها
(م ن عن عائشة) ولم يخرجه البخاري واستدركه الحاكم فوهم(4/36)
4466 - (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك (1)) لا دليل فيه على أفضليته على الجماعة التي هي بسبع وعشرين درجة إذ لم يتحد الجزاء في الخبرين فدرجة من هذه قد تعدل بدرجات من تلك السبعين ركعة
(قط في الأفراد عن أم الدرداء) ورواه أيضا البزار بلفظ ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك قال الهيثمي: ورجاله موثوقون اه. ورواه الحميدي وأبو نعيم عن جابر. قال المنذري: وإسناده حسن قال السمهودي: كل رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس وبه يعرف أن قول المجموع خبر السواك ضعيف من سائر طرقه لا معول عليه
_________
(1) لما فيه من الفوائد التي منها طيب رائحة الفم وتذكر الشهادة عند الموت والظاهر أن هذا خرج مخرج الحث على السواك(4/36)
4467 - (ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) قال في التنقية: دل على أن السواك للصلاة أفضل من الجماعة ورده السمهودي بأن أدلة مشروعية الجماعة مقتضية لمزيد اعتناء الشارع بها وأنها أرجح في نظره ولا يلزم من ثبوت المضاعفة لشيء تفضيله على ما لم يثبت له ذلك لأن المضاعفة من جملة المزايا فلا تمنع وجود مزايا غيرها في الأجر يترجح بها كيف وصلاة النفل في بيت بالمدينة أفضل منها بمسجدها مع اختصاص المضاعفة (ودعوة [ص:37] في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية) ومن ثم كان دعاء الإنسان لأخيه بظهر الغيب أرجى إجابة وأسرع قبولا (وصدقة في السر أفضل من سبعين صدقة في العلانية) لبعدها عن الرياء ودلالتها على الإخلاص كما سبق توجيهه
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (فر) كلاهما (عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد فإن كان الشامي فقد قال الذهبي: عن الدارقطني: يضع الحديث أو الشقري فقد قال ابن معين: كذاب أو السكوني فجزم الذهبي بتكذيبه وأبان بن عياش قال أحمد: تركوا حديثه(4/36)
4468 - (ركعتان بعمامة) أي يصليها الإنسان وهو متعمم (خير من سبعين ركعة بلا عمامة) أي أفضل من سبعين ركعة يصليها حاسرا لأن الصلاة حضرة الملك والدخول إلى حضرة الملك بغير تجمل خلاف الأدب
(فر عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه إلى الأصل لكان أولى ثم إن فيه طارق بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي: ليس بقوي عن محمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ ومن ثم قال السخاوي: هذا الحديث لا يثبت(4/37)
4469 - (ركعتان خفيفتان) يصليهما الإنسان (خير له من الدنيا) أي نعيمها (وما عليها) من اللذات والشهوات (ولو أنكم تفعلون ما أمرتكم به) من إكثار الصلاة التي هي خير موضوع (لأكلتم غير اذرعاء ولا أشقياء) بالذال المعجمة جمع ذرع ككتف وهو الطويل اللسان بالشر والسيار ليلا ونهارا يريد عليه الصلاة والسلام بذلك لو فعلتم ما أمرتم به من التطوع بالصلاة وتوكلتم على الله حق توكله لأكلتم رزقكم مساقا إليكم من غير نصب ولا تعب ولا جد في الطلب ولما احتجتم إلى كثرة اللدد والخصومة والسعي ليلا ونهارا في تحصيلها من غير إجمال في الطلب
(سمويه طب عن أبي أمامة)(4/37)
4470 - (ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون) أي تتنقلون به (يزيدهما هذا) الرجل الذي ترونه أشعث أغبر لا يؤبه به ولا يلتفت إليه (في عمله أحب إليه من بقية دنياكم) لأن الصلاة توصل إلى علو الدرجات في الجنان والخلود في جوار الرحمن وسيأتي أن الصلاة مكيال فمن وفى استوفى والصلاة فرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل فلذلك كانت ركعتان يزيدهما الرجل في صلاته خير من الدنيا وما فيها
(ابن المبارك) في الزهد (عن أبي هريرة)(4/37)
4471 - (ركعتان) يصليهما المرء (في جوف الليل) أي بعد النوم (يكفران الخطايا) يعني الصغائر لا الكبائر كما مر ويجيء بما فيه في عدة مواضع
(فر عن جابر) وفيه أحمد بن محمد بن الأزهر قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: حدث بمناكير وذكر ابن حبان أنه جرب عليه الكذب وعبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري قال الذهبي في الذيل: قال الحاكم: الغالب على روايته المناكير ورواه الحاكم أيضا عن جابر ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلوعزاه المصنف له لكان أجود(4/37)
[ص:38] 4472 - (ركعتان من الضحى) أي من صلاتها (تعدلان عند الله بحجة وعمرة متقبلتين) متنفلا بهما فليس المراد حجة الإسلام وعمرته وهذا ترغيب عظيم في فضل صلاة الضحى ورد على من ذهب لعدم ندبها
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في الثواب عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/38)
4473 - (ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب) لعل وجهه أن المتزوج مجتمع الحواس والأعزب مشغول بمدافعة الغلمة وقمع الشهوة فلا يتوفر له الخشوع الذي هو روح الصلاة. (1)
(عق) عن محمد بن حنفية القصبي عن الحسن بن جبلة عن مجاشع بن عمرو عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مجاشع بن عمرو من حديثه وقال: حديثه منكر غير محفوظ. وفي الميزان عن ابن معين أنه أحد الكذابين ثم أورد له هذا الخبر وقال البخاري: مجاشع بن عمرو منكر مجهول وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن قال: له طريق أخرى وهي ما أشار إليها بقوله
_________
(1) [وحيث أن التزوج من السنة فيبقى احتمال أن تضاعف الأجر الموعود هنا هو أيضا لاتباع السنة وليس فقط بسبب ما ذكر من اجتماع الحواس. دار الحديث](4/38)
4474 - (ركعتان من المتأهل) يعني المتزوج (خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب) (1) كما تقرر ولا تعارض بينه وبين ما قبله لاحتمال أن يكون أعلم أولا بالسبعين ثم زاد الله في الفضل فأخبر بالزيادة (2)
(تمام في فوائده) عن محمد بن هارون بن شعيب بن إسماعيل بن محمد العدوي عن سليمان بن عبد الرحمن عن مسعود بن عمرو البكري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك (والضياء) في المختارة (عن أنس) من هذا الطريق بعينه اه. قال المؤلف: لكن تعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه فقال: هذا حديث منكر ما لإخراجه معنى اه. بنصه وفي الميزان مسعود بن عمرو البكري لا أعرفه وخبره باطل ثم ساق هذا الخبر بعينه اه
_________
(1) [انظر شرح الحديث السابق رقم 4473. دار الحديث]
(2) [من الزيادة ما يأتي بداءة من الله ومنها ما يأتي استجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث 1175: أعطيت سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحد سبعين ألفا. دار الحديث]
وكما ذكر في شرح الحديث 4389، أن في الجمع بين اختلاف الأعداد في روايات " رؤيا المؤمن جزء من. . . جزءا من أجزاء النبوة " عدة وجوه. قال: منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب. ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. . .](4/38)
4475 - (ركعتان من رجل) ذكر الرجل وصف طردي يعني إنسان (ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط) أي يخلط العمل الصالح بالعمل السيء ويخلط عمل الدنيا بعمل الآخرة لأن المخلط مشتغل بالدنيا وباطنه متعلق بإرادتها ولا يعطي الصلاة حقها والورع يستنير قلبه بالحكمة وتعاونه أعضاءه في العبادة فتكثر قيمة عمله ويعظم قدره ويغزر شرفه بحيث يصير قليله أفضل من كثير غيره وإذا كانت العبادة تكثر وتشرف بذلك فحق لمن طلب العبادة أن يتحرى الورع ما أمكن
(فر عن أنس) وفيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم وعنهما تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لأجاد(4/38)
4476 - (ركعتان من عالم) أي عالم بعلمه (أفضل من سبعين ركعة من غير عالم (1)) عامل فإن الجاهل مظنة الإخلال ببعض الأركان والشروط أو المكملات بخلاف العالم والعلم أس العمل ومن لم يعرف ما يلزمه فعله من الواجبات الشرعية بأحكامها وشروطها حتى يقيمها فهو في حيرة وضلال فربما أقام على شيء سنين وأزمانا مما يفسد [ص:39] عليه صلاته أو طهارته ويخرجهما هن كونهما واقعتين على وفق السنة وهو لا يشعر. (2)
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن محمد بن علي مرسلا)
_________
(1) لأن الجاهل بكيفية العبادة لا تصح عبادته وإن صادفت الصحة
(2) [والجهل ليس بعذر في الإسلام. وكلام المناوي هذا يصف أخف أحوال الجاهل أما إذا أضاف إلى جهله التجاسر على الاستنباط والاجتهاد وتفسير القرآن والسنة بالرأي فتصبح الكثير من أعماله المبنية على رأيه الخاطئ تبعده عن الله تعالى وهو يظن أنه يحسن صنعا نعوذ بالله من ذلك. دار الحديث](4/38)
4477 - (ركعتان يركعهما ابن آدم في جوف الليل الأخير خير له من الدنيا وما فيها) من النعيم لو فرض أنه حصل له وحده وتنعم به وحده (ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما) أي الركعتين (عليهم) أي أوجبتهما وهذا صريح في عدم وجوب التهجد على الأمة
(ابن نصر) محمد المروزي في كتاب قيام الليل وآدم ابن أبي إياس في الثواب (عن حسان بن عطية مرسلا) هو أبو بكر المحاربي قال الذهبي: ثقة عابد نبيل لكنه قدري. قال الحافظ العراقي: وصله الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر ولا يصح(4/39)
4478 - (رمضان بمكة) أي صوم شهر رمضان وهو مقيم بها (أفضل من) صوم (ألف رمضان بغير مكة) لأنه تعالى اختارها لبيته وجعلها مناسك لعباده وحرما آمنا وخصها بخواص كثيرة منها مضاعفة الحسنات وفي مضاعفة السيئات قولان وحاول ابن القيم تنزيلهما على حالين فقال: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها فإن سيئة تكن سيئة كبيرة فجزاؤها مثلها وصغيرها جزاؤها مثلها والسيئة في حرم الله وعلى بساطه أكبر منها في أطراف الأرض ولهذا من عصى الملك على بساط ملكه ليس كمن عصاه بمحل بعيد
(البزار) في مسند (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عاصم بن عمرو ضعفه من الأئمة أحمد وغيره ووثقه ابن حبان وقال: يخطىء ويخالف(4/39)
4479 - (رمضان شهر مبارك نفتح فيه أبواب الجنة) أي أبواب أسبابها مجاز عن كثرة الطاعة ووجوه البر وهو كناية عن نزول الرحمة وعموم المغفرة فإن الباب إذا فتح يخرج ما فيه متواليا أو هو حقيقة وإن من مات من المؤمنين برمضان يكون من أهلها ويأتيه من روحها فرق من يموت في غيره (وتغلق فيه أبواب السعير) فيه العمل المذكور في أبواب الجنة (وتصفد فيه الشياطين) أي تشد وتربط بالأصفاد وهي القيود والمراد قهرها بكسر الشهوة النفسية بالجوع أو تصفد حقيقة تعظيما للشهر ولا ينافيه وقوع الشرور فيه لأنها إنما تغل عن الصائم حقيقة بشروطه أو عن كل صائم والشر من جهات أخر كالنفس الخبيثة أو المقيد هو المتمرد منهم فيقع الشر من غيره (وينادي مناد) أي ملك أو المراد أنه يلقى ذلك في قلوب من يريد الله إقباله على الخير (كل ليلة يا باغي الخير هلم) أي يا طالبه أقبل فهذا وقت تيسر العبادة وحبس الشياطين أو يا طالب الثواب أقبل فهذا أوانك فإنك تعطى ثوابا كثيرا بعمل قليل لشرف الشهر (ويا باغي الشر أقصر) فهذا زمن قبول التوبة والتوفيق للعمل الصالح ولله عتقاه من النار لعلك تكون من زمرتهم
(حم هب عن رجل) من الصحابة. رمز المصنف لحسنه وفيه عطاء بن السائب قال في الكاشف: ثقة ساء حفظه بآخره وقال أحمد: من سمع منه قديما فصحيح(4/39)
4480 - (رمضان بالمدينة) أي النبوية أي صومه (خير من ألف) أي من صوم ألف (رمضان فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة (وجمعة) أي وصلاة جمعة (بالمدينة خير من) صلاة (ألف جمعة فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة قال [ص:40] بعضهم: وكذا يقال في سائر العبادات بها وببيت المقدس بخمس مئة في الكل. قال القونوي في شرح التعرف: ورمضان من خصائص هذه الأمة
(طب والضياء) المقدسي (عن بلال بن الحارث المزني) بضم الميم وفتح الزاي المدني صحابي مات سنة ستين قال الهيثمي: فيه عبد الله بن كثير وهو ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن كثير ثم قال: وهذا باطل والإسناد مظلم تفرد به عنه عبد الله بن أيوب المخزومي ولم يصب ضياء الدين بإخراجه في المختارة(4/39)
4481 - (رميا بني إسماعيل) أي ارموا رميا يا بني إسماعيل والخطاب للعرب (فإن أباكم) إسماعيل بن إبراهيم (كان راميا) فيه فضل الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية التمرن على الجهاد والتدرب ورياضة الأعضاء لذلك وأن الجد الأعلى يسمى أبا والتنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وحسن خلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها
(حم هـ ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفر يرمون فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الشيخين وإلا لما عدل بغيره وهو ذهول فقد خرجه البخاري ولفظه في الجهاد: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال: ارموا فأنا معكم كلكم(4/40)
4482 - (رهان الخيل طلق) أي المراهنة يعني المسابقة عليها جائزة قال في العارضة: رهان الخيل عبارة عن حبسها على المسابقة من الرهن وهو الحبس وذلك لأنه تعالى سخر الخيل وأذن في الكر والفر والإيجاف عليها ولم يكن بد من تدريبها وتأديبها والتأدب بها حتى يقتحم غمرة الحرب ليكون أنفع وأنجع في المقصود فشرع الشارع المسابقة عليها على الكيفية المبينة في الفروع
(سمويه والضياء) في المختارة (عن رفاعة) بكسر الراء وخفة الفاء ابن رافع بن مالك الزرقي بدري وأبو نقيب بقي إلى إمارة معاوية ورواه أبو نعيم في الصحابة من رواية يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها مرفوعا(4/40)
4483 - (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) أي بالغ عاقل ذكر حر مقيم غير معذور فلا رخصة في تركها لمن ذكر فليس له أن يلزم العزلة ويترك الجمعة لأجل التفرغ للعبادة والسلامة من أذى الخلق وما نقل عن بعض الكاملين من التخلف عن شهودها فلعله تيقن أن الضرر الذي يلحقه في مخالطة الناس بسبب هذه الفروض أعظم من تركها فحينئذ يكون له عذر كذا ذكره الغزالي قال: وقد رأيت أنا بمكة بعض العلماء المتفردين لا يحضر المسجد الحرام في الجماعات مع قربه منه وسلامة حاله فحاورته في ذلك فذكر من عذره أن ما يجده من الثواب لا يغني بما يلحقه من الآثام والتبعات في الخروج للمسجد ولقاء الناس
(ن عن حفصة) أم المؤمنين ورواه عنها أيضا الديلمي(4/40)
4484 - (روحوا القلوب ساعة فساعة) وفي رواية ساعة وساعة أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب قال أبو الدرداء: إني لأجم فؤادي (1) ببعض الباطل أي اللهو الجائز لأنشط للحق وذكر [ص:41] عند المصطفى صلى الله عليه وسلم القرآن والشعر فجاء أبو بكر فقال: أقراءة وشعر فقال: نعم ساعة هذا وساعة ذاك وقال علي كرم الله وجهه: أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي تكل وقال بعضهم: إنما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأولئك الأكابر الذين استولت هموم الآخرة على قلوبهم فخشي عليها أن تحترق وقال الحكيم في شرح هذا الحديث: الذكر المذهل للنفوس إنما يدوم ساعة وساعة ثم ينقطع ولولا ذلك ما انتفع بالعيش والناس في الذكر طبقات: فمنهم من يدوم له ذكره وقت الذكر ثم تعلوه غفلة حتى يقع في التخليط وهو الظالم لنفسه ومنهم من يدوم له ذكره في وقت الذكر ثم تعلوه معرفته بسعة رحمة الله وحسن معاملة عباده فتطيب نفسه بذلك فيصل إلى معاينته وهو المقتصد. وأما أهل اليقين وهم السابقون فقد جاوزوا هذه الخطة ولهم درجات قال: فقوله ساعة وساعة أي ساعة للذكر وساعة للنفس لأن القلب إذا حجب عن احتمال ما يحل به يحتاج إلى مزاج ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما صار إلى سدرة المنتهى فغشيها ما غشى وأشرق النور حال دونه فراش من ذهب وتحولت السدرة زبرجدا وياقوتا فلما لم يقم بصره للنور عورض بذلك مزاجا ليقوى ويستقر كأنه شغل قلبه بهذا المزاج عما رأى لئلا ينفر ولا يجد قرارا
(أبو بكر المقري في فوائده والقضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن أبي بكر المذكور (وعن أنس) بن مالك (د في مراسيله عن ابن شهاب) يعني الزهري (مرسلا) قال البخاري: ويشهد له ما في مسلم وغيره يا حنظلة ساعة وساعة وقال شارح الشهاب: إنه حسن
_________
(1) " لأجم فؤادي " و " أجموا ": قال في النهاية: وفي حديث طلحة رضي الله عنه " رمى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفرجلة وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد " أي تريحه وقيل تجمعه وتكمل صلاحه ونشاطه. انتهى من النهاية. ومنه " الاستجمام ". دار الحديث](4/40)
4485 - (رياض الجنة المساجد) أي فالزموا الجلوس فيها وواظبوا عليها قال الغزالي: ولا مناقضة بينه وبين الأخبار الآمرة بالعزلة لأن هذا في غير زمن الفتنة أو المراد أنه يحضر في المسجد ولا يخالط الناس ولا يداخلهم فيكون بالشخص معهم وبالمعنى منفردا وهذا هو المروي في معنى العزلة والانفراد الذي نحن في شرحه لا التفرد بالشخص والمكان فافهم ولهذا قال إبراهيم بن أدهم: كن واحدا جامعيا ومن ربك ذا أنس ومن الناس ذا وحشة والمدارس والمرابط جمعت المعنيين والفائدتين التفرد عن الناس بالصحبة والمشاركة في الخير لتكثير شعار الإسلام إلى هنا كلامه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة والديلمي(4/41)
4486 - (ريح الجنة توجد من مسيرة خمس مئة عام ولا يجدها) أي ولا يشم ريحها (من) أي إنسان (طلب الدنيا بعمل الآخرة) كأن أظهر الصيام والصلاة والتنسك ولباس الصوف ليوهم الناس أنه من الصالحين فيعطي وهذا أبلغ زجر من هذا الفعل القبيح الموجب لدخول النار فإنه إذا لم يشم ريح الجنة من هذه المسافة البعيدة فهو لا يدخلها وإذا لم يدخلها دخل النار إذ لا منزلة بين المنزلتين ومن ثم ورد في خبر سيأتي إن ملائكة السماوات والأرضين تلعنه لتلبيسه وتدليسه
(فر عن ابن عباس)(4/41)
4487 - (ريح الجنوب من الجنة) وهي الريح اليمانية (وهي الرياح اللوافح التي ذكر) ها (الله في كتابه) القرآن (فيها منافع للناس والشمال) كسلام ويهمز كجعفر (من النار) نار جهنم (تخرج) فتمر (بالجنة فيصيبها نفحة منها فبردها من ذلك) وهي [ص:42] تهب من جهة القطب حارة في الصيف والرياح أربع هذان والثالث الصبا تهب من مطلع الشمس وهي القبول أيضا والرابعة الدبور كرسول تهب من المغرب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب السحاب وابن جرير) الطبري الإمام المجتهد المطلق (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة)(4/41)
4488 - (ريح الولد من ريح الجنة) يحتمل أن ذلك في ولده خاصة فاطمة وابنيها لأن في ولدها طعم ثمار الجنة بدليل خبر الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة ومنه قيل لعلي أبو الريحانتين ويحتمل أن المراد كل ولد صالح للمؤمن لأنه تعالى خلق آدم في الجنة وغشى حواء فيها وولد له فيها فبنو آدم من نسلها ولهذا قال ابن أدهم: نحن من أهل الجنة سبانا إبليس بالخطيئة فهل للأسير من راحة إلا أن يرجع إلى ما سبي منه؟ فريح الولد من ريح الجنة لأنه أقرب إليها من أبيه ولم يتدنس بعد بالخطايا والمراد أن الولد كسب الرجل والكسب الطيب والعمل الصالح مقدمة الجنة وهو الزاد إليها (نكتة) قيل لحكيم: أي الريح أطيب قال: ريح ولد أربه وبدن أحبه
(طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه عن شيخه محمد بن عثمان بن سعيد وهو ضعيف وقال شيخه الزين العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وابن حبان في الضعفاء عن ابن عباس وفيه مندل بن علي ضعيف اه. وأقول: رواه أيضا البيهقي في الشعب وفيه مندل المذكور(4/42)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الراء](4/42)
4489 - (الراحمون) لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى الله والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال (يرحمهم) خالقهم (الرحمن) وفي رواية للزعفراني ذكرها الحافظ العراقي في أماليه الرحيم بدل الرحمن (تبارك وتعالى) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم (1) فإطلاق الرحمة عليه باعتبار لازمها لتنزهه عما يتعلق بالجوارح قيل: وذا أول حديث روي مسلسلا (ارحموا من في الأرض) أي من تستطيعون رحمته من المخلوقات برحمتكم المتجددة الحادثة (يرحمكم من في السماء) أي من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض أو المراد أهل السماء كما يشير إليه رواية أهل السماء قال العارف البوني: فإن كان لك شوق إلى رحمة من الله فكن رحيما لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك فارحم الجاهل بعلمك والذليل بجاهك والفقير بمالك والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك والعصاة بدعوتك والبهائم بعطفك ورفع غضبك فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم لخلقه فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة وقال ابن عربي: قد أمر الراحم أن يبدأ بنفسه فيرحمها فمن رحمها سلك بها سبيل هداها وحال بينها وبين هواها فإنه رحم أقرب جار إليه ورحم صورة خلقها الله على صورته فجمع بين الحسنيين ولذلك أمر الداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء اه. (تتمة) أنشدنا والدي الشيخ تاج العارفين وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الشيخ الصالح معاذ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا بقية المجتهدين شيخ الإسلام يحيى المناوي وهو أول شعر سمعناه منه قال: أنشدنا الحافظ المحقق ولي الدين [ص:43] العراقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد الوهاب السكندري وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا محمد بن محمد الواسطي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو المظفر سليم الحافظ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الدمشقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن هبة الله ابن عساكر وهو أول شعر سمعته منه:
بادر إلى الخير ياذا اللب مغتنما. . . ولا تكن من قليل الخير محتشما
واشكر لمولاك ما أولاك من نعم. . . فالشكر يستوجب الإفضال والكرما
وارحم بقلبك خلق الله وارعهم. . . فإنما يرحم الرحمن من رحما
<تنبيه> قال العلامة أقضى القضاة الجويني في ينابيع العلوم: حكمة إتيانه بالراحمين جمع راحم دون الرحماء جمع رحيم وإن كان غالب ما ورد من الرحمة استعمال الرحيم لا الراحم أن الرحيم صيغة مبالغة فلو عبر بجمعها اقتضاء الاقتصار عليه فعبر بجمع راحم إشارة إلى أن العباد منهم من قلت رحمته فيصح وصفه بالراحم لا الرحيم فيدخل في ذلك ثم أورد على نفسه حديث إنما يرحم الله من عباده الرحماء وقال: إن له جوابا حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات القلوب وهو أن لفظ الجلالة دال على العظمة والكبرياء ولفظ الرحمن دال على العفو بالاستقراء حيث ورد لفظ الجلالة يكون الكلام مسوقا للتعظم فلما ذكر لفظ الجلالة في قوله إنما يرحم الله لم يناسب معها غير ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريا على نسق العظمة ولما كان الرحمن يدل على المبالغة في العفو ذكر كل ذي رحمة وإن قلت
(حم د) في الأدب (ت) في الزكاة (ك) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن صحيح زاد (حم ت ك والرحم شجنة) بالكسر والضم (من الرحمن) أي مشتقة من اسمه يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبه بذلك مجازا واتساعا وأصل الشجنة شعبة من أغصان الشجرة (فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) أي قطع عنه جوده وفضله
_________
(1) والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة(4/42)
4490 - (الراشي والمرتشي) أي آخذ الرشوة ومعطيها (في النار) قال الخطابي: إنما تلحقهم العقوبة إذا استويا في القصد فرشى المعطي لينال باطلا فلو أعطى ليتوصل به لحق أو دفع باطل فلا حرج وقال ابن القيم: الفرق بين الرشوة والهدية أن الراشي يقصد بها التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل وهو الملعون في الخبر فإن رشى لدفع ظلم اختص المرتشي وحده باللعنة والمهدي يقصد استجلاب المودة ومن كلامهم البراطيل تنصر الأباطيل
(طص عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: ثقات معروفون قال ابن حجر: وليس في سنده من ينظر في أمره سوى شيخه والحارث بن عبد الرحمن شيخ ابن أبي ذئب وقد قواه النسائي(4/43)
4491 - (الراكب شيطان) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال: (والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال: سميا بذلك لأن واحدا من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري: قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي: سمى الواحد والاثنين شيطانا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري: هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة [ص:44] رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض
(حم د ت ك) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وفي الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال ابن حجر: حديث حسن الإسناد وصححه ابن خزيمة(4/43)
4492 - (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها) أخذ بظاهره ابن جرير الطبري فذهب إلى أن الراكب يندب كونه خلفها والماشي حيث شاء ومذهب الشافعية أن الأفضل لمشيعها كونه أمامها كيف كان وعكس أبو حنيفة. قال ابن العربي: وهذا باب ليس للنظر فيه مدخل وإنما هو موقوف على الأثر (والسقط يصلي عليه) إذا تيقنت حياته أو إذا استهل (ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة) أي في حال الصلاة عليه وفيه أدعية مأثورة مشهورة مبينة في الفروع وغيرها
(حم د ت ك) في الجنائز (عن المغيرة) بن شعبة قالوا: ووهم من قال المغيرة بن زياد قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك بل خرجه الأربعة في الجنائز(4/44)
4493 - (الرؤيا) بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالبا بشيء محبوب يرى مناما كذا قاله جمع وقال آخرون: الرؤيا كالرؤية جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان وقال ابن عربي: للإنسان حالان حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة وفي كليهما جعل الله له إدراكا يدرك به الأشياء يسمى ذلك الإدراك في اليقظة حسا ويسمى في النوم حسا مشتركا فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية وكل ما تدركه في النوم يسمى رؤيا مقصور وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما يضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس وهو نوعان إما إدراك صوته في الحس وإما إدراك أجزاء كل الصورة التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذي فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته فلا يدركه في النوم أبدا فالأصل الحس والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك وقد يتقوى الأمر على بعضهم فيدرك في اليقظة ما يدرك في النوم وذلك نادر وهو لأهل الطريق من نبي وولي (الصالحة (1)) أي المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة. وقال الكرماني: الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم ومخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها (من الله) أي بشرى منه تعالى وتحذير وإنذار ذكره القرطبي قال الكرماني: حقيقة الرؤيا الصالحة أنه تعالى يخلق في قلب النائم أو حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان فيقع ذلك [ص:45] في اليقظة كما رآه وربما جعل علما على أمور يخلقها الله أو خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى الغيم علامة على المطر (والحلم) بضم فسكون أو بضمتين وهو الرؤيا غير الصالحة (من الشيطان) أي من وسوسته فهو الذي يرى ذلك للإنسان ليحزنه بسوء ظنه بربه وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها (حين يستيقظ عن يساره ثلاثا) كراهة للرؤيا وتحقيرا للشيطان واستقذارا له وخص اليسار لأنها محل الأقذار (وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) إذا التجأ إلى الله فلا يصيبه شيء ببركة صدق الالتجاء إليه وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرفع الله البلايا بالصدقة وكل ذلك لقضاء وقدر لكن الأسباب والوسائط عاديات لا موجودات. قال ابن حجر: ورد في صيغة التعوذ أثر صحيح " أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني أو دنياي " <تنبيه> قال ابن نفيس في الشامل: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول بأن يكثر تبخيره أو تدخينه فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو ينفتح حال النوم حرك الدماغ عن أوضاعه فيعرض عنه اختلاط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها في بعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس التي يدرك بها تلك الصورة ويلزم ذلك أريحكم على تلك الصور بمعاني تناسبها فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام مشوشة فاسدة وقد يحدث الأحلام لأمر مهم يتفكر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة فيه وهذا كالصانع والمفكر في العلوم وكثيرا ما يكون الفكر صحيحا لأن القوة تكون قويت مما عرض لها من الراحة ولتوفر الأرواح على القوى الباطنية ولذلك كثيرا ما يتخيل حينئذ مسائل لم تخطر بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة ولذلك الشعراء يندر صحة أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل بما لا حقيقة له وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اه. <تنبيه> ذكر الحكيم الترمذي أن سبب الرؤيا أن الإنسان إذا نام سطع نور النفس حتى يجول في الدنيا ويصعد إلى الملكوت فيعاني الأشياء ثم يرجع إلى معدنه فإن وجد مهلة عرض على العقل والعقل يستودع لحفظ ذلك
(ق د ت عن أبي قتادة)
_________
(1) قال القاضي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال: ورؤيا السوء تحتمل الوجهين أيضا سوء الظاهر وسوء التأويل(4/44)
4494 - (الرؤيا الصالحة) وصفت بالصلاح لتحققها وظهورها على وفق المرئي (من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئا فلينفث عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره) جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء (ولا يخبر بها أحدا) لأنه ربما فسرها تفسيرا مكروها لظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر) بضم الياء وسكون الموحدة من البشارة وروي بفتح الياء وسكون النون من النشر وهو الإشاعة قال عياض: وهو تصحيف (ولا يخبر بها إلا من يحب) لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره على غير وجهه حسدا وليغمه أو يكيده {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} . <تنبيه> قال الغزالي: الرؤيا انكشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب [ص:46] فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام ولهذا أمر بالطهارة عند النوم لينام طاهرا وهو إشارة لطهارة الباطل أيضا فهو الأصل وطهارة الظاهر كالتتمة
(م عن أبي قتادة) الحارث وقيل: عمر وقيل: النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين(4/45)
4495 - (الرؤيا ثلاث فبشرى من الله) يأتي بها الملك من أم الكتاب وبشرى مصدر كحسنى أي فإحدى الثلاث هي في نفسها بشرى لإفراط مسرتها للرائي قال ابن عربي: سماها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها لحزن أو فرح فيظهر لذلك أثر في البشرة (وحديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كأن يكون في أمر مهم أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به من ذلك الأمر أو معشوقه في النوم وهذا لا عبرة به (وتخويف من الشيطان) بأن يريه ما يحزنه قال البغوي: أشار به إلى أنه ليس كل ما يراه النائم بصحيح ويجوز تعبيره إنما الصحيح ما جاء به الملك (فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة (وليقم فليصل) ما تيسر زاد في رواية وليستعن بالله فإنه لن يضره قال القرطبي: والصلاة بجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة فهي جامعة للآداب (وأكره الغل) في النوم لأن الغل جعل الحديد في النوم نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا ففيه إشارة إلى تقييد العنق وتثقيله بتحمل الدين أو المظالم أو كونه محكوما عليه وغالب رؤيته في العنق دليل على حال سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاصي اقترفها أو حقوق لازمة أضاعها مع القدرة وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه وبلية تلازمه (وأحب القيد) أي أحب أن يرى الإنسان مقيدا في النوم (القيد ثبات في الدين) لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشر والباطل فقال المعبرون: إذا رأى برجله قيدا وهو في نحو مسجد أو على حالة حسنة فهو دليل ثباته في ذلك ولو رآه نحو مريض أو مسجون كان ثباته فيه وإذا انضم الغل له دل على زيادة ما فيه
(ت هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره(4/46)
4496 - (الرؤيا على رجل طائر) أي هي كشيء معلق برجله لا استقرار لها (ما لم تعبر) بالبناء للمجهول وتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) تلك الرؤيا بمعنى أنه يلحق الرائي أو المرئي له حكمها قال في النهاية: يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر غالبا فكيف يكون ما على رجله وقال في جامع الأصول: كل حركة من كلمة أو شيء يجري لك طائر يقال اقتسموا دارا وطار سهم فلان في ناحية كذا أي خرج وجرى والمراد أن الرؤيا على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يحسن تعبيرها (ولا تقصها إلا على واد) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها بما تكرهه (أو ذي رأي) أي ذي علم بالتعبير فإنه يخبرك بحقيقة حالها أو بأقرب ما يعلم منه لأن تعبيرها يزيدها عما جعلها الله عليه وقال القاضي: معناه لا يقصها إلا على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير أو عاقل لبيب لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح ولا يواجهك إلا بخير <تنبيه> [ص:47] قال الراغب: الرؤيا فعل للنفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث نفس من الخواطر الرديئة يكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة وضرب وهو الأقل صحيح هو قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل وقسم يحتاج إليه ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة للفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا ثم من تصح له منهم من يرشح لأنه يلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح لذلك وكذلك قال اليونانيون: يجب للمعبر أن يشتغل بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون العوام فإن له حظا من النبوة وهذا العلم لا يحتاج إلى مناسبة بينه وبين متحريه فرب حكيم لا يرزق حذقا فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم يوجد له فيه قوة عجيبة انتهى <تنبيه> قال ابن عربي: إذا رأى أحد رؤيا فصاحبها له فيما رآه حظ من خير أو شر بحسب قضية رؤياه ويكون في ناموس الوقت أما في الصورة المرئية فيصور الله ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا والطائر الحظ ويجعل الرؤيا معلقة برجل هذا الطائر وهي عين الطائر ولما كان الطائر إذا اقتض صيدا من الأرض إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له وجناحه لا يمكنه الأخذ به فلذلك علق الرؤيا برجله فهي متعلقة وهي عين الطائر فإذا عبرت سقطت لما عبرت له وعند سقوطها ينعدم الطائر لكونه عينها وتتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا فترجع صورة الرؤيا عين الحال فتلك الحال إما عرض أو جوهر أو نسبة من ولاية أو غيرها هي عين صورة تلك الرؤيا وذلك الطائر ومنه خلقت هذه الحالة سواء كان جسما أو عرضا أو نسبة أعني تلك الصورة كما خلق آدم من تراب ونحن من ماء مهين حتى إذا دلت الرؤيا على وجود ولد فالولد خلق في تلك الرؤيا في صلب أبيه فإن لم يتقدم للولد رؤيا فهو على نشأته كسائر الأولاد فاعلمه فإنه سر عجيب وكشف صحيح ووله الرؤيا يتميز عن غيره بكونه أقرب للروحانية وانظر في رؤيا آمنة أم نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبدو لك صحته وإن أردت تأنيسا له فانظر في علم الطبيعة إذا توجهت المرأة الحاملة على شيء جاء الولد يشبهه وإذا نظرت حال جماعها أو تخيل لرجل عند الوقاع صورة وأنزل الماء يكون الولد على صورتها ولذلك أمرت الحكماء بتصوير فضلاء الحكماء وأكابرهم في الأماكن بحيث تنظر تلك المرأة عند الجماع والرجل فتطبع في الخيال فتؤثر الطبيعة فتخرج تلك القوة
(د هـ عن أبي رزين) العقيلي واسمه لقيط كما مر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك فقد عزاه هو في الدرر كالزركشي إلى الترمذي أيضا وقال: صحيح وقال في الاقتراح: إسناده على شرط مسلم(4/46)
4497 - (الرؤيا ثلاثة منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم) ولا حقيقة لها في نفس الأمر (ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه) قال القرطبي: ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي (ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قال الحكيم: أصل الرؤيا حق جاء من عند الحق المبين يخبرنا عن أنباء الغيب وهي بشارة أو نذارة أو معاينة وكانت عامة أمور الأولين بها ثم ضعفت في هذه الأمة لعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي ولما فيها من التصديق وأهل الإلهام واليقين فاستغنوا بها عن الرؤيا والمؤمن محسود ولع به الشيطان لشدة عداوته فهو يكبده ويحزنه من كل وجه ويلبس عليه فإذا رأى رؤيا صادقة خلطها ليفسد عليه بشراه أو نذارته أو معاينته ونفسه دون الشيطان فيلبس عليه بما اهتم به في يقظته فهذان الصنفان ليسا من أنباء الغيب والصنف الثالث هي الرؤيا الصادقة التي هي من أجزاء النبوة
(هـ عن عوف بن مالك) الأشجعي صحابي مشهور(4/47)
[ص:48] 4498 - (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي جزاء من أجزاء علم النبوة والنبوة غير باقية وعلمها باق فإن قيل: فإذا كان جزءا منها فكيف كان للكافر منها نصيب وهو غير موضع للنبوة وقد ذكر جالينوس أنه عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى ففعل فبرأ؟ فالجواب: أن الكافر وإن لم يكن محلا لها فليس كل مؤمن محلا لها ثم لم يمتنع أن يرى المؤمن الذي لا يجوز كونه نبيا ما يعود عليه بخير في دنياه فلا يمتنع أن يرى الكافر مثله فالمرضي فيه أن الرؤيا وإن كانت جزءا من النبوة فليست بانفرادها نبوة كما ليست كل شعبة من شعب الإيمان بانفرادها إيمانا ولا كل جزء من الصلاة بانفرادها صلاة
(خ عن أبي سعيد) الخدري (م عن ابن عمرو) ابن العاص (وعن أبي هريرة) معا (حم هـ عن أبي رزين) العقيلي (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وفي الباب عن جمع كثيرين قال المصنف وهو متواتر(4/48)
4499 - (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة) مجازا لا حقيقة لأن النبوة انقطعت بموته صلى الله عليه وسلم وجزء النبوة لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة ليس بصلاة نعم إن وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة والجزء النصيب والقطعة من الشيء والجمع أجزاء
(حم هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/48)
4500 - (الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) عبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد على النبوة بالتبليغ قال القاضي: والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله تعالى بتوسط الملك فلذلك عدها من أجزاء النبوة وتحقيقه أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا هذا الموكول إليه تدبير أمره وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها معوقة عن ذلك فإذا نام وحصل لها أدنى فراغ اتصلت بطباعها فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة من مطالعة اللوح المحفوظ والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب من الأهل والولد والمال والتلد وغير ذلك فتحاكيه المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك فتنطبع فيه فتصير محسوسة مشاهدة ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة كانت غنية عن التعبير وإلا افتقرت إليه وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقى من الملك فأما الرؤيا الكاذبة فسببها الأكثري تخيل فاسد تركبه المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك مما تلفته عن الحس المشترك وقد يكون بسبب استعراض الحس والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة ولما كان للشيطان دخل في هذه الأقسام لتولدها من الاستغراق أمر البدن والانهماك في الشهوات والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره أضاف الحكم إلى الشيطان في الحديث المتقدم وذكر في هذا الحديث خمسة وعشرين وقبله سبعين وقبله ستة وأربعين وأشار الغزالي إلى أن الاختلاف يرجع إلى اختلاف درجات الرؤية والرائي قال: ولا تظن أن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم جرى على لسانه جزافا واتفاقا بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فإنه لا ينطق عن الهوى فهو تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره معرفة علة ذلك النسبة إلا بتخمين إذ يعلم أن النبوة عبارة عما يختص به [ص:49] النبي صلى الله عليه وسلم ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص: إحداها أنه يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته وملائكته والدار الآخرة علما مخالفا لعلم غيره بكثرة المعلومات وزيادة الكشف والتحقيق والثاني أن له في نفسه صفة تتم له بها الأفعال الخارقة للعادة كما أن له صفة تتم بها الحركات المقرونة بإرادتنا وهي القدرة الثالث أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصير صفة يفارق بها الأعمى الرابع أن له صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب فهذه كمالات وصفات ينقسم كل منها إلى أربعة وخمسين وسبعين ويمكننا تكلف قسمتها إلى ستة وأربعين بحيث تقع الرؤيا جزءا من جملتها لكن تعين طريق واحد للقسمة لا يمكن إلا بظن اه. وقال ابن حجر: يمكن الحواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا من ستة وعشرين إن ثبت الخبر به وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين واثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بخمسة وأربعين ثم بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل جبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وقد مر ذلك مبينا
(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب(4/48)
4501 - (الرؤيا ستة: المرأة خير والبعير حرب) وفي رواية حزن (واللبن فطرة) أي يدل على السنة والعلم والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو الذي يقوته ويفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما يقوم بالعلم حياة القلوب وقد يدل على الحياة لأنها كانت به في الصغر وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على ظهور الإسلام والعلم والتوحيد وهذا في اللبن الحليب: أما الرايب فهم. والمخيض أشد غلبة منه ولبن ما لا يؤكل حرام وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان وقال بعضهم: أراد باللبن هنا لبن الإبل والبقر والغنم ولبن الوحش شك في الدين ولبن السباع غير محمود لكن لبن اللبؤة مال مع عداوة. وقال بعضهم: لبن اللبؤة يدل على الظفر بالعدو ولبن الكلب يدل على الخوف ولبن السنور والثعلب يدل على مرض ولبن النمر يدل على عداوة (والخضرة جنة والسفينة نجاة والتمر رزق) يعني أن هذه الأشياء إذا رؤيت في النوم تؤول بما ذكر
<تنبيه> قال ابن بطال: بعض الرؤيات لا يحتاج إلى تفسير وما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة وفيه أن أصل التعبير من الأنبياء وأنه توقيف لكن الوارد عنهم وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسب نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في الفروع الفقهية وقال المسيحي الفيلسوف: لكل علم أصول لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبير الرؤيا فإنها تختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعاداتهم وينبغي كون المعبر مطلعا على جميع العلوم عارفا بالأديان والملل والنحل والمراسم والعادات بين الأمم عارفا بالأمثال والنوادر ومأخذ اشتقاق الألفاظ فطنا ذكيا حسن الاستنباط خبيرا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات حافظا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا فمن أمثلة التعبير بحسب الاشتقاق أن رجلا رأى أنه يأكل سفرجلا فقال له المعبر: تسافر سفرا عظيما لأن أول جزء السفرجل سفر ورأى آخر أن رجلا أعطاه غصن سوسن فقال: يصيبك من المعطي سوء سنة لأن السوء يدل على الشدة والسنة اسم للعام التام لكن التعبير بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما هو للعرب وغيرهم إنما ينظر إلى اللفظ في لغتهم
(ع في معجمه) والديلمي من طريقه (عن رجل من الصحابة) من أهل الشام قال: كنا جلوسا عند ابن عبد العزيز فجاء رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين ههنا رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر وقمنا معه فقال: أنت رأيت رسول الله قال: نعم قال: سمعته يقول فذكره(4/49)
[ص:50] 4502 - (الربا سبعون بابا والشرك مثل ذلك) لأن كل من طفف في ميزانه فتطفيفه ربا بوجه من الوجوه فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه قال الحرالي: وفي إشعار قرنه بذكر الشرك تهويل وتهديد شديد لمن علم حكمه وأصر عليه لأنه مرتبك في شرك الشرك قاطع نحوه عقبات ثلاث اثنتان منها انتهاك حرمة الله في عدم الانتهاء والاستهانة في العود إليه وانتهاك حرمة عباد الله فكان إثمه متكررا مبالغا فيه فبولغ في تهديده لذلك فقد أذن الله في القرآن بأن الربا والإيمان لا يجتمعان حيث قال: {ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} وأكثر بلايا هذه الأمة حين أصابها ما أصاب بني إسرائيل من البأس الشنيع والانتقام بالسنين: من عمل الربا. <تنبيه> قال الغزالي: كل من عامل بالربا فقد كفر النعمة وظلم لأن النقد وسيلة لغيره لا لعينه
(البزار) في مسنده (عن ابن مسعود)(4/50)
4503 - (الربا ثلاثة وسبعون بابا) قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: المشهور أنه بالموحدة وتصحف على الغزالي بالمثناة فأورده في ذم الرياء قال: واقترانه بالشرك فيما قبله يدل على أنه بالمثناة
(هـ عن ابن مسعود (1)) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح
_________
(1) روى البزار حديث ابن مسعود بلفظ الربا بضع وسبعون بابا والشرك مثل ذلك وهذه الزيادة قد يستدل بها على أنه الرياء بالمثناة لاقترانه مع الشرك(4/50)
4504 - (الربا) أي إثم الربا. قال الطيبي: لا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح (ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم) قال الطيبي: إنما كان الربا أشد من الزنا لأن فاعله حاول محاربة الشارع بفعله بعقله قال تعالى {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقلا وشرعا وله روادع وزواجر سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة الله والزاني يخرق جلباب الحياء فريحه يهب حينا ثم يسكن ولواؤه يخفق برهة ثم يقر. قال الزمخشري: وهذا على مذهب قولهم للباطل صولة ثم يضمحل والريح الضلالة عصفة ثم تخفت
(ك عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح(4/50)
4505 - (الربا وإن كثر فإن عاقبته يصير إلى قل) بالضم القلة كالذلة والذل أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا يؤول إلى نقص ومحق آجلا بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك فهو مما يكون هباءا منثورا {يمحق الله الربا} قال الطيبي: والكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا فيجب أن يقدر مال الربا لأن مال الربا ربا
(ك) في باب الربا (عن ابن مسعود) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار(4/50)
4506 - (الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) أي استحقاره [ص:51] والترفع عليه والوقيعة فيه قال القاضي: الاستطالة في عرضه أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له وأكثر مما رخص له فيه ولذلك مثله بالربا وعده من عداده ثم فضله على جميع أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال
(طس عن البراء) بن عازب قال الهيثمي: فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة وسبقه المنذري(4/50)
4507 - (الربا سبعون حوبا) بفتح الحاء وتضم أي ضربا من الإثم فقوله الربا أي إثم الربا قال الطيبي: ولا بد من هذا التقدير ليطابق قوله (أيسرها أن ينكح الرجل أمه) قال كعب الأحبار في بعض الصحف المنزلة: إن الله تعالى يأذن بالقيام يوم القيامة للبر والفاجر إلا الآكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
(هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: فيه أبو معشر واسمه نجيح مختلف فيه(4/51)
4508 - (الربوة) بتثليث الراء كما في الكشاف (الرملة) أي هي الرملة يعني قوله تعالى {وآويناهما إلى ربوة} وهي رملة بيت المقدس كذا شرحه الديلمي وقيل: هي الأرض المرتفعة وقيل: هي ايليا أرض بيت المقدس وقيل: دمشق وغوطتها وقيل: فلسطين وقيل: مصر
(ابن جرير) الطبري (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن (وابن مردويه) في التفسير (عن مرة) بضم الميم بن كعب وقيل كعب بن مرة السلمي (البهزي) وقيل: هما اثنان نزلا الشام وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هؤلاء مع أن الطبراني والديلمي خرجاه باللفظ المزبور(4/51)
4509 - (الرجل جبار) أي ما أصابت الدابة برجلها فهو جبار أي هدر لا يلزم صاحبها وبه أخذ الحنفية رمحت الدابة برجلها هدر وبيدها يضمنه راكبها
(د) في الديات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في العارية وبسط الدارقطني والبيهقي القول في تضعيفه (1) قال الشافعي: هذا اللفظ غلط
_________
(1) [وفي مقدمة الإمام الشعراني لكتاب " كشف الغمة "؟ ؟ ما نتيجته أن استدلال أي من أئمة المذاهب بالحديث هو توثيق له. فلا يعارض أخذ الأحناف لهذا الحديث بتضعيف غيرهم له إذ يكون تحكما. دار الحديث](4/51)
4510 - (الرجل الصالح يأتي بالخبر الصالح والرجل السوء يأتي بالخبر السوء) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة قديمة من الفردوس مصححة بخط ابن حجر عازيا لأبي نعيم يجيء بالخبر الصالح ويجيء بالخبر السوء بدل يأتي فلينظر
(حل وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي(4/51)
4511 - (الرجل أحق بصدر دابته) أي مقدمها من غيره أي إلا أن يجعل ذلك لغيره كما صرح به في رواية (وأحق بمجلسه) كذلك (إذا رجع) أي إذا قام لحاجة ثم عاد إليه وأخذ منه أن من جلس للمعاملة في شارع ولم يضيق لم يمنع ويختص الجالس بمكانه ومكان متاعه وآلته ولو قام ليعود فهو أحق بمكانه وأن من جلس في المسجد لتدريس وإفتاء وإقراء درس بين يدي مدرس كان كذلك
(حم عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الهيثمي وغيره: فيه إسماعيل بن رافع قال البخاري: ثقة مقارب الحديث وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله رجال الصحيح(4/51)
[ص:52] 4512 - (الرجل أحق بصدر دابته وبصدر فراشه وأن يؤم في رحله) وفي رواية في بيته وفيه أن صاحب المنزل وأهل البيت أو القبلة أحق بالإمامة من غيرهم وإن كان الغير أعلم وأفقه لكن بشرط أهلية الإمامة لا كالمردة بالنسبة للرجل
(الدارمي) وكذا البزار في مسنديهما (هق عن عبد الله بن الحنظلية) قال: كنا في منزل قيس بن سعد ومعنا جماعة من الصحابة فقلنا: تقدم فقال: ما كنت لأفعل فقال ابن الحنظلية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال البزار: لا نعلم له طريقا عن ابن الحنظلية إلا هذا الطريق ثم إن المصنف رمز لصحته وهو زلل فقد أعله الذهبي في المهذب مستدركا على البيهقي بأن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة تركه أحمد وغيره وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: فيه ابن إسحاق بن يحيى وثقه ابن أبي شيبة وضعفه أحمد وابن معين والبخاري(4/52)
4513 - (الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه والصلاة في منزله) الذي هو ساكنه بحق ولو بأجرة (إلا) أن يكون (إماما يجتمع الناس عليه) فإنه إذا حضر يكون أحق من غيره مطلقا فأفاد ذلك أن الساكن بحق مقدم على مولاه وإن كان عبدا والمالك أولى من المستعير وأن إمام المسجد أحق من غيره وأن الإمام الأعظم أحق من الكل ومثله نوابه الأعلى فالأعلى
(طب عن فاطمة الزهراء) سيدة نساء هذه الأمة قال الهيثمي: فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعفه أحمد وابن معين والبخاري ووثقه ابن حبان وأعاده في محل آخر وقال: فيه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو متروك(4/52)
4514 - (الرجل أحق بمجلسه) الذي اعتاد الجلوس فيه لنحو صلاة أو إقراء أو إفتاء ولو جلس في المسجد لصلاة وقام بلا عذر بطل حقه أو لعذر كقضاء حاجة وتجديد وضوء وإجابة داع وعاد فهذا حق حتى يقضي صلاته أو مجلسه (وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه)
(ت عن وهب بن حذيفة) ويقال حذيفة الغفاري صحابي من أهل الصفة وقال: صحيح غريب(4/52)
4515 - (الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها) يعني يعوض عنها ويعارضه الخبر المتفق عليه العائد في هبته كالعائد في قيئه ومذهب الشافعي أنه لو وهب ولم يذكر ثوابا لم يرجع وإن وهب لمن دونه أو أعلى وقال مالك: إن وهب للأعلى وجب الثواب
(هـ عن أبي هريرة) قال الذهبي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ضعفوه وقال البخاري: كثير الوهم(4/52)
4516 - (الرجل على دين خليله) أي صاحبه (فلينظر أحدكم من يخالل) أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه
(د ت عن أبي هريرة) وحسنه الترمذي وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال النووي في رياضه: إسناده صحيح(4/52)
4517 - (الرجم كفارة لما صنعت) سببه أنه أمر برجم امرأة فرجمت فجيء إليه فقيل: قد رجمنا هذه الخبيثة فذكره بين [ص:53] بذلك أن الحدود كفارة لأهلها فإذا أقيم الحد على إنسان في الدنيا سقط عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة بالنسبة لحق الله تعالى
(ن والضياء) في المختارة (عن الشريد سويد) مصغرا ورواه عنه أيضا الديلمي(4/52)
4518 - (الرحم) أي القرابة (شجنة) بالحركات الثلاث للشين المعجمة وسكون الجيم قرابة مشتبكة متداخلة كاشتباك العروق (معلقة بالعرش) الرحم التي توصل وتقطع من المعاني فذكر تعلقها بالعرش استعارة وإشارة إلى عظم شأنها قال العلائي: ولا استحالة في تجسدها بحيث تعقل وتنطق
(حم طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته(4/53)
4519 - (الرحم معلقة بالعرش) أي مستمسكة آخذة بقائمة من قوائمه (تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) أي قطع عنه كمال عنايته وذا يحتمل الإخبار والدعاء قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتها بالود والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحق الواجب والمندوب والخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته وتتقاوت مراتب استحقاقهم في ذلك ويقدم الأقرب فالأقرب وقال ابن أبي جمرة: صلة الرحم بالمال وبالعون على الحوائج ودفع الضرر وطلاقة الوجه والدعاء والمعنى الجامع إيصاله ما أمكن من خير ودفع ما أمكن من شر بقدر الطاقة وهذا كله إذا كان أهل لرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم وإعلامهم بأن إصرارهم سبب مقاطعتهم وحينئذ تكون صلتهم الدعاء لهم بظهر الغيب بالاستقامة وقال الذهبي: يدخل فيه من قطعهم بالجفاء والإهمال والحمق ومن وصلهم بماله ووده وبشاشته وزيارته فهو واصل ومن فعل بعض ذلك وترك بعضا ففيه قسط من الصلة والقطيعة والناس في ذلك متفاوتون وقد يعرض الشخص عن رحمه لفسقهم وعتوهم وعنادهم
(م) في الأدب (عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو فيه متابع للطبري حيث عزاه مسلم خاصة قال المناوي: وليس بصحيح فقد ذكره الحميدي وغيره فيما اتفق عليه الشيخان(4/53)
4520 - (الرحم شجنة من الرحمن) أي اشتق اسمها من اسم الرحمن كما بينه الخبر القدسي أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق أو هي اسم اشتق من رحمة الرحمن أو أثر من آثار رحمته فقاطعها منقطع عن رحمة الله (قال الله من وصلك) بالكسر خطابا للرحم (وصلته) أي رحمه (ومن قطعك قطعته) أي أعرضت عنه لإعراضه عما أمر به من شدة اعتنائه برحمه وهذا تحذير شديد من قطعها والمراد بها القرابة من الأبوين وإن بعدت ولم تكن محرما <تنبيه> قال القونوي: الرحم اسم خفيفة الطبيعة والطبيعة عبارة عن حقيقة جامعة بين الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة بمعنى أنها عين كل واحدة من الأربعة بغير مضادة وليس كل واحد من الأربعة من كل وجه عينها بل من بعض الوجوه وأما إنها معلقة بالعرش فلأن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية والعرش أولها وأما إنها شجنة من الرحمن فلأن الرحمة نفس الوجود لأنها التي وسعت كل شيء فإنه وسع كل شيء حتى المسمى بالعدم فإن له من حيث تعينه في التعقل والحكم عليه بأنه في مقابلة الوجود المحقق ضربا من الوجود ثم إن الرحمة لما كانت اسما للوجود كالرحمن اسم للحق وأما كونها شجنة من الرحمن فلأن الموجودات تنقسم إلى ظاهر وباطن فالأجسام صور ظاهر الوجود والأرواح [ص:54] المعاني تعينات باطن الوجود والعرش مقام الانقسام وأما استعاذتها من القطيعة فلأن شعورها بالتحيز الذي عرض لها من عالم الأرواح وخص النفس الرحمني الذي هو مقام القرب التام الرباني فتألمت من حالة البعد بعد القرب وخافت من انقطاع الإمداد الرباني بسبب الفصل الذي شعرت به فنبهها الحق في عين إجابته لدعائها على استمرار الإمداد ودوام الوصلة من حيث المعية والحيطة الإلهيتين فسرت بذلك واطمأنت واستبشرت بإجابة الحق لها في عين ما سألت وصلتها بمعرفة مكانتها وتفخيم قدرها وقطعها بازدرائها والجهل بمكانها وبخسها حقها فمن ازدراها أو بخسها فقد بخس حق الله وجهل ما أودع فيها من خواص الأسماء ولولا علي مكانتها عنده تعالى لم يخبرها حال الإجابة بقوله من وصلك إلخ من جملة الازدراء والقطع ذم متأخري الحكماء لها ووصفها بالظلمة والكدورة وطلب الخلاص من أحكامها والانسلاخ من صفاتها فلو علموا أن ذلك متعذر وأن كل كما يحصل للإنسان بعد مفارقة النشأة الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعي وثمراته وأن الإنسان بعد المفارقة إنما تنتقل من صور الطبيعة إلى العوالم التي هي مظاهر لطائفها وفي تلك العوالم تتأتى لعموم السعداء رؤية لحق الموعود بها والمخبر عنها أنها أعظم نعم الله على أهل الجنة فحقيقة تتوقف مشاهدة الحق عليه كيف يجوز أن تزدري وأما حال الخصوص من أهل الله فإنهم وإن فازوا بشهود الحق ومعرفته هنا فإنه إنما تيسر لهم ذلك بمعونة هذه النشأة الطبيعية حتى التجلي الذاتي الذي لا حجاب بعده فإنه باتفاق الكمل من لم يحصل له ذلك في هذه النشأة الطبيعية لا تحصل له بعد المفارقة
(خ) في الأدب (عن أبي هريرة وعن عائشة)(4/53)
4521 - (الرحمة عند الله مئة جزء فقسم بين الخلائق جزءا) واحدا فيه يتراحمون ويعطف بعضهم على بعض حتى الدابة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن يصيبه فيؤذيه (وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة) حتى أن إبليس ليتطاول ذلك اليوم رجاء للرحمة وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحد في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار قال الحرالي: الجزء بعض من كل ما يشابهه كالقطعة من الذهب ونحوه
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته(4/54)
4522 - (الرحمة تنزل) حال الصلاة (على الإمام) أي على إمام الصلاة (ثم) تنزل (على من على يمينه) من الصفوف (الأول فالأول)
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أبو بكر الصديق رضي الله عنه(4/54)
4523 - (الرزق إلى بيت فيه السخاء) بالمد الجود والكرم (أسرع من الشفرة) بفتح الشين وسكون الفاء السكين العظيمة (إلى سنام البعير) أي هو سريع إليه جدا ومقصود الحديث الحث على السخاء سيما على عيال الإنسان وأهل بيته الذي أجرى الله تعالى رزقهم على يده والإعلام بأن التوسعة عليهم سبب يجلب الرزق {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} ومن وسع وسع الله عليه ومن قتر قتر عليه وفي ضمنه تحذير عظيم من البخل وإيذان أنه سبب لحرمان بعض الرزق
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب وسبقه ابن ماجه قال الزين العراقي: وكلها ضعيفة(4/54)
4524 - (الرزق أشد طلبا للعبد من أجله) لأن الله تعالى وعد به بل ضمنه ووعده لا يتخلف وضمانه لا يتأخر ومن علم [ص:55] أن ما قدر له من رزقه لا بد له منه علم أن طلبه لما لا يقدر له عناء لا يفيد ولهذا قال بعض الأنجاب: الرزق يطرق على صاحبه الباب وقال بعضهم: الرزق يطلب المرزوق وبسكون أحدهما يتحرك الآخر. قال حجة الإسلام: قد قسم الله الأرزاق وكتبها في اللوح المحفوظ وقدر لكل واحد ما يأكله ويشربه ويلبسه كل بمقدار مقدر ووقت مؤقت لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر كما كتب بعينه وفي المعنى قوله:
يا طالب الرزق السني بقوة. . . هيهات أنت بباطل مشغوف
أكل العقاب بقوة جيف الفلا. . . ورعي الذباب الشهد وهو ضعيف
فينبغي للعاقل أن لا يحرص في رزقه بل يكله إلى الله الذي تولى القسمة في خلقه
(القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو نعيم والطبراني الديلمي (عن أبي الدرداء) قال العامري: صحيح ورواه عنه الدارقطني في علله مرفوعا وموقوفا وقال: إنه أصح
_________
(1) في الأصل: " السى " فلعل حرف " ن " سقط. دار الحديث(4/54)
4525 - (الرضاع يغير الطباع) أي يغير طبع الصبي عن لحوقه بطبع والديه إلى طبع مرضعته لصغره ولطف مزاجه ومراد المصطفى صلى الله عليه وسلم حث الوالدين على توخي مرضعة طاهرة العنصر زكية الأصل ذات عقل ودين وخلق جميل والطباع ما تركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من خير وشر كذا في النهاية وفي المصباح الطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها قال الدميري: العادة جارية بأن من ارتضع امرأة غلب عليه أخلاقها من خير وشر وروي أن الجويني دخل فوجد ابنه إمام الحرمين يرضع ثدي غير أمه فاختطفه وعالجه حتى تقايأ اللبن فكان الإمام إذا حصل له كبوة في المناظرة يقول هذه بقايا تلك الرضعة
(القضاعي) وكذا ابن لال والديلمي (عن ابن عباس) قال شارح الشهاب: حديث حسن وأقول: فيه صالح بن عبد الجبار قال في الميزان: أتى بخبر منكر جدا ثم ساق هذا ثم قال: فيه انقطاع وفيه أيضا عبد الملك بن مسلمة مدني ضعيف ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن ابن عمر(4/55)
4526 - (الرضاعة) بفتح الراء بمعنى الإرضاع (تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله (ما تحرم الولادة) أي مثل ما تحرمه وتبيح مثل ما تبيحه وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه والجمع بين قريبتين وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نحو نظر وخلوة وسفر لا في باقي الأحكام كتوارث ووجوب إنفاق وإسقاط ونحو ذلك وفي رواية بدل الولادة النسب ولعله قال اللفظين في وقتين وحكمة التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم. قال الحرالي: الرضاعة التغذية بما يذهب الضراعة وهو الضعف والتحول بالرزق الجامع الذي هو طعام وشراب وهو اللبن الذي مكانه الثدي من المرأة والضرع من ذات الظلف
(مالك) في الموطأ (ق ت عن عائشة)(4/55)
4527 - (الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب) (1) يسوقه كما يسوق الحادي إبله (معه مخاريق من نار) جمع مخراق أصله ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا أراد أنه آلة تزجر بها الملائكة السحاب (يسوق بها السحاب حيث شاء الله) إذ ما من ساعة تمر إلا والمطر يقطر في بعض الأقطار ومن بدع المتصوفة: الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم اه. وقال ابن عربي: السحاب أبخرة تتصعد للحرارة التي فيها ثم تثقل فتنحل ماء ينزل كما صعد بما فيه من الحرارة فإذا ثقل اعتمد على الهواء فانضغط الهواء فأخذ سفلا فحرك وجه الأرض [ص:56] فتفوت الحرارة فصعد بوجه السحاب متراكما فمنعه من الصعود بتكاثفه فاشتعل الهواء فخلق الله من تلك الشعلة ملكا سماه برقا فأصابه الضوء ثم انطفأ بقوة الريح كالسراج فزال مع بقاء عينه فزال كونه برقا وبقي العين كونا يسبح الله ثم صدع الوجه الذي يلي الأرض من السحاب فلما مازجه كانا كالنكاح فخلق الله من ذلك التجاور ملكا سماه رعدا يسبح بحمده فكان بعد البرق ما لم يكن البرق خليا فكل برق لا بد أن يكون الرعد بعده لأن الهواء يصعد مشتعلا فيخلقه الله ملكا يسميه برقا وبعد هذا يصعد أسفل السحاب فيخلق الله الرعد فيسبح بحمده وثم بروق هي ملائكة يخلقها الله في زمن الصيف من شدة حر الجو
(ت عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره
_________
(1) [هذا ليس بوصف مادي وإنما وصف عالم الغيب الذي لا ندركه مع أنه جزء من الكون تجري الأحداث فيه بحسب سنة الله التابعة له. وتترابط أحداث عالم الغيب مع أحداث عالم الشهادة فمنها ما جعله الله سببا للآخر وبالعكس. وإنما قصرنا عن إدراك عالم الغيب وقياسه فعجزنا عن إدراك ذلك الترابط وعن إدراك " قوانين السببية " بينه وبين عالم الشهادة فرحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده. دار الحديث](4/55)
4528 - (الرفث الإعرابة) الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة (والتعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل صاحبه) في النهاية: الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المشاجرة والمراد الجدال ليحق باطلا أو يبطل حقا
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته(4/56)
4529 - (الرفق رأس الحكمة) أي التخلق به يصير الإنسان في أعلى درجاتها فإن به ينتظم الأمور ويصلح حال الجمهور. قال سفيان الثوري لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وقال الزمخشري: من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق إلا بالشدة كالجرح يعالج فإذا احتيج إلى الحديد لم يكن منه بد وقال أبو حمزة الكوفي: لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا واعلم أنهم لا يعطون بالشدة شيئا إلا أعطوا باللين أفضل منه وقال بزرجمهر: كن شديدا بعد رفق لا رفيقا بعد شدة لأن الشدة بعد الرفق عز والرفق بعد الشدة ذل
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن جرير) بن عبد الله. قال العامري في شرحه: ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] وابن شاذان والديلمي من حديث جابر(4/56)
4530 - (الرفق في المعيشة) هي ما يعاش به من أسباب العيش كالزراعة والرفق فيها الاقتصاد في النفقة بقدر ذات اليد (خير من بعض التجارة) ويروى كما في الفردوس خير من كثير من التجارة وجاء في خبر من فقه الرجل رفقه في معيشته. قال مجاهد: ليرفق أحدكم بما في يده ولا يتأول قوله سبحانه وتعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن الرزق مقسوم فلعل رزقه قليل فينفق نفقة الموسع ويبقى فقيرا حتى يموت بل معناها أن ما كان من خلف فهو منه سبحانه وتعالى فلعله إذا أنفق بلا إسراف ولا إقتار كان خيرا من معاناة بعض التجارة
(قط في الأفراد والإسماعيلي في معجمه طس هب) وكذا القضاعي (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه عبد الله بن صالح المصري قال عبد الملك بن شعيب ثقة مأمون وضعفه جمع وقال الذهبي بعد ما عزاه للبيهقي: فيه ابن لهيعة وسبق بيان حاله ورواه عنه أيضا الديلمي(4/56)
4531 - (الرفق به الزيادة) والنمو (والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير) فيه فضل الرفق دخل مالك بن دينار على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما نحن فيه من القيود؟ فرفع رأسه فرأى سلة فقال: لمن هذه؟ قال: لي [ص:57] فأمر بها فأنزلت فإذا فيها دجاجة واحبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك
(طب عن جرير) بن عبد الله ورواه عنه أيضا البزار والديلمي(4/56)
4532 - (الرفق يمن) أي بركة (والخرق) بالضم (شؤم) أي جهل وحمق كذا في النهاية وفي الفردوس الخرق الحمق وهو نقيض الرفق وليس بسديد بل هما غيران فقد فسر الراغب الحمق بأنه قلة التنبه لطريق الحق والخرق بأنه الجهل بالأمور العملية وذلك أن يفعل أكثر مما يجب أو أقل أو على غير نظام محمود قال: ويضاد الحذق وفي رواية الرغب شؤم قال في مجموع الغرائب: يقال هو الشره والنهم والحرص على الدنيا وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال والحكم
(طس عن ابن مسعود) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه المعلى بن عرفات وهو متروك وقال شيخه العراقي: رواه الطبراني عن ابن مسعود والبيهقي عن عائشة وكلاهما ضعيف(4/57)
4533 - (الرفق يمن والخرق شؤم وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب الرفق فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه وأن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شأنه) ولذلك كثر ثناء الشرع في جانب الرفق دون الخرق والعنف قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: أن تكون ذا أناة وتلاين قال: فما الخرق قال: معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضرك وقال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل قال: أن تضع الأمور مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه قال الغزالي: وهذا إشارة إلى أنه لا بد في مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندى
فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق لكن لما كانت الطباع إلى الجد والعنف أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جنب الرفق أكثر والحاجة إلى العنف يقع على ندور (الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ولو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا وإن الفحش من الفجور وإن الفجور في النار ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءا وإن الله لم يخلقني فحاشا)
(هب عن عائشة) وفيه موسى بن هارون قال الذهبي في الضعفاء: مجهول(4/57)
4534 - (الرقبى جائزة) وهي أن يقول جعلت لك هذه الدار فإن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فلك فعلى من المراقبة لأن كلا يرقب موت صاحبه وقد جعلها بعضهم تمليكا وبعضهم عارية
(ن عن زيد بن ثابت) رمز المصنف لصحته(4/57)
4535 - (الرقوب التي لا يموت لها ولد) لا ما تعارفه الناس أنها التي لا يعيش لها ولد فإنه إذا مات ولدها قبلها تلقاها من أبواب الجنة فأعظم بها من منة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (عن بريدة) بن الخصيب قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأنصار مات ابنها فجزعت فقام إليها ومعه أصحابه يعزيها فقال: أما أنه بلغني أنك جزعت قالت: ومالي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد فذكره فقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/57)
[ص:58] 4536 - (الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ولم يقدم منهم شيئا) فإن الثواب فيمن قدم منهم وفقدهم وإن عظم في الدنيا فثواب الصبر والتسليم في الآخرة أعظم وهذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللغوي بل نقله إلى ما ذكر إشارة لذلك
(حم عن رجل) شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: تدرون ما الرقوب قالوا: الذي لا ولد له فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حفصة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/58)
4537 - (الرقوب الذي لا فرط له)
(خ عن أبي هريرة)(4/58)
4538 - (الركاز) بكسر الراء وخفة الكاف وآخره زاي (الذي ينبت في الأرض) وفي رواية في الأرض وهذا حديث معلول وفي البخاري عن مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية قال الزركشي وغيره: بكسر فسكون الشيء المدفون وهو دفين ومدفون وفعل يجيء بمعنى المفعول كالذبح والطحن وأما بفتحها فالمصدر وليس بمراد هنا وتعقبه في المصباح بأنه يصح الفتح على أن يكون مصدرا أريد به المفعول كالدرهم ضرب الأمير والثوب نسج اليمن وقد جعل في هذا الحديث الركاز هو المعدن وغاير بينهما في حديث البخاري فقال: المعدن جبار وفي الركاز الخمس وبهذا أخذ الجمهور وقوله المعدن جبار أي هدر وليس المراد أنه لا زكاة فيه بل إن من استأجر رجلا للعمل في معدن فهلك فهو هدر
(هق) من رواية الأعمش عن أبي صالح (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: هذا وهم لأن ذا ليس من حديث الأعمش ولا من حديث أبي صالح إنما يرويه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو يعلى. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف(4/58)
4539 - (الركاز الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت) أي وليس هو بدفن أحد هذا ما اقتضاه هذا الحديث لكن عرفه الشافعية بأنه ما دفنه جاهلي في موات مطلقا وفيه الخمس وضعفوا هذا الحديث والمال المستخرج من الأرض له اسما فما دفنه بنو آدم كنز وما خلقه الله في الأرض معدن والركاز يعمهما من ركز الرمح غرزه وهما مركوزان في الأرض وإن اختلف الراكز
(هق عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف(4/58)
4540 - (الركب الذي معهم الجلجل لا تصحبهم الملائكة) لأنه يشبه الناقوس فيكره جعله في أعناق الدواب تنزيها لأنه من مزامير الشيطان والملائكة ضده ولأنه يشبه الناقوس فيكره تنزيها عند الشافعية وسيأتي ذلك مبسوطا
(الحاكم في) كتاب (الكنى عن ابن عمر) بن الخطاب(4/58)
4541 - (الركعتان قبل) صلاة (الفجر أدبار النجوم والركعتان بعد صلاة المغرب أدبار السجود) وهذا تفسير لقوله تعالى {ومن الليل فسبحه وأدبار السجود}
(ك) في صلاة التطوع (عن ابن عباس) وقال: صحيح ورده الذهبي بأن فيه رشدين ضعفه أبو زرعة والدارقطني وغيرهما(4/58)
[ص:59] 4542 - (الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة) أي هما من ياقوتها غير المتعارف إذ الياقوت نوعان متعارف وغيره كما سبق فمن بيانية
(ك) في الحج عن داود الزبرقان عن أيوب السختياني عن قتادة بن دعامة (عن أنس) وقال: صحيح فرده الذهبي بأن فيه داود. قال أبو داود: متروك وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي: رواه أيضا الترمذي وابن ماجه وكذا ابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر اه. فعزو المصنف له فقط تقصير أو قصور(4/59)
4543 - (الركن يمان)
(عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة بكار بن محمد من حديثه وقال: لا يثبت ذكره عنه في لسان الميزان وبكار هذا قال أبو زرعة: ذاهب الحديث له مناكير وقال أبو حاتم: مضطرب وقال ابن حبان: لا يتابع على حديثه(4/59)
4544 - (الرمي) بالسهام (خير ما لهوتم به) فيه حل الرمي بالسهام واللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب والتنشيط له وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن الخلق ومعاشرة الأهل والتمكين مما لا حرج فيه
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال: افتقد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا فقال: أين فلان؟ فقيل: ذهب يلعب فقال: ما لنا واللعب فقيل: ذهب يرمي. قال: ليس الرمي بلعب فذكره وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري قال الذهبي: تركوه واتهمه بعضهم: أي بالوضع(4/59)
4545 - (الرهن مركوب ومحلوب) أي ربه يركبه ويحلبه فإن أوجر كان أجر ظهره له ونفقته عليه. قال الحرالي: والرهن بالفتح والسكون التوثيق بالشيء بما يعادله بوجه ما اه. والرهن هنا بمعنى المرهون
(د هق عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن مجشر البغدادي. قال في الميزان: له أحاديث مناكير من قبل الإسناد منها هذا الحديث وهو صويلح في نفسه اه. وفي اللسان: قال ابن حبان في الثقات يخطىء وقال السراج عن الفضيل بن سهل يكذب وعن ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث اه. وقال ابن حجر: أعل بالوقف ورفعه أبو حاتم مرة ثم تركه ورجح البيهقي كالدارقطني وقفه وهي رواية للشافعي(4/59)
4545 - (الرهن) أي الظهر المرهون (يركب) بالبناء للمجهول (بنفقته) أي يركب وينفق عليه وهو هبر بمعنى الأمر لكن لم يتعين فيه المأمور (ويشرب) بضم أوله (لبن الدر) بفتح المهملة والتشديد أي ذات الدر وهو اللبن فالتركيب من إضافة الشيء لنفسه كقوله تعالى {وحب الحصيد} كذا ذكره ابن حجر وتعقبه العيني بأن إضافة الشيء لنفسه لا تصح إلا إذا وقع في الظاهر فيؤول وإذا كان المراد بالدر الدارة فلا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير دارة (إذا كان مرهونا) لم يقل مرهونة باعتبار تأويل الحيوان يعني للمرتهن الركوب والشرب أي بإذن الراهن فلو هلك بركوبه لا يضمن وأخذ بظاهره أحمد فجوز الانتفاع بالرهن إذا قام بمصالحه وإن لم يأذن مالكه وقال الشافعي: الكلام في الراهن فلا يمنع من ظهرها ودرها فهي محلوبة ومركوبة له كما قبل الرهان أي فللراهن انتفاع لا ينقص المركوب كركوب وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية: ليس للراهن ذلك لمنافاة حكم الرهن وهو الحبس الدائم
(خ عن أبي هريرة) [ص:60] ورواه عنه أبو داود بلفظ يحلب مكان يشرب(4/59)
4547 - (الرواح يوم الجمعة) إلى صلاة الجمعة (واجب على كل محتلم) أي من بلغ الحلم (والغسل) لها واجب عليه (كاغتساله من الجنابة) وهذا محمول على أنه سنة مؤكدة يقرب من الواجب
(طب عن حفصة) بنت عمر أم المؤمنين قال الطبراني: تفرد به عن بكير بن عبد الله عياش بن عياش وعنه مفضل بن فضالة اه(4/60)
4548 - (الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها) بمعنى مما تطلع عليه الشمس وتغرب في الرواية الأخرى وقد يفرق بأن حديث وما فيها يشمل ما تحت طباقها مما أودعه الله من الكنوز وغيرها وحديث ما طلعت عليه الشمس يشمل بعض السماوات لأنها في الرابعة والقصد بهذا الحديث وشبهه تسهيل أمر الدنيا وتعظيم شأن الجهاد ثم هذا من تنزيل المغيب منزلة المحسوس وإلا فليس شيء من الآخرة بينه وبين الدنيا توازن حتى يقع فيه التفاضل أو المراد أن إنفاق الدنيا وما فيها لا يوازن ثوابه ثواب هذا فيكون التوازن بين ثوابي العملين
(ق ن عن سهل بن سعد) الساعدي(4/60)
4549 - (الريح من روح الله) بفتح الراء مصدر بمعنى الفاعل أي الريح من روائح الله أي من الأشياء التي تجيء من حضرة الله بأمره (تأتي بالرحمة) لمن أراد الله رحمته (وتأتي بالعذاب) لمن أراد الله هلكته (فإذا رأيتموها فلا تسبوها) أي لا يجوز لكم ذلك (واسألوا الله خيرها) أي من خير ما أرسلت به (واستعيذوا) في رواية عوذوا (بالله من شرها) أي شر ما أرسلت به فإنها مأمورة وتوبوا عند التضرر بها وهذا تأديب من الله وتأديبه رحمة لعباده قال ابن العربي: وإسناد الفعل إليها مجاز وإنما المأمور الملك الموكل بإرسالها وإمساكها وتحريكها وتسكينها وعبر به عنها لأنها معرفة له
(خد د) في الأدب (ك) في الأدب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الأذكار والرياض: إسناده حسن وظاهر صنيع المصنف تفرد أبي داود به من بين الستة وليس كذلك بل رواه ابن ماجه في الأدب وكذا النسائي في اليوم والليلة عن أبي هريرة أيضا(4/60)
4550 - (الريح تبعث عذابا لقوم ورحمة لآخرين) أي في آن واحد قال الحرالي: والريح متحرك الهواء في الأقطار
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال الذهبي: متفق على ضعفه ورواه عنه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أجود والله سبحانه وتعالى أعلم(4/60)
حرف الزاي(4/60)
4551 - (زادك الله) يا أبا بكرة الذي أدرك الإمام راكعا فتحرم وركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى إلى الصف خوفا من فوت الركوع (حرصا) على الخير قال القاضي: ذهب الجمهور إلى أن الانفراد خلف الصف مكروه ولا يبطل الصلاة [ص:61] بل هي منعقدة وذهب جمع من السلف كحماد والنخعي ووكيع إلى بطلانها به والحديث حجة عليهم فإنه لم يأمره بالإعادة ولو كان الانفراد مفسدا لم تنعقد صلاته لاقتران المفسد بتحريمها (ولا تعد) إلى الإقتداء منفردا فإنه مكروه أو إلى الركوع دون الصف أو إلى المشي إلى الصف في الصلاة فإن الخطوة والخطوتين وإن لم تفسد الصلاة لكن الأولى التحرز عنها وكيفما كان هو من العود وفيه أنه يندب الدعاء لمن بادر بالخير وحرص عليه وروي ولا تعد بسكون العين أي لا تسرع في المشي إلى الصلاة واصبر حتى تصير إلى الصف
(حم خ د ن) في الصلاة (عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره. قال ابن حجر: وألفاظهم مختلفة(4/60)
4552 - (زادني ربي صلاة وهي الوتر) بفتح الواو وكسرها (وقتها ما بين العشاء) أي صلاتها (إلى طلوع الفجر) لا دلالة فيه على وجوب الوتر إذ لا يلزم كون المزاد من جنس المزيد
(حم) من حديث عبيد الله بن زحر بن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية (عن معاذ) بن جبل قال عبد الرحمن: قدم معاذ الشام وأهلها لا يوترون قال: فقال لمعاوية: ما لي أراهم لا يوترون قال: وواجب عليهم قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره قال الهيثمي: وعبيد الله بن زحر ضعيف متهم ومعاوية لم يتأمر في زمن معاذ اه. وقال ابن حجر: أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده وفيه عبيد الله بن زحر وهو واه ومعاذ مات قبل أن يلي معاوية دمشق وعبد الرحمن لم يدرك القصة(4/61)
4553 - (زار رجل أخا له في قرية) أي أراد زيارة أخيه وهو أعم من كونه أخا حقيقة أو مجازا (فأرصد الله له) أي وكل بحفظه يقال أرصده لكذا إذا وكله بحفظه (ملك) من الملائكة (على مدرجته) أي هيأ على طريقه ملكا وأقعده يرقبه والمدرجة بفتح الميم والراء والجيم الطريق سميت به لأن الناس يدرجون فيها أي يمشون (فقال أين تريد قال) أريد (أخا لي في هذه القرية) أي أزوره فإن قيل: السؤال عن القصد والجواب غير مطابق له قلنا: في الحديث بيان لمقصده ومقصوده (فقال هل له عليك من نعمة) أي هل لك من حق واجب عليه من النعم الدنيوية (تربها) بفتح المثناة الفوقية وضم الراء وشدة الموحدة التحتية أي تملكها وتستوفيها أو معناه تقوم بها وتسعى في صلاحها وتحفظها وتراعيها كما يربي الرجل ولده (قال لا إلا أني أحبه في الله) أي ليس لي داعية إلى زيارته إلا محبتي إياه في جنب رضى الله (قال فإني رسول الله إليك أن الله) كذا بخط المصنف وفي نسخ وهي رواية بأن الله فالجار والمجرور متعلق برسول (أحبك كما أحببته) أي رحمك ورضي عنك وأراد بك الخير بسبب ذلك وأفاد فضل الحب في الله وأنه سبب لحب الله وفضل زيارة الأولياء والأحباب وأن الآدمي يرى الملك ويكلمه قال الغزالي: زيارة الإخوان في الله من جواهر عبادة الله وفيها الزلفة الكريمة إلى الله مع ما فيها من ضروب الفوائد وصلاح القلب لكن بشرطين: أحدهما: أن لا يخرج إلى الإكثار والإفراط كما أفاده الخبر الآتي الثاني: أن يحفظ حق ذلك بالتجنب عن الرياء والتزين وقول اللغو والغيبة ونحو ذلك وقال البوني: هذا يشير إلى أن من صعد بحركة بعقد صحيح غير ملتفت فيه لغير الله تعالى أمده الله تعالى بأنوار إيمانية وقوة روحانية ومحبة عرفانية
(حم خد م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(4/61)
4554 - (زر القبور تذكر بها الآخرة) لأن الإنسان إذا شاهد القبور تذكر الموت وما بعده وفيه عظة واعتبار [ص:62] وكان ربيع بن خيثم إذا وجد غفلة يخرج إلى القبور ويبكي ويقول: كنا وكنتم ثم يحيي الليل كله عندهم فإذا أصبح كأنه نشر من قبره قال السبكي: وهذا المعنى ثابت في جميع القبور ودلالة القبور على ذلك متساوية كما أن المساجد غير الثلاثة متساوية (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله) أي في ظل عرشه (يوم القيامة) يوم لا ظل إلا ظله (يتعرض لكل خير) قال الغزالي: فيه ندب زيارة القبور لكن لا يمس القبر ولا يقبله فإن ذلك عادة النصارى قال: وكان ابن واسع يزور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده
(ك) من حديث موسى الضبي عن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي مسلم الخولاني عن ابن عمير (عن أبي ذر) قال الحاكم: رواته ثقات قال الذهبي: قلت لكنه منكر ويعقوب واه ويحيى لم يدرك أبا مسلم فهو منقطع أو أن أبا مسلم رجل مجهول اه(4/61)
4555 - (زر) يا أبا هريرة (غبا تزد حبا) أي زر أخاك وقتا بعد وقت ولا تلازم زيارته كل يوم تزدد عنده حبا وبقدر الملازمة تهون عليه وانتصب غبا على الظرف وحبا على التمييز. قال بعضهم: فالإكثار من الزيارة ممل والإقلال منها مخل ونظم البعض هذا المعنى فقال:
عليك بإغباب الزيارة إنها. . . إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت الغيث يسأم دائما. . . ويسأل بالأيدي إذا كان ممسكا
(وقال آخر:)
وقد قال النبي وكان يروى. . . إذا زرت الحبيب فزره غبا
(وقال آخر:)
أقلل زيارتك الصديق. . . تكون كالثوب استجده
وأمل شيء لامرىء. . . أن لا يزال يراك عنده
وهذا الحديث قد عده العسكري من الأمثال
(البزار) في مسنده (طس هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كنت بالأمس قلت: زرت ناسا من أهلي فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكتوا عليه والأمر بخلافه أما البزار فقال عقبه: ولا نعلم فيه حديثا صحيحا وقال ابن طاهر: رواه ابن عدي في أربعة عشر موضعا من كامله وأعلها كلها وقال البيهقي عقب تخريجه: طلحة بن عمرو أي أحد رجاله غير قوي قال: وقد روي بأسانيد هذا أمثلها اه. وطلحة هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد: لا شيء متروك الحديث وأبو زرعة والدارقطني وابن منيع: ضعيف (البزار) في مسنده (هب عن أبي ذر) قال الهيثمي: وفيه عويد بن أبي عمران الجويني وهو متروك اه (طب ك عن حبيب بن مسلمة) المكي (الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء وآخره راء نسبة إلى فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة نزل الشام وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم غازيا قال في التقريب: مختلف في صحبته والراجح ثبوتها لكن كان صغيرا (طب عن ابن عمرو طس عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن عائشة) وقال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي وغيره: متروك وفي اللسان كالميزان عن البخاري: منكر الحديث ثم أورد له مناكير هذا منها ثم قال: قال ابن عدي: ليس في أحاديث عويد أنكر من هذا والضعف عليه بين. وقال أبو داود: أحاديثه تشبه البواطيل وظاهر صنيع المصنف أنه لم ير للحديث أمثل من هذين الطريقين وإلا لما آثرهما واقتصر عليهما والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني أيضا من حديث ابن عمر باللفظ المزبور. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية [ص:63] رجاله ثقات اه. وقال المنذري: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة واعتنى غير واحد من الحفاظ بجمع طرقه والكلام عليها ولم أقف له على طريق صحيح كما قال البزار بل له أسانيد حسان عند الطبراني وغيره(4/62)
4556 - (زر في الله فإنه) أي الشأن (من زار) أخاه (في الله شيعه سبعون ألف ملك) في عوده إلى محله إكراما له وتبجيلا وتعظيما ويظهر أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد كما في قوله تعالى {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا} وفيه فضل زيارة الإخوان والحث عليها
(حل عن ابن عباس)(4/63)
4557 - (زكاة الفطر) بكسر الفاء لا ضمها ووهم نجم الأئمة قال في المجموع: وهي مولدة لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية للفقهاء أي فتكون حقيقة شرعية على المختار كالصلاة وتسمى أيضا زكاة رمضان وزكاة الصوم وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان (فرض) بإجماع الأربعة على ما حكاه ابن المنذر لكن عورض بأن الحنفي يرى وجوبها لا فرضيتها على قاعدته أن الواجب ما ثبت بظني وأن أشهب نقل عن مالك أنها سنة وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين (على كل مسلم حر وعبد) بأن يخرج عنه سيده ويستثنى عبد لبيت المال والموقوف فلا تجب فطرتهما إذ لا مالك لهما معين يلزم بها وكذا المكاتب لضعف ملكه ولا على سيده لأنه معه كأجنبي (ذكر وأنثى) ظاهره وجوبه على الأنثى عن نفسها ولو مزوجة وبه أخذ الحنفية ومذهب الثلاثة أنها على زوجها إلحاقا بالنفقة (من المسلمين) فلا يجب على كل مسلم إخراج عن عبد وقريب كافرين عند الثلاثة وأوجبه أبو حنيفة قال الطيبي: من المسلمين حال من عبد وما عطف عليه ومعناه فرض على جميع الناس من المسلمين أما كونها فيم وجبت وعلى من وجبت فيعلم من نصوص أخرى قال الدماميني: هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي: إنه خطاب موجه معناه إلى السياق يقصد بذلك الاحتجاج بمذهبه اه. وزعم أن من المسلمين تفرد به مالك عن الثقات منعه الحافظ العراقي بأن رواها أكثر من عشرة من الحفاظ المعتمدين (صاع) برفعه خبر زكاة الفطر وهو أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي (من تمر أو صاع من شعير) فهو مخير بينهما فيخرج من أيهما شاء صاعا ولا يجزئ إخراج غيرهما وبه قال ابن حزم قال الحافظ العراقي: فهو أسعد الناس بالعمل بهذه الرواية المشهورة لكن ورد في روايات ذكر أجناس أخرى يجيء تفصيلها وعليه التعويل وإنما اقتصر هنا عليهما لأنهما غالب قوت المدينة ذلك الوقت
(قط ك) في الزكاة (هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي(4/63)
4558 - (زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث) الواقعين من الصائم حال الصوم أخذ منه الحسن وابن المسيب أنها لا تجب إلا على من صام والأربعة على خلافه وأجابوا بأن ذلك التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب قط أو من أسلم قبل الغروب بلحظة (وطعمة للمساكين والفقراء من أداها) أي أخرجها إلى مستحقيها (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فهي زكاة مقبولة) أي يقبلها الله ويثيب عليها (ومن أداها بعد الصلاة) صلاة العيد (فهي صدقة من الصدقات) أي وليس بزكاة الفطر على ما أفهمه هذا السياق وأخذ بظاهره ابن حزم فقال: لا يجوز تأخيرها عن الصلاة والأربعة على خلافه ومذهب الشافعي وأحمد أنها تجب بغروب الشمس ليلة العيد وأوجبها الحنفية [ص:64] بطلوع فجر العيد ولمالك روايتان <تنبيه> قال الزمخشري: صدقة الفطر زكاة إلا أن بينها وبين الزكاة المعهودة أن تلك تجب طهرة للمال وهذه طهرة لبدن المؤدي كالكفارة
(قط هق) من حديث عكرمة (عن ابن عباس) قال الفرياني: عكرمة متكلم فيه لرأيه رأي الخوارج ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو عجب فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس(4/63)
4559 - (زكاة الفطر على كل حر وعبد) بأن يخرج عنه سيده كما تقرر قال أبو الطيب: على بمعنى عن لأن العبد لا يطالب بأدائها وتعقب بأنه لا يلزم من وجوب الشيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة على غير من لزمته والدية الواجبة بقتل الخطأ أو شبهه وأخذ بظاهره داود فأوجب إخراج العبد عن نفسه قال أبو زرعة: ولا نعلم من قال به سواء ولم يتابعه أحد من أتباعه (ذكر وأنثى) وأخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجبها على الأنثى ولو ذات زوج ومذهب الثلاثة أن فطرتها على زوجها كالنفقة (و) على ولي كل (صغير) لم يحتلم من ماله إن كان له مال وإلا فعلى من عليه مؤونته وبه قال الأئمة الأربعة (وكبير فقير) حيث وجد فاضلا عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته وإن لم يملك نصابا (وغني صاع من تمر أو نصف صاع من قمح) أخذ بظاهره أبو حنيفة تبعا لمعاوية فقال: يجزئ صاع بر عن اثنين وضعفه الثلاثة بأن في سنده من لا يحتج به وأخذ ابن حزم من قوله صغير وجوبها عن الحمل فإنه ببطن أمه يسمى صغيرا ومنع بأنه لا يفهم منه عاقل إلا الموجود في الدنيا
(هق عن أبي هريرة) قد عرفت أن في سنده من لا يعول عليه(4/64)
4560 - (زكاة الفطر على الحاضر والبادي) أجمع عليه الأئمة الأربعة فجزموا بأنه لا فرق في وجوبها بين أهل الحاضرة والبادية ونفى عطاء والزهري وربيعة والليث وجوبها على أهل البادية
(هق عن ابن عمر) بن الخطاب(4/64)
4561 - (زمزم) وهي كما قال المحب الطبري بئر في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثين ذراعا سميت به لكثرة مائها أو لزمزمة جبريل وكلامه عندها أو لغير ذلك (طعام طعم) أي فيها قوة الاغتذاء الأيام الكثيرة لكن مع الصدق كما وقع لأبي ذر بل كثر لحمه وزاد سمنه يقال هذا الطعام طعم أي يشبع من أكله ويجوز تخفيف طعم جمع طعام كأنه قال إنها طعام أطعمه كما يقال أصل أصلا وشيد أشياد والمعنى أنه خير طعام وأجوده ذكره كله الزمخشري (وشفاء سقم) أي حسي أو معنوي مع قوة اليقين وكمال التصديق ولهذا سن لكل أحد شربه أن يقصد به نيل مطالبه الدنيوية والأخروية
(ش والبزار) في مسنده (عن أبي ذر) قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح اه. ورواه عنه الطيالسي قال ابن حجر: وأصله في مسلم دون قوله وشفاء سقم قال المصنف: ولها أسماء منها برة ومضنونة وشراب الأبرار وقال ابن عباس: صلوا في مصلى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار. قيل: ما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: ما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم أكرم به من شراب(4/64)
4562 - (زمزم حفنة من جناح جبريل) بحاء مهملة مفتوحة وفاء ساكنة ونون مفتوحة أي زمزم حفنة حفنها جبريل بخافقة جناحه لما أمر بحفرها من قولهم حفنت الشيء إذا حفرته بكلتا يديك وفي رواية هزمة بدل حفنة أي غمزة يقال هزم الأرض هزمة إذا شقها شقا
(فر عن عائشة)(4/64)
[ص:65] 4563 - (زملوهم) بالزاي: لفوهم (بدمائهم) أي لا تغسلوها عنهم (1) (فإنه) أي الشأن (ليس من كلم) بالسكون أي جرح (يكلم) أي يجرح (في الله) أي في الجهاد في سبيل الله بقصد إعلاء كلمته (إلا وهو يأتي يوم القيامة يدمأ) أي يسيل منه الدم كأنه يوم جرح (لونه لون الدم وريحه ريح المسك) تمامه وقدموا أكثرهم قرآنا انتهى وكأنه سقط من قلم المؤلف وهذا قاله في شهداء أحد وفيه إشعار بأن الشهيد لا يغسل
(ن عن عبد الله بن ثعلبة) العذري قال الذهبي: له صحبة إن شاء الله ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني والشافعي والحاكم والديلمي وغيرهم
_________
(1) وجوبا فيحرم إزالة دم الشهيد عنه ما لم يختلط بنجس فإن اختلط بنجس وجبت إزالته وإن أدى ذلك إلى إزالة الدم وأما تكفينه في ثيابه الملطخة بالدم فمندوب(4/65)
4564 - (زنا العينين النظر) يعني أن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه وإسناد الزنا إلى العين لأن لذة النكاح في الفرج تصل إليها. قال الغزالي: ونبه به على أنه لا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكرة وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها قال عيسى عليه السلام: إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة ثم قال الغزالي: وزنا العين من كبار الصغائر وهو يؤدي إلى الكبيرة الفاحشة وهي زنا الفرج ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه
(ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن علقمة) بفتح المهملة والقاف (بن الحويرث) أو ابن الحارث الغفاري قال الهيثمي: فيه محمد بن مطرف لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ورواه القضاعي وقال شارحه العامري: صحيح(4/65)
4565 - (زن وأرجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا والرجحان الثقل والميل اعتبر في الزيادة وذلك ندب منه إلى إرجاح الوزن ومثله الكيل عند الإيفاء لا الاستيفاء لقوله تعالى {وأوفوا الكيل إذا كلتم} لمعنيين العدل والإحسان {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} أما العدل فإنه لا تتحقق براءة ذمته إلا بأن يرجحه بعض الرجحان فيصير قليل الرجحان من طريق الورع والعدل الواجب كأن يغسل جزءا من الرأس ليتحقق استيعاب الوجه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والثاني الإحسان إلى من له الحق وخياركم أحسنكم قضاء كما في الخبر الآتي وهذا قاله وقد اشترى سراويل وثم رجل يزن بالأجر أي في السوق والأمر محتمل للإباحة وفي أوسط الطبراني أن الثمن كان أربعة دراهم وفيه صحة هبة المجهول المشاع لأن الرجحان هبة وهو غير معلوم القدر وثبوت شراء السراويل لا أنه لبسها وقول الهدى الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها غير ظاهر فقد يكون اشتراها لبعض عياله ومن عزى إلى الهدى الجزم بلبسها كالحجازي في حاشية الشفاء ثم رده بأنه سبق قلم لم يصب إذ الموجود فيه ما ذكر به نعم جاء في رواية لأبي يعلى شديدة الضعف عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل من سوق البزازين بأربعة دراهم وأنه قال له: يا رسول الله وإنك تلبس السراويل قال: أجل في السفر والحضر وبالليل وبالنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد أستر منه <تنبيه> قال ابن القيم: قد باع النبي صلى الله عليه وسلم واشترى وشراؤه أكثر وآجر واستأجر وإيجاره أكثر وضارب وشارك ووكل وتوكل وتوكيله أكثر وأهدى وأهدي له ووهب واتهب واستدان واستعار وضمن عاما وخاصا ووقف وشفع فقبل تارة ورد أخرى فلم يغضب ولا حلف واستحلف ومضى في يمينه تارة وكفر أخرى ومازح وورى ولم يقل إلا حقا وهو القدوة والأسوة
(حم 4 ك حب) وكذا البخاري في تاريخه (عن سويد) بالتصغير (بن قيس) العبدي [ص:66] أبي مرحب صحابي مشهور نزل بالكوفة قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى فاشترى منا سراويل فبعناه منه فوزن ثمنه وثم وزن يزن بالأجر فقال: يا زان زن وأرجح قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال في الإصابة: سويد بن قيس العبدي روى عنه سماك بن حرب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اشترى من رجل سراويل أخرجه أصحاب السنن واختلفوا فيه على سماك أي ففيه اضطراب قال: وفي سنده المسيب بن واضح فيه مقال(4/65)
4566 - (زنا اللسان الكلام) أسند الزنا إلى اللسان لأنه يلتذ بالكلام الحرام كما يلتذ الفرج بالوطء الحرام ويأثم بهذا كما يأثم بذاك قال ابن عربي: هذا أمر بتقييد الجوارح فزنا اللسان النطق وزنا العينين النظر وزنا الأذن الاستماع وزنا اليد البطش وزنا الرجل السعي وكل جارحة تصرفت فيما حرم عليها التصرف فيه فذلك التصرف منها على هذا الوجه حرام هو زناها
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي(4/66)
4567 - (زني) يا فاطمة (شعر الحسين) بعد حلقه لأن الحلق من قبيل إماطة الأذى فإن شعر المولود ضعيف فيحلق ليقوى مع ما فيه من فتح المسام ليخرج البخار بسهولة وفي ذلك تقوية حواسه (وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة) أي إحدى رجليها فامتثلت الأمر ووزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم كما رواه ابن إسحاق عن علي وصرح عطاء بتقديم الحلق على الذبح قيل: ولعل قصد تمييزه عن مناسك الحج أن لا يتشبه به. قال ابن حجر: اتفقت الروايات على ذكر التصدق بالفضة خلاف قول الرافعي يندب بذهب فإن لم يفعل فبفضة لكن في خبر الطبراني ذهبا أو فضة وفيه رواد ضعيف
(ك عن علي) أمير المؤمنين وقال: صحيح قال الحافظ العراقي: وهو عند الترمذي منقطع بلفظ حسن وقال: ليس إسناده بمتصل ورواه أحمد من حديث أبي رافع وإسناده ضعيف(4/66)
4568 - (زوجوا الأكفاء وتزوجوا الأكفاء واختاروا لنطفكم) أي لا تضعوها إلا في خيار النساء (وإياكم والزنج) أي احذروا وقاعهن (فإنه) يعني لونهن وهو السواد (خلق مشوه) (1) فيجيء الولد مشوها وهذا الأمر للندب وفيه اعتبار الكفاءة
(حب في الضعفاء) عن قاسم المؤدب عن المثنى بن الضحاك عن محمد بن مروان السدي عن هشام بن عروة (عن عائشة) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السدي: كذاب وتابعه عامر بن صالح الزبيري وليس بشيء وأقره عليه المؤلف ولم يتعقبه إلا بأن له شاهدا وهو خبر تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد
_________
(1) [وفي ثبوت الحديث نظر لمخالفته الأصول. وورد في الحديث 4185: دخلت الجنة فإذا جارية أدماء لعساء. فقلت: ما هذه يا جبريل؟ فقال: إن الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأدم اللعس فخلق له هذه. وفي شرحه: " أدماء ": شديدة السمرة. و " لعساء ": في لونها أدنى سواد ومشربة بالحمرة. فلو كان السواد تشويه لما حصل مكافأة لجعفر رضي الله عنه في الجنة والله أعلم. دار الحديث](4/66)
4569 - (زوجوا أبنائكم وبناتكم) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي قيل: يا رسول الله هذا أبنائنا نزوج فكيف بناتنا؟ فقال: حلوهن الذهب والفضة وأجيدوا لهن الكسوة وأحسنوا إليهن بالنحلة ليرغب فيهن اه بلفظه
(فر) من حديث عبد العزيز بن أبي رواد (عن ابن عمر) بن الخطاب وعبد العزيز أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن الجنيد وقال ابن حبان: يروي عن نافع عن ابن عمر أشياء موضوعة ورواه عنه الحاكم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى(4/66)
4570 - (زودك الله التقوى) يا من جاءنا يريد سفرا ويلتمس أن نزوده زاد في رواية ووقاك الردى (وغفر ذنبك ويسرك [ص:67] للخير) في رواية ويسر لك الخير (حيثما كنت) وفي رواية بدله حيثما توجهت وهذا قاله لرجل جاءه فقال: إني أريد سفرا فزودني فقال: زودك الله فقال: زدني قال: وغفر ذنبك قال: زدني قال: ويسر لك الخير حيثما كنت اه. فيندب لكل من ودع مسافرا أن يقوله له ويحصل أصل السنة بقوله زودك الله التقوى والأكمل الإتيان بما ذكر كله
(ت ك عن أنس) قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان: وينبني على أصل صحته وبسط ذلك(4/66)
4571 - (زودوا موتاكم) قول (لا إله إلا الله) (1) بأن تلقنوهم إياها عند الموت
(ك في تاريخه) تاريخ نيسابور (عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي
_________
(1) فبذكر غير الوارث عنده الشهادة ولا يأمره بها ولا يلح عليه ولا يزيد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قالها المحتضر لا تعاد عليه إلا إن تكلم بغيرها ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله(4/67)
4572 - (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) فزيارتها مندوبة للرجال بهذا القصد والنهي منسوخ (1) وفي مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه أي في مذحج فبكى وأبكى من حوله وقال: استأذنت ربي أن أستغفر لهم فلم يأذن لي واستأذنت أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت اه. قالوا: ليس للقلوب سيما القاسية أنفع من زيارة القبور فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب واستحكام دواعي الذنب ما لا يبلغه غيرها فإنه وإن كان مشاهدة المحتضر تزعج أكثر لكنه غير ممكن في كل وقت وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في كل أسبوع بخلاف الزيارة وللزيارة آداب منها أن يحضر قلبه ولا يكون حظه التطوف على الأجداث فقط فإنها حالة تشاركه فيها البهائم بل يقصد بها وجه الله وإصلاح فساد قلبه ونفع الميت بما يتلوه من القرآن ولا يمشي على قبر ولا يقعد عليه ويخلع نعله ويسلم ويخاطبهم خطاب الحاضرين فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلخ
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منيع والديلمي أيضا وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وليس كذلك فقد عرفت أن مسلما خرجه باللفظ المزبور وزيادة
_________
(1) أي بحديث بريدة عند مالك وأحمد والنسائي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا والهجر الكلام الباطل(4/67)
4573 - (زوروا القبور ولا تقولوا هجرا) أي باطلا والهجر الكلام الباطل وفيه إشعار بأن النهي إنما كان لقرب عهدهم بالجاهلية فربما تكلموا بكلام الجاهلية الباطل فلما استقرت قواعد الدين أذن فيه واحتاط فيه بقوله ولا تقولوا هجرا
(هـ عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: فيه محمد بن كثير بن مروان وهو ضعيف جدا(4/67)
4574 - (زين الحاج أهل اليمن) أي هم بهجة الحاج ورونقه لما لهم من البهاء والكمال حسا ومعنى
(طب) وكذا في الأوسط من حديث حبان بن بسطام (عن ابن عمر) بن الخطاب قال حبان: كنا عند ابن عمر فذكروا حاج اليمن وما يصنعون فيه فقال ابن عمر: لا تسبوا أهل اليمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: إسناده حسن فيه ضعفاء وثقوا(4/67)
4575 - (زين الصلاة الحذاء) بالمد النعل يعني أن الصلاة في النعال من جملة مكملاتها ومطلوباتها والكلام في نعل متيقنة [ص:68] الطهارة أو المراد بها الخفاف وهو أقعد قال الزين العراقي: فيه جواز الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة وممن كان يفعله من الصحابة عثمان وابن مسعود وابن عباس وأنس وغيرهم وقد اختلف نظر الصحب والتابعين في لبس النعال في الصلاة هل هو مستحب أو مباح أو مكروه قال ابن دقيق العيد: والحديث يدل للإباحة لا للندب لأن ذلك لا دخل له في الصلاة وذلك وإن كان فيه كمال الزينة وكمال الهيئة لكن في ملامسته للأرض التي يكثر فيها النجاسة ما يقصر به عن هذا المقصود
(ع) وكذا ابن عدي من حديث محمد بن الحجاج اللخمي عن عبد الملك بن عمير عن النزال (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: هذا ليس له أصل عن عبد الملك وهو مما وضعه محمد بن الحجاج وقال الهيثمي: فيه محمد بن الحجاج العمي وهو كذاب انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب(4/67)
4576 - (زينوا) من التزيين بما منه الزينة وهي بهجة العين أو غيرها من الحواس التي لا تخلص إلى باطن المزين ذكره الحرالي (القرآن بأصواتكم) أي زينوا أصواتكم به كما يدل عليه الحديث الآتي عقبه فالزينة للصوت لا للقرآن فهو على القلب كعرضت الإبل على الحوض وأدخلت القلنسوة في رأسي ذكره البيضاوي يعني زينوا أصواتكم بالخشية لله حال القرآن يرشد إلى ذلك قول السائل: من أحسن الناس صوتا بالقرآن يا رسول الله قال: من إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله وقيل: بل هو حث على ترتيله ورعاية إعرابه وتحسين الصوت به وتنبيه على التحرز من اللحن والتصحيف فإنه إذا قرئ كذلك كان أوقع في القلب وأشد تأثيرا وأرق لسامعه وسماه تزيينا لأنه تزيين للفظ والمعنى
(حم د ن هـ) في الصلاة (حب ك) في فضائل القرآن (عن البراء) بن عازب قال الحاكم: صحيح ورواه عنه أيضا البخاري في خلق الأفعال من عدة طرق ولعل المؤلف لم يستحضره (أبو نصر السجزي في) كتاب (الإبانة عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن حبان هي صحيحه خلافا لما يوهمه صنيع المصنف من أنه إنما رواه عنه من حديث البراء فقط (قط في الأفراد طب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أبو داود في المصاحف (حل عن عائشة) وفيه سعيد بن المرزبان الأعور قال ابن معين: لا يكتب حديثه وقال البخاري: منكر الحديث وعلقه البخاري في آخر الصحيح وقال ابن حجر: هذا الحديث لم يصله البخاري في صحيحه ووصله في خلق الأفعال عن البراء وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن حبان في صحيحه وعن ابن عباس أخرجه الدارقطني في الأفراد بسند حسن وعن ابن عوف أخرجه البزار بسند ضعيف(4/68)
4577 - (زينوا بأصواتكم بالقرآن) أي الهجوا بقراءته واشغلوا أصواتكم به واتخذوه شعارا وزينة لأصواتكم (فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على استماعه وتدبره والإصغاء إليه قال التوربشتي: هذا إذا لم يخرجه التغني عن التجويد ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف فإن انتهى إلى ذلك عاد الاستحباب كراهة وأما ما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التشبيب والغزل فإنه من أسوأ البدع فيجب على السامع النكير وعلى التالي التعزير وأخذ جمع من الصوفية منه ندب السماع من حسن الصوت وتعقب بأنه قياس فاسد وتشبيه للشيء بما ليس مثله وكيف يشبه ما أمر الله به بما نهى عنه
(ك) في فضائل القرآن (عن البراء) بن عازب(4/68)
4578 - (زينوا أعيادكم بالتكبير) فإنه زينة الوقت وبهاءه ورونقه ومن ثم كان علي يفعله وهو مرسل ومقيد فالمرسل من غروب الشمس ليلتي العيدين إلى إحرام الإمام بصلاة العيد ويرفع الناس أصواتهم في سائر الأحوال وتكبير [ص:69] ليلة الفطر آكد ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى بل يلبي والمقيد مختص بالأضحى عقب كل صلاة لكل مصل فرضا كان أو نفلا أو قضاء فيها من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق والحاج من ظهر النحر إلى صبح أيام التشريق وصيغته أن يكبر ثلاثا نسقا رافعا به صوته ويزيد لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر
(طص عن أنس) وفي نسخة عن أبي هريرة ثم قال: لم يروه عن أبي كثير إلا عمر بن راشد ولا عن عمر إلا بقية ولا عنه إلا محمد قال الحافظ ابن حجر: وعمر ضعيف ولا بأس بالباقين وبقية وإن كان مدلسا فقد صرح بالتحديث اه. وقال الهيثمي: فيه عمر بن راشد ضعفه احمد وابن معين والنسائي(4/68)
4579 - (زينوا العيدين) عيد الفطر وعيد الأضحى (بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس) أي بإكثار قول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر إلى آخر الدعاء المأثور المشهور
(زاهر في) كتاب (تحفة عيد الفطر حل عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي أيضا(4/69)
4580 - (زينوا مجالسكم بالصلاة علي فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة) أي يكون ثوابها نورا تستضيئون به في تلك الظلم وعند المشي على الصراط ونحو ذلك
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال المؤلف في فتاويه الحديثية: ضعيف اه وفيه عبد الرحمن بن غزوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق له غير حديث منكر ومحمد بن الحسن النقاش قال الذهبي: اتهم بالكذب والحسين بن عبد الرحمن قال في الميزان: تركوا حديثه وساق له أخبارا منها ثم قال: منكر موقوف اه(4/69)
4581 - (زينوا موائدكم) جمع مائدة ما يؤكل عليه (بالبقل) أي بوضع البقل الذي تأكلونه مع الطعام عليها (فإنه مطردة للشيطان) عن قربان الطعام لكن (مع التسمية) من الآكلين عند ابتداء الأكل فهي السر الدافع للشيطان والظاهر الاكتفاء بالتسمية من أحدهم فهي سنة كفاية
(حب في الضعفاء فر عن ابن أمامة) وفيه إسماعيل بن عياش مختلف فيه عن برد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يروى القدر ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى(4/69)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الزاي](4/69)
4582 - (الزائر أخاه المسلم أعظم أجرا) أي ثوابا عند الله (من المزور) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي هكذا رواه وليس كذلك بل نص روايته الزائر أخاه المسلم الآكل من طعامه أعظم أجرا من المزور المطعم في الله عز وجل هذا نصه كما وقفت عليه في نسخ مصححة بخط الحافظ ابن حجر فحذف المصنف وتصرف
(فر عن أنس) ورواه عنه أيضا البزار ومن طريقه تلقاه الديلمي فعزوه للفرع دون الأصل غير جيد(4/69)
4583 - (الزائر أخاه في بيته الآكل من طعامه أرفع درجة من المطعم له) فيه حث مؤكد على زيارة الإخوان وفضلها [ص:70] وظاهره ندب الزيارة حتى لمن لا يزورك ومن ثم قيل:
وإني لزوار لمن لا يزورني. . . إذا لم يكن في وده غير صائب
(خط عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وفيه عامر بن محمد البصري عن جده وهو وأبوه وجده مجهولون وقال في الميزان: عامر بن محمد بصري لا يعرف وخبره باطل عن أبيه عن جده عباس وساق له هذا الخبر(4/69)
4584 - (الزاني بحليلة جاره) أي مجاوره في المسكن ونحوه والحليلة الزوجة والحليل الزوج لأن كلا منهما حلال للآخر خص الجار مع أن الزنا من أعظم الكبائر كيف كان إشارة إلى أنه بها أفحش أنواعه لقطعه ما أمر الله به أن يوصل من رعاية حقه ودفع الأذى والزنا بحليلته زنا وإبطال حق الجوار والخيانة لمن استأمنك فلقبحه خصه بأنه (لا ينظر الله إليه يوم القيامة) فالنظر لطف ورحمة (ولا يزكه ويقول له ادخل النار مع الداخلين) وعيد شديد فإن من لم ينظر الله إليه فقد غضب عليه وغضبه سبحانه لا يقوم له الجبال فضلا عن عبد حقير ضعيف ويكفي في مشهد هذا العصيان أن يشهد فوت الإيمان الذي ذرة منه خير من الدنيا وما فيها بأضعاف فكيف يبيعه بشهوة تذهب لذتها ويبقى سوء مغبتها بتبعتها تذهب الشهوة وتبقى الشقوة فالزنا ذنب كبير فإن أضيف إليه كونه بحليلة من يسكن جوارك والتجأ بأمانتك وثبت بينك وبينه حق الأمانة فقد زاد قبحا وكلما كان الذنب أقبح كان الإثم أعظم وأفحش وما أوهمه قيد حليلة الجار من أنه إذا لم يكن مقيدا لم يكن الفعل من الكبائر فغير مراد لأن هذا النهي وشبهه غالبا إنما ورد على أمر واقع مخصوص قصد به فاعله وهو من مفهوم اللقب ولا يعمل بمفهومه كما في {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق) وابن أبي الدنيا عن عمرو بن العاص وضعفه المنذري
(فر عن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة عن ابن أنعم وقد سبق بيان حالهما(4/70)
4585 - (الزبانية) أي زبانية جهنم ولفظ رواية الطبراني للزبانية وعليه فإنما هو يورد في حرف اللام (أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان فيقولون يبدأ بما قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم) أي يقول لهم الزبانية أو غيرهم من الملائكة (ليس من يعلم كمن لا يعلم) فإن الذنب والمخالفة تعظم بمعرفة قدر المخالف ولذلك قال بعض الصحابة للتابعين: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات إذ كانت معرفة الصحابة بحلال الله أتم فكأن الصغائر عندهم بالإضافة إليه كبائر فبهذا السبب يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ويتجاوز عن العاصي ما لا يتجاوز عن العالم
<تنبيه> قال ابن عبد السلام في أماليه: ظاهر الحديث أن العالم أكثر عذابا من الجاهل وليس ذلك على إطلاقه ثم ذكر تفصيلا فاطلبه من الأمالي
(طب) عن موسى بن محمد بن كثير السيربني عن عبد الملك بن إبراهيم الجدي عن عبد الله بن عبد العزيز العمري عن أبي طوالة (عن أنس) بن مالك (حل) عن الطبراني بسنده هذا ثم قال: غريب من حديث أبي طوالة عن أنس تفرد به عبد الله العمري اه. وقال ابن حبان: حديث باطل وابن الجوزي موضوع قال المنذري: لكن له مع غرابته شواهد وقال في الميزان: حديث منكر(4/70)
4586 - (الزبيب والتمر هو الخمر) أي هما أصل الخمر لاعتصارها من كل منهما قال ابن حجر: ظاهره الحصر لكن المراد [ص:71] المبالغة وهو بالنسبة إلى ما كان حينئذ بالمدينة موجودا ففي البخاري عن أنس كان عامة خمرنا البسر والتمر أي النبيذ الذي يصير خمرا كان أكثر ما يتخذ منهما قال الكرماني: قوله البسر والتمر مجاز عن الشراب الذي يصنع منهما عكس {إني أراني عصر خمرا} وقيل: مقصود الحديث الإشعار بأن التحريم لا يختص بالخمر المتخذة من العنب بل يشركها فيه كل شراب مسكر
(ن عن جابر) بن عبد الله ورمز المصنف لصحته وأصله قول ابن حجر في الفتح: سنده صحيح(4/70)
4587 - (الزبير) بن العوام أحد العشرة (ابن عمتي وحواري) ناصري (من أمتي) يعني أنه مختص من أصحابي ومفضل عليهم والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على أقرانه وإلا فكل الصحابة كانوا أنصاره قال الزمخشري: حواري الأنبياء صفوتهم والمخلصون لهم من الحور وهو أن يصفو بياض العين ويشتد خلوصه فيصفو سوادها
(حم عن جابر) بن عبد الله ورواه ابن أبي شبة والديلمي والخطيب(4/71)
4588 - (الزرقة في العين يمن) أي بركة يعني أن المرأة التي عينها زرقاء مظنة للبركة كما يدل له خبر الديلمي عن أبي هريرة تزوجوا الزرق فإن فيهن يمنا وزاد الديلمي في روايته في الحديث المشروح وكان داود أزرق اه. وهذا قاله ردا لما كانت الجاهلية تزعمه من سوء زرقة العين قال في الكشاف: الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين
(حب في الضعفاء) عن أبي عويمر عن محمد بن يونس الكديمي عن عباد بن صهيب عن هشام عن عروة (عن عائشة) مرفوعا قال ابن الجوزي: موضوع وعباد متروك والراوي عنه هو الكديمي والبلاء منه وفي الميزان عباد أحد المتروكين وقال ابن المديني: ذهب حديثه وقال البخاري والنسائي متروك وقال ابن حبان كان قدريا داعية يروي أشياء إذا سمعها المبتدي في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ثم أورد له هذا الحديث
(ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن محمد بن أحمد الكرابيسي عن محمد بن الرومي عن أحمد بن إبراهيم بن أبي نافع عن الخليل بن سعيد عن عمرو بن عامر بن الفرات عن الحسين بن علوان عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة (فر عن أبي هريرة)(4/71)
4589 - (الزكاة قنطرة الإسلام) لما فيها من إظهار عز الإسلام بكسر ألفة من أبى واستكبر عن المواساة والنصفة لخلق الله ورأى أن في أدائها حطا من رئاسته ونقصا لرتبته وبها يتميز الذين آمنوا من الذين نافقوا لتمكنهم من الرياء في غيرها دونها ولم يشهد الله بالنفاق جهرا أعظم من شهادته على مانعها
(طب) وكذا إسحاق في مسنده (عن أبي الدرداء) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي: رجاله موثقون إلا بقية فمدلس وقال المصنف في حاشية القاضي: سنده ضعيف ولم يوجهه بشيء وقال الكمال بن أبي شريف في تخريج الكشاف: فيه الضحاك بن حمزة وهو ضعيف(4/71)
4590 - (الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر) وفي رواية بدل الأربعة خمسة زاد الذرة (1) قال الزمخشري: الزكاة من الأسماء المشتركة تطلق على عين وهي الطائفة من المال المزكى بها وعلى معنى وهو الفعل الذي هو التزكية في خبر ذكاة الجنين ذكاة أمه ومن الجهل بهذا أتى من ظلم نفسه بالطعن على قوله عز من قائل {والذين هم للزكاة فاعلون} ذاهبا إلى العين وإنما المراد الفعل أعني التزكية
(قط) من حديث موسى بن طلحة (عن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه والأمر بخلافه فقد قال ابن حجر: فيه العزرمي وهو متروك وقال أبو زرعة: عن عمر مرسل وعجب من المصنف [ص:72] كيف آثر هذه الرواية المطعون فيها على الحديث المتصل الثابت وهو خبر الحاكم والبيهقي لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل واللائق في أحاديث الأحكام أن يتحرى منها ما تقوم به الحجة
_________
(1) وقيس بها ما في معناها من كل ما يقتات اختيارا(4/71)
4591 - (الزنا يورث الفقر) أي اللازم الدائم لأن الغنى من فضل الله والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم وإذا ذهب الفضل ذهب الغنى وجاء العنا فالزنا موكل بزوال النعمة فإذا ابتلي به عبد ولم يقلع ويرجع فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانفصال وشيك الزوال {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له} قال في شرح الشهاب: الفقر نوعان فقر يد وفقر قلب فيذهب شؤم الزنا بركة ماله فيمحقه لأنه كفر النعمة واستعان بها على معصية المنعم فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده ولا يعطى الصبر عنه وهو العذاب الدائم وأخرج ابن عساكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أوحى الله إلى موسى يا موسى إني قاتل القاتلين ومفقر الزناة
(القضاعي) في مسند الشهاب قال العامري في شرحه: غريب (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: فيه الماضي بن محمد وقال في الميزان: حديث منكر وإسناده فيه ضعيف(4/72)
4592 - (الزنجي إذا شبع زنا وإذا جاع سرق (1) وإن فيهم لسماحة ونجدة) أي شجاعة وبأسا وقد اعتمد الشافعي هذا الخبر ففي مناقبه للبيهقي عن المزني كنت معه بالجامع فدخل رجل يدور على النيام فقال الشافعي للربيع: قل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه فقال: نعم فجاء للشافعي فقال: أين عبدي قال: تجده في الحبس فوجده فقلنا للشافعي: أخبرنا فقد حيرتنا فقال: رأيته يدور في النيام فقلت: يطلب هاربا ويجيء إلى السود فقط فقلت: هرب له أسود ويجيء إلى مائل العين اليسرى فقلت: مصاب بها. قلنا: فما يدريك أنه في الحبس قال: الخبر: إن شبع زنا وإن جاع سرق. فتأولت أنه فعل أحدهما
(عد) عن أحمد بن حشرد عن أبي سعيد الأشج عن عقبة بن خالد عن عنبسة البصري عن عمرو بن ميمون عن الزهري عن عروة عن عائشة أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال: عنبسة البصري متروك وتعقبه المصنف بأن له شاهدا وقال السخاوي: له شاهد عند الطبراني في الأوسط: الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا وفي الكبير: قيل يا رسول الله ما يمنع حبش بني المغيرة أن يأتوك إلا أنهم يخشون أن تردهم فقال: لا خير في الحبش إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا زنوا
_________
(1) [هذا في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) ". دار الحديث](4/72)
4593 - (الزهادة في الدنيا) أي ترك الرغبة فيها (ليست بتحريم الحلال) على نفسك كأن لا تأكل لحما ولا تجامع (ولا إضاعة المال) فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة الزاهدين ويأكل اللحم والحلو والعسل ويحب ذلك والنساء والطيب والثياب الحسنة فخذ من الطيبات من غير سرف ولا مخيلة وإياك وزهد الرهبان (ولكن الزهادة في الدنيا) حقيقة هي (أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله) فإنك إذا اعتقدت ذلك وتيقنته لا يقدح في زهدك وتجردك تناولك من الدنيا ما لا بد منه مما تحتاج إليه في قوام البنية ومؤونة العيال (وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك) أي لو أن تلك المصيبة منعت وأخرت عنك [ص:73] فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه عنده وعدم تعلقه بالقلب البتة ومن ثمة قال الغزالي: الزهد ترك طلب المفقود من الدنيا وتفريق المجموع منها وترك إرادتها واختيارها قالوا: وأصعب الكل ترك الإرادة بالقلب. إذ كم تارك لها بظاهره محب لها بباطنه فهو في مكافحة ومقاساة من نفسه شديدة فالشأن كله في عدم الإرادة القلبية ولهذا لما سئل أحمد عمن معه ألف دينار ألا يكون زاهدا؟ قال: نعم بشرط أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت وقال بعضهم: الزاهد من لا يغلب الحلال شكره والحرام صبره قال ابن القيم: وهذا أحسن الحدود فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال فاعتزلوا الناس فضيعوا الحقوق وقطعوا الأرحام وجفوا الأنام واكفهروا في وجوه الأغنياء وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب وأن أصله موت الشهوة القلبية فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة
(ت هـ) في الزهد (عن أبي ذر) قال الترمذي: غريب وقال المناوي: فيه عمر بن واقد قال الدارقطني: متروك(4/72)
4594 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) وفي رواية الجسد (والرغبة فيها تتعب القلب والبدن) ونفعها لا يفي بضرها وتبعاتها من شغل القلب وكذا البدن في الدنيا والعذاب الأليم والحساب الطويل في الآخرة فينبغي أن لا يأخذ العاقل منها إلا ما لا بد منه من عبادة ربه والنفس تسلي وتتعود ما عودتها كما قال:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى. . . فإن توقت تاقت وإلا تسلت
(وقال آخر:)
فالنفس راغبة إذا رغبتها. . . وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال الشافعي: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد
(طس عد هب عن أبي هريرة هب عن عمر موقوفا) قال المنذري: إسناده مقارب(4/73)
4595 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) لأنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ما هو بصدده وقطع مواد طمعه التي هي من أفسد الأشياء للقلب قال رجل لابن واسع: أوصني قال: أوصيك أن تكون ملكا في الدنيا والآخرة قال: كيف قال: فالزم الزهد (والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن) فالدنيا عذاب حاضر يؤدي إلى عذاب منتظر فمن زهد فيها استراحت نفسه وصار عيشه أطيب من عيش الملوك فإن الزهد فيها ملك حاضر إذ العبد إذا ملك شهوته وغضبه وانقاد معه لداعي الدين فهو الملك حقا لأن صاحب هذا الملك حر والملك المنقاد لشهوته وغضبه عبدهما فهو مملوك في صورة مالك يقوده زمام الشهوة والغضب كما يقاد البعير وما أحسن ما قال بعضهم:
أرى الزهاد في روح وراحه. . . ملوك الأرض سيمتهم سماحه
(حم في) كتاب (الزهد هب عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري أحد أعلام التابعين (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة يرفعه قال الهيثمي: وفيه أشعث بن نزار لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ثم ظاهر كلامه أيضا أنه لا علة في هذا المرسل سوى الإرسال وليس كذلك بل فيه الهيثم بن جميل قال الذهبي في الضعفاء: حافظ له مناكير(4/73)
[ص:74] 4596 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) حقيقة الزهد التوكل حتى يكون ثقته بقسمة الله فإن ما في يده قد يكون رزق غيره ولا يفرح به ولا يطمئن ولا إلى ما يرجوه من يد غيره فيستريح قلبه من همها وغم ما يفوت منها وبدنه من كد الحرص وكثرة التعب في طلبها فلم يغتم قلبه على ما فات ولم ينصب بدنه فيما هو آت وإن جهل ذلك يعذب قلبه بتوقع ما لم يقسم منها ويحزن لذلك على كل فائت منها فتستخدمه الدنيا ويصير من عيد الهوى بطالا من خدمة المولى فيقسو قلبه ببطالته وأبعد القلوب من الله القلب القاسي (والرغبة فيها تكثر الهم والحزن والبطالة تقسي القلب (1)) ومن ثمة ترك الصحب السعي في تخليصها بالكلية واشتغل أكثرهم بالعلوم والمعارف وبالتعبد حتى لم يبقوا من أوقاتهم شيئا إلا وهم مشغولون بذلك ومن حصلها منهم إنما كان خازنا لله وذلك لا ينافي زهده فيها لأنهم لم يمسكوها لأنفسهم بل للمستحقين وقت الحاجة بحسب ما يقتضيه الاجتهاد في رعاية الأصلح <تنبيه> سئل بعض الصوفية إذا كان حقيقة الزهد ترك شيء ليس له فالزاهد جاهل لأنه ما زهد إلا في عدم ولا وجود له فقال: صحيح لكن شرع الزهد ليخرج من حجاب المزاحمة على الدنيا فالمحجوب كلما لاح له شيء قال: هذا لي فيقبض عليه فلا يتركه إلا عجزا وأما العارف فلا قيمة للزهد عنده لعلمه بأن ما قسم له لا يتصور تخلفه وما لا يقسم لا يمكنه أخذه فاستراح والدنيا لا تزن عندهم جناح بعوضة فلا يرون الزهد عندهم مقاما وعليه قيل:
تجرد عن مقام الزهد قلبي. . . فأنت الحق وحدك في شهودي
أأزهد في سواك وليس شيء. . . أراه سواك يا سر الوجود؟
ومنهم من احتقر كل ما في الدنيا مما لم يؤمر بتعظيمه فرآه لشدة حقارته عدما ومنهم من تخلق بأخلاق الله ورأى الوجود كله من شعائر الله فلم يزهد في شيء بل استعمل كل شيء فيما خلق له وهو الكامل وإنما زهد الأنبياء في الدنيا حتى عرضها عليهم تشريعا فإن بداية مقامهم تؤخذ من بعد نهاية الأولياء من زهد ومن لم يزهد فبالنظر لمقامهم لا يزهدون وبالنظر لأممهم يزهدون وأنشدوا:
الزهد ترك وترك الترك معلوم. . . بأنه مسك ما في الكف مقبوض
الزهد ليس في العلم مرتبة. . . وتركه عند أهل الجمع مفروض
أي لأنه ما ثم إلا تخلق بأخلاق الله وهو لم يزهد في الكون لأنه مدبره ولو تركه لاضمحل في لمحة فيقال للزاهد بمن تخلقت في زعمك ترك الدنيا؟ بل نفسك الخارج من جوفك من الدنيا فاتركه تموت
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه أيضا ابن لال والحاكم والطبراني والديلمي وغيرهم فعدول المصنف للقضاعي واقتصاره عليه غير جيد
_________
(1) أي والشغل بالعبادة أو باكتساب الحلال للعيال يرققه قال أبو يزيد: ما غلبني إلا شاب من بلخ قال لي: ما حد الزهد عندكم قلت: إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا فقال: هكذا عندنا كلاب بلخ قلت: فما حده عندكم قال: إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا(4/74)
حرف السين(4/74)
4597 - (سأحدثكم بأمور الناس وأخلاقهم) جمع خلق بالضم: السجية والطبع (الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (يكون سريع الغضب سريع الفيء) أي الرجوع عن الغضب (فلا) يكون (له) فضل (ولا عليه) جرم بل يكون [ص:75] (كفافا) أي رأسا برأس لمقابلة سرعة رجوعه بسرعة غضبه فالفضيلة تجبر النقيصة فكأنه لا فضيلة ولا نقيصة (والرجل يكون بعيد الغضب سريع الفيء فذلك له ولا عليه والرجل يقتضي) أي يستوفي (الذي له) على غيره (ويقضي) الدين (الذي عليه فذلك) رجل (لا له) فضيلة (ولا عليه) نقيصة للمقابلة المذكورة (والرجل يقتضي) الدين (الذي له) على غيره (ويمطل الناس الذي عليه) أي يسوف بالوفاء من وقت إلى وقت مع القدرة (فذلك) رجل (عليه) إثم (ولا له) فضل ومن ثم قالوا: إن المطل كبيرة وهل يشترط تكرره؟ خلاف
(البزار) في مسنده وكذا الطبراني والديلمي (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه البزار من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه وهما ثقتان وفيهما ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح(4/74)
4598 - (سألت ربي أن لا يعذب اللاهين) البله الغافلين أو الذين لم يتعمدوا الذنوب وإنما فرط منهم سهو أو غفلة أو الأطفال (من ذرية البشر) لأن أعمالهم كاللهو واللغو من غير عقد ولا عزم (فأعطانيهم) ويعين الأخير ما رواه البزار والطبراني بسند رجاله ثقات عن الحبر كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فسأله رجل ما تقول في اللاهين فسكت فلما فرغ من غزوه وطاف فإذا هو بغلام وقع وهو يعبث بالأرض فنادى مناديه: أين السائل عن اللاهين فأقبل الرجل فنهى عن قتل الأطفال ثم قال: هذا من اللاهين
(ش قط في الأفراد والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه الديلمي قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وله عدة طرق ورواه أبو يعلى قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة(4/75)
4599 - (سألت ربي أبناء العشرين) أي سألته قبول الشفاعة فيمن مات (من أمتي) على الإسلام في سن العشرين (فوهبهم لي) أي شفعني فيهم بأن يدخل صلحاءهم الجنة ابتداء ويخرج من شاء تعذيبه من عصاتهم من النار فلا يخلدهم فيها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (عن أبي هريرة)(4/75)
4600 - (سألت الله في أبناء الأربعين من أمتي) أمة الإجابة أي سألته في شأنهم بأن يغفر لهم (فقال يا محمد قد غفرت لهم) ذنوبهم (قلت فأبناء الخمسين قال إني غفرت لهم قلت فأبناء الستين قال قد غفرت لهم قلت فأبناء السبعين قال يا محمد إني لأستحي من عبدي أن أعمره سبعين سنة يعبدني لا يشرك بي شيئا أن أعذبه بالنار) أي نار الخلود (فأما أبناء الأحقاب) جمع حقب وهو ثمانون سنة وقيل تسعون ولذلك بينه بقوله (أبناء الثمانين والتسعين فإني واقفهم) كذا في نسخ كثيرة وفي نسخ واقف والأولى أولى (يوم القيامة) بين يدي (فقائل لهم أدخلوا) معكم (من أحببتم الجنة) قال القاضي: فالمغفرة هنا التجاوز عن صغائرهم وأن لا يمسخ صدورهم بالذنوب لا أن يصير أمته كلهم مغفورين غير معذبين توفيقا [ص:76] بينه وبين ما دل من الكتاب والسنة على أن الفاسق من أهل القبلة يعذب بالنار لكنه لا يخلد وقال الطيبي: المراد أنهم لا يجب عليهم الخلود وينالهم الشفاعة فلا يكونون كالأمم السابقة كثير منهم لعنوا بعصيانهم الأنبياء فلم تنلهم الشفاعة وعصاة هذه الأمة من عذب منهم نقى وهذب ومن مات على الشهادتين يخرج من النار وإن عذب وينالهم الشفاعة وإن اجترح الكبائر إلى غير ذلك من خصائصنا
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عائشة) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/75)
4601 - (سألت الله أن يجعل حساب أمتي إلي) أي أن يفوض محاسبتهم إلي أحاسبهم وأستر زللهم (لئلا تفتضح عند الأمم) المتقدمة عليها بما لهم من كثرة الذنوب وقلة الأعمال (فأوحى الله عز وجل إلي يا محمد بل أنا أحاسبهم فإن كان منهم زلة سترتها) حتى (عنك) أنت (لئلا يفتضحوا عندك) وهذا تنويه عظيم بكرامة المصطفى صلى الله عليه وسلم على ربه وفضل أمته وبيان لعناية الله بهم ومزيد شفقته عليهم ولطفه بهم قال ابن العربي: وفيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أصل الإجابة كسائر المسلمين في أنه يجوز أن يعطى ما دعا فيه وأن يعرض عما سأل
(فر عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن شادني وغيره(4/76)
4602 - (سألت ربي أن يكتب على أمتي سبحة الضحى فقال تلك صلاة الملائكة من شاء صلاها ومن شاء تركها ومن صلاها فلا يصليها حتى ترتفع) قال في الفردوس: سبحة الضحى أي صلاة الضحى وتسمى الصلاة تسبيحا لأن التسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كل سوء وقوله سبحانه {كان من المسبحين} أي المصلين وقيل: السبحة الصلاة النافلة
(فر عن عبد الله بن يزيد) بن عاصم الأنصاري المازني لكنه أعني الديلمي لم يذكر له سندا فسكوت المصنف عنه غير سديد(4/76)
4603 - (سألت ربي فيما) وفي رواية عما (يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى) فاختلافهم رحمة وذلك لأن قتالهم لم يكن للدنيا بل للدين فهم وإن افترقوا من جهة حوز الدنيا فهم كنفس واحدة في التوحيد وكلهم نصروا الدين وأهله وقمعوا الشرك وأصله وفتحوا الأمصار وسلبوا الكفار وقمعوا الفجار ودعوا إلى كلمة التقوى جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا فأذاقهم الله بأسهم فبأسهم الذي أذيقوه كفارة لما اجترحوه
(السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة زيد الحواري وكذا البيهقي وابن عدي كلهم (عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح نعيم مجروح وعبد الرحيم قال ابن معين: كذاب وفي الميزان هذا الحديث باطل اه. وقال ابن معين وابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب سئل عنه البزار فقال: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الكمال ابن أبي شريف كلام شيخنا يعني ابن حجر يقتضي أنه مضطرب وأقول: ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بقوله قال ابن سعد: زيد العمي أبو الحواري كان ضعيفا في الحديث وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء ورواه عن عمر أيضا البيهقي قال الذهبي: وإسناده واه(4/76)
[ص:77] 4604 - (سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلي أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك) الظاهر أن ذلك شامل لمن تزوج أو زوج من ذريته فتكون بشرى عظيمة لمن صاهر شريفا أو شريفة
(طب ك) في فضائل علي (عن عبد الله بن أبي أوفى) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني عمار بن سيف ضعفه جمع ووثقه ابن معين وبقية رجاله ثقات انتهى وقال ابن حجر في الفتح: خرجه الحاكم في مناقب علي وله شاهد عن ابن عمر وعند الطبراني في الأوسط بسند واه(4/77)
4605 - (سألت ربي ألا يدخل أحدا من أهل بيتي إلى النار فأعطانيها) وفي رواية فأعطاني ذلك وهذا يوافقه ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال: من رضى محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار ومر أن المراد من أهل بيته مؤمنو بني هاشم والمطلب أو فاطمة وعلي وابناهما أو زوجاته لكن تمسك المصنف بعمومه وجعله شاهدا لدخول أبويه الجنة قال: وعموم اللفظ وإن طرقه الاحتمال معتبر قال: وتوجيهه أن أهل الفترة موقوفون إلى الامتحان بين يدي الملك الديان فمن سبقت له السعادة أطاع ودخل الجنان أو الشقاوة عصى ودخل النيران قال: وفي خبر الحاكم ما يلوح أنه يرتجي لأبويه الشفاعة وليست إلا إلى التوفيق عند الامتحان للطاعة <تنبيه> قال ابن عربي: لا يظهر حكم الشرف لأهل البيت إلا في الآخرة فإنهم يحشون مغفورا لهم وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا أقيم عليه كالنائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زنى أو شرب أو سرق يقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة وينبغي لكل مسلم أن يصدق بقوله {ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فيعتقد أن الله قد عفا عن أهل البيت عناية من الله بهم والظاهر أن المراد بالنار نار الخلود
(أبو القاسم بن بشران) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (في أماليه) وأبو سعيد في شرف النبوة (عن عمران بن حصين) وأخرجه عنه ابن سعد والملا في سيرته وهو عند الديلمي وولده بلا سند(4/77)
4606 - (سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول) فهم من أهل الجنة وهذا ما عليه الجمهور قال المصنف في السندسية: والأخبار الواردة بأنهم في النار بعضها متين لكنه منسوخ عند أهل التحقيق والرسوخ بالشفاعة الواقعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم حيث قال في الخبر الماضي: سألت ربي أن لا يعذب اللاهين إلخ قال: والناسخ من الكتاب قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
(أبو الحسن بن مسلمة) في (أماليه عن أنس) بن مالك(4/77)
4607 - (سألت ربي أن لا أزوج إلا من أهل الجنة ولا أتزوج إلا من أهل الجنة) أي فأعطاني ذلك كما يرشد إليه السياق
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عباس) وفي الباب ابن عمر وغيره عند الطبراني وغيره(4/77)
[ص:78] 4608 - (سألت الله الشفاعة لأمتي) أي أمة الإجابة (فقال لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) قال في المطامح: ولعل هذه الطائفة هم أهل مقام التفويض الذين غلب عليهم حال الخليل حين قال له جبريل وهو في المنجنيق: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا والظاهر أن المراد التكثير لا خصوص العدد (قلت رب زدني فحثى لي بيده مرتين عن يمينه وعن شماله) ضرب المثل بالحثيات لأن من شأن المعطي إذا استزيد أن يحثى بكفيه بغير حساب وربما ناوله بلا كف وقال بعضهم: هذا كناية على المبالغة في الكثرة وإلا فلا كف ثمة ولا حثى قال في المطامح: وربما يفهم منه أن من عدا هؤلاء لا يدخلون الجنة إلا بعد الحساب
(هناد عن ابن هريرة) رمز المصنف لحسنه وقال ابن حجر: سنده جيد ورواه عنه أيضا ابن منيع والديلمي(4/78)
4609 - (سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى) لشعيب هل هو أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثمان (قال) قضى (أكملهما وأتمهما) وهو العشر
(ع ك) من حديث ابن عيينة عن إبراهيم بن يحيى عن الحكم بن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن إبراهيم لا يعرف انتهى وقال في المنار: هو رجل صالح لكنه لا يعرف وليس كل صالح ثقة في الحديث بل لم ير الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث لسلامة صدورهم وحسن ظنهم عن تحديثهم وشغلهم بما هم فيه عن الضبط والحفظ انتهى. ورواه الطبراني عن جابر قال الهيثمي: وفيه موسى بن سهل لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/78)
4610 - (سألت جبريل هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت) ذكره السبعين ليس للتحديد بل عبارة عن الكثرة لأن الحجب إذا كانت أشياء حاجزة فالواحد منها يحجب والله لا يحجبه شيء والقدرة لا نهاية لها وإن كانت الحجب عبارة عن الهيبة والإجلال والإعداد دونها منقطعة بكل حال والغايات مرتفعة وكيف تكون السبعين غاية مع خبر إن دون الله يوم القيامة سبعين ألف حجاب والنور وإن كان سببا لإدراك الأشياء ورؤيتها لكنه يحجب كالظلمة والحاجب القدرة دون الجسم وحجب هذا الملك الأعظم عن تجلي كنه عظمته لأنه هو وغيره لا يصبرون لعظيم هيبته فحجبهم ليكون لهم البقاء إلى الآجال المضروبة وإلا هلكوا
(طس عن أنس) قال الحافظ الهيثمي: فيه فائد الأعمش قال أبو داود: عنده أحاديث موضوعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: اتهم كثيرا(4/78)
4611 - (سألت جبريل عن هذه الآية {ونفخ في الصور فصعق أي مات من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم الشهداء ثنية) كذا بخط المصنف بمثلثة ونون وتحتية (الله تعالى متقلدون أسيافهم حول عرشه) لا يعارضه خبر الغرياني أنهم جبريل وميكائل وملك الموت وإسرافيل وحملة العرش وخبر البيهقي أنهم الثلاثة الأول لأن الكل من المستثنى وإنما صح استثناء الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون وقيل: المستثنى الحور والولدان. [ص:79]
(ع قط في الأفراد ك) في التفسير (وابن مردويه) في التفسير (والبيهقي في الشعب) والديلمي في الفردوس (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(4/78)
4612 - (ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة) أي يكاد يقع في الهلاك الأخروي وأراد في ذلك المؤمن المعصوم والقصد به وما بعده التحذير من السب
(البزار) في مسنده وكذا أحمد والطبراني والديلمي (عن ابن عمرو) ابن العاص قال المنذري: إسناده جيد والهيثمي: رجاله ثقات اه ومن ثمة رمز المصنف لحسنه(4/79)
4613 - (ساب الموتى كالمشرف على الهلكة) أراد الموتى المؤمنين وإيذاء المؤمن الميت أغلظ من الحي لأن الحي يمكن استحلاله والميت لا يمكن استحلاله فلذا توعد عليه بالوقوع في الهلاك
(طب عن ابن عمرو) بن العاص(4/79)
4614 - (سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له) قال الديلمي: يعني قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال في الكشاف عقب إيراد هذا الحديث في تفسير الآية: ينبغي أن لا يغتر بذلك فإن شرطه صحة التوبة لقوله {عسى الله أن يتوب عليهم} وقوله {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} ولقد نطق القرآن بذلك في مواضع من استقرأها اطلع على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخدع اه وهذا منه كما ترى تقرير لمذهب أهل الاعتزال من وجوب تعذيب العاصي (1) وقال الراغب: الناس أضرب ضرب في أفق البهائم من جهة الرذيلة وهم الموصوفون بقوله {إن هم إلا كالأنعام} وضرب في أفق الملائكة من كثرة ما خصوا به من العلم والمعرفة والعبادة فالواحد منهم إنسان ملكي وضرب واسطة بين الطرفين يشرف بحسب قربه من الملائكة ويرذل بحسب قربه من البهائم وإلى الأنواع الثلاثة أشار هذا الخبر اه. وقال ابن أدهم في قوله {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد} إلخ قال: السابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الكرامة والمقتصد مضروب بسوط الندامة مقتول بسيف الحسرة مضطجع على باب العفو والظالم لنفسه مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف الأمل مضطجع على باب العقوبة
(ابن مردويه) في تفسيره عن الفضل بن عمير الطفاوي عن ميمون الكردي عن عثمان النهدي عن ابن عمر وأعله العقيلي بالفضل وقال: لا يتابع عليه (والبيهقي في) كتاب (البعث) والنشور (عن ابن عمر) ابن الخطاب أنه قرأ على المنبر {ثم أورثنا الكتاب} الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه أيضا الفضل بن عميرة القرشي قال في الميزان عن العقيلي: لا يتابع على حديثه ثم ساقا له هذا الخبر رواه عنه عمرو بن الحصين وعمرو ضعفوه اه. وتعجب منه ابن معين فكأنه استنكره
_________
(1) ومذهب أهل السنة والجماعة أن أمر العاصي إلى الله: إن شاء تجاوز عنه وإن شاء عذبه وبه يستقيم الجمع بين كافة الآيات والأحاديث. قال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". إنما يبقى وجه تحذير الزمخشري بعدم الاغترار بأمثال هذا الحديث فنسأل الله الثبات. دار الحديث](4/79)
4615 - (سادة السودان أربعة لقمان الحبشي) الحكيم قيل: هو عبد داود وفي الكشاف أنه ابن باعور ابن أخت أيوب أو ابن خالته ومن حكمته أنه لم ينم نهارا قط ولم يضحك قط ولم يبك مذ ماتت أولاده ولم يره أحد على تغوط ولا على بول في مدة عمره (والنجاشي) أصحمة ملك الحبشة (وبلال) المؤذن (ومهجع) مولى عمر بن الخطاب وسبق هذا موضحا <فائدة> في المحلى لابن حزم أنه لا يكمل حسن لحور العين في الجنة إلا بسواد بلال فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن فسبحان من أكرم أهل طاعته
(ابن عساكر) في تاريخه في ترجمة بلال من طريق ابن المبارك مصرحا فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى (عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة (عن جابر مرسلا) هو تابعي ثقة جليل ثم قال أعني ابن عساكر ورواه معاوية بن صالح عن الأوزاعي وروى نحوه عن عطاء عن ابن عباس ولم يذكر مهجع(4/79)
[ص:80] 4616 - (سارعوا في طلب العلم فالحديث) في العلم (من صادق) ثوابه في الآخرة (خير من الدنيا وما عليها من ذهب وفضة) والمراد العلم الشرعي وما كان آلة له وبين قوله من صادق لأن الكلام فيمن طلبه بنية صالحة خالصا لوجه الله تعالى لا يريد به جاها ولا رفعة ولا تحصيلا للحطام ولا ليماري به السفهاء ويجادل به الفقهاء وأن يصرف به وجوه الناس إليه وإلا فلا ثواب له فيه بل هو عليه وبال كما شهدت به الأخبار والآثار قال الحسن: إياك والتسويف فإنك ليومك ولست لغدك
(الرافعي) إمام الدين عبد الكريم (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن جابر) بن عبد الله(4/80)
4617 - (ساعات الأذى) أي الأمراض والمصائب التي ترد على الإنسان (يذهبن ساعات الخطايا) أي يكفرن الخطايا
(ابن أبي الدنيا في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (عن الحسن) البصري (مرسلا) ورواه البيهقي عن الحسن أيضا فلو عزاه المصنف له لكان أولى(4/80)
4618 - (ساعات الأذى في الدنيا يذهبن ساعات الأذى في الآخرة) أي ما يعرض للإنسان من المكاره والمصائب في الدنيا تكون سببا للنجاة من أهوال الآخرة وكروبها
(هب عن الحسن) البصري (مرسلا فر عن أنس) ورواه عنه أيضا ابن شاهين وابن صاعد وعنهما أورده الديلمي فاقتصار المصنف عليه تقصير(4/80)
4619 - (ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا) ومن ثم قال بعض الصحب وقد عاد أنصاريا فسأله كيف حاله فقال له: ما غمضت منذ سبع فقال له: أي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها
(هب) من حديث بشر بن عبد الله بن أبي أيوب الأنصاري عن أبيه (عن) جده (أبي أيوب) الأنصاري قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فأكب عليه فسأله فقال ما غمضت منذ سبع فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الهيثم بن الأشعث قال الذهبي في الضعفاء: مجهول عن فضالة بن جبير عن ابن عدي أحاديثه غير محفوظة ومن لطائف إسناده من رواية الرجل عن أبيه عن جده(4/80)
4620 - (ساعة السبحة حين تزول) الشمس (عن كبد السماء وهي صلاة المخبتين وأفضلها في شدة الحر) قال الزمخشري: السبحة من التسبيح كالمتعة من التمتيع والمكتوبة والنافلة وإن التفتا في أن كل واحدة مسبح بها إلا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من قبيل أن التسبيحات في الفرائض نوافل فكأنه قيل النافلة سبحة على أنها شبيهة بالأذكار في كونها غير واجبة وأما السبحات جمع سبحة كغرفة وغرفات في قوله في الخبر المار سبحات وجهه فهي الأنوار التي إذا رآها الراءون من الملائكة سبحوا لما يروعهم من جلال الله وعظمته. إلى هنا كلامه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عوف بن مالك)(4/80)
4621 - (ساعة في سبيل الله) أي في جهاد الكفار لإعلاء كلمة الجبار (خير من خمسين حجة) أي لمن تعين عليه الجهاد وصار [ص:81] في حقه فرض عين فالمخاطب بالحديث من هذا شأنه وقد مر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل إنسان بما يليق بخصوص حاله
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو يعلى ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فاقتصار المصنف على عزوه للفرع دون الأصل غير جيد(4/80)
4622 - (ساعة من عالم) أي عامل بعلمه (متكئ على فراشه ينظر في علمه) أي يطالع أو يقرأ أو يؤلف أو يفتي (خير من عبادة العابد سبعين عاما) لأن العلم أس العبادة ولا تصح العبادة بدونه والمراد العلم الشرعي المصحوب بالعمل كما مر مرارا
(فر عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى(4/81)
4623 - (ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته لحضور الصلاة والصف في سبيل الله) أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله وأشار بقوله قلما إلى أنها قد ترد لفوات شرط من شروط الدعاء أو ركن من أركانه أو نحو ذلك
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو غفول عجيب فقد خرجه الإمام مالك كما في الفردوس باللفظ المذكور عن سهل المزبور ورواه أيضا الديلمي وغيره(4/81)
4624 - (سافروا تصحوا) من الصحة والعافية. قال الشافعي: إنما هذا دلالة لاحتمال أن يسافر لطلب الصحة <تنبيه> ذهب الصوفية إلى أن هذا السفر ليس هو المعهود بل المأمور به السفر بالفكر والعمل والاعتبار والمسافر هو الذي أسفر له سلوكه عن أمور مقصودة له وغير مقصودة والمسافر في الطريق اثنان مسافر يفكر في المعقولات والاعتبار ومسافر بالأعمال وهم أصحاب اليعملات فمن أسفر له طريقه عن شيء فهو مسافر ومن لا فهو مسافر متصرف في طريق مدينة وشوارعها غير مسافر فالمسافر من سافر بفكره في طلب الآيات والدلالات على وجود الصانع فلم يجد في سفره دليلا سوى إمكانه وأنه ليست نسبة الوجود إليه أولى من نسبة العدم فافتقر إلى مرجح فلما وصل إلى هذه المنزلة وقطع هذه المهلة وأسفرت عن وجوه مرجحة أحدث سفرا آخر فيما ينبغي للصانع الذي أوجده فأسفر له الدليل على تفرد هذا المرجح بأنه واجب الوجود لنفسه لا يجوز عليه ما جاز على الممكن من الافتقار ثم انتقل مسافرا إلى منزل آخر فأسفر له أن واجب الوجود يستحيل عدمه لثبوت قدمه إذ لو انعدم لم يكن واجب الوجود لنفسه ثم سافر إلى أن ينفي عنه كل ما يدل على حدوثه ثم يسافر في علم الوجود بوجود العالم وبقائه وصلاحه إذ لو كان معه إله آخر لم يوجد العالم بفرض الاتفاق والاختلاف كما يعطيه النظر ثم يسافر إلى منزلة يعطيه العلم بما أوجده وخلقه والإرادة لذلك ونفوذها وعدم قصورها وعموم تعلق قدرته بإيجاد هذا الممكن وحياة هذا المرجح لأنها شرط ثبوت هذه النعوت له وإثبات صفات الكمال من كلام وسمع وبصر ثم يسافر إلى منزلة تسفر له عن إمكان بعثة الرسل وأنه بعث رسلا وأقام الأدلة على صدقهم فيما ادعوه ولما كان هو ممن بعث إليه الرسول وآمن به واتبعه في مواسمه حتى أحبه الله فكشف عن قلبه وطالع عجائب الملكوت وانتقش في نفسه جميع ما في العالم وفر إلى الله مسافرا من كل ما يبعده منه ويحجبه عنه إلى أن رآه في كل شيء أراد أن يلقي عصا التسيار فعرفه ربه أن الأمر لا نهاية له وأنه لا يزال مسافرا إلى منزلة تسمى بالموت ثم لا يزال مسافرا حتى يقطع منازل البرزخ إلى أن يصل إلى منزلة بالبعث فيركب مركبا شريفا يحمله إلى دار سعادته فيصح صحة [ص:82] الآبق
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي سعيد) الخدري(4/81)
4625 - (سافروا تصحوا وتغنموا (1)) قال البيهقي: دل به على ما فيه سبب الغنى ومما عزي للشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا. . . وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة. . . وعلم وآداب وصحبة ماجد
وقد خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في مناكب الأرض بما تفيده السعاية وترفعه من الذل إلى العز ومن الفقر إلى الغنى ومن الضعة إلى الرفعة ومن الخمول إلى النباهة
(هق) عن بسطام بن حبيب ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي حازم (عن ابن عباس) مرفوعا (الشيرازي في) كتاب (الألقاب طس وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (والقضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال الطبراني: لم يروه عن ابن دينار إلا محمد بن رواد وقال البيهقي: رواه محمد بن عبد الرحمن بن رواد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر اه قال في المهذب: ابن رواد واه اه وفي الميزان عن الأزدي لا يكتب حديثه ثم أورد له هذا الخبر اه وقد علمت أن روادا تفرد به فالحديث لأجله شديد الضعف
_________
(1) فإن السفر قد يكون أنفع من التنفل أو يضاهيه لأن المنفل سائر إلى الله من مواطن الغفلات إلى محال القربات والمسافر يقطع المسافات والتقلب في المفاوز والفلوات بحسن النية إلى الله سائر إليه لمراغمة الهوى ومهاجرة ملاذ الدنيا(4/82)
4626 - (سافروا تصحوا وترزقوا) ومن ثمة قيل: شمر ذيلا وأدرع ليلا فمن لزم القرار ضاجع الصغار وقيل: السيف إن قر في الغمد صدىء وقيل: إن لزوم قفر البيوت موت وإن السير في الأرض النشور قال الراغب: وإذا تأملت هذا الحديث ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنه حثك على التحرك الذي يثمر لك جنة المأوى ومصاحبة الملأ الأعلى بل مجاورة الله تعالى وذلك يحتاج إلى أربعة أمور معرفة المقصود المشار إليه بقوله {توبوا إلى الله جميعا} ومعرفة الطريق المشار إليه بقوله {قل هذه سبيلي} وتحصيل الزاد المبلغ المشار إليه بقوله {وتزودوا} والمجاهدة في الوصول إليه كما قال {وجاهدوا في الله حق جهاده} قال الفقيه عيسى الحضرمي: عرض علي في بعض الأحوال في غيبة وليس بنوم كتاب وإذا أوله سافروا عن أوطان النفوس إلى حضرة الملك القدوس تصحوا من سقام كيف ولم وهلا وإلا ولولا انتهى
(عب عن محمد بن عبد الرحمن مرسلا)(4/82)
4627 - (سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا) قرنه بالغزو يعرفك أن المراد بالسفر في هذا وما قبله من الأخبار سفر الجهاد ونحوه من كل سفر واجب فلا يناقضه ما سيجيء في خبر السفر قطعة من العذاب مما ظاهره التزهيد فيه على أن ذلك إنما خرج بيانا لما يلقاه المسافر من مشاق السفر ومتاعبه
<تنبيه> قال الغزالي: السفر سفران سفر بالظاهر وسفر بالباطن إلى الله وأشير إليه بقوله {إني ذاهب إلى ربي} وإليهما بقوله {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} والثاني أعظم لأن صاحبه يتنزه أبدا {في جنة عرضها السماوات والأرض} وينزل منازلا لا يضيق بكثرة الواردين
(حم عن أبي هريرة)(4/82)
4628 - (سافروا مع ذوي الجد وذوي الميسرة) لأن السفر يظهر خبايا الطبائع وكوامن الأخلاق وخفايا السجايا إذ [ص:83] الأبدان إذا تعبت ضعفت القوة المختلفة في القلة والكثرة لكون الطبائع تبعثها وتبين مقاديرها وزيادة بعضها ونقصان بعض فتظهر محاسن الأخلاق ومساوئها لأنها تميز الطبائع من القوة والقوى من الأحوال والسفر يأتي على مختلف الأهوية والأغذية فمن سافر مع أهل الجد والاحتشام يكلف رعاية الأدب وتحمل الأذى وموافقتهم بما يخالف طبعه فيكون ذلك تأديبا له ورياضة لنفسه فيتهذب لذلك ويهتدي إلى تجنب مساوئ الأخلاق واكتساب محاسنها وأما من سافر مع من دونه فكل من معه يحمل نفسه على موافقته ويتحمل المكاره لطاعته فتحسن أخلاقهم وربما يسوء خلقه فإن حسن الخلق في تحمل المكاره
(فر عن معاذ) بن جبل وفيه إسماعيل بن زياد فإن كان الشامي فقد قال الذهبي عن الدارقطني ممن يضع أو الشفري فقال ابن معين كذاب أو السكوني فجزم الذهبي بأنه كذاب كما سبق(4/82)
4629 - (ساقي القوم آخرهم) أي شرابا كما في الخبر الآتي وهذا في آداب ساقي الماء ونحوه كلبن ومثله ما يفرق على جمع من مأكول أو مشموم فيكون المفرق آخرهم تناولا لنفسه قال ابن العربي: وهذا أمر ثابت مادة وشرعا وحكمته ندب الإيثار فلما صار في يده ندب له أن يقدم غيره لما فيه من كريم الأخلاق وشرف السليقة وعزة القناعة وقال الزين العراقي فيه أن الذي يباشر سقي الماء أو غيره يكون شربه بعد الجماعة كلهم لأن الإناء بيده فلا ينبغي أن يعجل خلافا لما يعتاده الملوك والأمراء من شرب الساقي قبل خشية أن يكون فيه سم وفي مسند البزار أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أكله من شاة خيبر لم يتناول مما أحضره له أهل بيته شيئا حتى يؤكل منه فرعاية السنة أولى ممن لم يخف على نفسه وهل المراد بساقي القوم من يناوله للشاربين أو المالك الظاهر الأول
(حم تخ د عن عبد الله بن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته ورواه مسلم في الصلاة مطولا والترمذي وابن ماجه كما هنا في الأشربة والنسائي في الوليمة فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به عن الستة غير جيد(4/83)
4630 - (ساقي القوم آخرهم شربا) لان ذلك أبلغ للقيام بحق الخدمة وأحفظ للهمة وأحرز للسيادة فيبدأ بسقي كبير القوم ثم من عن يمينه واحدا بعد واحد ثم يسقي ما بقي منهم ثم يشرب قال في البحر: أشار بهذا الخبر وما قبله إلى أن كل من ولي شيئا من أمور الناس يجب عليه تقديم مصلحتهم على حظ نفسه والنصح لهم في جليل الأمور ودقيقها فمنهم السلاطين المتقلدون لأعباء الأمة الحامون للبيعة والعلماء الحافظون للشريعة المعلمون الدين والتجار الذين يتولون منافع أبدانهم وأصحاب الحرف الذين يعاونونهم والواجب على السلطان الذب عنهم والنصح لهم وعلى العلماء تعليم الجهال برفق ونصح وصبر على تعليم البليد وتفريغ وقتهم ونشاطهم لذلك ولا يكثر عليهم فيملوا ولا يغلظ فينفروا ولا يريدوا به شيئا من عرض الدنيا
(ت هـ عن أبي قتادة) ثم قال الترمذي: حسن صحيح (طس والقضاعي) كلاهما من حديث ثابت البناني (عن المغيرة) بن شعبة. قال الزين العراقي: وثابت لا أعرف له سماعا من المغيرة(4/83)
4631 - (سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم) والثلاثة أولاد نوح لصلبه وفي رواية لابن عساكر عن أبي هريرة سام أبو العرب وفارس والروم وأهل مصر والشام ويافث أبو الخزرج ويأجوج ومأجوج وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء وقال ابن جرير: روي أن نوحا دعا لسام أن يكون الأنبياء من ولده ودعا ليافث أن يكون الملوك من ولده ودعا على حام بأن يتغير لونه ويكون ولده عبيدا وأنه رق عليه بعد ذلك فدعا له بأن يرزق الرأفة من أخويه قال المصنف في الساجعة: وسام قيل إنه نبي وولده أرفخشذ صديق وقد أدرك جده نوحا ودعا له وكان في خدمته نعم الرفيق
(حم ت ك عن سمرة) بن جندب قال الزين العراقي في القرب في محبة العرب: هذا حديث حسن وقال الديلمي: وفي الباب عمران بن حصين(4/83)
[ص:84] 4632 - (ساووا بين أولادكم في العطية) أي الهبة ونحوها الكبير والصغير والذكر والأنثى (فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء) احتج به الحنابلة على أنه لو فضل بين أولاده في العطية أساء وأمر بالارتجاع
(طب خط وابن عساكر) في ترجمة عباد بن موسى (عن ابن عباس) قال الذهبي: فيه إسماعيل بن عياش وشيخه ضعيفان(4/84)
4633 - (سباب) بكسر السين والتخفيف (1) (المسلم) أي سبه وشتمه يعني التكلم في عرضه بما يعيبه وهو مضاف إلى المفعول (فسوق) أي خروج عن طاعة الله ورسوله ولفظه يقتضي كونه من اثنين قال النووي: فيحرم سب المسلم بغير سبب شرعي قال: ومن الألفاظ المذمومة المستعملة عادة قوله لمن يخاصمه يا حمار يا كلب ونحو ذلك فهذا قبيح لأنه كذب وإيذاء بخلاف قوله يا ظالم ونحو ذلك فإن ذلك يتسامح به لضرورة المخاصمة مع أنه صدق غالبا فقل إنسان إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها (وقتاله) أي محاربته لأجل الإسلام (كفر) حقيقة أو ذكره للتهديد وتعظيم الوعيد أو المراد الكفر اللغوي وهو الجحد أو هضم أخوة الإيمان قال الحافظ ابن حجر: لما كان المقام مقام الرد على المرجئة اهتم لذلك وبالغ في الزجر معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في محله اه وتقدمه لنحوه ابن العربي فقال: قال الخوارج: لما غاير المصطفى صلى الله عليه وسلم بينهما وجعل القتال كفرا كان يكفر بقتاله قلنا: فيلزمكم كونه كافرا بفسوقه فالتزموه وقد بينا في الأصول بطلانه وإنما فائدة خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الفسوق خفيف لجريانه عادة بين الناس ولا يتعدى صورته إلى المشاهدة والحس والقتال إنما يجري عند اختلاف الدين فإذا فعلوه كان كفعل الكفار وربما جر لسوء الخاتمة لهتك الحرمة فيكون من أهل النار
(حم ق) في الإيمان (ت) في البر (ن) في المحاربة (هـ عن ابن مسعود هـ عن أبي هريرة وعن سعد) بن أبي وقاص (طب عن عبد الله بن مغفل) وفيه عند الطبراني كثير بن يحيى وهو ضعيف ذكره الهيثمي (وعن عمرو بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء مكسورة ونون (قط في الأفراد عن جابر)
_________
(1) مصدر سب وهو أبلغ من السب فإن السب شتم الإنسان والتكلم في عرضه بما يعيبه والسباب أن يقول فيه بما فيه وما ليس فيه(4/84)
4634 - (سباب المسلم) بكسر السين مصدر سب سبا وسبابا شتم وفسره الراغب بالشتم الوجيع (فسوق) أي مسقط للعدالة والمرتبة وفيه تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بالفسق وأن الإيمان ينقص ويزيد لأن السلب إذا فسق نقص إيمانه وخرج عن الطاعة فضره ذنبه لا كما زعم المرجئة أنه لا يضر مع التوحيد ذنب (وقتاله) مقاتلته (كفر) لما كان القتال أشد من السباب لإفضائه إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشق من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقته التي هي الخروج من الملة وأطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدا على ما تقرر من القواعد أو أراد إن كان مستحلا أو أن قتال المؤمن من شأن الكافر (وحرمة ماله كحرمة دمه) أي كما حرم الله قتله حرم أخذ ماله بغير حق كما في خبر كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه فإذا قاتله فقد كفر ذلك الحق فإن حمل الكفر على ظاهره تعين تأويله
(طب عن ابن مسعود) قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجلس للأنصار ورجل فيهم كان يعرف بالبذاءة فذكره [ص:85] رمز المصنف لصحته وهو كما قال. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه(4/84)
4635 - (سبحان الله نصف الميزان) أي يملأ ثوابها كفة الميزان (والحمد لله تملأ الميزان) بأن تأخذ الكفة الأخرى وقد يراد تفضل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثوابه التسبيح (والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض) أي لو قدر ثواب التكبير جسما لملأه (والطهور نضف الإيمان والصوم نصف الصبر) كما سبق توجيهه موضحا
(حم هب عن رجل من بني سليم) من الصحابة وإبهامه لا يضر فإنهم كلهم عدول رمز المصنف لصحته(4/85)
4636 - (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر في ذنب) الإنسان (المسلم مثل الآكلة في جنب ابن آدم) لكن إنما تكون كذلك إذا حصلت معانيها في القلب أما مجرد تحريك اللسان بها مع الغفلة عن معناها فليس من المكفرات في شيء كما أشار إليه حجة الإسلام (ابن السني عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الديلمي أيضا(4/85)
4637 - (سبحان الله نصف الميزان والحمد لله ملء الميزان والله أكبر ملء السماوات والأرض ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها عز وجل) أي تصل إليه قال الطيبي: هو كناية عن سرعة قبولها وكثرة ثوابها كما سبق قيل: وكمال الثواب إنما هو بتجنب الكبائر فإن الثواب يحصل لقائلها وإن لم يجتنبها لكن الثواب المجتنب أكمل فإن السيئة لا تحبط الحسنة بل تذهب الحسنة السيئة {إن الحسنات يذهبن السيئات}
(السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص و (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة)(4/85)
4638 - (سبحان الله) بالنصب بفعل لازم الحذف قاله تعجبا واستعظاما (ماذا) استفهام ضمن معنى التفخيم والتعجب والتعظيم ويحتمل كون ما نكرة موصوفة (أنزل) بهمزة مضمومة (الليلة) في رواية أنزل الله والمراد بالإنزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور أو أوحى إليه في منام أو يقظة ما سيقع كذا قاله جمع قال ابن جماعة: وهو وإن كان صحيحا فبعيد من قوله: (من الفتن) عبر عن العذاب بالفتن لأنها أسبابه أو على المنافقين ونحوهم أو أراد بالفتن الجزئية القريبة المأخذ كفتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة أو ما أنزل من مقدمات الفتن والملجئ إلى هذا التأويل إنه لا فتنة مع حياة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال تعالى {وأتممت عليكم نعمتي} وفي إتمام النعمة سد باب الفتنة الذي لم تفتح إلا بقتل عمر (وماذا فتح من الخزائن) خزائن الأعطية أو الأقضية التي أفيض منها تلك الليلة على المتهجدين ونحوهم يرشد لذلك قوله (أيقظوا) بفتح الهمزة نبهوا للتهجد كما تشير إليه رواية لكي يصلين قال الكرماني: ويجوز كسر الهمزة أي انتبهوا وقوله (صواحب) منادى لو صحت الرواية به قال الطيبي: عبر عن [ص:86] الرحمة بالخزائن لكثرتها وعزتها وعن العذاب بالفتن لأنها أسباب مؤدية إليه وجمعهما لكثرتهما وسعتهما (الحجر) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وفي رواية صواحبات الحجر وفي رواية الحجرات وهي أزواجه ليحصل لهن حظ من تلك الرحمات المنزلة تلك الليلة خصهن لأنهن الحاضرات أو من قبيل ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال ابن العربي: كأنه أخبر بأن بعضهن ستكون فيهن فأمر بإيقاظهن تخصيصا لذلك (فرب نفس) وفي رواية يا رب أي يا قوم رب نفس ورب هنا للتكثير وإن كان أصلها للتقليل (كاسية في الدنيا) من أنواع الثياب (عارية) بجره صفة كاسية ورفعه خبر مبتدأ محذوف أي هي عارية من أنواع الثياب (في الآخرة) لعدم العمل وقيل: عارية في شكر المنعم قال الطيبي: أثبت لهن الكسوة ثم نفاها لأن حقيقة الاكتساء ستر العورة أي الحسية أو المعنوية فما لم يتحقق الستر فكأنه لا اكتساء فهو من قبيل قوله:
خلقوا وما خلقوا بمكرمة. . . فكأنهم خلقوا وما خلقوا
وهذا وإن ورد على أزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ ونبه بأمرهن بالاستيقاظ على أنه لا ينبغي لهن التكاسل والاعتماد على كونهن أزواجه {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} وفيه ندب التسبيح عند الانتباه وعند التعجب ونشر العلم والتذكير بالليل وأن الصلاة تنجي من الفتن وتعصم من المحن والتحذير من نسيان شكر المنعم وعدم الاتكال على شرف الزوج وذم التبرج وإظهار الزينة للأجانب والترفه الزائد
(حم خ ت) في كتاب العلم (عن أم سلمة) بفتح السين واللام زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم واسمها هند قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا فذكره ولم يخرجه مسلم(4/85)
4639 - (سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار) قالوا: كتب هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار فذكره قال تعالى {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} وقال في الكشاف: معنى إيلاج أحدهما في الآخر تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء هذا بغيبوبة الشمس وضياء ذلك في مكان ظلمة هذا بطلوعها كما يضيء السرب بالسراج ويظلم بفقده
(حم عن التنوخي) بفتح المثناة الفوقية وضم النون المخففة وخاء معجمة نسبة إلى تنوخ قبيلة(4/86)
4640 - (سبحوا) أيها المصلون (ثلاث تسبيحات ركوعا) أي قولوا في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا (وثلاث تسبيحات سجودا) أي قولوا في السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا كما بينته رواية أبي داود وهذا أدنى الكمال وأكمل منه خمس فسبع فتسع فإحدى عشرة وهو الأكمل والأمر للندب لا للوجوب
(هق عن محمد بن علي) بن أبي طالب وهو ابن الحنفية (مرسلا)(4/86)
4641 - (سبحي الله عشرا) أي قولي سبحان الله عشرا واحمدي الله عشرا أي قولي الحمد لله عشرا وكبري الله عشرا أي قولي الله أكبر كذلك (ثم سلي الله ما شئت) من خير الدنيا والآخرة (فإنه يقول قد فعلت قد فعلت) قال الغزالي: لا تظن أن الإجابة الموعودة بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب فسبحان الله كلمة تدل على التقديس والحمد لله تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق والتكبير يدل على التعظيم فالإجابة بإزاء هذه المعارف التي هي أبواب الإيمان واليقين وفيه جواز العد والإحصاء للأذكار ورد على من كره ذلك وظاهره بأنه يسبح عشرا ويحمد عشرا ويكبر عشرا وهو أولى من أن يأتي بها مجموعة بأن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر عشرا على ما سلكه بعضهم ويقال بمثله في خبر من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة إلخ
(حم ت حب ن ك عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن(4/86)
[ص:87] 4642 - (سبحي الله مئة تسبيحة) أي قولي سبحان الله مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة رقبة) أي عتق مئة إنسان (من ولد) بضم فسكون وقد يكون جمعا كأسد وواحدا كقفل (إسماعيل) بن إبراهيم الخليل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام وهذا تتميم ومبالغة في معنى العتق لأن فك الرقبة أعظم مطلوب وكونه من عنصر إسماعيل الذي هو أشرف الناس نسبا أعظم وأمثل (واحمدي الله مئة تحميدة) أي قولي الحمد لله مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها) الغزاة (في سبيل الله) لقتال أعداء الله (وكبري الله مئة تكبيرة) أي قولي الله أكبر مئة مرة (فإنها تعدل لك مئة بدنة) أي ناقة (متقبلة) أي أهديتيها وقبلها الله وأثابك عليها فثواب التكبير يعدل ثوابها أي موازنة (وهللي الله مئة تهليلة) أي قولي لا إله إلا الله مئة مرة والعرب إذا كثر استعمالهم لكلمتين ضموا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى كالحوفلة والبسملة مأخوذ من لا إله إلا الله يقال هيلل الرجل وهلل إذا قالها (فإنها تملأ ما بين السماء والأرض) يعني أن ثوابها لو جسم لملأ ذلك الفضاء (ولا يرفع) بالبناء للمفعول (يومئذ لأحد عمل أفضل منها) أي أكثر ثوابا (إلا أن يأتي) إنسان (بمثل ما أتيت) به فإنه يرفع له مثله ولولا هذا الحمل لزم أن يكون الآتي بالمثل آتيا بأفضل وليس مرادا والأصل أن يستعمل أحد في النفي وواحد في الإثبات وقد يستعمل أحدهما مكان الآخر قليلا ومنه هذا الحديث <تنبيه> الأفضل الإتيان بهذه الأذكار ونحوها متتابعة في الوقت الذي عين فيه وهل إذا زيد على العدد المخصوص المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المرتب عليه أم لا قال بعضهم: لا لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية وإن خفيت علينا لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكمة فربما تفوت بمجاوزة ذلك العدد ألا ترى أن المفتاح إذا زيد على أسنانه لا يفتح والأصح الحصول لإتيانه بالقدر المرتب عليه الثواب فلا تكون الزيادة التي هي من جنسه مزيلة له بعد حصوله ذكره الزين العراقي وقد اختلفت الروايات في عدد الأذكار الثلاثة فورد ثلاثا وثلاثين من كل منها وورد عشرا عشرا وسبعين سبعين ومئة مئة وغير ذلك وهذا الاختلاف يحتمل كونه صدر في أوقات متعددة أو هو وارد على التخيير أو يختلف باختلاف الأحوال
(حم طب ك عن أم هانئ) أخت علي كرم الله وجهه فاختة أو هند قالت: قلت يا رسول الله كبر سني ورق عظمي فدلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي: أسانيده حسنة(4/87)
4643 - (سبع) من الأعمال (يجري للعبد) أي المسلم (أجرهن وهو في قبره بعد موته من علم) بالتشديد والبناء للفاعل (علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا) للسبيل (أو غرس نخلا) أي لنحو تصدق بثمره بوقف أو غيره (أو بنى مسجدا) أي محلا للصلاة (أو ورث مصحفا) بتشديد ورث أي خلف لوارثه من بعده يعني ليقرأ فيه (أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) أي يطلب له من الله مغفرة ذنوبه قال في الفردوس: ويروى أو كرا نهرا من كريت النهر أكريه كريا إذا استحدثت حفره فهو مكرى قال البيهقي: وهذا الحديث لا يخالف الحديث الصحيح إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث فقد قال فيه: إلا من صدقة جارية وهي تجمع ما ذكر من الزيادة
(البزار) في مسنده (وسمويه) وكذا أبو نعيم [ص:88] والديلمي كلهم (عن أنس) رمز المصنف لصحته وهو باطل فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه محمد بن العزرمي وهو ضعيف اه ورواه البيهقي باللفظ المزبور عن أنس وعقبه بقوله محمد بن عبيد الله العزرمي ضعيف غير أنه تقدم ما يشهد لبعضه اه وقال المنذري: إسناده ضعيف وقال الذهبي في كتاب الموت: هذا حديث إسناده ضعيف(4/87)
4644 - (سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة ظاهر بيت الله) أي سطح الكعبة لإخلاله بالتعظيم وعدم احترامها بالاستعلاء عليها (والمقبرة) بتثليث الباء (والمزبلة) محل الزبل ومثله كل نجاسة متيقنة (والمجزرة) محل جزر الحيوان أي ذبحه (والحمام) الجديد وغيره حتى مسلخه (وعطن الإبل) أي المكان الذي تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سبقت للمرعى (ومحجة الطريق) بفتح الميم جادته أي وسطه ومعظمه ومذهب الشافعي أن الصلاة تكره في هذه المواضع وتصح والحديث مؤول بأن المنفي الجواز المستوي الطرفين
(هـ) من حديث أبي صالح كاتب الليث عنه عن نافع (عن ابن عمر) قال الذهبي في التنقيح كابن الجوزي وكاتب الليث غير عمدة وقال ابن عبد الهادي: كلهم طعن فيهم ورواه الترمذي من رواية زيد بن جبير عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر بن الخطاب قال الزين العراقي: وزيد بن جبير ضعيف وأورده في الميزان من مناكير كاتب الليث(4/88)
4645 - (سبعة) العدد لا مفهوم له فقد روى الإظلال لذي خصال أخر جمعها الحافظ ابن حجر في أماليه ثم أفردها بكتاب سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ثم ألف في ذلك بعده السخاوي والمؤلف ومجموعها نحو تسعين خصلة وسبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله في ظله) أي يدخلهم في ظل رحمته وإضافة الظل إليه تعالى إضافة تشريف كناية عن رحمة الله (1) وهو سبحانه منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام (يوم لا ظل إلا ظله) لا رحمة إلا رحمته وهو يوم القيامة أحدهم (أمام) سلطان (عادل) تابع لأوامر ربه أو جامع للكمالات الثلاث الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوية وقدمه لعموم نفعه وتعديه (و) الثاني من السبعة (شاب) خصه لكونه مظنة غلبة الشهوة وقوة الباعث على متابعة الهوى وملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على غلبة التقوى (نشأ في عبادة الله) والثالث (رجل قلبه معلق) في رواية متعلق (بالمسجد) في رواية بالمساجد وفي أخرى في المساجد وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض زاد سلمان من حبها أشار إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان بدنه خارجا فشبه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل (إذا خرج منه حتى يعود إليه) كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة إلا في المسجد ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه فليس المراد دوام الجلوس فيه (و) الرابع (رجلان تحابا) بتشديد الموحدة وأصله تحاببا أي أحب كل منهما صاحبه (في الله) أي في طلب رضى الله أو لأجله لا لغرض دنيوي (فاجتمعا على ذلك) أي على الحب المذكور بقلوبهما (وافترقا عليه) أي استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرق بينهما الموت ولم يقطع تحابهما عارض دنيوي أو المراد يحفظان الحب فيه في [ص:89] الحضور والغيبة وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا منهما (و) الخامس (رجل ذكر الله) بلسانه أو قلبه حال كونه (خاليا) من الناس أو من الالتفات لما سوى الله المذكور وإن كان في ملأ (ففاضت) سالت (عيناه) أي الدموع من عينيه فهو مجاز كجري الميزاب زاد البيهقي من خشية الله وبكاؤه يكون عن خوف أو شوق أو محبة لله (و) السادس (رجل دعته) أي طلبته (امرأة) إلى الزنا بها هذا هو الأظهر لا ما قيل للنكاح فخاف العجز عن حقها أو الشغل عن العبادة بالكسب لها (ذات منصب) بكسر الصاد أي أصل أو شرف أو حسب أو مال (وجمال) أي مزيد حسن (فقال) بلسانه زاجرا عن الفاحشة ويحتمل قلبه زجرا لنفسه ولا مانع من الجمع (إني أخاف الله رب العالمين) وخص ذات المنصب والجمال لأن الرغبة فيها أشد فالصبر عنها مع طلبها له أشق (و) السابع (رجل تصدق بصدقة) أي تطوع لأن الزكاة يسن إظهارها (فأخفاها) أي كتمها عن الناس (حتى لا تعلم) بالرفع نحو مرض فلان حتى لا يرجونه وبالنصب نحو سرت حتى لا تغيب الشمس (شماله) أي من بشماله (ما تنفق يمينه) ذكره مبالغة في الإخفاء بحيث لو كان شماله رجلا ما علمها فهو من مجاز التنبيه وذكر الرجل فيما عدا الأول والثالث وصف طردي فالمرأة والخنثى مثله فالمراد سبعة أشخاص وتخصيص السبعة لأن الطاعة تكون بين العبد وبين الله وبينه وبين الخلق والأول إما أن يكون باللسان أو بالقلب أو بجميع البدن والثاني إما أن يكون عاما وهو العدل أو خاصا وهو إما من جهة النفس وهو التحاب أو من جهة البدن <تنبيه> قال القونوي: أن للإنسان يمينا ويسارا ظاهرين وهي يدا صورته وله يمين ويسار باطنان وهما روحانيته وطبيعيته وقد اعتبر الشرع ذلك وإليه الإشارة بآية {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} إذا تقرر هذا فسر الحديث أن يكون الباعث له على الصدقة باعثا روحانيا ربانيا خاليا عن أحكام طبيعته جملة واحدة وهذا صعب جدا لأن الإنسان مجموع من الصفات الروحانية والصفات الطبيعية والممازجة بينهما واقعة فمن قويت روحانيته حتى استهلكت قواه وصفاته الطبيعية في روحانيته بحيث تتمكن من التصرف روحه تصرفا لا دخل لطبيعته فيه كان في غاية القوة والشدة بل يرجح على كثير من الملائكة لأن خلق أفعال الملك من الصفات الطبيعية فلا يستغرب ولا يستعظم لفقد المنازع له وأما هنا فالنزاع واقع وسلطان الطبيعة قوي جدا فلا تغلب سلطنة الروح وصفاته المضافة إلى عين الإنسان المعنوي على سلطان مزاجه الطبيعي الذي له جهة الشمال بحيث يخلص جميع أفعاله الروحانية عن شوب طبيعته وأحكامها مع بقاء الارتباط والامتزاج الواقع بين الصفات الروحانية والطبيعية إلا بتأييد رباني وشدة عظيمة
(مالك) في الموطأ (ت) في الزكاة وغيرها (عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري (حم ق ن عن أبي هريرة م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا)
_________
(1) [في الأصل: إضافة تشريف كنافة الله
وهذا غير مفهوم وقد استبدلنا تلك العبارة ب " كناية عن رحمة الله " وقد وجدناها في شرح الحديث المذكور في " السراج المنير " وإن صاحب ذلك الكتاب كثيرا ما يقتبس من عبارات المناوي وقد ذكر أن فيض القدير من مراجعه
دار الحديث](4/88)
4646 - (سبعة) من الناس سيكونون (في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) أضاف الظل إلى العرش لأنه محل الكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم ليس فوقه شيء يظل منه (رجل ذكر الله ففاضت عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض الدمع لا هي مبالغة لدلالته على مصير العين دمعا فياضا ثم إن فيضها ناشئ عن القرح التي أحرقت قلبه إما حياء من الله أو شوقا إليه أو حبا له أو خوفا من ربوبيته أو لشهود التقصير معه فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الأحد كان معاملة لله فآواه إلى ظله (ورجل يحب عبدا لا يحبه إلا الله) لأنه لما قصد التواصل هو وأخوه بروح الله وتآلف بمحبته كان ذلك انحياشا إلى الله تعالى فآواه إلى ظله (ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها) لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى الله مؤثرا فأظله (ورجل يعطي الصدقة) التطوع (بيمينه فيكاد يخفيها عن [ص:90] شماله) لأنه آثر الله على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه إذ شأن النفس حب الدنيا فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها فاستحق الإظلال قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه ففي الصورة قبضه بصورة البيع وهو بالحقيقة صدقة (وإمام مقسط في رعيته) أي متبع أمر الله فيهم بوضع كل شيء في محله بغير إفراط ولا تفريط فلما عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله آواه الله في ظله ولذا كان الإمام العادل من أعلى الناس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث فالجائر من أخس الناس منزلة يوم القيامة (ورجل عرضت عليه امرأة نفسها) ليجامعها بالزنا (ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله) فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة مولاه وخالف بواعث الطبع للتقوى فلما خاف من الله هرب إليه فلما هرب هنا إليه معاملة آواه إليه في الآخرة مواصلة (ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) فإنه لما بذل نفسه لله استوجب كونه في القيامة في حماه وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فجوزوا جزاء واحدا صلى كل منهم حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه الله حر الأخرى
<تنبيه> قد نظم أبو شامة معنى هذا الحديث فقال:
وقال النبي المصطفى إن سبعة. . . يظلهم الله العظيم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق. . . وباك مصل والإمام بعدله
وذيل عليه الحافظ ابن حجر في أبيات أخر
(ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن أبي هريرة)
<تنبيه> ممن ورد أن يكون في الظل أيضا رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم وتاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقا ومن أنظر معسرا أو وضع له وسقا ورجل ترك لغارم أو تصدق عليه ومن عان أخرق أي من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ومن أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته ومن أظل رأس غاز والوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم ومن أطعم الجائع حتى يشبع ومن لزم البيع والشراء فلم يذم إذا اشترى ولم يحمد إذا باع وصدق الحديث وأدى الأمانة ولم يتمن للمؤمنين الغلاء ومن حسن خلقه حتى مع الكفار ومن كفل يتيما أو أرملة ومن إذا أعطى الحق قبله وإذا سئله بذله ومن حاكم للناس كحكمه لنفسه ومن صلى على الجنائز ليحزنه ذلك فأحزنه ومن نصح واليا في نفسه أو في عباد الله ومن كان بالمؤمنين رحيما لا غليظا ومن عزى ثكلى أو صبرها ومن يعود المرضى ويشيع الهلكى وشيعة علي ومحبيه ومن لا ينظر إلى الزنا ولا يبتغي الربا ولا يأخذ الرشى ومن لم تأخذه في الله لومة لائم ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى {ويعلم ما تكسبون} وواصل الرحم وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله وعبد صنع طعاما فأطاب صنعه وأحسن نفقته ودعا عليه اليتيم والمسكين فأطعمهم لوجه الله ورجل حيث توجه علم أن الله معه ورجل يحب الناس لجلال الله ومن فرج عن مكروب من أمة محمد وأحيا سنته وأكثر الصلاة عليه وحملة القرآن والمرضى وأهل الجوع في الدنيا ومن صام في رجب ثلاثة عشر يوما ومن صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب وقرأ في كل ركعة الفاتحة والإخلاص خمس عشرة مرة وأطفال المؤمنين ومن ذكر بلسانه وقلبه ومن لا يعق والديه ولا يمشي بنميمة ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله والطاهرة قلوبهم البريئة أبدانهم الذين إذا ذكر الله ذكروا به وإذا ذكروا ذكر الله [ص:91] بهم وينيبون إلى ذكر الله كما تنيب النسور إلى وكرها ويغضبون لمحارمه إذا استحلت كما يغضب النمر ويكلفون بحبه كما يكلف الصبي بحب الناس والذين يعمرون مساجد الله ويستغفرونه بالأسحار والذين يذكرون الله كثيرا ويذكرهم وأهل لا إله إلا الله وشهداء أحد ومطلق الشهداء ومن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى قتل ومعلم القرآن ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعى الناس إلى طاعة الله وحملة القرآن وإبراهيم وعلي والحسن والحسين هذا محصول ما التقطه ابن حجر والسخاوي والمؤلف في الأخبار وأكثرها ضعاف ومن أراد الوقوف على ما فيها من الكلام ومن رواها من الأعلام فليرجع إلى تلك التآليف(4/89)
4647 - (سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) أي لا ظل إلا ظل عرشه وذلك لا يكون إلا في القيامة حتى تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ويأخذهم العرق ولا ظل ثم إلا للعرش وبهذه الرواية رد على من زعم أن المراد بالظل في الرواية الأولى ظل طوبى أو الجنة لأن ذلك إنما يكون بعد الاستقرار فيها وهذا عام (رجل قلبه معلق بالمساجد ورجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف إلى نفسها (فقال إني أخاف الله ورجلان تحابا) أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر (في الله ورجل غض عينيه عن محارم الله) أي كفهما عن النظر إلى ما لا يحل له النظر إليه (وعين حرست في سبيل الله) أي في الرباط أو حال قتال أهل الضلال (وعين بكت من خشية الله) أي من خوفه لما انكشف لها من أوصاف الجلال والهيبة والعظمة والبكاء يكون بحسب حال الذاكر وما ينكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون من الخشية وفي حال أوصاف الجمال يكون من الشوق إليه واعلم أن ما تقرر في هذه الأخبار هو ما قرره أهل الآثار وذهب الصوفية إلى أن الإمام العادل القلب وتعلق القلب بالمساجد تعلقه بالعرش فإن العرش مسجد قلوب الموقنين وذكر الخلو عبارة عن كونه خاليا من النفس والهوى وإخفاء الصدقة إخفاؤها عن نفسه وهواه <تنبيه> ذكر الرجال في هذه الأخبار لا مفهوم له فالنساء مثلهم فيما يمكن فيه ذلك فالمرأة التي دعاها ملك جميل ليزني بها مثلا فامتنعت خوفا من الله مع حاجتها وشاب جميل دعاه ملك إلى تزوج ابنته فامتنع خوفا أن يرتكب منه الفاحشة كذلك وأحكام الشرع عامة لجميع المكلفين وحاكمة على الواحد حكمه على الجماعة إلا ما خرج بدليل
(البيهقي في) كتاب (الأسماء) والصفات (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(4/91)
4648 - (سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب) أي من شأن كل نبي كونه مجاب الدعوة وفي رواية سبعة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب (الزائد في كتاب الله) أي من يدخل فيه ما ليس منه أو يتأوله بما ينبو عنه لفظه ويخالف الحكم كما فعله اليهود بالتوراة من التبديل والتحريف والزيادة في كتاب الله كفر وتأويله بما يخالف الكتاب والسنة بدعة (والمكذب بقدر الله) لقوله إن العباد يفعلون بقدرهم (والمستحل حرمة) وفي رواية حرم (الله) أي من فعل في حرم مكة ما لا يجوز من تعرض لصيده أو شجره (والمستحل من عترتي ما حرم الله) أي من فعل بأقاربي ما لا يجوز من إيذاء وترك تعظيم وتخصيص ذكر الحرم والعترة لشرفهما وأن أحدهما منسوب إلى الله والآخر إلى رسوله وعليه فمن ابتدائية متعلقة بالفعل ويجوز كونها بيانية وأن يراد بالمستحل من يستحل من أقاربه شيئا محرما (والتارك لسنتي) استخفافا بها وقلة مبالاة [ص:92] أو بترك العمل بها والجري على منهاجها (والمستأثر بالفيء) أي المختص به من إمام أو أمير فلم يصرفه لمستحقه والفيء ما أخذ من الكفار بلا قتال ولا إيجاف خيل (والمتجبر بسلطانه) أي بقوته وقهره (ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله) لأن ذلك غاية الجور والتجبر وهو مضاد للعدل المأمور به في قوله تعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}
(طب) من طريقين وتبعه الديلمي وقال: صحيح (عن عمرو بن شغوي) بشين معجمة وبغين معجمة بضبط المصنف اليافعي قال الذهبي: يقال له صحبة شهد فتح مصر ومن ثم رمز المصنف لحسنه(4/91)
4649 - (سبعون ألفا من أمتي) يعني سبعون ألف زمرة بقرينة تعقبه في خبر مسلم بقوله زمرة واحدة منهم على صورة القمر (يدخلون الجنة بغير حساب) ولا عذاب بدليل رواية ولا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا (هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ولا يسترقون) ليس في البخاري ولا يسترقون قال ابن تيمية: وهو الصواب وإنما هي لفظة وقعت مقحمة في هذا الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي استحق به هؤلاء دخولها بغير حساب تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقبهم (ولا يتطيرون) لأن الطيرة نوع من الشرك (وعلى ربهم يتوكلون) قدم الظرف ليفيد الاختصاص أي عليه لا على غيره وهذه درجة الخواص المعرضين عن الأسباب بالكلية الواقفين مع المسبب ولا ينظرون سواه فكمل تفويضهم وتوكلهم من كل وجه ولم يكن لهم اختيار لأنفسهم ليفعلوا شيئا منها قال المظهر: يحتمل أن يراد بقوله سبعون العدد وأن يراد الكثرة ورجح باختلاف الأخبار في المقدار فروى مئة ألف وروى مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا وغير ذلك
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال العلائي: حديث غريب من حديث أنس صحيح من حديث غيره وقال تلميذه الهيثمي: رواه البزار وفيه مبارك أبو سحيم وهو متروك وقال غيره: المبارك واه جدا(4/92)
4650 - (سبق درهم مئة ألف درهم) قالوا: يا رسول الله كيف يسبق درهم مئة ألف قال: (رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مئة ألف فتصدق بها) قال اليافعي: فإذا أخرج رجل من ماله مئة ألف وتصدق بها وأخرج آخر درهما واحدا من درهمين لا يملك غيرهما طيبة بها نفسه صار صاحب الدرهم الواحد أفضل من صاحب مئة ألف درهم اه وقال في المطامح: فيه دليل على أن الصدقة من القليل أنفع وأفضل منها من الكثير {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} والدرجات تتباين بحسب تباين المقاصد والأحوال والأعمال
(ن عن أبي ذر ن حب ك) في الزكاة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم(4/92)
4651 - (سبق المفردون) أي المنفردون المعتزلون عن الناس من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله أي سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى روي بتشديد الراء وتخفيفها قال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد قالوا: وما المفردون يا رسول الله قال: هم (المستهترون) وفي رواية المشمرون (في ذكر الله) وعلى الأولى فالمراد الذين أولعوا به يقال اهتر فلان بكذا واستهتر أي مولع به لا يتحدث [ص:93] بغيره ولا يفعل سواه ذكره جمع وقال الحكيم الترمذي: المستهتر هو الذي نطق عن ربه لشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبر وتؤدة وهذا المهتر إنما نطقه كالماء يجري على لسانه حتى يشبه الهذيان في بعض الأحيان عند العامة وهو في الباطن مع الله من أصفياء الناطقين وأطهرهم وأصدقهم إلى هنا كلامه. قال البيضاوي: ولما قالوا وما المفردون ولم يقولوا من هم لأنهم أرادوا تفسير اللفظ وبيان ما هو المراد منه لا تعيين المتصفين به وتعريف أشخاصهم فعدل في الجواب عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه توقيفا للسائل بالبيان المعنوي على المعنى اللغوي إيجازا فاكتفى فيه بالإشارة المعنوية إلى ما استبهم عليه من الكناية اللفظية (يضع الذكر عنهم أثقالهم) أي يذهب الذكر أوزارهم أي ذنوبهم التي أثقلتهم (فيأتون يوم القيامة خفافا) فيسبقون بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى لأنهم جعلوا أنفسهم أفرادا ممتازة بذكر الله عمن لم يذكر الله أو جعلوا ربهم فردا بالذكر وترك ذكر ما سواه وهو حقيقة التفريد هنا وقال الحكيم: المفرد هنا من أفرد قلبه للواحد في وحدانيته ولازم الباب حتى رفع له الحجاب وأوصله إلى قربه فكأنه بين يدي ربه فبه يفخر ويصول وبه يفرح ويمرح ويجول فسكنت منه الأهوال من النظر إلى الجلال والجمال فقدمه إلى الوسيلة العظمى والجزاء الأوفى فغرق قلبه في وحدانيته فصار منفردا مشغولا به عن جميع صفاته فهو أحد أعلامه في أرضه وواحده بين عبيده
(ت ك) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مسلم بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا: وما المفردون قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات (طب عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف(4/92)
4652 - (سبق المهاجرون) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (الناس) أي المسلمين غير المهاجرين (بأربعين خريفا إلى الجنة يتنعمون فيها والناس محبوسون للحساب ثم تكون الزمرة الثانية مئة خريف) الله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
(طب عن مسلمة بن مخلد) بفتح الميم واللام الأنصاري الزرقي صحابي سكن مصر ووليها مرة قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن مالك السبائي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/93)
4653 - (ست خصال من الخير: جهاد أعداء الله بالسيف) أي قتال الكفار بالسلاح وخص السيف لأنه أعمها استعمالا (والصوم في يوم الصيف) يعني في الحر الشديد (وحسن الصبر عند المصيبة) حال الصدمة الأولى (وترك المراء) أي الخصام والجدال (وأنت محق) أي والحال أنك على الحق دون خصمك (وتبكير الصلاة في يوم الغيم) أي المبادرة بإيقاعها عقب الاجتهاد في دخول وقتها (وحسن الوضوء في أيام الشتاء) أي إسباغه في شدة البرد بالماء البارد وقال في الفردوس: التبكير هنا التقديم في أول الوقت وإن لم يكن أول النهار
(هب) من حديث يحيى بن أبي طالب عن الحرث الواسطي عن يحيى بن كثير عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام (عن أبي مالك الأشعري) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل عقبه بإعلاله فقال: يحيى بن كثير السقاء [ص:94] ضعيف اه وأقول: يحيى بن أبي طالب أورده الذهبي في الذيل وقال: وثقه الدارقطني وقال: موسى بن هارون أشهد أنه يكذب يريد في كلامه لا حديثه والحرث الواسطي قال ابن عدي: في حديثه اضطراب ويحيى قال الذهبي: اتفقوا على تركه ومن ثمة قطع الحافظ العراقي بضعف سند الحديث(4/93)
4654 - (ست خصال من السحت) أي الحرام لأنه يسحت البركة أي يذهبها (رشوة الإمام) أي قبول الإمام الأعظم للرشوة ليحق باطلا أو يبطل حقا (وهي أخبث من ذلك كله) لأن بها فساد النظام والجور في الأحكام (وثمن الكلب) ولو معلما يعني أن بيعه وأخذ ثمنه حرام لنجاسته أو للنهي عن اتخاذه والأمر بقتله (ومهر البغي) أي ما تأخذه الزانية للزنا بها سماه مهرا مجازا (وعسب الفحل) أي أجرة ضرابه (وكسب الحجام) لأنه خبيث ودنيء فيكره الأكل منه تنزيها لا تحريما وإلا لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجرته ولا فرق بين عبد وحر على الأصح (وحلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة مصدر حلوته إذا أعطيته أصله من الحلاوة وشبه بالحلو من حيث إنه يأخذه سهلا بلا مشقة وهو ما يأخذه على التكهن فالكاهن من يزعم مطالعة الغيب ويخبر عن الكوائن
(ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار والديلمي ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لابن مردويه مقتصرا عليه(4/94)
4655 - (ست) من الخصال (من جاء بواحدة منهن جاء وله عهد) عند الله تعالى بأن يدخله الجنة (يوم القيامة تقول كل واحدة منهن قد كان يعمل بي الصلاة والزكاة والحج والصيام وأداء الأمانة وصلة الرحم) أي القرابة بالإحسان إليهم والعطف عليهم وتحمل أذاهم وتطلب رضاهم والمراد أن خصلة الصلاة تقول يا رب قد كان يواظب علي وهكذا البواقي ولا مانع من أن تجسد هذه الخصال ويقدرها الله على النطق فتنطق كما تنطق جوارح الإنسان بالشهادة عليه والله على كل شيء قدير
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه يونس بن أبي خيثمة لم أر أحدا ذكره(4/94)
4656 - (ست من الخصال من كن فيه كان مؤمنا حقا إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله في شدة البرد كما يوضحه زيادته في رواية على المكاره (والمبادرة إلى الصلاة) أي المسارعة إلى أدائها (في يوم دجن) كفلس: المطر الكثير (وكثرة الصوم في شدة الحر) أي بقطر الحر (وقتل الأعداء) أي الكفار (بالسيف) خصه لأن أكثر وقوع القتل به والمراد قتلهم بأي شيء كان (والصبر على المصيبة) بأن لا يظهر الجزع ولا يفعل ما يغضب الرب بل يسلم ويرضى (وترك المراء وإن كنت محقا) وخصمك مبطلا
(فر) وكذا ابن نصر (عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال الذهبي في الضعفاء: متروك واه(4/94)
4657 - (ست من أشراط الساعة) أي علاماتها المؤذنة بقيامها (موتي وفتح بيت المقدس وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها) لاستقلاله إياها واحتقارها وهذا كناية عن كثرة المال واتساع الحال (وفتنة يدخل حرها) أي مشقتها [ص:95] وجهدها من كثرة القتل والنهب (بيت كل مسلم) قيل: وهي واقعة التتار إذ لم يقع في الإسلام بل ولا في غيره مثلها وقيل: غيرها وهي لم تقع بعد (وموت يأخذ في الناس كقعاص) بضم القاف بعدها عين مهملة فألف فصاد مهملة (الغنم) هو داء يقعص منه الغنم فلا تلبث أن تموت ذكر ذلك الزمخشري وقال غيره: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوافها شيء فتموت فجأة ويقال إن هذه الآفة ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر فمات منها سبعون ألفا في ثلاثة أيام وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس (وأن يغدر الروم فيسيرون بثمانين بندا تحت كل بند اثني عشر ألفا) وفي رواية بدل بند غابة أي بالباء الموحدة تحت كل غابة اثني عشر ألفا وفي رواية غاية بمثناة تحتية والغاية الأجمة شبه بها كثرة السلاح والغاية الراية ذكره كله الزمخشري
(حم طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه النهاس بن فهم وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المصنف أنه لا ذكر لهذا في الصحيحين ولا أحدهما وقد عزاه في الفردوس للبخاري ثم رأيته في البخاري في كتاب الجزية بما يقرب من هذا ولفظه اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفا انتهى بنصه(4/94)
4658 - (ستة أشياء تحبط الأعمال: الاشتغال بعيوب الناس) عن عيوب النفس فيبصر عيب غيره ويتحدث به ولا يبصر عيب نفسه كما في قوله في الحديث الآتي يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه (وقسوة القلب) أي صلابته وشدته وإباؤه عن قبول المواعظ والزواجر (وحب الدنيا) فإنه رأس كل خطيئة (وقلة الحياء) من الحق والخلق (وطول الأمل وظالم لا ينتهي) عن ظلمه فعدم انتهائه عنه يكون سببا لإحباط عمله
(فر عن عدي بن حاتم) الطائي أبي طريف صحابي مشهور وفيه محمد بن يوسف الكديمي الحافظ قال الذهبي في الضعفاء: وقال ابن معين: اتهم بوضع الحديث وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات قال الذهبي: قلت انكشف عندي حاله(4/95)
4659 - (ستة مجالس المؤمن ضامن على الله ما كان في شيء منها) لفظ رواية البزار فيما وقفت عليه من الأصول ست مجالس ما كان المرء في مجلس منها إلا كان ضامنا على الله (في سبيل الله أو مسجد جماعة أو عند مريض أو في جنازة أو في بيته أو عند إمام مقسط يعزره ويوقره) قال الحافظ الزين العراقي: فيه فضيلة المبادرة إلى الخصال المذكورة وأنه إذا مات الإنسان على خصلة منها كان في ضمان الله بمعنى أنه ينجيه من أهوال القيامة ويدخله دار السلام
(البزار) أبو بكر من رواية عبد الله بن يزيد (عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص قال الزين العراقي: ورجاله ثقات ورواه عنه الطبراني أيضا(4/95)
4660 - (ستة لعنتهم لعنهم الله) قال القاضي: لم يعطفه على جملة قبله إما لأنه دعاء وما قبله خبر وإما لكونه عبارة عما قبله [ص:96] في المعنى بأن لعنة الله هي لعنة رسوله وبالعكس (وكل نبي مجاب) روي بالميم وبالياء على بناء المفعول وهي جملة ابتدائية عطف على ستة لعنتهم أو حال من فاعل لعنتهم ولا يصح عطف كل على فاعل لعنتهم ومجاب صفة لئلا يلزم كون بعض الأنبياء غير مجاب ذكره القاضي (الزائد في كتاب الله) أي القرآن (والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت) أي المستولي أو الغالب أو الحاكم بالتكبر والعظمة والجبروت فعلوت وهو في حق الإنسان من يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها (فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله) بفتح الحاء والراء أي حرم مكة قال البيضاوي: وضم الحاء على أنها جمع حرمة تصحيف يعني من فعل في حرم الله ما يحرم فعله كاصطياد ونحوه اه واستغربه الصدر المناوي وقال: إن الضم أولى لكونه أعم قال: إلا أن يكون الرواية كما قال ولم يثبت (والمستحل من عترتي) أي قرابتي (ما حرم الله) يعني من فعل بأقاربي ما لا يجوز فعله من إيذائهم أو ترك تعظيمهم فإن اعتقد حله فكافر وإلا فمذنب وخصهما باللعن لتأكد حق الحرم والعترة وعظم قدرهما بإضافتهما إلى الله وإلى رسوله (والتارك لسنتي) بأن أعرض عنها بالكلية أو ترك بعضها استخفافا أو قلة احتفال بها وأراد باللعنة هنا أحد قسميها وهو الإبعاد عن الخير والرحمة والإنسان ما دام في معصية بعيد عنهما ولو مسلما قال التوربشتي: وما ذكر في القدرية من هذا ونحوه يحمل على المكذب به إذا أتاه من البيان ما ينقطع العذر دونه أو على من تفضي به العصبية إلى تكذيب ما ورد من النصوص أو إلى تكفير من خالفه وأمثال هذه الأحاديث واردة على التغليظ والتشديد زجرا وردعا
(ت ك) في الإيمان (عن عائشة ك عن علي) أمير المؤمنين وقال: على شرط البخاري وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن إسحاق الغروي أحد رواته وإن كان شيخ البخاري لكنه يأتي بطامات وقال النسائي: غير ثقة وأبو داود: واه والدارقطني: متروك وفيه أيضا عبد الله بن موهب لم يحتج به أحد والحديث منكر بمرة إلى هنا كلامه لكنه في الكبائر خرجه من حديث عائشة ثم قال: إسناده صحيح(4/95)
4661 - (ستخرج نار من حضرموت يوم القيامة تحشر الناس) تمامه قالوا: يا رسول فما تأمرنا قال: عليكم بالشام
(حم ت عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: غريب حسن صحيح ورمز المصنف لصحته(4/96)
4662 - (ستر) بكسر السين وتفتح: حجاب (ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهما الخلاء) وفي رواية للترمذي الكنيف (أن يقول بسم الله) فإن اسمه تعالى كالطابع على ابن آدم فلا تستطيع الجن فك ذلك الطابع قالوا: ويتأكد للنساء عند دخول الخلاء وفي كل خلاء فإن الجن يشركون الإنس فيهن فيتعين طردهم بالمحافظة على التسمية قال الطيبي: قوله ستر مبتدأ وأن يقول خبره وما موصول مضاف إليها وصلته الظرف قال بعض شراح أبي داود: هذا يدل على أن التسمية أول الذكر المسنون عند الدخول وهو: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وقد جاء زيادة التسمية أيضا في خبر رواه سعيد بن منصور في سننه ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وما ذكره عزاه النووي في الأذكار إلى الأصحاب فقال: قال أصحابنا: يستحب أن يقول أولا بسم الله ثم يقول اللهم إني أعوذ بك إلخ
(حم ت هـ عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو [ص:97] كما قال أو أعلى فإن مغلطاي مال إلى صحته فإنه لما نقل عن الترمذي أنه غير قوي قال: ولا أدري ما يوجب ذلك لأن جميع من في سنده غير مطعون عليهم بوجه من الوجوه بل لو قال قائل إسناده صحيح لكان مصيبا إلى هنا كلامه(4/96)
4663 - (ستر) بالكسر الحجاب وبالفتح مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته (ما بين أعين الجن وبين عورات بني آدم) يعني الشيء الذي يحصل به عدم قدرتهم على النظر إليها (إذا وضع أحدهم ثوبه) أي نزعه (أن يقول بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم قال الحكيم: وإنما يمتنع المؤمن من هذا العدو بإسبال هذا الستر فينبغي عدم الغفلة عنه فإن للجن اختلاطا بالآدميين ومنهم من يتزوج منهم فالإنس يشركون الجن في نسائهم والجن يشركون الإنس في نسائهم فإذا أحب الآدمي أن يطرد الجن عن مشاركته فليقل بسم الله فإن اسم الله طابع على جميع ما رزق ابن آدم فلا يستطيع الجن فك الطابع
(طس عن أنس) قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما فيه سعيد بن سلمة الأموي ضعفه البخاري وغيره. وثقه ابن حبان وبقية رجاله موثوقون اه(4/97)
4664 - (سترة الإمام سترة من) وفي رواية لمن (خلفه) (1) فعلى الرواية الأولى لو مر بين يدي الإمام أحد تضر صلاته وصلاتهم وعلى الثانية تضر صلاته ولا تضر صلاتهم وأخذ منه المالكية اختصاص النهي عن المرور بين يدي المصلي بما إذا كان المصلي إماما أو منفردا لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه لأن سترة الإمام سترة له اه ونوزع بأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار
(طس) وكذا الديلمي (عن أنس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه سويد بن عبد العزيز ضعيف وقال بعد أوراق: هذا حديث ضعيف وقال ابن حجر: قال الطبراني تفرد به سويد عن عاصم وسويد ضعف عندهم
_________
(1) أي من المقتدين لأنه تابع فيكفيه سترة إمامه والمعتمد أن ذلك لا يكفي فيندب للمأموم اتخاذ سترة أيضا(4/97)
4665 - (ستشرب أمتي من بعدي الخمر) هذه السين إما للتأكيد فإن ما هو متحقق قريب كما في قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} أو بمعناها الحقيقي إشارة إلى أن شربها متراخ عن حياته والأول أولى (يسمونها بغير اسمها) أي ولا ينفعهم ذلك ولا يغني عنهم شيئا (يكون عونهم على شربها أمرؤهم) يعني أنهم يشربون النبيذ المسكر المطبوخ ويسمونه طلاء تحرجا من أن يسمونها خمرا وقيل: معناه يتسترون بما أبيح من الأنبذة على رأي بعض العلماء فيتوصلون بذلك إلى استحلال ما حرم الله عليهم منها إجماعا ونظيره تسمية الربا معاملة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن كيسان) هذا الاسم في الصحابة لجماعة فكان ينبغي تمييزه (1)
_________
(1) لعله كيسان بن عبد الله بن طارق الذي ذكر في الإصابة أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فقال: يا رسول الله إني قد جئت بشراب جيد فقال: يا كيسان إنها قد حرمت بعدك قال: أذهب فأبيعها؟ قال: إنها حرمت وحرم ثمنها اه(4/97)
4666 - (ستفتح عليكم أرضون) بفتح الراء جمع أرض وتسكينها شاذ (ويكفيكم الله) أي في أمر العدو بأن يدفع عنكم [ص:98] شرهم وتغلبوا عليهم وتغنموا قال الأبي: اكتفى بالسبب وكأنه قال إن الله سيفتح عليكم الروم قريبا وهم رماة وسيكفيكم الله شرهم بواسطة الرمي (فلا يعجز) بكسر الجيم أمر (أحدكم أن يلهو بأسهمه) أي يلعب بنباله ولا عليكم أن تهتموا بالرمي إذا حاربتم الروم وتكونوا متمكنين منهم وإنما أخرج مخرج اللهو إمالة للنفوس على تعلمه فإنها مجبولة على ميلها للهو
(حم م) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) الجهني ولم يخرجه البخاري(4/97)
4667 - (ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم) أي تزينوها والتنجيد التزيين (كما تنجد الكعبة فأنتم اليوم خير من يومئذ) هذا إشارة إلى فضل مقام الورع وهو المرتبة الثالثة من مراتبه الأربعة المارة وهو ورع المتقين الذي هو ترك ما لا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله لكن يخاف أداؤه لمحرم أو مكروه
(طب عن أبي جحيفة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الجبار بن العباس الشامي وهو ثقة(4/98)
4668 - (ستفتح مشارق الأرض ومغاربها على أمتي ألا) تنبيه للزيادة في التحذير (وعمالها) أي الأمراء (في النار) نار جهنم (إلا من اتقى الله) في عمالته أي خافه وراقبه (وأدى الأمانة) فيما جعله الله أمينا عليه وقليل ما هم (حل عن الحسن) البصري (مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره موصولا لأحد وهو ذهول فقد وصله أحمد بلفظ ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ألا وعمالها في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة اه وهو ضعيف(4/98)
4669 - (ستفتحون منابت الشيح) أشار به إلى أنه سيفتح الله لهم من البلاد الشاسعة والأقطار النائية ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم وإن بعدت مما يظهر به الدين وينشرح له صدور المؤمنين
(طب) وكذا الديلمي (عن معاوية) ابن أبي سفيان قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن(4/98)
4670 - (ستكون فتن) بكسر ففتح وفي رواية فتنة بالإفراد والمراد الاختلاف الواقع بين أهل الإسلام بسبب افترائهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلوما بخلاف زمان علي ومعاوية كذا في شرح البخاري للقسطلاني (القاعد فيها) أي القاعد في زمنها عنها (خير من القائم (1)) لأن القائم يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه القاعد فهو أقرب إلى الفتنة منه (والقائم فيها) يعني القائم بمكانه في تلك الحالة (خير من الماشي) في أسبابها (والماشي فيها خير من الساعي) إليها أي الذي يسعى ويعمل فيها (2) قال النووي: القصد بيان عظم خطرها والحث على تجنبها والهرب منه والتسبب في شيء منها وأن شرها يكون على حسب التعلق بها (من تشرف لها) بفتح المثناة والمعجمة والتشديد تطلع إليها أي الفتنة (تستشرفه) أي تجره لنفسها وتدعوه إلى الوقوع فيها والتشرف التطلع واستعير هنا للإصابة بشرورها (ومن وجد فيها ملجأ) أي عاصما أو موضعا يلتجئ إليه ويعتزل إليه (أو معاذا) بفتح الميم والذال المعجمة شك من الراوي أي محلا يعتصم به [ص:99] منها (فليعذ به) وفي رواية لمسلم فليستعذ أي ليذهب إليه ليعتزل فيه ومن لم يجد فليتخذ سيفا من خشب والمراد أن بعضهم أشد في ذلك من بعض فأعلاهم الساعي لإثارتها فالقائم بأسبابها وهو الماشي فالمباشر لها وهو القائم فمن يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد فمن لم يفعل شيئا لكنه راض وهو القائم وهذا تحذير من الفتنة وحث على تجنبها وأن شرها يكون بحسب التعلق بها والمراد بها الاختلاف في طلب الملك حيث لم يعلم المحق من المبطل
(حم ق) في الفتن (عن أبي هريرة) ورواه مسلم بنحوه عن أبي بكرة أيضا
_________
(1) قال بعضهم: المراد بالقائم الذي لا يستشير فيها وقيل: هو من باشرها غير قائم بأسبابها
(2) بحيث يكون سببا لإثارتها(4/98)
4671 - (ستكون أمراء) جمع أمير (فتعرفون وتنكرون) صفتان لأمراء والعائد فيهما محذوف أي تعرفون بعض أحوالهم وأقوالهم لموافقتها للشرع وتنكرون بعضها لمخالفتها له فمعنى تعرفون ترضون لمقابلتها تنكرون (فمن كره) ذلك المنكر بلسانه بأن أمكنه تغييره بالقول فقد (برئ) من النفاق والمداهنة (ومن أنكر) بقلبه فقط ومنعه الضعف عن إظهار النكير فقد (سلم) من العقوبة على تركه النكير ظاهرا (ولكن من رضي) أي من رضي بالمنكر (وتابع) عليه في العمل فهو الذي لم يبرأ من المداهنة والنفاق ولم يسلم من العقوبة فهو الذي شاركهم في العصيان واندرج معهم تحت اسم الطغيان فحذف الخبر لدلالة الحال وسياق الكلام على أن حكم هذا القسم ضد ما اشتبه ذكره ومنه أخذ بعضهم قوله الواو بمعنى أو وحذف جزاء من لدلالة الحال وسياق الكلام وقال النووي: معناه من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيده ولا لسانه فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية ومن رضى بفعلهم وتبعهم عليه فهو العاصي وفيه حرمة الخروج على الخلفاء بمجرد ظلم أو فسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الدين وتمام الحديث قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا اه. قال القاضي: إنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عماد الدين وعنوان الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان حذرا من تهيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما هو أشد نكارة من احتمال نكرهم والمصابرة على ما ينكرون منهم (م) في المغازي (د) في الستة (عن أم سلمة) زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم وخرجه الترمذي أيضا في الفتن ولم يخرجه البخاري(4/99)
4672 - (ستكون بعدي هنات وهنات) شدائد وعظائم وأشياء قبيحة منكرة وخصلات سوء جمع هنة وهي كناية عما لا يراد التصريح به لشناعته (فمن رأيتموه فارق الجماعة) الصحابة ومن بعدهم من السلف (أو يريد أن يفرق أمة محمد كائنا من كان) أي سواء كان من أقاربي أو غيرهم قال الطيبي: وهذا فيه معنى الشرط (فاقتلوه) في رواية فاضربوه بالسيف (فإن يد الله مع الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض) فإن الله تعالى جمع المؤمنين على معرفة واحدة وشريعة واحدة ألا تراه يقول: {إنما المؤمنون أخوة} فمن فارقهم خالف أمر الرحمن فلزم الشيطان قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق وإتباعه وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف كثيرا أي الحق هو ما كان عليه الصحابة الأول من الصحب ولا نظر لكثرة أهل الباطل بعدهم قال البيهقي: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانوا عليه من قبل وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ
(ن حب) وكذا أحمد والبيهقي والحاكم والديلمي (عن عرفجة) بن شرحيل أو شراحيل أو شريك الأشجعي وقيل الكندي وقيل غير ذلك(4/99)
[ص:100] 4673 - (سيكون أمراء) لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث الممدودة (بشغلهم) بفتح المثناة والغين (أشياء) بالرفع فاعل (يؤخرون الصلاة عن وقتها) المختار أو عن جميعه ويؤيده الحديث الثاني وهذا من أعلام النبوة وقد وقع ذلك من بني أمية (فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعا) تفعل من الطاعة والمتطوع المتبرع قال القاضي: أمرهم بذلك حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وقال ابن حجر: يشبه أنه أشار إلى ما وقع في آخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها فكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية وقوع الفتنة وفيه علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه وقد وقع أشد من ذلك في زمن الحجاج وغيره
(هـ عن عبادة بن الصامت)(4/100)
4674 - (سيكون بعدي أئمة) أي فسقة كما في رواية الديلمي (يؤخرون الصلاة عن مواقيتها) فإذا فعلوا ذلك (صلوها لوقتها فإذا حضرتم معهم الصلاة فصلوا) قال ابن تيمية: هذا كالصريح في أنهم كانوا يفوتونها وهو الصحيح وفيه كما قبله صحة الصلاة خلف الفاسق لأمره بالصلاة خلف أولئك الأئمة وقال جمع منهم المهلب: أراد تأخيرها عن وقتها المستحب لا إخراجها عن وقتها قال ابن حجر: وهو مخالف للواقع فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد كانوا يؤخرونها عن وقتها
(طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه سالم بن عبد الله الخياط ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما ووثقه أحمد(4/100)
4675 - (سيكون عليكم أمراء من بعدي) أي من بعد وفاتي (يأمرونكم بما لا تعرفون) من كتاب الله وسنة رسوله (ويعملون بما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة) أي فلا يجب عليكم طاعتهم في معصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ومن ثم قال الفرزدق:
ولا نلين لسلطان يكابدنا. . . حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
(طب عن عبادة بن الصامت) رمز لحسنه وقال الهيثمي: فيه الأعمش بن عبد الرحمن لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/100)
4676 - (ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم يتقاحمون في النار) أي يقعون فيها كما يقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه رمى نفسه بلا روية وتثبت (كما تقاحم القردة) قال بعضهم: إذا اتصف القلب بالمكر والخديعة والفسق وانصبغ بذلك صبغة تامة صار صاحبه على خلق الحيوان الموصوف بذلك من القردة والخنازير وغيرهما ثم لا يزال يتزايد ذلك الوصف فيه حتى يبدو على صفحات وجهه بدوا خفيا ثم يقوى ويتزايد حتى يصير ظاهرا جليا عند من له فراسة فيرى على صور الناس مسخا من صور الحيوانات التي تخلقوا بأخلاقها باطنا فقل أن ترى محتالا مكارا مخادعا إلا على وجهه مسخة قرد وأن ترى شرها نهما إلا على وجهه مسخة كلب فالظاهر [ص:101] مرتبط بالباطن أتم ارتباط. (1)
(ع طب) وكذا الديلمي (عن معاوية) بن أبي سفيان الخليفة
_________
(1) [ولا تصح مثل تلك الفراسة إلا للمؤمن الكامل أما المقصر فقد يلقي الشيطان إلى مخيلته فيظن أنه يرى تلك " الصور " على وجوه الناس. نسأل الله أن يحفظنا من العجب ومن سوء الظن بالمسلمين آمين. دار الحديث](4/100)
4677 - (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم) لأنه على بصيرة من أمره وبينة من ربه فيتجنب مواقع الفتن بما يعلم مما يستنبطه من الأحكام قاله الديلمي ويروى إلا من اجتباه الله بالعلم بدل أحياه
(هـ طب) وكذا أبو يعلى (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/101)
4678 - (ستكون فتنة) كان تامة أي ستحدث فتنة (صماء بكماء عمياء (1)) يعني بعمى الناس فيها فلا يرون منها مخرجا ويصمون عن استماع الحق أو المراد فتنة لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق فهي لفقد الحواس لا تقلع ولا ترتفع (من أشرف لها استشرفت له) أي من اطلع ينظر إليها جرته لنفسها فالخلاص في التباعد منها والهلاك في مقاربتها (وإشراف اللسان فيها) هي إطالته بالكلام (كوقوع السيف) في المحاربة وفي رواية أشد من السيف. قال ابن العربي: وجه كونه أشد أن السيف إذا ضرب ضربة واحدة مضت واللسان يضرب به في تلك الحالة الواحدة ألف لسنة ثم هذا يحتمل أنه إخبار عما وقع من الحروب بين الصدر الأول ويحتمل أنه سيكون وكيفما كان فإنه من معجزاته لأنه إخبار عن غيب
(د) في الفتن (عن أبي هريرة) رمز لصحته وليس كما زعم ففيه كما قال المناوي وغيره: عبد الرحمن بن البيلماني قال المنذري وغيره: لا يحتج به وضعفه جمع آخرون
_________
(1) بالمد في الثلاثة قال ابن رسلان: أراد أنها لا تسمع ولا تنطق ولا تبصر فهي ذهاب حواسها لا تدرك شيئا ولا تقلع ولا ترتفع وقيل: هي الحية الصماء التي لا تقبل لسعتها الرقى ولا يستطيع أحد أن يأمر فيها بمعروف أو ينهى عن منكر بل إن تكلم بحق رماه الناس وقالوا: أما صلح أن يتكلم إلا أنت؟(4/101)
4679 - (ستكون أحداث وفتن وفرقة واختلاف) أي أهل فتن وأهل فرقة وأهل اختلاف أو المراد نفس الفتن والفرقة والاختلاف (فإن استطعت أن تكون المقتول لا القاتل فافعل) يعني كف يدك عن القتال واستسلم والظاهر أن هذا في فتن تكون بين المسلمين أما الكفار فلا يجوز الاستسلام لهم
(ك) من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي عثمان (عن خالد بن عرفطة) بن إبراهيم الليثي أو البكري أو القضاعي أو العذري استعمله معاوية على بعض حروبه قال ابن حجر: وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف لكنه اعتضد ورواه أيضا أحمد والحاكم والطبراني وغيرهم قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد ضعيف وبقية رجاله ثقات(4/101)
4680 - (ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم ويعملون فيسيئون العمل لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد) خاطب المؤمنين بذلك ليوطنوا أنفسهم [ص:102] على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها لقوها وهم مستعدون فلا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة
(طب عن أبي سلالة) الأسلمي أو السلمي قال الذهبي في الصحابة: له حديث ضعيف في الخروج على الظلمة علقه البخاري في تاريخه اه. والحديث المشار إليه هو هذا وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف(4/101)
4681 - (ستكون معادن) جمع معدن وهو الجوهر المستخرج من مكان خلقه الله فيه ويسمى به مكانه أيضا (يحضرها شرار الناس) أي فاتركوها ولا تقربوها لما يلزم على حضورها والتزاحم عليها من الفتن المؤدي ذلك إلى الهرج والقتل وفي رواية بدل يحضرها إلخ وسيكون فيها شر خلق الله
(حم عن رجل من بني سليم) ورواه الخطيب عن ابن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن فقال: ما هذه فقالوا: صدقة من معدن كذا فذكره قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح(4/102)
4682 - (ستهاجرون إلى الشام ويفتح لكم) الظاهر أن أصله تفتح لكم وتهاجرون إليها ففيه تقديم وتأخير (ويكون فيكم داء كالدمل) معروف عربي جمعه دمامل (أو كالحزة) بضم الحاء وفتح الزاي المشددة والحز القطع وفي النهاية حزه قطعه (يأخذ بمراق الرجل) بشد القاف ما يسفل من البطن فما تحته من المحال التي يرق جلدها لا واحد لها (يستشهد الله به أنفسهم) أي يقتلهم بوخز الجن (ويزكي به أعمالهم) أي ينميها أو يطهرها من العوارض الخبيثة
(حم) من حديث إسماعيل بن عبد الله (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: إسماعيل لم يدرك معاذا رمز المصنف لصحته
_________
(1) [وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن عدة مغيبات وقد وقع الطاعون في دمشق منذ قرن تقريبا واستشهد فيه الكثير والمناوي لم يذكر شيئا لكونه لم يقع بعد. دار الحديث](4/102)
4683 - (سجدتا السهو في الصلاة تجزيان من كل زيادة ونقصان) كركعة خامسة وسجدة ثالثة فذكرها بعد فراغها أو ترك بعضا من أبعاضها (1) قال القاضي: القياس يقتضي أن لا يسجد إذ الأصل أنه لم يزد شيئا لكن صلاته لا تخلو عن أحد الخللين إما الزيادة وإما أداء الرابعة على تردد فيسجد جبرا للخلل والتردد لما كان من تلبيس الشيطان وتشويشه كان ترهيبا للشيطان
(ع عد هق) وكذا الطبراني والديلمي (عن عائشة) ثم قال البيهقي: تفرد به حكيم بن نافع الرقي وكان ابن معين يوثقه اه وتعقبه الذهبي بأن أبا زرعة قال: ليس بشيء
_________
(1) وسجود السهو لا يكرر وإن تكرر ما يقتضيه وسئل من ادعى أن من أمعن النظر في العربية وأراد علما غيره سهل عليه فقيل له: ما تقول فيمن سها في صلاته فسجد للسهو فسها في سجوده هل يسجد؟ قال: لا قيل: لم لا يسجد قال: لأن التصغير ليس له تصغير وسجدتا السهو تمام الصلاة وليس للتمام تمام فقالوا له: أحسنت(4/102)
4684 - (سجدتا السهو بعد التسليم وفيهما تشهد وسلام) فيه دليل لأبي حنيفة والثوري أن الساهي إنما يسجد بعد التسليم وقال الشافعي: إنما يسجد قبله وقال مالك: إن كان لنقص قدم وإلا أخر توفيقا بين الأخبار ورد بأنه كان آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم أنه يسجد قبله فالجمع متعذر فإن قوله كان آخر الأمرين ناسخ بما قبله وجاز أن يكون نسيه ثم ذكره بعد السلام والجمع فيما إذا كان الحديثان ثابتا المدلول وليس كما ذكر ولأنه أنسب للعلقة والقرب واقتفى أحمد موارد الحديث وفصل بحسبها فقال: إن شك في عدد الركعات قدم وإن ترك شيئا ثم تدارك أخر وكذا إن فعل ما لا نقل فيه قال القاضي: وأصحابنا الشافعية ذهبوا إلى أن التقديم كان في أول الإسلام فنسخ قال الزهري: كل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تقديم السجود على السلام كان آخر الأمرين ثم بسطه
(فر عن أبي هريرة وابن مسعود) وفيه [ص:103] يحيى بن العلاء قال الذهبي في الضعفاء: وقال أحمد كذاب يضع الحديث ويحيى بن أكتم القاضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: صدوق وقال الأزدي: يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد: لا يشكون أنه يسرق الحديث(4/102)
4685 - (سحاق النساء زنا بينهن) أي في الإثم والحرمة لكن يجب به التعزير لا الحد وما في اللسان من أن عليا أمر في امرأتين وجدتا في لحاف واحد يتساحقان بإحراقهما فأحرقتا بالنار فأثر منكر جدا وبفرض صحته هو مذهب صحابي وبالجملة فقد عده الذهبي وغيره من الكبائر لهذا الحديث وغيره
(هب عن وائلة) بن الأسقع ولفظ رواية الطبراني السحاق بين النساء زنا بينهن وأما هذا اللفظ فهو لأبي يعلى وكيفما كان قال الهيثمي: رجاله ثقات لكن أورده الذهبي في الكبائر ولم يعزه لمخرج بل قال: يروى ثم قال: وهذا إسناد لين(4/103)
4686 - (سخافة بالمرء) أي نقص في عقله (أن يستخدم ضيفه) قال في الفردوس: السخف رقة العقل والسخف بفتح السين رقة العيش
(فر عن ابن عباس) وفيه دبيس الملائي قال الذهبي: قال أبو حاتم: ضعيف ورواه البزار أيضا عن ابن عباس فهو بالعزو إليه كان أولى(4/103)
4687 - (سددوا) اقتصدوا في الأمور وتجنبوا الإفراط والتفريط فلا تترهبوا فتنام نفوسكم وينتحل معاشكم ولا تنهمكوا في أمر الدنيا فتعرضوا عن الطاعة رأسا (وقاربوا) تقربوا إلى الله بالمواظبة على الطاعات مع الاقتصاد فاعبدوه طرفي النهار وزلفا من الليل شبه العبادة في هذه الأوقات من حيث أنها توجه إلى مقصد وسعي للوصول إليه بالسلوك والسير وقطع المسافة في هذه الأوقات
(طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الهيثمي: فيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه(4/103)
4688 - (سددوا) أي اقصدوا السداد أي الصواب أو بالغوا في التصويب من سدد الرجل إذا صار ذا سداد وسد في رميته إذا بالغ في تصويبها وإصابتها (وقاربوا) أي لا تغلوا والمقاربة القصد في الأمور التي لا غلو فيها ولا تقصير (وأبشروا) بالثواب الجزيل (واعلموا أنه لن يدخل) بكسر الخاء (أحدكم) أيها المؤمنون (الجنة عمله) بل فضل الله ورحمته قال القاضي: أراد بيان أن النجاة من العذاب والفوز بالثواب بفضل الله ورحمته والعمل غير مؤثر فيهما على سبيل الإيجاب والاقتضاء بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه ويقرب إليه الرحمة كما قال تعالى {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وليس المراد توهين العمل ونفيه بل توقيف العباد على أن العمل إنما يتم بفضل الله وبرحمته لئلا يتكلوا على أعمالهم اغترارا بها ولا يعارضه {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} لأن الحديث في الدخول والآية في حصول المنازل فيها وقال الكرماني: الباء في بما كنتم ليست سببية بل للملابسة أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم أي لثواب أعمالكم أو للمقابلة نحو أعطيته الشاة بدرهم أو المراد جنة خاصة بتلك الخاصية الرفيعة العالية بسبب الأعمال وأما أصل الدخول فبالرحمة لا بالعمل قال: وجواب النووي بأن دخول الجنة بسبب العمل والعمل بالرحمة فيرد بأن المقدمة الأولى خلاف صريح الحديث فلا يلتفت إليها (ولا أنا) عدل عن مقتضى الظاهر وهو ولا إياي انتقالا عن [ص:104] الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية فتقديره ولا أنت ممن ينجيه عمله استبعادا عن هذه النسبة إليه (إلا أن يتغمدني الله بمغفرته ورحمته) أي ليسترني مأخوذ من غمد السيف في غمده ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف بما يحفظ فيه ذكره القاضي قال بعض العارفين: من قابله بأفعاله قابله بعدله ومن قابله بإفلاسه قابله بفضله قال الرافعي: فيه أنه لا ينبغي لعامل أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية لعظمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته
<تنبيه> أخرج الحكيم الترمذي عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خرج من عندي جبريل آنفا فقال: يا محمد إن لله عبدا عبد الله خمس مئة سنة على رأس جبل والبحر محيط به وأخرج له عينا عذبة بعرض الأصبع تفيض بماء عذب وشجرة رمان نخرج كل ليلة رمانة فيتغذى بها فإذا أمسى نزل وأصاب من الوضوء ثم قام لصلاته فسأل ربه أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى يبعث ساجدا ففعل فنحن نمر به إذا هبطنا وإذا عرجنا وأنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول: أدخلوه الجنة برحمتي فيقول: بل بعملي يا رب فيقول للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتوزن فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مئة سنة وتبقى نعمة الجسد فضلا عليه فيقول: أدخلوه النار فينادي يا رب برحمتك فيقول: ردوه فيوقف بين يديه فيقول: من خلقك ولم تك شيئا فيقول: أنت يا رب فيقول: أكان ذلك من قبلك أم برحمتي فيقول: برحمتك فيقول: أدخلوه الجنة برحمتي فهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وإنما ينجيه يوم القيامة برحمته وهل خرجت الأعمال من الأركان إلا بتوفيقه وهل كان له التوفيق إلا برحمته <فائدة> قال الغزالي: اجتمع ابن واسع وابن دينار فقال ابن دينار: إما طاعة الله أو النار فقال ابن واسع: إما رحمة الله أو النار فقال ابن دينار: ما أحوجني إلى معلم مثلك وقال البسطامي: كابدت العبادة ثلاثين سنة فسمعت قائلا يقول: يا أبا يزيد خزائنه مملوءة من العبادة إن أردت الوصول إليه فعليك بالذلة والافتقار (تتمة) قال ابن عطاء الله: من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل ولا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}
(حم ق عن عائشة)(4/103)
4689 - (سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن) هيبته وجماله لأن السرعة تتعب فتغير اللون والهيئة
(حل عن أبي هريرة) وفيه محمد بن عبد الله الأصمعي قال الخطيب: لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث قال في الميزان: وهو حديث منكر جدا رواه محمد بن يعقوب عنه عن أبيه عن أبي معشر عن المقبري عن أبي هريرة قال: وهذا غير صحيح انتهى وأعله ابن حبان بأبي معشر وقال: اختلط أخرا وكثرت المناكير في روايته فبطل الاحتجاج به (خط في الجامع) وكذا ابن عدي في الكامل (فر) من حديث الوليد بن سلمة عن عمر عن محمد بن صهبان هذا وقال: غالب أحاديثه مناكير وبالوليد بن سلمة وقال: عامة حديثه غير محفوظ (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن النجار عن ابن عباس)(4/104)
4690 - (سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن) (1) أي حسن هيئته قال السخاوي: هذا وما قبله ما لم يخش من بطء السير تفويت أمر ديني
(أبو القاسم بن بشر في أماليه عن أنس) ورواه أبو نعيم والديلمي من حديث ابن عمر
_________
(1) وفي نسخة ببهاء وجهه(4/104)
[ص:105] 4691 - (سطع نور في الجنة فقيل ما هذا) أي قال بعض أهل الجنة لبعض أو الملائكة كذلك (فإذا هو) أي ففحصوا عنه فإذا هو (من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها) هذا السطوع وهذا الضحك يحتمل أن يكون باعتبار الأول وعبر عنه بالماضي لتحقق الوقوع فإن أزواجهن لا يجتمعون بهن إلا بعد فصل القضاء ودخول أهل الجنة الجنة ويحتمل إرادة الاجتماع الروحاني الآتي ويمكن أن المراد به التمثيل للإشعار بتضاعف أنوار تلك الدار فأدنى المتوهم من المشاهد محاولة لكشف المعنى ورفع الحجاب عما أعلمه للمؤمنين في دار الثواب وأن ما أعد الله لأهل الإيمان في الجنان فوق ما يبصر العيان (نكتة) قال الغزالي: إن أصحاب الثوري كلموه فيما كانوا يرون من خوفه ورثاثة حاله فقالوا: يا أستاذ لو نقصت من هذا الجهد نلت مرادك فقال: كيف لا أجهد وقد بلغني أن أهل الجنة يتجلى لهم نور تضيء له الجنان الثمانية فيظنونه نور وجه الرب سبحانه وتعالى فيخرون ساجدين فينادون ارفعوا ليس الذي تظنون إنما هو نور جارية ابتسمت في وجه زوجها ثم أنشأ يقول:
ما ضر من كانت الفردوس مسكنه. . . ماذا تحمل من بأس وإقتار
تراه يمشي كئيبا خائفا وجلا. . . إلى المساجد يسعى بين أطمار
(الحاكم في) كتاب (الكنى خط) في ترجمة عيسى بن يوسف الطباع (عن ابن مسعود) وفيه حلس بن محمد قال الذهبي في الضعفاء: مجهول قال في الميزان: إن الحديث باطل(4/105)
4692 - (سعادة لابن آدم ثلاث) من الأشياء أي حصولها له (وشقاوة) وفي رواية وشقوة (لابن آدم ثلاث) كذلك (فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة) أي المسلمة الدينة العفيفة التي تعفه (والمركب الصالح) أي السريع غير النفور ولا الشرود ولا الحرون ونحو ذلك (والمسكن الواسع) بالنسبة للإنسان وذلك يختلف باختلاف الناس (وشقوة لابن آدم ثلاث المسكن السوء) في رواية بدله الضيق (والمرأة السوء والمركب السوء) وهذه من سعادة الدنيا لا سعادة الدين والسعادة مطلقة ومقيدة فالمطلقة السعادة في الدارين والمقيدة ما قيدت به فإنه ذكر أشياء متعددة فكان من رزق الصلاح في الثلاث المذكورة طاب عيشه وتهنى ببقائه وتم رفقه بها لأن هذه الأمور من مرافق الأبدان ومتاع الدنيا وقد يكون سعيدا في الدنيا ولا يرزق هذه الأشياء والمراد بالشقاوة هنا التعب على وزان {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} ومن ابتلي بمسكن سوء وامرأة سوء تعب لا محالة وقد يكون السعداء مبتلين بداء التعب والأولياء مرادون بالبلاء وقد كانت امرأتا نوح ولوط في غاية الشقاء وهما في غاية السعادة وامرأة فرعون أسعد أهل زمنها وفرعون أشقى الخلق فبان أنه أراد السعادة المقيدة التي هي سعادة الدنيا لا السعادة المطلقة العامة
(الطيالسي) أبو داود (عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأشهر من الطيالسي وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه وليس كذلك بل رواه الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور عن سعد المذكور وقال: صحيح وأقره الذهبي وعليه اعتمد المصنف في الرمز لصحته(4/105)
4693 - (سفر المرأة مع عبدها ضيعة) قال في الكشاف: لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصيا أو فحلا اه. وعند الشافعية [ص:106] أن المسموح الثقة ليس كالأجنبي بل له نظرها والخلوة بها وعلم منه أن المرأة لو لم تجد من يخرج معها للحج من زوج أو محرم أو نسوة ثقات لا يلزمها الخروج مع عبدها نعم إن كان ثقة وهي ثقة أيضا وجب
(البزار) في مسنده (طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي أخذا من الميزان: وفيه بزيع بن عبد الرحمن ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وفي اللسان بزيع هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال الأزدي: منكر الحديث(4/105)
4694 - (سل ربك العافية) أي السلامة من المكاره الإعفاء خرجت مخرج الطاغية (والمعافاة من) مصدر من قولك عافاك الله معافاة (في الدنيا والآخرة فإذا أعطيت الباقية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت قالوا: هذا السؤال متضمن للعفو عن الماضي والآتي فالعافية في الحال والمعافاة في الاستقبال فهو طلب دوام العافية واستمرارها قال ابن القيم: ما سئل الله شيئا أحب إليه من العافية كما في مسند أحمد عن أبي هريرة وقال بعض العارفين: أكثروا من سؤال العافية فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه ورأى بعضهم في يد ابن واسع قرحة فتوجع فقال له: هذه من نعم الله حيث لم يجعلها في حدقتي
(ن هـ عن أنس) بن مالك(4/106)
4695 - (سل الله العفو) أي الفضل والنماء من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه ومنه {حتى عفوا} أي كثروا كذا ذكره الإمام ابن جرير لكن المتبادر أن المراد هنا ترك المؤاخذة بالذنب (والعافية في الدنيا والآخرة) فإن ذلك يتضمن إزالة الشرور الماضية والآتية قال الحكيم: هذا من جر مع التكلم إذ ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين وليس شيء من أمر الدنيا يهنأ به صاحبه إلا مع الأمن والصحة وفراغ القلب فجمع أمر الآخرة كله في كلمة وأمر الدنيا كله في كلمة ومن ثم قيل:
لو أنني أعطيت سؤلي لما. . . سألت إلا العفو والعافية
فكم فتى قد بات في نعمة. . . فسل منها الليلة الثانية
<تنبيه> قال الصوفية: العارف إذا كمل في مقام العرفان يصير يتأثر من قرصة برغوث ويسأل العافية منها ولا يتجلد لها لشهوده ضعفه وعجزه بخلاف المريد فإنه من شدة ادعائه القوة يريد أن يقاوم القهر الإلهي وذلك سوء أدب ثم آخر الأمر يظهر عجزه ويسأل العافية
(تخ عن عبد الله بن جعفر) جاءه رجل فقال: مرني بدعوات ينفعني الله بهن قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عما سألتني عنه فذكره(4/106)
4996 - (سلمان منا أهل البيت) بالنصب على الاختصاص عند سيبوية والجر على البدل من الضمير عند الأخفش قال: والمضمر يحتمل أن يراد به المتكلم فقط وأن يراد أن المتكلم وجماعة يعني الصحابة وأهل البيت فلما تعدد الاحتمال وجب البيان بالإبدال والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم داخل في أهل البيت دخولا أوليا أنفسهم وفيه والمراد أهل بيت النبوة قال الراغب: نبه به على أن مولى القوم يصح نسبته إليهم كما قال مولى القوم منهم وابنه من دلالة على أن سلمان قد طهره الله فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبد محض طهره الله وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم فلا يضاف إليهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس فهذه شهادة منه لسلمان بالطهارة والحفظ الإلهي وإذا كانت العناية الربانية تحصل بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في أنفسهم فهم المطهرون بل هم عين الطهارة ذكره ابن العربي وسببه كما في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام الأحزاب [ص:107] حتى بلغ المذاحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فقالت المهاجرون: سلمان منا والأنصار: سلمان منا فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم
(طب ك) في المناقب (عن عمرو بن عوف) جزم الحافظ الذهبي بضعف سنده وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات(4/106)
4697 - (سلمان) الفارسي (سابق فارس) إلى الإسلام أي هو أولهم إسلاما وفي حديث آخر أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس وأنشد بعضهم:
لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه. . . فلا تشرك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس. . . وقد وضع الكفر الحسيب أبا لهب
(ابن سعد) في الطبقات من حديث ابن علية عن يونس (عن الحسن) البصري (مرسلا) ورواه عنه أيضا ابن عساكر وابن علية فيه كلام مشهور(4/107)
4698 - (سلم على ملك ثم قال لي لم أزل أستأذن ربي عز وجل في لقائك حتى كان هذا أوان أذن لي وإني أبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك) أي حتى الملائكة حتى خواصهم كما يؤذن به العموم وعليه إجماع أهل السنة وردوا ما ذهب إليه الزمخشري من تفضيل روح القدس عليه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عبد الرحمن بن غنم) الأشعري أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحب معاذا قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا ناس من أهل المدينة أهل نفاق فإذا سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلم على إلخ ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر ليس على ما ينبغي(4/107)
4699 - (سلوا الله الفردوس) أي جنته قيل: وأصله البستان بلغة الروم فعرب (فإنها سرة (1) الجنة) في رواية فإنه وسط الجنة أي باعتبار أطرافها وجهاتها (وإن أهل الفردوس) أي سكانه (يسمعون أطيط العرش) لكونه الطبقة العليا من طبقات الجنان وسقفها عرش الرحمن وهذا كما ترى رد على الحليمي في زعمه أن الفردوس اسم يجمع الجنان كلها كجهنم تجمع النيران كلها قال: وإنما أمر بسؤال الفردوس لأن الجنان مراتب لا يستوي الناس في استحقاقها فلا ينبغي لأحد أن يتخير إحداها وقد أعد لغيره فيدخل في قوله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
(طب ك) في التفسير من حديث إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن جعفرا هالك وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني جعفر بن الزبير متروك
_________
(1) [" سرة الجنة ": أي وسطها وجوفها من " سرة " الإنسان فإنها في وسطه. كما في النهاية في حديث حذيفة: لا تنزل سرة البصرة. دار الحديث](4/107)
4700 - (سلوا الله العفو والعافية) أي واحذروا سؤال البلاء وإن كان البلاء نعمة وأما قول بعض الأكابر أود أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق فينجون وأكون أنا فيها فذاك لما غلب على قلبه من الحب حتى أسكره إذ من شرب كأس المحبة سكر ومن سكر توسع في الكلام ولو زايله سكره علم أن ما غلب عليه حالة لا حقيقة لها فما تسمعه من هذا فهو كلام العشاق الذين أفرط حبهم وكلامهم يستلذ سماعه ولا يعول عليه ومن ذلك قول سحنون المحب فليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فاختبرني فابتلي بحصر البول فصار [ص:108] يطوف ويقول لأطفال الكتاب: ادعوا لعمكم الكذاب (حكى) أن فاختة راودها ذكرها فمنعته فقال: كيف ولو أردت أن أقلب ملك سليمان ظهرا لبطن لأجلك لفعلت فعاتبه سليمان فقال كلام العشاق لا يؤاخذ به (فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية) أفرد العافية بعد جمعها لأن معنى العفو محو الذنب ومعنى العافية السلامة من الأسقام والبلاء فاستغنى عن ذكر العفو بها لشمولها ذكره القاضي ثم إنه جمع بين عافيتي الدنيا والدين لأن صلاح العبد لا يتم في الدارين إلا بالعفو واليقين فاليقين يدفع عنه عقوبة الآخرة والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه قال ابن جرير: فإن قلت هذا الخبر يناقض خبر إذا أحب الله عبدا ابتلاه قلت إنما أمر بطلب العافية من كل مكروه يحذره العبد على نفسه ودينه ودنياه والعافية في الدارين السلامة من تبعات الذنوب فمن رزق ذلك فقد برئ من المصائب التي هي عقوبات والعلل التي هي كفارات لأن البلاء لأهل الإيمان عقوبة يمحص بها عنهم في الدنيا ليلقوه مطهرين فإذا عوفي من التبعات وسلم من الذنوب الموجبة للعقوبات سلم من الأوجاع التي هي كفارات لأن الكفارة إنما تكون لمكفر ذكره ابن جرير. <تنبيه> في ضمن هذا الحديث إيماء إلى أن شدة حياء العبد من ربه توجب أنه إنما يسأله العفو لا الرضى عنه إذ الرضى لا يكون إلا للمتطهرين من الرذائل بعصمة أو حفظ وأما من تلطخ بالمعاصي فلا يليق به إلا سؤال العفو وعلى ذلك درج أهل السلوك
(حم ت) في الدعوات (عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر ثم بكى ثم ذكره قال المنذري: رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عبيد وقال: حسن غريب ورواه النسائي من طرق أحد أسانيدها صحيح اه. وقد رمز المصنف لحسنه(4/107)
4701 - (سلوا الله) أي ادعوه لإذهاب البلاء وقيل الدعاء (من فضله) أي من زيادة إفضاله عليكم قال الطيبي: الفضل الزيادة وكل عطية لا تلزم المعطي والمراد أن إعطاء الله ليس بسبب استحقاق العبد بل إفضاله من غير سابقة ولا يمنعكم شيء من السؤال ثم علل ذلك بقوله (فإن الله يحب أن يسأل) أي من فضله لأن خزائنه ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار فلما حث على السؤال هذا الحث البليغ وعلم أن بعضهم يمتنع من الدعاء لاستبطاء الإجابة فيدعه قال (وأفضل العبادة انتظار الفرج) أي أفضل الدعاء انتظار الداعي الفرج بالإجابة فيزيد في خضوعه وتذلله وعبادته التي يحبها الله تعالى وهو المراد من قوله فإن الله يحب إلخ
(ت) في الدعوات (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه حماد بن واقد قال الترمذي نفسه: ليس بالحافظ وقال الحافظ العراقي: ضعفه ابن معين وغيره اه. وقصارى أمره أن ابن حجر حسنه(4/108)
4702 - (سلوا الله علما نافعا) أي شرعيا معمولا به (وتعوذوا بالله من علم لا ينفع) قال الحافظ ابن رجب: هذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو الدنيا وقد ورد تفسير العلم الذي لا ينفع بعلم النسب في مرسل رواه أبو داود في مراسيله اه. وأقول: هذا وإن كان محتملا لكن أقرب منه أن يراد في الحديث المشروح العلم الذي لا عمل معه فإنه غير نافع لصاحبه بل ضار له بل يهلكه فإنه حجة عليه قال الغزالي: العلم النافع هو ما يتعلق بالآخرة وهو علم أحوال القلب وأخلاقه المذمومة والمحمودة وما هو مرضي عند الله وذلك خارج عن ولاية الفقيه بعزل المصطفى صلى الله عليه وسلم أرباب السيف والسلطنة عنه حيث قال: هل شققت عن قلبه والفقيه هو معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وقد اتفقوا على أن الشرف في العلم ليعمل به فمن تعلم علم اللعان والظهار والسلم والإجارة ليتقرب بتعاطيها إلى الله فهو مجنون وعلم طريق الآخرة فرض عين في فتوى علماء الآخرة والمعرض عنه هالك بسيف سلاطين الدنيا بفتوى فقهاء الدنيا لكن علم الفقه وإن كان من علوم الدنيا لا يستغني عنه أحد البتة وهو مجاور علم الآخرة فإنه نظر في أعمال الجوارح
(هـ هب عن جابر) رمز المصنف لصحته وأخطأ ففيه أسامة بن زيد فإن كان ابن أسلم فقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد وجمع وكان صالحا وإن كان الليث فقد قال النسائي: ليس بقوي وقال العلائي: الحديث حسن غريب(4/108)
4703 - (سلوا الله لي الوسيلة) المنزلة العلية والمراد بها هنا (أعلى درجة في الجنة) قال القاضي: وأصل الوسيلة ما يتقرب به إلى غيره قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} أي اتقوه بترك المعاصي وابتغوا إليه بفعل الطاعات من وسل إلى كذا تقرب إليه. قال لبيد:
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم. . . ألا كل ذي لب إلى الله واسل
وإنما سميت وسيلة لأنها منزلة يكون الواصل إليها قريبا من الله فتكون كالوصلة التي يتوسل بالوصول إليها والحصول فيها إلى الزلفى منه تعالى والانخراط في غمار الملأ الأعلى أو لأنها منزلة سنية ومرتبة علية يتوسل الناس بمن اختص بها ونزل منها إلى الله تعالى شفيعا مشفعا يخلصهم من أليم عذابه (لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون هو) قال ابن القيم: هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهه أن الجملة خبر عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وقال عبد الجليل القصيري في شعب الإيمان: الوسيلة التي اختص بها هي التوسل وذلك أنه يكون في الجنة بمنزلة الوزير من الملك بغير تمثيل لا يصل إلى أحد شيء إلا بواسطة
(ن) في المناقب من حديث كعب (عن أبي هريرة) وقال: غريب إسناده ليس بقوي وكعب غير معروف اه. فرمز المصنف لصحته مدفوع(4/108)
4704 - (سلوا الله لي الوسيلة) المنزلة العلية (فإنه لا يسألها لي عبد) مسلم (في الدنيا إلا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة) إنما سميت الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى العرش وأصل الوسيلة القرب فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه ومعنى الوسيلة الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأشدهم له خشية كانت منزلته أقرب المنازل لعرشه
(ش طص عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن بل هو حسن لأن في سنده من فيه خلاف قال الهيثمي تبعا للمنذري: فيه الوليد بن عبد الملك والحراني قال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات(4/108)
4705 - (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) الباء للآلة ويجوز كونها للمصاحبة وعادة من طلب شيئا من غيره أن يمد كفه إليه ليضع النائل فيها والداعي طالب من أكرم الأكرمين فلا يرفع ظهر كفيه إلا إن أراد دفع بلاء لأن بطن كفيه في غيره إلى أسفل فكأنه أشار إلى عكس ذلك وخلوهما عن الخير
(طب عن أبي بكرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة(4/108)
4706 - (سلوا الله ببطون أكفكم) كحالة الحريص على الشيء يتوقع تناوله (ولا تسألوه بظهورها) لأنه خلاف اللائق بحال طالب جلب نعمة كما تقرر (فإذا فرغتم) من الدعاء (فامسحوا) ندبا بها (وجوهكم (1)) تفاؤلا بإصابة المطلوب وتبركا بإيصاله إلى وجهه الذي هو أول الأعضاء وأولاها فمنه تسري البركة إلى سائر الأعضاء وأما خبر إن [ص:110] المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسقى وأشار بظهر كفه إلى السماء فمعناه رفعهما رفعا تاما حتى ظهر بياض إبطيه
(د) في الصلاة (هق) كلاهما (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فإن أبا داود نفسه إنما خرجه مقرونا ببيان حاله فقال: روي هذا من غير طريق عن ابن عباس يرفعه وكلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف اه. وساقه عند البيهقي وأقره وارتضاه الذهبي وأقره ابن حجر فاعجب للمصنف مع اطلاعه على ذلك كيف أشار لصحته
_________
(1) خارج الصلاة(4/108)
4707 - (سلوا الله حوائجكم البتة) أي قطعا ولا تترددوا في سؤاله فإنه إن لم يسهلها لم تسهل والبت القطع (في صلاة الصبح (1)) لأنها أول صلاة النهار الذي هو محل الحاجات غالبا فلعل أن تجابوا قبل وقوع ذنب يمنع وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير قراءة
(ع عن أبي رافع) ورواه عنه الديلمي أيضا
_________
(1) أي في السجود وعقبها(4/110)
4708 - (سلوا الله كل شيء) من أمر الدين والدنيا الذي يجوز سؤاله شرعا (حتى الشسع) أي سور النعل الذي تدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام والزمام السير الذي يدخل فيه الشسع (فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر) فإذن لا طريق إلى حصول أي مطلوب من جلائل النعم ودقائقها إلا بالتطفل على موائد كرم من له الأمر وفي الإنجيل سلوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم كل من سأل أعطى ومن طلب وجد ومن يقرع يفتح له. أوحى الله إلى موسى قل للمؤمنين لا يستعجلوني إذا دعوني ولا يبخلوني أليس يعلمون أني أبغض البخيل كيف أكون بخيلا يا موسى لا تخف مني بخلا أن تسألني عظيما ولا تستحي أن تسألني صغيرا اطلب إلي الدقة والعلف لشاتك يا موسى أما علمت أني خلقت الخردلة فما فوقها وإني لم أخلق شيئا إلا وقد علمت أن الخلق يحتاجون إليه فمن سألني مسألة وهو يعلم أني قادر أعطي وأمنع أعطيته مسألته بالمغفرة. قال عروة بن الزبير: إني أسأل الله في صلاتي حتى أسأله الملح إلى أهلي وكان ابن المنكدر يقول: اللهم قو ذكري فإنه منفعة لأهلي وإنما سأل قوته ليخرج من حق زوجته لا لقضاء النهمة لأن المرأة نهمتها في الرجال فإذا عطلها خيف عليها الزنا
(ع عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن المنادي وهو ثقة(4/110)
4709 - (سلوا أهل الشرف عن العلم فإن كان عندهم علم فاكتبوه فإنهم لا يكذبون) فإنهم يصونون شرفهم عن أن يدنسوه بعار الكذب. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري عند ما ولى الخلافة أشر علي بقوم أستعين بهم على أمر الله فكتب إليه أما أهل الدين فليس يريدونك ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم أن يدنسوه بالخيانة ومن كلامهم ولد الشريف أولى بالشرف والدر أغلى من الصدف وهو أمر غالبي والحديث ورد على الغالب قال القطب القسطلاني:
إذا طاب أصل المرء طابت فروعه. . . ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد
وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله. . . ليظهر صنع الله في العكس والطرد
وقال الراغب: الشرف أخص بمآثر الآباء والعشيرة ولذلك قيل للعلوية أشراف قال: ومن الناس من لا يعد شرف الأصل فضيلة وقال: المرء بنفسه واستدل بقول علي: الناس أبناء ما يحسنون وبقوله: قيمة كل امرء ما يحسنه. ويقول الشاعر:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا. . . يغنيك محموده عن النسب [ص:111]
وقال حكيم: الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية وليس كما ظن لأن شرف الآباء والأعمام والأخوال مخيلة لكرم المرء ومظنة له فالفرع وإن طاب قد يفسد أحيانا فأصله يورث الفضيلة والرذيلة ولهذا قيل:
إن السرى إذا سرا فبنفسه. . . وابن السرى إذا سرا أسراهما
ويبين ذلك أن الأخلاق نتائج الأمزجة ومزاج الأب كثيرا ما يتأدى إلى الابن كاللون والخلق والصورة ومن أجل تأديتها إليه كما جاء في خبر تخيروا لنطفكم وما ذكر من نحو قول أمير المؤمنين: الناس أبناء ما يحسنون فحث للإنسان على اقتباس العلى ونهى عن الاقتصار على مآثر الآباء فإن المآثر الموروثة قليلة الغنى ما لم يضامها فضيلة النفس لأن ذلك إنما يحمد ليوجد الفرع مثله ومتى اختلف الفرع وتخلف أخبر بأحد شيئين إما بتكذيب من يدعي الشرف بعنصره أو بتكذيبه في انتسابه إلى ذلك العنصر وما فيها حظ المختار والمحمود كون الأصل في الفضل راسخا والفرع به شامخا كما قيل:
زانوا قديمهم بحسن حديثهم. . . وكريم أخلاق بحسن خصال
ومن لم يجتمع له الأمران فلأن يكون شريف النفس دنيء الأصل أولى من كونه دنيء النفس شريف الأصل ومن كان عنصره سنيا وهو في نفسه دنيء فذلك أتى إما من إهماله نفسه وشؤمها وإما لتعود عادات قبيحة وصحبة أشرار ونحو ذلك <تنبيه> قال بعض الصوفية: عند ذوي الشرف من الأكابر ما لم يوجد عند غالب الناس من حيائهم من النطق بالقبيح وغض الطرف عن عورات الناس وعدم الشره في الأكل وفقد جرأتهم وتعظيمهم من يعلمهم الأدب ولبس الخف في أرجلهم وجعلهم الأكمام ضيقة خوفا أن يبدو من أطرافهم شيء ولبس السراويل على الدوام حتى كأنه فرض لازم وتجد الواحد منهم أشد تواضعا من مولاه
(ص عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى(4/110)
4710 - (سمى هارون ابنيه شبرا وشبيرا) كجبل وجبيل قال في الفردوس: قيل هما اسمان سريانيان معناهما مثل معنى الحسن والحسين (وإني سميت ابني الحسن والحسين كما سمى به هارون ابنيه) قال الزمخشري: عن وهب بن منبه بسرج بالبيت المقدس كل ليلة ألف قنديل وكان يخرج من طور سيناء زيت كعنق البعير صاف يجري حتى يصب في القناديل من غير أن تمسه الأيدي وتجيء نار من السماء بيضاء لتسرج القناديل وكان القربان والسرج بين شبر وشبير فأمر بأن لا يسرجانها بنار الدنيا فاستعجلا يوما فأسرجا بها فسقطت فأكلهما فصرخ الصارخ إلى موسى فجاء يعج يدعو يا رب ابني أخي عرفت مكانهما فقال: يا ابن عمران هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي
(البغوي) المعجم (وعبد الغني) الحافظ في كتاب (الإيضاح وابن عساكر) في التاريخ وكذا أبو نعيم والديلمي (عن سلمان) الفارسي رواه عنه الطبراني بسند فيه بردعة بن عبد الرحمن وهو كما قال الهيثمي: ضعيف وفي الميزان: له مناكير منها هذا الخبر(4/111)
4711 - (سم ابنك عبد الرحمن) لما سبق أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ولأنه اسم أمين الملائكة إسرافيل كما رواه الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا ولأنه أول اسم سمى به آدم أول أولاده كما خرجه عبد بن حميد عن السربي ولأن فيه تفاؤلا بأن المسمى به يصير من الذين قال تعالى فيهم {وعباد الرحمن} <تنبيه> قال ابن القيم: التسمية حق للأب وللأم ولو تنازع أبواه في تسميته فهي للأب لأن الولد يتبع أباه في النسب والتسمية تعريف النسب والمنسوب
(خ عن جابر) قال: ولد لرجل غلام فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فذكره(4/111)
4712 - (سموه) أي الصبي المولود (بأحب الأسماء إلى حمزة) أي بأحب أسماء الشهداء إلي وبعد الأسماء المضافة إلى العبودية [ص:112] فلا تعارض بينه وبين الخبر المار إذا سميتم فعبدوا وخبر أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن
(ك) في المناقب (عن جابر) قال: ولد لرجل غلام فقالوا: ما نسميه يا رسول الله فذكره قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال يعقوب: أي ابن كاسب أحد رجاله ضعيف وصوابه مرسل(4/111)
4713 - (سموا أسقاطكم) جمع سقط بتثليث السين ولد سقط من بطن أمه قبل كماله (فإنهم من أفراطكم) جمع فرط بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليهيئ لهم ما يحتاجونه من منازل الآخرة ومقامات الأبرار
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن هريرة) قال ابن القيم: وأما خبر إن عائشة أسقطت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سقطا فسماه عبد الله وكناها به فلا يصح(4/112)
4714 - (سموا السقط يثقل الله به ميزانكم فإنه يأتي يوم القيامة يقول أي رب أضاعوني فلم يسموني) قيل: وهذا عند ظهور خلقه وإمكان نفخ الروح فيه لا عند كونه علقة أو مضغة
(ميسرة في مشيخته عن أنس) ورواه عنه الديلمي لكن بيض لسنده(4/112)
4715 - (سموا) بفتح السين وضم الميم (باسمي ولا تكنوا بكنيتي) بالضم من الكناية قال القاضي: الكنى تطلق تارة على قصد التعظيم والتوصيف كأبي المعالي وأبي الفضائل وللنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة وأبي شريح وإلى ما يناسبه كأبي هريرة فإن النبي صلى الله عليه السلام رآه ومعه هرة فكناه بها وللعلمية الصرفة كأبي عمرو وأبي بكر ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم لأنه يقسم بين الناس من قبل الله تعالى ما يوحى إليه وينزلهم منازلهم التي يستحقونها في الشرف والفضائل وقسم الغنائم والفيء ولما لم يكن أحد منهم يشاركه في هذا المعنى منع أن يكنى بهذا المعنى أما لو كني به أحد للنسبة إلى ابن له اسمه قاسم أو للعلمية المجردة جاز ويدل عليه التعليل المذكور للنهي وقيل: النهي مخصوص بحال حياته لئلا يلتبس خطابه بخطاب غيره
(طب عن ابن عباس)(4/112)
4716 - (سموا باسمي ولا تكنوا) بفتح فسكون بضبط المصنف (بكنيتي فإني إنما بعثت قاسما أقسم بينكم) والكنية ما صدرت بأب أو أم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم بولده القاسم أكبر أولاده وكان النبي صلى الله عليه وسلم بالسوق فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما دعوت هذا فذكره قال القرطبي: وهذه حالة تنافي الاحترام والتعزيز المأمور به فلما كانت الكناية بأبي القاسم تؤدي إلى ذلك نهى عنها فإن قيل: فيلزم امتناع التسمية بمحمد وقد أجازه قلنا: لم يكن أحد من الصحب يناديه باسمه إذ لا توقير في النداء به وإنما كان يناديه به أجلاف العرب ممن لم يؤمن أو آمن ولم يرسخ الإيمان في قلبه كالذين نادوه من وراء الحجرات يا محمد اخرج إلينا فمنع ما كانوا ينادونه وأبيح ما لم يكونوا ينادونه به وعليه فيكون النهي مخصوصا بحياته وهو ما عليه جمع لكن رد بأن قضية حديث جابر هذا أن ذلك الاسم لا يصدق على غيره صدقه عليه لقوله فإني أنا أبو القاسم أقسم أي هو الذي يلي قسم المال في نحو إرث وغنيمة وزكاة وفي تبليغ عن الله حكمه وليس ذلك لغيره فلا يطلق بالحقيقة هذا الاسم إلا عليه ولهذا كان الأصح عند الشافعية تحريمه بعد موته وزعم القرطبي جوازه حتى في حياته تمسكا بخبر الترمذي ما الذي أحل [ص:113] اسمي وحرم كنيتي وجعله ناسخا لهذا الحديث يرده اشتراطه هو وغيره معرفة التاريخ وغير المتأخر
(ق عن جابر) وفي الباب عن ابن عباس وأبي حميد وغيرهما(4/112)
4717 - (سموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة) كجبريل فيكره التسمي بها كما ذكره القشيري ويسن بأسماء الأنبياء ومن ذهب كعمر إلى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء كأنه نظر لصون أسمائهم عن الابتذال وما يعرض لها من سوء الخطاب عند الغضب وغيره
(تخ عن عبد الله بن جراد) قال البيهقي: قال البخاري في إسناده نظر(4/113)
4718 - (سمي) الشهر (رجب) رجبا (لأنه يترجب) أي يتكثر ويتعظم (فيه خير كثير لشعبان ورمضان) يقال رجبه مثل عظمه وزنا ومعنى فالمعنى أن يهيئ فيه خير كثير عظيم للمتعبدين في شعبان ورمضان
(أبو محمد الحسن بن محمد الخلال) بفتح المعجمة وشدة اللام منسوب لبيع الخل أو غيره (في فضائل) شهر (رجب عن أنس) بن مالك(4/113)
4719 - (سوء الخلق) بالضم (شؤم) أي شر ووبال على صاحبه لأنه يفسد العمل كما يفسد الخل العسل كما يأتي في الخبر بعده وفي المصباح الشؤم الشر
(ابن شاهين في الأفراد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما(4/113)
4720 - (سوء الخلق شؤم) على صاحبه وغيره (وشراركم) أي من شراركم أيها المؤمنون (أسوأكم أخلاقا) قال الغزالي: حسن الخلق هو الإيمان وسوء الخلق هو النفاق وقد ذكر تعالى صفات المؤمنين والمنافقين وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق وقد ذكروا لحسن الخلق علامات كثيرة قال حاتم الأصم: المؤمن مشغول بالفكر والعبر والمنافق مشغول بالحرص والأمل والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله والمنافق راج كل أحد إلا الله والمؤمن هدم ماله دون دينه والمنافق بعكسه والمؤمن يحسن ويبكي والمنافق يسيء ويضحك والمؤمن يحب الوحدة والخلوة والمنافق يحب الخلطة والملأ - إلى هنا كلام الغزالي. روي أن أبا عثمان الحيري اجتاز سكة فطرحت عليه أجانة رماد فنزل عن دابته وجعل ينفضه عن ثيابه ولم يتكلم فقيل: ألا تزجرهم فقال: من استحق النار فصولح على الرماد لم يحسن أن يغضب وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي فقال: هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة
(خط عن عائشة) وروى أبو داود الجملة الأولى منه فقط قال الحافظ العراقي: وكلاهما لا يصح(4/113)
4721 - (سوء الخلق شؤم وطاعة النساء ندامة) أي حزن وكراهة من الندم بسكون الدال وهو الغم اللازم (وحسن الملكة نماء) أي نمو وزيادة في الخير والبركة قال الغزالي: كل إنسان جاهل بعيب نفسه فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة ربما ظن أنه هذب نفسه وحسن خلقه فلا بد من الامتحان فأولى ما يمتحن به الملكة وحسن الخلق الصبر على الأذى واحتمال الجفاء ومن شكا من سوء خلق غيره دل على سوء خلقه لأن حسن الخلق احتمال الأذى
(ابن منده عن الربيع الأنصاري)(4/113)
4722 - (سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أي أنه يعود عليه بالإحباط قال العسكري: أراد أن المبتدئ بفعل [ص:114] الخير إذا قرنه بسوء الخلق أفسد عمله وأحبط أجره كالمتصدق إذا اتبعه بالمن والأذى وأخرج البيهقي في الشعب عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال موسى: يا رب أمهلت فرعون أربع مئة سنة وهو يقول أنا ربكم الأعلى ويكذب بآياتك ويجحد رسلك فأوحى الله إليه إنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت أن أكافئه وقال وهب: مثل السيء الخلق كمثل الفخار المكسرة لا ترقع ولا تعاد طينا وقال الفضل: لأن يصحبني فاحش حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق <تنبيه> حاول بعضهم استيعاب جميع الأخلاق الذميمة فقال: هي الانتقاد على أهل الله واعتقاد كمال النفس والاستنكاف من التعلم والاتعاظ والتماس عيوب الناس وإظهار الفرح وإفشاؤه وإكثار الضحك وإظهار المعصية والإيذاء والاستهزاء والإعانة على الباطل والانتقام للنفس وإثارة الفتن والاحتيال والاستماع لحديث قوم وهم له كارهون والاستطالة والأمن من مكر الشيطان والإصرار على الذنب مع رجاء المغفرة واستعظام ما يعطيه وإظهار الفقر مع الكفاية والبغي والبهتان والبخل والشح والبطالة والتجسس والتبذير والتعمق والتملق والتذلل للأغنياء لغناهم والتعيير والتحقير وتزكية النفس والتجبر والتبختر والتكلف والتعرض للتهم والتكلم بالمنهي والتشدق وتضييع الوقت بما لا يعني والتكذيب والتسفيه والتنابز بالألقاب والتعبيس والتفريط والتسويف في الأجل والتمني المذموم والتخلق بزي الصالحين زورا وتناول الرخص بالتأويلات والتساهل في تدارك الغيرة والتهور والتدبير للنفس والجهل وجحد الحق والجدال والجفاء والجور والجبن والحرص والحقد والحسد والحمق وحب الشهوة وحب الدنيا وحب الرياسة والجاه وإفشاء العيب والحزن الدائم والخديعة والخيبة والخيانة وخلف الوعد والخيلاء والدخول فيما لا يعني والذم والذل والرياء والركون للأغيار ورؤية الفضل على الأقران وسوء الظن والسعاية والشماتة والشره والشرك الخفي ومحبة الأشرار والصلف وطول الأمل والطمع والطيرة وطاعة النساء وطلب العوض على الطاعة وسوء الظن والظلم والعجلة والعجب والعداوة في غير الدين والغضب والغرور والغفلة والغدر والفسق والفرح المذموم والقسوة وقطع الرحم والكبر وكفران النعمة والعشيرة والكسل وكثرة النوم واللوم والمداهنة والملاحاة ومجالسة الأغنياء لغناهم والمزاح المفرط والنفاق والنية الفاسدة وهجر المسلم وهتك السر والوقوع في العرض والوقوع في غلبة الدين واليأس من الرحمة
(الحارث) ابن أبي أسامة في سنده (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس وابن عمر وضعفها(4/113)
4723 - (سوء المجالسة (1) شح وفحش وسوء خلق) بالضم فينبغي الحذر من ذلك وإكرام الجلساء وحسن الأدب معهم ومعاملتهم بالتواضع والإنصاف
(ابن المبارك) في الزهد وكذا العسكري في الأمثال (عن سليمان بن موسى مرسلا) هو الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق أحد الأئمة قال النسائي: غير قوي وقال البخاري: له مناكير مات سنة تسعة عشر ومئة وهذا الحديث معدود من الأمثال والحكم
_________
(1) الجلوس غير القعود لأن الأول الانتقال من سفل إلى علو والثاني الانتقال من علو إلى سفل فيقال للقائم والساجد اجلس ولمن هو قائم اقعد وقد يستعملان بمعنى التمكن والحصول فيكونان بمعنى واحد ومنه يقال جلس متربعا وقعد متربعا وجلس بين شعبها أي حصل وتمكن(4/114)
4724 - (سوداء) كذا في النسخ والذي رأيته في أصول صحيحة مصححة بخط الحافظ ابن حجر من الفردوس وغيره سوآء على وزن سوعاء وهي القبيحة الوجه يقال رجل أسوء وامرأة سوآء ذكره الديلمي (ولود) أي كثيرة الولادة (خير من حسناء لا تلد) لأن النكاح وضعه أصالة لطلب النسل والشرع ورد به والعرب تقول من لم يلد فلا ولد [ص:115] (وإني مكاثر بكم الأمم) الماضين يوم القيامة (حتى بالسقط لا يزال محبنطئا) أي متغضبا ممتنعا امتناع طلب لا امتناع إباء (على باب الجنة) حين أذن له بالدخول (يقال ادخل الجنة فيقول يا رب وأبواي فيقال له ادخل الجنة أنت وأبواك) والكلام في الأبوين المسلمين كما هو ظاهر مكشوف
(طب) وكذا الديلمي (عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: فيه علي بن الربيع وهو ضعيف ورواه أيضا ابن حبان في الضعفاء من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال الحافظ العراقي: ولا يصح وأورده في الميزان في ترجمة علي بن الربيع من حديثه عن بهز عن أبيه عن جده وقال: قال ابن حبان هذا منكر لا أصل له ولما كثرت المناكير في رواية علي المذكور بطل الاحتجاج به(4/114)
4725 - (سورة الكهف تدعى في التوراة الحائلة) أو الحاجزة قالوا: يا رسول الله وما الحائلة قال: (تحول) أي تحجز (بين قارئها والنار) أي وبين دخول نار جهنم يوم القيامة بمعنى أنها تحاجج وتخاصم عنه كما في رواية
(هب عن ابن عباس)(4/115)
4726 - (سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية) أي ثلاثون جماعة من كلمات القرآن قال ابن حجر: الآية العلامة وآية القرآن علامة على تمام الكلام ولأنها جماعة من كلمات القرآن والآية تقال للجماعة اه (خاصمت) أي حاجت ودافعت (عن صاحبها) أي قارئها المداوم لتلاوتها بتدبير وتأمل واعتبار وتبصر (حتى أدخلته الجنة) بعد ما كان ممنوعا من دخولها لما اقترفه من الذنوب (وهي تبارك) في رواية وهي سورة تبارك قال القاضي: هذا وما أشبهه عبارة عن اختصاص هذه السورة ونحوها بمكان من الله تعالى وقربه لا يضيع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها اه وأولى منه ما قيل المراد بمحاجتها أنه تعالى يأمر من شاء من الملائكة أن يقوم بذلك عنه قال الطيبي: وفي هذا الإبهام ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل سورة تبارك خاصمت لم يكن بهذه المنزلة وهذا الحديث قد احتج به من الأئمة من ذهب إلى البسملة ليست آية من كل سورة قالوا: لا يختلف العادون أن تبارك ثلاثون آية غير البسملة
(طس) وكذا في الصغير (والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر: حديث صحيح فقد أخرج مسلم بهذا الإسناد حديثا آخر وأخرج البخاري به حديثين(4/115)
4727 - (سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر) أي الكافة له عن قارئها إذا مات ووضع في قبره لو أنها إذا قرئت على قبر ميت منعت عنه العذاب ويؤخذ منه ندب ما اعتيد من قراءة خصوص السورة للزوار على القبور
(ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الحافظ ابن حجر في أماليه: إنه حسن وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك فقد خرجه الترمذي بالزيادة من حديث الحبر ولفظه سورة تبارك هي المانعة هي المنجية من عذاب الله وأخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن مسعود من قوله(4/115)
4728 - (سووا صفوفكم) أي اعتدلوا فيها على سمت واحد وسدوا فرجها ثم عقبه بما هو كالتعليل له حيث قال (فإن تسوية [ص:116] الصفوف) في رواية الصف بالإفراد والمراد به الجنس (من إقامة الصلاة) أي من تمامها وكمالها أو من جملة إقامتها وهي تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وأخذ بظاهره ابن حزم فأوجب التسوية لأن الإقامة واجبة وكل شيء من الواجب واجب ومنع بأن حسن الشيء زيادة على تمامه ولا يضره رواية من تمام الصلاة لأن تمام الشيء عرفا أمر زائد على حقيقته غالبا والمسوي لها هو الإمام وكذا غيره لكنه أولى والسر في تسويتها مبالغة المتابعة فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: وكيف تصف عند ربها قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده
(حم ق د ن عن أنس) واللفظ للبخاري(4/115)
4729 - (سووا صفوفكم) عند الشروع في الصلاة (لا تختلف) أي لئلا تختلف (قلوبكم) أي هواها وإرادتها والقلب تابع للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا فسد فسدت الأعضاء لأنه رئيسها
(الدارمي) في مسنده (عن البراء) بن عازب وفي الباب عن غيره أيضا(4/116)
4730 - (سووا صفوفكم (1)) أي اعتدلوا على سمت واحد حتى تصيروا كالرمح أو القدح أو الرقيم أو سطر الكتابة (أو ليخالفن الله) أي أو ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) بأن تفترقوا فيأخذ كل وجها غير الذي أخذ صاحبه لأن تقدم البعض على البعض مظنة للكبر المفسد للقلوب وسبب لتأثرها الناشئ عنه الحنق والضغائن فالمراد ليوقعن العداوة والبغضاء بينكم ومخالفة الظاهر سبب لاختلاف الباطن وقيل: المراد وجود قلوبكم بدليل قوله فيما قبله تختلف قلوبكم وقيل: المخالفة في الجزاء فيجازي مسوي الصفوف بخير والخارج عنه بشر والوعيد على عدم التسوية للتغليظ لا للتحريم
(هـ عن النعمان بن بشير)
_________
(1) وسبب الحديث كما في ابن ماجه عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصف حتى يجعله مثل الرمح أو القدح فرأى صدر رجل نائيا فقال صلى الله عليه وسلم: سووا فذكره(4/116)
4731 - (سووا القبور على وجه الأرض إذا دفنتم) الموتى فيها وهذا أمر ندب فعلم أن تسطيح القبر أفضل من تسنيمه وقد صح عن القاسم بن محمد أن عمته عائشة كشفت له عن قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فإذا هي مسطحة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ورواية البخاري أنه مسنم حملها البيهقي على أن تسنيمه حادث لما سقط جداره وأصلح زمن الوليد وقيل عمر بن عبد العزيز وكون التسطيح صار شعار الروافض لا يؤثر لان السنة لا تترك لفعل أهل البدعة لها
(هب عن فضالة بن عبيد) ظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي إلى مسلم والنسائي وكذا لأحمد(4/116)
4732 - (سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته) يعني المحل الذي هو مسكنه بيتا أو غيره قال الخطابي: العزلة عند الفتنة سنة الأنبياء وسيرة الحكماء فلا أعلم لمن عابها عذرا ولا سلم من تجنبها فخرا ولا سيما في هذا الزمان
(فر) في المسلسلات وأبو سعيد السمان (وأبو الحسن بن المفضل المقدسي في الأربعين المسلسلة عن أبي موسى) الأشعري وله شواهد وقد أفرد الخطيب في العزلة جزءا(4/116)
[ص:117] 4733 - (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحبا) أي رحبت بلادكم واتسعت وأتيتم أهلا لا غربا فاستأنسوا ولا تستوحشوا وهو مصدر استغنى به عن الفعل وألزم النصب (بوصية رسول الله) وقد درج السلف على قبول وصيته فكان أبو حنيفة يكثر مجالسة طلبته ويخصهم بمزيد الإكرام وصرف العناية في التعظيم وكان البويطي يدنيهم ويقربهم ويعرفهم فضل الشافعي وفضل كتبه ويحضهم على الاشتغال ويعاملهم بأشرف الأحوال (وأفتوهم) بالفاء أي علموهم وفي رواية الديلمي وغيره بالقاف والنون يعني أرضوهم من أقنى أي أرضى وقيل: لقنوهم وقيل: أعينوهم
(هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الطيالسي والديلمي وغيرهما(4/117)
4734 - (سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه شيء أعز من ثلاثة: درهم حلال أو أخ تستأنس به أو سنة يعمل بها) أما الدرهم الحلال فقد عز وجوده قبل الآن بعدة قرون وأما الأخ الذي يوثق به فأعز قال الزمخشري: والصديق هو الصادق في وددك الذي يهمه ما أهمك وهو أعز من بيض الآنوق وأما السنة التي يعمل بها فأعز منهما لتطابق أكثر الناس على البدع والحوادث وسكوت الناس عليها حتى لا يكاد ينكر ذلك ومن أراد التفصيل فليطلع على كتاب المدخل لابن الحاج يرى العجب العجاب
(طس حل) وكذا الديلمي (عن حذيفة) ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري تفرد به روح بن صلاح قال ابن عدي: وهو ضعيف وقال الهيثمي: فيه روح بن صلاح ضعفه ابن عدي ووثقه الحاكم وابن حبان وبقية رجاله ثقات(4/117)
4735 - (سيأتي زمان على أمتي يكثر فيه القراء) الذين يحفظون القرآن عن ظهر قلب ولا يفهمون معانيه (وتقل الفقهاء) أي العارفون بالأحكام الشرعية (ويقبض العلم) أي يموت أصحابه كما صرح به في الخبر الآخر (ويكثر الهرج) أي القتل والفتن (ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ فيه القرآن رجال من أمتي) أمة الإجابة (لا يجاوز تراقيهم) جمع ترقوة وهي عظام بين ثغرة النحر والعاتق يعني لا يخلص عن ألسنتهم وآذانهم إلى قلوبهم (ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل فيه المشرك بالله المؤمن في مثل ما يقول) أي يخاصمه ويغالبه ويقابل حجته بحجة مثلها في كونها حجة ولكن حجة الكافر باطلة داحضة وحجة المؤمن صحيحة ظاهرة. (1)
(طس ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف
_________
(1) وذلك يزيد بتزايد الجهل عند الكافر لقصور عقله عن إدراك حقيقة ما يجادل فيه من أمور الدين والعقيدة الدقيقة. وقد تفاقم الأمر في أيامنا بسبب تسرب الغرور إلى نفوس الكثير من حملة الشهادات التي لا صلة لها بمواضيع الدين فكما أن شهادة في مجال الطب لا تهيء صاحبها لفهم علم الفيزياء علاوة عن مناقشته فكذلك في أمور الدين. نسأل الله أن يلطف بنا جميعا وأن يوفقنا إلى عدم تعدي حدودنا آمين. دار الحديث.](4/117)
4736 - (سيأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور) أي بين أن يعجز ويبعد ويقهر وبين أن يخرج عن طاعة الله (فمن أدرك ذلك الزمان) وخير (فليختر) وجوبا (العجز على الفجور) لأن سلامة الدين واجبة التقديم والمخير هم الأمراء وولاة الأمور
(ك) في الأهوال من حديث محمد بن يعقوب عن أحمد العطاردي عن أبي معاوية عن ابن أبي هند عن شيخ من بني قشير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى عن شيخ عن أبي هريرة وبقية رجاله ثقات اه وليس بسديد كيف وأحمد بن عبد الجبار [ص:118] العطاردي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال في الميزان: ضعفه غير واحد وقال ابن عدي: أجمعوا على ضعفه ولم أر له حديثا منكرا إنما ضعفوه لكونه لم يلق من حدث عنهم ولأن لطين كان يكذب وقال الدارقطني: لا بأس به واختلف فيه شيوخنا(4/117)
4737 - (سيحان) من السيح وهو جري الماء على وجه الأرض وهو نهر العواصم بقرب مصيصة وهو غير سيحون (وجيجان) نهر أدنة وسيحون نهر بالهند أو السند وجيحون نهر بلخ وينتهي إلى خوارزم فمن زعم أنهما هما فقد وهم فقد حكى النووي الاتفاق على المغايرة (والفرات) نهر بالكوفة (والنيل) نهر مصر (كل) منها (من أنهار الجنة) أي هي لعذوبة مائها وكثرة منافعها وهضمها وتضمنها لمزيد البركة وتشرفها بورود الأنبياء وشربهم منها كأنها من أنهار الجنة أو أنه سمى الأنهار التي هي أصول أنهار الجنة بتلك الأسامي ليعلم أنها في الجنة بمثابة الأنهار الأربعة في الدنيا أو أنها مسميات بتلك التسميات فوقع الاشتراك فيها أو هو على ظاهره ولها مادة من الجنة. وقال الطيبي: سيحان مبتدأ وكل مبتدأ ثان والتقدير كل منهما ومن أنهار الجنة خبر المبتدأ والجملة خبر الأول ومن إما ابتدائية أي ناشئة منها أو اتصالية أو تبعيضية
(م) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(4/118)
4738 - (سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن) أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة وهكذا عزاه له في مسند الفردوس وغيره(4/118)
4739 - (ستخرج أهل مكة) منها (ثم لا يعبرها إلا قليل ثم تمتلئ) بالناس (وتبنى) فيها الأبنية (ثم يخرجون منها) مرة ثانية (فلا يعودون فيها) بعد ذلك (أبدا) إلى قيام الساعة
(حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو يعلى قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح(4/118)
4740 - (سيخرج ناس إلى المغرب يأتون يوم القيامة وجوههم على ضوء الشمس) في الضياء والإشراق والجمال البارع
(حم) من حديث أبي مصعب (عن رجل) من الصحابة قال أبو مصعب: قدم رجل من أهل المدينة فرأوه مؤثرا في جهاده فسألوه فأخبرهم أنه يريد المغرب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(4/118)
4741 - (سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم) قال الطيبي: مستعار من الرئيس المقدم الذي يعمد إليه في الحوائج ويرجع إليه في المهمات والجامع لمعاني الأقوات ومحاسنها هو اللحم ويطلق السيد أيضا على الفاضل ومنه خبر قوموا إلى سيدكم أي أفضلكم واللحم سيد المطعومات لأن به تعظم قوة الحياة في الشخص المتغذى به قال ابن حجر: قد دلت الأخبار [ص:119] على إيثار اللحم ما وجد إليه سبيلا وما ورد عن عمر وغيره من السلف من إيثار أكل غيره عليه فإما لقمع النفس عن تعاطي الشهوات والإدمان عليها وإما لكراهة الإسراف والإسراع في تبذير المال لعلة الشيء عندهم إذ ذاك وقد اختلف في الإدام والجمهور أنه ما يؤكل به الخبز مما يطيبه. هبه مركبا أم لا واشترط أبو حنيفة الاصطباغ (وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية) نور الحناء وهي من أطيب الرياحين معتدلة في الحر واليبس فيها بعض قبض وإذا وضعت بين ثياب الصوف منعت السوس ومنافعها كثيرة
(طس وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (هب) كلهم (عن بريدة) بن الخصيب قال الهيثمي: فيه سعيد بن عتبة القطان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضره وقال ابن القيم: إسناده ضعيف(4/118)
4742 - (سيد الأدهان البنفسج وإن فضل البنفسج على سائر الأدهان كفضلي على سائر الرجال) لعموم منافعه وجموم فضائله وهو بارد رطب ينفع الصداع الحار ويرطب الدماغ وينوم ويسهل حركة المفاصل ومنافعه لا تحصى ومزاياه لا تستقصى
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب) من حديث إبراهيم بن أحمد الوراق عن محمد بن عمر عن محمد بن صالح الترمذي عن داود بن حماد عن أبي ركاز عن محمد بن ثابت عن ثابت البناني (عن أنس) وهذا الحديث له طرق كثيرة كلها معلولة (وهو) أي هذا الطريق (أمثل طرقه) ومع ذلك فمحمد بن ثابت ضعيف وقال ابن القيم في التنقيح: حديثان باطلان موضوعان هذا أحدهما والثاني فضل دهن البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان(4/119)
4743 - (سيد الاستغفار) أي أفضل أنواع الأذكار التي تطلب بها المغفرة هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة كلها والاستغفار طلب المغفرة والمغفرة الستر للذنوب والعفو عنها قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل للرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في المهمات (أن يقول) أي العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي سيد الاستغفار أن يقول العبد وفي رواية للنسائي تعلموا سيد الاستغفار أن يقول العبد (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) قال ابن حجر: في نسخة معتمدة من البخاري تكرير أنت وسقطت الثانية من معظم الروايات (وأنا عبدك) يجوز أن تكون مؤكدة وأن تكون مقررة أي أنا عابد لك كقوله {وبشرناه إسحاق نبيا} ذكره الطيبي (وأنا على عهدك ووعدك) أي ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ذكره بعضهم وقال المؤلف: العهد ما أخذ عليهم في عالم الذر يوم {ألست بربكم} والوعد ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات لا يشرك بالله دخل الجنة (ما استطعت) أي مدة دوام استطاعتي ومعناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى (أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك) أي أعترف وألتزم (بنعمتك علي) وأصل البوء اللزوم ومنه خبر فقد باء بها أحدهما أي التزمه ورجع (وأبوء بذنبي) أي أعترف أيضا وقيل: معناه أحمله برغمي لا أستطيع صرفه عني وقال الطيبي: اعترف أولا بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل الإنعام ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها وعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فائدة الإقرار بالذنب أن الاعتراف يمحق الاقتراف كما قيل: [ص:120]
فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه. . . كما أن إنكار الذنوب ذنوب
(من قالها من النهار موقنا بها) أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها (فمات من يومه ذلك قبل أن يمسي) أي يدخل في المساء (فهو من أهل الجنة) أي ممن استحق دخولها مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يقلها (ومن قالها من الليل وهو موقن فمات قبل أن يصبح) أي يدخل في الصباح (فهو من أهل الجنة) بالمعنى المذكور قال ابن أبي حمزة: جمع في الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستغفار من شر ما جنى على نفسه وإضافة النعم إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا ما هو وكل ذلك إشارة إلى الجمع بين الحقيقة والشريعة لأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان عون من الله قال: ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع صحة النية والتوجه والأدب
(حم خ ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره(4/119)
4744 - (سيد الأيام عند الله يوم الجمعة) أي أفضلها لأن السيد أفضل القوم كما ورد قوموا إلى سيدكم أي أفضلكم أو أريد مقدمها فإن الجمعة متبوعة كما أن السيد يتبعه القوم ذكره القرطبي (أعظم) عند الله (من يوم النحر والفطر) أي من يوم عيد النحر ويوم عيد الفطر الذي ليس بيوم جمعة (وفيه خمس خلال) جمع خلة بفتح الخاء وهي الخصلة وهذا جواب عن سؤال: ماذا فيه من الخير؟ فدل على أن الخلال الخمس خيرات وفواضل تستلزم فضيلة اليوم الذي تقع فيه (فيه خلق) الله (آدم وفيه أهبط من الجنة إلى الأرض) الهبوط ضد الصعود (وفيه توفي وفيه ساعة) أي لحظة لطيفة (لا يسأل العبد فيها الله شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم) أي هجران قرابة بنحو إيذاء أو صد (وفيه تقوم الساعة) أي القيامة (وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا ريح ولا جبل ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة) أي خائف منها من قيام القيامة فيه والحشر والحساب <تنبيه> قال ابن عربي: قد اصطفى الله من كل جنس نوعا ومن كل نوع شخصا واختاره عناية منه بذلك المختار أو بالغير بسببه وقد يختار من الجنس النوعين والثلاثة ومن النوع الشخصين وأكثر فاختار من النوع الإنساني المؤمنين ومن المؤمنين الأولياء ومن الأولياء الأنبياء ومن الأنبياء الرسل وفضل الرسل بعضهم على بعض ولولا ورود النهي عن التفضيل بين الأنبياء لعينت الأفضل ولما خص الله من الشهور رمضان وسماه باسمه فإن من أسمائه تعالى رمضان خص الله من أيام الأسبوع يوم العروبة وهو الجمعة وعرف الأمم أن لله يوما اختصه من السبعة أيام وشرفه على أيام الأسبوع ولهذا يغلط من يفضل بينه وبين يوم عرفة وعاشوراء فإن فضل ذلك يرجع إلى مجموع أيام السنة لا إلى أيام الأسبوع ولهذا قد يكون يوم عرفة أو عاشوراء أو يوم جمعة وقد لا يكون ويوم الجمعة لا يتبدل ففضل يوم الجمعة ذاتي وفضل يوم عرفة وعاشوراء لأمور عرضت إذا وجدت في أي يوم كان كان الفضل لذلك اليوم لهذا العارض فيدخل مفاضلة عرفة وعاشوراء في المفاضلة بين [ص:121] الأسباب العارضة الموجبة للفضل في ذلك النوع كما أن رمضان إنما فضله على الشهور في الشهور القمرية لا الشمسية فيتشرف ذلك الشهر الشمسي بكون رمضان فيه فلما ذكر الله شرف اليوم ولم يعينه بل وكلهم لاجتهادهم اختلفوا فقالت النصارى: أفضل الأيام الأحد لأنه يوم الشمس وأول يوم خلق الله فيه السماوات والأرض فما ابتدأ فيه الخلق إلا لشرفه على بقية الأيام فاتخذته عيدا وقالت اليهود: السبت فإن الله فرغ من الخلق في يوم العروبة واستراح يوم السبت وزعموا أن هذا في التوراة فلا نصدقهم ولا نكذبهم وأعلم الله نبينا بأن الأفضل يوم الجمعة لأنه الذي خلق فيه هذه النشأة الإنسانية التي خلق المخلوقات من يوم الأحد إلى الخميس من أجلها فلا بد أن يكون أفضل الأوقات وفي حديث ضعيف إن الساعة تقوم في نصف رمضان يوم الجمعة وكانوا إذا كان أول رمضان الجمعة أشفقوا حتى ينتصف
(الشافعي) في مسنده (حم تخ عن سعد بن عبادة) سيد الخروج وإسناده حسن(4/120)
4745 - (سيد السلعة) بكسر المهملة البضاعة أي صاحبها (أحق أن يسام) بالبناء المفعول أي يسومه المشتري بأن يقول له بكم تبيع سلعتك يقال سام البائع السلعة سوما عرضها للبيع وسامها المشتري واستامها طلب من البائع أن يبيعها له ومنه خبر لا يسوم أحدكم على سوم أخيه أي لا يشتري ويجوز حمله على البائع وصورته أن يعرض رجل على المشتري سلعة بثمن فيقول آخر عندي مثلها بأقل من هذا الثمن فيكون النهي عاما في البائع والمشتري
(د في مراسيله عن أبي حسين) العكلي بضم المهملة زيد بن الحبابة وفي نسخة أبي حصين نفتح أوله ابن أحمد بن عبد الله بن يونس اسمه عبد الله يروى عنه أبو داود(4/121)
4746 - (سيد الشهداء) جمع شهيد سمي به لأن روحه شهدت أي حضرت دار السلام عند موته وروح غيره إنما تشهدها يوم القيامة أو لأنه تعالى يشهد له بالجنة أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه أو لكونه شهد ما أعد الله له من الكرامة أو لغير ذلك (عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب) خص سيادته بيوم القيامة لأنه يوم انكشاف الحقائق وجمع جميع الخلائق وهذا عام مخصوص بغير من استشهد من الأنبياء فالمراد سيد شهداء هذه الأمة أي شهد المعركة كما قاله الزين العراقي ليخرج عمر وعثمان وعلي
(ك) في الجهاد من حديث أبي حماد وفي المناقب (عن جابر) بن عبد الله (طب عن علي) أمير المؤمنين. قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: أبو حماد هو المفضل (1) بن صدقة قال النسائي: متروك وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني علي بن الحرور وهو متروك
_________
(1) [في الأصل " الفضل بن صدقة " وهو خطأ والصواب " المفضل بن صدقة. راجع ميزان الاعتدال 4 - 168 - 8729
دار الحديث](4/121)
4747 - (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم استشهد يوم أحد (ورجل قام إلى إمام جائر فأمره) بالمعروف (ونهاه) عن المنكر (فقتله) لأجل أمره أو نهيه عن ذلك فحمزة سيد شهداء الدنيا والآخرة والرجل المذكور سيد الشهداء في الآخرة لمخاطرته بأنفس ما عنده وهي نفسه في ذات الله تعالى
(ك) في مناقب الصحابة والديلمي (والضياء) المقدسي (عن جابر) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه حفيد الصفار لا يدري من هو اه. وفي الباب ابن عباس باللفظ المزبور عند الطبراني قال الهيثمي: وفيه ضعف(4/121)
4748 - (سيد الشهداء جعفر بن أبي طالب معه الملائكة) أي يطيرون معه مصاحبين له ويطير معهم (لم ينحل) بالبناء [ص:122] للمفعول أي لم يعط (ذلك أحد ممن مضى من الأمم غيره شيء أكرم الله به) نييه وابن عمه (محمدا) أفضل الأنبياء
(أبو القاسم الحرقي في أماليه عن علي)(4/121)
4749 - (سيد الشهور شهر رمضان) أي هو أفضلها (وأعظمها حرمة ذو الحجة) لأن فيه يوم الحج الأكبر ويوم عيد الأضحى قال شيخ الطريقين السهروردي: رمضان أفضل من الحجة وإذا قوبلت الجملة بالجملة وفضلت إحدى الجملتين على الأخرى لا يلزم تفضيل كل أفراد الجملة ويؤيده أن جنس الصلاة أفضل من جنس الصوم وصوم يوم أفضل من ركعتين
(البزار) في مسنده (هب عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفوه اه(4/122)
4750 - (سيد الفوارس أبو موسى) الأشعري الفوارس جمع فارس ويجمع أيضا على فرسان وهو المستعمل وأما فوارس فهو شاذ كما في المصباح وغيره لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة مثل ضاربة وضوارب وصاحبة وصواحب
(ابن سعد) في الطبقات (عن نعيم بن يحيى مرسلا)(4/122)
4751 - (سيد القوم خادمهم) لأن السيد هو الذي يفزع إليه في النوائب فيتحمل الأثقال عنهم فلما تحمل خادمهم عنهم الأمور وكفاهم مؤونتهم وقام بأعباء ما لا يطيقونه كان سيدهم بهذا الاعتبار ثم إن المصنف لم يذكر من خرجه
(عن أبي قتادة) وعزاه في الدرر المشتهرة لابن ماجه من حديث أبي قتادة وفي درر البحار للترمذي (خط) عن يحيى بن أكثم عن أبيه عن جده عن عكرمة (عن ابن عباس) وفيه قصة طويلة ليحيى ورواه أيضا السلمي في آداب الصحبة عن عقبة بن عامر قال في المواهب: وفي سنده ضعف وانقطاع(4/122)
4752 - (سيد القوم خادمهم وساقيهم آخرهم شربا) وعليه أنشد البيهقي:
إذا اجتمع الإخوان كان أذلهم. . . لإخوانه نفسا أبر وأفضلا
وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه. . . ولكن فضل المرء أن يتفضلا
قال الغزالي: صحب المروزي أبا علي الرباطي فقال أبو علي: أنت الأمير أم أنا؟ قال: أنت فلم يزل يحمل الزاد على ظهره وأمطرت السماء فقام طول الليل علي وأمر رفيقه بكساء فكلما قال له: لا تفعل يقول: ألم تسلم الإمارة لي فلم تحكم علي؟ قال: فوددت أني مت ولم أؤمره
(أبو نعيم في) الأحاديث (الأربعين الصوفية عن أنس) في صنيعه إشعار بأن الحديث لا يوجد مخرجا لأحد الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المذكور عن أبي قتادة ورواه أيضا الديلمي(4/122)
4753 - (سيد القوم في السفر خادمهم) أي ينبغي كون السيد كذلك لما وجب عليه من الإقامة بمصالحهم ورعاية أحوالهم أو معناه أن من يخدمهم وإن كان أدناهم ظاهرا فهو بالحقيقة سيدهم لحيازته للثواب وإليه الإشارة بقوله (فمن سبقهم [ص:123] بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة) لأنه شريكهم فيما يزاولونه من الأعمال بواسطة خدمته. ذكره الطيبي وأنشد البيهقي:
إن أخا الإحسان من يسعى معك. . . ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك. . . شتت فيك شمله ليجمعك
(ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور في ترجمة أبي الحسين الصفار من فقهاء أهل الري (هب عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه الديلمي أيضا. قال: وفي الباب عن عقبة بن عامر(4/122)
4754 - (سيد الناس آدم وسيد العرب محمد وسيد الروم صهيب وسيد الفرس سلمان وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال طور سيناء وسيد الشجر السدر وسيد الأشهر المحرم وسيد الأيام الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي أما) بالتخفيف (إن فيها خمس كلمات في كل كلمة خمسون بركة) قال حجة الإسلام: إذا تأملت جملة معاني أسماء الله الحسنى من التوحيد والتقديس وشرح الصفات العلا وجدتها مجموعة في آية الكرسي فلذلك قال: هي سيدة آي القرآن فإن {شهد الله} ليس فيها إلا التوحيد و {قل هو الله أحد} ليس فيها إلا التوحيد والتقديس و {قل اللهم مالك الملك} ليس فيها إلا الأفعال وكمال القدرة و {الفاتحة} فيها مرامز إلى هذه الصفات من غير شرح وهي مشروحة في آية الكرسي والذي يقرب منها في هذه المعاني آخر الحشر وأول الحديد إذ تشتمل على أسماء وصفات كثيرة لكنها آيات لا آية واحدة وهذه إذا قابلتها بآحاد تلك الآيات وجدتها أجمع المقاصد فلذلك تستحق السيادة على الآي وقال ابن عربي: قد ثبت في القرآن الإخبار بتفاضل سوره وآياته بعضها على بعض في حق القارئ بالنسبة لما لنا فيه من الأجر وقد ورد: آية الكرسي سيدة آي القرآن لأنه ليس في القرآن آية يذكر الله فيها بين مضمر وظاهر في ستة عشر موضعا إلا آية الكرسي
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن عبد القدوس عن مجالد بن سعيد ومحمد قال الذهبي: مجهول ومجالد قال أحمد: ليس بشيء وضعفه غيره ورواه أيضا ابن السني وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه للأصل لكان أولى(4/123)
4755 - (سيد إدامكم الملح (1)) لأن به صلاح الأطعمة وطيبها والآدمي لا يمكنه أن يقوم بالحلاوة فجعل الله له الملح مزاجا للأشياء لينتظم حاله لكون غالب الإدام إنما يصلح به وسيد الشيء هو الذي يصلحه ويقوم عليه وأخذ منه الغزالي: أن من آداب الأكل أن يبدأ ويختم به
(هـ والحكيم) الترمذي وأبو يعلى والطبراني والقضاعي والديلمي من حديث عيسى البصري عن رجل (عن أنس) وعيسى قال في الميزان عن أحمد: لا يساوي شيئا ثم أورد له أخبارا هذا [ص:124] منها اه. وقال السخاوي: سنده ضعيف وأثبت بعضهم المبهم وحذفه آخرون
_________
(1) قال العلقمي: قال الدميري: ذكر البغوي في تفسيره عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح: قال الأطباء: أجود الملح: الداراني الأبيض الرقيق ينفع من العفونة ومن غلظ الأخلاط ويذيبها واستعمال الملح بالغداة يحسن الصوت وينفع من الجرب والحكة البلغمية وفيه قوة ويزيد الذهب صفرة والفضة بياضا وعد في الإحياء من آداب الأكل أن يبدأ بالملح ويختم به وأن يقصد التقوي على طاعة الله ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل(4/123)
4756 - (سيد ريحان أهل الجنة الحناء) أي نورها وهي الطاغية وتسميه الناس تمر حنا
(طب) من حديث عبد الله بن أحمد عن أبيه عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي أيوب عن ابن عمر وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد بن حنبل وهو ثقة مأمون (خط) من حديث محمد بن عبد الله الشافعي عن أحمد بن محمد النيسابوري عن يونس بن حبيب عن بكر بن بكار عن شعبة عن قتادة عن عكرمة (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني الخطيب: تفرد به بكر بن بكار عن شعبة ولم أكتبه إلا من هذا الوجه اه وبكر هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي غير ثقة اه وقال في الميزان عن ابن معين: ليس بشيء وفي اللسان عن ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث سيء الحفظ له تخليط وذكره العقيلي في الضعفاء وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع(4/124)
4757 - (سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم) ظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم ثم الأرز وزاد أبو الشيخ [ابن حبان] في روايته عقب اللحم ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل اه قال الغزالي: وينبغي أن لا يواظب على أكل اللحم قال علي كرم الله وجهه: من ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه ومن داوم عليه أربعين يوما قسا قلبه
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي من حديث عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن علي بن موسى الرضي عن آبائه (عن علي) أمير المؤمنين وعبد الله هذا ضعيف جدا قال الذهبي في كتاب الضعفاء والمتروكين: عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت له نسخة باطلة اه ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وهذا حديث أحسن حالا منه وهو خبر ابن حبان سيد طعام أهل الجنة اللحم وهو وإن عده ابن الجوزي من الموضوع أيضا لكن انتقده عليه ابن حجر فقال: لم يبن لي وضعه بل ضعفه وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء بلفظ سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم قال الزين العراقي: وسنده ضعيف(4/124)
4758 - (سيدا كهول أهل الجنة أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (وإن أبا بكر في الجنة مثل الثريا في السماء) أفرده ثانيا بعد ما جمعه مع عمر أولا إيذانا بأنه أفضل منه وأكمل وعليه قاطبة أهل السنة
(خط) في ترجمة ابن سعيد (عن أنس) وفيه يحيى بن عنبسة قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان دجال يضع الحديث(4/124)
4759 - (سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم وفاطمة وخديجة وآسية) امرأة فرعون قال جمع: هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة وغيرها من زوجاته لا يحتمل التأويل قال القرطبي: لم يثبت في حق واحدة من الأربع أنها نبية إلا مريم وقد أورده ابن عبد البر من وجه آخر عن ابن عباس رفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية قال: وهذا حديث حسن يرفع الإشكال قال: ومن قال إن مريم غير نبية أول هذا الحديث وغيره بأنها وإن لم تذكر في الخبر فهي مرادة اه وتعقبه ابن حجر بأن الحديث الثاني الدال على الترتيب غير ثابت قال: وقد يتمسك بالحديث من يقول إن مريم غير نبية لتسويتها بخديجة وهي غير نبية أيضا اتفاقا وجوابه أنه لا يلزم من التسوية في شيء التسوية في [ص:125] جميع الصفات اه وما في تفسير القاضي من حكاية الإجماع على أنه لم تستثنا امرأة رد بتحقيق الخلاف وسيما في مريم فإن القول بنبوتها شهير ذهب إليه كثير ومال السبكي في الحلبيات إلى ترجيحه وقال: ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء قرينة قوته لذلك
(ك) في مناقب الصحابة (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي ورواه الطبراني بنحوه(4/124)
4760 - (سيدة نساء المؤمنين فلانة) أي مريم ويحتمل عائشة (وخديجة بنت خويلد أول نساء المسلمين إسلاما) بل هي أول الناس إسلاما مطلقا لم يسبقها ذكر ولا غيره ولخديجة من جموم الفضائل ما لا يساويها فيه غيرها من نسائه وفي الطبراني عن عائشة كان إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها وعند أحمد عن عائشة آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء قال ابن حجر: ومما كافأ به المصطفى صلى الله عليه وسلم خديجة على ذلك في الدنيا أنه لم يتزوج عليها حتى ماتت كما في مسلم عن عائشة وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار. فيه دليل على عظيم قدرها عنده ومزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك غيرها فيه مرتين لأنه عاش بعد ما تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين وهي نحو ثلثي المجموع ومع طول المدة صان قلبها من الغيرة ونكد الضرائر ومما اختصت به ما نطق به هذا الحديث من سبقها نساء هذه الأمة إلى الإيمان فبسبب ذلك يكون لها مثل أجر كل من آمنت بعدها لما ثبت أن من سن سنة حسنة. الحديث. وقد شاركها في ذلك أبو بكر بالنسبة إلى الرجال ولا يعرف ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك إلا الله تعالى. إلى هنا كلام الحافظ
(ع عن حذيفة) ابن اليمان رمز المصنف لحسنه(4/125)
4761 - (سيدرك رجلان) في رواية للترمذي في العلل " رجال " (من أمتي عيسى ابن مريم يشهدان) لفظ رواية الترمذي " ويشهدون " وهي أولى (قتال الدجال) أي قتل عيسى للدجال فإنه يقتله على باب اللد
(ابن خزيمة ك) في الفتن (عن أنس) قال الذهبي: حديث منكر وفيه عباد بن منصور ضعيف اه قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وفيه عباد بن منصور ضعيف جدا. (1)
_________
(1) [ورواية الهيثمي: وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم ويشهدون قتال الدجال. رواه أبو يعلى وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف. دار الحديث.](4/125)
4762 - (سيشدد هذا الدين برجال ليس لهم عند الله خلاق) أي لا حظ لهم في الخير وهم أمراء السوء والعلماء الذين لم يلج العلم قلوبهم بل حظهم منه جريانه على ألسنتهم وقد دنسوه بأبواب المطامع وخادعوا الله في معاملته وأعدوا ذلك العلم الذي هو حجة الله على خلقه حرفة صيروها مأكلة وتوصلوا بها إلى تمكنهم من صدور المجالس وصحبة الحكام لما في أيديهم من الحطام فلينوا لهم القول طمعا فيما لديهم وداهنوهم رجاء نوالهم وزينوا لهم تجبرهم وجورهم. (1)
(المحاملي في أماليه عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أصحاب الرموز وهو ذهول فقد خرجه الطبراني ثم الديلمي باللفظ المزبور عن أنس المذكور
_________
(1) أما المخلص من العلماء والذي لم تكن هذه صفته فليس منهم وإن اشتهر وعلا منصبه فليتق الله الذين يتطاولون على أعراض العلماء. دار الحديث(4/125)
4763 - (سيصيب أمتي داء الأمم) قالوا: يا رسول الله وما داء الأمم قال: (الأشر) أي كفر النعمة (والبطر) الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح وطول الغنى (والتكاثر) مع جمع المال (والتشاحن) أي التعادي والتحاقد [ص:126] (في الدنيا والتباغض والتحاسد) أي تمني زوال نعمة الغير (حتى يكون البغي) أي مجاوزة الحد وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا لأنها أساس الآفات ورأس الخطيئات وأصل الفتن وعنه تنشأ الشرور وفيه علم من أعلام النبوة فإنه إخبار عن غيب وقع
(ك) في البر والصلة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه أبو سعيد الغفاري لم يرو عنه غير حميد بن هانئ ورجاله وثقوا ورواه عنه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد قال الحافظ العراقي: وسنده جيد(4/125)
4764 - (سيعزي الناس بعضهم بعضا من بعدي بالتعزية بي) فإن موته من أعظم المصائب على أمته بل هو أعظمها قال أنس: ما نفضنا أيدينا من تراب دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا
(ع طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وثقه جمع(4/126)
4765 - (سيقتل بعذراء) قرية من قرى دمشق (أناس يغضب الله لهم وأهل السماء) هم حجر بن عدي الأدبر وأصحابه وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد صفين مع علي أميرا وقتل بعذراء من قرى دمشق وقبره بها قال ابن عساكر في تاريخه عن أبي معشر وغيره: كان حجر عابدا ولم يحدث قط إلا توضأ ولا توضأ إلا صلى فأطال زياد الخطبة فقال له حجر: الصلاة فمضى زياد في الخطبة فضرب بيده إلى الحصى وقال: الصلاة وضرب الناس بأيديهم فنزل فصلى وكتب إلى معاوية فطلبه فقدم عليه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال: أوأمير المؤمنين أنا؟ فأمر بقتله فقتل وقتل من أصحابه من لم يتبرأ من علي وأبقى من تبرأ منه (1) وأخرج ابن عساكر أيضا عن سفيان الثوري قال معاوية: ما قتلت أحدا إلا وأعرف فيم قتلته ما خلا حجر فإني لا أعرف فيم قتلته (2) . وروى ابن الجنيد في كتاب الأولياء أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فتقتلني فدعا الله فانسكبت سحابة فقال صحبه: ادع الله أن يخلصك قال: اللهم خر لي
(يعقوب بن سفيان في تاريخه) في ترجمة حجر (وابن عساكر) في تاريخه في ترجمة حجر من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود (عن عائشة) قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حجر وأصحابه قال: رأيت قتلهم صلاحا للأمة وبقاءهم فسادا فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال في الإصابة: في سنده انقطاع
_________
(1) [وما دخل التبرؤ من علي بحادثة المسجد؟ فرائحة الوضع ظاهرة عليه. دار الحديث]
(2) [وكيف يكون ذلك من معاوية أمين وحي رسول الله والذي لو بقيت شعرة بينه وبين الرعية لما قطعها فجميع هذه الأحاديث من كتب التاريخ الضعيفة كما سيأتي هنا
تنبيه: ذكر المحدث العالم الشيخ محمود الرنكوسي مرارا في دروسه بدار الحديث وكذلك ذكر أكابر العلماء والمحدثين أن أخبار الفتن التي شجرت بين الصحابة أكثرها مأخوذة من كتب التاريخ ولا تخلو عن ضعف إلا القليل منها كما هو شأن هذا الحديث. ويضاف إلى ضعف الحديث عدم ترابط حادثة المسجد مع طلب التبرئ من علي رضي الله عنه. فينبه على عدم اتخاذ تلك الأحاديث الضعيفة سلما للتسور به إلى شتم أصحاب رسول الله أو التنقيص من شأنهم كما يفعل الكثير من الكتاب اليوم. وموقف أهل السنة والجماعة أن الصحابة كلهم مجتهدون فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ وأن عليا كرم الله وجهه كان على حق وأن معاوية رضي الله عنه أخطأ ونكيل أمرهم في ما شجر بينهم إلى الله. قال تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين
فائدة: على الخطيب أن يتنبه إلى عدم إطالة الخطبة لأنه خلاف السنة وكان الصحابة ينفرون من تلك الإطالة أشد النفور كما ذكر أعلاه رغم ضعف الروايات. وليس للإمام إطالة الخطبة متعللا بإرادة النفع حيث يثقل ذلك على صاحب العذر وسلس البول والكهل وأمثالهم ومصلحتهم مقدمة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث 490: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. متفق عليه.](4/126)
4766 - (سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم أي لا يتعداها إلى قلوبهم قال النووي: المراد أنهم ليس لهم حظ إلا مروره على ألسنتهم ولا يصل إلى حلوقهم فضلا عن وصوله إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب أو لا تفهمه قلوبهم (يمرقون من الدين) أي يخرجون منه بسرعة وفي رواية يمرقون من الإسلام وفي أخرى من الحلق قال ابن حجر: وفيه تعقيب على من فسر الدين هنا بطاعة الأئمة وقال: هذا نعت للخوارج (كما يمرق السهم من الرمية) بفتح فكسر وتشديد أي الشيء الذي يرمى فعيلة بمعنى مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة لنقلها من الوصفية إلى الاسمية وتطلق الرمية على الصيد يرمي فينفذ فيه السهم ويخرج من الجهة الأخرى شبههم في ذلك بها لاستيحاشهم عما يرمون من القول النافع ثم وصف [ص:127] المشبه به في سرعة تخلصه وتنزهه عن التلوث بما يمر عليه من فرث ودم ليبين المعنى المضروب له المثل وجاء في عدة طرق أن هذا نعت الخوارج أصله أن أبا بكر قال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا فإذا رجل حسن الهيئة متخشع يصلي فيه فقال: اذهب فاقتله فذهب إليه فلما رآه يصلي كره أن يقتله فرجع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: اذهب فاقتله فذهب فرآه على تلك الحالة فرجع فقال: يا علي اذهب فاقتله فذهب فلم يره فذكره واستبدل به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري حيث قرنهم بالملحدين وبه صرح ابن العربي فقال: الصحيح أنهم كفار لحكمهم على من خالف معتقدهم بالكفر والخلود في النار ومال إليه السبكي ففي فتاويه احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض تكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة وهو عندي احتجاج صحيح واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعي تقديم علمهم للشهادة المذكورة علما قطعيا وفي الفشاء نكفر كل من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير الصحابة حكاه في الروضة في الردة وأقره وذهب أكثر الأصوليين من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وحكم الإسلام جار عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الدين وإنما فسقوا بتكفير السنيين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وتكفيرهم وقال الخطابي: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: ينبغي التحرز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد وقال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين قال: وسئل علي عن أهل النهروان هل كفروا فقال: من الكفر فروا وقال في المفهم: باب التكفير خطر ولا يعدل بالسلامة شيء
(ع عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: رجاله ثقات روى أحمد نحوه بسند جيد عن أبي سعيد(4/126)
4767 - (سيكون في أمتي أقوام يتعاطى فقهاؤهم عضل المسائل) بضم العين وفتح الضاد صعابها (أولئك شرار أمتي) (1) أي من شرارهم فخيارهم من يستعمل سهولة الإلقاء بنصح وتلطف ومزيد بيان وساطع برهان ويبذل جهده لتقريب المعنى لفهم الطالب ولا يفجأه بالمسائل الصعبة بل يقرر له ما يحتمله ذهنه ويضبطه حفظه ويوضح لمتوقف الذهن العبارة ويحتسب إعادة الشرح له وتكراره ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها ثم يذكر الدلائل وتوجيهها ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها يذكر الأدلة موضحة منقحة لممتحنها ويبين له معاني أسرار حكمها وعللها وما يتعلق بها من فرع وأصل ومن وهم فيها في حكم أو تخريج أو نقل بعبارة جلية عرية عن التعقيد والإيهام سليمة عن تنقيص أحد من الأعلام مبينا مأخذ الحكمين والفرق بين المسألتين وبذلك يزول التعقد من البين
(طب عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه يحسن فقد أعله الهيثمي وغيره بأن فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك
_________
(1) ومن هؤلاء أصحاب البدع من المعتزلة والخوارج والجبرية والقدرية والمرجئة والمشبهون فكلهم تعاطوا أعضل المسائل وأدقها ألا وهي العقيدة ثم حكموا بكفر من خالفهم. دار الحديث](4/127)
4768 - (سيكون بعدي خلفاء) إشارة إلى انقطاع النبوة بعده وبقاء الرحمة مع خلفائه حين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون (ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك) إشارة إلى انقطاع الخلافة وظهور الجور لأن موضوع الخلافة الحكم بالعدل وهذا من الأمر القديم المشار إليه بآية {إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} والملك بخلاف الخلافة {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} . (ومن بعد الملوك الجبابرة) جمع جبار وهو من يقتل على الغضب أو المتمرد العاتي (ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر بعده القحطاني فوالذي بعثني بالحق [ص:128] ما هو بدونه) أي بأحط منه منزلة قال الحرالي: فيه إشعار بمنال الملك من لم يكن من أهله وأخص الناس بالبعد منه العرب ثم ينتهي إلى من استند إلى الإسلام من سائر الأمم الذين دخلوا في هذه الآية من قبائل الأعاجم وصنوف أهل الأقطار حتى ينتهي إلى أن يسلب الله الملك جميع أهل الأرض ليعيده إلى إمام العرب الخاتم للهداية من ذرية خاتم النبوة من ذرية آدم قال البسطامي: قبل نزول عيسى يخرج من بلاد الجزيرة رجل يقال له الأصهب ويخرج عليه من الشام رجل يقال له جرهم ثم يخرج القحطاني رجل بأرض اليمن فبينما هؤلاء الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرج من غوطة دمشق واسمه معاوية بن عنبسة وهو رجل مربوع القامة رقيق الوجه طويل الأنف في عينه اليمنى كسر قليل فأول ظهوره يكون بالزهد والعدل ويخطب له على منابر الشام فإذا تمكن وقويت شوكته زال الإيمان من قلبه وأظهر الظلم والفسق يسير إلى العراق بجيش عظيم على مقدمته رجل يقال له ناهب فأول ما يقابله القحطاني ينهزم ثم ينفذ جيشا إلى الكوفة وجيشا إلى خراسان وجيشا إلى الروم فيقتلون العباد ويظهرون الفساد وقيل: إن السفياني من ولد أبي سفيان بن حرب يخرج من قبل المغرب من مكان يقال له البادي اليابس ويخرج حتى يصل اسكندرية فيقتل بها ما شاء الله ثم يدخل مصر والشام والكوفة وبغداد وخراسان حتى يدخل مرو فيلقاه رجل يسمى الحارث فيقتله
(طب عن جاحل الصدفي) قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم(4/127)
4769 - (سيكون في آخر الزمان خسف) خسف المكان ذهب في الأرض وخسف الله به خسفا أي غاب به في الأرض (وقذف) أي رمى بالحجارة بقوة (ومسخ) أي تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها قيل: ومتى ذلك يا رسول الله قال: (إذا ظهرت المعازف) بعين مهملة وزاي جمع معزفة بفتح الزاي آلة اللهو ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه آلات اللهو وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف ويطلق على كل لعب عزف (والقينات واستحلت الخمر) أشار إلى أن العدوان إذا قوي في قوم وتظاهروا بأشنع الأعمال القبيحة قوبلوا بأشنع المعاقبات فالمعاقبات والمثوبات من جنس السيئات والحسنات ثم إن من العلماء من أجرى المسخ هنا على الحقيقة فقال: سيكون كما كان فيمن سبق وقال البعض: أراد مسخ القلب فيصير على قلب الحيوان الذي أشبهه في خلقه وعمله وطبعه فمنهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم على أخلاق الكلاب والخنازير والحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه كما يتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليدا كالحمار ومن يألف ويؤلف كالحمام ومن يحقن كالجمل ومن يروع كالذئب والثعلب ومن هو خير كله كالغنم وتقوى المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا ثم جليا تدركه أهل الفراسة وقوله: " واستحلت الخمر " قال ابن عربي: يحتمل أن معناه يعتقدونها حلالا ويحتمل أنه مجاز عن الاسترسال أو يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا بل رأينا من يفعله
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن أبي الريان وهو ضعيف وبقية رجال أحد الطريقين رجال الصحيح(4/128)
4770 - (سيكون في آخر الزمان شرطة) في النهاية: الشرطي واحد الشرطة للسلطان وهم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على سائر الجند سموا بذلك لأن لهم علامة يعرفون بها وأشراط الساعة علاماتها (يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله) أي يغدون بكرة النهار ويروحون آخره وهم في غضبه وسخطه (فإياك أن تكون من بطانتهم) أي احذر أن تكون [ص:129] منهم وبطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره وصفيه الذي يقضي حوائجه ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعاري قال في الفردوس عقب سياق هذا الحديث: وفي رواية يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم أسواط مثل أذناب البقر يغدون في غضب الله
(طب عن أبي أمامة) وعزاه في الفردوس إلى مسلم وأحمد(4/128)
4771 - (سيكون بعدي سلاطين: الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل) قال الزمخشري: أراد مبارك الإبل الجرباء يعني أن هذه الفتن تعدي من يقربهم أعداء هذه المبارك الإبل الملسى إذا أنيخت فيها قال: وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب (لا يعطون أحدا شيئا إلا أخذوا من دينه مثله) لأن من قبل جوائزهم إما أن يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهنا أو يتكلف في كلامه لمرضاته وتحسين قالهم وذلك هو البهت الصريح. أوحى الله إلى بعض الأنبياء قل لأوليائي لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يدخلوا مداخل أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي وقال بعض الحكماء: من رق ثوبه رق دينه ونظر رافع بن خديج إلى بشر بن مروان وهو على منبر الكوفة يعظ فقال: انظروا إلى أميركم يعظ الناس وعليه زي الفساق وكان عليه ثياب رقاق ولهذا كانوا يتحامون مخالطة السلاطين ولما حج الرشيد قال لمالك: ألك دار قال: لا؟ فأعطاه ثلاث آلاف دينار ثم أراد الشخوص قال: اخرج معنا فقال: لا أوثر الدنيا على جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذه دنانيركم. وراود ابن هبيرة أبا حنيفة على ولاية بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطا فاحتمل العذاب ولم يقبل
(طب ك) في المناقب (عن عبد الله بن الحرث) ويقال الحارث (بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة الزبيدي بضم الزاي صحابي سكن مصر وهو آخر من مات بها من الصحابة قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه حسان بن غالب وهو متروك(4/129)
4772 - (سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام فأولئك شرار أمتي) أي من شرارهم وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والواحد من هؤلاء يطول أكمامه ويجر أذياله تيها وعجبا مصغيا إلى ما يقول الناس له وفيه شاخصا إلى ما ينظرون إليه منه قد عمي بصره وبصيرته إلى النظر إلى صنع الله وتدبيره وصم سمعه عن مواعظ الله يقرأ كلام الله ولا يلتذ به ولا يجد له حلاوة كأنه إنما عنى بذلك غيره فكيف يلتذ بما كلف به غيره وإنما صار ذلك لأن الله عز اسمه خاطب أولي العقول والبصائر والألباب فمن ذهب عقله وعميت بصيرته في شأن نفسه ودنياه كيف يفهم كلام رب العالمين ويلتذ به وكيف يحلو بصره وهو يرى صفة غيره؟
(طب حل عن أبي أمامة) وضعفه المنذري وقال العراقي: وسنده ضعيف وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريقين في أحدهما جميع بن ثوب وهو متروك وفي الأخرى أبو بكر بن أبي مريم وهو مختلط(4/129)
4773 - (سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني) نسبة لقرن بفتح القاف بطن من قبيلة مراد على الصواب وغلط الجوهري في قوله نسبة لقرن ميقات أهل نجد (وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر) قال البعض: وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن. وفي خبر أنه أمر عمر أن يطلب منه الاستغفار. [ص:130] وفي التصريح بأويس في هذه الرواية رد على من زعم أن المراد بالرجل الذين يدخلون الجنة بشفاعته في الرواية المطلقة الآتية أنه عثمان بن عفان. (1)
(عد عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: ورويناه في جزء السماك من حديث أبي أمامة سيدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس اه
_________
(1) [وفي قوله نظر حيث لا يلزم تعلق مختلف الأحاديث بنفس الرجل. وفيما يلي عرض لبعضها:
الحديث 7556: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. رمز السيوطي لصحته
والحديث 7557: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي: مثل الحيين ربيعة ومضر. إنما أقول ما أقول. رمز السيوطي لحسنه
والحديث 7558: ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد استوجبوا النار الجنة بغير حساب. رمز السيوطي لضعفه وفيه التصريح بعثمان. دار الحديث](4/129)
4774 - (سيكون بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان) بلد مشهور قال الجرجاني: معنى خرا كل وسان معناه سهل أي كل بلا تعب وقيل: معناه بالفارسية مطلع الشمس (ثم انزلوا في مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يصيب أهلها سوء أبدا) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ ولا يضر أهلها بدل يصيب أهلها اه. قال الديلمي: قبر بمرو أربعة من الصحابة الحكم بن عمرو الغفاري وأبو برزة الأسلمي وبريدة بن الحصيب وقثم بن العباس
(حم) وكذا الطبراني في الكبير والأوسط من حديث أوس عن أخيه سهل بن عبد الله بن بريدة (عن) أبيه عن جده (بريدة) وأوس قال الدارقطني: متروك وقال البخاري: في حديثه نظر وأورده الذهبي في ترجمة أوس من الميزان وقال: حديث منكر وسهل لم يخرج له أحد من الستة وقال ابن حبان: منكر الحديث يروي عن أبيه ما لا أصل له روى عنه أخوه أوس فذكر خبرا منكرا قال الذهبي: بل باطل ثم ساقه في ترجمته أيضا وقال الهيثمي: في إسناد أحمد والأوسط أوس بن عبد الله وفي إسناد الكبير حبان بن مصك وهما مجمع على ضعفهما اه. وقال في الميزان: حديث منكر اه ومن ثمة أورده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقبه ابن حجر بأن الصواب أنه حسن وبريدة هذا هو ابن الحصيب الأسلمي من مشاهير الصحابة وليس فيهم بريدة بن الحصيب غيره(4/130)
4775 - (سيكون أقوام) زاد أبو داود في روايته من هذه الأمة وفي رواية قوم بلفظ الإفراد (يعتدون في الدعاء) أي يتجاوزون الحدود يدعون بما لا يجوز أو يرفعون الصوت به أو يتكلفون السجع وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه والطهور بفتح الطاء قال التوربشتي: الاعتداء في الدعاء يكون في وجوه كثيرة والأصل فيه أن يتجاوز عن مواقف الافتقار إلى بساط الانبساط أو يميل إلى حد شقي الإفراط والتفريط في خاصة نفسه وفي غيره إذا دعا له وعليه والاعتداء في الطهور استعماله فوق الحاجة والمبالغة في تحري طهوريته حتى يفضي إلى الوسواس (1) اه. قال الطيبي: فعلى هذا ينبغي أن يروى الطهور بضم الطاء ليشمل التعدي في استعمال الماء والزيادة على ما حد له والنقص قال ابن حجر: الاعتداء فيه يقع بزيادة ما فوق الحاجة أو يطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو يطلب معصية أو يدعو بما لم يؤثر سيما ما ورد كراهيته كالسجع المتكلف وترك المأثور قال ابن القيم: إذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى {إن الله لا يحب المعتدين} وعلمت أن الله يحب عبادته أنتج أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله وإن أسقط الفرض عنه فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه
(حم د) وكذا الديلمي (عن سعد) بن أبي وقاص رمز لصحته وسببه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة قال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال التوربشتي: أنكر على ابنه في هذه المسألة لأنه تلمح إلى ما لم يبلغه عملا وحالا حيث سأل منازل الأنبياء والأولياء وجعلها من باب الاعتداء في الدعاء لما فيها من التجاوز عن حد الأدب ونظر الداعي إلى نفسه بعين الكمال قال الحافظ بن حجر: وهو صحيح اه
_________
(1) وأخذ منه بعضهم أنه تحرم الزيادة على التثليث في الطهارة(4/130)
[ص:131] 4776 - (سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض) أي يتخذون ألسنتهم ذريعة إلى مأكلهم كما تأخذ البقر بألسنتها ووجه الشبه بينهما لأنهم لا يهتدون من المأكل كما أن البقرة لا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها والآخر أنهم لا يميزون بين الحق والباطل والحلال والحرام كما لا تميز البقرة في رعيها بين رطب ويابس وحلو ومر بل تلف الكل
(حم) وكذا البزار (عن سعد) بن أبي وقاص قال الحافظ العراقي: فيه من لم يسم وقال الهيثمي: روياه من عدة طرق وفيه راو لم يسم وأحسنها ما رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن سعد إلا أن زيدا لم يسمع من سعد(4/131)
4777 - (سيكون بمصر رجل من بني أمية أخنس) منقبض قصبة الأنف عريض الأرنبة (يلي سلطانا ثم يغلب) بضم أوله بضبط المصنف (عليه أو ينزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بهم إلى الاسكندرية فيقاتل أهل الإسلام بها فذلك أول الملاحم) وفي جامع عبد الرزاق: أراد رجل أن يسمي ابنا له الوليد فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: سيكون رجل يقال له الوليد يعمل في أمتي عمل فرعون في قومه
(الروياني) في مسنده (وابن عساكر) في ترجمة حسان الرعيني من حديث ابن لهيعة عن كعب بن علقمة عن حسان (عن أبي ذر) ثم قال ابن عساكر: رواه أبو الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة واختلف عليه فيه فقال: عنه ابن لهيعة عن كعب عن حسان سمعت أبا النجم سمعت أبا ذر قال أبو سعيد بن يونس والحديث معلول. . إلى هنا كلام ابن عساكر. وأقره عليه الذهبي فرمز المصنف لحسنه مع قطع مخرجه بأنه معلول غير مقبول(4/131)
4778 - (سيكون بعدي قوم من أمتي يقرؤون القرآن ويتفقهون في الدين يأتيهم الشيطان فيقول لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم واعتزلتموهم بدينكم ولا يكون ذلك) أي ولا يصح ولا يستقيم الجمع بين الأمرين لما مر أن مثل هذا النفي مستلزم لنفي الشيء مرتين تعميما وتخصيصا ثم ضرب به مثلا بقوله (كما لا يجتني من القتاد) شجر له شوك (إلا الشوك كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا) قال الطيبي: شبه التقرب إليهم بإصابة جدواهم ثم الخيبة والخسارة في الدارين يطلب الجني من القتاد فإنه من المحال لأنه لا يثمر إلا الجراحة والألم وكذا من ركن إليهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} والاستثناء من باب قوله:
وبلدة ليس بها أنيس. . . إلا اليعافير وإلا العيس
وأطلق المستثنى من جنس المضرة أي لا يجدي إلا مضار الدارين ويدخل فيه الخطايا أيضا انتهى. وقال الزمخشري: النهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم وذكرهم بما فيه تعظيمهم ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ في الدين عافانا الله وإياك من الفتن أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك أصبحت شيخا كبيرا أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك سنة نبيه وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك انتهى. والناس في القرآن أقسام قوم شغلوا بالتردد على الظلمة وأعوانهم عن تدبره وقوم شغلوا بما حبب إليهم من دنياهم وقوم منعهم من فهمه سابق معرفة آراء عقلية انتحلوها ومذاهب حكمية تمذهبوا بها فإذا سمعوه تأولوه بما عندهم فيحاولون أن يتبعهم القرآن لا أن يتبعونه وإنما يفهمه من تفرغ من كل ما سواه فإن للقرآن علوا من الخطاب يعلو على قوانين علو كلام الله على كلام خلقه
(ابن عساكر عن ابن عباس) ورواه عنه [ص:132] أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف عليه غير سديد(4/131)
4779 - (سيكون في آخر الزمان ديدان القراء) بكسر الدال دود القراء وجمع الدود ديدان (فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله منهم) هم القوم الذين تنسكوا في ظاهر الحال تصنعا رموا بأبصارهم إلى الأرض ومدوا بأعناقهم تيها وتكبرا وإعجابا لجهلهم بالله وغرتهم به يعدون الخطا ويقضون المنا ناظرين إلى أهل الذنوب بعين الإزراء حقارة لهم وعجبا بأنفسهم أعطوا القوة على لبس الخشن والصبر على ملاذ الدنيا استدراجا فسخت نفوسهم بترك الشهوات في جنب لذة ثناء الخلق عليهم وتعظيمهم فأقبلوا على ذم الدنيا وجفاء من تناولها والطعن على من وسم بالغنى حتى إذا هم جهلهم إلى الطعن على أغنياء الصحب وأكابر السلف فخرجوا من الدين مروقا من حيث لا يشعرون ظنوا أنه لم يبق وراء تركهم لذات الدنيا شيء وما علموا أنهم تركوا شيئا قليلا من شيء لا يزن جميعه عند الله جناح بعوضة فإذا كان الكل لا يزن جناحها فما تركه هؤلاء المساكين كم هو؟ وقوم تغولوا وتاهوا بعلمهم وتجبروا وتصنعوا بحسن الملابس وطول الطنافس وطول الأكمام كبر العمامة وتوفير اللحية وتعظيم الهامة ليتمكنوا من صدور المجالس ويستتروا من الأبالس فضلوا وأضلوا وخبطوا عشواء حيثما قاموا وحلوا قد كاد الواحد منهم ينوح بدعوى الاجتهاد وما تأهل لتعليم الأولاد فلشفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته نبه على أنهم سيكونون وأمر بالتعوذ منهم كيلا يغتر بهم الغبي المفتون {وما ربك بغافل عما يعملون} {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}
(حل عن أبي أمامة)(4/132)
4780 - (سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي) يزعمون أنهم علماء (يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم) من الأحاديث الكاذبة والأحكام المبتدعة والعقائد الزائفة (فإياكم وإياهم) أي احذروهم وبعدوا أنفسكم عنهم وبعدوهم عن أنفسكم قال الطيبي: ويجوز حمله على المشهورين المحدثين فيكون المراد بها الموضوعات وأن يراد به ما هو بين الناس أي يحدثوهم بما لم يسمعوا عن السلف من علم الكلام ونحوه فإنهم لم يتكلموا فيه وعلى الأول ففيه إشارة إلى أن الحديث ينبغي أن لا يتلقى إلا عن ثقة عرف بالحفظ والضبط وشهر بالصدق والأمانة عن مثله حتى ينتهي الخبر إلى الصحابي وهذا علم من أعلام نبوته ومعجزة من معجزاته فقد يقع في كل عصر من الكذابين كثير ووقع ذلك لكثير من جهلة المتدينة المتصوفة
(م) في مقدمته (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم: ولا أعلم له علة(4/132)
4781 - (سيكون أمراء تعرفون) يعني ترضون بعض أقوالهم وأفعالهم لكونه في الجملة مشروعا (وتنكرون) بعضها لقبحه شرعا (فمن نابذهم) يعني أنكر بلسانه ما لا يوافق الشرع (نجا) من النفاق والمداهنة (ومن اعتزلهم) منكرا بقلبه (سلم) من العقوبة على ترك المنكر (ومن خالطهم) راضيا بفسقهم (هلك) يعني وقع فيما يوجب الهلاك الأخروي من ارتكاب الآثام لانحطاطه في هواهم واحتياجه لمداهنتهم والرضى بأعمالهم والتشبه بأحوالهم والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم بما فيه تعظيمهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}
(ش طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه هشام بن بسطام وهو ضعيف. ظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة أحد وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب [ص:133] فقد خرجه مسلم من حديث أبي سلمة(4/132)
4782 - (سيكون بعدي أمراء يقتتلون على الملك يقتل بعضهم بعضا) هذا من أعلام نبوته ومعجزاته الظاهرة البينة فإنه إخبار عن غيب وقع
(طب عن عمار) بن ياسر(4/133)
4783 - (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) أي لا يصدقون بأنه تعالى خلق أفعال عباده كلها من خير وشر وكفر وإيمان
(حم ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو داود في السنة والترمذي في القدر وابن ماجه في الفتن بلفظ يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر(4/133)
4784 - (سيكون بعدي قصاص) جمع قاص وهو الذي يقص على الناس كما سبق (لا ينظر الله إليهم) هذا من علامة النبوة لأنه من الإخبار بالمغيبات وكان ذلك فقد نشأ قصاص يقومون على رؤوس الناس يكذبون ويروون أحاديث لا أصل لها ويشتغلون عن ذكر الله وعن الصلاة قال الغزالي: قد بلي الخلق بوعاظ يزخرفون أسجاعا ويتكلفون ذكر ما ليس في سعته علمهم ويتشبهون بحال غيرهم فسقط من القلوب وقارهم ولم يكن كلامهم صادرا من القلب ليصل إلى القلب بل القائل متصلف والمستمع متكلف وفي الفردوس من حديث ابن عباس مرفوعا سيكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون ويزهدونهم ولا يزهدون وينبسطون عند الكبراء وينقبضون عند الفقراء ينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون أولئك الجبارون أعداء الرحمن عز وجل. انتهى
(أبو عمرو بن فضالة في أماليه عن علي)(4/133)
4785 - (سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله عز وجل) قال في الفردوس: وفي رواية ابن مسعود يطفئون السنة ويعملون بالبدع وفي هذا الحديث وما قبله إيذان بأن الإمام لا ينعزل بالفسق ولا بالجور ولا يجوز الخروج عليه بذلك لكنه لا يطاع فيما أمر به من المعاصي
(طب ك) في المناقب (عن عبادة بن صامت) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأنه تفرد به عبد الله بن واقد وهو ضعيف انتهى. وبه يعلم أن رمز المصنف لحسنه غير حسن وسبب الحديث كما في المستدرك أن عبادة دخل على عثمان فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: فساقه ثم قال: فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك فما راجعه عثمان حرفا(4/133)
4786 - (سيليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله بهم أكثر فمن عمل منهم بطاعة الله فلهم الأجر وعليكم الشكر ومن عمل منهم بمعصية الله فعليهم الوزر) قال في الكشاف: الوزر والوقر أخوان من وزر الشيء إذا حمله على ظهره (وعليكم الصبر) أي لا طريق لكم في أيامهم إلا الصبر فالزموه فهو إشارة إلى وجوب طاعتهم وإن جاروا ولزوم الانقياد لهم والتحذير من الخروج عليهم وشق العصا وإظهار [ص:134] كلمة النفاق وذلك كله من السياسة التي يقوم بها مصالح الدارين قال الزمخشري: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الناهضة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يقدح الحامل وينقض ظهره ويلقي عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم اه
(طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: ضعيف أي وذلك لأن فيه حكيم بن حزام قال في الميزان: قال أبو حاتم: متروك وقال البخاري: منكر الحديث وساق له هذا الخبر وفيه أيضا عبد الملك بن عمير قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد مضطرب الحديث(4/133)
4787 - (سيوقد المسلمون من قسى يأجوج ومأجوج) بوزن طالوت وجالوت (ونشابهم وأترستهم سبع سنين) في الكشاف: هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف وهما من ولد يافث وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل قال ابن العربي: وهما أمتان مضرتان مفسدتان كافرتان من نسل يافث بن نوح وخروجهما بعد عيسى والقول بأنهم خلقوا من مني آدم المختلط بالتراب وليسوا من حواء غريب جدا لا دليل عليه وإنما يحكيه بعض أهل الكتاب وفي التيجان أن أمة منهم آمنوا فتركهم ذو القرنين لما بنوا السد بأرمينية فسموا لذلك الترك والديلم
(هـ عن النواس) بن سمعان(4/134)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف السين](4/134)
4788 - (السائحون هم الصائمون) قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا يسيح ولا زاد له فحين يجد يطعم والصائم يمضي نهاره ولا يطعم شيئا فشبه به وأصله من السيح وهو الماء الجاري الذي ينبسط ويمضي إلى غير حد ولا منتهى ذكره في الفردوس
(ك عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منده وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي وغيرهم(4/134)
4789 - (السائمة) أي الراعية العاملة وفي رواية السائبة (جبار) أي هدر لا زكاة فيها (والمعدن جبار) أي ما استخرج من نحو لؤلؤ وياقوت هدر لا شيء فيه (وفي الركاز الخمس) وهو ما دفنه جاهلي في موات مطلقا
(حم عن جابر) قال الهيثمي: فيه مجالد بن سعيد وقد اختلط(4/134)
4790 - (السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب والظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة) قاله تفسيرا لقوله تعالى {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}
(ك) في التفسير عن الأعمش عن رجل (عن أبي الدرداء) سمعه منه جرير الضبي هكذا ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح(4/134)
4791 - (الساعي على الأرملة) براء مهملة التي لا زوج لها (والمسكين) أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما (كالمجاهد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (أو) كذا بالشك في كثير من الروايات وفي بعضها بالواو (القائم الليل) في العبادة ويجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه (الصائم النهار) لا يفتر ولا يضعف وأل في المجاهد والقائم معرفة ولذلك جاء في بعض الروايات وصف كل منهما بجملة فعلية بعده وهو كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. ذكره الأشرف ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين
(حم ق) في الأدب (ت) [ص:135] في البر (ن) في الزكاة (هـ) في التجارة (عن أبي هريرة)(4/134)
4792 - (السباع) بسين مهملة مكسورة ثم باء موحدة على الأشهر وقيل بشين معجمة ذكره المنذري كابن الأثير أي المفاخرة بالجماع هكذا فسره ابن لهيعة أحد رواته (حرام) لما فيه من هتك الأسرار وفضيحة المرأة وهو أن يتساب اثنان فيرمي كل صاحبه بما يسوؤه أو المراد جلود السباع حرام
(حم ع هق عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد وأبي يعلى: فيه دراج وثقه ابن معين وضعفه وغيره اه وقال غيره: فيه أحمد بن عيسى المصري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان ابن معين يكذبه وهو ثقة اه وبالخلاف تنحط درجة السند عن الصحة فرمز المصنف لصحته فيه ما فيه(4/135)
4793 - (السباق أربعة: أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة) تمسك بهذا من فضل العجم على العرب فقالوا: فضيلة المسلم سبقه إلى الإسلام وقد ثبت منها للعجم ما لم يثبت للعرب فإن قلتم فقد سبق للإسلام أبو بكر وعمار وأمه وبلال وصهيب والمقداد قلنا فالسباق إذن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة: ثلاثة عرب والثلاثة عجم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عربي فلم يساو عدد أتباعه من رهطه عدد أتباعه من غيرهم وأجيب بما فيه طول
(البزار) في مسنده عن أنس. قال الهيثمي: ورجاله ثقات (طب ك عن أنس) قال الحاكم: تفرد به عمارة بن زادان عن ثابت. قال الذهبي: وعمارة واه ضعفه الدارقطني اه. وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة بن ذادان وهو ثقة وفيه خلاف (طب عن أم هانئ) قال الهيثمي: فيه قائد العطار وهو متروك ورواه الطبراني أيضا عن أبي أمامة. قال الهيثمي: وسنده حسن (عد عن أبي أمامة) قال في الميزان عن أبي حاتم وأبي زرعة: حديث باطل لا أصل له بهذا الإسناد(4/135)
4794 - (السبع المثاني) المذكورة في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} (فاتحة الكتاب) قاله تفسيرا للآية المذكورة سميت بذلك لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة منها وهو ما نقله البخاري فإن قيل المتبادر من إطلاق الحمد ينفي كونها منها: رد الأول بالمنع وإن سلم فلا ينبغي كونها منها والثاني بأن الحمد مميز دونها
(ك) في فضائل القرآن وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن أبي) بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها ثم ذكره صححه الحاكم(4/135)
4795 - (السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى) بن عمران (يوشع بن نون (1) وهو القائم من بعده (والسابق إلى عيسى) ابن مريم (صاحب يس) (2) حبيب النجار (والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب) فأعظم بها من منقبة لعلي وكم له من [ص:136] مناقب لا يشارك فيها. قال ابن حجر: إن ثبت هذا الحديث دل على أن قصة حبيب النجار المذكورة في يس كانت في زمن عيسى أو بعده وصنيع البخاري يقتضي أنها قبله
(طب وابن مردويه) في تفسيره كلاهما من وجه واحد (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه الحسن بن أبي الحسن بن أبي الحسين الأشقر وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح اه. ورواه من هذا الوجه العقيلي في الضعفاء وقال: حسن المذكور شيعي متروك والحديث لا يعرف إلا من جهته وهو حديث منكر
_________
(1) وهو نبي وكان يعمل بشريعة موسى عليه السلام)
(2) الذي قصته مذكورة في سورة يس في قوله تعالى {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المرضى ونبرئ الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرئ فآمن حبيب وفشى الخبر إلى آخر القصة(4/135)
4796 - (السبيل) المذكور في قوله تعالى {من استطاع إليه سبيلا} (الزاد والراحلة) سئل عن الآية فذكره. قال القاضي: وهو يؤيد قول الشافعي أنها أي الاستطاعة بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمني إذا وجد أجرة النائب وقال مالك: هي بالبدن فتجب على من أمكنه المشي والكسب في الطريق وجعلها أبو حنيفة بمجموع الأمرين
(الشافعي) في مسنده (ت) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن عبد الله الليثي وقال: ضعفه ابن معين وتركه النسائي (هق عن عائشة) قالت: قيل يا رسول الله ما السبيل في الحج؟ قال: الزاد والراحلة. رمز المصنف لصحته وليس بصواب فقد قال الذهبي في المهذب: فيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف لكن له شاهد مرسل وآخر مسند عن ابن عباس(4/136)
4797 - (السجدة التي في ص) أي في سورة " ص " (سجدها داود) نبي الله (توبة) أي شكرا لله على قبول توبته كما تفسره رواية أخرى (ونحن نسجدها شكرا) لله على قبوله توبة نبيه من خلاف الأولى الذي ارتكبه مما لا يليق بسمو مقامه لعصمته كسائر الأنبياء عن وصمة الذنب مطلقا وما وقع في كثير من التفاسير مما لا ينبغي تسطيره (1) فغير صحيح بل لو صح وجب تأويله لثبوت عصمتهم ووجوب اعتقاد نزاهتهم عن ذلك السفساف الذي لا يقع من أقل صالحي هذه الأمة فضلا عن الأنبياء وخص داود بذلك مع وقوع مثله لآدم وغيره لأن حزنه على ما ارتكبه كان عظيما جدا. وهذا الحديث كما ترى صريح فيما ذهب إليه الشافعي من أن سجدة " ص " ليست من سجدات التلاوة وجعلها أبو حنيفة منها وأول الحديث بأن غايته أن بين السبب في حق داود وفي حقنا وكونها للشكر لا ينافي الوجوب فكل واجب إنما وجب شكرا لتوالي النعم
(طب خط) في ترجمة موسى الختلي (عن ابن عباس) وفيه محمد بن الحسن الإمام أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال النسائي ضعيف. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو عجب فقد رواه النسائي في سننه عن الحبر أيضا وفي مسند أحمد عن أبي سعيد: رأيت وأنا أكتب سورة " ص " حين بلغت السجدة الدواة والقلم وكل شيء حضر لي ساجدا فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجدها
_________
(1) الكلام هنا بشأن سبب توبة داود عليه السلام
هذا وإن ما ورد في تلك التفاسير منقول من الإسرائيليات ولا أصل له في الحديث ولا في سياق الآيات. قال تعالى:
(21) - وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب
(22) - إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط
(23) - إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب
(24) - قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب
(25) - فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب
فما وقع هنا هو أن داود عليه السلام حكم بظلم أحد الطرفين بمجرد تكلم خصمه ودون سماع طرفه وهو إنما كان معذورا لفزعه من تسور الخصمين عليه ودخولهما في غير وقت العادة. هذا يؤيده نص الآيات المذكورة وتؤيده الآية التي تلي:
(26) - يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب
ووجه التأييد هو أن الله تعالى ختم ذكر هذه القصة بهذه الآية فاتضح منها أن الحكمة من تلك الحادثة كانت تقوية داود عليه السلام على الحكم بين الناس بالحق ولو أثناء فزعه
وفي هذا المعنى قال الإمام فخر الدين الرازي في " عصمة الأنبياء " ضمن تفصيل كثير:
الخامس: أن الصغيرة منه إنما كانت بالعجلة في الحكم قبل التثبيت وكان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ولا يقضي عليه قبل المسألة. والمجيب بهذا الجواب قال: إن الفزع من دخولهما عليه في غير وقت العادة أنساه التثبت والتحفظ. دار الحديث](4/136)
4798 - (السجود على سبعة أعضاء: اليدين والقدمين والركبتين والجبهة) يعني أنه يندب وضعها على الأرض حال السجود على ما عليه الرافعي وقال النووي: يجب ويرجح إرادة الأول قوله (ورفع اليدين: إذا رأيت البيت) أي الكعبة إذ لم يقل أحد بوجوبه فيما رأيته (و) رفع اليدين أيضا (على الصفا والمروة و) رفعهما (بعرفة وبجمع) أي بالمزدلفة (وعند رمي الجمار) أي الثلاثة المعروفة (وإذا أقيمت الصلاة) يعني عند التحريم بها وأوجب أحمد الأخير
(طب عن ابن عباس)(4/136)
[ص:137] 4799 - (السجود على الجبهة والكفين والركبتين وصدور القدمين من لم يمكن شيئا منها من الأرض أحرقه الله بالنار) فيه وجوب وضع السبعة أعظم المذكورة مع التحامل عليها وهو المفتى به عند الشافعية خلافا للرافعي منهم بل قضية الخبر أن ترك ذلك كبيرة للتوعد عليه بالنار ومحل بسط ذلك كتب الفروع
(قط في الأفراد عن ابن عمر) بن الخطاب(4/137)
4800 - (السحاق بين النساء زنا بينهن) أي مثل الزنا في لحوق مطلق الإثم وإن تفاوت المقدار في الأغلظية ولا حد فيه بل التعزير فقط لعدم الإيلاج فإطلاق الزنا العام على زنا العين والرجل واليد والفم مجاز
(طب عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي(4/137)
4801 - (السحور كله بركة) أي زيادة في القدرة على الصوم أو زيادة في الأجر (فلا تدعوه) أي لا تتركوه (ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء) فلا يتركه بحال (فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) وصلاة الله عليهم رحمتهم وصلاة الملائكة استغفارهم لهم وهذا ترغيب عظيم فيه كيف وهو زيادة في القوة وزيادة في إباحة الأكل وزيادة في الرخص المباحة التي يحب الله أن تؤتى وزيادة في الحياة وزيادة في الرفق وزيادة في اكتساب الطاعة فكأنه جعل السحور وقتا لزيادة النعمة ودفعا للنقمة فتدبر
(حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه ابن رفاعة ولم أجد من وثقه ولا من جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته(4/137)
4802 - (السخاء خلق الله الأعظم) أي هو من أعظم صفاته العظمى والخلق بالضم السجية قال الماوردي: وحد السخاء أي في المخلوق بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل إلى مستحقه بقدر الطاقة وتدبير ذلك مستصعب ولعل بعض من يحب أن ينسب إلى الكرم ينكر حد السخاء ويجعل تقدير العطية فيه نوعا من البخل وأن الجود بذل الموجود وهنا تكلف يفضي إلى الجهل بحدود الفضائل ولو كان حد الجود بذل الموجود لما كان للسرف موضعا ولا للتبذير موقعا وقد ورد الكتاب والسنة بذمهما وإذا كان السخاء محدودا فمن وقف على حده يسمى كريما واستوجب المدح ومن قصر عنه كان بخيلا واستوجب الذم. إلى هنا كلامه. وقال الراغب: السخاء هيئة في الإنسان داعية إلى بذل المقتنيات حصل معه البذل أو لا ومقابله الشح. والجود بذل المقتنى ويقابله البخل هذا هو الأصل وقد يستعمل كل منهما محل الآخر وقد عظم الله الشح وحذر منه في آيات كثيرة. وقال في الإحياء: الإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير وبينهما وسط هو المحمود والجود والسخاء عبارة عنه ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به وإلا فهو متسخي لا سخي. وقال بعضهم: السخاء أتم وأكمل من الجود وضده البخل وضد السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب عادة بخلاف ذينك فإنهما من ضروريات الغريزة فكل سخي جواد ولا عكس والجود يتطرق إليه الرياء ويمكن تطبعه بخلاف السخاء كما في العوارف فلذا قال السخاء ولم يقل الجود
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وظاهره أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والديلمي خرجاه عن عمارة باللفظ المزبور بل رواه أبو الشيخ [ابن حبان] ابن حبان في كتاب الثواب(4/137)
[ص:138] 4803 - (السخاء) قال ابن العربي: وهو لين النفس بالعطاء وسعة القلب للمواساة (شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار) يعني أن السخاء يدل على كرم النفس وتصديق الإيمان بالاعتماد في الخلق على من ضمن الرزق وهو على كل شيء قدير فمن أخذ بهذا الأصل وعقد طويته عليه فقد استمسك بالعروة الوثقى الجاذبة له إلى ديار الأبرار والبخل يدل على ضعف الإيمان وعدم الوثوق بضمان الرحمن وذلك جاذب إلى الخسران وقائد إلى دار الهوان وقيل: ومن أقبح ما في البخيل أنه يعيش عيش الفقراء ويحاسب محاسبة الأغنياء وقيل: البخل جلباب المسكنة والبخيل ليس له خليل <تنبيه> سخاء العوام سخاء النفس ببذل الموجود وسخاء الخواص سخاء النفس عن كل موجود ومفقود غني بالواحد المعبود فلما سخي بالأشياء وعنها اعتمادا على مولاه اكتنفه فمتى عثر في مهلكة تولاه
(قط في الأفراد) وكذا في المستجاد (هب) كلاهما (عن علي) أمير المؤمنين (عد هب) كلاهما عن محمد بن منير المظهري عن عثمان بن شيبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران بن أبي حنيفة عن داود بن الحصين عن الأعرج (عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي: وهو ضعيف وقال ابن الجوزي: لا يصح داود ضعيف (حل) عن الحسن بن أبي طالب عن عبد الله بن محمد الخلال عن أحمد بن الخطاب بن مهران التستري عن عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي عن عاصم بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد عن الثوري عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله قال ابن الجوزي: موضوع عاصم ضعيف وشيخه كذاب ثم قال أبو نعيم: تفرد به عبد العزيز بن خالد وعنه عاصم بن عبد الله (خط) في ترجمة أبي جعفر الطيالسي (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: إنه أعني الحديث حديث منكر ورجاله ثقات اه. (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) بن مالك لكن مع اختلاف في اللفظ ولفظه عن أنس قال: أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إن الله قد اختار لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق ألا إن السخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم سخيا لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله الجنة ألا إن اللؤم شجرة في النار وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم لئيما لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار اه. وفيه ضعفاء ومجاهيل (فر عن معاوية) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة. قال الزين العراقي: وطرقه كلها ضعيفة وأورده ابن الجوزي في الموضوع(4/138)
4804 - (السخي قريب من الله) أي من رحمته وثوابه فليس المراد قرب المسافة. تعالى الله عنه إذ لا يحل الجهات ولا ينزل الأماكن ولا تكتنفه الأقطار (قريب من الناس) أي من محبتهم فالمراد قرب المودة (قريب من الجنة) لسعيه فيما يدنيه منها وسلوكه طريقها فالمراد هنا قرب المسافة وذلك جائز عليها لأنها مخلوقة وقربه منها برفع الحجاب بينه وبينها وبعده عنها كثرة الحجب فإذا قلت الحجب بينك وبين الشيء قلت مسافته أنشد بعضهم:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت. . . وأنت كئيب إن ذا لعجيب [ص:139]
فعلت وما تغني ديار قريبة. . . إذا لم يكن بين القلوب قريب
والجنة والنار محجوبتان عن الخلق بما حفتا به من المكاره والشهوات وطريق هتك هذه الحجب مبينة في مثل الإحياء والقوت من كتب القوم (بعيد من النار والبخيل بعيد من الله) أي من رحمته (بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار) وقال الغزالي: والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا والسخاء ثمرة الزهد والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة والسخاء ينشأ من حقيقة التوحيد والتوكل والثقة بوعد الله وضمانه للرزق وهذه أغصان شجرة التوحيد التي أشار إليها الحديث والبخل ينشأ من الشرك وهو الوقوف مع الأسباب والشك في الوعد قال الطيبي: التعريف في السخي والبخيل للعهد الذهني وهو ما عرف شرعا أن السخي من هو والبخيل من هو وذلك أن من أدى الزكاة فقد امتثل أمر الله وعظمه وأظهر الشفقة على خلقه وواساهم بماله فهو قريب من الله وقريب من الناس فلا تكون منزلته إلا الجنة ومن لم يكن كذلك فبالعكس ولذلك كان جاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل كما قال: (ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد السخي أحب إلى الله من العابد العالم البخيل فيا لها من حسنة غطت على عيبين عظيمين ويا لها من سيئة حطت حسنتين خطيرتين على أن الجاهل السخي سريع الانقياد إلى ما يؤمر به من نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخلاف العالم البخيل <تنبيه> قال الراغب: من شرف السخاء والجود أن الله قرن اسمه بالإيمان ووصف أهله بالفلاح والفلاح أجمع لسعادة الدارين وحق للجود أن يقترن بالإيمان فلا شيء أخص منه به ولا أشد مجانسة له فمن صفة المؤمن انشراح الصدر {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وهما من صفة الجواد والبخيل لأن الجواد يوصف بسعة الصدر والبخيل بضيقه اه. ومن أحسن ما قيل فيه:
تراه إذا ما جئته متهللا. . . كأنك تعطيه الذي أنت سائله
(وللمتنبي أيضا:)
تعود بسط الكف حتى لو أنه. . . أراد انقباضا لم تعطه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه. . . لجاد بها فليتق الله سائله
<تنبيه> قال ابن العربي: قوله ولجاهل سخي إلخ مشكل يباعد الحديث عن الصحة مباعدة كثيرة وعلى حاله فيحتمل أن معناه أن الجهل قسمان جهل بما لابد من معرفته في عمله واعتقاده وجهل بما يعود نفعه على الناس من العلم فأما المختص به فعابد بخيل خير منه وأما الخارج عنه فجاهل سخي خير منه لأن الجهل والعلم يعود إلى الاعتقاد والسخاء والبخل إلى العمل وعقوبة ذنب الاعتقاد أشد من ذنب العمل
(ت) في الأدب (عن أبي هريرة) وقال أعني الترمذي: غريب (هب عن جابر) بن عبد الله (طس عن عائشة) وفيه عندهم جميعا سعيد بن محمد الوراق قال الذهبي: ضعيف وتبعه الهيثمي ولهذا قال ابن حبان: الحديث غريب وقال البيهقي: تفرد به سعيد الوراق وهو ضعيف اه. لكن هذا لا يوجب الحكم بوضعه كما ظنه ابن الجوزي(4/138)
4805 - (السر أفضل من العلانية) لما فيه من السلامة من الوقوع في الرياء وسائر حظوظ النفس ومن ثمة ورد في بعض الآثار أن عمل السر يفضل عمل العلانية بسبعين ضعفا (والعلانية) أفضل (لمن أراد الإقتداء) به في أفعاله وأقواله حبا لأن يعبد الله الخلق بمثل ما يعبده به نصحا لله في ذاته وخلقه
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي قال الذهبي: قال الخطيب قال لي محمد بن القطان كان يضع للصوفية الأحاديث وبقية قال الذهبي: صدوق لكنه يروي عمن دب ودرج فكثرت العجائب والمناكير في حديثه وعثمان بن زائدة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له حديث منكر وفي اللسان عثمان بن زائدة عن نافع عن ابن عمر حديثه غير محفوظ(4/139)
[ص:140] 4806 - (السراويل) جائز لبسه (لمن لا يجد الإزار) أي لمحرم فقده بأن تعذر عليه تحصيله حسا وشرعا (والخف لمن لا يجد النعل) هذا يدل لما ذهب إليه الشافعي من حل لبس السراويل للمحرم إذا فقد الإزار ولا يحتاج لفتق السراويل وقال مالك: يفتقه فإن لبسه بحاله لزمه فدية والخف كالسراويل فيما ذكر <تنبيه> قال الزمخشري: السراويل معربة هي اسم مفرد واقع في كلامهم على مثال الجمع الذي لا ينصرف كقناديل فيمنعونه الصرف ويقال سروالة قال: عليه من اللؤم سروالة وعن الأخفش: من العرب من يراها جمعا وأن كل جزء من أجزائها سروالة
(د عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته كلامه كالصريح في أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس إلى مسلم(4/140)
4807 - (السرعة في المشي تذهب بهاء المؤمن) أي مهابته وحسن سمته وهيئته كما سبق تقريره
(خط) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه أبو معشر ضعفه يحيى والنسائي والدارقطني(4/140)
4808 - (السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله) لفظ رواية القضاعي فيما وقعت عليه طول العمر في عبادة الله وذلك لأن السعادة من الإسعاد والمساعدة ومن أعانه الله على العبادة وأقدره على القيام بها فقد أسعده وكلما طال عمره استلذ الطاعة واستكره المعصية وكلما كان العمر أطول كانت الفضائل أرسخ وأقوى وإنما مقصود العبادات تأثيرها في القلب ولذلك كره الأنبياء والأولياء الموت والدنيا مزرعة الآخرة فكلما كانت العبادة أكبر بطول العمر كان الثواب أجزل والنفس أزكى وأطهر والأخلاق أقوى وأرسخ
(القضاعي) في مسند الشهاب (فر) وابن زنجويه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن السعادة فذكره. قال الزين العراقي: في إسناده ضعف. وقال شارح الشهاب: غريب جدا وخرجه الخطيب في تاريخه عن ابن عمر وفيه عدي بن إبراهيم البرزوي وقال: إنه لم يكن محمود في الرواية وفيه غفلة وتساهل(4/140)
4809 - (السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه) أي السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يخرجه عن قابلية السعادة وكذا تقدير السعادة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز ضرورة السعادة وقد دل على ذلك الحديث الآني: كل مولود يولد على الفطرة ثم أبواه يهودانه إلخ. وسره أن التقدير تابع للمقدور كما أن العلم تابع للمعلوم. ذكره ابن الكمال
(طص) وكذا البزار والديلمي كلهم (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: سنده صحيح وقال السخاوي: سبقه لذلك شيخه العراقي وقال في الدرر: سنده صحيح(4/140)
4810 - (السفر قطعة من العذاب) أي جزء منه لما فيه من التعب ومعاناة الريح والشمس والبرد والخوف والخطر وأكل الخشن وقلة الماء والزاد وفراق الأحبة ولا يناقضه خبر سافروا تغنموا إذ لا يلزم من الغنم بالسفر أن لا يكون من العذاب لما فيه من المشقة وقيل: السفر سقر. وقيل فيه:
وإن اغتراب المرء من غير خلة. . . ولا همة يسمو بها لعجيب [ص:141]
وحسب الفتى ذلا وإن أدرك العلا. . . ونال الثريا أن يقال غريب
(يمنع أحدكم طعامه) الجملة استئناف بياني لمقدر تقديره لم كان ذلك فقال يمنع أحدكم طعامه (وشرابه ونومه) بنصب الأربعة بنزع الخافض على المفعولية لأن منع يتعدى لمفعولين الأول أحدكم والثاني طعامه وشرابه عطف عليه ونومه إما على الأول أو الثاني والمراد منع كمالات المدكورات لا أصلها ومما تقرر علم أن المراد العذاب الدنيوي وأما ما قيل من أن المراد العذاب الأخروي بسبب الإثم الناشئ عن المشقة فيه فناشئ عن عدم تأمل قوله يمنع أحدكم إلخ فإن قلت لم عبر العذاب دون العقاب قلت لكون العذاب أعم إذ العذاب الألم كما تقرر وليس كل مؤلم يكون عقابا على ذنب (فإذا قضى أحدكم نهمته) بفتح فسكون رغبته أو مقصوده أو حاجته (من وجهه) أي مقصده وفي رواية إذا قضى أحدكم وطره من سفره وفي رواية فرغ من حاجته (فليعجل) بضم التحتية (الرجوع إلى أهله) محافظة على فضل الجمعة والجماعة وأداء للحقوق الواجبة لمن يمونه وعبر بالنهمة التي هي بلوغ الهمة إشعارا بأن الكلام في سفر لأرب دنيوي كتجارة دون الواجب كحج وغزو. <فائدة> لما جلس إمام الحرمين محل أبيه سئل لم كان السفر قطعة من العذاب فأجاب فورا لأن فيه فراق الأحباب
(مالك) في آخر الموطأ (حم ق هـ عن أبي هريرة)(4/140)
4811 - (السفل) بكسر أوله وضمه (أرفق) قاله لأبي أيوب لما نزل عليه بالمدينة فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل وأبو أيوب في العلو ثم استدرك أبو أيوب رعاية للأدب فعرض عليه التحول إلى العلو فقال: السفل أرفق أي بأصحابه وقاصديه
(حم عن أبي أيوب) الأنصاري(4/141)
4812 - (السكينة عباد الله السكينة) بفتح المهملة والتخفيف الوقار والطمأنينة والرزانة وقرئ في الآية بالكسر والتشديد وقيل: السكينة التأني في الحركات وتجنب العبث والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت ومر معنى آخر وحذف حرف النداء تخفيفا أي الزموا يا عباد الله وقال الظاهر مع طمأنينة القلب وعدم تحركه مما يمتحن به من المؤذيات
(أبو عوانة) في صحيحه (عن جابر) قال: لما أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات قال ذلك(4/141)
4813 - (السكينة مغنم وتركها مغرم) قال الديلمي: فعيلة من السكون وهو الوقار وقال غيره: السكينة تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع قال ابن خالويه: ولا نظير لها أي في وزنها إلا قولهم على فلان ضريبة أي خراج معلوم
(ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور (والإسماعيلي في معجمه) والديلمي (عن أبي هريرة) ثم قال الحاكم: هذا أعجب من كل ما أنكر على سفيان بن وكيع فإنه صحيح الإسناد شاذ المتن(4/141)
4814 - (السكينة) بفتح السين (في أهل الشاء والبقر) لأن من حكمة الله في خلقه أن من اغتذى جسمه بجسمانية شيء اغتذت نفسانيته ذلك الشيء وقال بعضهم: إنما خص أهل الغنم والبقر بذلك لأنهم غالبا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من أسباب الفخر والخيلاء وقيل: أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم والبقر بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل وقال المجد بن تيمية: أصل هذا أن الله جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين وكلما كانت المشابهة أقوى وأكثر فالتفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالمعنى وكلما كان بين إنسان وإنسان مشاركة في جنس خاص كان التفاعل فيه أشد ثم بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط فلا بد من نوع تفاعل بقدره ثم بينه وبين الثبات [ص:142] مشاركة في الجنس البعيد مثلا فلا بد من نوع ما من المفاعلة لهذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة وكذا الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه فلذلك صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل والسكينة في أهل الغنم وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من العشرة والمؤالفة وقلة النفرة فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشاكلة ومشابهة في الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف(4/141)
4815 - (السلطان ظل الله في الأرض) لأنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل حر الشمس وقد يكنى بالظل عن الكنف والناحية ذكره ابن الأثير وهذا تشبيه بديع ستقف على وجهه وأضافه إلى الله تشريفا له كيد الله وناقة الله وإيذانا بأنه ظل ليس كسائر الظلال بل له شأن ومزيد اختصاص بالله بما جعله خليفة في أرضه ينشر عدله وإحسانه في عباده ولما كان في الدنيا ظل الله يأوي إليه كل ملهوف استوجب أن يأوي في الآخرة إلى ظل العرش قال العارف المرسي: هذا إذا كان عادلا وإلا فهو في ظل النفس والهوى (فمن أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله) لأن نظام الدين إنما هو بالمعرفة والعبادة وذلك لا يحصل إلا بإمام مطاع ولولاه لوقع التغلب وكثر الهرج وعمت الفتن وتعطل أمر الدين والدنيا فالسلطان حارس وراعي ومن لا راعي له فهو ضال فمن أمان أمير المؤمنين فهو من المهانين <تنبيه> قال بعض العارفين: لا تدعو على الظلمة إذا جاروا فإن جورهم لم يصدر عنهم وإنما صدر عن المظلوم حتى تحكم فيه أو عليه فظهر ظلمه فالحكام متسلطون بحسب الأعمال {إن لكم لما تحكمون} والحاكم الجائر عدل الله في الأرض ينتقم من خلقه به ثم يصيره إليه فإن شاء عفا عنه لأنه آلته وإن شاء عذبه لأنه حقه
(طب هب عن أبي بكرة) وفيه سعد بن أويس فإن كان هو العبسي فقد ضعفه الأزدي وإن كان البصري فضعفه ابن معين ذكرهما الذهبي في الضعفاء(4/142)
4816 - (السلطان ظل الله في الأرض) تشبيه وقوله (يأوي إليه كل مظلوم من عباده) جملة مبينة إنما شبهه بالظل لأن الناس يستريحون إلى برد عدله من حر الظلم (فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر وإن جار (1) أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر) أي الوزر العظيم الشديد (وكان على الرعية الصبر) أي يلزمهم الصبر على جوره ولا يجوز لهم الخروج عليه إلا إن كفر ثم إنه لا منافاة بين فرض جوره وما اقتضاه مطلع الحديث من عدله لأن قوله السلطان ظل الله بيان لشأنه وأنه ينبغي كونه كذلك فإذا جار خرج عن كونه ظل الله فهو من قبيل {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى} فرتب على الحاكم الوصف المناسب ونهاه عما لا يناسب أفاده الطيبي (وإذا جارت الولاة قحطت السماء) أي إذا ذهب العدل انقطع القطر فلم تنبت الأرض فحصل القحط لأن الوالي فاصل بين [ص:143] الحق والباطل فإذا ذهب الفاضل انقطعت الرحمة (وإذا منعت الزكاة هلكت المواشي) لأن الزكاة تنميها والنمو بركة وإذا منعت الزكاة بقي المال بدنسه ولا بقاء للبركة مع الدنس وإذا ارتحلت البركة عن شيء هلك لأن نسله ينقطع (وإذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة) لأن الغنى من فضل الله والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه وبالمناكحة الشرعية يلتقي الزوجان على الفرح بما أعطاهم الله فمن زنا فقد آثر الفرح الذي من قبل العدو على الفرح الذي بفضل الله فأورثه الفقر (وإذا أخفرت الذمة أديل الكفار) لأن المؤمن عاهد الله بالوفاء بذمته فإذا أخفر نقض العهد وإذا نقض وهن عقد المعرفة لأن المعرفة مقرونة بالعهد معقودة به وبنقض العهد يخاف انحلال العقد وبالانحلال تذهب هيبة الإسلام ويقذف الوهن في القلوب
(الحكيم) الترمذي (والبزار) في مسنده وابن خزيمة عن ابن عمر قال الهيثمي: وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي وهو متروك (هب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه وأبو المهدي سعيد بن سنان ضعيف عند أهل العلم (2) بالحديث انتهى وسعيد بن سنان هذا ضعفه ابن معين وغيره وقال البخاري: منكر الحديث وساق في الميزان من مناكيره هذا الحديث وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده
_________
(1) الجور نقيض العدل وضد القصد والحيف الجور والظلم وضع الشيء في غير موضعه وحينئذ فمعاني الثلاث متقاربة أي فالجمع بينها للإطناب
(2) [في الأصل: " أهل العز " وهو خطأ مطبعي واضح. دار الحديث](4/142)
4817 - (السلطان ظل الله في الأرض) قال في الفردوس: قيل أراد بالظل العز والمنعة (يأوي إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم) فإن الظلم له وهج وحر يحرق الأجواف ويظمئ الأكباد وإذا أوى إلى سلطان سكنت نفسه وارتاحت في ظل عدله (ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة) وقيل: سلطان عادل خير من مطر وابل وسبع حطوم خير من وال غشوم قال ابن عربي: إقامة الدين هو المطلوب ولا يصح إلا بالأمان فاتخاذ الإمام واجب في كل زمان <فائدة> ذكر حجة الإسلام في الإحياء: أن من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله جمع له بين النبوة والسلطان
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن أبي هريرة)(4/143)
4818 - (السلطان ظل الله في الأرض) أي ستره (فمن غشه ضل ومن نصحه اهتدى) قال الماوردي: لا بد للناس من سلطان قاهر تأتلف برهبته الأدوية المخيفة وتجتمع بهيبته القلوب المتفرقة وتكف بسطوته الأيدي المتغالبة وتقمع من خوفه النفوس المتعاندة والمتعادية لأن في طبائع الناس من حب المغالبة والقهر لمن عاندوه ما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع ملي قال:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد. . . ذا عفة فلعلة لا يظلم
والعلة المانعة من الظلم عقل زاجر أو دين حاجز أو سلطان رادع وعجز صاد إذا تأملت لم تجد خامسا ورهبة السلطان أبلغها لأن العقل والدين ربما كانا مشغوفين بداعي الهوى فتكون رهبة السلطان أشد زجرا وأقوى ردعا
(هب عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن يونس القرشي وهو الكديمي الحافظ اتهمه ابن عدي بوضع الحديث وقال ابن حبان: كان يضع على الثقات قال الذهبي في الضعفاء عقبه: قلت انكشف عندي حاله(4/143)
4819 - (السلطان ظل الله في الأرض فإذا دخل أحدكم بلدا ليس به سلطان فلا يقيمن به) قال الحكماء: الأدب أدبان أدب [ص:144] شريعة وأدب سياسة وهو ما عمر الأرض وكلاهما يرجع إلى العدل الذي به سلامة السلطان والأمانة وعمارة البلدان
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي(4/143)
4820 - (السلطان ظل الرحمن في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده فإن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر وإن جار وحاف وظلم كان عليه الإصر وعلى الرعية الصبر) قال الزمخشري: الإصر هو الثقل الذي يأصر حامله أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله <تنبيه> قال ابن عربي: من أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا وله ظن يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا فإن كان من أهل الموافقة كان هو وظله سواء وإن كان مخالفا أناب ظله منابه في طاعة الله {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والأصال} والسلطان ظل الله في الأرض إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها أثر في عالم الدنيا والعرش ظل الله في الأرض في الآخرة فالظلالات أبدا تابعة للصور المنبعثة عنها حسا ومعنى فالحسي قاصر لا يقوى قوى الظل المعنوي للصورة المعنوية لأنه يستدعي نورا مقيما لما في الحس من التقييد والضيق ولهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن السلطان ظل الله فقد بان أن بالظلالات عمرت الأماكن وقد تضمن الحديث من وجوب طاعة الأئمة في غير معصية والإيواء إليهم وبيان ما على السلطان من حياطة رعيته ولهذا قال يأوي إليه كل مظلوم ليمتنع بعز سلطانه من التظلم ويرفع من ظلامته ببرد ظله <تنبيه> عدوا من أخلاق العارفين مخاطبة ظلمة السلاطين باللين بأن يشهد أحدهم أن يد القدرة الإلهية هي الآخذة بناصية ذلك الظالم إلى ذلك الجور وأن الحاكم الظالم كالمجبور على فعله من بعض الوجوه وكصاحب الفالج لا يستطيع تسكين رعدته
<تنبيه> ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالسلطان في أخبار كثيرة القطب قال العارف ابن عربي: آل محمد لهم إقامة أمر الله من حيث لا يشعر به الأقطاب والأبدال والأوتاد والنقباء والنجباء ولهؤلاء دون آل محمد الإحاطة إقامة لأمر الدين والدنيا من حيث لا يشعرون بمسرى مددهم من آل محمد إلا أن يجدوا أثرا من الآثار لمن يؤيد بروح منهم قال: وكذا لولي الأمر الظاهر من الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والولاة والقضاة والفقهاء ونحوهم ممن يقوم بهم أمر ظاهر الدين والدنيا من الأقطاب مددا وإقامة من حيث لا يشعرون وذلك أن الأمر كله لله {ألا له الخلق والأمر} {والله من ورائهم محيط}
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن عبد الغفار قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: اتهم بالوضع وسعيد بن سعيد الأنصاري قال الذهبي: ضعيف(4/144)
4821 - (السلطان العادل) بين الخلق (المتواضع) لهم (ظل الله ورمحه في الأرض يرفع له عمل سبعين صديقا) تمامه كما في الفردوس كلهم عابد مجتهد وكأنه سقط من قلم المصنف وذلك لأن رفع الدرجات بالنيات والهمم لا بمجرد العمل ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة بل بشيء وقر في صدره فإنما هي همم سبقت همما وشتان بين من همته ونيته صلاح العالم وبين من همته ونيته مقصورة على صلاح نفسه وإذا وازنت بين من نيته بالتعلم إحياء وإعلاء السنة وإماتة البدعة وبين من نيته اكتساب مال أو رياسة رأيت بينهما في الفضل والرتبة أبعد مما بين السماء والأرض وهما في التعب سواء وإنما التفاوت بالنية والهمة فالسلطان الذي هذا نعته ليس من الدنيا ولا الدنيا منه فيؤتيه الله ملكا من ملكه ظاهرا وهداية من هدايته باطنا ويضاعف له ثواب الصديقية والظاهر أن المراد بالسبعين التكثير مبالغة كنظائره
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي بكر) الصديق ورواه عنه الديلمي أيضا(4/144)
[ص:145] 4822 - (السلف في حبل الحبلة) أي نتاج النتاج (ربا) لأنه بيع ما لم يخلق وعبر بالربا عن الحرام وكأنه اسم عام يقع على كل محرم في الشرع
(حم ن عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته ورواه عنه الديلمي(4/145)
4823 - (السل شهادة) هو قرحة في الرئة معها حمى دقية وسببه ملازمة بارد يابس كلحم بقر وعفونة خلط
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبادة بن الصامت) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/145)
4824 - (السماح رباح) أي ربح قال القالي في أماليه: يريد أن المسامح أحرى أن يربح (والعسر شؤم) أي مذهب للبركة ممحص للنمو منفر للقلوب انظر إلى بني إسرائيل لما شددوا شدد عليهم ولو سامحوا سومحوا تأمل قصة البقرة قال بعض العارفين: من مشهدك يأتيك روح مددك وعلى قدر يقينك تظفر بتمكينك قال العامري في شرح الشهاب: أصل السماحة السهولة في الأمر وذلك لأن سخاء النفس وسعة الأخلاق والرفق بالمعامل من أسباب البركة. والعسر يذهبهما ويوجب الشؤم والخسران
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الرحمن بن زيد قال الذهبي: ضعفه أحمد والدارقطني وآخرون لكن قال العامري في شرح الشهاب: إنه حسن (فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن نصر وابن لال ومن طريقهما وعنهما أورده الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى وفيه حجاج بن فرافصة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو زرعة: ليس بقوي اه. ونسبه ابن حبان إلى الوضع وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال الدارقطني: حديث منكر(4/145)
4825 - (السمت الحسن والتؤدة) التأني والتثبت وترك العجلة (والاقتصاد) في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط (جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة) أي هذه الخصال من شمائل أهل النبوة وجزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها إذ ليس معناه أن النبوة تجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال صار فيه جزء من النبوة لأنها غير مكتسبة أو المراد أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة ودعى إليها الأنبياء أو أن من جمعها ألبسه الله لباس التقوى الذي ألبسه الأنبياء فكأنها جزء منها
(ت) في البر (عن عبد الله بن سرجس) وقال: حسن غريب وتبعه المصنف فرمز لحسنه قال المناوي: ورجاله موثقون(4/145)
4826 - (السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة) قال القاضي: كان الصواب أن يقال خمس وفيما قبله أربع على التذكير فلعله أنث بتأويل الخصلة أو القطعة. قال التوربشتي: والطريق إلى معرفة سر هذا العدد مسدود فإنه من علوم النبوة اه. وسبق عن الغزالي طريق معرفة ذلك فلا تغفل
(الضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك(4/145)
4827 - (السمع) لأولي الأمر بإجابة أقوالهم (والطاعة) لأوامرهم (حق) واجب للإمام ونوابه (على المرء المسلم فيما أحب أو كره) أي فيما وافق طبعه أو خالفه وهو شامل لأمراء المسلمين في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعده ويندرج [ص:146] فيهم الخلفاء والقضاة (ما لم يؤمر) أي المسلم من قبل الإمام (بمعصية) الله (فإذا أمر) بضم الهمزة أي بمعصية (فلا سمع) لهم (عليه ولا طاعة) تجب بل يحرم ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعلى القادر الامتناع لكن بغير محاربة والفعلان مفتوحان والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية وفيه تقييد للمطلق في غيره من السمع والطاعة ولو لحبشي ومن الصبر على ما يقع من الأمراء مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة وقد خرج كثير من السلف على ولاة الجور في الفتن واعتزلها البعض ولعل خروج الخارج للخوف على نفسه
(حم ق 4 عن ابن عمر) بن الخطاب(4/145)
4828 - (السنة) بالضم الطريقة المأمور بسلوكها في الدين (سنتان سنة في فريضة وسنة في غير فريضة فالسنة التي في الفريضة أصلها في كتاب الله تعالى أخذها هدى وتركها ضلالة والسنة التي أصلها ليس في كتاب الله تعالى الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة) ففي فعلها الثواب وليس في تركها عقاب
(طس عن أبي هريرة) ثم قال الطبراني: لم يروه عن أبي سلمة إلا عيسى بن واقد. قال الهيثمي: ولم أر من ترجمه(4/146)
4829 - (السنة سنتان من نبي) مرسل هكذا هو في رواية الديلمي وكأنه سقط من قبل المصنف (ومن إمام عادل) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر السنة سنتان: سنة من نبي مرسل وسنة من إمام عادل اه. بلفظه
(فر عن ابن عباس) وفيه علي بن عبده أي التميمي. قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: كان يضع ومقسم ذكره البخاري في كتاب الضعفاء الكبير وضعفه ابن حزم(4/146)
4830 - (السنور) وفي رواية لوكيع وغيره الهر بدل السنور. قال العسكري: وله أسماء خمسة ولفظ السنور مؤنث (سبع) طاهر الذات وإذا كان كذلك فسؤره طاهر لأن أسآر السباع الطاهرة الذات طاهرة قال عياض: يجوز ضم موحدة السبع وسكونها إلا أن الرواية بالضم وقال الحرالي: هو بالضم والسكون وقال ابن عربي: هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال. وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وأما قول الطيبي يجوز أن يحمل على الاستفهام على سبيل الإنكار على الإخبار وهو الوجه أي السنور سبع وليس بشيطان كالكلب النجس ففيه من التعسف ما لا يخفى
(حم قط ك عن أبي هريرة) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قوما من الأنصار ودونهم دار فشق عليهم وعاتبوه فقال: لأن في داركم كلبا قالوا: وفي دارهم سنور فذكره وهذا صححه الحاكم ونوزع بقول أحمد حديث غير قوي وبأن فيه عيسى بن المسيب ضعفه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم وأورده في الميزان في ترجمته وأعله وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن حجر: رواه العقيلي أيضا وضعفه اه. ولما رواه الدارقطني قال: فيه عيسى بن المسيب صالح الحديث فتعقبه الغرياني بأن أبا حاتم قال: إنه غير قوي وبأن أبا داود قال: ضعيف(4/146)
4831 - (السنور من أهل البيت) فما ولغ فيه لا ينجس بولوغه (وإنه من الطوافين أو الطوافات عليكم) يعني كالخدم الذين لا يمكن التحفظ منهم غالبا بل يطوفون ولا يستأذنون ولا يحجبون فكما سقط في حقهم ذلك لضرورة مداخلتهم عفى عن الهر لذلك والقول بأنه تشبيه بمن يطوف للحاجة والمسألة فالأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة [ص:147] زيفوه وجمعها بالواو والنون مع أنها لا تعقل لتنزيلها منزلة من يعقل أو فيه إضمار تقديره إنها من مثل الطوافين وقوله أو الطوافات رواه أحمد بألف وبدونها ونقل النووي الواو عن رواية للترمذي وابن ماجه وأو عن الموطأ ومسند الدارمي قال الولي العراقي: وإسقاط الألف أكثر وبتقدير ثبوتها هو شك من الراوي أو للتقسيم قال النووي: والثاني أظهر لأنه بمعنى روايات الواو وفيه طهارة سؤر الهر وبه قال عامة العلماء إلا أن أبا حنيفة كره الوضوء بفضل سؤره وقال الكمال: هذا الحديث مختلف فيه وعلى كل حال فليس للمطلوب النزاعي حاجة إلى هذا الحديث لأن النزاع ليس في النجاسة للاتفاق على سقوطها بقلة الطرق المنصوصة في قوله إنها من الطوافين إلخ يعني أنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الأواني منها بل الضرورة اللازمة من ذلك أسقطت النجاسة كما أنه أوجب الاستئذان وأسقطه عن المملوكين والذين لم يبلغوا الحلم أو عن أهلهم في تمكينهم من الدخول في غير الأوقات الثلاثة بغير إذن للطواف المفاد بقوله تعالى عقبه {طوافون عليكم} إنما الكلام بعد هذا في ثبوت الكراهة أي كراهة ما ولغ فيه اه. واستدل به بعض المالكية على طهارة الكلب لوجود العلة وهي الطواف سيما عند العرب قال ابن دقيق العيد: وهو استدلال جيد وطريق من يريد الجواب أن يبين أن نجاسة الكلب أو سؤره بالنص والحكم المستند إلى النص أقوى من القياس
(حم عن أبي قتادة) قال: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دار فشق عليهم فقالوا: تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟ قال: إن في داركم كلبا. قالوا: فإن في دارهم سنورا فذكره وقد جوده مالك وحسنه الدارقطني وصححه الحاكم(4/146)
4832 - (السواك) بكسر أوله لغة الدلك وعرفا يطلق على العود الذي يستاك به وعلى الفعل واعترضه ابن هشام كأبي شامة بأنه لو كان مصدرا وجب قلب واوه ياء كالقيام فيقال سياك قال: وإنما الخبر على حذف مضاف أي استعمال السواك (مطهرة للفم) أي آلة تنظفه والمطهرة مفعلة من الطهارة بفتح الميم أفصح (مرضاة للرب (1)) وفي رواية لأبي نعيم مرضاة لله والمرضاة مفعلة من الرضى ضد السخط أي مظنة لرضى الله أو سبب لرضاه وذلك لأنه تعالى نظيف يحب النظافة والسواك ينظف الفم ويطيب رائحته لمناجاة الله وهذا كالصريح في ندبه للصائم لأن مرضاة الرب مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ولأنه طهور للفم والطهور للصائم فضل لكن قيده الشافعية بما قبل الزوال
(حم) من حديث عبد الله بن محمد (عن أبي بكر) الصديق (الشافعي) في المسند (حم ن حب ك هق عن عائشة هـ عن أبي أمامة) ورواه البخاري تعليقا بصحة الجزم وقال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكر وقال ابن الصلاح: إسناده صالح وقال البغوي: حديث حسن قال النووي في رياضه: أسانيده صحيحة
_________
(1) قوله مرضاة بفتح الميم بمعنى اسم الفاعل أي مرض للرب ويجوز كونه بمعنى المفعول أي مرضي للرب وسئل ابن هشام عن هذا الحديث كيف أخبر عن المذكر بالمؤنث فأجاب ليست التاء في مطهرة للتأنيث وإنما هي مفعلة الدالة على الكثرة كقوله الولد مبخلة مجبنة أي محل لتحصيل البخل والجبن لأبيه بكثرة فقيل استدل بعض أهل اللغة بهذا على أن السواك يجوز تأنيثه فقلت هذا غلط ويلزمه أن يستدل بقوله الولد مبخلة مجبنة على جواز تأنيث الولد ولا قائل به(4/147)
4833 - (السواك مطهرة) مصدر بمعنى الفاعل أي مطهر (للفم) أو بمعنى الآلة (مرضاة للرب) إما بمعنى الفاعل أي مرض أو المفعول أي مرضي للرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضى وأن يكونا مستقلين [ص:148] في العلية ذكره الطيبي (ومجلاة للبصر) في مجلاة ما في مرضاة وقد سمعت أن السواك يطلق على العود إلا أن هذا ذكره النووي كجمع ونازعه ابن دقيق العيد بأنه غير متفق عليه. ودخل الكسائي والمأمون على الرشيد وهو يتسوك فقال للكسائي: كيف تأمرك قال: استك فابتسم وقال: ما أفحش هذا الخطاب ثم قال للمأمون وهو طفل: كيف قال: سك فاك قال: يا أمير المؤمنين هكذا فليكن أدب الخطاب
(طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا ورواه أبو يعلى والديلمي(4/147)
4834 - (السواك يطيب الفم) الذي هو محل الذكر والمناجاة (وبرضي الرب) تمسك بهذا وما قبله من قال بوجوب السواك للصلاة كداود وكذا ابن راهويه فيما قيل قالوا: في تركه إسخاط للرب وإسخاطه حرام فتركه حرام والسواك مذكر على الصحيح وفي المحكم تأنيثه وأنكره الأزهري <تنبيه> قال القاضي عياض: يؤخذ من حديث كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك أنه مما لا يفعله ذو مروءة بحضرة الناس ولا في مسجد وقال صاحب المفهم: فيه دليل على تجنبه بالمساجد والمحافل ولم يرد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه تسوك في مسجد ولا في محفل لأنه من إزالة القذر قال الولي العراقي: وفيه نظر
(طب عن ابن عباس)(4/148)
4835 - (السواك نصف الإيمان والوضوء نصف الإيمان) لأن السواك يزيل الأوساخ الظاهرة والوضوء يزيل الظاهرة والباطنة والإيمان مبني على النظافة فكل منهما نصف بهذا الاعتبار
(رسته في كتاب الإيمان عن حسان بن عطية مرسلا) هو صاحب علي كرم الله وجهه(4/148)
4836 - (السواك واجب وغسل الجمعة واجب على كل مسلم) أي كل منهما متأكد جدا بحيث يقرب من الوجوب هكذا تأوله جمع جمعا بينه وبين الأخبار المصرحة بعدم وجوبهما وقد حكى بعضهم الإجماع على عدم وجوب السواك لكن حكى الشيخ أبو حامد عن داود أنه أوجبه للصلاة كما مر وحكى الماوردي عنه أنه واجب لكن لا يقدح تركه في صحتها وعن ابن راهويه أنه يجب لها فإن تركه عمدا لا سهوا بطلت. قال النووي: وذلك لا يضر في انعقاد الإجماع على المختار عند المحققين
(أبو نعيم في كتاب السواك عن عبد الله بن عمرو بن حلحلة ورافع بن خديج معا)(4/148)
4837 - (السواك من الفطرة) أي من السنة أو من توابع الدين ومكملاته ويحصل بكل ما يجلو الأسنان ولا يكره في وقت من الأوقات ولا في حال من الأحوال إلا للصائم بعد الزوال ومن فوائده أنه يطهر الفم ويرضي الرب وينقي الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق عن البلاغم والأكدار ويزكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ الشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت ويرهب العدو ويهضم الطعام ويغذي الجائع ويرغم الشيطان ويورث السعة والغنى ويسكن الصداع وعروق الرأس حتى لا يضرب عرق ساكن ولا يسكن عرق ضارب ويذهب وجع الضرس والبلغم والحفر ويصحح المعدة ويقويها ويزيد في الفصاحة والعقل ويطهر القلب ويبيض الوجه ويوسع الرزق ويسهله ويقوي البدن وينمي الولد والمال وغير ذلك
(أبو نعيم عن عبد الله بن جراد)(4/148)
[ص:149] 4838 - (السواك يزيد الرجل فصاحة) لأنه يسهل مجاري الكلام ويصفي الصوت ويزكي الحواس وينظف الأسنان والفم واللسان واللهوان فيجف فمه ولسانه فيسهل نطقه وتزيد فصاحته ويزداد جمالا وبهاء إذا تكلم
(عق عد) والقضاعي (خط في الجامع) من حديث عمرو بن داود عن سنان بن أبي سنان (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: حديث لا أصل له وعمرو وسنان قال العقيلي: مجهولان والحديث منكر غير محفوظ وأورده في الميزان في ترجمة عمرو هذا وقال: مجهول كشيخه والحديث منكر تفرد به معلى بن يعلى بن ميمون ومعلي ضعيف اه وقال الولي العراقي بعد ما عزاه للعقيلي: فيه معلى بن ميمون المجاشعي ضعيف وعمرو بن داود وسنان مجهولان والحديث فيه نكارة(4/149)
4839 - (السواك سنة فاستاكوا أي وقت شئتم) لفظ رواية الديلمي فيما وقفت عليه من أصول قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر فاستاكوا أي وقت النهار شئتم
(فر عن أبي هريرة) وفيه صدقة بن موسى قال الذهبي: ضعفوه عن فرقد قال الذهبي: وثقه ابن معين وقال أحمد: غير قوي وقال النسائي والدارقطني: ضعيف عن أبي المهزم قال الذهبي: ضعفوه اه ورواه أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى(4/149)
4840 - (السواك شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت) قال ابن القيم: وينبغي أن لا يؤخذ السواك من شجرة مجهولة فربما كانت سما
(فر عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده وليس كذلك بل ذكره هو وولده بلا سند فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب(4/149)
4841 - (السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن) أي مدينته الجامعة لاشتمالها على أمهات الأحكام ومعظم أصول الدين وفروعه والإرشاد إلى كثير من مصالح العباد ونظام المعاش ونجاة المعاد وفي الفردوس فسطاط القرآن معظم سوره وكل مدينة فيها مجتمع الناس تسمى فسطاطا (فتعلموها) ندبا مؤكدا (فإن تعلمها بركة وتركها حسرة) على تاركها (ولا تستطيعها) أي ولا تستطيع تعلمها أو قراءتها أو إدامة ذلك (البطلة) أي السحرة كذا فسره في الفردوس جمع باطل سموا بذلك لانهماكهم في الباطل أو لبطالتهم عن أمر الدين أو معنى عدم استطاعتهم لها أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعلمها أو التأمل في معانيها أو العمل بما فيها وقيل: المراد أنها من المعجزات التي لا يقدر الساحر أن يعارضها بالسحر بخلاف المعجزات المحسوسة فإنه قد يمكن الساحر محاولة معارضها بالسحر وقال الطيبي: المراد السحرة من الموحدين وأرباب البيان كقوله: إن من البيان لسحرا
(فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث(4/149)
4842 - (السلام قبل الكلام) (1) لأن في الابتداء بالسلام إشعارا بالسلام وتفاؤلا بالسلامة وإيناسا لمن يخاطبه وتبركا بالابتداء بذكر الله قال الله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا} قال ابن القيم: ويذكر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام قال في الفردوس: والسلام مشتق من السلامة وهي التخلص من الآفات فكانوا في الجاهلية يحيي أحدهم صاحبه بقوله أنعم صباحا وعم صباحا ويبيت اللعن ويقول سلام عليكم فكأنه علامة للمسالمة وأنه [ص:150] لا حرب ثم جاء الإسلام بالقصر على السلام وإفشائه اه فالمسلم كأنه يقول للمسلم عليه أحييك بأن السلام أي السلامة محيطة بك مني من جميع جهاتك فأنا مسالم لك بكل حال ومنقاد فاقبل عقد هذا التأمين برد مثله
(ت عن جابر) وقال: إنه منكر وقال في الأذكار: حديث ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن زاذان قال: قال البخاري: لا يكتب حديثه وضعفه الدارقطني وحكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه ابن حجر ومن العجب أنه ورد بسند حسن رواه ابن عباس في كامله من حديث ابن عمر باللفظ المذكور وقال الحافظ ابن حجر: هذا إسناد لا بأس به فأعرض المصنف عن الطريق الجيد واقتصر على المضعف المنكر بل الموضوع وذلك من سوء التصرف
_________
(1) يحتمل أن المعنى يندب قبل الشروع في الكلام لأنه تحية هذه الأمة فإذا شرع المقبل في الكلام فات محله(4/149)
4843 - (السلام قبل الكلام) لأن السلام الواقع في أثناء الكلام يوهم سلام المتاركة وأنها المراد منه لا التحية فلا يليق ذلك (ولا تدعوا أحد إلى الطعام حتى يسلم) فإن السلام تحية أهل الإسلام فما لم يظهر الإنسان شعار الإسلام لا يكرم ولا يقرب والعظم مرتبته السلام واشتماله على ما مر من فوائده العظام كان أول ما ينبغي أن يقرع السمع ويطلع عليه المخاطب والمكاتب يستقر ذلك في النفس ويقع منها أعظم المواقع فيكون أبعث على بلوغ المقصد من الخطاب والكتاب فشرع ذلك عند ابتداء الملاقاة والمكاتبات وما ألحق بذلك من المفارقة وفي المجموع السنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام للأخبار الصحيحة وعمل الأمة على ذلك
(ع عن جابر) قال الهيثمي: في إسناده من لم أعرفه وقال ابن القيم: هذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيف فالعمل عليه وقد اعتضد بإسناد أحسن منه وهو إسناد هذا الخبر الذي ذكره بقوله(4/150)
4844 - (السلام قبل السؤال فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه) لإعراضه عن السنة قال العلماء: من سلم على غيره فقد أمنه من شره وعاهده على ذلك فلا ينقض ما جعل له من ذلك
(مهمة) قال ابن عربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو سلمت على أحد في الطريق فقلت السلام عليكم فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله من عباده في الأرض والسماء وميت وحي فإن من في ذلك المقام يرد عليك فلا يبقى ملك مقرب ولا روح مطهر يبلغه سلامك إلا ويرد عليك وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيمين في جلاله المشتغل به فأنت قد سلمت عليه بهذا الشمول فإن الله ينوب عنه في الرد عليك وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه حتى ينوب عن الكل في الرد عليك
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن عمر) وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول فقد خرجه أحمد من حديث ابن عمر(4/150)
4845 - (السلام تحية لملتنا) أي سبب لبقائها ودوام ملكها وحياة القلوب فيها وبقاء الألفة بين أهل الإسلام بإفشاء السلام وبذل السلامة من بعضهم لبعض على الدوام (وأمان لذمتنا) أي يشعر بأمانك لمن سلمت عليه ووفاء بعهد الإسلام وضمانه الذي عاهدت عليه وهو سلامة من يده ولسانه فكأن المسلم جدد العهد فيجب ألا يخفر لذمته بعد السلام <تنبيه> قال ابن دقيق العيد: فيظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك المستحب لا مكروه إلا إن قصد به العدول عن السلام إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل أكابر أهل الدنيا وكان تحية من قبلنا السجود لمن يلقونه فحرم علينا السجود لغير الله وأعطينا مكانه السلام فهو من خصوصياتنا على ما اقتضاه هذا الخبر قال في شرح رسالة ابن أبي زيد: كان للناس في جاهليتهم ألفاظ يتلاقون بها ويتراحبون بها التماسا منهم للبقاء على أحسن الحالات والبعد عن الآفات سيما في حق من لم يتمكن من أسباب الدنيا فلا يشتهي إلا دعوة تقتضي بقاءه على حاله أو كلمة يسمعها يتفاءل بها لذلك كقول بعضهم عم صباحا عم مساء ابق ببقاء الليالي فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " السلام تحية لملتنا " يعني به [ص:151] أن الملتمس من كلمات مرت هو البقاء على صفة محبوبة مشتهاة عند الأنام وأفضل من ذلك كله الاتصاف بالسلامة المبعدة عن الظلامة ولذلك سمى الله به الجنة بقوله: {والله يدعو إلى دار السلام} وقال الإمام الرازي: عادة العرب قبل الإسلام إذا لقي بعضهم بعضا أن يقولوا حياك الله واشتقاقه من الحياة كأنه يدعو له بالحياة فلما جاء الإسلام أبدل الله ذلك بالسلام وقال الراغب: أصل التحية الدعاء بطول الحياة ثم استعملت في كل دعاء وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا يقول حياك الله ثم استعملها الشرع في السلام قالوا: في السلام مزية على التحية لأنه دعاء بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية وهي مستلزمة بطول الحياة وليس في الدعاء بطولها ذلك
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من القضاعي وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي باللفظ المزبور عن أبي أمامة(4/150)
4846 - (السلام اسم من أسماء الله) كما قال {هو السلام المؤمن} (وضعه) في رواية جعله (الله في الأرض فأفشوه بينكم (1) فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب) وهم الملائكة الكرام (2) . <تنبيه> ما ذكر من أن السلام اسم من أسمائه تعالى لا يعارض ما قرره جمع من أن السلام دعاء بالسلامة ملحوظ فيه التأمين بقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} قال بعض العارفين: كل اسم من أسمائه سبحانه يبلغك رتبة من المراتب إذا دعوت به فاسم السلام يبلغك سلامته كما أن الرحمن يبلغك رحمته إذا دعوت به
(البزار) في مسنده (هب عن ابن مسعود) قال المنذري: رواه البزار والطبراني وأحد إسنادي البزار جيد قوي وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح اه. وقال ابن حجر في الفتح: رواه البزار والطبراني مرفوعا وموقوفا وطرق الموقوف أصح فحكم ابن الجوزي بوضعه غير صواب
_________
(1) بأن تسلموا على كل من لقيتموه من المسلمين ممن يشرع عليه السلام
(2) فخواص الملائكة أفضل من عوام البشر وفيه أن البدء السلام وإن كان سنة أفضل من جوابه وإن كان واجبا(4/151)
4847 - (السلام اسم من أسماء الله عظيم جعله ذمة بين خلقه) قال القرطبي: ومعنى السلام في حقه تعالى أنه المنزه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه وعليه فمعنى قول المسلم السلام أي مطلع عليك وناظر إليك فكأنه يذكره باطلاع الله تعالى عليه ويخوفه ليأمن منه ويسلم من شره وإذا دخلت أل على اسم الله كانت تفخيما وتعظيما أي الله العظيم السليم من النقائص والآفات المسلم لمن استجاره من جميع المخلوقات. <تنبيه> كثيرا ما يقع لبعض الناس أن يمر بمسلمين فيهم ذمي فيقول: السلام على من اتبع الهدى وذلك لا يجزئ في السنة كما أفتى به السيوطي فإنه إنما شرع في صدور الكتب إلى الكفار فعليه أن يسلم باللفظ المعروف ويقصد بقلبه المسلم فقط (فإذا سلم المسلم على المسلم فقد حرم عليه أن يذكره إلا بخير (1)) فإنه أمنه وجعله في ذمته وفي ذكره بالسوء غدر والغدر عار وشنار فاحذر أيها المسلم بعد هذا الأمان وعقدك المسالمة بهذا السلام من النكث {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} فإياك أن يصدر منك في حق من [ص:152] حييته بالسلام أذى أو تضمر له بغضا فتكون ناقضا لعهد الأمان فتبوء بالحرمان والخسران
(فر عن ابن عباس) وفيه عطاء بن السائب أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح
_________
(1) والظاهر أن ذلك يصير أشد تحريما من غيره فذكر المسلم بالسوء حرام مطلقا(4/151)
4848 - (السلام تطوع والرد فريضة) أي الابتداء بالسلام تطوع غير واجب ورد السلام على المسلم المسلم فريضة واجبة بشروط مبينة في الفروع. قال الحافظ العراقي: رد السلام واجب فيأثم تاركه إذا كان ابتداؤه مستحبا ويفسق بتكرر ذلك منه
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه حاجب بن أحمد الطوسي. قال الذهبي: ضعيف معروف وفيه أيضا رجل مجهول(4/152)
4849 - (السيد) حقيقة هو (الله) لا غيره أي هو الذي يحق له السيادة المطلقة فحقيقة السؤدد ليست إلا له إذ الخلق كلهم عبيده. قال الزمخشري: والسيد فيعل من ساد يسود قلبت واوه ياء لمجامعتها الياء وسبقها إياها بالسكون اه وقال الراغب: سيد الشيء هو الذي يملك سواده أي شخصه جميعه وقال الدماميني: السيد عند أهل اللغة من أهل للسؤدد وهو التقديم يقال ساد قومه إذا تقدمهم وهذا قاله لما خوطب بما يخاطب به رؤساء القبائل من قولهم أنت سيدنا ومولانا فذكره إذ كان حقه أن يخاطب بالرسول أو النبي فإنها منزلة ليس وراءها منزلة لأحد من البشر فقال السيد الله حول الأمر فيه إلى الحقيقة أي الذي يملك النواصي ويتولى أمرهم ويسوسهم إنما هو الله ولا يناقضه أنا سيد ولد آدم لأنه إخبار عما أعطي من الشرف على النوع الإنساني واستعمال السيد في غير الله شائع ذائع في الكتاب والسنة (1) قال النووي: والمنهي عنه استعماله على جهة التعاظم لا التعريف واستدل بعضهم بهذا الخبر أن السيد اسما من أسماء الله تعالى
(حم د) في الأدب (عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين ابن عوف العامري وسكت عليه أبو داود ثم المنذري ورواه أيضا عنه النسائي في يوم وليلة وسببه أن رجلا جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له: أنت سيد قريش فقال: السيد الله (2) قال: أنت أعظمها فيها طولا وأعلاها قولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا عبد الله ورسوله
_________
(1) [ونذكر بعض المواضع التي ورد فيها لفظ السيادة في القرآن والسنة:
قال الله تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين. وقال: واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
الحديث 2167: إن ابني هذا سيد. . . رواه البخاري. والحديث 2692: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. . . رواه مسلم. والحديث 2693: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. . . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه. والحديث 4746: سيد الشهداء عند الله يوم القيامة. . . رواه الحاكم والطبراني. والحديث 4758: سيد كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر. . . رواه الخطيب. والحديث 4759: سيدات نساء أهل الجنة أربع:. . . رواه الحاكم. والحديث 6164: قوموا إلى سيدكم. رواه أبو داود
أما لفظ السيادة لغير الأشخاص فقد ورد منها في السنة: سيد الاستغفار. . . سيد الأعمال. . . سيد الأيام. . . سيد الشهور. . . سيد السلعة
فيظهر من تلك الآيات والأحاديث أن استعمال لفظ " السيد " جائز في غير الله وإنما يحرم ادعاء السيادة الحقيقية التي ليست إلا لله كما مر
وقد اختلف بشأن التشهد: أيهما أفضل الإتيان بلفظ السيادة أم عدمه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. غير أن البعض في زماننا تعسفوا وأنكروا على من استعمل لفظ السيادة ولا يصح إنكارهم إلا بضرب القرآن والسنة بعضهما ببعض وعدم ردهم ذلك إلى علماء السلف أمثال الإمام المناوي والنووي وغيرهم
وقد نهينا في أحاديث كثيرة عن ذلك التضارب وعن عدم الرجوع إلى أقوال العلماء. فمن تلك الأحاديث:
مهلا يا قوم. بهذا هلكت الأمم من قبلكم: باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض. إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا. فما عرفتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه. (رواه الإمام أحمد عن ابن عمرو كما في كنز العمال)
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . أبهذا أمرتم أبهذا عنيتم؟ إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا: ضربوا كتاب الله بعضه ببعض. أمركم الله بأمر فاتبعوه ونهاكم عن شيء فانتهوا. (قط في الأفراد والشيرازي في الألقاب كر كما في كنز العمال)
دار الحديث]
(2) وإنما منعهم أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام وكانوا يحسبون السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم فقال: قولوا بقولكم يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله في كتابه ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذ كانوا يسودونكم في أسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا اه. وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة في نحو الصلاة عليه أو لا؟ والراجح أن لفظ الوارد لا يزاد عليه بخلاف غيره(4/152)
4850 - (السيوف مفاتيح الجنة) أي سيوف الغزاة (1) كما سبق تقريره بما فيه
(أبو بكر في الغيلانيات) عن يزيد الأبي وفيه الكديمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن يزيد بن شجرة) الرهاوي صحابي مشهور من أمراء معاوية وفيه بقية وحاله مشهور وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجيب مع وجوده في كتاب شهير يكثر النقل منه وهو المستدرك فرواه فيه باللفظ المزبور عن يزيد المذكور
_________
(1) أي الضرب بها ينتج دخول الجنة مع السابقين لأن أبواب الجنة مغلقة لا يفتحها إلا الطاعة والجهاد من أعظمها(4/152)
4851 - (السيوف أردية المجاهدين) أي هي لهم بمنزلة الأردية فلا يطلب للمتقلد منهم بسيف إسبال الرداء بل يصيره [ص:153] مكشوفا ليعرف ويهاب
(فر عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه ذؤيب بن عمامة السهمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال الدارقطني ضعيف والوليد بن مسلم ثقة مدلس (المحاملي في أماليه عن زيد بن ثابت) ورواه عنه أبي أيوب أيضا أبو نعيم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فعزو المصنف للفرع إهمال الأصل غير جيد(4/152)
حرف الشين(4/153)
4852 - (شاب سخي حسن الخلق) بضمتين (أحب إلى الله من شيخ بخيل عابد سيئ الخلق) لأن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل والبخل لا أقبح منه كما مر
(ك في تاريخه) أي تاريخ نيسابور (فر عن ابن عباس)(4/153)
4853 - (شارب الخمر كعابد وثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزى) قال ابن عباس فيما رواه ابن ماجه: يشبه أن يكون فيمن استحلها وذهب بعض المجتهدين إلى أن شاربها يقتل في الرابعة وأورد فيه عدة أحاديث
(الحارث) بن أبي أسامة (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ مدمن الخمر قال العراقي: وكلاهما ضعيف وقال ابن عدي: حديث أبي هريرة أخطأ فيه محمد بن سليمان الأصبهاني(4/153)
4854 - (شاهت الوجوه) أي قبحت يقال شاه يشوه شوها والشوهاء المرأة القبيحة والمرأة الحسنة الرائقة فهو من الأضداد قاله يوم حنين وقد غشاه العدو فنزل عن بغلته وقبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فذكره. فما منهم إلا من ملأ عينه بتلك القبضة فولوا مدبرين (1)
(م عن سلمة بن الأكوع ك عن ابن عباس)
_________
(1) فهزمهم الله تعالى وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين وركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع إليه المسلمين وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وربما فعل هذا عمدا وإلا فقد كان له صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفراس معدودة(4/153)
4855 - (شاهداك) أي لك ما شهد به شاهداك أيها المدعي أو ليحضر شاهداك أو ليشهد شاهداك فالرفع على الفاعلية بفعل محذوف وعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي الواجب شرعا شاهداك أي شهادة شاهديك أو مبتدأ حذف خبره أي شهادة شاهديك الواجب في الحكم وفي رواية للبخاري شاهدك بالإفراد وفي رواية شهودك وعطف عليه قوله (أو يمينه) أي أو لك أو يكفيك يمين المدعى عليه والمراد بقوله شاهداك أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين لأنه الأكثر الأغلب فمعناه شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهد واليمين لكونه لم يذكر لزم الشاهد والمرأتين لكونه لم يذكر هذا ما قرر به الشافعية الحديث مجيبين به عن أخذ الحنفية بظاهره من منع القضاء بشاهد ويمين لكونه لم يجعل بينهما واسطة ولنا عليهم أنه جاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة أنه قضى بشاهد ويمين ولا ينافيه ما ذكر في الآية من إذكار إحداهما الأخرى لأن الحاجة إلى الإذكار إنما هو فيما لو شهدتا فإن لم تشهدا قامت مقامهما اليمين ببيان السنة الثابتة ذكره الإسماعيلي وحاصله أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه
(م عن ابن مسعود) قال: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله عليه وسلم فقال: [ص:154] شاهداك إلخ وقضية صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به المسلم عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد خرجه البخاري باللفظ المذكور عن ابن مسعود المزبور في باب الرهن قال ابن حجر: رواه البخاري في الشهادات معلقا أوائل الباب ووصله في آخر الباب من حديث الأشعث(4/153)
4856 - (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يوجب الله له النار) لأنه رمى المشهود عليه بداهية دهياء وأصلاه نار الدنيا عالما بأن علام الغيوب مطلع على كذبه فجوزي باستحقاقه دار النار والمراد نار الخلود إن استحل ذلك ونار التطهير إن لم يستحل وبالجملة فشهادة الزور من أعظم الكبائر كما تطابق عليه أولو البصائر. قال الذهبي: شاهد الزور قد ارتكب كبائر إحداها الكذب والافتراء والله يقول {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} ثانيها أنه ظلم من شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله أو عرضه أو روحه ثالثها ظلم من شهد له بأن ساق إليه الحرام فأخذه بشهادته فلذلك استحق النار وقال القيصري: العدل من الشهداء الذي لا يميل في شهادته إلى أحد الجانبين وشاهد الزور هو من يميل عن الوسط لأخذه من الإزورار وهو الميل والميزان العدل هو الذي لسانه في وسط القلب والخلق كلهم استعدوا لهذه العدالة
(حل) من حديث موسى بن زكريا التستري عن محمد بن خليد عن خلف عن مسعر عن محارب عن ابن عمر ثم تفرد به محمد بن خليد عن خلف عن مسعود (ك) في الأحكام (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الخطيب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في التلخيص وتعقبه في المهذب بأن فيه محمد بن الفرات ضعيف وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال: قال النسائي متروك وساق له ابن الجوزي عدة طرق لا يثبت منها شيء(4/154)
4857 - (شاهد الزور مع العشار) أي المكاس (في النار) لجرأته على الله حيث أقدم على ما شدد النهي عنه حيث قرنه بالشرك الذي هو أقبح أنواع الكفر فقال: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} فأعظم بشيء هو عدل الشرك قال ابن العربي: شهادة الزور كبيرة عظمى ومصيبة في الإسلام كبرى لم تحدث حتى مات الخلفاء الثلاثة وضربت الفتنة سرادقها فاستظل بها أهل الباطل وتقولوا على الله ورسوله ما لم يكن وقد عدلت شهادة الزور في الحديث الإشراك بالله وتوعد عليهما رسوله حتى قال الصحب ليته سكت وقد جعلها عدل القتل في حديث لأنه قد يكون بها القتل الذي بغير حق ويكون بها الفساد في الأرض وهو عديل للشرك
(فرعن المغيرة) بن شعبة قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: هذا خبر باطل ومحمد بن حذيفة يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات(4/154)
4858 - (شباب أهل الجنة) أي الشباب الذين ماتوا في سبيل الله من أهل الجنة (خمس: حسن وحسين وابن عمر) ابن الخطاب (وسعد بن معاذ وأبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي وقدم الحسن والحسين لأنهما سيدا شبابها كما مر مرارا وثلث بابن عمر لعظيم مكانته في العلم والعمل وربع بسعد لأنه سيد الأوس وله في نصرة الإسلام ما هو معروف ففضلهم على هذا الترتيب
(فر عن أنس) وفيه أبو شيبة الجوهري قال الذهبي: قال الأزدي: متروك(4/154)
4859 - (شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام) أي يتوسعون فيه بغير احتياط وتحرز قال حجة الإسلام: أكل أنواع الطعام ليس بحرام بل هو مباح لكن المداوم [ص:155] عليه يربي نفسه بالنعيم ويأنس بالدنيا ويأنس باللذات ويسعى في طلبها فيجره ذلك إلى المعاصي فهم من شرار الأمة لأن كثرة التنعم تقودهم إلى اقتحام المعاصي. أوحى الله إلى موسى اذكر أنك ساكن القبر يمنعك ذلك عن كثير من الشهوات فعلم أن النجاة في التباعد من أسباب البطر والأشر ومن ثم فطم الجلة الحازمون نفوسهم عن ملاذها وعودوها الصبر عن شهواتها حلالها وحرامها علموا أن حلالها حساب وهو نوع عذاب فخلصوا أنفسهم من عذابها وتوصلوا إلى الحرية والملك في الدنيا والآخرة بالخلاص عن أسر الشهوات ورقها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة هب عن فاطمة الزهراء) ثم قال أعني البهيقي: تفرد به علي بن ثابت بن عبد الحميد الأنصاري اه. وعلي بن ثابت ساقه الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الأزدي قال: وعبد الحميد ضعفه القطان وهو ثقة اه. وجزم المنذري بضعفه وقال الزين العراقي: هذا منقطع وروي من حديث فاطمة بنت الحسين مرسلا قال الدارقطني في العلل: وهو أشبه بالصواب ورواه أبو نعيم من حديث عائشة بإسناد لا بأس به. إلى هنا كلامه. وقال في الميزان: هذا من رواية أصرم بن حوشب وليس بثقة عن إسحاق بن واصل وهو هالك متروك الحديث(4/154)
4860 - (شرار أمتي) أي من شرارهم (الذين ولدوا في النعيم وغذوا به يأكلون من الطعام ألوانا) قال الغزالي: وشره الطعام من أمهات الأخلاق المذمومة لأن المعدة ينبوع الشهوات ومنها تتشعب شهوة الفرج ثم إذا غلبت شهوة المأكول والمنكوح يتشعب منه شهوة المال ولا يتوصل لقضاء الشهوتين إلا به ويتشعب من شهوة المال شهوة الجاه وطلبهما رأس الآفات كلها من نحو كبر وعجب وحسد وطغيان ومن تلبس بهذه الأخلاق فهو من شرار الأمة (ويلبسون من الثياب ألوانا ويركبون من الدواب ألوانا يتشدقون في الكلام) قال الغزالي: قد اشتد خوف السلف من لذيذ الأطعمة وتمرين النفس عليها واعتقدوا أنها من علامات الشقاء ورأوا منعها غاية السعادة
(ك عن عبد الله بن جعفر) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب قال الحافظ العراقي: وفيه أصرم بن حوشب ضعيف(4/155)
4861 - (شرار أمتي الثرثارون) أي المكثارون في الكلام والثرثرة صوت الكلام وترديده تكلفا وخروجا عن الحق (المتشدقون) أي المتكلمون بكل أشداقهم ويلوون ألسنتهم جمع متشدق وهو الذي يتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه أو هو المستهزئ بالناس يلوي شدقه عليهم والشدق جانب الغم (المتفيقهون) أي المتوسعون في الكلام الفاتحون أفواههم للتفصح جمع متفيهق وهو من يتوسع في الكلام وأصله الفهق وهو الامتلاء كأنه ملأ به فاه فكل ذلك راجع إلى معنى الترديد والتكلف في الكلام ليميل بقلوب الناس وأسماعهم إليه قال العسكري: أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم النهي عن كثرة الخوض في الباطل وأن تكلف البلاغة والتعمق في التفصح مذموم وأن ضد ذلك مطلوب محبوب (وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقا) زاد في رواية إذا فقهوا أي فهموا
(خد عن أبي هريرة) ورواه عنه البزار(4/155)
4862 - (شرار أمتي الصائغون والصباغون) لما هو ديدنهم من المطل والمواعيد الباطلة والأيمان الفاجرة كما جاء معللا بنحو ذلك عن الفاروق عند إبراهيم الحربي في غريبه وزعم أن المراد الصواغون للكلام بعيد كما سلف
(فر عن أنس) [ص:156] قال السخاوي: سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/155)
4863 - (شرار أمتي من يلي القضاء) ويكون موصوفا بأنه (إن اشتبه عليه) الحكم في حادثة طلب منه فصلها هجم وحكم برأيه و (لم يشاور) العلماء امتثالا لقوله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (وإن أصاب) الحق وحكم به باجتهاد أو تقليد صحيح (بطر) وتاه وتكبر (وإن غضب) على أحد الخصمين (عنف) ولم يأخذه برفق ويعامله بالحكم (وكاتب السوء كالعامل به) في حصول الإثم له فمن كتب وثيقة بباطل كان كمن شهد به
(فر عن أبي هريرة) وفيه عبد الله بن أبان قال الذهبي: قال ابن عدي: مجهول منكر الحديث(4/156)
4864 - (شرار أمتي) لفظ رواية البزار شرار الناس (شرار العلماء في الناس) لأنهم عصوا ربهم عن علم والمعصية مع العلم أقبح منها مع الجهل قال عيسى عليه السلام: مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم النهر لا تشرب ولا تترك الماء يخلص إلى الزرع ومثل قناة الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى
(البزار) في مسنده وكذا أبو نعيم والديلمي (عن معاذ) بن جبل قال: تعرضت أو تصديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت قلت: أي الناس شر قال: اللهم اغفر اسأل عن الخير ولا تسأل عن الشر ثم ذكره قال الهيثمي والمنذري: وفيه الخليل بن مرة قال البخاري: منكر الحديث وأورده في الميزان من جملة ما أنكر على حفص الآيلي(4/156)
4865 - (شرار قريش خيار شرار الناس) هذه فضيلة عظيمة ومنقبة جسيمة لقريش ولما علم أنها مع كثرتها لا تخلو عن الأشرار إذ لا بد في العالم من الخير والشر جعل شرارها أقل شرا من شرار غيرها ولم يقل أقل شرا بل جاء به بلفظ الخير وأضاف الخير إليهم في حال وصفهم بقلة الشر وأضاف الشر إلى الناس وهذا من ألطف وجوه الخطاب
(الشافعي) في المسند (والبيهقي في) كتاب (المعرفة عن ابن أبي ذئب) بكسر المعجمة وبالهمز وبالموحدة وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث قال الشافعي: ما فاتني أحد فأسفت عليه كالليث وابن أبي ذئب وقال أحمد: هو أفضل من مالك ولكن مالك أمثل بتبعية الرجال ولما حج المهدي ودخل المسجد النبوي قام كل أحد إلا هو فقال له ابن المسيب أمير المؤمنين قال: إنما أقوم لرب العالمين وما ذكر من أنه ابن أبي ذئب هو ما وقفت عليه في خط المؤلف فما في نسخ أنه ابن أبي ذؤيب من تحريف النساخ وابن أبي ذؤيب اسمه إسماعيل عبد الرحمن الأسدي (معضلا) هو ما سقط من سنده اثنان(4/156)
4866 - (شراركم عزابكم) أي هم من شراركم لأن الأعزب وإن كان صالحا فهو معرض نفسه للشر غير آمن من الفتنة ذكره البيهقي
(ع طس عد عن أبي هريرة) قال: لو لم يبق من أجلي إلا يوم واحد لقيت الله بزوجة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك وقال ابن حجر في المطالب العالية: حديث منكر وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي قال في الميزان عن ابن عدي: يضع الحديث على الثقات وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ومن أباطيله هذا الخبر اه(4/156)
[ص:157] 4868 - (شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم) وقد نظم هذا ابن العماد فقال:
شراركم عزابكم جاء الخبر. . . أراذل الأموات عزاب البشر
وقد سئل الحافظ ابن حجر عن هذا الخبر هل له أصل أم لا؟ فأجاب بقوله:
أهلا بها بيضاء ذات اكتحال. . . بالنقش يزهو ثوبها بالصقال
منت بوصل بعد وعد شفت. . . من ألم الفرقة بعد اعتلال
تسأل هل جاء لنا مسندا. . . عمن له المجد سما والكمال
ذم ولي العزبة قلنا نعم. . . من مال عن ألف وفي الكف مال
أراذل الأموات عزابكم. . . شراركم عزابكم يا رجال
أخرجه أحمد والموصلي. . . والطبراني للثقات الرجال
من طرق فيها اضطراب ولا. . . تخلو من الضعف على كل حال
(حم عن أبي ذر عن عطية بن يسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني أبو عبد الله صحابي صغير قال الهيثمي: فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف قال: وهذا من الأحاديث التي لا تخلو عن ضعف واضطراب لكن لا يبلغ الحكم عليه بالوضع انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه خالد يضع وله طريق ثان فيه يوسف بن السفر متروك انتهى. وأفاد المصنف أنه ورد بهذا اللفظ من حديث أبي عند أحمد ورجاله ثقات انتهى فكان ينبغي عزوه إليه وكأنه ذهل عنه هنا(4/157)
4867 - (شراركم عزابكم ركعتان من متأهل خير من سبعين ركعة من غير متأهل) لأن المتأهل متوفر الخشوع الذي هو روح العبادة والأعزب بخلافه كما سلف تقريره
(عد) من حديث يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) ثم قال مخرجه ابن عدي: موضوع آفته يوسف انتهى. ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات ورمز هنا لحسنه وليس ذا منه بحسن كيف ويوسف بن السفر الدمشقي قال في الميزان: قال الدارقطني: متروك يكذب وقال ابن عدي: روى بواطيل ثم ساق منها هذا الخبر وقال البيهقي: هو في عداد من يضع وقال أبو زرعة وغيره: متروك(4/157)
4869 - (شر البلدان) وفي رواية للطبراني البلاد (أسواقها) أورده مقررا لما تعرف به خيرية المساجد " وبضدها تتبين الأشياء ". قال الطيبي: لعل تسمية الأسواق بالبلاد خصوصا تلميح إلى قوله سبحانه وتعالى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} وسكان الأسواق وأكثرهم فساق مشغولون بالحرص واللهو عن الخلاق اللهم إلا أن يعمد رجل إلى طلب الحلال ليصون به دينه وعرضه {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
(ك عن جبير بن مطعم) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى وكذا ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر بلفظ إن حبرا من اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع خير فسكت فجاء جبريل فسأله فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن أسأل ربي تبارك وتعالى ثم قال جبريل: يا محمد إني دنوت من الله دنوا ما دنوت مثله قط قال: وكيف قال: كان بيني وبينه سبعون ألف حجاب من نور فقال: شر البقاع أسواقها وخير البقاع مساجدها(4/157)
4870 - (شر البيت الحمام تعلو فيه الأصوات) باللغو والفحش (وتكشف فيه العورات فمن دخله فلا يدخل إلا مستترا) [ص:158] وجوبا إن كان ثم من يحرم نظره لعورته وندبا إن لم يكن ودخول الحمام مباح للرجال بالشرط المذكور مكروه للنساء إلا بعذر كحيض أو نفاس
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه يحيى بن عثمان التيمي ضعفه البخاري والنسائي ووثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح(4/157)
4871 - (شر الحمير الأسود القصير) جمع حمار وهو يشمل الأنثى قال في النهاية: لفظ الحمار يقع على الذكر والأنثى أي هي كلهن عند العرب شر وهذا أشرهن لذمامته قالوا: الحمار إذا وقفته أدلى وإن تركته ولى كثير الروث قليل الغوث لا ترقأ به الدماء ولا تمهر به النساء
(عق) عن أحمد بن داود عن هشام بن عبد الملك عن بقية عن مبشر بن عبيد عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب ومبشر بن عبيد الحمصي قال في الميزان: قال أحمد: يضع الحديث وقال: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر والراوي عن مبشر بقية وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: مبشر يضع وتعقبه المؤلف بأن ابن ماجه روى لبشر(4/158)
4872 - (شر) في رواية بئس (الطعام) أي من شر الطعام فإن من الطعام ما هو شر منه ونظيره شر الناس من أكل وحده (طعام الوليمة) أي وليمة العرس لأنها المعهودة فأسماه شرا على الغالب من أحوال الناس فيها فإنهم يدعون الأغنياء ويدعون الفقراء كما أشار إليه بقوله (يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها) قال البيضاوي: يحتمل أن قوله يمنع إلخ صفة للوليمة على تقدير زيادة اللام أو كونه للجنس حتى يعامل المعرف معاملة المنكر فالحاصل أن المراد تقييد اللفظ بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وإجابة الدعاء إليها ولذلك رتب عليه العصيان كما قال (ومن لا يحب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) فهذا كما ترى نص صريح في وجوب الإجابة إليها ومن تأوله بترك الندب فقد أبعد وظاهر الخبر أن الإجابة إلى الوليمة المختصة بالأغنياء واجبة واقتضاه كلام شرح مسلم وصرح به الطيبي فقال: حاصله أن الإجابة واجبة فيجيب الدعوة ويأكل شر الطعام لكن الذي أطلقه الشافعية عدم الوجوب إذا خص الأغنياء وقد ينزل الوجوب على ما إذا خصهم لا لغناهم بل لجوار أو اجتماع حرفة والحاصل أن الكلام في مقامين بيان ما جبل عليه الناس في طعامها وهو الرياء وما جبلوا عليه في إجابتها وهو التواصل والتحابب ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس مطلقا ومنه وليمة السرى وقيل تجب واختاره السبكي والإطلاق يؤيده
(م) في النكاح (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري مرفوعا بل رواه موقوفا بلفظ شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله(4/158)
4873 - (شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان) صفة للوليمة (ويحبس عنه الجائع) قال القاضي: إنما سماه شرا لما عقبه به فإن الغالب فيها ذلك فكأنه قال شر الطعام طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما عقبه به وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وأوجب إجابة الداعي وترتب العصيان على تركها؟ إلى هنا كلام القاضي ونزيد على ما تقرر أن الطيبي قد ارتضى في تقريره مسلكا آخر وهو أن أل في الوليمة للعهد الخارجي وكانت عادتهم تخصيص الأغنياء ويدعى إلخ استئناف بيان لكونها شر الطعام وعليه فلا حاجة إلى تقدير من
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه سعيد بن سويد المعول لم أجد من ترجمه وعمران القطان وثقه [ص:159] أحمد وضعفه النسائي وغيره(4/158)
4874 - (شر الكسب مهر البغي) أي ما تأخذه على الزنا سماه مهرا توسعا (وثمن الكلب) غير المعلم عند الحنفية وكذا المعلم عند الشافعية واختلف فيه قول مالك (1) (وكسب الحجام) حرا أو عبدا فالأولان حرامان والثالث مكروه قال القرطبي: لفظ شر من باب تعميم المشترك في مسمياته أو من استعمالها في القدر المشترك بين الحرام والمكروه
(حم م ن عن رافع بن خديج)
_________
(1) [وفي اختلاف العلماء رحمة للأمة لما يحتاج إليه الناس من كلاب معلمة للحراسة وتتبع المجرم ومثل ذلك من الضروريات أما التي تقتنى للهو ولغير الأمور الضرورية فهي المقصودة بالتحريم عند الجميع. دار الحديث.](4/159)
4875 - (شر المال في آخر الزمان المماليك) أي الإتجار في المماليك كما يشير إليه خبر الديلمي عن أبي ذر شر الناس الذين يشترون الناس ويبيعونهم قال: يعني المماليك
(حل) من حديث يزيد بن سنان الرهاوي عن محمد بن أيوب عن ميمون (عن ابن عمر) بن الخطاب أورده ابن الجوزي أي في الموضوعات وقال: يزيد متروك وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره الكبير فأقره ولم يتعقبه بشيء(4/159)
4876 - (شر المجالس الأسواق والطرق) جمع طريق (وخير المجالس المساجد فإن لم تجلس في المسجد فالزم بيتك) لأن زوار المساجد {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} وقصاد الأسواق شياطين الإنس والجن من الغفلة الذين غلب عليهم الحرص والشره وذلك لا يزيد إلا قربا من الله وذا لا يورث إلا دنوا من الشياطين وحزبه. قال الطيبي: قدم الداء على الدواء والمرض على الشفاء بما عسى أن يبدو من المكلف شيء في بيت الشيطان فيتداركه في بيت الرحمن قال: فإن قلت: كيف قرن المساجد بالأسواق وكم من بقاع شر من الأسواق؟ قلت: ذهب في التقابل إلى معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيا والأسواق معدن الالتهاء عن ذكر الله وما والاه
(هب عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي أيضا(4/159)
4877 - (شر الناس الذي يسأل) بالبناء المجهول أي يسأله السائل ويقسم عليه (بالله ثم لا يعطي) بالبناء للفاعل أي لا يعطي المسؤول السائل ما سأله فيه بالله تعالى ويظهر أن الكلام في سؤال المضطر لمن ليس بمضطر
(تخ عن ابن عباس)(4/159)
4878 - (شر الناس المضيق) في النفقة مع اليسار أو المضيق في سوء خلقه (على أهله) أي حلائله وأولاده وعياله وتمامه عند الطبراني قالوا: يا رسول الله وكيف يكون مضيقا على أهله قال: الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفر فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته اه وحذف المصنف له غير صواب فإنه كالشرح للأول
(طس) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن يزيد بن الصلت وهو متروك(4/159)
4879 - (شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه أو يخاف شره) فيه تبكيت للشرير وقمع لسورة الجامح الأبي وأنه وإن ظفر بما ظفر به من الأغراض الدنيوية فهو خاسر دامر فما ربحت تجارته بل عظمت خسارته
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة عن أنس)(4/159)
[ص:160] 4880 - (شر قتيل بين الصفين أحدهما يطلب الملك) لأن القتيل بينهما إنما قتل بسبب دنيا غيره فكأنه باع دينه وروحه بدنيا غيره
(طس) وكذا الديلمي (عن جابر) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عند الأول أبو نعيم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(4/160)
4881 - (شر ما في رجل) أي مساوئ أخلاقه (شح هالع) أي جازع يعني شح يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه وقيل هو أن لا يشبع كلما وجد شيئا بلعه ولا قرار له ولا يتبين في جوفه ويحرص على تهيئة شيء آخر قال التوربشتي: والشح بخل مع حرص فهو أبلغ في المنع من البخل فالبخل يستعمل في الضنة بالمال والشح في كل ما يمنع النفس عن الاسترسال فيه من بذل مال أو معروف أو طاعة قال: والهلع أفحش الجزع ومعناه أنه يجزع في شحة أشد الجزع على استخراج الحق منه قالوا: ولا يجتمع الشح مع معرفة الله أبدا فإن المانع من الإنفاق والجود خوف الفقر وهو جهل بالله وعدم وثوق بوعده وضمانه ومن تحقق أنه الرزاق لم يثق بغيره ومن ثمة قال بعض الصوفية: الأغنياء يثقون بالأرزاق والفقراء يثقون بالخلاق (وجبن خالع) أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه والمراد به ما يعرض من أنواع الأفكار وضعف القلب عند الخوف من الخلع وهو نزع الشيء عن الشيء بقوة يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الأبرار فكأن الجبن يخلع القوة والنجدة من القلب أو يخلع المتصف به عن كونه من الفحول أو يخلع الشجاعة ويذهب بها لأنه إذا كان وثابا هجاما في الغمرات كان أعظم الناس منزلة عند الله قال الطيبي: والفرق بين وصف الشح بالهلع والجبن بالخلع أن الهلع في الحقيقة لصاحب الشح فأسند إليه مجازا فهما حقيقتان لكن الإسناد مجازي ولا كذلك الخلع إذ ليس مختصا بصاحب الجبن حتى يسند إليه مجازا بل هو وصف للجبن لكن على المجاز حيث أطلق وأريد به الشدة وإنما قال شر ما في الرجل ولم يقل في الإنسان لأن الشح والجبن مما تحمد عليه المرأة ويذم به الرجل أو لأن الخصلتين يقعان موقع الذم من الرجال فوق ما يقعان من النساء
(تخ) في الجهاد (عن أبي هريرة) قال ابن حاتم: إسناده متصل وقال الزين العراقي: إسناده جيد(4/160)
4882 - (شرب اللبن) في المنام (محض الإيمان) أي يدل على أن قلب الرائي أو المرئي له ذلك متمحض للإيمان (من شربه في منامه فهو على الإسلام والفطرة ومن يتناول اللبن) في منامه (بيده فهو يعمل بشرائع الإسلام) أي فذلك يدل على أنه عامل أو سيعمل بشرائع الدين. (1)
(فر عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد والمسمى به ثلاثة كل منهم قدري رمي بالكذب ورواه عنه ابن نصر أيضا
_________
(1) [" شرب اللبن ": في المنام. وهو اللبن الطازج أما اللبن الرائب فرؤيته في المنام غير محمودة لحموضته. دار الحديث.](4/160)
4883 - (شرف المؤمن صلاته) وفي رواية قيامه (بالليل) يعني تهجده فيه والشرف لغة العلو وشرف كل شيء أعلاه لما وقف في ليله وقت صفاء ذكره متذللا متخشعا بين يدي مولاه لائذا بعز جنابه وحماه شرفه بخدمته ورفع قدره عند ملائكته وخواص عباده بعز طاعته على من سواه (وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس) يعني عدم طمعه فيما في أيديهم فإنه لما أنزل فقره وفاقته برب الناس أعزه بعزه وأغناه بغناه
(عق) عن يحيى بن عثمان بن صالح عن داود بن عثمان الثغري عن الأوزاعي عن ابن معاذ عن أبي هريرة ثم قال مخرجه العقيلي: داود حدث عن الأوزاعي وغيره بالبواطيل منها هذا [ص:161] الحديث وليس له أصل اه. ومن ثم قال ابن الجوزي: موضوع والمتهم به داود (خط) من حديث محمد بن حميد عن زافر بن سليمان وغيره وكذا الديلمي كلهم (عن أبي هريرة) وداود بن عثمان الثغري قال في اللسان عن العقيلي: يحدث بالبواطيل ثم أورد له هذا الخبر وقال: يروى عن الحسن وغيره من قولهم وليس له أصل مسند انتهى. وأورده ابن الجوزي في الموضوع(4/160)
4884 - (شعار المؤمنين على الصراط) أي علامتهم التي يعرفون بها عنده (يوم القيامة رب سلم سلم) قال القاضي: أي يقول كل منهم يا رب سلمنا من ضرر الصراط أي اجعلنا سالمين من آفاته آمنين من مخافاته قال الغزالي: ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل والشعار في الأصل العلامة التي تنصب ليعرف الرجل بها ثم استعير في القول الذي يعرف الرجل به أهل دينه فلا يصيبه بمكروه
(ت) في الحساب والقصاص (ك) في التفسير (عن المغيرة) بن شعبة قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي: وإسحاق ضعفوه اه. وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/161)
4885 - (شعار أمتي) أي أمة الإجابة (إذا حملوا على الصراط) بناء حملوا للمفعول ويصح للفاعل بتكلف وكيفما كان المراد مشوا عليه (يا لا إله إلا أنت) أي يا ألله لا إله إلا أنت (1)
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه من وثق على ضعفه وعبدوس بن محمد لا يعرف
_________
(1) أي يا من انفرد بالوحدانية فالمذكور في الحديث الأول شعار أهل الإيمان من جميع الأمم والمذكور في هذا شعار فئة خاصة فهم يقولون هذا وذاك(4/161)
4886 - (شعار المؤمنين يوم يبعثون من قبورهم) للعرض والحساب أن يقولوا (لا إله إلا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فيه تنويه عظيم بشرف التوكل كيف وهو رأس الأمر كله؟ وقد رئي بعض أكابر الصوفية بعد موته فسئل: كيف كان الحال قال: وجدت التوكل شيئا عظيما
(ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة)(4/161)
4887 - (شعار المؤمنين) يوم القيامة (في ظلم القيامة لا إله إلا أنت) أي فإن قولهم ذلك يكون نورا ويستضيئون به في تلك الظلم
(الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عمرو) بن العاص(4/161)
4888 - (شعبان بين رجب وشهر رمضان تغفل الناس عنه) أي عن صومه (ترفع فيه أعمال العباد) لتعرض على الله تعالى (فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم) أي فأحب أن أصوم شعبان ولهذا ورد أنه ما كان يكثر الصوم بعد رمضان أكثر منه فيه
(هب عن أسامة) بن زيد ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد رواه النسائي في الصوم باللفظ المزبور عن أسامة المذكور(4/161)
[ص:162] 4889 - (شعبان شهري ورمضان شهر الله) ظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وشعبان المطهر ورمضان المكفر والمراد بكون شعبان شهره أنه كان يصومه من غير إيجاب عليه وبكون رمضان شهر الله أنه أوجب صومه فصار صومه حقا لله تعالى على عباده
(فر عن عائشة) وفيه الحسن بن يحيى الخشني قال الذهبي: تركه الدارقطني(4/162)
4890 - (شعبتان لا تتركهما أمتي) مع كونهما من أعمال الجاهلية (النياحة) أي رفع الصوت بالندب على الميت (1) (والطعن في الأنساب) أي الوقيعة في أعراضهم والقدح في نسبهم
(خد عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه
_________
(1) الندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت وقيل هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه(4/162)
4891 - (شفاء عرق النسا) كالعصا عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ والأفصح النسا لا عرق النساء ذكره في النهاية وتعقبه ابن القيم بأن العرق أعم فهو من إضافة العام إلى الخاص سمي به لأن ألمه ينسى سواه (ألية شاة أعرابية) في رواية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير (تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق كل يوم جزء) قال أنس: وصفته لثلاث مئة نفس كلهم يعافى وهذا خطاب لأهل الحجاز ونحوهم فإن هذا العلاج ينفعهم إذ المرض يحدث من يبس وقد يحصل من مادة غليظة لزجة وفي الألية إنضاج وتليين والمرض يحتاجها وخص الشاة الأعرابية لقلة فضولها ولطف جوهرها وطيب مرعاها. (1)
(حم هـ ك) في التفسير (عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) [أو لمواد خاصة في أدهانها لا توجد في أدهان غيرها. دار الحديث
ملاحظة: مرض " عرق النسا " الوارد هنا غير مرادف تماما لتشخيص معين في الطب الحديث ويصعب تعيينه بيقين لمن أراد الاستفادة من هذا الحديث. وأقرب ما يوجد له هو أحد أوجاع المفاصل الذي ينتج عنه انضغاط عصب يسمى " عرق الأنسر ". وفي بعض حالات هذا المرض قد توجد في نوع معين من الأدهان مواد تساعد الجسم على ترميم الضرر وقد تكون إحدى تلك الحالات هي المرض الذي عناه أبو هريرة والمناوي. دار الحديث](4/162)
4892 - (شفاعتي) الإضافة بمعنى أل العهدية أي الشفاعة التي أعطانيها الله ووعدني بها ادخرتها (لأهل الكبائر) الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبائر (من أمتي) ومن شاء الله (1) فيشفع لقوم في أن لا يدخلوا النار ولآخرين دخلوها أن يخرجوا منها ولا ينافيه قوله في الحديث المار إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا لأن المراد المستحل أو الزجر والتنفير كما مر. قال الحكيم الترمذي: أما المتقون الورعون وأهل الاستقامة فقد كفاهم ما قدموا عليه فإنما نالوا تقواهم وورعهم برحمة شاملة فتلك الرحمة لا تخذلهم في مكان قال: والشفاعة درجات فكل صنف من الأنبياء والأولياء وأهل الدين كالعابدين والورعين والزهاد والعلماء يأخذ حظه منها على حياله لكن شفاعة محمد لا تشبه شفاعة غيره من الأنبياء والأولياء لأن شفاعتهم من الصدق والوفاء والحظوظ وشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من الجود وفيه رد على الخوارج المنكرين للشفاعة ولا حجة لهم في قوله تعالى {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} كما هو مبين في الأصول
(حم د) في السنة (ت) في الزهد (حب ك عن أنس) بن مالك (ت د حب ك عن جابر) بن عبد الله قال الترمذي في العلل: قال جابر: ومن لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة (طب) وفي الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عنده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو وضاع (خط عن ابن عمرو) بن العاص (وعن كعب بن عجرة) قال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه وفي الميزان رواه عن صديق من يجهل حاله أحمد بن عبد الله الزيني فما أدري من وضعه وأعاده في محل آخر وقال: هذا خبر منكر
_________
(1) [أي ليس قوله " من أمتي " للحصر بل لذكر أحد الأصناف الذين تنالهم الشفاعة وذكر في غير أحاديث أصنافا أخر كقوله في الحديث 2641: إني سألت ربي أولاد المشركين فأعطانيهم خدما لأهل الجنة لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول. وقوله في الحديث 4598: سألت ربي أن لا يعذب اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم. وقوله في الحديث 4606: سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك أباؤهم من الشرك ولأنهم في الميثاق الأول. دار الحديث]
[ذكر المناوي تضعيف رواية الطبراني ورواية الخطيب وسكت عن الباقي. ولمنع الالتباس يذكر ما ورد في تصحيح الحديث:
قال الهيثمي في مجمع الزوائد:
قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال: إني ادخرت دعوتي شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. فامسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ثم نطقنا بعد ورجونا. رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة
وقال العجلوني في كشف الخفاء:
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
: رواه الترمذي والبيهقي عن أنس مرفوعا وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال البيهقي إسناده صحيح. وأخرجه هو وأحمد وأبو داود وابن خزيمة عن أنس من وجه آخر وهو وابن خزيمة من طريق آخر عن أنس أيضا بلفظ " الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي " وهو وحده عن مالك بن دينار عن أنس بزيادة: " وتلا هذه الآية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} " وعن يزيد الرقاشي عن أنس بلفظ " قلنا: يا رسول الله لمن تشفع؟ قال: لأهل الكبائر من أمتي وأهل العظائم وأهل الدماء " وعن زياد النميري عن أنس بلفظ " أن شفاعتي " أو " إن الشفاعة لأهل الكبائر ". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن جابر مرفوعا بلفظ الترجمة زاد محمد بن ثابت في رواية الطيالسي " فقال جابر: فمن لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة؟ " وزاد الوليد بن مسلم في روايته عن زهير " فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد إنه من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب وأما الذي قد استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وإنما الشفاعة شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوبق نفسه أو علق ظهره ". وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق الشعبي عن كعب بن عجرة قال: " قلت يا رسول الله الشفاعة الشفاعة فقال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". ورواه عبد الرزاق عن طاوس رفعه كالترجمة بزيادة " يوم القيامة " وقال: هذا مرسل حسن يشهد لكون هذه اللفظة شائعة بين التابعين. ثم روى عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رجلا يقول: اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. قال (أي حذيفة) : إن الله يغني المؤمنين عن شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الشفاعة للمذنبين المؤمنين أو المسلمين. ورواه الخطيب عن أبي الدرداء بلفظ: " شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي وإن زنى وإن سرق على رغم أبي الدرداء ". دار الحديث](4/162)
[ص:163] 4893 - (شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي) قال أبو الدرداء: وإن زنا وإن سرق قال: (وإن زنا وإن سرق) الواحد منهم (على رغم أنف أبي الدرداء) ظاهره أن شفاعته تكون في الصغائر أيضا وتخصيصها بالكبائر فيما قبله يؤذن باختصاصها بها وبه جاء التصريح في بعض الروايات ففي الترمذي عن جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة ثم هذا الحديث مما استدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر ونازعهم المعتزلة بأنه خبر واحد ورد على مضادة القرآن فيجب رده وبأنه يدل على أن شفاعته ليست إلا لهم وهذا لا يجوز لأن شفاعته منصب عظيم وتخصيصه بأهل الكبائر يقتضي حرمان أهل الصغائر وهو ممنوع إذ لا أقل من التسوية ولأن هذه المسألة ليست من المسائل العملية فلا يجوز الاكتفاء فيها بالظن الذي أفاده خبر الواحد وبعد التنزل فيجوز أن يكون المراد به الاستفهام الإنكاري كقوله {هذا ربي} أي أهذا ربي وبأن لفظ الكبيرة غير مختص بالمعصية بل يتناول الطاعة فيحتمل أن المراد أهل الطاعة الكبيرة لا المعاصي الكبيرة قال الإمام الرازي: والإنصاف أنه لا يمكن التمسك في هذه المسألة بهذا الخبر وحده لكن مجموع الأخبار الواردة في الشفاعة يدل على سقوط هذه التأويلات
(خط عن أبي الدرداء) وفيه محمد بن إبراهيم الطرسوسي قال الحاكم: كثير الوهم ومحمد بن سنان الشيرازي قال الذهبي في الذيل: صاحب مناكير(4/163)
4894 - (شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي) بدل مما قبله وهذا لا ينافي قوله لفاطمة التي هي منه بتلك المزية الكبرى وقال فيها فاطمة بضعة مني لا أغني عنك شيئا لأن المراد إلا بإذن الله والشفاعة إنما هي لمن شاء الله الشفاعة له {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
(خط عن علي) أمير المؤمنين(4/163)
4895 - (شفاعتي مباحة إلا لمن) لفظ رواية الديلمي إلا على من (سب أصحابي) فإنها محظورة عليه ممنوعة عنه لجرأته على من بذل نفسه في نصرة الدين وطال ما كشف الكرب عن خاتم النبيين فلما تجرأ على ذلك الأمر الشنيع جوزي بحرمان هذا الفضل العظيم
(حل عن عبد الرحمن بن عوف) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/163)
4896 - (شفاعتي يوم القيامة) لدفع العذاب ورفع الدرجات (حق) مأذون له فيها من ربه لقوله تعالى {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا} ولقوله {من ذا الذي يشفع عنده} وإنكار المعتزلة الشفاعة تمسكا بقوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة} رد بمنع دلالته على العموم في الأشخاص والأحوال وإن سلم يجب تخصيصه بالكفار جمعا بين الأدلة (فمن لم يؤمن بها) في الدنيا (لم يكن من أهلها) أي لم تنله في ذلك الموقف الأعظم عقوبة له على إنكاره ما هو الحق الثابت عند أهل السنة والجماعة
(ابن منيع) في المعجم (عن زيد بن أرقم وبضعة عشر من الصحابة) ومن ثم أطلق عليه التواتر(4/163)
4897 - (شمت العاطس) أي قل له يرحمك الله عقب عطاسه ولفظ رواية مخرجه الترمذي ليشمت بلفظ المضارع فيما وقفت عليه من النسخ وكيفما كان فالأمر للندب لا للوجوب قال النووي: تشميت العاطس سنة كفاية عند أصحابنا وقال [ص:164] القرطبي: سمى الدعاء تشميتا لأنه إذا استجيب للمدعو له فقد زال عنه الذي يشمت به عدوه لأجله (ثلاثا) من المرات (فإن زاد) عليها (فإن شئت فشمته وإن شئت فلا) تشمته تبين أن الذي به زكام ومرض لا حقيقة العطاس قال النووي: وبين الدعاء له بغير دعاء العطاس المشروع بل دعاء المسلم للمسلم بنحو عافية وسلامة
(ت) في الاستدراك (عن رجل) من الصحابة ثم قال أعني الترمذي: غريب وإسناده مجهول أي فيه من يجهل وإلا فقد قال الحافظ ابن حجر: معظم رجاله موثقون اه. ورواه أبو داود أيضا وفيه عنده إرسال وضعف بينه ابن القيم وغيره(4/163)
4898 - (شمت أخاك) في الإسلام (ثلاثا) من المرات (فما زاد) على الثلاث (فإنما هي نزلة أو زكام) فيدعى له كما يدعى لمن به مرض أو داء أو وجع قال النووي: وليس هو حينئذ من باب التشميت وحكى أعني النووي عن ابن العربي أنه اختلف هل يقال لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم في الثانية أو في الثالثة أو في الرابعة والصحيح في الثالثة
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في كتاب الطب) النبوي (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وفيه محمد بن عبد الرحمن بن المحبر العمري قال في الميزان: قال يحيى: ليس بشيء والفلاس: ضعيف وأبو زرعة: واه والنسائي وجمع: متروك ثم ساق له أخبارا هذا منها وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون عندهم وهو عجيب فقد خرجه أبو داود موقوفا على أبي هريرة ومرفوعا لكنه لم يذكر النزلة بل قال فما زاد فهو زكام. قال العراقي: وإسناده جيد ورواه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعا(4/164)
4899 - (شهادة المسلمين بعضهم على بعض جائزة) مقبولة (ولا تجوز شهادة العلماء بعضهم على بعض لأنهم حسد) بضم الحاء والتشديد بضبط المصنف أي هم أشد حسدا لبعضهم بعضا ولهذا قال ابن عباس: إنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة ومن هذا القبيل ما قيل: عدو المرء من يعمل بعمله. (1)
(ك في تاريخه) تاريخ نيسابور عن يوسف بن يعقوب البغوي عن المسيب بن مسلم عن أحمد بن جعفر البغوي عن أبي إسحاق الطالقاني عن عبد الملك بن حازم عن أبي هارون العبدي عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه (عن) جده (جبير بن مطعم) مرفوعا قضية كلام المؤلف أن مخرجه الحاكم خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عقبه: ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإسناده فاسد من أوجه كثيرة يطول شرحها اه قال ابن الجوزي: منها أن في إسناده مجاهيل وضعفاء منهم أبو هارون فهو موضوع اه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فحكاه وأقره ولم يتعقبه بشيء
_________
(2) (ومن الواضح أن ذلك ليس على إطلاقه وإنما للتنبيه على التحقق من كلام العلماء على بعض والتوثق منه. والحديث شديد الضعف أو موضوع كما ذكره المناوي. دار الحديث](4/164)
4900 - (شهدت غلاما) أي حضرت حيال كوني صغيرا والشهود الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة والغلام الولد الصغير ويطلق على الرجل مجازا باعتبار ما كان عليه كما يقال للصغير شيخ مجازا باسم ما يؤول إليه وقوله (مع عمومتي) متعلق بشهدت وهو جمع عم كما يجمع على أعمام كبعل وبعولة والعمومة أيضا مصدر العم كالأبوة والخؤولة وقوله (حلف المطيبين) بالمثناة التحتية المشددة جمع مطيب بمعنى متطيب أي حضرت تعاهدهم وتعاقدهم على أن يكون أمرهم واحد في النصرة والحماية والحلف بفتح فكسر: العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والمعاقدة والملازمة والتطيب استعمال الطيب وقوله (فما يسرني أن لي حمر النعم وأني أنكثه) أي ما يسرني أن يكون لي الإبل الحمر التي هي أعز أموال [ص:165] العرب وأكرمها وأعظمها والحال أني أنقضه والفاء في فما عاطفة أو سببية والسرور ما يكتم من الفرح وحمر بضم فسكون جمع أحمر والنعم بفتح النون والعين المال الراعي وهو جمع لا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الإبل بل قال أبو عبيدة: النعم الإبل فقط والنكث النقض يقال نكث الرجل العهد نكثا نقضه ونبذه فانتكث مثل نقضه فانتقض وهذا الحديث روي بألفاظ فرواه الحاكم باللفظ المذكور ورواه الإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي بلفظ شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي إلخ وأصل ذلك أنه اجتمع بنو هاشم وزهرة وتميم في الجاهلية بمكة في دار ابن جذعان وتحالفوا على أن لا يتخاذلوا ثم ملؤا جفنيه طليبا ووضعوها في المسجد عند الكعبة وغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ومسحوا الكعبة بأيديهم المطيبة توكيدا فسموا المطيبين وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفا آخر وتعاهدوا على أن لا يتخاذلوا فسموا الأحلاف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المطيبين وكان عمر رضي الله عنه من الأحلاف فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باق على ما حضره من تحالف قومه المطيبين من التناصر على الحق والأخذ للمظلوم من الظالم وأنه لا يتعرض له بنقض بل أحكامه باقية في الإسلام وفيه أن ما كان من حلف الجاهلية لا يبطله الإسلام وبه صرح في حديث أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة رواه الحاكم عن حذيفة وقال: على شرط الشيخين
(حم ك عن عبد الرحمن بن عون) وفيه عبد الرحمن بن إسحاق وفيه كلام معروف(4/164)
4901 - (شهداء الله في الأرض) هم (أمناء الله على خلقه) سواء (قتلوا) في الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (أو ماتوا) على الفرش من غير قتال فإنهم شهداء أي في حكم الآخرة (1)
(حم) من حديث محمد بن زيد الألهاني قال: ذكر عند أبي عتبة الخولاني فذكر الطاعون والمبطون والنفساء فغضب أبو عتبة وقال: حدثنا أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال فذكره فعبر عن ذلك المصنف بقوله (عن رجال) (2) أي من الصحابة قال الهيثمي: ورجاله ثقات اه. ومن ثمة رمز المصنف لصحته
_________
(1) لكن المقتولون كما ذكر من شهداء الدنيا والميتون على الفرش من شهداء الآخرة وقال الشيخ: وقتلوا أو ماتوا راجع إلى الخلق أي سعادتهم ثبتت بشهادتهم ولو اثنين
(2) [في الأصل " عن رجل ". ولعله من خطأ بعض النساخ إذ ورد بلفظ " عن رجال " في نص الجامع الصغير في نفس النسخة وكذلك في الفتح الكبير للنبهاني وهو يناسب قوله " حدثنا أصحاب نبينا ". دار الحديث.](4/165)
4902 - (شهران لا ينقصان) مبتدأ وخبره يعني لا يكاد يتفق نقصانهما جميعا في سنة واحدة غالبا وإلا فلو حمل الكلام على عمومه اختل ضرورة لأن اجتماعهما ناقصين في سنة واحدة قد وجد بل قال الطحاوي: وجدناهما ينقصان معا في أعوام وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما وإنما خصهما لتعلق حكم الصوم والحج بهما فكل ما ورد من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين وسواء صادف الوقوف التاسع أو غيره قال النووي: وهذا هو الصواب وقال الطيبي: المراد رفع الحرج عما يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعقدين وجواز احتمال الخطأ فيهما ومن ثم لم يقتصر على قوله رمضان وذي الحجة بل قال (شهرا عيد) خبر مبتدأ محذوف أو بدل مما قبله أحدهما (رمضان) والآخر (ذو الحجة) أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد واستشكل ذكر ذي الحجة لأنه إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقص الشهر وتمامه وأجيب بتأويله بأن الزيادة والنقص إذا وقع في ذي العقدة يلزم منه نقص عشر ذي الحجة أو زيادته فيقفون الثامن أو العاشر فلا ينقص أجر وقوفهم عما لا غلط فيه ذكره الكرماني لكن قال البرماوي: وقوف الثاني غلطا لا يعتبر على الأصح
(حم ق عد) كلهم في الصوم (عن أبي بكرة) لكن الذي رأيته للشيخين شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ثم إن صريح كلامه أن الستة جميعا رووه لكن استثنى فيهم المناوي وغيره النسائي(4/165)
[ص:166] 4903 - (شهر رمضان شهر الله) يعني الصوم عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ورمضان مصدر رمض احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للتعريف والألف والنون فالتسمية واقعة على المضاف والمضاف إليه وأما خبر من صام رمضان فمن باب الحذف لأمن الإلباس ذكره الكشاف (وشهر شعبان شهري) أي أنا سننت صومه (شعبان المطهر) بالبناء الفاعل أي للذنوب (ورمضان المكفر) للذنوب أي صومه مكفر لها والظاهر أن المراد الصغائر
(ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن عائشة) ورواه باللفظ المذكور الديلمي أيضا فعزوه إليه أولى(4/166)
4904 - (شهر رمضان يكفر ما بين يديه) من الخطايا (إلى شهر رمضان المقبل) يعني يكفر ذنوب السنة التي بينهما أي الصغائر كما تقرر
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (فضائل رمضان عن أبي هريرة)(4/166)
4905 - (شهر رمضان) أي صيامه (معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) أي بإخراجها إلى مستحقيها والظاهر أن ذلك كناية عن توقف قبوله على إخراجها
(ابن شاهين في ترغيبه والضياء) في المختارة (عن جرير) بن عبد الله أورده الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح فيه محمد بن عبيد البصري مجهول(4/166)
4906 - (شهيد البر يغفر له كل ذنب) عمله من الكبائر والصغائر (إلا الدين) بفتح الدال وشدها (والأمانة) أي التي كانت عنده وخان فيها أو لم يوصلها إلى مستحقها أو قصر في الإيصاء فيها (وشهيد البحر يغفر له كل ذنب) عمله من الكبائر والصغائر (والدين) أيضا بالفتح (والأمانة) (1) فإنه أفضل من شهيد البر لكونه ارتكب غررين في دين الله عز وجل: ركوبه البحر المخوف وقتال أعدائه قال الحافظ ابن حجر: وفي معنى الدين جميع التبعات المتعلقة بالعباد
(حل) من حديث الموهبي عن طالوت بن أدهم عن هشام بن حسان عن يزيد الرقاشي (عن عمة النبي صلى الله عليه وسلم) عبارة ابن القيم عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا قال ابن حجر: وسنده ضعيف وقال جدنا الأعلى للإمام الزين العراقي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف
_________
(1) [ومغفرة الدين والأمانة تكون بتحمل الله لهما وإرضاء خصومه في الآخرة كما ورد في شرح الحديث 4953. دار الحديث](4/166)
4907 - (شهيد البحر مثل شهيدي البر) أي له من الأجر ضعف ما لشهيد البر كما ذكره (والمائد في البحر) الذي يدور رأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالموج (كالمتشحط في دمه في البر) أي له بدوران رأسه من الأجر مثل [ص:167] ما لشهيد البر من الأجر بقتله (وما بين الموجتين في البحر كقاطع الدنيا في طاعة الله) أي له من الأجر في تلك اللحظة مثل أجر من قطع عمره في طاعة الله (وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم) بلا واسطة فالله هو القابض لجميع الأرواح لكن لشهيد البحر بلا واسطة ولغيره بواسطة ملك الموت (1) (ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين) بفتح الدال (ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين) على ما سبق تقريره
(هـ طب) كلاهما من رواية قيس بن محمد الكندي عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر (عن أبي أمامة) الباهلي قال الزين العراقي: وعفير بن معدان ضعيف جدا
_________
(1) قال القرطبي: لا تنافي بين قوله تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت} وقوله {توفته رسلنا} وقوله {تتوفاهم الملائكة} وقوله {الله يتوفى الأنفس حين موتها} لأن إضافة التوفي إلى ملك الموت لأنه المباشر للقبض وللملائكة الذين هم أعوانه لأنهم يأخذون في جذبها من البدن فهو قابض وهم معالجون وإلى الله لأنه القابض على الحقيقة وقيل: يقبض ملك الموت الروح ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو إلى ملائكة العذاب(4/166)
4908 - (شوبوا مجلسكم) أي اخلطوه وفي رواية مجالسكم (بمكدر اللذات الموت) تفسير لمكدر اللذات أو بدل منه وذلك لأنه يمنع من الأشر والبطر والانهماك في اللذات والاستغراق في الضحك والتمادي على الغفلات ويقصر الأمل ويرضي بالقليل من الرزق ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويهون المصائب وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر مرفوعا في صحف موسى عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك ولمن أيقن بالقدر كيف ينصب ولمن رأى سرعة تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذكر الموت عن عطاء) ابن أبي مسلم (الخراساني) البلخي مولى المهلب بن أبي صفرة بضم المهملة (مرسلا) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك فذكره قال الحافظ العراقي: ورويناه في أمالي الخلال من حديث أنس وقال: لا يصح(4/167)
4909 - (شوبوا شيبكم بالحناء فإنه أسرى لوجوهكم وأطيب لأفواهكم وأكثر لجماعكم الحناء) أي نوارها الذي يسمى تمرحنا (سيد ريحان أهل الجنة) في الجنة (الحناء يفصل ما بين الكفر والإيمان) أي خضاب الشعر به يفرق بين الكفار والمؤمنين فإن الكفار لا يتخضبون به بل بالسواد
(ابن عساكر) في تاريخه من حديث المسدد بن علي الأملوكي الحمصي عن عبد الصمد بن سعيد عن عبد السلام بن العباس عن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي الدمشقي عن إبراهيم عن أيوب الدمشقي عن إبراهيم بن عبد الحميد الجرشي عن أبي عبد الملك الأزدي (عن أنس) بن مالك وفيه من لا يعرف(4/167)
4910 - (شيئان لا أذكر فيهما) أي عندهما (الذبيحة والعطاس هما مخلصان لله) أي بذكره فيقال عند الذبح بسم الله والله أكبر ولا يقال واسم محمد ولا وصلى الله على محمد وكذا العطاس فلا يقال الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد. (1)
(فر) من حديث الحسن بن أبي جعفر عن نهشل عن الضحاك (عن ابن عباس) والحسن هذا قال الذهبي: ضعفوه [ص:168] ونهشل هذا قال ابن راهويه: كان كذابا ورواه عنه ابن لال أيضا ومن طريقه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى
_________
(2) [فيقال عند الذبح " بسم الله والله أكبر " ولا يقال " واسم محمد " ولا " وصلى الله على محمد " وكذا العطاس فلا يقال " الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد " (ومن هنا يتبين كراهة اختراع الأدعية لغير العلماء لما قد يدخلها من المخالفات. أما ما ورد عن الكثير من الصحابة من الأدعية التي أقرهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلعلمهم وصحة عقيدتهم وكذلك وردت أدعية عن الكثير من أهل البيت ومن المجتهدين والعلماء وليس الملائكة كالحدادين. دار الحديث](4/167)
4911 - (شيبتني هود) أي سورة هود (وأخواتها) أي وأشباهها من السور التي فيها ذكر أهوال القيامة والعذاب والهموم والأحزان إذا تقاحمت على الإنسان أسرع إليه الشيب في غير أوان قال المتنبي:
والهم يخترم الجسم مخافة. . . ويشيب ناصية الصبي ويهرم
قال الزمخشري: مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب وأصبح أبيض الرأس واللحية كالثغامة فقال: أريت القيامة والناس يقتادون بسلاسل إلى النار (1) فمن هول ذلك أصبحت كما ترون
(طب عن عقبة بن عامر وأبي جحيفة) بالتصغير وهب بن عبد الله
_________
(1) قال ابن عباس: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم آية كانت أشق ولا أشد من قوله تعالى {فاستقم كما أمرت} ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا أسرع إليك الشيب قال: شيبتني هود إلخ(4/168)
4912 - (شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت) يعني أن اهتمامي بما فيها من أحوال القيامة والحوادث النازلة بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوان الشيب خوفا على أمتي
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي: فيه سعيد بن سلام العطار وهو كذاب انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب(4/168)
4913 - (شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) لما فيها من ذكر الأمم وما حل بهم من عاجل بأس الله فأهل اليقين إذا تلوها انكشفت لهم من ملكه وسلطانه وبطشه وقهره ما تذهل منه النفوس وتشيب منه الرؤوس فلو ماتوا فزعا لحق لهم لكن الله لطف بهم لإقامة الدين
(ت) في الشمائل (ك) في التفسير (عن ابن عباس ك) في التفسير (عن أبي بكر) الصديق قال: قلت يا رسول الله أراك قد شبت فذكره قال في الاقتراح: إسناده على شرط البخاري (ابن مردويه) في تفسيره (عن سعد) بن أبي وقاص وفيه سفيان بن وكيع قال الذهبي: ضعيف وقال الدارقطني: موضوع وقال المصنف في الدرر: بل حسن(4/168)
4914 - (شيبتني هود) أي سورة هود (وأخواتها) أي وما أشبهها مما فيه من أهوال القيامة وشدائدها وأحوال الأنبياء وما جرى لهم (قبل المشيب) لأن الفزع يورث الشيب قيل أوانه إذ هو يذهل النفس فتنشف رطوبة البدن وتحت كل شعرة منبع ومنه يعرق فإذا نشفت رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر فابيض كالزرع الأخضر إذا لم يسق فإنه يبيض وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلدته فلما فزع قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم من ذلك الوعيد والهول نشف ماء منابته فشاب قبل الأوان
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي بكر) الصديق(4/168)
4915 - (شيبتني هود وأخواتها من المفصل) أي وما أشبهها منه مما اشتمل على الوعيد الهائل والهول الطائل الذي يفطر الأكباد ويذيب الأجساد قال تعالى {يوما يجعل الولدان شيبا} وإنما شابوا من الفزع
(ص عن أنس) بن مالك (ابن مردويه) في تفسيره (عن عمران) بن الحصين(4/168)
[ص:169] 4916 - (شيبتني هود وأخواتها الواقعة والقارعة والحاقة وإذا الشمس كورت وسأل سائل) قال العلماء: لعل ذلك لما فيهن من التخويف الفظيع والوعيد الشديد لاشتمالهن مع قصرهن على حكاية أهوال الآخرة وعجائبها وفظائعها وأحوال الهالكين والمعذبين مع ما في بعضهن من الأمر بالاستقامة كما مر وهو من أصعب المقامات وهو كمقام الشكر إذ هو صرف العبد في كل ذرة ونفس جميع ما أنعم الله به عليه من حواسه الظاهرة والباطنة إلى ما خلق لأجله من عبادة ربه بما يليق بكل جارحة من جوارحه على الوجه الأكمل ولهذا لما قيل للمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أجهد نفسه بكثرة البكاء والخوف والضراعة: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا ومن العجب أن قوله تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا} ربما فهم منه من لم يتأمل أن فيه رجاء عظيما وهيهات فقد شرط تعالى للمبالغة في رحمته أربع شروط: التوبة والإيمان الكامل والعمل الصالح ثم سلوك سبيل المهتدين من مراقبة الله وشهوده وإدامة الذكر والإقبال على الله بقاله وحاله ودعائه وإخلاصه
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) بن مالك(4/169)
4917 - (شيبتني هود وأخواتها) من كل سورة ذكر فيها الاستقامة (وما فعل الله بالأمم قبلي) من عاجل بأس الله الذي قطع دابرهم وإنما شيبه ذلك مع عصمته وتحقيقه أن الحق لا يمكر به لأن المقرب ولو بالغ في الاستقامة يمنعه الأدب مع الله أن يشهد في نفسه أنه وفى بالأمر بحيث لم يبق بعده درجة يمكن صعودها بل المقرب أولى بشدة الخوف ممن سواه لأن من خصائص حضرات القرب شدة الخوف لكمال التجلي بالهيبة وكلما زاد القرب زاد الخوف ومن ادعى مقام التقريب مع الإدلال على الله فما عنده خبر من التقريب
(ابن عساكر) في تاريخه (عن محمد بن علي مرسلا) هو ابن الحنفية(4/169)
4918 - (شيبتني هود وأخواتها ذكر يوم القيامة وقصص الأمم) أي ما فيها من ذكر أهوال القيامة وقصص الأمم السابقة وإهلاكهم بالمسخ والقذف والقلب وغير ذلك
(عم في زوائد) كتاب (الزهد) لأبيه (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في تفسيره) للقرآن (عن أبي عمران الجوني مرسلا) بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون عبد الملك بن حبيب ضد العدو الأزدي أو الكندي أحد علماء البصرة(4/169)
4919 - (شيطان) أي هذا الرجل الذي يتبع الحمامة شيطان (يتبع شيطانة) أي يقفو أثرها لاعبا بها وإنما سماه شيطانا لمباعدته عن الحق وإعراضه عن العبادة واشتغاله بما لا يعنيه وسماها شيطانة لأنها أغفلته عن ذكر الحق وشغلته عما يهمه من صلاح الدارين والعناية في قوله (يعني حمامة) مدرجة للبيان. قال في المطامح: يحتمل اختصاصه بذلك الرجل ويحتمل العموم لأنه من اللهو ومن فعل أهل البطالة فيكره اللعب بالحمام تنزيها لأنه دناءة وقلة مروءة ويجوز اتخاذها لفراخها وأكلها والأنس بها
(د هـ) في الأدب وكذا البخاري في الأدب المفرد (عن أبي هريرة) قال: رأى رسول الله [ص:170] صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فذكره (هـ عن أنس) بن مالك (وعن عثمان) بن عفان (وعن عائشة) قال المناوي: فيه محمد بن عمرو بن علقمة الليثي فيه خلاف(4/169)
4920 - (شيطان الردهة) بفتح فسكون: النفرة في الجبل يستنقع فيها الماء وقيل قلة الرابية (يحتذره رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب راع للخيل علامة سوء في قوم ظلمة) قال في مسند الفردوس: يعني ذا الثدية الذي قتله علي كرم الله وجهه يوم النهروان اه
(حم ع ك عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه الديلمي أيضا(4/170)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الشين](4/170)
4921 - (الشاة في البيت بركة والشاتان بركتان والثلاث ثلاث بركات) يريد أنه كلما كثر الغنم في البيت كثرت البركة فيه لما فيها من البركة والارتفاق بالدر والنسل ومن كثر منها كثر له ومن قلل قلل له
(خد عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه صفدي بن عبد الله قال في الميزان: له حديث منكر قال العقيلي: لا يعرف إلا به ومتنه الشاة بركة ثم ساقه إلى آخر ما هنا(4/170)
4922 - (الشاة بركة والبئر) في البيت ونحوه (بركة والتنور) يخبز فيه الخبز ونحوه (بركة والقداحة) أي الزناد (بركة) في البيت لشدة الحاجة إليها واستحالة الاستغناء عنها
(خط) في ترجمة زفر الأصفواني من حديث أحمد بن نصر الزارع عنه عن محمد بن حرب عن داود المحبر عن معدي عن قتادة (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه بل أعله فقال: الزارع ليس بحجة اه. وقال ابن الجوزي والذهبي: قال الدارقطني: الزارع كذاب دجال وداود المحبر قال أحمد والبخاري: لا شيء وقال الذهبي: قال ابن حبان: كان يضع ومعدي قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به وقال يحيى: ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن سند الحديث عدم(4/170)
4923 - (الشاة من دواب الجنة) أي أن الجنة فيها شياه وأصل هذه منها أو أنها تكون يوم القيامة في الجنة
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وزرني أحد رواته قال ابن حبان: يروي ما لا أصل له(4/170)
4924 - (الشام صفوة الله من بلاده إليها يجتبي) أي يفتعل من جبوت الشيء وجبته إذا جمعته (صفوته من عباده فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطة ومن دخلها من غيرها فبرحمة (1)) قال عيسى عليه السلام حين نزل دمشق: لن يعدم الغني أن يجمع فيها كنز ولن يعدم المسكين أن يشبع فيها خبزا وقال هرم بن حيان لأويس القرني: أين تأمرني أن [ص:171] أكون فأومأ إلى الشام فقال: كيف المعيشة بها؟ قال: أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة
<فائدة> قال العارف البطائحي: رأيت الشيخ أبا البيان والشيخ رسلان مجتمعين بجامع دمشق فسألت الله أن يحجبني عنهما وتبعتهما حتى صعدا أعلى مغارة الدم وقعدا يتحدثان وإذا بشخص أتى كأنه طائر في الهواء فجلسا بين يديه كالتلميذين فسألاه عن أشياء منها هل على وجه الأرض بلد ما رأيته قال: لا قالا: هل رأيت مثل دمشق قال: لا وكانا يخاطبانه يا أبا العباس فعرفت أنه الخضر
(طب ك عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف
_________
(1) مقصوده الحث على سكناها وعدم الانتقال منها لغيرها لا أن من تركها وسكن بغيرها يحل عليه الغضب
[وليس الحديث على إطلاقه بل المقصود: أولا بيان فضل السكن فيها كما ورد في أحاديث أخرى بلغت حد التواتر. وثانيا: تنبيه الخارج منها إلى زيادة التدقيق في سبب خروجه وإلى تفتيش حاله مع ربه ومع الخلق حيث أنه بناء على فضلها المذكور فإنه يقل احتمال الخروج منها إلى أفضل منها فإن خرج إلى أقل فضلا منها فلا يخلو عن نقص حصل له وإليه المشار بقوله " فبسخطة " والله أعلم. دار الحديث](4/170)
4925 - (الشام أرض المحشر والمنشر) أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها وخصت بذلك لأنها الأرض التي قال الله فيها {باركنا فيها للعالمين} وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر
(أبو الحسن بن شجاع الربعي) بفتح الراء والموحدة التحتية نسبة إلى ربيعة بن نزار (في فضائل الشام عن أبي ذر)(4/171)
4926 - (الشاهد) المذكور في قوله تعالى {وشاهد ومشهود} هو (يوم عرفة) أي يشهد لمن حضر الموقف (ويوم الجمعة) أي يشهد لمن حضر صلاته (والمشهود هو اليوم الموعود يوم القيامة) لأنه يشهده أي يحضره جميع الخلائق من إنس وجن وملائكة وغيرهم لفصل القضاء وسيأتي في حديث آخر الكتاب ما يعارض ذلك. (1)
(ك) في التفسير (هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) [قوله: وسيأتي في حديث آخر الكتاب ما يعارض ذلك: أي الحديثين رقم 10030 و 10031 وفيهما: اليوم الموعود يوم القيامة. . . والشاهد يوم الجمعة. . . والمشهود يوم عرفة. والدليل ضعيف على المعارضة مع هذين الحديثين بل فيهما زيادة في الخبر. ودليل ذلك أنه كما أضفى صفتين ليوم القيامة في هذا الحديث وهو علي شرط الشيخين بقوله " والمشهود هو الموعود يوم القيامة " فالأمر مثله ليوم عرفة: فهو الشاهد كما ورد في هذا الحديث وهو أيضا المشهود كما ورد في الحديثين الآخرين ولا مانع من ذلك. فلا تعارض والله أعلم. دار الحديث](4/171)
4927 - (الشاهد) أي الحاضر (يرى ما لا يرى الغائب) قال ابن جرير: أراد رؤية القلب لا العين أي الشاهد للأمر يتبين له من الرأي والنظر فيه ما لا يظهر للغائب لأن الشاهد للأمر يتضح له ما لا يتضح للغائب عنه
(حم عن علي) أمير المؤمنين قلت: يا رسول الله أكون لأمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الشاهد إلخ (القضاعي) في مسند الشهاب وكذا الديلمي (عن أنس) رمز المصنف لصحته وأصله قول العامري في شرح الشهاب: صحيح. قال السخاوي: في هذا الثا (1) ابن لهيعة
_________
(1) [هكذا في الأصل ولعله " في هذا الثاني " أي الديلمي والله اعلم. دار الحديث.](4/171)
4928 - (الشباب شعبة من الجنون) قال الزمخشري: يعني أنه شبيه بطائفة من الجنون لأنه يغلب العقل ويميل صاحبه إلى الشهوات غلبة الجنون والشعبة من الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعب الجبل ما تفرق من رؤوسها وقال العامري: الشباب حداثة السن وطراوته ومنه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الصبر يشب الوجه أي يوقد لونه ونضرته والشعبة القطعة من الشيء فبالعقل يعقل عواقب الأمور والجنون يسترها والشاب لم يتكامل عقله فينشأ منه خفة وحدة فحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من العجلة وحث على التثبت وفيه إيماء للعفو عن الشباب (والنساء حبالة) وفي رواية حبائل (الشيطان) أي مصائده والحبالة بالكسر ما يصاد به من أي شيء كان وجمعه حبائل أي المرأة شبكة يصطاد بها الشيطان عبيد الهوى فأرشد لكمال شفقته على أمته إلى الحذر من النظر إليهن والقرب منهن وكف الخاطر عن الالتفات إليهن باطنا ما أمكن وتقدم خبر اتقوا الدنيا والنساء فخصهن لكونهن أعظم أسباب الهوى وأشد آفات الدنيا
(الخرئطي في) كتاب (اعتلال القلوب) وكذا التيمي في ترغيبه (عن زيد بن خالد [ص:172] الجهني) رمز المصنف لحسنه ورواه أبو نعيم في الحلية وابن لال عن ابن مسعود والديلمي عن عقبة وكذا القضاعي في الشهاب قال شارحه العامري: صحيح(4/171)
4929 - (الشتاء ربيع المؤمن) لأنه يرتع فيه في روضات الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه القلب في رياض الأعمال فالمؤمن فيه في سعة عيش من أنواع طاعة ربه فلا الصوم يجهده ولا الليل يضيق عن نومه وقيامه كالماشية تربع في زهر رياض الربيع قال العسكري: إنما قال الشتاء ربيع المؤمن لأن أحمد الفصول عند العرب فصل الربيع لأن فيه الخصب ووجود المياه والزرع ولهذا كانوا يقولون للرجل الجواد هو ربيع اليتامى فيقيمونه مقام الخصب والخير كثير الوجود في الربيع
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: إسناده حسن اه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/172)
4930 - (الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصام وطال ليله فقام) وفي رواية فصامه فقامه فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم يقوم للتهجد والأوراد بنشاط فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه مع إدراكه وظائف العبادات فيكمل له دينه وراحة بدنه بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره وحره يغلب فيه النوم فلا يتوفر فيه ذلك وهذا الحديث كالشرح لما قبله
(هق عن أبي سعيد) الخدري ورواه القضاعي في الشهاب وزعم العامري أنه صحيح(4/172)
4931 - (الشحيح) أي البخيل الحريص على ما سبق بما فيه (لا يدخل الجنة) مع هذه الخصلة حتى يطهر منها إما بتوبة صحيحة في الدنيا أو بالعفو أو بالعذاب وحقيقة الإنسان عبارة عن روح ونفس وقلب وإنما سمي القلب قلبا لأنه يميل تارة إلى الروح ويتصف بها فيفوز ويفلح فيدخل صاحبه الجنة وإذا اتصف بصفة النفس أظلم فكان مقرا للشح فخاب وخسر فلا يدخل الجنة حتى يطهر من دنسه
(خط في كتاب البخلاء عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي(4/172)
4932 - (الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل) أي أن يعمل الطاعة لأجل أن يراه ذلك الإنسان أو يبلغه عنه فيعتقده أو يحسن إليه سماه شركا لأنه كما يجب إفراد الله بالألوهية يجب إفراده بالعبودية
(ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(4/172)
4933 - (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل) في رواية النملة بالإفراد لأنهم ينظرون إلى الأسباب كالمطر غافلين عن المسبب ومن وقف مع الأسباب فقد اتخذ من دونه أولياء فلا يخرج عنه المؤمن إلا بهتك حجب الأسباب ومشاهدة الكل من رب الأرباب وأشار بقوله (على الصفا) إلى أنهم وإن ابتلوا به لكنه متلاش فيهم لفضل يقينهم فإنه وإن خطر لهم فهو خطور خفي لا يؤثر في نفوسهم كما لا يؤثر دبيب النمل على الصفا بل إذا عرض لهم خطرات الأسباب ردتها صلابة قلوبهم بالله <تنبيه> قال الإمام الرازي: السلامة في القيامة بقدر الاستقامة في نفي الشركاء فمن الناس من أثبت ظاهرا وهو الشرك الظاهر والاستقامة في الدنيا لا تحصل إلا بنفي الشركاء {فلا تجعلوا لله أندادا} ومنهم من أقر بالوحدانية ظاهرا لكنه يقول قولا يهدم ذلك التوحيد كأن يضيف السعادة والنحوسة إلى الكواكب والصحة [ص:173] والمرض إلى الدواء والغذاء أو العمل إلى العبد استقلالا وكل ذلك يبطل الاستقامة في معرفة الحق سبحانه وتعالى ومنهم من ترك كل ذلك لكنه يطيع النفس والشهوة أحيانا وإليه أشار بقوله {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} وهذا النوع من الشرك هو المسمى بالشرك الخفي والمراد من قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل {واجعلنا مسلمين لك} وقول يوسف {توفني مسلما} وأن الأنبياء مبرؤون عن الشرك الجلي أما الحالة المسماة بالشرك الخفي وهو الالتفات إلى غير الله فالبشر لا ينفك عنه في جميع الأوقات فلهذا السبب تضرع الأنبياء والرسل في أن يصرف عنهم الأسباب تردها صلابة قلوبهم بالله
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى وابن عدي وابن حبان من حديث أبي بكر ولأحمد والطبراني نحوه عن أبي موسى كما بينه الحافظ العراقي. وقال تلميذه الهيثمي: رواه البزار وفيه عبد الأعلى بن أعين وهو ضعيف(4/172)
4934 - (الشرك فيكم) أيها الأمة (أخفى من دبيب النمل) قال الغزالي: ولذلك عجز عن الوقوف على غوائله سماسرة العلماء فضلا عن عامة العباد وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها وإنما يبتلى به العلماء والعباد المشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة فإنهم مهما نهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم فنازعت إلى إظهار الطاعة وتوصلت إلى إطلاع الخلف ولم تقنع بإطلاع الخالق وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه للشهوات وتوقيه للشبهات وتحمله مشقات العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في الإعزاز ونظروا إليه بعين الاحترام وتبركوا بلقائه ورغبوا في بركته ودعائه وفاتحوه بالسلام والخدمة وقدموه في المجالس والمحافل وتصاغروا له فأصابت النفس في ذلك لذة هي من أعظم اللذات وشهوة هي أغلب الشهوات فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات فهو يظن أن حياته بالله وبعبادته المرضية وإنما حياته لهذه الشهوة الخفية التي يعمى عن دركها إلا العقول النافذة القوية ويرى أنه يخلص في طاعة رب العالمين وقد أثبت اسمه في جريدة المنافقين (وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره) قال الحكيم: صغار الشرك كقوله ما شاء الله وشئت وكباره كالرياء (تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث مرات) يحتمل كل يوم ويحتمل كلما سبق إلى النفس الوقوف مع الأسباب وذلك لأنه لا يدفع عنك إلا من ولى خلقك فإذا تعوذت به أعاذك لأنه لا يخيب من التجأ إليه وقصر نظر قلبه عليه وإنما أرشد إلى هذا التعوذ لئلا يتساهل الإنسان في الركون إلى الأسباب ويرتبك فيها حتى لا يرى التكوين والتدويم إلا رؤية الإيمان بالغيب فلا يزال يضيع الأمر ويهمله حتى تحل العقدة منه عقله الإيمان فيكفر وهو لا يشعر فأرشده إلى الاستعاذة بربه ليشرق نور اليقين على قلبه
(الحكيم) الترمذي (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الإمام أحمد في المسند وكذا أبو يعلى عن أبي نفيسة ورواه أحمد والطبراني عن أبي موسى وأبي نعيم في الحلية عن أبي بكر(4/173)
[ص:174] 4935 - (الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل (1) وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله) أي ما دين الإسلام إلا ذلك لأن القلب لا بد له من التعليق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده له محبوبه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره وذلك هو الشرك المبين فمن ثم كان الحب في الله هو الدين ألا ترى أن امرأة العزيز لما كانت مشركة كان منها ما كان مع كونها ذات زوج ويوسف لما أخلص الحب في الله ولله نجا من ذلك مع كونه شابا عزبا مملوكا (قال الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ) قال ابن القيم: الشرك شركان: شرك متعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته في أفعاله وشرك في عبادته ومعاملته لا في ذاته وصفاته والأول نوعان شرك تعطيل وهو أقبح أنواع الشرك كتعطيل المصنوع عن صانعه وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد والثاني شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل والثاني وهو الشرك في عبادته أخف وأسهل فإنه يعتقد التوحيد لكنه لا يخلص في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا والرفعة والجاه أخرى فلله من عمله نصيب ولنفسه وهواه نصيب وللشيطان نصيب وهذا حال أكثر الناس وهو الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا فالرياء كله شرك
(الحكيم) في نوادر الأصول (ك) في التفسير (حل) كلهم (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن فيه عبد الأعلى بن أعين قال الدارقطني: غير ثقة وقال في الميزان عن العقيلي: جاء بأحاديث منكرة وساق هذا منها وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بها
_________
(1) أي أن تحب إنسانا وهو منطو على شيء من الجور أو تبغض إنسانا وهو منطو على شيء من العدل لعله من نحو إحسان أو ضده(4/174)
4936 - (الشرود يرد) يعني إذا اشترى إنسان دابة كبدنة فوجدها شرودا له الرد فإنه عيب ينقص القيمة نقصا ظاهرا
(عد هق عن أبي هريرة) قال: إن بشيرا الغفاري كان له مقعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخطئه وأنه ابتاع بعيرا فشرد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وفيه عبد السلام بن عجلان قال ابن حجر: ضعيف اه ورواه الدارقطني عن أبي هريرة من طريقين قال الغرياني: وفيهما عبد السلام بن عجلان قال عبد الحق: ليس بمشهور وفي إحداهما بدليل بن المحبر ضعفه الدارقطني ووثقه غيره(4/174)
4937 - (الشريك أحق بصقبه ما كان) أي مما يقربه ويليه والسقب بالتحريك الجانب القريب وأصله القرب وكذا الصقب وليس فيه ذكر الشفعة ولا ما يدل على أن المراد هو الأحق بها بل يحتمل أن يكون المراد به أنه أحق بالبر والمعونة وإن كان المراد منه الشفعة فالمراد من الجار الشريك لأنه يساكنه وجوار المساكن أقوى ومنه سميت المرأة جارة وعليه تدل الأخبار الدالة على اختصاص الشفعة بالشريك وأنه لو حمل على الجار لزم أن يكون المجاور أحق من الشريك وهو خلاف الإجماع تمامه عند الطبراني قيل: يا رسول الله ما الصقب قال: الجوار وعند أبي يعلى الجار أحق بشفعته يعني بسقبه وقال إبراهيم الحربي: السقب بصاد وسين ما قرب من الدار نقله ابن حجر
(هـ عن أبي رافع) ورواه عنه البخاري باللفظ المزبور إلا ما كان ورمز المصنف لصحته(4/174)
[ص:175] 4938 - (الشريك شفيع) أي له الأخذ بالشفعة قهرا (والشفعة في كل شيء) فيه حجة لمالك في ثبوتها في الثمار تبعا وأحمد أن الشفعة تثبت في الحيوان دون غيره من المنقول وأجاب عنه الشافعية بما هو مقرر في الفروع
(ت) في الأحكام من حديث أبي حمزة السكوني (عن ابن عباس) مرفوعا قال الترمذي: وروي عن ابن أبي مليكة مرسلا وهو أصح من رفعه وأبو حمزة ثقة يمكن أنه أخطأ اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته مع تكلم مخرجه فيه غير جيد(4/175)
4939 - (الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) (1) قال النووي: يعني الشعر كالنثر فإذا خلى عن محذور شرعي فهو مباح وقد قال عمر: نعم الهدية للرجل الشريف الأبيات يقدمها بين يدي حاجته يستعطف بهن الكريم ويستذل بهن اللئيم لكن التجرد له والاقتصار عليه مذموم كما في الأذكار
(نكتة) أخرج ابن عساكر أنه اجتمع ابن الزبير ومروان عند عائشة وتقاولا فقال مروان:
من يشأ الله يحفظه بقدرته. . . وليس لمن لم يرفع الله رافع
فقال ابن الزبير:
فوض إلى الله الأمور إذا عسرت. . . فبالله لا بالأقربين تدافع
فقال مروان:
داوي القلب بالبر والتقى. . . لا يستوي قلبان قاس وخاشع
قال ابن الزبير:
لا يستوي عبدان عبد مكلم. . . عتل لأرحام الأقارب قاطع
قال مروان:
وعبد يجافي في جنبه عن فراشه. . . ببيت يناجي ربه وهو راكع
قال ابن الزبير:
وللخير أهل يعرفون بهديهم. . . إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع
قال مروان:
وللشر أهل يعرفون بشكلهم. . . تشير إليهم بالفجور الأصابع
وقد اشتهر هذا الكلام عن الشافعي واقتصر ابن بطال على نسبته للشافعي فقصر وعاب القرطبي المفسر على جماعة من الشافعية الاقتصار على نسبته للشافعي
(خد طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا السند قال في الأذكار: إسناده حسن وقال الهيثمي: إسناده حسن وقال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه إلى البخاري في الأدب: سنده ضعيف (ع عن عائشة) قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه دحيم وجماعة وضعفه ابن معين وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح
_________
(1) قال السهروردي: ما كان منه في الزهد وذم الدنيا والمواعظ والحكم والتذكير بآلاء الله ونعت الصالحين ونحو ذلك مما يحمل على الطاعة ويبعد عن المعصية فمحمود وما كان من ذكر الأطلال والمنازل والأزمان والأمم فمباح وما كان من هجو ونحوه فحرام وما كان من وصف الخدود والقدود والنهود ونحوها مما يوافق طباع النفوس فمكروه(4/175)
4940 - (الشعر) بفتح الشين (الحسن أحد الجمالين يكسوه الله المرء المسلم) أي فهو نصف والجمال كله نصف فلذلك من خطب امرأة له أن يسأل على شعرها بقوله في الحديث المار إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها فإن الشعر أحد الجمالين
(زاهر بن طاهر في خماسياته) عن أنس بن مالك(4/175)
4941 - (الشفاء في ثلاثة) الحصر المستفاد من تعريف المبتدأ ادعائي بمعنى أن الشفاء في هذه الثلاثة بلغ حدا كأنه انعدم به [ص:176] من غيرها (1) (شربة عسل وشرطة محجم) الشرطة ما يشرط به وقيل هو مفعلة من الشرط وهو الشق بالمحجم بكسر الميم وفي معناه الفصد وإنما خص الحجم لأنه في بلاد حارة والحجم فيها أنجح وأما غير الحارة فالفصد فيها أنجح (وكية نار) انتظم جملة ما يداوى به لأن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط والعسل يسهل الأخلاط البلغمية ويحفظ على المعجونان قوامها والكي يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به ولهذا وصفه ثم كرهه لكبر ألمه وعظم خطره كما قال (وأنهى أمتي عن الكي) لأن فيه تعذيبا فلا يرتكب إلا لضرورة ولهذا تقول العرب في أمثالها: آخر الطب الكي. ونبه بذكر الثلاثة على أصول العلاج لأن الأمراض الامتلائية تكون دمومية وصفراوية وبلغمية وسوداوية وشفاء الدمومية بإخراج الدم وإنما خص الحجم لكثرة استعمالهم له والصفراوية وما معها بالمسهل ونبه عليه بالعسل وأخذ من استعماله الكي وكراهته له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا بل عند تعينه طريقا وعدم قيام غيره مقامه
(ح هـ) في الطب (عن ابن عباس)
_________
(1) [وفي قوله نظر بسبب الأحاديث التي يأتي ذكرها ولمخالفته المعلوم من الطب الحديث ولأن التعريف قد يفيد الحصر كما قد يفيد الإعلام بأهمية شأن المذكور كذلك
هذا ويتضح أن المناوي اختار أن التعريف يفيد الحصر هنا وذلك لعدة أسباب أحدها عدم تقدم الطب في زمانه إلى درجة اكتشاف العديد من الأدوية التي أنزلها الله تعالى
ويلزم التنبيه أن البحث هنا ليس استدراك على علمه إذ يندر وجود العديد من أمثاله عبر القرون إنما هو مراجعة تطبيق قواعده الراسخة على ضوء الطب الحديث
فمن تلك القواعد أنه وإن احتمل الحصر هنا غير أنه لا يلزم إلا إذا أتى التصريح به كقوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين. . .}
أما مجرد ورود " ال " التعريف فلا يلزم منه الحصر مثاله الحديث 3201: البركة في نواصي الخيل. فمن الواضح فيه أن " التعريف " أتى للإعلام بأهمية شأن الخيل وأنه لم يقصد به حصر البركة بها كما هو معلوم ضرورة ونصا. أما " ضرورة " فلا حاجة لتبيينه لوضوحه وأما نصا فللحديث رقم 3202: البركة في ثلاثة: في الجماعة والثريد والسحور. إذ ورد هذا الحديث كذلك بالتعريف وذكر فيه غير الخيل
ويماثل ذلك حديث البحث الحالي فقد ورد ذكر الشفاء أيضا في: ألبان البقر السنا والسنوت الحبة السوداء ماء زمزم السواك ألية الشاة الأعرابية الثفاء الهليلج الأسود الكمأة العجوة الكبش العربي غبار المدينة التلبينة أبوال الإبل الزيت ووردت بشأن العديد منها عبارة " شفاء من كل داء "
وأرقام تلك الأحاديث: 1561، 1781، 3464، 3780، 4077، 4561، 4840، 4891، 5518، 5529، 5550، 5557، 5558، 5576، 5580، 5680، 5681، 5753، 5754، 5913، 5921، 5943، 5955، 6392، 6463، 6464، 7414، 7762
ويجمعها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1783: إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت
وما القصد من هذا البحث إلا إعادة النظر على ضوء العلم الحديث في اختيار الترجيحات الفقهية: كالحصر بتلك الثلاثة كما اختاره المناوي أو الإعلام بأهمية شأنها كما تم بيانه
وليس القصد والعياذ بالله أي تنقيص من شأن الإمام المناوي جزاه الله الخير عنا وعن المسلمين إذ يندر وجود مرجع عظيم الفائدة كشرحه للجامع الصغير وما تجرأ على محاولة تنقيص العلماء الأعلام أمثال المناوي إلا كل قليل العقل كثير التهور عريض الادعاء. ويكفي في ذلك الحديثين التاليين رغم تضعيف الهيثمي لهما في باب ذهاب العلم من مجمع الزوائد:
عن عائشة رفعته قال: موت العالم ثلمة في الإسلام لا تسد ما اختلف الليل والنهار. رواه البزار. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وهو نجم طمس. وموت قبيلة أيسر لي من موت عالم. رواه الطبراني في الكبير
وما الهدف من التوسع في سرد الأدلة والأحاديث في هذا التعليق وفي أماكن أخرى من هذا الملف إلا قطع جذور الالتباس والتشكيك واستيفاء البحوث لمن أراد التفصيل والله من وراء القصد. دار الحديث](4/175)
4942 - (الشفعاء) في الآخرة لهذه الأمة (خمسة) هذا الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا (القرآن) فمن جعله إمامه وانقاد لأحكامه يشفع فيه يوم القيامة فيشفع (والرحم) تشفع لمن وصلها فتقول يا رب من وصلني فصله (والأمانة) تقول يا رب من حفظني فاحفظه من النار فيشفع (ونبيكم) فيشفع شفاعة عامة وشفاعة خاصة فيشفع (وأهل بيته) مؤمنو بني هاشم والمطلب ولفظ رواية الديلمي وأهل بيت نبيكم
(فر عن أبي هريرة) وفيه عن عبد الله بن داود قال الذهبي: ضعفوه وعبد الملك بن عمير قال أحمد: مضطرب الحديث وقال ابن معين: مختلط(4/176)
4943 - (الشفعة) من شفعت الشيء إذا ضممته ومنه شفع الأذان سميت به لضم نصيب إلى نصيب فبعد ما كان وترا صار شفعا (في كل شرك) بكسر فسكون (في أرض أو ريع) بفتح فسكون المنزل الذي يربع فيع الإنسان ويتوطنه (أو حائط) أي بستان وأجمعوا على وجوب الشفعة للشريك في العقار إزالة لضرره وخصت بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضررا لا يصلح له كذا في خط المؤلف وفي رواية لا يحل (أن يبيع) نصيبه (حتى يعرض على شريكه) أنه يريد بيعه (فيأخذ أو يدع فإذا أبى) أي لم يعرضه عليه (فشريكه أحق به حتى يؤذنه) أراد بنفي الحل نفي الجواز المستوي الطرفين فيكره بيعه قبل عرضه تنزيها لا تحريما ويصدق على المكروه أنه غير حلال لكونه غير مستوي الطرفين إذ هو راجح الترك فلو عرضه فأذن ببيعه فباع فله الشفعة عند الأئمة الثلاثة وعن أحمد ورايتان هذا كله في شفعة الخلطة وأما الجوار فلم يثبتها الأئمة الثلاثة وأثبتها الحنفية
(م د ن عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أبو يعلى وغيره(4/176)
4944 - (الشفعة) بضم فسكون وحكي الضم لغة الضم وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض (فيما لا تقع فيه الحدود) جمع حد وهو الفاصل بين شيئين وهو هنا ما يتميز به الأملاك بعد القسمة (فإذا وقعت الحدود) أي بينت أقسام الأرض المشتركة بأن قسمت وصار كل نصيب مفردا (فلا شفعة) لأن الأرض بالقسمة صارت غير مشاعة فعلم منه أن الشفعة تبطل بنفس القسمة والتمييز بين الحصص بوقوع الحدود وقال الرافعي: الحديث بمنطوقه يدل على أن الشفعة تختص بالمشاع وأنه لا شفعة للجار وبه قال الثلاثة وأثبتها الحنفية
(طب عن ابن عمر) بن [ص:177] الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري كان كذابا(4/176)
4945 - (الشفعة في العبيد وفي كل شيء) أخذ بظاهره عطاء فأثبتها في كل شيء وتبعه ابن أبي ليلى فقال: تثبت في العبد وغيره وأجمعوا على خلافهما واختصاصها بالعقار المحتمل للقسمة
(أبو بكر في الغيلانيات عن ابن عباس) ورواه الترمذي بلفظ الشفعة في كل شيء وقال بعضهم: وصله غير ثابت(4/177)
4946 - (الشفق) هو (الحمرة) التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس سمي به لرقته ومنه الشفقة على الإنسان رقة القلب عليه قال القاضي: والشفق الحمرة التي تلي الشمس عند سقوط القرص (فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) أي دخل وقت العشاء وهذا ما عليه عامة العلماء وقال أبو حنيفة الشفق الأبيض وخالفه الباقون أخذا بالأشهر وأقل ما ينطلق عليه الاسم ولأن الأبيض لا يغيب في بعض البلاد كما في البلغار وفيه أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا وهو مذهب الأئمة الثلاثة وقال الحنفية بآخره
(قط) من حديث عتيق بن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لصحته وهو غير صواب فقد قال الذهبي في التنقيح: فيه نكارة وقال ابن عبد الهادي: رواه الدارقطني أيضا موقوفا من قول ابن عمر وهو الأشبه اه. ورواه ابن عساكر من حديث حذيفة عن مالك وآثر المصنف الطريق الأول لقول البيهقي حديث عتيق أمثل إسنادا لكن صحح وقفه وجعله الحاكم مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات(4/177)
4947 - (الشقي كل الشقي من أدركته الساعة حيا لم يمت) لأن الساعة لا تقوم إلا على أشرار الخلق كما في أخبار أخر
(القضاعي عن عبد الله بن جراد) قال شارحه: حسن غريب(4/177)
4948 - (الشمس والقمر يكوران) بتشديد الواو المفتوحة مطويان ذاهبا الضوء أي مجموعان من التكوير وهو اللف والضم أو ملفوف ضوؤهما فلا ينبسط في الآفاق أو مرفوعان فإن الثياب إذا طويت رفعت أو ملقيان من فلكيهما لقوله سبحانه وتعالى {وإذا الكواكب انتثرت} من قولهم طعنه فكوره إذا ألقاه القاضي أي يجمعان ويلفان ويذهب بضوئهما كذا في الفردوس {إذا الشمس كورت} أو يلف ضوؤهما ويذهب أو يسقطان من فلكهما (يوم القيامة) زاد البزار وغيره في النار أي توبيخا لعابديهما وليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بل لتبكيت عابديهما وتعذيبهم بهما ولله في النار ملائكة وحجارة وغيرهما
(خ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وزاد في روايته إن الحسن قال لأبي هريرة: ما ذنبهما فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الحسن(4/177)
4949 - (الشمس والقمر ثوران عقيران في النار إن شاء أخرجهما) منها (وإن شاء تركهما) فيها أبد الآبدين {لا يسأل عما يفعل} قال في النهاية: قوله ثوران بمثلثة كأنهما يمسخان وروي بنون وهو تصحيف وقال المديني في غريب الحديث: لما وصفا بأنهما يسبحان في قوله تعالى {كل في فلك يسبحون} وأن كل من عبد من دون الله إلا من سبقت له الحسنى يكون في النار يعذب بهما أهلها بحيث لا يبرحان منها فصارا كأنهما ثوران عقيران وقال ابن قسي صاحب خلع النعلين: اعلم أن الشمس والقمر ثوران مكوران في نار جهنم على سنة هذا التكوير فنهار سعير وليل زمهرير والدار [ص:178] دار إقامة لا فرق بينهما وبين هذه في حركة التسيار والتدوار ومدار فلكي الليل والنهار إلا أن تلك خالية من رحمة الله ومع هذه رحمة واحدة وتكور الشمس والقمر فيها غضبا لله لما عاينا من عصيان العاصين وفسق الفاسقين في الدنيا إذ لا يكاد يغيب عنهما أين ولا يخفى عنهما خائنة عين فإنه لا يبصر أحد إلا بنورهما ولا يدرك شيئا إلا بضوئهما ولو كانا خلف حجاب من الغيب الليلي أو وراء ستر من الغيم الفوقي فإن الضوء الباقي على البسيطة في ظل الأرض ضوؤهما والنور نورهما ومع ما هما عليه من الغضب لله تعالى فإنه لم يشتد غضبهما إلا من حيث نزع لجام الرحمة منهما وقبض ضياء اللين والرأفة وكذلك عن كل ظاهر من الحياة الدنيا في قبض الرحمة المستورة في هذه الدار إلى دار الحيوان والأنوار وفي الخبر إن لله مئة رحمة نزل منها واحدة إلى الدنيا فيها التعاطف والتراحم فإذا كان يوم القيامة قبضها وردها إلى التسعة والتسعين ثم جعل المئة كلها رحمة للمؤمنين وخلت دار العذاب ومن فيها من الفاسقين من رحمة رب العالمين فبزوال هذه الرحمة زال ما كان بالقمر من رطوبة وأنوار ولم يبق إلا ظلمة وزمهرير وبزوالها زال ما كان بالشمس من وضح وإشراق ولم يبق إلا فرط سواد وإحراق وبما كانا به قبل من الصفة الرحمنية كان إمهالهما للعاصين وإبقاؤهما على القوم الفاسقين وهي زمام الإمساك ولجام المنع عن التدمير والإهلاك وهي سنة الله في الإبقاء إلى الأوقات والإمهال إلى الآجال إلا أن يشاء الله غير ذلك فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لا إله إلا هو سبحانه إلى هنا كلامه وأقره القرطبي
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ورواه عنه الطيالسي وأبو يعلى والديلمي وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: فيه يزيد الرقاشي ليس بشيء ودرسته قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به ونازعه المصنف بما حاصله أنه ضعيف لا موضوع(4/177)
4950 - (الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) قيل: معناه مقارنة لها عند دنوها للطلوع والغروب ويوضحه قوله (فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها) فحرمت الصلاة في هذه الأوقات لذلك وقيل: معنى قرنه قوته لأنه إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها فيها وقيل: قرنه حزبه وهم الأمة التي تعبد الشمس وتطيعه في الكفر فلما كانت حينئذ نهى عن التشبه بهم
(مالك) في الموطأ والشافعي عنه (ن عن عبد الله الصنابحي) قال ابن عبد البر وغيره: كذا اتفق جمهور رواة مالك على سياقه وصوابه عبد الرحمن الصنابحي قال ابن حجر كشيخه العراقي: وهو تابعي كبير لا صحبة له فالحديث مرسل قال ابن حجر: ورواه مسلم في حديث طويل(4/178)
4951 - (الشمس والقمر وجوههما إلى العرش (1) وأقفاؤهما إلى الدنيا) أي كمال شأنهما حرارة وضوء إلى الأعلى فهذا الضوء الواقع على الأرض منهما من جهة القفا ولو كان من جهة الوجه لكان أضوأ
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الطبراني أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فعزوه إليه أولى ثم إن فيه العباس بن الفضل فإن كان الموصلي فقد قال ابن معين: ليس بثقة وإن كان الأزرق البصري فقد قال البخاري: ذهب حديثه وقد أوردهما الذهبي معا في الضعفاء وسعيد بن سليمان النشيطي قال الذهبي فيه: ضعيف وشداد بن سعيد الراسبي قال العقيلي: له غير حديث لا يتابع على شيء منها
_________
(1) [ليس المقصود من شريعة الإسلام ومن القرآن والسنة عرض نظريات الفلك أو الطب أو غيرهما إنما قد يأتي في القرآن والسنة ما يذهل العقول لموافقته للعلم وقد يأتي كذلك ما ليس له تعلق بالعلم المادي بل متعلق بعلم الغيب وإنما استعملت فيه ألفاظ تتناول عالم الحس لعدم وجود غيرها في لغات الإنسان عامة. ففي هذا الحديث: معلوم أن العرش من عالم الغيب فلا جدال أن المقصود من قوله " وجوههما إلى العرش " ليس الوجه الحسي بل ما يواجه منهما العرش في عالم الغيب. والزيادة على ذلك من الفضول. دار الحديث](4/178)
4952 - (الشهادة سبع) وورد في روايات أكثر ولا تعارض لأن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد (سوى القتل في سبيل الله: المقتول في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (شهيد) قال الطيبي: هذا بيان للسبع من حيث المعنى لأن الظاهر أن [ص:179] يقال شهادة وكذا ما بعده أو يقال أولا الشهداء سبعة (والمطعون) الذي يموت بالطاعون (شهيد والغريق) بالياء بعد الراء والغريق هو الذي يموت في الماء بسببه (شهيد) وفي رواية الغرق بغير ياء وهو بكسر الراء (وصاحب ذات الجنب) مرض حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع قال ابن الأثير: ذو الجنب الذي يشتكي جنبه لسبب الدبيلة ونحوها إلا أن ذو للمذكر وذات للمؤنث وصارت ذات الجنب علما لها وإن كانت في الأصل صفة مضافة (شهيد والمبطون شهيد) وهو الذي يموت بالإسهال أو يمرض بطنه كاستسقاء ونحوه (وصاحب الحريق) الذي تحرقه النار (شهيد والذي يموت تحت الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال اسم الفعل والهدم بكسرها الميت تحت الهدم بفتحها وهو ما يهدم (شهيد) قال القرطبي: هذا والغريق إذا لم يغرا بأنفسهما ولم يهملا التحرز وإلا أثما (والمرأة تموت بجمع) أي تموت وفي بطنها ولد أو تموت من الولادة يقال ماتت بجمع أي حاملا أو غير مطموثة والجمع بضم الجيم بمعنى المجموع كالزجر بمعنى المزجور وكسر الكسائي الجيم. قال الزمخشري: وحقيقة الجمع والجمع أنهما بمعنى المفعول ومنه قولهم ضربه بجمع كفه أي بمجموعها وأخذ فلان بجمع ثياب فلان فالمعنى ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها حملا أو بكارة اه. (شهيدة) والشهيد في الأصل من قتل في معركة الكفار بسببه ثم اتسع فيه فأطلق على هؤلاء توسعا وما بعده مجاز فجمع في لفظ واحد بين حقيقة ومجاز وهو سائغ عند الشافعي والمانع يؤول الخبر بأن المراد أن ثواب الستة كثواب الشهيد <تنبيه> عد ابن العربي من الشهداء المريض لخبر ابن ماجه من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر وغذى وريح عليه برزقه من الجنة قال القرطبي: وهذا عام في جميع الأمراض لكن قيده في حديث آخر بمن قتله بطنه
(حم د ن هـ) في الجهاد (حب ك عن جابر بن عتيك) السلمي أخو جبر ورواه عنه أيضا في الموطأ قال النووي: صحيح بلا خلاف وإن لم يخرجه الشيخان(4/178)
4953 - (الشهادة تكفر كل شيء) من الذنوب (إلا الدين) بفتح الدال فإنها لا تكفره (والغرق يكفر ذلك كله) أي يكفر جميع الذنوب ويكفر الدين والظاهر أن المراد بتكفيره أن الله تعالى يرضي أربابه في الآخرة ويعوضهم خيرا منه
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عمرو) بن العاص(4/179)
4954 - (الشهداء خمسة) الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا وإلا فقد عد جميع الشهداء التي وردت في أخبار فبلغت نحو الثلاثين كما يأتي (المطعون) أي الذي يموت بالطاعون (والمبطون) الذي يموت بداء بطنه (والغريق في الماء) وفي رواية بكسر الراء قال الزركشي: وكلاهما صحيح (وصاحب الهدم) بكسر الدال أي الذي يموت تحت الهدم وبفتحها ما انهدم ومن رواه بسكونها فهو اسم الفعل ويجوز أن ينسب القتل إلى الفعل لكن الحقيقة أن ما انهدم هو الذي يقتل الذي مات تحت الهدم (والشهيد) أي القتيل (في سبيل الله) أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد الحكمي إلى الحقيقي لا يقال التعبير بالشهيد في سبيل الله مع قوله الشهداء خمسة مشكل لاستلزامه حمل الشيء على نفسه فكأنه قال الشهيد شهيد لأنا نقول هو من باب أنا أبو النجم وشعري شعري أو معنى الشهيد القتيل كما قررته
<تنبيه> قد التقط ابن العماد الشهداء [ص:180] من الأخبار ونظمها فقال:
من بعد حمد الله والصلاة. . . على النبي وآله العلاة
خذ عدة الشهداء سردا نظما. . . واحفظ هديت للعلوم فهما
محب آل المصطفى ومن نطق. . . عند إمام جائر يقول حق
وذو اشتغال بالعلوم ثم من. . . على وضوء موته نال المنن
ومن يمت فجاءة أو حريق. . . ومائد بغيه غريق
لديغ أو مسحور أو مسموم. . . أو عطش بجرعة ما لوم
أكيل سبع عاشق مجنون. . . والنفسا والهدم والمبطون
ومن بذات الجنب أو ظلما قتل. . . أو دون مال أو دم أهل نقل
أو دين أو في الحرب أو مات به. . . مؤذن محتسب لربه
وجالب يبيع سعر يومه. . . أو مات بالطاعون بين قومه
كذا الغريب أو بعين أو قرا. . . أواخر الحشر بها نال الذرا
ومن يلازم وتره وورده. . . عند الضحى والصوم حتم سعده
(مالك) في الموطأ (ق ت عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي(4/179)
4955 - (الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن أتاه سهم غرب) بفتح الراء وسكونها وبالإضافة وتركها لا يعرف (راميه فقتله فهو في الدرجة الثانية ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة) قال في الفردوس: الطلح الشجر العظام ويقال شجر كثير الشوك قال ابن حجر: هذا الحديث ونحوه يفيد أن الشهداء ليسوا في مرتبة واحدة ويدل عليه أيضا ما رواه الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة بإسناد حسن من حديث علي كرم الله وجهه كل موتة يموت فيها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل <تنبيه> سمي الشهيد شهيدا لأن روحه شهدت دار السلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة ولأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة أو لأنه أشهد عند خروج روحه ماله من الثواب والكرامة أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه أو لأنه يشهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله أو لأن عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا وهو دمه أو لغير ذلك
(حم ت عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه ورواه أبو يعلى والديلمي وفيه ابن لهيعة(4/180)
4956 - (الشهداء على بارق - نهر بباب الجنة - في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا) يعني تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع وفيه دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس منه البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه الجمهور وبه [ص:181] نطقت الآية والسنن وعليه فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الرب ومزيد البهجة والكرامة ذكره القاضي. وفي هذا الخبر كما قبله تنبيه على فضل الجهاد وكيف لا وهو بيع النفس من الله ولا أحب إلى الإنسان من نفسه فبذلها لله أعظم الاحتساب وقد قال الله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} الآية. وناهيك به شرفا عند أهل البصر حيث وصفهم بأنهم أحياء عند ربهم وهذه عندية تخصيص وتشريف والمراد حياة الأرواح في النعيم الأبدي لا حقيقة الحياة الدنيوية بدليل أن الشهيد يورث وتزوج زوجته. قال المقريزي: ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب وغير ذلك من صفات الأجسام التي تشاهدها بل يكون لها حكم آخر فليس في العقل ما يمنع إثبات الحياة الحقيقية لهم وأما الإدراكات فحاصلة لهم ولسائر الموتى
(حم طب ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات(4/180)
4957 - (الشهداء عند الله) في الآخرة (على منابر) جمع منبر (من ياقوت) جالسين عليها (في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله) والمنابر (على كثيب من مسك فيقول لهم الرب) تعالى (ألم أوف) بضم فسكون فكسر بضبط المصنف (لكم وأصدقكم) بضم فسكون فضم (فيقولون بلى وربنا) المراد أنهم مكرمون منزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك على طريق التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على غيرهم
(عق عن أبي هريرة)(4/181)
4958 - (الشهداء الذين يقاتلون في سبيل الله في الصف الأول ولا يلتفتون بوجوههم حتى يقتلون فأولئك يلتقون في الغرف العلى من الجنة يضحك إليهم ربك) أي يقبل عليهم ويجزل عطاياهم ويبالغ في إكرامهم (وإن الله إذا ضحك إلى عبده المؤمن فلا حساب عليه) هذا ترغيب في جهاد أهل الطغيان بحد السيف والسنان وإعلام بالتربية بما تحصل به التصفية بما يؤدي إلى مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار وفي الخبر إشعار بأن فضل الشهادة أرفع من فضل العلم وإليه ذهب جمع فاحتجوا له بما منه أن العلم يحصله العبد في الحياة الدنيا ليتقرب إلى الله زلفى والأجر في الآخرة يلغى والشهادة تحصل للعبد عند خروج روحه من بدنه فهي ثواب الله الذي لا يبلغ أحد أقصى أمده فالعلم مثاب عليه والشهادة من الثواب وفي تفاضل الثواب والمثاب عليه نظر لا يخفى على أولي الألباب وأيضا فالشهادة درجة عند الله سبحانه وتعالى والعلم يحصله العبد في الدنيا ليكمل به عمله وإيمانه والشهادة متى اتصف بها العبد حصلت له الدرجة العالية بيقين والعلم قد يتصف به من لا يكون من المتقين فيرجع علمه وبالا عليه ولا يرغب بحق فيما لديه لأن الشهادة اسم مدح في كل حال والمتصف بها مخصوص بالأجر الذي لا تنقطع دونه الأماني وتنتهي إليه الآمال والعلم في نفسه ينقسم إلى محمود ومذموم والمتصف بالممدوح مثاب ومعاقب ومرحوم والتحقيق أنه لا يمكن إطلاق القول بتفضيل العلم ولا الشهادة وأن ذلك لا يقاس بتفضيل عبادة على عبادة
(طس عن نعيم بن هبار) ويقال همار ويقال هدار وجار صحابي شامي قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل فذكره قال الهيثمي: ورواه الطبراني وأحمد وأبو يعلى ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فعلى المصنف ملام من وجهين من حيث اقتصاره على الرواية المرجوحة وعدوله عن أحمد(4/181)
[ص:182] 4959 - (الشهر يكون) مرة (تسعة وعشرين ويكون) مرة (ثلاثين) فلا تأخذوا أنفسكم بصوم ثلاثين احتياطا ولا يعرض في قلوبكم شك في كمال الأجر وإن نقص الشهر قال: وقد يقع النقص متواليا في شهرين أو ثلاثة وأربعة لا أكثر (فإذا رأيتموه) أي أبصر هلال رمضان عدل منكم (فصوموا) وجوبا (وإذا رأيتموه فأفطروا) كذلك (فإن غم) أي غطي الهلال (عليكم) قال القاضي: ففيه ضمير ويجوز كونه مسندا إلى الجار والمجرور أي إن كنتم مغموما عليكم (فأكملوا) أي أتموا (العدة) أي عدد شعبان ثلاثين وقد فرض الصيام على هذه الأمة ابتداء أياما معدودة لأن الله سبحانه وتعالى لما جمع لها ما في الكتب والصحف من الفضائل كانت مبادئ أحكامها على حكم الأحكام المتقدمة فكما وجهوا وجهة أهل الكتاب ابتداء ثم ختم لهم بالوجهة إلى الكعبة انتهاء صوموا صوم أهل الكتاب ابتداء ثم رقوا إلى صوم دائرة الشهر انتهاء ولما كان من قبلنا أهل حساب لما فيه من حصول أمر الدنيا فكانت أعوامهم شمسية كان صومهم عدد أيام لا وحدة شهر وكان فيه على هذه الأمة من الكلفة ما كان في صوم أهل الكتاب من حيث لم يكن فيه أكل ولا نكاح بعد نوم لينال رأس هذه الأمة وأوائلها حظا من أوائل الأمم ثم رقيت إلى ما يخصها
(ن عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في أحد الصحيحين وهو ذهول بل هو فيها معا(4/182)
4960 - (الشهوة الخفية) قال الزمخشري: قيل هي كل شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه وقيل أن يرى جارية حسناء فيغض طرفه ثم ينظر بقلبه ويمثلها لنفسه فيفتتن بها اه. وقال الغزالي: يريد أن الإنسان إذا لم تقدر نفسه على ترك بعض الشهوات ويروم أن يخفي الشهوة ويأكل في الخفية ما لا يأكل في الجماعة (والرياء شرك) فإن من عمل لحظ نفسه أو ليراه الناس فيثنون عليه فقد أشرك مع الله غيره <تنبيه> قال الغزالي: شهوة النفس أضر الأعداء وبلاؤها أصعب البلاء وعلاجها أعسر الأشياء وداؤها أعضل الداء فإنها عدو من داخل واللص إذا كان من داخل البيت عزت الحيلة في دفعه وهي عدو محبوب والإنسان أعمى من عيب محبوبه وإذا نظرت وجدت أصل كل فتنة وفضيحة وخزي وهلاك وآفة وما وقع في خلق الله من أول الخلق إلى يوم القيامة من قبل النفس. (تتمة) قال في الحكم: حظ النفس في المعصية ظاهر جلي وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما يخفى صعب علاجه وربما دخل الرياء عليك حيث لا ينظر الخلق إليك
(طب عن شداد بن أوس) رمز المصنف لحسنه(4/182)
4961 - (الشهيد لا يجد من القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة) بفتح القاف وسكون الراء (يقرصها) القرصة الأخذة بأطراف الأصابع وعبر بأداة الحصر دفعا لتوهم تصور أن ألمه يفضل على ألمها وهذه تسلية لهم عن هذا الحادث العظيم والخطب الجسيم وتهييج الصبر على وقع السيوف واقتحام الحتوف
(ن عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/182)
4962 - (الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة) يعني أنه تعالى يهون عليه الموت ويكفيه سكراته وكربه بل رب شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه كقول خبيب الأنصاري حين قتل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما. . . علي أي شق كان لله مصرعي
(طس عن أبي قتادة) قال الهيثمي: فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف وأقول: فيه أيضا ابن لهيعة(4/182)
[ص:183] 4963 - (الشهيد يغفر له في أول دفعة) وفي رواية دفقة (من دمه) يعني ساعة يقتل والدفعة بالضم والفتح المرة الواحدة من نظر أو غيره (ويزوج حوراوين) من الحور العين (ويشفع في سبعين) نفسا (من أهل بيته) لفظ رواية الترمذي من أقاربه بدل أهل بيته أي تقبل شفاعته فيهم (والمرابط إذا مات في رباط كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة) فلا يقطع بموته (وغدي عليه وريح برزقه ويزوج سبعين حورا وقيل له) أي تقول له الملائكة بأمر الله تعالى (قف) في الموقف (فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب) فيدخل الجنة ويرفع درجته فيها. (خاتمة) قال ابن الزملكاني: للشهيد الكامل المقتول في سبيل الله شرائط وخصائص فمن شروطه أن يقاتل مخلصا ومعنى الإخلاص أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذا دليل على أن العمل إنما يكون بالنية الصالحة فيما يعتبر وإذا لم تصح النية فلا أثر له وهو دليل على أن الفضل الذي ورد في الجهاد وما أعد الله للمجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فمن قاتل لغير ذلك فليس في سبيل الله ويدل له ما في خبر آخر ما من كلم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله معناه ليس كل من يكلم في معركة كان كلمه في سبيل الله ولا يتعلق في ذلك بظاهر الحال بل الله أعلم بمن يكلم في سبيله فإن ذلك مقرون بالإخلاص والله أعلم به فإنه من أفعال القلوب ومن شرائطها الشهادة الكاملة أن يقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر فذلك هو السعيد الكامل
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: روى ابن ماجه بعضه ورواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي. قال الذهبي: مقارب الحديث وضعفه النسائي(4/183)
4964 - (الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا نقيض اليمن (سوء الخلق) أي يوجد فيه ما يناسب الشؤم ويشاكله أو أنه يتولد منه قال ابن رجب: نبه به على أنه لا شؤم إلا ما كان من قبل الخطايا فإنها تسخط الرب ومن سخط عليه فهو مشؤوم شقي في الدنيا والآخرة كما أن من رضي عنه سعيد فيهما وسيء الخلق مشؤوم على نفسه وعلى غيره. (1)
(حم طس حل) وكذا العسكري كلهم (عن عائشة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي: فيه أبو بكرة بن أبي مريم وهو ضعيف (قط في الأفراد طس عن جابر) قال: قيل يا رسول الله ما الشؤم فذكره قال الهيثمي: وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي ضعيف انتهى. وقال شيخه العراقي: حديث لا يصح
_________
(1) [هذا في ظاهر الأمر أما بحق الصابرين فلا يزيد سوء خلقه إلا في حسناتهم. دار الحديث.](4/183)
4965 - (الشونيز) الكمون الأسود ويسمى الهندي وهو بفتح الشين كذا قيده القاضي (1) وقال القرطبي: بالضم وقيل بالفتح وقال: هو الشينيز بالكسر (دواء من كل داء) من الأدواء الباردة أو أعم ولا يبعد أن يداوى الحار بالحار لخاصية أو المراد إذا ركب تركيبا خاصا وقد أطنب الأطباء في جموم منافعه (2) (إلا السام وهو الموت) فإنه لا دواء له [ص:184] إذا جاء قال في التنقيح: لم يوجد في غير الشونيز من المنافع ما وجد فيه وقد ذكر الأطباء فيه نحو اثنين وعشرين منفعة
(ابن السني في) كتاب (الطب) النبوي (وعبد الغني في) كتاب (الإيضاح عن بريدة) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه الترمذي في الطب عن أبي هريرة ونقله عنه في مسند الفردوس وغيره
_________
(1) وهو الحبة السوداء ومنافعه كثيرة منها أنه يشفي من الزكام إذا قلي وصحن وشم ويحلل النفخ غاية التحليل إذا ورد من داخل البدن ويقتل الدود إذا أكل على الريق وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من البهر وضيق النفس ويدر الطمث المحتبس وإذا نقع منه سبع حبات في لبن امرأة ساعة وسعط بها صاحب اليرقان نفعه وإذا طبخ بخل مع خشب الصنوبر وتمضمض به نفع وجع الأسنان عن برد وإذا شرب أدر البول واللبن وإذا شرب بنطرون شفى من عسر النفس ودخنه يطرد الهوام وخاصيته إذهاب الجشاء الحامض الكامن من البلغم والسوداء: عربي أو فارسي معرب
(2) [وقد أجرى عدة أطباء مسلمين في أمريكا منهم الدكتور محمد قنديل تجارب على حبة البركة حوالي عام 1987 ميلادي أثبتوا فيها دورها الإيجابي في رفع قدرة الجسم على مكافحة الجراثيم. دار الحديث](4/183)
4966 - (الشياطين يستمتعون بثيابكم) أي يلبسونها (فإذا نزع أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها) أي الثياب والقياس حتى ترجع إليه نفسه ولعل التأنيث وقع من بعض الرواة (فإن الشيطان لا يلبس ثوبا مطويا) أي لم يؤذن له في ذلك كما لم يؤذن له في فتح الباب المغلوق ولا في التسور
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما(4/184)
4967 - (الشيب نور المؤمن) لأنه يمنعه عن الغرور والخفة والطيش ويميله إلى الطاعة وتنكسر به نفسه عن الشهوات وكل ذلك موجب للثواب يوم المآب (لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة <فائدة> ورد في غير ما خبر أن أول من شاب إبراهيم وفي الإسرائيليات أن إبراهيم لما رجع من تقرب ولده إلى ربه رأت سارة في لحيته شعرة بيضاء فكان أول من شاب فأنكرتها وأرته إياها فتأملها فأعجبته وكرهتها وطالبته بإزالتها فأبى وأتاه ملك فقال: السلام عليك يا إبراهيم وكان اسمه ابرايم فزاد اسمه هاء والهاء في السريانية للتفخيم والتعظيم ففرح وقال: أشكر إلهي وإله كل شيء قال له الملك: إن الله صيرك معظما في أهل السماوات والأرض ووسمك بسمة الوقار في اسمك وخلقك أما اسمك فتدعى في أهل السماء والأرض إبراهيم وأما في خلقك فقد أنزل وقارا ونورا على شعرك فقال لسارة: هذا الذي كرهتيه نور ووقار قالت: إني كارهة له قال: لكني أحبه اللهم فزدني نورا فأصبح وقد ابيضت لحيته كلها
(هب عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه الوليد بن كثير أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ابن سعيد ليس بذلك وعبد الرحمن بن الحرث قال أحمد: متروك الحديث(4/184)
4968 - (الشيب نور من خلع الشيب) يعني أزاله بنحو نتف (فقد خلع نور الإسلام) عنه فنتف الشيب مكروه مذموم شرعا قال القرطبي: يقال إن ملكا من اليونان استعمل على ملبسه أمة أدبها بعض الحكماء فأرته يوما المرآة فرأى في وجهه شعرة بيضاء فقصها فأخذتها الأمة وقبلتها ووضعتها بكفها وأصغت إليها فقال الملك: أي شيء تصغين قالت: سمعت هذه المبتلاة بفقد قرب الملك تقول قولا عجبا قال: ما هو قالت: لا يتجرأ لساني على النطق به قال: قولي آمنة ما لزمت الحكمة قالت: تقول أيها الملك المسلط على أمد قريب إني خفت بطشك بي فلم أظهر حتى عهدت إلى بناتي أن يأخذن بثأري وكأنك بهن وقد خرجن عليك فإما أن يجعلن الفتك بك وإما أن ينقصن شهوتك وقوتك وصحتك حتى تعد الموت غنما فقال: اكتبي كلامك فكتبته فتدبره ثم نبذ ملكه في حديث هذا المقصود منه وفي معناه قيل: [ص:185]
وزائرة للشيب لاحت بمفرقي. . . فبادرتها خوفا من الحتف بالنتف
فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي. . . رويدك حتى يلحق الجيش من خلفي
(فإذا بلغ الرجل أربعين سنة) من عمره (وقاه الله الأدواء) وفي رواية أمنه من البلايا (الثلاث) المهولة المخوفة المعدية عند العرب (الجنون والجذام والبرص) وخصها لأنها أخبث الأمراض وأبشعها وأقبحها وزاد أبو يعلى في رواية فإذا بلغ أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا كتب له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه اه
(ابن عساكر) في تاريخه في ترجمة الوليد بن موسى القرشي من حديثه عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن الحسن (عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة الوليد كما تقرر وقال: قال العقيلي: يروي عن الأوزاعي أباطيل لا أصل لها وقال ابن حبان: هذا لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم اه. وأقره عليه الذهبي وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح(4/184)
4969 - (الشيخ في أهله) وفي رواية في قومه (كالنبي في أمته) أي يجب له من التوقير مثل ما للنبي صلى الله عليه وسلم في أمته منه أو المراد يتعلمون من علمه ويتأدبون من أدبه لزيادة تجربته التي هي ثمرة عقله ولذلك ترى الأكراد والأتراك وأجلاف العرب مع قرب رتبتهم من البهيمة يوقرون الشيخ بالطبع <تنبيه> قال ابن عربي: الشيوخ نواب الحق كالرسل في زمانهم فهم ورثوا الشرائع وعليهم حفظ الشريعة لا التشريع وحفظ القلوب ورعاية الآداب فهم من العلماء بالله بمنزلة الطبيب من العالم بعلم الطبيعة والطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بما هي مدبرة للبدن والعالم بالطبيعة يعرفها مطلقا وإن لم يكن طبيبا وقد يجمع الشيخ بينهما لكن حظ الشيخ من العلم أن يعرف من الناس موارد حركاتهم ومصادرها والعلم بالخواطر مذمومها ومحبوبها وموضع اللبس الداخل فيها من ظهور خاطر مذموم في صورة محمودة ويعرف الأنفاس والنظرة وما لهما وما يحتويان عليه من خير وشر ويعرف العلل والأدوية والأزمنة والسن والأمكنة والأغذية وما يصلح المزاج وما يفسده والفرق بين الكشف الحقيقي والخيالي ويعرف التحلي الإلهي ويعرف التربية وانتقال المريد من الطفولية إلى الشباب ومنه إلى الكهولة ويعلم ما للنفس والشيطان من الأحكام وأدويتها ومتى يصدق خواطر المريد ويعلم ما تكنه نفس المريد مما لا يشعر به ويفرق للمريد إذا فتح عليه في باطنه بين الفتح الروحاني والإلهي ويعلم بالشم أهل الطريق الذين يصلحون له والتحلية التي تحلى به نفوس المريدين الذين هم عرائس الحق فالشيخ عبارة عن جمع جميع ما يحتاجه المريد في حال تربيته وكشفه إلى انتهائه إلى الشيخوخة وما يحتاجه إذا مرض خاطره لشبهة وقعت له لا يعرف صحتها من سقمها كما وقع لشيخنا حين قيل له أنت عيسى ابن مريم فتأوله الشيخ بما ينبغي وكذا إذا ابتلي بسماع النهي عن واجب أو فعل حرام فالشيخ طبيب الدين فمهما نقص مما يحتاجه المريد في تربيته فلا يحل له القعود على منصة الشيخوخة فإنه يفسد أكثر مما يصلح ويفتن كالمتطبب يعل الصحيح ويقتل المريض
(الخليلي في مشيخته وابن النجار) في تاريخه كلاهما من حديث أحمد بن يعقوب القرشي الجرجاني الأموي عن عبد الملك القناطري عن إسماعيل عن أبيه عن رافع (عن أبي رافع) قال ابن حبان: وهذا موضوع وقال غيره: هذا باطل وقال الزركشي: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي الميزان في ترجمة محمد بن عبد الملك القناطري عن أبيه عن رافع روى حديثا باطلا " الشيخ في أهله كالنبي في أمته " وقيل له القناطري لأنه كان يكذب قناطير اه وفي اللسان قال الخليلي: حديث الطبراني وضعه كذاب على مالك يقال له صخر الحاجب وهو الذي وضع حديث " الشيخ في أهله كالنبي في أمته "(4/185)
4970 - (الشيخ في بيته) يعني في أهله وعشيرته (كالنبي في قومه) لا لكبر سنه ولا لكمال قوته بل لتناهي عقله [ص:186] الذي هو منبع العلم ومطلعه وأسه والعلم يجري منه مجرى الثمر من الشجر والنور من الشمس والرؤية من العين
(حب في الضعفاء والشيرازي في الألقاب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم تعقبه مخرجه ابن حبان بأن ابن غنائم يروي عن مالك ما لم يحدث به قط وذكره ابن حبان في ترجمة ابن عمر وقال: هذا موضوع قال السخاوي: وجزم شيخنا يعني ابن حجر بكونه موضوعا ومن قبله ابن تيمية(4/185)
4971 - (الشيخ يضعف جسمه وقلبه شاب على حب اثنتين) أي كان وما زال على حب اثنين فالمراد استمراره على ذلك ودوامه عليه وأن حبه لهما لا ينقطع بشيخوخته (طول الحياة وحب المال) خبران لمبتدأ محذوف ويجوز النصب على البدلية من اثنتين وفيه ذم الأمل والحرص على جمع المال وذلك يقتضي فضل الصدقة للغني والتعفف للفقير وإن الإرادة في القلب لا في قلب عين الأعضاء كما ظن قال الحافظ العراقي: والحديث غير متضح المعنى اه وأحسن ما وجه به ما تقرر
(عبد الغني بن سعد في) كتاب (الإيضاح عن أبي هريرة) ورواه عن أحمد بلفظ الشيخ على حب اثنين طول الحياة وكثرة المال(4/186)
4972 - (الشيطان يلتقم قلب ابن آدم) مشتق من القلب الذي هو المصدر لفرط تقلبه (فإذا ذكر الله خنس عنده) أي انقبض وتأخر (وإذا نسي الله التقم قلبه) وذلك لأن الشيطان سيال يجري من ابن آدم مجرى الدم وسيلانه كالهواء في القدح فإن أردت إخلاء القدح عن الهواء من غير أن تشغله بشيء فقد طمعت في غير مطمع بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل الهوى فكذا القلب المشغول بذكر الله يخلو عن جولان الشيطان ولو غفل عنه ولو لحظة فلا قرين له إلا الشيطان {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا} فعبر في الحديث عن هاتين الحالتين بالالتقام والخنوس على طريق ضرب المثل للتفهيم قال حجة الإسلام: والتطارد الذي بين ذكر الله ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلمة وبين الليل والنهار ولتطاردهما. قال تعالى {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله}
(الحكيم) الترمذي (عن أنس) رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من الحكيم ممن وضع لهم الرموز مع أنه خرجه أيضا أبو نعيم والديلمي(4/186)
4973 - (الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم) قال في الفردوس: يعني في السفر وقال غيره: أراد بالواحد المنفرد برأيه وأخذ منه أن تقليد الأكثر أولى من تقليد الأكبر ويؤيده خبر عليكم بالسواد الأعظم من شذ شذ إلى النار <فائدة> سئل شيخ الإسلام زكريا: هل للكرام الكاتبين وللشيطان الإطلاع على ما يخطر في القلب أم لا؟ فأجاب: لهم الإطلاع على ما يخطر بالقلب بإطلاع الله تعالى
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف اه. وأعله ابن القطان بعبد العزيز الأصم وقال: لا يعرف فالحديث لا يصح وفي الميزان عبد العزيز الأصم فيه جهالة ثم أورد له هذا الخبر(4/186)
حرف الصاد(4/186)
4974 -[ص:187] (صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر) (1) من حيث تساويهما في الإباء عن الرخصة في السفر وعن العزيمة في الحضر فهو حث على فعل الرخصة فالفطر لمن سفره ثلاثة أيام أفضل من الصوم عند الشافعي وأخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجب الفطر فيه. (2)
(هـ عن عبد الرحمن بن عوف) مرفوعا (ن عنه موقوفا) رمز المصنف لحسنه قال ابن حجر: وأخرجه البزار ورجح وقفه وكذا جزم ابن عدي بوقفه وبين علته اه
_________
(1) بلا عذر في حصول الإثم فإن لم يتضرر فصومه أفضل وإن تضرر ضررا يؤدي إلى الهلاك ففطره أفضل وإذا أصبح صائما ثم سافر لا يجوز له الفطر أي بلا تضرر وصورة المسألة أن يفارق سور البلد والعمران بعد الفجر فإن فارق قبله جاز له الفطر ولو نوى الصيام بالليل ثم سافر ولم يعلم أسافر قبل الفجر أم بعده فليس له أن يفطر لأن الشك لا يبيح الرخص
(2) [وفي مثل هذا يتبين تمسك أبي حنيفة بالحديث دون الرأي ويتبين أن من وصفه بتقديم الرأي على النص فهو إما جاهل بدليله وإما متعصب متهور. وأقوال أبي حنيفة التي أخذ فيها بالحديث وترك الرأي والقياس تفوق الحصر ويدرك كثرتها كل من أنصف في البحث أو درس مذهبه. دار الحديث.](4/187)
4975 - (صاحب الدابة أحق بصدرها) فلا يركب غيره معه عليها إلا رديفا إلا أن يؤثره فلا يأبى الكرامة قال ابن العربي: إنما كان الرجل أحق بصدر دابته لأنه شرف والشرف حق المالك ولأنه يصرفها في المشي حيث شاء وعلى أي وجه أراد من إسراع وإبطاء وطول وقصر بخلاف غير المالك
(حب عن بريدة) بن الحصيب (حم طب عن قيس بن سعد) بن عبادة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعنا له غسلا فاغتسل فأتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه ثم أتيناه بحمار ليركب فذكره قال الهيثمي: فيه ابن أبي ليلى سيء الحفظ (وعن حبيب) ضد العدو (بن مسلمة) بفتح الميم واللام بن مالك القرشي الفهري المكي نزيل الشام ويسمى حبيب الرومي لكثرة دخوله عليهم مجاهدا مختلف في صحبته قال حبيب: أتى قيس في الفتنة الأولى وهو على فرس فأخر عن السرج وقال: اركب فقلت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول صاحب إلخ قال: لست أجهل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن أخشى عليك قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات (حم عن عمر) بن الخطاب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صاحب الدابة أحق بصدرها قال الهيثمي: رجاله ثقات (طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (بن مالك الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بقباء فلما أراد أن يرجع جئناه بحمار فركب قلنا: يا رسول الله هذا الغلام يأتي معك يرد الدابة فذكره فرده وهو هلاج لا يساير قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار ضعيف (وعن عروة بن مغيث الأنصاري) قال الهيثمي: مختلف في صحبته وعده البخاري تابعيا وهو الصحيح (طس عن علي) أمير المؤمنين (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) وضعفه (أبو نعيم عن فاطمة الزهراء) قال الهيثمي: فيه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو متروك(4/187)
4976 - (صاحب الدابة أحق بصدرها) أي بالركوب عليه (إلا من أذن) له بالبناء للفاعل فإن الحق له لا يعدوه ويصح بناؤه للمفعول ويكون المعنى إلا أجنبيا أذن له من صاحبها في ذلك فلا يكون صاحبها أحق لجعله الحق لغيره. [ص:188]
(ابن عساكر) في التاريخ (عن بشير) الأنصاري(4/187)
4977 - (صاحب الدين مأسور) أي مأخوذ (بدينه في قبره) يعني محبوس فيه عن مقامه الكريم بسببه (يشكو إلى الله) ما يلقاه في قبره من (الوحدة) أي لا يرى أحدا يقضي عنه ويخلصه ذكره القاضي. قال التوربشتي: والمأسور من يشد بالإيسار أي القيد وكانوا يشدونه به فسمي كل من أخذ أسيرا وإن لم يشد وقال في الفردوس: المأسور المحبوس وزاد في رواية حتى يوفى عنه
(طس وابن النجار) وكذا الديلمي (عن البراء) بن عازب ورواه عنه أيضا البغوي في شرح السنة قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه مبارك بن فضالة وثقه عفان وابن حبان وضعفه جمع(4/188)
4978 - (صاحب الدين مغلول في قبره) أي مشدود يداه إلى عنقه بجامعة (لا يفكه) من ذلك الغل (إلا قضاء دينه) والظاهر أن المراد به دين أمكنه قضاءه في حياته ولم يقضه
(فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه أحمد بن يزيد أبو العوام قال الذهبي في الذيل: مجهول(4/188)
4979 - (صاحب السنة) أي المتمسك بها الجاري عليها (إن عمل خيرا قبل منه وإن خلط) فعمل عملا صالحا وآخر سيئا (غفر له) ما عمله من الذنوب ببركة استمساكه بالسنة وقيل: أراد بصاحب السنة المحدث وعليه يدل كلام الخطيب
(خط في المؤتلف) والمختلف (عن ابن عمر) بن الخطاب(4/188)
4980 - (صاحب الشيء) ولفظ رواية أبي يعلى المتاع (أحق بشيئه أن يحمله) لأنه أعون على التواضع وأنفى للكبر وهذا قاله لأبي هريرة وقد دخل أي النبي صلى الله عليه وسلم السوق فاشترى سراويل فأراد أبو هريرة أن يحمله فذكره ثم بين أن ذلك ما لم يكن عذر بقوله (إلا أن يكون ضعيفا) ضعفا خلقيا أو لمرض (يعجز) معه (عنه فيعينه عليه أخوه المسلم) وبيان الأحقية في هذا أن لكل من المتصاحبين حقا على الآخر فعلى أبي هريرة له حق الخدمة فطلب الوفاء بها فأجابه بما معناه وإن كان لك حق طلب الحمل أداء للخدمة لكن أنا أحق لكوني صاحبه وإنما منعه مع أن في خدمته غاية الشرف والتواضع لأنه مشرع فبين كل فعل في محله تشريعا ألا ترى قوله أحق أن يحمله وإنما عبر بأن والفعل المتأول بالمصدر ولم يقل من أول وهلة أحق بحمله لما في التعبير بصورته من زيادة معنى التأكيد
(طس) وكذا أبو يعلى (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال: دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى القزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم وكان لأهل السوق وزان يزن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زن وأرجح فقال الوزان: هذه كلمة ما سمعتها من أحد قال أبو هريرة: فقلت كفى بك من الوهن والجفاء أن لا تعرف نبيك فطرح الميزان ووثب إلى يده يريد تقبيلها فجذب يده وقال: هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك إنما أنا رجل منكم فوزن وأرجح قال أبو هريرة: فذهبت أحمله عنه فذكره قال أبو هريرة: فقلت يا رسول الله إنك لتلبس السراويل قال: نعم في السفر والحضر وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أر شيئا أستر منه هذا سياقه عند الطبراني وأبي يعلى وبذلك تبين صحة جزمه في الهدى بأنه لبسها فقول الشمني في حاشية الشفاء كبعض المتأخرين من الحفاظ إن ما فيه سبق قلم زلل [ص:189] فاحش سببه قصور النظر قال الحافظ الزين العراقي وابن حجر: سنده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف جدا بل بالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه وقال: فيه يوسف بن زياد عن عبد الرحمن الأفريقي ولم يروه عنه غيره ورده المؤلف بأنه لم ينفرد به يوسف فقد خرجه البيهقي في الشعب والأدب من طريق حفص بن عبد الرحمن ويرد بأن عبد الرحمن قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات فهو كاف في الحكم بوضعه(4/188)
4981 - (صاحب الصف وصاحب الجمعة) أي الملازم على الصلاة في الصف الأول وعلى صلاة الجمعة في الأجر سواء (1) (لا يفضل هذا على هذا ولا هذا على هذا) بل هما متعادلان في حيازة الثواب ومقداره ويحتمل في الحيازة دون المقدار
(أبو نصر القزويني في مشيخته عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
_________
(1) لأن صلاة الجمعة فرض عين بشروط والصلاة في الصف الأول سنة وكل من الصفين له فضل فتعادلا وهو من باب الترغيب في الصف الأول ويحتمل أنه للترغيب في صلاة الجمعة وأن حضورها كحضور الصف في الجهاد(4/189)
4982 - (صاحب العلم) الشرعي العامل به المعلمه لغيره لوجه الله تعالى (يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر) فيا لها من مرتبة ما أسناها ومنزلة ما أرفعها وأعلاها يكون المرء مشتغلا بأمر دنياه وصحف حسناته متزايدة وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب وهذا سر قوله " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " ولولا العلماء الذين يتلقون العلم ويعلمونه الناس ويبينون الحلال من الحرام جيلا بعد جيل لهلكت الناس والدواب والأنعام حتى حيتان البحر وضاع الدين واضمحل العدل فحق لهم أن يستغفروا له
(ع عن أنس) بن مالك(4/189)
4983 - (صاحب الصور) إسرافيل (واضع الصور على فيه منذ خلقه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ) وذلك لأن إسرافيل واضع فاه على القرن كهيئة البوق ودارة رأسه كعرض السماء والأرض وهو شاخص بصره نحو العرش ينتظر متى يؤمر فينفخ النفخة الأولى فإذا نفخ صعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ الثانية بعد أربعين سنة (1)
(خط) في ترجمة عبد الصمد البزار (عن البراء) بن عازب وفيه عبد الصمد بن نعمان أورده الذهبي في الذيل وقال الدارقطني: غير قوي وعبد الأعلى بن أبي المشاور أورده في الضعفاء وقال: تركه أبو داود والنسائي
_________
(1) وهذا لا ينافي نزوله إلى الأرض واجتماعه بالمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن المراد به أنه واضع فمه عليه ما لم يؤمر بخدمة أخرى(4/189)
4984 - (صاحب اليمين) أي الملك المتكفل بكتابة ما يكون من جند باعث الدين هو كاتب اليمين (أمير على صاحب الشمال) أي الملك الموكل بما ينشأ عن جند باعث الشهوة المضاد لباعث الدين قال الغزالي: وهذان الملكان وكلا بالآدمي عند كمال شخصه بمقاربة البلوغ أحدهما وهو ذو اليمين يهديه والآخر يقويه على رد جند باعث الشهوة فيتميز بمعونتهما عن البهائم ورتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوى فلذلك كان أميرا عليه وللعبد أطوار في الغفلة والفكر والاسترسال والمجاهدة فهو [ص:190] بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب أغراضا سيئة وبالفكر يقبل هو عليه ليستفيد منه الهداية وهو بذلك محسن فيكتب له بذلك حسنة وبالاسترسال معرض عن صاحب الشمال تارك للاستمداد منه وهو بذلك مسيء إليه فيكتب عليه بذلك سيئة وبالمجاهدة مستمد منه فيكتب له حسنة وإنما يكتب هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما فلذلك سميا كراما كاتبين أما الكرام فلانتفاع العبد بهما ولأن الملائكة كلهم بررة وأما الكاتبين فلإثباتهما الحسنات والسيئات بالكتابة (فإذا عمل العبد) أي البالغ العاقل أما الصبي أو المجنون فلا يكتبان عليه شيئا كما قال الغزالي (حسنة كتبها بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك) عن كتابتها (ست ساعات) يحتمل الفلكية ويحتمل الزمانية (1) (فإن استغفر الله منها) أي طلب منه أن يغفرها وتاب منها توبة صحيحة (لم يكتب عليه شيئا) فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له (وإن لم يستغفر الله كتب عليه سيئة واحدة) ظاهر كلام الغزالي أن هذه الكتابة خارجة عن نمط كتابة الدنيا حيث قال: وإنما يكتبان في صحائف مطوية في سر القلب ومطوية عن سر القلب حتى لا تطلع في هذا العالم فإنهما وكتابتهما وخطهما وصحائفهما وجملة ما يتعلق بهما من عالم الغيب والملكوت لا من عالم الشهادة وشيء من عالم الملكوت لا يدرك في هذا العالم انتهى وقال في موضوع آخر: أكثر الخلق يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الوجود بخط إلهي لا حرف فيه ولا صوت وذلك إنما يدرك بعين البصيرة لا بعين البصر <تنبيه> ذكر الغزالي أيضا أن الكرام الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب إنما يطلعون على الأعمال الظاهرة
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجاله وثقوا انتهى واعلم أن للطبراني هنا ثلاث روايات إحداها مرت في حرف الهمزة وهذه الثانية وهما جيدتان وله طريق ثالثة فيها جعفر بن الزبير وهو كذاب كما بسطه الحافظ الهيثمي
_________
(1) [الساعة " الفلكية " مقدار الساعة المعروفة في عصرنا و " الزمانية " كقولك " برهة " من الزمن. والله أعلم. دار الحديث](4/189)
4985 - (صالح المؤمنين أبو بكر وعمر) أي هما أعلى المؤمنين صفة وأعلاهم قدرا والظاهر أن صالحا هنا واحد أريد به التثنية قال في الكشاف في تفسير {وصالح المؤمنين} : هو واحد أريد به الجمع كقوله لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس وكقوله لا ينفعه إلا من صلح منهم ويجوز أن يكون أصله صالحو المؤمنين بالواو فكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الجمع والواحد واحد فيه كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط انتهى قال أعني الكشاف: والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين وهو متمني أنبياء الله قال تعالى حكاية عن سليمان {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} وقال في إبراهيم {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}
(طب) وابن مردويه في تفسيره وكذا الخطيب في التاريخ (عن ابن مسعود) قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {وصالح المؤمنين} من هم؟ فذكره(4/190)
4986 - (صام نوح) عبد الله (الدهر) كله (إلا يوم) عيد (الفطر ويوم) عيد (لأضحى) فإنه لم يصمهما لعدم قبول وقتهما للصوم (وصام داود) النبي (نصف الدهر) كان يصوم يوما ويفطر يوما على الدوام (وصام إبراهيم) خليل الله (ثلاثة أيام من كل شهر) قيل: البيض وقيل: من أوله (صام الدهر وأفطر الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها فالثلاثة بثلاثين وهي عدة أيام الشهر وفيه أن تحريم يوم الفطر ويوم الأضحى ليس من خصوصياتنا وهذا فيما كانوا يصومون تطوعا أما الواجب فمسكوت عنه هنا وفي أثر عن مجاهد إن الله كتب رمضان على من كان قبلكم
(طب هب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: صيام نوح ورواه ابن ماجه وصيام داود في الصحيح وهذا الخبر فيه أبو فارس ولم أعرفه وأقول فيه أيضا ابن لهيعة(4/190)
[ص:191] 4987 - (صبيحة ليلة القدر) أي الحكم الفصل سميت به لعظم قدرها (تطلع الشمس لا شعاع لها) بضم الشين ما يرى من ضوئها عند غروبها مثل الحبال والقضبان مقبلة عليك إذا نظرتها وانتشار ضوئها (كأنها طست حتى ترتفع) الشمس كرمح في رأي العين
(حم م 3 عن أبي) بن كعب(4/191)
4988 - (صدق الله فصدقه) قاله في رجل جاهد حتى قتل يعني أنه تعالى وصف المجاهدين بالذين قاتلوا لوجهه صابرين محتسبين فتحرى هذا الرجل بفعله وقاتل صابرا محتسبا فإنه صدق الله تعالى {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وهذا القول كناية عن تناهي رفعة منزلته
(طب عن شداد بن الهاد) الليثي واسم أبيه أسامة قيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلا لمن يسلك الطريق من الأضياف وشداد صحابي شهد الحديبية وما بعدها وفيه قصة طويلة(4/191)
4989 - (صدقة) أي القصر صدقة (تصدق الله بها عليكم) وليس بعزيمة (فاقبلوا بصدقته) واقصروا في السفر وفيه أن القصر رخصة لا عزيمة فإن الواجب لا يسمى صدقة ويدل له آية {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وذهب الحنفية إلى أنه عزيمة لقول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي ففرضت أربعا وأجاب الأول بأن هذا من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة ذكره الخطابي واعترض قال ابن حجر: والذي يظهر وبه يجمع بين الأدلة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر بالآية المذكورة صدقة علينا قال الشارح: والباء في بصدقته زائدة ولم أرها في شيء من الكتب الستة اه. ولعلها سبق قلم من المؤلف وللحديث قصة وهو أن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب قال الله عز وجل: {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} الآية (1) وقد أمن الناس فقال: عجبت بما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة إلخ هذا يدفع قول البعض المراد بالصدقة الفطر في الصيام سفرا نعم هو يؤخذ منه قياسا وفيه تعظيم شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث أطلق ما قيد الله ووسع على عباد الله ونسب فعله إليه لأنه خيرة الله من خلقه
(ق 4 عن عمر) بن الخطاب ظاهره أن الكل رووه وليس كذلك بل عزوه للبخاري غلط أو ذهول فقد قال الصدر المناوي وغيره: رواه الجماعة كلهم إلا البخاري ومن ثم اقتصر الحافظ ابن حجر في تاريخ المختصر وغيره على عزو الحديث لمسلم وأبي داود والنسائي والترمذي
_________
(1) والمراد بالفتنة الاغتيال والغلبة والقتال والتعريض بما يكره وليست المخافة شرطا لجواز القصر لهذا الحديث وللإجماع على جوازه مع الأمن وإنما ذكر الخوف في الآية لأن غالب أسفارهم يومئذ كانت مخوفة لكثرة العدو بأرضهم وفيه إشعار بأن القصر ليس واجبا لا في السفر ولا في الخوف لأنه لا يقال في الواجب لا جناح في فعله وفي الحديث جواز تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا بكذا خلافا لمن كره أن يقال ذلك وقال لأن المتصدق يرجو الثواب(4/191)
4990 - (صدقة الفطر) أي من رمضان فأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر منه أو مأخوذة من الفطر التي هي الخلقة المرادة بقوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} (صاع تمر) وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي عند مالك والشافعي [ص:192] وأحمد (أو صاع شعير) أو ليست للتخيير بل لبيان الأنواع التي يخرج منها وذكرا لأنهما الغالب في قوت أهل المدينة (عن كل رأس أو صاع بر أو قمح) قال الزمخشري: القمح البر سمي به لأنه أرفع الحبوب من قامحت الناقة إذا رفعت رأسها وأقمح الرجل إقماحا إذا شمخ بأنفه (بين اثنين) أخذ بظاهره أبو حنيفة تبعا لفعل معاوية في أجزاء نصف صاع حنطة وخالفه الثلاثة فأوجبوا صاعا من أي جنس كان وأجابوا بأن معاوية فعله باجتهاد وخالفه من هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي منه أبو سعيد فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد النبي صاع تمر أو بر أو شعير أو أقط فقيل له: أو مدي قمح فقال: لا تلك قسمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها رواه ابن خزيمة (صغير) ولو يتيما خلافا لأبي الحسن وزفر (أو كبير حر أو عبد) ظاهره أن العبد يخرج عن نفسه وهو مذهب داود ويرده خبر ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر فإنه يقتضي أنها على سيده دونه وقال البيضاوي: جعل وجوب زكاة الفطر على السيد كالوجوب على العبد مجازا إذ ليس هو أهلا لأن يكلف بالواجبات (ذكرا أو أنثى) أو خنثى أخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجبها على المزوجة وأوجبها الثلاثة على الزوج (غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه) فيه أنه لا يعتبر لوجوب صدقة الفطر ملك نصاب وقال أبو حنيفة يعتبر ولا زكاة على من لا يفضل على منزل وخادم يحتاجهما ويليقان به وعن قوته وقوت ممونه ليلة العيد ويومه ما يخرجه فيها وامرأة غنية لها زوج معسر وهي مطيعة له
(حم د عن عبد الله بن ثعلبة) قال ابن قدامة: تفرد النعمان بن راشد وهو كما قال البخاري يتهم كثيرا وهو صدوق في الأصل وقال: ههنا ذكرت لأحمد حديث بن ثعلبة هذا فقال: ليس صحيح إنما هو عن الزهري مرسل قلت: من قبل هذا قال: من قبل من النعمان بن راشد فليس بقوي اه وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من يقوم به حجة(4/191)
4991 - (صدقة الفطر على) أي عن (كل إنسان مدان من دقيق أو قمح ومن الشعير صاع ومن الحلو زبيب أو تمر صاع صاع) اختلف في أي جنس تجب منه الفطرة فمذهب الشافعي: أن جنسها كل ما يجب فيه العشر وقال المالكية: جنسها المفتات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحنفية والحنابلة: يخير بين هذه الخمسة وما في معناها
(طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه الليث بن حماد ضعيف(4/192)
4992 - (صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير أو مدان من حنطة عن كل صغير وكبير وحر وعبد) وروي بالواو وباء والمعنى سواء إلا أن الواو أدخل في إثبات المعنى المطلوب لأن الواجب على كل واحد من المذكورين لا على أحدهم دون الآخر وقد ترد أو بمعنى الواو على حد {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} وتمسك بهذا الخبر أبو حنيفة في اكتفائه بأقل من صاع بر وخالفه الباقون وضعفوا الخبر
(قط عن ابن عمر) بن الخطاب قال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه بقية وتقدم الكلام فيه عن داود بن الزبرقان ضعفوه كلهم وقال في مقارب قال أحمد كيحيى: ليس بشيء(4/192)
4993 - (صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك) مدبرا كان أو أم ولد أو معلق [ص:193] العتق بصفة ولو آبقا مغصوبا مؤجرا مرهونا يؤديها سيده عنه (نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير) وفيه أن الفطر تجب على الإنسان عن غيره وقال داود: عليه فطرته فقط وقوله نصف صاع منصوب بفعل مقدر نحو أعني أو على أنه معمول لتعلق الجار والمجرور المحذوف أو حال وقوله أو صاعا معطوف عليه في الأحوال كلها
(قط عن ابن عباس) ثم قال مخرجه الدارقطني: تفرد به سلام الطويل وهو متروك وقال الذهبي في التنقيح: خبر واه اه وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لمخرجه وسكوته عما عقبه به من بيان علته كما هو دأبه في هذا الكتاب غير صواب(4/192)
4994 - (صدقة ذي الرحم) أي القرابة (على ذي الرحم صدقة وصلة) ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي ففيها أجر واحد وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل الله ومنته
(طس عن سلمان بن عامر) بن أويس الضبي بفتح المعجمة وكسر الموحدة صحابي سكن البصرة قال مسلم: ليس في الصحب ضبي غيره واعترض. رمز المصنف لصحته وهو خطأ لذهوله عن قول الحافظ الهيثمي وغيره فيه غالب بن فزان وهو ضعيف(4/193)
4995 - (صدقة السر تطفئ غضب الرب) يمكن حمل إطفاء الغضب على المنع من إنزال المكروه في الدنيا ووخامة العاقبة في العقبى من إطلاق السبب على المسبب كأنه نفى الغضب وأراد الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في العقبى قال ابن عربي: وهو الموفق عبده لما تصدق به فهو المطفئ غضبه بما وفق عبده اه. قال بعضهم: المعنى المقصود في هذا الموضع الحث على إخفاء الصدقة وفي مسند أحمد قال ابن حجر: سند حسن رفعه أن الملائكة قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال: نعم الحديد قالت: فهل شيء أشد من الحديد قال: نعم النار قالت: فهل شيء أشد من النار قال: نعم الماء قالت: فهل شيء أشد من الماء قال: نعم الريح قالت: فهل شيء أشد من الريح قال: نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيه عن شماله
(طص عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (والعسكري) بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف نسبة إلى عسكر مكرم مدينة من كور الأهواز يقال لها بالعجمية كشكر وهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد صاحب التصانيف الحسنة أحد أئمة الأدب وذوي الأخبار والنوادر (في السرائر عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه من طرق الطبراني أصرم بن حوشب وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه للترمذي من حديث أنس(4/193)
4996 - (صدقة المرء المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء) بكسر الميم وفتح السين أصله موتة قلبت الواو ياء وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت وأراد بميتة السوء ما لا تحمد عاقبته ولا تؤمن غائلته من الحالات التي يكون عليها الإنسان عند الموت فالفقر المدقع والوصب الموجع وموت الفجاءة والغرق والحرق ونحوها ذكره التوربشتي وقال الحكيم وتبعه جمع: هي ما تعوذ منه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دعائه وقال الطيبي: هي سوء الخاتمة ووخامة العاقبة (ويذهب الله بها الفخر والكبر) لا ينافي زيادتها في العمر {وما يعمر من معمر} لأنه من تسمية الشيء بما يؤول إليه [ص:194] أي وما يعمر من أحد ألا ترى أنه يرجع الضمير في قوله ولا ينقص من عمره إليه والنقصان من عمر المعمر محال وهو من التسامح في العبارة فقد يفهم السامع هذا بحسب الجليل من النظر وقضية النظر الدقيق أن المعمر الذي قدر له العمر الطويل يجوز أن يبلغ حد ذلك العمر (1) وأن لا يزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغير في التقدير لأن المقدر على كل شخص الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام الممدودة وما قدر من الأنفاس يزيد وينقص بالصحة والحضور والمرض والتعب ذكره ابن الكمال أخذا من الكشاف وغيره <تنبيه> مما ورد أنه يزيد في العمر إسباغ الوضوء فقد روى ابن عدي عن أنس مرفوعا أسبغ الوضوء يزد في عمرك
(أبو بكر بن مقسم في جزئه عن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري قضية صنيع المصنف أن ذلك لم يخرجه أحد من المشاهير والأمر بخلافه بل خرجه الطبراني والديلمي عن عمرو المذكور باللفظ المزبور من هذا الوجه
_________
(1) قال كعب الأحبار حين حضرت عمر الوفاة والله لو دعا ربه أن يؤخر أجله لأخره قيل له إن الله عز وجل يقول {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} فقال هذا إذا حضر الأجل وما قبل ذلك فيجوز أن يزاد أو ينقص وقرأ هذه الآية {إن ذلك على الله يسير}(4/193)
4997 - (صغاركم) أيها المؤمنون وفي رواية صغاركم (دعاميص الجنة) أي صغار أهلها وهو بفتح الدال جمع دعموص بضمها الصغير وأصله دويه صغيرة يضرب لونها إلى سواد تكون في الغدران لا تفارقها شبه الطفل بها في الجنة لصغره وسرعة حركته وكثرة دخوله وخروجه وقيل هي سمكة صغيرة كثيرة الاضطراب في الماء فاستعيرت هنا للطفل يعني هم سياحون في الجنة دخالون في منازلها لا يمنعون كما لا يمنع صبيان الدنيا الدخول على الحرم وقيل الدعموص اسم للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج ولا يتوقف على إذن ولا يبالي أين يذهب من ديارهم شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمنع من أي مكان منها (يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة) فيه أن أطفال المسلمين في الجنة وهو إجماع من يعتد به ولا عبرة بخلاف المجبرة ولا حجة لهم في خبر الشقي من شقي في بطن أمه لأنه عام مخصوص بل الجمهور على أن أطفال الكفار فيها
(حم خد م) من حديث أبي حسان (عن أبي هريرة) قال أبو حسان: قلت لأبي هريرة إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا قال نعم ثم ذكره(4/194)
4998 - (صغروا الخبز وأكثروا عدده يبارك لكم فيه) هذا الحديث ستعرف حاله على الأثر قال ابن حجر: وقد تتبعت هل كانت أقراص خبز المصطفى صلى الله عليه وسلم صغارا أو كبارا فلم أر في ذلك شيئا بعد التفتيش إلا هذا الحديث وما أشبهه مما لا يحتج به
(الأزدي في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين (والإسماعيلي في معجمه) من هذا الوجه الذي خرجه منه الأزدي كما في اللسان (عن عائشة) وقضية صنيع المصنف أن الأزدي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه ففي اللسان في ترجمة جابر بن سليم قال الأزدي: منكر الحديث لا يكتب حديثه ثم روى هذا الخبر وقال: وهذا خبر منكر لا شك فيه اه. قال في اللسان: ولعل الأخذ فيه ممن دون جابر فإن ابن أحمد نقل عن أبيه أنه ثقة قال: والخبر منكر لا يشك فيه ورواه عن عائشة أيضا الديلمي قال ابن حجر في التخريج: والخبر واه بحيث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: المتهم به جابر هذا اه وتعقب المؤلف ابن الجوزي في الحكم بوضعه بأن له شاهدا وهو الخبر الآتي فرقوا خبزكم يبارك لكم فيه اه ومن البين عند أئمة هذا الفن أن الشاهد لا ينجع في الموضوع وممن [ص:195] ذكره عنهم المؤلف وغيره ومما حكموا بوضعه من أحاديث الخبز ما رواه ابن رزين عن ابن عباس مرفوعا: ما استخف قوم بحق الخبز إلا ابتلاهم الله بالجوع(4/194)
4999 - (صفتي) أي في الكتب السابقة (أحمد المتوكل) على الله حق توكله والصفة هي التوكل وأما أحمد فهو اسم له كما نطق به التنزيل فذكره أولا توطئة للوصف وكان سيد المتوكلين ولذلك لم يحترف ولم يكن له حارس (ليس بلفظ) بفاء وظاء معجمة أي سيء الخلق (ولا غليظ) أي سيء الخلق شديده (يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافئ بالسيئة مولده بمكة ومهاجره طيبة) هو اسم المدينة النبوية (وأمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوضؤن أطرافهم أناجيلهم) جمع إنجيل وهو الكتاب الذي يتلى محفوظة (في صدورهم) يعني كتبهم محفوظة في قلوبهم ويقال الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور كذا في الفردوس (يصفون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذي يتقربون به إلى ربهم دماؤهم رهبان بالليل ليوث بالنهار) فيه أن الوضوء من خصائصهم لكن الذي عليه الشافعي أن الخاص الكيفية المخصوصة أو الغرة والتحجيل لأدلة أخرى
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم(4/195)
5000 - (صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوته من خلقه وعباده) عطف تفسير ويحتمل أنه بضم العين وشدة الموحدة جمع عابد فيكون من عطف الخاص على العام (وليدخلن) أكد باللام إشارة إلى تحقق وقوعه (الجنة من أمتي ثلاث حثيات) من حثياته تعالى لقوله في الحديث فحثى بيديه وتقدم معناه (لا حساب عليهم ولا عذاب) السياق يقتضي أن المراد من أهل الشام والصفوة هو الخاص المختار
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد العزيز بن عبيد الله الحمصي وهو ضعيف(4/195)
5001 - (صلة الرحم) أي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول إليه فتارة يكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة (وحسن الخلق وحسن الجوار) بكسر الجيم وضمها وعليه اقتصر في المصباح (يعمرن الديار) أي البلاد قال في الكشاف: تسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي يتصرف يقال ديار بكر لبلادهم وتقول العرب الذين من حوالي مكة نحن من عرب الديار يريدون من عرب البلد (ويزدن في الأعمار) كناية عن البركة في العمر بالتوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في آخرته أو الزيادة بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر قال ابن الكمال: في تخصيص حسن الجوار بالذكر من جملة ما ينتظمه حسن الخلق نوع تفضيل له على سائر أفراده والظاهر من سياق الكلام أن ذلك الفضل من جهة قوة التأثير في الأمرين المذكورين وينبغي للبليغ أن يراعي هذه القاعدة في مواقع التخصيص بعد [ص:196] التعميم
(حم هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال فقد قال الحافظ في الفتح: رواه أحمد بسند رجاله ثقات اه وإعلال العلاء له بأن فيه محمد بن عبد الله العرزمي ضعفوه يكاد يكون غير صواب فقد وقفت على إسناد أحمد والبيهقي فلم أره فيهما فلينظر(4/195)
5002 - (صلة الرحم) أي القرابة وإن بعدت (تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب) استدل به الرافعي على أن صدقة السر أفضل من العلانية قال ابن حجر: وأولى منه خبر سبعة يظلهم الله وفيه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها قال في الإتحاف: ذكر مع الصلة صدقة السر للمناسبة التامة المؤذنة بمزيد فضل فالصلة بأنها تزيد في العمر سواء كانت سرا أو جهرا بخلاف إطفاء الغضب فإنه لا يكون إلا بالصدقة سرا ثم إخفائها فالصلة أفضل فإنها نوع من الصدقة فيجتمع فيها حينئذ الأمران الزيادة في العمر وإطفاء الغضب ولما كان الغضب عندنا ينشأ من غليان الدم ناسب أن يعبر عنه بالإطفاء وإن كان ذلك من المحال في حقه تعالى وتقدس فالمراد غايته من أنه لا يصل أثره ولا يبقى مع الصلة منه شيء كما لا يبقى من حرارة النار بعد الإطفاء ما يؤذي
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال ابن حجر: فيه من لا يعرف(4/196)
5003 - (صلة القرابة مثراة) بفتح فسكون مفعلة من الثرى أي الكثرة (في المال) أي زيادة فيه (محبة في الأهل منسأة في الأجل) أي مظنة لتأخيره وتطويله والنسأ التأخير يقال نسأت الشيء نسئا إذا أخرته قال الزمخشري: معناه أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم والصلة قدر زائد على الحقوق المتعلقة بالعموم كتفقد حالهم وتعهدهم بنحو نفقة وكسوة وبشاشة وغيرها فهي أنواع بعضها واجب وبعضها مندوب وأدناها ترك المهاجرة <تنبيه> قال بعضهم: الصلة نوع من التوحيد لأن الألفة اجتماع والاجتماع اتحاد والقطيعة افتراق والافتراق كثرة والكثرة ضد التوحيد فلذلك قطع الله قاطع الرحم لأن الله واحد لا يصل إلا واحدا متصفا بالتوحيد
(طس عن عمرو) قال في التقريب: صوابه عمر (بن سهل) الأنصاري رمز لحسنه. قال الذهبي: سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلة الرحم إن صح ذلك اه. قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم اه. وقضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الحافظ في الفتح إلى الترمذي عن أبي هريرة بلفظ صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر هكذا ذكره(4/196)
5004 - (صل من قطعك) بأن تفعل معه ما تعد به واصلا فإن انتهى فذاك وإلا فالإثم عليه (وأحسن إلى من أساء إليك) ومن ثم قال الحكماء: كن للوداد حافظا وإن لم تجد محافظا وللخل واصلا وإن لم يكن مواصلا وقال الغزالي: رأيت في الإنجيل قال عيسى ابن مريم لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف والآن أقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه اليسار ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك ومن سخرك معه ميلا فسر معه ميلين وكل ذلك أمر بالصبر على الأذى (1) (وقل الحق ولو على نفسك) فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك وما يلقى هذه الخليقة التي هي مقابلة القطع بالوصل والإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} قال [ص:197] في الإتحاف: هذا الحديث تعليم بمعالم الأخلاق التي يسبق بها مع السباق
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن علي) أمير المؤمنين. قال ابن حجر: ورويناه في جزء لابن شاذان عن أبي عمرو بن السماك من حديث علي بن الحسين عن جده علي بن أبي طالب قال: ضممت إلي سلاح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت في قائم سيفه رقعة فيها صل من قطعك إلخ قال ابن الرقعة في المطلب: ليس فيه شيء إلا الانقطاع. قال ابن حجر: وفيه نظر لأن في سنده الحسين بن زيد بن علي ضعفه ابن المديني وغيره
_________
(1) قال الشهاب في شرح الشفاء: قال بعض الحكماء لا يحملنك سب الجهول لك وجرأة السفيه عليك على الإجابة عليه بل حلم يفني صبرك خير من سفه يشفي صدرك(4/196)
5005 - (صلوا قراباتكم) بأن يفعل أحدكم معهم ما يعد به واصلا (ولا تجاوروهم) في المساكن (فإن الجوار يورث الضغائن بينكم) أي الحقد والعداوة جمع ضغينة وهي الحقد والعداوة والبغضاء قال في الإتحاف: ويتجه حمله على من توهم منه ذلك فإن غلب على الظن السلامة من ذلك لم تكره مجاورته وإن غلب على الظن وقوع ذلك كرهت فإن كل ذي نعمة محسود فإذا اطلع القريب على قريبه وقد زاد الله عليه في الرزق وشاهد ذلك غدوا وعشيا قوي حسده (1) <تنبيه> قال الراغب: المعاداة قد تكون بسبب الفضيلة أو الرذيلة كمعاداة الجاهل للعالم وقد تكون بسبب تجاذب نفع دنيوي كالتجاذب في رئاسة أو جاه أو مال وقد تكون بسبب لحمة ومجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض وذلك في كثير من الناس كالطبيعي وقال رجل لآخر: إني أحبك. قال: علمت ذلك. قال: من أين؟ قال: لأنك لست بشريك ولا نسيب ولا جار ولا قريب وأكثر المعاداة تتولد من شيء من ذلك
(عق) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن أبي موسى) الأشعري. ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة سعيد بن أبي بكر بن أبي موسى من حديث داود المحبر عن عبد الله بن عبد الجبار عن سعيد هذا عن أبيه عن جده مرفوعا ثم قال أعني العقيلي: حديث منكر وسعيد حديثه غير محفوظ ولا يعرف هذا الحديث إلا به وليس له أصل والراوي عنه مجهول انتهى وفي الميزان حديث منكر والآفة ممن بعد سعيد وداود ضعيف ولهذا حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع
_________
(1) [وليس الحسد السبب الوحيد في زيادة الضغائن حيث أن للمسلم على المسلم وللجار على الجار وللرحم على الرحم واجبات عديدة حددها الشرع. فمن جاور قرابته كان عليه القيام بتلك الحقوق مجتمعة فإذا قصر تولدت الضغائن لا محالة حيث أن الحكمة في أكثر تلك الحقوق هي قوام المجتمع السليم ومهما كثر تقصيره كثرت الضغائن. دار الحديث](4/197)
5006 - (صلت الملائكة على آدم) لما مات (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات (وقالت) مخاطبة لبني آدم (هذه سنتكم يا بني آدم) أي طريقتكم الواجب عليكم فعلها لمن مات منكم أبد الآبدين وفيه أن الصلاة على الجنازة ليست من خصوصيات هذه الأمة (1)
(هق عن أبي) بن كعب رمز المصنف لصحته وهو هفوة فقد تعقبه الذهبي في المهذب بأن فيه عثمان بن سعد وفيه لين
_________
(1) قال الزيادي: يمكن حمل القول بالخصوصية على كيفية مخصوصة مشتملة على قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والقول بعدم الخصوصية على غيرها(4/197)
5007 - (صل صلاة مودع) أي مودع لهواه مودع لعمره وسائر إلى مولاه (كأنك تراه) عيانا (فإن كنت لا تراه فإنه يراك وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا) وفي رواية الطبراني وايأس مما في أيدي الناس تكن غنيا (وإياك وما يعتذر منه) أي احذر أن تفعله بحال وقد سبق تقريره
(أبو محمد) عبد الله بن عطاء (الإبراهيمي) نسبة إلى جده الهروي الواعظ روى عنه الديلمي وغيره (في كتاب الصلاة وابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: قال رجل: يا رسول الله حدثني بحديث واجعله موجزا فذكره وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من [ص:198] المشاهير الذين رمز لهم مع أن الطبراني خرجه في الأوسط عن ابن عمر قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه(4/197)
5008 - (صل) يا عمران بن حصين الذي ذكر لنا أن به بواسير حال كونك (قائما) أي صلي الفرض قائما (فإن لم تستطع) القيام بل لحقك به مشقة شديدة أو خوف زيادة مرض أو هلاك أو عرق أو دوران رأس راكب السفينة (فقاعدا) أي فصل حال كونك قاعدا كيف شئت والافتراش أفضل (فإن لم تستطع) القعود للمشقة المذكورة (فعلى) أي فصل على (جنب) وجوبا مستقبل القبلة بوجهك وعلى الأيمن أفضل ويكره على الأيسر بلا عذر قال البيضاوي وغيره: هذا حجة للشافعي وأحمد أن المريض يصلي مضطجعا على جنبه الأيمن مستقبلا بمقادم بدنه ورد على أبي حنيفة حيث قال لا يصلي على جنب بل مستلقيا ليكون سجوده وركوعه للقبلة فلو أتمها على جنب لكان لغيرها وتأويله الحديث بأنه خطاب لعمران وكان مرضه بواسير وهي تمنع الاستلقاء يدفعه زيادة للنسائي في حديث عمران هذا فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها واستدل به الحنفية والمالكية على أنه لا يلزم من عجز عن الاستلقاء الانتقال إلى حالة أخرى كالإيماء بالرأس فالطرف وأوجبه الشافعية لخبر إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم <فائدة> قال ابن المنير: اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب يكثر وقوعه وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن اتخذ من يلقنه فكان يقول أحرم بالصلاة قل الله أكبر إقرأ الفاتحة إركع وهكذا يلقنه وهو يفعل ما يقول وفيه وجوب القيام على القادر في الفرض فإن عجز وجب القعود فإن عجز فالاضطجاع
(حم خ) في صلاة المسافر (4) في الصلاة (عن عمران بن حصين) ولم يخرجه مسلم قال ابن حجر: واستدركه الحاكم فوهم(4/198)
5009 - (صل قائما) يا من سألنا كيف أصلي في السفينة (إلا أن تخاف الغرق) أي إلا إن خفت من دوران الرأس والسقوط في البحر لو وقفت فإنه يجوز لك في الفرض القعود للضرورة (ك) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة فذكره قال الحاكم: على شرط مسلم وهو شاذ بمرة وقال البيهقي: حديث حسن وأقره عليه العراقي ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر هذا وقال: فيه بشر بن قاني ضعيف ومن حديث جعفر وقال: فيه رجل مجهول ومن حديث ابن عباس وقال: فيه حسين بن علوان متروك(4/198)
5010 - (صل بصلاة أضعف القوم) أي اسلك سبيل التخفيف في أفعال الصلاة وأقوالها على قدر صلاة أضعف القوم والمراد بالضعيف هنا ما يشمل المريض وضعيف الخلقة (1) واتخذ مؤذنا محتسبا (ولا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) من بيت المال ولا من غيره وتمسك به أبو حنيفة لمذهبه أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان وحمله الشافعي على الندب
(طب عن المغيرة) بن شعبة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلني إمام قومي فذكره قال الهيثمي: فيه سعد القطيعي ولم أر من ذكره وقال ابن حجر: أخرجه البخاري في تاريخه من حديث المغيرة المذكور ولابن عدي نحوه
_________
(1) [ومثله في صلاة الجمعة لذلك فإن السنة تقصيرها مطلقا. انظر الحديث 2294 وشرحه: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة. . . دار الحديث](4/198)
5011 - (صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور) القصار أي إن صليت بقوم غير راضين بالتطويل أو تعلق بعينهم حق
(حم عن بريدة) بن الحصيب رمز المصنف لحسنه(4/198)
5012 - (صل الصبح) وجوبا معلوما من الدين بالضرورة (والضحى) ندبا وقول جمع من السلف " لا تندب " مؤول (1) (فإنها [ص:199] صلاة الأوابين) أي الرجاعين إلى الله تعالى
(زاهر بن طاهر في سداسياته عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته
_________
(1) [وكيف لا يؤول قولهم والحديث صحيح ودلالته واضحة وأشذ ما حصل في زماننا ظهور قوم بلغ من جهلهم التجرؤ على انتقاد من صلى صلاة الضحى فليتنبه
وورد كذلك الحديث الصحيح التالي في صلاة الضحى فليراجع شرحه: 5072: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال
دار الحديث](4/198)
5013 - (صلوا أيها الناس في بيوتكم) أي النفل الذي لا تشرع جماعته (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء) أي الرجل يعني جنسه (في بيته) ولو كان المسجد فاضلا (إلا) الصلوات الخمس (المكتوبة) أي أو ما شرع فيه جماعة كعيد وتراويح فإن فعلها بالمسجد أفضل وأخذ بظاهر الخبر مالك ففضل التراويح بالبيت عليها بالمسجد وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله خوف أن يفرض عليهم وبعد موته أمن ذلك
(خ عن زيد بن ثابت) الأنصاري كاتب الوحي قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم خرج إليهم فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم: صلوا إلخ
_________
(1) [فعلم منه أن جمع عمر الناس لصلاة التراويح إنما كان لتلك السنة التي عهدها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث أن عدم استمرار النبي فيها كان خوفا من أن تفرض فقد أمن عمر رضي الله عنه من ذلك بسبب انقطاع الوحي. فعمله سنة سنها للمسلمين اتباعا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قال فيها " نعمت البدعة " إما تواضعا وإما تجاوزا في اللغة. أما المتهورين الذين يحاولون النيل منه فأين فهمهم من فهمه وأين تقواهم من تقواه. وما أشد مناسبة قول بعضهم: يا ناطح الجبل ليثلمه خف على الرأس لا تخف على الجبل. دار الحديث](4/199)
5014 - (صلوا في بيوتكم) النفل الذي لا تسن جماعته (ولا تتخذوها قبورا) بترككم الصلاة فيها كالميت في قبره لا يصلي شبه المحل الخالي منها بالقبر والغافل عنها بالميت أو لا تجعلوا بيوتكم موطنا للنوم بلا صلاة فإن النوم أخو الموت وقد سبق
(ت ن عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والديلمي(4/199)
5015 - (صلوا في بيوتكم ولا تتركوا النوافل فيها) سميت نوافل لأنها زائدة على الفرض والأمر للندب بدليل خبر هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع
(قط في الأفراد عن أنس وجابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي(4/199)
5016 - (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا) أي لا تخلوها عن الصلاة فيها شبه المكان الخالي عن العبادة بالقبور والغافل عنها بالميت ثم أطلق القبر على مقره ومعناه النهي عن الدفن في البيوت وإنما دفن المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة مخافة اتخاذ قبره مسجدا ذكره القاضي (ولا تتخذوا بيتي عيدا) أي لا تتخذوا قبري مظهر عيد ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوز واحد التعظيم وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي وظاهره ينهى عن المعاودة والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم أن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله (وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل كالمشاهد بنفسها أو بإخبار الملك لها وفيه سر يطلع عليه من يسر له. ذكره القاضي <تنبيه> قولهم فيما سلف معناه النهي عن الاجتماع إلخ يؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون منهي عنه شرعا وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله
(ع والضياء) في المختارة (عن الحسن بن علي) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن نافع وهو ضعيف(4/199)
5017 - (صلوا) إن شئتم فالأمر للإباحة (في مرابض الغنم) مأواها ومقرها جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة [ص:200] وآخره ضاد معجمة وفي رواية بدل مرابض مرابد بدال مهملة وهي المواضع التي تحبس فيها (ولا تصلوا في أعطان الإبل) جمع عطن بالتحريك والفارق أن الإبل خلقت من الشياطين أو أنها كثيرة الشر أو شديدة النفار فقد تقطع الصلاة أو تشوش قلب المصلي فتذهب خشوعه بخلاف الغنم والمعاطن المواضع التي تجر إليها الإبل الشاربة ليشرب غيرها أو هي مبركها حول الماء لتعاد إلى الشرب مرة أخرى وعزي الأول للشافعي والثاني هو ما في النهاية وعليه قال ابن حجر: التعبير بالمعاطن أخص منه بالمواضع لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء خاصة وقد ذهب بعضهم إلى تخصيص النهي في مأواها مطلقا وقول الطحاوي انتصارا لمذهبه النظر يقتضي عدم الفرق بين الإبل والغنم والصلاة وغيرها وبمخالفته الأخبار الصحيحة المصرحة بالتفرقة وألحق ابن المنذر وتبعه المحب الطبري البقر بالغنم وعورض بما في حديث ابن عمر وعند أحمد إلحاقها بالإبل صريحا وهل يلحق بالإبل ما هو مثلها في النفور كالأفيلة قال الزين العراقي: إن قلنا إن العلة النفور فنعم أو أنها خلقت من الشياطين فلا
(ت) في الصلاة (عن أبي هريرة) وقال: حسن صحيح ومن ثم رمز المصنف لحسنه وخرجه ابن حبان أيضا(4/199)
5018 - (صلوا في مرابض الغنم) أي أماكنها وفي حديث في البخاري أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته أي حيث دخل وقتها سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها وبين في حديث آخر أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد ثم بعد بنائه صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة (ولا تصلوا في أعطان الإبل) وفي رواية بدل أعطان مبارك وفي أخرى مناخ بضم الميم قال ابن حزم: كل عطن مبرك ولا عكس لأن المعطن المحل الذي تناخ فيه عند ورود الماء والمبرك أعم لأنه المتخذ له في كل حال (فإنها خلقت الشياطين) زاد في رواية ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها؟ قال القاضي: المرابض جمع مربض وهي مأوى الغنم والأعطان المبارك والفارق أن الإبل كثيرة الشراد شديدة النفار فلا يأمن المصلي في أعطانها أن تنفر وتقطع الصلاة وتشوش قلبه فتمنعه من الخشوع فيها ولا كذلك من يصلي في مرابض الغنم واستشكل التعليل بكونها خلقت من الشياطين بما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على بعيره وفرق بعضهم بين الواحد وكونها مجتمعة بما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش القلب بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحدة معقول ثم إن النهي في هذه الأحاديث للتنزيه عند الشافعي كالجمهور فتكره الصلاة في العطن وتصح حيث كان بينه وبين النجاسة حائل وللتحريم عند أحمد ولا تصح عنده الصلاة في العطن بحال والأمر بالصلاة في مرابض الغنم للإباحة لا للوجوب ولا للندب وإنما ذكر دفعا لتوهم أنها كالإبل وأن العلة النجاسة
(هـ عن عبد الله بن مغفل) قال مغلطاي: حديث صحيح متصل ومن ثم أشار المصنف لصحته(4/200)
5019 - (صلوا في مرابض الغنم ولا توضأوا من ألبانها) أي من شرب ألبانها فإنها لا تنقض الوضوء كأكل لحمها (ولا تصلوا في معاطن الإبل وتوضأوا من ألبانها) أي من شربها فإنها ناقضة للوضوء كأكل لحمها وبهذا قال أحمد واختاره من الشافعية النووي من حيث الدليل قال: لحديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف لكن المنقول عندهم عدم النقض وأجابوا عن ذلك بما فيه طول يطلب من الفروع قال ابن بطال: في هذه الأحاديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك ورد بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالبا وإذا تعارض الأصل [ص:201] والغالب قدم الأصل <تنبيه> زعم ابن حزم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل متواترة تواترا يوجب العلم. قال الحافظ الزين العراقي: ولم يرد التواتر الأصولي بل الشهرة والاستفاضة
(طب عن أسيد) بضم الهمزة (ابن حضير) بضم المهملة وفتح المعجمة الأشهلي النقيب الكبير الشأن ذي المناقب والكرامات رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد قال الحافظ الهيثمي: فيه الحجاج بن أرطاة وفيه مقال(4/200)
5020 - (صلوا في مراح الغنم) زاد في رواية للطبراني فإنها بركة من الرحمن (وامسحوا رغامها) بغين مهملة أي امسحوا التراب عنها وروي بمعجمة أي ما سال من أنفها إصلاحا لشأنها ورعاية لها (فإنها من دواب الجنة) قال ابن القيم: بين به وبما قبله أن سنة الصلاة حيث كانت وفي أي مكان اتفق سوى ما ينهى عنه من العطن والمقبرة والحمام ونحوها فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق الحصير ويوضع عليها المنديل
(عد هق عن أبي هريرة) قال البيهقي: روي مرفوعا وموقوفا وهو أصح(4/201)
5021 - (صلوا في نعالكم) إن شئتم فإن الصلاة فيها جائزة حيث لا نجاسة فيها غير معفوة وأخذ جمع حنابلة منه أن الصلاة فيها سنة. هبه كان يمشي فيها في الشوارع أو لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه كانوا يمشون بهما في طريق المدينة ثم يصلون فيها (ولا تشبهوا باليهود) فإنهم لا يصلون في نعالهم وذلك أنه لما قيل لموسى يوم الوفادة اخلع نعليك وكانا من جلد حمار غير ذكي فأمر بخلعهما لذلك ولكي ينال بركة الوادي المقدس بإصابة قدميه فأخذوا هذا منها فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أخذهم وفعله على غير صحة وإن كان الأصل حقا
(طب عن شداد بن أوس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن ففيه يعلى بن شداد قال في الميزان: توقف بعضهم في الاحتجاج بخبره وهو صلوا إلى آخر ما هنا ويعلى شيخ مشهور محله الصدق اه. وقال ابن القطان: يعلى لم أر فيه تعديلا ولا تجريحا(4/201)
5022 - (صلوا) جوازا (خلف كل بر) بفتح الموحدة صفة مشبهة وهو مقابل قوله (وفاجر) أي فاسق فإن الصلاة خلفه صحيحة عند أبي حنيفة والشافعي لكنها مكروهة لعدم اهتمامه بأمر دينه وقد يخل ببعض الواجبات (وصلوا) وجوبا صلاة الجنازة (على كل) ميت مسلم غير شهيد (بر وفاجر) فإن فجوره لا يخرجه من الإيمان (وجاهدوا) وجوبا على الكفاية (مع كل بر وفاجر) أي مع كل إمام وأمير عادل أو جائر عدل أو فاسق هذا ما عليه أهل السنة والجماعة ووراء ذلك مذاهب باطلة وعقائد فاسدة
(هق عن أبي هريرة) سكت عليه فأوهم سلامته من العلل وليس كذلك فقد قال الذهبي في المهذب: فيه انقطاع وجزم ابن حجر بانقطاعه قال: وله طريق أخرى عند ابن حبان في الضعفاء من حديث عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبي صالح عنه وعبد الله متروك ورواه الدارقطني وغيره من طرق كلها واهية جدا قال العقيلي: ليس لهذا المتن إسناد يثبت والبيهقي كلها ضعيفة والحاكم هذا حديث منكر(4/201)
5023 - (صلوا ركعتي الضحى) ندبا (بسورتيهما والشمس وضحاها والضحى) بدل مما قبله أو عطف بيان وهذا بيان للأفضل فلو قرأ بعد الفاتحة غير السورتين المذكورتين كفى في حصول السنة
(هب فر عن عقبة بن عامر) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: يضع الحديث عن ابن لهيعة وهو ضعيف(4/201)
[ص:202] 5024 - (صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس) أي عقب تمام غروب القرص (بادروا بها طلوع النجم) أي ظهوره للناظرين لضيق وقتها
(طب) من حديث أحمد بن يزيد بن أبي حبيب عن رجل (عن أبي أيوب) قال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات اه وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته(4/202)
5025 - (صلوا قبل المغرب ركعتين صلوا قبل المغرب ركعتين) كرره لمزيد التأكيد وقال في الثالثة (لمن شاء) كراهة أن يتخذها الناس واجبة قال القاضي: ما كان ظاهر الأمر يقتضي الوجوب وكان مراده الندب خير المكلف وعلق الأمر على المشيئة مخافة أن يحمل اللفظ على ظاهره سيما وقد أكد الأمر بتكراره ثلاثا وقد تطلق السنة ويراد بها الفريضة كقولهم الختان من السنة اه وفيه مشروعية ركعتين قبل المغرب وهما سنة على الصحيح أو الصواب كما في المجموع وهما من الرواتب غير المؤكدة ومثلهما ركعتان قبل العشاء لخبر بين كل أذانين صلاة أي أذان وإقامة
(حم د عن عبد الله المزني) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد خرجه البخاري في الصلاة عن ابن معقل وخرجه في الاعتصام أيضا(4/202)
5026 - (صلوا من الليل ولو أربعا) من الركعات (صلوا) منه (ولو ركعتين ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة من الليل إلا ناداهم مناد يا أهل البيت قوموا لصلاتكم) الظاهر أن المنادي من الملائكة وهذا مسوق لبيان تأكد التهجد وأن أقله ركعتان ولا يلزم من نداء المنادي بذلك سماعنا له وقد أعلمنا به الشارع وكفى به
(ابن نصر هب عن الحسن مرسلا)(4/202)
5027 - (صلوا على أطفالكم) جمع طفل وهو الصبي يقع على الذكر والأنثى وكذا الجماعة (فإنهم من أفراطكم) أي فإنهم سابقوكم يهيئون لكم مصالحكم في الآخرة ولا فرق في هذا المعنى بين موته في حياة أبويه أو بعدهما وإضافة الأطفال إليهم إيماء بأن الكلام في أطفال المسلمين وكذا يقال في قوله الآتي موتاكم
(هـ) من حديث البختري بن عبيد عن أبيه (عن أبي هريرة) قال الذهبي: والبختري ضعيف وأبوه مجهول وقال الدميري: هذا من منكراته وقال ابن حجر في موضع: هو ضعيف متروك وفي آخر: هو ضعيف جدا وقال في تخريج الهداية: سنده ضعيف قال: وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على ولده إبراهيم أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وأحمد عن البزار وإسناده ضعيف قال: وروى أبو يعلى وابن سعد عن أنس أنه صلى على ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعا وللبزار عن أبي سعيد مثله وفي مراسيل أبي داود مثله ويعارضه ما روى أبو داود أيضا وأحمد والبزار عن عائشة أنه لم يصل عليه(4/202)
5028 - (صلوا على كل ميت) مسلم غير شهيد ولو فاسقا ومبتدعا (وجاهدوا) الكفار (مع كل أمير) ولو جائرا فاسقا وأخذ من هذا الخبر وما قبله وما بعده وجوب الصلاة على الميت لكنه على الكفاية لأن ما هو الفرض وهو قضاء حقه يحصل بالبعض وفيه أن قاتل نفسه كغيره في وجوب الصلاة عليه وأما خبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم [ص:203] لم يصل على الذي قتل نفسه فأجاب عنه ابن حبان بأنه منسوخ والجمهور بأنه للزجر عن مثل فعله
(هـ عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي أيضا(4/202)
5029 - (صلوا على موتاكم بالليل والنهار) لفظ رواية ابن ماجه آناء الليل وأطراف النهار أربعا وهكذا نقله عنه في الفردوس وزاد الطبراني في الأوسط عن جابر أيضا الصغير والكبير والدني والأمير أربعا تفرد به عمرو بن هاشم البيروتي عن ابن لهيعة
(هـ عن جابر) قال الذهبي: فيه ابن لهيعة(4/203)
5030 - (صلوا على من قال لا إله إلا الله) أي مع محمد رسول الله وإن كان من أهل الأهواء والكبائر والبدع حيث لم يكفر ببدعته وذلك لأنه لم يفصل ولا خصص بل عم بقوله من وهي نكرة تعم فأفهم به أن الصلاة على أهل التوحيد سواء كان توحيدهم عن نظر أو تقليد (وصلوا وراء) وفي رواية خلف (من قال لا إله إلا الله) مع ذلك ولو فاسقا ومبتدعا لم يكفر ببدعته وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج وكفى به فاسقا هذا مذهب الشافعي ومنعها مالك خلف فاسق بلا تأويل
(طب) من طريق مجاهد (حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي في التنقيح: فيه عثمان بن عبد الرحمن واه. ومحمد بن الفضل بن عطية متروك وقال في المهذب: أحاديث الصلاة على من قال لا إله إلا الله واهية وأورد له ابن الجوزي طرقا كثيرة وقال: كلها غير صحيحة وقال الهيثمي: فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب وقال ابن حجر: فيه محمد بن الفضل متروك ورواه ابن عدي عن ابن عمر أيضا من طريق آخر وفيه عثمان بن عبد الله العثماني يضع ورواه الدارقطني من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عمر وعثمان كذبه ابن معين وغيره ومن حديث نافع عنه وفيه خالد بن إسماعيل عن العمري وخالد متروك اه. وقال الغرياني في اختصاره للدارقطني: هذا حديث له خمس طرق ضعفها ابن الجوزي في العلل ففي الأول عثمان الوقاص قال يحيى: كان يكذب وتركه الدارقطني وقال البخاري: ليس بشيء وفي الثاني محمد بن العيسى بالياء كذبه يحيى وفي الثلث وهب بن وهب يضع الحديث وفي الرابع عثمان بن عبد الله كذلك قاله ابن حبان وابن عدي وفي الخامس أبو الوليد المخزومي خالد بن إسماعيل قال ابن عدي: وضاع(4/203)
5031 - (صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم) لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم رسوله والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه وإيثاره بالدعاء له على نفسه <تنبيه> قال البارزي في الخصائص: من خواصه أنه ليس في القرآن ولا غيره صلاة من الله على غيره فهي خصيصة اختصه الله بها دون سائر الأنبياء. قال الحليمي: والمقصود بالصلاة عليه التقرب إلى الله بامتثال أمره وقضاء حق الواسطة الكريمة وقال ابن عبد السلام: ليست صلاتنا عليه شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع له لكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا وفائدة الصلاة ترجع إلى المصلى عليه. قال ابن حجر: ويتأكد الصلاة عليه في مواضع ورد فيها أخبار صحيحة خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي آخر القنوت وفي أثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم منه والقيام لصلاة الليل وختم القرآن وعند الهم والدرب والتوبة وقراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر ونسيان الشيء وورد أيضا في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن والتلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا
(ش وابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) ظاهره أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أحق بالعزو إليه من ابن مردويه وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد [ص:204] وأخرجه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وابن أبي عاصم والحرث وفي سنده ضعف لكنه يقوى بتعدد طرقه فربما صار حسنا لذلك(4/203)
5032 - (صلوا علي صلى الله عليكم) قال حجة الإسلام: وجه استدعائه في هذا الخبر وما قبله الصلاة عليه من أمته أن الأدعية مؤثرة في استدرار فضل الله ورحمته سيما في الجمع الكبير كالجمعة والجماعة وعرفة فإن الهمم إذا اجتمعت وانصرفت إلى طلب ما في الإمكان وجوده فاض ما في الإمكان من الفيض الحق بوسائطه إلى روحانيات المترشحين لتدبير العالم السفلي المقتضي لبعدهم ولأنه يرتاح لذلك كما قال إني أباهي بكم الأمم ولأن ذلك شفقة على أمته بتحريضهم على ما هو قربة لهم
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب (وأبي هريرة) معا وأخرجه النميري أيضا(4/204)
5033 - (صلوا علي) وجوبا في صلاتكم بعد التشهد بأن تقولوا اللهم صلي على محمد (واجتهدوا في الدعاء) بما جاز من خيري الدنيا والآخرة (وقولوا) إن أردتم الأكمل (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد) حامد لأفعال خلقه بإثابتهم عليها أو محمود بأقوالهم وأفعالهم (مجيد) أي ماجد وهو الكامل شرفا وكرما
(حم ن وابن سعد) في الطبقات (وسمويه والبغوي والباوردي وابن قانع) الثلاثة في معجم الصحابة وكذا أبو نعيم وابن منده وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد (طب) كلهم (عن زيد بن خارجة) الأنصاري الخزرجي الحارثي قال ابن الأثير: وزيد هذا هو الذي تكلم بعد الموت على الصحيح فتكلم بكلام حفظ في أبي بكر وعمر ثم مات ثانيا رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه عيسى بن يونس قال في اللسان كأصله: قال الدارقطني: مجهول وعثمان بن حكيم قال الذهبي في الذيل: قال ابن معين: مجهول وخالد بن سلمة قال في الضعفاء: مرجيء يبغض عليا(4/204)
5034 - (صلوا على أنبياء الله ورسله) من عطف الأخص على الأعم وفيه تصريح بالأمر بالصلاة عليهم وقوله (فإن الله بعثهم كما بعثني) وارد مورد التعليل لما قبله وحكمة مشروعية الصلاة عليهم أنهم لما بذلوا أعراضهم فيه لأعدائه فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم الله الصلاة عليهم وجعل لهم أطيب الثناء في السماء والأرض وأخلصهم بخالصة ذكرى الدار فالصلاة عليهم مندوبة لا واجبة بخلاف الصلاة على نبينا إذ لم ينقل أن الأمم السابقة كان يجب عليهم الصلاة على أنبيائهم كذا بحثه القسطلاني <تنبيه> قال في الروض: وأصل الصلاة انحناء وانعطاف من الصلوين وهما عرقان في الظهر ثم قالوا صلوا عليه أي انحنوا له رحمة له ثم سموا الرحمة حنوا وصلاة إذا أرادوا المبالغة فيها فقولكم صلى الله عليه أرق وأبلغ من رحمة في الحنو والعطف والصلاة أصلها في المحسوسات ثم عبر بها عن هذا المعنى مبالغة ومنه قيل صليت على الميت أي دعوت له دعاء من يحنو عليه ويعطف إليه ولذلك لا تكون الصلاة بمعنى الدعاء على الإطلاق لا تقول صليت على العدو: أي دعوت عليه إنما يقال صليت عليه في الحنو والرحمة لأنها في الأصل انعطاف فمن أجل ذلك عديت في اللفظ بعلى فتقول صليت عليه أي حنوت عليه ولا تقول في الدعاء إلا دعوت له فتعدى الفعل باللام إلا أن تريد الشر والدعاء على العدو فهذا فرق ما بين الصلاة والدعاء وأهل اللغة أطلقوا ولا بد من التقييد
(ابن أبي عمر هب عن أبي هريرة) قال ابن حجر: وسنده واه (خط) في ترجمة الحسن التميمي المؤدب (عن أنس) وفيه عنده علي بن أحمد البصري قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف حديثه كذاب(4/204)
[ص:205] 5035 - (صلوا على النبيين) والمرسلين (إذا ذكرتموني فإنهم قد بعثوا كما بعثت) ولولاهم لهلكت بواطن الخلق بزلازل الشكوك وعذاب الحيرة فبهم ثبت اليقين واستراحت البواطن والقلوب عما حل بقلب كل مبعود محجوب وفيه وفيما قبله مشروعية الصلاة على الأنبياء استقلالا وألحق بهم الملائكة لمشاركتهم لهم في العصمة قال ابن حجر: وقد ثبت عن ابن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي شيبة عنه قال: ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أعني ابن حجر: وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك لا يجوز أن يصلى إلا على محمد وهذا غير معروف عند مالك أما الصلاة على المؤمنين استقلالا فقالت طائفة: لا يجوز وقالت طائفة: يكره وهي رواية عن أحمد وقال النووي: خلاف الأولى
(الشاشي وابن عساكر) في تاريخه (عن وائل بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن سعد بن مسروق الحضرمي صحابي جليل ورواه أيضا إسماعيل القاضي وفيه عبد الملك الرفاشي قال في الكاشف: صدوق يخطئ وموسى بن عبيد ضعفوه ومحمد بن ثابت يجهل ورواه الطبراني عن ابن عباس رفعه بلفظ إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني قال ابن حجر: وسنده ضعيف(4/205)
5036 - (صلي) بالكسر يا عائشة (في الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم (إن أردت دخول البيت) أي الكعبة (فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت) لقلة النفقة فمن لم يتيسر له دخول البيت فليصل فيه فإنه منه والحجر ما بين الركنين الشاميين عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فسحة كانت زربية لغنم إسماعيل صلوات الله على نبينا وعليه. وروي أنه دفن فيه كما سيأتي ويسمى الحطيم على ما ذكره جمع لكن الأشهر أن الحطيم ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وهو أفضل محل بالمسجد بعد الكعبة وحجرها
(حم ت عن عائشة) قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر فذكره قال الترمذي: حسن صحيح ومن رمز المصنف لصحته(4/205)
5037 - (صم) يا أسامة (شوالا) فإن صوم الأشهر الحرم التي تداوم عليها كثيرا مشق عليك فلم يزل يصوم شوالا حتى مات قال ابن رجب: هذا نص في تفضيل شوال على الأشهر الحرم وذلك لأنه يلي رمضان من بعده كما يليه شعبان من قبله وشعبان أفضل من الأشهر الحرم لصوم النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال فإذا كان صوم شوال أفضل من الحرم فصوم شعبان أولى فظهر أن أفضل التطوع ما كان بقرب رمضان قبله وبعده وذلك ملحق بصوم رمضان ومنزلته منه منزلة الرواتب من الفرائض
(هـ عن أسامة) بن زيد رمز المصنف لصحته(4/205)
5038 - (صم رمضان والذي يليه) أي شوالا ما عدا يوم الفطر (وكل) يوم (أربعاء وخميس) من كل جمعة (فإذا أنت قد صمت الدهر) قال الطيبي: الفاء جواب شرط محذوف أي إنك لو فعلت ما قلت لك فأنت قد صمت الدهر وإذا [ص:206] جواب جيء تأكيدا للربط وقال الحافظ العراقي: فيه كراهة صيام الدهر أو أنه خلاف الأولى وفيه استحباب صيام شوال وفيه إطلاق اسم الكل والمراد البعض لامتناع صوم يوم الفطر واستحباب صوم الأربعاء والخميس واستحباب المداومة على ذلك من قوله وكل أربعاء وفيه تضعيف الأعمال من قوله فإذا أنت قد صمت الدهر قال: وقد وقع في روايتنا من سنن أبي داود في هذا الحديث فإذا أنت بالتنوين وفيه إثبات الضدين باعتبار حالين لأنه أثبت له الصيام والفطر في الأيام التي أفطرها وهذا مثل ماروي عن أبي هريرة أنه دعي إلى الطعام فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: إني صائم ثم جاء فأكل فقيل له في ذلك فقال: إني صمت ثلاثة أيام من الشهر فإني صائم في فضل الله مفطر في ضيافة الله فأثبت له الوصفين أحدهما باعتبار الأجر والآخر باعتبار مباشرة الفطر
(هب عن مسلم) بن عبيد الله (القرشي) ويقال عبيد الله بن مسلم قال: سئلت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فذكره رمز المصنف لصحته وظاهر تصرفه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب فقد رواه أبو داود والنسائي والترمذي باللفظ المزبور كلهم في الصوم من حديث مسلم المذكور وقال: غريب ولم يضعفه أبو داود(4/205)
5039 - (صمت الصائم) أي سكوته عن النطق (تسبيح) أي يثاب عليه كما يثاب على التسبيح (ونومه عبادة) مأجور عليها (ودعاؤه مستجاب) أي عند الفطر (وعمله) من صلاة وصدقة وغيرهما (مضاعف) أي يكون له مثل ثواب ذلك العمل من الفطر مرتين أو أكثر {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} قال ابن الرفعة: وفيه دليل على مشروعية الصمت للصائم فهو رد على قول التنبيه: يكره له صمت يوم إلى الليل اه ونازعه الحافظ ابن حجر لأن الحديث مساق في أن أفعال الصائم كلها محبوبة إلا أن الصمت بخصوصه مطلوب فالحديث لا يفيد المقصد وفي البحر للروياني: جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان ولا أصل له في شرعنا بل في شرع من قبلنا
(أبو زكريا بن منده في أماليه فر عن ابن عمر) بن الخطاب رفعه وفيه شيبان بن فروخ قال أبو حاتم: يرى القدر اضطر إليه الناس بآخره والربيع بن بدر وهو ساقط قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره: متروك وقال ابن حجر في الفتح: في إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط(4/206)
5040 - (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) هذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله. قال علي كرم الله وجهه: لا يزهدك في المعروف كفر من كفر فقد يشكره الشاكر أضعاف جحود الكافر قال الماوردي: فينبغي لمن قدر على ابتداء المعروف أن يعجله حذرا من قوته ويبادر به خيفة عجزه ويعتقد أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه فكم من واثق بقدرة فاتت فأعقبت ندما ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلا ولو فطن لنوائب دهره وتحفظ من عواقب فكره لكانت مغارمه مدحورة ومغانمه محبورة وقيل: من أضاع الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها
(ك عن أنس) ثم قال الحاكم: هذا الحديث لم أكتبه إلا عن الصفار محمد وابنه من المصريين لم نعرفهما بجرح وآخر الحديث روى عن المنكدر عن أبيه عن جابر اه. قال الذهبي: وبهذا ونحوه انحطت رتبة هذا المصنف المسمى بالصحيح(4/206)
5041 - (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا) في رواية وصدقة السر (تطفئ غضب الرب) والسر ما لم يطلع [ص:207] عليه إلا الحق تعالى وذلك لأن إسراره دليل على إخلاصه لمشاهدة ربه وهي درجة الإحسان وفي القرآن {إن رحمة الله قريب من المحسنين} فبنور الإخلاص ورحمة الإحسان أطفأ نار الغضب (وصلة الرحم) بالتعهد والمراعاة والمواساة ونحو ذلك (زيادة في العمر وكل معروف) فعلته مع كبير أو صغير (صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة) يوم القيامة (أهل المعروف) قالوا: وهذا من جوامع الكلم قال الماوردي: وللمعروف شروط لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا معها فمنها ستره عن إذاعته وإخفاؤه عن إشاعته قال بعض الحكماء: إذا اصطنعت المعروف فاستره وإذا اصطنع إليك فانشره لما جبلت عليه النفوس من إظهار ما أخفى وإعلان ما كتم ومن شروطه تصغيره عن أن تراه مستكبرا وتقليله عن أن يكون عنده مستكثرا لئلا يصير مذلا بطرا أو مستطيلا أشرا قال العباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال تعجيله وتصغيره وستره ومنها مجانبة الامتنان به وترك الإعجاب بفعله لما فيه من إسقاط الشكر وإحباط الأجر ومنها أن لا يحتقر منه شيئا وإن كان قليلا نزرا إذا كان الكثير معوزا وكنت عنه عاجزا
(طس عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن الوليد ضعيف(4/206)
5042 - (صنفان) أي نوعان (من أمتي) أمة الإجابة ولفظ رواية ابن ماجه من هذه الأمة (ليس لهما في الإسلام نصيب) أي حظ كامل أو وافر (المرجئة) (1) بالهمز وبدونه وهم الجبرية القائلون بأن العبد لا يضره ذنب وأنه لا فعل له البتة وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى الجماد (والقدرية) بالتحريك المنكرون للقدر القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة بقدرهم ودواعيهم لا يتعلق بها بخصوصها قدرة الله. قال ابن العربي: عقب الحديث وهذا صحيح لأن القدرية أبطلت الشريعة. وقال النوربشتي: سميت المجبرة مرجئة لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر ذاهبين إلى الإفراط كما ذهبت القدرية إلى التفريط وكلا الفريقين على شفا جرف هار والقدرية إنما نسبوا إلى القدر وهو ما يقدره الله بزعمهم أن كل عبد خالق فعله من كفر ومعصية ونفوا أن ذلك بتقديره الله وربما تمسك بهذا الحديث ونحوه من يكفر الفريقين. قال: والصواب عدم تكفير أهل الأهواء المتأولين لأنهم لم يقصدوا اختيار الكفر بل بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم غير ما زعموه فهم كالمجتهد المخطئ هذا الذي عليه محققو علماء الأمة فيجري قوله لا نصيب لهم مجرى الاتساع في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام كقولك البخيل ليس له من ماله نصيب أو يحمل على من أتاه من البيان ما ينقطع العذر دونه فأفضت به العصبية إلى تكذيب ما ورد فيه من النصوص أو على تكفير من خالفه فمن كفرنا كفرناه
(تخ ت هـ عن ابن عباس) قال الترمذي: غريب قال الذهبي: هو من حديث ابن نزار عن ابن حبان عن عكرمة عن ابن عباس ونزار تكلم فيه ابن حبان وابنه ضعيف [ص:208] وقد تابعه غيره من الضعفاء (هـ عن جابر) بن عبد الله لكن بلفظ أهل الإرجاء وأهل القدر وفيه نزار المذكور (خط) في ترجمة محمد بن الصباح (عن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن أبي سعيد) رمز المصنف لحسنه وقضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وليس كذلك فإنه عقبه بما نصه: هذا حديث منكر من هذا الوجه جدا كالموضوع وإنما يرويه علي بن نزار شيخ ضعيف واهي الحديث عن ابن عباس إلى هنا كلامه. وقال غيره: فيه إبراهيم بن زيد الأسلمي قال في اللسان عن الدارقطني: متروك الحديث وعن ابن حبان منكر الحديث جدا يروى عن مالك لا أصل له وقال أبو نعيم: يحدث عن مالك وابن لهيعة بالموضوعات اه قال العلائي: والحق أنه ضعيف لا موضوع
_________
(1) قال في النهاية: المرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم والمرجئة تهمز ولا تهمز وكلاهما بمعنى التأخير(4/207)
5043 - (صنفان) أي نوعان (من أمتي لا) وفي رواية لن (تنالهما شفاعتي إمام) أي سلطان (ظلوم) أي كثير الظلم للرعية (غشوم) أي جاف غليظ قاسي القلب ذو عنف وشدة (وكل غال) في الدين (مارق) منه زاد مخرجه الطبراني في رواية تشهد عليهم وتتبرأ منهم وأخذ الذهبي من هذا الوعيد أن الظلم والغلو من الكبائر فعدهما منها
(طب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات ورواه عنه الديلمي أيضا قال: وفي الباب معقل بن يسار(4/208)
5044 - (صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة المرجئة) بالهمز دونه: القائلون بالجبر الصرف المنكرون للتكليف من الإرجاء وهو التأخير سموا به لأنهم أخروا أمر الله ولم يعتبروه وقيل: هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل فيؤخرون العمل عن القول قال الطيبي: وهذا غلط منهم لأنا وجدنا أكثر أهل الملل والنحل ذكروا أن المرجئة هم الجبرية القائلون إن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجماد فالجبرية خلاف القدرية وبعض القدرية ألحقوا هذا النبز بالسلف ظلما وعدوانا وسميت المرجئة مجبرة لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر وهم يذهبون في ذلك إلى الإفراط كما تذهب القدرية إلى التفريط وكلاهما على شفا جرف هار ولهذا قال (والقدرية) نسبوا إلى القدر لأن بدعتهم نشأت من القول بالقدر وزاد الجوزقاني في روايته قيل فمن المرجئة قال قوم يكونون في آخر الزمان إذا سئلوا عن الإيمان يقولون نحن مؤمنون إن شاء الله تعالى وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر والجواب أنا لم نثبت هذا من طريق القياس حتى تقابلونا بدعواكم هذه بل أخذناه من نصوص صحيحة كقوله {إنا كل شيء خلقناه بقدر}
(حل عن أنس) بن مالك (طس عن وائلة) بن الأسقع قال الهيثمي: وفيه محمد بن محصن متروك (وعن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: وفيه يحيى بن كثير السقاء وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوعات(4/208)
5045 - (صنفان من أهل النار) أي نار جهنم (لم أرهما) أي لم يوجدا في عصري لطهارة ذلك العصر بل حدثا (بعد) بالبناء على الضم أي حدثا بعد ذلك العصر (قوم) أي أحدهما قوم (معهم) أي في أيديهم (سياط) جمع سوط (كأذناب البقر) تسمى في ديار العرب بالمقارع جمع مقرعة وهي جلد طرفها مشدود عرضها كالأصبع (يضربون بها الناس) ممن اتهم بنحو سرقة ليصدق في إخباره بما سرق ويتضمن ذلك أن ذينك الصنفين سيوجدان وكذلك كان فإنه [ص:209] خلف بعد الصدر الأول قوم يلازمون السياط التي لا يجوز الضرب بها في الحدود قصدا لتعذيب الناس وهم أعوان والي الشرطة المعروفون بالجلادين فإذا أمروا بالضرب تعدوا المشروع في الصفة والمقدار وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من المظالم إلى إهلاك المضروب أو تعظيم عذابه وقد ضاهى أعوان الوالي جماعة من الناس سيما في شأن الأرقاء وربما فعل ذلك في عصرنا بعض من ينسب إلى العلم. قال القرطبي: وبالجملة هم سخط الله عاقب الله بهم شرار خلقه غالبا نعوذ بالله من سخطه وقيل: المراد بهم في الخبر الطوافون على أبواب الظلمة ومعهم المقارع يطردون بها الناس (ونساء) أي وثانيهما نساء (كاسيات) في الحقيقة (عاريات) في المعنى لأنهن يلبسن ثيابا رقاقا يصف البشرة أو كاسيات من لباس الزينة عاريات من لباس التقوى أو كاسيات من نعم الله عاريات من شكرها أو كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهارا للجمال (1) ولا بعد كما قال القرطبي في إرادة القدر المشترك بينها إذ كل منها عرف وإنما يختلفان بالإضافة (مائلات) بالهمز من الميل أي زائغات عن الطاعة (2) وقول بعضهم الرواية مائلات بمثلثة أي منتصبات خطأ فيه القرطبي كابن دحية (مميلات) يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن أو مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن أو مائلات يتمشطن المشطة الميلاء مشطة البغايا مميلات يرغبن غيرهن في تلك المشطة ويفعلنها بهن أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن وما ذكر هنا من تقديم مائلات هو ما في كثير من الروايات لكن في مسلم تقديم مميلات قال القرطبي: كذا جاء في الروايات وحق مائلات أن يتقدم لأن ميلهن في أنفسهن متقدم الوجود على إمالتهن وصح ذلك لأن الصفات المجتمعة لا يلزم ترتبها ألا ترى أنها تعطف بالواو وهي جامعة لا مرتبة (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) أي يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم (3) التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل (4) (لا يدخلن الجنة) مع الفائزين السابقين أو مطلقا إن استحللن ذلك وذا من معجزاته فقد كان ذلك سيما في نساء علماء زماننا فإنهن لم يزلن في ازدياد من تعظيم رؤوسهن حتى صارت كالعمائم وكلما فعلن ذلك تأسى بهن نساء البلد فيزدن نساء العلماء لئلا يساووهن فخرا وكبرا (ولا يجدن ريحها) أي الجنة (وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) كناية عن خمس مئة عام أي يوجد من مسيرة خمس مئة عام كما جاء مفسرا في رواية أخرى
(حم م) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري
_________
(1) [ولا يمنع قصد جميع المعاني هنا وفيما بعده حيث يناسب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1166 وغيره: أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا. دار الحديث]
(2) [أو مائلات حقيقة من التمايل كما هو الحال في عصرنا. دار الحديث]
(3) [أو بأزياء الشعر التي ظهرت في قرننا. دار الحديث]
(4) [أسنمة الإبل: أي القمم على ظهورها. وهذا حكمه حكم التجمل العادي فالمقصود هنا اللاتي يبدين ذلك لمن لا يحل له رؤيته أما إذا لم يرتكب من تجمل المرأة محظور فهو مباح أو سنة بحسب الظروف. دار الحديث](4/208)
5046 - (صنفان من أمتي لا يردان على الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية والمرجئة) قد علمت تأويله فيما تقرر فيما قبله
(طس عن أنس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن هارون القروي وهو ثقة(4/209)
5047 - (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء) فبصلاحهما صلاح الناس وبفسادهما فساد الناس فالعالم يقتدي الناس به في أفعاله وأقواله إن خيرا فخير وإن شرا فشر والأمير يحمل الناس على ما يصلحهم أو يفسدهم ولا يمكن مخالفته
(حل) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن عبد البر. قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف(4/209)
[ص:210] 5048 - (صوت أبي طلحة) زيد بن سهل الأسود الأنصاري الخزرجي البخاري العقبي البدري (في الجيش خير من ألف رجل) إنما قال في الجيش ليشعر بأن غلظة الصوت في غير المعارك غير محمود لقوله سبحانه {واغضض من صوتك} قال في الفردوس: كان أبو طلحة إذا كان في الجيش جثى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ونشر كنانته ويقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء رواه ابن منيع انتهى
(سمويه عن أنس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع وغيرهما(4/210)
5049 - (صوت الديك وضربه بجناحيه ركوعه وسجوده) أي أن ذلك بمنزلة الصلاة في حقه وتمامه ثم تلي أي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الآية
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في كتاب العظمة عن أبي هريرة ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) رواه عنها أيضا أبو نعيم والديلمي(4/210)
5050 - (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة) هو الآلة التي يرمز بها بكسر الميم قال الشارح: والمراد هنا الغناء لا القصبة التي يرمز بها كما دل عليه كلام كثير من الشراح (ورنة) أي صيحة (عند مصيبة) قال القشيري: مفهوم الخطاب يقتضي إباحة غير هذا في غير هذه الأحوال وإلا لبطل التخصيص انتهى وعاكسه القرطبي كابن تيمية فقالا: بل فيه دلالة على تحريم الغناء فإن المزمار هو نفس صوت الإنسان يسمى مزمارا كما في قوله لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود انتهى وأقول: هذا التقرير كله بناء على أن قوله نغمة بغين معجمة وهو مسلم إن ساعدته الرواية فإن لم يرد في تعيينه رواية فالظاهر أنه بعين مهملة وهو الملائم للسياق بدليل قرنه بالمصيبة
(البزار) في مسنده (والضياء) في المختارة (عن أنس) قال المنذري: رواته ثقات وقال الهيثمي: رجاله ثقات(4/210)
5051 - (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين والثاني كفارة سنتين والثالث كفارة سنة ثم كل يوم شهرا) أي صوم كل يوم من أيامه الباقية بعد الثلاث يكفر شهرا <تنبيه> قال الحرالي: الصوم الثبات على تماسك عما من شأن الشيء أن يتصرف فيه ويكون شأنه كالشمس في وسط السماء يقال صامت الشمس إذا لم يظهر لها حركة لصعود ولا نزول التي هي من شأنها وصامت الخيل إذا لم تزل غير مركوضة ولا مركوبة فتماسك المرء عما من شأنه فعله من حفظ بدنه بالتغذي ولنسله بالنكاح وخوضه في زور القول وسوء الفعل هو صومه وفي الصوم خلاء من الطعام وانصراف عن حال الأنعام وانقطاع شهوة الفرج وتمامه الإعراض عن أشغال الدنيا والتوجه إلى الله والعكوف في بيته ليحصل بذلك ينبوع الحكمة من القلب
(أبو محمد الخلال في فضائل رجب عن ابن عباس) حديث ضعيف جدا قال ابن الصلاح وغيره: لم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب وأصل الصوم مندوب في رجب وغيره وقال ابن رجب: لم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه. قال المصنف: وأمثل ما ورد في صومه [ص:211] خبر البيهقي في الشعب في الجنة قصر لصوام رجب(4/210)
5052 - (صوم ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر وإفطاره) أي بمنزلة صومه وإفطاره كما مر توجيهه وتمسك به من قال بعدم كراهة صوم الدهر كله وبخبر " صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس فإذن قد صمت الدهر " وقوله " من أفطر العيدين وأيام التشريق ما صام الدهر " ورد أن ذلك كله مجازات لحقيقة واحدة صوم الأيام كلها إلا ما حرم الشرع
(حم م) في الصوم (عن أبي قتادة) ولم يخرجه البخاري(4/211)
5053 - (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر)
(حم هق عن أبي هريرة)(4/211)
5054 - (صوم شهر الصبر) هو رمضان لما فيه من الصبر على الإمساك عن المفطرات (وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر) محركا غشيه أو حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين أو العداوة أو أشد الغضب قال بعضهم: وإنما شرع الصوم كسرا لشهوات النفوس وقطعا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء فإنهم لو داموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء وقطعتهم عن الله والصوم بقطع أسباب التعبد لغيره ويورث الحرية من الرق للمشتبهات لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء ولا تملكه لأنه خليفة الله في ملكه فإذا ملكته فقد قلب الحكمة وصير الفاضل مفضولا والأعلى أسفل {أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين} والهوى إله معبود والصوم يورث قطع أسباب التعبد لغيره. <فائدة> قال القونوي في شرح التعرف: من خصائص هذه الأمة شهر رمضان وأن الشياطين تصفد فيه وأن الجنة تزين فيه وأن خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك وتستغفر له الملائكة حتى يفطر ويغفر له في آخر ليلة منه
(البزار) في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين (وعن ابن عباس) ترجمان القرآن (البغوي) في المعجم (والباوردي طب عن النمر بن تولب) بمثناة ثم موحدة العكلى صحابي له حديث قال في التقريب: وهو غير النمر بن تولب الشاعر المشهور على الصحيح وقال الذهبي: يقال له وفادة رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من هؤلاء ولا أحق بالعزو مع أن أحمد خرجه في المسند باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح وكذا رجال البزار وأما طريق الطبراني ففيه مجهول فإنه قال: حدثنا رجل من عكل(4/211)
5055 - (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية) يعني التي هو فيها (ومستقبلة) أي التي بعده يعني يكفر ذنوب صائمه في السنتين والمراد الصغائر فإن قيل: كيف يكفر ذنوب السنة التي بعده؟ قيل: يكفرها الصوم السابق كما يكفر ما قبله (وصوم عاشوراء) بالمد فاعولاء (يكفر سنة ماضية) لأن يوم عرفة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويوم عاشوراء سنة موسى فجعل سنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تضاعف على سنة موسى في الأجر
(حم م د عن أبي قتادة الأنصاري)(4/211)
5056 - (صوم يوم التروية كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين) على ما تقرر <فائدة> ذكر القونوي في شرح التعرف [ص:212] أن نبينا صلى الله عليه وسلم خص بيوم عرفة وبجعل صومه كفارة سنتين لأنه سنته وصوم عاشوراء كفارة سنة لأنه سنة موسى
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) على الأعمال (وابن النجار) في تاريخه (عن ابن عباس)(4/211)
5057 - (صوم يوم عرفة) لغير حاج ومسافر (كفارة السنة الماضية والسنة المستقبلة) وآخر الأولى سلخ ذي الحجة وأول الثانية أول المحرم الذي يلي ذلك حملا لخطاب الشارع على عرفة في السنة وهو ما ذكروا لمكفر الصغائر الواقعة في السنتين فإن لم يكن له صغائر رفعت درجته أو وقي اقترافها أو استكثارها وقول مجلى تخصيص الصغائر تحكم ردوه وإن سبقه إلى مثله ابن المنذر بأنه إجماع أهل السنة وكذا يقال فيما ورد في الحج وغيره لذلك المستند لتصريح الأحاديث بذلك في كثير من الأعمال المكفرة بأنه يشترط في تكفيرها اجتناب الكبائر وحديث تكفير الحج للتبعات ضعيف عند الحفاظ أما الحاج فيسن له فطره وكذا المسافر لأدلة أخرى
(طس) من رواية الحجاج بن أرطاة عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري قال الزين العراقي: ورواه سليم الرازي في الترغيب والترهيب من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عياض بن عبد الله بن سعد عن أبي سعيد وأبو فروة ضعيف وقد رواه ابن ماجه من هذا الوجه فقال: عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان(4/212)
5058 - (صومكم) أيها الأمة المحمدية (يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون) وفي رواية للدارقطني الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون أخذ منه الحنفية أن المنفرد برؤية الهلال إذا رده الحاكم لا يلزمه الصوم فإن أفطر بجماع فلا كفارة عليه وحمله الباقون على من لم يره جمعا بين الأخبار وأشار بإضافته الصوم والأضحى إلى هذه الأمة إلى أنه من خصائصهم على الأمم السالفة وقد صرح بذلك جمع كما مر ويجيء
(هق عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وهو مزيف فقد قال الذهبي في المهذب: فيه الواقدي الواهي وقال في الميزان: عن أحمد هو كذاب يقلب الأخبار وعن ابن المديني يضع ثم ساق له هذا الخبر قال أعني الذهبي: ورواه الدارقطني هكذا من طريقين ثم قال: فيهما الواقدي ضعيف ورواه الترمذي من طريق آخر غريب(4/212)
5059 - (صوما) خطابا لعائشة وحفصة زوجتيه (فإن الصيام جنة) أي وقاية (من النار) لصاحبه لأنه يقيه ما يؤذيه من الشهوات (ومن بوائق الدهر) أي غوائله وشروره ودواهيه وفي إشارته لمح إلى ما يعان به الصائم من سد أبواب النيران وفتح أبواب الجنان وتصفيد الشيطان. كل ذلك بما يضيق من مجاري الشيطان من الدم الذي ينقصه الصوم فكان فيه مفتاح الهدى كله وإذا كان هدى للناس كان للذين آمنوا أهدى
(ابن النجار) في تاريخه (عن أبي مليكة) أبو مليكة في الصحابة بلوي وقرشي وتيمي وكندي فكان ينبغي تمييزه وقضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحمد من الستة وليس كذلك بل رواه النسائي عن عائشة وابن عباس قال عبد الحق: وفيه خطاب ابن القاسم عن حصين قال النسائي: حديثه منكر(4/212)
5060 - (صوموا تصحوا) قال الحرالي: فيه إشعار بأن الصائم يناله من الخير في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة ففيه صحة للبدن والعقل بالتهيئة للتدبر والفهم وانكسار النفس إلى رتبة المؤمنين والترقي إلى رتبة المحسنين وللمؤمن غذاء في صومه من بركة ربه بحكم يقينه فيما لا يصل إليه من لم يصل إلى محله فعلى قدر ما يستمد [ص:213] بواطن الناس من ظواهرهم يستمد ظاهر المؤمن من باطنه حتى يقوى في أعضائه بمدد نور باطنه كما ظهر ذلك في أهل الولاية والديانة وفي الصوم غذاء للقلب كما يغذي الطعام الجسم ولذلك أجمع مجربة أعمال الديانة من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه على أن مفتاح الهدى والصحة الجوع لأن الأعضاء إذا وهنت لله نور الله القلب وصفى النفس وقوي الجسم ليظهر من أمر الإيمان بقلب العادة جديد عادة هي لأوليائه أجل في القوى من عادته في الدنيا لعامة خلقه
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: كلاهما سنده ضعيف(4/212)
5061 - (صوموا الشهر) يعني أوله والعرب تسمي الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أي الهلال (وسرره) بفتحات أي آخره كما صوبه الخطابي وغيره وجرى عليه النووي فقال: سرار الشهر بالفتح وبالكسر وكذا سرره آخر ليلة يستتر الهلال بنور الشمس وقال البيضاوي: سر الشهر وسرره آخره سمي به لاستسرار القمر فيه وحمل على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المخاطب نذر صومه واعتاد صيام سرر الشهر فأمره بالقضاء بعد عيد الفطر وخص النهي بخبر لا تقدموا شهر رمضان بصيام يوم أو يومين ممن يبتدئ به من غير إيجاب ولا اعتياد توفيقا بينهما وقيل: المراد به البيض فإن سر الشيء وسطه وجوفه ومنه السرة وأيد بندب صيام أيام البيض ولم يرد في صوم آخر الشهر ندب ويرد بأنه قد ورد ندب صوم الأيام السود وهو آخر أيام الشهر
(د عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه الديلمي أيضا(4/213)
5062 - (صوموا أيام البيض) أي أيام الليالي البيض (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة هن كنز الدهر) ولهذا كان بعض الوجهاء من الصحابة يقول أنا صائم ثم يرى يأكل في وقته فيقال له في ذلك فيقول صمت ثلاثة أيام من هذا الشهر فأنا صائم في فضل الله مفطر في ضيافة الله
(أبو ذر الهروي في جزئه من حديثه عن قتادة بن ملحان) بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة القيسي بن ثعلبة الذي مسح المصطفى صلى الله عليه وسلم رأسه ووجهه(4/213)
5063 - (صوموا من وضح إلى وضح) بمعجمة فمهملة محركتين أي من الهلال إلى الهلال قال أو زيد: الوضح الهلال وهو في الأصل للبياض ذكره الزمخشري ومن قال صوموا من الضوء إلى الضوء فقد أبعد وخالف ظاهر السياق كما ذكره ابن الأثير ومن زعم أن معناه من الفجر إلى الغروب فقد وهم وما علم أن تتمة الحديث عند مخرجه فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما
(طب) وكذا الخطيب (عن والد أبي المليح) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن سالم ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون(4/213)
5064 - (صوموا) أي انووا الصيام وبيتوا على ذلك أو صوموا إذا دخل وقت الصيام وهو من فجر الغد (لرؤيته) يعني الهلال وإن لم يسبق ذكره لدلالة السياق عليه (1) واللام للوقت أو بمعنى بعد أي لوقت رؤيته أو بعد رؤيته (وأفطروا) [ص:214] بقطع الهمزة (لرؤيته) يعني رؤية بعض المسلمين لا كلهم بل يكفي جميع الناس رؤية عدل واحد للصوم لا للفطر عند الشافعي (فإن غم عليكم) بالبناء للمفعول أي غطي الهلال بغيم من غممت الشيء غطيته وفيه ضمير يعود على الهلال ويجوز إسناده للجار والمجرور يعني إن كنتم مغموما عليكم وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه (فأكملوا) أي أتموا من الإكمال وهو بلوغ الشيء إلى غاية حدوده في قدر أو عد حسا أو معنى ذكره الحرالي (شعبان) أي عدد أيامه (ثلاثين) التي لا يمكن زيادة الشهر عليها قال ابن القيم وغيره: لا يناقضه خبر فإن غم عليكم فاقدروا له قدره فإن القدر هو الحساب المقدر والمراد به إكمال عدة الشهر الذي غم وقال النووي: معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين وزاد في رواية يوما بعد ثلاثين وفي إفهامه منع من تمادي الصوم ليلا الذي هو الوصال الذي يشعر بصحة رفع رتبة الصوم أي صوم الشهر الذي هو دورة القمر بقطع الفطر في ليلة وهو مذهب الشافعي وزعم أن ذا رخصة على الضعيف لا عزيمة على الصائم لا دليل عليه وأخذ ابن سريج من أئمة الشافعية من قوله هنا فأكملوا ومن قوله في خبر آخر فاقدروا بأنه يجوز الصوم بحساب النجوم للمنجم قال: فاقدروا للخواص وأكملوا للعوام لأن القمر يعرف وقوعه بعد الشمس بالحساب ورد بالمنع لأن الشرع علق الحكم بالرؤية فلا يقوم الحساب مقامه ولأنه إنما يعرف بالحساب موضعه من الارتفاع والانخفاض وأنه إنما يتم بالرؤية وسيره كل برج في أرجح من يومين وأقل من ثلاثة فلا ينضبط بطؤه وسرعته ولأنه يوجب تفاوت المكلفين في القدر والإكمال وأنه بعيد ولأنه لو جاز أو سن تعلمه على من يقوم بهم الحجة لأنه احتياط في العبادة كما أمرنا بإحصاء هلال شعبان لرمضان أو محمول على ما ذكر أو منسوخ بقوله فأكملوا وهو أولى من عكسه لكونه أثبت وأصرح وأخص
(ق ن) في الصوم (عن أبي هريرة ن عن ابن عباس طب عن البراء) بألفاظ متقاربة واللفظ للبخاري
_________
(1) قال النووي: المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم وأما في الفطر فلا يجوز شهادة عدل واحد عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل(4/213)
5065 - (صوموا لرؤيته) قال الطيبي: اللام للوقت كما في قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} أي وقت دلوكها (وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم) بضم المعجمة أي حال بينكم وبين الهلال غيم (فأتموا الثلاثين) إذ الأصل بقاء الشهر (فإن شهد شاهدان مسلمان) برؤية الهلال لرمضان وشوال (فصوموا وأفطروا) تمسك به من لم يوجب الصيام إلا بشاهدين قال الزمخشري: في غم ضمير للهلال أي إن غطي بغيم أو بغيره من غممت الشيء إذا غطيته ويجوز كونه مسندا إلى الظرف أي فإن كنتم مغموما عليكم فصوموا وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه كما تقول دفع إلى زيد إذا استغنى عن ذكر المدفوع <تنبيه> أخذ أحمد من الحديث أن شهادة الشاهد في الصحو لا تقبل بل يكمل العدد فإن غم يدل على وجود الغيم بمطلع الهلال ولقوله في الرواية الأخرى فاقدروا له قدره فإن قوله فاقدروا يدل على التضييق ولا يجوز حمله على قدر رمضان لأنه كامل فحمله عليه نسخ ولا على التدبير والتأمل لأنه لم يجيء له إلا مشدد العين ولا يجوز حمله على قوله إنا أمة أمية الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة يعني تسعة وعشرين ثم قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين يعني أن الشهر تام والشهر ناقص وقال الشهران لا ينقصان ورد الأول بأن المراد من غم ستر لون الهلال وسرعة دخوله في الشعاع أو الشك في العدد فإنه يقدر حينئذ ولا يلزم كون الضمير عائد إلى الهلال إذ المراد قدر رمضان وذلك باستكمال شعبان لقوله فأكملوا عدة شعبان ثلاثين لأنه ناقص وقدره يستلزم جعله ثمانية وعشرين ولا قائل به ونسخ فأكملوا الأصل عدمه والثاني بالمنع لوجوب حمله على قدر رمضان أنه بإكمال شعبان وإلا لزم كونه ثمانية وعشرين والثالث بالمنع لأنه جاء للتقدير والتدبر والتأمل والمثبت أولى والشهادة على العدم مردودة والرابع يحمل على إنا أمة أمية لأنه ناقص بيانا والخامس بأنه يدل [ص:215] على أن أحدهما ينقص أو يحمل على الغالب لأنه صلى الله عليه وسلم صام تسعة وعشرين أو على النواب أو إذا رأى قبل الإكمال والسادس بأنه حيث لا نص ثم دليلنا خير فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين
(حم ن عن رجال من الصحابة)(4/214)
5066 - (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) ولو بشهادة شاهد في صحو عند الشافعية (فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا عدة شعبان) ثلاثين (ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان) قال الحرالي: تأسيس رمضان على العدد ملجأ يرجع إليه عند إغماء الشهر فصار لهذه الأمة العدد في الصوم بمنزلة التيمم في الطهور يرجعون إليه عند ضرورة فقد هلال الرؤية كما يرجعون إلى الصعيد عند فقد الماء وقال ابن تيمية: أجمع المسلمون إلا من شذ من المتأخرين المخالفين المسبوقين بالإجماع على أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام الرؤية عند إمكانها لا بالكتاب والحساب الذي يسلكه الأعاجم من روم وفرس وهند وقبط وأهل كتاب وقد قيل إن أهل الكتاب أمروا بالرؤية لكنهم بدلوا
(حم ن هق عن ابن عباس)(4/215)
5067 - (صوموا يوم عاشوراء) فإن فضيلته عظيمة وحرمته قديمة (يوم كانت الأنبياء تصومه) فصوموه. قال ابن رجب: صامه نوح وموسى وغيرهما وقد كان أهل الكتاب يصومونه وكذا أهل الجاهلية فإن قريشا كانت تصومه ومن أعجب ما ورد أنه كان يصومه الوحش والهوام فقد أخرج الخطيب في التاريخ مرفوعا أن الصرد والطير صام عاشوراء قال ابن رجب: سنده غريب وقد روي ذلك عن أبي هريرة اه وروي عن الخليفة القادر بالله أنه كان يبعث الخبز للنمل كل يوم فنأكله إلا يوم عاشوراء
(ش عن أبي هريرة) رمز لصحته(4/215)
5068 - (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما) اتفقوا على ندب صومه. قال النووي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه بمكة فلما هاجروا وجد اليهود يصومونه فصامه بوحي أو اجتهاد لا بإخبارهم وقال ابن رجب: ويتحصل من الأخبار أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع حالات كان يصومه بمكة ولا يأمر بصومه فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه فصامه وأمر به وأكد فلما فرض رمضان ترك التأكيد ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوما آخر مخالفة لأهل الكتاب ولم يكن فرضا قط على الأرجح
(حم هق عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وهو غفول عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام كثير اه وفيه أيضا داود بن علي الهاشمي قال في الميزان: ليس بحجة ثم ساق له هذا الخبر(4/215)
5069 - (صوموا وأوفروا أشعاركم) أي أبقوها لتطول ولا تزيلوها (فإنها مجفرة) بفتح الميم والفاء بينهما جيم ساكنة بضبط المصنف أي مقطعة للنكاح ونقص للماء يقال جفر الفحل إذا أكثر الضراب وعدل عنه وتركه وانقطع ولا ينافيه الأمر بندب التزوج والجماع لإعفاف الزوجة وطلب الولد وسن إزالة شعر الإبط والعانة وما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنور لأن ما هنا في أعزب لا يندب له النكاح لكونه فاقد الأهبة وقد غلبت شهوته فيندب له كسر شهوته بالصوم وتوفير الشعر حذار من الوقوع في الزنا. (1)
(د في مراسيله عن الحسن مرسلا) هو البصري
_________
(1) [ولا يخفى أن إطالة الشعر للشباب تقليدا للأجانب والكفار هو غير ما ذكر في هذا الحديث فالناقد بصير لا يخفى عليه هاجس ضمير وإنما الأعمال بالنيات ومن تشبه بقوم كان منهم. دار الحديث](4/215)
[ص:216] 5070 - (صومي عن أختك) ما لزمها من صوم رمضان وماتت ولم تقضه ففيه أن للقريب أن يصوم عن قريبه الميت ولو بلا إذن أما الحي فلا يصام عنه
(الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته(4/216)
5071 - (صلاة الأبرار) (1) لفظ هذه الرواية كما حكاه المؤلف في مختصر الموضوعات وكذا غيره صلاة الأوابين وصلاة الأبرار (ركعتان إذا دخلت بيتك وركعتان إذا خرجت) من بيتك أي من محل إقامتك بيتا أو غيره فهاتان الركعتان سنة للدخول والخروج (2)
(ابن المبارك ص) عن الوليد بن مسلم الأوزاعي (عن عثمان بن أبي سودة مرسلا) هو المقدسي تابعي قال الأوزاعي: أدرك عبادة وهو مولاه وفي التقريب: ثقة
_________
(1) جمع بر كأرباب وفي لباب التفسير للكرماني جمع بار وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم المخلصون المطيعون لربهم قال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر وقيل: هم الذين صدقوا فيما وعدوا والبر الصدق وقيل: هم المؤمنون المحسنون بالإخلاص والبر الإحسان
(2) أي كلما دخل وكلما خرج ويحتمل تخصيصه بإرادة السفر والرجوع منه(4/216)
5072 - (صلاة الأوابين) بالتشديد أي الرجاعين إلى الله بالتوبة والإخلاص في الطاعة وترك متابعة الهوى (حين ترمض) بفتح التاء والميم وفي رواية لمسلم إذا رمضت (الفصال) أي حين تصيبها الرمضاء فتحرق أخفافها لشدة الحر فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد حر الرمضاء فتحرق أخفاف الفصال لمماستها وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إلى الأوابين لأن النفس تركن فيه إلى الدعة والاستراحة فصرفها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوع من مراد النفس إلى مرضاة الرب ذكره القاضي. وقال ابن الأثير: المراد صلاة الضحى عند الارتفاع واشتداد الحر واستدل به على فضل تأخير الضحى إلى شدة الحر
(حم م عن زيد بن أرقم) قال القاسم الشيباني: رأى زيد بن الأرقم قوما يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وفي رواية له أيضا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون فذكره (عبد) بغير إضافة (بن حميد وسمويه عن عبد الله بن أبي أوفى) ولم يخرجه البخاري(4/216)
5073 - (صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم) أي أجر صلاة النفل من قعود مع القدرة على القيام نصف أجر صلاته من قيام وصلاة النائم أي المضطجع على النصف من صلاة القاعد ومحله في القادر وفي غير نبينا صلى الله عليه وسلم إذ من خصائصه أن تطوعه غير قائم كهو قائما لأنه مأمون الكسل
(حم م عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح انتهى وقضية تصرف المصنف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه ولا كذلك بل هو في البخاري بلفظ صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ومن ثم اتجه رمز المصنف لصحته(4/216)
5074 - (صلاة الجماعة) هم العدد من الناس يجتمعون يقع على الذكور والإناث أي الصلاة فيها (تفضل) بفتح أوله [ص:217] وسكون الفاء وضم الضاد (صلاة الفذ) بفتح الفاء وشد الذال المعجمة الفرد أي تزيد على صلاة المنفرد (بسبع وعشرين درجة) أي مرتبة والمعنى أن صلاة الواحد في جماعة يزيد ثوابها على ثواب صلاته وحده سبعا وعشرين ضعفا وقيل: المعنى إن صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة وعلى الأول كأن الصلاتين انتهتا إلى مرتبة من النواب فوقفت صلاة الفذ عندها وتجاوزتها صلاة الجماعة بسبع وعشرين ضعفا قال الرافعي: وعبر بدرجة دون نحو جزء أو نصيب لإرادته أن الثواب من جهة العلة والارتفاع وأن تلك فوق هذه بكذا كذا درجة نعم ورد التعبير بالجزء في رواية ثم إن سر التقييد بالعدد لا يوقف عليه إلا بنور النبوة والاحتمالات في هذا المقام كثيرة منها أن الفروض خمسة فأريد التكثر عليها بتضعيفها بعدد نفسها فيها ولا ينافيه اختلاف العدد في ذكر الروايات لأن القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد غير معتبر حيث لا قرينة أو أنه أعلم بالقليل ثم بالكثير ومثل ذلك لا يتوقف على معرفة التاريخ لأن الفضائل لا تنسخ أو هو مختلف باختلاف الصلوات أو المصلين هيئة وخشوعا وكثرة جماعة وشرف بقعة وغيرها أو أن الأعلى للصلاة الجهرية والأقل للسرية لنقصها عنها باعتبار استماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه أو أن الأكثر لمن أدرك الصلاة كلها في جماعة والأقل لمن أدرك بعضها وكيفما كان فيه حث على الصلاة في الجماعة المشروعة وهي فرض كفاية في المكتوبة على الأصح
(مالك حم ق) في الصلاة (ت ن هـ عن ابن عمر)(4/216)
5075 - (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ) قال القاضي: الفذ الفرد وأول سهام القداح فذ وشاة منفذة تلد واحدا واحدا فإذا اعتادت ذلك سميت منفاذا (بخمس وعشرين درجة) أفاد أن الجماعة غير شرط في صحة صلاة الفذ لما في صيغة أفضل من اقتضاء الاشتراك والتفاضل والباطل لا فضيلة فيه وأن أقل الجمع اثنان وحمل المنفرد على غير المعذور منع بأن قوله صلاة الفذ صيغة عموم فيشمل المصلي منفردا لعذر أو غيره. قال ابن سراقة: من خصائصنا الجماعة والجمعة وصلاة الليل والعيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر وصلاة الضحى
(حم خ هـ عن أبي سعيد)(4/217)
5076 - (صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ) لأن عظم الجمع واجتماع الهمم وتساعد القلوب أسباب نصبها الله مقتضية لحصول الخير ونزول غيث الرحمة كما أن نصب سائر الأسباب مفضية إلى مسبباتها. قال القاضي: والحديث دليل على أن الجماعة غير شرط للصلاة وإلا لم تكن صلاة الفذ ذات درجة حتى تفضل عليها صلاة الجماعة بدرجات والتمسك به على عدم وجوبها ضعيف إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها ولا من جعلها سببا لإحراز الفضل الوجوب فإن غير الواجب أيضا يوجب الفضل اه. <تنبيه> قال ابن حجر: جاء عن بعض الصحب قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام قال: وهو الراجح في نظري
(م عن أبي هريرة)(4/217)
5077 - (صلاة الرجل) ومثله المرأة حيث شرع لها الخروج إلى الجماعة لأن وصف الرجولية بالنسبة لثواب الأعمال معتبر شرعا وأل فيه ليست لتعريف الماهية المعلوم من حيث المعنى (في جماعة) في رواية في الجماعة (تزيد) في رواية البخاري تضعف أي تزاد (على صلاته في بيته وصلاته في سوقه) منفردا (خمسا) وفي رواية بضعا (وعشرين درجة) وفي رواية بدله ضعفا وأخرى جزءا وفي رواية خمس وعشرين قال الزركشي: كذا وقع في الصحيحين بخفض خمس بتقدير الباء وأصله بخمس قال الطيبي: صلاة الرجل مبتدأ والمضاف محذوف أي ثواب صلاته والضمير في تزيد راجع إليه وفي تخصيص ذكر السوق والبيت إشعار بأن مضاعفة الثواب على غيرها من الأماكن التي لم يلزمه لزومها لم تكن أكثر مضاعفة منهما اه. وقضية الحديث أن الصلاة بالمسجد جماعة تزيد على بيته وسوقه جماعة وفرادى. قال ابن دقيق العيد:
[ص:218] والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا قال: وبه يرتفع استشكال تسوية الصلاة في البيت والسوق وقال ابن حجر: لا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد كون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم كون الصلاة جماعة في بيت أو سوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف المذكور يختص بالجماعة في مسجد والصلاة بالبيت مطلقا أولى منها بالسوق لأن الأسواق محل الشياطين والصلاة جماعة ببيت أو سوق أفضل من الانفراد (وذلك) أي التضعيف المذكور سببه (أن أحدكم) وفي رواية أحدهم (إذا توضأ) فالأمور المذكورة علة للتضعيف وسبب له وإذا كان كذلك فما ترتب على متعدد لا يوجد بوجود بعضه إلا إذا دل دليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو مقصودا لذاته (فأحسن الوضوء) بأن أتى بواجباته ومندوباته (ثم أتى المسجد) في رواية للبخاري ثم خرج إلى المسجد وظاهره عدم التقييد بالفورية فلا يضر التراخي ولو لعذر (لا يريد إلا الصلاة) أي إلا قصد الصلاة المكتوبة في جماعة وظاهره ونصه اشتراط أن يخرج لها لا لغيرها فلو خرج لها ولعبادة كعيادة لم ينل الفضل المذكور وهو كمن حج لنسك ونحو تجارة وفيه كلام معروف وإسناد الفعل للصلاة وجعلها هي المخرجة كأنه لفرط محافظته لها ورجائه ثوابها (لم يخط) بفتح الياء وضم الطاء (خطوة) بضم أوله وتفتح قال في الصحاح: بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري بأنها هنا بالفتح وقال القرطبي: هي في رواية مسلم بالضم (إلا رفعه الله بها) بالخطوة (درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في صلاة) أي في حكمها فهو مجاز إذ الصلاة لا تكون ظرفا له حقيقة فكيف بمن في حكمه كذا قرره بعضهم وليس تقريره بمرضي وإنما الوجه ما سلكه الحافظ ابن حجر من قوله في صلاة أي في ثواب صلاة لا في حكمها لحل الكلام وغيره مما منع في الصلاة له (ما كانت) وفي رواية للبخاري ما دامت (الصلاة تحبسه) أي تمنعه من الخروج من المسجد (وتصلي الملائكة) الحفظة فقط أو هم وغيرهم (عليه) أي تستغفر له (ما دام في مجلسه) ما مصدرية ظرفية أي مدة دوام جلوسه في المحل (الذي يصلي فيه) أي المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد قال ابن حجر: ولعله للغالب فلو قام لبقعة أخرى منه ناويا انتظار الصلاة كان كذلك قال: ويؤخذ من قوله الذي صلى فيه أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى وتتقيد الصلاة الأولى بكونها مجزئة (يقولون اللهم اغفر له) جملة مبينة لقوله تصلي عليه وهو أفخم من لو قيل ابتداء لا تزال الملائكة تقول اللهم صل عليه للإبهام والتبيين (اللهم ارحمه) طلبت له الرحمة من الله بعد طلب الغفران لأن صلاة الملائكة على الآدمي استغفار له (اللهم تب عليه) أي وفقه للتوبة وتقبلها منه وهذا موافق لقوله {ويستغفرون لمن في الأرض} قيل: وسره أنهم يطلعون على أفعال الآدميين وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فإن فرض أن فيهم من حفظ عوض من المغفرة بمقابلها من الثواب ويستمر هذا شأنه (ما لم يؤذ فيه) أحدا من الخلق بيد أو لسان فإنه كالحديث المعنوي ومن ثم اتبعه بالحدث الظاهري فقال: (أو يحدث فيه) بالتخفيف من الحدث قال التوربشتي: وأخطأ من شدد قال ابن بطال: المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن تجنب حدث اليد واللسان بالأولى لأنهما أشد إيذاء وفي رواية للشيخين بدل قوله لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة أي لا يخرجه وينهضه
[ص:219] إلا إياها واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات وصالحي البشر على الملائكة <تنبيه> قال في الفتح: هذا الحديث قد تمسك به من ذهب إلى عدم وجوب الجماعة وأنها سنة فقط لاقتضائه ثبوت صحة ما في البيت إلى الصحة والفضيلة بلا جماعة وجوابه أنه لا يستلزم أكثر من ثبوت صحة ما في البيت والسوق في الجملة بلا جماعة ولا ريب فيه إذا فاتت الجماعة فالمعنى صلاة الجمعة أفضل من صلاته في بيته فيما يصح فيه ولو كان مقتضاه الصحة مطلقا بلا جماعة لم يدل على ندبها لجواز أن الجماعة ليست من أفعال الصلاة فيكون تركها مؤثما لا مفسدا
(حم ق د هـ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أن كلا منهم روى الحديث كله هكذا وليس كذلك بل قوله اللهم تب عليه ليس عند الشيخين بل هو لابن ماجه كما ذكره القسطلاني(4/217)
5078 - (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة فإذا صلاها بأرض فلاة) أي في جماعة كما يشير إليه السياق (فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة) قال ابن حجر: كأن سره أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة قال أبو زرعة: هو حجة على مالك في ذهابه إلى أنه لا فضل لجماعة على جماعة وتعلقه بأنه جعل في الخبر السابق الجماعات كلها بخمس أو سبع وعشرين فاقتضى تساوي الجماعات لا ينهض لأن أقل ما تحصل به الجماعة محصل للتضعيف ولا مانع من تضعيف آخر من نحو كثرة جماعة أو شرف بقعة أو نحوه
(عبد بن حميد ع حب ك عن أبي سعيد)(4/219)
5079 - (صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع (1) فيه الناس) أي الجمعة (بخمس مئة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسة آلاف صلاة وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة) قال ابن حجر: أخذ منه بعض الصحب قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام الذي يصلي فيه القبائل ومذهب الشافعي كما في المجموع أن من صلى في عشرة فله خمس أو سبع وعشرون درجة وكذلك من صلى مع اثنين لكن صلاة الأول أكمل
(هـ) من حديث زريق الألهاني (عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح قال ابن حبان: زريق ينفرد بالأشياء التي لا تشبه حديث الأثبات لا يحتج بما تفرد به وقال ابن حجر: سنده ضعيف
_________
(1) بضم أوله وشدة الميم مكسورة أي يقيمون الجمعة وفي نسخ حذف الناس وضبط بفتح الميم وهو أوضح أي تقام فيه الجمعة(4/219)
5080 - (صلاة الرجل) القادر النفل (قاعدا نصف الصلاة) أي له نصف ثواب الصلاة قائما إن قدر فالصلاة صحيحة والأجر ناقص أما العاجز فصلاته قاعدا كهي قائما وأما الفرض فلا يصح من قعود مع القدرة (ولكني لست كأحد منكم) أي ممن لا عذر له ولفظ حديث مسلم عن ابن عمر حدثت أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعدا نصف صلاة [ص:220] القائم فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضعت يدي على رأسه فقال: مالك فقلت: حدثت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على النصف من صلاة القائم وأنت تصلي قاعدا فقال: أجل ولكني لست كأحد منكم اه فاختصره المؤلف على ما ترى قال الزين العراقي وتبعه المؤلف وابن حجر: وهذا مبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح وقد عد الشافعية من خصائصه هذه المسألة ولم يبين كيفية القعود ويؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وهو قضية كلام الشافعي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل مفترشا وصححه الرافعي وقيل متوركا
(م د ن عن ابن عمرو) بن العاص(4/219)
5081 - (صلاة الرجل) النفل (قائما أفضل من صلاته قاعدا وصلاته) إياه (قاعدا على النصف من صلاته قائما وصلاته نائما) بالنون اسم فاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما فسره به البخاري وأحمد بن خالد الذهبي فزعم ابن بطال أن نائما غلط وأن الرواية بإيماء على أنه جارا ومجرور هو الغلط (على النصف من صلاته قاعدا) قال ابن عبد البر وابن بطال: الجمهور لا يجيزون النفل مضطجعا فإن أجازه أحد مع القدرة فهو حجة له وإلا فالحديث غلط أو منسوخ وقال الخطابي: لا أحفظ عن أحد أنه أجاز النفل نائما كقاعدا اه. قال الزين العراقي: وهو مردود فقد حكى عياض في الإكمال ثلاثة أقوال وقال ابن حجر: هو مردود فقد حكى الترمذي عن الحسين جواز النفل مضطجعا وهو الأصح عند الشافعية لكن يلزم القادر الإتيان بالركوع والسجود حقيقة ولا يجزئه الإيماء بهما قال الولي العراقي: ومن زعم الغلط أو التصحيف فهو الذي غلط وصحف وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله نائما على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة وليس ذلك بمراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقرر ثم إن محل ما ذكر في الحديث في غير المعذور أما من شق عليه القيام فصلى قاعدا فأجره كالقائم فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام كان أفضل
(حم د عن عمران بن الحصين) رمز لصحته(4/220)
5082 - (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين) لأن النفل شرع للتقرب إلى الله إخلاصا لوجهه فكلما كان أخفى كان أبعد عن الرياء ونظر الخلق وأما الفرائض فشرعت لإشادة الدين وإظهار شعاره فهي جديرة بأن تقام على رؤوس الأشهاد فذكر الرجل غالبي فلا مفهوم له فالمرأة كذلك والنساء شقائق الرجال
(ع عن صهيب) الرومي(4/220)
5083 - (صلاة الضحى صلاة الأوابين) أي الرجاعين إلى الله بالتوبة جمع أواب وهو كثير الرجوع أو المسبح أو المطيع
(فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور البيهقي في الشعب(4/220)
5084 - (صلاة القاعد نصف) أجر (صلاة القائم) ولفظ رواية أحمد صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم هذا في حق القادر وفي حق غير المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تقرر أما هو فصلاته قاعدا كصلاته قائما لأنه مأمون الكسل
(حم ن هـ عن أنس) بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال: صلاة القاعد إلخ قال ابن حجر في الفتح: رجال أحمد ثقات [ص:221] وقال شيخه الحافظ العراقي في شرح الترمذي: إسناد ابن ماجه جيد لكن اختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت وقال في موضع آخر: حديث ابن عمرو صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم صحيح روي من غير وجه عنه
(هـ عن ابن عمرو) بن العاص (طب عن ابن عمرو عن عبد الله بن السائب) قال الهيثمي: وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف (وعن المطلب) بفتح الطاء المشددة (ابن أبي وداعة) الحارث بن حبرة بمهملة ثم موحدة ابن سعيد مصغرا من مسلمة الفتح قال الهيثمي: وفيه صالح بن أبي خضر ضعفه الجمهور(4/220)
5085 - (صلاة الليل) أي النافلة (مثنى مثنى) بلا تنوين لأنه غير منصرف للعدل والوصف وكرره للتأكيد لأنه في معنى اثنين اثنين أربع مرات والمعنى يسلم في كل ركعتين كما فسره ابن عمر وتمسك بمفهومه الحنفية على أنه نفل النهار أربع ومنعه الأئمة الثلاثة بأن الليل لقب لا مفهوم له عند الأكثر وسيجيء تحقيقه فيما بعده (فإذا خشي أحدكم الصبح) أي فوت صلاته (صلى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة (ما قد صلى) فيه أن أقل الوتر ركعة وأنها مفصولة بالتسليم عما قبلها وبه قال الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية وأن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر وهو مذهب الجمهور ومشهور مذهب مالك إنما يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى الضروري إلى صلاة الصبح
(مالك حم ق 4 عن ابن عمر) بن الخطاب(4/221)
5086 - (صلاة الليل) مبتدأة (مثنى مثنى) خبره فمحلهما رفع (فإذا خفت الصبح) أي وصول وقته (فأوتر بواحدة) وبثلاث أكمل (فإن الله وتر يحب الوتر) أي يرضاه ويثيب عليه
(ابن نصر طب عن ابن عمر) بن الخطاب(4/221)
5087 - (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) أي اثنين اثنين ومقتضى هذا اللفظ حصر المبتدأ في الخبر لأنه حاكم على العام أعني صلاة الليل والنهار وليس بمراد وإلا لزم كون كل نفل لا يكون إلا ركعتين شرعا والإجماع قد قام على جواز الأربع ليلا ونهارا على كراهة الواحدة والثلاث في غير الوتر وإذا انتفى كون المراد أن الصلاة لا يباح إلا ثنتين لزم كون الحكم بالخبر المذكور أعني مثنى أما في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربعة أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما إنما يكون بمرجح وفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحويين وكفى مرجحا ما في مسلم أن ابن عمر سئل: ما مثنى مثنى قال: تسلم في كل ركعتين وهو أعلم بما سمعه وشاهده من المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا ما وعدنا به فيما قبل
(حم 4 عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: حديث صحيح رواته كلهم ثقات وقول الدارقطني ذكر النهار مزيد على الروايات فهو وهم من البارقي ممنوع لأنه ثقة احتج به مسلم وزيادة الثقة مقبولة(4/221)
5088 - (صلاة الليل مثنى مثنى وجوف الليل) سدسه الخامس (أحق به) كذا بخط المصنف وفي نسخ أجوبة دعوة ولا أصل لها في خطه لكنها رواية قالوا: يعني بذلك الإجابة وقيل: الرواية أوجبه
(ابن نصر طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين ابن عامر بن خالد السلمي أبو نجيح صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد ورواه عنه الإمام أحمد أيضا قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف(4/221)
[ص:222] 5089 - (صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل) (1) استدل به على منع التطوع بركعة فردة في غير الوتر وهو محكي عن مالك ومذهب الشافعي جوازه قياسا على الوتر لخبر الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء أكثر وفيه رد على أبي حنيفة في منعه الوتر بركعة واحدة
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: فيه ليث بن سليم وهو ثقة لكنه مدلس
_________
(1) أي أقله ركعة ووقته بين صلاة العشاء والفجر لكن تأخيره إلى آخر الليل أفضل لمن وثق باستيقاظه(4/222)
5090 - (صلاة الليل مثنى مثنى) قال العراقي: يحتمل أن المراد يسلم من كل ركعتين وأن المراد يتشهد في كل ركعتين وإن جمع ركعات بتسليم ويكون قوله عقبه (وتشهد في كل ركعتين) تفسيرا لمعنى مثنى مثنى وقال غيره: صلاة الليل مبتدأ ومثنى خبره ومثنى الثاني تأكيد وتشهد في كل ركعتين خبر بعد خبر كالبيان لمثنى أي ذات تشهد إلخ وكذا المعطوف وقوله وتشهد بالواو على ما وقفت عليه في خط المؤلف فإسقاطها في بعض النسخ من تصرف النساخ لكنه رواية (وتبأس) قال الخطابي: معناه إظهار البؤس والفاقة وقال المديني: البؤس والخضوع والفاقة والفقر (وتمسكن) قال الخطابي: من المسكنة وقيل معناه السكون والوقار والميم زائدة وقال العراقي: هو وتبأس مضارع حذف منه إحدى التاءين (وتقنع) هكذا هو بخط المصنف (بيديك) قال الحسني في شرح الترمذي: ومعناه رفع اليدين في الدعاء وفي رواية وتضع يديك وهو عطف على محذوف إذا فرغت منها فسلم ثم ارفع يديك فوضع الخبر موضع الطلب وقال العراقي: يحتمل أن مراده الرفع في القنوت (وتقول اللهم اغفر لي) ذنوبي (فمن لم يفعل ذلك فهو خداج) أي ذا خداج أي نقصان أو وضع المصدر موضع المفعول مبالغة كقوله وإنما هي إقبال وإدبار وهذا قد احتج به الطحاوي على عدم فرضية قراءة الفاتحة في الصلاة قال: قالوا هنا المراد نفي الكمال لا الإجزاء فكذلك قال في خبر كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج والنقص لا يستلزم البطلان وأجيب بأن النقص من الصلاة على قسمين نقص يستلزم البطلان وهو النقص من الفرائض وهو النقص حقيقة ونقص من النوافل لا يستلزم البطلان أطلق عليه النقص إطلاقا مجازيا من باب التشبيه من حيث هو مشبه للنقص الآخر في الظاهر والحمل على الحقيقي أولى منه على المجازي وقال الحسني: تضمن رفع اليدين في الدعاء والدعاء بالمغفرة وهو الذي اتصل به قوله فمن لم يفعل ذلك فهو خداج فالضمير في فهو ليس عائدا على الصلاة بل على من فاته ما ذكر من رفع اليدين والدعاء بالمغفرة
(حم د ت هـ) في الصلاة (عن المطلب بن أبي وداعة) رمز المصنف لحسنه قال الصدر المناوي: فيه عبد الله بن نافع بن أبي العمياء قال البخاري: لا يصح حديثه وقال الحسني: فيه اضطراب وإعلال(4/222)
5091 - (صلاة المرأة في بيتها) وهي الموضع المهيأ للنوم (أفضل من صلاتها في حجرتها) وهي بالضم كل محل حجر عليه بالحجارة (وصلاتها في مخدعها) بضم الميم وتفتح وتكسر خزانتها التي في أقصى بيتها قال في الفتح: ووجه كون صلاتها في الأخفى أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة (أفضل من صلاتها في بيتها) وقال البيهقي: فيه دلالة على أن الأمر بأن لا يمنعن أمر ندب وهو قول عامة العلماء وفيه دليل لمذهب الحنفية أن الجماعة تكره لجماعة النساء كراهة تحريم قالوا: من المعلوم [ص:223] أن المخدع لا يسع الجماعة
(د عن ابن مسعود ك عن أم سلمة) سكت عليه أبو داود والمنذري(4/222)
5092 - (صلاة المرأة وحدها تفضل على صلاتها في الجمع) أي جمع الرجال (بخمس وعشرين درجة) سبق معناه
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه بقية بن الوليد ورواه أيضا أبو نعيم ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لكان أولى(4/223)
5093 - (صلاة المسافر) سفرا طويلا وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ذهابا وهي مرحلتان سير الأثقال (ركعتان) إذا كانت الصلاة رباعية مكتوبة مؤداة أو فائتة السفر (حتى يؤوب) أي يرجع (إلى أهله أو يموت) في سفره (1) وفيه جواز قصر الرباعية في السفر إلى ركعتين ولو في الخوف وعن ابن عباس جوازه في الخوف إلى ركعة والجمهور على الأول وتأولوا خبر مسلم عن ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة على أن المراد ركعة مع الإمام وينفرد بالأخرى كما هو المشروع فيها وأخذ الحنفية بظاهر هذا الخبر ونحوه فأوجبوا القصر
(خط) في ترجمة عفيف الموصلي (عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية وقد سبق وخالد بن عثمان العثماني قال الذهبي: قال ابن حبان: بطل الاحتجاج به وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد عزاه في الفردوس وغيره إلى النسائي
_________
(1) أو يقيم إقامة تمنع الترخص(4/223)
5094 - (صلاة المسافر بمنى وغيرها ركعتان) (1) أخذ منه بعض المجتهدين أنه لا يسن له صلاة السنن لأن الشارع لما أسقط شطر الفرض عنه تخفيفا عليه للسفر فمن المحال أن يطلب منه غيره لكن الأصح عند الشافعية والحنفية أن شرعيتها مشترك بين المسافر والمقيم ولا ضرر على المسافر فيه إذ يمكنه أداؤها راكبا وماشيا
(أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) البغدادي أكثر المقام بطرسوس فنسب إليها (في مسنده عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه
_________
(1) إقامته بها لا تمنع حكم السفر(4/223)
5095 - (صلاة المغرب وتر) أي وتر صلاة (النهار) تمامه كما في الميزان فأوتروا صلاة الليل أي فكما جعلت آخر صلاتكم بالنهار وترا فاجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وأضيفت إلى النهار لوقوعها عقبه فهي نهارية حكما وإن كانت ليلية حقيقية قال ابن المنير: إنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها وبابتداء وقتها ولا يكره تسميتها العشاء الأولى كما يقال العشاء الآخرة للعشاء
(ش عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه ورواه عنه أيضا أحمد بلفظ صلاة المغرب أوترت النهار فأوتروا صلاة الليل قال الحافظ العراقي: والحديث سنده صحيح اه وحينئذ فاقتصار المصنف على الإشارة لحسنه تقصير(4/223)
5096 - (صلاة الهجير) أي الصلاة المفعولة بعد الزوال قبل الظهر كما يشير إليه تفسير الراوي المبين في الطبراني وغيره (من) الذي رأيته في نسخ الطبراني مثل بدل من (صلاة الليل) في الفضل والثواب لمشقتها كصلاة الليل
(ابن نصر طب [ص:224] عن عبد الرحمن بن عوف) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه(4/223)
5097 - (صلاة الوسطى صلاة العصر (1)) أي الصلاة الفضلى هي العصر من قولهم للأفضل أوسط وذلك لأن تسميتها بالعصر مدحة من حيث إن العصر خلاصة الزمان كما أن عصارات الأشياء خلاصاتها {ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} فعصر اليوم هو خلاصة لسلامته من وهج الحارة وغسق الليل ولتوسط الأحوال والأبدان بين حاجتي الغداء والعشاء التي هي مشغلتهم لحاجة الغداء ولتصادم ملائكة الليل والنهار فيها
(حم ت) في الصلاة وقال الترمذي: حسن صحيح (عن سمرة) بن جندب (ش ت حب عن ابن مسعود ش عن الحسن مرسلا) هو البصري (هق عن أبي هريرة البزار) في مسنده (عن ابن عباس الطيالسي) أبو داود (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: رجاله موثقون
_________
(1) وقيل المغرب وقيل العشاء وقيل الصبح وقيل الصلوات الخمس وقيل واحدة من الخمس غير معينة وقيل صلاة الجمعة وقيل الظهر في الأيام والجمعة يوم الجمعة وقيل الصبح والعشاء معا وقيل الصبح والعصر وقيل صلاة الجماعة وقيل صلاة الوتر وقيل صلاة الخوف وقيل صلاة عيد الفطر وقيل صلاة عيد النحر وقيل صلاة الضحى وقيل صلاة الليل وقيل الصبح أو العصر على التردد وقيل بالتوقف وللمؤلف في ذلك تأليف مستقل ذكر فيه هذه الأقوال وأدلتها(4/224)
5098 - (صلاة الوسطى أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر) وهو الظهر لأنها وسط النهار فكانت أشق الصلاة عليهم فكانت أفضل وذهب إلى هذا جمع منهم المصنف فرجح أنها الظهر مع اعترافه بخروجه عن مذهب الشافعي واستشهد له بخبر ابن جرير الصلاة الوسطى بصلاة الظهر وقيل هي الصبح لأنها بين صلاتي الليل والنهار والواقعة في حد المشترك بينهما وقيل المغرب لأنها المتوسطة بالعدد ووتر النهار وقيل العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي النهار
(عبد بن حميد في تفسيره) للقرآن (عن مكحول) الشامي (مرسلا)(4/224)
5099 - (صلاة أحدكم) في رواية صلاة المرء (في بيته) أي في محل سكنه (أفضل من صلاته في مسجدي هذا) قال الطيبي: هذا تتميم ومبالغة لطلب الإخفاء فإنها بمسجده تعدل ألفا في غيره سوى المسجد الحرام وجزم بقضية هذه الرواية في المجموع فقال: صلاة النفل في البيت أفضل منها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضية العلة أن الحرم المكي مثله (إلا المكتوبة) يعني المكتوبات الخمس قال ابن حجر: يحتمل كون المراد بالمكتوبة ما تشرع له الجماعة قال ابن رسلان: وفيه نظر فإن الإسنوي استثنى من النفل الصلوات المشهودة كالعيد ويستثنى أيضا التراويح. قال المحب للطبري: فيه دلالة ظاهرة على أن النافلة في البيت تضاعف تضعيفا يزيد على الألف لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلها على الصلاة في مسجده والصلاة فيه بألف صلاة وهل يطرد هذا التضعيف في نافلة بيوت مكة على مسجدها؟ فيه احتمالان أحدهما نعم لعموم التفضيل في الأحاديث والتقييد بمسجده للمبالغة في التفضيل لا لنفي الحكم عما سواه وإن كان أفضل منه وخص مسجده بالذكر لأن المخاطب من أهله والمراد حثهم على تنفلهم في بيوتهم دونه أو لأنهم يرون فضله على ما سواه والثاني أن يكون التقييد لنفي الحكم عن مسجد مكة لزيادة التضعيف فيه على مسجد المدينة عند من يرى ذلك [ص:225] فكأنه قال مسجدي هذا فما دونه في الفضل لا ما زاد عليه والأول أظهر ولا يتبادر إلى الفهم سواه
(د عن زيد بن ثابت) الأنصاري (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: حسن وسكت عليه أبو داود والمنذري رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة غير أبي داود وليس كذلك فقد رواه الترمذي والنسائي(4/224)
5100 - (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك) الظاهر أن السبعين للتكثير وأن المراد أن الصلاة بسواك أفضل منها بدونه بكثير قال ابن عبد البر: فضل السواك مجمع عليه والصلاة بعد السواك أفضل منها قبله بلا خلاف وقال عياض والقرطبي: لا خلاف أنه مشروع للصلاة مستحب لها ويتأكد للصبح والظهر ونقل عن الحنفية كراهة السواك عند القيام للصلاة وأن محله عند الوضوء لاشتراكهما في إزالة الأوساخ وحمل بعض من انتحل مذهبهم للصلاة في الحديث على صلاة التيمم أو من لم يجد ماء ولا ترابا حتى لا يخلو المصلي عن سواك إن لم يكن عند الوضوء فعند الصلاة وذكر بعضهم أن المالكية لم يستحبوه لها قال ابن دقيق العيد: وسر ندب السواك بها أنا مأمورون أن نكون في حال التقرب إلى الله تعالى في حالة كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة قال: وقيل إنه لأمر يتعلق بالملك وهو أنه يضع فاه على فم القارئ فيتأذى بالريح الكريهة فيتأكد السواك لها لذلك وقد أخرج البزار عن علي مرفوعا إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه إلى فيه فما يخرج من فيه شيء إلا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن. قال الولي العراقي: رجاله رجال الصحيح ومقتضى الحديث أنه لا فرق بين صلاته منفردا أو في جماعة في مسجد أو بيته
(ابن زنجويه) في كتاب الترغيب في فضائل الأعمال (عن عائشة) ظاهر حاله أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أشهر ولا أحق بالعزو من ابن زنجويه وهو عجب فقد خرجه الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وصححه وابن خزيمة والبيهقي وضعفه كلهم عن عائشة باللفظ المذكور وتعقبه النووي كابن الصلاح بأنه من رواية ابن إسحاق وهو تقصير بالعنعنة فاقتصاره على ابن زنجويه تقصير(4/225)
5101 - (صلاة تطوع أو فريضة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بلا عمامة وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بلا عمامة) والظاهر أن المراد ما يسمى عمامة عرفا فلو صلى بقلنسوة ونحوها لا يكون مصليا بعمامة وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن مالك قال: لا ينبغي أن تترك العمائم ولقد اعتممت وما في وجهي شعرة <تنبيه> في المناهج: السنة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الجمعة إلا بعمامة حتى ذكر التقي بن فهد أنه كان إذا لم يجدها وصل خرقا بعضها ببعض ثم اعتم بها
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وعزاه ابن حجر إلى الديلمي عن ابن عمر أيضا ثم قال: إنه موضوع ونقله عنه السخاوي وارتضاه قال في اللسان: أخرج ابن النجار عن مهدي بن ميمون دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر وهو يعتم فقال: يا أبا أيوب ألا أحدثك بحديث؟ قلت: بلى. قال: دخلت على ابن عمر فقال لي: يا بني أحب العمامة. يا بني اعتم تحلم وتكرم وتوقر ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه مجاهيل(4/225)
5102 - (صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئة تترى) بفتح المثناة الفوقية [ص:226] وسكون الثانية وفتح الراء مقصورا: أي متفرقين غير مجتمعين والتاء الأولى منقلبة عن واو وهو من المواترة لا التواتر كما وهم (1)
(طب هق عن قباث) بفتح القاف بضبط المصنف (ابن أشيم) بن عامر الكناني الليثي شهد بدرا مشركا قال الهيثمي: رجال الطبراني موثقون والمصنف رمز لصحته فإن كان بالنظر لطريق الطبراني فمسلم أو من طريق البيهقي فممنوع فقد قال الذهبي في المهذب: إسناده وسط وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من هذين مع أن الإمام البخاري خرجه في تاريخه
_________
(1) قال في النهاية: والتواتر أن يجيء الشيء بعد الشيء بزمان. وتصرف تترى ولا تصرف فمن لم يصرفه جعل الألف للتأنيث كفضلي ومن صرفه لم يجعله للتأنيث. وقال في المصباح: والمواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومواصلة وأصل تترى وترى من الوتر وهو الفرد قال تعالى {ثم أرسلنا رسلنا تترى} أي واحدا بعد واحد ومن نونها جعل الفاء للإلحاق(4/225)
5103 - (صلاة في إثر صلاة) أي صلاة تتبع صلاة وتتصل بها فرضا أو غيره (لا لغو بينهما كتاب في عليين) أي عمل مكتوب تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين لكرامة المؤمن وعمله الصالح وعليون اسم لديوان الملائكة الحفظة يرفع إليه أعمال الصلحاء وقال الطيبي: معناه مداومة الصلاة من غير شوب بما ينافيها لا مزيد عليها ولا عمل أعلى منها فكنى بذلك عنه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل هو قطعة من حديث وسياقه عند مخرجه أبي داود من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى (1) لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين انتهى
(د عن أبي أمامة) وفيه عبد الوهاب بن محمد الفارسي قال في الميزان: رمي بالاعتزال وكان يصحف في الإسناد والمتن وصحف هنا قوله كتاب في عليين كنار في غلس
_________
(1) قوله إلى تسبيح الضحى أي إلى صلاته سميت الصلاة بذلك لما فيها من تسبيح الله وتنزيهه قال تعالى {فلولا أنه كان من المسبحين} أي المصلين وفيه أن صلاة الضحى في المسجد أفضل وقوله لا ينصبه بضم أوله وكسر ثالثه أي لا يزعجه وقوله إلا إياه أي تسبيح الضحى من النوادر ما حكوا أن بعضهم صحف هذا الحديث فقال: كنار في غلس فقيل له: ما معنى غلس فقال: لأنها فيه أشد ضوءا(4/226)
5104 - (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) أي فإنها فيه أفضل منها في مسجدي لأن التقدير فإن الصلاة في مسجدي تفضله بدليل خبر أحمد وغيره صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة في مسجدي قال الحرالي: سمي حراما لحرمته حيث لم يوطأ قط إلا بإذن الله ولم يدخله أحد قط إلا دخول ذلة فكان حراما على من يدخله دخول متكبر أو متبختر قالوا: وهذا التضعيف فيما يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الأجزاء على الفوائت فلو كان عليه صلاتان فصلى بمسجد مكة أو المدينة واحدة لم يجز عنهما قال النووي: وهذه [ص:227] الفضيلة مختصة بنفس مسجده دون ما زيد بعده
(حم ق ت ن هـ عن أبي هريرة حم م ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (م عن ميمونة) أم المؤمنين (حم عن جبير بن مطعم وعن سعد) بن أبي وقاص (وعن الأرقم) بن أبي الأرقم قال ابن عبد البر في التمهيد: حديث ثابت(4/226)
5105 - (صلاة في مسجدي هذا) مسجد المدينة (أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد لأن المسجد الحرام) أي الممنوع من التعرض له بسوء وقتال فيه (فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد) هذه العبارة تحتها احتمال المساواة كما أشرنا إليه في حل الحديث السابق لكن الأدلة قامت على فضل حرم مكة على غيره لأنه أول بيت وضع للناس وعبر باسم الإشارة إشارة إلى أن التضعيف خاص بمسجده إلا بما زيد فيه بخلاف مسجد مكة فإنه يعم <تنبيه> عدوا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن مسجده أفضل المساجد وبلده أفضل البلاد ومرادهم أفضل المساجد بعد مسجد مكة
(م ن عن أبي هريرة) قال ابن عبد البر: روي عن أبي هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة قال العراقي: لم يرد التواتر الذي ذكره أهل الأصول بل الشهرة(4/227)
5106 - (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه) ظاهره أنه لا فرق في التضعيف بين الفرض والنفل وبه قال صحبنا قال النووي: وتخصيص الطحاوي وغيره بالفرض خلاف إطلاق الأخبار قال العراقي: فيكون النفل بالمسجد مضاعفا بما ذكر ويكون فعله في البيت أفضل لعموم خبر أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
(حم هـ عن جابر) قال الحافظ الزين العراقي: إسناده جيد وقال ولده الولي: يقع في بعض نسخ ابن ماجه من مئة صلاة بدون ألف والمعتمد الأول(4/227)
5107 - (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة) استدل به الجمهور بالتقرير المتقدم على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما يكون العبادة به مرجوحة وهو مذهب الثلاثة وعكس مالك على المشهور بين صحبه لكن قال ابن عبد البر: روى عنه ما يدل على أن مكة أفضل
(حم حب) وكذا الطبراني والبزار كلهم (عن) عبد الله (بن الزبير) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: رجاله رجال الصحيح وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح(4/227)
5108 - (صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد وصيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف [ص:228] شهر فيما سواها وصلاة الجمعة بالمدينة كألف جمعة فيما سواها) قال حجة الإسلام: وكذا كل عمل بالمدينة بمئة ألف قال: وبعد المدينة الأرض المقدسة فإن سائر الأعمال فيها الواحد بخمس مئة
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بالقدح في سنده فقال: هذا إسناد ضعيف بمرة انتهى بلفظه فحذف المصنف له من سوء الصنيع(4/227)
5109 - (صلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة وصلاة في مسجدي ألف صلاة وفي بيت المقدس خمس مئة صلاة) تمسك بهذا الحديث من فضل مكة على المدينة قالوا: إذ لا معنى للتفضيل بين مكة والمدينة إلا أن ثواب العمل في إحداهما أكثر من ثواب العمل في الأخرى وأجاب من فضل المدينة بأن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة والصلوات الخمس بمنى للتوجه إلى عرفة أفضل منهما مسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة ومذهب الشافعية شمول المضاعفة للنفل مع تفضيله بالمنزل إذ غايته أن للمفضول مزية ليست للفاضل
(هب عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه ورواه الطبراني عن أبي الدرداء وابن عبد البر عن البزار قال الهيثمي: وسنده حسن(4/228)
5110 - (صلاتان لا يصلى) البناء للمجهول (بعدهما) أي بعد فعلهما (الصبح حتى تطلع الشمس والعصر حتى تغرب الشمس) فيحرم صلاة لا سبب لها متقدم ولا مقارن ولا تنعقد على الأصح عند الشافعية
(حم حب عن سعد) بن أبي وقاص. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/228)
5111 - (صلاتكن) أيتها النسوة (في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجركن) جمع حجرة (وصلاتكن في حجركن أفضل من صلاتكن في دوركن وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد الجماعة) لأن النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا فأمرن بعدم الخروج حسما لمادة إغوائه وإفساده وفيه حجة لمن كره لهن شهود الجمعة والجماعة وهو مذهب أهل الكوفة وأبو حنيفة بل عم متأخرو أصحابه المنع للعجائز والشواب في الصلوات كلها لغلبة الفساد في سائر الأوقات كما في فتح القدير ومذهب الشافعي كراهته لشابة أو ذات هيئة لا عجوز في بذلة ومع ذلك بيتها خير لها
(حم طب هق) من حديث عبد الحميد بن المنذري الساعدي عن أبيه (عن) جدته (أم حميد) الأنصارية امرأة أبي حميد الساعدي قالت: يا رسول الله إنا نحب الصلاة يعني معك فتمنعنا أزواجنا فذكره قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وفيه كلام مشهور وقال ابن حجر: عبد الحميد بيض له أبو يعلى وجدته أم حميد الأنصارية قال الذهبي: لها حديث في كتاب ابن أبي عاصم وليس في الصحابيات أم حميد غيرها ولم يخرج لها أحد من الأئمة(4/228)
[ص:229] 5112 - (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين) إذ بهما يصير العبد شاكرا لله خالصا له متواضعأ مفوضا مسلما فيتولى ويتولاه الله (ويهلك) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة وهلاك وهو الملائم لقوله صلاح (آخرها بالبخل والأمل) وذلك لا يظهر إلا من فقد اليقين ساء ظنهم بربهم فبخلوا وتلذذوا بشهوات الدنيا فحثوا أنفسهم بطول الأمل {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} والمراد غلبة البخل والأمل في آخر الزمان يكون من الأسباب المؤدية للهلاك بكثرة الجمع والحرص وحب الاستئثار بالمال المؤدي إلى الفتن والحروب والقتل وغير ذلك ذكره بعضهم. وقال الطيبي: أراد باليقين تيقن أن الله هو الرزاق المتكفل للأرزاق {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} فمن تيقن هذه في الدنيا لم يبخل لأن البخيل إنما يمسك المال لطول الأمل وعدم التيقن. قال الأصمعي: تلوت على أعرابي {والذاريات} فلما بلغت {وفي السماء رزقكم} قال: حسبك وقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه فكسره وولى فلقيته بالطواف قد نحل جسمه واصفر لونه فسلم علي واستقرأني السورة فلما بلغت {وفي السماء رزقكم} صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم غير هذا فقرأت {فورب السماء والأرض إنه لحق} فصاح وقال: سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ قالها ثلاثا فخرجت معها روحه. قال الحكماء: الجاهل يعتمد على الأمل والعاقل يعتمد على العمل وقال بعضهم: الأمل كالسراب غر من رآه وخاب من رجاه قيل: إن قصر الأمل حقيقة الزهد وليس كذلك بل هو سبب لأن من قصر أمله زهد ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا ونسيان الآخرة وقسوة القلب لأن رقته وصفاء نمائه يقع بتذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال القيامة ومن قصر أمله قل همه وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة ورضي بما قل. وقال ابن الجوزي: الأمل مذموم إلا للعلماء فلولاه ما صنفوا
(طس هب عن ابن عمرو) ابن العاص قال الهيثمي: فيه عصمة بن المتوكل ضعفه غير واحد ووثقه ابن حبان وقال المنذري: إسناده محتمل للتحسين ومتنه غريب(4/229)
5113 - (صياح المولود) أي تصويته (حين يقع) أي يسقط من بطن أمه (نزغة) أي إصابة بما يؤذيه (من الشيطان) يريد بها إيذاءه وإفساده فإن النزغ هو الدخول في أمر لإفساده والشيطان إنما يبتغي بطعنه إفساد ما ولد المولود عليه من الفطرة قال القرطبي: الرواية الصحيحة بنون وزاي ساكنة وغين معجمة من النزغ وهو الوسوسة والإغواء بالفساد ووقع لبعض الرواة فزعة بفاء وعين مهملة من الفزع
(م) في الأنبياء (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(4/229)
5114 - (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وهي أيام البيض) أي أيام الليالي البيض سميت بيضا لأن القمر يطلع من أولها لآخرها (صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) وحكمة صومها أنه لما عم النور ليلها ناسب أن تعم العبادة نهارها أو لأن الكسوف يكون فيها غالبا وقد أمرنا بفعل القرب عنده <تنبيه> قال الطيبي: الصوم إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء وهو وصف سلبي وإطلاق العمل عليه تجوز
(ن ع هب عن جرير) بن عبد الله(4/229)
5115 - (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره) قيل: هي البيض. وقيل: غيرها. وقد سرد الحافظ العراقي فيه [ص:230] عشرة أقوال
(حم حب عن قرة بن إياس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح(4/229)
5116 - (صيام حسن صيام ثلاثة أيام من الشهر) ومن زاد زادت حريته وكماله ما لم يخرج إلى ضرر بالنفس إلى العقل بل الكمال المحض في حق المكلف أن يملك الأشياء ولا تملكه ويسترقها بالخلاف ولا تسترقه فيصوم وقتا ويتناول الشهوات ويضعها في أماكنها وقتا
(حم ن طب عن عثمان بن أبي العاص) ورواه عنه أيضا الطبراني والبيهقي والديلمي(4/230)
5117 - (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعده بشهرين فذلك) يعني رمضان وستة أيام بعده (صيام السنة) لأن الحسنة بعشر أمثالها فأخرجه مخرج الشبيه للمبالغة
(حم ن حب عن ثوبان)(4/230)
5118 - (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله) أي أرجو منه قال ابن الأثير: الاحتساب على الله البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر قال الطيبي: وكان القياس أرجو من الله فوضع محله أحتسب وعداه بعلى التي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة في تحقق حصوله (أن يكفر السنة التي قبله) يعني يكفر الصغائر أي المكتسبة فيها (والسنة التي بعده) بمعنى أنه تعالى يحفظه أن يذنب فيها أو يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها أو يكفرها حقيقة ولو وقع فيها ويكون المكفر مقدما على المكفر قال صاحب العدة: وذا لا يوجد شيء مثله في شيء من العبادات (وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) قيل: لم يتعرضوا لتوجيه قوله أحتسب ولم يجزم بتكفيرها كما جزم في خبر الصلوات الخمس مكفرات وقد يقال وعد الله رسوله أن يكفر ذنوب صائم عرفة مدة طويلة قبله وبعده وصائم عاشوراء مدة قبله فمعناه أرجو على عدة أن يكفر هذا المقدار والمراد فيه وفيما قبله تكفير الصغائر لا الكبائر كما مر ويأتي له نظائر
(ت هـ حب عن أبي قتادة) ظاهره أنه لم يخرجه من الأربعة إلا هذان وليس كذلك بل خرجه الجماعة جميعا إلا البخاري وعجب للمصنف كيف خفي عليه حديث ثابت في مسلم(4/230)
5119 - (صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم) ليس فيها يوم عرفة وفيه قصة عند مخرجه البيهقي وفيها قول عائشة يوم عرفة يوم يعرف الإمام ويوم الأضحى يوم يضحي الإمام كذا في إحدى طريقي البيهقي في الشعب وفيه ندب صوم يوم عرفة أي لغير الحاج لما يأتي من النهي عنه
(حب عن عائشة) وفيه سليمان بن أحمد الواسطي قال الذهبي: ضعفوه والوليد بن مسلم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مدلس سيما في شيوخ الأوزاعي وسليمان بن موسى قال البخاري: عنده مناكير وقال النسائي: ليس بقوي ودلهم بن صالح ضعفه ابن معين(4/230)
5120 - (صيام يوم السبت لا لك ولا عليك) أي لا لك فيه مزيد ثواب ولا عليك فيه ملام ولا عتاب وسيأتي في حديث النهي عن صومه وحده نعم إن وافق ذلك سنة مؤكدة كما إذا كان يوم عرفة أو عاشوراء فيتأكد صومه
(حم عن امرأة) قال أحمد عن حميد الأعرج قال حدثتني جدتي أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى وذلك يوم السبت فقال: تعالي فكلي قالت: إني صائمة قال: أصمت أمس؟ قالت: لا فذكره. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة(4/230)
[ص:231] 5121 - (صيام المرء في سبيل الله) أي في الجهاد (يبعده من جهنم مسيرة سبعين عاما) أي بعدا كثيرا جدا فالمراد بالسبعين التكثير لا التحديد كما هو قياس نظائره
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه البخاري والترمذي في الجهاد ومسلم والنسائي وابن ماجه في الصوم(4/231)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الصاد](4/231)
5122 - (الصائم المتطوع أمير نفسه) وفي رواية أمين نفسه وفي أخرى أمير أو أمين على نفسه على الشك (إن شاء صام وإن شاء أفطر) فلا يلزمه بالشروع فيه إتمامه ولا يقضيه إن أفطر وإليه ذهب الأكثر وقال أبو حنيفة (1) : يلزمه إتمامه ويجب قضاؤه إن أفطر وقال مالك: حيث لا عذر واحتجوا بحديث لعائشة فيه الأمر بالقضاء وأجيب بأن الأصح إرساله وبفرض وقفه يحمل على الندب جمعا بين الأدلة وقال ابن حزم: له الفطر وعليه القضاء وأفاد الحديث بمفهومه أن غير المتطوع لا تخير له لأنه مأمور مجبور عليه
(حم ت ك عن أم هانئ) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولني فشربت فقلت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة فذكره قال الترمذي: في إسناده مقال وكلام المؤلف يوهم أنه لم يروه من الستة إلا الترمذي ولا كذلك بل رواه النسائي أيضا وأبو داود عن أم هانئ ثم قال النسائي: في سنده اختلاف كثير
_________
(1) [ودليل الأحناف الذي يستدلون به ولم يذكر هنا هو قوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة لا يناهض بما هو دونه في الثبوت والدلالة كما تبين من اختلاف المجتهدين فيه. هذا لتبيان رجوع أبي حنيفة للنص خلافا للرأي وللمسلم تقليد أي من المجتهدين وإن استطاع الخروج من الخلاف من غير حرج فهو أفضل. دار الحديث](4/231)
5123 - (الصائم المتطوع بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) أي له أن يفطر وأن ينوي الصوم قبل الزوال ويثاب عليه لأن الصوم لا يتجزأ وفيه أن صوم النفل لا يلزم بالشروع وهو مذهب الشافعي وأنه لا يشترط التبييت فيه
(هق) من حديث عون بن عمارة عن حميد (عن أنس) قال أعني البيهقي: وعون ضعيف وعن جعفر بن الزبير عن القاسم (عن أبي أمامة) قال الذهبي: وجعفر متروك رواه أيضا عن إبراهيم بن مزاحم عن سريع بن نبهان عن أبي ذر قال الذهبي: وإبراهيم وسريع مجهولان(4/231)
5124 - (الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار) أي من فرغ من الصوم ثم رجع إليه كمن هرب (1) من القتال ثم عاد إليه فيتأكد صوم ست من شوال ولهذا كان الشعبي يقول: الصوم يوما بعد رمضان أحب إلي من أن أصوم الدهر كله
(هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وفيه بقية بن الوليد قال الذهبي: صدوق لكنه يروي عن من دب ودرج فكثرت مناكيره وإسماعيل بن بشير قال العقيلي: متهم بالوضع ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي
_________
(1) [أي هرب مناورة حيث أنه متى قرن " الفر " مع " الكر " فإنه يدل على المناورة وليس على الانخذال
ويفهم منه أيضا أنه كالذي يكر لحوقا بالذي فر من الأعداء حيث فيه مناسبة للصائم الذي قهر عدوه الشيطان بصيام رمضان فألجأه للفرار فكر بعده يضعفه بصيام آخر. دار الحديث](4/231)
5125 - (الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه) فأجر صومه منسحب على نومه وإن استغرق جميع النهار بالنوم
(فر عن أنس) وفيه محمد بن أحمد بن سهيل. قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: ممن يضع الحديث(4/231)
5126 - (الصائم في عبادة ما لم يغتب مسلما أو يؤذه) وإلا فليس بالحقيقة صائما لأن حقيقة الصوم التماسك عن كل ما من [ص:232] شأن المرء أن يتصرف فيه فحقيقة الصوم هو الصوم عما ذكر لا صورته. ذكره الحرالي
(فر عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن هارون قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يكذب والحسن بن منصور قال ابن الجوزي في العلل: غير معروف الحال وقال ابن عدي: حديث منكر(4/231)
5127 - (الصائم في عبادة من حين يصبح) أي يدخل في الصباح (إلى أن يمسي) أي يدخل في المساء وذلك بغروب الشمس (ما لم يغتب) أي يذكر إنسانا بما يكرهه (فإذا اغتاب خرق صومه) أي أفسد وأبطل ثوابه وإن حكم بصحته وسقط عنه الفرض فلا يعاقب عليه في الآخرة نعم الغيبة تباح في مواضع تتبعها بعضهم فبلغت نحو أربعين فالغيبة المباحة لا تخرق الصوم ولا يبطل بها أجره
(فر عن ابن عباس)(4/232)
5128 - (الصابر الصابر) أي الصابر الصبر الكامل إنما هو (عند الصدمة الأولى) فإن مفاجأة المكروه بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمتها كما سبق. قال في المطامح: وفيه تنبيه على نوعه الأفضل وهذا أحد أنواع الصبر الثلاثة وهو الصبر على أقضية الله. قال عمر: خير عيش أدركناه بالصبر وإذا تأملت مراتب الكمال وجدتها كلها منوطة به والنقصان من عدمه فالشجاعة صبر ساعة وما حفظت صحة البدن والقلب والروح بمثله فهو الفاروق الأكبر والترياق الأعظم ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله لكفى
(تخ عن أنس) رمز المصنف لحسنه(4/232)
5129 - (الصبحة) أي نوم أول النهار (تمنع الرزق) أي بعضه كما جاء مصرحا به في رواية وذلك لأنه وقت الذكر ثم وقت طلب الرزق قال البيهقي: الصبحة النوم عند الصباح وجوز في الفائق في صادها الضم والفتح وقال: إنما نهى عنها لوقوعها وقت الذكر والمعاش وفي شرح السنة للبغوي: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد الصبح وفي شرح الشهاب للعامري: إن كانت الرواية بالفتح فالمراد الفعلة وهي المرة الواحدة أو بالرفع فالاسم ومعناه نوم الغداة قبل ارتفاع الشمس لأن الملائكة الموكلين برزقه يؤمرون بكرة اليوم بسوق رزقه إليه فعليه أن يقبل بذكره على من يذكره برزقه فإن غفل ونام حرم بركة رزقه والاستغناء به عن طلب غيره فليس المراد منع أصله وفي خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة وهي نائمة فقال: قومي فاشهدي رزقك
(عم) في زوائد المسند كذا هو فيما وقفت عليه من النسخ والذي رأيته في كلام جمع منهم الحافظ الهيثمي نسبة لأحمد لا لابنه وأعله بإسحاق بن أبي فروة وقال: هو ضعيف. (عد هب) كلهم عن الحسن بن أحمد عن يحيى بن عثمان عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي فروة عن محمد بن يوسف عن عمرو بن عثمان (عن عثمان) بن عفان. قال ابن الجوزي في الموضوعات: موضوع ابن أبي فروة وإسحاق متروكان اه. (هب) من حديث سلمة بن علي بن عياش عن رجل هو ابن أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة (عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه من طريقه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه ببيان علته فقال: إسحاق بن أبي فروة تفرد به وخلط في إسناده وأما ابن عدي فقال: الحديث لا يصح إلا بابن أبي فروة وقد خلط في إسناده فتارة جعله عن عثمان وتارة عن أنس وفي الميزان: هذا حديث منكر وقال الزركشي في اللآلئ: هذا الحديث في مسند الإمام أحمد من زيادات ابنه وهو ضعيف وتبعه المؤلف في الدرر(4/232)
[ص:233] 5130 - (الصبر نصف الإيمان (1) واليقين الإيمان كله) لأن مدار اليقين على الإيمان بالله وبقضائه وقدره وما جاء به رسله مع الثقة بوعده ووعيده فهو متضمن للإيمان بكل ما يجب الإيمان به ومن ثم قال جمع: اليقين قوة الإيمان بالقدر والسكون إليه وقال الغزالي: المراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله عبده إلى أصول الدين والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين معرفة أن المعصية ضارة والطاعة نافعة ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل فكان الصبر نصف الإيمان بهذا الاعتبار
(تتمة) قيل للأحنف: إنك لصبور فقال: الجزع شر الحالتين يبعد المطلوب ويورث الحسرة ويبقي على صاحبه عار الأمد بلا فائدة. وقال: هيئة المعاقبة تورث جبنا وهيئة الزلل تورث خسرا
(حل هب عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: تفرد به يعقوب بن حميد عن محمد بن خالد المخزومي والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع اه. ويعقوب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغير واحد
_________
(1) قال العلقمي: أراد به الورع إذ العبادة قسمان: نسك وورع فالنسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه وإنما ينتهى عنه بالصبر فكان نصف الإيمان(4/233)
5131 - (الصبر رضا) يعني التحقق بالصبر يفتح باب الوصول إلى مقام الرضى والتلذذ بالبلوى فإنه صراع بين جند الملائكة وجند الشيطان ومهما أذعنت النفس وانقمعت وتسلط باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث ذلك مقام الرضا قال بعض العارفين: الصبر ثلاث مقامات أوله ترك الشكوى وهي درجة التائبين ثم الرضى بالقضاء وهي درجة الزاهدين ثم محبة ما يصنع به مولاه وهذه درجة الصديقين ثم المراد في هذا الخبر وما بعده الصبر المحمود شرعا كما قال الغزالي ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالصبر عن المحرم فرض وعلى المحرم محرم كمن قطع يداه أو يد ولده وصبر وهكذا الباقي فليس الصبر كله محمودا
(الحكيم) الترمذي في النوادر (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي أيضا(4/233)
5132 - (الصبر والاحتساب أفضل من عتق الرقاب ويدخل الله صاحبهن) أي الثلاثة (الجنة بغير حساب) وبالصبر يفتح كل باب مغلق ثم هذا مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال وميثاق التكليف ومقيد بماذا صبر ابتغاء وجه الله لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب بالجزع ولا لئلا يشمت به الأعداء كقوله:
وتجلدي للشامتين أريهم. . . أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولأنه لا طائل تحت الهلع ولا مرد فيه للفائت وكل عمل له وجوه يحمل عليها فعلى العاقل المؤمن أن ينوي منها ما كان حسنا عند الله
(طب عن الحكيم بن عمير الثمالي)(4/233)
5133 - (الصبر) أي الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل (عند الصدمة الأولى) لكثرة المشقة حينئذ أوصل الصدم الضرب في شيء صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه وقع بغتة ومعناه أن الصبر عند قوة المصيبة أشد فالثواب عليه أكثر فإن بطول الأيام تسلي المصائب فيصير الصبر طبعا وقد بشر الله الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل [ص:234] الدنيا فقال {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
(البزار) في مسنده (ع عن أبي هريرة) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة بالبقيع تبكي فأمرها بالصبر ثم ذكره رمز المصنف لصحته وليس بجيد فقد قال الهيثمي وغيره: فيه بكر بن الأسود أبو عبيد الناجي وهو ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فاحش بل هو في صحيح البخاري بهذا اللفظ من حديث أنس موصولا وإن هذا لشيء عجاب(4/233)
5134 - (الصبر) الكثير الثواب: الصبر (عند أول صدمة) أي عند فورة المصيبة وبعد ذلك يهون الأمر وتنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا طالت الأيام على المصائب وقع السلو وصار الصبر طبعا فلا يؤجر عليه مثل ذلك
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه الواقدي وقد ضعفوه(4/234)
5135 - (الصبر عند الصدمة الأولى والعبرة) بالفتح: تحلب الدمع وانهماره (لا يملكها أحد صبابة المرء إلى أخيه) الصبابة بالفتح رقة الشوق وشدته <فائدة> قال ابن القيم: الصبر ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالواجب الصبر على فعل الواجب وترك المحرم وتحمل المصيبة والمندوب الصبر على فعل المندوب وترك المكروه والمحرم الصبر على نحو ترك الأكل حتى يموت والصبر على نحو حية أو سبع أو غرق أو كافر يقتله والمكروه الصبر على نحو قلة الأكل جدا وعن جماع حليلته إذا احتاجت والمباح على ما خير بين فعله وتركه
(ص عن الحسن مرسلا) هو البصري(4/234)
5136 - (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد) لأن الصبر يدخل في كل باب بل في كل مسألة من مسائل الدين فكان من الإيمان بمنزلة الرأس من الإنسان قال علي كرم الله وجهه: فإذا قطع الرأس مات الجسد ثم رفع صوته قائلا: أما إنه لا إيمان لمن لا صبر له أي وإن كان فإيمان قليل وصاحبه ممن {يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} <تنبيه> عدوا من الصبر الحسن التصبر على ما ينشأ عن الأفران وأهل الحسد سيما ذوي البذاءة منهم واللبس ووقوع هؤلاء في الأعراض وتنقصهم لما يهمهم من الأمراض وذلك واقع في كل زمن وحسبك قول الشافعي في عقود الجمان في الذب عن أبي حنيفة النعمان كلام المعاصرين مردود غالبه حسد وقد نسب إليه جماعة أشياء فاحشة لا تصدر عمن يوصف بأدنى دين وهو منها بريء قصدوا بها شينه وعدم انتشار ذكره {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}
(فر عن أنس) بن مالك (طب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) قال الحافظ العراقي: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف(4/234)
5137 - (الصبر ثلاثة) أي أقسامه باعتبار متعلقه ثلاثة (فصبر على المصيبة) حتى لا يستخطها (وصبر على الطاعة) حتى يؤديها (وصبر على المعصية) حتى لا يقع فيها وهذه الأنواع هي التي عناها العارف الكيلاني في فتوح الغيب بقوله لا بد للعبد من أمر يفعله ونهي بتجنبه وقدر يصبر عليه وذلك يتعلق بطرفين طرف من جهة الرب وطرف من جهة العبد [ص:235] فالأول هو أن له سبحانه على عبده حكمان كوني قدري وشرعي ديني فالكوني متعلق بخلقه والشرعي بأمره فالأول يتوقف حصول الثواب فيه على الصبر والثاني لا يتم إلا به فرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاثة الصبر على المقدور وترك المحظور وفعل المأمور وأما الطرف الثاني فإن العبد لا ينفك عن هذه الثلاثة أيضا ولا يسقط عنه ما بقي التكليف فقيام عبودية القدر على ساق الصبر لا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها وهذه الثلاثة قد وقعت الإشارة إليها بآية {أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} (فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له) أي قدر أو أمر بالكتابة في اللوح أو الصحف (ثلاث مئة درجة) أي منزلة عالية في الجنة (ما بين الدرجتين) منها (كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطاعة) أي على فعلها وتحمل مشاقها (كتب الله له ست مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلى منتهى الأرضين) السبعة (ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش) الذي هو أعلى المخلوقات وأرفعها (مرتين) وهذا صريح في أن الصبر على المقدور أدنى المراتب ثم الصبر على المأمور ثم عن المحظور وذلك لأن الصبر على مجرد القدر يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلا بد لكل منهم من الصبر عليه اختيارا أو اضطرارا والصبر على الأوامر فوقه ودون الصبر عن المحرمات فإن الأوامر أكثرها محبوب للنفوس لما فيها من العدل والإحسان والإخلاص والبر والصبر على المخالفات صبر على مخالفة هوى النفس وحملها على غير طبعها وهو أشق شيء وأصعبه ومن صبر عن المعاصي التي أكثرها محاب للنفوس فقد ترك المحبوب العاجل في هذه الدار لمحبوب آجل في دار أخرى ولا يصبر عن ذلك إلا الصديقون وهذه الثلاثة محاب النفوس الفاضلة الزكية قالوا: والمناهي من باب حمية النفس عن لذاتها وحميتها مع قيام دواعي التناول وقوته خطب مهول ولهذا كان باب قربان النهي مسدودا وباب الأمر مقيدا بالمستطاع ومن ثم كان عامة العقوبات على المنهيات وأما ترك المأمور فلم يرتب الله عليه حدا معينا وأعظم المأمورات الصلاة وقد اختلف هل فيه حد أم لا وبهذا التقرير استبان سر الترتيب الواقع في هذا الخبر
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصبر وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) عن عبد الله بن محمد زيرك عن عمر بن علي عن عمر بن يونس اليماني عن مدرك بن محمد السدوسي عن رجل يقال له علي (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا الديلمي قال ابن الجوزي: والحديث موضوع(4/234)
5138 - (الصبي) يعني الطفل ولو أنثى (الذي له أب) أي حي (يمسح رأسه) ندبا من أمام (إلى خلف واليتيم) الذي مات أبوه وإن كان له أم (يمسح رأسه) من خلف (إلى قدام) لأنه أبلغ في الإيناس به وظاهره يشمل أولاد الكفار والمراد أن ذلك هو المناسب اللائق بالحال وقد مر بسط ذلك أوائل الكتاب
(تخ عن ابن عباس)(4/235)
5139 - (الصبي على شفعته حتى يدرك) أي إذا كان له شقص من عقار فباع شريكه نصيبه فلم يأخذ الولي له بالشفعة من [ص:236] كون الأخذ أحظ له (فإذا أدرك) أي بلغ بسن أو احتلام (إن شاء أخذ) بالشفعة (وإن شاء ترك) الأخذ بها
(طس عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا(4/235)
5140 - (الصخرة صخرة بيت المقدس) ثابتة (على نخلة والنخلة) ثابتة (على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان سموط (1) أهل الجنة) أي قلائدهم من يوم موتهم (إلى يوم القيامة) والسمط لحمل القلادة
(طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه مخلد بن محمد الرعيني وهذا الحديث من منكراته وفي الميزان محمد الرعيني قال ابن عدي: حدث بالأباطيل فمن ذلك هذا الخبر وساقه إلى آخر ما هنا ثم قال أعني الذهبي: رواه الخطيب في فضائل القدس بإسناد مظلم وهو كذب ظاهر
_________
(1) قال الجوهري: السمط الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك(4/236)
5141 - (الصدق بعدي مع عمر حيث كان) يعني أي جهة يكون فيها فالصدق في تلك الجهة لما عرف من شدة صلابته مع الحق والمراد الثناء عليه بأن له قدما عظيما راسخا في ذلك فلا ينافي مشاركة غيره له فيه قال الحرالي: والصدق مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه وقال بعضهم: الصدق طريق حسن الخلق الذي ذهب بخيري الدنيا والآخرة كما في خبر لأنه الهادي إليه والصدق يشمل الصدق في القول والنية والإرادة والعزم وصدق العمل فالصدق تحقيق المقامات ولهذا قيل من اتصف بهذه الأمور كان صديقا
(ابن النجار) في التاريخ (عن الفضل)(4/236)
5142 - (الصدقة تسد سبعين بابا من السوء) كذا رأيته بالسين المهملة والهمزة ورأيت في عدة أصول صحيحة بشين معجمة وراء <تنبيه> قال المؤلف: الذكر أفضل من الصدقة وهو أيضا يدفع البلاء والظاهر أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد قياسا على نظائره وأن المراد بالباب الوجه والجهة
(طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: فيه حماد بن شعيب وهو ضعيف(4/236)
5143 - (الصدقة تمنع ميتة السوء) بكسر الميم الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت قال التوربشتي: وأراد بها ما لا تحمد عاقبته ولا تؤمن غائلته من الحالات كالفقر المدقع والوصب الموجع والألم المقلق والعلل المفضية إلى كفران النعمة ونسيان الذكر والأهوال الشاغلة عما له وعليه ونحوها وقال الطيبي: الأولى أن يحمل موت السوء على سوء الخاتمة ووخامة العاقبة من العذاب في الآخرة قال أبو زرعة: ليس معناه أن العبد يقدر له ميتة السوء فتدفعها الصدقة بل الأسباب مقدرة كما أن المسببات مقدرة فمن قدر له ميتة السوء لا تقدر له الصدقة ومن لم يقدر له ميتة السوء يقدر له الصدقة قال العامري: ميتة السوء قد تكون في الصعوبة بسبب الموت كهدم وذات جنب وحرق ونحوها وقد تكون سوء حالة في الدين كموته على بدعة أو شك أو إصرار على كبيرة فحث على الصدقة لدفعها لذلك
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: فيه من لا يعرف وبه يرد قول العامري: صحيح(4/236)
5144 - (الصدقة تمنع) في رواية تسيد (سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص) جعل الصدقة كالدواء الذي [ص:237] هو برهان على زوال الداء وهذا مما علمه الله لنبيه من الحكمة والطب الروحاني الذي يعجز عن إدراكه الخلق لعدم استطاعتهم حصر الكليات في المحسوسات إذ قصارى إدراكهم حصر الكليات المعقولات
(خط) في ترجمة الحويرث الهمداني (عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن نعمان قال الذهبي: ضعفوه قال البخاري: منكر الحديث وفي الكشاف قال أبو حاتم: غير قوي(4/236)
5145 - (الصدقة على المسكين) الأجنبي (صدقة) فقط (وهي على ذي الرحم اثنتان) أي صدقتان اثنتان (صدقة وصلة) فهي عليه أفضل لاجتماع الشيئين ففيه حث على الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد لكن هذا غالبي وقد يقتضي الحال العكس ولهذا قال ابن حجر: عقب الخبر لا يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال كون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بعكسه
(حم ت ن هـ ك) في الزكاة (عن سلمان بن عامر) الضبي حسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي قال ابن حجر: وفي الباب أبو طلحة وأبو أمامة رواهما الطبراني(4/237)
5146 - (الصدقة على وجهها) المطلوب شرعا (واصطناع المعروف) إلى البر والفاجر (وبر الوالدين) أي الأصلين المسلمين (وصلة الرحم) أي القرابة (تحول الشقاء سعادة (1) وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء) ومن ثم عقب الله الإيمان بها في آية البقرة {ولكن البر من آمن} إلخ فأشعر بأنها المصدقة له ومن لم يتصدق كان مدعيا للإيمان بلا بينة والمال شقيق الروح بذله أشق شيء على النفس والنفس إذا رضيت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت وانقادت خاضعة لصاحبها فجوزي بذلك
(حل عن علي) من حديث إسماعيل بن أبي رقاد عن إبراهيم عن الأوزاعي قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن قوله عز وجل {يمحو الله ما يشاء ويثبت} الآية قال: حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لأبشرنك بها يا علي فبشر بها أمتي من بعدي الصدقة على وجهها إلخ ثم قال مخرجه أبو نعيم: تفرد به إسماعيل وإبراهيم هو ابن أبي سفيان ثقة
_________
(1) أي ينتقل العبد بسببها من ديوان الأشقياء إلى ديوان السعداء أي بالنسبة لما في صحف الملائكة فلا تعارض بينه وبين خبر فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أو سعيد وخبر الشقي من شقي في بطن أمه(4/237)
5147 - (الصدقات بالغدوات) جمع غدوة الضحوة وهي مؤنثة والمراد الصدقة أول النهار (يذهبن بالعاهات) جمع عاهة وهي الآفة والظاهر أن المراد ما يشمل الآفات الدينية والمعنوية (1) وفي إفهامه أن الصدقة بالعشية تذهب العاهات الليلية ومن فوائد الصدقة أن في بذلها السلامة من فتنة المال {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} لأن من آمن وتصدق فقد أسلم لله روحه وماله الذي هو عديل روحه فصار عبد الله حقا وفيه إيماء إلى الحث على مفارقة كل محبوب سوى الله
(فر عن أنس) وفيه عمر بن قيس الكندي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن معين: لا شيء ووثقه أبو حاتم
_________
(1) أي الدنيوية وفيه شمول للعاهات النهارية والليلية وقيد المناوي العاهات بالنهارية(4/237)
5148 - (الصديقون) جمع صديق. قال في الكشاف: من أبنية المبالغة كالضحيك والنطيق والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق [ص:238] به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله (ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب آل يس وعلى بن أبي طالب وهو أفضلهم) سموا بذلك لثباتهم على التوحيد وعدم تزلزلهم عنه بالتعذيب والتهديد حتى قتلوا في ذات الله عز وجل وفيه أن حبيبا غير نبي
(ابن النجار) في التاريخ (عن بن عباس)(4/237)
5149 - (الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم) قال القاضي: الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه
(أبو نعيم في) كتاب المعرفة (وابن عساكر) وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أبيه أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري الكندي صحابي اسمه بلال أو بلبل بالتصغير أو يسار أو داود أو أوس شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافة علي(4/238)
5150 - (الصرعة كل الصرعة) أصل الصرعة بضم الصاد وفتح الراء المبالغ في الصراع الذي لا يغلب فنقله إلى (الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع غضبه) ويقهره فإذا قهره فقد قهر أعظم أعدائه وهذا من الألفاظ التي نقلها الشرع عن وضعها اللغوي لضرب ما من المجاز
(حم عن رجل) من الصحابة قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ما ترون الصرعة قالوا: الذي لا يصرعه الرجال فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حصنة مجهول وبقية رجاله ثقات(4/238)
5151 - (الصرم) أي الهجر (قد ذهب) أي أنه قد جاء الشرع بإبطاله ونهى عن فعاله كما كان عليه أهل الجاهلية
(البغوي) في المعجم (طب عن سعيد بن يربوع) المخزومي من الطلقاء
_________
(1) [قوله: كما كان عليه أهل الجاهلية: أي يتهاجرون لأسباب دنيوية ولهوى النفوس فلا يهجر المسلم المسلم إلا لله وشرط ألا يترتب زيادة مفسدة. دار الحديث](4/238)
5152 - (الصعود جبل من نار) قال الطيبي: التعريف للعهد والمشار إليه ما في قوله تعالى {سأرهقه صعودا} أي سأغشيه عقبة شاقة المشاقة (يتصعد فيه الكافر سبعين خريفا ثم يهوي كذلك) أي سبعين خريفا (فيه) أي في ذلك الجبل (أبدا) أي يكون دائما في الصعود والهوي يعني قوله تعالى {سأرهقه صعودا} قال الطيبي: زيد أبدا تأكيدا
(حم ت) في صفة جهنم (حب ك) وصححه (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث ابن لهيعة. اه. قال المناوي: وابن لهيعة مجروح(4/238)
5153 - (الصعيد الطيب) أي تراب الأرض الطهور سمي به لأن الآدميين يصعدونها ويمشون عليها (وضوء المسلم) بفتح [ص:239] الواو كما ضبطه الطيبي قال: هو الماء وفي الكلام تشبيه أي الصعيد الطيب كالماء في الطهارة اه قال ابن حجر: أطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه (وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو عشرين أو ثلاثين أو أكثر فالمراد بالعشر التكثير لا التحديد وكذا إن وجده وهناك مانع حسي أو شرعي قال الطيبي: قوله وإن إلخ هذا من الشرط أي الذي يقطع عنه جزاؤه لمجرد المبالغة قال في الفردوس: وهذا قول عامة الفقهاء سفيان والشافعي وأحمد وغيرهم قال في الفتح عقب الحديث: أشار بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لكنها طهارة ضرورة لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت قال البيهقي: وقد صح عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فرض ولا يعلم له مخالف من الصحابة
(ن حب) من حديث عمرو بن بجدان بضم الموحدة وسكون الجيم (عن أبي ذر) ورواه أبو داود وغيره بلفظ الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد عشر حجج فإذا وجد الماء فليمسه بشرته قال النووي: حديث صحيح اه قال الحافظ في المختصر: إسناده قوي وصححه ابن حبان والدارقطني(4/238)
5154 - (الصعيد وضوء المسلم) بفتح الواو (وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو أكثر فجعل ما تحت قدم المسلمين طهورا لهم عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء المنصوص عليه بقوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} (فإذا وجد الماء) ولم يمنع من استعماله مانع حسي أو شرعي (فليتق الله) فليخفه (وليمسه) بضم الياء وكسر الميم مضارع أمس ذكره الطيبي (بشرته) لفظ رواية الدارقطني لبشرته قال العراقي: ليس المراد المسح بالإجماع بل الغسل والإمساس يطلق على الغسل كثيرا بأن يتطهر به من الحدثين (فإن ذلك خير) أي بركة وأجر. قال الأشرفي: ليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل المراد منه أن الوضوء أحب عند وجود الماء ولا يصح التيمم كقوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} مع أنه لا خير في الأصل لمستقر أهل النار وفيه أن التيمم يبطل برؤية الماء بلا مانع حسي أو شرعي لا يقال قوله فإن ذلك خبر يدل على أنه بطريق الندب لأنا نقول الخيرية لا تنافى الفرضية قال الحنفية: وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة وذهب الشافعية إلى التخصيص حيث كانت تلك الصلاة يسقط فرضها بالتيمم وأجابوا عن الإطلاق وفيه أن الرفع خاص بالماء المطلق وعليه الشافعي وإلحاق نعمان كل مائع يزيل به: رد بأنه قياس مع الفارق إذا الماء أسرع إيصالا وانفصالا وقول مالك المستعمل طهور: رد بأن السلف لم يرفعوا به مع إعواز الماء
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال البزار: لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه. ورواه الدارقطني باللفظ المذكور عن أبي ذر وطعن فيه(4/239)
5155 - (الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر) فالخضاب بالأولين محبوب مطلوب لكونه دأب الصالحين. قال الغزالي: ما لم يفعله بنية التشبه بأهل الدين وليس منهم فمذموم والخضاب بالسواد حرام نعم إن فعله لأجل الغزو فلا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى اه
(طب ك) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أبو عبد الله القرشي: دخل ابن عمر على ابن عمرو وقد سود لحيته فقال: السلام عليك أيها الشويب قال: أما تعرفني قال: أعرفك شيخا وأنت اليوم شاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الذهبي والزين العراقي تبعا لأبي حاتم: حديث منكر قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه(4/239)
[ص:240] 5156 - (الصلح جائز بين المسلمين) هو لغة قطع النزاع وشرعا عقد وضع لرفع النزاع بين المتخاصمين وخصهم لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم كمصالحة من دراهم على أكثر منها فيحرم للربا وكأن يصالح على نحو خمر (إلا صلحا أحل حراما) كذا في الجامع (أو حرم حلالا) كمصالحة امرأته على أن لا يطأ أمته أو ضرتها وهذا أصل عظيم في الصلح واستدل به الشافعية على أن الصلح على الإنكار باطل خلافا للأئمة الثلاثة لأن المدعي إن كذب فقد استحل مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على نفسه ماله الذي هو حلال له أي بصورة عقد فلا يقال للإنسان ترك بعض حقه
(حم د) في الأقضية من حديث كثير بن زيد الأسلمي (ك) في البيوع من حديث عبد الله بن الحسين المصيصي (عن أبي هريرة ت هـ) كلاهما في الأحكام من طريق كثير المذكور (عن عمرو بن عوف) قال الحاكم: على شرطهما والمصيصي ثقة تفرد به وتعقبه الذهبي قال ابن حبان: كان يسرق الحديث اه وتعقب ابن القطان الأول بأن كثيرا فيه كلام كثير وقال البلقيني: في الاحتجاج به خلاف وفي الميزان عن ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسيخة موضوعة قال: ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي لكونه صحح حديثه وقد قال الشافعي وأبو داود: هو ركن من أركان الكذب(4/240)
5157 - (الصمت حكمة) أي هو حكمة أي شيء نافع يمنع من الجهل والسفه قالوا: سمي حكمة لأنه ينشأ عنها وأن الصمت عن رديء الكلام وما لا يعني يثمر حكمة في قلب الصامت ينطق عنها وينتفع بها ببركة كف نفسه عن شؤم عجلة طبعه أما الصمت عن قول الحق ونشر العلم والعدل فلا (وقليل فاعله) أي قل من يصمت عما لا يعنيه ويمنع عن التسارع إلى النطق بما يشينه ويؤذيه في دينه ودنياه لغلبة النفس الأمارة وعدم التهذيب لها بالرياضة يعني استعمال الصمت حكمة لكن قليل من يستعملها ونقل هذا عن لقمان أيضا. قيل: دخل على داود وهو يسرد الدرع وقد لين له الحديد فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس للحرب أنت فقال لقمان: الصمت إلخ فقال داود: بحق ما سميت حكيما وليس شيء على الإنسان أضر من العين واللسان فما عطب أكثر من عطب إلا بهما وما هلك أكثر من هلك إلا بسببهما فلله كم من مورد هلكة أورداه أو مصدر رديء أصدراه. قال الغزالي: حسبك من اللسان أن فيه ربحك وغنيمتك وثمرة تعبك واجتهادك كله في الطاعة وإحباطها وإفسادها غالبا من قبل اللسان قال بعضهم: وإذا كان الإنسان حاسما للسانه عن الشر متكلما بالخير صار عادة له فيثقل عليه الكلام في الشر والباطل ويكرهه وينفر منه
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك (فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وأورده البيهقي في الشعب من طريق أنس وقال: غلط فيه عثمان بن سعيد والصحيح رواية ثابت قال: والصحيح عن أنس أن لقمان قاله ورواه كذلك ابن حبان في روضة العقلاء بسند صحيح إلى أنس ورواه العسكري في الأمثال عن أبي الدرداء وزاد من كثر كلامه فيما لا يعنيه كثرت خطاياه(4/240)
5158 - (الصمت (1) أرفع العبادة) فإن أكثر الخطايا من اللسان فإذا ملك الإنسان اللسان فكفه عما لا يجوز فقد تلبس [ص:241] بباب عظيم من أبواب العبادة وقد توافقت على ذلك الملل قال وهب: أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت وقال الفضيل: لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان وقال لقمان لابنه: لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب ومن كلامهم: ملاك حسن السمت إيثار طول الصمت ومنه: الصمت عن الباطل صدقة. وقال الشاعر:
إذا تم عقل المرء قل كلامه. . . وأيقن بحمق المرء إن كان مكثارا
<تنبيه> قال ابن عربي: الصمت قسمان: صمت باللسان عن الحديث لغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملة واحدة وصمت بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سره وتجلى له ربه ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له فصمت اللسان من منازل العامة وأرباب السلوك وصمت القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات وحال صمت السالكين السلامة من الآفات وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس فمن التزم الصمت في الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه كان نجيا مؤيدا إذا نطق نطق بالصواب
(فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي: خرجه ابن حبان والمغيرة بن عبد الرحمن قال ابن معين: ليس بشيء ووثقه بعضهم
_________
(1) أي السكوت عما لا يعني وترك الرد على من اعتدى وأما إذا كان الإنسان خاليا عن الناس فلا يكون سكوته من العبادة(4/240)
5159 - (الصمت زين للعالم) لما فيه من الوقار والهدر عار سيما للعالم المقتدى بأقواله وأفعاله وقد ينطق بغير تأمل فيسبق لسانه بكلمة لا يلقى لها بالا فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا كما في الخبر المار فعلى العاقل سيما الفاضل أن يميز بين أشكال الكلام قبل النطق ليكون على بصيرة من نفسه وبينة من ربه (وستر للجاهل) لأن المرء مخبوء تحت لسانه وهو المنبئ عن شأنه فحاله مستور ما لم يتكلم <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة أن الصمت أبلغ لأن قد يستعمل فيما لا قوة فيه للنطق وفيما له قوة للنطق ولهذا قيل: لما لم يكن له نطق الصمت والسكوت لما له نطق فترك استعماله والإنصات سكوت مع استماع ومتى انفك أحدهما عن الآخر لم يقل له إنصات وعليه قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} فقوله وأنصتوا بعد الاستماع ذكر خاص بعد عام والإصاخة الاستماع إلى ما يصعب استماعه وإدراكه كالسر والصوت من مكان بعيد
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن محرز بن زهير) الأسلمي مدني له صحبة ورواية(4/241)
5160 - (الصمت سيد الأخلاق) لأنه يعين على الرياضة وهي من أهم الأركان في حكم المنازلة وتهذيب الأخلاق والسلامة من عذاب الخلاق قال الغزالي: فعليك بملازمة الصمت إلا بقدر الضرورة وقد كان الصديق يضع حجرا في فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير الضرورة ويشير إلى لسانه ويقول هذا أوردني الموارد فاحترز منه فإنه أقوى أسباب هلاكك في الدنيا والآخرة (ومن مزح استخف به) (1) أي هان على الناس ونظروا إليه بعين الاحتقار والهوان فاحفظ لسانك منه فإنه يسقط المهابة ويريق ماء الوجه ويستجر الوحشة ويؤذي القلوب ويورث الحقد فلا تمازح أحدا وإن مازحك غيرك فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وكن من الذين إذا مروا باللغو مروا كراما ومن كلام النبي سليمان ووصايا لقمان إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب قال الديلمي: روي أنه مات حبر من بني إسرائيل فلما وضع على سريره وجدوا على عنقه لوحا من ذهب فيه ثلاثة أسطر هي هذه وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي: ومن حمل الأمر على القضاء استراح (2) اه. <تنبيه> ما اقتضته هذه [ص:242] الأخبار من التزام الصمت غالبي كما عرف من أدلة أخرى فاعتقاده قربة إما مطلقا أو في بعض العبادات كصوم وحج فإطلاقه منهي عنه على خبر أبي داود لا صمات يوم إلى الليل
(فر عن أنس) وفيه سعيد بن ميسرة قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: يروي الموضوعات وقال ابن عدي: هو من ظلمة الأمة
_________
(1) [" ومن مزح استخف به ": أي من بالغ في المزح. أما المزح اللطيف فمباح أو مسنون لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 2628: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. دار الحديث.]
(2) [" استراح ": أي من سعى جهده وعلم بالأسباب ثم أقر أن النتائج حلوة أو مرة هي من قضاء الله فقد استراح كما ورد في الحديث 5131: الصبر رضا. فانظر شرحه. دار الحديث.](4/241)
5161 - (الصمد الذي لا جوف له) يقال شيء مصمد لا جوف له وهذا قاله في تفسير قوله تعالى {الله الصمد} لما سئل عن تفسيره
(طب عن بريدة) بن الحصيب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي(4/242)
5162 - (الصور) المذكور في قوله تعالى {يوم ينفخ في الصور} (قرن) أي على هيئة البوق دائرة رأسه كعرض السماوات والأرض وإسرافيل واضع فاه عليه ينظر نحو العرش أن يؤذن له حتى (ينفخ فيه) فإذا نفخ صعق من في السماوات ومن في الأرض أي ماتوا إلا من شاء الله. قال الحليمي: والظاهر أن الصور وإن كان الذي ينفخ فيه النفختان جميعا فإن صيحة الإصعاق تخالف صيحة الإحياء وجاء في أخبار أن فيه ثقبا بعدد الأرواح كلها وأنها تجتمع فيه في النفخة الثانية فيخرج منه كل روح نحو جسدها
(حم د ت ك عن ابن عمرو)(4/242)
5163 - (الصورة الرأس) أي الصورة المحرمة ما كانت ذات رأس (فإذا قطع الرأس فلا صورة) فتصوير الحيوان حرام لكن إذا قطعت رأسه انتفى التحريم لأنها بدون الرأس لا تسمى صورة
(الإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض لسنده(4/242)
5164 - (الصوم جنة) بضم الجيم وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح وفي الآخرة من النار لأنه يقمع الهوى ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان فإن الشبع مجلبة الآثام منقصة للإيمان ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه " فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته وتشوشت فكرته لما يستولي على معادن إدراكه من الأبخرة الكثيرة المتصاعدة من معدته إلى دماغه فلا يمكنه نظر صحيح ولا يتفق له رأي صالح وقد يقع في مداحض فيروغ عن الحق كما أشار إليه خبر لا تشبعوا فتطفئوا نور المعرفة من قلوبكم وغلب عليه الكسل والنعاس فيمنعه عن وظائف العبادات وقويت قوى البدن وكثرت المواد والفضول فينبعث غضبه وشهوته وتشتد مشقته لدفع ما زاد على ما يحتاجه بدنه فيوقعه ذلك في المحارم قال بعض الأعلام: صوم العوام عن المفطرات وصوم الخواص عن الغفلات وصوم العوام جنة عن الإحراق وصوم الخواص جنة لقلوبهم عن الحجب والافتراق
(ن عن معاذ) بن جبل ورواه القضاعي في الشهاب وقال العامري في شرحه: صحيح(4/242)
5165 - (الصوم جنة) بضبط ما قبله (من عذاب الله) فليس للنار عليه سبيل كما لا سبيل لها على مواضع الوضوء لأن الصوم يغمر البدن كله فهو جنة لجميعه برحمة الله من النار
(هب عن عثمان بن أبي العاص) وفيه سعيد الجرائري ضعفه ابن القطان(4/242)
5166 - (الصوم جنة يستجن بها العبد من النار) وأصل الجنة بالضم الترس شبه الصوم به لأنه يحمي الصائم عن الآفات [ص:243] النفسانية في الدنيا وعن العقاب في الأخرى قال القاضي: والجنة بالضم الترس وبالكسر الجنون وبالفتح الشجر المظل وأطلقت على البستان بما فيها من الأشجار وعلى دار الثواب لما فيها من البساتين وثلاثيتها مأخوذ من الجن بمعنى الستر
(طب عنه) أي عن عثمان قال الهيثمي: سنده حسن(4/242)
5167 - (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي الغنيمة التي تحصل بغير مشقة والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة والبرد ضد الحرارة لأن الحرارة غالبة في بلادهم فإذا وجدوا بردا عدوه راحة وقيل الباردة الثابتة من برد لي على فلان كذا أي ثبت أو الطيبة من برد الهواء إذا طاب والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب وأيضا إن الهواء والماء لما كان طيبهما ببردهما سيما من بلاد تهامة والحجاز قيل هواء بارد وماء بارد على سبيل الاستطابة ثم كثر حتى قيل عيش بارد وغنيمة باردة ذكره الزمخشري. قال الطيبي: والتركيب من قلب التشبيه لأن الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن الأصل في التشبيه أن يلحق الناقص كالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل الأسد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة ومعناه الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن تمسه مشقة الجوع
(حم ع طب هق عن عامر بن مسعود) بن أمية بن خلف قال البيهقي في الشعب: قال يعقوب ليس لعامر هذا صحبة (طس عد هب عن أنس) بن مالك (عد هب عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه سعيد بن بشير ثقة لكنه اختلط انتهى. وفيه الوليد بن مسلم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مدلس سيما في شيوخ الأوزاعي وزهير بن محمد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه ضعف ما وقال البخاري: روى عنه أيضا أهل الشام مناكير وقال ابن معين: ضعيف(4/243)
5168 - (الصوم يدق) بضم فكسر بضبط المصنف (المصير) أي الأمعاء أي يصيرها دقيقة والدقة ضد الغلط (ويذبل) بضم فسكون فكسر للموحدة بضبط المصنف (اللحم) أي يذهب طراوته والمراد أن الصوم يرق المصارين ويذهب نداوة اللحم ورطوبته وهذا عند الإكثار منه (ويبعد) بالتشديد والكسر بضبط المصنف (من السعير) أي جهنم (إن لله تعالى مائدة عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا يقعد عليها إلا الصائمون) أي المكثرون للصوم أو مطلقا (1)
(طس وأبو القاسم بن بشران في أماليه عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه عبد المجيد بن كثير الحرالي لم أجد من ترجمه
_________
(1) [ولعله الأرجح بدليل قوله تعالى {قالوا ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} إذ المقصود أنهم لم يكونوا يصلون ما افترض عليهم لا أنهم لم يكونوا يكثرون من الصلاة فيما دون الفريضة. والله أعلم. دار الحديث](4/243)
5169 - (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) قال في الفردوس: فسره بعض أهل العلم فقال: الصوم والفطر والتضحية مع الجماعة ومعظم الناس
(ت عن أبي هريرة) وقال: غريب حسن ورواه عنه أيضا الديلمي(4/243)
5170 - (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان) قال الطيبي: المضاف محذوف أي صلاة الجمعة منتهية [ص:244] إلى الجمعة وصوم رمضان منتهيا إلى صوم رمضان وقوله (مكفرات) عن الكل و (لما بينهن) معمول لاسم الفاعل ولذا دخلت اللام و (إذا اجتنبت الكبائر) شرط وجزاء دل عليه ما قبله اه وقال النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر لأن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا تغفر إلا صغائره ثم كل من المذكورات صالح للتكفير فإن لم يكن له صغائر كتب له حسنات ورفع له درجات
(حم م) في الطهارة (ت) في الصلاة لكنه لم يذكر رمضان (عن أبي هريرة)(4/243)
5171 - (الصلوات الخمس كفارة لما بينهن) من الصغائر (ما اجتنبت الكبائر والجمعة إلى الجمعة) أي كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر (وزيادة ثلاثة أيام) وذلك لأن العبد وإن توقى لا بد له من تدنيسه بالذنوب وهو تعالى قدوس لا يقربه إلا قديس طاهر فجعل أداء الفرائض تطهيرا له من أدناسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} فإذا تطهر العبد بهذه الطهارة صلح لدار الطهارة وقرب القدوس <تنبيه> قال ابن بزيزة: هنا إشكال صعب وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر فما الذي يكفره الصلوات؟ وأجاب البلقيني بأن معنى {إن تجتنبوا} الموافاة على هذه الحال من الإيمان أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فالسؤال غير وارد وبفرض وروده فالتخلص منه أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الخمس فمن لم يفعلها لم يجتنب لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها وأحوال المكلف بالنسبة لما يصدر منه من صغيرة وكبيرة خمسة: أحدها أن لا يصدر منه شيء فهذا ترفع درجاته. الثانية يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا يكفر عنه جزما. الثالثة مثله لكن مع الإصرار فلا يكفر لأن الإصرار كبيرة. الرابعة يأتي بكبيرة واحدة وصغائر. الخامسة يأتي بكبائر وصغائر وفيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب أن تكفر الصغائر فقط والأرجح لا تكفر أصلا إذ مفهوم المخالفة إذا لم يتعين جهته لا يعمل به
(حل عن أنس)(4/244)
5172 - (الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة وما ملكت أيمانكم) نصب على الإغراء أي الزموا المحافظة على الصلاة والإحسان لما ملكت أيمانكم من الأرقاء وحث عليهما لضعف المملوك وكونه مظنة للتقصير في حقه وميل الطبع إلى الكسل وإيثار الراحة والنفس تنفر بطبعها عن كثير من العبودية سيما إذا اتفق ذلك مع قسوة القلب وغلبة الرين والميل إلى اللذة ومخالطة أهل الغفلة فلا يكاد العبد مع ذلك يفعلها وإن فعلها بتكلف وتشتت قلب وذهول عنها وطلب لفراقها
(حم ن) في الزكاة (هـ) في الجنائز (حب عن أنس) بن مالك (حم هـ عن أم سلمة) أم المؤمنين (طب عن ابن عمر) بن الخطاب(4/244)
5173 - (الصلاة) أل فيه للجنس فيشمل الفرض والنفل أو للعهد فيختص بالفرض (في مسجد قباء) هو من عوالي المدينة والأشهر مده وصرفه وتذكيره وجاء ضد هذه الثلاثة (كعمرة) وفي رواية ابن أبي شيبة بسند صحيح " لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لصرفوا إليه أكباد الإبل " [ص:245] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره راكبا وماشيا قال الحافظ الزين العراقي: فيه ندب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ويسن كونه يوم السبت لحديث ابن عمر المتفق عليه بذلك ومن حكمته أنه كان يوم السبت يتفرغ لنفسه ويشتغل بقية الجمعة من أول الأحد بمصالح الأمة ولا ينافي هذا خبر لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد لأن بين قباء والمدينة ثلاثة أميال وما قرب من المصر ليس في الذهاب إليه شد رحل
(حم ت هـ ك عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (ابن ظهير) وهو بضم أوله وهو ابن رافع بن عدي الأوسي الحارثي ابن عم رافع بن خديج معروف شهد الخندق وقال الحافظ العراقي: لهما صحبة قال: ورواته كلهم ثقات وقول ابن العربي إنه ضعيف غير جيد(4/244)
5174 - (الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة) أي بلغ ثوابها ثواب خمسين صلاة صلاها بدون ذلك وظاهره أن الصلاة مع الانفراد في الفلاة مع الإتيان بكمالاتها يضاعف ثوابها على ثواب الصلاة الجماعة ضعفين (1) وكأن وجهه أنه إذا كان في الفلاة منفردا مع إتمام الأركان وتوفر الخشوع وغير ذلك من المكملات يحضره من الملائكة ومؤمني الجن ما لا يحصى ولم أر من قال بذلك. (2)
(ك عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) [وقال في شرح الحديث 5078 أن السياق يشير إلى من صلاها بجماعة في الفلاة. دار الحديث]
(2) [وكذلك ففي صلاته بالفلاة منفردا تنتفي جميع دواعي الرياء وذلك سبب في المضاعفة وحيث أن الأعمال بالنيات فالمنفرد المعذور عن حضور الجماعة قد يحصل له ثواب من حضرها من باب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1937: إن الله تعالى يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه وللمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره. دار الحديث](4/245)
5175 - (الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمس مئة صلاة) قال العراقي: ذكر هنا وفيما سبق أن الصلاة بالمسجد الحرام بمئة ألف وفي خبر الطبراني عن عمران الصلاة فيه خير من ألف صلاة وقد يؤول على أن المراد خير من مئة صلاة في مسجد المدينة فلا تعارض وفي خبر أحمد عن الأرقم الصلاة بمكة أفضل من ألف صلاة ببيت المقدس وقضيته كون الصلاة بالمسجد الحرام بألف ألف صلاة وإذا تعذر الجمع رجع للترجيح وأصح هذه الأحاديث حديث ابن الزبير وجابر وابن عمر الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة قال: وأما الاختلاف في مسجد المدينة فأكثر الأخبار الصحيحة في أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة وأصح طرق أحاديث الصلاة ببيت المقدس أنها بألف فالتفاوت بينه وبين مسجد المدينة بالزيادة على الألف فحسب
(طب عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن اه. قال ابن حجر: رواه ابن عدي عن جابر وإسناده ضعيف(4/245)
5176 - (الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة والصلاة في مسجد الرباطات) جمع رباط ويجمع أيضا على ربط بضمتين وهو اسم من رابط مرابطة من باب قاتل إذا لازم ثغر العدو والرباط الذي بيني للفقراء مولد (ألف صلاة)
(حل عن أنس) بإسناد ضعيف(4/245)
5177 - (الصلاة في المسجد الجامع) أي الذي يجمع فيه الناس أي يقيمون الجمعة (تعدل الفريضة) أي تعدل ثواب صلاتها [ص:246] فيه ولم أر من أخذ بذلك من الأئمة (حجة مبرورة) أي مقبولة (والنافلة كعمرة متقبلة وفضلت الصلاة في المسجد الجامع على ما سواه من المساجد بخمس مئة صلاة)
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه نوح بن ذكوان وضعفه أبو حاتم(4/245)
5178 - (الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام وشهر رمضان) أي صومه (في مسجدي هذا أفضل من صوم ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام)
<تنبيه> نختم هذه الأخبار بالإشارة إلى شيء من تفاضل البقاع في الشرف وأن لها تأثيرا في القلوب. قال العارف ابن عربي: من شرط القائم الشاهد المشاهد صاحب المقامات والمشاهدات يعلم أن للأمكنة في القلوب اللطيفة تأثيرا ولو وجد القلب في أي محل كان الوجود الأعم فوجوده بالمسجد الحرام أسنى وأتم فكما تتفاضل المنازل الروحانية تتفاضل المنازل الجسمانية وإلا فهل الدر مثل الحجر الأصم إلا عند صاحب الحال وأما الكامل صاحب المقام فيميز بينهما كما ميز الحق بينهما فالحكيم الواصل من أعطى كل ذي حق حقه فذلك واحد عصره وصاحب وقته وفرق بين مدينة أكثر عمادها الشهوات وبين مدينة أكثر عمادها الآيات البينات ووجود القلوب في بعض المواطن أكثر من بعض أمر محسوس وكان بعض الأصفياء يترك الخلوة بالمنارة بشرقي تونس ويختلي بالرابطة التي في وسط المقابر وهي تعزى إلى الخضر ويقول أجد قلبي هناك أكثر وذلك من أجل من يعمر ذلك المحل من الملائكة أو الجن وأماكن الصالحين الأموات ومشاهدهم تنفعل لها القلوب اللطيفة ولذلك تفاضل المساجد في وجود القلب فقد تجد قلبك في مسجد أكثر منه في مسجد وذلك ليس للتراب بل لمجالسة الأتراب وهمهم ومن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمسجد فهو لا صاحب حال ولا مقام ولا شك كشفا وعلما أنه وإن طمرت الملائكة جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب أن أعلاهم رتبة وأعظمهم علما ومعرفة عمرة المسجد الحرام وعلى قدر جلسائك يكون وجودك فإن همم الجلساء لها تأثير في قلب الجليس على قدر مراتبهم وقد طاف بالبيت مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا سوى الأولياء وما منهم إلا وله همة متعلقة بالبيت وبالمسجد الحرام والبلد الحرام والإحساس بتفاضل الأماكن من أوصاف العارفين
(هب عن جابر)(4/246)
5179 - (الصلاة نصف النهار) أي عند الاستواء (تكره) تحريما لا تنزيها على الأصح وعليهما فلا تنعقد عند الشافعية (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تكره (لأن جهنم كل يوم تسجر) أي توقد (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تسجر فلا تحرم وبه فارقت حالة الاستواء في بقية الأيام. قال ابن سيد الناس: من رواة هذا الخبر من تفقه على أبي قتادة فمثله لا يقال إلا بتوقيف
(عد عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده(4/246)
5180 - (الصلاة نور المؤمن) أي تنور وجه صاحبها في الدنيا وتكسبه جمالا وبهاءا كما هو مشاهد محسوس و [تنور] قلبه لأنها [ص:247] تشرق فيه أنوار المعارف ومكاشفات الحقائق و [تنور] قبره كما قال أبو الدرداء صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر (1) وتركها يظلم القلب فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت الحيرة حتى يقع تاركها في البدع والضلالات وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم حتى تعلو الوجه فيصير سوادا يدركه أهل البصائر وتحصل حين ذلك الوحشة بينه وبين الناس سيما أهل الخير فيجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم وحرم بركة النفع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن
(القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور فلو عزاه إليهما لكان أولى قال العامري في شرح الشهاب: صحيح
_________
(1) [وتنور له في الآخرة لقوله تعالى عن المؤمنين {نورهم يسعى بين أيديهم} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 3170: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. دار الحديث](4/246)
5181 - (الصلاة خير موضوع) بإضافة خير إلى موضوع أي أفضل ما وضعه الله أي شرعه من العبادات (فمن استطاع أن يستكثر) منها (فليستكثر) لأن بها تبدو قوة الإيمان في شهود ملازمة خدمة الأركان ومن كان أقواهم إيمانا كان أكثرهم وأطولهم صلاة وقنوتا وإيقانا وقد جعلها الله فروضا وسننا. كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي جعل عليه كل يوم ألف ركعة فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: يا نفس إنما أريد إكرامك غدا عند الله والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ الفراش منك نصيبا وقال بعضهم: مكث عندنا رجل ثلاثة عشر سنة يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد فكان إذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ثم قال: عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا عجبت للخليقة كيف شاءت سواك. ثم يسكت إلى الغروب. وقال الداراني: لو خيرت بين ركعتين وبين دخول الفردوس لاخترت الركعتين لأني في الفردوس بحظي وفي الركعتين بحق ربي
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبد المنعم بن بشير اه. وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو إليه وليس كذلك فقد رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر(4/247)
5182 - (الصلاة قربان كل تقي) أي أن الأتقياء من الناس يتقربون بها إلى الله أي يطلبون القرب منه بها والقربان مصدر من قرب يقرب والتقي تقي مطلق وتقي مقيد فمن اتقى الله في سره وعلنه وبذل جهده في فرائضه وتجنب مناهيه فهو تقي على الإطلاق وإنما يتقبل الله من المتقين فصلاة هذا قربان بلا شرط والمقيد قيد عمله بالمشيئة فإن قبلت صلاته كانت قربانا له وإلا فلا ويمكن أن يراد بقربان أن الصلاة من التقي بمنزلة الأضحية والهدى لفقدهما
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أبو يعلى عن جابر بلفظ الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار(4/247)
5183 - (الصلاة خدمة الله في الأرض) ومن أحب ملكا لازم خدمته (1) (فمن صلى ولم يرفع يديه فهو) أي ذلك الفعل (خداج) بكسر الخاء أي فصلاته ذات نقصان (هكذا أخبرني جبريل) ناقلا (عن الله عز وجل إن بكل إشارة) في الصلاة (درجة) أي منزلة عالية (وحسنة) في الجنة وقد تميزت الصلاة على غيرها من الفرائض بأمور لا تكاد تحصى ولو لم يكن إلا أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم إياها عن الله عز وجل بلا واسطة وذلك ليلة الإسراء لكفى
(فر عن ابن عباس) وفيه أحمد بن علي بن حسنويه شيخ الحاكم قال الذهبي: متهم بالوضع وشبابة بن سوار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: أحمد كان داعية في الإرجاء وورقاء اليشكري لينه القطان
_________
(1) [وهذه الخدمة عبارة عن القيام بواجبات العبودية والله غني عن العالمين. دار الحديث](4/247)
[ص:248] 5184 - (الصلاة خلف رجل ورع مقبولة والهدية إلى رجل ورع مقبولة والجلوس مع رجل ورع من العبادة والمذاكرة معه صدقة) أي يثاب عليها كثواب الصدقة والورع المتقي للشبهات وهو معنى قول من قال: وهو من يدع ما لا بأس به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس
(فر عن البراء) بن عازب وفيه عبد الصمد بن حسان قال الذهبي: تركه أحمد بن حنبل(4/248)
5185 - (الصلاة عماد الدين) قال الغزالي: فيها أسرار لأجلها كانت عمادا منها ما فيها من التواضع بالمثول قائما بالركوع والسجود وهي خدمة الله في الأرض والملوك لا تخدم بالكسل والتهاون بل بالجد والتذلل فلذلك كانت عماد الدين وعلم الإيمان يكثر بقوته ويقل بضعفه ولذا كان سعيد بن المسيب دائم الإقبال على الصلاة حتى قيل فيه لو قيل له إن جهنم لتسعر لك وحدك ما قدر على أن يزيد عمله شيئا وكان يقول لنفسه إذا دخل الليل قومي إلى خدمة ربك يا مأوى كل شر تريدين أن تغفلي بالنهار وتنامي بالليل والله لأدعنك تزحفي زحف البعير فيصبح وقدماه منتفختان صلى ورضي الله عنه الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة
(هب) من حديث عكرمة (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي: عكرمة لم يسمع من عمر قال: وأظن عن ابن عمر اه. قال الحافظ العراقي في حاشية الكشاف: فيه ضعف وانقطاع قال الحاكم: عكرمة لم يسمع من عمر ورواه من حديث ابن عمر ولم يقف عليه ابن الصلاح فقال في مشكل الوسيط: إنه غير معروف اه. وقول النووي في التنقيح: حديث منكر باطل رده ابن حجر وشنع وأخرجه أيضا الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي(4/248)
5186 - (الصلاة عمود الدين) ومن ثم أيقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم أحب آله فاطمة وعليا في ليلة واحدة مرتين من نومهما حتى جلس علي في الثانية وهو يعرك عينيه ويقول والله ما نصلي إلا ما كتب لنا إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيديه على فخذيه ويقول ما نصلي إلا ما كتب لنا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} وكان ثابت بن أسلم يقوم الليل كله خمسين سنة فإذا جاء السحر قال: اللهم إن كنت أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك فلما مات وسدوا لحده وقعت لبنة فإذا هو قائم يصلي حالا وشهد ذلك من حضر جنازته وكان يقول الصلاة خدمة الله في الأرض ولو كان شيء أفضل منها لما قال تعالى {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب}
(أبو نعيم) بضم النون وفتح المهملة (الفضل بن دكين) بضم المعجمة وفتح الكاف واسم دكين عمرو بن حماد التميمي الطلحي الكوفي الأحول الملائي بضم الميم الحافظ أحد الأعلام من كبار شيوخ البخاري (في) كتاب فضل (الصلاة) لم يذكر المصنف الصحابي وقال ابن حجر: هو عن حبيب بن سليم عن بلال بن يحيى مرسلا ورجاله ثقات وله طرق أخرى بينتها في تخريج الكشاف وتبعه المصنف في حاشية البيضاوي(4/248)
5187 - (الصلاة عماد الدين) أي أصله وأسه وهي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين (والجهاد سنام العمل) أي أعلاه وأمثله كيف وفيه بذل النفس وإنفاق الأموال في رضى العلي المتعال (والزكاة بين ذلك) أي رتبتها في الفضل بين الصلاة والجهاد وهذا بالنظر إلى الأصل وإلا فقد يعرض ما يصير الجهاد أفضل وأهم كما تقدم
(فر) وكذا الأصبهاني في الترغيب (عن علي) أمير المؤمنين قال الزيلعي: وفيه الحارث ضعيف جدا وذهل ابن الصلاح في مشكل الوسيط قال: هذا غير صحيح ولا معروف فكأنه لم يظفر به(4/248)
[ص:249] 5188 - (الصلاة ميزان) أي هي ميزان الإيمان (فمن أوفى) بأن حافظ عليها بواجباتها ومندوباتها (استوفى) (1) ما وعد به من الفوز بدار الثواب والنجاة من أليم العقاب وبالصلاة يوزن إيمان الإنسان لأنها محل مناجاة الرحمن لا واسطة فيها بين المصلي وربه وبها تظهر أثر المحبة لأنه لا شيء ألذ عند المحب من الخلوة بمحبوبه ليفوز بمطلوبه <تنبيه> قال السهروردي: اشتقاق الصلاة من الصلى وهو النار والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها تعرض على النار وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء وسبحات وجه الله الكريم لو كشف حجابها أحرقت من أدركته يصيب بها المصلي من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه بل يتحقق معراجه فالمصلي كالمصلي بالنار ومن اصطلى بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض على النار إلا تحلة القسم
(هب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي
_________
(1) [أي أن الحديث يمثل الصلاة بالميزان فبمقدار ما يوفي المرء الميزان ويعدل فيه بإحسان الصلاة أو الإكثار منها فهو يستوفي ما وعد به من الفوز بالثواب والنجاة من العقاب. دار الحديث](4/249)
5189 - (الصلاة تسود وجه الشيطان) فهي أعظم الأسلحة عليه (والصدقة تكسر ظهره والتحابب إلى الله والتوادد في العمل يقطع دابره) سواد الوجه وما بعده كناية عن إرغامه وإحزانه بطاعة العبد لربه وظهور الكآبة عليه بتخيب سعيه في إضلاله ووسوسته (فإذا فعلتم ذلك تباعد منكم كمطلع الشمس من مغربها) ففي المحافظة على ما ذكر كمال صلاح الدنيا والآخرة سيما إدرار الأرزاق وإذلال الأعداء
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وفيه عبد الله بن محمد بن وهب الحافظ أورده الذهبي في الضعفاء. وقال الدارقطني: متروك وزافر بن سليمان قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه وثابت الثمالي قال الذهبي: ضعيف جدا(4/249)
5190 - (الصلاة) النافلة (على ظهر الدابة هكذا وهكذا وهكذا) قال في الفردوس: يعني إلى القبلة وغيرها في غير المكتوبة جائزة مما هو جهة مقصده
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: فيه يونس بن حارث ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان(4/249)
5191 - (الصلاة علي نور على الصراط ومن صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما) فيه أن الصلاة عليه نور على الصراط ونجاة ورحمة وأخذ من إفراد الصلاة هنا أن محل كراهة إفرادها عن السلام فيما لم يرد الإفراد فيه بخصوصه وإلا فلا يزاد على الوارد
(الأزدي في) كتاب (الضعفاء قط في الأفراد عن أبي هريرة) ثم قال الدارقطني: تفرد به حجاج بن سنان عن علي بن زيد فلم يروه عن حجاج إلا السكن بن أبي السكن قال ابن حجر في تخريج الأذكار: والأربعة ضعفاء وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر وضعفه ابن حجر(4/249)
5192 - (الصيام جنة) أي سترة بين الصائم وبين النار أو حجاب بين الصائم وبين شهوته لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة
(حم ن عن أبي هريرة)(4/249)
5193 - (الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وستر (من النار كجنة أحدكم من القتال) قال ابن عبد البر: [ص:250] حسبك بهذا فضلا للصائم وهذا إذا لم يخرقه بنحو غيبة أو كذب كما مر مرارا
(حم ق هـ عن عثمان بن أبي العاص) ورواه عنه أيضا ابن عبد البر وغيره(4/249)
5194 - (الصيام جنة حصينة من النار) أي من نار جهنم لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها
(هب عن جابر) وفيه يوسف بن يعقوب القاضي قال الذهبي في الضعفاء: مجهول وأحمد بن عيسى وابن لهيعة ضعيفان(4/250)
5195 - (الصيام جنة وحصن حصين من النار) قال المحقق أبو زرعة: من هذا الخبر وما قبله وما بعده أخذ جمع أن الصوم أفضل العبادات البدنية مطلقا لكن ذهب الشافعي إلى أن أفضلها الصلاة
(حم هب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: هو في الصحيح خلا قوله وحصن إلخ وسنده حسن(4/250)
5196 - (الصيام جنة) أي وقاية (ما لم يخرقها) أي بالغيبة فإنه إذا اغتاب فقد خرق ذلك السائر له من النار بفعله وتمام الحديث عند البيهقي ومن ابتلاه الله بلاء في جسده فله حظه
(ن هق عن أبي عبيدة) بن الجراح(4/250)
5197 - (الصيام جنة ما لم يخرقها بكذب أو غيبة) فيه كالذي قبله تحذير الصائم من الغيبة وقد ذهب الأوزاعي إلى أنها تفطر الصائم وتوجب عليه القضاء وزعم أنه خارق للإجماع إبطال بحكاية المنذري وغيره له عن عائشة وسفيان الثوري
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر وهو ضعيف(4/250)
5198 - (الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام) خالص (لي) لا يطلع عليه غيري (وأنا أجزي به) صاحبه جزاءا كثيرا وأتولى الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر بيني وبين عبدي لأنه لما كف نفسه عن شهواتها جوزي بتولي الله سبحانه إحسانه
(طب) والديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: سنده حسن(4/250)
5199 - (الصيام جنة من النار فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ) فإن الجهل لا يليق بحال الصائم (وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغيره وفتحه قيل خطأ (أطيب عند الله من ريح المسك) فإذا كان هذا بتغير ريح فمه فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته؟ قال ابن جماعة: وفيه أن خلوف فم الصائم أفضل من دم الجريح في سبيل الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهيد: إن ريحه ريح المسك وقال في خلوف الصائم: إنه أطيب منه ووجهه أن الجريح يظهر أمره للناس فربما داخله رياء والصائم لا يعلم بصومه إلا الله فلعدم دخول الرياء فيه صار أرفع
(ن عن عائشة) رمز المصنف لصحته(4/250)
[ص:251] 5200 - (الصيام نصف الصبر) لأن الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب فالنفس تشتهي الشيء لمحصول اللذة بإدراكه وتغضب لفوته وتنفر لنفرتها من المؤلم والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب لكن من كمال الصوم حبس النفس عنهما وبه تمسك من فضل الصبر على الشكر
(هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وكأنه لم ير قول ابن العربي في السراج حديث ضعيف جدا(4/251)
5201 - (الصيام نصف الصبر) لأن جماع العبادات فعل وكف والصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف وهو شرط الصبر فهما صبران صبر عن أشياء وصبر على أشياء والصوم معين على أحدهما فهو نصف الصبر ذكره الحليمي وقال الغزالي: هذا مع خبر الصبر نصف الإيمان ينتج أن الصوم ربع الإيمان ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله من بين سائر الأركان وقوله الصيام نصف الصبر مع قوله تعالى {إنما يوفى الصابرين أجرهم} إلخ ينتج أن ثواب الصوام يتجاوز قانون التقدير والحساب اه. وما ذكر هنا من أنه نصف الصبر يعارضه ما صار إليه بعض المفسرين من أن المراد بالصبر في آية {واستعينوا بالصبر} الصوم بدليل مقابلته بالصلاة أما على ما ذهب إليه الأكثر من تفسير بالعبادة كلها فلا تعارض (وعلى كل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام) لأنه ينقص من قوة البدن وينحل الجسم فيكون الصيام كأنه أخرج شيئا من جسده لوجه الله فكأن زكاته
(هب عن أبي هريرة) وفيه محمد بن يعقوب قال الذهبي في الضعفاء: له مناكير وموسى بن عبيد ضعفوه وقال أحمد: لا تحل الرواية عليه(4/251)
5202 - (الصيام لا رياء فيه قال الله تعالى هو لي) إنما أضيف إليه مع أن العبادة بل العالم كله له لأنه لم يعبد أحد من دون الله بالصوم فلا شريك له فيه بخلاف غيره أو أنه بعيد عن الرياء لعدم الإطلاع عليه أو أن الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته ومن تخلق بشيء منها فقد تقرب إليه بما يتعلق بهذه الصفة فيورثه محبة الله التي هي للعبد قبول دعائه وتكفير سيئاته وحمايته أو هي إضافة تشريف كقوله {ناقة الله} أو إضافة حماية {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة العطاء وشرفه (يدع طعامه وشرابه من أجلي) نبه به على أن الثواب المرتب على الصيام إنما يحصل بإخلاص العمل فإن كان لغرض مذموم كرياء كان وبالا فرب صائم حظه من صيامه الجوع ورب صائم حظه القرب والرضا <تنبيه> قال الطيبي: إن قلت هذا الحديث ونحوه يدل على أن الصوم أفضل من الصلاة والصدقة قلت إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة أفضل من الصدقة وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل منها وما يدلى إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها كان أفضل
(هب عن أبي هريرة) ورواه أيضا ابن منيع وأبو نعيم والديلمي(4/251)
5203 - (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات) كذا بخط المصنف [ص:252] وفي نسخ بدله الشراب وهو تحريف أي تناولهما (بالنهار) كله (فشفعني فيه ويقول القرآن أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) بضم الياء وشد الفاء أي يشفعهما الله تعالى فيه ويدخله الجنة وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {والله على كل شيء قدير} ويحتمل أنه يوكل ملكا يقول عنهما ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل
(حم طب ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: إسناده حسن وقال غيره: فيه ابن لهيعة(4/251)
حرف الضاد(4/252)
5204 - (ضاف ضيف رجلا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجح) بضم الميم وجيم مكسورة وحاء مشددة بضبط المصنف أي حامل مقرب دنت ولادتها ذكره الزمخشري وما وقع في أمالي المصنف من أنه بخاء معجمة فجيم اعترضوه (فقالت الكلبة والله لا أنبح ضيف أهلي فعوى جراؤها) أي نبحوا وصاحوا (في بطنها قيل ما هذا فأوحى الله إلى رجل منهم هذا مثل أمة تكون من بعدهم يقهر سفهاؤها حلماءها) قال في الفردوس: يقرقر سفهاؤها أي يغلب بأصواتها العالية والقرقرة رفع الصوت في الجدال
(حم) وكذا البزار والطبراني والديلمي (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط(4/252)
5205 - (ضالة المسلم) أي ضائعته مما يحمي نفسه (1) ويقدر على الإبعاد في طلب الرعي والماء كإبل وبقر لا غنم (حرق النار) بالتحريك وقد يسكن لهبها إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى إحراقه بالنار وقال القاضي: أراد أنها حرق النار لمن آواها ولم يعرفها أو قصد الخيانة فيها كمن بينه خبر مسلم من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها وأصل الضالة الضائعة من كل ما يقتني ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة تقع على الذكر والأنثى والجمع
(حم ت ن حب) عن أبي المنذر أو أبي غياث قال الذهبي: وهو أصح (عن الجارود) واسمه بشر فلقب به لأنه أغار على بكر بن وائل وجرهم (بن المعلى) وقيل العلاء وقيل عمرو صحابي جليل شهير قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح (حم هـ حب عن عبد الله بن الشخير طب عن عصمة بن مالك) قال الهيثمي: فيه أحمد بن راشد وهو ضعيف ورواه عنه أيضا ابن ماجه في الأحكام والحرث والديلمي قال: قدمت على المصطفى صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر فقلنا: يا رسول الله إنا نجد ضوال من الإبل فذكره قال ابن حجر: وحديث النسائي إسناده الصحيح
_________
(1) أي الحيوان القادر على حماية نفسه عندما يبتعد في طلب الرعي والماء(4/252)
5206 - (ضالة المؤمن العلم كلما قيد حديثا) بالكتابة (طلب إليه آخر) يقيده بجانبه وهكذا والأصل في الضلال الغيبة يقال ضل الشيء غاب وخفي موضعه وقال ابن الأعرابي: أضله كذا إذا عجز عنه ولم يقدر عليه وضل الناس غاب حفظه وفيه جواز كتابة العلم فهي مستحبة بل قيل واجبة وإلا لضاع
(فر) من طريق عبد الوهاب عن مجاهد (عن علي) أمير المؤمنين وفيه الحسن بن سفيان قال الذهبي: قال البخاري: لم يصح حديثه وأخرجه أبو نعيم وابن لال أيضا(4/252)
[ص:253] 5207 - (ضحك ربنا) أي عجب ملائكته فنسب الضحك إليه (1) لكونه الآمر (2) والمريد (من قنوط عباده) أي من شدة يأسهم (وقرب غيره) . ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو تمام الحديث والأمر بخلافه بل بقيته قال أي أبو رزين: قلت يا رسول الله أويضحك الرب قال: نعم قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا اه بلفظه <تنبيه> قال العارف ابن عربي: بحر العماء يرزخ بين الحق والخلق في هذا البحر اتصف الممكن بعالم وقادر وجميع الأسماء الإلهية التي بأيدينا واتصف الحق بالضحك والتعجب والبشش والفرح والمعية وأكثر النعوت الكونية فرد ماله وأخذ مالك فله النزول ولنا المعراج اه
(حم هـ عن أبي رزين) العقيلي ورواه عنه الطيالسي والديلمي
_________
(1) [لعل في هذا الشرح بعض تكلف حيث أن تتمة الحديث التي أوردها المناوي تثبت الضحك لله بعد سؤال الصحابي عنه. وعليه فسياق الحديث يدل أن الضحك هنا مثبت لله من باب الكناية: لا يقصد معنى الكلمة من انفراج شفة وخروج نفس وإنما يقصد المعنى الملازم للكلمة من الرضا والقبول بما يتعجب منه عادة وإن عدمت الشفة في حال جريح مثلا أو في حال المنزه عن الجوارح سبحانه وتعالى. فكما قد يقول أحدهم " ضحكت لذلك الكلام " وإن كان ذلك المتكلم جريحا لا شفة له فكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن ربنا ضحك من قنوط عباده أي رضي وقبل بما يسبب عادة العجب. وفي هذا إثبات لنص الحديث ومعناه الظاهر من باب الكناية من غير تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل
ولأهمية هذا الموضوع يذكر فيما يلي كلاما مهما وجامعا في الكناية. قال المحدث العالم الشيخ محمود الرنكوسي:
إن الله تعالى وصف ذاته العلية بصفتين مشتقتين من الرحمة وهما " الرحمن " و " الرحيم ". فالرحمة لغة: رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان وإذا أضيفت إلى الله تعالى هذه الصفة وسائر مشتقاتها كان معناها ما يترتب على رقة القلب في الإنسان من التفضيل والإحسان القائمين على مزيد من اللطف بالخلق والعطف عليهم والإحسان إليهم فأما رقة القلب نفسها فإنها أمر يستحيل على الباري - جل وعز - فالتعبير إذن تعبير كنائي يطلق اللفظ فيه ويراد لازم معناه دون حقيقة معناه كما هو شأن الكناية دائما في لغة العرب. . . انتهى من مقدمة " المعرفة الحقيقية لدار الحديث الأشرفية " للشيخ محمود الرنكوسي. وانظر كذلك شرح الحديث 5215. دار الحديث]
(2) والعرب تضيف الفعل إلى الآمر كما تضيفه إلى الفاعل وكذا تضيف الشيء الذي هو من حركات المخلوقين إلى الباري عز وجل كما تضيف ذلك الشيء إليهم(4/253)
5208 - (ضحكت من ناس يأتونكم من قبل المشرق يساقون إلى الجنة وهم كارهون) الضحك خاص بالإنسان من بين الحيوان ومعناه استفادة سرور يلحق فتنشط له عروق قلبه فيجري الدم فيها فيفيض إلى سائر عروق بدنه فتثير فيه حرارة فينبسط لها وجهه وتملأ الحرارة فاه فيضيق عنها فتنفتح شفتاه وتبدو أسنانه فإن تزايد ذلك السرور ولم يمكن ضبط النفس استخفه الفرح فضحك حتى قهقه ولذلك كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسما لأنه كان يملك نفسه فلا يستخفه السرور فيغلبه فيقهقه والباري منزه عن هذه الصفة فيأول ضحكه بما سبق
(حم طب عن سهل بن سعد) قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق فحفر فصادف حجرا فضحك فقيل له: ما يضحكك قال: ضحكت إلخ(4/253)
5209 - (ضحكت من قوم يساقون إلى الجنة مقرنين في السلاسل) أراد الأسارى الذين يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام فيصيرون من أهل الجنة كما سيأتي
(حم عن أبي أمامة) بإسناد حسن(4/253)
5210 - (ضحوا بالجذع) بفتحتين أي بالشاب الفتي (من الضأن) وهو من الإبل ما دخل في الخامسة ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية ومن الضأن ما تم له عام (فإنه جائز) أي مجزئ في الأضحية فإن أجذع أي أسقط سنه قبلها أجزأ عند الشافعية
(حم طب عن أم بلال) بنت بلال الأسلمية عن أمها قال الهيثمي: رجاله ثقات اه(4/253)
5211 - (ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما) قال الطيبي: بدل من مثلا لا على إهدار المبدل كقوله زيد رأيت غلامه رجلا صالحا إذ لولا أسقط غلامه لم يتبين (وعلى جنبتي) بفتح النون والباء بضبط المصنف (الصراط) أي جانبيه وجنبة الوادي جانبه وناحيته وهي بفتح النون والجنبة بسكون النون الناحية ذكره ابن الأثير (سوران) تثنية سور قال الطيبي: [ص:254] سوران مبتدأ وعلى جنبتي خبره والجملة حال من صراطا وقوله (فيهما أبواب) الجملة صفة لسوران (مفتحة وعلى الأبواب ستور) جمع ستر (مرخاة) أي مسبلة (وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط) وفي رواية استقيموا على الصراط (جميعا ولا تعوجوا) أي لا تميلوا يقال عاج يعوج إذا مال عن الطريق (وداع يدعو عن فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك) زجر له من تلك الهمة وهي كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها (لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) أي تدخل الباب وتقع في محارم الله قال الطيبي: هذا يدل على أن قول أبواب مفتحة أنها مردودة غير مغلقة (فالصراط الإسلام والسوران حدود الله تعالى والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم) قال تعالى {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية. قال الطيبي: ونظير هذا حديث ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في الأرض محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه فالسور بمنزلة الحمى وحولها بمنزلة الباب والستور حدود الله الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله وواعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن والأخرى لمة الشيطان وإنما جعل لمة الملك التي هي واعظ الله فوق داعي القرآن لأنه إنما ينتفع به إذا كان المحل قابلا ولهذا قال تعالى {هدى للمتقين} إنما ضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقريب ليصير المعقول محسوسا والمتخيل متحققا فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد ليساعد فيه الوهم العقل فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة الوهم لأن طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء قال النووي: سر هذا الحديث أنه أقام الصراط معنى للإسلام وأقام الداعي معنى للكتاب والداعي الآخر معنى للعظة في قلب كل مؤمن فأنت على الصراط الدائم وهو الإسلام وسامع النداء القائم وهو القرآن فإن أنت أقمت حركاتك وسكناتك بمدبرك وخالقك بسقوط من سواه أقامك إليه به وقمت به إليه بسقوطك عنك فحينئذ يكشف لك اسمه الأعظم الذي لا يخيب من قصده به قال القاضي: وضرب المثل احتماله من ضرب الخاتم وأصله وقع الشيء على الشيء
(حم ك) في الإيمان وكذا الطبراني (عن النواس) ابن سمعان قال الحاكم: على شرط مسلم ولا علة له وأقره الذهبي وقضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس للترمذي في الأمثال(4/253)
5212 - (ضرس الكافر) في جهنم (مثل أحد) أي مثل جبل أحد في المقدار (وغلظ جلده مسيرة ثلاث) أي ثلاث ليال وإنما جعل كذلك لأن عظم جسده تضاعف في إيلامه وذلك مقدور لله يجب الإيمان به قال القرطبي: وهذا إنما يكون في حق البعض بدليل حديث إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال فيساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس قال: ولا شك أن الكفار متفاوتون في العقاب كما علم من الكتاب والسنة اه. ونازعه ابن حجر بأن ذلك في أول الأمر عند المحشر
(م ت عن أبي هريرة)(4/254)
5213 - (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعضده مثل البيضاء) موضع في بلاد العرب يسمى البيضاء أو هو اسم جبل (ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة) قرية بقرب المدينة قال القاضي: يريد ما بين الربذة والمدينة والربذة [ص:255] على ثلاث مراحل منها بقرب ذات عرق
(ت) في صفة جهنم (عن أبي هريرة) وقال: حسن غريب(4/254)
5214 - (ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان) كقطران جبل أسود على يمين المار من المدينة إلى مكة. قال القرطبي: روي عن أنس مرفوعا لما تجلى ربنا للجبل صار بعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء وبالمدينة أحد وورقان ورضوى (ومقعده في النار ما بينه وبين الربذة) قد عرفت تقديره مما قبله
(حم ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير ربعي بن إبراهيم وهو ثقة(4/255)
5215 - (ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده سبعون ذراعا بذراع الجبار) أراد به هنا مزيد الطول أو أن الجبار اسم ملك من اليمن أو العجم كان طويل الذراع (1) وقال الذهبي: ليس ذا من الصفات في شيء وهو مثل قولك ذراع الخياط وذراع النجار وقال العارف ابن عربي: هذه إضافة تشريف مقدار جعله الله تعالى إضافة إليه كما تقول هذا الشيء كذا ذراعا بذراع الملك تريد الذراع الأكبر الذي جعله الملك وإن كان ذراع الملك الذي هو الجارحة كأذرعنا والذراع الذي جعله يزيد على ذراع الجارحة فليس ذراعه حقيقة وإنما هو مقدار نصيبه ثم أضيف فاعله (1) والجبار في اللسان الملك العظيم وكذا القدم يضع الجبار فيها قدمه أصل القدم الجارحة ويقال لفلان في هذا قدم أي ثبوت وقد يكون الجبار ملكا وهذه القدم لذلك الملك ومثل هذه الأخبار كثيرة منها صحيح وسقيم وما منها خبر إلا وله وجه من وجوه التنزيه وإن أردت أن يقرب عليك ذلك فاعمد إلى اللفظة الموهمة للتشبيه وخذ فائدتها أو روحها أو ما تكون عنها فاجعله في حق الحق تفز بدرجة التنزيه كما حاز غيرك درك التشبيه هكذا فافعل وطهر ثوبك وقلبك فيكفي هذا القدر والسلام. (3)
(البزار) في مسنده (عن ثوبان) قال الهيثمي: فيه عباد بن منصور وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات
_________
(1) [قوله " أو أن الجبار اسم ملك من اليمن أو العجم ": لا يخفى ما في هذا المعنى من التكلف. دار الحديث]
(2) [ولتسهيل فهم ذلك فليتأمل في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام " وروح منه " وقوله تعالى " وادخلي جنتى " حيث أن إضافة " الروح " و " الجنة " إلى الله عز وجل هي إضافة تشريف لا تبعيض. وذلك بديهي يفهمه العالم والجاهل وإنما ذكر لسهولته ولتقريب المعنى إلى الأفهام بخصوص ما هو أدق منه في المعنى مثل " ذراع الجبار " المذكور في هذا الحديث. دار الحديث]
(3) وانظر كلام الشيخ محمود الرنكوسي في الكناية في التعليق على شرح الحديث 5207. دار الحديث](4/255)
5216 - (ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي) أي أسرع تذكرا فيما يريد إنشاءه من العبارات والمقاصد وذلك لأن القلم أحد اللسانين المعبرين عما في القلب وكل منهما يسمع ما يريد القلب ومحل الاستماع الآذان فاللسان موضوع على محل الاستماع والقلم منفصل عنه فيحتاج لتقريبه من محل الاستماع. قال عياض: وفي هذا الخبر وشبهه دلالة على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها وأخذ الباجي من قضية الحديث أنه كتب بعد أن لم يكن يحسن الكتابة ورمي بالزندقة لذلك أي لمخالفته للقرآن وانتصر له بأنه لا ينافيه بل يقتضيه لتقييده النفي بما قبل ورود القرآن وبعد ما تحققت أمنيته وتقررت معجزته لا مانع من كتابة بلا تعليم وتكون معجزة أخرى وبأن ابن أبي شيبة روى عن عون: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ
(ت) في الاستئذان عن قتيبة عن عبد الله بن الحرث عن عنبسة عن محمد بن زاذان عن أم سعد (عن زيد بن ثابت) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فسمعته يقول ضع إلخ ثم قال: إسناده ضعيف وعنبسة ومحمد ضعيفان اه. وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر بأنه ورد من طريق أخرى لابن عساكر ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع
_________
[ (" للمملي ": أي للذي يملي الكلام على من يكتبه. ولفهم هذا الحديث يلزم استحضار طريقة الإملاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأدواتها حيث كانت الكتابة أبطأ من الإملاء بمقدار أكثر مما يتبادر إلى ذهننا وذلك لاستعمالهم الجلد والعظم والحجر وأمثالها ولعدم توفر الأقلام السهلة الاستعمال كتلك المعروفة في عصرنا
وكذلك يلزم استحضار قوة ذاكرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وخصوصا الكتاب منهم وطول الأحاديث التي كانوا يستطيعون حفظها ولو من دور واحد والتي بلغنا منها الكثير. من ذلك كله ومن هذا الحديث يتضح أن الإملاء المذكور هنا ليس كالإملاء المعهود لنا بأن يحاول الكاتب أن يكتب في نفس الوقت الذي يجري فيه الإملاء بل يستمع مدة غير قصيرة كما تبين أعلاه ثم يتوقف المملي ويكتب الكاتب. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الكاتب وضع القلم على أذنه لأنه أذكر للمملي حيث يستطيع جمع أفكاره حول ما هو بصدد صياغته من الكلام دون أن يتوهم أن الكاتب قد يبدأ بالكتابة وأن عليه هو التوقف عن الإملاء مما " يقطع سلسلة أفكاره " بتعبيرنا
ومع أن هذا الحديث قد لا يوجد فيه من الأحكام المهمة ما يوجد في غيره غير أنه شرح باستيفاء تشجيعا للقارئ على مداومة استحضار ظروف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أثناء محاولته فهم الحديث: فنحن إذ لم يكتب لنا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدار صار حكمنا كفاقد الماء الذي شأنه التيمم. وأقرب شيء إلى رؤيته في هذه الدار وإن كان لا يقوم مقامها هو استحضار وتصور أخلاقه وصفاته وعامة ظروفه ما استطعنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وخلو الحديث من الأحكام لا ينقص من معنى الاستحضار هذا بل قد يزيد فيه إذ يريح الفكر برهة قصيرة عن قيود انشغاله بالمسائل فيصير وكأنه ينظر بسكينة عبر الزمان إلى لمحات عادية من حياة هذا النبي الكريم. وفي شرح الحديث 3256 قريب من ذلك: تحفة الصائم الزائر أن تغلف لحيته وتجمر ثيابه ويذرر وتحفة المرأة الصائمة الزائرة أن تمشط رأسها وتجمر ثيابها وتذرر. دار الحديث](4/255)
5217 - (ضع أنفك ليسجد معك) وجوبا عند الحبر ابن عباس وجمع وندبا عند ابن عمر وآخرين لأن المأمور بالسجود [ص:256] وجوبا عليه تلك الأعظم السبعة فلو وجب السجود عليه لكانت ثمانية قال ابن حزم: والخلاف في الأنف إنما هو في الجواز لا الصحة فلو ترك السجود على أنفه قادرا فلا خلاف بين سلف الأئمة وخلفهم أنه لا إعادة عليه وإن أساء وأخطأ بتركه
(هق عن ابن عباس) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يسجد على جبهته فذكره رمز المصنف لحسنه قال في العلل: وأصح منه خبر عكرمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تجزى صلاة لا يمس الأنف من الأرض ما يمس الجبين(4/255)
5218 - (ضع أصبعك السبابة على ضرسك) الذي يؤلمك (ثم اقرأ آخر يس) {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلا} إلى آخر السورة قاله لرجل يشتكي ضرسه ويظهر أن غيره من الأسنان كذلك
(فر عن ابن عباس)(4/256)
5219 - (ضع بصرك موضع سجودك) أي انظر إلى محل سجودك ما دمت في الصلاة وفيه أنه يندب إدامة النظر في جميع صلاته لأن ذلك أقرب إلى الخشوع وموضع سجوده أقرب وأسهل تمامه كما في الفردوس قال أنس: قلت يا رسول الله هذا شديد لا أطيقه قال: ففي المكتوبة إذن يا أنس
(فر عن أنس) وفيه الربيع بن بدر ضعفوه وعنطوانة قال الذهبي في الضعفاء: لا يعرف وحديثه منكر ورواه عنه أبو نعيم أيضا ومن طريقه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف له لكان أولى(4/256)
5220 - (ضع يدك) يا عثمان بن أبي العاص الثقفي الذي شكا إلينا وجعا في جسده وهذا الأمر على جهة التعليم والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها ولا ينبغي للراقي العدول عنه للمسح بحديد وملح ولا بغيره فإنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ففعله تمويه لا أصل له (على الذي تألم من جسدك) أي بدنك قال ابن الكمال: والألم إدراك المنافي من حيث إنه منافي ومقابل الشيء هو مقابل ما يلائمه وفائدة قيد الحيثية الاحتراز عن إدراك المنافي لا من حيث منافاته فإنه ليس بألم (وقل بسم الله) والأكمل إكمال البسملة (ثلاثا) من المرات (وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) هذا العلاج من الطب الإلهي لما فيه من ذكر الله والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وتكراره يكون أنجع وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة وفي السبع خاصية لا توجد لغيرها
(حم م هـ عن عثمان بن أبي العاص الثقفي) قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعا في جسدي منذ أسلمت فذكره وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رووه إلا البخاري كلهم في الطب إلا النسائي في اليوم والليلة(4/256)
5221 - (ضع يمينك على المكان الذي تشتكي فامسح بها سبع مرات وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد) من الوجع تقول ذلك (في كل مسحة) من المسحات السبع وفيه كالذي قبله ندب وضع اليد على محل الألم والذكر المذكور
(طب ك) في الجنائز (عنه) قال الحاكم: رواه مسلم بنحو منه من حديث يزيد بن الشخير عن عثمان(4/256)
5222 - (ضع السوط حيث يراه الخادم) من البيت فإنه أبعث على الأدب والقصد به أن الإنسان لا يترك خدمه هملا بل [ص:257] يؤدبهم
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز لحسنه
_________
(1) [ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أحدا بيده الشريفة. وقال في الحديث 1194: اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. وفي زيادة الجامع الصغير: لقد طاف الليلة بآل محمد نساء كثير كلهن تشكو زوجها من الضرب. وأيم الله لا تجدون أولئكم خياركم. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك عن إياس الدوسي. وفي الحديث 1093: اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم
فينبه أن الضرب لا يلجأ إليه في كل حال وأنه يكون على مقدار الذنب لا على مقدار الغضب. وقيل فيه:
تكفي اللبيب إشارة مرموزة. . . والبعض يفهم بالنداء العالي
والبعض بالزجر دون العصا. . . والعصا رابع الأحوال
دار الحديث](4/256)
5223 - (ضعي) يا أم بجيد (في يد المسكين) المراد به ما يشمل الفقير (ولو ظلفا محرقا) قال القاضي: هذا وما أشبهه إنما يفصد به المبالغة في رد السائل بأدنى ما تيسر ولم يقصد به صدور هذا الفعل من المسؤول فإن الظلف المحرق غير منتفع به
(حم طب عن أم بجيد) بضم الباء قالت: يا رسول الله يأتيني السائل فأتزاهد له بعض ما عندي فقال ذلك(4/257)
5224 - (ضعي يدك) يا أسماء بنت أبي بكر الذي خرج في عنقها خراج (عليه ثم قولي ثلاث مرات بسم الله اللهم أذهب عني شر ما أجد بدعوات نبيك الطيب المبارك المسكين عندك بسم الله)
<تنبيه> قال بعض العارفين: انقسام أثر الحكمة إلى الخير والشر والصحة والسقم حجاب من حجب الله تعالى كما أن انقسام قوامها إلى العلم والجهل والنور والظلمة غاية مدد حجبه
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق وابن عساكر) في التاريخ (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قال المصنف: كان بها خراج فشكته إليه فذكره(4/257)
5225 - (ضعي يدك اليمنى على فؤادك) في رواية فامسحيه (وقولي) حال مسحه (بسم الله اللهم داوني بدوائك واشفني بشفائك وأغنني بفضلك عمن سواك واحذر) ضبطها بذال معجمة بخط الشارح وليس بصواب فقد وقفت على خط المصنف في مسودته فوجدته أحدر بدال مهملة (عني آذاك) قاله لغيري بفتح الراء فعلى من الغيرة وهي الحمية والأنفة
(طب عن ميمونة بنت أبي عسيب) وقيل: بنت أبي عنبسة قالت: قالت امرأة يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تسكنني بها فذكرته. قال المصنف: كانت غيرا(4/257)
5226 - (ضمن (1) الله خلقه أربعا: الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة. وهن السرائر التي قال الله تعالى {يوم تبلى السرائر} ) وذلك أن الله لما علم من عبده الملل وتوالي التواني والكسل لون له الطاعات ليدوم له بها تعمير الأوقات فجعلها أبوابا مشتملة على أجناس شتى
(هب عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي
_________
(1) [" ضمن " بتشديد الميم: جعلهم ضامنين. دار الحديث](4/257)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الضاد](4/257)
5227 - (الضالة واللقطة (1)) أي الملقوطة (تجدها) أي التي تجدها (فانشدها) (2) وجوبا (ولا تكتم ولا تغيب) أي تسترها عن [ص:258] العيون (فإن وجدت ربها) أي مالكها (فأدها) إليه (3) (وإلا) بأن لم تجده (فإنما هو مال الله يؤتيه لمن يشاء) فإن شئت فاحفظها وإن شئت فتملكها بعد التعريف المعتبر (4)
(طب عن الجارود) صحابي جليل اسمه بشر وفي اسم أبيه خلف
_________
(1) هي ما ضل من البهيمة للذكر والأنثى وفي العلقمي هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره والمراد بها في الحديث الإبل والبقر مما يحمي نفسه ويقدر على طلب الإبعاد في المرعى والماء بخلاف الغنم
(2) " فنشدها ": أي ابحث عن صاحبها
(3) مع زوائدها المتصلة والمنفصلة قبل أن تتملكها أو بعد تملكها فأدها إليه دون زوائدها المنفصلة الحادثة بعد تملكها فإن تلفت بعد تملكها وجب رد بدلها
(4) [لذلك شروط ومدة تراجع في كتب الفقه. دار الحديث](4/257)
5228 - (الضب) حيوان بري يشبه الورل (1) قيل: يعيش سبع مئة سنة ولا يشرب (لست آكله) لكوني أعافه وليس كل حلال تطيب النفس له (ولا أحرمه) مضارعان وفي رواية بجعلهما اسمين قال ابن الأثير: وهي أولى لأن الاسمية في هذا المقام أرفع من الفعلية لأنه مع الاسمية يفيد أنه غير متصف بأكله وأن غيره هو الذي يأكله ولأنه مع الاسمية يعمم الأزمنة ومع الفعلية يختص بالاستقبال ومذهب الأئمة الثلاثة حل أكله وكرهه الحنفية قال النووي: أجمع المسلمون على أنه حلال غير مكروه إلا ما حكى عن الحنفية من كراهته وإلا ما حكاه عياض عن قوم من تحريمه ولا أظنه يصح عن أحد فإن صح فمحجوج بالنص وإجماع من قبله
(حم ق) في الذبائح (ت) في الأطعمة (ن هـ) في الصيد (عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) محركة دابة كالضب أو العظيم من أشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس لحمه حار جدا يسمن بقوة وزبله يجلو الوضح وشحمه يعظم الذكر ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة وأكل لحمه يذهب العطش(4/258)
5229 - (الضبع) بضم الباء وسكونها (صيد وفيه) لفظ رواية الدارقطني وفيها (كبش) إذا صاده المحرم ويحل أكله عند الشافعية لا الحنفية وكرهه مالك قال ابن العربي: وعجبا لمن يحرم الثعلب وهي تفترس الدجاج ويبيح الضبع وهو يفترس الآدمي ويأكله اه. ومع كونه لا يؤكل عند الحنفية يضمنه المحرم بالجزاء عندهم
(قط هق عن ابن عباس) وتعقبه الغرياني في مختصر الدارقطني بأن فيه يحيى بن المتوكل ضعفوه ظاهر كلامه أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو عجب فقد خرجه الأربعة جميعا: أبو داود والترمذي في الأطعمة والنسائي وابن ماجه في الحج كلهم عن جابر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم حسنه الترمذي(4/258)
5230 - (الضبع صيد فكلها وفيها كبش مسن إذا أصابها المحرم) فيه حل أكل الضبع ولا يناقضه خبر الترمذي وابن ماجه أنه سئل: أتؤكل الضبع فقال: أو يأكل الضبع أحد لأنه منقطع وفي روائه من لا يحتج به لضعفه كما بينه أحمد فلا يقاوم هذا الصحيح
(هق عن جابر) ورواه عنه الشافعي والترمذي وابن ماجه وصححه البغوي وغيره(4/258)
5231 - (الضحك في المسجد ظلمة في القبر) فإنه يميت القلب وينسي ذكر الموت ومن ذلك تنشأ الظلمات ولا ينكشف ذلك لإنسان ويستبين غاية البيان إلا في أول منازل الآخرة والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا لكن المخاطب بذلك إنما هو أمثالنا من أهل اللهو واللعب أما أهل الله فضحكهم ينور القلب قال ابن عربي: خدمت فاطمة بنت المثنى القرطبي وقد بلغت من العمر نحو مئة فكانت تفرح وتضحك وتضرب بالدف وتقول عجبت لمن يقول أنه يحب الله ولا [ص:259] يفرح به وهو مشهوده عينه إليه ناظرة في كل عين لا يغيب عنه طرفة عين فهؤلاء البكاءون كيف يدعون محبته ويبكون أما يستحيون إذا كان قربه مضاعفا من قرب المتقربين إليه والمحب أعظم الناس قربا إليه فهو مشهوده فعلى من يبكي إن هذه لأعجوبة
(فر عن أنس) ورواه عنه أيضا الميداني والجرجاني(4/258)
5232 - (الضحك ضحكان ضحك يحبه الله وضحك يمقته الله فأما الضحك الذي يحبه الله فالرجل يكشر) أي يكشف عن سنه ويبتسم (في وجه أخيه) في الإسلام حتى تبدو أسنانه بفعل ذلك (حداثة عهد به وشوقا إلى رؤيته وأما الضحك الذي يمقت الله تعالى عليه فالرجل يتكلم بالكلمة الجفاء والباطل) عطف تفسير (ليضحك أو يضحك) بمثناة تحتية فيهما تفتح في الأول وتضم في الثاني بضبط المصنف (يهوي) أي يسقط (بها في جهنم سبعين خريفا) أي سنة سميت باسم الجزء إذ الخريف أحد فصول السنة وفيه تجنى الثمار وهذا القسم من الضحك مذموم منهي عنه والقسم الأول مندوب وهو لغيرهما مباح ما لم يكثر منه وإلا كسره قال النووي: قال العلماء يكره إكثار الضحك وهو في أهل الرتب والعلم أقبح ومن آفات كثرته موت القلب أي قسوته وظلمته
(هناد عن الحسن مرسلا) هو البصري(4/259)
5233 - (الضحك ينقض الصلاة) (1) إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم عند الشافعية (ولا ينقض الوضوء) وإن كان بقهقهة كما اقتضاه الإطلاق وعليه الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: إن قهقه انتقض
(قط) من حديث أبي شيبة عن يزيد بن أبي خالد عن أبي سفيان (عن جابر) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يضحك في الصلاة فذكره ثم تعقبه مخرجه البيهقي بقوله خالفه إسحاق بن بهلول عن أبيه في لفظه فقال: الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وعن عطاء عن جابر قال: كان لا يرى على الذي يضحك في الصلاة وضوءا قال: والصحيح وقفه على جابر اه. هذا من أحاديث الأحكام وضعفه شديد فسكوت المصنف عليه غير سديد قال الحافظ الذهبي في التنقيح: أبو شيبة واه ويزيد ضعيف اه وقال الحافظ ابن حجر عن النيسابوري: حديث منكر وخطأ الدارقطني رفعه ونقل ابن عدي وابن الجوزي عن أحمد أنه ليس في الضحك حديث صحيح وقال الذهبي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك خبر وقد استوفى البيهقي الكلام عليه في الخلافيات وجمع فيه الخليلي جزءا مفردا
_________
(1) قال في الفتح: قال أهل اللغة التبسم مبادئ الضحك والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فالضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ(4/259)
5234 - (الضرار) أي المضاررة (في الوصية من الكبائر) في الفردوس: الضرار إدخال الضرر على الشيء والنقص فيه ومعناه أن الموصي إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله فقد ضار الورثة ونقص حقهم (1) ويجوز أن يكون ضار نفسه بتجاوز الحد المندوب إليه ومخالفته قول الشارع
(ابن جرير) الإمام المجتهد (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن الحافظ (في التفسير) [ص:260] للقرآن (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الطبراني والديلمي
_________
(1) أو قصد حرمان الورثة دون التقرب إلى الله أو أقر بدين لا أصل له واستدل به من قال بحرمة الوصية بما زاد على الثلث(4/259)
5235 - (الضمة في القبر كفارة لكل مؤمن لكل ذنب بقي عليه لم يغفر له) ظاهره يشمل حتى الكبائر وليس في القبر عذاب إلا الضمة وهذا يعارض خبر أكثر عذاب القبر من البول وعامة عذاب القبر من البول وقد يقال (الرافعي في تاريخه) إمام الدين القزويني (عن معاذ) بن جبل(4/260)
5236 - (الضيافة ثلاثة أيام) يعني إذا نزل به ضيف فحقه أن يضيفه ثلاثة أيام بلياليها يتحفه في الأول ويقدم له في الأخيرين ما حضر (فما كان وراء ذلك) أي فإذا مضت الثلاثة فقد قضى حقه فإن زاد عليها فما يقدمه له (فهو صدقة) عليه لا يقال قضية جعله ما زاد على الثلاثة صدقة أن ما قبلها واجب لأنا نقول إنما سماه صدقة للتنفير عنه إذ كثير من الناس سيما الأغنياء يأنفون من أكل الصدقة
(خ عن أبي شريح حم د عن أبي هريرة)(4/260)
5237 - (الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة) فيه عموم يشمل الغني والفقير والمسلم والكافر والبر والفاجر وأما خبر لا يأكل طعامك إلا تقي فالمراد غير الضيافة مما هو أعلى في الإكرام من مؤاكلتك معه وإتحافك إياه بالظرف واللطف وإذا كان الكافر يرعى حق جواره فالمسلم الفاسق أولى بالرعاية
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب (طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه رشد بن كريب وهو ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد ذكره الحافظ العراقي باللفظ المذكور وقال: إنه متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي(4/260)
5238 - (الضيافة ثلاثة أيام) بما حضر من الطعام وجرت به عادة بغير كلفة ولا إضرار بممونه إلا إن رضوا وهم بالغون عاقلون (فما زاد) عليها (فهو صدقة) إن شاء فعل وإن شاء ترك (وكل معروف صدقة) أي يثاب عليه ثواب الصدقة أما لو لم يجد فاضلا عن ممونه فلا ضيافة عليه بل ليس له ذلك وأما خبر الأنصاري المشهور الذي أثنى الله ورسوله عليه وعلى امرأته بإيثارهما الضيف على أنفسهما وصبيانهما حيث نومتهم أمهم بأمره حتى أكل الضيف فأجيب عما اقتضاه ظاهره من تقديمها ما يحتاجه الصبيان بأن الضيافة لتأكدها والاختلاف في وجوبها مقدمة وبأن الصبيان لم تشتد حاجتهم للأكل وإنما خافا أن الطعام لو قدم للضيف وهم مستيقظون لم يصبروا على الأكل منه وإن لم يكونوا جياعا
(البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/260)
5239 - (الضيافة ثلاث ليال حق لازم) أي الواجب (فما سوى ذلك فهو صدقة) قال الزمخشري: معناه أنه يحتفل له في اليوم الأول ويقدم له ما حضر في الثاني والثالث وهو فيما وراء ذلك متبرع إن فعل فحسن وإلا فلا بأس اه. وأخذ بظاهره [ص:261] أحمد فأوجبها وحمله الجمهور على أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ أو أن الكلام في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المارة أو في المضطرين أو مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الزكاة من جهة الإمام فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم. قال الخطابي: وهذا كان في ذلك الزمن حيث لم يكن بيت مال فأما الآن فأرزاق العمال من بيت المال
(الباوردي (1) وابن قانع طب والضياء عن الثلب) بفتح المثلثة وسكون اللام (بن ثعلبة) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه وقال المنذري: في إسناده نظر
_________
(1) بفتح الموحدة وسكون الراء ودال مهملة نسبة إلى أبيور بلد بناحية خراسان وهو أبو محمد عبد الله بن محمد(4/260)
5240 - (الضيافة ثلاثة أيام) أي غير الأول وقيل به (فما زاد فهو صدقة وعلى الضيف أن يتحول بعد ثلاثة أيام) لئلا يضيق عليه بإقامته فتكون الصدقة على وجه المن والأذى قال في المطامح: جعله ذلك حقا واجبا معروفا ومنع من إطالة المقام عنده حتى لا يحرجه إلا أن يكون عن طيب قلب وتراض
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب قرى الضيف عن أبي هريرة(4/261)
5241 - (الضيافة ثلاثة أيام فما كان فوق ذلك فهو معروف) فيه وفيما قبله أن الضيافة ثلاث مراتب حق واجب أي لا بد منه في اتباع السنة وتمام مستحب دون ذلك وصدقة كسائر الصدقات فالحق يوم وليلة والمستحب ثلاثة أيام
(طب عن طارق بن أشيم) الأشجعي والد أبي مالك سعد يعد في الكوفيين قال الهيثمي: فيه من أعرفهم ورواه البزار عن ابن مسعود بلفظ الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة وكل معروف صدقة قال المنذري: رواته ثقات(4/261)
5242 - (الضيافة على أهل الوبر) سكان الخيام والبوادي لأن بيوتهم يتخذونها من وبر الإبل (وليست على أهل المدر) سكان القرى والمدر جمع مدرة وهي اللبنة وبه أخذ مالك لتعذر ما يحتاجه المسافر في البادية وتيسر الضيافة على أهلها بخلاف أهل القرى والمدن لتعدد مواضع النزول وبيع الأطعمة ومذهب الشافعي أن المخاطب بها أهل البادية والحضر على السواء
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال عبد الحق: فيه إبراهيم بن عبيد الله بن أخي عبد الرزاق حدث بالمناكير اه. وفي الميزان: قال الدارقطني: كذاب ومن مصائبه أحاديث هذا منها ثم قال: ففيه أشياء من وضع هذا المدبر وقال ابن حبان: يروي عن عبد الرزاق مقلوبات كثيرة لا يجوز الاحتجاج بها ومن ثم قال القاضي حسين: إنه موضوع فمن شنع عليه فكأنه لم يقف على ما رأيت(4/261)
5243 - (الضيف) قال القاضي: سمي ضيفا لأنه مائل إلى ما نزل عليه والضيف الميل يقال ضاف السهم عن الهدف إذا مال عنه (يأتي برزقه معه) بمعنى حصول البركة عن المضيف (ويرتحل بذنوب القوم) الذين أضافوه (يمحص عنهم ذنوبهم) أي بسببه يمحص الله عنهم ذنوبهم قد تضمن هذا أو السبعة قبله الحث على الضيافة وتأكد شأنها وبيان عظيم مكانها من الإسلام لما فيها من عظيم الفوائد كالألفة والاجتماع وعدم التفرق والانقطاع إذ الناس إذا أكرم بعضهم بعضا ائتلفت قلوبهم واتفقت كلمتهم وقويت شوكة الدين واندحضت جهالات الكفار والملحدين وغالب الناس إما ضيف [ص:262] أو مضيف فإذا أكرم بعضهم بعضا حصل الصلاح والائتلاف وإذا أهان بعضهم بعضا وجد الافتتان والخلاف
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن أبي الدرداء) قال السخاوي: سنده ضعيف وله شاهد(4/261)
حرف الطاء(4/262)
5244 - (طائر كل إنسان) أي عمله يعني كتاب عمله يحمله (في عنقه) فسمي عمل الإنسان الذي يعاقب عليه طائرا وخص العنق لأن اللزوم فيه أشد قال في الفردوس: طائر الإنسان ما كتبه الله من خير وشر فهو حظه الذي يلزم عنقه لا يفارقه من قولك طيرت المال بين القوم فطار لفلان كذا أي قرر له فصار له
(ابن جرير) الإمام المجتهد (عن جابر) ورواه أحمد والديلمي وفيه ابن لهيعة(4/262)
5245 - (طاعة الله طاعة الوالد) أي والوالدة وكأنه اكتفى به عنها من باب {سرابيل تقيكم الحر} (ومعصية الله معصية الوالد) والوالدة والكلام في أصل لم يكن في رضاه أو سخطه ما يخالف الشرع وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولو أمر بطلاق زوجته قال جمع: امتثل لخبر الترمذي عن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني بطلاقها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: طلقها قال ابن العربي في شرحه: صح وثبت وأول من أمر ابنه بطلاق امرأته الخليل وكفى به أسوة وقدوة ومن بر الابن بأبيه أن يكره من كرهه وإن كان له محبا بيد أن ذلك إذا كان الأب من أهل الدين والصلاح يحب في الله ويبغض فيه ولم يكن ذا هوى قال: فإن لم يكن كذلك استحب له فراقها لإرضائه ولم يجب عليه كما يجب في الحالة الأولى فإن طاعة الأب في الحق من طاعة الله وبره من بره
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه عنه شيخه أحمد بن إبراهيم بن هبة الله بن كيسان وهو لين عن إسماعيل بن عمرو البجيلي وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أبو حاتم وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح(4/262)
5246 - (طاعة الإمام) الأعظم (حق على المرء المسلم) وإن جار (ما لم يأمر بمعصية الله فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وخص المسلم لأنه الأحق بالتزام هذا الحق وإلا فكل ملتزم للأحكام كذلك وفيه أن الإمام إذا أمر بمندوب يجب طاعته فيه فيصير المندوب واجبا كما إذا أمرهم بثلاثة أيام في الاستسقاء فإنه يلزمهم الصوم ظاهرا وباطنا بل ذكر بعض الشافعية أنه إذا أمر بصدقة أو عتق يجب
(هب عن أبي هريرة)(4/262)
5247 - (طاعة النساء) في كل ما هو من وظائف الرجال كالأمور المهمة (ندامة) أي غم لازم لما يترتب عليها من سوء الآثار وقيل: من أطاع عرسه لم يرفع نفسه وقال الحكماء: من أراد أن يقوى على طلب الحكمة فليكف عن تمليك النساء نفسه لا ضرر أضر من الجهل ولا شر أشر من النساء قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة في صلح الحديبية انتهى. واستدرك عليه ابنة شعيب في أمر موسى فالحديث غالبي
(عق) عن المطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن عمرو بن هاشم عن محمد بن سليمان بن أبي كريمة هن هشام عن عروة عن عائشة [ص:263] ثم قال مخرجه العقيلي: محمد بن سليمان حدث عن هشام ببواطيل لا أصل لها منها هذا الخبر وقال ابن عدي: ما حدث بهذا الحديث عن هشام إلا ضعيف انتهى. ومن ثم قال ابن الجوزي: موضوع (والقضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن لال والديلمي كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه (عن عائشة) وفي الميزان: فيه محمد بن سليمان ضعفه أبو حاتم(4/262)
5248 - (طاعة المرأة ندامة) لنقصان عقلها ودينها والناقص لا ينبغي طاعته إلا فيما أمنت عائلته وهان أمره فإن أكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء. ولهذا قال عمر فيما رواه العسكري: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة (1) وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر شاوروهن وخالفوهن فلا أصل له
(عد) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الطوائفي عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن أم سعيد ابنة زيد بن ثابت (عن زيد بن ثابت) قال ابن عدي: وعثمان وعنبسة ليسا بشيء وعثمان لا يحتج به وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا وهو ما أخرجه العسكري في الأمثال عن عمر قال: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة
_________
(1) [وقول عمر رضي الله عنه هو في كل ما هو من وظائف الرجال كالأمور المهمة كما مر في شرح الحديث 5247. ولا يؤخذ منه مخالفتهن على إطلاقها فذلك خلاف العقل والحكمة وإنما يفهم منه عدم التحرز من مخالفتهن إذا رأى الرجل خطأهن فإن في مخالفتهن حينئذ البركة. ومرد ذلك شدة ضعف الرجال من قبيل النساء وسهولة ذهاب لب العاقل بسببهن فنبهوا في هذا الحديث وأمثاله إلى ذلك الضعف كما نبهوا مثلا في القرآن وفي أحاديث أخرى إلى فتنة المال والبنين
أما موافقتهن في أمور الخير ومشاورة المرأة الصالحة فلا ندامة في أمثالها. دار الحديث](4/263)
5249 - (طالب العلم تبسط له الملائكة) أي الكرام الكاتبين أو أعم (أجنحتها رضا بما يطلب) يعني إنما تنظر إليه بعين البهاء والجلال فتستشعر في أنفسها تعظيمه وتوقيره وجعل وضع الجناح مثلا لذلك يعني أنها تفعل له نحو مما يفعل مع الأنبياء ولأن العلماء ورثنهم ذكره الحليمي
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه الطيالسي والبزار والديلمي(4/263)
5250 - (طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات) أي هو بمنزلته بينهم فإنهم لا يفهمون ولا يعقلون كالأموات {إن هم إلا كالأنعام}
(العسكري) علي بن سعيد (في الصحابة وأبو موسى في الذيل) كلاهما من طريق أبي عاصم الحبيطي (عن حسان بن أبي سنان) بمهملة ثم نون مخففة (مرسلا) وهو البصري أحد زهاد التابعين مشهور ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يروي الحكايات ولا أعرف له حديثا مسندا. قال في الإصابة: قلت أدركه جعفر بن سليمان الضبعي وهو من صغار أتباع التابعين(4/263)
5251 - (طالب العلم أفضل عند الله من المجاهد في سبيل الله) لأن المجاهد يقاتل قوما مخصوصين في قطر مخصوص والعالم حجة الله على المنازع والمعارض في سائر الأقطار وبيده سلاح العالم يقاتل به كل معارض ويدفع به كل محارب وذلك هو الجهاد الأكبر وعدة العلم تغني عن محاربة المنازع وسلاح العلم يخمد المحارب ويكبت المعاند (1)
(فر عن أنس) بن مالك
_________
(1) [ولأن السلاح وسيلة إلى قمع العدو لا غير أما العلم فوسيلة إلى إقناعه ونفعه. دار الحديث](4/263)
5252 - (طالب العلم لله) عز وجل هكذا هو في رواية الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهوا (كالغادي والرائح في سبيل الله عز وجل) أي في قتال أعدائه بقصد إعلاء كلمته فهو يساويه في الفضل ويزيد عليه لما تقرر فيما قبله
(فر عن عمار) بن ياسر (وأنس) بن مالك ورواه عنهما أبو نعيم أيضا وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه إلى الأصل لكان أولى(4/263)
5253 - (طالب العلم طالب الرحمة طالب العلم ركن الإسلام ويعطى أجره) على طلبه (مع النبيين) لأنه وارثهم وخليفتهم [ص:264] فيكون ثوابه من جنس ثوابهم وإن اختلف المقدار والمراد العلم بالله وصفاته ومعرفة ما يجب له وما يستحيل عليه وذلك أشرف العلوم فإن العلم يشرف بشرف معلومه. (1)
(فر عن أنس) ورواه عنه الميداني أيضا
_________
(1) [ومثله: العلم بالحلال والحرام وتعليمه إذ هو ما بعث به المرسلون. دار الحديث](4/263)
5254 - (طبقات أمتي خمس طبقات كل طبقة منها أربعون سنة فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان) أي هم أرباب القلوب وأصحاب المكاشفات والمشاهدات لأن العلم بالشيء لا يقع إلا بعد كشف المعلوم وظهوره للقلب كما أن الرؤية للبصر لا تقع إلا بعد ارتفاع الموانع والسواتر بينه وبين المرئي واليقين شهود الفوائد للشيء المعلوم فقد يكون العلم بالشيء وتقع فيه الشكوك إذا بعد عن شهود القلب كبعد المرئي عن البصر وذلك ليس بعلم حقيقي ولا مرئي فالعلم صفة للقلب السليم والسليم هو الذي ليس له إلى الخلق نظر ولا للشيء عنده خطر ولا للدنيا فيه أثر (والذين يلونهم إلى الثمانين أهل البر والتقوى) أي هم أرباب النفوس والمكابدات فالبر صدق المعاملة لله والتقوى حسن المجاهدة لله فكأنه وصفهم بأنهم أصحاب المجاهدات قد سخوا بالنفوس فبذلوها وأتعبوها بالخدمة لكن لم يبلغوا درجة الأولين في مشاهدات القلوب (والذين يلونهم إلى العشرين ومئة أهل التراحم والتواصل) تكرموا بالدنيا فبذلوها للخلق ولم يبلغوا الدرجة الثانية في بذل النفوس (والذين يلونهم إلى الستين ومئة أهل التقاطع والتدابر) أي هم أهل تنازع وتجاذب فأداهم ذلك إلى أن صاروا أهل تقاطع وتدابر (والذين يلونهم إلى المائتين أهل الهرج والحروب) أي يقتل بعضهم بعضا ويتهارجون ضنا بالدنيا والولد حينئذ ينفر من أبيه ولا يعاطفه بل يقاتله فتربية جرو يحرسك خير من تربية ولد ينهشك والحاصل أنه وصف طبقته بأنهم أرباب القلوب والمكاشفات والثانية بأنهم المجاهدون لنفوسهم والثالثة بأنهم أهل بذل وسخاء وشفقة ووفاء والرابعة بأنهم أهل تجاذب ومنازع والخامسة بأنهم أهل شر وحرب
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) كلام المصنف كالصريح في أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة عادلا عنه وهو عجيب فقد خرجه ابن ماجه باللفظ المزبور وعزاه له الديلمي وغيره ورواه أيضا العقيلي وغيره كلهم بأسانيد واهية فقد أورد الحافظ ابن حجر في عشارياته: حديث أنس هذا من طريقين وقال: حديث ضعيف فيه عباد ويزيد الرقاشي ضعيفان وله شواهد كلها ضعاف منها أن علي بن حجر رواه عن إبراهيم بن مظهر الفهري وليس بعمدة عن أبي المليح بن أسامة الهذلي عن أبيه ومنها ما رواه يحيى بن عتبة القرشي وهو تالف عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس بنحوه قال: وإنما أوردته لأن له متابعا ولكونه من إحدى السنن(4/264)
5255 - (طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة) في أمالي ابن عبد السلام إن أريد به الإخبار عن الواقع فمشكل إذا طعام الاثنين لا يكفي إلا هما والجواب أنه خبر بمعنى الأمر أي أطعموا طعام الاثنين للثلاث أو هو تنبيه على أنه يقوت الأربعة وأخبرنا بذلك لئلا نجزع أو معناه طعام الاثنين إذا أكلا متفرقين كاف لثلاثة اجتمعوا وقال المهلب: المراد من هذه الأحاديث الحث على المكارمة والتقنع بالكفاية وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية بل المواساة
(مالك ق ت) في الأطعمة (عن أبي هريرة)(4/264)
5256 - (طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية) قال ابن الأثير: يعني شبع الواحد قوت الاثنين وشبع الاثنين قوت الأربعة وشبع الأربعة قوت الثمانية ومنه قول عمر عام الرمادة " لقد هممت أن أنزل على أهل كل بيت مثل عددهم فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه اه. واستنبط منه أن السلطان في المسغبة يفرق الفقراء على أهل السعة بقدر ما لا يحيق بهم
(حم م ت ن عن عائشة) ولم يخرجه البخاري(4/264)
5257 - (طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا) قال في البحر: يجوز كونه بمعنى الغذاء والقوة لا في الشبع لأنه غير محمود بل فيه ضرر ومرض ويجوز كون المراد الندب إلى المواساة وأنه تعالى يجعل فيه البركة فالمعنى أن الذي يشبع الواحد يرد جوعة الاثنين وكذا الأربعة والثمانية فإنه يرد كلب الجوع وذلك فائدته وفيه حث على المواساة والمروءة وعدم الاستبداد وتجنب البخل والشح
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ففي الرواية الأولى من لم أعرفه وفي الثانية أبو بكر الهذلي وهو ضعيف(4/264)
5258 - (طعام السخي دواء) في رواية شفاء (وطعام الشحيح داء) وفي رواية طعام البخيل داء وطعام الجواد شفاء لكونه يطعم الضيف مع ثقل وتفجر وعدم طيب نفس ولهذا قال الخواص: إنه يظلم القلب فينبغي الإجابة إلى طعام السخي دون البخيل وفي الإحياء أن بخيلا موسرا دعاه بعض جيرانه فقدم له طباهجة ببيض فأكثر منها فانتفخ بطنه وصار يتلوى فقال له الطبيب: تقيأ. قال: أتقيأ طباهجة أموت ولا أتقيؤها. فعلى من ابتلي بداء البخل أن يعالجه حتى يزول ولعلاجه طريقان: علمي وعملي قررهما حجة الإسلام
(خط في كتاب البخلاء) أي فيما جاء في ذمهم (وأبو القاسم) بن الحسين الفقيه الحنبلي (الخرقي) بكسر المعجمة وفتح الراء وآخره قاف نسبة إلى بيع الخرق والثياب (في فوائده) وكذا الحاكم والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب. وقال الزين العراقي: ورواه ابن عدي والدارقطني في غرائب مالك وأبو علي الصدفي في غرائبه وقال: رجاله ثقات أئمة قال ابن القطان: وإنهم لمشاهير ثقات إلا مقدام بن داود فإن أهل مصر تكلموا فيه اه. لكن في الميزان ومختصره اللسان: إنه حديث كذب وعزاه المصنف في الدرر كأصله لابن عدي عن ابن عمر وقال: لا يثبت فيه ضعفاء ومجاهيل(4/264)
5259 - (طعام المؤمنين في زمن الدجال) أي في زمن ظهوره (طعام الملائكة التسبيح والتقديس) خبر مبتدأ محذوف أو بدل مما قبله أي يقوم لهم مقام الطعام في الغداء (فمن كان منطقه يومئذ التسبيح والتقديس أذهب الله عنه الجوع) أي والظمأ فكأنه اكتفاء به من قبيل {سرابيل تقيكم الحر}
(ك عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح فقال الذهبي: كلا إذ فيه سعيد بن سنان متهم تالف اه(4/264)
5260 - (طعام أول يوم) في الوليمة (حق) فتجب الإجابة له (وطعام يوم الثاني سنة) فلا تجب الإجابة له مطلقا قطعا بل هي سنة وقيل: تجب إن لم يدع في اليوم الأول أو دعى وامتنع لعذر ودعى في الثاني ورجحه من الشافعية الأذرعي. قال الطيبي: يستحب للمرء إذا أحدث الله له نعمة أن يحدث له شكرا وطعام اليوم الثاني سنة لأنه قد يتخلف عن الأول [ص:266] بعض الأصدقاء فيجبر بالثاني تكملة للواجب وليس طعام الثالث إلا رياء وسمعة (وطعام يوم الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به) فتكره الإجابة إليه تنزيها وقيل: تحريما وهذا الحديث قد عمل به الشافعية والحنابلة قال النووي: إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون ندبها فيه كندبها في اليوم الأول اه. وتعدد الأوقات كتعدد الأيام وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول وكذا صوره الروياني ووجه بأن إطلاق كونه رياء يشعر بأن ذلك صنع المباهاة والفخر وإذا كثر الناس فدعى في كل يوم فرقة فلا مباهاة
(ت) في النكاح (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما قال فقد ضعفه مخرجه الترمذي صريحا وقال: لم يرفعه إلا زياد بن عبد الله وهو ضعيف كثير المناكير والغرائب اه. وتبعه عليه عبد الحق جازما به وأعله ابن القطان بعلة أخرى وهي عطاء بن السائب فإنه مختلط وقال ابن حجر: سماعه من عطاء بعد الاختلاط(4/264)
5261 - (طعام يوم في العرس سنة وطعام يومين فضل وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة) فيكره الإجابة إليه على ما مر تقريره لكن ذهب البخاري إلى المنع (1) وقال: لم يجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم للوليمة وقتا معينا يختص به قال: وهذا الحديث يعارضه حديث إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها قال: وهذا أصح وقال ابن سيرين عن أبيه: إنه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام فدعى في ذلك أبي بن كعب فأجابه وأصرح من ذلك في الرد ما خرجه أبو يعلى بسند قال ابن حجر في الفتح: حسن عن أنس تزوج صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام اه. حيث ما ذهب إليه البخاري ذهب المالكية قال: عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كون الوليمة أسبوعا اه. وحاول ابن حجر التوفيق بين مقالة البخاري وما جرى عليه أصحابنا الشافعية من الكراهة حيث قال: إذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيحمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك ونزول الكلام على حالين
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس كما ظن فقد قال الحافظ ابن حجر: رواه الطبراني عن وحشي وابن عباس وسندهما ضعيف وقال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الله العرزمي وهو ضعيف وقال في موضع آخر: طرقه كلها لا تخلو عن مقال لكن مجموعها يدل على أن للحديث أصلا
_________
(1) [في الأصل: " ذهب البخاري إلى المن " فصححناه " ذهب البخاري إلى المنع " حسب سياق النص. دار الحديث](4/266)
5262 - (طعام بطعام وإناء بإناء) قاله لما أهدت إليه زوجته زينب أو أم سلمة أو صفية قال ابن حجر: ولم يصب من ظنها حفصة طعاما في قصعة فجاءت عائشة فضربت بها فانكسرت وألقت ما فيها فقيل يا رسول الله ما كفارته فذكره قال ابن بطال: احتج به الشافعي على أن من استهلك عرضا أو حيوانا فعليه مثله ولا يقضى بقيمته إلا بفقد مثله وذهب مالك إلى القيمة مطلقا وعنه ما كيل أو وزن فقيمته وإلا فمثله قال ابن حجر: وما أطلقه عن الشافعي فيه نظر وإنما يحكم في الشيء بمثله إذا تشابهت أجزاؤه والقصعة متقومة لاختلاف أجزائها والجواب ما قال البيهقي أن القصعتين كانتا للمصطفى صلى الله عليه وسلم فعاقب الكاسرة بجعل المكسورة في بيتها واحتج به الحنفية بقولهم إذا تلفت العين المغصوبة بفعل الغاصب فزال اسمها ومعظم منافعها ملكها الغاصب وضمها ولا يخفى تكلفه
(ت عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: إسناده حسن(4/266)
[ص:267] 5263 - (طعام كطعامها وإناء كإنائها) احتج بهذا الحديث العنبري لمذهبه أن جميع الأشياء إنما تضمن بالمثل فلو أتلف خشبة لزمه مثلها من جنسها وكذا الثوب وحكى عن أحمد وداود وأجيب بأنه ذكرها على وجه المعونة والإصلاح دون بث الحكم لأن القصعة والطعام ليس لهما معلوم وبأن هذا الطعام والإناء حملا من بيت أم سلمة والغالب أنه ملك النبي صلى الله عليه وسلم وله أن يحاكم في ملكه كيف شاء وفيه حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنصافه وجميل معاشرته وصبره على النساء
(حم عن عائشة) قالت: ما رأيت صانع طعام مثل صفية صنعت طعاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت به فأخذتني غيرة فكسرت الإناء فقلت: ما كفارة ما صنعت فذكره فقال ابن حجر: إسناده حسن(4/267)
5264 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قد تباينت الأقوال وتناقضت الآراء وفي هذا العلم المفروض على نحو عشرين قولا وكل فرقة تقيم الأدلة على علمها وكل لكل معارض وبعض لبعض مناقض وأجود ما قيل قول القاضي: ما لا مندوحة عن تعلمه كمعرفة الصانع ونبوة رسله وكيفية الصلاة ونحوها فإن تعلمه فرض عين قال الغزالي في الإحياء: المراد العلم بالله وصفته التي تنشأ عنه المعارف القلبية وذلك لا يحصل من علم الكلام بل يكاد يكون حجابا مانعا منه وإنما يتوصل له بالمجاهدة فجاهد تشاهد ثم أطال في تقريره بما يشرح الصدور ويملأ القلب من النور
(عد هب عن أنس) بن مالك (طس خط عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت ضعيف جدا (طس عن ابن عباس) قال: وفيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد ضعيف (تمام) في فوائده (عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن مسعود) وفيه عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان القرشي عن حماد بن أبي سليمان وعثمان قال البخاري: مجهول ولا يقبل من حديث حماد إلا ما رواه عنه القدماء كالثوري وشعبة ومن عداهم رووا عنه بعد الاختلاط (خط عن علي) أمير المؤمنين (طس هب عن أبي سعيد) سئل عنه النووي فقال: ضعيف وإن كان معناه صحيحا وقال ابن القطان: لا يصح فيه شيء وأحسن ما فيه ضعيف وسكت عنه مغلطاي وقال المصنف: جمعت له خمسين طريقا وحكمت بصجته لغيره ولم أصحح حديثا لم أسبق لتصحيحه سواه وقال السخاوي: له شاهد عند أبي شاهين بسند رجاله ثقات عن أنس ورواه عنه نحو عشرين تابعيا(4/267)
5265 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال السهروردي: اختلف في العلم الذي هو فريضة قيل هو علم الإخلاص ومعرفة آفات النفس وما يفسد العمل لأن الإخلاص مأمور به كما أن العمل مأمور به وخدع النفس وغرورها وشهواتها يخرب مباني الإخلاص فصير علمه فرضا وقيل معرفة الخواطر وتفصيل عللها منشأ الفعل وذلك يفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان وقيل علم نحو البيع والشراء وقيل علم التوحيد بالنظر والاستدلال والنقل علم الباطن وهو ما يزداد به العبد يقينا وهو الذي يكتسب لصحبة الأولياء فهم وراث المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الغزالي في المنهاج: العلم المفروض في الجملة ثلاثة علم التوحيد وعلم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه وعلم الشريعة والذي يتعين فرضه من علم التوحيد ما تعرف به أصول الدين وهو أن تعلم أن لك إلها قادرا عالما حيا مريدا متكلما سميعا بصيرا لا شريك له متصفا بصفات الكمال منزها عن دلالات الحدث متفردا بالقدم وأن محمدا رسوله الصادق فيما جاء به ومن علم السر معرفة مواجبه ومناهيه حتى يحصل لك الإخلاص والنية وسلامة العمل ومن علم الشريعة كل ما وجب [ص:268] عليك معرفته لتؤديه وما فوق ذلك من العلوم الثلاثة فرض كفاية (وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب) يشعر بأن كل علم يختص باستعداد وله أهل فإذا وضعه في غير محله فقد ظلم فمثل معنى الظلم بتقليد أخس الحيوان بأنفس الجواهر لتهجين ذلك الوضع والتنفير عنه
(هـ) في السنة عن هاشم بن عمار عن حفص بن سليمان عن كثير بن شطير عن ابن سيرين (عن أنس) قال المنذري: سنده ضعيف وقال المناوي وغيره: حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث وقال البخاري: تركوه وقال البيهقي: متنه مشهور وطرقه كلها ضعيفة وقال البزار: أسانيده واهية وقال السخاوي: حفص ضعيف جدا بل اتهم بالكذب والوضع لكن له شاهد وقال ابن عبد البر: روي من وجوه كلها معلولة لكن معناه صحيح لكن قال الزركشي في اللآلئ: روي من طرق تبلغ رتبة الحسن وقال المصنف: حديث حسن فقد قال المزني: روي من طرق تبلغ رتبة الحسن وقال المصنف في الدرر: في طرقه كلها مقال لكنه حسن(4/267)
5266 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم) قال ابن عربي: للعلم اطلاقات متباينة ويترتب على ذلك اختلاف الحد والحكم كلفظ العالم والعلماء ومن هنا اختلفوا في فهم هذا الحديث وتجاذبوا معناه فمن متكلم يحمل العلم على علم الكلام ويحتج لذلك بأنه العلم المتقدم رتبة لأنه علم التوحيد الذي هو المبنى ومن فقيه يحمله على علم الفقه إذ هو علم الحلال والحرام ويقول إن ذلك هو المتبادر من اطلاق العلم في عرف الشرع ومن مفسر ومن محدث وإمكان التوجيه لهما ظاهر ومن نحوي يحمله على علم العربية إذ الشريعة إنما تتلقى من الكتاب والسنة وقد قال الله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} فلا بد من إتقان العربية علم البيان والتحقيق حمله على ما يعم ذلك من علوم الشرع (وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر) قال الحليمي: يحتمل أن معنى استغفارهم له أن يكتب الله له بعدد كل من أنواع الحيوانات الأرضية استغفارة مستجابة وحكمته أن صلاح العالم منوط بالعالم إذ بالعلم يدري أن الطير لا يؤذى ولا يقتل إلا لآكله ولا يذبح ما لا يؤكل لحمه ولا يعذب طير ولا غيره بجوع ولا بظمأ ولا يجلس في حر ولا برد لا يطيقه وأن إقرار حيتان البحر في الماء إذا لم تكن إليها حاجة واجب وأنه لا يجوز التلهي بإخراجها من الماء والنظر إلى اضطرابها بالبر بغير قصد أكلها وإذا صيدت للأكل يجب الصبر عليها لتموت ولا يجوز فتحها بعصا أو حجر إلى غير ذلك اه
(ابن عبد البر) النهري (في) كتاب (العلم عن أنس) بن مالك ثم قال: روي عن أنس من وجوه كثيرة كلها معلولة لا حجة في شيء منها(4/268)
5267 - (طلب العلم فريضة على كل مسلم والله يحب إغاثة الملهوف) أي المظلوم المستغيث أو المضطر المتحسر والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله لا سيما عند مسيس الحاجة والاضطرار
(هب وابن عبد البر) في العلم (عن أنس) قال البيهقي: متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيفة وسبقه الإمام أحمد فيما حكاه ابن الجوزي في العلل فقال: لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء وقال ابن راهويه: لم يصح فيه شيء أما معناه فصحيح وفي الميزان هذا الخبر باطل(4/268)
5268 - (طلب العلم) الشرعي (أفضل عند الله من الصلاة والصيام والجهاد والحج في سبيل الله عز وجل) أي النوافل [ص:269] من المذكورات ولهذا قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة قال الغزالي: العالم سالك دائم السير إلى الله قائم أو نائم آكل أم شارب أم صائم انقبض أم انبسط يتساوى عنده التقابلات بحسب إضاءة نور العلم لإقامة أعلام الدين في سعة الجهات والأقطار ومتقابلات العوارض والأحوال
(فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن تميم السعدي قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن حبان: كان يضع الحديث أكثر محمد بن كرام عنه الموضوعات وفيه أيضا الحكم بن أبان المعدني قال الذهبي: قال ابن المبارك: ارم به ووثقه غيره(4/268)
5269 - (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة) أي من التهجد ليلة كاملة (وطلب العلم يوما خير من قيام ثلاثة أشهر) هذا فيمن طلب علما شرعيا ليعمل به كما علم مما مر آنفا قال الغزالي: لا بد للعبد من العلم والعمل لكن العلم أولى بالتقديم وأحرى بالتعظيم لأنه الأصل المرفوع والدليل المتبوع فيجب تقديمه لما أنه يجب أن يعرف المعبود ثم يعبده وكيف تعبد من لا تعرفه ولأنه يجب أن نعلم ما يلزمك فعله من الواجبات الشرعية على ما أمرت به ومدار ذلك كله على العبادات الباطنة التي هي مساعي القلب فيجب تعلمها من نحو توكل وتفويض ورضى وصبر وتوبة وإخلاص ونحو ذلك وأضدادها كسخط وأمل ورياء وكبرياء ليجتنب ذلك فإنها فرائض نص عليها في القرآن كما نص على الأمر بالصلاة والصوم فما بالك أقبلت على الصلاة والصوم وتركت هذه الفرائض والأمر بها من رب واحد بل غفلت عنها فلا تعرف شيئا منها بفتوى من أصبح يعالج حظه مشغوفا حتى صير المعروف منكرا والمنكر معروفا وممن أهمل العلوم التي سماها الله في كتابه نورا وحكمة وهدى وأقبل على ما به يكتسب الحرام ويكون مصيدة للحطام أما تخاف أن يكون مضيعا لشيء من هذه الواجبات بل لأكثرها وتشتغل بصلاة التطوع وصوم النفل فتكون في لا شيء
(فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل كان أولى ثم إن فيه نهشل بن سعيد قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابا ثم قال الديلمي: وفي الباب أبي بن كعب وجابر وحذيفة وسلمان وسمرة ومعاوية بن حيدة ونبيط بن شريط وأبو أيوب وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين بنت قدامة وأم هانىء وغيرهم(4/269)
5270 - (طلب الحق غربة) يعني إذا أردت استقامة الخلق للحق في هذه الدار لم تجد لك على ذلك ظهيرا بل تجد نفسك وحيدا في هذا الطريق لما تنازع وتكابد من دعاوي الخلق فيحسب هذه القواطع التي أقام الله بها حكمته تلحق الوحشة لسالك طريق الحق فكأنه غريب وما هو غريب
<تنبيه> قال العارف أبو المواهب: كلما رقى من له همة عالية إلى مركز عال وحضرة نفيسة من حضرات الكمال قلت أشكاله المعنوية انظر إلى أصحاب العقول الموجبة لكثرة المعقول لما تحققوا دققوا فعزت مدارك حقائقهم على العوام وجلت نفائس دقائقهم على غالب الأفهام فلذلك أوجب لهم قلة الأصحاب والأتباع لغلبة الجهل على الطباع ولله در بعض الحكماء حيث قال:
لكل امرئ شكل من الناس مثله. . . فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا
وكل أناس آلفون بشكلهم. . . فأكثرهم عقلا أقلهم شكلا
(ابن عساكر) في تاريخه مسلسلا بالصوفية (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا من هذا الوجه الديلمي والهروي في ذم الكلام ومنازل السائرين وفي الميزان علان بن زيد الصوفي لعله واضع هذا الحديث(4/269)
[ص:270] 5271 - (طلب الحلال) لفظ رواية البيهقي في سننه والديلمي في فردوسه طلب كسب الحلال (فريضة بعد الفريضة) أي بعد المكتوبات الخمس كما أشار إليه الغزالي أو بعد أركان الإسلام الخمسة المعروفة عند أهل الشرع أو المراد فريضته متعاقبة يتلو بعضها لبعض أي لا غاية لها ولا نهاية لأن طلب كسب الحلال أصل الورع وأساس التقوى وروى النووي في بستانه عن خلف بن تميم قال: رأيت إبراهيم بن أدهم بالشام قلت: ما أقدمك قال: لم أقهر لجهاد ولا لرباط بل لأشبع من خبز حلال
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك وقال البيهقي عقب روايته: تفرد به عباد وهو ضعيف وفي الميزان عن أبي زرعة وغيره: ضعيف وعن الحاكم روى عن الثوري أحاديث موضوعة وهو صاحب حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة. إلى هنا كلامه(4/270)
5272 - (طلب الحلال واجب على كل مسلم) يحتمل أن المراد طلب معرفة الحلال من الحرام والتمييز بينهما في الأحكام وهو علم الفقه ويحتمل أن المراد طلب الكسب الحلال للقيام بمؤونة من تلزمه مؤونته والاجتهاد في المباعدة عن الحرام والقنع بالحلال فإنه ممكن بل سهل فإذا قنعت في السنة بقميص خشن وفي اليوم بخبز الخشكار وتركت التلذذ بأطايب الأدم لم يعوزك من الحلال ما يكفيك فالحلال كثير وليس عليك أن تتيقن باطن الأمور بل أن تحترز مما تعلم أنه حرام وتظن أنه حرام ظنا مع ما حصل من علامة ناجزة مقرونا بالمال ذكره الغزالي
(فر عن أنس) بن مالك وفيه بقية وقد مر غير مرة وجرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: تغير قبل موته والزبير بن خريق قال الدارقطني: غير قوي ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسناده حسن(4/270)
5273 - (طلب الحلال) فيه الاحتمالات المذكورات (جهاد) أي بمنزلة الجهاد في حصول الثواب عليه لأنه جاهد نفسه في تحري الحلال مع عزته وترك الحرام مع كثرته ومكابدة دقيق النظر في التخلي عن الشبهات والكف عن كثير من المباح بالورع خوفا من الجناح وهو الجهاد الأكبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الهم في طلب الحلال
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عباس حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الديلمي وفيه محمد بن مروان السدي الصغير قال في الميزان: تركوه واتهم بالكذب ثم أورد له أخبارا منها حديث ابن عمر هذا وقال: قال ابن عدي الضعف على روايته بين(4/270)
5274 - (طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض) أي حكمه حكم من ذاق الموت في سبيل الله لأنه جعل نفسه يوم أحد وقاية للنبي صلى الله عليه وسلم من الكفار وطابت نفسه لكونه فداه وقد رأى الأمر عيانا وأصيب يومئذ ببضع وثمانين طعنة وضربة وعقر في سائر جسده حتى في ذكره وفر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كل أحد إلا هو فثبت معه وكانوا إذا ذكروا يوم أحد قالوا كان كله لطلحة وهو أحد العشرة المبشرة وأحد الثمانية السابقة إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى في الخلافة بعد عمر وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد الصديق سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلحة الفياض وطلحة الجود لكونه غاية فيه باع أرضا بسبع مئة ألف فلم يقم حتى فرقها على الفقراء وجاءه رحم له فشكى فأعطاه ثلاث مئة وكان يرسل لعائشة كل سنة عشرة آلاف وتصدق في يوم بمئة ألف ولم يجد ثوبا يصلي فيه ذلك اليوم
(هـ عن جابر) بن عبد الله (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) معا [ص:271] ورواه الديلمي عن جابر(4/270)
5275 - (طلحة ممن قضى نحبه) أي نذره فيما عاهد الله عليه من الصدق في مواطن القتال ونصرة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى الموت وإن بذلوا نفوسهم دونه فأخبر بأنه ممن وفى بنذره وأصل النحب النذر وكما يقال النحب للنذر يقال للموت أيضا ويمكن إرادته هنا فيقال في توجيهه إنه بذل نفسه في سبيل الله وخاطر بها حتى لم يبق بينه وبين الهلك شيء فهو كمن قتل وذاق الموت في سبيل الله وإن كان حيا يمشي على وجه الأرض يقال قضى نحبه إذا مات بمعنى قضى أجله واستوفى مدته والنحب المدة ذكره القاضي
(ت هـ عن معاوية) بن أبي سفيان (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) رمز المصنف لصحته(4/271)
5276 - (طلحة والزبير جاراي في الجنة) هو بضم الزاي أحد العشرة والشجعان المشتهرة كعلي وحمزة لم يلحقه في الشجاعة أحد وكان يوم بدر بعمامة صفراء فنزلت الملائكة بعمائم صفر وفتح اليرموك فكانت له فيه اليد البيضاء اخترق صفوف الروم من أولهم لآخرهم مرتين وكان له ألف عبد يؤدون الخراج فيتصدق به ولا يقوم منه بدرهم خرج على علي يوم الجمل فذكره علي بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: إني أحبه أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له فتذكر فانصرف فقتل بوادي السباع بالبصرة وجاء قاتله بشر عليا فبشره بالنار وكان له أربع نسوة فأصاب كل واحدة منهن ألف ألف ومائتي ألف
(ت ك) في المناقب (عن علي) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي فقال: لا اه. وذلك أن فيه عقبة بن علقمة تابعي قال أبو حاتم: ضعيف(4/271)
5277 - (طلوع الفجر أمان لأمتي من طلوع الشمس من مغربها) فما دام يطلع فالشمس لا تطلع إلا من مشرقها فإذا لم يطلع طلعت ذلك اليوم من المغرب فإن الفجر هو مبادئ شعاعها عند قربها من الأفق
(فر عن ابن عباس) وهو ضعيف(4/271)
5278 - (طهروا هذه الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إلا وبات معه ملك في شعاره) بكسر الشين المعجمة ثوبه الذي بلى جسده (لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال) أي الملك (اللهم اغفر لعبدك) هذا (فإنه بات طاهرا) والطهارة عند النوم قسمان طهارة الظاهر وهي معروفة وطهارة الباطن وهي بالتوبة وهي آكد من الظاهرة فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب فيتعين عليه التوبة وأن يزيل من قلبه كل شيء وحقد ومكروه لكل مسلم
(طب) وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد(4/271)
5279 - (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها) جمع فناء وهو المتسع أمام الدار ونبه بالأمر بطهارة الأفنية الظاهرة على طهارة الأفنية الباطنة وهي القلوب والأرواح <تنبيه> قال القونوي: الطهارة والنجاسة من حيث مظاهرهما التي هي المحال الموصوفة بهما ومن حيث مراتبهما وأحكام مراتبهما أنواع أما الطهارة فتحصل من أنواع الجمع الوجداني والإطلاق عن كل تقييد يقضي بالحصر وبالعلم المحقق والتوحيد الشهودي والخلو باطنا عما سوى الحق وعما سوى ما يحبه سبحانه ويرضاه وأول درجاتها المشروعة المختصة بالقلوب والأرواح الإيمان والتوحيد الاستحضاري ولوازمهما وأعلى مراتب [ص:272] الطهارة التي يتحلى بها الإنسان دوام التحقق بمعرفة الحق وشهوده بالتجلي الذاتي الذي لا حجاب معه ولا مستقر للكل دونه وباقي أنواعها ودرجاتها تتعين بين هذين الطرفين وأما أنواع النجاسة التي يتطلب التطهير منها والتحرز بعد التطهير من التلويث بها وانصباغ المحل بأحكامها فإنها تطهر من الجهل والشرك وأحكام القيود القاضية بالحصر في عقيدة مخصوصة ناشئة من التأويلات والآراء الفاسدة والعوائد الرديئة والشهوات القاهرة وكل واحدة من الطهارة والنجاسة تنقسم من حيث المحال الموصوفة بها ثلاثة أقسام قسم ظاهر وقسم باطن مشترك فرتبة الطهارة الباطنة تختص بعالم الأرواح والنفوس الزكية والصفات المضافة إليها من حيث ذواتها وما يصحبها من لطائف الصور التي كانت تدبرها
(طب عن سعد) بن أبي وقاص وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني(4/271)
5280 - (طهور إناء أحدكم) بضم الطاء على المشهور ذكره النووي وتعقبه ابن العراقي بأنه فهم أن المراد هنا الفعل ولا كذلك وإنما المراد به المطهر فهو بفتح الطاء على الأشهر قال في شرح الإلمام: هنا الطهور بالفتح المطهر وبالضم الفعل (إذا ولغ فيه الكلب) ولو كلب صيد وفي رواية للبخاري كالموطأ بدله شرب والمشهور المعروف لغة ولغ يقال ولغ يلغ إذا شرب بطرف لسانه وقيل أن يدخل لسانه في الماء فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب وزعم ابن عبد البر أن شرب لم يروه إلا مالك وليس كما قال واللفظان متقاربان لكن الشرب أخص فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في إذا ولغ يقتضي قصر الحكم عليه لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس فيتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق ويكون الولوغ غالبا ويلحق به بقية أعضائه لأن فمه أشرفها غالبا فالباء في بالأولى وأفهم ذكر الإناء إخراج الماء المستنقع وبه قال الأذرعي: لكن إذا قلنا الغسل للتنجيس يجري الحكم في قليل الماء دون كثيره (أن يغسله) بماء طهور (سبع مرات أولاهن بالتراب) كذا للأكثر وفي رواية إحداهن وطريق الجمع أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن معينة فإن كانت في نفس الخبر فللتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد حمله على إحداهن لأن فيه زيادة على الرواية المعينة ونص عليه في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره وغفل عنه من بحثه كالسبكي وإن كانت شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى ممن أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين أولاهن والتابعة وأولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحوطية ومن حيث المعنى لأن تتريب الأخيرة يحتاج إلى غسلة أخرى للتنظيف وقد نص الشافعي في حرمله على أن الأولى أولى والله أعلم وقد أخذ بهذا الحديث الشافعية وخالفهم الحنفية فلم يوجبوا التسبيع ولا التعفير لكون راويه أفتى بتثليث غسله قلنا مذهب الراوي غير حجة فإن قيل الأخذ بالسبع ترجيح لأنه ورد ثلاث وخمس قلنا الورود ممنوع وبفرضه لم يصح بشروطه أو منسوخ لتأخر التشديدات أو الغسلات أو مذهب الراوي والمالكية أوجبوا التسبيع تعبدا بغير التتريب لطهارة الكلب عندهم والكلام على هذا الحديث أفرد بالتأليف لانتشاره جدا احتج به الشافعي على نجاسة الكلب لأن الطهارة إنما تكون عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين كونها للنجس وزعم أن الطهارة تكون من غيرهما كالتيمم منع بأن موجبه الحدث وإن لم يرفع فلا يقال إنه طهارة لا عن حدث
(م د عن أبي هريرة) لكنه خالفه فأمر بالغسل منه ثلاثا فقط وذلك غير قادح في وجوب العمل به عند الأكثر وقيل إن مخالفة الراوي بمنع وجوب العمل لأنه إنما خالفه لدليل قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا(4/272)
5281 - (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل) بالبناء للمفعول (سبعا الأولى بالتراب) قال الطيبي: طهور إناء أحدكم مبتدأ وإذا ظرف معمول للمصدر والخبر أن يغسل (والهر مثل ذلك) قال البيهقي كالدارقطني: [ص:273] هذا في الكلب مرفوع وفي الهر موقوف ومن رفعه فقد غلط وقال بعض الحفاظ: إن الهر مدرج وبفرض الرفع والصحة هو بالنسبة للهر متروك الظاهر عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأخذ بقضيته طاوس فكان يجعل الهر مثل الكلب يغسل سبعا وعن أبي جريج قلنا لعطاء والهر قال: هي بمنزلة الكلب أو أشر منه وعن مجاهد في الإناء يلغ فيه السنور قال: اغسله سبع مرات <تنبيه> ذهب أحمد إلى أنه يجب غسل جميع الأنجاس سبعا تمسكا بالأمر بالتسبيع في نحو هذه الأحاديث ولا يخفى ما فيه
(ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي(4/272)
5282 - (طهور كل أديم) أي مطهر كل جلد ميتة وفي رواية طهور الأديم (دباغه) ففيه دليل على أن الطهور بمعنى المطهر وآية على فساد قول من قال لا يطهر جلد الميتة بالدبغ وخبر أم حكيم إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب فيه إرسال وبعد التنزيل لا يحمل على ما قبل الدبغ جمعا بين الأدلة وفيه إرشاد إلى استصلاح ما فيه نفع وصونه عن الضياع
(أبو بكر في) كتاب (الغيلانيات عن عائشة) قالت: ماتت شاة لميمونة فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا استمتعتم بإهابها فقالت: كيف نستمتع به وهي ميتة فذكره واقتصار المصنف على عزوه إليه يؤذن بأنه لا يعرف لأحد من المشاهير مع أن البيهقي خرجه عن عائشة باللفظ المذكور ثم قال وتبعه الذهبي: رواته ثقات اه. ورواه الدارقطني من عدة طرق ثم قال وتبعه الغرياني في مختصره: إسناده حسن كلهم ثقات اه. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: طريقه صحيح(4/273)
5283 - (طهور الطعام يزيد في الطعام والدين) بكسر الدال (والرزق) قال الشارح: لعل المراد الوضوء قبل الطعام وهو اللغوي اه. وأقول المراد أن الطعام إذا كان حلالا أورث البركة وأوجب مزيد الرزق المعنوي ووفور الحظ منه وأما الانصباغ بالطعام الحرام فيحدث في باطن المتغذى به في نفسه وأخلاقه وصفاته تلويثات هي من قسم النجاسات فهو وإن كان طاهرا صورة هو نجس معنى من حيث كونه حراما وكذا يقال في الشراب وقد جاء في خبر دم على الطهارة يوسع عليك رزقك ومن أمعن النظر في شرح ذلك اطلع على جملة من أسرار الشريعة كالحل والحرمة والطهارة والنجاسة الظاهرتين والباطنتين وأسبابهما ومزيلاتهما وعرف كيفية التحرز بعد التحلي بالطهارة من التلوث بما يشينها وعرف الطريق إلى استحلال الرزق المعنوي والحسي وسبب زيادتهما ونقصهما لا من جهة الكسب المعهود بل بما شرعه الله ونبه عليه رسوله وعرف التحليل والتحريم من الحق بواسطة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه لمحض إشفاقه على عباده وأنه طب إلهي لقلوبهم وأرواحهم ونفوسهم وأخلاقهم وصفاتهم بل لصورهم أيضا بطريق التبعية وعرف سر قوله عليه الصلاة والسلام من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن عبد الله بن جراد) ورواه الديلمي أيضا(4/273)
5284 - (طواف سبع) بالكعبة (لا لغو فيه) أي لا ينطق فيه الطائف بباطل ولا لغط وقيد بعدم اللغو لأن الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله أحل فيه المنطق فمن نطق إلا بخير كما في الحديث الآخر (يعل عتق رقبة) أي ثوابه مثل ثواب العتق
(عب عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده(4/273)
[ص:274] 5285 - (طوافك) بالكسر خطابا لعائشة (بالبيت) الكعبة (و) سعيك (بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) فيه أن القارن لا يلزمه إلا ما يلزم المفرد وأنه يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجته وعمرته وبه قال مالك والشافعي وأحمد في رواية وقال أبو حنيفة عليه طوافان وسعيان
(د عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو نعيم والديلمي(4/274)
5286 - (طوبى) تأنيث أطيب أي راحة وطيب عيش حاصل (للشام) قيل: وما ذلك يا رسول الله قال: (لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها) أي لأن ملائكة البليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء تحفها وتحوطها بإنزال البركات ودفع المهالك والمؤذيات
(حم ت ك عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/274)
5287 - (طوبى للشام) قال في الكشاف: طوبى مصدر من طاب كزلفى وبشرى ومعنى ذلك أصيب طيبا وخيرا اه. (إن الرحمن لباسط رحمته عليه) لفظ رواية الطبراني يده بدل رجمته
(طب عنه) أي عن زيد بن ثابت قال الهيثمي: ورجاله أيضا رجال الصحيح(4/274)
5288 - (طوبى للغرباء) قال الطيبي: فعلى من الطيب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها قيل معناه أصيبوا خيرا على الكتابة لأن إصابة الخير تستلزم طيب العيش فأطلق اللازم وأريد الملزوم قالوا: يا رسول الله من هم قال: (أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) وفي رواية بدله من يبغضهم أكثر ممن يحبهم ومن ثم قال الثوري: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه لو نطق بالحق لأبغضوه قال الغزالي: وقد صار ما ارتضاه السلف من العلوم غريبا بل اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع وقد صار علوم أولئك غريبة بحيث يمقت ذاكرها <فائدة> حكى في علم الاهتداء أنه مات فقير فلما جرد للغسل وجد على عنقه بين الجلد واللحم مكتوبا طوبى لك يا غريب
(حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف اه ورواه الطبراني بأسانيد قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح(4/274)
5289 - (طوبى للمخلصين) الذين خلصوا أعمالهم من شوائب الأكدار ومحضوا عبادتهم للملك القهار قال راوي الحديث أبو نعيم عقبه: وهم الواصلون للحبل والباذلون للفضل والحاكمون بالعدل (أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء) لأنهم لما أخلصوا في المراقبة ونسيان الحظوظ كلها وقطعوا النظر والقصد عما سوى معبودهم لم يكن لغيره عليهم سلطان بل هم منه في حماية وأمان قال الغزالي: عقبة الإخلاص عقبة كؤود لكن بها ينال المطلوب والمقصود نفعها كثير وقطعها شديد وخطرها عظيم كم من عدل عنها فضل ومن سلكها فزل ومن تائه فيها متحير وبناء أمر الآخرة كله عليها والأمر كله بيد الله قال: والإخلاص إخلاصان إخلاص عمل وإخلاص طلب أجر فالأول إرادة التقرب إلى الله وتعظيم أمره وإجابة دعوته والباعث عليه الاعتقاد الصحيح وضده إخلاص النفاق وهو التقرب إلى من دون الله وقال إمام الحرمين: النفاق هو الاعتقاد الفاسد الذي هو للمنافق في الله وليس هو من قبيل الإرادات والإخلاص في طلب الأجر إرادة نفع الآخرة بعمل الخير
(حل) من حديث عبد الحميد بن ثابت بن ثوبان حدثني (عن) جدي (ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فقال: [ص:275] طوبى فذكره وهكذا رواه عنه الديلمي أيضا وفيه عند مخرجه عمرون بن عبد الجبار السخاوي أورده في الضعفاء قال ابن عدي: روى عن عمه مناكير وعبيدة بن حسان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين(4/274)
2290 - (طوبى للسابقين إلى ظل الله) أي إلى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قيل: ومن هم قال: (الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه) أي أعطوا من غير مطل ولا تسويف (والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم) هذه صفة أهل القناعة وهي الحياة الطيبة التي ذكرها الله بقوله {فلنحيينه حياة طيبة} ثم ذكر جزاءه بقوله {ولنجزينهم أجرهم} الآية. فبالله استغنوا حتى قنعوا بما أعطوا ولله انقادوا وألقوا بأيديهم حتى بذلوا الحق إذا سئلوا وإلى الله أقبلوا حتى صيرهم أمناءه وحكامه في أرضه يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم فإن النفس ميالة وصاحبها لا يألوها نصحا فمن كمال عدله أن يحكم للناس بمثله
(الحكيم) الترمذي (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه(4/275)
5291 - (طوبى للعلماء) أي الجنة لهم (طوبى للعباد) بتشديد الباء (ويل لأهل الأسواق) أي حزن وهلاك ومشقة لهم لاستيلاء الغفلة والتخليط عليهم فهم كهمج وذباب يتطايرون من مزبلة لمزبلة على ألوان القاذورات فيقعن عليها ثم شغلوا بالغش والخيانة والأيمان الباطلة والمكاسب الرديئة قد لزمهم العدو فسباهم فصيرهم على شرف حريق ونزل عذاب {وما يذكر إلا أولوا الألباب}
(فر عن أنس) بن مالك(4/275)
5292 - (طوبى لعيش بعد المسيح) أي بعد نزول المسيح إلى الأرض في آخر الزمان وهو لقب عيسى عليه السلام أصله مسيحا بالعبرانية وهو المبارك وما قيل إنه فعيل بمعنى مفعول لقب به لأنه مسح بالبركة والطهارة من الذنوب أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن أو لأن جبريل مسحه بجناحه أو بمعنى فاعل لأنه كان يمسح الأرض بالسير أو كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ فلا يثبت كذا ذكره القاضي وذكر صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسميته بذلك خمسين قولا أوردها في شرح المشارق (يؤذن السماء في القطر) فتمطر (ويذدن للأرض في النبات) فتنبت نباتا حسنا (حتى لو بذرت حبك على الصفا) أي الحجر الأملس (لنبت) طاعة لإذن خالقها (وحتى يمر الرجل على الأسد) أي الحيوان المفترس المشهور (فلا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح) بين الناس (ولا تحاسد ولا تباغض) مقصود الحديث أن النقص في الأموال والثمرات ووقوع التحاسد والتباغض إنما هو من شؤم الذنوب فإذا طهرت الأرض أخرجت بركتها وعادت كما كانت حتى أن العصابة ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير فالأرض إذا طهرت ظهر فيها آثار البركة التي محقتها الذنوب ذكره ابن القيم وبالعدل يحصل الأمان ويزول التعدي والعدوان
(أبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين عن أبي هريرة) ظاهر عدول المصنف للنقاش أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو غفلة فقد خرجه أبو نعيم والديلمي وغيرهما(4/275)
5293 - (طوبى لمن أدركني وآمن بي وطوبى لمن لم يدركني ثم آمن بي) زاد ابن وهب عن أبي سعيد فقال رجل: يا رسول الله [ص:276] وما طوبى قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها
(ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه الطبراني من حديث ابن عمر فاقتصار المصنف على ابن النجار غير سديد(4/275)
5294 - (طوبى لمن أكثر الجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله (طوبى لمن ذكر الله فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد والنفقة على قدر ذلك) تمامه عند الطبراني قال عبد الرحمن لمعاذ: إنما النفقة بسبع مئة ضعف فقال معاذ: قل فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة فإذا غزوا وأنفقوا خبأ الله لهم من خزانة رحمته ما ينقطع عنده علم العبد فأولئك حزب الله وحزب الله هم الغالبون
(طب) وكذا الديلمي (عن معاذ) بن جبل قال الذهبي: فيه رجل لم يسم(4/276)
5295 - (طوبى لمن أسكنه الله تعالى إحدى العروسين) والعروسين تثنية عروس وهو وصف يشترك فيه الذكر والأنثى (عسقلان أو غزة) هذا تنويه عظيم بفضل البلدين وترغيب في السكنى بهما
(فر عن ابن الزبير) وفيه إسماعيل بن عياش وفيه خلاف عن سعيد بن يوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن معين والنسائي عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه(4/276)
5296 - (طوبى لمن أسلم) وفي رواية للقضاعي طوبى لمن هدي للإسلام (وكان عيشه كفافا) أي بقدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه قال في الحكم: من تمام النعمة عليك أن يرزقك الله ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك قال الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها. . . وإذا ترد إلى قليل تقنع
واستدل به من فضل الفقر على الغنى فقال: قد غبط النبي صلى الله عليه وسلم من كان عيشه كفافا وأخبر بفلاحه وكفى به شرفا
(الرازي) في مشيخته (عن أنس بن مالك ورواه القضاعي والشهاب وقال شارحوه: غريب(4/276)
5297 - (طوبى لمن بات حاجا وأصبح غازيا رجل مستور ذو عيال متعفف قانع باليسير من الدنيا يدخل عليهم ضاحكا ويخرج منهم ضاحكا فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصريفه (إنهم هم الحاجون الغازون في سبيل الله عز وجل) أي هم الحاجون الغازون حقا لا غيرهم إذ لا فائدة في ذلك إلا بيان كونهم أفضل يعني أن غيرهم ربما كان غازيا حاجا متلبسا بأضداد ما ذكر فلا فضل له مثل هذا يشير به إلى فضل القناعة مع الرضى قال ذو النون: سلب الغنى من سلب الرضا ومن لم يقنعه اليسير افتقر في طلب الكثير وقال عطاء: الزم القناعة تشرف في الدنيا والآخرة فليس الشرف في الإكثار وقال حكيم: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالعز والمروءة وقال في الحكم: ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع
(فر عن أبي هريرة) وفيه إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: استصغر في عبد الرزاق(4/276)
[ص:277] 5298 - (طوبى لمن ترك الجهل وآتى الفضل) أي الأمر الفاضل وهو تعلم العلم بقرينة مقابلته بالجهل أو بذل الفاضل من ماله للمواساة ويؤيده قوله في الحديث وأنفق الفضل من ماله (وعمل بالعدل) الذي قامت به السماوات والأرض ومدار قيام نظام العالم عليه قال الغزالي: ويعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها لتسوس الغضب والشهوة وتحملهما على مقتضى الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها قال الراغب: والعدالة تارة تقال في الفضائل كلها من حيث إنه لا يخرج شيء من الفضائل عنها وتارة يقال هي أكمل الفضائل من حيث إن صاحبها يقدر أن يستعملها في نفسه وفي غيره وهي ميزان الله المبرأ من كل زلة ويثبت بها أمر العالم
(حل عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا)(4/277)
5299 - (طوبى لمن تواضع في غير منقصة) بأن لا يضع نفسه بمكان يزرى به ويؤدي إلى تضييع حق الحق أو الخلق فإن القصد بالتواضع خفض الجناح للمؤمنين مع بقاء عزة الدين فالتواضع الذي يعود على الدين بالنقص ليس بمطلوب قال الخواص: إياك والإكثار من ذكر نقائصك لأن به يقل شكرك فما ربحت من جهة نظرك إلى عيوبك خسرته من جهة تعاميك عن محاسنك التي أودعها الحق فيك وقال: شهود المحاسن هو الأصل وأما نقائصك فإنما طلب النظر إليها بقدر الحاجة لئلا يقع في العجب وقال: إذا أغضبك أحد لغير شيء فلا تبدأه بالصلح لأنك تذل نفسك في غير محل وتكبر نفسه بغير حق ومن ثم قيل: الإفراط في التواضع يورث الذلة والإفراط في المؤانسة يورث المهانة قال ابن عربي: الخضوع واجب في كل حال إلى الله تعالى باطنا وظاهرا فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته لعز المؤمن وعظمته وجبروته ويظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ما يناقض الخضوع والذلة فالأولى إظهار ما يقتضيه ذلك الموطن قال تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب} الآية وقال {واغلظ عليهم} فهذا من باب إظهار عزة الإيمان بعزة المؤمن وفي الحديث أن التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين فإذا علمت أن للمواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيما قال ابن القيم: والفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتوالد من بين العلم بالله وصفاته ونعوت جلاله ومحبته وإجلاله وبين معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها فتولد من ذلك خلق هو التواضع وانكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة للخلق والمهانة الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها كتواضع الفاعل للمفعول به وقال الراغب: الفرق بين التواضع والضعة أن التواضع رضا الإنسان بمنزلة دون ما تستحقه منزلته والضعة وضع الإنسان نفسه بمحل يزرى به والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة والخشوع يقال باعتبار أفعال الجوارح ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح قال بعض الحكماء: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد من الكبر مع الأدب فأنبل بحسنة غطت على سيئتين وأقبح بسيئة غطت على حسنتين والكبر ظن الإنسان بنفسه أنه أكبر من غيره والتكبر إظهار ذلك وهذه صفة لا يستحقها إلا الله وحده فمن ادعاها من المخلوقين فهو كاذب وفي أثر: الكبر على المتكبر صدقة لأن المتكبر إذا تواضعت له تمادى في تيهه وإذا تكبر عليه يمكن أن ينبه ومن ثم قال الشافعي: ما تكبر علي متكبر مرتين وقال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام (وأذل نفسه في غير مسكنة) قال الغزالي: تشبث به طائفة الفقهاء فقلما ينفك أحدهم عن التكبر على الأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق ويتعللون بأنه ينبغي صيانة العالم عن الابتذال وأن المؤمن منهي عن إذلال نفسه فيعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه بالذل وعن التكبر الممقوت عند الله بعز الدين تحريفا [ص:278] للاسم وإضلالا للخلق
<فائدة> روى العسكري أن رجلا مر على عمر وقد تخشع وتذلل وبالغ في الخضوع فقال عمر: ألست مسلما قال: بلى قال: فارفع رأسك وامدد عنقك فإن الإسلام عزيز منيع (وأنفق من مال جمعه في غير معصية) أي صرف منه في وجوه الطاعات وفيه إشعار بأن الصدقة لا تكون إلا من مال حلال وعبر بمن التبعيضية إشارة إلى ترك التصدق بكل المال (وخالط أهل الفقه والحكمة) الذين بمخالطتهم تحيى القلوب (ورحم أهل الذل والمسكنة) أي عطف عليهم ورق لهم وواساهم بمقدوره (طوبى لمن ذل نفسه) أي رأى ذلها وعجزها فلم يتكبر وتذلل لحقوق الحق وتواضع للخلق روي أن الصديق لما ولي الخلافة قالت جويرية من الحي: إذن لا يحلب لنا منائحنا فسمعها فقال: يا بنية إني لأرجو أن لا يمنعني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه فكان يحلب للقوم شياههم وروي أن الفاروق حمل حال خلافته قربة إلى بيت امرأة أرملة أنصارية ومر بها في المجامع (وطاب كسبه) بأن كان من وجه حل (وحسنت سريرته) بصفاء التوحيد والثقة بوعد الله والخوف منه والرجاء والشفقة على خلقه والمحبة لأوليائه (وكرمت علانيته) أي ظهرت أنوار سريرته على جوارحه فكرمت أفعالها بتقوى الله وبمكارم أخلاق الدين بالصدق والبر ومراعاة الحقوق (وعزل عن الناس شره) فلم يؤذهم ومن ثم قال مالك بن دينار لراهب: عظني فقال: إن استطعت أن تجعل بينك وبين الناس سورا من حديد فافعل وقيل لبقراط: لم لا تعاشر الناس فقال: وجدت الخلوة أجمع لدواعي السلوة (طوبى لمن عمل بعلمه) لينجو غدا من كون علمه حجة عليه وشاهدا بتفريطه (وأنفق الفضل من ماله) أي صرف الزائد عن حاجته وحاجة عياله في وجوه القرب لئلا يطغى ويسكن قلبه إليه ويحظى بثوابه في العقبى (وأمسك الفضل من قوله) أي وأمسك لسانه عن النطق بما يزيد على الحاجة بأن ترك الكلام فيما لا يعنيه قال بعض العارفين: من شغل بنفسه شغل عن الناس وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه وهذا مقام العارفين وفي بعض النسخ من قوته بدل قوله فليحرر <تنبيه> قال الحكيم: هذا من الأحاديث التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم إلخ فهذا تعرفه قلوب المحققين ومن ذلك حديث أنس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء فقال: يا أيها الناس كأن الموت على غيرنا كتب وكأن الحق على غيرنا وجب وكأن ما نشيع من الموتى عن قليل إلينا راجعون نبوءهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنا مخلدون من بعدهم فطوبى لمن شغله عيبه عن عيب الناس (تتمة) قال الغزالي: التواضع خاطر في وضع النفس واحتقارها والتكبر خاطر في رفع النفس واستعظامها والتواضع عامي وخاصي فالعامي اكتفاء بالدون من نحو ملبس ومسكن ومركب والتكبر في مقابلة الترفع عن ذلك والتواضع الخاصي تمرين النفس على قبول الحق من وضيع أو شريف والمتكبر في مقابلة المترفع عن ذلك وهو معصية كبيرة وخطيئة عظيمة
(تخ والبغوي) في معجم الصحابة (والباوردي وابن قانع) في معجمه (طب هق) من حديث نصيح العنسي (عن ركب) بفتح فسكون بضبط المصنف (المصري) رمز المصنف لحسنه اغترارا بقول ابن عبد البر حسن وليس بحسن فقد قال الذهبي في المهذب: ركب يجهل ولم يصح له صحية ونصيح ضعيف اه وقال المنذري: رواته إلى نصيح ثقات وقال ابن منده والبغوي: ركب مجهول لا يعرف له صحبة وأقرهم العراقي رواه البزار عن أنس بسند ضعيف وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: نصيح العنسي عن ركب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات اه. وقال في الإصابة: حديث سنده ضعيف قال: ومراد ابن عبد البر بأنه حسن لفظه وقال السخاوي: ضعيف حتى قال ابن حبان: إنه لا يعتمد عليه [ص:279] وإن قال ابن عبد البر حسن فإنما عنى اللغوي(4/277)
5300 - (طوبى لمن رزقه الله الكفاف ثم صبر عليه) لعلمه بأنه لا يصل إليه إلا ما قدر له وأن تعبه في تحصيل غيره محال وضلال ومن ثم قيل لحكيم: من ذا الذي لا هم له قال: ليس في الدنيا إلا مهموم لكن أقلهم هما أفضلهم رضا وأقنعهم بما رزق والكفاف هو الوسط المحمود ومن ثم قيل: خير الأمور أوساطها فعند التمام يكون النقصان
<تنبيه> ذهب جمع إلى تفضيل الفقر على الغنى وعكس آخرون وفضل القرطبي الكفاف عليهما ففي المفهم إنه يقال جمع لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الحالات الثلاث فكان الفقر أول حالاته فقام بواجبه من مجاهدة النفس ثم فتح عليه الفتوح فصار بها في حد الغنى فقام بواجب الغنى من المواساة والإيثار وغيرهما مع اقتصاره على ما يسد ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم فهي الأفضل
(نكتة) قال الغزالي: لما أراد ابن أدهم دخول البادية خوفه الشيطان بأنها بادية مهلكة ولا زاد فعزم على نفسه أن يقطعها متجردا وأن لا يقطعها حتى يصلي تحت كل ميل منها ألف ركعة ووفى بذلك فحج الرشيد فرآه فيها فقال: كيف تجدك يا أبا إسحاق فقال:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا. . . فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه. . . وجاد بدنياه لما يتوقع
(فر عن عبد الله بن حنطب) بفتح المهملة وسكون النون وفتح الطاء المهملة بن الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم قال في التقريب: مختلف في صحبته له حديث مختلف في إسناده أي وهو هذا وذلك لأن فيه أحمد بن محمد بن مسروق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لينه الدارقطني عن خالد بن مخلد قال أحمد: له مناكير وقال ابن سعد: منكر الحديث مفرط التشيع(4/279)
5301 - (طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات) وذلك لأن الله مدحهم بإيمانهم بالغيب وكان إيمان الصدر الأول غيبا وشهودا فإنهم آمنوا بالله واليوم الآخر غيبا وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم شهودا لما أنهم رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات وآخر هذه الأمة آمنوا غيبا بما آمن به أولها شهودا فلذا أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ ابن عبد البر من هذا الحديث ونحوه أنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة وأيده بعضهم بخبر ابن عمر مرفوعا: أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قالوا: الملائكة قال: وحق لهم بل غيرهم قالوا: الأنبياء قال: وحق لهم بل غيرهم ثم قال: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانا انتهى
(حم تخ حب ك) في المناقب (عن أبي أمامة) الباهلي (حم عن أنس) بن مالك قال الحاكم: صحيح فتعقبه الذهبي بأن فيه جميع بن ثوب واه وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: وفيه من لم أعرفه وقال مرة أخرى: إسناد أحمد ضعيف(4/279)
5302 - (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات) ولهذا قال ابن مسعود للحرث بن قيس عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد ولم تروه وقد اعتضد بهذه الأحاديث ونحوها من ذهب إلى أن المراد بالأفضلية في [ص:280] حديث خير الناس قرنى أفضلية المجموع لا الأفراد قالوا: والسبب في كون القرن الأول أفضل أنهم كانوا غرباء في زمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وقبضهم على دينهم وكذا غيرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا عند ذلك أيضا غرباء وقد زكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك وما تقدم عن ابن عبد البر نوزع فيه بأن قضية كلامه أن يكون فيمن يجيء بعد الصحابة من يكون أفضل من بعضهم وبه صرح القرطبي قال ابن حجر: لكن كلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في جميع الصحابة فإنه صرح باستثناء أهل بدر والحديبية نعم الجمهور على أن فضل الصحابة لا يعدله شيء لمشاهدة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأما من سبق إليه بالهجرة أو النصر وضبط الشرع وتبليغه لمن بعده فلا يعدله أحد ممن بعده ومحل النزاع فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة وبه يجمع بين الأحاديث
(الطيالسي) أبو داود (وعبد بن حميد عن ابن عمر) بن الخطاب قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقيل له: أرأيت من آمن بك ولم يرك وصدقك ولم يرك قال: أولئك إخواني أولئك معي ثم ذكره(4/279)
5303 - (طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني) قال في المطامح وغيره: وهم المؤمنون بالغيب
(حم طب عن أبي سعيد) الخدري أن رجلا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك فذكره(4/280)
5304 - (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي: طوبى لهم وحسن مآب) قال بعض الصوفية: الله سبحانه وتعالى يحب من أحب أحبابه وهم يحبون من أحب أحبابهم ووفى لهم عهد المحبة ألم تسمع قول العارف على وفا؟
يا أمة الرحمن قوموا واسمعوا. . . لبشارتي بمسامع الإيمان
من حبني أو حب من قد حبني. . . حقا وصدقا فهو من أعياني
وفوا له عهد المحبة واحفظوا. . . فيه حقوق ظهوري الروحاني
ولباب حاني من أتى متطفلا. . . فعلي أن أرضيه في رضواني
فارعوا حماه وبشروه بأنه. . . علقت يداه بمنة وأمان
(طب ك) في المناقب (عن عبد الله بن يسر) قال الذهبي: فيه جميع بن ثوب واه وقال الهيثمي: فيه عند الطبراني بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة وبقية رجاله ثقات(4/280)
5305 - (طوبى لمن رآني) أي وأثرت فيه بركة نظري إليه ورؤيته لي (ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني) والعارفون يرونه في عالم الحس يقظة حتى قال الشيخ أبو العباس المرسي: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من الفقراء وفي رواية من المسلمين وكان بعضهم يعيد كل صلاة غفل فيها عن شهوده ولو سهوا ويقول: من توارى عنه شهوده في صلاته ولم يصافحه فيها فهي خداج لأنه الذي يمد جميع العمال بشريعته [ص:281] في مراتب الكمال وهذا المقام وإن عسر على الناس ولا يقول به كثير فكل ميسر لما خلق له فمن أهله الله لمقام صعب المرتقى فهو عنده من أسهل الأمور
(عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري (ابن عساكر) في تاريخه (عن وائلة) بن الأسقع(4/280)
5306 - (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) فلم يشتغل بها فعلى العاقل أن يتدبر في عيوب نفسه فإن وجد بها عيبا اشتغل بعيب نفسه فيستحي من أن يترك نفسه ويذم غيره بل يعلم أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه إن كان ذلك عيبا يتعلق بعقله واختياره فإن كان خلقيا فالذم له ذم للخالق فإن من ذم صفة فقد ذم صانعها. قال رجل لبعض الحكماء: يا قبيح الوجه فقال: ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه وإذا لم يجد بنفسه عيب فليعلم أن ظنه بنفسه أنه عرى من كل عيب جهل بنفسه وهو من أعظم العيوب. قال البيهقي: ذكر رجل عند الربيع بن خيثم فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ منها إلى ذم غيرها إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم وأمنوه على ذنوب أنفسهم. وقال بعضهم: تقيدت ببيت سمعته:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها. . . لنفسي قي نفسي عن الناس شاغل
وقال حكيم: لا أحسب أحدا لا يتفرغ لعيب الناس إلا عن غفلة غفلها عن نفسه ولو اهتم لعيب نفسه ما تفرغ لعيب أحد ونقل شيخنا العارف الشعراني عن شيخه البرهان القلقشندي: أن من علامة بعد العبد عن حضرة ربه نسيان عيوبه ونقائصه فقلت: كيف قال: لأن حضرة الحق نور وشأن النور أن يكشف عن الأشياء بخلاف الظلام قال: ومن هنا عرف الأولياء كون الحق تعالى يحبهم أو يبغضهم أو راض أو غضبان حتى قال الكرخي: لي منذ ثلاثين سنة وأنا أرى الحق ينظر إلي نظر الغضب وكان الديري يرى الفضل لله الذي لم يخسف به الأرض ولم يمسخ صورته وقال أخي أفضل الدين لو كشف للإنسان لرأى ذاته كلها عيوبا ضم بعضها إلى بعض فصارت صورة أذى (وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله) فإنه بذلك يسلم من آفات اللسان التي هي عين الخسران ومن ثم قيل:
يا كثير الفضول قصر قليلا. . . قد فرشت الفضول عرضا وطولا
قد أخذت من القبيح بحظ. . . فاسكت الآن إن أردت جميلا
قال الغزالي: انظر إلى الناس كيف قلبوا الأمر: أمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان (ووسعته السنة فلم يعد) بالدال (عنها إلى البدعة) وهو الرأي الذي لا أصل له من كتاب ولا سنة كما سلف
(فر عن أنس) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: طوبى إلخ ورواه العسكري عنه أيضا وعده من الحكم والأمثال ورواه أيضا أبو نعيم من حديث الحسين بن علي والبزار من حديث أنس أوله وآخره والطبراني والبيهقي وسطه الحديث قال الحافظ العراقي وكلها ضعيفة(4/281)
5307 - (طوبى لمن طال عمره وحسن عمله) قاله جوابا لمن سأل: أي الناس خير؟ وطوبى كلمة إنشاء لأنها دعاء معناها أصاب الخير من طال عمره وحسن عمله وكان الظاهر أن يجاب بقوله من طال فالجواب من الأسلوب الحكيم أي غير خاف أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله <تنبيه> قال علي: موت الإنسان بعد أن كبر وعرف ربه خير من موته طفلا بلا حساب في الآخرة ذكره الطيبي وقال القاضي: لما كان السؤال عما هو غيب لا يعلمه إلا الله عدل عن الجواب إلى كلام مبتدأ ليشعر بأمارات تدل عن المسؤول عنه وهو طول العمر مع حسن العمل فإنه يدل على سعادة الدارين والفوز بالحسنيين
(طب حل عن عبد الله بن يسر) رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: فيه بقية رواه بصيغة عدل وهو مدلس(4/281)
[ص:282] 5308 - (طوبى لمن ملك لسانه) لأن في حفظ اللسان والعزلة السلامة من آفات الدنيا ومفسدات الأعمال والنطق بلا حاجة لا يخلو إما من أن يكون قولا محظورا وهو ظاهر وإما أن يكون مباحا ففيه شغل الكرام الكاتبين بما لا فائدة فيه (ووسعه بيته) أي اعتزل الناس (وبكى على خطيئته) بأن يتذكر ذنوبه ويعددها ويبكي على ما فرط منه
(طص) وكذا الأوسط (حل عن ثوبان) قال الهيثمي كالمنذري: إسناده حسن اه. ومن ثم رمز المصنف لحسنه(4/282)
5309 - (طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به) فلم يطلب زيادة عليه لعلمه بأن رزقه مقسوم لن يعدو ما قدر له ولهذا قيل لحكيم: ما الغنى قال: قلة تمنيك ورضاك وقنعك بما يكفيك واحتج به من فضل الفقر على الغنى وعكس آخرون وقال قوم: ينبغي ترك الاختيار ومراعاة قسمة الجبار فمن رزقه مالا شكره أو كفافا لم يتكلف الطلب وبذلك يرتقي إلى مقام الزاهدين ويكون من المنفردين المنقطعين إلى الله الذين لهم الأنس خدم رب العالمين كما قيل:
تشاغل قوم بدنياهم. . . وقوم تخلوا لمولاهم. . . فألزمهم باب مرضاته
وعن سائر الخلق أغناهم. . . فطوبى لهم ثم طوبى لهم. . . لقد أحسن الله مثواهم
(ت حب ك) في الإيمان (عن فضالة بن عبيد) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي(4/282)
5310 - (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا) فائدة العدول عن المتبادر والظاهر هو أن يقال طوبى لمن استغفر كثيرا أنه جعل من الكناية عنه فدل على حصول ذلك جزئيا وعلى الإخلاص لأنه ما لم يكن مخلصا فيه كان هباء منثورا فلم يجد في صحيفته إلا ما هو وبال عليه
(هـ عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (حل عن عائشة حم في الزهد عن أبي الدرداء موقوفا) قال النووي: سنده جيد(4/282)
5311 - (طوبى لمن يبعث يوم القيامة وجوفه محشو بالقرآن) أي بحفظه ومعرفة معانيه (والفرائض) أي أحكام الفرائض التي افترضها الله على عباده (والعلم) الشرعي النافع عطف عام على خاص
(فر عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث(4/282)
5312 - (طوبى شجرة في الجنة مسيرة مئة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) جمع كم بالكسر وعاء الطلع قال عبيد بن عمير: هي شجرة في جنة عدن في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل دار وغرفة لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا فيها منها إلا السواد ولا يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا فيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله بأنواع التسبيح
(حم حب عن أبي سعيد)(4/282)
5313 - (طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة) لطولها قال جمع مفسرون: وشجرة طوبى هذه هي المرادة بقوله تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} وحكى الأصم أن هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن
(ابن جرير) الطبري (عن) أبي معاوية (قرة) بضم [ص:283] القاف وشد الراء (ابن إياس) بكسر الهمزة المزني(4/282)
5314 - (طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت الحلي والثمار متهدلة على أفواههم) أي متدلية على أفواه الخلائق الذين هم أهلها وأعاد للضمير عليهم من غير سبق ذكرهم للعلم به على حد قوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} قال في الصحاح وغيره: تهدلت أغصان الشجرة أي تدلت وهدل الشيء أرخاه وأرسله إلى أسفل اه. وفي تفسير الثعلبي عن قرة يرفعه طوبى شجرة في الجنة يقال لها تفتقي لعبدي فتتفتق له عن الخيل المسرجة الملجمة وعن الإبل بأزمتها وعما شاء من الكسوة وما من الجنة أهل إلا وغصن من تلك الشجرة متدل عليهم فإذا أرادوا أن يأكلوا منها تدلت لهم فأكلوا منها ما شاؤوا
(ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن عباس) وإسناده ضعيف(4/283)
5315 - (طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله فيسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا) أي سنة ولا ينافيه قوله في الرواية السابقة مئة عام لاحتمال أن المئة للماشي والسبعين للراكب أو هذا للمجد وذلك للمتمهل (ورقها الحلل يقع عليها الطير كأمثال البخت) زاد في رواية فإذا أرادوا أن يأكلوا منها يجيء الطير فيأكلوا منه قديدا وشوي ثم يطير والبخت بضم الباء وسكون المعجمة نوع من الإبل واحده بخنى كروم ورومي ويجمع على بخاتى ويخفف ويثقل وتوقف بعضهم في كون البخت عربية
(ابن مردويه) في تفسيره (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا أبو نعيم والديلمي عن ابن مسعود(4/283)
5316 - (طول مقام أمتي في قبورهم تمحيص لذنوبهم) أي تخلص لهم منها
(عن ابن عمر) بن الخطاب لم يذكر المصنف مخرجه وفيه عبد الله بن أبي غسان الأفريقي قال في الميزان: سمع مالكا وأتى عنه بخبر باطل ثم ساق هذا الخبر(4/283)
5317 - (طلاق الأمة) أي تطليقها (تطليقتان وعدتها حيضتان) أخذ به أبو حنيفة فاعتبر الطلاق بحرية الزوجة ورقها لا الزوج وعكسه الشافعي ومالك وأحمد وأجابوا بضعف الخبر ومعارضته لخبر الموطأ إذا طلق العبد امرأته تطليقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة أو أمة وصححه الدارقطني وغيره
(د ت هـ ك) في الطلاق (عن عائشة هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال أبو داود: حديث مجهول والترمذي غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ولا يعرف له غيره وأصل ذلك أن الطلاق ممنوع بأصل الشرع لأنه هدم لبيت في الإسلام وصد عن المقصود من الألفة والالتئام لكن وضعه الله مخلصا عند وقوع النفرة وعدم الألفة فجرى مجرى العقوبات وحد العبد في الأمر المتعلق بالفرج ناقص عن حد الحر فجرى عندهم الطلاق هذا المجرى وقال ابن العربي: ليس في الباب حديث صحيح وقال الذهبي: مظاهر هذا ضعفوه اه. وأورده في الميزان في ترجمة عمر بن شبيب ونقل تضعيفه عن جمع(4/283)
[ص:284] 5318 - (طيب الرجال) اللائق بهم المناسب لشهامتهم (ما ظهر ريحه وخفي لونه) كالمسك والعنبر قال العامري: نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أدبه للرجال وللنساء ففيما ظهر لونه رعونة وزينة لا يليق بالرجولية (وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه) أي عن الأجانب كالزعفران ولهذا حرم على الرجال المزعفر قال البغوي: قال سعد: أراهم حملوا قوله وطيب النساء على ما إذا أرادت الخروج أما عند زوجها فتتطيب بما شاءت
(ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) وحسنه (طب والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه البزار أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح ورواه النسائي عن أبي هريرة وكذا أبو داود مطولا في النكاح(4/284)
5319 - (طيبوا أفواهكم بالسواك) أي نقوها ونظفوها وأحسنوا ريحها بالاستياك فالمراد اجعلوها طيبة لا مطيبة (فإن أفواهكم طريق القرآن (1)) ومن تعظيمه تطهير مورده
(الكجي (1) في سننه عن وضين (3) مرسلا السجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عنه عن بعض الصحابة) ولا يضر إبهامه لأنهم عدول
_________
(1) فيندب السواك ويتأكد في مواضع منها عند إرادة تلاوة القرآن
(2) بفتح الكاف وشدة الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص وهو أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله
(3) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة ابن عطاء(4/284)
5320 - (طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن (1))
(هب) من طريق غياث بن كلوب عن مطرف بن سمرة عن أبيه (عن سمرة) رمز المصنف لحسنه ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كذلك بل عقبه ببيان علته فقال: غياث هذا مجهول انتهى وقال الذهبي: غياث ضعفه الدارقطني انتهى. وأقول: فيه أيضا الحسن بن الفضل بن السمح قال الذهبي: مزقوا حديثه
_________
(1) ومن تعظيمه تطهير طريقه(4/284)
5321 - (طيبوا ساحاتكم) جمع ساحة وهي المتسع أمام الدار (فإن أنتن الساحات ساحات اليهود) فلا تشبهوا بهم في هذه القاذورات وهذا تنبيه من المصطفى صلى الله عليه وسلم على تحري الطهارة الظاهرة والباطنة فإن الإسلام نظيف كما تقدم في عدة أخبار
(طس عن سعد) بن أبي وقاص ورواه عنه الديلمي أيضا(4/284)
5322 - (طير كل عبد في عنقه)
(عبد بن حميد عن جابر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى ولا أحق بالعزو منه وهو ذهول فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المزبور عن جابر المذكور قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح(4/284)
5323 - (طينة المعتق) بفتح التاء بضبط المصنف (من طينة المعتق) بكسر التاء بضبطه أي سباعه وجبلته قال ابن الأنبار: [ص:285] يقال طانه الله على طينته أي خلقه على جبلته وطينة الرجل خلقه
(ابن لال وابن النجار) في تاريخه (فر عن ابن عباس) رواه الديلمي وابن لال من وجهين وهو بأحدهما عند الجلابي في رواية الأبناء عن الآباء في العباسيين وفيه قصة ثم إن فيه أحمد بن إبراهيم الزوري قال في الميزان: لا يدرى من هو وأتى بخبر باطل ثم ساق له هذا الخبر(4/284)
5324 - (طي الثوب راحته) أي من انتهاك الشياطين له ولبسها إياه فإن الشياطين لا يلبسون ثوبا مطويا كما في الخبر المار أو شبهه فيما يفعل به من الطي برجل يكون في عمل فإذا فرغ منه استراح
(فر عن جابر) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وعمر بن موسى الوجيهي قال يحيى: غير ثقة والنسائي والدارقطني: متروك وابن عدي: هو في عداد من يضع انتهى(4/285)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الطاء](4/285)
5325 - (الطابع) بالكسر (1) الختم الذي يختم به (معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمة) أي تناولها الناس بما لا يحل وفي رواية الحرمات بلفظ الجمع (وعمل بالمعاصي واجترئ على الله) ببناء انتهك وعمل واجترئ للمفعول (بعث الله) أي أرسل (الطابع فيطبع قلبه) أي على قلب كل من المنتهك والعاصي والمجترئ (فلا يعقل بعد ذلك شيئا) هذا على سبيل المجاز والاستعارة ولا خاتم ولا ختم في الحقيقة والمراد أنه يحدث في نفوسهم هيئة تمرنه على استحسان المعاصي واستقباح الطاعات حتى لا يفعل غير ذلك (2) ذكره الزمخشري قال البغوي في شرح السنة: والأقوى إجراؤه على الحقيقة لفقد المانع والتأويل لا يصار إليه إلا لمانع
(البزار) في مسنده (هب) وكذا ابن عدي وابن حبان في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وقال الحافظ العراقي: حديث منكر انتهى وذلك لأن فيه سليمان بن مسلم الخشاب قال في الميزان: لا تحل الرواية عنه إلا للاعتبار وساق من مناكيره هذا الخبر وأعاده في محل آخر وقال: هو موضوع في نقدي ووافقه ابن حجر في اللسان وقال الهيثمي: فيه سليمان الخشاب ضعيف جدا
_________
(1) قال في النهاية: الطابع بالفتح الخاتم
(2) قال تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}(4/285)
5326 - (الطاعم الشاكر) من الشكر وهو تصور النعمة وإظهارها قيل هو مقلوب الكشر وهو الكشف لأن الشاكر يكشف النعم (بمنزلة الصائم الصابر) لأن الطعم فعل والصوم كف عن فعل فالطاعم بطبعه يأتي ربه بالشكر والصائم بكفه عن الطعم يأتي ربه بالصبر قال الطيبي: وقد تقرر في علم المعاني أن التشبيه يستدعي جهة جامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء فكيف شبه الشاكر بالصابر؟ وجوابه أنه ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر فقد يتوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب ولأن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وإظهارها باللسان نال درجة الصابر فالتشبيه واقع في حبس النفس بالمحبة والجهة العامة حبس النفس مطلقا. وقال الغزالي: هذا دليل على فضيلة الصبر إذ ذكر ذلك في معرض المبالغة لرفع درجة الشكر فألحقه بالصبر فكان هذا منتهى درجته ولولا أنه فهم من الشرع علو درجة الصبر لما كان إلحاق الشكر به مبالغة في الشكر
(حم ت هـ ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي: علقه البخاري وأسنده الترمذي وغيره(4/285)
[ص:286] 5327 - (الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر) بل ربما كان في بعض الأفراد أفضل وذلك عند تعدي النفس وحالة الضرورة قال الحكيم: فهذا شكر الصادقين عدل شكره على طعامه بصبره في صيامه أما شكر الصديقين أولياء الرحمن فقد فاق على صبر الصائمين لأن الصبر ثبات العبد في مركزه على الشهوات برد ما يحتاج منها والشاكر من الصديقين يطعم فيفتتح طعامه ببسم الله الذي تملأ تسميته ما بين السماء والأرض ويطفىء حرارة الشهوة ويرى لطف الله في ذلك الطعام وبهذا وما قبله احتج ابن القيم لمن فضل الشكر على الصبر لأنه ذكر في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى قال ابن الأثير: والطاعم الآكل يقال طعم يطعم طعما فهو طاعم إذا أكل أو ذاق
(حم هـ عن سنان) بكسر المهملة وخفة النون الأولى (ابن سنة) بضم السين والتشديد بضبط المصنف كذا وقفت عليه بخطه في مسودة هذا الكتاب وهو غير صواب ففي التقريب كأصله سنان بن سنة بفتح المهملة وتشديد النون الأسلمي المدني صحابي مات في خلافة عثمان قال الحافظ العراقي: في إسناده اختلاف(4/286)
5328 - (الطاعون) فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ذكره الجوهري (بقية رجز) بكسر الراء قال ابن حجر: ووقع الرجس بسين مهملة بدل الرجز بالزاي والذي بالزاي هو المعروف قال التوربشتي: والرجز العذاب وأصله الاضطراب ومنه قيل رجز البعير راجزا إذا تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه (أو عذاب أرسل على طائفة) هم قوم فرعون (من بني إسرائيل) هم الذين أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجدا فخالفوا فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة سبعون ألفا قال ابن حجر: وقوله أو عذاب كذا وقع بالشك ووقع بالجزم عند ابن خزيمة عن عامر بن سعد بلفظ إنه رجس سلط على طائفة من بني إسرائيل (فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا) منه فيحرم ذلك (وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها) قال الخطابي: في أحد الأمرين تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم وقال التوربشتي: إنه تعالى شرع لنا التوقي عن المحذور وقد صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما بلغ الحجر منع أصحابه من دخوله وأما نهيه عن الخروج فلأنه إذا خرج الأصحاء ضاعت المرضى من متعهد والموتى من التجهيز والصلاة عليهم وقال الغزالي: إنما نهى عن الخروج كالدخول مع أن سببه في الطب الهواء وأظهر طرق التداوي الفرار من المضر وترك التوكل في نحوه مباح لأن الهواء لا يضر من حيث تلاقي ظاهر البدن بل من حيث دوام استنشاقه فإنه إذا كان فيه عفونة ووصل إلى الرئة والقلب أثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد استحكام التأثير في الباطن فالخروج لا يخلص لكنه يوهم الخلاص فيصير من جنس الموهومات كالطيرة فلو تجرد هذا المعنى لم يكن منهيا لكنه انضم له شيء آخر وهو أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لم يبق بالبلد إلا من طعن فيضيع حالهم فيكون محققا لإهلاكهم وخلاصهم منتظر كما أن صلاح الأصحاء منتظر ولو أقاموا لم تكن الإقامة قاطعة بالموت ولو خرجوا لم يقطع بالخلاص والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا أو ينعكس هذا فيمن لم يدخل البلد فإن الهواء لم يؤثر بباطنه ولا بأهل البلد حاجة إليه فإن لم يبق بالبلد إلا مطعون وافتقروا لمتعهد وقدم عليهم لم ينه عن الدخول بل يندب للإعانة ولأنه يعرض لضرر موهوم على رجاء دفع ضرر عن بقية المسلمين كما يؤخذ من تشبيهه الفرار هنا بالفرار من الزحف لأن فيه كسرا لقلوب البقية وسعيا في إهلاكهم
(ق عن أسامة) بن زيد ورواه عنه النسائي أيضا(4/286)
5329 - (الطاعون شهادة لكل مسلم) أي سبب لكون الميت منه شهيدا في حكم الآخرة وظاهره يشمل الفاسق فيكون شهيدا [ص:287] لكنه لا يساوي مرتبة مسلم غبر فاسق في أنه يغفر له جميع ذنوبه وإنما يغفر له غير حق الآدمي أخذا من خبر إن الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين اه وفيه أن الخير كله لأهل الإيمان وإن كان ظاهر ما يجري عليهم ضده لأن الطاعون كان لمن قبلنا بلاء فصار لنا رحمة لحصول الشهادة به وأن العادة لا تؤثر بنفسها لأن هذا كان بلاء بنفسه لمن تقدم ثم عاد بنفسه وصفته رحمة والصفة واحدة لم تتغير
(حم ق عن أنس)(4/286)
5330 - (الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء) من فاسق أو كافر (وإن الله جعله رحمة للمؤمنين) من هذه الأمة فجعله رحمة من خصوصياتها وهل المراد بالمؤمن الذي جعله رحمة له الكامل أو أعم؟ احتمالان (فليس من أحد) أي مسلم (يقع الطاعون) في بلد هو فيه (فيمكث في بلده صابرا) غير متزعج ولا قلق بل مسلما مفوضا راضيا وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت به (محتسبا) أي طالبا للثواب على صبره على خوف الطاعون وشدته (يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له) قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة فلو مكث وهو قلق متندم على عدم الخروج ظانا أنه لو لم يخرج لم يقع به فاته أجر الشهادة وإن مات به هذا قضية مفهوم الخبر كما اقتضى منطوقه أن المتصف بما ذكر له أجر شهيد وإن لم يمت به (إلا كان له مثل أجر شهيد) هو استثناء من أحد وسر التعبير بالمثلية مع ثبوت التصريح بأن من مات به شهيد أن من لم يمت به له مثل أجر شهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة نفسها قال ابن حجر: ويؤخذ منه أن من اتصف بالصفات المذكورة ثم مات بالطاعون له أجر شهيدين ولا مانع من تعدد الثواب بتعدد الأسباب كمن يموت غريبا أو نفساء بالطاعون والتحقيق أنه يكون شهيدا بوقوع الطاعون به ويضاف له مثل أجر شهيد لصبره فإن درجة الشهادة شيء وأجرها شيء قال ابن أبي جمرة: وقد يقال درجات الشهداء متفاوتة فأرفعها من اتصف بما ذكر ومات بالطاعون ودونه من اتصف بذلك وطعن ولم يمت به ودونه من اتصف ثم لم يطعن ولم يمت به قال ابن حجر: ويؤخذ منه أن من لم يتصف بذلك لا يكون شهيدا وإن مات بالطاعون وذلك ينشأ من شؤم الاعتراض الناشئ عن الضجر والسخط للقدر
(حم خ عن عائشة) قاله لها حين سألته عن الطاعون ما هو(4/287)
5331 - (الطاعون غدة كغدة البعير المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف) قال ابن القيم: حكمة تسليط الجن على الإنس بالطاعون أن أعداءنا منهم شياطينهم وأتقياؤهم إخواننا وأمرنا الله بمعاداة أعدائنا فأبى أكثر الناس إلا موالاتهم فسلطوا عليهم عقوبة لهم ومن أمثالهم إذا كثر الطاعون أرسل عليهم الطاعون
(حم عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/287)
5332 - (الطاعون وخز) بفتح أوله وسكون المعجمة ثم زاي أي طعن أعدائكم وفي النهاية تبعا لغريب الهروي إخوانكم قال ابن حجر: ولم أره بلفظ إخوانكم بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث المسندة ولا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة وعزاه البعض لمسند أحمد والطبراني وابن أبي الدنيا ولا وجود له فيها قال المؤلف: وأما تسميتهم إخوانا في حديث العظم باعتبار الإيمان فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس (من الجن) [ص:288] لا يعارضه قول ابن سينا وغيره من الحكماء إنه شبه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغثي لأنه يجوز كونه يحدث من الطليعة الباطنة فيحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها والوخز وهو طعن غير نافذ ووصف طعن الجن بأنه وخز لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر في الباطن أولا ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ (وهو لكم شهادة) لكل مسلم وقع به أو وقع في بلد هو فيها
(ك عن أبي موسى) الأشعري(4/287)
5333 - (الطاعون شهادة لأمتي) أي الميت في زمنه منهم له أجر شهيد وإن مات بغير الطاعون (ووخز أعدائكم من الجن غدة كغدة الإبل تخرج في الآباط والمواق من مات فيه مات شهيدا ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان كالفار من الزحف) قال الزمخشري: الغدة والغدد داء يأخذ البعير فترم نكفتاه (1) له فيأخذه شبه الموت وبعير مغد ومغدود وغاد وفي أمثالهم غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية قاله عامر بن الطفيل عند دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فطعن والمراق أسفل البطن جمع مرق. إلى هنا كلامه
(طس وأبو نعيم في فوائد أبي بكر بن خلاد عن عائشة) قال الهيثمي: إسناده حسن
_________
(1) أي لهزمتاه قال في الصحاح: النكفتان اللهزمتان وهما عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين اه(4/288)
5334 - (الطاعون والغرق) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء المكسورة قاف الذي يموت بالغرق (والبطن (1) والحرق) بضبط ما قبله أي الذي يموت بحرق النار (والنفساء) التي تموت بالطلق (شهادة لأمتي)
(حم طب والضياء) المقدسي وكذا البخاري في تاريخه (عن صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي المكي صحابي من المؤلفة من أشراف قريش قال الهيثمي: فيه مندل بن علي وفيه كلام كثير وقد وقع لابن قانع في هذا وهم فاحش فإنه أخرج الحديث وجعل صحابيه عامر بن مالك بن صفوان وإنما هو عامر بن مالك عن صفوان فصحف عن بابن فصارت ابن نبه عليه ابن فتحون وتبعه في الإصابة
_________
(1) إن كانت الرواية كذلك كان المناسب له أن يقول قبل شهادة لأمتي أي السبب الحاصل لكل منهم(4/288)
5335 - (الطاهر النائم كالصائم القائم) لأن الصائم بترك الشهوات يطهر وبقيامه بالليل يرحم والنائم على طهر محتسبا يكرم فإن نفسه تعرج إلى الله فإذا كان طاهرا قرب فسجد تحت العرش وإن كان غير طاهر سجد قاصيا فلذلك يندب النوم على طهر والروح والنفس قرينان لكن الروح تدعو إلى الطاعة لأنه سماوي والنفس تدعو إلى الشهوة لأنها أرضية فبالنفس يأكل ويشرب ويسمع ويبصر وبالروح يعف ويستحي ويتكرم ويتلطف ويعبد ربه ويطيع والنفس هي الأمارة بالسوء فإذا نام خرجت بحرارتها فعرج بها إلى الملكوت والروح باق معلق بنياط القلب وأصل النفس باق مقيد بالروح وقد خرج شعاعها ومعظمها وحرارتها ولذلك إذا استيقظ النائم يجد في أعضائه بردا فذلك لخروج حرارة النفس وقال معاذ لأبي موسى: إني أنام نصف الليل وأقوم نصفه وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي لأنه عرف [ص:289] ما يرجع به النفس من الله إليه بتلك النومة فخاصة الله عندهم النوم أكثر من القيام كما يأتي
(فر عن عمرو بن حريث) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف اه. وذلك لأن فيه ابن لهيعة وغيره من الضعفاء(4/288)
5336 - (الطبيب الله) خاطب به من نظر الخاتم وجهل شأنه فظن أنه سلعة تدلت من فضلات البدن فقال أنا طبيب أداويها أي إنما الشافي المزيل للأدواء والعالم بحقيقة الأدوية هو الله (ولعلك ترفق بأشياء يخرق بها غيرك) أي ولعلك تعالج المريض بلطافة العقل فتطعمه ما ترى أنه أوفق إليه وتحميه عما يخاف منه على علته وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك قال التوربشتي: والطبيب الحاذق بالشيء الموصوف ولم يرد بهذا نفي هذا الاسم ممن يتعاطى ذلك وإنما حول المعنى من الطبيعة إلى الشريعة وبين أن الذي يرجون من الطبيب فالله فاعله وليس الطبيب بموجود في أسماء الله تعالى اه. فإن قيل: يجوز إطلاقه عليه تعالى فيقال يا طبيب عملا بهذا الخبر قلنا: لا لأنه حديث ضعيف وقد شرطوا لجواز الإطلاق صحة الحديث كما مر وبفرض صحته فهو ممنوع لأنه وقع كما قال الطيبي مقابلا لقوله أنا طبيب مشاكلة وطباقا للجواب على السؤال كقوله تعالى {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}
(الشيرازي عن مجاهد) بن جبر (مرسلا)(4/289)
5337 - (الطرق يظهر بعضها بعضا) أي بعضها يدل على بعض
(عد هق عن أبي هريرة)(4/289)
5338 - (الطعام بالطعام) أي البر بالبر (مثلا بمثل (1)) أي فلا يجوز بيع الطعام بالطعام بعضه ببعض إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين وإلا فهو ربا قال القاضي: الطعام الحنطة سمي به لأنه أشرف ما يقتات به وأنفع ما يطعم
(حم م) في الربا (عن معمر بن عبد الله) بن نافع العدوي ممن هاجر إلى الحبشة ولم يخرجه البخاري
_________
(1) بسكون المثلثة أي المتساويين إن اتحد الجنس فإن اختلف جاز التفاضل بشرط الحلول والتقابض(4/289)
5339 - (الطعن) أي بالرماح والنشاب (والطاعون) وخز الجن (والهدم) بفتح فسكون اسم فعل وبكسر الدال الميت تحت الهدم (وأكل السبع) يعني مأكوله (والغرق) بفتح الغين وكسر الراء وفي رواية الغريق بالياء أي الذي يموت في الماء (والحرق) بفتح الحاء وكسر الراء وفي رواية بالياء فعيل بمعنى مفعول (والبطن) أي الذي يموت بمرض بطنه (وذات الجنب) الذي يشتكي جنبه من نحو دبيلة (شهادة) على ما مر توضيحه في حرف الشين
(ابن قانع) في المعجم وكذا الطبراني (عن ربيع الأنصاري) رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(4/289)
5340 - (الطفل لا يصلى عليه (1) ولا يرث ولا يورث حتى يستهل) صارخا فإذا استهل صلي عليه اتفاقا فإن لم يستهل وبين فيه خلق آدمي قال أحمد وإسحاق: صلي عليه (2) قال ابن العربي: وهذا الحديث اضطربت رواته فقيل مسندا موقوفا وباختلاف الروايات يرجع إلى الأصل وهو أنه لا يصلى إلا على حي والأصل الموت حتى تثبت الحياة اه
(ت) من حديث [ص:290] إسماعيل بن مسلم عن أبي الزبير (عن جابر) رمز المصنف لحسنه وليس كما زعم فقه قال الذهبي: هو واه اه. وتقدمه ابن القطان وغيره فقالوا: الحديث معلول بإسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف جدا قال ابن المديني: لم يزل مخلطا متروك الحديث إنما يحدث عنه ما لا يبصر الرجال
_________
(1) أي لا تجب الصلاة عليه بل ولا تجوز
(2) وقال الشافعي إن اختلج صلي عليه وإلا فإن بلغ أربعة أشهر غسل وكفن بلا صلاة(4/289)
5341 - (الطمع يذهب الحكمة من قلوب العلماء) ولهذا لما سئل كعب الأحبار بحضرة عمر ما يذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه وعقلوه قال: الطمع وشره النفس وطلب الحاجة إلى الناس وقال الوراق: لو قيل للطمع من أبوك قال الشك في المقدور ولو قيل ما حرفتك قال اكتساب الذل ولو قيل ما غايتك قال الحرمان. قال الحرالي: والطمع تعلق البال بالشيء من غير تقدم سبب له فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطمع ولو ممن يعلمه بنحو مال أو خدمة وإن قل ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لو يهدها وقد حث الأئمة على أن لا يدنس العلم بالأطماع ولا يذل بالذهاب إلى غير أهله من أبناء الدنيا بلا ضرورة إلى من يتعلمه منه وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه والحكايات عن مالك وغيره مشهورة فعلى العالم تناول ما يحتاجه من الدنيا على الوجه المعتدل من القناعة لا الطمع وأقل درجاته أن يستقذر التعلق بالدنيا ولا يبالي بفوتها فإنه أعلم الناس بخستها وسرعة زوالها وحقارتها وكثرة عنائها وقلة غنائها
(في نسخة سمعان عن أنس) كذا بخط المصنف(4/290)
5342 - (الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظافر والسواك) أي طهارات لغوية بمعنى النظافة وجمعها بتعدد أفرادها أو شرعية لتوقف كمال الوضوء والغسل عليها قال بعضهم: أشار إلى أن هذه أمهات الطهارات ونبه بها على ما عداها من الطهارات الظاهرة والباطنة فالأولى كطهارة بدن الإنسان من الأدناس والقاذورات وطهارة حواسه من إطلاقها فيما لا يحتاج إليه من الإدراكات وطهارة الأعضاء من إطلاقها في التصرف الخارج عن دائرة الاعتدال المعلوم من الموازين العقلية والقضايا الشرعية والنصائح النبوية والتنبيهات الحكمية سيما اللسان فإن له طهارتين طهارة تختص بالصمت إلا عما يعني ويفيد وطهارة تختص بمراعاة العدل فيما يعبر عنه والثانية طهارة خيالية من الاعتقادات الفاسدة والتخيلات الرديئة وجولانه في ميدان الآمال وطهارة ذهنية من الأفكار الرديئة والاستحضارات الغير واقعة والمعتدة وطهارة عقلية من التقييد بنتائج الأفكار فيما يختص بمعرفة الحق وما يصاحب فيضه المنبسط على الممكنات من غرائب الخواص والعلوم والأسرار وطهارة القلب من التقلب النابع للتشعب بسبب التعلقات الموجبة لتوزيع الهمم وتشتت العزمات وطهارة النفس من أغراضها بل من عينها فإنها خمرة الآمال والأماني والتعشق بالأشياء وكثرة التشوقات المختلفة التي هي نتائج الأذهان والتخيلات وطهارة الروح من الحظوظ الشريفة المرجوة من الحق كمعرفته والقرب منه والاحتظاء بمشاهدته وسائر أنواع النعيم الروحاني المرغوب فيه والمستشرف بنور البصيرة عليه فاعلم ذلك واعتبر من كل طهارة من هذه الطهارات ما يقابلها من النجاسات المعنوية فلا حاجة لسردها
(البزار) في مسنده (ع طب عن أبي الدرداء) وفيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف ذكره الهيثمي ورواه عنه الديلمي أيضا(4/290)
5343 - (الطهور) بالفتح للماء وبالضم للفعل وهو المراد هنا إذ لا دخل لغيره في الشطرية الآتية إلا بتكلف وزعم أن الرواية بالفتح لا الضم أبطله النووي (شطر) أي نصف (الإيمان) الكامل بالمعنى الأعم المركب من التصديق والإقرار والعمل وهو وإن تكثرت خصاله وتشعبت أحكامه ينحصر فيما ينبغي التنزه عنه وهو كل منهي والتلبس به وهو كل مأمور أو المراد أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لكنه لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه [ص:291] عليه في معنى الشرط أو المراد بالإيمان الصلاة وصحتها لاجتماع أمرين للأركان والشروط وأظهر الشروط وأقواها الطهارة فجعلت كأنها الشروط كلها والشرط ما لابد منه حتى ينعقد صحيحا أو الطهور تزكية النفس عن العقائد الزائغة والأخلاق الذميمة وهي شرط للإيمان الكامل فإنه عبارة عن مجموع تزكية النفس من ذلك وتحليها بالاعتقادات الحقة والشمائل المحمودة قال النووي: وأظهر الأقوال الثالث (والحمد لله تملأ الميزان) أي ثواب الكلمة يملأها بفرض الجسمية وقال القزويني: يريد الميزان النظري لأن أنواع الثناء على الحق محصورة في أصلين السلب والإثبات فالتنزيهات إنما تفيد النفي لأنها ليست أمورا وجودية تملأ شيئا بخلاف الصفات الثبوتية فالحمد لله ثناء بوصف ثبوتي فيملأ الميزان العقلي وبه يتم البرهان والتعريف (وسبحان الله والحمد لله تملآن) بالتأنيث على اعتبار الجملة والتذكير بإرادة الذكرين أي يملأ ثواب كل منهما (ما بين السماء والأرض) بفرض الجسمية وذلك لاشتمال هاتين الكلمتين على كمال الثناء والتعريف بالصفات الذاتية والعقلية الظاهرة الآثار في السماوات والأرض وما بينهما (والصلاة نور) لأنها تمنع عن المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به أو لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق وإقباله إلى الخالق أو لأنها تكون نورا لصاحبها بالبهاء في الدنيا وبالأنس في القبر ونورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة حتى توصله للجنة {نورهم يسعى بين أيديهم} وهي نور توضيح الطريق إلى الآخرة وتبين سبيل المراشد فهي نور على نور والنور من نار ينور لما فيه من الحركة والاضطراب (والصدقة برهان) حجة جليلة على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة وقال القزويني: الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المنصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة (والصبر) الذي هو حبس النفس عما تتمنى أو يشق والمراد المحمود (ضياء) أي نور قوي تنكشف به الكربات وتنزاح به غياهب الظلمات فمن صبر على ما أصابه من مكروه علما بأنه من قضاء الله وقدره هان عليه ذلك وكفى عنه شره وادخر له أجره ومن اضطرب فيه وأكثر الجزع والهلع لم ينفعه تعبه ولا يدفع سعيه شيئا من قدر الله بل يتضاعف به همه وينحبط أجره والعبد بالصبر يخرج عن عهدة التكليف ويقوى على مخالفة الشيطان والنفس فيفوز في الدارين فوزا والضياء النور القوي والإضاءة فرط الإنارة وقال القونوي في توجيه هذه الفقرة: سره أن الصبر حبس النفس عن الشكوى وهو أمر مؤلم للنفس ولا ريب عند المحققين بالتجربة المكررة والعلم المحقق أن الآلام النفسانية تخمد وهج القوى الطبيعية وتنعش القوى الروحانية الموجبة لتنوير الباطن فلهذا جعل الصبر مثمرا للضياء الذي هو امتزاج النور بالظلمة بخلاف الحال في الصلاة التي قال إنها نور من أجل ما تقرر من سر المقابلة والمسامتة والتمثيل بالشمس والقمر فإنه ليس في ذات القمر ما يمزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولذلك سمى تعالى القمر نورا دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه معدودا من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وأنها الحضرة الجامعة للأسماء والصفات والمذكور في شأن الصبر هو نور متحصل وناتج من امتزاج واقع من القوى الطبيعية والقوى والصفات الروحانية وغالبيته ومغلوبيته بينهما (والقرآن حجة لك) يدلك على النجاة إن عملت به (أو عليك) إن أعرضت عنه فيدل على سوء عاقبتك قال القونوي: الحجة البرهان الشاهد بصحة الدعوى كمن آمن به أنه كلام الله ومنزل من عنده ومظهر لعلمه من حيث اشتماله على الترجمة عن أحوال الخلق من حيث تعينها لديه سبحانه وترجمة عن صور شؤونه فيهم وعندهم وعن أحوال الخلق بعضهم مع بعض ورد تأويل ما لم
[ص:292] يطلع عليه من أسراره إلى ربه وإنفاذ ما تضمنه من الأوامر والنواهي مع التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه دون تردد وارتياب وارتباط وتسلط بتأويل متحكم بنتيجة نظره القاصر كان حجة وشاهدا له ومن لم يكن كذلك كان حجة عليه (كل الناس) أي كل منهم يغدو (فبائع نفسه) أي فهو بائع نفسه والمبتدأ يكثر حذفه بعد فاء الجزاء والغدو ضد الرواح من الغدوة وهو ما بين الصبح والطلوع والبيع المبادلة والمراد هنا صرف الأنفاس في غرض ما يتوجه نحوه (فمعتقها أو موبقها) أي مهلكها وهو خبر آخر أو بدل من فبائع فإن عمل خيرا وجد خيرا فيكون معتقها من النار وإن عمل شرا استحق شرا فيكون موبقها أو المراد بالبيع الشراء بقرينة قوله معتقها إذ الإعتاق إنما يصح من المشتري فالمراد من ترك الدنيا وآثر الآخرة اشترى نفسه من ربه بالدنيا فيكون معتقها ومن ترك الآخرة وآثر الدنيا اشترى نفسه بالآخرة فيكون مهلكها والفاء في فبائع تفصيلية وفي معتقها سببية وقال القونوي: في هذا أسرار شريفة منها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نبه على سر هو كالتفسير لقوله تعالى {ولكل وجهة هو موليها} لأنه قال كل الناس يغدو وصدق لأن الاطلاع المحقق أفاد أنه ليس في الموجودات لأحد وقفة بل كل إنسان سائر إلى المرتبة التي قدر الحق أنها غاية من مراتب النقص والشقاء ومراتب السعادة التي هي الكمالات النسبية أو الكمال الحقيقي والفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذي ذكره المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم وقوله فبائع نفسه أي الذي يجعله في سيره إلى الغاية هو حاصل قوى روحه ونتيجة زمانه وأحواله وصفاته وأفعاله وتطوراته في نشأته فإن حصل على طائل وانتهى إلى كمال نسبي في بعض درجات السعادة أو إلى الكمال الحقيقي المنبه عليه فقد أعتق نفسه عن الورطات المهلكة وجيوش القيود الإمكانية والحجب الظلمانية فتنور بالعلم المحقق والعمل الصالح المنتج للخيرات الملائمة وإن حرم ما ذكر أوثق نفسه أي أهلكها وأضاع عمره وعمله فخاب وخسر نسأل الله العافية فهذا معنى هذا الحديث البديع الجامع
(حم م ت عن أبي مالك الأشعري) قال ابن القطان: اكتفوا بكونه في مسلم فلم يتعرضوا له وقد بين الدارقطني وغيره أنه منقطع فيما بين أبي سلام وأبي مالك(4/290)
5344 - (الطهور ثلاثا ثلاثا واجب ومسح الرأس واحدة) لم يأخذ بقضيته أحد فيما رأيت
(فر عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه وسنده ضعيف(4/292)
5345 - (الطواف حول البيت) أي الدوران حول الكعبة (مثل الصلاة) في وجوب التطهر له ونحو ذلك (إلا أنكم تتكلمون فيه) أي يجوز لكم ذلك بخلاف الصلاة قال الطيبي: يجوز أن يكون الاستثناء متصلا أي الطواف كالصلاة في الشرائط التي هي الطهارة وغيرها إلا في التكلم ويجوز كونه منقطعا أي الطواف مثل الصلاة لكن رخص لكم في التكلم فيه (فمن تكلم فيه فلا يتكلم) في رواية يتكلمن (إلا بخير) قال ابن عبد الهادي: معناه أن الطواف كالصلاة من بعض الوجوه ويشبه أن معناه أن أجره كأجر الصلاة كما جاء في خبر لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظرها قال أهل الأصول: والمسمى الشرعي للفظ أوضح من المسمى اللغوي فيحمل عليه فإن تعذر الشرعي حقيقة فهل يرد إليه بتجوز محافظة على الشرعي ما أمكن أو هو مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي أو يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز؟ أقوال اختار الأكثر منها الأول ومثلوا بهذا الحديث تعذر فيه مسمى الصلاة شرعا فيرد إليه بتجوز بأن يقال كالصلاة في اعتبار الطهارة ونحو النية أو يحمل المسمى على اللغوي وهو الدعاء بخير لاشتمال الطواف [ص:293] عليه فلا يعتبر فيه ما ذكر أو هو مجمل لتردده فيه أقوال
(ت ك) في الحج (هق) من حديث جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس (عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح وقال: هو والترمذي وقد روي موقوفا على ابن عباس وقال في التحقيق: عطاء اختلط في آخر عمره. قال في التنقيح: وجرير أخذ عنه في آخر عمره وقال ابن عبد الهادي: هذا حديث لا يثبت مرفوعا وقد اختلف الرواة في إسناده ومتنه والصحيح وقفه(4/292)
5346 - (الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير) استدل به وبما قبله وبعده الخطابي على اشتراط الطهارة له وقول ابن سيد الناس المشبه لا يعطى قوة المشبه به من كل وجه وقد نبه على الفرق بينهما بحل الكلام فيه رده المحقق أبو زرعة بأن التحقيق أنه صلاة حقيقة إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة وهي حقيقة شريعته ويكون لفظ الصلاة مشتركا اشتراكا لفظيا بين المعهودة والطواف ولا يرد إباحة الكلام فيه لأن كل ما يشترط في الصلاة يشترط فيه إلا ما يستثنى والمشي مستثنى إذ لا يصدق اسم الطواف شرعا إلا به
(طب حل ك هق عن ابن عباس) ورواه الديلمي أيضا وغيره(4/293)
5347 - (الطواف صلاة) قال بعضهم مخالفا لأبي زرعة: نكرها ليفيد أنه ليس صلاة حقيقة وإنما شبه بها لمشاركته لها في بعض شروطها كطهر وستر ونحوهما (فأقلوا) أمر بالتقليل قله يقله جعله قليلا وقلله كذلك (فيه الكلام) ندبا لا وجوبا لقيام الإجماع على جوازه فيه لكن الأولى تركه إلا بنحو دعاء وذكر أو قراءة قال في الإتحاف: وفيه إيماء إلى أن الطائف بالبيت له ثواب كثواب المصلي لأنه جعله صلاة لكن لا يشاركه في الرحمة المختصة بالمصلي وأن إقلال الكلام فيه مستحب ما أمكن فإذا أمكن الأمر بمعروف أو النهي عن منكر فيه بالإشارة فالأولى أن لا يعدل إلى الكلام <فائدة> قال المصنف في الساجعة: ما بعث الله قط ملكا ولا سحابا كما ورد في الأثر إلا طاف بالبيت أولا ثم مضى حيث أمر
(طب عن ابن عباس) رمز لحسنه وهو تقصير فقد جزم الحافظ ابن حجر كابن الملقن بصحته ورواه الشافعي أيضا بلفظ: أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة(4/293)
5348 - (الطوفان الموت) قاله لمن سأله عن تفسير قوله تعالى {فأرسلنا عليهم الطوفان} وكانوا قبل ذلك يأتي عليهم الحقب لا يموت منهم أحد
(ابن جرير) الطبري (وابن أبي حاتم) عبد الرحمن (وابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رواه عنها الديلمي(4/293)
5349 - (الطلاق) الذي وقفت عليه في نسخ الطبراني يا أيها الناس إنما الطلاق (بيد من أخذ بالساق) يعني الزوج وإن كان عبدا فإذا أذن السيد لعبده في النكاح كان الطلاق بيد العبد الآخذ بالساق لا بيد سيده فليس له إجباره على الطلاق لأن الإذن في النكاح إذن في جميع أحكامه وتعلقاته وبهذا أخذ الشافعي وأحمد بناء على أن السيد ليس له إجبار عبده على النكاح وقال أبو حنيفة ومالك: له إجباره وإذا جاز إدخاله في النكاح قهرا فله إخراجه عنه قهرا أخرج الطبراني عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم يكن ينكح فهو جائز فقال ابن عباس: أخطأ في هذا إنه تعالى يقول {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن والطلاق لغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال وشرعا حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد [ص:294] مدلوله اللغوي قال إمام الحرمين: هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره والساق قال في المصباح: من الأعضاء أنثى وهو ما بين الركبة والقدم
(طب عن ابن عباس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: سيدي زوجني أمته ويريد أن يفرق بيننا فصعد المنبر فقال: ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما ثم ذكره قال الهيثمي: فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف اه. فرمز المصنف بحسنه ليس في محله وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فإن ابن ماجه خرجه باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور وعزاه هو بنفسه في الدرر إليه(4/293)
5350 - (الطير تجري بقدر) في الإيمان من حديث يوسف بن أبي بريدة عن أبيه
(ك عن عائشة) ثم قال مخرجه: لم يخرجا ليوسف وهو عزيز الحديث اه. ورواه البزار باللفظ المذكور عن عائشة وقال: لا يروى إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير يوسف ووثقه ابن حبان(4/294)
5351 - (الطير يوم القيامة ترفع مناقيرها وتضرب بأذنابها) وفي رواية وتحرك أذنابها (وتطرح ما في بطنها) من مأكول من شدة الهول (وليس عندها طلبة) لأحد (فانقه) فاحذر يوم القيامة فإنه إذا كانت الطير الذي ليس عليها تبعة لأحد يحصل لها فيه ذلك الخوف المزعج فما بالك بالمكلف المحاسب المعاقب؟ وما ذكره من أنه ليس عليها طلبة يعارضه حديث إنه يقاد من الشاة القرناء للجماء وفي الطبراني تضرب بمناقيرها على الأرض وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة
(طس عد) من حديث محمد بن يحيى المروزي عن عاصم بن علي عن محمد بن الفرات الكوفي عن محارب بن دثار (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه البيهقي أيضا بهذا الإسناد وقال: محمد بن الفرات ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: محمد بن الفرات كذاب روى عن محارب موضوعات قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه من لا أعرفه(4/294)
5352 - (الطيرة) بكسر ففتح قال الحكيم: هي سوء الظن بالله وهرب من قضائه (شرك) أي من الشرك لأن العرب كانوا يعتقدون أن ما يتشاءمون به سبب يؤثر في حصول المكروه وملاحظة الأسباب في الجملة شرك خفي فكيف إذا انضم إليها جهالة فاحشة وسوء اعتقاد ومن اعتقد أن غير الله ينفع أو يضر استقلالا فقد أشرك زاد يحيى القطان عن شعبة وما منا إلا من يعتريه الوهم قهرا ولكن الله يذهبه بالتوكل اه فحذف المستثنى المفهوم من السياق كراهة أن يتفوه به وحكى الترمذي عن البخاري عن ابن حرب أن وما منا إلخ من كلام ابن مسعود لكن تعقبه ابن القطان بأن كل كلام مسوق في سياق لا يقبل دعوى درجة إلا بحجة والفرق بين الطيرة والتطير أن النطير الظن السيء بالقلب والطيرة والفعل المترتب عليه وقد جاء النهي عن الطيرة في الكتب السماوية ففي التوراة لا تطير والسبع الطير
(حم خد 4) في الطب (ك) في الإيمان (عن ابن مسعود) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الذهبي: صحيح وفي أمالي العراقي: صحيح(4/294)
5353 - (الطيرة في الدار والمرأة والفرس) أصل هذا أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطيرة إلخ فغضبت غضبا شديدا وقالت: ما قاله وإنما قال وأن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك اه قال ابن حجر: ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة جمع من الصحب له وقد تأوله غيرها على أنه سيق لبيان اعتقاد الناس فيها لا إنه إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك قال ابن عربي: وهو جواب ساقط لأن الشارع [ص:295] لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية أو الحاصلة وإنما بعث معلما لما يلزمهم اعتقاده ومعنى الحديث أن هذه الثلاثة يطول تعذيب القلب بها مع كراهتها بملازمتها بالكف والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له ذلك أنه من العدوى والطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عنه فطريق من وقع له ذلك في الفرس بيعها وفي المرأة فراقها وفي الدار التحول منها لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وعليه ينزل قول الإمام لما سئل عن الحديث كم من دار سكنها ناس فهلكوا وقد أخرجه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثر فيها عددنا ومالنا فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك فقال: ذروها ذميمة
(حم عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منيع والديلمي(4/294)
حرف الظاء(4/295)
5354 - (ظهر المؤمن حمى) أي محمي معصوم من الإيذاء (إلا بحقه) أي لا يضرب ولا يذل إلا لنحو حد أو تعزير وقد عدوا ضرب المسلم لغير ذلك كبيرة وهذا الحديث له شاهد خرجه أبو الشيخ [ابن حبان] في كتاب السرقة من طريق محمد بن عبد العزيز الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور المؤمنين حمي إلا في حدود الله قال الحافظ: وفي محمد بن عبد العزيز ضعف
(طب) وكذا الديلمي (عن عصمة بن مالك) الخطمي الأنصاري رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد جزم المنذري بضعفه وأعله الهيثمي بأن فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف وقال الحافظ في الفتح: في سنده الفضل بن المختار وهو ضعيف(4/295)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف الظاء](4/295)
5355 - (الظلم) قال ابن حجر: وهو وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (ثلاثة) من الأنواع والأقسام (فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فأما) الأول وهو (الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك قال الله {إن الشرك لظلم عظيم} وأما) الثاني وهو (الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم) {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} قالوا: نكرة في سياق الشرط فعم كل ما فيه ظلم النفس وقال {فمنهم ظالم لنفسه} فهذا لا يدخل فيه الشرك الأكبر قال ابن مسعود: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على الصحب وقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال: إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول العبد الصالح {إن الشرك لظلم عظيم} (وأما) الثالث وهو (الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدير لبعضهم من بعض) علم من هذا ما نقله الذهبي عن بعض المفسرين أن الظلم المطلق هو الكفر المطلق {والكافرون هم الظالمون} فلا شفيع لهم غدا {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} والظلم المفيد قد يختص بظلم العبد نفسه وظلم بعضهم بعضا فالأول من الثاني مغفور إن شاء الله والثاني تنصب له موازين العدل فمن سلم من [ص:296] أصناف الظلم فله الأمن التام ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه فله الأمن ولا بد أن يدخل الجنة <تنبيه> قال ابن عربي: من ظلم العباد أن يمنعهم حقهم الواجب عليه أداؤه وقد يكون ذلك بالحال لما يراه على المسكين وهو قادر واجد لسد خلته ودفع ضرورته
(الطيالسي) أبو داود (والبزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيثمي: رواه البزار عن شيخه أحمد بن مالك القشيري ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعفهم(4/295)
5356 - (الظلمة وأعوانهم في النار) أي نار الآخرة لأنهم كما عدلوا عن العدل فوضعوا الأمور في غير مواضعها عدل بهم عن دار النعيم وأصلوا عذاب الجحيم وكما تعاونوا على ظلم من يعجز عن الانتصار جوزوا بسكنى دار الهوان والبوار وكما أن الداعي إلى الظلم الطيش والخفة الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان جوزوا من جنس مرتكبهم ولهذا ختم سبحانه كثيرا من آياته بقوله {وما للظالمين من أنصار} وشمل أعوانهم من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما. قيل حبس الرشيد أبا العتاهية فكتب على باب الحبس:
أما والله إن الظلم لؤم. . . وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي. . . وعند الله تجتمع الخصوم
(فر عن حذيفة) وفيه عنبسة بن عبد الرحمن قال الذهبي في الضعفاء: متروك متهم(4/296)
5357 - (الظهر) أي ظهر الدابة المرهونة (يركب) بالبناء للمفعول (بنفقته إذا كان مرهونا) أي يركبه الراهن وينفق عليه عند الشافعي ومالك لأن له الرقبة وليس للمرتهن إلا مجرد التوثق أو المراد المرتهن فله ذلك لكن بإذن الراهن عند الجمهور لا بدونه خلافا لأحمد (ولبن الدر) بالفتح والشد أي ذات الضرع (يشرب نفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) قال القاضي: ظاهره أن المرهون لا يهمل ومنافعه لا تعطل أي خلافا للحنفي بل ينتفع الراهن به وينفق عليه وليس فيه دلالة على قول من قال: له غنمه وعليه غرمه قال: والباء في بنفقته ليست للبدلية بل للمعية فمعناه أنه يركب وينفق عليه ولا يمنع المرتهن الراهن من النفع به ولا يسقط عنه الإنفاق وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لأحمد في ذهابه إلى أن للمرتهن الانتفاع في مقابلة الإنفاق
(خ) في الرهن (ت هـ عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم(4/296)
حرف العين(4/296)
5358 - (عائد المريض يمشي في مخرفة الجنة حتى يرجع) من العيادة أي يمشي في التقاط فواكه الجنة والخرفة بالضم ما يجتنى من الثمار وقد يتجوز بها للبستان من حيث إنه محلها وهو المراد هنا على تقدير مضاف أي في محله خرفتها ذكره البيضاوي وقال الزمخشري: معناه أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترق ثمارها من حيث إن فعله يوجب ذلك انتهى. وقال ابن العربي: ممشاه إلى المريض لما كان له من الثواب على كل خطوة درجة وكانت الخطا سببا لنيل الدرجات في المقيم عبر بها عنها لأنه سببها مجازا له إذا مشى على الخرفة وهي بساتين الجنة أن يخترف بها أي يقتطع [ص:297] ويتنعم بالأكل <تنبيه> لا يتوقف ندب عيادة المريض على علمه بعائده بل تندب عيادته ولو مغمى عليه لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على بدنه والنفث عليه عند التعويذ وغير ذلك ذكره في الفتح وغيره
(م عن ثوبان) ورواه عنه أيضا الطيالسي(4/296)
5359 - (عائد المريض يخوض في الرحمة فإذا جلس عنده غمرته الرحمة) أي علته وسترته شبه الرحمة بالماء إما في الطهارة وإما في الشيوع والشمول لم ينسب إليها ما هو منسوب إلى المشبه به من الخوض ثم عقب الاستعارة ترشيحا (ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه فيسأله كيف هو وتمام تحيتكم بينكم المصافحة) أي وضع أحدكم صفحة كفه بصفحة كف صاحبه إذا لقيه في نحو طريق كما سبق توضيحه وفيه ندب تأكد العيادة وأخذ من إطلاقه عدم التقييد بمضي ثلاثة أيام من ابتداء مرضه وهو قول الجمهور وجزم في الإحياء بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث تمسكا بخبر سيجيء أنه شديد الضعف وألحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك سببا لنشاطه وانتعاش قواه وفيه أن العيادة لا تتقيد بوقت دون آخر لكن جرت العادة بها طرفي النهار وقيل محلها الليل ونقل ابن الصلاح عن البراء أنها تستحب في الشتاء ليلا وفي الصيف نهارا وهو غريب ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس إلا لضرورة
(حم طب) وابن منيع والديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف(4/297)
5360 - (عائشة زوجتي في الجنة) لعل المراد أنها أحب زوجاته إليه فيها كما كانت أحبهن إليه في الدنيا وإلا فزوجاته كلهن في الجنة <تنبيه> مما اشتهر الخلاف في التفضيل بين عائشة وخديجة قال السبكي: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير لكن الحق أحق أن يتبع اه. وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متفاوتة وكأنه رأى الوقف وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يطلع عليه إلا هو فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة وإن أريد شرف الأصل ففاطمة وهي فضيلة لا يشاركها فيه غير أخواتها وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها اه. وتعقبه ابن حجر بأن ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على نبوته بالنفس والمال والتوجه التام فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله
(ابن سعد) في الطبقات (عن مسلم) بن عمران ويقال ابن أبي عمران ويقال ابن أبي عبد الله (البطين) أي معروف بالبطين بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية وبالنون (مرسلا) كوفي من ثقات الطبقة السادسة(4/297)
5361 - (عاتبوا الخيل فإنها تعتب) أي أدبوها وروضوها لنحو حرب وركوب فإنها تتأدب وتقبل العتاب قال في الفردوس: يقال عتب عليه إذا وجد عليه فإذا فاوضه فيما عتب عليه قيل عاتبه فإذا رجع المعتوب عليه إلى ما رضى العاتب فقد أعتب والاسم العتبى
(طب والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رواه الطبراني من رواية إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن بقية وبقية مدلس وسأل ابن حوصا محمد بن عوف عن هذا الحديث فقال: رأيت على ظهر كتاب إبراهيم [ص:298] كان يسوي الأحاديث وأما أبوه فغير متهم وقال فيه أبو حاتم: صدوق(4/297)
5362 - (عادى الله من عادى عليا) برفع الجلالة على الفاعلية أي عادى الله رجلا عادى عليا وهو دعاء أو خبر ويجوز النصب على المفعولية أي عادى الله رجلا عاداه والأول هو ظاهر الرواية ويؤيده ما في حديث البزار اللهم عاد من عاداه
(ابن منده) في تاريخ الصحابة من طريق أبي إدريس الموهبي (عن رافع مولى عائشة) قال: كنت غلاما أخدمها إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها وأنه قال ذلك قال في الإصابة: قال يعني ابن منده هذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اه. وقال الذهبي: ما له غيره(4/298)
5363 - (عادى الأرض) بتشديد المثناة التحتية يعني القديم الذي من عهد عاد وهلم جرا وقال القاضي: عاديها الأبنية والضياع القديمة التي لا يعلم لها مالك نسبة إلى عاد قوم هود لتقادم عهدهم للمبالغة قال الرافعي: يقال للشيء القديم عادى نسبة إلى عاد الأولى والمراد هنا الأرض غير المملوكة الآن وإن تقدم ملكها ومضت عليه الأزمان فليس ذلك مختصا بقوم عاد فالنسبة إليهم للتمثيل لما لم يعلم مالكه (لله ورسوله) أي مختص بهما فهو فيء يتصرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) هي (لكم) أيها المسلمون (من بعد) أي من بعدي وفي رواية الشافعي هي لكم مني أي إن أذنتكم في إحيائها فهي بمنزلة العطية مني قال الطيبي: وقوله هي لكم من بعد قوله لله ورسوله إشعار بأن ذكر الله تمهيد لذكر رسوله تعظيما لشأنه وإن حكمه كحكم الله ولذلك عدل من لي إلى رسوله وفيه التفات (فمن أحيا شيئا من موتان الأرض) بعدي وإن لم يأذن الإمام عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة ولو قرب من العمران ولم يتسامح الناس فيه خلافا لمالك (فله رقبتها) ملكا قال الرافعي: وخاطب المسلمين بقوله لكم إشارة أن الذمي لا يمكن من الإحياء بدارنا ثم إذا ملك الموات بالإحياء ملك ما هو له بقدر ما يحتاجه للانتفاع بالمحيا وموتان بفتح الميم والواو وقال ابن بري وغيره: وغلط من قال فيه موتان بالضم
(هق عن طاوس) بن كيسان اليماني الفارسي قيل اسمه ذكوان وطاوس لقبه فقيه فاضل تابعي (مرسلا وعن ابن عباس موقوفا) عليه ورواه إمام الأئمة الشافعي من الطريق الأول فكان ينبغي عزوه له مقدما(4/298)
5364 - (عارية) بتشديد الياء وقد تخفف قيل منسوبة للعار لأنهم رأوا طلبها عارا وعيبا قال: إنما أنفسنا عارية والعواري حكمها أن ترد وقيل من التعاور وهو التداول قال الطيبي: ولا يبعد (مؤداة) إلى صاحبها عينا حال قيامها وقيمة عند تلفها وفي رواية عارية مضمونة وهذا قاله لما أرسل يستعير من صفوان بن أمية عام الفتح دروعا لحنين فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مؤداة أو مضمونة أي لا آخذها غصبا بل أستعيرها وأردها فوضع موضع الرد الضمان مبالغة في الرد وفيه أن العارية يضمنها المستعير وإن لم يفرط وهو مذهب الشافعي وأحمد ولم يضمن أبو حنيفة إلا بالتعدي
(ك عن ابن عباس) ورواه أبو داود والنسائي عن صفوان بلفظ عارية مضمونة قال ابن حجر: وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث(4/298)
3565 - (عاشوراء) بالمد اسم إسلامي لا يعرف قبله قيل: ليس في كلامهم فاعولاء بالمد غيره وألحق به التوربشتي تاسوعاء [ص:299] وسمي عاشوراء لأنه تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات وقيل: لأنه عاشر كرامة أكرم الله بها هذه الأمة (عيد نبي كان قبلكم فصوموه أنتم) ندبا روي أنه يوم الزينة الذي كان فيه ميعاد موسى لفرعون وأنه كان عيدا لهم قال ابن رجب: وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا وعلى ندب صوم أعياد الكفار
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه لكن قال الهيثمي: فيه إبراهيم الهجري ضعفه الأئمة إلا ابن عدي(4/298)
5366 - (عاشوراء يوم العاشر) أي عاشر المحرم الذي يعده الناس كلهم وقيل: هو يوم الحادي عشر
(قط فر عن أبي هريرة) ورواه البزار عن عائشة قال الهيثمي: رجاله يعني البزار رجال الصحيح(4/299)
5367 - (عاشوراء يوم التاسع) قال بعضهم: لا مخالفة بين هذا وما قبله لأن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها وذلك يحصل بأحد أمرين إما بنقل العاشر إلى التاسع أو بصيامهما معا فأطلق ابن عباس العاشر على التاسع لهذا المعنى وكذا قوله أعني الحبر اعدد تسعا وأصبح يوم التاسع صائما فإنه لم يجعل عاشوراء هو يوم التاسع بل قال للسائل صم اليوم التاسع واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو العاشر اه. قال عبد الحق: واليقين المتحقق الرافع لكل خلاف إنما يحدث بصوم الثلاثة الأيام
(حل) من حديث أبي أمية بن يعلى عن المقبري (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأبو أمية قال يحيى والدارقطني: متروك الحديث(4/299)
5368 - (عاقبوا) بقاف في خط المصنف هكذا وقفت عليه بخطه وفي رواية عاتبوا وهو الأنسب لقوله (أرقاءكم على قدر عقولهم) أي بما يليق بعقولهم من العتاب وتقبله أذهانهم لا بحسب عقولكم أنتم
(قط في الأفراد وابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا(4/299)
5369 - (عالم ينتفع بعلمه) الشرعي (خير من ألف عابد) ليسوا بعلماء لأن نفع العالم متعد ونفع العابد مقصور على نفسه وهذا بناء على أن ينتفع مبني للمفعول وهو المتبادر ويصح بناؤه للفاعل أي ينتفع هو فإنه يعبد الله عبادة صحيحة بخلاف العابد الجاهل فقد يخل ببعض الواجبات وكم بين المتعدي والقاصر من مراحل
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه عمرو بن جميع قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: متهم بالوضع(4/299)
5370 - (عامة أهل النار) أي أكثر أهلها (النساء) لأنهن لا يشكرن العطاء ولا يصبرن عند البلاء في عامة أوقاتهن فهن فساق والفساق في النار إلا من تداركه الله بعفوه بشفاعة أو نحوها
(طب عن عمران بن الحصين)(4/299)
5371 - (عامة عذاب القبر من) وفي رواية في (البول) أي أكثره بسبب التهاون في التحفظ منه وبقية الحديث فاستنزهوا من البول وفيه وجوب غسله إذا حصلت ملابسته وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة لكن قال أبو حنيفة يعفى عن قدر الدرهم منه وعن بول ما يؤكل واختلف المالكية على أقوال وأخذ منه بعض أئمة الشافعية وجوب الاستبراء
(ك عن ابن عباس) ورواه أيضا الطبراني والبزار والدارقطني كلهم من رواية أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه قال الدارقطني: إسناده لا بأس به والقتات مختلف في توثيقه(4/299)
[ص:300] 5372 - (عباد الله) بحذف حرف النداء أي يا عباد الله الذين يصلون (لتسون صفوفكم) في الصلاة بحيث تصير على سمت واحد (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي وجوه قلوبكم كما سبق بما فيه قال القاضي: اللام في لتسون اللام التي يتلقى بها القسم ولكونه في معرض قسم مقدر أكده بالنون المشددة وأو للعطف ردد بين تسويتهم الصفوف وما هو كاللازم لنقصها فإن تقدم الخارج عن الصف تفوت على الداخل وذلك يؤدي إلى وقوع إحنة وضغينة بينهم وإيقاع المخالفة بين وجوههم كناية عن المهاجرة والقطيعة فإن كلا يعرض بوجهه عن الآخر كما مر قال ابن الملقن: وفيه الاهتمام بآداب ثمانية تسوية الصفوف سيما للإمام وأمر المتهاونين فيها به وترك المواجهة بالموعظة وتحسين القول بقوله عباد الله ولم يقل أيها المسيئون والاحتفال بالإرشاد وتكريره حتى يرى أنه قد عقل وإنذار المتعرض للهلاك بجهله وإيضاحه له وأخذ الحذر من الشقاق وتخالف الوجوه وترك احتقار شيء من السنن
(ق د ت عن النعمان بن بشير) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رآنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف فذكره(4/300)
5373 - (عباد الله وضع الله الحرج) عن هذه الأمة ففيه حذف المستثنى منه (إلا امرءا اقترض) بالقاف (امرءا ظلما) أي نال منه وعابه وقطعه بالغيبة وأصل القرض القطع كذا في الفردوس وفي رواية إلا من اقترض عرض مسلم افتعال من القطع (فذاك يحرج) أي يوقع في الإثم والحرمة (ويهلك) أي يكون في الآخرة من الهالكين إلا إن تداركه الله بلطفه
(عباد الله) بحذف حرف النداء (تداووا) قال الطيبي: قوله يا عباد الله نص بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل يعني تداووا ولا تعتقدوا حصول الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحدا الهرم) قال البيضاوي: الهرم الكبر وقد هرم يهرم فهو هرم جعل الهرم داء تشبيها به لأن الموت يعقبه وقد سبق بيانه موضحا
(الطيالسي) أبو داود من حديث زياد بن علاقة (عن أسامة بن شريك) الثعلبي من بني ثعلبة بن يربوع أو من ثعلبة بن سعد أو غير ذلك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير فجاءته الأعراب من جوانب تسأله عن أشياء فقالوا: هل علينا حرج في كذا فقال: عباد الله إلخ ورواه عنه أيضا ابن منيع والطبراني والديلمي(4/300)
5374 - (عبد الله بن سلام) بالتخفيف بن الحارث بن يوسف الإسرائيلي كان من علماء الصحب وأكابرهم (عاشر عشرة في الجنة) لا يناقضه أنه لم يعد في العشرة المشهود لهم بالجنة الذين منهم الخلفاء الأربعة لأن هذه عشرة غيرها وسبق أن ذكر العشرة لا ينفي ما زاد
(حم طب ك) وكذا البخاري في تاريخه من حديث يزيد بن عميرة الزبيدي (عن معاذ) بن جبل قال: لما حضر معاذا الموت قيل له: أوصنا قال: التمسوا العلم عند أبي ذر وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الترمذي قال أعني الديلمي: وهو صحيح(4/300)
[ص:301] 5375 - (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (من وفد الرحمن وعمار) بن ياسر (من السابقين) الأولين إلى الإسلام (والمقداد) بن الأسود (من المجتهدين) أي في العبادة أو في نصرة الدين أو في الأحكام ويرشح الأول أنهم لم يعدوه من فقهاء الصحابة
(فر عن ابن عباس) ورواه عنه ابن شاهين وغيره(4/301)
5376 - (عبد أطاع الله وأطاع مواليه) لم يقل مولاه إشارة إلى أن دأبه الطاعة لكل من ملكه وإن انتقل من مولى إلى مولى (أدخله الله الجنة قبل مواليه بسبعين خريفا فيقول السيد رب هذا كان عبدي في الدنيا قال جازيته بعمله وجازيتك بعملك) والمراد أن ذلك سيكون في الآخرة وعبر عنه بالماضي لتحقق الوقوع وعلم منه أن رفع الدرجات في الآخرة بالعمل لا بالحرية لانقطاع أحكام الرق بالموت ومر أن المراد بالخريف السنة وبالسبعين التكثير لا التحديد
(طب عن ابن عباس) ثم قال الطبراني: لم يروه عن يونس إلا عبد الوهاب تفرد به يحيى بن عبد الله بن عبد ربه الصفار عن أبيه اه. وعبد الوهاب هذا هو ابن عطاء ضعفه أحمد ويونس هو ابن عبيد مجهول ذكره بعضهم وقال الهيثمي: لا أجد من ذكر يحيى وأبوه ذكره الخطيب ولم يجرحه ولم يوثقه وبقية رجاله حديثهم حسن(4/301)
5377 - (عتق النسمة أن تنفرد بعتقها) أي لا يشاركك في عتقها أحد بأن ينفذ منك إعتاق جميعها (وفك الرقبة أن تعين في عتقها) بأن تعتق شقصا منها وتتسبب في عتقها بوجه ما وفي رواية بدل في عتقها في ثمنها وأصل الحديث أن أعرابيا جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملا يدخلني الجنة قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال: أليس واحدا قال: لا عتق النسمة إلخ قال القاضي: اللام موطئة للقسم ومعنى الشرطية إنك إن قصرت في العبادة فقد أطلت في الطلب إذ سألت عن أمر ذي طول وعرض والنسمة النفس ووجه الفرق المذكور أن العتق إزالة الرق وذلك لا يكون إلا من المالك الذي يعتق وأما الفك فهو السعي في التخليص فيكون من غيره كمن أدى النجم عن المكاتب أو أعانه فيه ذكره القاضي
(الطيالسي) أبو داود (عن البراء) بن عازب وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من الطيالسي وهو عجب فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله ثقات ورواه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب والبخاري في الأدب وابن أبي شيبة وابن راهويه بألفاظ متقاربة والمؤدى واحد وأخرجه الدارقطني باللفظ المذكور عن البراء المزبور وزاد في آخره وأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر قال الغرياني: فيه محمد بن أحمد بن سوادة لم أجده(4/301)
5378 - (عثمان بن عفان) بن عمرو القرشي يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في عبد مناف يكنى أبا عبد الله الذي رزقه من رقية وكان بعض من ينقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه حكاه ابن قتيبة (وليي في الدنيا ووليي في الآخرة)
<فائدة> روى أحمد عن ابن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال: يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال: فنظرت فإذا هو عثمان. قال ابن حجر في الفتح: إسناده صحيح قالوا: لا يعرف أحد تزوج ببنتي نبي غيره ولهذا يسمى ذا النورين
(ع) عن شيبان بن فروخ عن طلحة بن زيد عن عبيدة بن حسان عن عطاء الكنجاراني (عن جابر) قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نفر من المهاجرين فقال: لينهض كل رجل إلى كفئه [ص:302] ونهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فأعتقه ثم ذكره قال ابن الجوزي: موضوع طلحة لا يحتج به وعبيدة يروي الموضوعات عن الثقات وتعقبه المؤلف بما نصه الحديث أخرجه الحاكم قال: صحيح وتعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: ضعيف فيه طلحة بن زيد وهو واه عن عبيدة بن حسان شويخ مقل(4/301)
5379 - (عثمان في الجنة) أي يدخلها مع السابقين الأولين ويلقب بذي النورين قيل له ذلك لأنه ينتقل من منزل إلى منزل في الجنة فتبرق له برقتين رواه أبو سعيد الماليني عن سعد بإسناد ضعيف كما في الإصابة
(ابن عساكر) في ترجمة عثمان (عن جابر)(4/302)
5380 - (عثمان حيي تستحي منه الملائكة) مقام عثمان مقام الحياء والحياء فرع يتولد من إجلال من يشاهده ويعظم قدره مع نقص يجده من النفس فكأنه غلب عليه إجلال الحق تعالى ورأى نفسه بعين النقص والتقصير وهما من جليل خصال العباد المقربين فعلت رتبة عثمان لذلك فاستحيت منه خلاصة الله من خلقه كما أن من أحب الله أحب أولياءه ومن خاف الله خاف منه كل شيء ولذلك ستر عليه السلام فخذه عند دخول عثمان وجمع عليه ثيابه وقال: ألا نستحي من رجل تستحي منه الملائكة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وهو من حديث ضمام بن عبد الله الأندلسي عن أبي مروان عن أبيه عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج قال في اللسان: قال الدارقطني: هذا حديث منكر ومن دون مالك ضعفاء(4/302)
5381 - (عثمان أحيى أمتي) أي أكثرها حياء (وأكرمها) أي أسخاها والحياء منشأ الآداب قيل لم يضع يمينه على فرجه منذ بايع النبي صلى الله عليه وسلم وما مرت به جمعة منذ أسلم إلا وأعتق فيها رقبة فجملة ما أعتقه ألفان وأربع مئة تقريبا ولا زنا ولا سرق جاهلية ولا إسلاما وجمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
(حل) في ترجمة عثمان بن عفان (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ورواه عنه الطبراني والديلمي أيضا فكان ينبغي للمصنف ضمهما لأبي نعيم وفيه زكريا بن يحيى المقرئ قال الذهبي: أبو سعيد بن يونس ضعيف(4/302)
5382 - (عجبا) قال الطيبي: أصله أعجب عجبا فعدل عن الرفع إلى النصب للثبات كقولك سلام عليك (لأمر المؤمن) إن أمره كله خير (وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) وليس ذلك للكافرين ولا للمنافقين ثم بين وجهه العجب بقوله (إن أصابته سراء) كصحة وسلامة ومال وجاه (شكر) الله على ما أعطاه (وكان خيرا له) فإنه يكتب في ديوان الشاكرين (وإن أصابته ضراء) كمصيبة (صبر فكان خيرا له) فإنه يصير من أحزاب الصابرين الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين فالعبد ما دام قلم التكليف جاريا عليه فمناهج الخير مفتوحة بين يديه فإنه بين نعمة يجب عليه شكر المنعم بها ومصيبة يجب عليه الصبر عليها وأمر ينفذه ونهي يجتنبه وذلك لازم له إلى الممات
(حم م) في الزهد (عن صهيب) ولم يخرجه البخاري وفي الباب سعد وأنس(4/302)
5383 - (عجب ربنا من قوم) أي رضي منهم واستحسن فعلهم وعظم شأنهم (يقادون إلى الجنة) وفي رواية للبخاري عجب الله من قوم يدخلون الجنة (في السلاسل) يعني الأسرى الذين يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام فيصيرون [ص:303] من أهل الجنة كذا ذكره جمع وأولى منه قول الغزالي المراد بالسلاسل الأسباب فإنه تعالى أمر بالعمل فقال: اعملوا وإلا أنتم معاقبون مذمومون على العصيان وذلك سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجانه سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وذلك سبب الوصول إلى جوار الرحمن في الجنان وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن قدر له الشقاء أصمه عن سماع كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون للدنيا والانهماك في اللذات وإذا لم يتركها صار في حزب الشيطان {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} فإذا عرفت هذا ظهر لك التعجب من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل فما من موفق إلا وهو مقود إلى الجنة بسلاسل الأسباب وهو تسليط العلم والخوف عليه وما من مخذول إلا وهو مقود إلى النار بالسلاسل وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه فالمتقون يقادون إلى الجنة قهرا والمشركون يقادون إلى النار قهرا ولا قاهر إلا الواحد القهار ولا قادر إلا الملك الجبار وإذا انكشف الغطاء عن أعين الغافلين فشاهدوا الأمر كذلك سمعوا عنده نداء المنادي {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وقد كان الملك للواحد القهار كل يوم قبل ذلك لكن الغافلين لا يسمعون ذلك النداء إلا ذلك اليوم فتعوذ بالله من الجهل والعمى فإنه أصل أسباب الهلاك قال القاضي: مر غير مرة أن صفات العباد إذا أطلقت على الله أريد بها غاياتها فغاية التعجب من الرضى بالشيء استعظام شأنه فالمعنى عظم الله شأن قوم يؤخذون عنوة في السلاسل فيدخلون في الإسلام قهرا فيصيرون من أهل الجنة وقيل أراد بالسلاسل ما يرادون به من قتل الأنفس وسبي الأزواج والأولاد وخراب الديار وجميع ما يلحقهم إلى الدخول في الدين الذي هو سبب دخول الجنة فأقيم السبب مقام المسبب قال: أو المراد أنها جذبات الحق التي يجذب بها خالصة عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج بالدرجات العلى إلى جنة المأوى
(حم خ) في الجهاد (د عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم(4/302)
5384 - (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه) بضم الهمزة والهاء الزائدة أي أريق ودمه نائب الفاعل (فيقول الله عز وجل لملائكته) مباهيا به (انظروا إلى عبدي) أضافه لنفسه تعظيما لمنزلته عنده (رجع) إلى القتال (رغبة فيما عندي) من الثواب (وشفقة) أي خوفا (مما عندي) من العقاب (حتى أهريق دمه) قال جمع: والعجب في حقه تعالى مفسر بكون الفعل المتعجب منه بمنزلة عظيمة فقوله عجب ربنا أي يعظم عنده ويكثر جزاؤه عليه ومنه قوله تعالى {بل عجبت ويسخرون} في قراءة ضم التاء والتعجب تغير يعتري الإنسان من رؤية ما خفى عليه سببه وفيه أن نية المقاتل في الجهاد طمعا في الثواب وخوف العقاب على الفرار معتبرة لأنه علل الرجوع للرغبة وللإشفاق ورغبة وشفقة نصب على المفعول له
(د عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المذكور وقال: صحيح وأقره الذهبي(4/303)
5385 - (عجب ربنا من ذبحكم الضأن في يوم عيدكم) لأن الشياه أفضل الأنعام وفي مناجاة العزير ربه أنك اخترت من الأنعام الضأنية ومن الطير الحمامة ومن البيوت مكة وإيلياء ومن إيلياء بيت المقدس وفيه حجة إلى ذهاب مالك إلى فضيلة التضحية بالغنم عليها بالإبل والبقر وقد سبق ما فيه
(هب عن أبي هريرة) وفيه ابن أبي فديك قال ابن سعد: [ص:304] ليس بحجة وشبل بن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: له مناكير وفي اللسان عن ابن عدي أيضا: أحاديثه غير محفوظة والعلاء بن عبد الرحمن أورده أيضا في الضعفاء(4/303)
5386 - (عجبت من قوم من أمتي يركبون البحر) للغزو وفي رواية ثبج (1) هذا البحر وفي رواية يركبون ظهر البحر وأخرى يركبون البحر الأخضر في سبيل الله (كالملوك) أو مثل الملوك هكذا ورد على الشك في البخاري وفي رواية له بغير شك (على الأسرة) في الدنيا بسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم وعددهم فهو إخبار عن حالهم في الغزو أو المراد أنه رأى للغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي. قال ابن حجر: وهذا أظهر وفيه بيان فضيلة المجاهد وجواز ركوب البحر الملح أي عند غلبة السلامة ومعجزة معجزاته وهي إعلامه ببقاء أمته بعده وفيهم أهل قوة وشوكة ونكاية في العدو وتمكنهم في العلا حتى يغزو البحر
(خ عن أم حرام) بنت ملحان النجارية الغميصاء أو الرميصاء الشهيدة زوجة عبادة بن الصامت قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا ثم استيقظ فضحك فقلت: ما يضحكك فذكره فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لي
_________
(1) أي وسطه ومعظمه كما في النهاية(4/304)
5387 - (عجبت للمؤمن إن الله تعالى) قال أبو البقاء الجيد: إن بالكسر على الاستئناف ويجوز الفتح على معنى في أن الله أو من أن الله (لم يقض له قضاء إلا كان خيرا له) توجيهه ما زاده في بعض الروايات إن إصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فإنه إن كان موسرا فلا يقال فيه وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضى بما قسم وأما الفاجر فأمره بالعكس إن كان معسرا فلا إشكال وإن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. قال الحرالي: من جعل الرضى غنيمة في كل كائن لم يزل غانما
(حم حب عن أنس) وكذا رواه أبو يعلى لكنه قال: تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكره قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر ثعلبة وهو ثقة(4/304)
5388 - (عجبت للمؤمن وجزعه) أي حزنه وخوفه (من السقم) أي المرض (ولو يعلم ماله من السقم) عند الله (أحب أن يكون سقيما حتى يلقى الله عز وجل) لأنه إنما يسقمه ليطهره من دنس المعاصي ووسخ الذنوب ويعطيه ثواب الصابرين فإذا جاز على الصراط وجدته النار قد تطهر فلا تجد لها عليه سبيلا فإذا دخل الجنة رفعت منزلته إلى درجات الصابرين وإذا لم يتطهر في هذه الدار وجاء يوم القيامة بدنسه فالنار له بالمرصاد فتخطفه من الصراط لتطهره إذ لا يصلح لجوار الجبار في ديار الأبرار إلا الأطهار
(الطيالسي) أبو داود (طس عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال بل ضعفه المنذري وغيره قال الحافظ العراقي في الحديث: لا يصح لأن في سنده محمد بن حميد وهو ضعيف عندهم وقال الهيثمي: فيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف جدا(4/304)
5389 - (عجبت لملكين من الملائكة نزلا) من السماء (إلى الأرض يلتمسان عبدا) أي يطلبانه (في مصلاه) أي في مكانه الذي يصلي فيه من المسجد أو غيره (فلم يجداه ثم عرجا إلى ربهما فقالا يا رب كنا نكتب لعبدك المؤمن في يومه وليلته [ص:305] من العمل كذا وكذا فوجدناه قد حبسته في حبالتك) أي عوقته بالأمراض (فلم نكتب له شيئا فقال الله عز وجل اكتبا لعبدي عمله في يومه وليلته ولا تنقصا من عمله شيئا علي) بتشديد الياء المفتوحة بضبط المصنف (أجره ما حبسته) أي مدة دوام حبسي له (وله أجر ما كان يعمل) قضية هذا الخبر وصريح ما قبله أنه لا يشترط في حصول الأجر على المرض ونحوه الصبر وذلك لأنه أثبت له الأجر مع حصول الجزع فهو نص في الرد على من زعم انتفاء الأجر بانتفاء الصبر ذكره القرطبي
(الطيالسي) أبو داود (طس عن ابن مسعود) قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فضحك فسئل فذكره رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن حميد ضعيف جدا(4/304)
5390 - (عجبت للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر) أي من شأنه ذلك أو المراد المسلم الكامل (وإذا أصابه خير حمد الله وشكره) على ما منحه (إن المسلم يؤجر في كل شيء) يصيبه أو يفعله (حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه) ليأكلها أي إن قصد بها التقوي على أداء العبادة قال الغزالي: لو كشف الحجاب لرأى العبد المصائب من أجل النعم فقد تكون العين التي هي أعز الأشياء سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحوال بل العقل الذي هو أعز الأمور قد يكون سببا لهلاكه فالملحدة غدا يتمنون لو كانوا مجانين ولم يتصرفوا بعقولهم في دين الله
(الطيالسي) أبو داود (هب) وكذا في السنن (عن سعد) بن أبي وقاص قال الذهبي: ولم يخرجوه وما به شيء وقد خرج النسائي لعمر اه ومراده أنه من رواية عمر بن سعد بن أبي وقاص وقد خرج له النسائي لكن انكسر عليه قوم قائلين كيف يظن بقاتل الحسين أنه ثقة(4/305)
5391 - (عجبت لقوم يساقون إلى الجنة) وكانوا في الدنيا (في السلاسل) قيدوا وسلسلوا حتى دخلوا في الدين (وهم) أي والحال أنهم (كارهون) للدخول فيه فلما عرفوا صحته دخلوا طوعا فدخلوا الجنة وعلى هذا التقرير فالمراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق وقيل هو مجاز عن دخولهم فيه مكرهين وسمى الإسلام بالجنة لأنه سببها وعلى هذا اقتصر ابن الجوزي فقال: أطلق على الإكراه التسلسل ولما كان هو سبب دخول الجنة أقام السبب مقام المسبب وقيل: هو من أسره الكفار منا فمات أو قتل في أيديهم فيحشر مسلسلا ويدخل الجنة كذلك وأنفس قول قيل في هذا المقام ما سلف عن حجة الإسلام
(طب عن أبي أمامة) الباهلي (حل عن أبي هريرة)(4/305)
5392 - (عجبت لصبر أخي يوسف) نبي الله (وكرمه والله يغفر له حيث أرسل إليه ليستفتى في (1) الرؤيا) التي رآها الملك في منامه ولم يجد عند أحد تعبيرها فعبرها وهو في الحبس (ولو كنت أنا) المرسل إليه (لم أفعل) أي لم أعبرها (حتى أخرج) بالبناء للمفعول (وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له أتى) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية [ص:306] بخط المصنف وضبطه وفي رواية أبى (ليخرج) من السجن لما أرسل إليه (فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره) أي حتى أخذ في أسباب اطلاعهم على عذره بقوله {ارجع إلى ربك} الآية (ولو كنت أنا) المرسل إليه (لبادرت الباب) بالخروج ولم ألبث لطول مدة الحبس الذي هو قبر الأحياء وشماتة الأعداء (ولولا الكلمة) وهي قوله {للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك} (لما لبث في السجن) تلك المدة الطويلة وذلك (حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل) فأدب بطول مدة الحبس عليه وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا مسوق لبيان عظم قدر يوسف وكمال صبره كما سبق
(طب وابن مردويه) في التفسير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن يزيد القرشي المالكي وهو متروك
_________
(1) بالبناء للمفعول فيهما أي أرسل إليه الملك ليستفتيه(4/305)
5393 - (عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه وعجبت لغافل وليس بمغفول عنه وعجبت لضاحك ملء فيه ولا يدري أرضي عنه أم سخط) قد شغل بما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالغصص ممزوج بنغص إذا أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا فيا عجبا من سفيه في صورة حكيم ومعتوه في مثال عاقل فهيم آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السماء والأرض بسجن آخره خراب وبوار وغايته نار وشنار
(عد هب عن ابن مسعود)(4/306)
5394 - (عجبت لمن يشتري المماليك ثم يعتقهم كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فهو أعظم ثوابا) ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وتبعه من قال: ومن وجد الإحسان قيدا تقيد
(أبو الغنائم النوسي) بفتح النون وسكون الواو وإهمال السين نسبة إلى نوس قرية بمرو (في قضاء الحوائج عن ابن عمر)(4/306)
5395 - (عجبت وليس بالعجب وعجبت وهو العجب العجيب العجيب عجبت وليس بالعجب أنى) بفتح الهمزة بضبط المصنف (بعثت إليكم) حال كوني (رجلا منكم) أي من عشيرتكم (فآمن بي من آمن بي منكم وصدقني من صدقني منكم فإنه العجب وما هو بالعجب ولكني عجبت وهو العجب العجيب العجيب لمن لم يرني وصدقني) لأنهم آمنوا به وصدقوه إيقانا ولم يروه عيانا فلذا كان هو العجب وأما أولئك فلاحت لهم أنوار النبوة شهودا وشهدوا مواقع التنزيل وأمين الوحي جبريل فإيمانهم ليس بعجيب
(ابن زنجويه في ترغيبه عن عطاء مرسلا)(4/306)
5396 - (عج حجر إلى الله تعالى) أي رفع صوته متضرعا والعج رفع الصوت (فقال إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة [ص:307] ثم جعلتني في أس كنيف فقال أو ما ترضى) وفي رواية أما ترضى بغير واو (أن عدلت بك عن مجالس القضاة) أي قضاة السوء ثم قيل العج حقيقي بأن جعل الله فيه إدراكا وتمييزا بحيث قال ما قال ولا مانع من ذلك وقيل هو على التشبيه فهو مجاز على سبيل الكناية وضرب الأمثال ومثل العالم مثل القاضي بل أشد وفي خبر الديلمي عن ابن عمر مرفوعا اشتكت النواويس إلى ربها فقالت: يا رب إنه لا يلقى فينا إلا مشرك فأوحى إليها أن اصبري كما صبرت دكاكين القضاة على الزور اه. وقال الأوزاعي: شكت النواويس يوما ما تجد من ريح الكفار فأوحى الله إليها بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه اه. وهو شديد الضعف بل قيل موضوع
(تمام) في فوائده (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما من حديث أبي معاوية عبد الله بن محمد المقريء المؤدب عن محمود بن خالد عن عمر عن الأوزاعي عن ابن سلمة (عن أبي هريرة) وقضية صنيع المؤلف أن مخرجيه خرجاه وأقراه وليس كذلك بل قال مخرجه الأصلي أبو تمام بعد ما خرجه من طريقين: فيهما أبو معاوية هذا حديث منكر وأبو معاوية ضعيف اه(4/306)
5397 - (عجلوا الإفطار) من الصوم ندبا إذا تحققتم الغروب (وأخروا السحور) ندبا إلى آخر الليل ما لم يوقع التأخير في شك كما سبق وعلة هذا مخالفة أهل الكتاب قال ابن تيمية: وهذا نص في ندب تعجيل الفطر لأجل مخالفتهم وإذا كانت مخالفتهم سببا لظهور الدين فإنما القصد بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله فتكون نفس مخالفتهم من أعظم مقاصد البعثة
(طب عن أم حكيم) بنت وادع قال الهيثمي: رواه من طريق حبابة بنت عجلان عن أمها عن صفية بنت جرير وهؤلاء النسوة روى لهن ابن ماجه ولم يوثقهن(4/307)
5398 - (عجلوا الخروج إلى مكة) أي لإقامة الحج والعمرة (فإن أحدكم لا يدري ما يعرض) بكسر الراء بضبط المصنف (له من مرض أو حاجة) أو فقرا وغير ذلك من الموانع والأمر بالتعجيل للندب عند الشافعي لأنه موسع عنده وللوجوب عند الحنفية والحنابلة لأنه فوري عندهما وللمالكية قولان كالمذهبين
(حل هق عن ابن عباس)(4/307)
5399 - (عجلوا الركعتين) اللتين (بعد المغرب لترفعا) إلى السماء (مع العمل) أي مع عمل النهار
(هب) وكذا الدارقطني والديلمي (عن حذيفة) وفيه سويد بن سعيد قال أحمد: متروك وقبله أبو حاتم عن عبد الرحيم بن زيد العمي أورده الذهبي في المتروكين وقال: قال البخاري: تركوه(4/307)
5400 - (عجلوا الركعتين) اللتين (بعد المغرب فإنهما ترفعان) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف (مع المكتوبة) وفيه ندب ركعتين بعد المغرب وهي من الرواتب المؤكدة
(ابن نصر عنه) أي عن حذيفة وفيه ما فيه(4/307)
5401 - (عجلوا صلاة النهار) أي العصرين وفي رواية العصر بدل النهار (في يوم غيم وأخروا المغرب) قال في الفتح: قيل [ص:308] المراد بذلك تعجيل العصر وجمعها مع الظهر وروى ذلك عن عمر قال: إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر انتهى أي وأما المغرب فتؤخر مع العشاء
(د في مراسيله عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء وسكون التحتية بالمهملة الأسدي أبي عبد الله المكي نزيل الكوفة (مرسلا) قال الذهبي: ثقة معمر وروى سعيد بن منصور في سننه عن عبد العزيز المذكور بلفظ عجلوا صلاة العصر في يوم الغيم قال ابن حجر في الفتح: وإسناده قوي مع إرساله(4/307)
5402 - (عد من لا يعودك) أي زر أخاك في مرضه وإن لم تجر عادته بزيارتك في مرضك (واهد لمن لا يهدي لك) قال البيهقي: هذا يؤيد خبر علي يرفعه ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك قال الحرالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل خاصة أصحابه على ترك الانتصاف بالحق والأخذ بالإحسان ليكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
(تخ هب عن أيوب بن ميسرة مرسلا) قال البيهقي: هذا مرسل جيد(4/308)
5403 - (عد) بضم العين وفتح الدال وتشديدها بضبط المصنف (الآي في الفريضة والتطوع)
(خط عن وائلة) بن الأسقع بإسناد ضعيف(4/308)
5404 - (عدة المؤمن دين) بفتح الدال (وعدة المؤمنة كالأخذ باليد)
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه دارم بن قبيصة قال الذهبي: لا يعرف(4/308)
5405 - (عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن) وهم من لازم قراءته تدبرا وعملا لا من قرأه وهو يلعنه (فليس فوقه درجة) لأنه يكون في أعلاها فمن قرأ مئة آية مثلا كان منزله عند آخر آية يقرؤها أي الدرجة التي كانت موازنة لآخر آية يقرؤها وهي المئة من الدرجات ومن حفظ جميع القرآن كان منزله الدرجة القصوى من درجات الجنان ذكره القاضي قال: وهذا للقارئ الذي يقرؤه حق قراءته بأن يتدبر معناه ويأتي بما هو مقتضاه انتهى. ومن الحديث يعلم أنه يقرأ ويتلذذ بالقرآن ومن لازم ذلك تلذذه بمعانيه وما يفتح الله به على القراء من أنواع المعارف اللائقة بتلك الدار وبتلك الذوات التي فيها التأهل وذلك أمره لا يتناهى أبدا قال القاضي: وحينئذ تقدر التلاوة على مقدار العمل فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد قام بما يجب عليه فيها واستكمال ذلك إنما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ثم الأعظم من أمته على قدر مراتبهم في الدين قال المصنف: وذا من خصائص القرآن إذ لم يرد في سائر الكتب مثله قال: ويخرج منه خصيصة أخرى وهو أنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه ولا يتكلم في الجنة إلا بلسانه وقال قتادة: أعطى الله هذه الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم قبلها خاصة خصهم الله بها وكرامة أكرمهم الله بها
(هب عن عائشة) قال أعني البيهقي: قال الحاكم: إسناده صحيح ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد وهو من الشواذ(4/308)
5406 - (عدد آنية الحوض) أي حوضه الذي يسقي منه أمته يوم القيامة والمراد بالآنية الكيزان التي يشرب بها (كعدد نجوم السماء) أي كثيرة جدا فالمراد به في المبالغة التكثير لا التساوي في العددين حقيقة
(أبو بكر بن أبي داود في البعث عن أنس) بن مالك(4/308)
[ص:309] 5407 - (عدل صوم يوم عرفة بسنتين: سنة مستقبلة وسنة متأخرة) وقد سبق توجيهه
(قط في فوائد ابن مردك عن ابن عمر) بن الخطاب(4/309)
5408 - (عذاب القبر حق) زاد في رواية الديلمي لا يسمعه الجن والإنس ويسمعه غيرهم. قال الغزالي: من أنكره فهو مبتدع محجوب عن نور الإيمان ونور القرآن بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحت به الأخبار أنه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة <تنبيه> في شرح الصدور: قال العلماء: عذاب القبر هو عذاب البرزخ أضيف إلى القبر لأنه الغالب فكل ميت أريد تعذيبه عذب قبر أم لا ومحله الروح والبدن جميعا باتفاق أهل السنة وكذا القول في النعيم. قال ابن القيم: ثم عذاب القبر قسمان: دائم وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ومنقطع وهو عذاب من خفت جرائمه وفي روض الرياحين: بلغنا أن الموتى لا يعذبون ليلة الجمعة تشريفا للوقت. قال: ويحتمل اختصاص ذلك بعصاتنا دون الكفار وعمم النفي في بحر الكلام فقال: الكافر يرفع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها وجميع رمضان وأما المسلم العاصي فيعذب في قبره لكن ينقطع عنه يوم الجمعة وليلتها ثم لا يعود إليه إلى يوم القيامة وإن مات يوم الجمعة أو ليلتها يكون له عذاب ساعة واحدة وضغطة القبر كذلك ثم ينقطع عنه العذاب ولا يعود إلى يوم القيامة اه. قال السيوطي: وهذا يدل على أن عصاة المسلمين لا يعذبون سوى جمعة واحدة أو دونها فإذا وصلوا إلى يوم الجمعة انقطع ثم لا يعود ويحتاج لدليل وفي البدائع لابن القيم عن القاضي أبي يعلى: لا بد من انقطاع عذاب القبر لأنه من عذاب الدنيا والدنيا وما فيها منقطع فلا بد أن يلحقهم الفناء والبلاء ولا يعرفون قدر مدة ذلك ويؤيده ما خرجه هناد عن مجاهد للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم حتى يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقول الكافر {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}
(خط عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الستة وإلا لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول عجيب فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الشيخين جميعا ثم رأيته في صحيح البخاري في باب ما جاء في عذاب القبر من كتاب الجنائز بهذا اللفظ من رواية المستملي(4/309)
5409 - (عذاب القبر من أثر البول فمن أصابه بول فليغسله فإن لم يجد ماء) يطهر به (فليمسحه) وجوبا (بتراب طيب) أي طهور فإنه أحد الطهورين وبهذا أخذ بعض المجتهدين والذي ذهب إليه الشافعي أن التراب لا يطهر الخبث
(طب عن ميمونة بنت سعد) أو سعيد صحابية رمز المصنف لصحته(4/309)
5410 - (عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها) يقتل بعضهم بعضا مع اتفاق الكل على كلمة التوحيد ولا عذاب عليهم في الآخرة والمراد معظمهم
(ك) في الإيمان من حديث أبي حصين عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة قيل هو ابن زيد بن حصين بن عمرو الأنصاري صحابي صغير قال: كنت جالسا عند عبيد الله بن زياد فأتى برؤوس الخوارج كلما جاء رأس قال: إلى النار فقلت: أو لا تعلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. قال الحاكم: على شرطهما ولا علة فيه وله شاهد اه(4/309)
[ص:310] 5411 - (عذاب أمتي) أمة الإجابة (في دنياها) في رواية في دنياهم: أي ليس عليهم عذاب في الآخرة وإنما عذابهم على ما اقترفوه من الذنوب البلاء والمحن والنكبات والمصائب فهذه مكفرة لهذه لكن هذا بالنظر للغالب للقطع بأنه لا بد من دخول بعضهم النار للتطهير
(طب ك) في الإيمان (عنه) أي عن عبد الله المذكور. قال الهيثمي: ورجاله يعني الطبراني ثقات(4/310)
5412 - (عذاب القبر حق فمن لم يؤمن) أي يصدق (به عذب) فيه عذابا مخصوصا على عدم إيمانه بذلك أي إن لم يدركه الله بعفوه. قال ابن المديني: كان لنا صديق فخرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب قبره فصليت بقربه فبينما أنا جالس سمعت من ناحية القبر أنينا فدنوت إليه فسمعت منه الأنين وهو يقول آه كنت أصوم كنت أصلي فأصابني قشعريرة فدعوت من حضرت فسمع ما سمعت ثم رجعت فمرضت بالحمى شهرين وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجر: كنت أتعهد قبر والدي للقراءة عليه فخرج يوما بغلس في رمضان فجلست على قبره أقرأ ولم يكن في المقبرة غيري فسمعت تأوها عظيما وأنينا بصوت أزعجني من قبر مجصص مبيض فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت العذاب من داخله وذلك الرجل المعذب يتأوه بحيث يقلق سماعه القلب فلما وقع الإسفار خفي حسه فسألت عن القبر فقالوا قبر فلان لرجل أدركته وكان على غاية من لزوم المسجد والصلاة والصمت لكنه كان يعامل بالربا قال: وحكيت ذلك لبعض أهل بلده قال: أعجب منه عبد الباسط رسول القاضي فلان لما حفرنا قبره لننزل عليه ميتا آخر رأينا في رقبته سلسلة وفيها كلب أسود مربوط معه فخفنا ورددنا التراب عليه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه ابن منيع كما في الفردوس وغيره عنه: وشفاعتي يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها اه
(ابن منيع عن زيد بن أرقم) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/310)
5413 - (عرامة الصبي في صغره) أي حدثه وشرسته إذ العرام كغراب الحدة والشرس (زيادة في عقله في كبره) قال الحكيم: العرم المنكر وإنما صار منه منكرا لصغره فذاك من ذكاوة فؤاده وحرارة رأسه والناس يتفاضلون في أصل البنية في الفطنة والكياسة والحظ من العقل والعقل ضربان ضرب يبصر به أمر دنياه وضرب يبصر به أمر آخرته والأول من نور الروح والثاني من نور الهداية فالأول موجود في عامة المؤملين إلا لعارض ويتفاوتون والثاني في الموحدين فقط وهم متفاوتون فيه أيضا وسمي عقلا لأن الجهل ظلمة فإذا غلب النور زالت الظلمة فأبصر فصار عقلا للجهل فالصبي إذا بدا منه زيادة بصر في الأمور وذكاء قيل عارم والعرم بلغة اليمن السد فالصبي يسد باب البلاهة بزيادة ذلك النور فيهتدي للطائف الأمور فمن ركب طبعه عن هذه الزيادة ثم أدرك مدرك الرجال وجاءه نور الهداية فآمن من كان المركب فيه في صغره عونا له فصار بتلك الزيادة عقله نقص في العقول الدنيوية فإذا جاءه العقل الثاني افتقد العون ولم يكن له في النوائب هداية الطبع بل هداية الإيمان والعارم اجتمع له هداية الإيمان وهداية الطبع من ذكوة الحياة التي فيه والروح المضموم له فعرف خير الدنيا وشرها فإذا جاء نور التوحيد أذكى الفؤاد فأبصر فكان له أعون من كل عون
(الحكيم) الترمذي (عن عمرو بن معد يكرب) الزبيدي المذحجي وفد مع مراد ونزل في مراد أسلم سنة تسع وارتد مع الأسود ثم أسلم وشهد اليرموك (أبو موسى المديني في أماليه عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي وبيض ولده لسنده(4/310)
[ص:311] 5414 - (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا واجب الوجود (والصلاة المكتوبة) أي الصلوات الخمس المفروضة (وصوم رمضان) وهذا بالنسبة للشهادة على بابه وأما بالنسبة للصلاة والصوم فهو من قبيل الزجر والتهويل أو الحمل على مستحل الترك قال الذهبي في الكبائر: هذا حديث صحيح وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عرض أنه شر المكاس والزاني ومدمن الخمر بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال اه
(ع) من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن مالك اليشكري عن أبي الجواري (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/311)
5415 - (عرج) بالتخفيف (بي) أي أعرجني يعني رفعني جبريل إلى فوق السماء السابعة (حتى ظهرت) أي ارتفعت (لمستوى) بفتح الواو أي علوته قال تعالى {ومعارج عليها يظهرون} (أسمع فيه صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة تصويت أقلام الملائكة بما يكتبونه من أمر أقضية الله تعالى قال القاضي: المستوى على صيغة المفعول اسم مكان من الاستواء واللام إما للعلة بمعنى علوته لاستعلائه وللاستواء عليه أو بمعنى إلى كما في قوله تعالى {بأن ربك أوحى لها} وصريف الأقلام صريرها وأصله صوت البكرة عند الاستسقاء والمعنى بلغت في الارتقاء إلى رتبة عليا اتصلت بمبادئ الكائنات واطلعت على تصاريف الأحوال وجري المقادير ولذلك أخبر عن حوادث مستقبلة وأشياء معينة وانكشف الحال على ما قال
(خ طب عن ابن عباس وأبي حبة البدري) قال الذهبي: بموحدة هو الصحيح ويقال بمثناة تحتية ويقال بنون اسمه مالك أو ثابت الأنصاري الأوسي(4/311)
5416 - (عرش كعرش) كذا بخط المصنف وفي رواية عريش كعريش بياء قبل الشين (موسى) سببه أنه سئل أن يكحل له المسجد فقال: لا عريش كعريش موسى. قال البيهقي: يعني أنه كان يكره الطاق في حوالي المسجد اه. والعريش ما يستظل به من خيمة أو غيرها والجمع عرش كقليب وقلب ومنه قيل لبيوت مكة العرش لأنها عيدان تتصب وتظل عليها ومعناه بأي شيء كان يستظل
(هق عن سالم بن عطية مرسلا) قضيته أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: إنه واه أيضا(4/311)
5417 - (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة) أي حصباءها (ذهبا) قال الطيبي: بطحاء تنازع فيه عرض وليجعل أي عرض على بطحاء مكة ليجعلها لي ذهبا (فقلت لا يا رب ولكني أشبع يوما وأجوع يوما) هذا ورد على منهج التقسيم وهو ذكر متعدد ثم إضافة ما لكل على التعيين فذكر أولا جوعه وشبعه في أيامها ثم أضاف إلى الأول ماله من التضرع والدعاء وللثاني من الحمد والثناء بقوله (فإذا جعت تضرعت إليك) بذلة وخضوع (وذكرتك) في نفسي وبلساني (وإذا شبعت حمدتك وشكرتك) عطفه على ما قبله لما بينهما من عموم الأول موردا وخصوصه متعلقا وخصوص الثاني موردا وعمومه متعلقا وجمع في القرينين بين الصبر والشكر وهما صفتا المؤمن الكامل المخلص {إن في ذلك لآيات [ص:312] لكل صبار شكور} ثم حكمة هذا التفصيل الاستلذاذ بالخطاب وإلا فإنه عالم بالأشياء جملة وتفصيلا وهذا يعرفك بما كان عليه من ضيق العيش والتقلل منه لم يكن اضطراريا بل اختيارا مع إمكان التوسع والتبسط
(حم ت) من حديث ابن المبارك عن يحيى بن أيوب (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وهو تابع للترمذي وقال في المنار: وينبغي أن يقال فيه ضعيف فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زجر عن علي بن زيد عن القاسم عنه اه. وقال العراقي: فيه ثلاثة ضعفاء علي بن زيد والقاسم وعبيد الله بن زجر(4/311)
5418 - (عرض) بضم العين بضبط المصنف (علي أول ثلاثة) قال الطيبي: إضافة أفعل إلى النكرة للاستغراق وأن أول كل ثلاثة من الداخلين في الجنة هؤلاء الثلاثة وأما تقدم واحد الثلاثة على الآخرين فليس في اللفظ إلا التنسيق عند علماء البيان وفي رواية بدل ثلاثة ثلة بمثلثة مضمومة أي جماعة (يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد و) عبد (مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده) أي أراد له الخير وقام بخدمته حق القيام (وعفيف) عن تعاطي ما لا يحل له (متعفف) عن سؤال الناس (وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط) على رعيته بالجور والعسف (وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله وفقير فخور) قال الطيبي: أطلق الشهادة وقيد العفة والعبادة يشعر بأن مطلق الشهادة أفضل منهما فكيف إذا قرن بإخلاص ونصح والوجه استغناء الشهادة عن التقييد إذ لشرطها الإخلاص والنصح والخصلتان مفتقرتان إليه فقيدهما وأطلقها
(حم ك) في الزكاة (هق) من حديث عامر العقيلي عن أبيه (عن أبي هريرة) وعامر العقيلي هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال: شيخ مجهول ليحيى بن أبي كثير لكنه في الكبائر أطلق على الحديث الصحة(4/312)
5419 - (عرضت علي الجنة والنار) أي نصبتا ومثلتا إلي كما تنطبع الصورة في المرآة (آنفا) بالمد والنصب على الظرفية أي قريبا وقيل أول وقت كنا فيه وقيل الساعة وقال أبو البقاء: تقديره ذكرك زمانا آنفا أي قريبا من وقتنا وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه زاد في رواية وأنا أصلي وقد تجلى له الكون كله وزويت له الأرض بأسرها فأرى مشارقها ومغاربها وكل ذلك عند اندراج المسافات في حقه (في عرض هذا الحائط) بضم العين المهملة جانبه أو وسطه (فلم أر) فلم أبصر (كاليوم) صفة محذوف أي يوما كهذا اليوم وأراد باليوم الوقت الذي هو فيه أو المعنى لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم فحذف المرئي وأدخل التشبيه علي اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن النظر المألوف وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا في الخير والشر أي ما أبصرت مثل الخير الذي رأيته في الجنة والشر الذي رأيته في النار فبالغ في طلب الجنة والهرب من النار أو ما أبصرت شيئا فالطاعة والعصيان في سبب دخولهما (ولو تعلمون ما أعلم) من شدة عقاب الله وقوة سطوته بأهل المعاصي (لضحكتم قليلا) أي لتركتم الضحك في غالب الأحيان وأكثر الأزمان (ولبكيتم كثيرا) لغلبة سلطان الوجل على قلوبكم ولا يرد على ما تقرر أولا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة ما ذاك إلا أنه شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان [ص:313] الآن ونصح المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم وتعذيب أهل الوعيد على المعاصي <تنبيه> قال بعضهم: من الحكم والفوائد التي اشتمل عليها رؤية المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجنة والنار الأنس بأهوال القيامة ليتفرغ فيه لشفاعة أمته ويقول أمتي أمتي حيث يقول غيره من عظيم الهول نفسي نفسي
(م عن أنس) بن مالك(4/312)
5420 - (عرضت علي أمتي بأعمالها) قال أبو البقاء: في محل نصب الحال أي ومعها أعمالها أو ملتبسة بأعمالها كقوله تعالى {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي وفيهم إمامهم وقوله (حسنها وسيئها) حالان من الأعمال (فرأيت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق) أي تنحيته عنها (ورأيت في سيء أعمالها النخاعة) أي النخامة التي تخرج من الفم مما يلي أصل النخاع ذكره التوربشتي وقال غيره: المراد هنا البصاق (في المسجد لم تدفن) قال الأشرقي: والتعريف في النخاعة والأذى كما في قوله دخلت السوق في بلد كذا ويماط صفة الأذى قال النووي: ظاهره أن الذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه كل من رآها ولا يزيلها
(حم م هـ) في الصلاة (عن أبي ذر) رواه عنه أيضا ابن حبان وابن منيع والديلمي وغيرهم ولم يخرجه البخاري(4/313)
5421 - (عرضت علي أجور) أعمال (أمتي) يحتمل كونه ليلة الإسراء وكونه في وقت المكاشفات والتجليات عند ورود الوارد الغيبي على قلبه وذلك كان غالب أحواله لأن روحه الزكية لا مرتع لها إلا في الحضرات الإلهية والمنازل القدسية فكان لا يغيب عن الله طرفة عين (حتى القذاة) التبن ونحوه كتراب قال القاضي البيضاوي وتبعه الولي العراقي: بالرفع عطفا على أجور أمتي ويجوز جره بتقدير حتى رأيت القذاة وقال الطيبي: لا بد من تقدير مضاف أي جزاء أعمال أمتي وأجر القذاة أو أجر إخراج القذاة ويحتمل الجر وحتى بمعنى إلى وتقديره إلى أجر القذاة وقوله (يخرجها الرجل من المسجد) جملة مستأنفة للبيان والرفع عطفا على أجور والتقدير ما مر وحتى يحتمل كونها هي الداخلة على الجملة وحينئذ يكون التقدير حتى أجر القذاة يخرجها على الابتداء والخبر اه {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا} صغر ذلك العمل أو كبر عسر تحمله أم شق أم سهل ومخرج القذاة من المسجد معظم لله ونبيه وحرمه فهو عند الله عظيم (وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة) أي من نسيان سورة (من القرآن أو آية أوتيها) أي حفظها رجل (ثم نسيها) لأنه إنما نشأ عن تشاغله عنها بلهو أو فضول أو لاستخفافه بها وتهاونه بشأنها وعدم اكتراثه بأمرها فيعظم ذنبه عند الله لاستهانة العبد له بإعراضه عن كلامه وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته فإذا أخل بهاتيك المرتبة حتى خرج عنها ناسب أن يعاقب فإن ترك تعاهد القرآن يفضي إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد وقال أوتيها ولم يقل حفظها لينبه على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إياه ليقوم بها ويشكر موليها فكفرها وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضا منه وهذا لا يناقضه خبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان لأن المعدود هنا ذنبا التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه
(ت) في الصلاة من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن أنس) وتعقبه الترمذي بأنه غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه فإنه ذاكر به البخاري فلم يعرفه واستغربه وقال: لا أعرف للمطلب سماعا من أحد من الصحابة اه وقال القرطبي: الحديث غير ثابت وأنكر ابن المديني كون المطلب سمع من أنس وقال ابن حجر: في إسناده ضعف لكن له شواهد وقال الزين العراقي: استغربه البخاري [ص:314] لكن سكت عليه أبو داود(4/313)
5422 - (عرضت علي أمتي البارحة) هو أقرب ليلة مضت وهذا يقتضي قرب عهده بالعرض (لدى هذه الحجرة) بالضم أي عندها (حتى لأنا أعرف بالرجل منهم من أحدكم بصاحبه صوروا لي في الطين) قال: من خصائصه أنه عرض عليه أمته بأسرهم حتى رآهم وعرض عليه ما هو كائن فيهم حتى تقوم الساعة قال الإسفرايني: وعرض عليه الخلق كلهم من لدن آدم فمن بعده كما علم آدم أسماء كل شيء
(طب والضياء) المقدسي (عن حذيفة) بضم أوله (ابن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبو سريجة بمهملتين مفتوح الأول صحابي من أصحاب الشجرة(4/314)
5423 - (عرف الحق لأهله) يعني الأسير الذي أتى به إليه فقال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته خلوا سبيله
(حم ك) في التوبة وكذا الطبراني (عن الأسود بن سريع) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي وقال: فيه محمد بن مصعب ضعفوه وقال الهيثمي: فيه عند أحمد والطبراني محمد بن مصعب وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح(4/314)
5424 - (عرفت جعفر) بن أبي طالب (في رفقة من الملائكة يبشرون أهل بيشة) بكسر الموحدة أوله وسكون المثناة التحتية وفتح المعجمة واد بطريق اليمامة مأسدة (بالمطر) وهذا قاله بعد أن استشهد في غزوة مؤتة وبين به أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون
(عد عن علي) أمير المؤمنين(4/314)
5425 - (عرفة كلها موقف) أي أن الواقف بأي جزء منها آت سنة إبراهيم متبع لطريقته وأن بعد موقفه عن موقفنا أراد به دفع توهم تعين الموقف الذي اختاره هو للوقوف (وارتفعوا عن بطن عرنة) هي ما بين العلمين الكبيرين جهة عرفة والعلمين الكبيرين جهة منى (ومزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) بكسر السين محل فاصل بين مزدلفة ومنى وإضافته للبيان كشجر أراك (ومنى كلها منحر) أي لا يختص المنحر بمنحري بل يجزئ في أي بقعة منها
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات(4/314)
5426 - (عرفة اليوم الذي يعرف فيه الناس) قال السبكي: المراد منه إذا اتفقوا على ذلك فالمسلمون لا يتفقون على ضلال وإجماعهم حجة حتى لو غم الهلال وأكمل الناس القعدة ثلاثين ووقفوا في تاسع الحجة بظنهم وعيدوا في غده ثم بان أنهم وقفوا في العاشر فوقوفهم صحيح وأضحاهم يوم ضحوا وكذا إذا أكملوا رمضان ثلاثين فأفطروا من الغد ثم بان أنه ثاني شوال كان فطرهم يوم أفطروا فهذا معنى الحديث ولو رأى أحد هلال شوال وحده أفطروا سرا وكان ذلك يوم فطره وليس يوم فطر غيره بل يوم فطره وإن لم يثبت برؤية وهذا يدل على أنه ليس فطر كل أحد يوم فطر الناس
(ابن منده وابن عساكر) وأبو نعيم والديلمي (عن عبد الله بن خالد بن أسيد) قال الذهبي تبعه صحبه ثم استعمله زياد على فارس وأقره معاوية(4/314)
[ص:315] 5427 - (عريشا كعريش موسى) بياء قبل الشين في خطه هو ما أقيم من البناء على حالة عجالة يدفع سوره الحر والبرد ولا يدفع جملتها كالكن المشيد (ثمام) بمثلثة كغراب نبت ضعيف قصير يشد به خصاص البيوت الواحدة ثمامة (وخشيبات والأمر أعجل من ذلك) أي حضور الأجل أعجل من إشادة البنيان قال ذلك حين استأذنوه في بناء المسجد قال في الفردوس: سئل الحسن ما كان عريش موسى قال: كان إذا رفع يده بلغت السقف
(المخلص في فوائده وابن النجار) في تاريخه (عن أبي الدرداء)(4/315)
5428 - (عزمة على أمتي أن لا يتكلموا في القدر) محركا أي أقسمت عليهم أن لا يتنازعوا ويتجادلوا فيه بل يجزموا بأن الله خالق الأشياء كلها ومقدرها لا كما يقوله المعتزلة من إسناد أفعال العباد إلى قدرهم
(خط) في القدر (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن خالد البصري قال الذهبي: قال أبو حاتم: منكر الحديث وفيه أيضا محمد بن الحسين الدوري قال الذهبي: اتهم بالوضع وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح(4/315)
5429 - (عزمة على أمتي أن لا يتكلموا في القدر ولا يتكلم في القدر إلا شرار أمتي في آخر الزمان) فعلى هذه الأمة أن يعتقدوا أن الله خالق أعمال العباد خيرها وشرها كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل خلقهم
(عد) من حديث عبد الرحمن القطامي عن أبي المهزم (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل: هذا موضوع قال الفلاس والقطامي: كان كذابا وأبو المهزم ليس بشيء(4/315)
5430 - (عزيز على الله تعالى أن يأخذ كريمتي عبد مسلم) بزيادة عبد أي عينيه يذهب بصرهما (ثم يدخله النار) أي نار جهنم أي لا يفعل ذلك بحال إن صبر ذلك العبد واحتسب كما قيده في حديث آخر في النهاية عن علي أن أراك بحالة سيئة أي اشتد وشق
(حم طب) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن عائشة بنت قدامة) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي ضعفه أبو حاتم وغيره(4/315)
5431 - (عسى رجل يحدث) الناس (بما يكون بينه وبين أهله) أي حليلته من أمر الجماع ومتعلقاته (أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها وبين زوجها) كذلك (فلا تفعلوا) أي يحرم عليكم ذلك وعلله بقوله (فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في ظهر الطريق) لفظ الظهر مقحم (فغشيها) أي جامعها (والناس ينظرون) إليها فهذا مثل هذا في القبح والتحريم. والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفساف الأخلاق
(طب عن أسماء بنت يزيد) بن السبكي الأنصارية صحابية [ص:316] تكنى أم سلمة أو أم عامر رمز المصنف لحسنه(4/315)
5432 - (عشر من الفطرة) قال بعض الكمل: من للتبعيض ولذا لم يذكر هنا الختان قيل وأحسن منه كونها للابتداء بمعنى عشر كائن من الفطرة أي السنة يعني سنة الأنبياء الذين أمرنا بالاقتداء بهم خمس في الرأس وخمس في الجسد وقال الولي العراقي: عشر مبتدأ ومن الفطرة خبره (قص الشارب) وما بعده بدل من عشر أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو ويجوز أن يكون قص الشارب مبتدأ وعشر خبر مقدم ومن الفطرة في موضع الصفة له اه. والمراد بقص الشارب قطعه بأي طريق كان من قص أو غيره حتى تبين الشفة بيانا ظاهرا (وإعفاء اللحية) أي إكثارها بلا نقص من قبيل حتى عفوا والمراد عدم التعرض لها بنقص شيء منها بخلاف لحية الأنثى فيسن إزالتها (والسواك) أي استعماله (واستنشاق الماء) أي في الوضوء أو عند الانتباه من النوم أو عند الحاجة إليه لنحو اجتماع وسخ في الأنف (وقص الأظفار) بالكيفية المعروفة (وغسل البراجم) بفتح الباء وكسر الجيم برجمة بضمهما عقد الأصابع ومفصلها وغسلها منفردة سنة وليس بمختص بالوضوء ونبه بها على ما عداها مما اجتمع فيه الوسخ كأنف وأذن (ونتف الإبط) أي شعره (وحلق العانة) الشعر الذي حول ذكر الرجل وفرج المرأة (وانتقاص الماء) بقاف وصاد مهملة على الأشهر كناية عن الاستنجاء بالماء أو نضح الفرج به لأن انتقاص الماء المطهر لازم له وقيل معناه انتقاص البول بالماء لأنه إذا غسل الذكر بعد بوله انقطع البول لأن في الماء خاصية قطع البول فالمصدر على الأول مضاف للفاعل وعلى الثاني للمفعول وعليه فالمراد بالماء البول وروي بالفاء وهو نضح الماء على داخل إزاره بعد الطهر دفعا للوسواس قال النووي: والصواب الأول <تنبيه> يتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع منها تحسين الهيئة وتنظيف البدن جملة وتفصيلا والاحتياط للطهر والإحسان إلى المخالط بكف ما يتأذى بربحه ومخالفة شأن الكفار من نحو مجوس ويهود ونصارى وامتثال أمر الشارع والمحافظة على ما أشار إليه بقوله سبحانه {فأحسن صوركم} فكأنه قال حسنت صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها والمحافظة عليها محافظة على المروءة والتألف لأن الإنسان إذا كان حسن الهيئة انبسطت إليه النفوس فقبل قوله وحمد رأيه وعكسه عكسه
(حم م 4) كلهم في الطهارة (عن عائشة) ورواه مسلم من حديث زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة ثم قال: قال زكريا قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة اه. وقال عياض: لعلها الختان المذكور مع الخمس قال النووي: وهو أولى قال النسائي: وللحديث علة وهو أن فيه حتى عند مسلم مصعب بن شيبة منكر الحديث وقال أحمد: له مناكير وقال أبو حاتم والدارقطني ليس بقوي لكن لروايته شاهد صحيح مرفوع(4/316)
5433 - (عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا) أي لا بغيرها (وتزيدها أمتي) أي تفعلها وتزيد عليها (بخلة) أي بخصلة (إتيان الرجال بعضهم بعضا ورميهم بالجلاهق) بضم الجيم البندق من طين واحده جلاهقة فارسي (والخذف (1) ولعبهم بالحمام وضرب الدفوف وشرب الخمور وقص اللحية وطول الشارب والصفير) وهو تصويت بالفم والشفتين [ص:317] كما في النهاية (والتصفيق) ضرب صفحة الكف على صفحة الأخرى (ولباس الحرير) أو ما كان أكثره حريرا (وتزيدها أمتي) أي تفعلها كلها وتزيد عليها (بخلة إتيان النساء بعضهم بعضا) وذلك كالزنا في حقهن واستشكل بخير البيهقي وغيره إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال
(ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن) البصري (مرسلا)
_________
(1) بالخاء والذال المعجمتين وهو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة(4/316)
5434 - (عشرة) زاد تمام في فوائده من قريش (في الجنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة) إنما بشر العشرة بكونهم فيها واقتصر عليهم مع أن عامة أصحابه فيها ولم يبشرهم لأن عظمة الله قد ملأت صدور أولئك وصفت أرواحهم فأخذت بقسطها من صفوة الأنبياء ورفعت عن قلوبهم الحجب فلاحظوا العز والجلال فلا تضرهم البشرى لموت شهواتهم وحياة قلوبهم بالله وأما غيرهم فلم تأمن نفوسهم فكتم عنهم خوفا عليهم كيف وقد كان عند أولئك مع علمهم بذلك من الخوف ما اقتضى أن يقول الصديق وهو أكبرهم " ليتني كنت شعرة في صدر مؤمن " وأن يقول عمر " الويل إن لم يغفر له ". (تتمة) أخرج ابن عساكر عن عبادة: خلوت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحب من تحب كما تحب قال أكتم على حياتي: أحبابي أبو بكر ثم عمر ثم علي ثم سكت فقلت: ثم من قال: من عسى أن يكون إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن مسعود وابن عوف وابن عفان ثم هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وعمار اه
(حم د هـ والضياء) المقدسي (عن سعيد بن زيد) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير حامد بن يزيد البلخي وهو ثقة وللحديث طرق كثيرة(4/317)
5435 - (عشرة أبيات بالحجاز أبقى من عشرين بيتا بالشام)
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الديلمي(4/317)
5436 - (عصابتان) تثنية عصابة وهي الجماعة من العصباء ومنه العصب لأنه يشد الأعضاء بعضها ببعض (من أمتي) العصابة الجماعة من عشرة إلى أربعين لا واحد لها من لفظها (أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم)
(حم ن والضياء) من حديث محمد بن الوليد الزبيدي عن الجراح بن مليح (عن ثوبان) ورواه عنه الديلمي والطبراني وقال: لا يروى عن ثوبان إلا بهذا الإسناد تفرد به الزبيدي اه والجراح قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني: ليس بشيء(4/317)
5437 - (عظم الأجر عند عظم المصيبة وإذا أحب الله قوما ابتلاهم) تمامه كما في الفردوس فمن رضي فله الرضى [ص:318] ومن جزع فله الجزع
(المحاملي) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية وحاء مهملة مخففة نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في السفر وعرف به بيت كبير قديم منهم هذا الإمام وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي سمع البخاري وخلقا كثيرا ومنه الطبراني والدارقطني وخلق كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف (في أماليه عن أبي أيوب) الأنصاري ورواه أبو نعيم والديلمي من حديث أنس(4/317)
5438 - (عفو الله أكبر) بموحدة تحتية بضبطه (من ذنوبك) أي فضل الله على العبد أكبر من التقصير أي من تقصيراته فإنه كلما أذنب أبق من ربه وكلما أبق ازداد عتيا وكلما ازداد عتيا ازداد نقصا في القدر والجاه ففضل الله على العبد أكثر من نقصانه لأنه يتفضل من كرمه ومجده والعبد ينقص من لومه وفقره فكلما ظهر نقص تفضل عليه بستره حتى لا يبدو نقصه وعيبه فإن كثرت ذنوبه فستوره أكثر وإن كثر نقصه وعيبه ففضله أكثر وأغزر وهذا قاله لحبيب بن الحارث وقد قال: إني مقراف للذنوب قال: كلما أذنبت فتب ثم قال: أعود قال: ثم تب قال: إذا تكثر فذكره
(فر) وكذا العسكري وأبو نعيم والبيهقي وضعفه (عن عائشة) ورواه عنها باللفظ المذكور الطبراني في الأوسط ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فعزوه إليه كان أولى قال الهيثمي: وفيه نوح بن ذكوان ضعيف(4/318)
5439 - (عفو الملوك) بضم الميم جمع ملك بفتحها وكسر اللام (أبقى) بالموحدة والقاف (للملك) أي أدوم وأثبت
(الرافعي) إمام الدين عبد الكريم في تاريخ قزوين (عن علي) أمير المؤمنين(4/318)
5440 - (عفوت لكم عن صدقة الجبهة) أي تركت لكم أخذ زكاة الخيل وتجاوزت عنه سميت به لأنها خيار البهائم كما يقال وجه القوم وجبهته لسيدهم (والكسعة) بالضم الحمير أو الرقيق من الكسع وهو ضرب الدبر (والنخة) بضم النون وفتحها وخاء معجمة مفتوحة مشددة البقر العوامل وكل دابة استعملت
(هق عن أبي هريرة) قال ابن حجر: سنده ضعيف وقد اضطرب فيه راويه سليمان بن الأرقم أبو معاذ(4/318)
5441 - (عفوا تعف نساؤكم) أي عفوا عن الفواحش تكف نساؤكم عنها وخرج الديلمي عن علي مرفوعا لا تزنوا فتذهب لذة نسائكم وعفوا تعف نساؤكم إن بني فلان زنوا فزنت نساؤهم
(أبو القاسم بن بشران في أماليه عد) عن سعيد بن هاشم بن زيد عن قاسم بن عبد الوهاب عن إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وسكت عليه(4/318)
5442 - (عفوا تعف نساؤكم وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره) زاد في رواية محقا كان أو مبطلا (لم يرد علي الحوض) يوم القيامة إشارة إلى إبعاده عن منازل الأبرار ومواطن الأخيار
(طس عن عائشة) قال الهيثمي: فيه يزيد بن خالد العمي وهو كذاب فكان ينبغي حذفه كالذي قبله(4/318)
5443 - (عفوا عن نساء الناس) فلا تزانوهم (تعف نساؤكم) عن الرجال (وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ومن أتاه أخوه) [ص:319] أي في الإسلام وإن لم يكن من النسب (متنصلا) أي منتفيا من ذنب معتذرا (فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا) في تنصله (فإن لم يفعل) أي لم يقبل (لم يرد علي الحوض) يوم يرده المؤمنون في الموقف الأعظم
(ك) في البر والصلة من حديث سويد عن قتادة عن أبي رافع (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: بل سويد ضعيف والمنذري قال: سويد هو ابن عبد العزيز واه(4/318)
5444 - (عقر دار الإسلام) أي أصله وموضعه (بالشام) أي تكون الشام زمن الفتن محل أمن وأهل الإسلام به أسلم قال في الفردوس: عقر الدار مفتوح العين أصلها والعقر والعقار خيار كل شيء وأصله
(طب عن سلمة) بفتحات (بن نفيل) بنون وفاء مصغرا السكوني ويقال البراجمي حمصي له صحبة رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رجاله ثقات اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لأعلى من الطبراني والأمر بخلافه بل رواه الإمام أحمد فعزوه إليه أولى(4/319)
5445 - (عقل) أي دية (شبه العمد) وهو العمد من وجه دون وجه كضرب بنحو سوط أو عصا خفيفة بلا توال (مغلظ) بالتثليث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة أي حاملا لكنها مخففة بكونها مؤجلة لأن شبه العمد متردد بين الخطأ والعمد فأعطى مثل الخطأ في التأجيل (مثل عقل العمد) في التثليث (ولا يقتل صاحبه) أي لا يجب قود على صاحب شبه العمد وإذا لم يقتل فيه ففي الخطأ أولى وإذا لم يقتل فيهما تعين العمد للقتل
(د) في الديات (عن ابن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(4/319)
5446 - (عقل المرأة مثل عقل الرجل) أي دية الذكر مثل دية الأنثى إذ العقل الدية سميت به لأن الإبل المأخوذة فيها كانت تعقل بفناء ولي المقتول (حتى تبلغ الثلث من ديتها) أي تساويه فيما كان من أطرافها إلى ثلث الدية فإذا تجاوزت الثلث وبلغ العقل نصف الدية صارت ديتها على النصف من دية الرجل
(ن عن ابن عمرو) بن العاص وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الذهبي: فيه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج قال الشافعي: وكان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه وفي نفسي شيء ثم علمت أنه يريد سنة أهل المدينة فرجعت عنه(4/319)
5447 - (عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين) أي دية الذميين كنصف المسلمين قال القاضي: العقل الدية سميت به لأن إبلها تعقل بفناء ولي الدم أو لأنها تعقل دم القاتل عن السفك
(ن عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ما في الذي قبله(4/319)
5448 - (عقوبة هذه الأمة) في الدنيا (بالسيف) أي يقتل بعضهم بعضا في الدنيا بالسيوف فلا يعذبون بخسف ولا مسخ كما فعل بالأمم السابقة رحمة من الله بهم وشفقة عليهم وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته " والساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر "
(طب عن رجل) من الصحابة قال الديلمي: أظنه عبد الله بن يزيد الخطمي (خط عن عقبة بن مالك) هما اثنان جهني وليثي فكان ينبغي تمييزه قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح(4/319)
[ص:320] 5449 - (علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا) من المخلوقات (أبدا) لأن اللعنة الطرد والبعد عن رحمة الله وهم إنما يقربون إلى الله لا يبعدون عنه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الأولياء عن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف (ابن خنيس) بالمعجمة والنون وآخره سين مهملة مصغرا كوفي تابعي عابد زاهد سكن بغداد (مرسلا) قال الذهبي: واه اه. لكن في التقريب كأصله: صدوق له أغلاط كثيرة وأفرط فيه ابن حبان(4/320)
5450 - (علامة حب الله تعالى حب ذكر الله وعلامة بغض الله بغض ذكر الله عز وجل) أي علامة حب الله لعبده حب عبده لذكره لأنه إذا أحب عبدا ذكره وإذا ذكره حبب إليه ذكره فيذكر ربه بذكره تعالى له كما يحبه بحبه له قال تعالى {يحبهم ويحبونه} {ولذكر الله أكبر} أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد لله لأن ذكر الله للعبد يثير من العبد ذكره له وقد يجري على ظاهره ويكون المعنى علامة المحب لله كثرة ذكره له لأن من أحب شيئا أكثر ذكره وفي الخبر أنت مع من أحببت أي إن كنت كذلك فأنت مع من أحببت شهودا له بالقلب وذكرا له باللسان وخدمة له بالأركان فذكر الله من العبد بلسانه علامة شهوده له بجنانه كما قال: اعبد الله كأنك تراه
(هب عن أنس) بن مالك ورواه عنه الحاكم والديلمي(4/320)
5451 - (على الخمسين) من الرجال (جمعة) ظاهر صنيعه أن هذا هو الخبر بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الدارقطني ليس فيما دون ذلك
(قط عن أبي أمامة) وتعقبه مخرجه البيهقي بأن جفعر بن الزبير أحد رجاله متروك وقال عبد الحق: فيه جعفر بن الزبير متروك قال ابن القطان: وتضعيفه الحديث بجعفر ظلم له إذ ما فوقه وتحته أضعف فلعل الجناية منه فهو ولو كان معه ثقة ما صح الحديث وقال ابن حجر: فيه جعفر متروك وهياج بن بسطام متروك(4/320)
5452 - (على الركن اليماني ملك موكل) أي موكل بالتأمين على دعاء من دعا عنده (به منذ خلق الله السماوات والأرض فإذا مررتم به فقولوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فإنه يقول آمين آمين) أي استجب استجب يا ربنا
(خط) في ترجمة أبي محمد القرشي (عن ابن عباس) مرفوعا (هب عنه موقوفا)(4/320)
5453 - (على النساء ما على الرجال) من الفرائض (إلا الجمعة والجنائز والجهاد) في سبيل الله نعم إن لم يكن هناك رجل في الصلاة على الجنازة لزم المرأة
(عب عن الحسن) البصري (مرسلا)(4/320)
5454 - (على الوالي) أي الإمام الأعظم ونوابه (خمس خصال جمع الفيء من حقه ووضعه في حقه وأن يستعين على أمورهم بخير من يعلم) من الناس أي بأفضلهم وأعظمهم [ص:321] كفاءة وديانة (ولا يجمرهم فيهلكهم) تجمير الجيش جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود لأهلهم ذكره في النهاية (ولا يؤخر أمر يوم لغد) أي يؤخر الأمور العقدية خشية الفوات أو الفساد وهذه الخمس أمهات الخصال الواجبة عليه لرعيته ووراء ذلك خصال أخرى تلزمه على أن مفهوم العدد غير حجة عند الأكثر
(عق عن وائلة) بن الأسقع وفيه جعفر بن مرزوق المدائني قال في الميزان عن العقيلي: أحاديثه مناكير لا يتابع على شيء منها ثم ساق له هذا الخبر وفي اللسان عن أبي حاتم: جعفر هذا شيخ مجهول لا أعرفه اه فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه العقيلي خرجه وأقره عليه غير صواب(4/320)
5455 - (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) من غير نقص عين ولا صفة قال الطيبي: ما موصول مبتدأ وعلى اليد خبره والراجع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المنصرمة فمن أخذ مال غيره بغصب أو غيره لزمه رده وأخذ بظاهره المالكية فضمنوا الأجراء مطلقا
(حم 4 ك) كلهم من حديث الحسن (عن سمرة) وفي سماع الحسن منه خلاف وزاد فيه أكثرهم ثم نسي الحسن فقال: هو أمين ولا ضمان عليه قال الترمذي: حديث حسن(4/321)
5456 - (على أنقاب المدينة) جمع نقب بالسكون بفتح الهمزة وسكون النون مداخلها وفوهات طرقها (ملائكة) موكلون بها للحرس (لا يدخلها الطاعون) الموت الذريع الناشئ عن وخز الجن أي لا يكون كالذي يكون بغيرها كطاعون عمواس والجارف وقد أظهر الله صدق رسوله فلم ينقل أنه دخلها طاعون (ولا) يدخلها (الدجال) فإنه يجيء ليدخلها فتمنعه الملائكة فينزل بالسبخة اسم محل قريب منها فترجف المدينة بأهلها أي تحركهم وتزلزلهم فيخرج إليه من كان في قلبه مرض قال الطيبي: وجملة لا يدخلها مستأنفة بيان لموجب استقرار الملائكة على الأنقاب وقد عد عدم دخول الطاعون من خصائصها وهو لازم دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لها بالصحة واحتج ابن الحاج على أن المدينة أفضل من مكة لأنه لم يأت مثل ذلك في مكة واستشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كونه شهادة وكيف قرن بالدجال ومدحت المدينة بعدم دخولهما وأجيب بأن المراد بكونه شهادة أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه وإذا كان الطاعون طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخولها وذكر النووي في الأذكار أن الطاعون لم يدخل المدينة ولا مكة أصلا لكن ذكر جمع أن الطاعون العام دخل مكة أما المدينة فلم يذكر أنه دخلها وهذا من معجزاته لأن الأطباء عجزوا عن دفع الطاعون عن بلد بل عن قرية وقد امتنع الطاعون عن المدينة هذه العصور المتطاولة
(مالك) في الموطأ (حم ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه النسائي أيضا(4/321)
5457 - (على أهل كل بيت أن يذبحوا شاة) واحدة (في كل رجب) أي في كل شهر رجب (وفي كل أضحى) أي في كل عيد أضحى (شاة) قال الهيثمي: الأمر فيه للندب لأنه جمع بين الأضحية والعتيرة والعتيرة غير واجبة إجماعا وقال البغوي: هذا ضعيف أو منسوخ وبفرض صحته فلا حجة فيه لمن قال بوجوب الأضحية كأبي حنيفة لأن الصيغة غير صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وهي غير واجبة عند من أوجب الأضحية وقد أخرج ابن المبارك وغيره عن علي مرفوعا نسخ الأضحى كل ذبح ونسخ رمضان كل صوم والغسل من الجنابة كل غسل والزكاة كل صدقة
(طب عن مخنف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح النون (بن سليم) قال ابن عبد البر: لا أحفظ له غير هذا [ص:322] الحديث وقال الترمذي: غريب ضعيف لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الخطابي: فيه أبو رملة مجهول وقال المغافري: مخنف لا يحتج به ورواه الأربعة جميعا وأحمد في الأضاحي إلا النسائي ففي الفرع كلهم عن مخنف بلفظ على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة قال ابن حجر: سنده قوي(4/321)
5458 - (على ذروة كل بعير) أي على أعلى سنامه (شيطان فامتهنوهن بالركوب) لتلين وتذل وقد يكون بها نار من جهة الخلقة يطفئها الركوب لأن المؤمن إذا ركب حمد الله وسبحه قال تعالى {ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} فكأنه قال سكنوا هذا الكبر بالركوب المقرون بذكر الله المنفر للشيطان (فإنما يحمل الله تعالى) يعني كيف يعجب الإنسان بحملها الحامل هو الله فمن تحقق ذلك يرى من العجب فكيف يمكن ركوب الجن ومزاحمة الشيطان ومقاربة النار لولا أن الله هو الذي يحمل بفضله فيطفئ النار ويسخر الجن ويقمع الشيطان فسبحان المنعم المنان
(ك عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني أيضا قال الهيثمي: وفيه عنده القاسم بن غصن وهو ضعيف(4/322)
5459 - (على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله ثم لا تقصروا عن حاجاتكم) قال في البحر: إن معناه أن الإبل خلقت من الجن وإذا كانت من جنس الجن جاز كونها هي من مراكبها والشيطان من الجن قال تعالى {إلا إبليس كان من الجن} فهما من جنس واحد ويجوز كون الخبر بمعنى العز والفخر والكبر والعجب لأنها من أجل أموال العرب ومن كثرت عنده لم يؤمن عليه الإعجاب والعجب سبب الكبر وهو صفة الشيطان فالمعنى على ظهر كل بعير سبب يتولد منه الكبر
(حم ن حب) وكذا الطبراني (ك عن حمزة بن عمرو) بن عويم (الأسلمي) أبو صالح وأبو محمد المدني صحابي جليل سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر وكان يسرد الصوم قال المنذري: 'إسناد أحمد والطبراني جيد(4/322)
5460 - (على كل بطن عقولة) بضم العين والقاف قال ابن الأثير: البطن ما دون القبيلة وفوق الفخذ أي كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الديات فبين ما على كل قوم اه. وقال غيره: معناه أن على الفخذ من القبيلة حصة من الدية لدخوله في كونه عاقلة أي بشرطه وقال في الفردوس: أراد بالحديث دية الجنين إذا قتل في البطن
(حم م عن جابر) وفي الباب ابن المليح وغيره(4/322)
5461 - (على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وهو العضو وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء كذا ذكره النووي في الأذكار وقيل هي عظام الأصابع وقيل المفاصل وقيل الأنامل وقال القاضي البيضاوي: المراد هنا العظام كلها (من ابن آدم كل يوم صدقة) يعني على كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما من الآفات باقيا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله صدقة واجبة والمراد بالصدقة الشكر والقيام بحق المنعم بدليل قوله في حديث وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة إلخ شكرا لمن صوره ووقاه عما يؤذيه (ويجزئ من ذلك كله) قال النووي: بفتح أوله وضمه أي يكفي مما وجب للسلامى من الصدقات (ركعتا الضحى) لآن الصلاة عمل يجمع أعضاء البدن فيقوم كل عضو [ص:323] بشكره وما بعد الطلوع إلى الزوال كالضحى في ذلك
(طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أجد له ترجمة اه. وقضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو إيهام فاضح وزلل لائح فإن الشيخين روياه بأبسط من هذا وهو كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم الحديث الآتي في حرف الكاف وخرجه مسلم بلفظ يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى اه(4/322)
5462 - (على كل محتلم) أي بالغ (رواح الجمعة) إذا توفرت الشروط المذكورة في الفروع (وعلى كل من راح الجمعة) أي أراد الرواح إليها (الغسل) لها قال القاضي: إنما ذكر هذا اللفظ تأكيدا للسنة وتحريضا لهم عليه
(د عن حفصة) أم المؤمنين بإسناد صالح(4/323)
5463 - (على كل رجل) ذكر الرجل وصف طردي (مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة) أي أنه مخاطب خطاب ندب وتأكد
(حم ن حب عن جابر) ورواه عنه الديلمي أيضا(4/323)
5464 - (على كل مسلم صدقة) على سبيل الندب المؤكد أو على الوجوب لكن في حق من رأى عاجزا عن التكسب وقد قارب الهلاك أو على الأمرين معا إعمالا للفظ في حقيقته ومجازه (فإن لم يجد) ما يتصدق به (فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق) وفيه تنبيه على العمل والتكسب ليجد المرء ما ينفقه على نفسه وعياله ويتصدق به وحث على فعل الخير ما أمكن وأن من عسر عليه شيء منها انتقل لغيره (لفإن لم يستطع فيعين ذا الحاجة الملهوف) أي المستغيث وهو بالنصب صفة لذي الحاجة المنصوب على المفعولية والملهوف صادق بالعاجز والمظلوم فيعينه بقول أو فعل أو بهما (فإن لم يفعل) أي فإن لم يقدر (فيأمر بالخير) في رواية بالمعروف وزاد أبو داود الطيالسي وينهى عن المنكر (فإن لم يفعل) أي لم يمكنه (فيمسك عن الشر فإنه) كذا بخطه كما رأيته في مسودته والذي في البخاري فإنها قال شارحوه بتأنيث الضمير باعتبار الخصلة التي هي الإمساك أي الخصلة أو الفعلة التي هي الإمساك له أي الممسك عن الشر (صدقة) على نفسه وغيرها أي إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك كما ذكره ابن المنير ومحصوله أن الشفقة على الخلق متأكدة وهي إما بمال حاصل أو ممكن التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة أو ترك وهو الإمساك عن الشر أو مع النية وفيه أن الترك فعل إذا قصد وقضية الخبر ترتيب هذه الأمور الأربعة وليس مرادا وإنما هو التسهيل على من عجز عن واحد منها
(حم ق) من حديث سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه (عن) جده (أبي موسى) الأشعري وسعيد أحد الأئمة المحتج بهم المجتمع على عدالتهم ومن لطائف إسناده أنه من روايته عن أبيه عن جده(4/323)
5465 - (على مثل جعفر) بن أبي طالب الذي استشهد بغزوة مؤتة (فلتبك الباكية) لما أنه قد بذل نفسه لله وقاتل حتى قتل في سبيله إيثارا للآخرة على الدنيا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أسماء بنت عميس)(4/323)
[ص:324] 5466 - (علام) أصله على ما بمعنى لم؟ قال الطيبي: الاستعمال الكثير على حذف الألف والأصل قليل وفيه معنى الإنكار (يقتل أحدكم أخاه) إذا (رأى أحدكم من أخيه) في الإسلام (ما يعجبه) من بدنه أو ماله أو غير ذلك (فليدع له بالبركة) قاله لعامر بن ربيعة لما نظر إلى سهل بن حنيف وهو يغتسل فرأى جسده ناعما فأعجبه فأغمى عليه فتغيظ المصطفى صلى الله عليه وسلم عليه ثم ذكره. قال ابن العربي: وهذا إعلام وتنبيه على أن البركة تدفع المضرة وقال غيره: قد أشار بقوله فليدع له إلخ إلى الاستغسال الآتي قال القرطبي: وصفته عند العلماء أن يؤتى بقدح من ماء ولا يوضع القدح بالأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله يغسل به كفه الصحيحة ثم بيمينه ما يغسل كفه اليسرى وبشماله ما يغسل مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم شق رأسه اليمنى فاليسرى على الصفة والترتيب المتقدم وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار وهو الطرف الذي على حقوه الأيمن وذكر بعضهم أن داخلة الإزار يكنى به على الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه من خلفه من على رأسه كذا نقله المازري وقال: إنه تعبدي قال عياض: وبه قال الزهري وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه ومضى به العمل وذلك أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذا سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخلة الإزار إدخاله وغمسه في القدح ثم يقوم الذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع بدنه ثم يكفي الإناء على ظهر الأرض وفيه جبر العائن على الوضوء المذكور وان من اتهم بأمر أحضره الحاكم وكشف عنه وأن العين قد تقتل وأن الدعاء بالبركة يذهب أثر العين وأن تأثير العين إنما هو من حسد كامن في القلب ولو قتل واحدا بعينه عمدا قتل به كالساحر
(ن هـ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) بضم المهملة مصغرا واسم أبي أمامة أسعد وقيل سعد الأنصاري معروف بكنيته معدود في الصحابة قال في التقريب كأصله: له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فالحديث مرسل(4/324)
5467 - (علام تدغرن) بدال مهملة وغين معجمة على الرواية الصحيحة قال القرطبي: ولا يجوز غيره والخطاب للنسوة أي لم تغمزن حلوق (أولادكن) قاله لأم قيس وقد دخلت عليه بولدها وقد أعلقت عنه أي عالجت رفع لهاته بأصبعها والدغرة معالجة حلق الولد بالأصابع ليرتفع ذلك الموضع فالاستفهام في معنى الإنكار له ولنفعه (بهذا العلاق) قال القرطبي: الرواية وهي الداهية هذه رواية الشيخين وفي رواية لمسلم الإعلاق قال القرطبي: وهو الصواب قياسا لأنه مصدر علقت وهو المعروف لغة وقال النووي: هو الأشهر عند أهل اللغة بل زعموا أن الصواب وأن العلاق لا يجوز قالوا: والإعلاق مصدر أعلقت عنه ومعناه أزلت عنه العلوق وهي الداهية والآفة وفي الكلام معنى الإنكار أي على أي شيء تعالجني هذا الداء بهذه الداهية والمداواة الشنيعة فلا تفعلن بهم ذلك ولكن (عليكن بهذا العود الهندي) قال في صحيح مسلم يعني به الكست أي الزموا معالجتهم بالقسط بأن يدق ناعما ويذاب ويسقط به فإنه يصل إلى العذرة فيقبضها لكونه حارا يابسا قال القرطبي: وظاهره أنه يستعمل مفردا لا يضاف له غيره (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء كدواء وأدوية (من سبعة أدواء منها ذات الجنب) قال الترمذي: يعني السل واعترض وقال القرطبي: وجع فيه يسمى الشوصة قال الطيبي: خصه بالذكر لأنه أصعب الأدواء وقلما يسلم منه من ابتلي به وقوله (ويسعط به) ابتداء كلام مبين لكيفية التداوي في الداءين المذكورين (من العذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع أو عقدة في الحلق تعتري الصبيان غالبا أو قرحة في [ص:325] الأذن أو الحلق أو في الحذر بين الأذن والحلق سميت به لأنها تعرض غالبا عند طلوع العذرة وهي خمسة كواكب تحت الشعري والسعوط الدواء في الأنف للتداوي قال ابن العربي: وصفته هنا أن يؤخذ سبع حبات منه تدق ثم تخلط بزيت ثم يقطر في منخره (ويلد به من ذات الجنب) بأن يصب الدواء في إحدى شقي الفم واقتصر من السبعة على اثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما أو الراوي اختصر وللقسط منافع تزيد على السبعة بكثير والسبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه أو ذكر المحتاج إليه دون غيره أو لأن السبعة أصول صفة التداوي وتحت كل واحد منها منافع مختلفة أو لأن السبعة تطلق ويراد بها الكثرة كثيرا وأرشد إلى معالجة العذرة بالقسط مع كونه حارا وهي إنما تعرض زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة وقطر الحجاز حار لأن الدواء الحار ينفع في المرض الحار بالعرض كثيرا وبالذات أيضا <تنبيه> قال النووي: اعترض بعض من في قلبه مرض فقال أجمع الأطباء على أن مداواة ذات الجنب بالقسط خطر جدا لفرط حرارته قال الماوردي: وقد كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فقد ذكر جالينوس أن القسط ينفع من وجع الصدر وذكر بعض قدماء الأطباء أنه يستعمل لجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره وهذا يبطل ما زعمه المعترض الملحد قال القرطبي: وليسأل من أهل الخبرة المسلمين هل يستعمل مفردا أو مع غيره فيفعل
(حم ق د هـ عن أم قيس) بنت محصن أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه فدعى بماء فرشه قالت: ودخلت عليه بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة فذكره(4/324)
5468 - (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت) فيرتدعون عن ملابسة الرذائل خوفا لأن ينالهم منه نائل قال ابن الأنباري: لم يرد به الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم
(حل عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: غريب من حديث عبد الله بن دينار والحسن بن صالح تفرد به عنه سويد بن عمرو الكلبي(4/325)
5469 - (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم) أي هو باعث لهم على التأدب والتخلق بالأخلاق الفاضلة والمزايا الكاملة التي أكثر النفوس الفاظة تتحمل فيها المشاق الشديدة لما له من الشرف ولما به من الفخار
(عب طب عن ابن عباس) ورواه عنه البزار أيضا لكنه قال حيث يراه الخادم قال الهيثمي: وإسناد الطبراني حسن اه. ورواه البخاري في أواخر الأدب المفرد عن ابن عباس بلفظ علق سوطك حيث يراه أهلك(4/325)
5470 - (علم لا يقال به) أي لا يعلم لأهله أو لا يعمل به (ككنز لا ينفق منه) بجامع الحبس عن الانتفاع به والظلم بمنع المستحق منه والعالم كما يجب عليه العمل بموجب علمه يجب عليه تعليم غيره قال تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم}
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب(4/325)
5471 - (علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه) سمي العلم علما لكونه دلالة على الشيء وعلامة عليه ومنه {وإنه لعلم للساعة} أي دلالة على مجيئها فمن لم ينفع بعلمه في المهمات ولم يستعن بنوره في ظلمات الجهل والملمات صار علمه وبالا عليه ويلام على تركه الإنفاق منه على نفسه وغيره وقد كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أسألك علما نافعا وقد أودع العالم العلم الذي هو أخص صفاته فجعله كالخازن لأنفس خزائنه ثم هو مأذون له في الإنفاق على كل محتاج فمن منعه من مستحقه فقد اعتدى وسلك سبيل الردى
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن مسعود) قال شارحه [ص:326] العامري: غريب(4/325)
5472 - (علم) بالتحريك والتخفيف أي منار (الإسلام) في رواية الإيمان (الصلاة) أي الصلوات المفروضات (فمن فرغ لها قلبه وحافظ عليها بحدها ووقتها وسننها فهو مؤمن) أي حافظ عليها بجد وانكماش من الأحوذي وهو النجاد الحسن السياق للأمور كذا قرره الزمخشري وقال العامري: العلم والعلامة واحدة وهو ما دل على الشيء ومنه {وإنه لعلم للساعة} أي دلالة على مجيئها ومعنى الحديث أن فعل الصلاة يدل على أنه مؤمن فلو صلى كافر بدار الحرب حكم بإيمانه والقصد أن كمال صلاته يدل على كمال إيمانه ونقصانها يدل على نقصانه وأنها كالميزان
(خط) في ترجمة عباد بن مرزوق (وابن النجار) في تاريخه والقضاعي في شهابه (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال أعني الخطيب: هذا الحديث غريب جدا اه وفيه أبو يحيى القتات أورده الذهبي في الضعفاء ومحمد بن جعفر المدائني أورده فيهم وقال أحمد: لا أحدث عنه أبدا وقال: مرة لا بأس به(4/326)
5473 - (علم الباطن) كذا هو بالميم في خط المصنف ورأيته أيضا في نسخة قديمة من الفردوس مضبوطة مصححة بخط الحافظ ابن حجر علم الباطن فما في نسخ من أنه على تحريف (سر من أسرار الله عز وجل وحكم من حكم الله يقذفه في قلوب من يشاء من عباده) قال الغزالي: علم الآخرة قسمان علم مكاشفة وعلم معاملة وعلم المكاشفة هو علم الباطن وذلك غاية العلوم وقد قال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب منه يخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى النصيب منه التصديق وتسليمه لأهله وقال بعضهم: من كان فيه خصلتان لم يفتح عليه منه بشيء بدعة أو كبر ومن كان محبا للدنيا أو مصرا على الهوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره من الصفات المذمومة وهذا هو العلم الخفي الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله
(فر عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا ابن شاهين وغيره(4/326)
5474 - (علم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر) هذا لا ينافي ما سبق من الأمر يتعلمه لتعين حمل هذا على التعمق فيه حتى يشغله عما هو أهم منه من الأحكام الشرعية ونحوها وذاك على ما يعرف به الإنسان فقط
(ابن عبد البر) في كتاب العلم (عن أبي هريرة) ورواه أبو نعيم في رياض المتعلمين من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قيل: يا رسول الله فلان أعلم الناس بأنساب العرب وبالشعر وبما اختلف فيه العرب فذكره قال الحافظ ابن رجب: وإسناده لا يصح وبقية دلسه عن غير ثقة وقال ابن حجر: هذا الكلام قد روي مرفوعا ولا يثبت وروي عن عمر أيضا ولا يثبت(4/326)
5475 - (علمني جبريل الوضوء) أي كيفيته في أول ما أوحى إليه كما مر في حديث (وأمرني أن أنضح تحت ثوبي مما يخرج من البول بعد الوضوء) الظاهر أن الأمر المذكور للندب
(هـ عن زيد بن حارثة) بن شراحيل الكلبي أبو أسامة [ص:327] مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال مغلطاي في شرح ابن ماجه: حديث إسناده ضعيف ولما شئل عنه أبو حاتم قال: هذا حديث كذب باطل اه فتحسين المصنف له غفلة عن ذلك(4/326)
5476 - (علموا الصبي الصلاة ابن سبع) لفظ رواية أبي داود لسبع أي إن ميز عندها كما هو الغالب (وضربوه عليها) أي على تركها والتهاون بها (ابن عشر) من السنين قال أبو البقاء: ابن بالنصب فيهما وفيه وجهان أحدهما هو حال من الصبي والمعنى إذا كان ابن سبع وإذا كان ابن عشر أو علموه صغيرا واضربوه مراهقا والثاني أن يكون بدلا من الصبي ومن الهاء في اضربوه اه وأخذ بظاهره بعض أهل العلم فقالوا: تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها وهذه صفة الوجوب وبه قال أحمد في رواية وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ وقالوا: الأمر بضربه للتدريب وجزم البيهقي بأنه غريب منسوخ برفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وأخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا الرضيع ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع ثم يافعا إلى عشر <تنبيه> ما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع في رواية أحمد وسياقه في غيرهما علموا الصبي الصلاة إذا كان ابن سبع سنين واضربوه عليها إذا كان ابن عشر سنين
(حم ت طب ك) في الصلاة من حديث عبد الملك بن الربيع عن أبيه (عن) جده (سيرة) بن معبد قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في الرياض: حديث حسن اه. لكن عبد الملك هذا ضعفه ابن معين. وقال ابن القطان: هو غير محتج به وإن كان مسلم قد خرج له قال الحافظ: وإنما خرج له متابعة ومن لطائف إسناد الحديث أنه من رواية الآباء عن الأجداد(4/327)
5477 - (علموا أبناءكم السباحة) بالكسر العوم لأنه منجاة من الهلاك وقيل لأبي هاشم الصوفي: فيم كنت؟ قال: في تعليم ما لا ينسى وليس شيء من الحيوان عنه غنى. قيل: ما هو؟ قال: السباحة وقال عبد الملك للشعبي: علم ولدي العوم فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم وقد غرقت سفينة فيها جماعة من قريش فلم يعطب ممن كان يسبح إلا واحدا ولم ينج ممن كان لا يسبح إلا واحدا (والرمي) بالسهام ونحوها لما فيه من الدفع عن مهجته وحريمه عند لقاء العدو (والمرأة المغزل) أي الغزل بالمغزل لأنه لائق بها والله يحب المؤمن المحترف ويكره البطال والبطالة تجر إلى الفساد لا سيما فيهن
(هب) من حديث أحمد بن عبيد العطار عن أبيه عن قيس عن ليث عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه عبيد العطار منكر الحديث اه(4/327)
5478 - (علموا أولادكم السباحة والرماية) في رواية الرمي (ونعم لهو المؤمنة) في رواية بدله المرأة (في بيتها المغزل وإذا دعاك أبواك فأجب أمك) أولا ثم أباك لأنها مقدمة على الأب في البر وهذا منه قال الحكيم: هذه خصال من رؤوس الأدب فلا ينبغي أن يغفل عنها وكتب عمر رضي الله عنه إلى الشام أن علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية قال ابن سعد في الطبقات: كان أسيد بن حضير يكتب بالعربية في الجاهلية وكانت الكتابة في العرب قليلة وكان يحسن العوم والرمي وكان يسيء من كانت هذه الخصال فيه في الجاهلية وأول الإسلام الكامل وكانت قد اجتمعت في أسيد وفي سعد بن عبادة ورافع بن خديج وأمر بعض الكبراء معلم ولده أن يعلمه السباحة قبل الكتابة وعلله بأن [ص:328] الكاتب يصاب ولا كذلك السابح وزعم بعضهم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يعم لأنه لم يثبت أنه سافر في بحر ولا في الحرمين بحر ونوزع بما أخرجه البغوي عن ابن أبي مليكة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم دخل هو وأصحابه غديرا فقال: يسبح كل رجل إلى صاحبه فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه حتى بقي أبو بكر والمصطفى صلى الله عليه وسلم فسبح إلى أبي بكر واعتنقه
(ابن منده في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (وأبو موسى في الذيل فر) وكذا أبو نعيم (عن بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري) وفيه سليم بن عمرو الأنصاري قال في الميزان: روى عنه علي بن عياش خبرا باطلا وساق هذا الحديث وقال السخاوي: سنده ضعيف لكن له شواهد(4/327)
5479 - (علموا بنيكم الرمي) بالنشاب (فإنه نكاية العدو) فتعلمه للأولاد سنة مؤكدة وقد أفتى ابن الصلاح بأن الرمي بالنشاب أفضل من الضرب بالسيف لأنه أبلغ إنكاء في الأعداء
(فر عن جابر) بن عبد الله وفيه عبد الله بن عبيدة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعيف ووثقه غير واحد ومنذر بن زياد قال الدارقطني: متروك ورواه عنه البزار أيضا وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه له لكان أولى(4/328)
5480 - (علموا) الناس ما يلزمهم من أمر دينهم (ويسروا ولا تعسروا) الواو للحال أي علموهم وحالتكم في التعليم اليسر لا العسر بأن تسلكوا بهم سبيل الرفق في التعليم (وبشروا ولا تنفروا) أي لا تشددوا عليهم ولا تلقوهم بما يكرهون لئلا ينفروا من قبول الدين واتباع الهدى (وإذا غضب أحدكم فليسكت) فإن السكوت يسكن الغضب وحركة الجوارح تثيره
(حم خد عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وليس بسديد فقد قال الهيثمي: فيد ليث بن سليم وهو مدلس ولم يخرج له مسلم إلا مقرونا بغيره(4/328)
5481 - (علموا) وفي رواية الآجري في أخلاق حملة القرآن عرفوا (ولا تعنفوا) أي علموهم وحالتكم الرفق وهو ضد العنف (فإن المعلم) بالرفق (خير من) المعلم (المعنف) أي بالشدة والغلظة فإن الخير كله في الرفق والشر في ضده قال الماوردي: فعلى العلماء أن لا يعنفوا متعلما ولا يحتقروا ناشئا ولا يستصغروا مبتدئا فإن ذلك أدعى إليهم وأعطف عليهم وأحث على الرغبة فيما لديهم
(الحارث) بن أبي أسامة (عد هب) كهم من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد بن أبي سويد عن عطاء (عن أبي هريرة) أيضا ورواه عنه الآجري وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه وليس كذلك فإن ابن عدي قال عقب إيراده: حميد هذا منكر الحديث والبيهقي في الشعب قال عقبه: تفرد به حميد هذا وهو منكر الحديث هذه عبارته قال الزركشي: لكن من شواهده ما أخرجه مسلم عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن فقال لهما: يسرا ولا تعسرا وعلما ولا تنفرا(4/328)
5482 - (علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور) لأن في الأولى أبلغ زاجر للرجال وفي الثانية أبلغ زاجر للنساء إذ فيها قصة الإفك وتحريم إظهار الزينة وغير ذلك مما هو مختص بهن ولائق بحالهن
(ص) عن عتاب بن بشير عن خصيف (هب عن مجاهد مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه ففيه عتاب بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مختلف في توثيقه وخصيف ضعفه أحمد وغيره(4/328)
[ص:329] 5483 - (علمي) يا شفاء بنت عبد الله (حفصة رقية) بالضم وسكون القاف (النملة) ورقيتها كما في الفائق وغيره العروس تحتفل أي تتزين وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعاصي الرجل وقيل النملة بالفتح قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها فكيف يأمر بها وإنما أراد الأول وقصد به تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} اه. وذلك أن حفصة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت فاكتمي فأخبرت حفصة عائشة فلم تكتم رواه الطبراني
(أبو عبيد في الغريب) أي في كتاب غريب الحديث (عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة) عبد الله بن حذيفة العدوي المدني فقيه عارف بالنسب من الطبقة الرابعة كذا في التقريب فالحديث مرسل(4/329)
5484 - (عليك) اسم فعل بمعنى الزم (السمع والطاعة) بالنصب على الإغراء أي الزم طاعة أميرك في كل ما يأمر به وإن شق ما لم يكن إثما وجمع بينهما تأكيدا للاهتمام بالمقام ذكره بعض الأعلام وقال أبو البقاء: بالرفع على أنه مبتدأ وما قبله الخبر وهذا اللفظ لفظ خبر ومعناه الأمر أي اسمع وأطع على كل حال (في عسرك) أي ضيقك وشدتك (ويسرك) بضم السين وسكونها نقيض العسر يعني في حال فقرك وغناك (ونشطك) مفعل من النشاط (ومكرهك) أسماء زمان أو مكان أي فيما يوافق طبعك وما لا يوافقه (وأثرة عليك) بفتحات ومثلثة وهو الإيثار يعني إذا فضل ولي أمرك أحدا عليك بلا استحقاق ومنعك حقك فاصبر ولا تخالفه وإنما قال وأثرة عليك وإن شمله مكرهك إشارة لشدة تلك الحالة
(حم م ن عن أبي هريرة)(4/329)
5485 - (عليك بالإياس) وفي رواية باليأس وهو ضد الرجاء (مما في أيدي الناس) أي صمم والزم نفسك باليأس منه وزاد في رواية بعد قوله فإنه غني (وإياك والطمع) أي احذره (فإنه الفقر الحاضر) ومن ثم قال بعض العارفين: من عدم القناعة لم يزده المال إلا فقرا (وصل صلاتك وأنت مودع) أي اشرع فيها والحال أنك تارك غيرك بمناجاة ربك مقبلا عليه بكليتك (وإياك وما يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما يحوجك أن تعتذر عنه
(ك) في الرقاق (عن سعد) ظاهر صنيع المصنف أنه سعد بن أبي وقاص فإنه المراد عندهم إذا أطلق لكن ذكر أبو نعيم أنه سعد أبو محمد الأنصاري غير منسوب وذكر ابن منده أنه سعد بن عمارة قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد بن سعد المذكور وهو مضعف اه. وقال السخاوي: وفيه أيضا محمد بن حميد مجمع على ضعفه ورواه الروياني في مسنده والهيثمي في الترغيب من حديث إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري عن أبيه عن جده أن رجلا أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أوصني وأوجز فذكره(4/329)
5486 - (عليك بالبر) بباء الجر هنا وفيما سبق وفيما يأتي جميعا واستشكاله بتعديته بنفسه في {عليكم أنفسكم} دفعه الرضي بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال التي هي بمعناها لكن كثيرا ما تزاد الباء في مفعولها [ص:330] نحو عليك به لضعفها في العمل بالفتح نوع من الثياب (فإن صاحب البز) أي الذي هو تجارته (1) (يعجبه أن يكون الناس بخير وفي خصب) كحمل ونماء وبركة وكثرة عشب وكلأ فإنهم إذا كانوا كذلك تيسر بأيديهم ما يشترون به البز لكسوة عيالهم وأهاليهم بخلاف الذي يتجر في الأقوات فإنه يعجبه أن يكون الناس في الجدب ليبيع ما عنده بأغلى
(خط عن أبي هريرة) قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فيم تتجر؟ فذكره
_________
(1) وقيل لثياب خاصة من أمتعة البيت وقيل أمتعة التاجر من الثياب ورجل بزاز والحرفة البزازة بالكسر أي اتجر فيه(4/329)
5487 - (عليك بالخيل فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) في إفهامه ندبه حسن القيام بها وتطييب علفها ورعيها قال الحرالي: ويندب تناوله بيده كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول علف فرسه بيده ويمسحه بردائه
(طب والضياء) المقدسي (عن سوادة بن الربيع) لم أر ذلك في الصحابة المشاهير(4/330)
5488 - (عليك بالصعيد) أي التراب أو وجه الأرض واللام فيه للعهد المذكور في الآية (فإنه يكفيك) لكل صلاة ما لم تحدث أو نجد الماء أو يكفيك لإباحة فرض واحد وحمله البخاري في طائفة على الأول فأقاموا التيمم مقام الوضوء مطلقا وحمله الجمهور على الثاني ومنعوا أن يؤدي بتيمم واحد أكثر من فرض أي ونوافل أو يكفيك عن القضاء ويحتمل يكفيك للأداء فلا يدل على ترك القضاء وهذا قاله لما رأى رجلا لم يصل فسأله فقال: أصابتني جنابة ولا ماء فذكره
(ق ن عن عمران بن حصين)(4/330)
5489 - (عليك بالصوم) أي الزمه (فإنه لا مثل له) وفي رواية أبي نعيم بدله فإنه لا عدل له إذ هو يقوي القلب والفطنة ويزيد في الذكاء ومكارم الأخلاق وإذا صام المرء اعتاد قلة الأكل والشرب وانقمعت شهواته وانقلعت مواد الذنوب من أصلها ودخل في الخير من كل وجه وأحاطت به الحسنات من كل جهة
(حم ن حب ك عن أبي أمامة) قلت: يا رسول الله مرني بأمر ينفعني فذكره قال ابن القطان: هو حديث يرويه ابن مهدي وفيه عبد الله بن أبي يعقوب لا يعرف حاله اه وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح(4/330)
5490 - (عليك) يا ابن مظعون هكذا جاء مصرحا به في رواية الطبراني (بالصوم (1) فإنه مخصي) وفي رواية الطبراني فإنه مجفرة بدل مخصي كنى به عن كسر شهوته بكثرة الصوم قال الحرالي: في الصوم قتل الشهوة حسا وحياة الجسد معنى وطهارة الأرواح بطهارة القلوب وفراغها للتفكر وتهيآتها لإفاضة الحكمة والخشية الداعية إلى التقوى وشهرة شهر الصبر المستعان به على الشكر وفيه تذكير بالضر الحاث على الإحسان إلى المضرور وهو مدعاة إلى التخلي من الدنيا والتحلي بأوصاف الملائكة ولذلك أنزل فيه القرآن المتلقى من ملائكة الرحمن
(هب عن قدامة) بضم القاف وفتح المهملة ابن مظعون بفتح الميم وسكون المعجمة الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وكسر المهملة المكي من السابقين الأولين يروي (عن أخيه عثمان) رمز المصنف لحسنه
_________
(1) قال في المصباح: وخصيت العبد أخصيه خصاء بالمد والكسر سللت خصيتيه فهو خصي فعيل بمعنى مفعول مثل سريع وفتيل والجمع خصيان اه(4/330)
[ص:331] 5491 - (عليك بالعلم) الشرعي النافع (فإن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله) قال القاضي: العقل غريزة في نفس الإنسان يدرك بها المعاني الكلية ويحكم ببعضها على بعض وهو رئيس قوى الإنسان وخلاصة الخواص النفسانية ونور الله في قلب المؤمن المعني بقوله {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} بدليل قراءة ابن مسعود نوره في قلب المؤمن ولذلك سمي لبا وبصيرة (والعمل قيمه والرفق أبوه) أي أصله الذي ينشأ منه ويتفرع عليه وكل من كان سببا لإيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره يسمى أبا ولذلك سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين (واللين أخوه والصبر أمير جنوده) وقد سبق شرح هذا في أواخر حرف الهمزة بما فيه غنية عن إعادته هنا <تنبيه> قال الغزالي: من ثمرات العلم خشية الله ومهابته فإن من لم يعرف الله حق معرفته لم يهبه حق مهابته ولم يعظمه حق تعظيمه وحرمته ولم يخدمه حق خدمته فصار العلم يثمر الطاعات كلها ويحجز عن المعاصي كلها ويجمع المحاسن ويضم شملها فعليك بالعلم أول كل شيء والله ولي التوفيق
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال: كنت ذات يوم رفيقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت: بلى فذكره(4/331)
5492 - (عليك بالهجرة) أي الزم التحول من ديار الكفر إلى ديار الإيمان (فإنه لا مثل لها عليك بالجهاد فإنه لا مثل له) وقال الديلمي: يريد به الهجرة مما حرم الله (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) لما فيه من حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والهوى (عليك بالسجود) يعني الزم كثرة الصلاة (فإنك لا تسجد لله سجدة إلا ورفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) فيه إشارة إلى أن السجود أفضل من غيره كطول القيام لكن في بعض الأحاديث ما يفيد أن طول القيام أفضل وسيجيء بسطه
(طب عن أبي فاطمة) الليثي أو السدوسي أو الأسدي اسمه أنيس أو عبد الله بن أنيس صحابي سكن الشام ومصر رمز لحسنه(4/331)
5493 - (عليك بأول السوم فإن الربح مع السماح) أي إذا أردت بيع سلعة فأعطيت فيها شيئا يساويها فبع من أول مساوم ولا تؤخر طلبا للزيادة فإن الربح مع السماح في قرن
(ش د في مراسليه هق عن) ابن الشهاب (الزهري مرسلا) ورواه الديلمي عن ابن عباس لكنه بيض لسنده(4/331)
5494 - (عليك بتقوى الله تعالى) أي بمخافته والحذر من عصيانه قال الحرالي: والتقوى ملاك الأمر وأصل الخير وهي إطراح استغناء العبد بشيء من شأنه كله (والتكبير) أي قول الله أكبر (على كل شرف) بالتحريك أي علو وهذا قاله لمن قال أريد سفرا فأوصني فذكره ومراده أوصيك بأن لا تعصي الله في سفرك ما استطعت وبأن تكبر على كل محل عال فلما ولى الرجل قال: اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر
(ت) في الدعوات (عن أبي هريرة) وحسنه ورواه عنه النسائي في اليوم والليلة وابن ماجه(4/331)
5495 - (عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير) أي أنها وإن قل لفظها كلمة جامعة لحقوق الحق وحقوق الخلق كما سبق [ص:332] (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلمين) من الرهبنة وهي ترك ملاذ الدنيا والزهد والعزلة عن أهلها وتحمل مشاقها ونحو ذلك من أنواع التعذيب الذي يفعله رهبان النصارى فكما أن الترهب أفضل عمل أولئك فأفضل عمل الإسلام الجهاد (وعليك بذكر الله وتلاوة كتاب الله) القرآن (فإنه نور لك في الأرض) فإنه يعلو قارئه العامل به من البهاء ما هو كالمحسوس (وذكر لك في السماء) بمعنى أن أهل السماء وهم الملائكة يثنون عليك فيما بينهم لسبب لزومك لتلاوته (واخزن لسانك) أي صنه واحفظه عن النطق (إلا من خير) كذكر ودعاء وتعلم علم وتعليمه وغير ذلك (فإنك بذلك) أي بملازمة فعل ما ذكر (تغلب الشيطان) إبليس وحزبه قال العلائي: هذا من جوامع الكلم فقد جمع في هذه الوصية بين خيري الدنيا والآخرة <تنبيه> قال ابن حجر: المراد بالذكر الألفاظ التي ورد الترغيب في قولها كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما ألحق بها كالحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار والدعاء بخير الدارين ويطلق الذكر ويراد به المواظبة على الواجب والمندوب ثم الذكر يقع باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه بل أن لا يقصد غير معناه فإن انضاف له استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله فهو من أبلغ الكمال قال الإمام الرازي: المراد بذكر اللسان اللفظ الدال على التسبيح والتحميد وبالذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وأدلة التكاليف من أمر ونهي حتى يطلع على أحكامها في أسرار المخلوقات والذكر بالجوارح أن تصير مستغرقة بالطاعة
(ابن الضريس ع عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فذكره. قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وقد وثق وبقية رجاله ثقات(4/331)
5496 - (عليك بتقوى الله عز وجل ما استطعت) أي مدة دوامك مطيقا وذلك بتوفر الشروط والأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وهذا من جوامع الكلم إذ هو قول أديب متأدب بآداب الله مقتديا بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم} أي على قدر الطاقة البشرية فإنك لا تطيق أن تتقيه حق تقاته (واذكر الله عند كل حجر وشجر) أشار بالشجر إلى الحضر وبالحجر إلى السفر أي اذكره حضرا وسفرا ويمكن أن المراد في الشدة والرخاء والحجر عبارة عن الجدب حال الشدة (وإذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة) أشار إلى عجز البشرية وضعفها كأنه قال إنك إن توقيت الشر جهدك لا تسلم منه فعليك بالتوبة إلى ربك والرجوع إليه حسب الإمكان (السر بالسر والعلانية بالعلانية) أخبر أن الشر الذي يعمل ضربين: سرا وجهرا فالسر فعل القلب والعلانية فعل الجوارح فيقابل كل شيء بمثله
(حم في) كتاب (الزهد طب) من رواية عطاء (عن معاذ) بن جبل قال: قلت يا رسول الله أوصني فذكره. قال المنذري: إسناده حسن لكن عطاء لم يلق معاذا ورواه البيهقي فأدخل بينهما رجلا لم يسم وقال الهيثمي: إسناده حسن(4/332)
5497 - (عليك بحسن الخلق) بالضم أي الزمه (فإن أحسن الناس خلقا أحسنهم دينا) كما مر توجيهه غير مرة وحسن الخلق اعتدال قوى النفس وأوصافها وهذا معنى قول الحكماء: التوسط بين شيئين إلى المنحرف إلى أطرافها وفي الإحياء وغيره: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان دائما يسأل الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق
(طب عن معاذ) بن جبل قال: بعثني رسول الله [ص:333] صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فقلت: أوصني فذكره. قال الهيثمي: فيه عبد الغفار بن القاسم وهو وضاع آه. فكان ينبغي للمصنف حذفه(4/332)
5498 - (عليك بحسن الخلق وطول الصمت) أي السكوت حيث لم يتعين الكلام لعارض (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصريفه (ما تجمل الخلائق بمثلهما) إذ هما جماع الخصال الحميدة ومن ثم كان من أخلاق الأنبياء وشعار الأصفياء والجمال يقع على الذات وعلى المعاني
<تنبيه> عدوا من محاسن الأخلاق الإصغاء لكلام الجليس وأنه إذا سمع إنسانا يورد شيئا عنده منه علم لا يستلب كلامه ولا يغالبه ولا يسابقه فإن ذلك صغر نفس ودناءة همة بل يستمعه منه كأنه لا يعرفه سيما في المجامع
(ع عن أنس) قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى فذكره. قال الهيثمي: رجاله ثقات وأعاده بمحل آخر عازيا للبزار وقال: فيه بشار بن الحكم ضعيف وقال المنذري: رواه الطبراني والبزار وأبو يعلى عن أنس بإسناد جيد رواته ثقات واللفظ له ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] عن أبي ذر بإسناد واه(4/333)
5499 - (عليك بحسن الكلام) بين الأنام (وبذل الطعام) للخاص والعام كما سبق تقريره قالوا: وحسن الكلام أن يزن ما يتكلم به قبل النطق بميزان العقل ولا يتكلم إلا بما تمس الحاجة إليه فقد قيل: لا تكثر الكلام وإن كان حسنا لأنه إذا كثر سمج ولا يتكلم بما يحرك النفس ويثير الشر فإنه إذا صدر من نفس ثائرة حرك نفس المخاطب وإن كان حسنا ومن تكلم بكلام فيه خشونة عن نفس طيبة لا تؤثر إزعاجا وقد قال علي كرم الله وجهه: مغرس الكلام القلب ومستودعه الفكر ومقويه القلب ومبدؤه اللسان وجسمه الحروف وروحه المعنى وحليته الإعراب قالوا: وليحذر من فاحش الكلام ولو على وجه الحكاية وفي حال القبض والغضب لأنه إلى الزلل أقرب وأحسن ضابط أن يقال لا يتكلم إلا بما تمس الحاجة إليه ورب كلام جوابه السكوت كما قيل:
ما كل قول له جواب. . . جواب ما يكره السكوت
(خد ك) في الأيمان (عن هانئ) أي شريح (بن يزيد) المذحجي الحارثي صحابي له وفادة نزل بالكوفة قال: قلت يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب الجنة فذكره قال الحاكم: صحيح ولا علة له وعلته عندهما أن هانئ ليس له راو غير ابنه لكن له نظائر عندهما اه. وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن(4/333)
5500 - (عليك بركعتي الفجر) أي الزم فعلهما (فإن فيهما فضيلة) إذ هما خير من الدنيا وما فيها كما في خبر آخر
(طب فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي: فيه محمد بن السلماني ضعيف(4/333)
5501 - (عليك بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أي الزم قول هذه الكلمات الباقيات الصالحات (فإنهن يحططن الخطايا) أي يلقينها ويسقطنها (كما تحط الشجرة ورقها) أيام الشتاء والمراد الصغائر
(هـ) عن أبي الدرداء رمز المصنف لحسنه(4/333)
[ص:334] 5502 - (عليك بكثرة السجود) في الصلاة أي الزمها بأن تطيل السجود أكثر من بقية الأركان لما فيه من إظهار الافتقار والتزام الخضوع والذلة بين يدي ملك الملوك (فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة) أي منزلة عالية في الآخرة فلا يزال العبد يترقى بالمداومة على السجود درجة فدرجة حتى يفوز بالقدح المعلى من القرب الإلهي (وحط عنك بها خطيئة) هذا كالصريح في تفضيل السجود على القيام وهو أحد وجوه للشافعية ثانيها تطويل القيام أفضل وتأول قائلوه الحديث على أن مراده بكثرة السجود كثرة الصلاة لا حقيقة السجود فإن التقرب بسجدة فردة بلا سبب حرام كما صححه الرافعي لكن قال المحب الطبري الشافعي: الجواز أولى بل لا يبعد ندبه فإنها عبادة مشروعة استقلالا فإذا جاز التقرب بها بسبب جاز بغيره كالركعة وبه فارقت الركوع فإنه لم يشرع استقلالا مطلقا قال: والحديث يقتضي كل سجود وحمله على سجود في صلاة تخصيص على خلاف الظاهر ومن أدلة الذاهبين إلى تفضيل السجود ما رواه مسلم عن ربيعة بن كعب كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أو غير ذلك قلت: هو ذلك قلت: فأعني على نفسك بكثرة السجود وفيه أن مرافقة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند الله في الدنيا بكثرة السجود انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة وارتباط القرينتين لتقف على سر دقيق فإن من أراد مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يناله إلا بالقرب من الله ومن رام قرب الله لم ينله إلا بقرب حبيبه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أوقع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المحبتين وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة الله العبد متوقفة على متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم
(حم م ت ن هـ) في الصلاة (عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم (وأبي الدرداء) قالوا كلهم قال معدان: لقيت ثوبان فقلت: أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال: سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره زاد مسلم والترمذي ثم لقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك فاقتصار المصنف عليها كأنه لذلك(4/334)
5503 - (عليك) بكسر الكاف خطابا لعائشة (بالرفق) أي بلين الجانب والاقتصاد في جميع الأمور والأخذ بأيسر الوجوه وأقربها وأحسنها (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه) إذ هو سبب لكل خير (ولا ينزع من شيء إلا شانه) أي عابه قاله لها وقد ركبت بعيرا فيه صعوبة فجعلت ترده وتضربه قال الطيبي: وكان تامة وفي شيء متعلق به ويحتمل أن تكون ناقصة وفي شيء خبره والاستثناء مفرغ من أعم عام وصف الشيء أي لا يكون الرفق مستترا في شيء يتصف بصفة من الأوصاف إلا بصفة الزينة والشيء عام في الأعراض والذوات
(م عن عائشة)(4/334)
5504 - (عليك) يا عائشة (بالرفق وإياك والعنف) بتثليث العين والضم أفصح الشدة والمشقة أي احذري العنف فإن كل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله (والفحش) أي التعدي في القول والجواب وهذا حث على التخلق بالرفق وذم العنف
(خد عن عائشة) قاله لها حين قالت لليهودي عليكم السام واللعنة بعد قولهم للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السام عليك(4/334)
[ص:335] 5505 - (عليك) بكسر الكاف خطابا لأم أنس (بالصلاة فإنها أفضل الجهاد) إذ هي جهاد لأعظم الأعداء (واهجري المعاصي) أي فعلها (فإنه) أي هجرها (أفضل الهجرة) أي أكثر ثوابا من الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام
(المحاملي في أماليه) من طريق محمد بن إسماعيل عن يونس بن عمران بن أبي قيس (عن) جدته (أم أنس) الصحابية قالت: يا رسول الله جعلك الله في الرفيق الأعلى من الجنة وأنا معك علمني عملا قال: عليك بالصلاة إلخ وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني في ترجمة أم أنس هذه من معجمه وقال: ليست هي أم أنس بن مالك فتنبه له قال البغوي: ولا أعلم لها غيره(4/335)
5506 - (عليك) يا عائشة (بجمل الدعاء وجوامعه) هي ما قل لفظه وكثر معناه أو التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة أو التي تجمع الثناء على الله وآداب المسألة وغير ذلك (قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة) أي دخولها (وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك مما سألك به محمد وأعوذ بك مما تعوذ به محمد وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا) كذا بخط المصنف وفي رواية خيرا بدل رشدا وقد مضى الكلام على هذا
(خد عن عائشة) رمز المصنف لحسنه(4/335)
5507 - (عليكم بالأبكار) أي بتزوجهن وإيثارهن على غيرهن (فإنهن أعذب أفواها) أي أطيب وأحلى ريقا والعذب الكلام الطيب أو هو كناية عن قلة البذاءة والسلاطة لبقاء حيائها بعدم مخالطة الرجال (وأنتق أرحاما) أكثر أولادا يقال للكثيرة الولد ناتق لأنها ترمي بالأولاد رميا والنتق الرمي لا يقال يعارضه خبر عليكم بالولود لأن البكر لا يعلم كونها كثيرة الولادة لأنا نقول البكر مظنة ذلك فالمراد بالولود الكثيرة الولد بتجربة أو مظنة وأما الآيسة ومن جربت فوجدت عقيمة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما (وأرضى باليسير) من العمل أي الجماع أو أعم والحمل عليه أتم ومن رضى باليسير وقنع بالموجود كان نقي القلب طاهر اللب راضيا عن الله بما رزقه الله وأولاه
(هـ هق) في النكاح (عن) أبي عبد الرحمن (عويمر) بعين مهملة مصغر (ابن ساعدة) الأنصاري المدني من بني عمرو بن عوف عقبي بدري كبير وفيه فيض قال الذهبي في المهذب: كذبه ابن معين لكن رواه غيره اه. فأشار إلى تقويه بوروده من طرق ثم إن ما جرى عليه المصنف من العزو لعويمر بن ساعدة وجعله هو صحابي الحديث تبع فيه الحافظ ابن حجر التابع للتهذيب حيث جعل فيه الحديث من مسند عويمر بن ساعدة قال الكمال ابن أبي شريف: وهو ممنوع إنما هو عن عتبة بن عويمر بن ساعدة وليست له صحبة صرح به البغوي في شرح السنة فالحديث مرسل. إلى هنا كلامه. وقال [ص:336] في موضع آخر: هذا تبع فيه ما ذكره المزي في التهذيب وقد ذكر في الأطراف ما يخالفه والصواب أن صحابي الحديث إنما هو عتبة ولم يذكره ابن عبد البر ولا ابن حبان في الصحابة(4/335)
5508 - (عليكم بالأبكار) قال القاضي: حث وإغراء على تزوجهن (فإنهن أنتق أرحاما) أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناة الحركة ويقال أيضا للرمي وأراد أنها كثيرة الأولاد (وأعذب أفواها) قال الطيبي: أفرد الخبر وذكره على تقدير كقوله تعالى {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} قال القاضي: إضافة العذوبة إلى الأفواه لاحتوائها على الريق وقد يقال للريق والخمر الأعذبان (وأقل خبا) بالكسر أي خداعا (وأرضى باليسير) من الإرفاق لأنها لم تتعود في سائر الأزمان من معاشرة الأزواج ما يدعوها إلى استقلال ما تصادفه
(طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه يحيى بن كثير السقاء وهو متروك(4/336)
5509 - (عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما) أي أرحامهن أكثر نتقا بالولد وهو النتق ويقال امرأة منتاق أي كثيرة الولد وزند ناتق أي وار ذكره القاضي (وأسخن أقبالا) أي فروجا واحدها قبل بضم الباء وسكونها سمي به لأن صاحبه يقابل به غيره (وأرضى باليسير من العمل) قال الطيبي: وباجتماع هذه الصفات يكمل المقصود من المولود
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حجر: وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف(4/336)
5510 - (عليكم بالأترج فإنه يشد الفؤاد) أي الزموا أكله فإنه يشد القلب ويقويه بقوة فيه وبخاصية له وبالعرض لتحليله للسوداء ومضغه يطيب النكهة ويذهب البخر ويفتح سدد الدماغ أكلا وشما ويعين على الهضم وينفع من الفواق ويحبس ويجلب النوم بالعرض وإن استف من بزره نصف مثقال أزال القشعريرة ومنافعه كثيرة
(فر عن عبد الرحمن بن دلهم معضلا)(4/336)
5511 - (عليكم بالإثمد (1)) الكحل الأسود أي الزموا التكحل به (فإنه يجلو البصر) أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة من الرأس (وينبت الشعر) بتحريك العين هنا أفصح للازدواج والمراد شعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها (2) وهذا من أدلة الشافعية على ندب الاكتحال بالأثمد قال ابن العربي: التكحل مشروع مستثنى من التداوي قبل نزول الداء الذي هو مكروه طبا وشرعا وذلك لحاجة الانتفاع بالبصر وكثرة تصرفه وعظيم نفعه وقيل إنه يطرأ على البصر من الغبار ما يكون عنه القذى وينزل منه بالعين ما يؤذيها فيشرع التكحل ليزول ذلك الداء فهو تطبب بعد [ص:337] نزول الداء لا قبله ومنافع الاكتحال كثيرة وأجود الأكحال وأيسرها وجودا سيما بالحجاز الإثمد
(حل عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي قال في الميزان عن ابن معين: أحاديثه غير قوية وأورد له هذا الخبر ورواه عنه ابن خزيمة وصححه ابن عبد البر والخطابي
_________
(1) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة وحكى فيه ضم الهمزة حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون ببلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان
(2) فالاكتحال به يحفظ صحة العين لا سيما عند المشايخ والصبيان لكنه لا يوافق الرمد الحار وخاصيته النفع للجفون وذوات الفضول الغليظة(4/336)
5512 - (عليكم بالإثمد) أي الاكتحال به وهل هو اسم للحجر الذي منه الكحل أو هو نفس الكحل؟ خلاف (عند النوم فإنه يجلو البصر وينبت الشعر (1)) تعلق بظاهره قوم فأنكروا على الرجال الاكتحال نهارا قال ابن جرير: وهو خطأ لأنه نص على النوم لأن الاكتحال عنده أنفع لا لكراهة استعماله في غيره من أوقات النهار أوغيره قال: وخص الإثمد في صحيح البخاري إشارة إلى اختصاصه بالأنفعية من بين الاكتحال
(هـ عن جابر) وفيه سعيد بن سلام العطار قال في الميزان عن ابن المديني: يضع الحديث وقال النسائي: متروك ثم ساق له هذا الخبر (د ك) في الطب (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال: صحيح وأقره الذهبي لكنه قال: فيه عثمان بن عبد الملك صويلح
_________
(1) خص الليل لأن الكحل عند النوم يلتقي عليه الجفنان ويسكن حرارة العين ويتمكن الكحل من السراية في تجاويف العين وطبقاتها ويظهر تأثيره في المقصود من الانتفاع وفي شرح الشمائل لابن حجر حكمه كونه في الليل أنه أنقى أو أبنى في العين وأسكن في السراية إلى طبقاتها(4/337)
5513 - (عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى) جمع قذاة ما يقع في العين من نحو تبن أو تراب (مصفاة للبصر) من النوازل المنحدرة إليه من الرأس ويوافق هذا ما رآه الضحاك في كتاب الشمائل له عن علي مرفوعا أمرني جبريل بالكحل وأنبأني أن فيه عشر خصال يجلو البصر ويذهب الهم ويلحس البلغم ويحسن الوجه ويشد الأضراس ويذهب النسيان ويذكي الفؤاد عليكم بالكحل فإنه سنة من سنتي وسنة الأنبياء قبلي
(طب حل) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي: فيه عون بن محمد بن الحنفية ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جمع ولم يوثقه أحد وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: إسناده حسن قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده جيد وقال ابن حجر في الفتح: سنده حسن وعن ابن عمر نحوه عند الترمذي في الشمائل(4/337)
5514 - (عليكم بالباءة) أي التزويج وقد يطلق على الجماع (1) (فمن لم يستطع) لفقد الأهبة (فعليه بالصوم) أي فليلزمه ويداوم عليه (فإنه له وجاء) أي مانع من الشهوات ولم يصب في التعبير من قال قاطع إذ الوجدان قاض بأنه يفتر الشهوة ويضعفها ولا يقطعها من أصلها وإن ديم عليه
(طس والضياء) المقدسي (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي
_________
(1) والباءة في الأصل المنزل لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا وقيل لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يتمكن كما يتبوأ من منزله(4/337)
5515 - (عليكم بالبياض من الثياب) أي بلبس الثياب البيض لفظ رواية الحاكم بهذه الثياب البيض (فليلبسها أحياؤكم) ندبا سيما في الجمع (وكفنوا فيها موتاكم) ندبا (فإنها من خيار ثيابكم) أي أطهرها وأحسنها رونقا فلبس الأبيض مستحب إلا في العيد فالأنفس
(حم ن ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي(4/337)
[ص:338] 5516 - (عليكم بالبغيض النافع) أي كلوه أو لازموا استعماله قالوا: وما البغيض النافع يا رسول الله قال: (التلبينة) بفتح فسكون حساء يعمل من دقيق فيصير كاللبن بياضا ورقة وقد يجعل فيه عسل والبغيض كعظيم من البغض سماه به لأنه مبغوض للمريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية وحكى عياض أنه وقع له في رواية المروزي بنون بدل الموحدة قال: ولا معنى له وذلك لأنه غذاء فيه لطافة سهل التناول للمريض فإذا استعمله اندفعت عنه الحرارة الجوعية وحصلت له القوة الغذائية بغير مشقة (فوالذي نفسي بيده إنه) أي هذا الطعام المسمى بها وفي رواية إنها (ليغسل بطن أحدكم كما يغسل الوسخ عن وجهه بالماء) تحقيق لوجه الشبه قال الموفق البغدادي: إذا شئت منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا وإذا شرب حارا كان أحلى وأقوى نفوذا <تنبيه> قال الراغب: النافع هو ما يعين على بلوغ الشيء كالفضيلة والسعادة والخير والشفاء والنافع في الشيء ضربان ضروري وهو ما لا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا به كالعلم والعمل الصالح للمكلف في البلوغ إلى النعيم الدائمي وغير ضروري وهو الذي قد يسد غيره مسده كالسكنجبين في كونه نافعا في قمع الصفراء ومن ما هنا
(هـ ك) في الطب (عن عائشة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه عنها النسائي أيضا(4/338)
5517 - (عليكم بالتواضع فإن التواضع في القلب) لا في الزي واللباس (ولا يؤذين مسلم مسلما فرب متضاعف في أطمار) جمع طمر وهو الثوب الخلق (لو أقسم على الله) أي حلف عليه (لأبره) أي لأبر قسمه وأعطاه ما طلبه فيجب أن لا يحتقر أحدا ولا يستصغره فإنك لا تدري لعله خير منك كما بينه الغزالي والحذر من احتقار من لا يعبأ به محمود وتركه مذموم ولبعض النفوس تأثير كتأثير السم بل أشد وقد جبلت النفوس البشرية على حيل ودهاء غامض فربما تحيل الفقير المزدري فأوقع في المهالك ومن ثم قيل:
من الحزم أن تكرم الأرذلين. . . وأن تهيب من لا يهاب
فما يخرج الأسد من غابها. . . لحتف المشيئة إلا الكلاب
وقال آخر:
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة. . . إن الذبابة أدمت جبهة الأسد
وقال آخر:
ولا تحقرن كيد الضعيف فربما. . . تموت الأفاعي من سموم العقارب
وقال آخر:
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة. . . فرب فيل يموت من ناموسة
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه محمد بن سعيد المصلوب وهو يضع الحديث(4/338)
5518 - (عليكم بالثفاء) بمثلثة مضمومة وفاء مفتوحة الخردل أو حب الرشاد (1) (فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء) [ص:339] وهو حار يابس في الثالثة يلين البطن ويحرك الباه ومنافعه مبينة في المفردات والطب
(ابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن أبي هريرة)
_________
(1) وهو يسخن ويلين البطن ويخرج الدود وحب القرع ويحلل أورام الطحال ويحرك شهوة الجماع ويجلو الجرب المتقرح والقوبا وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها وإذا بخر به في موضع طرد الهوام عنه ويمسك الشعر المتساقط وإذا خلط بسوق الشعير والخل وتضمد به نفع من عرق النساء وحلل الأورام الحارة في آخرها وينفع من الاسترخاء في جميع الأعضاء ويشهي الطعام وينفع من عرق النسا ووجع حق الورك إذا شرب أو احتقن به ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار أسهل الطبيعة وحلل الرياح ونفع من وجع القولنج البارد المسبب وإذا سحق وشرب نفع من البرص وإذا لطح عليه وعلى البهق الخل نفع منهما وينفع من الصداع الحادث من البلغم والبرد وإن قلي وشرب سهل البطن وإذا غسل بمائه الرأس نقاه من الأوساخ والرطوبات اللزجة(4/338)
5519 - (عليكم بالجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله (فإنه باب من أبوب الجنة) أي سبب من الأسباب الموصلة إليها وإطلاق الباب على مثل ذلك سائغ شائع كما بينه الراغب (يذهب الله به الهم والغم) من صدور المؤمنين
(طس عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين متروك اه. وعمرو هذا قال الطبراني: تفرد به وقضية صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب مع وجوده في كتاب مشهور وهو المستدرك باللفظ المذكور وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى(4/339)
5520 - (عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة) بفتح القاف والميم وسكون الحاء المهملة وضم الدال المهملة وفتح الواو بضبط المصنف نقرة القفا والحجامة فيها تنفع من جحظ العين ونتئها العارض وثقل الحاجبين والجفن وغير ذلك (فإنها دواء من اثنين وسبعين داء وخمسة أدواء (1) من الجنون والجذام والبرص ووجع الأضراس) المخاطب بالحديث أهل الحجاز ونحوهم قال ابن العربي: والحجامة بالحجاز أنفع من الفصادة والفصد في هذه البلاد أنفع من الحجامة وهذا على الجملة وإلا فللفصد موضع وللحجم موضع قال: وبالجملة فالذين ترجموا عن الأطباء لم يجعلوا للحجامة قدرا لكنهم رأوا ثناء المصطفى صلى الله عليه وسلم عليها وقد أظهر الله رسوله ودينه وكلامه ولو كره المشركون
(طب وابن السني وأبو نعيم) في الطب النبوي (عن صهيب) قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات ورواه عنه الديلمي
_________
(1) أي وخمسة أدواء زيادة على ذلك فذكر خمسة وعد أربعا فكأن الخامسة سقطت من بعض الرواة أو من بعض النساخ(4/339)
5521 - (عليكم بالحزن) بالضم أي الزموه (فإنه مفتاح القلب) قالوا: يا رسول الله وكيف الحزن قال: (أجيعوا أنفسكم وأظمئوها) إلى حد لا يضر فإن بذلك تذل النفوس وتنقاد وتنكسر الشهوة ويتوفر الحزن ويتنور الباطن
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: إسناده حسن(4/339)
5522 - (عليكم بالحناء فإنه ينور رؤوسكم) أي يقويها وينبت شعرها ويحسنها ويذهب ما بها من نحو قرح وبشرة وكذا في سائر البدن (ويطهر قلوبكم) من الدنس أي ينورها والنور يزيل ظلمة الدنس (ويزيد في الجماع) بما فيه من [ص:340] تهيج قوى المحبة وحسن لونه الناري المحبوب (وهو شاهد في القبر) أي علامة يعرف بها الملائكة المؤمن من الكافر (1)
(ابن عساكر) في التاريخ من حديث ثابت بن بندار عن أبيه عن محمد بن عمر بن بكير البخاري عن أبي القاسم المؤدب النصيبي عن أحمد بن عامر الربعي عن عمرو بن حفص الدمشقي عن معروف الخياط (عن وائلة) بن الأسقع قال ابن الجوزي في الواهيات: حديث لا يصح قال ابن عدي: والمعروف أن عبد الله الخياط أحاديثه منكرة جدا عامة ما يرويه لا يتابع عليه
_________
(1) ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري بصبي فخضبت أسافل رجليه بحناء فإنه يأمن على عينيه أن يخرج فيهما شيء وهو صحيح مجرب لا شك فيه وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها وقلع السوس عنها وإذا نقع ورقه في ماء عذب ثم عصر وشرب من صفوه أربعين درهما مع عشرة دراهم سكر وتغذى عليه بلحم الضأن الصغير فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة(4/339)
5523 - (عليكم بالدلجة) بالضم والفتح سير الليل وهو اسم من الإدلاج بتخفيف الدال وهي السير أول الليل وقيل الإدلاج الليل كله ولعله المراد هنا لتعقيبه بقوله (فإن الأرض تطوى بالليل) أي ينزوي بعضها لبعض ويتداخل فيقطع المسافر من المسافة فيه ما لا يقطعه نهارا سيما آخر الليل الذي ما فعل فيه شيء إلا كانت البركة فيه أكثر لأنه الوقت الذي ينزل الله فيه إلى سماء الدنيا (1) وعند الصباح يحمد القوم السرى
(د ك) في الحج والجهاد (هق) كلهم (عن أنس) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في موضع وقال في آخر: إن سلم من مسلم بن خالد بن يزيد العمري فجيد قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود: إسناده حسن
_________
(1) فيقول هل من تائب إلخ وقد قال الله تعالى {فأسر بأهلك بقطع من الليل} أي سر في سواد الليل إذا بقي منه قطعة(4/340)
5524 - (عليكم بالرمي) بالسهام (فإنه خير لهوكم) أي خير ما لهوتم به قال الطرسوسي: وأصل اللهو ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة وألهاني الشيء بالألف شغلني
(البزار) في مسنده (عن سعد) بن أبي وقاص وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا حاتم بن الليث وهو ثقة(4/340)
5525 - (عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم) بفتح اللام وكسر العين ويجوز تخفيفه بكسر اللام وسكون العين لكن قال ابن قتيبة: ولم يسمع في التخفيف فتح اللام مع السكون
(طس عن سعد) بن أبي وقاص قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا حاتم المذكور(4/340)
5526 - (عليكم بالزبيب) أي لازموا أكله فإنه (يكشف المرة) بكسر الميم وشد الراء (ويذهب البلغم ويشد العصب ويذهب بالعياء) أي التعب (ويحسن الخلق) بالضم (ويطيب النفس ويذهب بالهم) وهو كالعنب الحلو منه حار والحامض والقابض بارد ينفع السعال والكلى والمثانة والرئة والصدر والحلق والمعدة والطحال والكبد بخاصية فيه (1)
(أبو نعيم) [ص:341] في الطب النبوي (عن علي) أمير المؤمنين
_________
(1) أخرج ابن السني وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب قال: من أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كل يوم لم ير جسده شيئا يكرهه والأبيض أشد قبضا من غيره وإذا أكل لحمه وافق قصبة الرئة ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة ولين البطن ويقوي المعدة والكبد والطحال وينفع من وجع الصدر والحلق والرئة ويغذو غذاء صالحا ولا يسدد كما يفعل التمر وما كان بعجمه كان أكثر نفعا للمعدة والكبد والطحال وفيه نفع للحفظ قال الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب(4/340)
5527 - (عليكم بالسراري) جمع سرية بضم فكسر ثم تشديد وقد تكسر السين أيضا سميت به لأنها من السرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع أو يطلق عليها ذلك لأنه يكتم أمرها عن الزوجة غالبا فإنهن مباركات الأرحام قال الراغب: قال عمر رضي الله عنه: ليس قوم أكيس من أولاد السراري لأنهم يجمعون فصاحة العرب ودهاء العجم
(طس) عن موسى بن زكريا عن عمرو بن الحصين عن محمد بن عبد الله بن علاثة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن مالك بن يخامر عن أبي الدرداء (ك) من هذا الوجه (عن أبي الدرداء) قال ابن الجوزي: موضوع عثمان بن عطاء لا يحتج به وابن علاثة يروي الموضوعات عن الثقات وعمرو بن الحصين ليس بشيء وحفص متروك اه وقال ابن حجر في المطالب العلية: قد روي موصولا من حديث أبي الدرداء أخرجه الحاكم وإسناده واه جدا حتى خرجه ابن الجوزي في موضوعاته وقال في الفتح: إسناده واه ولأحمد من حديث ابن عمرو مرفوعا انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة قال: وإسناده أصلح من الأول لكنه غير صريح في التسري اه. وقال الهيثمي بعد عزوه لأوسط الطبراني: فيه عمرو بن الحصين العقيلي متروك (د في مراسيله عن رجل من بني هاشم) أي من التابعين كما يشير إليه قوله (مرسلا) وله طريق آخر فيه حفص بن عمر الأيلي(4/341)
5528 - (عليكم بالسكينة) أي الوقار والتأني (عليكم بالقصد) أي التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (في المشي بجنائزكم) بأن يكون بين المشي المعتاد والخبب لصحة الأمر بالإسراع بها وحمل على ذلك لأن ما فوقه إزراء به وإضرار بالمشيعين فإن خيف تغير الميت بالإسراع أو التأني فضده أي المخوف أولى بل واجب إن غلب ظن تغيره
(طب هق عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه(4/341)
5529 - (عليكم بالسنا) بالمد والقصر معروف ومنافعه لا تحصى (والسنوت) السبت أو العسل أو رغوة السمن أو حب كالكمون وليس به أو الكمون الكرماني أو الرازنانج أو التمر أو العسل الذي في زقاق السمن أقوال نقلها في الهدى وصوب آخرها (فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السأم) بالمهملة بغير همز (وهو الموت) وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء قال الشاعر:. . . وكنه الموت ليس له دواء. . . وطريق استعمال ذلك أن يخلط السنا مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال
(هـ ك) في الطب من حديث عمرو بن بكر عن إبراهيم بن أبي عبيدة (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء مهملتين. قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن عمرو بن بكر اتهمه ابن عدي بأن له مناكير(4/341)
5530 - (عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم) وفي رواية مطهرة للفم أي آلة تنقيه وتزيل تغيره فهي طهارة لغوية لا شرعية كما هو واضح (مرضاة للرب) ولا يجب عينا بل الواجب على من أكل شيئا له دسومة إزالتها ولو بغير سواك
(حم [ص:342] عن ابن عمر) بن الخطاب. قال المنذري والهيثمي: فيه ابن لهيعة ورواه البخاري تعليقا مجزوما من حديث عائشة والنسائي وابن خزيمة موصولا كما بينه الحافظ العراقي(4/341)
5531 - (عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك يذهب بالحفر) داء يفسد أصول الأسنان (وينزع البلغم ويجلو البصر ويشد اللثة ويذهب بالبخر ويصلح المعدة ويزيد في درجات الجنة ويحمد الملائكة ويرضي الرب ويسخط الشيطان) ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه به ومن ثم ذهب إسحاق بن راهويه فيما حكاه عنه الماوردي إلى وجوبه لكل صلاة وأن من تركه عمدا لم تصح صلاته وبه قدح في نقل بعضهم الإجماع على عدم وجوبه لكنه قول مزيف
(عبد الجبار الخولاني) بفتح المعجمة وسكون الواو وآخره نون نسبة إلى خولان قبيلة نزلت بالشام نسب إليها جمع من العلماء (في تاريخ داريا عن أنس)(4/342)
5532 - (عليكم بالشام) أي الزموا سكنى أرض الشام قيل مطلقا لكونها أرض المحشر والمنشر وقيل المراد آخر الزمان لأن جيوش المسلمين تنزوي إليها عند اختلال أمر الدين وغلبة الفساد. قال في الكشاف: وقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة وحقت أن تكون كذلك فهي مبعث الأنبياء ومهبط الوحي ومكناتهم أحياء وأمواتا
(طب عن معاوية بن حيدة) قال الهيثمي: أسانيده كلها ضعيفة لكن رواه أبو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح في حديث طويل(4/342)
5533 - (عليكم بالشام فإنها) أي الشام (صفوة بلاد الله) أي مصطفاه من بلاده (يسكنها خيرته من خلقه) أي يجمع إليها المختارين من عباده (فمن أبى) أي امتنع منكم عن القصد إلى الشام (فليلحق بيمنه) أضاف اليمن إليهم لأنه خاطب به العرب (وليسق من غدره) عطف على عليكم يالشام وقوله فمن أبى كلام معترض رخص لهم في النزول بأرض اليمن ثم عاد إلى ما بدأ به والمعنى ليسق كل واحد من غدره المختصة به والغدر بضمتين جمع غدير الحوض وأهل الشام شأنهم أن يتخذ كل رفقة منهم غديرا للشرب وسقي الدواب فوصاهم بالسقي مما يختص بهم وترك المزاحمة فيما سواه والتغلب لئلا يكون سبيلا للاختلاف وتهييج الفتنة (فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله) أي ضمن لي حفظها وحفظ أهلها القائمين بأمر الله وفي رواية بدل تكفل توكل قيل وهي وهم فإن ثبتت فبمعناه فإن من توكل في شيء تكفل القيام به قال ابن العربي عقب سياقه: هذه الأحاديث ونحوها أحاديث يرويها أهل الشام
(طب عن وائلة) بن الأسقع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحذيفة ومعاذ وهما يستشيرانه في المنزل فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام ثلاثا ثم ذكره قال ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد كلها ضعيفة(4/342)
5534 - (عليكم بالشفاءين العسل) لعاب النحل وله زهاء مئة اسم (والقرآن) جمع بين الطب البشري والإلهي وبين الفاعل الطبيعي والروحاني وطب الأجساد وطلب الأرواح والسبب الأرضي والسمائي {وننزل من القرآن ما هو شفاء} قال الطيبي: قوله العسل والقرآن تقسيم للجمع فجعل جنس الشفاء نوعين حقيقي وغير حقيقي ثم قسمه نحو قولهم القلم أحد [ص:343] اللسانين والخال أحد الأبوين وقال المظهر: شفاء البئر والنهر طرفه والشفاء من المرض موافاة شفاء السلامة فصار اسما للبرء قال تعالى في العسل {فيه شفاء للناس} وفي القرآن {شفاء لما في الصدور} قال ابن القيم: جماع أمراض القلب الشبهات والشهوات والقرآن شفاء لهما ففيه من البينات والبراهين القطيعة والدلالة على المطالب العالية ما لم يتضمنه كتاب سواه فهو الشفاء بالحقيقة لكن ذلك موقوف على فهمه وتقريره المراد فيه
(هـ ك) في الطب (عن ابن مسعود) قال الحاكم: على شرطهما قال البيهقي في الشعب: الصحيح موقوف على ابن مسعود(4/342)
5535 - (عليكم بالصدق) أي الزموه وداوموا عليه (فإنه مع البر) يحتمل أن المراد به العبادة (وهما في الجنة) أي الصدق مع العبادة يدخلان الجنة (وإياكم والكذب) اجتنبوه واحذروا الوقوع فيه (فإنه مع الفجور) أي الخروج عن الطاعة (وهما في النار) يدخلان نار جهنم (وسلوا الله اليقين والمعافاة) لأنه ليس شيء مما يعمل للآخرة يتلقى إلا باليقين وليس شيء من الدنيا يهنأ لصاحبه إلا مع العافية وهي الأمن الصحة وفراغ القلب فجمع أمر الآخرة كله في كلمة والدنيا في كلمة (فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله) وسبق تقريره موضحا بما فيه
(حم خد هـ عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة(4/343)
5536 - (عليكم بالصدق) أي القول الحق وهو ضد الكذب وقد يستعمل في أفعال الجوارح كصدق فلان في القتال إذا وفاه حقه وقد يعبر عن كل فاضل بالصدق والمحكم في ذلك ما يقتضيه المقام والقياس <تنبيه> قال القشيري: الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه وأقله استواء السر والعلانية وقال التستري: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره وقال المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب إطلاع الناس على مثقال ذرة من حسن عمله وإذا طلبته بالصدق أعطاك مرآة تبصر بها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة (فإن الصدق يهدي إلى البر) أي إلى العمل الصالح الخالص والبر سبق أنه اسم جامع للخير (وإن البر يهدي إلى الجنة) أي يوصل إليها قال ابن العربي: بين أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله وذلك لأن الرجل إذا تحرى الصدق لم يعص أبدا لأنه إن أراد أن يشرب أو يزني أو يؤذي خاف أن يقال له زنيت أو شربت فإن سكت جر الريبة وإن قال لا كذب وإن قال نعم فسق وسقطت منزلته وذهبت حرمته (وما يزال الرجل يصدق) في كلامه (ويتحرى الصدق) أي يجتهد فيه (حتى يكتب عند الله صديقا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقية (وإياكم والكذب) أي احذروه (فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والإنبعاث في [ص:344] المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إليها (وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الكذابين وعاقبتهم والمراد إظهار ذلك لخلقه بكتابته في اللوح أو الصحف أو بالإلقاء في القلوب وعلى الألسنة
(حم خد م ت عن ابن مسعود)(4/343)
5537 - (عليكم بالصدق فإنه باب من أبواب الجنة وإياكم والكذب فإنه باب من أبواب النار) وقد سبق أن الكذب من علامات النفاق وكان إمامنا الشافعي يعلمه بالفراسة وهي تنشأ عما سبق من حكمة التناسب وربما بالغ في الزجر عن ذلك يرد ما اطلع على أنه اشترى له ممن اتصف بنحو كذب أو نفاق
(خط) في ترجمة عبد الكريم بن السني (عن أبي بكر) الصديق وفيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة قال الذهبي في الضعفاء: كذبوه ورواه الطبراني عن معاوية بلفظ عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار قال المنذري: سنده حسن(4/344)
5538 - (عليكم بالصف الأول) أي لازموا الصلاة فيه وسبق أنه الذي يلي الإمام (وعليكم بالميمنة) أي الجهة اليمنى من الصفوف فإنها أفضل (وإياكم والصف بين السواري) جمع سارية وهي العمود
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يوسف المكي وهو ضعيف(4/344)
5539 - (عليكم بالصلاة فيما بين العشاءين) المغرب والعشاء فهو من باب التغليب وهو باب طويل الذيل (فإنها تذهب بملاغاة النهار) رواية مسند الفردوس فإنها تذهب بملاغاة أول النهار وتسدن آخره اه. بلفظه
(فر عن سلمان) الفارسي وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قد مر غير مرة وقال الحافظ العراقي: فيه إسماعيل بن أبي زياد بالياء لا بالنون خلافا لما وقع للغزالي وإسماعيل هذا متروك يضع الحديث قاله الدارقطني اه. فكان ينبغي للمصنف حذفه(4/344)
5540 - (عليكم بالصوم فإنه محسمة (1)) بحاء مهملة (للعروق) لأنه مانع للمني من السيلان يمعنى أنه يقلله جدا (ومذهبة للأشر) أي البطر يعني أن الصوم يقلل دم العروق وتخفف مادة المني ويكسر النفس فيذهب ببطرها
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن شداد بن أوس)
_________
(1) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الثانية والميم قال في المصباح: حسمه حسما من باب ضرب فانحسم بمعنى قطعه فانقطع وحسمت العرق على حذف مضاف والأصل حسمت دم العرق إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار اه. وقال في النهاية: محسمة للعرق مقطعة للنكاح(4/344)
5541 - (عليكم بالعمائم) أي داوموا لبسها (فإنها سيما الملائكة) أي كانت علامتهم يوم بدر قال تعالى {يمددكم ربكم بخمسة [ص:345] آلاف من الملائكة مسومين} قال الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم (وأرخوها خلف ظهوركم) فيه ندب العذبة
(طب عن ابن عمر) قال الهيثمي: فيه عيسى بن يونس قال الدارقطني: ضعيف (هب) وكذا ابن عدي كلاهما من حديث الأخوص بن حكيم عن خالد بن معدان (عن عبادة) بن الصامت قال الزين العراقي في شرح الترمذي: والأخوص ضعيف(4/344)
5542 - (عليكم بالغنم) أي اتخذوها واقتنوها (فإنها من دواب الجنة فصلوا في مراحها) بالضم مأواها (وامسحوا أرغامها) تمام الحديث عند مخرجه الطبراني قلت يا رسول الله ما الرغام؟ قال: المخاط والأمر للإباحة والغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز ولا واحد للغنم من لفظها
(طب) من رواية صبيح (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه(4/345)
5543 - (عليكم بالقرآن) أي الزموا تلاوته وتدبره (فاتخذوه إماما وقائدا) تقتدون به وتنقادون لأمره ونهيه (فإنه كلام رب العالمين الذي هو منه بدأ وإليه يعود فآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله) {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} قال المرزوقي: المثل جملة من القول مقتضية من أصلها أو مرسلة بذاتها تتسم بالقبول وتشتهر بالتداول فتنتقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها في لفظها وعما يوجبه الظاهر إلى أشباهه من المعاني
(ابن شاهين في) كتاب (السنة وابن مردويه) في التفسير عن (علي) أمير المؤمنين ورواه عنه ابن لال والديلمي أيضا(4/345)
5544 - (عليكم بالقرع) أي الزموا أكله (فإنه يزيد في الدماغ) ويذهب الصداع الحار وهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه بل ورد عند أحمد في المسند عن أنس أنه كان أحب الطعام إليه وفي رواية لأبي بكر الشافعي عن عائشة إنه يشد قلب الحزين (وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا) زاد البيهقي والماليني في رواية آخرهم عيسى ابن مريم وهو يرق القلب ويسرع الدمعة اه. وأخرج ابن السني في الطب عن أبي هريرة مرفوعا أن نبيا من الأنبياء اشتكى إلى الله قساوة قلوب قومه فأوحى الله إليه وهو في مصلاه أن مر قومك يأكلوا العدس فإنه يرق القلب ويدمع العينين ويذهب الكبر وهو طعام الأبرار وأخرج الديلمي عن ابن عباس يرفعه من أحب أن يرق قلبه فليدمن أكل البلس يعني العدس وفيهما متروك ومنكر الحديث وكذاب
(طب) من حديث عمرو بن الحصين عن محمد بن عبد الله بن علانة عن ثور بن يزيد عن مكحول (عن وائلة) ابن الأسقع قال المصنف: وعمرو وشيخه متروكان وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه عمرو بن الحصين وهو متروك قال الزركشي: ووجدت بخط ابن الصلاح إنه حديث باطل وقال النووي: حديث أكل البطيخ والباقلاء والعدس والأرز ليس فيها شيء صحيح وقال السخاوي: لا يصح فيه شيء وحكى البيهقي في الشعب أن ابن المبارك سئل عنه فقال: ولا على لسان نبي واحد إنه لمؤذ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات من عدة طرق وحكم عليه بالوضع ودندن عليه المؤلف ولم يأت بطائل(4/345)
[ص:346] 5545 - (عليكم بالقرع) بسكون الراء وفتحها لغتان والسكون أشهر وهو الدباء وقيل إنه غير عربي بل معرب (فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ) أي لما فيه من الرطوبة. قال الديلمي: ويروى عليكم بالأترج بدل القرع والقرع بارد رطب في الثالثة وهو أقل الثمار الصيفية مضرة وله في دفع الحميات اليد البيضاء والحظ الأوفر
(طب عن عطاء مرسلا) ورواه أيضا الحاكم في التاريخ وعنه تلقاه البيهقي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه مخلد بن قريش أورده في اللسان وقال: قال ابن حبان في الثقات يخطئ(4/346)
5546 - (عليكم بالقنا) جمع قناة وهي الرمح (والقسى العربية) التي يرمى بها بالنشاب لا قوس الجلاهق البندق وإضافته للتخصيص (فإن بها يعز الله دينكم) دين الإسلام (ويفتح لكم البلاد) وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع وقال ابن تيمية: احترز بالعربية عن العجمية فتكره لانها من زي الأعجام وقد أمرنا بمخالفتهم قال الأثرم: قلت عبد الله يعني أحمد إن أهل خراسان يزعمون أن لا منفعة لهم في القوس العربية وإنما النكاية عندهم للفارسية قال: وكيف وإنما افتتحت الدنيا بالعربية
(طب عن عبد الله بن يسر) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه اليسرى ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبع الجيش متوكئ على قوس فمر برجل يحمل قوسا فارسيا فقال: ألقها فإنها ملعونة ملعون من يحملها ثم ذكره وفيه بكر بن سهل الدمياطي قال الذهبي: مقارب الحديث وقال النسائي: ضعيف وبقية رجاله رجال الصحيح قال الهيثمي: إلا أني لم أجد لأبي عبيدة عيسى بن سليم بن عبد الله بن بشر سماعا(4/346)
5547 - (عليكم بالقناعة) أي الرضى بالقليل (فإن القناعة مال لا ينفذ) لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من الدنيا رضي بما دونه وقيل هي الاكتفاء بما تندفع به الحاجة أو السكون عند عدم المألوف أو ترك التشوف إلى المقصود والاستغناء بالموجود أو غير ذلك
(طس عن جابر) قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي متروك(4/346)
5548 - (عليكم بالكحل) بالضم أي الزموا الإكتحال بالإثمد (فإنه ينبت للشعر) أي شعر الأهداب (ويشد العين) لتخفيفه للمواد
(البغوي في مسند عثمان) بن عفان (عنه) أي عن عثمان(4/346)
5549 - (عليكم بالمرزنجوش) فتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي وسكون النون وضم الجيم وشين معجمة الريحان الأسود أو نوع من الطيب أو نبت له ورق يشبه ورق الآس فارسي (فشموه) إرشادا (فإنه جيد للخشام) بخاء معجمة مضمومة أي الزكام. قال في الفردوس: الخشام داء يأخذ الإنسان في خيشومه ومنه يقال رجل مخشوم والخيشوم الأنف
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) قال ابن القيم: لا أعلم صحته(4/346)
5550 - (عليكم بالهليلج الأسود فاشربوه) إرشادا (فإنه من شجر الجنة طعمه مر وهو شفاء من كل داء) في الموجز [ص:347] بارد في الأولى يابس في الثانية أكله يطفئ الصفراء وينفع الخفقان والجذام والتوحش والطحال ويقوي خمل المعدة وغير ذلك
(ك) في الطب من حديث سيف بن محمد الثوري عن معمر عن أيوب عن محمد (عن أبي هريرة) قال الذهبي: وسيف قال أحمد وغيره: كذاب اه(4/346)
5551 - (عليكم بالهندباء) يحتمل بزره أو ورقه أو أصله والأول أقرب (فإنه ما من يوم إلا وهو يقطر عليه قطر من قطر الجنة) منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة بارد رطب في الأولى وهما البقلة المباركة ومنافعها لا تدخل تحت ضبط
(أبو نعيم) في الطب النبوي (عن ابن عباس) وفيه عمرو بن أبي سلمة ضعفه ابن معين وغيره قال الحافظ العراقي: وله من حديث الحسن بن علي وأنس بن مالك نحوه وكلها ضعيفة(4/347)