2258 - (إن بيوت الله تعالى) أي الأماكن التي يختارها ويصطفيها لتنزلات رجمته وملائكته (في الأرض) هي [ص:445] المساجد (وإن حقا على الله أن يكرم من زاره) يعني من عبده (فيها) حق عبادته وقد ورد هذا بمعناه من كلام الله في الكتب السماوية القديمة قال حجة الإسلام: قال الله تعالى في بعض الكتب: إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره
(طب عن ابن مسعود) عبد الله(2/444)
2259 - (إن تحت كل شعرة) من بدن الإنسان (جنابة) قال الخطابي: ظاهره يوجب نقض الضفائر لغسل الجنابة أو نحوها إذ لا يتيقن غسل شعره كله إلا بنقضها اه. أي فإن فرض وصول الماء بدون النفض لم يجب عند الشافعية ومذهبهم أيضا أنه لا يجب غسل باطن شعر انعقد بنفسه (فاغسلوا الشعر) قال مغلطاي: حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل الفم والأنف اه (وانقوا البشرة) بالنون (1) قال الطيبي: علل الوصف بالظرف وهو لفظه تحت ثم رتب عليه الحكم بالفاء وعطف عليه وأنقوا للدلالة على أن الشعر قد يمنع وصول الماء كما أن الوسخ يمنع ذلك فإذن يجب استقصاء الشعر بالغسل وتنقية البدن عن الوسخ ليخرج المكلف عن العهدة بيقين اه قال البهيقي وفيه دليل على وجوب استعمال الماء الناقص وتكميله بالتيمم (2) قال ابن عيينة: والمراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بها
(د ت هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيعه أن مخرجيه خرجوه ساكتين ولم يطعنوا في سنده والأمر بخلافه فقد قال أبو داود فيه الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف وقال الترمذي حديثه غريب وهو شيخ ليس بذلك وقال الدارقطني غريب تفرد به مالك بن دينار وعنه الحارث المذكور وجزم البغوي بضعف الحديث جدا وقال ابن حزم خبر لا يصح وقال الذهبي فيه الحارث بن وجيه واه وإنما يروى من قول أبي هريرة رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر مداره على الحارث ابن وجيه وهو ضعيف جدا قال الشافعي هذا الحديث غير ثابت وقال البيهقي أنكره البخاري وغيره إلى هنا كلامه وبعد أن استبان لك شدة ضعفه علمت أن المصنف لم يصب في إيثاره وإهمال ما هو بمعناه وهو حديث صحيح كما جزم به ابن حجر وهو خبر أبي داود وابن ماجه عن علي مرفوعا: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا الحديث بتمامه
_________
(1) والقاف من الإنقاء والبشرة ظاهر الجلد أي اجعلوه نقيا بأن يغمره الماء بعد إزالة المانع وقيل المراد بإنقاء البشرة غسل الفرج وتنظيفه كنى عنه بالبشرة
(2) واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وأنقوا البشرة وزعم أن داخل الفم من البشرة وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من الناظر إليه(2/445)
2260 - (إن جزءا من سبعين جزءا من النبوة) وفي رواية أقل فالعدد إما للمبالغة في أكثره أو مختلف باختلاف الناس وقد مر (تأخير السحور) بضم السين أي تأخير الصائم الأكل بنيته إلى قبيل الفجر ما لم يقع في الشك (وتبكير الفطر) يعني مبادرة الصائم إلى الفطر بعد تحقق الغروب (وإشارة الرجل) يعني المصلي ولو أنثى أو خنثى فذكر الرجل وصف طردي (بأصبعه في الصلاة) لعل المراد به رفع السبابة في التشهد عند قوله إلا الله فإنه مندوب وهل يحركها وجهان للشافعية الأصح عندهم المنع قال الفارسي والتبكير هنا الإسراع والتعجيل ولم يرد تكرر الغدو والصباح
(عب عد) وكذا الطبراني (عن أبي هريرة) وفيه عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي حازم قال في الميزان عمرو أو أبو حازم لا يعرف(2/445)
[ص:446] 2261 - (إن جهنم (1) تسجر) بسين مهملة فجيم توقد ومنه البحر المسجور {وإذا البحار سجرت} (إلا يوم الحمعة) بالنصب أي فإنها لا تسجر فيه وسره أنه أفضل الأيام عند الله ويقع فيه من العبادة والابتهال ما يمنع من سجر جهنم فيه ولذا تكون معاصي أصل الإيمان فيه أقل منها في غيره حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في غيره قال البعض والظاهر أن المراد منه سجر جهنم في الدنيا وأنها توقد في كل يوم إلا يوم الجمعة وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما ما <تنبيه> قال القرطبي عقب إيراده هذا الحديث ولهذا المعنى كانت النافلة جائزة في يوم الجمعة عند قائم الظهيرة دون غيرها من الأيام
(د عن أبي قتادة) الأنصاري ظاهر سكوت المصنف عليه أن مخرجه أقره والأمر بخلافه بل أعله بالانقطاع كما نقله الحافظ العراقي وغيره وأقروه فسكوت المصنف عنه غير صواب(2/446)
1 -) وأوله كما في أبي داود عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة نصف النهار أي وقت الاستواء إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة(2/446)
2262 - (إن حسن الخلق) بالضم (ليذيب الخطيئة) أي يمحو أثرها ويقطع خبرها (كما تذيب الشمس) أي حرارة ضوئها (الجليد) (1) وهو كما في الصحاح ندى يسقط من السماء فيجمد على الأرض قال الزمخشري: ومن المجاز لك جامد هذا المال وذائبه قال الغزالي: الخلق الحسن أفضل أعمال الصديقين وهو على التحقيق شطر الدين وهو ثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة والهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) ابن مالك
_________
(1) الجليد بالجيم وآخره مهملة بوزن فعيل الماء الجامد يكون في البلاد الشديدة البرد والمراد بالخطيئة الصغيرة(2/446)
2263 - (إن حسن الظن بالله) أي بأن يظن أن الله يغفر له ويعفو عنه (من حسن عبادة الله) تعالى أي حسن ظنه به من جملة حسن عبادته فيظن أنه يعطف على ضعفه وفقره ويكشف ضره ويغفر ذنبه بجميل صفحه فيعلق آماله به لا بغيره ويحتمل أن معنى من حسن العبادة أنه كلما أحسن الأدب في عبادة ربه حسن ظنه بأنه يقبلها وكل ما شاهد توفيقه لفعلها حسن ظنه في عفوه عن زللها ومن لا يحسن أدبه في خدمة ربه يتوهم أنه يحسن الظن وهو مغرور {ولا يغرنكم بالله الغرور} فيراه يأتي بصورة عبادة بغير أدب ويؤمل القبول ويسيء الظن بسيده في ضمان رزقه فيحرص عليه ويأخذه من غير حله ويسيء الظن به في الشدائد فيفزع إلى غيره ويسيء الظن به في الخلق فلا ينفق في طاعته ويحقق ظن عدوه وشيطانه فيستجيب له في بخله فهو مطلوب محبوب لكن مع ملاحظة مقام الخوف فيكون باعث الرجاء والخوف في قرن أي إن لم يغلب القنوط وإلا فالرجاء أولى ولا أمن من المكر وإلا فالخوف أولى ثم هذا كله في الصحيح أما المريض لا سيما المحتضر فالأولى في حقه الرجاء
(حم ت ك) في التوبة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي عليه(2/446)
2264 - (إن حسن العهد) أي الوفاء والخفارة ورعاية الحرمة (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان ومن خصائلهم أو من شعب الإيمان ويكفي الموفي بالعهد مدحا وشرفا قول من علت كلمته والموفون بعهدهم إذا عاهدوا وقد [ص:447] تظافرت على حسن العهد مع الإخوان والخلان أهل الملل والنحل وأعظم الناس وفاء بذلك ومحافظة عليه وإن تقادم عهده: الصوفية وأنشد بحضرة العارف الشاذلي:
رأى المجنون في البيداء كلبا. . . فجر له من الإحسان ذيلا. . . فلاموه لذاك وعنفوه
وقالوا لم أنلت الكلب نيلا. . . فقال دعوا الملامة إن عيني. . . رأته مرة في حي ليلي
فقال له كرر فلم يزل يتواجد وينتحب ثم قال جزاك الله خيرا يا بني على وفائك بعهدك إن حسن العهد من الإيمان والعهد لغة له معان منها حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال والمراد هنا عهد المعرفة المتقدمة
(ك) في الإيمان (عن عائشة) قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز فقال من أنت قالت جثامة المزنية قال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعد ذا قالت بخير فلما خرجت قلت تقبل هذا الإقبال على هذه قال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان قال الحاكم على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي(2/446)
2265 - (إن حقا على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه) أي أن عدم الارتفاع حق على الله تعالى فعل متعلق بحقا وأن لا يرتفع خبر إن وأن مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة ويمكن أن يقال على صفة حقا أي حق ثابت على الله قاله الطيبي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما سبقت ناقته العضباء كانت لا تسبق (1) وهذا تزهيد في الدنيا وحث على التواضع وهوانها عند الله تعالى وتنبيه على ترك الفخر والمباهاة وأن كل ما هان على الله ففي محل الصنعة قال بعض العارفين: إن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أنه تعالى إذا وضعه يضعه في النار قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والفخر وأن كل شيء هان على الله في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيها. حكي أن رجلين تنازعا في جدار فأنطق الله لبنة منه فقالت كنت ملكا ألف سنة ثم صرت رميما ألفا فأخذت مني خزفا فانكسرت فاتخذت مني لبنا وأنا في هذا الجدار منذ كذا فلما تنازعا قال العوني: سره أنه لما كان من ملوك الدنيا الفانية جعله الله في أحقر الدرجات إذ الأكثرون هم الأقلون والأعظمون هم الأحقرون بوم القيامة
(حم خ) في الجهاد (د) في الأدب (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر ما عز شيء إلا وهان فلا أصل له كما قال السخاوي وما ذكره في معناه
_________
(1) وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإرشاد إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وعظمته في صدور أصحابه(2/447)
2266 - (إن حقا على المؤمنين أن يتوجع) أي يتألم (بعضهم لبعض) مما ناله بنحو مصيبة (كما يألم الجسد الرأس) أي كما يألم وجع الجسد الرأس فإن الرأس إذا اشتكى اشتكى البدن كله بالحمى وغيرها فكذلك المؤمنون حقا إذا اشتكى بعضهم حق لهم التألم لأجله كلهم فالمؤمنون بأجمعهم جسد واحد كإنسان أحد اشتكى بعضه فتداعى كله فكذا المؤمن إذا أصيب أخوه بمصيبة فكأنه أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبت أخوة الإيمان بينه وبينهم فإنه تعالى قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء وبالمعجمة المدني من حلفاء الأوس وأبوه من سبي بني قريظة (مرسلا) أي هو تابعي أرسل عن أبي ذر الغفاري وأبي هريرة وعائشة وابن الأرقم وغيرهم قال في الكاشف ثقة حجة(2/447)
[ص:448] 2267 - (إن حوضي من عدن) بفتحتين بلد باليمن مشتق من عدن بالمكان أقام (إلى عمان) بفتح العين وشد الميم مدينة قديمة من أرض الشام (البلقاء) أي بالبلقاء بضم وتخفيف موضع عند البحرين وفي رواية بدل هذا من أيلة إلى عدن وفي أخرى ما بين أذرح وجرباء وفي رواية ما بين الكعبة وبيت المقدس (ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) لم يقل من السكر لأنهم لم يكونوا يعرفونه ولا كان ببلادهم مع ما تميز به العسل من المنافع التي لا تكاد تحصى (أكواب) جمع كوب بالضم الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له (عدد النجوم) أي نجوم السماء (من يشرب منه شربة لم يظمأ (1) بعدها أبدا) قال القرطبي: ظاهره أن الشرب منه بعد الحساب والنجاة من الأهوال إذ من وصل لمحل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعاد للحساب أو يذوق نكال العذاب فالقول به أوهى من السراب (أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا) أي المغبرة رؤوسهم (الدنس ثيابا) أي الوسخة أثوابهم (الذين لا ينكحون) النساء (المتنعمات) بمثناة فنون فعين مهملة شديدة وفي رواية المنعمات بنون فعين مشددة وما ذكره من أن لفظ الحديث المتنعمات أو المنعمات هو ما في نسخ لا تحصى لكن رأيت في نسخة المصنف بخطه المتنعمات والظاهر أنه سبق قلم (ولا تفتح لهم السدد) جمع سدة وهي كالظلة على الباب لوقاية نحو مطر أو الباب نفسه أو الساحة أمامه أو الصفة أو السقيفة وأيا ما كان فالمراد لا يؤذن لهم في الدخول على الكبراء ولا يؤهلون لمجالسة نحو الأمراء (الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون) بضم أوله بضبط المصنف (الذي لهم) أي الحق الذي لهم لضعفهم وإزراء الناس بهم واحتقارهم لهم <تنبيه> في فروع الحنابلة أن في قوله ماؤه أشد بياضا من اللبن دليل على خلاف ما عليه قوم أن الماء لا لون له ذكره ابن هبيرة <تنبيه> قال القرطبي: أخذا من كلام حجة الإسلام ظن بعضهم أن التحديد أن في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف وليس كذلك وإنما تحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبا لكل قوم بما يعرفه من مسافات مواضعها فقال لأهل الشام ما بين أذرح وجرباء لأهل اليمن من عدن إلى عمان وهكذا وتارة يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر والمعنى المراد أنه حوض كبير متسع الأرجاء والزوايا فكان ذلك يحسب من حضره ممن يعرف ذلك الجهات وليس الحوض على وجه هذه الأرض بل وجوده في الأرض المبدلة على مسافة هذه الأقطار وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد
(حم ت هـ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر ابن عبد العزيز أبا سلام الحبشي على البريد حتى شافهه بهذا الحديث فقال عمر رضي الله عنه لكني نكحت المنعمات وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي على جسدي حتى يتسخ
_________
(1) الظمأ مهموز العطش قيل إن الشرب منه يكون بعد الحساب إلخ وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له بالسلامة من النار ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالعطش بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرا والعياذ بالله(2/448)
2268 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة) أي يترصدون دخول [ص:449] الأوقات بها (لذكر الله) أي لأجل ذكره (تعالى) من الأذان للصلاة ثم لإقامتها ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة وقال في البرهان في المراعاة أمور ظاهرة وأمور باطنة أما الظاهرة فالرؤية بحاسة البصر في الطلوع والتوسط والغروب والحركة فإذا تأمله المتأمل ذكر الله وسبحه ومجده بتحقيق سيما إذا أطلعه الله على أسرار نتائجها وأفعالها ومن اشتغل عنها مما يدل على أحكام القدرة الأزلية في المصنوعات المترتبة على الأسباب وعن علي أن رجلا أتاه فقال أريد الخروج لتجارة وكان في محاق الشهر فقال تريد أن يمحق الله تجارتك استقبل الشهر بالخروج
(طب ك) في الإيمان (عن ابن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال الطبراني موثقون وقال المنذري رواه ابن شاهين وقال تفرد به ابن عيينة عن مسعود وهو حديث غريب صحيح(2/448)
2269 - (إن خيار عباد الله) أي من خيارهم (الموفون) لله بما عاهدوه (المطيبون) بالبناء للمفعول أي القوم الذين غمسوا أيديهم في الطيب وتحالفوا عليه وذلك أن بني هاشم وزهرة وتميم اجتمعوا في الجاهلية في دار ابن جدعان وغمسوا أيديهم في الطيب وتعاهدوا وتعاقدوا على إغاثة الملهوف ونصر المظلوم وحضر ذلك معهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو حين ذاك طفل فوفوا بما عاهدوا الله عليه فأثنى في هذا الخبر عليهم بإخباره بأنهم من خيار الخلق الموفين بالعهود والظاهر أنهم أدركوا البعثة وأسلموا ويحتمل أنه أراد بالمطيبين هنا من جرى على منهجهم من أمنه في الوفاء بالعهود
(طب حل عن أبي حميد الساعدي حم عن عائشة)(2/449)
2270 - (إن خياركم) أي من خياركم (أحسنكم قضاء) للدين أي الذين يدفعون أكثر مما عليهم ولم يمطلوا رب الدين ويوفوا به مع اليسار ومفهومه أن الذي يمطل ليس من الخيار وهو ظاهر لأن المطل للغني ظلم محرم بل هو كبيرة إن تكرر بل قال بعضهم وإن لم يتكرر وقوله قضاء تمييز وأحسنكم خبر خياركم واستشكاله بأن المبتدأ بلفظ الجمع والخبر بالإفراد مع أن التطابق بينهما واجب مجاب باحتمال كونه مفردا بمعنى المختار وبأن أفعل التفضيل المضاف المقصود به الزيادة ويجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له والمراد الخيرية في المعاملات
(حم ن هـ عن أبي هريرة) قال كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فتقاضاه فقال أعطوه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفى الله بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خياركم فذكره(2/449)
2271 - (إن ربك) تعالى (ليعجب) من العجب ومعناه الحقيقي مستحيل عليه تقدس وتعالى كما سبق فيؤول كما يليق بالمقام (من عبده إذا قال) في دعائه (رب اغفر لي ذنوبي) فيقول الله تعالى قال عبدي ذلك (وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) أي فإذا دعاني وهو يعتقد ذلك غفرت له ولا أبالي ووجه التعجب هنا أن المؤمن أعرض عن الأسباب مع قربها منه وقصر نظر عين بصيرته على سببها وجاهد النفس والشيطان في استدعائهما من طلب الغفران من الأوثان فالعجب من صبره مع ضعفه على محاربة الأعداء حتى لم يشرك بعبادة ربه أحدا
(د) في الجهاد (ت) في الدعوات (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي حسن صحيح وظاهر صنيع المصنف أن ذينك تفردا بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي أيضا(2/449)
[ص:450] 2272 - (إن رجالا يتخوضون) بمعجمتين من الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التصرف في الشيء أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين من نحو فيء وغنيمة (بغير) قسمة بل بالباطل بلا تأويل صحيح واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بقسمة أو غيرها لكن تخصيصه بالقسمة هو ما دلت عليه أخبار أخر (فلهم النار) أي نار جهنم (يوم القيامة (1)) خبر إن محذوف وأدخل الفاء لأن اسمها نكرة موصوفة بالفعل وفيه ردع للولاة أن يتصرفوا في بيت المال بغير حق قال الراغب: الخوض الشروع في الماء والحدور فيه ويستعار في الأمور وأكثر ما ورد فيما يذم شرعا بنحو {ذرهم في خوضهم يلعبون} اه وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي يبطل مع المبطلين
(خ) في الخمس (عن خولة) الأنصارية زوجة حمزة ابن عبد المطلب أو غيرها وليس لها في البخاري إلا هذا الحديث ولم يخرجه مسلم
_________
(1) فيه إشعار بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي(2/450)
2273 - (إن روح القدس) أي الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام سمي به لأنه يأتي بما فيه حياة القلب فإنه المتولي لإنزال الكتب الإلهية التي بها تحيا الأرواح الربانية والقلوب الجسمانية فهو كالمبدأ لحياة القلب كما أن الروح مبدأ لحياة الجسد وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة من العيوب وخص بذلك وإن كانت جميع الملائكة كذلك لأن روحانيته أتم وأكمل ذكره الإمام الرازي قال وإطلاق الروح عليه مجاز لأن الروح هو المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه وجبريل عليه السلام لا كذلك فتسميته بالروح على منهج التشبيه من حيث أن الروح كما أنه سبب لحياة الإنسان فجبريل سبب لحياة القلوب بالعلوم والمعارف وقال الحرالي: الروح لمحة من لمحات الله وأمر الله قيومته في كليته خلقا وملكوتا فما هو قوام الخلق كله هو الإله الحق وما هو قوام صوره من جملة الخلق هو الروح الذي هو لمحة من ذلك الأمر ولقيام عالم الملكوت وخصوصا حملة العرش بعالم الملكوت وخصوصا أمر الدين الباقي سماهم الله روحا ومن أخصهم روح القدس والقدس الطهارة العلمية الدائمة التي لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن (نفث) بفاء ومثلثة تفل بغير ريق (في روعي) بضم الراء أي ألقى الوحي في خلدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه ولا أراه والنفث ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين أما الروع بفتح فهو الفزع لا دخل له هنا (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد (وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال إن قسم فلا تعجل وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبدا بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله (1) فإن الله تعالى لا ينال عنده) من الرزق [ص:451] وغيره (إلا بطاعته) قال الطيبي رحمه الله: والاستبطاء يعني الإبطاء والسير للمبالغة وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد (2) لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام فقوله ما عنده إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام وقوله أن يطلبه بمعصية إشارة إلى ما عند الله إذا طلب بمعصية سمي حراما وقوله إلا بطاعته إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقا والكل من عند الله تعالى خلافا للمعتزلة روي أنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} قالت الملائكة هلكت بنو آدم أغضبوا الرب حتى أقسم لهم على أرزاقهم قال الرافعي رحمه الله: واحتج به الشافعي رضي الله عنه على أن من الوحي ما يتلى قرآنا ومنه غيره كما هنا وله نظائر انتهى ثم إن النفث المذكور هو أحد أنواع الوحي فإنه ستة أنواع أحدها كان يأتيه كصلصلة الجرس وهو أشد جاءه مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقل على زيد حتى كاد يرض فخذه الثاني يتمثل له الملك رجلا فيكلمه الثالث النومية الرابع الإلقاء في القلب الخامس يأتيه جبريل عليه السلام في صورته الأصلية له ست مئة جناح تسد الأفق السادس يكلمه الله تعالى كما كلمه ليلة الإسراء وهو أسمى درجاته <تنبيه> جعلهم نفخ الروح في الروع من أقسام الوحي يؤذن باختصاصه بالأنبياء لكن صرح العارف ابن عربي رضي الله عنه بأنه يقع للأولياء أيضا وعبارته العلوم ثلاث مراتب علم العقل وهو كل علم يحصل ضرورة أو عقب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل الثاني علم الأحوال ولا سبيل له إلا بالرزق فلا يمكن عاقل وجدانه ولا إقامة دليل معرفة كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والوجد والشوق فهذه علوم لا يعلمها إلا من يتصف بها ويذوقها الثالث علم الأسرار وهو فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع ويختص به النبي والولي وهو نوعان والعالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها وليس أصحاب تلك العلوم كذلك انتهى
(حل عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه أيضا الطبراني ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم عن ابن مسعود ورواه البيهقي في المدخل وقال منقطع
_________
(1) أي على طلبه بمعصيته فلا يطلبوه بها وإن أبطأ عليكم وهذا وارد مورد الحث على الطاعة والتنفير من المعصية فليس مفهومه مرادا
(2) فائدة: ذكر المقريزي أن بعض الثقات أخبره أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهما منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا فسقطت فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر وكسروها فوجدوها سالمة من السوس كأنها كما حصدت فأكل كل منهم قطعة فكانت ادخرت لها من زمن فرعون فإن حائط العجوز بنيت عقب غرقه فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها(2/450)
2274 - (إن روحي المؤمنين) تثنية مؤمن (تلتقي (1)) كذا هو بخط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني ليلتقيان (على مسيرة يوم وليلة) أي على مسافتها (وما رأى) والحال أنه ما رأى (واحد منهما وجه صاحبه) في الدنيا أي ذاته فإن الأرواح إذا خلصت من كدورات النفس وخلعت ملابس اللذات والشهوات وترحلت إلى ما منه بدت وانفكت من هذه القيود بالموت تصير ذات سطوع في الجو فتجول وتحول إلى حيث شاءت على أقدارهم من السعي إلى الله أيام الحياة فإذا تردت هكذا سمعت وأبصرت أحوال الدنيا والملائكة فإذا ورد عليهم خبر ميت من الأحياء تلقاه من بينه وبينه تعارف بالمناسبة وإن لم يره في الدنيا في ذلك الفضاء على تلك المسافات وأكثر وتحدث معه وسأله عن الأخبار فسبحان الواحد القهار قال في علم الهدى: الاجتماع في عالم الأرواح أبلغ بلا نهاية له من الاجتماع في عالم الأجسام وخرج بالمؤمنين الكافران لأنهما مشغولان بالعذاب بل جعل ابن القيم الكلام في الأرواح المنعمة قال أما المعذبة ولو من المؤمنين فهم في شغل بما هم فيه عن التلافي فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة هي التي تتلاقى وتزاور وتتذكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا ويكون كل ذي روح مع رفيقها الذي على مثل عملها. [ص:452]
(خد طب عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي ورجاله وثقوا على ضعف فيهم اه. وأقول فيه ابن لهيعة وفيه ضعف ودراج قال الذهبي ضعفه أبو حاتم وقال أحمد أحاديثه مناكير
_________
(1) أي كل منهما بعد الموت بالأخرى(2/451)
2275 - (إن زاهرا) بن حرام بالفتح والراء كان بدويا من أشجع الناس لا يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية (باديتنا) أي ساكن باديتنا أو يهدي إلينا من صنوف نبات البادية وأنواع ثمارها فصار كأنه باديتنا أو إذا تذكرنا البادية سكن قلبنا بمشاهدته أو إذا احتجنا متاع البادية جاء به إلينا فأغنانا عن الرحيل أو هو من إطلاق اسم المحل على الحال أو تأوه للمبالغة وأصله باديتنا ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك (ونحن حاضروه) أي نجهزه بما يحتاجه من الحاضرة أو أنه لا يقصد بالرجوع إلى الحاضرة إلا مخالطتنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان ذميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال أرسلني من هذا فعرفه فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدره وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال إذن يا رسول الله تجدني كاسدا قال لكنك عند الله لست كاسدا
(البغوي) في المعجم (عن أنس) ورواه عنه أيضا الترمذي وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح اه. فما أوهمه عدول المصنف للبغوي واقتصاره عليه من عدم وجوده لأحد من المشاهير الكبار غير صواب(2/452)
2276 - (إن ساقي القوم) ماء أو لبنا وألحق بهما ما يفرق على جمع كلحم وفاكهة ومشموم (آخرهم شربا) وتناولا لما ذكر أي تأخيره الشرب إلى أن يستوعبهم بالسقي أبلغ في الأدب وأدخل في مكارم الأخلاق وحسن العشرة وجميل المصاحبة وهذا قاله لما عطشوا في سفر فدعا بماء قليل فجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة اشرب فقال لا أشرب حتى تشرب فذكره
(حم م عن أبي قتادة) الأنصاري(2/452)
2277 - (إن سبحان الله) أي قول سبحان الله بإخلاص وحضور ذهن وهكذا في الباقي (والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض) أي تسقط (الخطايا) عن قائلها (كما تنفض) تسقط (الشجرة ورقها) عند إقبال التناسل به تحقيقا لمحو جميع الخطايا وسيجيء ما يعلم به أن المراد بهذا وما أشبهه الصغائر لا الكبائر والنفض كما في الصحاح وغيره تحريك الثوب ونحوه ليزول عنه الغبار ونفض الورق من الشجر حركه ليسقط واستعمال النفض هنا مجاز قال الزمخشري: من المجاز نفضته الحمى وانتفض من الرعدة وانفض القوم فني زادهم وثوب نافض قد ذهب صبغه ونفض من مرضه نفوضا برىء منه
(حم خذ عن أنس) بن مالك(2/452)
2278 - (إن سعدا) أي ابن معاذ سيد الأنصار (ضغط) بالبناء للمفعول يضبط المصنف أي عصر وضيق عليه (في قبره) حين دفن (ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه) فاستجاب دعائي وروخى عنه كما في خبر آخر وإذا كان هذا لمعاذ زعيم الأنصار المقتول شهيدا بسهم وقع في أكحله في غزوة الخندق فما بالك بغيره؟ نسأل الله السلامة قال في الصحاح: ضغطه زحمه إلى حائط ونحوه ومنه ضغطة القبر بالفتح وأما الضغطة بالضم فالشدة والمشقة وقال الزمخشري: ضغط الشيء عصره وضيق عليه وأعوذ بالله من ضغطة القبر وضغطته إلى الحائط وغيره فانضغط وقال ومن المجاز فعل ذلك الأمر ضغطة قهرا واضطرارا
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب(2/452)
[ص:453] 2279 - (إن سورة من القرآن) أي من سوره والسورة الطائفة من القرآن كما سبق (ثلاثون) في رواية ما هي إلا ثلاثون (آية شفعت لرجل) أي فيه وقد كان لازم على قراءتها فما زالت تسأل الله فيه وفي رواية بدل لرجل لصاحبها (حتى غفر له) حتى أخرجته من النار (وهي) سورة (تبارك) تعالى عن كل النقائص (الذي بيده) بقبضته قدرته (الملك) أي التصرف في كل الأمور وفي الإبهام أولا ثم البيان بقوله وهي تبارك نوع تفخيم وتعظيم لشأنها إذ لو قيل إن سورة تبارك شفعت إلخ لم تكن بهذه المثابة والتنكير في رجل للإفراد أي شفعت لرجل من الرجال ولو ذهب إلى أن شفعت بمعنى تشفع كما في {ونادى أصحاب الجنة} لكان له اتجاه وهذا حث لكل أحد على مواظبة قراءتها لينال شفاعتها ثم إثبات الشفاعة للقرآن إما على الحقيقة أو على الاستعارة والأول هو ما عليه أهل الحقيقة فقد قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلمون وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا وعالم الحروف أفصح العالم لسانا وأوضحه بيانا وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف في العرف إلى هنا كلامه وهذا الحديث احتج به من ذهب إلى أن البسملة ليست آية من القرآن لإجماع القراء على أنها ثلاثون آية غير البسملة وأجيب بأن المراد ما بعد البسملة لأنها غير مختصة بهذه السورة وباحتمال أن يكون ذلك قبل نزول البسملة وبأن راوي الخبر أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله
(حم عد حب ك عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وورد في فضل هذه السورة أحاديث صالحة للاحتجاج حتى في غير الفضائل منها ما رواه ابن حجر رحمه الله في أماليه عن عكرمة وقال حسن غريب قال لرجل ألا أطرفك بحديث تفرح به اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وولدك وجيران بيتك فإنها المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها وتطلب إليه أن تنجيه من النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر قال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي قال الحافظ حسن غريب وظاهر سياقه وقفه لكن آخره يشعر برفعه(2/453)
2280 - (إن سياحة) بمثناة تحتية (أمتي) ليست هي مفارقة الوطن وهجر المألوفات وترك اللذة والجمعة والجماعات والذهاب في الأرض والانقطاع عن النساء وترك النكاح للتخلي للعبادة بل هي (الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الجبار وهذا وقع جوابا لسائل شجاع باسل استأذن في السياحة في زمن تعين فيه الجهاد أما السياحة لغير من ذكر في غير ما زبر في الفلوات والانسلاخ عن رعونات النفس وتجرع فرقة الوطن والأهل والغربة لمن يصير على ذلك محتسبا قاطعا من قبله العلائق الشاغلة من غير تضييع من يعوله ففضلها لا ينكر فتدبره
(د ك هب) عن أبي أمامة قال قال رجل يا رسول الله ائذن لي في السياحة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال النووي رحمه الله في رياضه ثم العراقي إسناده جيد(2/453)
2281 - (إن شرار أمتي) أي من شرارهم (أجرؤهم على صحابتي) أي من شرارهم من يتجرأ عليهم ويذكرهم بما لا يليق بعلي منصبهم ويطلق لسانه بذمهم أو الطعن فيهم فإن ذلك حرام شديد التحريم فالجرأة عليهم علامة على كون المجترىء من الأشرار والتأدب معهم علامة على كون فاعله من الأخيار قالوا والحق تعظيم جمع الصحب والكف عن الطعن فيهم سيما المهاجرين والأنصار لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم وتوقف على المرتضى عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كان لحزنه عن نصرة عثمان لعدم رضاه وعن قبول [ص:454] بيعته لإعظام الحادثة وعن قصاص القتلى لشركتهم أو لأنه رأى عدم مؤاخذة البغاة لما أتلفوا من الدم والمال وتوقف الجماعة عن الخروج معه إلى الحروب كان لاجتهاد منهم وعدم إلزام منه لا لنزاع في إمامته والمصيب في حرب الجمل والخوارج علي والمخالفون بغاة لا كفرة ولا فسقة لما لهم من الشبهة
(عد عن عائشة) أم المؤمنين بسند ضعيف(2/453)
2282 - (إن شر الرعاء) بالكسر والمد جمع راع والمراد هنا (الأمراء الحطمة) كلمزه الذي يظلم رعيته ولا يرحمهم من الحطم الكسر يقال راع حطمة إذا كان قليل الرحمة للماشية وهذا من أمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم استعار للوالي الرعي وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم وقيل هو الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه فإن من هذا دأبه يكون دين النفس ظالما بالطبع شديد الطمع فيما في أيدي الناس (1)
(حم م) في المناقب (عن عائذ) بعين مهملة ومثناة تحتية وذال معجمة (ابن عمير) تصغير عمر ممن شهد بيعة الرضوان وكان من صالحي الصحب دخل على ابن زياد قال أي بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ثم قال إياك أن تكون منهم فقال اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل لهم نخالة إنما النخالة من بعدهم
_________
(1) وقيل هو العنيف الذي لا رفق عنده وفي النهاية هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد(2/454)
2283 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس شره) فإن قيل الناس عام في قوله إن شر الناس فيلزم كون المسلم الذي يخاف شره أدنى منزلة من الكافر فالجواب أن من في قوله من يخاف عام يتناول المسلم والكافر لأن الكفار كلهم أعداء يتقى شرهم فالمسلم الذي يخاف شره مشارك للكافر في كونه شر الناس غايته أن الكافر أشد شرا كما يقال أحسن الأشياء العلم مع أن بعض أفراده كالشرعي أحسن فالمراد من قوله شر الناس أي من شرهم فحذفت من وهي مرادة كذا قرره الأكمل وأولى منه قول ابن الكمال أن الكافر خارج عن حيز الخير بالكلية بقوله عند الله فإنه بمعزل عن الدنو منه بالكلية على ما وقع الإفصاح عنه في الخبر المار بقوله إن الله يدني المؤمن إلخ انتهى وعليه فلا حاجة لتقدير ولا إضمار
(طس عن أنس) بن مالك أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه شرا فرحب به فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال الهيثمي فيه ابن مطر ضعيف جدا انتهى وفي الميزان عثمان هذا ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها(2/454)
2284 - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه) أي لأجل قبح فعله وقوله أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا أو فعلا وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا بنحو رفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع فما كل حال يعذر ولا كل ذنب يغفر:
ووضع الندا في موضع السيف بالعدا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندا
<تنبيه> قال بعضهم أخذ من هذا الخبر وما قبله أن ملازمة الرجل الشر والفحش حتى يخشاه الناس اتقاء لشره من الكبائر
(ق د) ثلاثتهم في الأدب (ت) في البر كلهم (عن عائشة) رضي الله عنها قالت استأذن رجل أي وهو عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس [ص:455] انبسط له فلما انطلق سألته عائشة فذكره(2/454)
2285 - (إن شهابا اسم شيطان) يحتمل إبليس ويحتمل غيره أي فلا ينبغي التسمي به قال ابن القيم: فيكره التسمي بأسماء الشياطين لذلك وسيجيء لها مزيد تقرير فيما بعد إن شاء الله تعالى والشهاب كما في الصحاح وغيره شعبة من النار ساطعة فهو اسم مناسب لمسماه (1)
(هب عن عائشة) رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقال له شهاب قال بلى أنت هشام ثم ذكره
_________
(1) ونهى عن التسمي بالحباب وقال إنه اسم شيطان فيكره التسمي بأسماء الشياطين وفي ابن أبي شيبة عن مجاهد عطس رجل عند ابن عمر فقال أشهب قال له أشهب شيطان وضعه إبليس بين العطسة والحمدلة(2/455)
2286 - (إن شهداء البحر) أي من مات بسبب قتال الكفار فيه (أفضل عند الله من شهداء البر) أي أكثر ثوابا وأرفع درجة عنده منهم لأن راكب البحر يتعرض للهلاك من وجهين قتال الكفار والغرق فهو على النفس أشق ولم يكن العرب تألفه بل ولا تعرفه فحثهم عليه وبين لهم أفضليته على ما ألفوه لما فيه من المشقة وبما تقرر علم أنه ليس المراد بشهيد البحر الغريق لأن شهيد المعركة أفضل اتفاقا واحتج به من فضل غزو البحر على البر قال ابن عبد البر: ولا تقوم به حجة لضعفه قال الراغب: والبحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير اه وفي الكشاف ما محصوله أنه حيث أطلق إنما يراد به المالح اه لكن الظاهر أن المراد في الحديث ما يشمل الأنهار العظام كالنيل
(طب عن سعيد بن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون قال الهيثمي وفيه من لم أعرفهم(2/455)
2287 - (إن شهر رمضان معلق بين السماء والأرض) أي صومه كما في الفردوس (لا يرفع إلى الله تعالى رفع قبول إلا) مصحوبا (بزكاة الفطر) أي بإخراجها فقبوله والإثابة عليه متوقفة على إخراجها على ما اقتضاه ظاهر اللفظ ويحتمل أن المراد لا يرفع رفعا تاما مرضيا بل بعضا منه ويثاب عليه ثوابا لا يبلغ ثواب من أدى زكاة الفطر بل يكون دونه في الجزالة
(ابن صصري) قاضي القضاة (في أماليه) الحديثية (عن جرير) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جرير المذكور وفيه ضعف(2/455)
2288 - (إن صاحب السلطان) أي ذا السلطان وهو الوالي والمراد المصاحب له المدخل في الأمور (على باب عنت) أي واقف على باب خط شاق يؤدي إلى الهلاك قال في الصحاح: العنت الوقوع في أمر شاق وذلك لأن صحبته تحوج إلى مراعاته ومراءاته ومداهنته والثناء عليه بما هو مرتكبه (إلا من عصم الله) أي حفظه ووقاه فمن أراد السلامة لدينه فليتجنب الأمراء أو فليتجنب قربهم ويفر منهم كما يفر من الأسد (1) لكن لا ينبغي احتقار السلطان ولو ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال سهل رضي الله عنه من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق من دعاه يجبه فهو مبتدع ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل يريد الباطل
(البارودي) بفتح الموحدة وسكون الراء وآخره دال مهملة نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها أيبورد كما مر (عن حميد) هو في الصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه
_________
(1) ومن ثم قيل مخالط السلطان ملاعب الثعبان(2/455)
[ص:456] 2289 - (إن صاحب الدين) بفتح الدال (له سلطان) أي سلاطة ونفاذ حكم على صاحبه) أي المديون الموسر من السفر
(د عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال: جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم بعض الكلام فهم أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه ثم ذكره(2/456)
2290 - (إن صاحب المكس في النار) يعني العاشر الذي يأخذ المكس من قبل السلطان يكون يوم القيامة في نار جهنم أي مخلدا فيها إن استحله لأنه كافر وإلا فيعذب فيها مع عصاة المؤمنين ما شاء الله ثم يخرج ويدخل الجنة وقد يعفى عنه ابتداء
(حم طب) من حديث أبي الخير عن رويفع بالفاء (بن ثابت) ابن السكن بن عدي ابن حارثة الأنصاري المدني صحابي سكن مصر وولى أمرة برقة قال أبو الخير عرض مسلمة بن مخلد وكان أميرا على مصر على رويفع أن يوليه العشور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وفيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف(2/456)
2291 - (إن صاحب الشمال) وهو كاتب السيئات (ليرفع القلم) ست ساعات يحتمل أن المراد الفلكية ويحتمل غيرها (عن العبد المسلم المخطىء) فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها بل يمهله (فإن ندم) على فعله المعصية واستغفر الله منها أي طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة (ألقاها) أي طرحها فلم يكتبها (وإلا) أي وإن لم يندم ويستغفر (كتبت) بالبناء للمفعول يعني كتبها كاتب الشمال (واحدة) أي خطيئة واحدة بخلاف الحسنة فإنها تكتب عشرا {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} وهذه إحدى روايات الطبراني ولفظ الرواية الأخرى ستجيء في حرف الصاد وفي أثر نقله الغزالي ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به وسقفه من السماء أن يسقط عليه كسفا فيقول لهما الله كفا عنه وأمهلاه فإنكما لم تخلقاه ولو خلقتماه لرحمتماه فأغفر له لعله يعمل صالحا فأبدله حسنات فذلك معنى قوله تعالى {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا}
(طب عن أبي أمامة) قاله الهيثمي رواه الطبراني بأسانيد أحدها رجاله وثقوا(2/456)
2292 - (إن صاحبي الصور) هما الملكان الموكلان به قال ابن حجر: اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام ونقل الحلبي فيه الإجماع فلعله ميز على الآخر فلذلك أفرد بالذكر فتلك لرواية وإن كانا إثنين (بأيديهما قرنان) تثنية قرن بالتحريك ما ينفخ فيه والمراد بيد كل واحد منهما قرن (يلاحظان النظر متى يؤمران) بالنفخ فيهما من قبل الله تعالى أي هما متوقعان بروز الأمر بالنفخ في كل وقت متأهبان مستعدان لذلك (1) واللحاظ النظر بمؤخر العين
(هـ عن أبي سعيد) الخدري وفيه عباد بن عوام قال في الكاشف قال أحمد حديثه عن ابن أبي عروبة مضطرب
_________
(1) أي لعلمهما بقرب الساعة قال الشيخ بعد كلام وفي أبي الشيخ عن وهب خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة وفي أبي داود والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم أن أعربيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال قرن ينفخ فيه ولفظ الطبرني كيف أنتم وصاحب الصور قد التقمه ينتظر متى يؤمر وفي رواية قد التقم القرن إلخ ثم قال للعرش خذ الصور فأخذه وفيه ثقب بعدد روح كل مخلوق ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسطه لؤلؤة كاستدارة السماء والأرض وإسرافيل واضع فمه على تلك الؤلؤة(2/456)
2293 - (إن صدقة السر تطفىء غضب الرب) فهي أفضل من صدقة العلن {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} وفائدة [ص:457] الإخفاء الخلوص من آفة الرياء والسمعة وقد بالغ في قصد الإخفاء جمع حتى اجنهد أن لا يعرف القابض من المعطي توسلا إلى إطفاء غضب الرب (وإن صلة الرحم) أي الإحسان إلى القرابة (تزيد من العمر) أي هي سبب لزيادة البركة فيه (وإن صانع المعروف) جمع صنيعة وهي كما في المصباح وغيره ما اصطنعته من خير (تقي مصارع السوء) أن تحفظ منها (وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها) أي قائل كلمة الشهادة وكان القياس قائله لأن الضمير فيه للقول لكن أنثه باعتبار الشهادة أو الكلمة (تسعة وتسعين) بتقديم التاء على السين فيهما (بابا) يعني نوعا (من البلاء) أي الإمتحان والإفتتان (أدناها) أي أقل تلك الأنواع (الهم) فالمداومة عليها تزيل الهم والغم وتملأ القلب سرورا وانشراحا وفرحا وانبساطا والظاهر أن المراد بالتسعة وتسعين التكثير لا التحديد على منوال ما مر غير مرة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه الطبراني في الأوسط عن معاوية بن حيدة بسند ضعيف(2/456)
2294 - (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته) بضم الخاء طول صلاته بالنسبة إلى قصر خطبته فليس المراد طولها في نفسها بحيث يشق على المقتدين فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالتخفيف (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفعلة بنيت من إن المكسورة المشددة فإنها لشدة مشابهتها الفعل لفظا ومعنى أجريت مجراه في بناء الكلمة منها ومن أغرب ما قيل فيها إن الهمزة بدل من ظاء المظنة وميمها في ذلك كلمة زائدة وقيل أصلية (من فقهه) أي علامة يتحقق فيها فقهه وحقيقتها مكان لقول القائل إنه فقيه (فأطيلوا) أيها الأمة (الصلاة) أي صلاة الجمعة (وأقصروا الخطبة) ندبا لأن الصلاة أصل مقصود بالذات والخطبة فرع عليها وتوطئة ومقدمة لها ومن القضايا الفقهية إيثار الأصل على الفرع بالزيادة والفضل (وإن من البيان لسحرا) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان والمراد بطول صلاة الجمعة أنها أطول من خطبتها وإلا فهي قصيرة كخطبتها لخبر مسلم كانت صلاته قصدا وخطبته قصدا أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق وقصد كل شيء تحسينه وقصر الخطبة مندوب وأوجبه الظاهرية قال ابن حزم شاهدت خطيب قرية أطال الخطبة فأخبرني بعض الوجوه أنه بال في ثيابه إذ لم يمكنه الخروج من المقصورة. (1)
(حم م) في الجمعة من حديث أبي وائل (عن عمار بن ياسر) قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان أوجزت وأبلغت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرج البخاري إلا قوله إن من البيان لسحرا
_________
(1) [وحيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث 5010: صل بصلاة أضعف القوم. . . فالسنة التقصير في الصلاة كذلك غير أن الخطبة تكون أقصر من الصلاة كما ورد هنا
وقد أخطأ من أطال الخطبة طارحا لنص السنة الصريح وعاملا برأيه وقد زاد في الخطأ من جعل مترجما إلى اللغة الأجنبية في بلاد المهجر فضاعف ذلك في طولها بالإضافة إلى تعداد الخطباء الذي يفسد الخطبة عند بعض المجتهدين. ومن المدهش أنه عندما روجع أولئك أجابوا أنه للضرورة؟ وما ذلك إلا جهل بليغ إذ أن السنة في تقصير الصلاة والخطبة هي أصلا بسبب الضرورة ولرفع الحرج كما علله صلى الله عليه وسلم في الحديث 490: إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة. وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. متفق عليه. وورد مثله في الحديث الصحيح 3244. وليس بعد كلام رسول الله كلام
وقد وجد أن مثل تلك الجمع لا تنتهي مع صلاتها إلا قبيل أذان العصر بدقائق مما يزيد في المخالفة. فهلا وسعتنا السنة فقصرنا الخطبة وعينا خطيبا واحدا يجيد اللغتين؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. دار الحديث](2/457)
2295 - (إن عامة عذاب القبر) يعني معظمه وأكثره (من البول) أي من التقصير في التحرز عنه لأن التطهير منه مقدمة [ص:458] للصلاة التي هي أفضل الأعمال البدنية وأول ما يخاطب به في الدنيا بعد الإيمان وأول ما يحاسب عليه يوم القيامة والقبر أول درجات الآخرة وهو مقدمة لها فناسب أن يعد في مقدمة الآخرة على مقدمة الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه في الآخرة (فتنزهوا) تحرزوا أن يصيبكم وتنظفوا (منه) ما استطعتم بحيث لا تنتهوا إلى الوسواس المذموم (1) ومما شدد على الأمم السابقة أنه كان على أحدهم إذا أصاب البول بدنه أن بقرضه بمقراض والتنزه التباعد عن الشيء ومنه فلان يتنزه عن الأقذار أي يباعد نفسه منها قال الزمخشري: ومن المجاز رجل نزه ونزيه عن الريب وهو يتنزه عن المطامع
(ابن حميد والبزار) في مسنده (طب) وكلهم (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا قال الولي العراقي: وفي إسناده ضعف لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة من رواية حسرة حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول قلت كذبت قالت بلى أنه يقرض منه الجلد والثوب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا ما هذا فأخبرته فقال صدقت
_________
(1) فالاستبراء عقب البول مندوب وقيل واجب والقول بالوجوب محمول على ما إذا غلب على ظنه بقاء شيء(2/457)
2296 - (إن عدد درج الجنة عدد آي القرآن) جمع آية (فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن) أي جميعه (لم يكن فوقه أحد) وفي رواية يقال له اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها أي عند حفظك أو آخر تلاوتك لمحفوظك وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مئة درجة وأما خبر الجنة مئة درجة فيحتمل كون المئة من جملة الدرج وكونها نهاية هذه المئة وفي ضمن كل درجة درج دونها قالوا وهذه القراءة كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم عن لذاتهم بل هي كالمستلذ الأعظم ودون ذلك كل مستلذ
(ابن مردويه) في تفسيره (عن عائشة) رضي الله عنها(2/458)
2297 - (إن عدة الخلفاء) أي خلفائي الذين يقومون (من بعدي) بأمور الأمة (عدة نقباء بني إسرائيل) أي اثني عشر قال عياض: لعل المراد باثني عشر في هذا الخبر وما أشبهه أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت الفتن بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوهم قال الحافظ ابن حجر: هذا أحسن ما قيل هنا وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته والذين اجتمعوا عليه الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين بصفين فتسمى معاوية من يومئذ بالخلافة ثم اجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم علي ولده بزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قيل ذلك ثم لما مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بعد قتل ابن الزبير ثم أولاده الأربعة الوليد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بين سليمان ويزيد ابن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد اجتمعوا عليه بعد هشام ثم قاموا عليه فقتلوه فتغير الحال من يومئذ ولم يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية ولخروج المغرب عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسموا بالخلافة وانقرض الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا مجرد الاسم بعد فإنه كان يخطب لعبد الملك في جميع الأقطار شرقا وغربا يمينا وشمالا مما غلب عليه المسلمون وقيل المراد وجود اثني عشر [ص:459] خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا ويؤيده قوله في رواية كلهم يعمل بالهدى ودين الحق وعليه فالمراد بالإثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وضم بعضهم إليهم المهتدي العباسي لأنه منهم كعمر بن عبد العزيز في الأمويين والظاهر العباسي لما أوتي من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية ثم يلي الأمر بعده اثني عشر رجلا (1) ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم لكن هذه الرواية ضعيفة جدا وما ذكر من أن لفظ الحديث بني إسرائيل هو ما في نسخ لا يحصى فتبعتهم ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه موسى بدل بني إسرائيل
(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) عبد الله قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تملك هذه الأمة من خليفة فذكره
_________
(1) وحمله الشيعة والإمامية على الإثني عشر إماما علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضى ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه على النقي بالنون ثم ابنه حسن العسكري ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وأنه اختفى من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا كما ملئت جورا وأنه عندهم لا امتناع من طول حياته كعيسى والخضر وهذا كلام متهافت ساقط(2/458)
2298 - (إن أعظم الجزاء) أي كثرته (مع عظم البلاء) بكسر المهملة وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن بلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم (وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا وهو أعلم بحالهم قال لقمان لابنه يا بني الذهب والفضة يختبران بالنار والمؤمن يختبر بالبلاء (فمن رضي) قضاء بما ابتلى به (فله الرضى) من الله تعالى وجزيل الثواب (ومن سخط) أي كره قضاء ربه ولم يرضه (فله السخط (1)) منه تعالى وأليم العذاب {ومن يعمل سوءا يجز به} وقوله ومن رضي فله الرضى شرط وجزاءا فهم منه أن رضى الله تعالى مسبوق برضى العبد ومحال أن يرضى العبد عن الله إلا بعد رضى الله عنه كما قال {رضي الله عنهم ورضوا عنه} ومحال أن يحصل رضى الله ولا يحصل رضى العبد في الآخرة فعن الله الرضى أزلا وأبدا وفيه جنوح إلى كراهة اختيار الصحة على البلاء والعافية على السقم ولا ينافيه ما مر ويجيء من الأمر بسؤال العافية وأنها أفضل الدعاء لأنه إنما كرهه لأجل الجرائم واقتراف العظائم كيلا يلقوا ربهم غير مطهرين من دنس الذنوب فالأصلح لمن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهير بقدر التمحيص والأجر بقدر الصبر ذكره ابن جرير
(ت) في الزهد (هـ) في الفتن كلاهما من حديث سعد بن سنان (عن أنس) وقال الترمذي حسن غريب قال في المنار ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن سعد بن سنان قال البخاري فيه نظر ووهنه أحمد اه وقال الذهبي سعد هذا ليس بحجة
_________
(1) والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه(2/459)
2299 - (إن علما) مما شأنه الانتفاع به (لا ينتفع به) بالبناء للمفعول أي لا ينتفع به الناس أو لا ينتفع به صاحبه (ككنز لا ينفق منه في سبيل الله) في كون كل منهما وبالا على صاحبه لأن غير النافع حجة على صاحبه ولهذا استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث قال الزمخشري: ومن المجاز معه كنز من كنوز العلم قال زهير ومن يستبح كنزا من العلم يعظم ويقولون هذا كتاب مكتنز بالفوائد
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/459)
[ص:460] 2300 - (إن عمار) كزوار (بيوت الله) أي المحبين للمساجد بالذكر والتلاوة والاعتكاف ونحو ذلك من صنوف العبادات وزعم أن المراد بعمارتها بناؤها أو إصلاحها أو ترميما سبق ما ينازع فيه (هم أهل الله) أي خاصته وأحباؤه من خلقه الداخلين في حزبه {ألا إن حزب الله هم المفلحون} قال سيبويه: أهل الرجل هم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه
(عبد بن حميد ع طس هق) كلهم (عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد عزوه لأبي يعلى والبزار والطبراني فيه صالح بن بشير المري ضعيف في الحديث وهو رجل صالح وقال الهيثمي فيه صالح المري وهو ضعيف وأقول فيه عند البيهقي هاشم بن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عروبة كبر وتغير(2/460)
2301 - (إن عم الرجل صنو أبيه) أي أصله وأصله شيء واحد والصنو بكسر فسكون واجد الصنوين وهو نخلتان في أصل واحد وقيل الصنو المثل فاستعمل لفظ الصنو دون المثل رعاية للأدب وكيفما كان استعمال الصنو في العم من قبيل المجاز قال الزمخشري: من المجاز هو شقيقه وصنوه قال:
أتتركني وأنت أخي وصنوي. . . فيا للناس للأمر العجيب
وركبتان صنوان متقاربتان وتصغيره صني
(طب عن ابن مسعود) عبد الله وفي الباب عن عدة من الصحابة(2/460)
2302 - (إن غلاء أسعاركم) أي ارتفاع أثمان أقواتكم (ورخصها بيد الله) أي بإرادته وتصريفه يفعل ما يشاء من غلا ورخص وتوسيع وتقتير وخصب وجدب لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فلا أسعر ولا آمر بالتسعير بل أنهى عنه (إني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله) إذا توفاني (وليس لأحد منكم) أيها الأمة (قبلي) بكسر ففتح وزان عنب (مظلمة) بفتح الميم وكسر اللام (في مال ولا دم) وفي التسعير ظلم لرب المال لأنه تحجير عليه في ملكه فهو حرام في كل زمن فلا أفعله وهذا مذهب الشافعي ومع ذلك إن وقع من الإمام عذر مخالفه للافتيات قال في الصحاح وغيره والمظلمة بفتح اللام ما تطلبه عند الظالم وهي اسم ما أخذ منك
(طب عن أنس) بن مالك(2/460)
2303 - (إن غلظ جلد الكافر) أي ذرع ثخانته (اثنتين وأربعين ذراعا بذراع الجبار) قيل هو اسم ملك من الملائكة قال الإمام الرازي وغيره ربما أضيف الشيء إلى الله تعالى والمراد إضافته إلى بعض خواص عباده لأن الملك ينسب إليه ما يفعله خواصه على معنى التشريف لهم والتنويه بقدرهم (وإن ضرسه مثل أحد) أي مثل مقدار جبل أحد (وإن مجلسه) موضع مقعده (من جهنم) أي فيها (ما بين مكة والمدينة) أي مقدار ما بينهما من المسافة وسبق أن هذا مما تجول فيه الأفهام وأنه يجب علينا التسليم واعتقاد ما قاله الشارع وإن لم تدركه عقولنا القاصرة وليست أحوال الدنيا [ص:461] كأحوال الآخرة
(ت) في صفة جهنم (ك) في الأهوال (عن أبي هريرة) وقال الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(2/460)
2304 - (إن فضل عائشة) بنت الصديق الصديقة (على النساء) أي على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين في زمنها ومن أطلق نساءه ورد عليه خديجة وهي أفضل من عائشة رضي الله عنها على الصواب لتصريح المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ولخبر ابن أبي شيبة فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم وآسية وخديجة فإذا فضلت فاطمة فعائشة أولى ومن قول بنساء زمنها ورد عليه فاطمة وفي شأنها قال أبوها ما سمعت وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أحدا قال البعض وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة رضي الله عنها (كفضل الثريد) بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم (على سائر الطعام) من جنسه بلا ثريد لما في الثريد من نفعه وسهولة مساغه وتيسر تناوله وبلوغ الكفاية منه بسرعة واللذة والقوة وقلة المؤونة في المضغ فشبهت به لما أعطيت من حسن الخلق وعذوبة المنطق وجودة الذهن ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل وغير ذلك
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك (ن عن أبي موسى) الأشعري (عن عائشة) أم المؤمنين(2/461)
2305 - (إن فقراء المهاجرين) الذين هاجروا من أرض الكفر إلى غيرها فرارا بدينهم (يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة) أي إلى دخولها لعدم فضول الأموال التي يحاسبون على مخارجها ومصارفها (بأربعين خريفا) أي سنة وهذا لا تعارض بينه وبين قوله في الخبر الآتي خمس مئة سنة لاختلاف مدة السبق باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء فمنهم سابق بأربعين ومنهم بخمس مئة كما يتفاوت مكث عصاة الموحدين في النار باختلاف جرائمهم وهذا كما ترى أعم واقعد من فرق البعض بأن الفقير الحريص يتقدم على الغني بأربعين سنة والزاهد بخمس مئة سنة أو أراد بالأربعين التكثير لا التحديد وأن خبر الخمس مئة متأخر ويكون الشارع زاد في زمن سبق الدخول ترغيبا في الصبر على الفقر لكن ينبغي أن تعلم أن سبق الدخول لا يستلزم رفع المنزلة فقد يكون بعض المتأخرين أرفع درجة من السابقين يرشد إليه أن ممن يحاسب أفضل من السبعين ألفا الداخلين بغير حساب فالمزية مزيتان مزية سبق ومزية رفعة وقد يجتمعان وينفردان ويحصل لواحد السبق والرفعة ويعدمها آخر ويحصل لآخر واحد فقط بحسب المقتضي
(م) في الزهد من حديث عبد الرحمن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الجيلي: جاء ثلاثة نفر إلى ابن عمرو فقالوا له والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لكم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره(2/461)
2306 - (إن فقراء المهاجرين) في رواية فقراء المؤمنين وهي أعم (يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار خمس مئة سنة) ويدخل فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالقدر المذكور ذكره القرطبي ثم الأغنياء إن أحسنوا في فضول أموالهم كانوا بعد الدخول أرفع درجة من كثير من الفقراء كما تقرر والمراد في هذا وما قبله من لا فضل له عما وجب عليه من نفقته ونفقة ممونه على الوجه اللائق وإن لم يكن من أهل الزكاة ولا الفيء ذكره ابن تيمية وغيره (تتمة) أخرج العسكري عن [ص:462] نصر بن جرير أن أبا حنيفة رضي الله عنه سئل عن حديث يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم فقال المراد الأغنياء من غير هذه الأمة لأن في أغنياء هذه الأمة مثل عثمان بن عفان والزبير وابن عوف رضي الله عنهم قال نصر فذكرته لعبد الواحد بن زيد فقال لا يسأل أبو حنيفة عن هذا إنما يسأل عن المدبر والمكاتب ونحوه
(هـ عن أبي سعيد) الخدري(2/461)
2307 - (إن فناء أمتي) قال في الصحاح فنى الشيء بالكسر فناء وتفانوا أفنى بعضهم بعضا في الحروب (بعضها ببعض) أي أن اهلاكهم بقتل بعضهم بعضا في الحروب بينهم فإن نبيهم سأل الله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم
(قط في) كتاب (الأفراد عن رجل) من الصحابة وإبهامه غير قادح لأن الصحب كلهم عدول قال ابن حجر رحمه الله في تخريج الهداية إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا(2/462)
2308 - (إن فلانا أهدى إلي ناقة) فعل ماض من الهدية (فعوضته منها) أي عنها (ست بكرات) جمع بكرة بفتح فسكون والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس والبكرة بمنزلة الفتاة (فظل ساخطا) أي غضبانا كارها لذلك التعويض طالبا الأكثر منه قال في الصحاح: سخط غضب وفي الصحاح عطاء سخوط أي مكروه (لقد هممت) أي أردت وعزمت قال في الصحاح هم بالشيء أراده (أن لا أقبل هدية) من أحد (إلا من قريشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) لأنهم لمكارم أخلاقهم وشرف نفوسهم وإشراق النور على قلوبهم دقت الدنيا في أعينهم فلا تطمح نفوسهم إلى ما ينظر إليه السفلة والرعاع من المكافاة على الهدية واستكثار العوض وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق ويعطي عطاء من لا يخاف الفقر ولا يستكثر مكافأة ذلك الإنسان بستين فضلا عن ستة لكنه رأى غيره في ذلك الوقت أحوج وبالتضعيف لذلك حتى يرضى يفوت حق غيره
(حم ت) في آخر الجامع (عن أبي هريرة) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره ورواه أبو داود مختصرا(2/462)
2309 - (إن فاطمة) بنت النبي صلى الله عليه وسلم (أحصنت) في رواية حصنت بغير ألف (فرجها) صانته عن كل محرم من زنا وسحاق ونحو ذلك (فحرمها) أي بسبب ذلك الإحصان حرمها (الله وذريتها على النار) أي حرم دخول النار عليهم فأما هي وابناها فالمراد في حقهم التحريم المطلق وأما من عداهم فالمحرم عليهم نار الخلود وأما الدخول فلا مانع من وقوعه للبعض للتطهير هكذا فافهم وقد ذكر أهل السير أن زيد بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهم خرج على المأمون فظفر به فبعث به لأخيه علي الرضى فوبخه الرضى وقال له يا زيد ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله غرك أنه قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها كالحسن والحسين لا لي ولا لك والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله تعالى فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته إنك إذن لأكرم على الله منهم وروى أبو نعيم والخطيب بسندهما لمحمد بن مرثد كنت ببغداد فقال محمد بن مرثد هل لك أن أدخلك على علي الرضى فأدخلني فسلمنا وجلسنا فقال له حديث إن فاطمة أحصنت فرجها إلخ قال خاص للحسن والحسين <تنبيه> قال ابن حجر: يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعا تزوج حفصة خير من عثمان وتزوج عثمان [ص:463] خيرا من حفصة
(البزار) في مسنده عن محمد بن عقبة السدوسي عن معاوية بن هشام عن عمرو بن غياث عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود ثم قال أعني البزار لا نعلم من رواه هكذا إلا عمرو ولم يتابع عليه وقال العقيلي في الحديث نظر وقال ابن الجوزي موضوع مداره على عمرو بن غياث وقد ضعفه الدارقطني وكان من شيوخ الشيعة (ع طب ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وقال الذهبي لا بل ضعيف تفرد به معاوية وفيه ضعف عمرو بن غياث وهو واه بمرة اه لكن له شواهد منها خبر البزار والطبراني أيضا إن فاطمة حصنت فرجها وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة قال الهيثمي فيه عمرو بن غياث ضعيف(2/462)
2310 - (إن فسطاط المسلمين) بضم الفاء أصله الخيمة والمراد حصنهم من الفتن (يوم الملحمة) أي الوقعة العظيمة في الفتنة كما في الصحاح (بالغوطة) بالضم وهي كما في الصحاح موضع بالشام كثير الماء والشجر وهي غوطة دمشق ولهذا قال (إلى جانب مدينة يقال لها دمشق) بكسر ففتح وهي قصبة الشام كما في الصحاح سميت باسم دماشاق بن نمروذ بن كنعان (من خير مدائن الشام) أي هي من خيرها بل هي خيرها ولا يقدح فيه من لأن بعض الأفضل قد يكون أفضل بدليل خبر عائشة رضي الله تعالى عنها كان أي النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم قال ابن عساكر دخلها عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(د) في الملاحم (عن أبي الدرداء) وروي من طرق أخرى(2/463)
2311 - (إن في الجمعة) أي في يومها (لساعة) أبهمها كليلة القدر والاسم الأعظم حتى تتوافر الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم وفي خبر يجيء إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها ويوم الجمعة من تلك الأيام فينبغي التعرض لها في جميع نهاره بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء والنزوع عن وسواس الدنيا فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات والأصح أن هذه الساعة لم ترفع وأنها باقية وأنها في كل جمعة لا في جمعة واحدة من السنة خلافا لبعض السلف وجاء تعيينها في أخبار ورجح النووي منها خبر مسلم أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة ورجح كثيرون منهم أحمد وحكاه الزملكاني عن نص الشافعي أنها في آخر ساعة في يوم الجمعة وأطيل في الاتنصار له ووراء ذلك أربعون قولا أضربنا عن حكايتها لقول بعض المحققين ما عدا القولين موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوفا استند قائله إلى اجتهاد لا توقيف وحقيقة الساعة المذكورة جزء مخصوص من الزمن وتطلق على جزء من اثني عشر جزءا من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر منه أو على الوقت الحاضر وفي خبر مرفوع لأبي داود ما يصرح بالمراد وهو يوم الجمعة اثنتي عشرة ساعة إلخ (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد مسلم) يعني انسان مؤمن عبد أو أمة حر أو قن قال الطيبي: وقوله لا يوافقها صفة لساعة أي لساعة من شأنها أن يترقب لها وتغتنم الفرصة لإدراكها لأنها من نفحات رب رؤوف رحيم وهي كالبرق الخاطف فمن وافقها أي تعرض لها واستغرق أوقاته مترقبا للمعانها فوافقها قضى وطره منها قال الشاعر:
فأنالني كل المنى بزيارة. . . كانت مخالسة كخطفة طائر
فلو استطعت إذن خلعت علي الدجا. . . فلطول ليلتنا سواد الناظر
(وهو قائم) جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية (فيسأل) حال ثالثة (الله تعالى) فيها (خيرا) من خيور [ص:464] الدنيا والآخرة وفي رواية للبخاري شيئا أي مما يليق أن يدعو به المؤمن ويسأل فيه ربه تعالى وذكر قائم غالبي فالقاعد والمضطجع كذلك (إلا أعطاه إياه) تمامه عند البخاري وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها وفيه تغليب الصلاة على ما قبلها وهي الخطبة بناء على القول الأول وأما على الثاني فمعنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى {ما دمت عليه قائما} واستشكل حصول الإجابة لكل داع مع اختلاف الزمن باختلاف البلاد والمصلي وساعة الإجابة معلقة بالوقت فكيف يتفق مع الإختلاف وأجيب باحتمال كونها متعلقة بفعل كل مصل
(مالك) في الموطأ (حم م ن هـ عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم فقد رواه البخاري عن أبي هريرة أيضا مع تغيير لفظي يسير وذلك لا يقدح ولهذا قال الحافظ العراقي في المغني هو متفق عليه(2/463)
2312 - (إن في الجنة بابا) لم يقل للجنة إشعارا بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه (يقال له الريان) بفتح الراء وشدة المثناة التحتية فعلان من الري وهو باب يسقى منه الصائم شرابا طهورا قبل وصوله إلى وسط الجنة ليذهب عطشه وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم واكتفى بالري عن الشبع لدلالته عليه أو لأنه أشق على الصائم من الجوع (يدخل منه) إلى الجنة (الصائمون يوم القيامة) يعني الذين يكثرون الصوم لتتكسر نفوسهم لما تحملوا مشقة الظمأ في صومهم خصوا بباب في الري والأمان من الظمأ قبل تمكنهم ومن ثم كان مختصا بهم (لا يدخل منه أحد غيرهم) كرر نفي دخول غيرهم تأكيدا (يقال) أي يوم القيامة في الموقف والقائل الملائكة أو من أمره الله من خلقه (أين الصائمون) المكثرون للصيام (فيقومون) فيقال لهم ادخلوا الجنة (فيدخلون منه فإذا دخلوا) منه أي دخل آخرهم (أغلق) بالبناء للمفعول (فلم يدخل منه) بعد ذلك أحد أي لم يدخل منه غير من دخل ولا يناقضه أن المتشهد عقب الوضوء تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء لجواز أن يصرف الله مشيئة ذلك المتشهد عن دخول باب الريان إن لم يكن من مكثري الصوم ذكره البعض وذكر أن المراد بالصائمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم سموا به لصيامهم رمضان فمعناه لا يدخل من الريان إلا هذه الأمة بعيد متكلف <فائدة> ذكر الطالقاني في حظائر القدس لرمضان ستين اسما
(حم ق) في صفة الجنة (عن سهل بن سعد) الساعدي(2/464)
2313 - (إن في الجنة لعمدا) بضمتين وبفتحتين جمع عمود وهو معروف والعماد الأبنية الرفيعة وما يسند به (من ياقوت) أحمر وأبيض وأصفر (عليها غرف) جمع غرفة بالضم وهي كما في الصحاح العلية (من زبرجد) كسفرجل جوهر معروف (لها أبواب مفتحة تضيء) يعني تلك الغرف ومن أرجعه للأبواب فقد أبعد وإن كان أقرب (كما يضيء الكوكب الدري) قالوا يا رسول الله من يسكنها قال (يسكنها المتحابون في الله والمتجالسون في الله) لنحو ذكر أو قراءة أو علم أو غيرها (والمتلاقون في الله) أي المتعاونون على أمر الله فأعظم بمحبة الله من خصلة من ثمراتها استحقاق السكنى بهاتيك المساكن
(ابن ابي الدنيا) أبو بكر (في كتاب) فضل زيارة (الإخوان هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا البزار وضعفه المنذري وذلك لأن فيه يوسف بن يعقوب القاضي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول وحميد بن الأسود وأورده فيهم وقال كان عفان يحمل عليه ومحمد بن أبي حميد وضعفوه وحينئذ فتعصيب الهيثمي الجناية [ص:465] برأس الأخير حدوه ليس على ما ينبغي(2/464)
2314 - (إن في الجنة غرفا يرى) بالبناء للمفعول أي يرى أهل الجنة (ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها) لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها قالوا لمن هي يا رسول الله قال (أعدها الله تعالى) أي هيأها (لمن أطعم الطعام) في الدنيا للعيال والفقراء والأضياف والإخوان ونحوهم (وألان الكلام) أي تملق للناس واستعطفهم قال في الصحاح اللين ضد الخشونة وقد لان الشيء لينا وألينه صيره لينا وقد ألانه أيضا على النقصان والتمام وتلين تملق انتهى وحقيقة اللين كما قاله ابن سيناء كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينتقل عن وضعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وضده الصلابة قال الطيبي: جعل جزاء من تلطف في الكلام الغرفة كما في قوله تعالى {أولئك يجزون الغرفة} {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الآية. وفيه إيذان بأن لين الكلام من صفات الصالحين الذين خضعوا لبارئهم وعاملوا الخلق بالرفق في الفعل والقول ولذا جعلت جزاء من أطعم الطعام كما في قوله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} فدل على أن الجواد شأنه توخي القصد في الإطعام والبذل ليكون من عباد الرحمن وإلا كان من إخوان الشيطان (وتابع الصيام) قال ابن العربي: عنى به الصيام المعروف كرمضان والأيام المشهود لها بالفضل على الوجه المشروع مع بقاء القوة دون استيفاء الزمان كله والاستيفاء القوة بأسرها وإنما يكسر الشهوة مع بقاء القوة وقال الصوفية الصيام هنا الإمساك عن كل مكروه فيمسك قلبه عن اعتقاد الباطل ولسانه عن القول الفاسد ويده عن الفعل المذموم وفي رواية وواصل الصيام (1) وفي أخرى وأفشى السلام (وصلى بالليل) أي تهجد فيه (والناس نيام) وهذا ثناء على صلاة الليل وعظم فضلها عند الله تعالى وجعل الغرفة جزاء من صلى بالليل كما في قوله تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} فأومأ به إلى أن المتهجد ينبغي أن يتحرى في قيامه الإخلاص ويجتنب الرياء لأن البيتوتة للرب لم تشرع إلا لإخلاص العمل لله ولم يذكر الصيام في التنزيل استغناء بقوله {بما صبروا} لأن الصيام صبر كله هذا ما قرره شارحون لكن في رواية البيهقي قيل يا رسول الله وما إطعام الطعام قال من قات عياله قيل وما وصال الصيام قال من صام رمضان ثم أدرك رمضان فصامه قيل وما إفشاء السلام قال مصافحة أخيك قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلاة العشاء الآخرة اه. وهو وإن ضعفه ابن عدي لكن أقام له شواهد يعتضد بها ومع ملاحظته لا يمكن التفسير بغيره
(حم حب هب عن أبي مالك الأشعري) قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن معانق وثقه ابن حبان (ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل حفظه اه. ولهذا جزم الحافظ العراقي بضعف سنده وكثيرا ما يقع للمصنف عزو الحديث لمخرجه ويكون مخرجه قد عقبه بما يقدح في سنده فيحذف المصنف ذلك ويقتصر على عزوه له وذلك من سوء التصرف
_________
(1) ويكفي في متابعة الصيام مثل حال أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من صوم ثلاثة أيام من كل شهر أوله ومثلها من أوسطه وآخره والإثنين والخميس وعشر ذي الحجة ونحو ذلك(2/465)
2315 - (إن في الجنة مئة درجة) أي درجات كثيرة جدا ومنازل عالية شامخة فالمراد بالمئة التكثير لا التحديد فلا [ص:466] تدافع بينه وبين خبر إن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة وقيل الحصر في المئة للدرج الكبار المتضمنة للصغار والدرجة المرقاة (لو أن العالمين) بفتح اللام أي جميع المخلوقات (اجتمعوا) جميعا (في إحداهن لوسعتهم) جميعهم لسعتها المفرطة التي لا يعلم كنه مقدارها إلا الذي كونها والقصد بين عظم الجنة (1) وأن أهلها لا يتنافسون في مساكنها ولا يتزاحمون في أماكنها كما هو واقع لهم في الدنيا
(ت عن أبي سعيد) قال الترمذي حسن صحيح
_________
(1) والله تعالى يقول {عرضها السماوات والأرض} و {كعرض السماء والأرض} وإذا كان هذا عرضها فما بالك بالطول(2/465)
2316 - (إن في الجنة بحر الماء) غير آسن (وبحر العسل) أي المصفى (وبحر اللبن) أي الذي لم يتغير طعمه (وبحر الخمر) الذي هو لذة للشاربين (ثم تشقق الأنهار بعد) قال الطيبي رحمه الله تعالى: يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما وبالنهر مثل نهر معفل حيث تشقق منها جداول وخص هذه الأنهار بالذكر لكونها أفضل أشربة النوع الإنساني فالماء لريهم وطهورهم والعسل لشفائهم ونفعهم واللبن لقوتهم وغذائهم والخمر للذتهم وسرورهم وقدم الماء لأنه حياة النفوس وثنى بالعسل لأنه شفاء للناس وثلث باللبن لأنه الفطرة وختم بالخمر إشارة إلى أن من حرمه في الدنيا لا يحرمه في الآخرة
(حم ت عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة(2/466)
2317 - (إن في الجنة لمراغا من مسك) أي محلا منبسطا مملوءا منه مثل المحل المملوء من التراب المعد لتمرغ الدواب أي تمعكهم وتقلبهم فيه في الدنيا فلهذا قال (مثل مراغ دوابكم في الدنيا) في سعته وتكثره وسهولة وجدانه لكل أحد وإنما شبهه به لأن الإنسان بالمألوف آنس وبالمعهود أميل فليس في الجنة شيء يشبهه ما في الدنيا كما يجيء في خبر (1) قال في الصحاح: مرغه في التراب تمريغا أي معكه فتمعك والموضع متمرغ ومراغ ومراغة وقال الزمخشري: مرغته تمريغا إذا أشبعت رأسه وجسده دهنا ومن المجاز فلان يتمرغ في النعيم يتقلب فيه
(طب) وكذا الأوسط (عن سهل بن سعد) قال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ الهيثمي رجالهما ثقات
_________
(1) أي فيتمرغ فيه أهلها كما تتمرغ الدواب في التراب واحتمال أن المراد أن الدواب التي تدخل الجنة تتمرغ فيه بعيد وفي النهاية في الجنة مراغ المسك أي الموضع الذي يتمرغون فيه من ترابها والتمرغ التقلب في التراب وظاهر أن ذلك من باب ظهور الشرف وكمال المقابلة وإن كانت دوابهم غير محتاجة لذلك لأن التمرغ لإزالة التعب عنها وهي ليس عليها تعب لكن ربما يقال إن ذلك لنحو دواب الجهاد التي تدخل الجنة مجازاة لأصحابها من باب تتميم اللذة لهم فإن أعمالهم تكون بين أيديهم تسرهم رؤيتها ومنها تلك الدواب أي لكونهم جاهدوا عليها وأشار إليه بعض من تكلم على دواب الجنة وقد ثبت دخول بعض الدواب الدنيوية الجنة انتهى(2/466)
2318 - (إن في الجنة لشجرة) قيل هي شجرة طوبى ويحتاج لتوقيف والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل قاوم الشتاء أو عجز عنه ذكره في القاموس فشمل شجر البلح وغيره (يسير الراكب) الفرس [ص:467] (الجواد (1)) بالتخفيف أي الفائق أو السابق الجيد وفي رواية المجود الذي يجود ركض الفرس (المضمر (2)) بضاد معجمة مفتوحة وميم مشددة أي الذي قلل علفه تدريجا ليشتد جريه قال الزركشي هو بنصب الجواد وفتح الميم الثانية من المضمر ونصب الراء نعت لمفعول الراكب وضبطه الأصيلي بضم المضمر والجواد صفة للراكب فيكون على هذا بكسر الميم الثانية وقد يكون على البدل (في ظلها (3)) أي راحتها ونعيمها إذ الجنة لا شمس فيها ولا أذى (مئة عام) في رواية سبعين (4) (ما يقطعها) زاد أحمد وهي شجرة الخلد والجملة حال من فاعل يسير يعني لا يقطع الراكب المواضع التي تسترها أغصان الشجرة وفي ذكر كبر الشجرة رمز إلى كبر الثمرة ومن ثم ورد أن نبقها كقلال هجر وذا أبين لفضل المؤمن وأجلب لمسرته فحين أبصر شجر الرمان مثلا في الدنيا وحجم ثمرها وأن قدر الكبرى من الشجر لا يبلغ مساحتها عشرة أذرع وثمرها لا يفضل على أصغر بطيخة ثم أبصر شجرة في ذلك القدر وثمرة منها تشيع أهل دار كان أفرط لابتهاجه واغتباطه وأزيد لاستعجابه واستغرابه وأبين لكنه النعمة وأظهر للمزية من أن يفجأ ذلك الشجر والثمر على ما سلف له به عهد وتقدم له ألف فإبصاره لها على ذلك الحجم دليل على تمام الفضل وتناهي الأمر وأن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستوجب تعجبهم ويستدعي تحجبهم في كل أوان فسبحان الحكيم المنان واستشكل هذا الحديث بأن من أين هذا الظل والشمس قد كورت وما في الجنة شمس؟ وأجاب السبكي بأنه لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع في الأبدان وغيرها
(حم ح ت عن أنس) بن مالك (ق عن سهل) بن سعد (حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (ق ت هـ عن أبي هريرة)
_________
(1) الجواد بالنصب على أنه مفعول الراكب أو بالجر بالإضافة أي الفائق الجيد
(2) المضمر هو أن يعلف حتى يسمن ويقوى على الجري ثم يقلل العلف بقدر القوت ويدخل بيتا ويغشى بالحلال حتى يحمى فيعرق فإذا جف عرقه قل لحمه وقوي على الجري
(3) وقيل معنى ظلها ناحيتها وأشار بذلك إلى امتدادها
(4) ولا تعارض لأن المراد التكثير لا التحديد أو أن بعض أغصانها سبعين وبعضها مئة(2/466)
2319 - (إن في الجنة ما لا عين رأت) في دار الدنيا (ولا أذن سمعت) فيها (ولا خطر على قلب أحد) (1) {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} أخفوا ذكره عن الأغيار والرسوم فأخفى ثوابهم عن المعارف والفهوم وقد أشهد الله عباده في هذه الدار آثارا من آثارها وأنموذجا منها من الروائح الطيبة واللذة والمناظر البهية والمناكح الشهية وفي خبر أبي نعيم يقول الله للجنة طيبي أهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس في السحر من ذلك كما جعل سبحانه وتعالى نار الدنيا وغمومها وأحزانها وآلامها مذكرة بنار الآخرة وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم فلا بد أن يشهد عباده أنفاس جنته وما نذكرهم بها <تنبيه> استشكل هذا الحديث بما في حديث أبي داود وغيره أنه تعالى لما خلق الجنة أرسل جبريل عليه السلام إليها فقال انظر إليها وإلى ما أعددت إلى أهلها فيها الحديث فقد رأته عين وأجيب بما منه أن المراد من نظر جبريل عليه السلام لما أعده الله لأهلها فيها ما أعده لعامتهم فلا يمتنع أنه يعد فيها لبعضهم ما لم ينظر إليه جبريل عليه السلام وبأن المراد عين البشر لا الملائكة وسيجيء بسطه
(طب) وكذا البزار (عن سهل بن سعد) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا منهم فلو عزاه المصنف للبزار كان أجود
_________
(1) أي لم يدخل تحت علم أحد كنى بذلك عن عظيم نعيمها القاصر عن كنه علمنا الآن وسيظهر لنا بعد إن شاء الله(2/467)
[ص:468] 2320 - (إن في الجنة لسوقا) يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح والمراد به هنا مجتمع يجتمع فيه أهل الجنة وقد حفته الملائكة بما لا يخطر بقلب بشر يأخذون مما يشتهون بلا شراء وهو أنواع الالتذاذ كما قال (ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها) (1) أراد بالصورة الشكل والهيئة أي تتغير أوصافه بأوصاف شبيهة بتلك الصورة فالدخول مجاز عن ذلك وأراد به التزيين بالمحل والحلل وعليها فالمتغير الصفة لا الذات ذكره الطيبي وقال القاضي له معنيان أحدهما أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التزيين الثاني أنه أراد الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة فإذا اشتهى صورة منها صوره الله بها وبدلها بصورته فتتغير الهيئة والذات قال وظاهره يستدعي أن الصور تباع وتشترى في ذلك السوق لأن تقدير الكلام إلا بيع الصور وشراءها وإلا لما صح الاستثناء فلا بد لها من عوض تشترى به وهو الإيمان والعمل الصالح على ما دل عليه نص الكتاب والسنة الدالة على تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور التي تكون لأهل الجنة اختيار لها واتيانه بها ابتياعا له وجعله كالمتملك لها المتمكن منها متى شاء ونوزع فيه بما لا يجدي <فائدة> قال ابن عربي: حدثني أوحد الدين الكرماني قال كنت أخدم شيخا وأنا شاب فمرض بالبطن وكان في مغارة فلما وصلنا تكريت قلت يا سيدي اتركني أطلب لك دواء من صاحب المارستان فلما رأى احتراقي قال اذهب إليه فذهبت إليه فإذا هو قاعد في الخيمة ورجال قائمون بين يديه ولا يعرفني فرآني واقفا بين يديه مع الناس فقام إلي وأخذ بيدي وأكرمني وأعطاني الدواء وخرج معي في خدمتي فجئت الشيخ وأعطيته الدواء وذكرت له كرامة أمير المارستان فقال لي يا ولدي إني أشفقت عليك لما رأيت من احتراقك من أجلي فأذنت لك ثم خفت أن يخجلك الأمير بعدم إقباله عليك فتجردت من هيكلي ودخلت في هيكل ذلك الأمير وقعدت في محله فلما جئت أكرمتك وفعلت معك ما رأيت ثم عدت إلى هيكلي هذا ولا حاجة لي في هذا الدواء
(ت) في صفة الجنة (عن علي) أمير المؤمنين وقال غريب انتهى وضعفه المنذري وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن إسحاق قال الذهبي ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ودندن عليه ابن حجر ثم قال وفي القلب منه شيء والمصنف بما محصوله أن له شواهد
_________
(1) قال ابن حجر قوله دخل فيها: الذي يظهر لي أن المراد به أن الصورة تتغير فتصير شبيهة بتلك الصورة لا أنه يدخل فيها حقيقة والمراد بالصورة الشكل والهيئة(2/468)
2321 - (إن في الجنة دارا) أي عظيمة جدا في النفاسة فالتنكير للتعظيم (يقال لها دار الفرح) أي تسمى بذلك بين أهلها (لا يدخلها) من المؤمنين أي دخول سكنى بها كما يقتضيه الترغيب (إلا من فرح) بالتشديد (الصبيان) يعني الأطفال ذكورا أو إناثا فليس المراد الذكور فحسب وتفريحهم مثل أن يطرفهم بشيء من الباكورة ويزينهم في المواسم ويأتي إليهم بما يستعذب ويستغرب فيه شمول لصبيانه وصبيان غيره لكن أبدأ بمن تعول <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الفرح والسرور أن السرور انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلا وآجلا والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة وذلك في اللذات البدنية الدنيوية وقد يسمى الفرح سرورا وعكسه لكن على نظر من لا يعتبر الحقائق ويتصور أحدها بصورة الأخذ
(عد) عن أحمد بن حفص عن سليم بن شبيب عن عبد الله بن يزيد المقري عن ابن لهيعة عن هشام عن عروة (عن عائشة) أورده الجوزي من هذا الوجه في الموضوعات وقال ابن لهيعة ضعيف [ص:469] وأحمد بن حفص منكر الحديث انتهى وفي الميزان أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي صاحب مناكير وقال ابن عدي هو عندي لا يتعمد الكذب(2/468)
2322 - (إن في الجنة دارا يقال لها الفرح) أي وهي على غاية من النفاسة والبهجة بحيث تعد من الفرائد وتتميز على غيرها بفضل حسن كما يفيده السياق (لا يدخلها إلا من) أي إنسان (فرح يتامى المؤمنين) بشيء مما مر لأن الجزاء من جنس العمل فمن فرح من ليس له من يفرحه فرحه الله بإسكان تلك الدار العلية المقدار الرفيعة المنار فإن قلت: ظاهر التقييد هنا اليتيم أن المراد بالصبيان فيما قبله اليتامى دون غيرهم قلت: الأقعد أن يراد ثم مطلق الصبيان وتكون الدار غير هذه لكن تكون هذه الدار أنفس لأن تفريح الأيتام أفضل وإن كان تفريح كل شيء فاضلا
(حمزة) أبو القاسم (بن يوسف) بن إبراهيم بن موسى (السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء نسبة إلى سهم بن عمرو وهو الجرجاني الحافظ له تصانيف معروفة (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه أي تاريخ بغداد كلاهما جميعا عن محمد بن القاسم القزويني عن أبي الحسن الوراق عن علي بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن يزيد الحراني عن محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن ابن لهيعة عن ابن غسانة (عن عقبة بن عامر الجهني)(2/469)
2323 - (إن في الجنة بابا يقال له الضحى) أي يسمى باب الضحى (فإذا كان يوم القيامة نادى مناد) من قبل الله تعالى من الملائكة أو غيرهم (أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى) في الدنيا فيأتون فيقال لهم (هذا بابكم) أي الذي أعده الله لكم (فادخلوه) فرحين مسرورين (برحمة الله) لا بأعمالكم فالمداومة على صلاة الضحى لا توجب الدخول منه ولا بد وإنما الدخول بالرحمة لما تقرر في غير ما موضع أن العمل الصالح غير موجب للدخول بل إنما يحصل به الاستعداد للذي يتفضل عليه {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وهذا تنويه عظيم بصلاة الضحى وهي سنة وما ورد مما يخالفه مؤول
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي وفيه سليمان بن داود اليمامي قال ابن عدي وغيره متروك(2/469)
2324 - (إن في الجنة بيتا يقال له بيت الأسخياء) أي يسمى بين أهل الجنة والملائكة بذلك والسخي الكريم والمراد أن لهم فيها بيتا عظيم الشأن يختص بهم دون غيرهم وقياس ما سبق فيما قبله أن يقال لا يدخله إلا الأسخياء والسخاء بالمد الجود والكرم ومقصود الحديث الحث على السخاء وتجنب البخل
(طس عن عائشة) وقال تفرد به جحدر بن عبد الله وقال الهيثمي ولم أجد من ترجمه(2/469)
2325 - (إن في الجنة لنهرا) بفتح الهاء في اللغة العالية وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ذكره الزمخشري وقال غيره هو ما بين حافتي الوادي سمي به لسعة ضوئه (ما يدخله جبريل من دخلة) بكسر الميم جار ومجرور الجار زائد أي مرة واحدة من الدخول ضد الخروج (فيخرج منه فينتفض إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه [ص:470] ملكا) يعني ما ينغمس فيه جبريل عليه السلام انغماسة فيخرج منه فينتفض انتفاضة إلا خلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه من الماء حال خروجه منه ملكا يسبحه دائما فقوله إلا إلخ هو محط الفائدة وهذا الحديث يوضحه ما رواه العقيلي بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا في السماء بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل عليه السلام كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج منه سبعون ألف قطرة فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا فيتولى عليهم أحدهم ثم يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله تعالى فيه إلى أن تقوم الساعة انتهى قال ابن الجوزي موضوع فقال المؤلف ما هو بموضوع قال ابن حجر رحمه الله واستدل به على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت من الملائكة في هذا الخبر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن إبراهيم بن محمد بن الحسن عن ابن عبد الله المخزومي عن مروان بن معاوية الفرازي عن زياد بن المنذر عن عطية (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي قال المؤلف وزياد بن المنذر ضعفه أبو حاتم(2/469)
2326 - (إن في الجنة نهرا) من ماء (يقال له رجب) أي يسمى ذلك بين أهلها (أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من شهر رجب سقاه الله من ذلك النهر) فيه إشعار باختصاص ذلك الشرب بصوامه وهذا تنويه عظيم بفضل رجب ومزية الصيام فيه وفيه كالذي قبله رمز إلى فضل الأنهار وأنها أعظم ماء من الله به على عباده في الدارين قال الزمخشري: أنزه البساتين وأكرمها منظرا ماء أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر وتبهج النفوس وتجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء وإلا كان الأنفس الأعظم فائتا والسرور الأوفر مفقودا
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب هب عن أنس) قال ابن الجوزي هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا يدري من هم انتهى وفي الميزان هذا باطل(2/470)
2327 - (إن في الجنة درجة) أي منزلة عالية (لا ينالها إلا أصحاب الهموم) يعني في طلب المعيشة كذا في الفردوس والهم بالفتح الحزن والقلق وأهمني الأمر بالألف أقلقني وهمني هما من باب قتل مثله واهتم الرجل بالأمر قام به كذا في المصباح. قال الزمخشري: تقول أي العرب أهمه الأمر حتى أهرمه أي أذابه ووقعت السوسة في الطعام فهمته هما أي أكلت لبابه واهتم به ونزل به مهم ومهمات
(فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه المصنف إليه لكان أولى(2/470)
2328 - (إن في الجمعة ساعة) أي لحظة قيل وليس المراد هنا الفلكية (لا يحتجم فيها أحد إلا مات) أي بسبب الحجم وقوله في الجمعة أي في يومها ويحتمل أن المراد في ساعة من الأسبوع جميعه فالأول أقرب وفي الخبر ما يدل عليه. [ص:471]
(ع) عن يحيى بن العلاء عن زيد بن أسلم عن طلحة بن عبيد (عن الحسين بن علي) فيه يحيى بن العلاء وهو كذاب وقال الذهبي في التنقيح في إسناده مثل يحيى بن العلاء وهو متروك انتهى وقال في الميزان يحيى بن العلاء البجلي ضعفه جماعة وقال الدارقطني متروك وقال أحمد كذاب يضع الحديث ثم سرد له مما أنكر عليه أخبارا هذا منها انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه فقال موضوع تعقبه المؤلف بأنه رواه البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها من يحتجم إلا عرض له داء يشفى منه وقال عطاء أحد رجاله ضعيف(2/470)
2329 - (إن في الحجم شفاء) أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جوابا لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد
(م) من حديث عاصم (عن جابر) بن عبد الله قال عاصم إن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال لا أبرح أحتجم حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره(2/471)
2330 - (إن في الصلاة شغلا) وفي رواية لشغلا باللام قال القرطبي: اكتفى بذكر الموصوف عن الصفة فكأنه قال شغلا كافيا أو مانعا من الكلام وغيره وقال غيره: تنكيره يحتمل التنويع أي أن شغل الصلاة قراءة القرآن والتسبيح والدعاء لا الكلام أي شغلا أي شغل لأنها مناجاة مع الله واستغراق في خدمته فلا تصلح للشغل فإن قيل فكيف حمل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبي العاص في صلاته على عاتقه وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها قلنا إسناد الحمل والوضع والرفع إليه مجاز فإنه لم يتعمد حملها لكنها على عادتها تتعلق به وتجلس على عاتقه وهو لا يدفعها فإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى استبدل بها فكيف لا تشغله هذه؟ قال بعض الأولياء: وقل من يشتغل برعاية مخارج الحروف والترقيق والتفخيم والإدغام والإقلاب ونحو ذلك إلا اشتغل عن الصلاة وفاته الحضور مع الله الذي هو روحها لأن النفس ليس في إمكانها الإشتغال بشيئين معا وقال الغزالي: بين بهذا الخبر أن الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس فإذا رأيت نفسك معرضة عن الصلاة متطلعة إلى كلام الناس وملاقاتهم بلا حاجة فاعلم أنه فضول ساقه الفراغ إليك فإذا أعطيت الصلاة حقها وجدت حلاوة المناجاة واستأنست بها واشتغلت عن الخلق واستوحشت من صحبتهم والمصلون وافدون إلى باب الملك فمنهم من يقرع بأنامل فقره معتذرا من ذنوبه مؤملا أن يفتح له باب الغفر ليطفىء نيران مخالفته وهم الظالمون ومنهم من يقرع بأنامل رجائه لقبول العمل وجزيل البر والثواب وهم المقتصدون ومنهم من يقرع بأنامل التعظيم متدللا مغضيا عن ملاحظة الأسباب ليفتح له بالإذن ويرفع الحجاب فيوشك أن يفتح له
(ش حم ق د هـ عن ابن مسعود) قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا فلم يرد ثم ذكره وقضيته أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة فإن ابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبلها ويعارضه حديث زيد بن أرقم عند الشيخين كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قال ابن أرقم مدني فظاهر حديثه أن تحريم الكلام في الصلاة كان في المدينة بعد الهجرة وأجيب بأن ابن أرقم لم يبلغه تحريم ذلك إلا حين نزول الآية فيكون نزولها غاية لعدم بلوغ النهي عن الكلام لهم لا لعدم النهي على الإطلاق(2/471)
2331 - (إن في الليل لساعة) يحتمل أن يراد بها الساعة النجومية وأن يراد جزؤ منها ونكرها حثا على طلبها بإحياء الليالي [ص:472] (لا يوافقها) أي يصادفها (عبد) في رواية رجل (مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) أي ذلك المذكور يحصل كل ليلة فلا يختص ببعض الليالي بل كائن في جميعها قبيل تلك الساعة في الثلث الأخير الذي يقول فيه الله من يدعوني فأستجيب له وقيل وقت السحر وقيل مطلقة وجزم الغزالي بأنها مبهمة في جميع الليالي كليلة القدر في رمضان وحكمة إبهامها توفر الدواعي على مراقبتها والإجتهاد في الدعاء في جميع ساعات الليل كما قالوه في إبهام حكمة ليلة القدر
(حم م) في الصلاة (عن جابر) ولم يخرجه البخاري(2/471)
2332 - (إن في المعاريض) جمع معراض كمفتاح من التعريض وعرفه المتقدمون بأنه ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم والمتأخرون كالمولى التفتازاني بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أي مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام (لمندوحة) بفتح الميم وسكون النون ومهملتين بينهما واو سعة وفسحة من الندح وهو الأرض الواسعة (عن الكذب) أي فيها سعة وفسحة وغنية عنه كقولك للرجل سمعت من تكره يدعو لك ويذكرك بخير ويريد به عند دعائه للمسلمين فإنه داخل فيهم قال الغزالي: والحديث فيما إذا اضطر الإنسان إلى الكذب أما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض والتصريح جميعا لكن التعريض أهون قال البيهقي: بين بالحديث أن هذا لا يجوز فيما يرد به ضررا ولا يضر الغير أي كقول ابن جبير للحجاج حين أراد قتله وقال له ما تقول قال قاسط عادل فقال الحاضرون ما أحسن ما قال ظنوا أنه وصفه بالقسط والعدل قال الحجاج يا جهلة سماني مشركا ظالما ثم تلى {وأما القاسطون} الآية {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض فكان بعضهم يقول لخادمه إذا جاء من يطلبه ولا غرض له يلقيه قل له ما هو هون يريد به الهاون الذي يدق فبه وكان الشعبي يقول لخادمه دور بأصبعك دارة في الحائط وقل له ما هو في الدار وكان الجارحي يقول إذا أنكر ما قاله الله يعلم ما قلته بتوهم النفي بحرف ما ويريد أنه موصول
(عد) من حديث أبي إبراهيم الترجماني عن داود بن الزبرقان عن سعد ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين مرفوعا ثم قال ابن عدي لا أعلم أحدا رفعه غير داود (هق) وكذا ابن السني كما في الدرر (عن عمران بن حصين) موقوفا قال البيهقي: الصحيح هكذا ورواه أبو إبراهيم عن داود الزبرقاني عن ابن أبي عروبة فرفعه قال الذهبي داود تركه أبو داود انتهى وتخصيص ذينك بالعزو يوهم أنه لا يعرف لأشهر منهما ولا أحق بالعزو وهو غفلة فقد خرجه باللفظ المزبور عن عمران المذكور البخاري في الأدب المفرد(2/472)
2333 - (إن في المال لحقا سوى الزكاة) كفكاك الأسير وإطعام المضطر وسقي الظمآن وعدم منع الماء والملح والنار وانفاذ محترم أشرف على الهلاك ونحو ذلك قال عبد الحق فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها فقول الضحاك نسخت الزكاة كل حق مالي ليس في محله وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور وله عند جمع من السلف محامل لا تلائم ما عليه المذاهب المستعملة الآن فذهب أبو ذر إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت فيه وعن علي كرم الله وجهه أربعة آلاف نفقة وما فوقها كنز وتأول عياض كلام أبي ذر على أن مراده الإنكار على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه وقال النووي هذا باطل لأن سلاطين زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا إذ منهم الخلفاء الأربعة رده الزين العراقي بأنه أراد بعض نواب الخلفاء كمعاوية وقد وقع بينه [ص:473] وبين أبي ذر بسبب ذلك ما أوجب نقله إلى المدينة وهذا الحديث له عند مخرجه الترمذي تتمة وهي ثم تلا {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} الآية وطريق الاستدلال بها أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل على أن في المال حقا سوى الزكاة قال الطيبي: والحق حقان حق يوجبه الله على عباده وحق يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة عن الشح الذي جبلت عليه وإليه الإشارة بقوله على حبه أي الله أوجب الطعام وأنشد:
تعود بسط الكف حتى لوانه. . . ثناها لقبض لم تطعه أنامله
(ت) في الزكاة (عن فاطمة بنت قيس) الفهرية من المهاجرات تأخرت وفاتها ثم قال أعني الترمذي أبو حمزة ميمون الأعور أي أحد رواته ضعيف انتهى وقال البيهقي: تفرد به ميمون الأعور وهو مجروح ومن ثم رمز المصنف لضعفه(2/472)
2334 - (إن في أمتي) عام في أمة الإجابة والدعوة (خسفا) لبعض المدن والقرى أي غورا وذهابا في الأرض بما فيها من أهلها (ومسخا) أي تحول صور بعض الآدميين إلى صورة نحو كلب أو قرد (وقذفا) أي رميا لها بالحجارة من جهة السماء يعني يكون فيها ذلك في آخر الزمان وقد تمسك بهذا ونحوه من قال بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة وجعله المانعون مجازا عن مسخ القلوب وخسفها
(طب) وكذا البزار (عن سعيد بن أبي راشد) الجمحي يقال قتل باليمامة قال الهيثمي: وفيه عمرو بن مجمع وهو ضعيف(2/473)
2335 - (إن في ثقيف) القبيلة المعروفة المشهورة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى الطلب بثأره وغرضه من ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس ويتوصل به إلى تحصيل الإمارة وكان طالبا للدنيا ذكره شارحون (ومبيرا) أي مهلكا لجمع عظيم من سلف هذه الأمة من أبار غيره أهلكه أو المراد به الحجاج. قال المصنف: اتفقوا على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن عبيد المدعي النبوة أن جبريل عليه السلام يأتيه قتله ابن الزبير وبالمبير الحجاج. وقال ابن العربي: الحجاج ظالم معتدي ملعون على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم من طرق خارج عن الإسلام عندي باستخفافه بالصحابة كابن عمر وأنس كذا ذكره في المعارضة
(م عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق أم ابن الزبير لما صلب الحجاج ابنها أرسل إليها فلم تأته فأتاها فقال كيف رأيت الله صنع بعدوه قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته(2/473)
2336 - (إن في مال الرجل) ذكر الرجل غالبي (فتنة) أي بلاء ومحنة وفي هنا سببية (وفي زوجته فتنة و) في (ولده) فتنة كما نطق به نص القرآن في غيرما مكان ومر توجيهه بما محصوله أنهم يوقعونه في الإثم والعدوان ويقربونه من سخط الرحمن
(طب عن حذيفة)(2/473)
2337 - (إن فيك) يا أشج واسمه المنذر بن عائذ (لخصلتين) تثنية خصلة (يحبها الله تعالى) ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال (الحلم) أي العقل وتأخير مكافأة الظالم أو العفو عنه أو غير ذلك (والأناة) التثبت وعدم العجلة وسببه أن قدم عليه في وفد عبد القيس فابتدر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بثياب سفرهم وتخلف الأشج وهو أصغرهم حتى أناخ وجمع متاعه ولبس ثوبين أبيضين ومشى فقبل يده فذكره فقال يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال بل الله جبلك فحمد الله وهذا لا يناقضه النهي عن مدح المرء في وجهه لأن ما كان من النبوة فهو وحي والوحي لا يجوز كتمه أو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم من حال الأشج أن المدح لا يلحقه منه إعجاب فأخبره بأن ذلك [ص:474] مما يحبه الله ليزداد لزوما ويشكر الله على ما منحه
(م) في الإيمان (ت) في البر عن ابن عباس(2/473)
2338 - (إن قبر إسماعيل) النبي ابن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام (في الحجر) بالكسر هو المحوط عند الكعبة بقدر نصف دائرة فهو مدفون في ذلك الموضع بخصوصه ولم يثبت أنه نقل منه لغيره
(الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (عن عائشة) أم المؤمنين(2/474)
2339 - (إن قدر حوضي) مفرد الحياض (كما بين أيلة) مدينة بطرف بحر القلزم من طرف الشام كانت عامرة وهي الآن خراب يمر بها حجاج مصر وغزة وغيرهم فيكون أمامهم (وصنعاء اليمن) احترز عن صنعاء الشام وروى كما بين صنعاء وأيلة (وإن فيه من الأباريق) أي ظروفا كائنة من جنس الأباريق فمن بيانية (كعدد نجوم السماء) في رواية البخاري كنجوم السماء وهو مبالغة وإشارة إلى كثرة العدد عند جمع لكن صوب النووي أنه على ظاهره ولا مانع منه عقلا ولا شرعا
(حم ق عن أنس) بن مالك(2/474)
2340 - (إن قذف المحصنة) أي رميها بالزنا والمحصنة العفيفة (ليهدم) أي يسقط ويحبط (عمل مئة سنة) أي يحبط من الأعمال الحسية التي قدمها القاذف عمل مئة سنة بفرض أنه عمر وتعبد مئة عام وهذا تغليظ شديد وحث عظيم على حفظ اللسان عن ذلك والظاهر أن المراد بالمئة التكثير لا التحديد قياسا على نظائره المارة ومن هذا الوعيد الشديد أخذ أنه كبيرة
(البزار) في مسنده (طب ك عن حذيفة) ابن اليماني قال الهيثمي: فيه ليث ابن سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/474)
2341 - (إن قريشا أهل أمانة) قال الرافعي: يجوز أنهم ائتمنوا على التقدم للإمامة وأن المراد أن توقيرهم واحترامهم ومحنتهم ومكانتهم من المصطفى صلى الله عليه وسلم أمانة أئتمن عليها الناس أو المراد قوة أمانتهم وكمالها يرشد إليه خبر علي أمانة الأمير من قريش يعدل أمانة اثنين من غيرهم (لا يبغيهم) أي لا يطلب لهم (العثرات) جمع عثرة وهي الخصلة التي من شأنها العثور أي الخرور (أحد) من الناس (إلا كبه الله) أي قلبه (لمنخريه) أي صرعه أو ألقاه على وجهه يعني أذله وأهانه وخص المنخرين جريا على قولهم رغم أنفه وأرغم الله أنفه أي ألقاه في الرغام واللام في المنخرين لام التخصيص فيفيد أن الكب لهما خاصة وهذا كناية عن خذلان عدوهم ونصرهم عليه كيف وقد طهر الله قلوبهم وقربهم وهم وإن تأخر إسلامهم فقد بلغ فيهم المبلغ العلي
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) بن عبد الله (خط طب عن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء مخففة (ابن رافع) ضد الخافض الأنصاري المدني له رواية قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر اجمع لي قومي فجمعهم ثم دخل عليه فقال أدخلهم عليك أو تخرج إليهم قال بل أخرج إليهم فقال هل فيكم من أحد غيركم قالوا نعم حلفاؤنا منا وبنو إخواننا وموالينا قال حلفاؤنا منا وبنو إخواننا منا وموالينا وأنتم لا تسمعون أوليائي منكم المتقون فإن كنتم أولئك فذاك وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم ثم رفع يديه وقال يا أيها الناس إلخ ما هنا قالها ثلاثا قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني والبزار ورجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات(2/474)
[ص:475] 2342 - (إن قلب ابن آدم) أي ما أودع فيه (مثل العصفور) الطائر المعروف (يتقلب قي اليوم سبع مرات) الظاهر أن المراد بالسبع تكثير التقليب لا التحديد أخذا من نظائره ثم الكلام في قلب الإنسان لا في مطلق الحيوان كما نطق به الخبر وخصه لأنه محل المعارف والعلوم والأفعال الإختيارية وإدراك الكليات والجزئيات والحيوان وإن وجد فيه شكله وقام به ما يدرك مصالحه ومنافعه ويميز به بين مفاسده ومضاره لكنه إدراك جزئي طبيعي وشتان ما بينه وبين إدراك العلميات والاعتقادات وبهذا المعنى امتاز عن بقية الأعضاء وكان صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الإخلاص ك) في الرقائق (هب عن أبي عبيدة) بن الجراح رضي الله عنه قال الحاكم على شرط مسلم ورده الذهبي وقال فيه انقطاع(2/475)
2343 - (إن قلب ابن آدم بكل واد) قال الطيبي: لا بد فيه من تقدير أي في كل واد له (شعبة) من شعب الدنيا يعني أن أنواع المتفكر فيه بالقلب متكثرة مختلفة باختلاف الأغراض والشهوات والنيات وإذا كانت القلوب كثيرة الالتفات سريعة التقلب والحركات فلا بد للعبد من جمع همته عن بعض الجهات والاعراض عن غيرها لئلا يتبدد همه (فمن) جعل همه الآخرة فاز ومن خالف (أتبع قلبه الشعب) وتشعب القلب همومه المتشعبة وأمانيه وأوديته طرق الهوى إلى أنواع شهوات الدنيا (كلها لم يبال الله تعالى بأي واد أهلكه) لاشتغاله بدنياه وإعراضه عن مولاه (ومن توكل على الله كفاه الشعب) أي كفاه مؤونة حاجاته المتشعبة المختلفة فإذا قطع العبد شغل جوارحه عن الدنيا في وقت فكرته وتقيده ومنع قلبه من التشتت في ميادين الأمور الدنيوية اجتمع همه وحضر عقله فإذا حضر له ذلك ثم تفكر بالتوكل على الرحمن لا على عقله فتحت له الفكرة باب الفهم لكلام ربه ومعرفته ومواقع وعده ووعيده {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} . قيل: باع ابن عمر حمارا له وقال كان لنا موافقا لكنه أذهب شعبة من قلبي فبعته لذلك والشعبة الظائفة والقطعة من الشيء قال الزمخشري: شعبة الشيء ما تشعب منه أي تفرع كغصن الشجرة وشعبة الجبال ما تفرق من رؤوسها فأصل الشعب وما اشتق منه للتفريق وإنما قيل لضده وهو الملامة لوقوعها عقب التفريق أو بعده اه. وقد أبان الخبر أن القلب هو محل العلوم والمعارف والأفعال الاختيارية وأن الحواس معه كالحجاب مع الملك لأنها تدرك المعلومات ثم تؤديها إليه ليحكم عليها ويصرف فيها فهي آلات وخدمة له وهي معه كملك مع رعيته وهو محل العقل عند الأكثر {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} {ولكن تعمى القلوب} وبه رد على القائلين بأنه في الدماغ كأبي حنيفة والأطباء
(هـ عن عمرو بن العاص) وفيه صالح بن رزين قال في الميزان حدث بحديث منكر ثم ساق هذا الخبر(2/475)
2344 - (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين) أي هو سبحانه قادر على تقليب القلوب باقتدار تام كما يقال فلان بين أصبعي ويراد به كمال التصرف فيه فهو تمثيل أو أراد بالأصبعين الداعيتين لأن القلب صالح لميله إلى الإيمان والكفر ولا يميل لأحدهما إلا عند حدوث داعية وإرادة يحدثها الله تعالى قال الطيبي: وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على أمته (من أصابع الرحمن) نسب تقلب القلوب إليه تعالى إشعارا بأنه تولى بنفسه أمر قلوبهم ولم يكله لأحد من ملائكته وخص الرحمن تعالى بالذكر إيذانا بأن ذلك لم يكن إلا لمحض رحمته وفضل نعمته كي لا يطلع أحد غيره على [ص:476] سرائرهم ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم ذكره القاضي واعتراضه بأنه جاء في رواية من أصابع الله فلا يتم ما ذكره في حيز الرد لأن عدم إشعار إحدى الروايتين بفائدة زائدة لا ينافي إشعار الأخرى (كقلب واحد يصرفه حيث) وفي رواية كيف (يشاء) أي يتصرف في جميع قلوبهم كتصرفه في قلب واحد لا يشغله قلب عن قلب أو معناه كتصرف واحد منكم في قلب واحد فهو إشارة إلى تمام قدرته على تصريفها ولا يشغله شأن عن شأن قال الطيبي: وليس المراد أن تصرفه في القلب الواحد أسهل عليه من التصرف في القلوب كلها فإن ذلك عنده تعالى سواء {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} لكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوه فيما بينهم كقوله سبحانه {وهو أهون عليه} أي أهون فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم وتقتضيه عقولكم وإلا فالإبتداء والإنشاء عنده سواء قال الإمام الرازي: وهذا عبارة عن كون القلب مقهورا محدودا مقصورا محصورا مغلوبا متناهيا وكلما كان كذلك امتنع أن يكون له إحاطة بما لا نهاية له فالإحاطة بجلاله متعذرة وفيه أن المؤمن ينبغي كونه بين الخوف والرجاء
(حم م) في الإيمان بالقدر وكذا النسائي (عن ابن عمرو) بن العاص وتمامه عند مسلم ثم فال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم مصرف صرف قلوبنا على طاعتك "(2/475)
2345 - (إن كذبا علي) بفتح الكاف وكسر المعجمة (ليس ككذب) بكسر الذال (على أحد) غيري من الأمة فإن الكذب عليه أعظم أنواع الكذب لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام (فمن كذب علي متعمدا) أي غير مخطىء في الإخبار عنى بالشيء على خلاف الواقع (فليتبوأ) أي فليتخذ لنفسه (مقعده من النار) مسكنه أمر بمعنى الخبر أو بمعنى التحذير أو التهكم أو الدعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك واحتمال كونه أمرا حقيقة والمراد من كذب علي فليأمر نفسه بالتبوىء بعيد وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض قال: ولاح من هذا الخبر أن رواية الموضوع لا تحل
(ق عن المغيرة) بن شعبة (ع عن سعيد بن زيد) ورواه أيضا البزار وأبو يعلى وكثيرون(2/476)
2346 - (إن كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا) في الإثم وبه صرح في رواية وهذا قاله لحفار أخرج عظما أو عضدا فذهب ليكسرها وخرج بقولهم في الإثم القصاص فلو كسر عظم ميت أو فقأ عينه فلا قود بل يؤدب لجرأته على المثلة
(عب ص د هـ عن عائشة) أم المؤمنين(2/476)
2347 - (إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة) يعني تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى من الذنوب كما يوضحه روايات أخر والمراد الصغائر وعلى هذا التقرير فالمراد بالصلاة المفروضة
(حم طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي وإسناده حسن(2/476)
2348 - (إن لله تعالى عتقاء) من النار (في كل يوم وليلة) يعني من رمضان كما جاء في رواية أخرى (لكل عبد منهم) أي لكل إنسان [ص:477] من أولئك العتقاء (دعوة مستجابة) أي عند فطره أو عند بروز الأمر بعتقه وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي <تنبيه> قال الحكيم: دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب فربما يخرج شديد النور شمس تطلع وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب
(حم عن أبي هريرة أو أبي سعيد) الخدري شك الأعمش (سمويه عن جابر) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح كذا ذكره في موضع وأعاده في آخر وقال فيه أبان بن أبي عياش متروك(2/476)
2349 - (إن لله عبادا يعرفون الناس) أي أحوالهم وضمائرهم (بالتوسم) أي التفرس غرقوا في بحر شهوده فجاد عليهم بكشف الغطاء عن قلوبهم فأبصروا بها بواطن الناس واطلعوا على ضمائرهم وأما من شغل بنفسه ودواهيها فليس من أهل هذا الباب بل فراسته خدعت نفسه له حتى تدسه في التراب وتمام الحديث ثم قرأ {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}
(تتمة) قال الداراني: القلب بمنزلة قبة مضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح من القلب بعمله انفتح له باب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن الشهوات ولذلك كتب عمر إلى أمراء الأجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنه ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعضهم: يد الله على أفواه العلماء لا ينطقون إلا بما هيأه الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن الله يطلع الخاشعين على بعض سره وقال الجنيد: المحدث إذا قرن بالقديم اضمحل ولم يبق له أثر وشتان بين من ينطق عن درسه أو نفسه وبين من ينطق عن ربه {وما ينطق عن الهوى} وقال ابن عربي: لا تنكر على الصوفية النطق عن الغيب مع إيمانك بالمثال المحسوس: أن المرآة إذا صقلت وجلى عنها الصدأ وتجلت صورة الناظر فيها أليس يرى نفسه حسنا أو قبيحا فإن جاء أحد خلفه تجلت صورته في المرآة فأبصره على أية صورة هو ولم يره بعينه المعهودة فمن عمد إلى مرآة قلبه فجلاها من صدأ الأغيار وأماط عنها كل حجاب يحجبها عن تجلي صور المعقولات والمغيبات بأنواع الرياضات والمجاهدات صفت وتجلى فيها كل ما قابلها من المغيبات فنطق على شاهد ووصف ما رأى {ما كذب الفؤاد ما رأى}
(الحكيم) الترمذي في نوادره (والبزار) في مسنده وكذا الطبراني وأبو نعيم وابن جرير وابن السني (عن أنس) قال الهيثمي: إسناده حسن وتبعه السخاوي لكن في الميزان عن أبي حاتم في ترجمة بشر بن الحكم أنه روى خبرا منكرا وهو هذا والله أعلم(2/477)
2350 - (إن لله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس) أي بقضائها ولفظ رواية الطبراني بدل عبادا اختصهم إلى آخره: خلقا خلقهم لحوائج الناس (يفزع الناس إليهم) أي يلجئون إليهم ويستغيثون بهم (في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله) أضافهم إليه إضافة اختصاص وخصهم بالنيابة عنه في خلقه وجعلهم خزائن نعمه الدينية والدنيوية لينفقوا على المحتاجين فيجب شكر هذه النعمة ومن شكرها بذلها للطالبين وإغاثة الملهوفين ليحفظ أصول النعم وتثمر الزيادة من المنعم كما خص قوما بحجج العلوم الدينية في العقائد وبعلوم شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعرفة الحلال والحرام في الفروع الفقهية فإن هؤلاء قوم عرفوا الله معرفة التوحيد واعترفوا له باللسان وقبلوا العبودية وقاموا بحقوق الخلق إعظاما لجلال الحق فجوزوا بالأمان من عذاب النيران وهذا يوضحه خبر الطبراني أيضا " إن لله عبادا استخصهم لنفسه لقضاء حوائج الناس وآلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار فإذا كان يوم القيامة أجلسوا على منابر من نور يتحادثون إليه والناس في الحساب "
(طب عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه شخص ضعفه [ص:478] الجمهور وأحمد بن طارق الراوي عنه لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/477)
2351 - (إن لله تعالى عند كل فطر) أي وقت فطر كل يوم من رمضان وهو تمام الغروب (عتقاء) من صائمي رمضان (من النار) أي من دخول نار جهنم (وذلك) يعني العتق المفهوم من عتقاء (في كل ليلة) أي من رمضان كما جاء مصرحا به في روايات أخر وهذا أيضا معلم بعظم فضل الشهر وصومه
(هـ عن جابر) بن عبد الله (حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجال أحمد والطبراني موثقون انتهى وقال البيهقي عقب تخريجه هذا غريب ومن رواية الأكابر عن الأصاغر وهي رواية الأعمش عن الحسين بن واقد اه. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ولكن رد(2/478)
2352 - (إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد) أي لأجل منافعهم (ويقرها فيهم ما بذلوها) أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق (فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم) لمنعهم الإعطاء للمستحق {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي كتابه المؤلف في فضل قضاء حوائج الناس (طب حل) وكذا البيهقي في الشعب والحاكم بل وأحمد ولم يحسن المصنف بإهماله (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي فيه محمد بن حسان السمبتي وفيه لين ووثقه ابن معين يرويه عن أبي عثمان عبد الله بن زيد الحمصي وقد ضعفه الأزدي(2/478)
2353 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) منها ما هو ثبوتي ومنها ما هو سلبي ومنها ما هو باعتبار فعل من أفعاله لكنها توقيفية على الأصح فلا يحل اختراع اسم أو وصف له إلا بقرآن أو خبر صحيح مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب ولم يذكر لنحو مقابلة أو مشاكلة (مئة إلا) اسما (واحدا) بدل من اسم إن أو تأكيد وأنصب بتقدير أعني وزاده حذرا من تصحيف تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أو مبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس (من أحصاها) حفظها أو أطاق القيام بحقها أو عرفها أو أحاط بمعانيها أو عمل بمقتضاها بأن وثق بالرزق إذ قال الرزاق مثلا وهكذا وعدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا والفضل للمتقدم وسيجيء ما يؤيده (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير سبق عذاب وليس في الخبر ما يفيد الحصر في هذا العدد لأن قوله من أحصاها صفة تسعة وتسعين ويدل لعدم الحصر خبر أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وخصها لأنها أشهرها أو أظهرها معنى أو لتضمنها معاني ما عداها أو لأن العدد زوج وفرد والفرد أفضل ومنتهى الإفراد بلا تكرار تسعة وتسعون أو لغير ذلك كما سبق توضيحه <فائدة> قال العارف ابن عربي: الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم بعض عليه شيء من علم الحقائق وهي معرفة أسماء الله تعالى ومعرفة التجليات ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ومعرفة كمال الوجود ونقصه ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ومعرفة الخيال ومعرفة العلل والأدوية
(ق ت هـ عن أبي هريرة وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب(2/478)
2354 - (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما) بالنصب على التمييز أي من جملة أسمائه هذا القدر فليس فيه نفي غيرها وقد [ص:479] نقل ابن عربي إن لله تعالى ألف اسم قال: وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مددا وإنما خص هذه لشهرتها ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا تعلم إلا من طريق الوحي والسنة ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف وإن جوزه العقل وحكم به القياس فالنقصان عنه كالزيادة غير مرضي وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسما للمادة وإرشادا للاحتياط بقوله (مئة) بالنصب على البدل (إلا) اسما (واحدا) وفي رواية للبخاري إلا واحدة بالتأنيث ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة (لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) فيه دلالة على أن معنى أحصاها في الخبر المار حفظها وبه صرح البخاري (وهو وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما ينبىء عنه جعل الصلاة خمسا والطهارة ثلاثا والطواف سبعا والصوم في السنة شهرا واحدا والحج في العمر مرة واحدة والزكاة في الحول مرة وعدد ركعات الصلاة في الحضر سبع عشرة وفي السفر إحدى عشر وقيل معناه يحب الوتر أي المخلص في عبادته الذي تفرد تعالى بها وقيل غير ذلك
(ق عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره(2/478)
3255 - (إن لله تعالى ملائكة) جمع ملك ونكره على معنى بعض صفته كذلك (سياحين) بسين مهملة من السياحة وهي السير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها أصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط (في الأرض) في مصالح بني آدم وفي رواية بدله في الهواء (يبلغوني من) وفي رواية عن (أمتي) أمة الإجابة (السلام) ممن يسلم علي منهم وإن بعد قطره وتناءت داره أي فيرد عليهم سماعه منهم كما بين في خبر آخر وهذا التعظيم للمصطفى صلى الله عليه وسلم وإجلالا لمنزلته حيث سخر الملائكة الكرام لذلك. قال السبكي: قال ابن بشار تقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فسمعت من داخل الحجرة الشريفة وعليك السلام
(حم ن) في الصلاة (حب ك) في التفسير كلهم (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح قال الحافظ العراقي الحديث متفق عليه دون قوله سياحين(2/479)
3256 - (إن لله تعالى ملائكة ينزلون في كل ليلة) من السماء إلى الأرض (يحسون الكلال عن دواب الغزاة) أي يذهبون عنها التعب والنصب بحسها وإسقاط التراب عنها وفي رواية يحسرون أي يكشفون (إلا دابة) فرسا أو نحوها مما أعد للكر والفر أو الحمل لمتعلقات الغزو (في عنقها جرس) بالتحريك وروي بسكون الراء أي جلجل أي صوت جلجل فإن الملائكة لا تدخل مكانا فيه ذلك وهذا زجر شديد عن تعليق الجلاجل بالدواب فيكره ذلك تنزيها ولا فرق بين الجرس الكبير والصغير خلافا لبعضهم
(طب) من رواية عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن يحيى [ص:480] عن عباد عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي رحمه الله في المغني: سنده ضعيف وبينه في شرح الترمذي فقال وعباد بن كثير ضعيف وقال تلميذه الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يدفع عدالته(2/479)
2357 - (إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم) أي كأنها تركب ألسنتها على ألسنتهم كما في التابع والمتبوع من الجن (بما في المرء من الخير والشر) لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهرا للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة فيستفيض ذلك على الألسنة وضده من استحكمت فيه مادة الخبث ومن ثم لم تزل سنة الله جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار {ليميز الله الخبيث من الطيب} في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار
(ك) في الجهاد (هب عن أنس) قال مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت أي الجنة ومر بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت أي النار فسئل عنه فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(2/480)
2358 - إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة) أي مكتوبة ولا يلزم من ذلك سماعنا لندائه بعد ذلك بإخبار الشارع (يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم) يعني خطاياكم التي ارتكبتموها وظلمتم بها أنفسكم حتى أعدت لكم مقاعد في جهنم التي وقودها الناس والحجارة (فأطفئوها بالصلاة) أي امحوا أثرها بفعل الصلاة فإنها مكفرة للذنوب وفي رواية بالصدقة وفعل القربات يمحو الخطيئات وفي هذا من تعظيم حرمة الصلاة والصدقة وتأكيد شأنها مما لا يخفى توقعه في الدين فعلم أن فعل القربات تمحو الخطيئات. أخرج الحكيم عن نافع قال خرجت عنق من النار لا تمر على شيء إلا أحرقته فأخبر بها عمر رضي الله عنه فصعد المنبر وقال يا أيها الناس أطفئوها بالصدقة فجاء ابن عوف بأربعة آلاف فقال ابن عمر: ماذا صنعت خسرت الناس فتصدقوا فطفئت فقال عمر: لو لم تفعل لذهبت حتى أنزل عليها
(طب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه أبان بن أبي عياش ضعفه شعبة وأحمد ويحيى(2/480)
2359 - (إن لله تعالى ملكا موكلا) لفظ رواية الحاكم إن ملكا موكلا كذا رأيته بخط الذهبي وغيره من الحفاظ (بمن يقول يا أرحم الراحمين) أي بمن يتلفظ بها ثلاثا عن صدق وإخلاص بمطابقة القلب واللسان (فمن قالها) كذلك (ثلاثا) من المرات (قال له الملك) الموكل به (إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك) أي بالرحمة والرأفة واستجابة الدعاء (فسله) فإنك إن سألته أعطاك سؤلك وهل المراد أن كل إنسان يقول ذلك يوكل به ملك مخصوص أو ملك واحد موكل بالكل الأقرب الأول لكثرة قائلي ذلك في خلق الله تعالى وتفرقهم في الأقطار وتواصل ذلك القول آناء الليل وأطراف النهار وهذا حث على لزوم الدعاء عقب قول ذلك
(ك) من حديث كامل بن طلحة عن فضالة (عن أبي أمامة) ثم صححه وتعقبه الذهبي وقال فضالة ليس بشيء فأين الصحة؟(2/480)
[ص:481] 2360 - (إن لله تعالى ملكا لو قيل له) أي لو قال الله له (التقم) أي ابتلع (السماوات السبع والأرضين) السبع بمن فيهما (بلقمة واحدة لفعل) أي لأمكنه فعل ما أمره به بلا مشقة لعظم خلقه (تسبيحه سبحانك) أي أنزهك يا ألله (حيث كنت) وهذا مسوق لبيان عظم أجرام الملائكة وعظيم خلق الله تعالى وباهر سلطانه وأنه سبحانه ليس بمتصل بهذا العالم كما أنه غير منفصل عنه قال في المصباح: واللقمة اسم لما تلقم في مرة كجرعة اسم لما يجرع في مرة ولقمه الشيء لقما من باب تعب والتقمته أكلته بسرعة
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) وقال: تفرد به وهب ابن رزق. قال الهيثمي: ولم أر من ذكر له ترجمة(2/481)
2361 - (إن لله تعالى ما أخذ) من الأولاد وغيرهم لأن العالم كله ملكه فلم يأخذ ما هو للخلق بل ما هو له عندهم في معنى العارية (وله ما أعطى) أي ما أبقى لنا فإذا أخذ شيئا فهو الذي كان أعطاه فإن أخذه وأخذ ماله فلا ينبغي الجزع لأن مستوى الأمانة يقبح عليه الجزع لاستعادتها وما فيها مصدرية أو موصولة وقدم الأخذ وإن تأخر في الواقع لأنه في بيان ما قبض ثم أكد هذا المعنى بقوله (وكل شيء) بالرفع على الابتداء وروي بالنصب عطفا على اسم إن أي كل شيء من الأخذ والإعطاء أو من الأنفس أو مما هو أعم فنحن وكل ما بأيدينا ملكه وفي ملكه وسلطانه يتصرف كيف يشاء (عنده) أي في علمه (بأجل مسمى) أي معلوم مقدر فلا يتقدم شيء قبل أجله ولا يتأخر عنه فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم معرفا إيابا بما الأمر عليه ليسلم الأمر إليه فيرزق درجة التسليم والتفويض مع بذل المجهود فيما يحبسه منا أن يرجع فيه إليه بحسب الحال في المخالفة بالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على الموافقة ومن استحضر ذلك هانت عليه المصائب وتصبر على فقد الحبائب وهذا قاله لابنته حين أرسلت تدعوه إلى ابن لها في الموت فأرسل يقرئها السلام ويقول لها ذلك فعلمها به حقيقة التوحيد وهذه الحقيقة توجب السكوت تحت مجاري الأقدار. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض
(حم ق م د ن هـ) كلهم في الجنائز (عن أسامة بن زيد) بألفاظ متقاربة(2/481)
2362 - (إن لله تعالى ريحا يبعثها) أي يرسلها (على رأس مئة سنة) تمضي من ذلك القرن (تقبض روح كل مؤمن) ومؤمنة المراد أن ذلك يكون في آخر الزمان على رأس قرن من القرون لا أنه يكون على رأس مئة سنة من قوله قال المؤلف هذه المئة قرب الساعة وابن الجوزي ظن أنها المئة الأولى من الهجرة وليس كذلك
(ع والروياني) في مسنده (وابن قانع) في معجمه (ك) في الفتن (والضياء) في المختارة كلهم (عن بريدة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي رواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح اه وأخطأ ابن الجوزي في حكمه بوضعه(2/481)
2363 - (إن لله تعالى في كل يوم جمعة) قيل أراد بالجمعة الأسبوع عبر عن الشيء بآخره لأنه مما يتم به ويوجد عنده (ست مئة ألف عتيق) [ص:482] يحتمل من الآدميين ويحتمل من غيرهم أيضا كالجن (يعتقهم من النار) أي من دخول نار جهنم يوم القيامة (كلهم قد استوجبوا النار) أي دخولها بمقتضى الوعيد والظاهر أن المراد بالست مئة ألف التكثير وأنهم فوق ذلك بكثير ورحمته سبقت غضبه فإن فرض إرادة التحديد فجملة ذلك ثمانية عشر ألف ألف إن كان رمضان كاملا فإن كان ناقصا فيكون سبعة عشر ألف ألف وأربع مئة ألف
(ع عن أنس) ورواه عنه من طريق أخرى ابن عدي وأبو يعلى وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب قال الدارقطني في العلل والحديث عن ثابت انتهى وأقره عليه الحافظ العراقي وأورده في الميزان في ترجمة أزور بن غالب التيمي من حديثه وقال منكر الحديث أتى بما لا يحتمل فكذب وفي اللسان بعد ما ساق الحديث قال أبو زرعة ليس بقوي وقال الساجي منكر الحديث وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد كان يخطىء ولا يعلم(2/481)
2364 - (إن لله تعالى مئة خلق) أي وصف (وسبعة عشر) وفي رواية ستة عشر وفي أخرى بضعة عشرة خلقا بالضم فيهما وفي رواية بدل خلقا شريعة (من أتاه) يوم القيامة (بخلق منها) أي واحد (دخل الجنة) قال الحكيم: كأنه يريد أن من أتاه بخلق واحد منها وهب له جميع سيئاته وغفر له سائر ذنوبه وفي خبر أن الأخلاق في الخزائن فإذا أراد الله بعبد خيرا منحه خلقا منها ألا ترى أن المفرط في دينه المضيع لحقوقه يموت وهو صاحب خلق من هذه الأخلاق فتنطلق الألسنة بالثناء عليه فأخلاق الله أخرجها لعباده من باب القدرة وخزنها لهم في الخزائن وقسمها بينهم على قدر منازلهم عنده فمنهم من أعطاه منها واحدة ومنهم من أعطاه خمسة وعشرا وأكثر أو أقل فمن زاد منها ظهر منه حسن معاملة الخلق والخالق هلى قدر تلك الأخلاق ومن نقصه منها ظهر عليه بقدره فهذه أخلاق وأكثرها مما سمي به والذي لم يسم به داخل فيما سمي به لأن اللين والرزانة من الحلم والرأفة والرحمة من النزاهة فمنحه الله إياه واحدة من هذه الأخلاق أن يعطيه نور ذلك الاسم فيشرق نوره على قلبه وفي صدره فيصير لنفسه بذلك الخلق بصيرة فيعتادها ويتخلق بها فحقيق بمن أكرمه بذلك أن يهب له مساويه ويستره بعفوه ويدخله جنته وقد عد في بعض الروايات من تلك الأخلاق كظم الغيظ والعفو عند القدرة والصلة عند القطيعة والحلم عند السفه والوقار عند الطيش ووفاء الحق عند الجحود والإطعام عند الجوع والقطيعة عند المنع والإصلاح عند الإفساد والتجاوز عن المسيء والعطف على الظالم وقبول المعذرة والإنابة للحق والتجافي عن دار الغرور وترك التمادي في الباطل فإذا أراد الله بعبد خيرا وفقه لتلك الأخلاق وإن أراد به شرا خلى بينه وبين أخلاق إبليس التي منها أن يغضب فلا يرضى ويسمع فيحقد ويأخذ في شره ويلعب فيلهو (تتمة) قال ابن عربي: سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه أي هو متخلق بأخلاق الله تعالى حتى كأنه هو وما هو هو. <تنبيه> لم يصرح في هذا الحديث في أي مكان هذه الأخلاق ولم يصرح بأن الآتي بشيء من هذه الأخلاق شرطه الإسلام وقد بين ذلك في حديث آخر روى الطبراني عنه في الأوسط مرفوعا " إن لله عز وجل لوحا من زبرجدة خضراء تحت العرش كتب فيه أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاث مئة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وإسناده حسن ولا منافاة بين قوله في الحديث المشروح مئة وقوله في الحديث ثلثمئة لأنا إن قلنا أن مفهوم العدد ليس بحجة فالقليل لا ينفي الكثير وإلا فيمكن أن يقال إن منها مئة وسبعة عشر أصول والباقي متشعبة عنها داخلة تحتها فأخبر مرة بالأصول وأخرى بها وما تفرع عنها
(الحكيم) الترمذي (ع هب) من حديث عيد الواحد بن زيد عن عبد الله بن راشد مولى عثمان (عن عثمان) ابن عفان ثم قال أعني البيهقي هكذا رواه عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد وليس بقوي في الحديث وقد خولف في إسناده ومتنه اه ولما عزاه الهيثمي إلى أبي يعلى قال فيه عبد الله بن راشد ضعيف اه وقال في اللسان قال ابن عبد البر عبد الواحد بن زيد الزاهد أجمعوا على تركه وقال ابن حبان يقلب الأخبار من سوء حفظه وكثرة وهمه [ص:483] فاستحق الترك اه وعبد الله بن راشد ضعفوه وبه أعل الهيثمي الخبر كما تقرر لكنه عصب الجناية برأسه وحده فلم يصب(2/482)
2365 - (إن لله تعالى ملكا أعطاه سمع العباد) أي قوة يقتدر بها على سماع ما ينطق به كل مخلوق من إنس وجن وغيرهما (فليس من أحد يصلي علي) صلاة (إلا) سمعها و (أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد) أي إنسان (صلاة) واحدة (وإلا صلى عليه عشر أمثالها) هذه إحدى الروايتين للطبراني عن عمار وفي رواية ثانية له عنه إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه وقال يا محمد صلى عليك فلان فيصلي الرب تعالى وتبارك عليه بكل واحدة عشرة
(طب عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: فيه نعيم بن ضمضم ضعيف وابن الحميري لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/483)
2366 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) الاسم كلمة وضعت بإزاء مسمى متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى (مئة غير واحدة) قال الرافعي في أماليه: قاله دفعا لتوهم أنه للتقريب ودفعا للاشتباه وقال البيضاوي: فائدة التأكيد المبالغة في المنع عن الزيادة بالقياس أو لئلا يلتبس تسعة وتسعين بسبعة وتسعين أو سبعة وسبعين أو تسعة وسبعين من زلة الكاتب وهفوة القلم فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور وتأنيث واحدة لإرادة الكلمة أو الصفة أو التسمية وهذا العدد لا يدل على الحصر هنا فقد ثبت في الكتاب: الرب المولى النصير المحيط الكافي العلام وغير ذلك وفي السنة: الحنان المنان الجميل وغيرها وخصها بالذكر لكونها أشهر لفظا وأظهر معنى وهذا ذكره القاضي وسيجيء عن الطيبي ما يرده (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويرضاه ويقبله (وما من عبد) أي إنسان (يدعو) الله بها أي بهذه الأسماء (إلا وجبت له الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير سبق عذاب بشرط صدق النية وخلوص الطوية (تتنبيه) قال ابن عربي: كل حكم يثبت في باب العلم الإلهي للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام ونسب وإضافات وسلوب فالكثرة في النسب لا في العدد وهنا زل قدم من شرك بين من يقبل التشريك ومن لا يقبله عند كلامهم في الصفات واعتمدوا فيه على الأمور الجامعة التي هي الدليل والحقيقة والعلة والشرط وحكموا بها غائبا وشاهدا فأما شاهدا فقد يسلم وأما غائبا فلا
(حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه(2/483)
2367 - (إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما (من أحصاها) أي من قرأها كلمة كلمة على منهج الترتيل كأنه يعدها أو من عدها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها أو من أطاقها أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها بأن تأمل معانيها واستعمل نفسه فيما يناسبها فالمعنى الأول عام والثاني خاص والثالث أخص ولذا قبل الأول للعوام والثاني للعلماء والثالث للأولياء (دخل الجنة) يعني من أتى عليها حصرا وتعدادا وعلما وإيمانا فدعا الله بها وذكره وأثنى عليه استحق بذلك دخول الجنة قال القاضي وأسماء الله ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته واعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول أو الحقيقة كالعليم والقادر أو الإضافية كالحميد والملك أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرازق (هو الله) علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الآنية بعده قيل أصله لاها بالسريانية فعرب وقيل عربي وضع لذاته وصف في أصله لكنه غلب عليه فلم يستعمل في غيره ولا في الكفر
[ص:484] كما مر تفصيله (الذي لا إله إلا هو) صفته (الرحمن الرحيم) اسمان بنيا من الرحمة وهي لغة رقة تقتضي الإنعام على من رق له فرحمة الله إما إرادة الإنعام ودفع الضر وإما نفس الإنعام والدفع والرحمن أبلغ لزيادة بنائه كما سلف فراجعه وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراشره إلى جناب قدسه فيتوكل عليه ويلتجئ فيما يعن له إليه ويشغل سره بذكره استبدادا به عن غيره ويرحم عباد الله فيعاون المظلوم ويدفع الظالم عن ظلمه بالتي هي أحسن وينبه الغافل وينظر إلى العاصي بعين الرحمة لا الإزدراء (الملك) ذو الملك والمراد به القدرة على الإيجاد والإختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه أو المتصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء (القدوس) المنزه عن سمات التقص وموجبات الحدوث فعول من القدس وهو الطهارة قال بعضهم: حقيقة القدس الإعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأراضي والقدوس هو الذي لا يجوز عليه نقص في ذات ولا وصف ولا فعل ولا اسم وبذلك يتصف الملك على الإطلاق وإنما أتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بنحو جور وظلم وغيرهما فأبان أن ملكه ملك لا يعرض له تغير أصلا (السلام) المسلم عباده من المهالك أو المسلم عليهم في الجنة أو ذو السلامة من كل آفة ونقص وهو مصدر نعت به وقيل مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنان بدليل {سلام قولا من رب رحيم} (المؤمن) أي المصدق رسله بقوله الصدق أو الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد طرق المخاوف وإفادة آلات تدفع بها المضار أو الذي يؤمن الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر (المهيمن) الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من هيمن الطير إذا نشر جناحه على فرخه وصونا له أو معناه الشاهد أي العالم أو الشاهد على كل نفس بما كسبت وقيل أصله مؤيمن قلبت الهمزة هاء ومعناه الأمين الصادق أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم قال الحرالي: وهذا من الأسماء التي علت بعلو معناها عن مجاز الاشتقاق وهو اسم جامع لما يرجع لمعنى العلم والكلام (العزيز) ذو العزة أو المعتز أو الرفيع أو النفيس أو العديم النظر أو القاهر لجميع الممكنات قولا وفعلا وفسره إمام الحرمين بالغلبة. قال بعضهم: ويكنى به عن التمكن من إمضاء الأحكام بإمضاء القدرة وإحاطة العلم بحكم الترتيب على مقتضى اسم الملك فهو اسم جامع لمعنى القدرة (الجبار) من الجبر وهو إصلاح الشيء بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد نحو يا جابر كل كسير وتارة في القهر المجرد ثم تجوز فيه لمجرد العلو لأن القهر مسبب عنه فقيل معناه المصلح لأمور خلقه على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال وقيل معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكافرين ويؤثر فيه قصد القاصدين (المتكبر) ذو الكبرياء وهو الملك أو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إليه فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى وتقدس فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة لكل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم (الخالق) من الخلق وأصله التقدير المستقيم فتبارك الله أحسن الخالقين أي المقدرين {وتخلقون إفكا} أي تقدرون كذبا ويستعمل بمعنى الإبداع وإيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى {خلق الله السماوات والأرض} بمعنى التكوين نحو خلق الإنسان من نطفة فالله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره أي موجده من أصل أو غير أصل (الباري) من البرء وأصله خلوص الشيء من غيره إما على منهج التقصي كبرىء فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء منه ومنه برأ الله النسمة وهو البارىء لها وقيل البارىء الذي خلق الخلق برىء من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الأكمل يميز بعضها عن بعض بالأشكال المختلفة (المصور) مبدع صور المخترعات ومزينها بحكمته فهو من معاني الحكيم والمعرفة بهذه الأسماء الثلاثة تنفي التدبير والإختيار لقوله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ما كان لهم من الخيرة أي ما جعلناها لهم لأن الذي يخلق ما يشاء هو الذي يختار ما يشاء فيهييء كل مخلوق لما أعد له ويظهره في الصورة التي شاء أن يركبه فيها
[ص:485] (الغفار) من الغفر وهو ستر الشيء بما يصونه ومعناه ستار القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بها والعفو عنها في العقبى وقال الحرالي: من الغفر وهو ستر ما يقتضي العلم غيبة وترك العقاب يلحقه من معنى العفو (القهار) الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته ومسخر بقضائه وقوته أو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك (الوهاب) كثير النعم دائم العطاء (الرزاق) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها والرزق وهو المنتفع به وكل شيء ينتفع به فهو رزق هبة مباحا أو حراما (الفتاح) الحاكم بين الخلائق من الفتح بمعنى الحكم أو مبدئ الفتح قال في الكشاف: والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق وقيل هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية وقيل مبدع الفتح والنصر (العليم) لكل معلوم أو البالغ في العلم فعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات محيط بها سابق على وجودها (القابض) الذي يضيق الرزق على من أراد (الباسط) الذي يوسعه لمن يشاء وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة (الخافض) الذي يخفض الكفار بالخزي والصغار (الرافع) الذي يرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز فيخفض أعداءه بالإذلال والإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد (المعز) الذي يجعل من يشاء مرغوبا فيه والإعزاز الحقيقي تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوة وجعله غالبا على أمره قاهرا على نفسه (المذل) الذي يجعل من يشاء مرغوبا عنه والإذلال ضد الإعزاز الحقيقي (السميع) مدرك كل مسموع (البصير) مدرك جميع المبصرات وهما في حقه صفتان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما (الحكم) الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب وقيل أصله المنع وسمي العلم حكما لأنها تمنع صاحبها عن شيم الجهال (العدل) العادل البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله (اللطيف) أي الملطف كالجميل بمعنى المجمل أو العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها أو المحسن الموصل للمنافع برفق وقال الحرالي: اللطيف من اللطف وهو إخفاء الأمور في صور أضدادها من نحو ما أخفى ليوسف عليه الصلاة والسلام أناله الملك في إلباس ثوب الرق حتى قال {إن ربي لطيف لما يشاء} (الخبير) العليم ببواطن الأمور من الخبرة وهو العلم بالخفايا الباطنة أو المتمكن من الإخبار عما علمه (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال عقوبة وتسارع إلى الانتقام (العظيم) من عظم الشيء إذا كبر عظمة ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين كالفيل والجمل أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالسماء والأرض ثم لكل شيء كبير القدر على الرتبة وعلى هذا القياس والعظيم المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر ولا بصيرة هو الله سبحانه (الغفور) كثير المغفرة وهي صيانة العبد عما يستوجبه من الانتقام بالتجاوز عن ذنبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس قيل والغفار أبلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينهما أن المبالغة في الغفور من جهة الكيفية وفي الغفار من جهة الكمية (الشكور) الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثني على عباده المطيعين أو المجازي عباده على شكرهم (العلي) فعيل من العلو وهو البالغ في علو المرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه (الكبير) نقيض الصغير وهما في الأصل يستعملان في الأجسام باعتبار مقاديرها ثم لعالي الرتبة ودانيها والله تعالى كبير بالمعنى الثاني إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول (الحفيظ) الحافظ جدا يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء
[ص:486] (المقيت) خالق الأقوات البدنية والروحانية وموصلها إلى الأشباح والأرواح أو المقتدر أو الحافظ للشيء أو المشاهد له (الحسيب) الكافي في الأمور من أحسبني إذا كفاني فعيل بمعنى مفعل كالأثيم أو المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى فاعل وقيل الشريف والحسب الشرف (الجليل) المنعوت بنعوت الجلال وهو من الصفات التنزيهية كالقدوس قاله الإمام الرازي والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير الكامل في الذات والجليل الكامل في الصفات والعظيم الكامل فيهما (الكريم) المتفضل الذي يعطي من غير مسألة ولا وسيلة أو المتجاوز الذي لا يستقصي في العقاب أو المقدس من النقائص والعيوب (الرقيب) الذي يراقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (المجيب) للداعي إذا دعاه (الواسع) الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه كافة خلقه أو المحيط علمه بكل شيء (الحكيم) ذو الحكمة وهي عبارة عن كمال العلم وإحسان العمل والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم أو هو مبالغة الحاكم (الودود) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في جميع الأحوال والمحب لأوليائه (المجيد) مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم (الباعث) لمن في القبور للنشور أو باعث الأرزاق لعباده والأولى تفسيره بالأعم (الشهيد) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظواهر الأشياء وما تمكن مشاهدته كما أن الخبير العالم ببواطنها وما يتعذر الإحساس به أو مبالغة الشاهد والمعنى يشهد على الخلق يوم القيامة (الحق) الثابت وفي مقابلته الباطل الذي هو المعدوم أو المحق أي المظهر للحق (الوكيل) القائم بأمور العباد وقال الحرالي: من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفها فهو سبحانه الوكيل على كل شيء بحكم إقامته له (القوي) الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يمسه نصب ولا لعب ولا يدركه قصور ولا تعب والقوة تطلق على معان مترتبة أقصاها القدرة التامة البالغة إلى الكمال والله سبحانه وتعالى قوي بهذا المعنى أو الذي لا يستولي عليه العجز بحال وقال الحرالي: المقوي من القوي وهي وسط ما بين الحول وظاهر القدرة لأن أول ما يوجد في الباطن من منة العمل ويسمى حولا ثم يحس به في الأعضاء مثلا يسمى قوة وظهور العمل بصورة البطش والتنازل يسمى قدرة ولذلك كان في كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله رجع بالأمور والأعمال الظاهرة إلى مسند أمر الله انتهى وأبان بهذا أن القوة أمر زائد على القدرة ومثله في الخلائق ليقرب فهمه وإلا فتعالى ربنا عن الاتصاف بصفات الأجسام من الأعضاء والإحساس والظاهر والباطن في وصفه (المتين) الذي له كمال القوة بحيث لا يعارض ولا يشارك ولا يدانى ولا يقبل الضعف في قوته ولا يمانع في أمره بل هو الغالب الذي لا يغالب ولا يغلب ولا يحتاج في قوته لمادة ولا سبب (الولي) المحب الناصر أو متولي أمر الخلائق (الحميد) المحمود المستحق للثناء وقال الحرالي: من الحمد وهو ثبوت مقتضيات الثناء المستغرق الذي لا يشذ عنه وصف ولا يعقبه تطرق بذم (المحصي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده وقيل هو القادر قال الحرالي: من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء وما شأنه التعداد (المبدىء) المظهر من العدم إلى الوجود (المعيد) الذي يعيد المعدوم وقال الحرالي: الوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في قوله {إنه هو يبدىء ويعيد} فيبدىء من الإبداء وهو الإظهار على وجه التطويل المهيء للإعادة فهو سبحانه وتعالى بدأ الخلق على نحو ما يعيدهم عليه فهو بذلك المبدىء والمعيد (المحيي) ذو الحياة وهو الفعال الدراك معطي الحياة لمن شاء حياته (المميت) خالق الموت ومسلطه على من يشاء قال الحرالي: والوارد في الكتاب من مضمون هذين الاسمين صيغة الفعل في " لا إله إلا هو يحيي ويميت " فيحيي من الإحياء وهو الإظهار من غيب عن تكامل تكون الأمانة على مظهر تكامله عودا من نهاية ذلك التكامل تغييبا إلى بعض ذلك الغيب الذي هو مبدأ التكامل أي فحقيقة الحياة تكامل في الظهور وحقيقة الموت تراجع إلى الغيب (الحي القيوم) القائم بنفسه المقيم لغيره على الدوام على أعلى ما يكون من القيام فإن قوامه بذاته وقوام كل شيء به فيعول
[ص:487] للمبالغة (الواجد) الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء أو الغنى مأخوذ من الوجد (الماجد) يعني المجيد إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد (الواحد) المتعال عن التجزىء فإن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ويكره إطلاق الواحد بهذا المعنى والله تعالى من حيث تعاليه عن أن يكون له مثل فيطرق ذاته التعدد والاشتراك أحد ومن حيث أنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول جاءني واحد من الناس ولا تقول جاءني أحد فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير والأحد منفرد بالمعنى (الصمد) السيد سمي به لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد في الرغائب وقال الحرالي: الصمد اسم مطلق وهو الملجأ الذي لا يمكن الخروج عنه لإحاطة أمره فهو راجع إلى اسم الله ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله وقال الزجاج: الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه (القادر) المتمكن من الفعل بلا معالجة ولا واسطة وقال الحرالي: من القدرة وهي ظهور الأشياء في العيان والشهادة (المقتدر) من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته ذكره الحرالي وقال القاضي: معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة (المقدم المؤخر) هو الذي يقدم بعض الأشياء على بعض إما بالذات كتقديم البسائط في المركبات أو الوجود كتقديم الأسباب على المسببات أو بالشرف كتقديم الأنبياء والصلحاء على من عداهم وإما بغير ذلك وقال الحرالي: هما من التقديم والتأخير وهو إحكام ترتيب الأشياء بعضها على بعض فلذلك نزلا منزلة اسم واحد (الأول والآخر) قال الحرالي: هما اسما إحاطة بتقديم الأول على كل أول وإحاطة الآخر بكل آخر فيه البدء أو إليه الانتهاء فليس قبله شيء ولا بعده شيء بل هو مبدأ الوجود ومنتهاه منه أبدا وإليه يعود (الظاهر الباطن) أي الظاهر وجوده بآياته ودلائله المثبتة في أرضه وسمائه إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها ومقدر قدرها والباطن بذاته المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه (الوالي) الذي تولى الأمور وملك الجمهور (المتعالي) البالغ في العلاء المرتفع عن النقائص (البر) المحسن الذي يوصل الخيرات لمن كتبها له بلطف وإحسان وقال الحرالي: البر اسم مطلق لكونه على بناء فعل وليس من أبنية الاشتقاق والجاري على الاشتقاق منه بار ولم يحفظ من أسماء الله تعالى وهو تمام الاكتفاء بما به التربية من مقتضى اسم الرب (التواب) الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد أصره ورجع إلى التزام الطاعة بقبول توبته من التوب وهو الرجوع أو الذي يوفق المذنبين للتوبة فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له (المنتقم) المعاقب للعصاة على ذنوبهم افتعال من نقم الشيء إذا كرهه غاية الكراهة قال ابن العربي: الألوهية تقتضي أن يكون في العالم بلاء وعافية فليس إزالة المنتقم من الموجود أولى من إزالة الغافر والعفو والمنعم ولو بقي من الأسماء ما لا حكم له لكان معطلا والتعطيل في الألوهية محال فعدم أثر الأسماء محال (العفو) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ في الغفور لأن الغفران ينبىء عن الستر والعفو ينبئ عن المحو وأصل العفو القصد لتناول الشيء سمي به المحو لأنه قصد لإزالة المحو (الرؤوف) ذو الرأفة وهي شدة الرحمة وهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين (مالك الملك) الذي ينفذ مشيئته في ملكه تجري الأمور فيه على ما يشاء أو هو الذي له التصرف المطلق في علو ملكه ومالك بلا حجر ولا تردد ولا استثناء ولا توقف (ذو الجلال والإكرام) الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه (المقسط) الذي ينتصف للمظلومين ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين يقال
[ص:488] قسط إذا جار وإذا عدل أو أزال الجور وقال الحرالي: من القسط وهو القيام بأتم الوزن وأعدل التكافىء (الجامع) المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متزاوجة وممتزجة في الأنفس والأفاق أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء (الغني) المستغني عن كل شيء (المغني) معطي كل شيء ما يحتاجه (المعطي) من شاء ما شاء لا مانع لما أعطى (المانع) الدافع لأسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان أو من المنعة أي يحوط أولياءه وينصرهم أو من المنع أي يمنع من يستحق المنع (الضار النافع) الذي يصدر عنه النفع والضر إما بواسط أو بغيره (النور) الظاهر بنفسه المظهر لغيره (الهادي) {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} خاصته إلى معرفة ذاته فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته فاستشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته (البديع) المبدع وهو الآتي بما لم يسبق إليه أو الذي لم يعهد مثله (الباقي) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء (الوارث) الباقي بعد فناء العباد فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك (الرشيد) الذي ينساق تدبيره إلى غاية السداد من غير استشارة ولا إرشاد أو مرشد الخلق إلى مصالحهم فعيل بمعنى فاعل وقال الحرالي: الرشيد من الرشد وهو التولي بأمر لا يناله تعقب ولا يلحقه استدراك (الصبور) الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الأول وفارق الحليم بأن الصبور يشعر بأنه يعاقب في العقبى بخلافه وأصل الصبر حبس النفس عن المراد فاستعير لمطلق التأني في الفعل قال الحرالي: الصبور من الصبر وهو احتمال الأذى الذي هو وصف المتنزه بما يتنزه عنه ولاستحقاق التنزيه والتسبيح كان ذلك في حقه سبحانه وتعالى أشد
(ت) في الدعوات (حب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال التنائي غريب لا نعلم ذكر الأسماء إلا في هذا الخبر وذكره آدم ابن أبي إياس بسند آخر ولا يصح انتهى قال النووي في الأذكار إنه أي حديث الترمذي هذا حديث حسن وقدم المصنف هذه الرواية على ما بعدها لأنها أرجح الثلاثة وعليها شرح الأكثر(2/483)
2368 - (إن لله تسعة وتسعين اسما) بتقديم التاء على السين فيهما قال بعضهم: مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وقد يؤخذ باعتبار الأجزاء وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ولا خفاء في تكثير أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه سبحانه عن التركيب (من أحصاها كلها) علما وايمانا أو عدا لها حتى يستوفيها فلا يقتصر على بعضها بل يثني على الله تعالى ويدعوه بكلها أو في رواية لابن مردويه بدل من أحصاها من دعا بها (دخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (أسأل الله) أي أطلب من الذات الواجب الوجود لذاته قال ثعلب: مفرد فيه توحيد مجرد وخاصيته زيادة اليقين بتيسير المقاصد المحمودة في الذات والصفات والأفعال فقد قالوا من دوامه كل يوم ألف مرة بصيغة يا ألله يا هو رزقه الله كمال اليقين وفي الأربعين الادريسية يا ألله المحمود في كل فعاله قال السهروردي: من تلاه يوم الجمعة قبل الصلاة على طهارة ونظافة خاليا سرا مائتي مرة يسر الله له مطلوبه وإن كان ما كان وإن تلاه مريض أعجز الأطباء علاجه برىء ما لم يكن حضر أجله (الرحمن) فعلان من الرحمة التي هي ظهور أمره تعالى في الخلق بنوع من الرفق وخاصيته على وفق معناه صرف المكروه عن ذاكره وحامله ويذكر مئة مرة بعد كل صلاة في جمعية وخلوة فيخرج الغفلة والنسيان وفي الأربعين الادريسية يا رحمن كل شيء وراحمه قال يكتب بزعفران ممسك ويدفن في بيت من أخلاقه شرسة ضيقة تتبدل طباعه ويظهر فيه الحياء والرحمة والعطف والمسكنة (الرحيم) فعيل من الرحمة قيل وهو أبلغ مما قبله في الصيغة لأن مقتضاه الإمداد وهو بعد الإيجاد فله متعلقان في الأثر ووجهان في المعنى ولما كانت صورة الامداد يظهر أثرها من الخلق جاز إطلاق هذا الاسم عليهم على وجه يليق بهم واختص بالمؤمنين {وكان بالمؤمنين رحيما} وإمداد الكافر إنما هو استدراج {إنما نملي لهم ليزدادوا
[ص:489] إثما} فإمداد الكافر نقمة وإمداد المؤمن رحمة وخاصيته رقة القلوب ورحمة الخلق فمن داومه كل يوم مئة مرة كان له ذلك فمن خاف الوقوع في مكروه ذكره مع ما قبله وحمله قال السهروردي: إذا كتب وحل في ماء وصب في أصل شجرة ظهرت بركتها ومن شرب الماء اشتاق لكاتبه (الإله) المنفرد بالألوهية قال الاقليشي: الصحيح أن الله وإله اسمان على حيالهما وأن الله يتسمى بإله ولا يتسمى بلاه وإن كان يجوز كون أصل الله إله فقد انتقل حكمه وثبت الله اسما له وثبت له أيضا إله فالإله هو الذي يأله إليه كل شيء أي يلجأ ولذلك يضاف إلى كل موجود في الوجود والله هو الذي تأله إليه العقول العالمة به أي تتحير (الرب) المالك أو السيد أو القائم بالأمر والمصلح أو المربي (المالك) المتصرف في المخلوقات بالقضايا والتدبيرات دون احتياج ولا حجر ولا مشاركة غير مع وصف العظمة والجلال ومن علم أنه الملك الحق الذي ينتهي الآمال إليه جعل همته وقفا عليه فلم يتوجه في كل أموره إلا إليه وخاصية صفاء القلب وحصول الغنى ونحو الأمرة فمن واظبه وقت الزوال كل يوم مئة مرة صفا قلبه وزال كدره ومن قرأه بعد الفجر كل يوم مئة وعشرين مرة أغناه الله من فضله (القدوس) فعول من القدس صيغة مبالغة وحقيقته الاعتلاء عن قبول التغير وخاصيته أن يكتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز أثر صلاة الجمعة فآكله بعد ذكر ما وقع عليه يفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وزيادة (السلام) ذو السلامة من كل آفة ونقص وحقيقة السلامة استواء الأمر والتوسط بين طرفي ظهور الرحمة والمحنة وتوسط حال بين منعم عليه ومنتقم منه وخاصيته صرف المصائب والآلام حتى إذا قرىء على مريض مئة وإحدى وعشرين مرة برىء ما لم يحضر أجله أو خفف عنه (المؤمن) المصدق لمن أخبر عنه بأمره بإظهار دلائل صدقه قال إمام الحرمين: وهو يرجع إلى التأمين بمجموع القول والفعل ونسق بالسلام لمزيد معنى التأمين على السالم لما فيه من الإقبال والقبول وخاصيته وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق ومن خاصيته أن يذكره الخائف ستا وثلاثين مرة يأمن على نفسه وماله ويزاد بحسب القوة والضعف (المهيمن) الشاهد المحيط بداخلة ما شهد فيه ومن عرف أنه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه في كل أحواله وخاصيته الحصول على شرف الباطن وعزته برفع الهمة وعلوها تقرأ مئة مرة بعد الغسل والصلاة بخلوة وجمع خاطر لما يريد (العزيز) الممتنع عن الإدراك الغالب على أمره المرتفع عن أوصاف الخلق ومن عرف أنه العزيز رفع همته عن الخلق قال المرسي: والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلائق وقال ابن عطاء الله يقال لك إذا استندد لغير الله ففقدته أنظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا وخاصيته وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى فمن ذكره أربعين يوما كل يوم أربعين مرة أغناه الله وأعزه ولم يحوجه لأحد (الجبار) من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله أو من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم وخاصيته الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين سفرا وحضرا يذكر صباحا ومساءا (المتكبر) المظهر كبرياءه لعباده بظهور أمره حتى لا يبقى كبرياء لغيره قال إمام الحرمين: وهو اسم جامع لمعاني التنزيه وهو من الأسماء الذي جبلت الفطر على اعتقاد معناه كما جبلت على افدمان لاسم الله وخاصيته الجلالة والبركة حتى أن من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقبل جماعها عشرا رزق ولدا ذكرا صالحا (الخالق) موجد الكائنات وممدها ومشيدها وقيومها والتخليق إيجاد الممكن وإبرازه للوجود فهو من معاني القدرة وخاصيته أن يذكر في جوف الليل فينور قلب ذاكره ووجهه (البارىء) المهيء كل ممكن لقبول صورته في خلقه فهو من معاني الإرادة وخاصيته أن يذكر سبعة أيام متوالية كل يوم مئة مرة للسلامة من الآفات (المصور) معطي كل مخلوق ماله من صورة وجوده بحكمته فهو من معاني الحكيم بهذه الثلاثة ظهر الوجود وخاصيته الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار حتى أن العاقر إذا ذكرته كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الفطر سبعة أيام وتفطر على ماء زال عقمها ويصور الولد في رحمها (الحكيم) المحكم للأشياء حتى صدرت متقنة على وفق علمه وإرادته بقضائه وقدره وخاصيته دفع الدواهي وفتح باب الحكمة (العليم) بمعنى
[ص:490] العالم والعالم من قام به العلم وهو صفة معنوية متعلقة بالمعلومات واجبة وجائزة ومستحيلة وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن لازمه عرف الله حق معرفته على الوجه اللائق به (السميع) الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركا لكل مسموع من كلام وغيره وخاصيته إجابة الدعاء فمن قرأه يوم الخميس بعد صلاة الضحى خمس مئة مرة كان مجاب الدعاء (البصير) المدرك لكل موجود برؤيته وخاصية وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مئة مرة فتح الله عين بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل (الحي) الموصوف بالحياة التي لا يجوز عليها فناء ولا موت ولا يعتريها قصور ولا عجز ولا تأخذه سنة ولا نوم وخاصيته ثبوت الحياة في كل شيء (القيوم) القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره قال الحرالي: من القيام مؤكدا بصيغة المبالغة فيعول إنباء عن القيام بالأمور أولها وآخرها باطنها وظاهرها وخاصيته حصول القيام والقيومية ذاتا ووصفا قولا وفعلا فمن ذكره مجردا ذهب عنه النوم (الواسع) الذي وسع علمه ورحمته كل شيء وقال الحرالي: من السعة وهي إحاطة الأمر بكل ما شأنه الإحاطة من معنى القدرة والعلم والرحمة وسع كل شيء رحمة وعلما وخاصيته حصول السعة والجاه وسعة الصدر والقناعة والسلامة من نحو حرص وغل وحقد وحسد لذاكره الملازم (اللطيف) بمعنى الخفي عن الإدراك أو العالم بالخفيات وخاصيته دفع الآلام فمن ذكره عدده الواقع عليه وهو يشاهد الجلالة أثر في المقام ومن ذكره كل يوم مئة مرة أو مئة وثلاثين أو ثمانين مرة وسع عليه ما ضاق وكان ملطوفا به (الخبير) العليم بدقائق الأمور التي لا يصل إليها غيره إلا بالاختيار أو الاحتيال وقال الحرالي: هو من الخبرة أي إظهار ما خفي في الأشياء إظهار وفاء وخاصيته حصول الإخبار بكل شيء فمن ذكره سبعة أيام أتته الروحانية بكل خير يريده من أخبار السنة والملوك وأخبار القلوب ومن كان في يد إنسان يؤذيه فليكثر قراءته (الحنان) بالتشديد الرحيم بعباده من قولهم فلان يتحنن على فلان أي يترحم ويتعطف عليه (المنان) الذي يشرف عباده بالامتنان بماله من عظيم الإنعام والإحسان (البديع) المبدع أو الذي لا مثل له وخاصيته قضاء الحوائج ودفع الجوائح فمن قرأه سبعين ألف مرة كان له ذلك (الودود) كثير الود لعباده والتودد لهم بوار النعم وصرف النقم وإيصال الخيرات ودفع المضرات وخاصيته ثبوت الود سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مرة على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته (الغفور) هو من معنى الغفار إلا أن الغفار يقتضي العموم في الأزمان والأفراد والغفور يقتضي المبالغة في كثرة ما يغفر وخاصيته دفع الألم حتى أنه ليكتب للمحموم ثلاث مرات فيبرأ وإن كتب سيد الاستغفار وجرع لمن صعب عليه الموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت ذكره البلالي وجرب (الشكور) المجازي بالخير الكثير على العمل اليسير وقال الحرالي: من الشكر وهو إظهار مستبطن الخير فعلا أو قولا وخاصيته التوسعة ووجود العافية في البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق نفسي أو تعب في البدن وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برىء (المجيد) ذو الشرف الكامل والملك الواسع الذي لا غاية له ولا يمكن الزيادة عليه ولا الوصول لشيء منه وخاصيته تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى في عالم الأبدان والصور فقد قالوا إذا صام الأبرص أيام المرض وقرأه كل يوم عند الفطر كثيرا برىء بسبب أو بلا سبب وقيل إن البرص إذا جاوز خمسين سنة لا يبرأ لسريانه في كلية التركيب فلا يزول إلا بتحول الذات وذلك متوقف على الموت (المبدىء) مظهر الكائنات من العدم الغيبي إلى الوجود العيني وخاصيته يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا وعشرين مرة يثبت ما في بطنها ولا ينزلق (المعيد) مرجع الأكوان بعد العدم وخاصيته أن يذكر مرارا لتذكار المحفوظ إذا نسي سيما إذا أضيف له الأول (النور) مظهر الأعيان من العدم إلى الوجود قال الحرالي:
[ص:491] هو مظهر المظاهر المبين لذات كل شيء وفرقانه على أتم ما شأنه أن يبين ويظهر وخاصيته تنوير القلب لذاكره وجوارحه (البارىء) من يخرج الأشياء من العدم إلى الوجود (الأول) الذي لا مفتتح لوجوده (الآخر) الذي لا مختتم له لثبوت قدمه واستحالة عدمه فكل شيء منه بدأ وإليه يعود وخاصية الآخر الأول جمع الشمل فإذا واظبه مسافر كل يوم جمعة ألفا انجمع شمله وخاصيته صفاء الباطن عما سواه تعالى فإذا واظبه كل يوم مئة خرج من قلبه ما سواه تعالى (الظاهر الباطن) الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن التكيف والأوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكيف قال في الحكم: أظهر كل شيء لأنه الباطن وطوى وجود كل شيء لأنه الظاهر وخاصية الأول إظهار نور الولاية على قلب قارئه وقالبه والثاني وجود الأنس لمن قرأه كل يوم ثلاث مرات في كل مرة ساعة زمانية (العفو) الذي يترك المؤاخذة بالذنب حتى لا يبقى له أثر فيعفو أثره أي يندرس ويذهب ويؤخذ من قولهم عفا الأثر إذا ذهب وخاصيته أن من أكثر ذكره فتح له باب الرضى (الغفار) الكثير المغفرة لعباده والمغفرة الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة وخاصيته وحود المغفرة فمن ذكره أثر صلاة الجمعة مئة مرة ظهرت له آثار المغفرة (الوهاب) من الهبة وهي العطية بلا سبب سابق ولا استحقاق ولا مقابلة ولا جزاء وفي صيغته من المبالغة ما لا يخفى وخاصيته حصول الغنى والفبول والهيبة والإجلال لذاكره ومن داومه في سجود صلاة الضحى فله ذلك ويذكر مركبا مع اسمه الكريم ذي الطول الوهاب للبركة في المال والجاه (الفرد) الذي لا شفع له من صاحبة أو ولد لعدم مجانسته غيره وخاصيته ظهور عالم القدرة وآثارها حتى لو ذكره ألفا في خلوة وطهارة ظهرت له من ذلك عجاب وغرائب بحسب قوته وضعفه (الأحد) الذي انقسامه مستحيل قال الأفلشي: الفرق بينه وبين الواحد أن الواحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متحيز فهو اسم لعين الذات فيه سلب الكثرة عن ذاته والأحد وصفا لذاته فيه سلب النظير والشريك عنه فافترقا وقال السهيلي: أحد أبلغ وأعم ألا ترى أن ما في الدار أحدا وأبلغ من ما فيها واحد وقال بعضهم: قد يقال إنه الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله والأحد في وحدانيته إذ لا يقبل التغير ولا التشبه بحال (الصمد) الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد فيها وخاصيته حصول النجاح والصلاح فمن قرأه عند السحر مئة وخمسة وعشرين مرة كل يوم ظهر عليه آثار الصدق والصديقية (الوكيل) المتكفل بمصالح عباده الكافي لهم في كل أمر. وقال الحرالي: من الوكالة وهي تولي الترتيب والتدبير إقامة وكفاية أو تلقيا وترفيها وخاصيته نفي الحوائج والصائد فمن خاف ريحا أو صاعقة فليكثر منه فإنه يصرف عنه ويفتح أبواب الخير والرزق (الكافي) عبده بإزالة كل جائحة وحده (الحسيب) من الحسب بالتحريك السؤدد والشرف الكامل أو من الحسب الذي هو الإكتفاء أي المعطي لعباده كفايتهم من قولهم حسبي أي يكفيني أو من الحساب أي المحاسب لعباده على أعمالهم وخاصيته وقوع الأمن بين ذوي الأنساب والقرابات فيقرأه من يخاف عليه من قريبه كل يوم قبل الطلوع وبعد الغروب سبعا وسبعين مرة فإن الله يؤمنه قبل الأسبوع ويكون الإبتداء يوم الخميس (الباقي) الذي لا يجوز عليه العدم ولا الفناء وخاصيته أن من ذكره ألف مرة تخلص من ضده وهمه وغمه (الحميد) الموصوف بالصفات العلية التي لا يصح معها الحمد لغيره ولا يثنى عليه حقيقة سواه وخاصيته إكتساب المحامد في الأخلاق والأفعال والأقوال (المقيت) معطي كل موجود ما قام به قوامه من القوت والقوة الحسية والمعنوية وخاصيته وجود القوت والقوة فالصائم إذا قرأه وكتبه على التراب وبله ثم شمه قواه على ما هو به ومن قرأه على كوز سبعا ثم كتب عليه وكان يشرب فيه في السفر أمن وحشة السفر سيما إن أضاف إليه قراءة سورة قريش صباحا ومساء وقد جربت لذلك وللأمن فيه (الدائم) الذي لا يقبل الفناء فلا انقضاء لديموميته قال الأقليشي: وهو وصف ذات سلبي كالباقي إلا أن في الدائم زيادة معنى وهو أن الدائم الباقي على حالة واحدة وثبوت الدوام له ضروري وما ثبت قدمه استحال عدمه وقال بعضهم: الدائم هو الذي لا انصرام لوجود ولا انقطاع لبقائه (المتعالي)
[ص:492] المرتفع في كبريائه وعظمته وعلو مجده عن كل ما يدرك أو يفهم من أوصاف خلقه وخاصيته وجود الرفعة وصلاح الحال حتى أن الحائض إذا لازمته أيام حيضها أصلح الله حالها (ذا الجلال والإكرام) الذي له العظمة والكبرياء والإفضال التام وخاصيته وجود العزة والكرامة وظهور الجلالة (الولي) المتولى لأمور عباده المختصين بإحسانه {والله ولي المتقين} {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} وخاصيته ثبوت الولاية الملازمة حتى أنه يحاسب حسابا يسيرا وتيسير أموره حتى أن من ذكره كل يوم جمعة ألفا نال مطالبه (النصير) كثير النصر لأوليائه نعم المولى ونعم النصير (الحق) الثابت الوجود على وجه لا يقبل الزوال ولا العدم ولا التغيير والكل منه وإليه فكل شيء دونه باطل إذ لا حقيقة لمن دونه من ذاته ولا في ذاته. . . ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . . وخاصيته أن يكتب في كاغد مربع على أركانه الأربع ويجعله في كفه سحرا ويرفعه إلى السماء يكفيه الله ما أهمه (المبين) المظهر للصراط المستقيم لمن شاء هدايته من خلقه ومن لازم لا إله إلا الله الملك الحق المبين في كل يوم مئة مرة استغنى من فقره وحصل على تيسير أمره (الباعث) مثير الساكن في حالة أو وصف أو حكم أو نوم أو غيره فهو باعث الرسل بالأحكام والمولى للقيام والقائم باليقظة من المنام وخاصيته بعث عالم الغيب فمن وضع يده على صدره عند النوم وقرأه مئة مرة نور الله قلبه ورزقه العلم والحكمة (المجيب) الذي يسعف السائل بمقتضى فضله حالا ومآلا بأن يعطيه مراده وما هو أفضل أو أسلم أو أصلح في علمه وخاصيته إسراع الإجابة بأن يذكر مع الدعاء سيما مع اسمه السميع (المحيي) خالق الحياة ومعطيها لكل من شاء حياته على وجه يريده ومديمها لمن شاء دوامها له كما شاء بسبب وغيره وخاصيته وجود الألفة فمن خاف الفراق أو الحبس فليقرأه على بدنه (المميت) خالق الموت ومسلطه على من شاء من الأحياء متى شاء وكيف شاء بسبب وبدونه وقد يكون من ذلك في المعاني وجها فيحيي القلوب بنور المعرفة كما أحيا الأجسام بالأرواح ويميتها بعارض الغفلة ونحوها وخاصيته أن يكثر منه المسرف والذي لم تطاوعه نفسه على الطاعة (الجميل) في ذاته وصفاته وأفعاله قال الأقليشي: وهو صفة ذانية سلبية إذ الجميل من الخلق من حسنت صفاته وانتفى عنه الشين وقد يكون صفة فعل بمعنى مجمل (الصادق) في وعده وإيعاده (الحفيظ) مدبر الخلائق وكالؤهم عن المهالك أو العالم بجميع المعلومات علما لا تغير له ولا زوال وخاصيته أنه ما حمله أحد ولا ذكره في مواضع الاحتمال إلا وجد بركته لوقته حتى أن من علقه عليه لو نام بين السباع لم تضره (المحيط) بجميع مخلوقاته وبما كان وما يكون منهم من الظواهر والبواطن (الكبير) الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فهو يحتقر كل شيء في جنب كبريائه وخاصيته لفتح باب العلم والمعرفة لمن أكثر ذكره وإن قرىء على طعام وأكله الزوجان تصالحا وتوافقا (القريب) من لا مسافة تبعد عنه ولا غيبة ولا حجب يمنع منه (الرقيب) الذي لا يغفل ولا يذهل ولا يجوز عليه ذلك فلا يحتاج لمدبر ولا منبه وخاصيته جمع الضوال وحفظ الأهل والمال فصاحب الضالة يكثر قراءته فيجمع عليها ويقرأه من خاف على الجنين في بطن أمه سبع مرات فيثبت ومن أراد سفرا يضع يده على عنق من يخاف عليه المنكر من أهل أو ولد ويقوله سبعا يأمن عليه (الفتاح) المتفضل بإظهار الخير والسعة على أثر ضيق وانفلاق وخاصيته تيسير الأمور وتنوير القلب والتمكين من أسباب الفتح فمن قرأه إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره طهر قلبه وتنور سره وتيسر أمره وفيه سر تيسير الرزق (التواب) الذي يكثر منه التوبة على عباده وخاصيته دفع الظلم وتحقيق التوبة ومن قرأه إثر صلاة الضحى ثلاث مئة وستين مرة تحققت توبته ومن قرأه على ظالم عشر مرات خلص منه مظلومه (القديم) الذي لا ابتداء لوجوده (الوتر) المنفرد بالتوحيد (الفاطر) المخترع المبدع فاطر السماوات والأرض وهو من صفات الفعل (الرزاق) ممد كل كائن بما يتحفظ به صورته ومادته فإمداد الأجسام بالأغذية والعقول والقلب بالفهم والأرواح بالتجليات وخاصيته سعة الرزق يقرأ قبل صلاة الفجر في كل
[ص:493] ناحية من البيت عشرا يبدأ باليمين من جهة القبلة ويستقبلها في كل ناحية إن أمكن (العلام) البالغ في العلم لكل معلوم وخاصيته تحصيل العلم والمعرفة فمن واظبه عرف الله حق معرفته (العلي) المرتفع عن مدارك العقول ونهاياتها في ذاته وصفاته وأفعاله فليس كذاته ذات ولا كصفته صفة ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل وخاصيته الرفع من أسافل الأمور إلى أعاليها فيكتب ويعلق على الصغير فيبلغ وعلى الغريب فينجمع شمله وعلى الفقير فيجد غنى (العظيم) الذي يحتقر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فهو العظيم على الإطلاق وخاصيته وجود العافية والبرء من المرض لمن يكثر من ذكره ولم يكن حضر أجله (الغني) الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله إذ لا يلحقه نقص ولا يعتريه عارض وخاصيته وجود العافية في كل شيء فمن ذكره على مرض أو بلاء في بدنه أو غيره أذهبه الله عنه وفيه سر الغنى ومعنى الاسم الأعظم لمن أهل له (المغني) معطي الغنى أي الكفاية لمن شاء من عبيده وخاصيته وجود الغنى فيقرأه الآيس من الخلق كل يوم ألف مرة يغنيه الله وإن قرأه عشر جمع كل ليلة جمعة عشرة آلاف ظهر الأثر على أثرها (المليك) مبالغة من المالك لأن فعيلا في اللسان مصوغ للمبالغة في اسم الفاعل (المقتدر) بمعنى القادر أو أخص كما مر وخاصيته وقوع التدبير من مولاه له فمن قرأه عند انتباهه من نومه نظرا دبره الله فيما يريد حتى لا يحتاج إلى تدبير (الأكرم) أي الأكثر كرما من كل كريم (الرؤوف) من الرأفة وهي أشد الرحمة فالرأفة باطن الرحمة والرحمة من أخص الأوصاف الإرادية لأن الرحمة إرادة كشف الضرر ودفع السوء بنوع عطف والرأفة بزيادة لطف ورفق وخاصيته أن من ذكره عند الغضب عشرا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مثلها سكن غضبه وكذا من ذكر بحضرته (المدبر) لأسرار خلقه بما تحار فيه الألباب وهو اسم فاعل من دبر يدبر إذا نظر في عواقب الأمور وخاصيته وقوع التدبير من الله تعالى له فمن لازمه شهد أن التدبير في ترك التدبير (المالك) وهو اسم جامع لمعاني الصفات العلا وإحاطة العلم والاقتدار بحيث لا يعزب عن علمه شيء مما هو ملكه ولا يعجز عن إنفاذ ما يقتضيه حكمه ومن فسره بالخلق أخذ طرفا من معناه وكذا من فسره بالقدرة وخاصيته صفاء القلب والتخلص عن شوائب الكدر لمن داوم ذكره (القاهر) من القهر وهو الاستيلاء على الشيء من جهة أمر ظاهره من جهة الملك والسلطان وباطنه من جهة علو المكانة وقيام الحجة ذكره الحرالي وأشار بآخره إلى قوله تعالى {وهو القاهر فوق عباده} وخاصيته إذهاب حب الدنيا وعظمة ما سوى الله من قلبه وضعف النفس عن التعلقات الدنيوية فمن أكثر ذكره حصل له ذلك وظهرت له آثار النصر على عدوه بقهره (الهادىء) مرشد العباد أمرا وتوفيقا فهو {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} وخاصيته هداية قلب حامله وذاكره وإن ذاكره يرزقه التحكم في البلاد وله وضع وملدة واختصاص (الشاكر) الثاني بالجميل على من فعله من عباده المثيب عليه من بحر إمداده وإنعامه (الكريم) الرفيع القدر العظيم الشأن ومنه أن هذا الأملاك كريم وهذا كرم الذات وكرم الأفعال البداء بالنوال قبل السؤال والإعطاء بلا حد ولا زوال وهو تعالى كريم ذاتا وصفاتا وفعلا وخاصيته وجود الكرم والإكرام فمن دارم ذكره عند النوم أوقع الله في القلوب إكرامه (الرفيع) البالغ في إرتفاع المرتبة (الشهيد) الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئي ولا مسموع ولا يحتاج فيه إلى تعريف بل هو المعرف لكل شيء {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} وخاصيته الرجوع عن الباطل إلى الحق حتى أنه إذا أخذ من جبهة الولد العاق شعرا وقرأ عليه أو على الزوجة كذلك ألفا صلح حالهما (الواحد) المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله فهو أحد في ذاته لا ينقسم ولا يتجزأ واحد في صفاته لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء واحد في أفعاله لا شريك له ولا نظير وخاصيته إخراج الخلق من القلب فمن قرأه كل يوم ألف مرة أخرج الخلائق
[ص:494] من قلبه فكفي خوف القلب وهو أصل كل بلاء (ذو الطول) الإضافة لذلك إذ الطول اتساع الغنى والفضل يقال طال عليهم يطول إذا أفضل فلما كان يطول على عباده بطوله ويوسعهم بجزيل عطائه سمي به (ذا المعارج) أي المصاعد قال الاقليشي: والأظهر أن الإضافة ملكية أو تكون المعارج المراقي الموضوعة لعروج الملائكة ومن يعرج عليها إلى الله ويحتمل كونه من إضافة الصفة إلى الموصوف فتكون المعارج الدرجات العالية والأوصاف الفاضلة التي استحقها لذاته (ذا الفضل) الزيادة في العطاء (الخلاق) الكثير المخلوقات (الكفيل) المتكفل بمصالح خلقه (الجليل) من له الأمر النافذ والكلمة المسوعة ونعوت الجلال كالملك والغنى إلى هنا تم الكلام على شرح ما في هذا الخبر من الأسماء قال الحافظ ابن حجر هذا يخالف سياق الترمذي في الترتيب والزيادة والنقصان وإنما ترك العاطف بين هذه الأسماء في هذا الخبر وما قبله إشعارا باستقلال كل من الصفات الكمالية فيها قصد من ذكره ولأن شيئا منها لا يؤدي جميع مفهوم اسم الذات العلم وقد يذكر بالعطف للمناسبة والتصريح بالاجتماع وقد تذكر في بعض وتترك في بعض تفننا فإنه يوجب توجه الذهن أو لزيادة مناسبة وكمال علاقة
(ك) من حديث عبد العزيز بن الحصين عن أبي أيوب وعن هشام بن حسان جميعا عن ابن سيرين عن أبي هريرة (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (وابن مردويه معا في التفسير) أي تفسير القرآن (وأبو نعيم) الحافظ (في الأسماء الحسنى) أي في شرحها كلهم (عن أبي هريرة) قال الحاكم وعبد العزيز ثقة وتعقب الحافظ ابن حجر فقال بل هو متفق على ضعفه وهاه الشيخان وابن معين اه وفي الميزان عن البخاري ليس بالقوي عندهم وعن ابن معين ضعيف وعن مسلم ذاهب الحديث وعن ابن عدي الضعف على رواياته بين ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الحديث(2/488)
2369 - (إن لله) تعالى (تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا) بدل من تسعة وتسعين وفائدته التأكيد والمبالغة في التقدير والمنع من الزيادة في القياس ذكره بعضهم قال أبو البقاء روى مئة بالنصب بدل من تسعة وتسعين وبالرفع بتقدير هي مئة وقوله إلا واحدا منصوب على الاستثناء وبالرفع على أن تكون إلا بمعنى غير فتكون صفة لمئة وروى مئة إلا واحدة قال الطيبي: أنت ذهابا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وبين وجه كونها إلا واحدا بقوله (إنه وتر) أي فرد (يحب الوتر) أي يرضاه ويحبه فشرع لنا وترين وترا بالنهار وهو صلاة المغرب ووترا بالليل ليكون شفعا لأن الوترية في حق المخلوق محال قال تعالى {ومن كل شيء خلقنا زوجين} حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله تعالى (من حفظها دخل الجنة: الله) اسم جامع محيط بجميع الأسماء وبمعانيها كلها (الواحد) في ذاته وصفاته {ليس كمثله شيء} ومن عرف أنه الواحد أفرد قلبه له فلا يرى في الدارين إلا هو وبه يتضح التخلق فيكون واحدا في عمره بل في دهره وبين أبناء جنسه:
إذا كان من تهواه في الحسن واحدا. . . فكن واحدا في الحب إن كنت تهواه
(الصمد) من له دعوة الحق وكل كمال مطلق ومن عرف أنه الصمد لم يصمد لغيره وكان غنيا به في كل أحواله (الأول) السابق على الأشياء كلها (الآخر) الباقي وحده بعد فناء خلقه فلا ابتداء ولا انتهاء لوجوده ومن عرف أنه الأول غاب عن كل شيء به ومن عرف أنه الآخر رجع في كل شيء إليه (الظاهر) لذاته وصفاته عند أهل البصيرة أو العالم [ص:495] بالظواهر المتجلي للبصائر الباطن المخفي كنه ذاته وصفاته عما سواه (. . .)
(حل) عن زكريا ابن الصلت عن عبد السلام بن صالح عن عباد بن العوام عن عبد الغفار المدني عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) قال تفرد به عبد الغفار اه وقال الحافظ العراقي في ذيل الميزان لم أر من تكلم في زكريا بالضعف وإنما الآفة من شيخه المذكور وأقره ابن حجر في اللسان
_________
(. . .) هنا بياض بجميع الأصول بمقدار شرح أربعة أحاديث(2/494)
2370 - إن لله تعالى مئة اسم غير اسم من دعا به استجاب الله له - ابن مردويه عن أبي هريرة (ض)(2/495)
2371 - إن لله تعالى عبادا يضن بهم عن القتل ويطيل أعمارهم في حسن العمل ويحسن أرزاقهم ويحييهم في عافية ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش فيعطيهم منازل الشهداء (طب) عن ابن مسعود (ض)(2/495)
2372 - إن لله تعالى ضنائن من خلقه يغدوهم في رحمته يحييهم في عافية ويميتهم في عافية وإذا توفاهم توفاهم إلى جنته أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم بها في عافية (1) - (طب حل) عن ابن عمرو
(1) محصل هذا الحديث وما قبله أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن لله سبحانه وتعالى عبادا يمنعهم من أن يقتلوا لمكانتهم عنده ويطيل أعمارهم في الأعمال الصالحة ويوسع أرزاقهم من الحلال الخالص ويحييهم في أمان من الفتن بصرف قلوبهم عنها فهم يتقلبون في طاعته ليل نهار وقد جادوا بأرواحهم لربهم يقبضهم الله وهم على فرشهم ولكنه يبلغهم منازل الشهداء {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}(2/495)
2373 - إن لله تعالى عند كل بدعة كيد بها الاسلام وأهله وليا صالحا يذب عنه ويتكلم بعلاماته فاغتنموا حضور تلك المجالس بالذب عن الضعفاء وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا (2) - (حل عن أبي هريرة)
(2) حاصل هذا الحديث أن لله تعالى عبادا تولاهم يدفعون عن الإسلام ويذبون عنه ويدافعون عن المسلمين ويحاربون البدع وأمرنا سبحانه وتعالى بالحرص على مجالس هؤلاء العباد ونصرهم والدفاع عنهم وتأييد الحق وأن لا نخشى في الله لومة لائم وأمرنا بالتوكل عليه والاعتماد عليه ووعدنا بالنصر والله لا يخلف الميعاد. اه(2/495)
2374 - (إن لله تعالى أهلين من الناس) قالوا ومن هم يا رسول الله قال (أهل القرآن) وأكد ذلك وزاده إيضاحا وتقريرا في النفوس بقوله (هم أهل الله وخاصته) أي الذين يختصون بخدمته قال العسكري: هذا على المجاز والتوسع فإنه لما قربهم واختصهم كانوا كأهله ومنه قيل لأهل مكة أهل الله لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله
(حم ن هـ ك [ص:496] عن أنس) قال الحاكم روي من ثلاثة أوجه هذا أجودها اه وفي الميزان رواه النسائي وابن ماجه من طريق ابن مهدي عن عبد الرحمن بن بديل وأحمد عن عبد الصمد عن ابن بديل تفرد به وقد ضعفه يحيى ووهاه ابن حبان وقواه غيرهما(2/495)
2375 - (إن لله تعالى آنية) جمع إناء وهو وعاء الشيء (من أهل الأرض) من الناس أو من الجنة والناس أو أعم (وآنية ربكم) في أرضه (قلوب عباده الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الحق والخلق بمعنى أن نور معرفته تملأ قلوبهم حتى تفيض على الجوارح وأما حديث ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فلا أصل له (وأحبها إليه) أي أكثرها حبا عنده (ألينها وأرقها) فإن القلب إذا لان ورق وانجلى صار كالمرآة الصقيلة فإذا أشرفت عليه أنوار الملكوت أضاء الصدر وامتلأ من شعاعها فأبصرت عين الفؤاد باطن أمر الله في خلقه فيؤديه ذلك إلى ملاحظة نور الله تعالى فإذا لاحظه فذلك قلب استكمل الزينة والبهاء بما رزق من الصفاء فصار محل نظر الله من بين خلقه فكلما نظر إلى قلبه زاده به فرحا وله حبا وعزا واكتنفه بالرحمة وأراحه من الزحمة وملأه من أنوار العلوم قال حجة الإسلام: وهذه الأنوار مبذولة بحكم الكرم الرحمني غير مضنون بها على أحد فلم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع بل لخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب لما تقرر أن القلب هو الآنية والآنية ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء والقلوب مشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله
(طب عن أبي عنبة) بكسر المهملة وفتح النون والموحدة الخولاني اسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة صحابي له حديث قيل أسلم في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يره بل صحب معاذ بن جبل ونزل بحمص ومات في خلافة عبد الملك على الصحيح قال الهيثمي إسناده حسن وقال شيخه العراقي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث فيه(2/496)
2376 - (إن للإسلام ضوى) بفتح الضاد العجمة والتنوين كذا ذكره البعض لكن في النهاية الجزم بأنه بصاد مهملة أي أعلاما منصوبة يستدل بها عليه واحدتها ضوة كقوة قال في الفردوس والنهاية: والصوى أعلام منصوبة من الحجارة في الفيافي والمفاوز يستدل بها على الطريق وفي المصباح: الضوة العلم من الحجارة المنصوبة في الطريق والجمع ضوى كمدية ومدى وقال الزمخشري: الضوى والأضوى حجارة مركومة جعلت أعلاما قال ومن المجاز إن للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق انتهى (ومنارا) أي شرائع يهتدى بها (كمنارة الطريق) أراد أن الإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها وهي واضحة الظاهر وأما معرفة حقائقه وأسراره فإنما يدركها أولو الألباب والبصائر الذين أشرق نور اليقين على قلوبهم فصار كالمصباح فانجلا له حقيقة الحق ولاح وأما المكب على الشهوات المحجوبة باللذات فقلبه مظلم لا يبصر تلك الأسرار وإن كانت عند أولئك كالشمس في رابعة النهار ولهذا قال ربيع بن خيثم: إن على الحق نورا وضوءا كضوء النهار نعرفه وعلى الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرها
(ك) في الإيمان من حديث خالد بن معدان (عن أبي هريرة) قال الحاكم غير مستبعد لقي خالد أبا هريرة وكتب الذهبي على حاشيته بخطه ما نصه قال ابن أبي حاتم خالد عن أبي هريرة متصل قال أدرك أبا هريرة ولم يذكر له سماع(2/496)
2377 - (إن للإسلام ضوى وعلامات كمنار الطريق) فلا تضلكم الأهواء عما صار شهيرا لا يخفى على من له أدنى بصيرة [ص:497] (ورأسه) بالرفع بضبط المصنف أي أعلاه (وجماعه) بالرفع وبكسر الجيم والتخفيف أي مجمعه ومظنته (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإتمام الوضوء) أي سبوغه بمعنى إسباغه بتوفيته شروطه وفروضه وسننه وآدابه فهذه هي أركان الإسلام التي بني عليها
(طب عن أبي الدرداء) وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد سبق قول ابن أبي حاتم فيه أنه منكر الحديث جدا عن معاوية بن صالح وقد أروده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به(2/496)
2378 - (إن للتوبة بابا عرض ما بين مصراعيه) أي شطريه والمصراع من الباب الشطر كما في المصباح وغيره (ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) يعني أن أمر قبول التوبة هين والناس في سعة منه ما لم تطلع الشمس من مغربها فإن بابا سعته ما ذكر لا يتضايق عن الناس إلا أن يغلق وفي بعض الروايات ذكر أن ذلك الباب بالمغرب ولعله لما رأى أن سد الباب إنما هو من قبيل المغرب جعل فتح الباب أيضا من ذلك الجانب وتحديد عرضه بذلك مبالغة في التوسعة أو تقدير لعرض الباب بمقدار يتسع بجرم الشمس في طلوعها ذكره القاضي البيضاوي. وقال القونوي: باب التوبة كناية عن عمر المؤمن واختصاصه بسبعين سنة إشارة إلى ما في الحديث الآخر: أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وإنما ذكر العرض دون الطول لأن العرض دائما أقل منه وللإنسان أجلان أجل متناه وهو مقدار عمره في هذه النشأة والدار وأجل آخر وهو روحاني يعلمه الحق مخصوص بالنشأة الأخروية في جنة أو نار غير متناه وإليه أشار بقوله {وأجل مسمى عنده} ولهذا يقولون للعالم طول وعرض فعرضه عالم الأجسام وطوله عالم الأرواح وغلق الباب كناية عن انتهاء العمر وإليه أشار بخبر إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر قال: وأما طلوع الشمس من مغربها بالنسبة للنشأة الإنسانية فكناية عن مفارقة الروح البدن فإن الروح زمن تعلقه بالبدن متصنع بأحكامه ومقيد بصفاته فإذا جاء الموت طلع من حيث غرب قال: ولست أقول لا معنى للحديث غير هذا بل أقول لما كانت النشأة الإنسانية نسخة من نشأة العالم وأخبرت الشريعة بأن الشمس تطلع من مغربها عند قرب الساعة كناية عن موت ما يقبل الموت من العالم وكانت الشمس بالنسبة إلى جسم الإنسان وجب أن لا يئبت في العالم الخارج عن الإنسان وصف ولا حكم إلا وتكون النسخة الإنسانية له مثل ونظير
(طب عن صفوان بن عسال) بمهملتين المرادي صحابي معروف نزل الكوفة(2/497)
2379 - (إن للحاج) ومثله المعتمر (الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة) من حسنات الحرم (وللماشي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة) المراد التكثير وأن خطوة الماشي نسبتها لخطوة الراكب في الأجر نسبة السبع مئة إلى السبعين فثواب خطوة الراكب عشر ثواب خطوة الماشي وهذا كما ترى صريح في أن الحج ماشيا أفضل وبه أخذ جمع وهو وجه عند الشافعية وذلك لكثرة الأجر بكثرة الخطا وعكس آخرون لكون الركوب أبعد عن الضجر وأقل للأذى وأقرب للسلامة وفي ذلك تمام حجه وتوسط آخرون بحمل الأول على من سهل عليه المشي والثاني على خلافه والمصحح عند الشافعية الثاني بإطلاقه
(طب) من حديث سعيد بن جبير (عن ابن عباس) قال سعيد: كان ابن عباس يقول لبنيه اخرجوا حاجين من مكة مشاة حتى ترجعوا إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ص:498] فذكره وفيه يحيى بن سليم فإن كان الطائفي فقد قال النسائي غير قوي ووثقه ابن معبن وإن كان الفزاري فقال البخاري فيه نظر عن محمد بن مسلم الطائفي وقد ضعفه أحمد(2/497)
2380 - (إن للزوج من المرأة لشعبة) بفتح لام التأكيد أي طائفة كثيرة وقدر عظيم من المودة وشدة اللصوق إذ الشعبة كما مر الطائفة من الشيء وغصن الشجر المتفرع عنها (ما هي لشيء) أي ليس مثلها لقريب ولا لغيره وهذا قاله لما قيل لحمنة بنت جحش قتل أخوك فقالت يرحمه الله واسترجعت فقيل قتل زوجك فقالت واحزناه فذكره
(هـ ك عن محمد بن عبد الله بن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة الأسدي هاجر مع أبيه قال الذهبي في المهذب قلت غريب انتهى ثم إن فيه عند ابن ماجه إسحاق بن محمد الفروي قال في الكاشف وهاه أبو داود وتناقض أبو حاتم فيه(2/498)
2381 - (إن للشيطان كحلا) أي شيئا يجعله في عيني الإنسان (ولعوقا) شيئا يجعله في فيه لينذلق لسانه بالفحش واللعوق بالفتح ما يؤكل بالملعقة (فإذا كحل الإنسان من كحله نامت عيناه عن الذكر وإذا لعقه من لعوقه ذرب) أي فضح وفحش (لسانه بالشر) حتى لا يبالي ما قال. وقال في الفردوس: قوله ذرب أي انبسط بالشر قال الغزالي: وينشأ عن ذلك الوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والمجانة والعبث والملق والحسد والتهور والصلف والاستشاطة والمكر والخديعة والدهاء والحيلة والتلبيس والغش وأمثالها فإن قهره الإنسان بقوة العلم والبصيرة ورد نفسه إلى الاعتدال وألزمها صفات الكمال عادت إلى صفة الصبر والحلم والاحتمال والعفو والثبات والشهامة والوقار وغيرها وفي الحديث إشعار بأن لزوم الذكر يطرد الشيطان ويجلو مرآة القلب وينور البصيرة {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (مكائد الشيطان طب هب عن سمرة) بن جندب قال الحافظ العراقي في سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحكم بن عبد الله القرشي وهو ضعيف اه وأقول تعصيبه الجناية برأس الحكم وحده مع وجود من هو أشد جرحا منه فيه غير صواب كيف وفيه أبو أمية الطرسوسي المختط وهو كما قال الذهبي في الضعفاء متهم أي بالوضع وهو أول من اختط دارا بطرسوس وفيه الحسن بن بشر الكوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن خراش منكر الحديث(2/498)
2382 - (إن للشيطان كحلا ولعوقا ونشوقا) بالفتح أي ما ينشقه الإنسان إنشاقا وهو جعله في أنفه ويلعقه إياه ويدسم به أذنيه أي يسد يعني أن وساوسه ما وجدت منفذا إلا دخلت فيه ذكره كله الزمخشري (أما لعوقه فالكذب) أي المحرم شرعا (وأما نشوقه فالغضب) أي لغير الله (وأما كحله فالنوم) أي الكثير المفوت للقيام بوظائف العبادات الفرضية والنفلية كالتهجد. قال الغزالي: ومن طاعة الشيطان في الغضب ينتشر إلى القلب صفة البذاءة والبذخ والكبر والعجب والاستهزاء والفخر والاستخفاف وتحقير الخلق وإرادة الظلم وغيرها فإن قهره ودافعه عادت نفسه إلى [ص:499] حد الواجب من الصفات الشريفة
(هب عن أنس) وفيه عاصم بن علي شيخ البخاري قال يحيى لا شيء وضعفه ابن معين قال الذهبي وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير والربيع بن صبيح ضعفه النسائي وقواه أبو زرعة ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك(2/498)
2383 - (إن للشيطان مصالي) هي تشبه الشرك جمع مصلاة وأراد ما يستغربه الإنسان من زينة الدنيا وشهواتها (وفخوخا) جمع فخ آلة يصاد بها (وإن) من (مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله) أي الطغيان عند النعمة (والفخر بعطاء الله) أي ادعاء العظم والشرف (والكبر على عباد الله) أي التعاظم والترفع عليهم (واتباع الهوى) بالقصر (في غير ذات الله) فهذه الخصال أخلاقه وهي فخوخه ومصائده التي نصبها لبني آدم فإذا أراد الله بعبد شرا خلا بينه وبين الشيطان فتحلى بهذه الأخلاق فوقع في شبكته فكان من الهالكين ومن أراد به خيرا أيقظه ليتجنب تلك الخصال ويتباعد عنها ليصير من أهل الكمال
(ابن عساكر) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن النعمان المذكور وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه(2/499)
2384 - (إن للشيطان لمة) بالفتح قرب وإصابة من الإلمام وهو القرب (يابن آدم وللملك لمة) المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق) فإن الملك والشيطان يتعاقبان تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره وآخر بضده ومنهم من يكون زمنه نهارا كله وآخر بضده قال القاضي: والرواية الصحيحة إيعاد على زنة إفعال في الموضعين (فمن وجد ذلك) أي إلمام الملك (فليعلم أنه من الله) يعني مما يحبه ويرضاه (فليحمد الله) على ذلك (ومن وجد الأخرى) أي لمة الشيطان (فليتعوذ بالله من الشيطان) تمامه ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} اه قال القاضي: والإيعاد وإن اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد وعدا شرا إلا أنه استعمل في الخير للازدواج والأمن من الاشتباه بذكر الخير بعده اه ونسب لمة الملك إلى الله تعالى تنويها بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة وسبب اشتباه الخواطر أربعة أشياء لا خامس لها كما قاله العارف السهروردي ضعف اليقين أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلى بها لم يفرق وانكشاف بعض الخواطر دون بعض لوجود هذه الأربعة دون بعض واتفقوا على أن كل من أكل من الحرام لا يفرق بين الوسوسة والإلهام <تنبيه> قال الغزالي: الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر سميت به لأنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركة للإرادات وتنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى [ص:500] الخير أي ما ينفع في الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والمذموم يسمى وسواسا وهذه الخواطر حادثة وكل حادث لا بد له من سبب ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه واسود علم أن سبب السواد غير سبب الاستنارة وكذا الأنوار في القلب وظلماته سببان فسبب الخاطر الداعي للخير يسمى ملكا والداعي للشر شيطانا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول لمة الملك يسمى توقيفا واللطف الذي به تهيأ القلب لقبول وسواس الشيطان إغواءا وخذلانا فإن المعاني مختلفة إلى أسامي مختلفة والملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف والشيطان عبارة عن خلق شأنه الوعيد بالشر والأمر بالفحشاء فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في مقابلة الخذلان وإليه يشير بآية {ومن كل شيء خلقنا زوجين} والقلب متجاذب بين الشيطان والملك فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان لله أمضاه وما كان من عدوه جاهده والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة وآثار الشياطين صلاحا متساويا لكن يترجح أحدهما باتباع الهوى والاكباب على الشهوات والإعراض عنها ومخالفتها واعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم قطعا أنه داعي إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داعي إلى الخير فلا يشك كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فلا يدري أنه من لمة الملك أو لمة الشيطان فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز بينهما غامض فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة الملك أو لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى الطبع ولا يطلع عليه إلا بنور اليقين وغزارة العلم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا}
(ت ن) كلاهما في التفسير (حب عن ابن مسعود) قال الترمذي حسن غريب لا نعلمه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب فلم يخرج له مسلم إلا متابعة(2/499)
2385 - (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) ولهذا كان ابن عمر روايه يقول عند فطره يا واسع المغفرة اغفر لي قال الحكيم: خصت هذه الأمة في شأن الدعاء فقيل {ادعوني استجب لكم} وإنما ذلك للأنبياء. فأعطيت هذه الأمة ما أعطيت الأنبياء عليهم السلام فلما خلطوا في أمورهم لما استولى على قلوبهم من الشهوات حجبت قلوبهم والصوم يكف الشهوات فإذا ترك شهوته صفا قلبه وتوالت عليه الأنوار فاستجيب له ثم إن هذا الحديث ونحوه إنما هو فيمن أعطى الصوم حقه من حفظ اللسان والجنان والأركان فقد ورد عن سيد ولد عدنان فيما رواه الحكيم الترمذي إن على أبواب السماء حجابا يردون أعمال أهل الكبر والحسد والغيبة
(هـ ك) في الزكاة من حديث إسحاق بن عبد الله عن ابن أبي مليكة (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: إن كان إسحاق مولى زائدة فقد روى له مسلم وإن كان ابن أبي فروة فواه(2/500)
2386 - (إن للطاعم) أي متناول الطعام المفطر الذي لم يصم نفلا (الشاكر) لله سبحانه على ما أطعمه (من الأجر) أي الثواب في الآخرة (مثل ما) أي مثل الأجر الذي (للصائم الصابر) على الجوع والظمأ ابتغاء رضى الله تعالى ورغبة فيما عنده أو المراد الصابر على البلاء مع صومه وقال الكرماني: التشبيه هنا في أصل الثواب لا الكمية والكيفية والتشبيه لا يستلزم المماثلة من كل وجه. وقال الطيبي: ربما توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه ووجه الشبه اشتراكها في حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وفيه حث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص بالأكل وتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر لأن الأصل أن المشبه به أعلى درجة
(ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) ولم يصححه بل سكت عليه ورواه البخاري معلقا(2/500)
[ص:501] 2387 - (إن للقبر ضغطة) أي ضيقا لا ينجو منه صالح ولا طالح لكن الكافر يدوم ضغطه والمؤمن لا والمراد به التقاء جانبيه على الميت (لو كان أحد ناحيا منها نجا) منها (سعد بن معاذ) إذ ما من أحد إلا وقد ألم بخطيئة فإن كان صالحا فهذه جزاؤه ثم تدركه الرحمة ولذلك ضغط سعد حتى اختلفت أضلاعه كما في رواية وحتى صار كالشعرة كما في أخرى لعدم استبرائه من البول كما ورد وقيل أصل ذلك أن الأرض أمهم: منها خلقوا فغابوا عنها طويلا فتضمهم ضمة والدة غاب عنها ولدها فالمؤمن برفق والعاصي بعنف غضبا عليه
(حم عن عائشة) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده جيد(2/501)
2388 - (إن للقرشي) أي الواحد من سلالة قريش (مثل قوة الرجلين من غير قريش) من طبقات العرب. قال الزهري: عنى بذلك نبل الرأي وشدة الحزم وعلو الهمة وشرف النفس والقرش الجمع يقال قرشه يقرشه جمعه من هنا وههنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم في الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترون أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه كأنه جميل قرش أي شديد أو لأن قصيا كان يقال له القرش أو لأنهم كانوا يقيسون الحاج فيسدون خلتها أو لغير ذلك
(حم حب ك) في الفضائل (عن جبير) بالتصغير قال الحاكم صحيح وقال الذهبي في المهذب صحيح ولم يخرجوه وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح(2/501)
2389 - (إن للقلوب صدءا كصدأ الحديد) وفي رواية البيهقي كصدأ النحاس أي وهو أن يركبها الرين بمباشرة الآثام فيذهب بجلائها كما يعلوا الصدأ وجه المرآة ونحوها شبه القلوب في صدأها وهو قسوتها لما يعلوها من ظلمة الذنوب ورين الهوى وغين الغفلة بالمرآاة إذا ركبها الصدأ بإهمال الجلاء لا يرى فيها الناظر ما غاب عنه وكذا القلب كلما صفا من كدورات أخلاق النفس والطبع ورق بدوام الموعظة والذكر وانجلى عن وجهه ظلمات الهوى والغفلة وزايله رين الذنب والغفلة نظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان إلى أن يرتقي إلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويرى الجنة والنار وما فيها فيقبل على ربه وعمارة آخراه وجلاء ذلك الصدأ هو الاستغفار كما قال (وجلاؤها الاستغفار) أي طلب غفران الذنوب أي سترها وعدم المؤاخذة بها لأن العبد بايع الله يوم الميثاق أن يطيعه فلما دنس قلبه بدنس المخالفة خرج من ستره فتعرى فأذن له ربه بالتوبة فلما طلبها مضطرا واستغفر المرة بعد المرة طهر قلبه من الدنس وانجلت مرآته لكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ثم تمسح فإنها لا تخلو عن كدورة وذلك لأن القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة بالإضافة إلى المتلونات فكما أن المرآة إذا علاها الصدأ والكدر أظلمت واحتاجت للجلاء فكذلك القلب مرآة تكدره المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجهه من كثرة الشهوات لأن ذلك يمنع صفاءه فيمنع ظهور الحق فيه بقدر ظلمته وتراكمه وجلاؤه الاستغفار وسلوك طريق الأبرار فإذا وقع ذلك عاد القلب كما كان قبل العصيان لكن ليست المرآة التي تدنس ثم تمسح كالمصقلة التي لم تدنس قط ذكره الغزالي وقال ابن عربي: القلب مرآة مصقولة لا تصدأ ابدا وإطلاق الصدأ عليها في هذا الحديث ليس المراد به أنه طخاء طلع على وجه القلب بل لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجهه لكونه المانع من تجلي الحق إليه لأن الحضرة الإلهية متجلية دائما لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لقبوله غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران ونحوها فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت [ص:502] فيه الحضرة الإلهية من حيث هو ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلبه المشاهد الكامل الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال من حيث كونها من الحضرة الإلهية ومن لم يتجل له منها القلب الغافل عن الله المطرود عن قربه انتهى قال الراغب: والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من العفو وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله تعالى أن يصون العبد عن أن يمسه ألم العذاب
(الحكيم) الترمذي (عد) كلاهما (عن أنس) ورواه عنه باللفظ المزبور والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي وفيه الوليد بن سلمة الطبراني وهو كذاب أه(2/501)
2390 - (إن للمؤمن في الجنة لخيمة) بفتح لام التوكيد أي بيتا شريف المقدار عالي المنار وأصل الخيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (من لؤلؤة) بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى لا الثانية وعكسه (واحدة) تأكيد (مجوفة) واللؤلؤ معروف (طولها ستون ميلا) أي في السماء وفي رواية عرضها ثلاثون ميلا ولا معارضة إذ عرضها في مساحة أرضها وطولها في العلو نعم ورد طولها ثلاثون ميلا وحينئذ يمكن الجمع بأن ارتفاع تلك الخيمة باعتبار درجات صاحبها (للمؤمن فيها أهلون) أي زوجات من نساء الدنيا والحور (يطوف عليهن المؤمن) أي لجماعهن وما هنالك (فلا يرى بعضهن بعضا) أي من سعة الخيمة وعظمها ثم إن ما ذكر من كون تلك الخيمة في النفاسة والصفاء كاللؤلؤ لا أنها منه حقيقة فهو من قبيل {قوارير من فضة} والقارورة لا تكون فضة بل المراد أن بياضها كالفضة إلى هنا كلامه وفيه ما فيه إذ لا مانع شرعا ولا عقلا من إجرائه على ظاهره والفاعل المختار لا يعجزه جعل الخيمة لؤلؤة مجوفة وزعمه أن الخيمة لا تكون إلا من كرباس بخلاف القصر واللؤلؤ تحكم ظاهر والفرق هلهل بالمرة
(م عن أبي موسى) الأشعري(2/502)
2391 - (إن للمسلم حقا) وذلك الحق أنه (إذا رآه أخوه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب (أن يتزحزح له) أي يتنحى عن مكانه ويجلسه بجنبه إكراما له فيندب ذلك لا سيما إن كان عالما أو صالحا أو من ذوي الولاية لأن في ترك ذلك مفاسد لا تخفى
(هب عن واثلة) بكسر المثلثة (ابن الخطاب) العدوي من رهط عمر له صحبة وحديث سكن دمشق قال واثلة: دخل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد قاعدا فتزحزح له فقال رجل يا رسول الله إن في المكان سعة فذكره وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي ومجاهد بن فرقد قال في اللسان حديثه منكر تكلم فيه انتهى(2/502)
2392 - (إن الملائكة الذين شهدوا بدرا) أي حضروا وقعة بدر التي أعز الله بها الإسلام وخذل بها أهل الشرك (في السماء لفضلا) أي زيادة في رفعة المقام ومزيد الإعظام والإحترام والشرف (على من تخلف منهم) عن شهودها وقد ورد في الثناء على أهل بدر أخبار كثيرة
(طب عن را فع بن خديج) بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة الحارثي الأنصاري الأوسي قال الهيثمي فيه جعفر بن مقلاص لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي الحديث قصة(2/502)
2393 - (إن للمهاجرين) الذين هاجروا [ص:503] من بلاد المآثم إلى بلاد الطاعات (منابر) جمع منبر بكسر الميم أي شيء مرتفع قال ابن فارس: كل شيء رفع فقد نبر ومنه المنبر لارتفاعه وكسرت الميم علي التشبيه بالآلة (من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة) والحال أنهم (قد أمنوا من الفزع) وهو أشد أنواع الخوف هذا أصله والظاهر أنه هنا بمعنى مطلق الخوف لا بقيد الشدة فتدبر قال راويه أبو سعيد والله لو حبوت بها أحدا لحبوت بها قومي
(البزار) في مسنده (ك) في مستدركه كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك عن أبي حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/502)
2394 - (إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان) بفتح الواو مصدر معناه المتحير من شدة العشق سمي به هذا الشيطان لإغوائه الناس في التحير في الوضوء والطهارة حتى لا يعلموا هل عم الماء العضو أم لا وكم غسل مرة ونحو ذلك من الشكوك والأوهام (فاتقوا وسواس الماء) أي احذروا وسوسة الولهان فوضع الماء موضع ضميره مبالغة في كمال وسواسه في شأن الماء وإبقاع الناس في التحير حتى يتحيروا هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء والغسل أو لم يصل وهل غسل مرة أو أكثر وهل هو طاهر أو نجس أو بلغ قلتين أم لا وغير ذلك والوسواس بالفتح اسم من وسوست إليه نفسه إذا حدثته وبالكسر مصدر قال في المصباح: ويقال لما يخطر بالقلب من شر ولما لا خير فيه وسواس قال الغزالي: من وهن علم الرجل ولوعه بالماء الطهور وقال إبن أدهم: أول ما يبدأ الوسواس من قبل الطهور وقال أحمد: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء وقال المروزي: وضأت أبا عبد الله بن العسكري فسترته من الناس لئلا يقولوا لا يحسن الوضوء لقلة صبه الماء وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى ومن مفاسد وسواس الماء شغل ذمته بالزائد على حاجته فيما لو كان لغيره كموقوف أو نحو حمام فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد حتى يحكم بينه وبين صاحبه رب العباد انتهى <تنبيه> ظاهر الخبر أن لكل نوع من المخالفات والوساوس شيطانا يخصه ويدعو إليه قال الغزالي: واختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب قال مجاهد: لإبليس خمسة أولاد جعل كل واحد منهم على شيء وهم شبر والأعور وسوط وداسم وزلنبور فشبر صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية والأعور صاحب الزنا يأمر به ويزينه لهم وسوى صاحب الكذب وداسم يدخل مع الرجل على أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وزلنبور صاحب السوق وشيطان الصلاة يسمى خنزب والوضوء يسمى الولهان وكما أن الملائكة فيهم كثرة ففي الشياطين كثرة (تتمة) الوسوسة من آفات الطهارة وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل ومتبعها متكبر مذل نفسه يسيء الظن بعباد الله معتمد على عمله معجب به وقوته وعلاجها بالتلهي عنها والإكثار من سبحان الملك الخلاق {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز} كذا في النصائح قال الحكيم: فأما القلوب التي ولجها عظمة الله وجلاله فهابت واستقرت فقد انتفى عنهم وسواس نفوسهم ووسواس عدوهم قال ومن هنا أنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الوسوسة فقال هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ثم روى حديثا أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أدخل في صلاتي فلم أدرأ على شفع أم على وتر من وسوسة أجدها في صدري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدت ذلك فاطعن أصبعك هذه يعني السبابة في فخذك اليسرى وقل بسم الله فإنها سكين الشيطان أو مديته
(ت هـ) وفيه كراهة الإسراف في الوضوء قال النووي: أجمعوا على النهي عن الإسراف فيه وإن كان على شط بحر فيكره تنزيها وقيل تحريما (هـ ك عن أبي) قال الترمذي غريب ليس إسناده بالقوي لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة بن مصعب انتهى وقد رواه أحمد وابن خزيمة أيضا في صحيحه من طريق خارجة قال ابن سيد الناس ولا أدري كيف دخل هذا في الصحيح قال ابن أبي حاتم في العلل كذا رواه خارجة وأخطأ فيه وقال أبو زرعة رفعه منكر وقال جدي في أماليه هذا حديث فيه ضعف وخارجة [ص:504] ضعيف جدا وليس بالقوي ولا يثبت في هذا شيء انتهى وذلك لأن فيه خارجة بن مصعب وهاه أحمد وكذبه ابن معين في الميزان أنه انفرد بهذا الخبر وقال في التنقيح وهوه جدا وقال ابن حجر خارجة ضعيف جدا وقال أبو زرعة رفعه منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي وإلا لذكره تقوية له لضعفه وليس كذلك بل رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند(2/503)
2395 - (إن لإبليس مردة) بالتحريك جمع مارد وهو العاتي (من الشياطين يقول لهم عليكم بالحجاج والمجاهدين فأضلوهم عن السبيل) أي الطريق يذكر ويؤنث والتأنيث أغلب لأن شأنه هو وجنده الصد عن طريق الهدى والمناهج الموصلة إلى ديار السعداء والأمر بالفحشاء والمنكر ثم يحتمل أن المراد الإضلال عن الطرق الحسية فيما لو خرج واحدا وشرذمة منفردون ويحتمل أن المراد المعنوية بأن يقول للحاج أتحج وتذر أرضك وسماءك وزوجك وولدك مع طول الشقة وكثرة المشقة وللمجاهد أتجاهد فتقاتل وتقتل وتنكح نساؤك ويقسم مالك فيقع التطارد بين حزب الشيطان وأمر الرحمن في معركة القلب إلى أن يغلب أحدهما
(طب عن ابن عباس) وفيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في الذيل وقال ثقة قال أبو حاتم يرى القدر اضطر الناس إليه بأخذه عن نافع بن أبي هرمز قال النسائي وغيره: غير ثقة(2/504)
2396 - (إن لجهنم) قال القاضي: علم لدار العقاب وهي في الأصل مرادف للنار وقيل معرب (بابا) أي عظيم المشقة وعر الشقة (لا يدخله) أي لا يدخل منه (إلا من شفا غيظه بمعصية الله) أي أزال شدة حنقه وإبراء علة غضبه بإيصال المكروه إلى المغتاظ عليه على وجه لا يجوز شرعا قال في المصباح وغيره: شفى الله المريض يشفيه شفاء واستشفيت بالعدو وشفيت به من ذلك لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه برىء من دائه وأصل الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الحنق وفي رواية بدل قوله بمعصية الله بسخط الله قال الغزالي: وعدد أبواب جهنم بعدد الأعضاء السبعة التي بها يعصي العبد بعضها فوق بعض الأعلى جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم الجحيم ثم الهاوية فانظر الآن في عنق الهاوية فإنه لاحد لعقمها كما لا حد لعمق شهوات الدنيا وقال الحكيم: الإنسان جبل على أخلاق سبعة: الشرك والشك والغفلة والرغبة والرهبة والشهوة والغضب فأي خلق منها استولى على قلبه نسب إليه دون البقية ولذلك جعل لجهنم سبعة أبواب بعدد هذه الأخلاق وأهلها مقسومون على هذه السبعة فكل جزء منهم إنما صار جزءا بخلق من هذه الأخلاق المستولية عليهم ومما يحققه قولهم في هذا الحديث إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفا غيظه بسخط الله وقوله في حديث آخر لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي وإذا ولج الإيمان القلب ففي هذه السبعة منه أو بعضها بقدر قوة الإيمان وضعفه فإن انتفت كلها صارت أبواب جهنم كلها مسدودة دونه أو بعضها فما يناسبه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذم الغضب) أي في كتاب ذمه (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا البزار من حديث قدامة بن محمد عن إسماعيل ابن شيبة قال الهيثمي: وهما ضعيفان وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح(2/504)
2397 - (إن لجواب الكتاب حقا كرد السلام) يعني إذا أرسل إليك أخوك المسلم كتابا يتضمن السلام عليك فيه فحق عليك [ص:505] رد سلامه بمكاتبة مثله ومراسلة أو إخبار ثقة وبوجوب ذلك صرح بعض الشافعية وهذا من المصطفى صلى الله عليه وسلم شرع للإيناس فإن السلام تحية من الغائب وقلما يخلو كتاب من سلام وفيه تجديد لعهد المودة لئلا تخلق ببعد الدار وطول المدة
(فر عن ابن عباس) ورواه أيضا ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن فيه جويبر بن سعيد قال في الكاشف تركوه عن الضحاك وقد سبق قال ابن تيمية والمحفوظ وقفه(2/504)
2398 - (إن لربكم في أيام دهركم نفحات) أي تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده والنفحة الدفعة من العطية (فتعرضوا لها) بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة ذكره الغزالي (لعل) أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا) فإنه تعالى كملك يدر الأرزاق على عبيده شهرا شهرا ثم له في خلال ذلك عطية من جوده فينفتح باب الخزائن ويعطى منها ما يعم ويستغرق جميع الأرزاق الدارة فمن وافق الفتح استغنى للأبد وتلك النفحات من باب خزائن المتن وأبهم وقت الفتح هنا ليتعرض في كل وقت فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر وكم من سائل سأل فرد مرارا فإذا وافق المسؤول قد فتح كيسه لينفق ما يرده وإن كان قد رده قبل
(طب) قيل إنما ذكره في الأوسط فليحرر (عن محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدرا والمشاهد إلا تبوك وكان من فضلاء الصحابة قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم ومن أعرفهم وثقوا انتهى ورواه عنه الحكيم أيضا(2/505)
2399 - (إن لصاحب الحق) أي الدين (مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة قاله لأصحابه لما جاءه رجل تقاضاه فأغلظ له فهموا به فقال دعوه وذكره وأخذ منه الغزالي أن المظلوم من جهة القاضي له أن يتظلم إلى السلطان وينسبه إلى الظلم وكذا يقول المستفتي للمفتي قد ظلمني أبي أو أخي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص والأولى التعريض بأن يقول ما قولكم في رجل ظلمه أبوه أو أخوه قال: لكن التعين مباح لما ذكر
(حم عن عائشة حل عن أبي حميد الساعدي) بكسر المهملة قضية صنيع المصنف أن هذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد قال الحافظ العراقي ثم السخاوي وغيرهما إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ لصاحب الحق مقال. قال السخاوي: وهو من غرائب الصحيح وعزاه لهما بلفظ ما هنا الديلمي في الفردوس وأعجب من ذلك أن المصنف جزم في الدرر بعزوه للشيخين بلفظ: إن لصاحب الحق مقالا وما هذه إلا غفلة عجيبة(2/505)
2400 - (إن لصاحب القرآن) أي قارئة حق قراءته بتلاوته وتدبر معناه (عند كل ختمة) يختمها من القرآن (دعوة مستجابة) قال التوربشتي: الصحبة للشيء الملازمة له إنسانا أو حيوانا مكانا أو زمانا وتكون بالبدن وهي الأصل وبالعناية والهمة وصاحب القرآن هو ملازمه بالهمة والعناية ويكون ذا تارة بنحو حفظ وتلاوة وتارة بتدبير وعمل فإن قلنا بالأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث ما يناله العبد من الكرامة على قدر منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير أو بالثاني وهو أتم الوجهين وأحقهما فالمراد بالدرجات سائرها فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها واستكمال ذلك للمصطفى صلى الله عليه وسلم ثم من بعده على مراتبهم في الدين انتهى وناقشه [ص:506] في بعضه الطيبي ثم قال: والذي نذهب إليه أن سياق الحديث تحريض لصاحب القرآن على التحري في القراءة والإمعان في النظر فيه والملازمة له والعمل بمقتضاه وكل هذه الفوائد يعطيها معنى الصاحب (وشجرة في الجنة لو أن غرابا طار من أصلها لم ينته إلى فرعها حتى يدركه الهرم) أي الكبر والضعف والشيخوخة قيل يضرب الغراب مثلا في طول العمر لأنه تطول حياته أكثر من غيره من الطيور شبه بعد طولها ببعد مسافة غراب طار من أول عمره إلى آخره هذا بحسب العرف وإلا فلا مناسبة بين البعدين
(خط) في ترجمة عبد الله بن صديق (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي. قال أحمد: لا يكتب حديثه وأبو عصمة وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح(2/505)
2401 - (إن لغة إسماعيل) بن إبراهيم الخليل جد المصطفى صلى الله عليه وسلم (كانت قد درست) أي عفت وخفيت آثارها قال في الصحاح: درس الرسم عفى وفي المصباح وغيره: درس المنزل دروسا عفى وخفيت آثاره وربع دارس الرسم ودرسته الرياح تكررت عليه فعفته. قال الزمخشري رحمه الله: ومن المجاز درس الحنطة داسها ودرس الثواب أخلق اه. والمراد هنا خفيت آثارها فلم يبق شيء في الأرض من البشر من ينطق بها على وجهها (فأتاني بها جبريل) عليه السلام (فحفظنيها) فلذلك حاز قصب السبق في النطق باللغة التي هي أفصح اللغات وصار باعثا للتصدي للبلاغة التي هي أعم البلاغات وأفحم بلغاء العرب كافة فلم يدع شعبا من شعوبهم ولا بطنا من بطونهم ولا فخذا من أفخاذهم من شعراء مفلقين وخطباء مصاقع يرمون في حدق البيان عند هدر الشقاشق ويصيبون الأعراض بالكلم الرواشق إلا أعجزه وأذله وحيره في أمره وأعله
(الغطريف في جزئه) الحديثي (وابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب(2/506)
2402 - (إن لقارىء القرآن دعوة مستجابة) عند ختمه (فإن شاء صاحبها تعجلها) بالمثناة الفوقية (في الدنيا) أي دعا الله تعالى أن يعجلها له فيها فيعجلها (وإن شاء أخرها) بالتشديد (إلى الآخرة) والله خير وأبقى والظاهر أن المراد بهذا أن يؤذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن أحب
(ابن مردويه) في التفسير (عن جابر) بن عبد الله(2/506)
2403 - (إن لقمان الحكيم) أي المتقن للحكمة وقد مر تعريفها (قال إن الله إذا استودع شيئا حفظه) لأن العبد عاجز ضعيف والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها وتحلى بالاعتراف بالضعف واستودع الله شيئا فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته فيكلأه الله ويرعاه ويحفظه والله خير حفظا وأخرج الحكيم عن ابن عمر أن عمر عرض الناس فإذا برجل معه ابنه فقال عمر رضي الله عنه: ما رأيت غرابا أشبه بهذا منك قال: والله يا أمير المؤمنين ولدته أمه في القبر فاستوى قاعدا فقال: حدثني فقال: غزوت وأمه حامل فقالت: تدعني حاملا معقلا قلت: أستودع الله ما في بطنك فلما قدمت وجدتها ماتت فبت عند قبرها وبكيت فرفعت لي نار علية فقلت: إنا لله أما والله كانت عفيفة صوامة قوامة فتأملت فإذا القبر مفتوح وهو يدب حولها ونوديت: أيها المستودع ربه وديعته خذ وديعتك أما لو استودعته وأمه لوجدتهما. فأخذته فعاد القبر كما كان
(حم عن ابن عمر) بن الخطاب(2/506)
2404 - (إن لك) بكسر الكاف خطابا لعائشة رضي الله عنها لما كانت معتمرة (من الأجر) أي أجر نسكك (على قدر [ص:507] نصبك) بالتحريك أي تعبك ومشقتك (ونفقتك) لأن الجزاء على قدر المشقة قال النووي: ظاهره أن أجر العبادة بقدر النصب والنفقة. قال ابن حجر: وهو كما قال لكن لا يطرد فرب عبادة أخف وأكثر ثوابا كقيام ليلة القدر بالنسبة لغيرها وأمثلته قد أكثر من تعدادها ابن عبد السلام وغيره
(ك) في الحج (عن عائشة) وقال على شرطهما وأقره الذهبي(2/506)
2405 - (إن لكل أمة أمينا) أي ثقة رضيا تعول النفس عليه وتسكن القلوب إليه (وإن أمين هذه الأمة) الذي له الزيادة من الأمانة هو (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهر وخصه بأمانة هذه الأمة لأن عنده من الزيادة فيها ما ليس لغيره كما خص الحياء بعثمان رضي الله تعالى عنه والقضاء بعلي كرم الله وجهه قال أبو نعيم أبو عبيدة وهو الأمين الرشيد والعامل الزهيد الأمين للأمة كان للأجانب من المؤمنين وديدا وعلى الأقارب من المشركين شديدا فيه نزلت {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية
(خ) في فضائله (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل خرجه مسلم في فضائل أبي عبيدة عن أنس بلفظ إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح(2/507)
2406 - (إن لكل أمة حكيما وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء) عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي وقيل اسمه عامر وعويمر لقب كان آخر أهل داره إسلاما وحسن إسلامه وكان فقيها عالما عاقلا حكيما بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم كما ترى آخى بينه وبين سلمان الفارسي شهد ما بعد أحد وفي أحد خلف وكان يدفع الدنيا بالصدر والراحتين ولي قضاء دمشق في خلافة عثمان ومات بعده بقليل وقيل غير ذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جبير بن نفير) بتصغيرهما الحضرمي (مرسلا) أرسل عن خالد بن الوليد وعبادة وأبي الدرداء(2/507)
2407 - (إن لكل أمة فتنة) أي امتحانا واختبارا. وقال القاضي: أراد بالفتنة الضلال والمعصية (وإن فتنة أمتي المال) أي الالتهاء به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة قال سبحانه وتعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} وفيه أن المال فتنة وبه تمسك من فضل الفقر على الغنى قالوا: فلو لم يكن الغنى بالمال إلا أنه فتنة فقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه لكفى
(ت) في الزهد (ك) في الرقاق وكذا ابن حبان كلهم (عن كعب بن عياض) الأشعري صحابي نزل الشام قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن قال في اللسان عن العقيلي لا أصل له من حديث مالك ولا من وجه يثبت اه. وخرجه ابن عبد البر وصححه(2/507)
2408 - (إن لكل أمة سياحة) أي ذهابا في الأرض وفراق وطن (وإن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) أي هو مطلوب منهم كما أن السياحة مطلوبة في دين النصرانية فهو يعدلها في الثواب بل يزيد عليها (وإن لكل أمة رهبانية) أي تبتلا وانقطاعا للعبادة يقال ترهب الراهب انقطع للعبادة والراهب عابد النصارى (ورهبانية أمتي الرباط في نحور العدو) أي ملازمة الثغور بقصد ملاقاة أعداء الدين ومقابلتهم بالضرب على أعناقهم وصدورهم والرباط كما في الصحاح وغيره: [ص:508] ملازمة ثغر العدو والنحر موضع القلادة من الصدر. قال في المصباح: ويطلق النحور على الصدور ويقال ضرب نحره ونحورهم ومنه نحر البعير طعن في نحره
(طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف اه(2/507)
2409 - (إن لكل أمة أجلا) أي مدة من الزمن قال في الصحاح أجل الشيء مدته وفي المصباح أجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه (وإن لأمتي) من الأجل (مئة سنة) أي لانتظام أحوالها (فإذا مرت) أي مضت وانقضت يقال من الدهر مرا ومرورا ذهب (على أمتي مئة سنة أتاها وعدها الله) عز وجل من انقراض الأعمار والتحول من هذه الدار إلى دار القرار قال أحد رواته ابن لهيعة يعني بذلك كثرة الفتن والاختلاق وعدم الانتظام
(طب عن المستورد بن شداد) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث على ضعفه(2/508)
2410 - (إن لكل بيت بابا وباب القبر من تلقاء رجليه) أي من جهة رجلي الميت إذا وضع فيه وهذا يقتضي أنه ينبغي جعل بابه كذلك أي يندب ذلك وعليه العمل في الأعصار والأمصار
(طب عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة(2/508)
2411 - (إن لكل دين خلقا) أي طبعا وسجية (وإن خلق الإسلام الحياء) أي طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه أو مروءة هذا الدين التي بها جماله الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله تعالى فكلما ازداد حياؤه بالله ازداد منه حياة ألا ترى أن المستحي يعرق في وقت الحياء فعرقه من حرارة الحياة التي هاجت من الروح فمن هيجانه تفور الروح فيعرق منه الجسد ويعرق منه أعلاه لأن سلطان الحياة في الوجه والصدر وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين خضوعها وانقيادها فلذلك صار الحياء خلقا للإسلام فيتواضع ويستحي ذكره الحكيم يعني الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الخلاق وإنما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء
(هـ عن أنس وابن عباس) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال الدارقطني حديث غير ثابت(2/508)
2412 - (إن لكل ساع غاية) أي لكل عامل منتهى وأصل السعي كما في المصباح التصرف في كل عمل ومنه {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} إلا ما عمل وفي النهاية غاية كل شيء مداه ومنتهاه (وغاية ابن آدم الموت (1)) فلا بد من انتهائه إليه وإن طال عمره أخبر أن مدة العمر سفر إلى الآخرة فلا يضيع الإنسان مدة مهلته وأن كل ساع يسعى إما في فكاك رقبته أو هلاكها كما قال في الخبر الآخر فبائع نفسه فموبقها فمشتري نفسه فمعتقها (فعليكم بذكر الله) أي الزموه باللسان والقلب (فإنه يسليكم) كذا في كثير من النسخ فتبعتها ثم رأيت في نسخة المصنف بخطه يسهلكم (ويرغبكم [ص:509] في الآخرة) أي يجركم إلى إرادة الأعمال الأخروية بأن يوفقكم لإرادة فعلها والمحافظة على حيازة فضلها قال في الصحاح وغيره رغب فيه أراده وبابه طرب
(البغوي) في معجم الصحابة من طريق علي بن قرين عن زيد بن هلال عن أبيه هلال بن قطبة (عن جلاس) بفتح الجيم وشد اللام (ابن عمرو) الكندي قال وفدت في نفر من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أردنا الرجوع قلنا أوصنا يا نبي الله فذكره. اه. وقال في الإصابة على بن قرين ضعيف جدا من فرقة لا يعرفون
_________
(1) وكذا كل ذي روح وإنما خص ابن آدم تنبيها على أنه لا ينبغي أن يضيع زمن مهلته بل يتنبه من غفلته(2/508)
2413 - (إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد) صادق بالذكر والأنثى وتمامه عند مخرجه البزار وغيره إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا: يا رسول الله كلنا رحيم قال: ليست الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته حتى يرحم الناس أجمعين اه. قيل ذبح رجل عجلا بحضرة أمه فأيبس الله يده فينما هو ذات يوم إذ سقط فرخ من وكره وأبواه يبصبصان له فرحمه فرده لوكره فرحمه الله ورد عليه يده
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو مهدي سعيد بن سنان ضعيف متروك وقال العلائي فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا بل متروك(2/509)
2414 - (إن لكل شيء أنفة) بضم الهمزة وفتحها قال بعض محققي شراح المصابيح والصحيح الفتح أي لكل شيء ابتداء وأول قال الزمخشري: كأن التاء زيدت على أنف كقولهم في الذنب ذنبة جاء في أمثالهم إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته قال وعن الكسائي أنفة الصبا ميعته وأوليته قال:
عذرتك في سلمى بأنفة الصبا. . . وميعته إذ تزدهيك ظلالها
(وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها) أي داوموا على حيازة فضلها لكونها صفوة الصلاة كما في خبر البزار ولأن من حافظ عليها أربعين يوما كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق كما في خبر ضعيف وإنما يحصل فضلها بشهود التكبير مع الإمام والإحرام معه عقب تحرمه فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته لكن يغتفر له وسوسة خفيفة
(ش طب عن أبي الدرداء) قال الحافظ ابن حجر في إسناده مجهول وقال الهيثمي هو موقوف وفيه رجل لم يسم قال ابن حجر والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى آثار كثيرة(2/509)
2415 - (إن لكل شيء بابا وباب العبادة الصيام) لأنه يصفي الذهن ويكون سببا لإشراق النور على القلب ومن فوائده سكون النفس الأمارة وكسر سورتها عند الفضول بالحوارح لإضعافه حركتها في مطلوباتها ومنه العطف على المساكين فإنه لما ذاق الجوع في بعض الأحيان ذكر من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إلى الرقة عليه فبادر بالإحسان إليه فنال من الجزاء ما أعده الله له لديه ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملونه أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى كما ذكر عن بشر الحافي أنه وجد في الشتاء يرعد وثوبه معلق فقيل له في مثل هذا الوقت تنزع الثوب فقال الفقراء كثير ولا طاقة لي بمواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملونه
(هناد عن ضمرة بن حبيب) ابن صهيب الزبيدي بضم الزاي أبو عقبة المصري تابعي ثقة (مرسلا) قال الحافظ العراقي وأخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف اه فما اقتضاه صنيع المصنف من أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل للرواية مرسلة مع ضعفهما جميعا غير سديد(2/509)
[ص:510] 2416 - (إن لكل شيء توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا وقع في شر منه) أي أشد منه شرا فإن سوء خلقه يجني عليه ويعمى عليه طرق الرشاد حتى يوقعه في أقبح مما تاب منه ولهذا عبث بعضهم بالفرزدق وهو صبي لم يبلغ الحلم فقال له أيسرك أن لك مئة ألف وأنك أحمق قال لا قال ولم قال لئلا يجني علي سوء خلقي جناية فيضيع المئة ألف ويبقى حمقي علي
(خط عن عائشة) وفيه محمد بن إبراهيم التيمي وثقوه إلا أحمد فقال في حديثه شيء يروي أحاديث منكرة(2/510)
2417 - (إن لكل شيء حقيقة) أي كنها (وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم) علما جازما (أن) أي بأن (ما أصابه) من المقادير أي وصل إليه منها (لم يكن ليخطئه) لأن ما قدر عليه في الأزل لا بد أن يصيبه ولا يصيب غيره منه شيئا (وما أخطأه) منها (لم يكن ليصيبه) وإن تعرض له لأنه بان أنه ليس مقدرا عليه ولا يصيبه إلا ما قدر عليه والمراد أن من تلبس بكمال الإيمان وولج نوره في قلبه حقيقة علم أنه قد فرغ مما أصابه أو أخطأه من خير وشر فما أصابه فإصابته له متحتمة لا يتصور أن يخطئه وما أخطأه فسلامته منه متحتمة لأنها سهام صائبة وجهت في الأزل فلا بد أن تقع مواقعها جف القلم بما هو كائن وفيه حث على تفويض كل أمر إلى الله تعالى مع شهود أنه الفاعل لما يشاء وأنه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} <تنبيه> قال العارف ابن عربي: الحقائق أربع: حقائق ترجع إلى الذات المقدسة وحقائق ترجع إلى الصفات وحقائق ترجع إلى الأفعال وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات وهذه الحقائق الكونية ثلاث علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المتخيلات والحقائق الذاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه بغير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة والحقائق الصفاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه قادرا حيا عالما إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة المتماثلة والكونية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات والأجسام والاتصال والانفصال والفعلية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة بالمقدور بضرب خاص بكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها وجميع ذلك يسمى أحوال ومقامات فالمقامات كل صفة يجب الرسوخ فيها وعدم النقل عنها كالتوبة والحال كل صفة يكون فيها وقتادون وقت كالسكر والمحو أو يكون وجودها مشروطا بشرط فينعدم كالصبر مع البلاء والشكر مع النعماء
(حم طب عن أبي الدرداء) قال العلائي: فيه سليمان بن عتبة وثقه ابن دحيم وضعفه ابن معين وباقي رجاله ثقات(2/510)
2418 - (إن لكل شيء دعامة) بالكسر أي عمادا يقوم عليه ويستند إليه وأصل الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط ومنه قيل لسيد قومه هو دعامة القوم كما يقال هو عمادهم قال الزمخشري: فالمدعوم الذي يميل فيريد أن يقع فيسند إليه ما يستمسك به قال: ومن المجاز هو دعامة قومه لسيدهم وسندهم وأقام فلان دعائم الإسلام ودعمت فلانا أعنته وقويته (ودعامة هذا الدين الفقه) أي هو عماد الإسلام الذي عليه مبناه وبه استمساكه وبقاؤه [ص:511] (ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) لأن من فقه عن الله أمره ونهيه وعلم لماذا أمر ونهى تعاظم لذلك وكبر في صدره شأنه وكان أشد تسارعا لما أمر وأشد هربا مما نهى فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير الله تعالى في ذلك لهم بنور يقينهم ليعبدوه على بصيرة وطمأنينة ومن حرم ذلك عبده على مكابدة وكره لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره والنفس والشيطان جندهما الشهوات فيحتاج الإنسان إلى أضدادهما من الجنود ليقهرهما وهو الفقه ولهذا قالوا قلما قام عمر خطيبا إلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين يا أيها الناس تفقهوا
(هب خط) في ترجمة محمد بن عيسى المروزي (عن أبي هريرة) وفيه خلف ابن يحيى كذبه أبو حاتم قال الذهبي قال أبو حاتم كذاب اه وأورده ابن الجوزي في العلل وقال هذا لا يصح وفيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم(2/510)
2419 - (إن لكل شيء سقالة (1)) بسين أو صاد مهملتين أي جلا (وإن سقالة القلوب ذكر الله وما من شيء أنجى من عذاب الله) كذا في كثير من النسخ ولكن رأيت في نسخة المصنف بخطه من عذاب بالتنوين (من ذكر الله ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع) أي في جهاد الكفار. قال الطيبي: قوله كل شيء عام خص بقرينة الفعل أي لكل شيء مما يصدأ حقيقة أو مجازا فإن صدأ القلوب الرين في قوله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم} فكلمة لا إله تجليها وإلا الله تحليها اه وقد مر غير مرة أن القلب كالمرآة مستعد لأن يتجلى فيه حقائق الأشياء كلها وإنما يحجبه عنها أدناس الذنوب والشهوات وبالتصفية ومجاهدة النفس ولزوم الذكر يزول الصدأ وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب كانطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها فالعلماء يعملون في اكتساب العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلب وتصقيله فقط. قال حجة الإسلام: حكي أن أهل الصين وأهل الروم تنازعوا بين يدي ملك في حسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم لكل فريق صفة لينقش أهل الصين صفة وأهل الروم صفة ويرخى بينهم حجابا يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك وجمع أهل الروم من الأصباغ الغربية مالا يحصى ودخل أهل الصين من غير صبغ وهم يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم فرغوا فعجب الملك كيف فرغوا من النقش بغير صبغ فقيل كيف فرغتم بغير صبغ قالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفع فإذا جانبهم قد تلألأ فيه عجائب الصنع الرومية مع زيادة إشراق وبريق لكنه صار كالمرآة المجلية لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد الصفاء فكذا عناية الأولياء تطهير القلوب وإجلاؤه وصفاؤه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل الصين وعناية العلماء باكتساب نفس العلوم وتحصيل نقضها في القلب
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن حسان وهما اثنان أحدهما قال أحمد غير قوي والآخر قال الذهبي متهم بالوضع
_________
(1) في المصباح صقلت السيف ونحوه صقلا من باب قتل وصقالا أيضا بالكسر جلوته(2/511)
2420 - (إن لكل شيء سناما) أي رفعة وعلوا استعير من سنام البعير ثم كثر استعماله حتى صار مثلا (وإن سنام القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة (من قرأها في بيته) أي في محله بيتا أو غيره وذكر [ص:512] البيت غالبي (ليلا) أي في الليل (لم يدخله شيطان) نكره دفعا لتوهم إرادة إبليس وحده (ثلاث ليال) أي مدة ثلاث ليال (ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام) قال الحرالي: لأن مقصودها الإحاطة الكتابية والإجتهادية الإحاطة الإلهية القيومية وذلك في آية الكرسي تصريحا وفي سائر آياتها الإحاطة بحسب قرب الإحاطة الكتابية من الإحاطة الإلهية اه وتمسك بهذا الحديث وما بمعناه من ذهب إلى القول بخلق القرآن لأن ماله سنام أو قلب لا يكون إلا مخلوقا ورد بأن القرآن ليس بجسم ولا ذي حدود وأقطار وإنما المراد بكونها سنام القرآن أنها أعلاه كما تقرر أن السنام من البعير أعلاه
(ع حب طب هب عن سهل بن سعد) وفيه كما قال الهيثمي سعيد بن خالد الخزاعي المديني وهو ضعيف اه وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة(2/511)
2421 - (إن لكل شيء شرفا) أي رفعة (وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة) يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية بحسب نيته في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وشرابه وطعامه تشرف حالته بذلك فيتحرى القبلة في مجلسه ويستشعر هيئتها فلا يعبث فيسن المحافظة على استقبالها ما أمكن حتى للمدرس على الأصح وإنما سن استدبار الخطيب لأن المنبر يسن كونه بصدر المجلس فلو استقبل خرج عن مقاصد الخطاب لأنه يخاطب حينئذ من هو خلف ظهره قال الشريف السمهودي: نعم كان شيخي شيخ الإسلام الشرف المناوي يجلس لإلقاء الدرس مستدبرها والقوم امامه قياسا على الخطبة ويعلله بما ذكر من أن ترك استقبال واحد أسهل من تركه لخلق كثير قال: ويستأنس له بما رواه الخطيب عن جابر أقبل مغيث إلى مكحول فأوسع له بجنبه فأبى وجلس مقابل القبلة وقال هذا أشرف المجالس فالظاهر أن جلوس مكحول مستدبرا كان كذلك اه
(طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس وهو طريق الطبراني وقال الذهبي رواه الحاكم من طريقين أحدهما هذا وهشام متروك والآخر فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال فبطل الحديث اه وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جدا اه نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة قال الهيثمي والمنذري وغيرهما إسناده حسن اه فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا لوضعه على ما جزموا بحسنه(2/512)
2422 - (إن لكل شيء) كذا هو في خط المصنف وفي رواية عمل وفي أخرى عابد (شرة) بكسر الشين والتشديد بضبط المصنف حدة وحرصا ونشاطا ورغبة قال القاضي: الشرة الحرص على الشيء والنشاط فيه وصاحبها فاعل فعل دل عليه ما بعده وقوله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك} (ولكل شرة فترة) أي وهنا وضعفا وسكونا يعني أن العابد يبالغ في العبادة أو لا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين. وقال القاضي: المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط الشرة والتفريط الفترة فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه (فإن صاحبها سدد وقارب) أي إن سدد صاحب الشرة أي جعل عمله متوسطا أي دنا من التوسط وسلك الطريق الأقوم وتجنب طريقي إفراط الشرة وتفريط الفترة (فارجوه) يعني ارجوا الصلاح والخير منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط وأحب الأعمال إلى الله أدومها (وإن أشير إليه بالأصابع) أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالعبادة والزهد [ص:513] وصار مشهورا مشارا إليه بالعبادة (فلا تعدوه) أي لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا ذكره القاضي. وقال الطيبي: معناه إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين إفراطا وتفريطا فالمحمود القصد بينهما فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد فارجوه أن يكون يكون من الفائزين فلا تقطعوا له بأنه من الفائزين فإن الله هو الذي يتولى السرائر وإن رأيته يسلك طريق الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر
(ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن صحيح غريب وفيه محمد بن عجلان وثقه أحمد وقال الحاكم سيء الحفظ(2/512)
2423 - (إن لكل شيء قلبا) أي لبا (وقلب القرآن يس) أي هي خالصه ولبه المودع فيه المقصود منه لأن أحوال البعث وأهوال القيامة مستقصاة فيها مع تصديرها بإثبات نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم عليها على أبلغ وجه واشتمالها مع قصر نظمها وصغر حجمها على الآيات البديعة من خلق الليل والنهار والقمرين والفلك وعبر ذلك من المواعظ والعبر والمعاني الدقيقة والمواعيد الرائفة والزواجر البالغة والإشارات الباهرة ما لم تكد تكن في سورة سواها مع صغر حجمها وقصر نظمها (ومن قرأ يس كتب الله له) أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب له (بقراءتها) ثواب (قراءة القرآن عشر مرات) أي قدر ثواب قراءة القرآن بدون سورة يس عشر مرات وقد تواترت الآثار بجموم فضائل يس روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده مرفوعا من قرأ سورة يس وهو خائف أمن أو سقيم شفي أو جائع شبع حتى ذكر خصالا كثيرة وفي مسند الدارمي من حديث عطاء بلاغا أنه عليه الصلاة والسلام قال من قرأ يس في صدر النهار قضيت حاجته وعن بعضهم من قرأها أول النهار لم يزل فرحا مسرورا إلى الليل ومن قرأها أول الليل لم يزل كذلك إلى الصباح
(الدارمي) في مسنده (ت) في فضائل القرآن (عن أنس) وقال الترمذي غريب فيه هارون أبو محمد شيخ مجهول انتهى كلام الترمذي فعزو المصنف الحديث له وحذفه لذلك من كلامه غير سديد وفي الباب أبو بكر وأبو هريرة وغيرهما(2/513)
2424 - (إن لكل شيء قمامة) أي كناسة (وقمامة المسجد) قول الإنسان فيه (لا والله وبلى والله) أي اللغو فيه وكثرة الخصومات والحلف واللغط فإن ذلك مما ينزه المسجد ويصان عنه فتكره الخصومة ورفع الصوت ونحو البيع والشراء ونشد الضالة ونحوها ويكره اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء حيث لا يشرع تغليظ اليمين بالمكان ولم يكن عذر لنحو مرض
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه رشدين بن أبي سعد وفيه كلام كثير وقال الذهبي قال ابن معين رشدين ليس بشيء وقال أبو زرعة ضعيف والجوزجاني له مناكير وعد هذا منها(2/513)
2425 - (إن لكل شيء نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد) أي سورة الإخلاص بكمالها قال في الصحاح النسب واحد الأنساب والهاء للمبالغة في المدح ونسبت الرجل ذكرت نسبته وهذا قاله لما قالت له اليهود يا محمد انسب لنا ربك فقوله الله أحد أثبت الوجود للأحد فنفى العدد وأثبت الأحدية لله سبحانه وتعالى وقوله الله الصمد نفي للجسم ولم يلد ولم يولد نفي للوالد والولد ولم يكن له كفوا أحد نفي للصاحبة كما نفى الشريك بقوله {لو كان فيهما آلهة إلا الله [ص:514] لفسدتا} قال العارف ابن عربي: وفي الحديث دلالة على الاكتفاء بأخذ العقائد من القرآن وأنه بمنزلة الدليل العقلي في الدلالة إذ هو المصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يحتاج معه إلى أدلة العقول
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه الوازع بن نافع وهو متروك(2/513)
2426 - (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي) أي طريقتي التي شرعتها (فقد اهتدى) أي سار سيرة مرضية حسنة (ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) الهلاك الأبدي وشقي الشقاء السرمدي قال الزمخشري: هدى هدي فلان سار سيرته وفي حديث واهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه وفلان هالك في الهوالك واهتوى فلان ألقى نفسه في التهلكة
(هب عن ابن عباس وابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح(2/514)
2427 - (إن لكل غادر) أي لكل ناقض للعهد تارك للوفاء بما عاهد عليه قال بعضهم والمشهور بين المصنفين أن هذا الغدر إنما هو في الحروب من نقض عهد أو أمان والحمل على الأعم أتم (لواء) أي علم وهو دون الراية ينصب له (يوم القيامة يعرف به) بين أهل الموقف تشهيرا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ولما كان الغدر إنما يقع مكتوما مستترا أشهر صاحبه بكشف ستره ليتم فضيحته وتشيع عقوبته وأصل اللواء الشهرة فلما كان الغدر لا يقع إلا بسبب خفي عوقب بضد ما فعل وهي شهرته هذه الشهرة التي تتضمن الخزي على رؤوس الأشهاد ويكون ذلك اللواء (عند استه) استخفافا بذكره واستهانة لأمره ومبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته أو لأن علم العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون علم الذلة فيما هو كالمقابل له والاست كما في الصحاح وغيره العجز وقد يراد به حلقة الدبر وهمزته وصل ولامه محذوفة والأصل ستة بفتحتين وقد تزاد الهاء الحذوفة وتحذف التاء فيقال سه قال الزمخشري: وتقول باست فلان إذا استخففت به
(الطيالسي) أبو داود (حم) كلاهما (عن أنس) بن مالك بإسناد حسن(2/514)
2428 - (إن لكل قوم فارطا) أي سابقا إلى الآخرة يهييء لهم ما ينفعهم فيها (وإني فرطكم على الحوض) أي متقدمكم إليه وناظر لكم في إصلاحه وتهيئته فتردون علي فيه (فمن ورد على الحوض فشرب لم يظمأ ومن لم يظمأ دخل الجنة) أي أن من يعذب في الموقف بالظمأ يدخل النار إما خالدا إن كان كافرا أو للتطهير إن كان مؤمنا ومن لم يقدر له الظمأ ذلك اليوم لشربه من الحوض لا بد وأن يدخل الجنة أولا من غير دخول النار أصلا والفارط كما في الصحاح وغيره السابق الذي يتقدم الواردة فيهييء لهم الرشاد والدلاء ويمد لهم الحياض ويستسقي لهم قال الزمخشري: ومن المجاز فرط له ولد سبق إلى الجنة جعله الله لك فرطا وافترط فلان أولادا والورود الحضور كما في الصحاح وغيره والحوض ما يجتمع فيه الماء للشرب ونحوه والظمأ العطش
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف(2/514)
2429 - (إن لكل قوم فراسة) بكسر الفاء (وإنما يعرفها الأشرف) أي العالو المرتبة المرتفعو المقدار في علم طريق الآخرة وسبق أن الفراسة ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع كرامة وإصابة حدس فللقلب عين كما أن [ص:515] للبصر عينا فمن صح عين قلبه وأعانه نور الله اطلع على حقائق الأشياء وعلى إدراك العالم العلوي وهو في الدنيا فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقاعدة الفراسة الصحيحة وأسها الغض عن المحارم قال الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحرمات واعتاد أكل الحلال لم تخطىء فراسته أبدا اه. فمن وفق لذلك أبصر الحقائق عيانا بقلبه وأما ما هو متعارف من الفراسة بأدلة وتجاريب وخلق وأخلاق وفيه مصنفات فلا ثقة به وإنما هي ظنون لا تغني من الحق شيئا وسر ذلك أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم عليه عوض من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فيرى به ما لم يره من أطلق بصره وهذا كالمحسوس
(ك عن عروة) بضم أوله ابن الزبير (مرسلا) أرسل عن عائشة(2/514)
2430 - (إن لكل نبي أمينا) أي ثقة يعتمد عليه (وأميني أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (ابن الجراح) أحد العشرة المبشرة قال في النوادر: الأمانة ترك الأشياء في مواضعها كما وضعت وإنزالها حيث أنزلت وللنفس أخلاق رديئة دنيئة عجولة في مهواها وتتشبث بمخالبها في دنياها فلما تخلص أبو عبيدة من حبائلها اطمأنت فطرته وماتت شهوته فأبصر قلبه الأشياء على هيئتها وصار ذلك أمانة لخلوص قلبه من الظلمات الحاجبة للنور عن إشراقه وفيه ندب توفير العالم وتعظيمه بمخاطبته بالكنية وإن كان هو دون المتكلم في الرتبة
(حم) وكذا البزار (عن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي رجاله ثقات ورواه الطبراني عن خالد بن الوليد قال الهيثمي بسند رجاله رجال الصحيح(2/515)
2431 - (إن لكل نبي حواريا) وزيرا أو ناصرا أو خالصا أو خليلا أو خاصة من أصحابه وحواري الرجل صفوته وخالصته أي صاحب سره سمي به لخلوص نيته وصفاء سريرته من الحور بفتحتين شدة البياض وقال الحرالي: الحواري المستخلف نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه قال الزركشي قال الزجاج وهو منصرف (وإن حواري الزبير) إضافة إلى ياء المتكلم فحذف الياء وقد ضبطه جمع بفتح الياء وآخرون بكسرها وهو القياس لكنهم لما استثقلوا ثلاث يا آت حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه يجتمع مع المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمه صفية عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله لما قال يوم الأحزاب من يأتيني يخبر القوم فقال الزبير أنا لما أحكم أسباب الإخلاص اصطفاه ونسبه للاختصاص
(خ) في الجهاد (ت) في المناقب (عن جابر) بن عبد الله (ت ك) في المناقب (عن أمير المؤمنين) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه بل خرجه مسلم في الفضائل عن جابر ولفظه ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير (وكان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهما يتصدق بها وفي رواية فكان يقسمه كل ليلة ثم يقدم إلى منزله ليس معه منه شيء وباع دارا له بست مئة ألف فقيل له غبنت قال كلا والله لتعلمن أني لم أغبن هي في سبيل الله. وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وأن في صدره مثل العيون من الطعن والرمي وعن ابن أبي حازم عن الزبير قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح وقتل يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين قتله ابن جرموز واستأذن على علي فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكل نبي حواري وحواري الزبير وقال عبد الله بن الزبير جعل أبي يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة قال فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومئة ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتها يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف. اه) [ص:516] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير(2/515)
2432 - (إن لكل نبي حوضا) على قدر رتبته وأمته قال الطيبي: يجوز حمله على ظاهره فيدل على أن لكل نبي حوضا وأن يحمل على المجاز ويراد به العلم والهدى ونحوه وقال الحكيم: الحياض يوم القيامة للرسل لكل على قدره وقدر من تبعه وهو شيء يلطف الله به عباده فإنهم تخلصوا من تحت أيدي قابض الأرواح قد أذاقهم مرارة الموت وطالت مدتهم اللحود ونشروا للهول العظيم والغوث لأهل التوحيد من الله تعالى مترادف أغاثهم يوم ألست بربكم فأثبت أسماءهم بالولاية ونقلهم في الأصلاب حتى أواهم إلى آخر قالب ثم أنزله فرباه وهداه وهيأه وهيأ له وكلأه حتى خلتم له مما ابتلاه فلما أذاقه الموت المر وحبسه مع البلاء الطويل ثم أنشره فبعثه إلى موقف عظيم بين الجنة والنار فمن غوثه إياه أن جعل الرسول الذي أجابه فرطا له قد هيأ له مشروبا يروى منه فلا يظمأ بعدها أبدا وسعد فلا يشقى أبدا فمن لم يذد عنه إذا دنا منه وسقى فقد استقر في جوفه ما حرمت النار عليه به ثم ينصب الصراط للجواز إلى هنا كلامه (وأنهم) أي الأنبياء (يتباهون أيهم أكثر) أمة (واردة) على الحوض (وإني أرجو) أي أؤمل (أن أكون أكثرهم واردة) قال القرطبي: وقال البكري المعروف بابن الواسطى لكل نبي حوض إلا صالحا فإن حوضه ضرع ناقته انتهى ولم أقف على ما يدل عليه أو يشهد له انتهى وهذا الحديث صريح في أن الحوض ليس من الخصائص المحمدية لكن اشتهر الاختصاص والحديث اختلف في وصله وإرساله قال ابن حجر: والمرسل خرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن بلفظ إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصى يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ورواه الطبراني من وجه آخر عن سمرة مرفوعا مثله وفي سنده لين وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد رفعه كل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض وحينئذ فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره
(ت) في الزهد (عن سمرة) بن جندب وقال الترمذي غريب وصحح إرساله(2/516)
2433 - (إن لكل نبي خاصة من أصحابه) أي من يختص بخدمته منهم ويعول عليه في المهمات من بينهم (وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب ومن ثم استوزرهما في حياته وحق لهما أن يخلفاه على أمته بعد مماته والهاء في الخاصة للتأكيد كما في المصباح وعن الكسائي الخاص والخاصة واحد
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فبه عبد الرحيم أبو حماد الثقفي وهو متروك(2/516)
[ص:517] 2434 - (إن لكل نبي دعوة) أي مرة من الدعاء متيقنا إجابتها (قد دعا بها في أمته) لهم أي عليهم أو صرفها في هذه الدار لأحد أمرين فمنهم من دعا عليهم كنوح وموسى عليهما السلام ومنهم من دعا لهم كإبراهيم وعيسى عليهما السلام ومنهم من صرفه لغيرهم كسليمان عليه السلام حين سأل الملك (فاستجيب له) وليس معناه أنهم إذا دعوا لم يستجب لهم إلا واحدة فقد إستجاب لكل نبي ما لا يحصى لكنهم في تلك الدعوات بين رجاء وخوف رد فكل نبي تعجل دعوته والمصطفى صلى الله عليه وسلم أخرها لوقت الإضطرار قال الطيبي: وإرادته الإجابة لا الدعوة (وإني اختبأت دعوتي) أي ادخرتها (شفاعة لأمتي يوم القيامة) لأن صرفها لهم في جهة الشفاعة أهم وفي الآخرة أتم لا يقال اختبأ الشيء يقتضي حصوله وتلك الدعوة إنما تحصل له يوم القيامة فكيف تكون مدخرة قلنا يجوز أن بخير الله النبي بين أن يدعو تلك الدعوة المستجابة في الدنيا وبين أن يدعو في الآخرة فاختارها فسمي ذلك الإختيار اختباء كذا قرروه واستشكله الطيبي بدعاء المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على أحياء العرب كمضر وعصية وذكوان قال فالتأويل المستقيم أن معناه جعل لكل نبي دعوة مستجابة في أمته فكل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها في الدنيا وأنا ما نلتها فيها حيث دعوت على بعض أمتي لي ليس لك من الأمر شيء فبقيت تلك الدعوة مدخرة في الآخرة ودعاؤه على مضر ليس للاهلاك بل للارتداع {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} . <تنبيه> هذا الحديث قد استبدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر قالوا لأن الشفاعة تنال كل من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا كما نص عليه في رواية مسلم وصاحب الكبيرة في ذلك كذلك فوجب أن تناله الشفاعة
(حم ق عن أنس) ابن مالك وزاد مسلم في آخره فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا(2/517)
2435 - (إن لكل نبي ولاة) جمع ولي أي لكل نبي أحياء وقرناؤهم أولى به من غيرهم (من النبيين وإن وليي أبي) يعني إبراهيم الخليل عليه السلام (وخليلي ربي) قال التوربشتي: وفي المصابيح وإن وليي ربي وهو غلط ولعل من حرفه دخل عليه الدخيل من قوله تعالى {إن وليي الله} والصواب ما ذكرنا واعترضه المظهر بأنه لو كان كذا كان قياس التركيب أن يكون وليي أبي خليلي ربي بغير واو العطف الموجبة للتغاير وبإضافة الخليل إلى ربي ليكون عطف بيان لأبي قال الطيبي: والرواية المعتبرة ما في الترمذي وغيره ولو ذهب إلى أن خليلي ربي عطف بيان بلا واو لزم حصول كون إبراهيم أبا النبي ووليه فأتى به بيانا وإذا جعل معطوفا عليه يلزم شهرته به والعطف يكون لإثبات وصف آخر له على سبيل المدح ثم إنه لا يلزم من قوله لكل نبي ولاة أن يكون لكل منهم أولياء لأن النكرة المفردة إذا وقعت في محل الجمع أفادت الاستغراق
(ت) في التفسير (عن ابن مسعود) وتمامه عنده ثم قرأ {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} ورواه عنه أيضا الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي(2/517)
2436 - (إن لكل نبي وزيرين) تثنية وزير وهو الذي يحمل أثقال الملك ويلتجىء الأمير إلى رأيه وتدبيره (ووزيراي وصاحباي أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب وفيه جنوح إلى استحقاقهما الإمامة من بعده
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده فعزوه للفروع وإهماله الأصل غير سديد ثم إن فيه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي قال ابن عساكر اتهم في لقاء إسحاق بن أبي ثابت وأورده في اللسان وقال متهم بالاعتزال(2/517)
[ص:518] 2437 - (إن لي أسماء) وفي رواية للبخاري خمسة أسماء أي موجودة في الكتب السالفة أو مشهورة بين الأمم الماضية أو يعلمها أهل الكتابين أو مختص بها لم يتسم بها أحد قبلي أو معظمة أو أمهات الأسماء وما عداها راجع إليها لا أنه أراد الحصر كيف وله أسماء أخر بلغها بعضهم كما قال النووي في المجموع وتهذيب الأسماء واللغات ألفا لكن أكثرها من قبيل الصفات قال ابن القيم: فبلوغها ذلك باعتبارها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة باعتبار متباينة باعتبار (أنا محمد) قدمه لأنه أشرفها ومن باب التفعيل للمبالغة ولم يسم به غيره قبله لكن لما قرب مولده سموا به نحو خمسة عشر رجاء كونه هو (وأنا أحمد) أي أحمد الحامدين فالأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا قال المصنف: وتسميته به من خصائصه (وأنا الحاشر) أي ذو الحشر (الذي يحشر الناس على قدمي) بتخفيف الياء على الإفراد وبشدها على التثنية والمراد على أثر نبوتي أي زمنها أي ليس بعده نبي قال الطيبي: وهذا اسناده مجازي لأنه سبب في حشر الناس لأنهم لا يحشرون حتى يحشر إذ يحشر قبلهم كما في عدة أخبار وقال ابن حجر: يحمل أن المراد بالقدم الزمان أو وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة واستكمل التفسير بأنه يقتضي أنه محشور فكيف يصير به حاشرا وهو اسم فاعل وأجيب بأن استناد الفعل إلى الفاعل إضافة وهي نصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لكونه لا نبي بعده نسب إليه الحشر لوقوعه عقبه وقيل معنى القدم السبب أو المراد على مشاهدتي قائما لله (وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) أي يزيل أهله من جزيرة العرب أو من أكثر البلاد وقد يراد المحو العام بمعنى ظهور الحجة والغلبة ليظهره على الدين كله (وأنا العاقب) زاد مسلم الذي ليس بعدي أحمد وللترمذي الذي ليس بعدي نبي لأنه جاء عقبهم وفيه جواز التسمية بأكثر من واحد قال ابن القيم: لكن تركه أولى لأن القصد بالاسم التعريف والتمييز والاسم كاف وليس كأسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن أسماءه كانت نعوتا دالة على كمال المدح لم يكن إلا من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى لا للتعريف فحسب (تتمة) قال المؤلف في الخصائص من خصائصه أن له ألف اسم واشتقاق اسمه من اسم الله تعالى وأنه سمي من أسماء الله بنحو سبعين اسما وأنه سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله
(مالك) في الموطأ (ق) في الفضائل (ت) في المناقب (ن) في التفسير (عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسمون الطاء وكسر العين(2/518)
2438 - (إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء من الملائكة جبريل وميكائيل ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر) قال الطيبي: فيه دلالة على أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل من جبريل وميكائيل والوزير من الوزر والثقل فإنه يحتمل عن الملك أوزاره قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام {واجعل لي وزيرا من أهلي} انتهى وعد المصنف وزارة هؤلاء من خصائصه
(ك) في التفسير (عن أبي سعيد) الخدري وصححه وأقره الذهبي (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه الترمذي بمعناه من حديث أبي سعيد أيضا(2/518)
2439 - (إن ما قد قدر في الرحم سيكون) سواء عزل المجامع أم أنزل داخل الفرج فلا أثر للعزل ولا لعدمه وهذا قاله [ص:519] لمن سأله عن العزل والرحم موضع تكوين الولد وتخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ومع كسرها أيضا في لغة بني كلاب وفي لغة لهم تكسر الحاء اتباعا لكسرة الراء كذا في المصباح
(ن عن أبي سعيد) وقيل أبو سعيد واسمه عمارة بن سعيد أو غيره (الزرقي) بفتح الزاي وسكون الراء وآخره في نسبة إلى زرق قرية من قرى مرو بها قتل يزدجرد أحد ملوك الفرس خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين(2/518)
2440 - (إن ما بين مصر أعين) تثنية مصراع وهو من الباب الشطر (في الجنة) أي في باب من أبواب الجنة (كمسيرة أربعين سنة) والمراد بهذا الباب الأعظم وما عداه كما بين مكة وهجر وعليه نزل الخبر الآني في مطلع حرف الباء فلا تدافع بين الخبرين كما سيجيء تحقيقه في حرف الميم عند خبر ما بين مصراعين إلى آخره
(حم ع) وكذا الطبراني (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/519)
2441 - (إن مثل العلماء في الأرض) المثل لغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهو المراد هنا وقال الحرالي: المثل ما يتحصل في باطن الإدراك من حقائق الأشياء المحسوسة فيكون ألطف من الشيء المحسوس فيقع لذلك جالبا لمعنى مثل المعنى المعقول ويكون الأظهر منهما مثلا للأخفى (كمثل النجوم) جمع نجم وهو الكوكب المضيء (في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر) فكذا العلماء يهتدى بهم في ظلمات الضلال والجهل قال في العوارف: والهدى وجدان القلب موهبة العلم من الله تعالى (فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة) فكذا إذا ماتت العلماء أوشك أن تضل الناس والطموس كما في الصحاح وغيره الدروس والانمحاء وانطمس الأثر انمحى قال الزمخشري: ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء وقد طمس الغيم انتهى
(حم عن أنس) قال المنذري فيه رشدين ضعيف وأبو حفص صاحب أنس لا أعرفه قال الهيثمي فيه رشدين بن سعد اختلف في الاحتجاج فيه وأبو حفص صاحب أنس مجهول(2/519)
2442 - (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعلي وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة وجعلهم وصلة إليها ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكر النعمة مشرفهم والأخذ بهدي علمائهم فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة المترادفة ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في كثير من الآيات وهم العروة الوثقى ومعدن التقى واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض
(ك) في منا قب أهل البيت (عن أبي ذر) قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي فقال فيه مفضل بن صالح واه(2/519)
[ص:520] 2443 - (إن مثل الذي يعود في عطيته) أي يرجع فيما يهبه لغيره (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم) أكله (عاد في قيئه فأكله) قال ابن دقيق العيد: وقع التشبيه في التشديد من وجهين تشبيه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء وقال البيضاوي: المعنى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بصفة ذميمة يشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال ابن حجر: وهذا أبلغ في الزجر وأدل على التحريم بما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة وظاهره تحريم العود في الهبة بعد القبض قال النووي: وموضعه في هبة الأجنبي فلو وهب لفرعه رجع وقال أبو حنيفة له الرجوع فيها للأجنبي لأن فعل الكلب يوصف بالقبح لا الحرمة
(هـ عن أبي هريرة)(2/520)
2444 - (إن مثل الذي يعمل السيئات) جمع سيئة وهي ما يسيء صاحبه في الآخرة أو الدنيا (ثم يعمل الحسنات كمثل رجل) بزيادة مثل أو الكاف (كانت عليه درع) بدال مهملة قال ابن الأثير: زردية (ضيقة قد خنقته) أي عصرت حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع (ثم عمل حسنة فانفكت) أي تخلصت (حلقة) بسكون اللام (ثم عمل) حسنة (أخرى فانفكت الأخرى) وهكذا واحدة واحدة (حتى تخرج إلى الأرض) يعني عمل السيئات يضيق صدر العامل ورزقه ويحيره في أمره فلا يتيسر له في أموره ويبغضه عند الناس فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته فإذا زالت انشرح صدره وتوسع رزقه وسهل أمره وأحبه الخلق ومعنى قوله حتى تخرج إلى الأرض انحلت وانفكت حتى تسقط تلك الدروع ويخرج صاحبها من ضيقها فقوله تخرج إلى الأرض كناية عن سقوطها
(طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو منه إليه وأنه لا علة فيه والأمر بخلافه أما الأول فقد رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ عن عقبة وأما الثاني فلأن فيه ابن لهيعة(2/520)
2445 - (إن مجوس هذه الأمة) أي الجماعة المحمدية (المكذبون) أي القوم المكذبون (بأقدار الله) بفتح الهمزة جمع قدر بفتحتين القضاء الذي يقدره الله تعالى كما مر بما فيه (إن مرضوا فلا تعودوهم) أي لا تزوروهم في مرضهم فإذا كانوا مجوس هذه الأمة فينبغي معاملتهم بالجفاء وترك المؤاخاة والصفاء وحينئذ (وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي لا تحضرون جنائزهم (وإن لقيتموهم) في نحو طريق (فلا تسلموا عليهم) قال الطيبي: لفظه هذا إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا من هذه الأمة بهذه الصفة الشنيعة حيث نزلوا من اوج تلك المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة جعلهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة (1)
(هـ) عن محمد بن المصفى عن بقية عن الأوزاعي عن ابن جريح عن أبي الزبير (عن جابر) [ص:521] ابن عبد الله قال ابن الجوزي حديث لا يصح وأطال في بيانه. وهذا الحديث مما انتقده السراج القزويني على المصابيح وزعم وضعه ونازعه العلائي ثم قال مدار الحديث على بقية وقد قال فيه عن الأوزاعي والذي استقر عليه أكثر الأمر من قول الأئمة أن بقية ثقة في نفسه لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين يسقطهم ويضعف الحديث عن شيوخهم فلا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو أخبرنا أو سمعت أو عن وقال الذهبي هذا من الأحاديث الضعيفة وفي الباب عدة أحاديث فيها مقال
_________
(1) يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى الإنسان والشيطان والله تعالى خالقهما جميعا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما عملا واكتسابا(2/520)
2446 - (إن محاسن الأخلاق مخزونة) أي محرزة (عند الله تعالى) أي في علمه وفي هذه العندية من التشريف ما لا يخفى (فإذا أحب الله عبدا منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) بضم اللام بأن يطبعه عليه في جوف أمه أو يفيض على قلبه نورا فيشرح صدره للتخلق به والمداومة عليه حتى يصير بمنزلة الغريزي فإعطاؤه الخلق الحسن آية محبة الله له والخلق الحسن الصادر من العبد دليل طيبه المقتضى لمحبة ربه له والله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب كما أن من صدر عنه الخلق السيء دليل على خبثه المقتضي لبغض ربه أعاذنا الله من ذلك
(الحكيم) الترمذي (عن العلاء بن كثير مرسلا) وهو الإسكندراني مولى قريش ثقة عابد(2/521)
2447 - (إن مريم) بنت عمران الصديقة بنص القرآن هي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا (سألت الله أن يطعمها لحما لا دم فيه) أي سائل (فأطعمها الجراد) تمامه عند الطبراني فقالت اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع انتهى. ولعل المصنف أغفله ذهولا وفيه حل أكل الجراد وشرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره وقد ورد فيه أخبار منها خبر: أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال وبفرض أنه موقوف على ابن عمر فهو في حكم المرفوع كما مر وخبر الجراد أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه صريح في حله خلافا لمن وهمه وإنما لم يأكله لعذر كالضب بل روى أبو نعيم أنه أكله
(عق عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي وكذا الديلمي(2/521)
2448 - (إن مسح الحجر الأسود) أي استلامه بيده اليمنى ومثله موضعه (والركن اليماني يحطان الخطايا حطا) أي يسقطانها أو ينقصانها وأكده بالمصدر إشارة إلى تحقق ذلك. قال في المصباح كغيره حططت من الدين أسقطت واستحطته من الثمن كذا فحطه وانحط السعر نقص. قال الزمخشري: من المجاز حط الله أوزارهم وحط الله وزرك وانحط السعر انتهى والمراد بالخطايا الصغائر كما هو قياس النظائر وفيه ندب استلام الحجر والركن اليماني لكن الحجر يستلمه بيمينه ثم يقبلها ثم يقبله والركن اليماني يستلمه ثم يقبل يده ولا يقبله ويفعل هكذا في ابتداء كل طوفة والأولى آكد
(حم عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه(2/521)
2449 - (إن مصر) بمنع الصرف للعلمية والعجمة (ستفتح) أي سيغلب عليها المسلمون ويملكونها قهرا يقال فتح السلطان البلاد غلب عليها وتملكها قهرا (فانتجعوا خيرها) أي اذهبوا إليها لطلب الربح والفائدة فإنها كثيرة الربح والمكاسب لاسيما الجانب الغربي منها كما هو مصرح به في خبر يأتي وإذا حصلتم على الربح فارتحلوا عنها (ولا تتخذوها دارا) [ص:522] أي محل إقامة (فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا) فإن قلت: الآجال مقدرة والأعمال محصية مقدرة فما فائدة الأمر بمنع الإقامة؟ قلت: جائز أن يقال إنه يكون مكتوبا في اللوح أو الصحف أنه إن لم يقم بها عاش طويلا وإن قطنها أفسد هواؤها مزاجه فهلك <فائدة> اشتهر على الألسنة في قوله سبحانه {سأريكم دار الفاسقين} أنها مصر قال ابن الصلاح وهو غلط نشأ عن تصحيف وإنما قال بعض المفسرين {دار الفاسقين} مصيرهم فصحفت بمصر (تتمة) أخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعا أن إبليس دخل العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرح وبسط عبقريه. قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا انتهى. وزعم ابن الجوزي وضعه ورده المؤلف (غريبة) قال العارف البسطامي: مصر شأنها عجيب وسرها غريب خلقها أكثر من رزقها ومعيشتها أغزر من خلقها من لم يخرج منها لم يشبع. قال بعض الحكماء: نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. وقال تعالى {أصلها ثابت وفرعها في السماء}
(تخ) يعني تاريخه الصغير كما في الإصابة وظاهر كلام المؤلف أن البخاري خرجه وأقره وليس كذلك بل قال عقبه لا يصح (والبارودي) في الصحابة (طب وابن السني وأبو نعيم في الطب) النبوي وابن السكن في الصحابة وابن شاهين وابن يونس كلهم من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه (عن) جده (رباح) بفتح الراء والموحدة ابن قصير بفتح أوله اللخمي قال ابن يونس عقبة منكر جدا وقد أعاذ الله موسى أن يحدث بمثله فهو كان أتقى لله من ذلك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال البخاري لا يصح وقال ابن السكن في إسناده نظر ولما عزاه الهيثمي للطبراني قال فيه مظهر بن الهيثم وهو متروك وأقر السخاوي ابن الجوزي على دعواه وضعه. وقال المؤلف في حسن المحاضرة في إسناده مظهر بن الهيثم قال فيه ابن يونس متروك والحديث منكر جدا وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. إلى هنا كلامه(2/521)
2450 - (إن مطعم) بفتح فسكون ففتح (ابن آدم) كنى به عن الطعام والشراب الذي يستحيل بولا وغائطا (ضرب مثلا الدنيا) أي لدناءتها وقذارتها (وإن قزحه) بقاف وزاي مشددة أي وضع فيه القزح وهو النابل يعني وإن نوبله وكثر أبزاره وبالغ في تحسينه. قال الزمخشري: قزح قدرك توبلها وطعام مليح مزيح. وفي المصباح القزح كحمل الأبزار وقد يراد بقزحه هنا جعله ألوانا مليحة ففي المصباح أيضا القزح الطريق وهو خطوط من صفرة وخضرة وحمرة وما ذكر من أن قزحه مشددا هو ما ضبطه المصنف بخطه لكن إن كانت الرواية هكذا فمسلم وإلا فالمسموع جواز الأمرين ففي المصباح وغيره قزح قدره بالتخفيف والتثقيل جعل فيه القزح (وملحه) بفتح الحاء وشد اللام كذا رأيته بخط المصنف لكن قال المنذري هو بتخفيف اللام أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح (فانظر إلى ما يصير) يعني ما يخرج منه: كان قبل ذلك ألوانا من الأطعمة طيبة ناعمة وشرابا سائغا فصارت عاقبته إلى ما ترى فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها يتنافس في رتبتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى. <تنبيه> ما في قوله إلى ما يصير موصولة وعائدها محذوف لأنه جر بمثل الحرف الذي جر الموصول به والتقدير إلى ما يصير إليه ونظر يتعدى
(حم طب عن أبي) بن كعب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير غني وهو ثقة وقال المنذري إسناده جيد قوي(2/522)
2451 - (إن معافاة) مصدر من قوله عافاك الله معافاة (الله العبد في الدنيا أن يستر عليه سيئاته) فلا يظهرها لأحد ولا [ص:523] يفضحه بها ومن ستر عليه في الدنيا ستر عليه في الآخرة كما سيجىء في خبر. قال ابن الأثير: العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلاء وهي الصحة والمعافاة أن يعافيك من الناس ويعافيهم منك
(الحسن بن سفيان في) كتاب (الوحدان) بضم الواو وسكون الحاء المهملة (وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة من طريق محمد بن عثمان القرشي عن حبيب بن سليم (عن بلال بن يحيى) قال أبو نعيم (العبسي) الكوفي صاحب حذيفة (مرسلا) أرسله عن حذيفة وغيره قال ابن حجر قلت هو كما ظن فإن حبيب بن سالم معروف بالرواية عنه وهو تابعي معروف حتى قيل إن روايته عن حذيفة مرسلة(2/522)
2452 - (إن مع كل جرس) بالتحريك أي جلجل يعلق في عنق الدابة أو غيرها من كل حيوان (شيطانا) قيل لدلالته على أصحابه بصوته وظاهره العموم فيشمل الجرس الصغير والكبير في نحو أذن أو رجل أو عنق من نحاس أو حديد أو نقد أو غيرها
(د عن عمر) بن الخطاب قال عامر بن عبد الله بن الزبير قال ذهبت مولاة لآل الزبير بابنة لهم إلى عمر وفي رجلها أجراس فقطعها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره قال المنذري ومولاتهم مجهولة وعامر لم يدرك عمر(2/523)
2453 - (إن مغير الخلق) بضم الخاء (كمغير الخلق) بفتحها (إنك لا تستطيع أن تغير خلقه حتى تغير خلقه) وتغيير خلقه محال فتغيير خلقه كذلك وتأبى الطباع على النافل وهذا يوضح خبر أحمد إذا حدثت أن جبلا زال عن مكانه فصدق وإذا حدثت أن رجلا زال عن خلقه فلا تصدق وذلك لأن من تمحضت فيه مادة الخبث فقد طبع على الخلق المذموم الذي لا مطمع في تبدله ومن تمحضت فيه مادة الطيب فقد طبع على الخلق الحسن المحمود الذي لا مطمع في تبدله قال الشريف السمهودي: وقد جربت مصداقه الآن فكم أظهر الواحد منهم التوبة عن أخلاق ذميمة بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها ثم نكص على عقبيه راجعا لما كان عليه لاقتضاء خبثهم المستحكم وعظيم بغضهم لأهل الخير سيما ذوي البيوت وأنشد بعضهم:
وما هذه الأخلاق إلا طبائع. . . فمنهن محمود ومنهن مذمم
ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه. . . لئيم ولن يستطيعه متكرم
(عد فر) وكذا الطبراني والعسكري كلهم (عن أبي هريرة) وفيه بقية عن إسماعيل بن عياش وقد سبق بيان حالهما(2/523)
2454 - (إن مفاتيح الرزق متوجهة نحو العرش) أي جهته (فينزل الله على الناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له) أي من وسع على عياله ونحوهم ممن عليه مؤونتهم وجوبا أو ندبا أدر الله عليه من الأرزاق بقدر ذلك أو أزيد ومن قتر عليهم قتر عليه وشاهده الخبر المار إن الله ينزل المعونة على قدر المؤونة وفي خبر آخر إن لله تعالى ملكا ينادي كل صباح اللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تلفا
(قط في الأفراد عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال الذهبي ضعيف والواقدي ومحمد بن إسحاق(2/523)
[ص:524] 2455 - (إن ملكا موكلا بالقرآن فمن قرأ منه شيئا لم يقومه) أي لم يجره على سنن الجادة من رعاية اللغة والإعراب ووجوه القراءات الجائزة وغير ذلك مما يجب في أدائه (قومه الملك) أي عدله والقوام بالفتح العدل والاعتدال قال تعالى {وكان بين ذلك قواما} أي عدلا وهو حسن القوام أي الاعتدال وقومته تقويما فتقوم بمعنى عدلته فتعدل كما في المصباح كغيره (ورفعه) إلى الملأ الأعلى قويما فظاهره أن الملك واحد لجميع القراء من الخلق ويحتمل على بعد: أن لكل قارىء ملكا
(أبو سعيد السماني) بشد الميم بخط المصنف وفي التحرير للحافظ ابن حجر السماني بكسر السين المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون معروف منسوب إلى سعد السمان الحافظ الرازي (في مشيخته والرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أنس) في صنيع المصنف إشعار بأنه لم يره لأشهر من هذين في فن الحديث وهو عجب فقد رواه البخاري في الضعفاء عن أنس المذكور باللفظ المزبور وفيه معلا بن هلال قال في الميزان رواه السفيانان بالكذب(2/524)
2456 - (إن من البيان لسحرا) أي إن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا وهذا معنى قول ابن قتيبة: إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم وهذا قاله حين قدم وفد تميم وفيه الزبرقان وعمرو بن الأهيم فخطبا ببلاغة وفصاحة ثم فخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب لديهم أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه فقال الزبرقان: والله لقد علم مني أكثر ما قال ما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: أنا أحسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال ضيق العطن أحمق الولد والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت لكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن إلخ قال الميداني: هذا المثال في استحسان النطق وإيراد الحجة البالغة قال التوربشتي: وحقه أن يقال إن بعض البيان كالسحر لكنه جعل الخبر مبتدأ مبالغة في جعل الأصل فرعا والفرع أصلا
(مالك حم خ) في النكاح والطب (د) في الأدب (ت) في البر كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ووهم في المشارق حيث عزاه إلى علي كرم الله وجهه فإن البخاري لم يخرجه عنه(2/524)
2457 - (إن من البيان سحرا) أي إن بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح المشكل ويكشف بحسن بيانه عن حقيقته فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر فلما كان في البيان من صنوف التركيب وغرائب التأليف ما يجذب السامع إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي قال صعصعة: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق (وإن من الشعر حكما) جمع حكمة أي قولا صادقا مطابقا للحق موافقا للواقع وذلك ما كان منه من قبيل المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن جنس البيان وإن كان محمودا ففيه ما يذم للمعنى السابق وجنس الشعر وإن كان مذموما ففيه ما يحمد لاشتماله على الحكمة وعبر بمن إشارة إلى أن بعضه ليس كذلك وفيه رد على من كره مطلق الشعر وأصل الحكمة المنع وبها سمي اللجام لأنه يمنع الدابة
(حم د عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه والجملة الثانية في البخاري بلفظ إن من الشعر لحكمة من حديث أبي(2/524)
[ص:525] 2458 - (إن من البيان سحرا) قال القاضي: البيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة باعتبار المعنى والسحر في الأصل الصرف قال {فأنى تسحرون} وسمي السحر سحرا لأنه مصروف عن جهته والمراد به هنا من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قول الباطل ويروج عليهم ويخيل لهم ما ليس بحق حقا ويشغلهم بتمويه اللفظ عن تدبر المعنى فيكون صفة ذم ويؤيده ما ورد صريحا في مذمته ويكون المقصود من الكلام منع الحاضرين عن استعجابه والاغترار به وحثهم على أن يكون مجامع نظرهم في الاستحسان والاستقباح إلى جانب المعنى فإن حسن البيان وإن كان محمودا في الجملة ففيه ما هو مذموم لكونه معربا عن باطل وجنس الشعر وإن كان مذموما في الجملة لكنه قد يكون فيه ما هو محمود لاشتماله على حكم ومنه ما يستعذب ويقضى له بالتعجب ويقصر عنه منه العامة كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد فيكون صفة مدح ويسمى السحر الحلال (وإن من العلم جهلا) لكونه علما مذموما والجهل به خير منه أو المراد من العلوم ما لا يحتاج إليه فيشتغل به عن تعلم ما يحتاجه في دينه فيصير علمه مما لا يعنيه (وإن من الشعر حكما) أكد هنا وفيما مر بأن في بعض الروايات باللام أيضا ردا على من أطلق كراهة الشعر فأشار إلى أن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح وكل كلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد وأما خبر الشعر مزامير الشيطان وخبر إنه جعل له كالقرآن فواهيان وبعد الإغضاء عن ذلك محمول على ما كان من غير ذلك القبيل أو على المجازفة والإفراط جمعا بين الأدلة (وإن من القول عيالا (1)) قال في النهاية: هو عرض الحديث على من لا يريده وليس من شأنه كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده اه. وقال الراغب: العيال جمع عيل لما فيه من الثقل فكأنه أراد به الملال فالسامع إما عالم فيمل أو جاهل فلا يفهم فيسأم
(د) في الأدب من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه (عن) جده (بريدة) بن الحصيب قال عبد الله: بينما هو - يعني بريدة - جالس بالكوفة في مجلس من أصحابه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال: فقال صعصعة بن صوحان وهو أحدث القوم سنأ صدق الله ورسوله ولو لم يقلها كان كذلك قال فتوسمه رجل من الحلقة فقال له بعد ما تفرق القوم من مجلسهم ما حملك على أن قلت صدق نبي الله ولو لم يقلها كان كذلك قال: أما قوله إن من البيان سحرا أن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فليسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه وأما قوله وإن من العلم جهلا فهو تكلف العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالا فعرضك كلامك من ليس من شأنه ولا يريده قال الحافظ العراقي في إسناده من يجهل
_________
(1) قال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه غيره عيلا قال الأزهري من قولك علت الضالة أعيل عيلا وعيلا وعيالا إذا لم تدر أي جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد إلى من يطلب علمه فعرضه على من لا يريده(2/525)
2459 - (إن من التواضع لله الرضى بالدون) أي الأقل (من شرف المجالس) فمن هذب نفسه حتى رضيت منه بأن يجلس حيث انتهى به المجلس كما كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم سمي متواضعا لله حقا فالفضيلة إنما هي بالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية لا برفعه المواضع ولا بالخلع ولا بالمناصب فلو جلس ذو الفضيلة عند النعال لصار موضعه صدرا وعكسه فليحذر من هذا التنافس المذموم شرعا فإنه سم قاتل وفي ضمن هذا الحديث الأخذ بمدحة التواضع والأمر به قال بعض العارفين: احذر أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلاها إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه تعالى والذي عليك التواضع والذلة [ص:526] والانكسار فإنك إنما أنشأك الله من الأرض فلا تعلو عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين محرم مذموم
(طب هب عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي وفيه أيوب بن سليمان بن عبد الله لم أعرفه ولا والده وبقية رجاله ثقات اه وأقول فيه أيضا سليمان بن أيوب الطلحي قال في اللسان صاحب مناكير وقد وثق وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ثم أورد له أخبارا هذا منها اه نعم رواه الخرائطي في المكارم وأبو نعيم في الرياض عنه أيضا قال الحافظ العراقي وسنده جيد اه وكان ينبغي للمصنف إيثار العزو إليهما(2/525)
2460 - (إن) يقال (من الجفاء) أي الإعراض عن الصلاة جفوت الرجل أجفوه أعرضت عنه أو طردته (أن يكثر الرجل) ذكره هنا وصف طردي والمراد المصلي ولو امرأة وخنثى (مسح جبهته) من الحصى والغبار بعد تحرمه و (قبل الفراغ من صلاته) فيكره إكثار ذلك لمنافاته للخشوع وخرج بالإكثار ما وقع على الندور والكلام في خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للأرض فإن منع وجب مسحه ولم تصح صلاته بدونه
(هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ مغلطاي: حديث ضعيف لضعيف هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي قال البخاري لا يتابع في حديثه وأبو حاتم منكر الخديث وابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به(2/526)
2461 - (إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة) لا الفرض ولا النفل (ولا الصيام) كذلك (والحج ولا العمرة) ولم يذكر الزكاة لأن الذي يهتم بمعيشته لا مال له غالبا قيل وما يكفرها؟ قال (يكفرها الهموم) جمع هم وهو القلق والاغتمام والحزن كما في الصحاح وغيره (في طلب المعيشة) أي السعي في تحصيل ما يعيش به ويقوم بكفايته وممونه قال في المصباح وغيره: المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به وإنما صلح ذلك دون غيره لتكفيرها لأن الشيء يكفر بضده كما أن المرض يعالج بضده فالمعاصي القلبية تكفر بالهموم القلبية فيدخل الله الهم على القلب ليكفر به ذلك الذنب ومن ثم قيل إن الهم الذي يدخل على القلب والعبد لا يعرفه هو ظلمة الذنوب والهم بها وشعور القلب بوقفة الحساب وهول المطلع لكن قال الغزالي: الهم إنما يكفر حقوق الله أما مظالم العباد فلا يكفيه فيها إلا الخروج عنها
(حل وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط والخطيب في تلخيص المشتبه من طريق يحيى بن بكير عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن حجر وإسناده إلى يحيى واه وقال الحافظ الهيثمي فيه محمد بن سلام المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع قال وهذا مما روي عن يحيى بن بكير(2/526)
2462 - (إن من السرف) أي مجاوزة الحد المرضي وفي رواية من الإسراف (أن تأكل كل ما اشتهيت) لأن النفس إذا اعتادت ذلك من صاحبها شرهت ونزقت من رتبة لأخرى فلا يقدر بعد ذلك على كفها فيقع في أعلى مراتب السرف المذموم قال الحجة: وأكلتان في يوم سرف وأكلة في يومين تقتير وأكلة في يوم هو المحمود وبين كونها قبيل الفجر وفيه أن السرف في المأكل والمشرب ومثلهما الملبس مذموم وكل من أسرف في ماله أسرف في دينه والله تعالى ما أعطى عبدا فوق كفايته إلا لينفق منه بقدر ضرورته ويدفع الفاضل منه للمحتاج أو يرصده له لا ليأكل منه إسرافا ويدفع ذلك في الكنيف ومن فعل ذلك فقد خالف طريق الحق الذي درج عليه الأنبياء [ص:527] والمرسلون والأولياء والصالحون ولولا أنه تعالى جعل الإنسان يحتاج للطعام والشراب لكان الأكل إسرافا وبدارا فإن من يلقي الطعام النفيس في بطنه كمن يلقيه في بطن الخلاء من حيث إتلافه وتنجيسه فافهم وارع حكمة الله حق الرعاية وإلا نفرت وقلما تعود
(هـ) من حديث بقية عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن (عن أنس) ورواه عنه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والبيهقي قال المنذري وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا وحسنه غيره اه وأقول بقية حاله معروف ويوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال شيخ لبقية لا يعرف ونوح قال في الميزان قال أبو حاتم ليس بشيء وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وابن حبان منكر الحديث جدا وساق من مناكيره هذا الخبر اه وعده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقب بأن له شواهد(2/526)
2463 - (إن من السنة) أي الطريقة الإسلامية المحمدية (أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار) يعني إلى المحل الذي أتاه فيه دارا كان أو خلوة أو معبدا أو غير ذلك إيناسا وإكراما له لينصرف طيب النفس وفيه أن المراد بالضيف ما يشتمل الزائر ونحوه وإن لم يقدم له ضيافة <تنبيه> قال في النهاية: إذا أطلقت السنة في الشرع إنما يراد بها ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا أو فعلا أو تقريرا مما لم ينطق به الكتاب وبهذا يقال في أدلة الشرع والسنة أي القرآن والحديث. قال الولي العراقي: وقد يراد بالسنة المستحب سواء دل على استحبابه كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ومنه قولهم فروض الصلاة وسننها وقد يراد به ما واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ليس بواجب فهذه ثلاث اصطلاحات
(هـ عن أبي هريرة) قال البيهقي وفي إسناده ضعف اه وذلك لأن فيه علي بن عروة الدمشقي قال في الميزان عن ابن معين ليس بشيء وعن أبي حاتم متروك وعن ابن حبان يضع الحديث وكذبه صالح جزره وغيره ثم أورد له هذا الخبر(2/527)
2464 - (إن من الفطرة) أي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه قال الزمخشري: بناء الفطرة يدل على النوع من الفطرة وفي اللام إشارة إلى أنها معهودة وأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها نطق بها قوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} اه (المضمضة والاستنشاق) أي إيصال الماء إلى الفم والأنف في الطهارة (والسواك) بما يزيل القلح ويتأكد في مواضع مبينة في الفروع (وقص الشارب) يعني إزالته بقص أو نحو حلق حتى تبين طرف الشفة بيانا ظاهرا (وتقليم الأظافر) من يد أو رجل ولو زائدة قال الدمياطي: وتلقيت عن بعضهم أنه من قصها مخالفا لم يصبه رمد وأنه جربه قال القشيري: ولا أصل له ولا يجوز اعتقاد ندبه لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل لكن يسن تقديم اليد على الرجل ويكره الاقتصار على تقليم يد أو رجل (ونتف الإبط) أي إزالة ما به من شعر ينتفه إن قوي عليه وإلا أزاله بحلق أو غيره كنورة (والاستحداد) أي حلق العانة بالحديد أي الموسى يعني إزالة شعرها بحديد أو غيره على وزان ما مر وخص الحديد لأن الغالب إزالتها بالحلق به (وغسل البراجم) تنظيف المواضع المنقبضة والمنعطفة التي يجتمع فيها الوسخ وأصلها العقد التي بظهر الأصابع (والانتضاح بالماء) أي الاستنجاء به من النضح وهو الماء القليل كذا في شرح أبي داود للنووي وفي شرح مسلم له عن الجمهور وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي الوسواس. وقال المنذري: إزالة الماء بنشر وتنحنح (والاختتان) للذكر بقطع القلفة وللأنثى بقطع ما ينطلق عليه الاسم من فرجها قال الشافعي: هو واجب على الذكر والأنثى دون ما قبله ولا مانع من أن يراد بالفطرة القدر المشترك الجامع للوجوب والندب كما يأتي وقال مالك وأبو حنيفة [ص:528] سنة وأحمد واجب على الذكر سنة للأنثى
(حم ش د هـ عن عمار بن ياسر) قال النووي في شرح أبي داود وضعيف منقطع أو مرسل لأنه من رواية سلمة محمد بن عمار بن ياسر عن جده عمار قال البخاري لم يسمع من جده وقال الولي العراقي في الحديث علل أربع الإنقطاع والإرسال والجهل بحال سلمة إن لم يكن أبا عبيدة وضعف علي بن زيد والاختلاف في إسناده(2/527)
2465 - (إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى) أي حسنى أو خيرا وهو من الطيب أي عيش طيب (لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل) شدة حسرة ودمار وهلاك (لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) قال الحكيم: فالخير مرضاة الله والشر سخطه فإذا رضى الله عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحا للخير فإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير وعليه من الله سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير بعمل الخير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيرا فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه والآخر يتقلب في شر ويعمل شرا وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شرا فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء
(هـ) والطيالسي كلاهما من حديث محمد بن أبي حميد عن حفص ابن عبيد الله بن أنس (عن) جده (أنس) بن مالك ومحمد بن أبي حميد هذا. قال في الكاشف: ضعفوه وقال السخاوي: ابن أبي حميد منكر الحديث وله شاهد مرسل ضعيف(2/528)
2466 - (إن من الناس مفاتيح) بإثبات الياء جمع مفتاح ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا كالقفل وعلى ما كان معنويا كما هنا (لذكر الله) أي تذكره بنحو تسبيح أو تحميد أو تهليل أو صلاة أو نحوها قيل من هم يا رسول الله قال الذين (إذا رؤوا ذكر الله) ببناء رؤوا للمجهول يعني إذا رآهم الناس ذكروا الله برؤيتهم لما هم عليه من سمات الصلاح وشعار الأولياء وضياء الأصفياء
(طب) هب (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عمر بن القاسم ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر هذا الخير صححه ابن حبان من حديث أنس(2/528)
2467 - (إن من النساء عيا) (1) أي جهلا ونقصا وقبحا وعجزا واتعابا يقال عيي بالأمر وعن حجته يعيا عياء عجز عنه وقد يدغم الماضي فيقال عى وعي بالأمر لم يهتد لوجهه وأعياني كذا بالألف أتعبني فأعييت يستعمل لازما ومتعديا ذكره في المصباح كغيره (وعورة) بعين مهملة أي نقصا وقبحا (فكفوا) أيها الرجال (عيهن بالسكوت) أي بالضرب صفحا عن كلامهن وعدم جوابهن عن كل ما سألنه (وواروا عوراتهن بالبيوت) أي استروا عورتهن بإمساكهن في بيوتهن ومنعهن من الخروج
(عق) عن الحسين بن إسحاق التستري عن زكريا بن يحيى الحراز عن إسماعيل ابن عباد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (عن أنس) بن مالك ثم قال العقيلي هذا حديث غير محفوظ وقال ابن الجوزي موضوع وإسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا
_________
(1) قال في النهاية العي الجهل والعورة وكل ما يستحى منه إذا ظهر ومنه الحديث المرأة عورة جعلها نفسها عورة إذا ظهرت يستحى منها كما يستحى من العورة إذا ظهرت(2/528)
[ص:529] 2468 - (إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا) أي أكثركم حسن خلق وهو اختيار الفضائل وترك الرذائل وذلك لأن حسن الخلق يحمل على التنزه عن الذنوب والعيوب والتحلي بمكارم الأخلاق من الصدق في المقال والتلطف في الأحوال والأفعال وحسن المعاملة مع الرحمن والعشرة مع الإخوان وطلاقة الوجه وصلة الرحم والسخاء والشجاعة وغير ذلك من الكمالات ومفهوم الحديث أن من أبغضهم إليه أسوأهم أخلاقا وبنحوه صرح في رواية الترمذي بزيادة ولفظه عن جابر إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون
(خ عن ابن عمر) بن العاص(2/529)
2469 - (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي) أي صاحب (الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير صاحب الشيبة البيضاء الذي عمره في الإيمان وتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه (وحامل القرآن) أي قارئه (غير الغالي فيه) أي غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه (والجافي عنه) أي التارك له البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه (وإكرام ذي السلطان) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة من السلاطة وهي التمكن من القهر قال الله تعالى {ولو شاء الله لسلطهم عليكم} ومنه سمي السلطان وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج (المقسط) بضم الميم العادل في حكمه بين رعيته قال ابن الأثير: وقيد بقوله غير الغالي إلخ لأن من أخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور والغلو التشديد في الدين ومجاوزة الحد والتجافي البعد عنه
(د عن أبي موسى) الأشعري سكت عليه أبو داود وقال في الرياض حديث حسن وقال الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر سنده حسن وقال ابن القطان ما مثله يصح وأورده ابن الجوزي في الموضوع بهذا اللفظ من حديث أنس ونقل عن ابن حبان أنه لا أصل له ولم يصب بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر انتهى(2/529)
2470 - (إن من إجلالي) أي تعظيمي وأداء حقي وفي رواية من إجلال الله (توقير الشيخ من أمتي) أي من جملة إجلال الله وتوقيره أن يكرم موضع وقاره وهو شيبة المسلم ولهذا السر قال الخليل وقد رأى الشيب وكان أول من شاب ما هذا يا رب قال وقار يا إبراهيم قال يا رب زدني وقارا
(خط في الجامع عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن حبيب عن بقية قال في الميزان عن يحيى ليس بشيء وعن ابن حبان لعله وضع أكثر من خمس مئة حديث ثم أورد له هذا الخبر ثم قال قال ابن حبان لا أصل له ثم أعاده في ترجمة يعقوب بن إسحاق الواسطي وقال إنه هو المتهم بوضع هذا وحكاه عنه المؤلف في مختصر الموضوعات وأقره(2/529)
2471 - (إن من أخلاق المؤمن) أي الكامل (قوة في دين) أي طاقة عليه وقياما بحقه. جلد عمر ابنه الحد فقال: يا أبت قتلتني قال: إذا لقيت ربك فأخبره أنا نقيم الحدود (وحزما في لين) أي سهولة فإذا جاءت المعرفة بأنوارها انجلت الكثافة وزالت الفظاظة وذلك لأن الحزم هو اجتماع الأمور وإنما تجتمع وتستحكم باللين فإن الغصن الصلب إذا مددته انكسر باثن واللين إذا مددته انقاد وبلغت به المراد (وإيمانا في يقين) لأن العبد وإن كان موحدا لكن قد يدخله النقص [ص:530] في نوره المشرق في صدره فيحجب عن الله ويقف مع الأسباب فيحتاج إلى يقين يزيل حجابه ويطلق عنانه (وحرصا في علم) أي اجتهادا فيه ودواما عليه لأن العلم بحر لا ساحل له ولا منتهى فمن دخله احتاج إلى حرص يعينه عليه ويذهب بملاله ويبعثه في كل وقت إليه (وشفقة) أي خوفا ومحبة وعطفا (في مقة) بالقاف بضبط المصنف لكن رواية الحكيم معه بالعين مشتقة من المعة أمعاء البطن فالشفقة تحنن الرأفة والإكباب على من يشفق عليه وإنما يصير منكبا بشدة الرأفة فإذا كانت الشفقة بغير معة انتشرت فأفسدت وإذا كانت في معة كانت في حصن فلم تنتشر ولم تفسد لأن هنا حدا يحويها (وحلما في علم) لأن الحلم سعة الأخلاق فإذا توسع المرء في أخلاقه ولم يكن له علم فقد الهدى وإن كان ثم علم لا حلم ساء خلقه وتكبر بعلمه لأن للعلم حلاوة ولكل حلاوة شرة (وقصدا في غنى) فلا يتوسع في الإنفاق فيقع في الإسراف بل يكون وسطا فإنما هو رزق الله (وتجملا في فاقة) أي فقر بأن لا يلقي بيديه إلى التهلكة ويصبر على القلة ويرضى بالذلة ولكته يأخذ شعره ويقلم ظفره ويغسل ثوبه ويتنظف ويتطيب على قدر حاله فإن الله جميل يحب الجمال (وتحرجا) أي كفا (عن طمع) لأن الطمع فيما في أيدي الخلق انقطاع عن الله ومن انقطع عنه خذل وخسر (وكسبا من) وفي رواية في (حلال) أي سعيا في طلب الحلال فإن كل نفس فرغ ربها من رزقها فما فائدة الطلب من غير حل (وبرأ) أي إحسانا (في استقامة) بأن لا يمازجه هوى أو جور بل يكون مع صلابة في العدل حتى بين العيال والأطفال (ونشاطا في هدى) أي لا في ضلالة فإذا انبسطت نفسه ألجمها بلجام الشرع حتى لا تتعدى للفساد حال الانبساط (ونهيا عن شهوة) فإن النفس ذات شهوات فإذا أطعتها في واحدة طمعت في أخرى وهكذا حتى تشرد على صاحبها شراد البعير (ورحمة للمجهود) في عبادة أو معاش أو بلاء لأنه إذا تأمل ذلك الجهد رق قلبه من تعب ذلك البدن وفرغت نفسه له (وإن المؤمن من عباد الله) كذا وقفت عليه في خط المصنف وهو تحريف فإن لفظ رواية الحكيم الذي نسب المصنف الحديث إلى تخريجه ما نصه وإن المؤمن عياذا لله بمثناة تحتية بعد المهملة وذال معجمة أي هو الذي يعيذ المؤمنين من السوء فالمؤمن البالغ في إيمانه يعيذ العباد بفضل أمانه من جوره وظلمه ويصيرون منه في معاذ ثم وصفه فقال (لا يحيف على من يبغض) أي لا يحمله بغضه إياه على الجور عليه ولا يأثم فيمن يحب أي لا يحمله حبه إياه على أن يأثم في جنبه فإنه إذا كان كذلك كان بغضه وحبه لله وفي الله وبالله وإذا لم يكن كذلك كان بضده (ولا يضيع ما استودع) بالبناء للمجهول أي ما جعل أمينا على حفظه لشفقته على ما أودعه وائتمن عليه كشفقته على نفسه وماله لعظم قدر الأمانة عنده (ولا يحسد) لأن من أخلاق المعرفة إذا رأى لمؤمن حالا حسنة أذاعها أو دنيئة سترها فكيف يحسده (ولا يطعن) لأن الطعن يكون من الحسد أو من الغيرة والغيرة المذمومة من الشيطان فإذا طعن في الأعراض فقد هتك الستر وإنما يطعن في ستر الله. (ولا يلعن) فإن اللعنة إذ صارت إلى من وجهت عليه فلم تجد مساغا رجعت على صاحبها (ويعترف بالحق) الذي عليه (وإن لم يشهد عليه) بالبناء للمفعول أي لم يقم عليه به شهود فإن المؤمن أسير الحق يعلم أن الشاهد عليه علام الغيوب فاجتمع على قلبه أمران إثبات العلم الشهادة فأخذته هيبة العلم وحياء الشهادة (ولا يتنابز) أي يتداعى (بالألقاب) لأنه من شأن البطالين إذ هم الذين يجترثون على تغيير أسماء تسمى بها أهلها تحقيرا لهم (في الصلاة متخشعا) فإن الخشوع من فعل القلب فإذا علم أين قام خضع ولمن قام خشع وذلت نفسه وخشعت جوارحه (إلى الزكاة مسرعا) أي إلى أدائها لمستحقها لعلمه بأن المال ميال
[ص:531] بالقلوب عن الله فإذا مال القلب لشيء نزعت منه البركة (في الزلازل وقورا) لأن الوقار يشغل قلب العبد فإذا نالته الزلزلة من بلاء أو شدة فلم يكن وقار استفزته الشدة فإذا توقر ثبت عند الشدائد (في الرخاء شكورا) لأن النفس وقت الرخاء ساكنة والقلب مشرق بالنور منكشف الغطاء فإن تناول النعمة على نور من ربه فهو على بصيرة منه فكان في هذه الحالة شكورا وكان في البلاء صبورا (قانعا بالذي له) أي بما رزقه الله (لا يدعى ما ليس له) أي لا يطالب أحد بشيء ليس له عليه فالقناعة تطيب النفس في الحياة الطيبة وهي من الله ثواب عاجل للعبد بما أطاعه (ولا يجمع في الغيظ) فإن الغيظ حرارة الحرص فإذا جمعه كذلك لم يدعه الحرص أن يتورع في كسبه حتى يتقمص في مكاسب السوء فيجره للتقحم في جرائم الحرام لكن يجمعه في تؤدة وسكينة وهيبة ومراقبة وما ذكر من أن اللفظ في القيظ هو ما في رواية الحكيم لكن رأيت المصنف في نسخته كتب بخطه الغيظ (ولا يغلبه الشح) أشد البخل (عن معروف يريده) أي يريد فعله فالشح أصله الحرص {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والشح يدعو إلى أخذ مال الغير والتوغل في الحرام (يخالط الناس كي يعلم) فضل الله عليه وما يبقى وما يذر من البشر لا استرواحا بهم ولا أنسا لقربهم واطمئنانا لهم بل مخالطة اختبار واعتبار (ويناطق الناس) كذا بخط المصنف لكن بلفظ رواية الحكيم يناطقهم (كي يفهم) أحوالهم وأمورهم لأن الأسرار إنما تظهر بالمناطقة ولهذا قيل المرء بأصغريه (وإن ظلم وبغى عليه) ببناء ظلم وبغي للمجهول أي ظلمه أحد من الناس أو بغى عليه (صبر حتى يكون الرحمن) تقدس (هو الذي) يرحمه و (يقتص له) كذا هو بخط المصنف وضبطه بضم أوله لكن بلفظ رواية مخرجه الحكيم ينتصر له ممن ظلمه فالصبر هو مركز المؤمن بين يدي ربه والمؤمن الكامل عالم بأن الله تعالى عدل ينصف المظلوم من ظالمه وجد الله أقوى منه في الانتصار وإن كان مأذونا فيه شرعا لكن الترك أسلم والسلام قالوا وهذه الأخلاق من وجوه أخلاق المعرفة فمن رقى في درجات العرفان أتى بكل خلق من أخلاقها ليصير كامل الإيمان
(الحكيم) الترمذي (عن جندب) بضم الجيم والدال تفتح وتضم (بن عبد الله) البجلي ثم العلقمي بفتحتين ثم قاف وقد ينسب إلى جده(2/529)
2472 - (إن من أربى الربا) أي أكثره وبالا وأشده تحريما (الاستطالة في عرض المسلم) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه لأن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم خطرا أو الربا الزيادة والارتفاع والكثرة والاستطالة والتطاول احتقار الناس والترفع عليهم وعبر عنه بلفظ الربا لأن المعتدي يضع عرضه ثم يستزيد عليه ونبه بقوله (بغير حق) على حل استباحة العرض في مواضع مخصوصة كجرح الشاهد وذكر مساوىء الخاطب وقول الدائن في المماطل مطلني حقي ونحو ذلك مما هو مبين في الفروع قال البيضاوي: والاستطالة في عرض المسلم أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قال له أو أكثر مما رخص له فيه ولذلك مثل الربا وعده من عداده ثم فضله على أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشرع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال. قال التوربشتي: وفي قوله بغير حق تنبيه على أن العرض ربما يجوز استباحته في بعض الأحوال كحديث لي الواجد يحل عرضه
(حم د) في الأدب (عن سعيد بن يزيد) وسكت عليه أبو داود ورواه الحاكم وصححه وفي الباب عن أبي هريرة رواه البزار بإسنادين قال المنذري أحدهما قوي وقال [ص:532] الهيثمي رجال أحدهما رجال الصحيح غير محمد بن أبي نعيم وهو ثقة وفيه ضعف(2/531)
2473 - (إن من أسرق السراق) أي من أشدهم سرقة (من يسرق لسان الأمير) أي يغلب عليه حتى يصير لسانه كأنه في يده فلا ينطق إلا بما أراده (وإن من أعظم الخطايا من اقتطع) أي أخذ قال في المصباح كغيره: اقتطعت من ماله قطعة أخذتها (مال امرىء مسلم بغير حق) بنحو جحد أو غصب أو سرقة أو يمين فاجرة أو غير ذلك (وإن من الحسنات عيادة المريض) أي زيارته في مرضه ولو أجنبيا (وإن من تمام عيادته أن تضع يدك عليه) أي على شيء من بدنه كيده ويحتمل أن المراد على موضع العلة (وتسأله كيف هو) أي يسأله عن حاله في مرضه وتتوجع له وتدعو له وأفهم هذا أن أصل الثواب يحصل بالحضور عنده والدعاء وإن لم يسأله عن حاله (وإن أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين) ذكر وانثى (في نكاح حتى تجمع بينهما) حيث وجدت الكفاءة وغلب على الظن أن في اتصالهما خيرا (وأن من لبسة الأنبياء) بكسر اللام وضمها أي مما يلبسونه (القميص قبل السراويل) لأنه يستر جميع البدن فهو أهم من السراويل الساتر لأسفله فقط يعني يهتمون بتحصيله ولبسه (وإن مما يستجاب به عند الدعاء العطاس) من الداعي أو من غيره أو مقارنة العطاس للدعاء يستدل به على استجابة ذلك الدعاء وقبوله وقد ورد في الخبر المار أصدق الحديث ما عطس عنده والظاهر المراد أنه عطاس المسلم
(طب عن أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء واسمه أحزب بن أسيد (السمعي) نسبة إلى السمع بن مالك بكسر المهملة وفتح الميم وقد تسكن وقيل بفتحها وآخره مهملة ذكره ابن أبي خثيمة وغيره في الصحابة وقال البخاري وابن السمعاني هو تابعي وجزم به في التجريد قال الهيثمي رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر انتهى وأشار به إلى أن فيه هشام بن عمار ومعاوية بن يحيى الطبراني وقد أوردهما الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني لمعاوية مناكير(2/532)
2474 - (إن من أشراط الساعة) أي علاماتها جمع شرط بالتحريك وهو العلامة (أن يرفع العلم) ذلك بقبض حملته لا الانتزاع من قلوبهم (ويظهر الجهل) ومن لازمه ظهور الجهل ولا ينافي قوله أن يرفع ما في رواية للبخاري أيضا أن يقل لأن القلة قد يراد بها العدم أو القلة في ابتداء الأشراط والعدم في أثنائها فهو باعتبار الزمانين وهو في محل نصب لأنه اسم إن (ويفشو الزنا) أي يظهر قال القرطبي: هذا من أعلام النبوة لأنه إخبار عن أمور ستقع وقد وقعت اه وإذا كان كذلك في زمن القرطبي فما بالك الآن (ويشرب الخمر) بالبناء للمفعول أي يكثر شربه (ويذهب الرجال وتبقى النساء) لفظ رواية البخاري وتكثر النساء وذلك أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل حرب دون النساء وقيل هو إشارة إلى كثرة الفتوح فيكثر السبي فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات. قال ابن حجر: وفيه نظر لتصريحه بالقلة في حديث فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من العلامات يناسب رفع العلم وظهور الجهل [ص:533] (حتى يكون لخمسين امرأة) وفي رواية لأربعين ولا تعارض لدخول الأربعين في الخمسين أو أن الأربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعنه وهو أعم من أن يلذن به. قال الكرماني: ويحتمل أن العدد مجاز ظن الكثرة وسره أن الأربعة كمال لثبات الأزواج فاعتبر الكمال مع زيادة واحدة عليه ليصير فوق الكمال مبالغة في الكثرة أو أن الأربعة تؤلف منها العشرة واحد واثنين وثلاثة وأربعة ومن العشرات المئة والألوف فهي أصل جميع الأعداد فزيد فوق الأصل واحد آخر ثم اعتبر كل واحد منها بعثر أمثاله تأكيدا للكثرة ومبالغة فيها كما قرر نظيره في خمسين ألف سنة (قيما واحدا) لفظ رواية البخاري القيم الواحد ولامه للعهد إشعارا بما هو المعهود من كون الرجال قوامين على النساء والقيم ما يقوم بأمرهن فكنى به عن اتيانهن له لطلب النكاح حلالا أو حراما وخص هذه الأمور الخمسة بالذكر لإشعارها باختلاف الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما. قال الكرماني: وإنما كان اختلاف هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا ولا نبي يعد نبينا فتعين ذلك والمراد بشرب الخمر كثرته والتجاهر به لا أصل شربه فإنه في كل زمن وقد حد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه فيه ما لا يخفى على أن العلامة مجموع الأمور المذكورة وفيه الإخبار بما سيقع فوقع
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي سمعه منه؟ فذكره(2/532)
2475 - (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر) قال الطبراني عن بعضهم: يقال إن المراد الأصاغر من أهل البدع وأخرج الطبراني عن ابن مسعود لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أناهم من أصاغرهم هلكوا وقال بعض الحكماء: سودوا كباركم لتعزوا ولا تسودوا صغاركم فتذلوا وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس قيل يا رسول الله متى ينزعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في نبي إسرائيل إذا ظهر الادهان في خياركم والفحش في شراركم والملك في صغاركم والفقه في رذالكم وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند قال ابن حجر صحيح عن عمر: فساد الناس إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير. وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير وذكر أبو عبيدة أن المراد بالصغير في هذا صغير القدر لا السن
(طب) وكذا في الأوسط (عن أبي أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت (الجمحي) وقيل اللخمي وقيل الجهني وقيل المخزومي صحابي له حديث. قال الهيثمي فيه ابن لهيعة ضعيف(2/533)
2476 - (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد) أي يدرأ كل من أهل المسجد الإمامة عن نفسه ويحيدها على غيره فكل من قدم إليها أبى وتأخر ويقول لست أهلا لها لتركه تعلم ما تصح الإمامة به (ولا يجدون إماما يصلي بهم) لقلة العلم وظهور الجهل فكل منهم يرى نفسه جاهلا بالإمامة وشروطها فلا يتقدم لذلك
(حم د) في الصلاة وكذا ابن ماجه كلهم من حديث عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم (عن سلامة بنت الحر) الفزارية أخت خرشه الحر الفزاري صحابية لها حديث واحد. قال الذهبي في المهذب وعقيلة مجهولة(2/533)
2477 - (إن من أعظم الأمانة) أي من أعظم خيانة الأمانة (عند الله تعالى يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء (الرجل) [ص:534] خبر إن وفيه تقدير مضاف أي خيانة الرجل كما تقرر (يفضي إلى امرأته) أي يصل إليها استمتاعا فهو كناية عن الجماع (وتفضي إليه) أي تستمتع به وأصله من الفضاء. قال الراغب: الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده وأفضى إلى امرأته قال تعالى {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (ثم ينشر سرها) أي يتكلم بما جرى بينه وبينها قولا وفعلا وهذا وعيد شديد كما قال النووي في حرمة إفشاء هذا السر إذا لم يترتب عليه فائدة وإلا كأن تدعي عجزه عن الجماع أو إعراضه عنها ونحو ذلك فلا يحرم بل لا يكره ذكره واعلم أن كراهة إفشاء السر شامل لحليلته لأخرى فإن قلت: هذا يناقضه ما علمه أنس بتوقيف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى أزواجه بغسل واحد ولا طريق لعلمه إلا إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم كما قاله الإمام البيهقي قلت: لعل النهي عن إفشاء السر من قبيل الغيبة أو إن كان مفصلا أو بحضور الناس. أما ما ليس من قبيل الغيبة وهو إجمالي لمن لا يحتشمه كخادمه فليس منهيا أو يقال إنما قصد بإعلام أنس بيان الجواز
(حم م د عن أبي سعيد الخدري) ولم يخرجه البخاري(2/533)
2478 - (إن من أعظم الفرى) بوزن الشرى أي أكذب الكذبات الشنيعة إذ الفرية الكذبة العظيمة وجمعه فرى كمرية ومرى مقصور وممدود (أن يرى) بضم التحتية أوله فكسر من الإراءة (الرجل عينيه) بالتثنية منصوب بالياء مفعول (في المنام ما لم تريا) أي يدعي أن عينيه رأتا في النوم شيئا ما رأتاه فيقول رأيت في منامي كذا وهو يكذب لأن ما يراه النائم إنما يراه بإراءة الملك والكذب عليه كذب على الله وذكر العين وإن كانت رؤياه بنفسه لا بجارحة لأنه إنما يرى في النوم ما تخيله بالجارحة يقظة ويسمع بجارحة الأذن وغير ذلك من الجوارح لكونها هي الطرق المألوفة في اليقظة في إيصال المحسوس إلى النفس وإلا فالعين لا ترى في النوم بل النفس هي الباصرة السامعة
(حم عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو عثمان بن العباس بن الفضل البصري وهو متروك وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وهو ذهول فقد خرجه البخاري في الصحيح باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور بلفظ إن من أفرى إلخ وفي رواية له بإسقاط من(2/534)
2479 - (إن من أفرى الفرى) بكسر الفاء مقصورة وممدودة أي من أعظم الكذبات (أن يدعي الرجل) بتشديد الدال ينتسب (إلى غير أبيه) فيقال ابن فلان وهو ليس بابنه (أو يري عينه ما لم تر) بالإفراد في عينه ويرى بالضم أوله وكسر ثانيه من أرى أي ينسب الرؤية إلى عينه تارة يقول: رأيت في منامي كذا ولا يكون رآه لأنه جزء من الوحي فالمخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه (1) قال الطيبي: المراد بإراءته عينه وصفها بما ليس فيها ونسب الكذب إلى الكذبات المبالغة نحو ليل أليل (أو يقول) بفتح التحتية أوله وضم القاف وسكون الواو وروي بفتح المثناة والقاف وشد الواو مفتوحة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل) وجمع الثلاثة في خبر لشدة المناسبة بينها [ص:535] وأنها من أفحش أنواع الافتراء فالكذب على المصطفى صلى الله عليه وسلم كذب في أصول الدين وهدم لقاعدة من قواعد المسلمين والكذب عليه كذب على الله وما ينطق عن الهوى والرؤيا جزء من أجزاء النبوة والمنام طرف من الوحي فإذا كذب فقد كذب في نوع الوحي ومن ادعى لغير أبيه فقد استهزأ بنص القرآن ويكفي في ذلك لعن امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم
(خ عن واثلة) ابن الأسقع وغيره
_________
(1) وإنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد يكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال لأن الكذب على المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين فقوله تعالى {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} الآية وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من النبوة فهو من قبل الله تعالى(2/534)
2480 - (إن من (1) أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم) عليه الصلاة والسلام وخلقه فيه يوجب له شرفا ومزية كما قاله القاضي (وفيه قبض) وذلك سبب للشرف أيضا فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص عن النكبات (وفيه النفخة) أي النفخ في الصور وذلك شرف أيضا لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم والموت أحد الأسباب الموصلة للنعيم وهو وإن كان فناءا ظاهرا فهو بالحقيقة ولادة ثانية ذكره الراغب (وفيه الصعقة) هي غير النفخة وقد ذكرها تعالى بفاء التعقيب في {ونفخ في الصور فصعق} (فأكثروا علي من الصلاة فيه) أي في يوم الجمعة وكذا ليلتها قال أبو طالب المكي: وأقل ذلك ثلاث مئة مرة كذا نقله عنه في الإتحاف (فإن صلاتكم معروضة علي) قال ابن الملقن: معنى معروضة علي موصولة إلي توصل الهدايا ثم إنهم قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (2) بفتح فسكون ففتح على الأشهر أي بليت وفي رواية أرممت أي صرت رميما قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لأنها تتشرف بوقع أقدامهم عليها وتفتخر بضمهم إليها فكيف تأكل منهم ولأنهم تناولوا ما تناولوا منها بحق وعدل وسخرها لهم لإقامة العدل عليها فلم يكن لها عليهم سلطان ومثلهم الشهداء. قال في المطامح: وقد وجد حمزة صحيحا لم يتغير حين حفر معاوية قبره وأصاب الفأس أصبعه فدميت وكذا عبد الله بن حرام وعمرو بن الجموح وطلحة وغيرهم. قال الطيبي: إنما قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد بليت استبعادا فما وجه الجواب بقوله إن الله حرم إلخ فإن المانع من العرض والسماع الموت وهو قائم بعد قلنا: حفظ أجسادهم من أن تبلى أخرق للعادة المستمرة فكما أنه تعالى يحفظها منه كذلك يمكن من العرض عليهم ومن الاستماع منهم
(حم د ن هـ حب ك عن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو (بن أبي أوس) واسم أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي سكن دمشق وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال هو والد عمرو بن أوس قال في التقريب: وهو غير أوس بن أبي أوس الثقفي على الصحيح قال الحاكم على شرط البخاري انتهى وليس كما قال فقد قال الحافظ المنذري وغيره له علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وغفل عنها من صححه كالنووي في الرياض والأذكار
_________
(1) أتى بمن لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة ويليه في الفضيلة يوم النحر فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع
(2) قيل بوزن ضربت وقيل أرمت بتشديد الميم وسكون التاء لتأنيث العظام قال ابن الأثير أصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلى والرمة العظم البالي(2/535)
2481 - (إن من اقتراب الساعة أن يصلي خمسون نفسا) بسكون الفاء أي إنسانا والنفس اسم لجملة الحيوان الذي هو قوامه بالدم الذي هو النفس (لا تقبل لأحد منهم) لقلة العلم وظهور الجهل وغلبته حتى لا يجد الناس من يرشدهم إلى [ص:536] أحكام دينهم ويصحح لهم عبادتهم والظاهر أن المراد بالخمسين ليس التحديد بل التكثير أي جمع كثير من الناس
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في كتاب الفتن) له (عن ابن مسعود) عبد الله(2/535)
2482 - (إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس) أي الكاذبة الفاجرة سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار وفعول للمبالغة (وما حلف) ما نافية (حالف بالله يمين صبر) هي التي يصبر أي يحبس عليها شرعا ولا يوجد ذا إلا بعد التداعي (فأدخل فيها) أي في تلك اليمين (مثل جناح بعوضة) أي شيئا حقيرا جدا من الكذب (إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة) قال الطيبي: ذكر ثلاثة أشياء وخص الأخير منها بالوعيد إيذانا بأنه مثلها وداخلة في أكبر الكبائر حذرا من احتقارها وظن أنها غير كبيرة ومعنى الانتهاء في قوله إلى يوم القيامة أن أثر تلك النكتة التي هي من الرين تبقى إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك يترتب عليه وبالها والعقاب عليها فكيف إذا كان ذلك كذبا محضا
(حم ت حب ك عن) أبي يحيى (عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة وفتح النون تصغير أنس بن سعد الجهني حليف الأنصار شهد العقبة ومات بالشام وفيه من طريق الترمذي أبو أمامة الأنصاري عن عبد الله المذكور قال في المنار لا يعرف اسمه وهشام بن سعد وفيه خلاف لكن قال ابن حجر في الفتح سنده حسن وله شاهد من حديث ابن عمرو عند أحمد(2/536)
2483 - (إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا) بالضم (وألطفهم بأهله) أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأقاربه وأولاده وعشيرته المنسوبين إليه. قال في الصحاح وغيره: اللطف في العمل الرفق وألطفه بكذا أبره به والملاطفة المبارة والتلطف بالأمر الترفق به
(ت ك) كلاهما في الإيمان من حديث أبي قلابة (عن عائشة) قال الترمذي حسن لكن لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة انتهى وقال الحاكم على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال: قلت فيه انقطاع انتهى وظاهر اقتصاره على عزوه للترمذي أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه عنها أيضا النسائي في عشرة النساء(2/536)
2484 - (إن من أمتي) أي أمة الإجابة (من يأتي السوق) أي المحل الشارع الذي يباع فيه القمص (فيبتاع القميص بنصف دينار أو ثلث دينار) يعني بشيء قليل جدا يعدل نصف دينارا أو ثلثه لخمسة دراهم أو ثلاثة (فيحمد الله إذا لبسه) على نعمة الله تعالى به وتيسيره له (فلا يبلغ ركبتيه) أي لا يصل إليهما (حتى يغفر له) يعني يغفر الله له ذنوبه بمجرد لبسه لكونه حمد الله تعالى عليه وظاهره يشمل الكبائر وقياس ما سيجيء اختصاصه بالصغائر
(طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي فيه جعفر بن الزبير متروك كذاب(2/536)
2485 - (إن من أمتي قوما) أي جماعة لهم قوة في الدين (يعطون مثل أجور أولهم) أي يثيبهم الله مع تأخر زمنهم مثل [ص:537] إثابة الأولين من الصدر الأول الذين نصروا الإسلام وأسسوا قواعد الدين قيل من هم يا رسول الله؟ قال هم الذين (ينكرون المنكر) أي ما أنكره الشرع قالوا ويجب الأمر بالواجب والنهي عن الحرام ويندب الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه بشرط العلم بوجه المعروف والمنكر وانتفاء المفسدة وفي اشتراط ظن التأثير خلف ولا يختص بالوالي إلا ما يفضي إلى القتال ولا بالمجتهد إلا ما يفتقر إليه ولا بمن لا يرتكب مثله وهو فرض كفاية فيسقط بقيام البعض
(حم) من حديث عبد الرحمن الحضرمي (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب سمع منه الثوري في الصحة وعبد الرحمن الحضرمي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/536)
2486 - (إن من تمام إيمان العبد أن يستثنى) في كل حديثه أي يعقب كل حديث يمكن تعليقه بقوله إن شاء الله لتحققه أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} فيندب ذلك ندبا مؤكدا هذا ما جرى عليه محققون في تقرير هذا الحديث وذهب الجوزقاني إلى الأخذ بعموم مفهومه فقال: الاستثناء في الإيمان سنة فمن قال إنه مؤمن فليقل إن شاء الله وذا ليس استثناء شك بل عواقب المؤمنين مغيبة عنهم ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
(طس عن أبي هريرة) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه معارك بن عباد متروك منكر الحديث قال المصنف وفيه نظر انتهى ولم يوجهه بشيء وفي الميزان معارك قال البخاري وغيره منكر الحديث ضعفه وشيخه واه ثم ساق من مناكيره هذا الخبر ثم قال وهذا حديث باطل قد يحتج به الأزارقة الذين لو قيل لأحدهم أنت مسيلمة الكذاب لقال إن شاء الله انتهى وذكر الحافظ في اللسان مثله وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف(2/537)
2487 - (إن من تمام الصلاة) أي مكملاتها يقال تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه وتم الشهر كملت أيامه ثلاثين فهو تام ويعدى بالعمزة والتضعيف فيقال أتممته وتممته والاسم التمام بالفتح وقد يكسر يقال ولد الولد لتمام الحمل بالفتح والكسر وألقت المرأة الولد لغير تمام بالوجهين (إقامة الصف) يعني تسويته وتعديله عند إرادة الدخول في الصلاة فهو سنة مؤكدة ينبغي المحافظة عليها <تنبيه> قال العارف ابن عربي: التراص في الصف أن لا يكون بين الإنسان والذي يليه خلل من أول الصف إلى آخره وذلك لأن الشياطين تسد ذلك الخلل بأنفسها وهم في محل القرب منه تعالى فينبغي كونهم متلاصقين بحيث لا يبقى بينهم خلل يؤدي إلى بعد كل من صاحبه وإذا ألزقت المناكب بعضها ببعض انسد الخلل ولم يجد الشيطان الذي هو محل البعد عن الله سبيلا للدخول وإنما يدخل الشياطين الضعفاء لعله يرى من شمول الرحمة التي يعطيها الله للمصلين فدخولهم في تلك الفرج لينالهم منها شيء بحكم المجاورة وهؤلاء ليسوا الشياطين الذين يوسوسون في الصلاة فأولئك محلهم القلوب
(حم عن جابر) رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه عبد الله بن محمد ابن عقيل اختلف في الاحتجاج به(2/537)
2488 - (إن من تمام الحج أن تحرم) أي تنوي الدخول في النسك من حج أو عمرة أو قران (من دويرة أهلك) يعني من بلدك أو وطنك وهذا قاله لمن قال له ما معنى قوله تعالى {وأتموا الحج} وأخذ بقضية هذا جمع قالوا: الأفضل لمن فوق الميقات أن يحرم من دويرة أهله لأنه أكثر عملا وقد فعله جمع ما بين صحابي وتابعي وعكس آخرون ففضلوا الإحرام من الميقات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخر احرامه من المدينة إلى الحليفة في حجة الوداع وكذا في عمرة الحديبية رواه البخاري
(عد هب عن أبي هريرة) ثم قال البيهقي في الشعب نفرد به جابر [ص:538] بن نوح وهذا إنما يعرف عن علي موقوفا وقال في السنن هذا فيه نظر. اه. قال الذهبي في المهذب: قلت سنده واه وأقول لم يبين علته وذلك أن فيه جابر بن نوح المذكور قال ابن حبان وغيره لا يحتج به وقال أبو داود ما أنكر حديثه وساق في الميزان هذا الحديث بما أنكر عليه(2/537)
2489 - (إن من حق الولد على والده) ومثله الجد أو الأب عند فقده فإن فقد فالأم وإن علت (أن يعلمه الكتابة) أي الخط لأنه عون له على الدنيا والدين وكذا يعلمه القراءة والآداب وكل ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية (وأن يحسن اسمه) بأن يسميه بأحب الأسماء إلى الله تعالى أو بنحو ذلك ولا يسميه باسم شيء من أسماء الشياطين ونحوها مما نهى عنه (وأن يزوجه) أو يسريه (إذا بلغ) الحلم فإنه بالتزويج أو التسري يحفظ عليه شطر دينه كما سيجيء في خبر وفيه إشارة إلى أن على الآباء تعليم أبنائهم حسن الأدب الذي شرع الشرع والعقل فضله واتفقت الكلمة على شكر أهله وأجرة تعليمه الكتابة ونحوها من ماله ثم على أبيه وإن علا ثم أمه وإن علت (ابن النجار) في التاريخ (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف لكن له شاهد(2/538)
2490 - (إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة) أي التوبة والرجوع إلى الله تعالى لأنه حينئذ يكثر من الطاعات ويتزود من القربات لا يقال: قد كان أولى الناس بطول العمر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه أسعد الناس قلت: الكلام فيمن يسعد بالأعمال ويستوجب بها مزيد الدرجات وكمال الأحوال وأما سعادة النبوة فمحض الهبة والتخصيص الأول فهم لا يصلون إلى الله بأعمالهم ولا يستحقون الدرجات التي هم فيها باجتهادهم وأحوالهم بل حظوظهم موهبية وحظوظ غيرهم كسيبة
(ك) في التوبة (عن جابر) رضي الله تعالى عنه وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه ابن منيع والديلمي(2/538)
2491 - (إن من شر الناس عند الله منزلة) بفتح الميم أي رتبة قال في الصحاح: المنزلة المرتبة (يوم القيامة) في رواية من أشر بالألف قال عياض: تقول النحاة لا يجوز أشر وأخير بل خير وشر وقد جاء اللغتان في صحيح الأخبار وهو حجة للجواز (الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه) بالمباشرة والجماع (ثم ينشر سرها) أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل ويكره مجرد ذكر الجماع بلا فائدة لأنه خلاف المروءة ولهذا قال الأحنف جنبوا مجالسكم ذكر النساء والطعام فكفى بالرجل ذما أن يكون واصفا لفرجه وبطنه والظاهر أن المرأة كالرجل فيحرم عليها إفشاء سره كأن تقول هو سريع الإنزال أو كبير الآلة أو غير ذلك مما يتعلق بالمجامعة ولم أر من تعرض له والإفضاء لغة المس ببطن الكف قال ابن فارس: أفضى بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته أفضى إلى امرأته باشرها وجامعها <تنبيه> نبه بهذا الحديث على أن من أمراض النفس المذمومة شرعا التزام قول الحق في كل موطن. قال ابن عربي: من أكبر أمراض النفس التزام قول الحق في كل موطن ودواؤه معرفة المواطن التي ينبغي أن يصرفه فيها فإن حكاية الرجل ما يفعله بأهله في فراشه حق وهو من العظائم والغيبة والنميمة حق وقد عدها بعض الأئمة من الكبائر والنصيحة في الملأ حق وفضيحة فالعارف [ص:539] يتأمل كيف يصرف الأحكام الشرعية ولا يجمد على الظواهر
(م عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان إنما يرويه عن مسلم عمر بن حمزة عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد: أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح انتهى(2/538)
2492 - (إن من شر) وفي رواية إن شر (الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبدا) أي إنسانا مكلفا حرا كان أو عبدا (أذهب آخرته بدنيا غيره) أي باع دينه بدنيا غيره ومن ثم سماه الفقهاء أخس الأخساء وقالوا: لو أوصى للأخس صرف له وفي ذكر عبد دون رجل أو امرأة توبيخ شديد حيث ترك رضى مولاه لرضى من هو مثله ولا تدافع بين هذا والخبر المار إن شر الناس من يتقى فحشه لأن من أذهب آخرته بدنيا غيره يكون ذا فحش أشد فمن أقدم عليه على أي شيء شاء فيتركه الناس اتقاء فحشه
(طب عن أبي أمامة) الباهلي(2/539)
2493 - (إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله تعالى) إذ لولا ضعفه لما فعل ذلك لأن من قوي بيقينه علم أن الله تعالى هو النافع الضار وأنه لا معول إلا على رضاه وليس لأحد غيره من الأمر شيء فلا يهاب أحدا ولا يخشاه حتى يرضيه لخوف لحوق ضرر منه إليه (وأن تحمدوهم) أي تصفهم بالجميل (على رزق الله) أي على ما وصل إليك على يدهم من رزق الله لأن الله هو الرزاق وحده (وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله) أي على ما منعهم ما بأيديهم عنك مع أن المانع إنما هو الله لا هم فإنهم مأمورون مسخرون. (إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص) أي اجتهاد مجتهد متهالك على تحصيله قالوا: والحرص الشح على الشيء أن يضيع أو يتلف (ولا يرده) عنك (كراهة كاره) حصوله لك فما لم يقدر لك لم يأتك على كل حال وما قدر لك خرق الحجاب وطرق عليك الباب (وإن الله بحكمته) أي بإحاطته بالكليات والجزئيات بأسرها وإتقان صنعها ووضعها في مواضعها اللائقة بها (وجلاله) أي عظمته التي لا تتناهى (جعل الروح) بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس قال في الصحاح وغيره الروح بالفتح من الاستراحة وكذا الراحة (والفرح) أي السرور والنشاط والانبساط قالوا: والفرح لذة القلب بنيل ما يشتهى (في الرضى واليقين) فمن أوتي يقينا استحضر به قوله تعالى {قل كل من عند الله} فشاهد الخير عيانا فقر وسكن ولم يضطرب فما سمع بأذنه من خبر ربه أبصره بعين قلبه وبصر القلب هو اليقين فمن تيقن أن الكل من الله وبالله ولله نال الثواب ورضي عن الله ورضي الله عنه ولم يلتفت لغيره (وجعل الهم والحزن في الشك) أي التردد وعدم الجزم بأن الكل بإرادته تعالى وتقديره (والسخط) أي عدم الرضى بالفضاء ومن كان بهذه الحالة لم يصبر على ضيق ولم يرضى بمكروه فما ترى إلا ساخطا للقضاء جازعا عند البلاء فيحبط عمله ولا يغني عنه ذلك شيئا
(حل هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله محمد بن مروان السدي أي أحد رجاله ضعيف انتهى وفيه أيضا عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري ساقط(2/539)
[ص:540] 2494 - (إن من عباد الله من) أي إنسان (لو أقسم على الله لأبره) أي لجعله راضيا بارا صادقا في يمينه لكرامته عليه ضمن على معنى العزم يعني أقسم عازما على الله أن يفعل ما يريده والمقسم به محذوف وللقاضي هنا تكلف ينافر السياق
(حم ق د ن هـ عن أنس) إن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فعرض عليها الأرش فأبت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقالت أمها أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق فذكره وليس مراده أن حلفها رد قضائه بل ترغيب المستحق في العفو(2/540)
2495 - (إن من فقه الرجل) أي من علامة معرفته بالأحكام الشرعية (تعجيل فطره) إذا كان صائما أن يوقعه عقب تحقق الغروب (وتأخير سحوره) إلى قبيل الفجر بحيث لا يوقع التأخير في شك فهاتان سنتان مؤكدتان دالتان على فقه فاعلهما المحافظ عليهما
(ص عن مكحول) الدمشقي (مرسلا)(2/540)
2496 - (إن مما أدرك الناس) أي الجاهلية ويجوز رفع الناس على عائد محذوف ونصبه على أن العائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ ذكره الطيبي وغيره لكن الرواية بالرفع فقد قال الحافظ ابن حجر الناس بالرفع في جميع الطرق (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه جاء في أولاهما ثم تتابعت بقيته عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وقوله الأولى أي التي قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فالحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى وما من نبي إلا وقد حث عليه وندب إليه وافهم بإضافة الكلام إلى النبوة أن هذا من نتائج الوحي وأن الحياء مأمور به في جميع الشرائع (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فإنك مجزي به فهو أمر تهديد لتاركه نحو {اعملوا ما شئتم} أو أراد الخبر يعني عدم الحياء يورث الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد ما لا تستحي من الله في فعله فافعله وما لا فلا فهو أمر إباحة والأول أولى. قال الزمخشري: فيه إشعار بأن الذي يكف الإنسان ويردعه عن مواقعة السوء هو الحياء فإذا رفضه وخلع ربقته فهو كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة
(حم خ) في ذكر بني إسرائيل لكن بدون لفظ الأولى (د) في الأدب (هـ) في الزهد (عن ابن مسعود حم عن حذيفة) بن اليمان لكن قوله الأولى ليست في رواية البخاري كما تقرر(2/540)
2497 - (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره) بين الناس بنحو نقل وإفتاء وتأليف (وولدا صالحا) أي مسلما (تركه) أي خلفه بعده يدعو له (ومصحفا ورثه) بالتشديد أي خلفه لوارثه ويظهر أن مثله كتب الحديث كالصحيحين (أو مسجدا بناه) لله تعالى لا للرياء والسمعة ومثله الرباط والمدرسة ومصلى العيد ونحو ذلك كما يعلم بالأولى من قوله (أو بيتا لابن السبيل بناه) لله تعالى لا للرياء يعني خانا تنزل فيه المارة من المسافرين بنحو جهاد أو حج (أو نهرا أجراه) أي حفره وأجرى فيه الماء لتحيى به الأرض وأهلها (أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته) وهو يؤمل البقاء ويخشى الفقر (تلحقه من بعد موته) أي هذه الأعمال يجري على المؤمن ثوابها من بعد موته [ص:541] فإذا مات انقطع عمله إلا منها وتحصل من الأخبار أن الذي تجري عليهم أجورهم بعد الموت أحد عشر نظمها المؤلف وبسطها السخاوي وغيره وتمسك بظاهر هذا الخبر وما أشبهه من زعم أن الميت لا ينتفع إلا بما نسب إليه في الحياة وأطالوا في رده حكى القرطبي أن ابن عبد السلام كان يفتي بأنه لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له لقوله سبحانه وتعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فلما مات رآه بعض أصحابه فقال له كنت تقول لا يصل للميت ثواب ما يقرأ عليه ويهدى له فكيف الأمر قال: كنت أقول ذلك في الدنيا والآن قد رجعنا عنه لما رأيت من كرم الله وأنه يصل إليه ذلك
(هـ) وكذا البيهقي (عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن ورواه أيضا ابن خزيمة لكنه قال أو نهرا أجراه وقال يعني حفره ولم يذكر المصحف(2/540)
2498 - (إن من معادن التقوى) أي أصولها (تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم) ولا تقنع بما علمت فإن القناعة فيه زهد والزهد فيه ترك والترك له جهل وللعلوم أوائل تؤدي إلى آخرها ومداخل تفضي إلى حقائقها وللحقائق مراتب فمن أصول التقوى الترقي في تعلمها فإذا أدرك الأوائل والمداخل لا يظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره وأنه لم يبق منه إلا غامضا طلبه عناء بل يقرأ مما أدرك فلا ينبغي تركه لاستصعابه فإنه مطية المتوكىء وعذر المقصرين والعلم كله صعب على من جهله سهل على من علمه والمعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست قال بعضهم من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم وحق على من طلب المعالي تحمل تعب الطلب والدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وبقدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وقيل مطية الراحة قلة الاستراحة فإن كلت النفس يوما تركها ترك راحة ثم عاودها بعد استراحة فإن إجابتها تسرع وطاعتها ترجع قال عيسى عليه السلام يا صاحب العلم تعلم ما جهلت وعلم الجهال ما علمت قال الحكماء عليك بالإكثار من العلم فإن قليله أشبه بقليل الخير وكثيره أشبه شيء بكثيره (والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه) أي وقلة زيادة العلم نقص له لأن الإنسان معرض للنسيان الحادث عن غفلة التقصير وإهمال التواني فإذا لم يزد فيه نقص بسبب ذلك فعلى الطالب أن يذكر ذلك بإدامة الطلب قال الحكماء: لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما ومتى أهمل سياسة نفسه بازديادها من العلوم وأغفل رياضتها بتدرجها في الفهوم فقد عرض ما حصله للضياع (وإنما يزهد الرجل) أي الإنسان وذكر الرجل غالبي (في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم) إذ لو انتفع به لحلا له العكوف عليه وصرف نفائس أوقاته إليه وفي منثور الحكم لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به قال الحكماء: ومن تمام العلم استعماله ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد قال أبو تمام:
ولم يحمدوا من عالم غير عامل. . . حلالا ولا من عامل غير عالم
رأوا طرقات المجد عوجا فظيعة. . . وأفظع عجز عندهم عجز حازم
(خط عن جابر) وفيه ابن معاذ قال في الميزان قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن أبي شيبية متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات وأورد له هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح والمتهم به أي بوضعه ياسين الزيات ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وفيه ياسين الزيات وهو منكر الحديث(2/541)
2499 - (إن من موجبات المغفرة) أي من أسباب ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها (بذل السلام) أي إفشاؤه بين الناس على كل من لقيته عرفته أم لا سيما الفقراء والمساكين (وحسن الكلام) أي إلانة القول للإخوان واستعطافهم على منهج المداراة لا على طريق المداهنة والبهتان
(طب عن هانئ) بفتح الهاء وكسر النون وبمثناة تحت (ابن يزيد) ابن أبي شريح الأنصاري الأوسي المدني شهد بدرا وجميع المشاهد روى له البخاري حديثا واحد قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فذكره قال الهيثمي فيه أبو عبيدة بن عبد الله الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه أحمد وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وهو ذهول فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين وقال الحافظ العراقي: رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبهيقي من حديث هانئ بن يزيد بإسناد جيد انتهى(2/541)
2500 - (إن من موجبات المغفرة) للذنوب من علام الغيوب (ادخالك) وفي رواية ادخال (السرور) أي الفرح والبشر (على أخيك المسلم) وفي رواية المؤمن أي بنحو بشارة بإحسان أو اتحاف بهدية أو تفريج كرب عن نحو معسر أو انقاذ محترم من ضرر ونحو ذلك وذلك لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ومن أحبه الله غفر له
(طب) وكذا في الأوسط من حديث عبد الله بن حسن عن أبيه (عن) جده (الحسين) احدى الريحانتين (بن علي) أمير المؤمنين وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه جهم بن عثمان وهو ضعيف وقال ابن حجر: جهم بن عثمان فيه جهالة وبعضهم تكلم فيه وعبد الله هذا من أئمة أهل البيت وعبادهم تابعي روى عن عبد الله بن جعفر وكبار التابعين وعنه مالك والزهري وأثنى عليه الكبار(2/541)
2501 - (إن من نعمة الله على عبده أن يشبهه ولده) أي خلقا وخلقا أما الأول فلئلا يستريب أحد في نسبه إذا لم يشبهه فيه وأما الثاني فلأنه إذا تغايرت الطباع وقع التنافر والتشاجر المؤدي إلى العقوق والتقصير في الحقوق وجهد كل منهما في نقل صاحبه عن طباعه وتأبى الطباع على الناقل فأعظم بالتشابه من نعمة الناس عنهما غافلون وما يجحد بها إلا الجاهلون قال الحكماء: الولد الشين يشين السلف ويهدم الشرف والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر والسلطان الجائر يخيف البريء ويصطنع الدنيء والبلد السوء يجمع السفل ويورث العلل
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب) له (عن إبراهيم) ابن يزيد النخعي بفتح النون والمعجمة ثم مهملة الفقيه إمام أهل الكوفة المجمع على جلالته علما وعملا وكان عجبا في الورع متوقيا للشبه حمل عنه العلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ولما مات قال الشعبي: ما ترك أحد أعلم منه قالوا ولا الحسن قال ولا الحسن ولا ابن سيرين ولا أهل البصرة والحجاز أجمعين مات سنة ست وتسعين عن ست وأربعين (مرسلا) أرسل عن خاله الأسود وعلقمة رأى عائشة رضي الله تعالى عنها(2/541)
2502 - (إن من هوان الدنيا) أي احتقارها (على الله أن يحيى) من الحياة سمي به لأن الله أحيا قلبه فلم يذنب ولم يهم وفي خبر ما من آدمي إلا قد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى (ابن زكريا) النبي ابن النبي عليهما أفضل الصلاة والسلام قتلته امرأة) بغي من بغايا بني إسرائيل ذبحته بيدها ذبحا أو ذبح لرضاها وأهدى رأسه إليها في طست من ذهب كما في الربيع وفي المستدرك عن ابن الزبير من أنكر البلاء فإني لا أنكره لقد ذكر أن قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام في زانية وفي البيهقي عن ابن عباس قصة قتله أن بنت أخ للملك سألته ذبحه فذبحه حين حرم نكاح بنت الأخ وكانت [ص:543] تعجب الملك ويريد نكاحها اه. وكما أن ذلك من هوان الدنيا على الله وهو تحفة ليحيى عليه السلام وإذا أراد الله تعالى أن يتحف عبدا سلط عليه من يظلمه ثم يرزقه التسليم والرضى فيكتب في ديوان الراضين حتى يستوجب غدا الرضوان الأكبر والفردوس الأعظم الأفخر قال الزمخشري: وهذا تسلية عظيمة لفاضل يرى الناقص الفاجر يظفر من الدنيا بالحظ الأسنى والعيش الأهنئ كما أصابت تلك الفاجرة تلك الهدية العظيمة الفاخرة
(هب عن أبي) بن كعب وقضية كلام المصنف أن البهيقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف(2/541)
2503 - (إن من يمن المرأة) أي بركتها (تيسير خطبتها) بالكسر أي سهولة سؤال الخاطب أولياءها نكاحها واجابتهم بسهولة من غير توقف (وتيسير صداقتها) أي عدم التشديد في تكثيره ووجدانه بيد الخاطب من غير كد في تحصيله (وتيسير رحمها) أي للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل (1) قاله عروة قال وأنا أقول إن من أول شؤمها أن يكثر صداقها
(حم ك) في الصداق (هق كلهم عن عائشة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي سنده جيد لكن قال تلميذه الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد فيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات
_________
(1) [كما ورد في حديث: خير نسائكم الولود الودود. دار الحديث](2/543)
2504 - (إن موسى) كليم الله (أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه) قال الطيبي: كنى بعفة الفرج عن النكاح تأدبا وأنه مما ينبغي أن يمد مالا لاكتساب العفة به وفيه خلاف قال الحنيفة: لا يجوز ترويح المرأة بأن يخدمها مدة ويجوز بأن يخدمها عبده وقالوا كان جائزا في تلك الشريعة وأجاز الشافعي جعل المهر خدمة أو غيرها من الأعمال قيل وفيه جواز الاستئجار للخدمة من غير بيان نوعها وبه قال مالك ويحمل على العرف وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح حتى بغير نوعها وأقول الاستدلال به إنما ينهض عند القائل بأن شرع من قبلنا شرع لنا والأصح عند الشافعية خلافه
(حم هـ عن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية ثم موحدة (ابن الندر) بضم النون وشدة الدال المهملة صحابي شهد فتح مصر وسكن دمشق قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى عليه السلام ذكره(2/543)
2505 - (إن ملائكة النهار) الذين في الأرض (أرأف) أي أشد رحمة (من ملائكة الليل) أي فادفنوا موتاكم بالنهار ولا تدفنوهم بالليل كما جاء مصرحا به في خبر الديلمي من حديث ابن عباس يرفعه بادروا بموتاكم ملائكة النهار فإنهم أرأف من ملائكة الليل اه قال الديلمي عقبه: يعني يدفن الميت نهارا ولا يحتبس في البيت ليلا
(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا كما تقرر(2/543)
2506 - (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم) لو جمع حطب الدنيا فأوقد حتى صار نارا كان جزءا واحدا من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءا أشد من حر نار الدنيا (ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها) أي هذه النار التي في الدنيا (لتدعوا الله أن لا يعيدها فيها لشدة حرها ومقصوده التحذير من جهنم والإعلام بفظاعتها وبشاعتها فعلى العاقل المحافظة على تجنب ما يقرب إليها من الخطايا
(هـ ك) في كتاب الأهوال [ص:544] (عن أنس) وقال الحاكم صحيح(2/543)
2507 - (إن نطفة الرجل بيضاء غليظة فمنها يكون العظام والعصب) للولد الذي يخلق منها لغلظها وغلظ العظم والعصب (وإن نطفة المرآة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم) للولد لرقتها فحصل التناسل وهذا كالمصرح بأنه ليس كل جزء من أجزاء الآدمي مخلوقا من مائهما بل البعض من الرجل والبعض منها لكن في أخبار أخر ما يفيد أن كل جزء مخلوق من منيهما مطلقا
(طب عن ابن مسعود) عبد الله(2/544)
2508 - (إن هذا الدين متين) أي صلب شديد (فأوغلوا) أي سيروا (فيه برفق) من غير تكلف ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا وتتركوا العمل والإيغال كما في النهاية السير الشديد والوغول الدخول في الشيء اه والظاهر أن المراد في الحديث السير لا يفيد الشدة إذ لا يلائم السياق وقال الغزالي: أراد بهذا الحديث أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة بل يكون بتلطف وتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطرف الأقصى من التبدل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم تلك الصفات المذمومة الراسخة فيه ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه وهذا لا يعرف إلا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فإن الصبي يحمل على التعليم ابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى إذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الأمر فصار يشق عليه الصبر عن العلم
(حم عن أنس)(2/544)
2509 - (إن هذا الدين متين فأوغل (1) فيه برفق (2) فإن المنبت) وهو الذي انقطع به في السفر وعطلت راحليه ولم يقض وطره (لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) أي فلا هو قطع الأرض التي يممها ولا هو أبقى ظهره ينفعه فكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق فيكره التشديد في العبادة لذلك ويقال للمنقطع به في سفره منبت من البت وهو القطع <تنبيه> قال ابن الجوزي: بدأ الشرائع كان علي التخفيف ولا يعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال
(البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي وفيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب انتهى ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب روي موصولا ومرسلا ومرفوعا وموقوفا واضطرب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله
_________
(1) قال في النهاية الإيغال السير الشديد يقال أوغل القوم وتوغلوا إذا أمعنوا في سيرهم والوغول الدخول في الشيء انتهى(2/544)
2 -) أي بالغ في العبادة لكن اجعل تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيها بغير رفق ويتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات فيكون مثله مثل الذي أجهد دابته في سفره حتى أعياها وعطبت ولم يقض وطره(2/544)
[ص:545] 2510 - (إن هذا الدينار والدرهم) أي مضروبي الذهب والفضة (أهلكا من كان قبلكم) من الأمم السالفة (وهما) لفظ رواية الطبراني وما أراهما (إلا مهلكاكم) أيتها الأمة لأن كل منهما زينة الحياة الدنيا كما أخبر الله سبحانه به وقضية ما يزين به التفاخر والتكبر والتهافت على جمعه من أي قبيل والتساقط على صرفه في اللذات والشهوات المهلكات قال الحرالي: المتعلق خوفهم ورجاؤهم بالدينار والدرهم مشركو هذه الأمة وما تعلق به خوفهم ورجاؤهم هو ربهم ومعبودهم الذي إليه تصرف جميع أعمالهم واسم كل امرئ مكتوب علي وجه ما اطمئنان به قلبه وقد رأى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام الدنيا في صورة عجوز عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو طلقك قالت بل قتلتهم كلهم فقال تبا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكيهم واحدا بعد واحد ولا يكونوا منك على حذر؟ وقال أبو العلاء: رأيت عجوز في النوم مزينة والناس عليها عكوف يعجبون من حسنها فقلت من أنت قالت الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن تعاديني فابغض الدرهم والدينار انتهى. لكن مما ينبغي أن يعلم أن الدينار والدرهم يتعلق بهما نظام الوجود فإذا لم يجعل الله لعبده تعلقا قلبيا به بل زهده فيه وجعله كثير النوال ناسجا به نظام الشريعة على أحسن منوال كان جديرا بالعز والإقبال وحسن الثناء عليه من كل ذي مقال كما يشير إليه خبر ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه فالمال من حيث كونه ما لا ليس بقبيح شرعا ولا عقلا وإنما يحسن أو يقبح بالإضاءة إلى مالكه
(طب هب عن ابن مسعود عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني فيه يحيى بن الندر وهو ضعيف(2/545)
2511 - (إن هذا العلم) الشرعي الصادق بالتفسير والحديث والفقه وأصول الدين وأصول الفقه ويلحق بها آلاتها (دين فانظروا) أي تأملوا (عمن تأخذون دينكم) أي فلا تأخذوا الدين إلا عمن تحققتم كونه من أهله وفي الإنجيل هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس يقعان كلاهما في بئر انتهى فعلى الطالب أن يتحرى الآخذ عمن اشتهرت ديانته وكملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته وكان أحسن تعليما وأجود تفهيما ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق حسن وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الآخذ عن الخاملين فقد عدوا مثل ذلك من الكبر وجعلوه عين الحمق لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها فإن كان الخامل مرجو البركة فالنفع به أعم والتحصيل من جهته أهم وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر وفي الموطأ ما يدل على أن على المستفتي سؤال الأعلم فالأعلم لأنه أقرب اصابة ممن دونه قال ابن القيم: وعليه فطر الله عباده وقال الماوردي: ليأخذ الطالب حظه ممن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل ولا يطلب الصيت وحسن الذكر باتباع أهل المنازل من العلماء وبعد الذكر إذا كان النفع بغيرهم أعم إلا أن يستوي النفعان فيكون الآخذ عمن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى لأن الانتساب إليه أجمل والآخذ عنه أشهر وإذا قرب منك العلم فلا تطلب ما بعد وإذا سهل لك من وجه فلا تطلب ما صعب وإذا حمدت من خبرته فلا تطلب من لم تخبره فإن العدول عن القريب إلى البعيد عناء وترك الأسهل بالأصعب بلاء والانتقام عن المخبور إلى غيره خطر قال علي: عقبى الأخرق مضرة والمتعسف لا تدوم له مسرة وقال الحكماء: القصد أسهل من التعسف والكفاف أورع من التكلف <تنبيه> أخذ الصوفية من هذا الخبر أن على المريد امتحان من أراد صحبته لا على جهة كشف العورات وتتبع السيئات [ص:546] لفقد العصمة بل خلق دون خلق وذنب دون ذنب والمؤمن رجاع والمنافق مدمن. جاء رجل إلى العارف يوسف العجمي فقال: أريد أن أدخل دائرتك لكن حتى تحلف لي بالطلاق أنك عارف بالله فقال: الطلاق الثلاث يلزمني أني عارف بالله وزيادة وهي التربية فما كل عارف مربي فأخذ عنه فالعالم يمتحن بالمسائل العلمية والصوفي يمتحن بالخصائل الخلقية. حكى القشيري أن الحيري دعاه رجل إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال: ليس لي حاجة بك وندمت فانصرف وعاد إليه وقال: احضر الساعة فوصل باب داره فقال له: كذلك وهكذا خمس مرات فقال: يا أستاذ إنما اختبرتك واعتذر إليه ومدحه فقال: تمدحني على خلق تجد مثله في الكلب فإنه إذا دعى حضر وإذا زجر انزجر
(ك عن أنس) ابن مالك (السجزي) في الإبانة (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل وفيه إبراهيم بن الهيثم أو خليل بن دعلج ضعيف ورواه مسلم عن ابن سيرين من قوله(2/545)
2512 - (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي سبع لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة أو غير ذلك على ما سلف تقريره وغلط أبو شامة من زعم أن المراد القراءات السبع وحكى الإجماع على خلافه (فاقرؤوا ما تيسر منه) من الأحرف المنزل بها بالنسبة لما يستحضره القارئ من القراءات فالذي في آية المزمل للكمية في الصلاة وغيرها بأية لغة من السبع أو بأي وجه من الوجوه أو بأي لفظ من الألفاظ أدى المعنى
(حم ق 3 عن عمر) بن الخطاب (1)
_________
(1) قال العلقمي وسببه كما في البخاري عن عمر قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن فذكره(2/546)
2513 - (إن هذا القرآن مأدبة الله) بضم الدال أشهر يعني مدعاته شبه القرآن بصنيع صنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع وهذا من تنزيل المعقول منزلة المحسوس قال الزمخشري: المأدبة مصدر بمنزلة الأدب وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة (فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم) تمامه عند الحاكم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف انتهى فاقتصار المصنف على بعضه وإن جاز لمثله تقصير
(ك) في فضائل القرآن من حديث إبراهيم الهجرمي عن أبي الأحوص (عن) عبد الله (بن مسعود) قال الحاكم تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح وتعقبه الذهبي بأن صالحا ثقة خرج له مسلم لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف انتهى(2/546)
2514 - (إن هذا المال) في الميل إليه وحرص النفوس عليه (خضر حلو) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي غض شهى يميل الطبع ولا يميل عنه كما لا تمل العين من النظر إلى الخضرة والفم من أكل الحلو وفي تشبيهه بالخضر إشارة إلى سرعة [ص:547] زواله إذ الأخضر أسرع الألوان تغيرا ولفظ رواية البخاري إن هذا المال خضرة حلوة قال الزركشي: نبه بتأنيث الخبر على تأنيث المبتدأ وتقديره إن صورة هذا المال أو التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة وقال ابن حجر: أنث الخبر لأن المراد الدنيا (فمن أخذه) ممن يدفعه (لحقه) لفظ رواية البخاري بسخاوة نفس أي بطيبها من غير حرص (بورك له فيها) أي بارك الله له في المأخوذ (ومن أخذه بإشراف) بكسر الهمزة وشين معجمة أي بطمع (نفس) أو مكتسبا له بطلب نفسه وحرصها عليه قال الزركشي: فالهاء راجعة إلى لفظ المال وإشراف النفس تطلعها للأخذ والعلو والغلو فيه (لم يبارك له) أي لم يبارك للأخذ (فيه) أي فيما أخذه (وكان) أي للآخذ (كالذي) أي كالحيوان الذي به الجوع الكالب بحيث (يأكل ولا يشبع) ويسمى جوع الكلب كلما ازاداد أكلا ازداد جوعا فكلما نال منه شيئا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه وإلى من فوقه (واليد العليا) بضم العين مقصورا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) السائلة أو الآخذة أو العليا يد من تعفف عن السؤال والسفلى يد السائل وعليه فعلوها معنوي ومقصود الحديث أن الأخذ بسخاء نفس يحصل البركة في الرزق فإن الزهد يحصل خير الدارين
(حم ق ت ن عن حكيم بن حزام) قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم ذكره فقلت والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك أبدا وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فمسلم إنما رواه بدون قوله وإن اليد إلخ(2/546)
2515 - (إن هذا المال) كبقلة أو كفاكهة أو كروضة أو كشجرة متصفة بأنها (خضرة) في النظر (حلوة) في المذاق وكل من الوصفين ممال إليه على انفراده فكيف إذا اجتمعا فالتأنيث واقع على التشبيه أو نظر لما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا أو المعنى أن فائدة المال أو صورته أو التاء للمبالغة كعلامة وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان ولباس أهل الإيمان في الجنان (فمن أصابه) أي المال (بحق) أي بقدر حاجته من الحلال (بورك فيه) أي بارك الله له فيه (ورب متخوض) أي متسارع ومتصرف (فيما شاءت نفسه) أي فيما أحبته والتذت به (من مال الله ورسوله) قال الطيبي: كان الظاهر أن يقال ومن أصابه بغير حق ليس له إلا النار فعدل إلى ورب متخوض إيماء إلى قلة من يأخذه بحق والأكثر يتخوض فيه بغير حق ولذا قال في الأول خضرة حلوة أي مشتهاة وفي الثاني فيما شاءت نفسه (ليس له) جزاء (يوم القيامة إلا النار) أي دخولها وهو حكم مترتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله ورسوله فيكون مشعرا بالعلية قال الراغب: والخوض الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار في الأمور وأكثر استعماله فيما يذم شرعا {ذرهم في خوضهم يلعبون} وهذا حث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال بلا ضرورة فيحرم على القادر كسب ويحل لغيره بشرط ألا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول وإلا حرم
(حم ت عن خولة) بنت قيس - بفتح المعجمة - بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها رواية وحديث(2/547)
2516 - (إن هذه الأخلاق) جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون (من الله) أي في إرادته وبقضائه وتقديره في رواية إن هذه الأخلاق من الله وفي أخرى إن هذه الأخلاق منائح من الله (فمن أراد الله به خيرا) في الدنيا والآخرة (منحه) أي أعطاه (خلقا حسنا) ليدر عليه من ذلك الخلق فعلا حسنا جميلا بهيا (ومن أراد به سوءا منحه) خلقا (سيئا) بأن يقابله بضد ذلك بأن يجبله على ذلك في بطن أمه أو يصير له ملكة على الاقتدار بالتخلق به بحيث يحمل [ص:548] نفسه على التمرن عليه فيعتاده ويألفه وبه يتميز الخبيث من الطيب في هذه الدار فإذا غلب الخلق السيء على عبد كان مظهرا لخبث أفعاله التي هي عنوان شقاوته وبضده من غلب عليه الحسن. <تنبيه> مر غير مرة الخلاف في أن الخلق هل هو جبلي لا يستطاع غيره أو يمكن اكتسابه وتقدم طريق الجمع والحاصل أن فرقة ذهبت إلى أنه من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه وتعلق بظاهره هذا الخبر وأشباهه كالخبر الآتي فرغ الله من الخلق والخلق قال ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق وقال جمع: يمكن لأنه مأمور به ولو لم يكن لما أمر به وحقق آخرون أنه لا سبيل إلى تغير القوة التي هي السجية لكن جعل للإنسان سبيل إلى اكتسابها وإلا لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي وإذا كان هذا ممكنا في بعض البهائم كالوحشي ينقل بالعادة إلى الناس فالآدمي أولى لكن الناس في غرائزهم مختلفون فبعضهم جبل جبلة سريعة القبول وبعضهم جبلته بطيئة القبول وبعضهم في الوسط وكل لا ينفك عن أثر القبول وإن قل. قال الراغب: ومن منع التغير رأسا اعتبر القوة نفسها وهو صحيح فإن النوى محال أن ينبت منه تفاحة ومن أجاز تغيره اعتبر إمكان نقل ما في القوة إلى الوجود وإفساده بإهماله وهذا صحيح
(طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف ورواه العسكري وغيره عن أبي المنهال وزاد بيان السبب وهو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر برجل له عكزة فلم يذبح له شيئا ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له فقال ذلك(2/547)
2517 - (إن هذه النار) المشار إليه النار التي يخشى انتشارها (إنما هي عدو لكم) يا بني آدم فإن قيل ما معنى قصرها على العداوة وكثير من المنافع مربوط بها فالجواب أن هذا بطريق الادعاء مبالغة في التحذير عن ابقائها (فإذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفؤها عنكم) المراد به إسكانها بحيث يؤمن اضرارها والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي متجاوز عنكم
(ق) في الاستئذان (هـ) في الأدب كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال احترق بيت في المدينة على أهله في ليلة فحدث به النبي صلى الله عليه وسلم فذكره(2/548)
2518 - (إن هذه القلوب أوعية) أي حافظة متدبرة لما يرد عليها (فخيرها أوعاها) أي أحفظها للخير (فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم واثقون بالإجابة) من الله تعالى (فإن الله تعالى لا يستجيب دعاء من دعا عن ظهر قلب غافل) أي لاه تارك للاهتمام وجمع الهمة للدعاء ولفظ الظهر مقحم ويحتمل أنه إشارة إلى أن الكلام فيمن لم ينشئ الدعاء من سويداء قلبه بالكلية فإن الله سبحانه جعل لخلقه حظوظا مخزونة عنده في سر غيبه وهم فيها متفاوتون بحسب القسمة الأزلية فلو أبرزها لمدت الأمم أعينها إلى تلك الحظوظ وظهرت الخصومات واشتدت المعاداة وقالوا نحن عبيدك من طينة واحدة فأسر تلك الحظوظ في غيبه وألقاها إلى الدعاء تخييلا أنهم إنما نالوها به ذكره الحكيم والدعاء بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة إذ قوله {ادعوني أستجب لكم} لا شرط فيه وكانت الأمم تفزع إلى الأنبياء في حوائجهم لتسأل لهم وكان التطهير من الدنس قبل المسألة مشروطا عليهم. أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام قل لبني إسرائيل لا يمد أحدهم يده إلي ولأحدهم قبله مظلمة
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه بشر بن ميمون الواسطي مجمع على ضعفه(2/548)
2519 - (إن يوم الجمعة يوم عيد وذكر) لله عز وجل وذلك لأنه سبحانه وتعالى خص أيام تخليق العالم بستة أيام وكسا [ص:549] كل يوم منها اسما يخصه وخص كل يوم منها بصنف من الخليقة أوجده فيه وجعل يوم إكمال الخلق مجمعا وعيد للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد (فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيام) أي لا تخصوه بذلك من بين الأيام (ولكن اجعلوه يوم فطر) وذكر لله تعالى (إلا أن تخلطوه بأيام) بأن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده فإنه لا كراهة في صومه حينئذ فإفراد الجمعة بصوم نفل مكروه تنزيها ولو حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث لهذا الخبر وإن كان العرف لا يقتضيه كذا في شرح أحكام عبد الحق واحتج بهذا الحديث بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه جمع من السلف ونقل عن أحمد أن من صلى قبل الزوال أجزأته لأنه لما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى ومنع بأنه لا يلزم من تسميته عيدا اشتماله على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاق <تنبيه> قال الراغب: والعيد ما يعاد مرة بعد أخرى وخصه الشرع بيومي الأضحى والفطر ولما كان ذلك اليوم مجعولا في الشرع للسرور واستعمل العيد في كل يوم مسرة أيا ما كان
(هب عن أبي هريرة) ورواه الحاكم من حديث أبي بشر من حديث أبي هريرة ثم قال لم أقف على اسم أبي بشر اه قال الذهبي وهو مجهول ورواه البزار بنحوه قال الهيثمي وسنده حسن(2/548)
2520 - (إن يوم الثلاثاء يوم الدم) أي يوم غلبته على الدم وهيجانه فيه أو يوم كان الدم فيه يعني قتل ابن آدم أخاه فيه (وفيه ساعة) أي لحظة وإرادة الساعة النجومية بعيد (لا يرقأ) بهمز آخره لا ينقطع الدم فيها لو احتجم أو افتصد فيه وربما هلك به المرء قال ابن جرير قال زهير مات عندنا ثلاثة ممن احتجم وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة فيه كله خوفا من مصادفتها كما في نظائره <تنبيه> روى أبو يعلى من حديث الحسين بن علي مرفوعا في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل يحتجم فيها إلا مات وقوله في الجمعة يحتمل أن المراد به يوم الجمعة فيكون كيوم الثلاثاء في ذلك ويحتمل أن المراد الجمعة كلها وأن الحديث المشروح عين تلك الساعة في يوم الثلاثاء والأول أقرب ولم أر من تعرض له
(د) في الطب (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة قال الذهبي في المهذب إسناده لين وقال الصدر المناوي فيه بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال ابن معين ليس بشيء وابن عدي من جملة الضعفاء الذي يكتب حديثهم اه لكن يقويه رواية ابن جرير له في التهذيب من طرق وأما زعم ابن الجوزي وضعه فلم يوافقوه(2/549)
2521 - (إنا) أي العرب وزعم أنه أراد نفسه ينافره السياق ويأباه قوله (أمة) جماعة عرب (أمية) أي باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا من عدم القراءة والكتابة ثم بين ذلك بقوله (لا نكتب) أي لا يكتب فينا إلا الفرد النادر قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} (ولا نحسب) بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فالعمل بقول المنجمين ليس من هدينا بل إنما ربطت عبادتنا بأمر واضح وهو رؤية الهلال فإنا نراه مرة لتسع وعشرين وأخرى لثلاثين وفي الإناطة بذلك دفع للحرج عن العرب في معاناة ما لا يعرفه منهم إلا القليل ثم استمر الحكم بعدهم وإن كثر من يعرف ذلك. (1)
(ق د ن) كلهم في الصوم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وقضية صنيع المصنف أن كلا من الكل لم يرو إلا ما ذكره والأمر بخلافه بل تتمته عند الشيخين الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين
_________
(1) [وتتمة الحديث عند البخاري ومسلم: " الشهر هكذا وهكذا " يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين
ورغم زيادة عدد من يستطيع حساب مواقيت الشمس والقمر في عصرنا فلا يزال هذا العدد ضئيلا لا توصف الأمة بسببه بالقدرة على ذلك الحساب وتبقى نسبته أقل بمراحل من نسبة الذين كانوا يحسنون القراءة أيام النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر هذا الحديث فليتق الله الذين يحاولون تأويله على ما لا يرضي الله. ومن شك في قلة من يحسن الحساب في أيامنا فليأت بعشرة بل خمسة بل ثلاثة من معارفه الذين يحسنونه باستثناء من يستطيع قراءة جداول البحرية الأميركية أو البريطانية ممن يدعون معرفة ذلك الحساب ويبهرون بعض البسطاء بذلك. وكيف تعد قراءة الجداول قدرة على الحساب؟ ومن حكمة هذا الحديث أيضا أنه لو كان الحكم على الهلال بالحساب لعاد أمر تحديد الشهور إلى أفراد معدودين لا يتمكن غيرهم من مراجعة كلامهم أو النظر فيه وما هذا إلا الكهنوت الذي عصم الله ديننا عنه. وفي الحديث رقم 5064: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين " متفق عليه. دار الحديث](2/549)
[ص:550] 2522 - (إنا لن) وفي رواية البخاري لا وفي أخرى لمسلم إنا والله (نستعمل على عملنا) أي الإمارة والحكم بين الناس (من أراده) وفي رواية من يطلبه وذلك لأن إرادته إياه والحرص عليه مع العلم بكثرة آفاته وصعوبة التخلص منها آية أنه يطلبه لنفسه ولأغراضه ومن كان هكذا أوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك إذ الولاية تفيد قوة بعد ضعف وقدرة بعد عجز وقال من أريد بأمر أعين عليه ومن أراد أمرا وكل إليه ليرى عجزه وهذه النون كما قال الزمخشري: يقال لها نون الواحد المطاع وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم مطاعا يكلم أهل طاعته على صفته وحاله التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلام {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} وقد يتعلق بتحمل الإمام وتقحمه وإظهار سياسته وعزته مصالح فيعود تكلف ذلك واجبا
(حم ق د ن) من حديث يريد عن عبد الله (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال: أقبلت ومعي رجلان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك فكلاهما سأل فقال يا أبا موسى أما شعرت أنهما يطلبان العمل فذكره وفي رواية للشيخين أيضا عنه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله وقال الآخر مثل ذلك فقال: إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه(2/550)
2523 - (إنا لا نقبل) لا نجيب بالقبول (شيئا) يهدى إلينا (من المشركين) يعني الكافرين فإن فلت قد صح من عدة طرق قبول الهدية الكافر كالمقوقس والأكيدر وذي يزن وغيرهم من الملوك قلت لك في دفع التدافع مسلكان: الأول أن مراده هنا أنه لا يقبل شيئا منهم على جهة كونه هدية بل لكونه مال حربي فيأخذه على وجه الاستباحة الثاني أن يحمل القبول على ما إذا رجى إسلام المهدي وكان القبول يؤلفه أو كان فيه مصلحة للإسلام وخلافه وأما الجواب بأن حديث الرد ناسخ لحديث القبول فهلهل لعدم العلم بالتاريخ
(حم ك) من حديث عراك بن مالك (عن حكيم بن حزام) قال عراك كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية والإسلام فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها على المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى وقال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن فأخذها به قال الهيثمي رجاله ثقات(2/550)
2524 - (إنا لا نستعين) في رواية إنا لن نستعين أي في أسباب الجهاد من نحو قتل واستيلاء ومن عمم فقال أو استخدام فقد أبعد (بمشرك) أي لا نطلب منه العون في شيء من ذلك وفي امتناع استعانة المسلمين بالكفار خلاف في الفروع شهير (1)
(حم د هـ عن عائشة) وسببه كما رواه البيهقي عن ابن حميد الساعدي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى جاوز ثنية الوداع إذا كتيبة خشناء قال من هؤلاء؟ قال عبد الله بن أبي في ست مئة من مواليه بني قينقاع قال وقد أسلموا؟ قالوا لا قال فليرجعوا ثم ذكره
_________
(1) قال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعان به استعين وإلا فلا وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه(2/550)
2525 - (إنا لا نستعين) في القتال (بالمشركين على المشركين) أي عند عدم الحاجة إليه وهذا قاله لمشرك لحقه ليقاتل معه ففرح به المسلمون لجرأته ونجدته فقال له تؤمن؟ قال لا فرده ثم ذكره لأن محل المنع عند عدم دعاء الحاجة وأما [ص:551] الجواب بأنه خرج باختياره لا بأمر المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففيه أن التقرير قائم مقام الأمر والقول بأن النهي خاص بذلك الوقت أورده في شخص معين وجد له رغبة في الإسلام فرده بذلك ليسلم أو أن الأمر فيه إلى الإمام اعترضه ابن حجر بأنه نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل
(حم تخ عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة ورد الذهبي على من زعم كونه بحاء مهملة
(ابن يساف) ابن عتبة بن عمرو الخزرجي المدني صحابي بدري له حديث(2/550)
2526 - (إنا معشر الأنبياء) منصوب على الاختصاص أو المدح والمعشر كل جمع أمرهم واحد فالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر وهو بمعنى قول جمع الطائفة الذين يشملهم وصف (تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) بل هي دائمة اليقظة لا يعتريها غفلة ولا يتطرق إليها شائبة نوم لمنعه من إشراق الأنوار الإلهية الموجبة لفيض المطالب السنية عليها ولذا كانت رؤياهم وحيا ولم تنتقض طهارتهم بالنوم ولا يشكل بنومه في قصة الوادي حتى طلعت الشمس لأن الله خرق عادته في نومه ليكون ذلك رخصة لأمته وزعم أن المراد تنام أعيننا عن الدنيا ولا تنام قلوبنا عن الملكوت الأعلى بعيد من السوق كما لا يخفى علي أهل الذوق
(ابن سعد) في الطبقات (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وهو القرشي الفهري المكي كان أسود أفطس أعرج ثم عمي من أجل التابعين حج سبعين حجة وعاش مئة سنة(2/551)
2527 - (إن معشر) وفي رواية معاشر (الأنبياء أمرنا) بالبناء للمفعول أي أمرنا الله (أن نعجل إفطارنا) إذا كنا صائمين بأن نوقعه بعد تحقق الغروب ولا نؤخره إلى اشتباك النجوم (ونؤخر سحورنا) بالضم أي نقربه من الفجر جدا ما لم يوقع التأخير في شك (ونضع أيماننا) أي أيدينا اليمنى (على شمائلنا) فويق السرة (في الصلاة) في رواية بدله في صلاتنا وذلك بأن يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض الساعد باسطا أصابعها في عرض المفصل أو ناشرا لها صوب الساعد والأمر هنا للندب وهذا صريح في أن هذه الثلاثة ليست من خصوصياته
(الطيالسي) أبو داود (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح(2/551)
2528 - (إن معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء) أي يزاد وليس محصورا في الواحد يقال ضعف الشيء يضعف إذا زاد وضعفته إذا زدته وفي البلاء من الفضائل والفوائد ما لا يخفى قال ابن النحاس: وقوله معشر يشبه المنادى وليس بمنادى وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره كما لم يجز ظهوره مع المنادى وموضع هذا الاسم نصب على الحال لأنه لما كان في التقدير أنا أخص أو أعني فكأنه قال إنا نفعل كذا مخصوصين من بين الناس أو معينين فالحال من فاعل نفعل لا من اسم إن لئلا يبقى الحال بلا عامل
(طب عن) فاطمة بنت اليمان العبسية (أخت حذيفة) صحابية قال في التقريب كأصله صحابية لها حديث قضى به عثمان ويقال لها الفارعة قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا شن معلق نحوه يقطر ماؤه فيه من شدة ما يجده من حر الحمى فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجيب مع وجوده لأحمد في المسند باللفظ المزبور عن فاطمة المذكورة بل رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بزيادة فقال إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما [ص:552] يضاعف لنا الأجر كان النبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبتلى بالإيذاء من قومه وكانوا يفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء انتهى وذكر في الفردوس أن حديث ابن ماجه هذا صحيح ولما عزاه الهيثمي إلى الطبراني وأحمد قال وإسناد أحمد فاقتضى أن سند الطبراني غير حسن(2/551)
2529 - (إنا آل محمد) مؤمني بني هاشم والمطلب. مال العكبري إلى أن آل منصوب بأعني أو أخص وليس بمرفوع على أنه خبر إن لأن ذلك معلوم لا يحتاج لذكره وخبر إن قوله (لا تحل لنا الصدقة) لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والاصطفاء وعرفها ليفيد أن المراد الزكاة أي لا تحل لنا الصدقة المعهودة وهي الفرض بخلاف النفل فتحل لهم دونه عند الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية وعمم مالك التحريم. قال الزمخشري: الصدقة محظورة على الأنبياء وقيل كانت تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل {وتصدق علينا}
(حم حب) من حديث أبي الحواري (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين قال أبو الحواري كنا عند الحسن فسئل ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عنه قال كنت أمشي معه فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت التمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها فقال بعض القوم وما عليك لو تركتها فذكره قال الهيثمي رجال أحمد ثقات وقال في الفتح إسناده قوي(2/552)
2530 - (إنا نهينا) نهي تحريم والناهي هو الله تعالى (أن ترى عوراتنا) ضمير الجمع يؤذن بأن المراد هو والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو هو وأمته وعد ابن عبد السلام من خواصه أنه لم ترى عورته قط قال ولو رآها أحد طمست عيناه وعد بعض الأكابر من خصائص هذه الأمة وجوب ستر العورة قال القضاعي: وكان نهيه عن التعري وكشف العورة من قبل أن يبعث بخمس سنين
(ك) وكذا البيهقي (عن جبار) بجيم وموحدة تحتية وراء قال في الإصابة: ومن قال حبان فقد صحفه (بن صخر) قال الذهبي وصحف من قال بن ضمرة وهو الأنصاري السلمي قيل من أهل العقبة وقيل بدري وليس له إلا هذا الحديث وحديث آخر كما في الإصابة وغيرها وفيه معاذ بن خالد العسقلاني عن زهير بن محمد قال الذهبي في الذيل له مناكير وقد احتمل عن شرحبيل بن سعد قال ابن أبي ذؤيب كان متهما كذا ذكره الذهبي في الضعفاء والذيل وكأنه ذهل في التلخيص حيث سكت على تصحيح الحاكم له(2/552)
2531 - (إنك) يا جرير بن عبد الله (امرؤ قد حسن الله خلقك) بفتح الخاء (فأحسن خلقك) بضمها أي مع الخلق يتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها وتمرينها على ذلك وبصحبة أهل الأخلاق الحسنة وبالنظر في أخبار أهل الصدر الأول وحكاياتهم الدالة على كمال حسن خلقهم فالخلق وإن كان غريزيا أصالة لكنه بالنظر لما يستعمل فيه كسبي وإلا لاستحال الأمر به لاستحالته فيما طبع عليه العبد كما مر غير مرة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه الوفود فيبعث إلي فألبس حلتي أجيء فيباهي بي ويقول: يا جرير إنك إلخ ورواه أيضا الخرائطي والديلمي وأبو العباس الدعولي في الآداب قال الحافظ العراقي وفيه ضعف(2/552)
2532 - (إنك) يا سلمة بن الأكوع (الذي قال الأول اللهم ابغني) بهمزة وصل أمر من البغاء أي اطلب وبهمزة قطع أمر من الإبغاء أي أعني على الطلب (حبيبا هو أحب إلي من نفسي) قاله له وكان أعطاه ترسا ثم رآه مجردا عنه فسأله فقال لقيني عمي فرأيته أعزل فأعطيته إياها وقوله الأول بدل من الذي أي كالأول أي كالذي مضى فيمن مضى قائلا اللهم إلخ
(م عن سلمة بن الأكوع) ورواه عنه غيره أيضا(2/552)
[ص:553] 2533 - (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) لأن الدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز ولا يعارضه خبر الطبراني إنهم يدعون بأسماء أمهاتهم سترا منه على عبادة لإمكان الجمع بأن من صح نسبه يدعى بالأب وغيره يدعى بالأم كذا جمع البعض وأقول هو غير جيد إذ دعاء الأول بالأب والثاني بالأم يعرف به ولد الزنا من غيره فيفوت المقصود وهو الستر ويحصل الافتضاح فالأولى أن يقال خبر دعائهم بالأمهات ضعيف فلا يعارض به الصحيح ثم رأيت ابن القيم أجاب بنحوه فقال: أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه كالمنفي بلعان فيدعى به في الدنيا فالعبد يدعى بما يدعى به فيها من أب وأم إلى هنا كلامه (فأحسنوا أسمائكم) أي بأن تسموا بنحو عبد الله وعبد الرحمن أو بحارث وهمام لا بنحو حرب ومرة قال النووي في التهذيب: ويستحب تحسين الاسم لهذا الحديث
(حم د) في الأدب من حديث عبد الله بن أبي زكريا (عن أبي الدرداء) قال النووي في الأذكار وفي التهذيب إسناده جيد وتبعه الزين العراقي قال في المغني: وقال في البهيقي إنه مرسل وقال المناوي كالمنذري ابن أبي زكريا ثقة عابد لكن لم يسمع من أبي الدرداء فالحديث منقطع وأبوه اسمه إياس وقال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين عبد الله بن أبي زكريا راويه عن أبي الدرداء فإنه لم يدركه(2/553)
2534 - (إنكم تتمون سبعين أمة) أي يتم العدد بكم سبعين (أنتم خيرها وأكرمها على الله) ويظهر هذا الإكرام في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقامهم في الموقف ووقوفهم على تل يشرفون عليهم إلى غير ذلك ومما فضلوا به الذكاء وقوة الفهم ودقة النظر وحسن الاستنباط فإنهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد ممن قبلهم ألا ترى إلى أن بني إسرائيل عاينوا من الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق الكليم كانفجار البحر ونتق الجبل وغير ذلك ثم اتخذوا بعده العجل وقالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وما تواتر من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم أمور نظرية كالقرآن والتحدي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة بنبوته دقيقة يدركها الأذكياء
(حم ت هـ ك عن معاوية بن حيدة)(2/553)
2535 - (إنكم ستبتلون) أي يصيبكم البلاء (في أهل بيتي من بعدي) هذا من معجزاته الخارقة لأنه إخبار عن غيب وقد وقع وما حل بأهل البيت بعده من البلاء أمر شهير وفي الحقيقة البلاء والشقاء على من فعل بهم ما فعل
(طب) من حديث عمارة بن يحيى بن خالد بن عرفطة (عن خالد بن عرفطة) بفتح المهملة أوله ابن أبرهة الليثي ويقال البكري ويقال القضاعي ويقال العدوي استعمله معاوية على بعض حروبه قال معاوية كنا عند خالد يوم قتل الحسين فقال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم إلخ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عمارة وقد وثقه ابن حبان(2/553)
2536 - (إنكم) أيها الأنصار كما دل عليه خبر عبد الله بن محمد بن عقيل أن معاوية قدم المدينة فتلقاه أبو قتادة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إنكم إلخ قال فيم أمركم قال أمرنا بالصبر قال اصبروا إذن (ستلقون) وفي رواية للبخاري سترون (بعدي) أي بعد موتي من الأمراء (أثرة) بضم أو كسر فسكون وبفتحات إيثارا [ص:554] واختصاصا بحظوظ دنيوية يأثرون بها غيركم يفضلون عليكم من ليس له فضل ويؤثرون أهواءهم على الحق ويصرفون الفيء لغير المستحق قال الراغب: والاستئثار التفرد بالشيء من دون غيره وزاد في رواية البخاري وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال (فإذا رأيتم ذلك فاصبروا) أي إذا وقع ذلك فاصبروا كما أمرت بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة (حتى تلقوني غدا) أي يوم القيامة (على الحوض) أي عنده فتنصفون ممن ظلمكم وتجازون على صبركم والخطاب وإن كان للأنصار لكن لا يلزم من مخاطبتهم به أن يختص بهم فقد ورد ما يدل على التعميم وهذا لا تعارض بينه وبين الأحاديث الآمرة بالنهي عن المنكر لأن ما هنا فيما إذا لزم منه سفك دم أو إثارة فتنة وفيه الأمر بالصبر على الشدائد وتحمل المكاره قال ابن بزيزة: وخص الحوض لكونه مجمع الأمم بعد الخلاص من أهوال الموقف حيث لا يذكر حبيب حبيبه
(حم ق ت عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (بن حضير) بضم المهملة وفتح المعجمة بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة كان كبير الشأن وكان أبوه فارس الأوس ورئيسهم وقائدهم يوم بعاث (حم ق عن أنس) قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح(2/553)
2537 - (إنكم سترون ربكم) يوم القيامة (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها ولا تجهدون في تحصيلها فمعنى التشبيه أن ذلك محقق بلا مشقة ولا خفاء فهو تشبيه للرؤية برؤية القمر ليلة تمامه في الوضوح لا للمرئي بالمرئي (لا تضامون) بضم الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم أي ظلم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وبالفتح والشد من الضم وأصله تتضامون فيضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون حال النظر لخفائه أو لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم لأجل ذلك كما يفعل في رؤية شيء خفي (في رؤيته) تعالى وهذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بالبناء للمجهول أي عن أن لا تتركوا الاستعداد بقطع أسباب الغفلة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل (على) بمعنى عن (صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما في رواية مسلم (فافعلوا) ثم قرأ {فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} قال أبو عيسى حديث حسن صحيح عدى المغلوبية التي لازمها فعل الصلاة بقطع الأسباب النافية للاستطاعة كنوم ونحوه فكأنه قال صلوا في هذين الوقتين وذكرهما عقب الرؤية إشارة إلى أن رجاء الرؤية بالمحافظة عليهما وخصهما لشدة خوف فوتهما ومن حفظهما فبالحري أن يحفظ غيرهما أو لاجتماع الملائكة ورفع الأعمال فيها وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن العمل يرفع آخر النهار فمن كان في طاعة بورك له في رزقه وعمله وأفاد الخبر أن رؤيته تعالى ممكنة أي للمؤمنين في الآخرة وزيادة شرف المصلين والصلاتين
(حم ق) في الصلاة وغيرها (4) في عدة مواضع (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره أيضا(2/554)
2538 - (إنكم ستحرصون) بكسر الراء وفتحها (على الإمارة) الخلافة العظمى ونيابتها (وإنها ستكون ندامة) لمن لم يعمل فيها بما أمر به ويسلك سبيل المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم (وحسرة يوم القيامة) وهذا أصل في تجنب الولايات سيما لضعيف أو غير أهل فإنه يندم إذا جوزي بالخزي يوم القيامة [ص:555] أما أهل عادل فأجره عظيم لكنه على خطر عظيم ومن ثم أباها الأكابر (فنعمت) الإمارة (المرضعة) أي في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة (وبئست) الإمارة (الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره فإنها تقطع عنه تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليه الحسرة والتبعة فالمخصوص بالمدح والذم محذوف وهو الإمارة ضرب المرضعة مثلا للإمارة الموصلة صاحبها من المنافع العاجلة والفاطمة وهي التي انقطع لبنها مثلا لمفارقتها عنها بانعزال أو موت والقصد ذم الحرص عليها وكراهة طلبها وقال القاضي شبه الولاية بالمرضعة وانقطاعها بموت أو عزل بالفاطمة أي نعمت المرضعة الولاية فإنها تدر عليك المنافع واللذات العاجلة وبئست الفاطمة المنية فإنها تقطع عنك تلك اللذائذ والمنافع وتبقى عليك الحسرة والتبعة فلا ينبغي لعاقل أن يلم بلذة تتبعها حسرات وألحقت التاء في بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإلحاق وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك وقال في شرح المصابيح شبه على سبيل الاستعارة ما يحصل من نفع الولاية حالة ملابستها بالرضاع وشبه بالفطام انقطاع ذلك عنها عند الانفصال عنها فالاستعارة في المرضعة والفاطمة تبعية فإن قلت هل من فائدة لطيفة في ترك الباء من فعل المدح وإثباتها مع الذم أجيب بأن ارضاعها أحب حالتيها للنفس وفطامها أشقها والتأنيث أخفض حالتي الفعل فاستعمل حالة التذكير مع الحالة المحبوبة التي هي أشرف حالتي الولاية واستعمل حالة التأنيث مع الحالة الشاقة على النفس وهي حالة الفطام عن الولاية لمكان المناسبة في المحلين انتهى وفي شرح المشكاة إنما لم يلحق التاء بنعم لأن المراضعة مستعارة للإمارة وهي وإن كانت مؤنثة لكن تأنيثها غير حقيقي وألحقها بئس نظرا إلى كون الإمارة حينئذ ذاهبة وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء والضراء أشد مما يناله من النعماء فعلى العاقل أن لا يلم بلذة يتبعها حسرات. قال في المطامح: وكذا سائر الولايات الدينية وللفقهاء تفصيل في حكم الطلب مبين في الفروع
(خ) في الأحكام (ن) في القضاء والسير (عن أبي هريرة) قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فذكره(2/554)
2539 - (إنكم قادمون) بالقاف وسهى من زعم أنه بمثناة فوقية فاضطر إلى ارتكاب التعسف في تقريره بما يمجه السمع (على إخوانكم) في الدين (فأصلحوا رحالكم) أي ركابكم (وأصلحوا لباسكم) أي ملبوسكم بتحسينه وتنظيفه وتطييبه (حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس) أي كونوا في أحسن زي وهيئة حتى تظهروا للناس وينظروا إليكم كما تظهر الشامة وينظر إليها دون باقي الجسد والشامة الخال في الجسد معروفة ذكره ابن الأثير والإصلاح كما قال الحرالي: تلاقى خلل الشيء (فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) فيه كما في المطامح ندب تحسين الهيئة وترجيل الشعر وإصلاح اللباس والمحافظة على النظافة والتجمل وإصلاح الحال وأن ذلك من صفات الكمال ولا ينافي الزهد بكل حال (نكتة) رأى رجل على آخر عمامة رثة فقال دب فيها البلاء فرقت ودقت فهي تقرأ إذ السماء انشقت
(حم د ك) في اللباس (هب عن سهل) ضد الصعب (بن الحظلية) صحابي صغير أوس والحنظلية أمه أو من أمهاته واختلف في اسم أبيه قيل الربيع بن عمرو وقيل غيره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال النووي في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن إلا أن قيس بن بشر اختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم(2/555)
2540 - (إنكم مصبحون) بميم مضمومة أوله بضبط المصنف (عدوكم) أي توافونه صباحا يقال صبحت فلانا بالتشديد أتيته صباحا وفي رواية قد دنيتم من عدوكم (والفطر أقوى لكم) على قتال العدو (فأفطروا) قاله حين دنا من مكة للفتح فأفطروا قال أبو سعيد فكانت عزيمة ثم نزلنا منزلا آخر فقاله فمنا من أفطر ومنا من صام فكانت رخصة وأخذ من [ص:556] تعليله بدنو العدو واحتياجهم إلى القوة التي يلقونه بها أن الفطر هنا للجهاد لا للسفر فلو وافاهم العدو في الحضر واحتاجوا إلى التقوي بالفطر جاز على ما قيل لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر والقوة ثم تخص المسافر وهنا له وللمسلمين ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر
(حم م عن أبي سعيد) الخدري(2/555)
2541 - (إنكم لن تدركوا) أي تحصلوا (هذا الأمر بالمغالبة) المراد أمر الدين فإن الدين متين لا يغالبه أحد إلا غلبه فأوغلوا فيه برفق كما في الحديث السابق
(ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن ابن الأردع) بالدال المهملة واسمه سلم أو محجن وهو الذي قال المصطفى صلى الله غليه وسلم فيه ارموا وأنا مع ابن الأردع وهو ممن عرف بأبيه ويذكر باسمه قال كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ذات ليلة لحاجته فرآني فأخذ بيدي فمررنا على رجل يصلي فجهر بالقرآن فذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح(2/556)
2542 - (إنكم) أيها الصحب (في زمان) متصف بالأمن وعزة الإسلام (من ترك منكم) فيه (عشر ما أمر به) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ لا يجوز صرف هذا القول إلى عموم المأمورات لما عرف أن مسلما لا يعذر فيما يهمل من فرض عيني (هلك) أي في ورطات الهلاك لأن الدين عزيز وفي أنصاره كثرة فالترك تقصير منكم فلا عذر لأحد في التهاون حالتئذ (ثم يأتي زمان) يضعف فيه الإسلام وتكثر الظلمة ويعم الفسق ويكثر الدجالون وتقل أنصار الدين فيعذر المسلمون في الترك إذ ذاك لعدم القدرة وفقد التقصير وحينئذ (من عمل منهم) أي من أهل ذلك الزمن المحتوي على المحن والفتن (بعشر ما أمر به نجا) لأنه المقدور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها {فاتقوا الله ما استطعتم} قال الغزالي: لولا بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي زمان من تمسك فيه بعشر ذلك نجا لكان جديرا بنا أن نقتحم والعياذ بالله ورطة اليأس والقنوط مع ما نحن عليه من سوء أعمالنا فنسأل الله أن يعاملنا بما هو أهله وأن يستر قبائح أعمالنا كما يقتضيه فضله وكرمه وقال بعض الحكماء معروف زمننا منكر زمان مضى ومنكر زمننا معروف زمان لم يأت
(ت) في آخر الفتن (عن أبي هريرة) وقال غريب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال قال النسائي حديث منكر رواه أبو نعيم بن حماد وليس بثقة(2/556)
2543 - (إنكم لا ترجعون إلى الله تعالى) أي لا تعاودون مأدبة كرمه المرة بعد الأخرى قال الزمخشري: من المجاز خالفني ثم رجع إلى قوله وما رجع إليه في خطب إلا كفي (بشيء أفضل مما خرج منه يعني القرآن) كذا هو في خط المصنف قال البخاري: خروجه منه ليس كخروجه منك إن كنت تفهم وقال ابن فورك الخروج خروج جسم من جسم بمفارقة محله واستبداله محلا آخر وذا محال هنا وظهور شيء من شيء يقال خرج لنا من كلامك نفع وهو المراد هنا أي ما أنزل الله على نبيه وقيل ضمير منه يعود للعبد وخروجه منه وجوده بلسانه محفوظا بصدره مكتوبا بيده
(حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (ت عن جبير بن نفير مرسلا ك) في فضائل القرآن وصححه (عنه) أي عن جبير (عن أبي ذر) سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعيف فاقتضى جودته وكأنه لم يقف على قول سلطان هذا الشأن البخاري في كتاب خلق الأفعال إنه لا يصح لإرساله وانقطاعه هكذا قال وأقره الذهبي(2/556)
[ص:557] 2544 - (إنكم اليوم) أي الآن وأنا بين أظهركم (على دين) التنكير للتعظيم أي دين متين كامل في القوة والصلابة (وإني مكاثر بكم الأمم) يوم القيامة كما في رواية أخرى (فلا تمشوا) أي ترجعوا (بعدي) أي بعد موتي (القهقرى) أي إلى وراء وهذا تحذير من سلوك غير سبيله ومعلوم أن صحبه الذين خاطبهم حينئذ بذلك لم يرجعوا بعده كفارا ولا زنادقة بل ولا فساقا وإنما وقع منهم الحروب والفتن باجتهاد وأصاب فيه بعض وأخطأ بعض بلية قضى الله بها لما سبق في غيبه
(حم عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي فيه مجالد بن سعيد وفيه خلاف(2/557)
2545 - (إنكم لا تسعون) بفتح السين أي لا تطيقون أن تعموا وفي رواية إنكم لن تسعوا (الناس بأموالكم) أي لا يمكنكم ذلك (ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) أي لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم والوسع والسعة الجدة والطاقة وفي رواية إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم انتهى وذلك لأن استيعاب عامتهم بالإحسان بالفعل غير ممكن فأمر بجعل ذلك بالقول حسبما نطق به {وقولوا للناس حسنا} وأخرج العسكري في الأمثال عن الصولي قال لو وزنت كلمات المصطفى صلى الله عليه وسلم بأحسن كلام الناس لرجحت على ذلك وهي قوله إنكم إلخ قال وقد كان ابن عياد كريم الوعد كثير البذل سريعا إلى فعل الخير فطمس ذلك سوء خلقه فما ترى له حامدا وكان العارف إبراهيم بن أدهم يقول: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ما لا يدركه بماله لأن المال عليه فيه زكاة وصلة أرحام وأشياء أخر وخلقه ليس عليه فيه شيء قال الحرالي: والسعة المزيد على الكفاية من نحوها إلى أن ينبسط إلى ما وراء امتدادا ورحمة وعلما ولا تقع السعة إلا مع إحاطة العلم والقدرة وكمال الحلم والإفاضة في وجوه الكفايات ظاهرا وباطنا عموما وخصوصا وذلك ليس إلا لله أما المخلوق فلم يكد يصل إلى حظ من السعة أما ظاهرا فلا تقع منه ولا يكاد وأما باطنا بخصوص حسن الخلق فعساه يكاد
(البزار) في المسند (حل ك هب) وكذا الطبراني ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فكان إيثاره بالعزو أولى (عن أبي هريرة) قال البيهقي تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه وروي من وجه آخر ضعيف عن عائشة اه. وفي الميزان عبد الله بن سعيد هذا واه بمرة وقال الفلاس منكر الحديث متروك وقال يحيى استبان لي كذبه وقال الدارقطني: متروك ذاهب وساق له أخبارا هذا منها ثم قال وقال فيه البخاري تركوه ورواه أبو يعلى قال العلائي وهو حسن(2/557)
2546 - (إنكم) أيها المؤمنون (لن تروا ربكم) بأعينكم يقظة (عز وجل حتى تموتوا) فإذا متم رأيتموه في الآخرة رؤية منزهة عن الكيفية أما في الدنيا يقظة فلغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممنوعة ولبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممكنة في بعض الأحوال كما في تفسير القاضي وقال القشيري: إن قيل هل يجوز للأولياء رؤية الله بالبصر في الدنيا على جهة الكرامة قلنا الأقوى لا يجوز للإجماع عليه قال وسمعت ابن فورك يحكي عن الأشعري فيه قولين قال النووي: قلت نقل جمع الإجماع على أنها لا تتحصل للأولياء في الدنيا قال وامتناعها بالسمع وإلا فهي ممكنة بالعقل عند أهل الحق
(طب في السنة عن أبي أمامة) الباهلي(2/557)
2547 - (إنما الأسود) من العبيد والإماء (لبطنه ولفرجه) (1) يعني أن اهتمامه ليس إلا بهما فإن جاع سرق وإن شبع [ص:558] زنى كما في الخبر الآتي ومما قيل في ذم العبد للمتنبي:
فلا ترج الخير من امرئ. . . مرت يد النخاس في رأسه
<فائدة> في البرهان أن السبب الظاهر لاختلاف ألوان الناس وأخلاقهم وطبائعهم ارتباطها باختلاف أحوال الشمس وذلك على ثلاثة أقسام أحدها من يسكن من خط الاستواء إلى محاذاة رأس السرطان وهؤلاء الذين يسمون بالاسم العام السودان وسببه أن الشمس تمر بسمت رؤوسهم في السنة مرة أو مرتين فتحرقهم وتسود أبدانهم وتجعد شعورهم وتجعل وجوههم قحلة وأخلاقهم وحشة وهم الزنج والحبشة وأما الذين مساكنهم أقرب إلى جانب الشمال فالسواد فيهم أقل وطبائعهم أعدل وأخلاقهم أحسن كأهل الهند واليمن وبعض المغاربة القسم الثاني الذي مساكنهم على سمت رأس السرطان إلى محاذاة بنات نعش الكبرى ويسمون بالاسم العام البيض لأن الشمس لا تسامت رؤوسهم ولا تبعد عنهم جدا فلذلك لم يعرض لهم شدة حر ولا شدة برد فصارت ألوانهم متوسطة وأخلاقهم فاضلة كأهل الصين والترك وخراسان والعراق وفارس ومصر والشام ومن كان من هؤلاء أميل إلى الجنوب فهو أتم ذكاء وفهما لقربه من منطقة ذلك البروج وممر الكواكب المتحيرة ومن مال إلى المشرق أقوى نفسا وأشد ذكورة لأن المشرق يمين الفلك ومنه الكواكب تطلق والأنوار تطلق فاليمين أقوى أرباع الفلك وجوانبه ونواحيه ومن كان أقرب إلى المغرب فهو ألين نفسا وأكثر أنوثة وكتمانا للأمور والقسم الثالث من مساكنهم محاذاة بنات نعش وهم الصقالية والروس ولكثرة بعدهم عن ممر البروج ومسامتة الشمس غلب البرد عليهم وكثرت فيهم الرطوبة لفقد ما ينضجها ثم من الحرارة فلذلك ابيضت ألوانهم وصارت أبدانهم رخصة وطباعهم مائلة إلى البرد وأخلاقهم وحشية شرسة قال الحرالي: والبطن فضاء جوف الشيء الأجوف لغيبته عن ظاهره الذي هو ذلك البطن
(عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن خالد بن محمد بن خالد بن الزبير عن أم أيمن قال خالد خرجنا نتلقى الوليد بن عبد الملك مع علي بن الحسين فعرض حبشي لركابنا فقال علي حدثتني أم أيمن فذكره ثم قال مخرجه العقيلي لا يتابع خالد عليه وقال أبو حاتم هو مجهول انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه في اللسان بأن ابن حبان ذكره في الثقات (طب) عن إبراهيم بن محمد الحمصي عن عمرو بن عثمان عن محمد بن خالد الوهبي عن محمد بن آل الزبير عن أبيه عن علي بن الحسين عن أم أيمن قال الهيثمي فيه خالد بن محمد من آل الزبير وهو ضعيف انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه خالد بن محمد من آل الزبير منكر الحديث ونازعه المصنف وقال ضعيف لا موضوع
_________
(1) [هذا في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع وإلا فيقول تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى (9211) " ويقول: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى (2740) ". دار الحديث](2/557)
2548 - (إنما الأعمال كالوعاء) بكسر الواو واحد الأوعية وأوعى الزاد والمتاع جعله في الوعاء كذا في الصحاح وغيره والمراد هنا أن العمل شبيه بالإناء المملوء (إذا طاب أسفله) أي حسن وعذب أسفل ما فيه من نحو مائع (طاب أعلاه) الذي هو مرئي (وإذا فسد أسفله فسد أعلاه) والقصد بالتشبيه أن الظاهر عنوان الباطن ومن طابت سريرته طابت علانيته فإذا اقترن العمل بالإخلاص القلبي الذي هو شرط القبول أشرق ضياء الأنوار على الجوارح الظاهرة وإذا اقترن برياء أو نحوه اكتسب ظلمة يدركها أهل البصائر وأرباب السرائر إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم فاتقوا فراسة المؤمن. قال الغزالي: للأعمال الظاهرة علائق من المساعي الباطنة تصلحها وتفسدها كالإخلاص والرياء والعجب وغيرها فمن لم يعرف هذه المساعي الباطنة ووجه تأثيرها في العبادات الظاهرة فقلما سلم له عمل الظاهر فتفوته طاعات الظاهر والباطن فلا يبقى بيده إلا الشقاء والكذب ذلك هو الخسران المبين
(هـ) في الزهد (عن معاوية) بن أبي سفيان وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس وعبد الرحمن بن يزيد أورده الذهبي في الضعفاء قال ضعفه أحمد وقال البخاري منكر الحديث(2/558)
[ص:559] 2549 - (إنما الإمام) الأعظم (جنة) بضم الميم أي وقاية وساتر وترس تحمى به بيضة الإسلام (يقاتل به) بزنة المجهول أي يدفع بسببه الظلامات ويلتجئ إليه الناس في الضرورات ويكون إمام الجيش في الحرب ليشد قلوبهم ويتعلمون منه الشجاعة والإقدام وقصر المراد على الأخير تقصير وزعم أن المعنى هو العاقد للهدنة يربو عليه في القصور وليس في حيز الظهور والحمل على الأعم أتم
(د عن أبي هريرة) ظاهره أن الشيخين لم يخرجاه ولا أحدهما وإلا لما عدل لأبي داود وهو ذهول فقد رواه مسلم عن أبي هريرة بزيادة ولفظه إن الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه وزرا انتهى وقد سمعت غير مرة أن الواجب في الصناعة الحديثية أنه إذا كان الحديث في أحد الصحيحين لا يعزى لغيره البتة(2/559)
2550 - (إنما الأمل) أي ترجي الحصول قال ابن حجر الأمل رجاء ما تحبه النفس من نحو طول عمر وصحة وزيادة غنى (ورحمة من الله تعالى لأمتي) أمة الإجابة ويحتمل العموم بل هو أقرب (لولا الأمل ما أرضعت أم ولدا) أي ولدها (ولا غرس غارس شجرا) فتخرب الدنيا فالحكمة تقتضي شمول الأمل لعمارة الدنيا فلولاه لاشتغل الناس بأنفسهم ولذهلت كل مرضعة عما أرضعت ولرأيت الناس حيارى وما هم بحيارى ولوقفت الألسن والأقلام عن كثير مما انتشر من العلوم ولا تهنئ أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع بعمل دنيوي بل ولا كثير من الأعمال الأخروية كتأليف العلوم ولله سبحانه وتعالى فيما هو شر في الظاهر أسرار وحكم كما أن له في الخير أسرارا وحكما ولا منتهى لحكمته كما لا غاية لقدرته
(خط عن انس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو باطل بل عقبه بقوله هذا الحديث باطل بهذا الإسناد ولا أعلم من جاء به إلا محمد بن إسماعيل الرازي وكان غير ثقة اه(2/559)
2551 - (إنما البيع) أي الجائز الصحيح شرعا الذي يترتب عليه أثره من انتقال الملك هو ما صدر (عن تراض) من المتعاقدين بخلاف ما لو صدر بنحو إكراه فلا أثر له بل المبيع باق على ملك البائع وإن صدرت صورة البيع وأفاد بإناطة الانعقاد بالرضى اشتراط الصيغة لوجود صورته الشرعية في الوجود لأن الرضى خفي لا يطلع عليه فاعتبر ما يدل عليه وهو الصيغة <تنبيه> قال الأبي وغيره العرب لبلاغتها وحكمتها وحرصها على تأدية المعنى للفهم بأخص وجه تخص كل معنى بلفظ وإن شارك غيره في أكثر وجوهه ولما كانت الأملاك تنتقل من ملك مالكيها بعوض وبدونه سموا المتنقل بعوض بيعا وحقيقة البيع أنه نقل ملك رقبة بعوض وقد اختلفت الطرق في تعريف الحقائق الشرعية فمنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح والفاسد كتعريف بعضهم البيع بأنه دفع عوض في معوض ومنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح فقط لأنه المقصود كتعريف من عرفه بأنه نقل ملك رقبة بعوض على وجه مخصوص فالفاسد لا ينقل الملك وتعقب ابن عبد السلام هذا التعريف بأنه نقل الملك للمبيع لا نفسه قال والبيع غني عن التعريف لأن حقيقته معلومة حتى للصبيان ورد بأن المعلوم خفي لهم وقوعه لا حقيقته وأما انقسامه إلى بت وخيار ومرابحة وغائب وحاضر ومعين وهي الذمة فهو تفسير له باعتبار عوارضه وإلا فحقيقته واحدة
(هـ عن أبي سعيد) الخدري قال قدم يهودي بتمر وشعير وقد أصاب الناس جوع فسألوه أن يسعر لهم فأبى وذكره(2/559)
[ص:560] 2552 - (إنما الحلف حنث أو ندم) أي إذا حلفت حنثت أو فعلت ما لا تريده كراهة للحنث فتندم أو المراد إن كانت صادقة ندم أو كاذبة حنث قال الغزالي: والندم توجع القلب عند شعوره بفوت محبوب وعلامته طول الحسرة والحزن
(هـ) وكذا أبو يعلى كلاهما من حديث بشار بن كدام عن محمد بن زبيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الذهبي وبشار ضعفه أبو زرعة وغيره(2/560)
2553 - (إنما الربا في النسيئة) أي البيع إلى أجل معلوم يعني بيع الربوي بالتأخير من غير تقابض هو الربا وإن كان بغير زيادة لأن المراد أن الربا إنما هو في النسيئة لا في التفاضل كما وهم ومن ثم قال بعض المحققين الحصر إضافي لا حقيقي من قبيل {إنما الله إله واحد} لأن صفاته لا تنحصر في ذلك وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد فكذا هنا المقصود الرد على من أنكر ربا النسيئة وفهم الحبر ابن عباس منه الحصر الحقيقي فقصر الربا عليه وخالفه الجمهور فإن فرض أنه حقيقي فمفهومه منسوخ بأدلة أخرى وقد قام الإجماع على ترك العمل بظاهره
(حم م ن هـ عن أسامة بن زيد) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه(2/560)
2554 - (إنما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل ضد اليمن إنما هو كائن (في ثلاثة) وفي رواية في أربع فزاد السيف (في الفرس) إذا لم يغز عليه أو كان شموسا أو جموحا ومثله البغل والحمار كما شمله قوله في رواية الدابة (والمرأة) إذا كانت غير ولود أو سليطة (والدار) ذات الجار السوء أو الضيقة أو البعيدة عن المسجد وقد يكون الشؤم في غيرها أيضا فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة للسعادة لا للخلقة كذا حمله بعضهم وأجراه جمع منهم ابن قتيبة على ظاهره فقالوا النظير بهذه الثلاثة مستثنى من قوله لا طيرة وأنه مخصوص بها فكأنه قال لا طيرة إلا في هذه الثلاثة فمن تشاءم بشيء منها حل به ما كره وأيد بخبر الطيرة على من تطير قال المازري وقد أخذ مالك بهذا الحديث وحمله ولم يتأوله وانتصر له بحديث يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فذهب العدد وقل المال فقال دعوها ذميمة قال القرطبي ولا يظن بقائل هذا القول أن الذي رخص من الطيرة بهذه الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقده فيه وتفعل عندها وإنما معناها أنها أكثر مما يتشاءم به الناس لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فله إبداله بغيره مما يسكن له خاطره مع اعتقاده أنه تعالى الفعال وليس لشيء منها أثر في الوجود وهذا يجري في كل متطير به وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه لا بد للإنسان من ملازمتها فأكثر ما يقع التشاؤم بها قال وأما الحمل الأول فيأباه ظاهر الحديث ونسبته إلى أنه مراد الشارع من فاسد النظر وفي معنى الدار الدكان والحانوت والخان ونحوها بدليل رواية إن يكن الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس فيدخل في الربع ما ذكر والمرأة تتناول الزوجة والسرية والخادم كما في المفهم ويشكل الفرق بين الدار ومحل الوباء حيث وسع في الارتحال عنها ومنع من الخروج من محله وأجيب بأن الأشياء بالنسبة لهذه المعاني ثلاثة أحدها ما لم يقع التأثر به ولا اطردت عادة عامة ولا خاصة به كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار فلا يلتفت إليه وفي مثله قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا طيرة الثاني ما يحصل به الضرر لكنه يعم ويخص ويندر ولا يتكرر كالطاعون فهذا لا يقدم عليه عملا بالأحوط ولا يفر منه لإمكان حصول الضرر للفار فيكون تنفيره زيادة في محنته وتعجيلا في هلكته الثالث سبب يخص ولا يعم ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كهذه الثلاثة فوسع للإنسان الاستبدال عنها والتوكل على الله والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال كما [ص:561] ذكره بعض أهل الكمال لكن بقي شيء وهو أن الحديث قد يعارضه خبر البيهقي عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان أهل الجاهلية يقولون إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ثم قرأ {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} الآية
(خ د هـ عن ابن عمر) قال الذهبي مع نكارته إسناده جيد ولم يخرجوه(2/560)
2555 - (إنما الطاعة) واجبة على الرعية للأمير (في المعروف) أي في الأمر الجائز شرعا فلا يجب فيما لا يجوز بل لا يجوز وهذا قاله لما أمر على سرية رجلا وأمرهم أن يطيعوه فأمرهم أن يقدوا نارا ويدخلوها فأبوا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها ثم ذكره
(حم ق عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما(2/561)
2556 - (إنما العشور) أي إنما تجب العشور (على اليهود والنصارى) فإذا صولحوا على العشر وقت العقد أو على أن يدخلوا بلادنا للتجارة ويؤدوا العشور أو نحوه لزمتهم (وليس على المسلمين عشور) غير عشور الصدقات وتخصيص اليهود والنصارى ليس لإخراج غيرهم من الكفار عن الوجوب بل للإشعار بأنها إذا وجبت مثلا عليهما وهم أهل كتاب فنحو المعطلة والوثنية أولى والنصارى جمع نصران ونصرانية لكن لم يستعمل النصراني إلا بياء النسبة ذكره الجوهري وفي الكشاف الياء في نصراني للمبالغة كما جرى لأنهم نصروا المسيح عليه الصلاة والسلام وقيل نسبة إلى ناصرة أو نصرة قريتان
(د عن رجل) من بني تغلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأخذ الصدقة من قومه فقال أفأعشرهم؟ فذكره ولفظ سنن أبي داود عن حرب بن عبد الله بن عمير عن جده أبي أمه عن أبيه يرفعه وهكذا نقله عنه في المنار قال عبد الحق وهو حديث في سنده اختلاف ولا أعلمه من طريق يحتج به وقال ابن القطان حرب هذا سئل عنه ابن معين فقال مشهور وذا غير كاف في تثبيته فكم من مشهور لا يقبل أما جده أبو أمه فلا يعرف أصلا فكيف أبوه اه وقال المناوي رواه البخاري في تاريخه الكبير وساق اضطراب الرواة فيه وقال لا يتابع عليه اه وذكره الترمذي في الزكاة بغير سند ورواه أحمد في المسند عن الرجل المذكور قال الهيثمي وفيه عطاء بن السائب اختلط وبقية رجاله ثقات(2/561)
2557 - (إنما الماء من الماء) أي يجب الغسل بالماء من خروج الماء الدافق وهو المني سواء خرج بشهوة أم دونها من ذكر أو أنثى عاقل أو مجنون بجماع أو دونه وما دل عليه الحصر من عدم وجوبه بجماع لا إنزال فيه الذي أخذ به جمع من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وغيرهم كالأعمش وداود الظاهري أجيب بأنه منسوخ بخبر الصحيحين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهدها فقد وجب الغسل زاد مسلم وإن لم ينزل لتأخر هذا عن الأول لما رواه أبو داود وغيره عن أبي بن كعب أنهم كانوا يقولون الماء من الماء رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها هكذا قرره صحبنا في الأصول ممثلين به نسخ السنة بالسنة وأما قول البعض نقلا عن ابن عباس أنه أراد بالحديث نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إن لم ينزل فيأباه ما ذكر في سبب الحديث الثابت في مسلم إنه قيل له الرجل يقوم عن امرأته ولم يمن ماذا يجب عليه فقال إنما إلخ نعم ذهب البعض إلى أنه لا حاجة لدعوى نسخه لأن خبر إذا التقى الختانان مقدم عليه لأن دلالته على وجوب الغسل بالمنطوق ودلالة الحصر عليه بالمفهوم والمنطوق مقدم على المفهوم بل في حجة المفهوم خلاف
(م د عن أبي سعيد) الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فذكره (حم عن أبي أيوب) الأنصاري(2/561)
[ص:562] 2558 - (إنما المدينة) النبوية (كالكير) زق الحداد ينفخ فيه (تنفي) بفاء مخففة وروي بقاف مشددة من التنقية (خبثها) بفتحات وروي بخاء مضمومة ساكنة الباء خلاف الطيب والمراد هنا ما لا يليق بالمدينة (وتنصع) بنون وصاد مهملة من باب التفعيل أو الإفعال تخلص وتميز (طيبها) بفتح الطاء وتشديد الباء وفتح الموحدة وبكسر الطاء وسكون الياء وقال الزمخشري: تبضع من الإبضاع بباء موحدة وضاد معجمة من أبضعه إذا دفعه إليه بضاعة أي تعطي طيبها ساكنيها وقال ابن حجر في تخريج المختصر: تنصع بنون وصاد وعين مهملتين ضبط في أكثر الروايات بفتح أوله من الثلاثي وطيبها مرفوع فاعل وفي بعضها بضم أوله من الرباعي وطيبها بالنصب ونصع معناه خلص وأنصع معناه أظهر ما عنده وكلا المعنيين ظاهر في هذا السياق اه وهذا مختص بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه ثم يكون في آخر الزمان عند خروج الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه بدليل خبر مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها الحديث قيل لما خرج ابن عبد العزيز من المدينة بكى وقال: نخشى أن نكون ممن نفته المدينة وهذا قاله لأعرابي بايعه فوعك بالمدينة وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى فخرج فذكره والمراد الإقالة من الإسلام أو الهجرة ثم المذموم الخروج منها كراهة فيها أو رغبة عنها أما خروج جمع صحابيين فلمقاصد كنشر العلم والجهاد والمرابطة في الثغور ونحو ذلك <تنبيه> أخذ جمع مجتهدون من هذا الخبر أن إجماع أهل المدينة حجة لأنه نفى عنها الخبث والخطأ فيكون منفيا عن أهلها والصحيح عند الشافعية المنع وأجابوا عن ذلك بصدوره من بعضهم بلا ريب لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة
(حم ق) في الحج (ت) في آخر المجامع (ن) في الحج (عن جابر) رضي الله عنه(2/562)
2559 - (إنما الناس كإبل مئة) وفي رواية كالإبل بزيادة أل (لا تكاد تجد فيها راحلة) أي مرحولة وهي النجيبة المختارة ويقال هي من الإبل المركوب المدرب الحسن الفعال القوي على الحمل والسفر يطلق على الذكر والأنثى والتاء فيه للمبالغة وخصها ابن قتيبة بالنوق ونوزع قال الزمخشري: يريد أن المرضى المنتخب في عزة وجوده كالنجيبة التي لا توجد في كثير من الإبل وقال القاضي: معناه لا تكاد تجد في مئة إبل راحلة تصلح للركوب وطيئة سهلة الانقياد فكذا تجد في مئة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه وقال الراغب: الإبل في تعارفهم اسم لمئة بعير فمئة إبل عشرة آلاف بعير فالمراد أنك ترى واحدا كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى عد ألف بواحد اه قال بعضهم خص ضرب المثل بالراحلة لأن أهل الكمال جعلهم الحق تعالى حاملين عن أتباعهم المشاق مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق لغلبة الحنو عليهم والإشفاق
(حم ق ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب(2/562)
2560 - (إنما) وفي رواية الدارقطني إن بدون ما (النساء شقائق الرجال) أي أمثالهم كذا قرره البعض وأولى منه قول بعض العارفين: إنما كن شقائق الرجال لأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام وخلقت كل أنثى من بنيه من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء المرأة وكل خنثى فمن مساواة الماءين في الأخلاق والطبائع كأنهن شققن منهم
(حم د ت) وكذا الدارقطني في الطهارة (عن عائشة) قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد بللا ولم يذكر احتلاما فقال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد [ص:563] احتلم ولا يجد بللا قال لا غسل عليه وقالت أم سليم أعلى المرأة ترى ذلك غسل قال نعم ثم ذكره وفي رواية إن أم سليم سألته عن المرأة ترى ما يرى الرجل في النوم قال إذا رأت الماء فلتغتسل فقالت هل للنساء من ماء قال نعم ثم ذكره وأشار الترمذي إلى أن فيه عبد الله بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيى بن سعيد (البزار) في مسنده (عن أنس) قال ابن القطان هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح قال بعضهم ما ثم أميل من النساء للرجال وعكسه لافتقار كل منهما للآخر شهوة وحالا وطبعا(2/562)
2561 - (إنما الوتر) بفتح الواو وكسرها (بالليل) أي إنما وقته المقدر له شرعا في جوف الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فمن أوتر قبل ذلك أو بعده فلا وتر له نعم يسن قضاؤه
(طب عن الأغر) بفتح المعجمة بعدها راء (ابن يسار) المدني له صحبة قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر فذكره قال الهيثمي رجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر(2/563)
2562 - (إنما الولاء) بالفتح والمد (لمن أعتق) أي لا لغيره كالحليف وفيه عموم يقتضي ثبوته في كل عتق تبرعا أو واجبا عن كفارة أو غيرها قاله لعائشة لما أرادت شراء بربرة وأراد مواليها اشتراط ولائها لهم أي فلا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط وجوده كعدمه واستفيد منه أن كلمة إنما للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولاه ما لزم من إثبات الولاء للمعتق ونفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه ولاء لمن أسلم على يديه رجل خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق وبمنطوقه على إثبات الولاء لمن أعتق سائبة ودخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس وهذا الحديث فيه فوائد تزيد على أربع مئة وذكر النووي أن ابن جرير وابن خزيمة صنفا فيه تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من الاستنباط
(خ) في الفرائض (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه من تفردات البخاري عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه مسلم في العتق صريحا ورواه النسائي وأبو داود(2/563)
2563 - (إنما أخاف على أمتي) أمة الإجابة (الأمة) أي شر الأمة (المضلين) المائلين عن الحق المميلين عنه والأمة جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد يحتمل أنه يريد أنه يخاف على عوام أمته جور جميع أئمة الضلال أئمة العلم والسلطان فالسلطان إذا ضل عن العدل وباين الحق تبعه كافة العوام خوفا من سلطانه وطمعا في جاهه والإمام في العلم قد يقع في شبهة ويعتريه زلة فيضل بهوى أو بدعة فيتبعه عوام المسلمين تقليدا ويتسامح بمتابعة هوى أو يتهافت على حطام الدنيا من أموال السلطان أو يرتكب معصية فيغتر به العوام وفائدة الحديث تحذير الإمام من الإمامة على ضلالة وتخويف الرعية من متابعته على الاغترار بإمامته
(ت) في الفتن (عن ثوبان) ورواه عنه أيضا أبو داود وفيه عبد الله بن فروخ تكلم فيه غير واحد(2/563)
2564 - (إنما استراح من غفر له) أي سترت ذنوبه فلا يعاقب عليها فمن تحققت له المغفرة استراح وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء والأمر بدخول الجنة فليس الموت مريحا لأن ما بعده غيب عنا ومن ثم سئل بعض العارفين متى يجد العبد طعم الراحة فقال أول قدم يضعها في الجنة
(حل عن عائشة) قالت قام بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال أبو نعيم غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى بن عمران (ابن عساكر) في التاريخ (عن بلال) المؤذن قال جئت إلى النبي [ص:564] صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت فغضب ثم ذكره وقضية تصرف المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ممن ذكره ولا أعلا وهو عجيب فقد خرجه أحمد والطبراني بسند فيه ابن لهيعة والبزار بسند قال الهيثمي رجاله ثقات باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير سديد(2/563)
2565 - (إنما أنا بشر) أي مخلوق يجري علي ما يجري على الناس من السهو (أنسى) بفتح الهمزة وتخفيف المهملة وقيل بضم الهمزة وشد المهملة والنسيان غفلة القلب عن الشيء (كما تنسون) قاله لما زاد أو نقص في الصلاة وقيل له أو زيد فيها؟ فذكره قال ابن القيم: كان سهوه في الصلاة من إتمام الله نعمته على عبيده وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما شرعه عند السهو فعلم منه جواز السهو على الأنبياء في الأحكام لكن يعلمهم الله به بعد وقال في الديباج: استدل به الجمهور على جواز النسيان عليه في الأفعال البلاغية والعبادات ومنعه طائفة وتأولوا الحديث وعلى الأول قال الأكثر شرطه تنبهه فورا متصلا بالحادثة وجوز قوم تأخيره مدة حياته واختاره إمام الحرمين أما الأقوال البلاغية فيستحيل السهو فيها إجماعا وأما الأمور العادية والدنيوية فالأصح جواز السهو في الأفعال لا الأقوال (فإذا نسي أحدكم) في صلاته (فليسجد) ندبا هبه بزيادة أو نقص أو بهما (سجدتين) وإن تكرر السهو مرات (وهو جالس) في صلاته وما قيل إن اقتصاره على سجود السهو يقتضي أن سهوه كان بزيادة إذ لو كان بنقص لتداركه منع بأن ليس كل نقص يجب تداركه بل ذاك في الواجب لا الأبعاض ثم إن آخر الخبر يدل على أن سجود السهو قبل السلام وأوله بعكسه والخلاف معروف
(حم هـ عن ابن مسعود) ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه بل رواه الشيخان بما يفيد معناه بزيادة ابن مسعود أيضا ولفظهما إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين اه(2/564)
2566 - (إنما أنا بشر) أي بالنسبة إلى عدم الاطلاع على بواطن الخصوم وبدأ به تنبيها على جواز أن لا يطابق حكمة الواقع لأنه لبشر لا يعلم الغيوب ولا يطلع على ما في النفوس ولو شاء الله لأطلعه على ما فيها ليحكم باليقين لكن لما أمرت أمته بالإقتداء به أجرى أحكامه على الظاهر والبشر الخلق يتناول الواحد والجمع (وإنكم تختصمون إلي) فيما بينكم ثم تردونه إلي ولا أعلم باطن الأمر (فلعل) وفي رواية بالواو (بعضكم) المصدر خبر لعل من قبيل رجل عدل أي كائن أو إن زائدة أو المضاف محذوف أي لعل وصف بعضكم (أن يكون) أبلغ كما في رواية البخاري أي أكثر بلاغة وإيضاحا للحجة وفي رواية له أيضا (ألحن) كأفعل من اللحن بفتح الحاء الفطانة أي أبلغ وأفصح وأعلم في تقرير مقصوده وأفطن ببيان دليله وأقدر على البرهنة على دفع دعوى خصمه بحيث يظن أن الحق معه فهو كاذب ويحتمل كونه من اللحن وهو الصرف عن الصواب أي يكون أعجز عن الإعراب (بحجته من بعض) آخر فيغلب خصمه (فأقضي) فأحكم له أي للبعض الأول على الأول وللثاني على الثاني وإن كان الواقع أن الحق لخصمه لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته لكن إنما أقضي (على نحو) بالتنوين (ما أسمع) لبناء أحكام الشريعة على الظاهر وغلبة الظن ومن فيهما بمعنى لأجل أو بمعنى على أن أقضي على الظاهر من كلامه وتمسك بقوله أسمع من قال إن الحاكم لا يقضي بعلمه لإخباره بأنه لا يحكم إلا إذا [ص:565] سمع في مجلس حكمه وبه قال أحمد وكذا مالك في المشهور عنه وقال الشافعي يقضى به وقال أبو حنيفة في المال فقط (فمن قضيت له) بحسب الظاهر (بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكره المسلم تنبيها على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك (فإنما هي) أي القصة أو الحكومة (1) أو الحالة (قطعة من النار) أي مآلها إلى النار أو هو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه شبه ما يقضى به ظاهرا بقطعة من نار نحو {إنما يأكلون في بطونهم نارا} قال السبكي: وهذه قضية شرطية لا يستدعي وجودها بل معناه أن ذا جائز ولم يثبت أنه حكم بحكم فبان خلافه (فليأخذها أو ليتركها) تهديد لا تخيير على وازن {فمن شاء فليؤمن} ذكره النووي واعترض بأنه إن أريد به أن كلا من الصنفين للتهديد فممنوع فإن قوله أو ليتركها للوجوب وهو خطاب للمقضى له ومعناه إن كان محقا فليأخذ أو مبطلا فليترك فالحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ولم يبين له ما هو الحق بالحق دفعا لهتك أسرار الأشرار وليقتدي به في الحكم ببينة أو يمين وما تقرر في معنى هذا الحديث هو ما نقحه بعض المتأخرين أخذا من قول القاضي إنما صدر بقوله " إنما أنا بشر " تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه الواقع لأنه لا يعلم الغيب ولا يطلع على ما في الضمائر وإنما يحكم بما سمعه من المترافعين فلعل أحدهما أقدر على تقرير حجته فيقررها على وجه يظن أن الحق معه فيحكم له وفي الواقع لخصمه لكن لم يفطن لحقه ولم يقدر على معارضته وتمهيدا لعذره فيما عسى أن يصدر عنه من أمثال ذلك ولو نادرا من قبيل الخطأ في الحكم إذ الحاكم مأمور بالحكم بالظاهر لا بما في نفس الأمر فلو أقام المبطل بينة زورا فظن الحاكم عدالتها فقضى فهو محق في الحكم وإن كان المحكوم به غير ثابت انتهى وقال القرطبي: قد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بحق ذلك لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يجعل الله ذلك طريقا عاما ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا لغيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر وتلك سنة الله في خلقه {ولن تجد لسنة الله تبديلا} قال: وقد شاهدت بعض المحرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقول الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعا وهذا خير البشر يقول في مثل هذا المواطن إنما أنا بشر معترفا بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملا بما نصبه الله له من اعتبار الإيمان والبينات. وفي الحديث شمول للأموال والعقود والفسوخ فحكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا فيما الباطن فيه كالظاهر وظاهرا فقط فيما يترتب على أصل كاذب فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا فهو حجة على الحنفية في قولهم ينفذ باطنا أيضا حتى لو حكم بنكاح شاهدي زور حل له وطؤها عندهم وأجابوا عن الخير بما فيه تعسف وتكلف
(مالك) في الموطأ (حم ق ع عن أم سلمة) قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فذكره
_________
(1) الكلمة غير واضحة في الأصل بين " الحكومة " أو " الحرمة " وقد اخترنا " الحكومة " لمناسبتها للمعنى. دار الحديث(2/564)
2567 - (إنما أنا بشر) قال الراغب: عبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها صوف أو شعر أو وبر واستوى في لفظه الواحد والجمع (تدمع العين) رأفة ورحمة وشفقة على الولد تنبعث على التأمل فيما هو عليه لا جزع وقلة صبر (ويخشع القلب) لوفور الشفقة (ولا نقول) معشر المؤمنين (ما يسخط الرب) أي يغضبه (والله يا إبراهيم) ولده من مارية (إنا بك) أي بسبب موتك (لمحزونون) فيه الرخصة في البكاء بلا صوت والإخبار عما في القلب من الحزن وإن كان كتمه أولى ودمع العين وحزن القلب لا ينافي الرضى بالقضاء وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئا بالرضى ولما ضاق صدر بعض العارفين عن جمع الأمرين عند موت ولده ضحك فقيل له فيه فقال إن الله قضى قضاء فأحببت الرضى بقضائه فحال المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل من هذا فإنه أعطى المعبودية حقها [ص:566] واتسع قلبه للرضى فرضي عن الله تعالى بقضائه وحملته الرأفة على البكاء وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماعهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة
(ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز ومسلم في الفضائل عن أنس بلفظ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون انتهى وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين(2/565)
2568 - (إنما أجلكم) في رواية للبخاري إنما بقاؤكم (فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (خلا) قبلكم (من الأمم) السابقة (كما) أي مثل الزمن الذي (بين) آخر وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى مغارب) وفي رواية غورب (الشمس) ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمن الأمم السابقة وليس مرادا بل معناه أن نسبة مدة عمر هذه الأمة إلى أعمار من تقدم من الأمم مثل ما بين العصر والغروب إلى بقية النهار فكأنه قال إلى بقاؤكم بالنسبة لما خلا إلخ فجعل في بمعنى إلى وحذف ما تعلقت به وهو النسبة كما حذف ما تعلقت به إلى (وإنما مثلكم) أيها الأمة فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به قوله (ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل) في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم (استأجر أجراء) بالمد بخط المصنف جمع أجير فما في نسخ من جعله أجيرا بالإفراد تحريف (فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط) أصله قراط بالتشديد وهو نصف دانق والمراد به هنا النصيب وكرره دلالة على أن الأجر لكل منهم قيراط لا أن المجموع في الطائفة قيراط وعادة العرب إذا أرادت تقسيم شيء على متعدد كررته تقول أقسم المال على بني فلان درهما درهما أي لكل واحد درهما (فعملت اليهود) في رواية حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم قال (من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر) أي أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها (على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين) بالتثنية (فأنتم) أيتها الأمة (هم) أي فلكم قيراطان لإيمانكم بموسى وعيسى مع إيمانكم بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأن التصديق عمل قال المصنف المراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه وليس المراد طول الزمن وقصره إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل قال إمام الحرمين: الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال (فغضبت اليهود والنصارى) أي الكفار منهم (وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء) يعني قال أهل الكتاب ربنا أعطيت لأمة محمد ثوابا كثيرا مع قلة أعمالهم وأعطيتنا قليلا مع كثرة أعمالنا (قال) أي الله تعالى (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من حقكم) وفي رواية بدل حقكم أجركم أي الذي اشترطته لكم (شيئا) وفي رواية من شيء وأطلق لفظ الحق لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضله تعالى (قالوا لا) لم تنقصنا من أجرنا أو لم تظلمنا (قال فذلك) [ص:567] أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أوتيه من أشاء) قال الطيبي: هذه المقاولة تخييل وتصوير لا حقيقة ويمكن حملها على وقوعها عند إخراج الذر ذكره القاضي قال الفخر الرازي كل نبي معجزاته أظهر فثواب أمته أقل إلا هذه الأمة فإن معجزات نبيها أظهر وثوابها أكثر
(مالك) في الموطأ (حم خ ت عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أنس وأبو هريرة وغيرهما(2/566)
2569 - (إنما أنا بشر) أي أنا مقصور على الموصوف بالبشرية بالنسبة إلى الظواهر (وإني اشترطت على ربي عز وجل) يعني سألته فأعطاني (أي عبد من المسلمين شتمته أو سببته) من باب الحصر المجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان قصر قلب لأنه أتى به ردا على من زعم أن الرسول يعلم الغيب فيطلع على البواطن فلا يخفى عليه شيء فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه ولم يطرأ عليه تأييد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (أن يكون ذلك له زكاة) نماء وزيادة في الخير (وأجرا) ثوابا عظيما منه تعالى قال في الزاهر معنى اشترطت عليه جعلت بيني وبينه علامة ومنه قولهم نحن في أشراط الفتنة أي في علاماتها ثم إن هذا من كمال شفقته على الخلق واتساعه في معرفة الحق قال العارف الشاذلي: كان إذا آذاني إنسان يهلك للوقت وأنا الآن ليس كذا فقيل: كيف قال: اتسعت المعرفة
(حم م عن جابر) بن عبد الله(2/567)
2570 - (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية وهذا إشارة إلى قوله تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} فقد ساوى البشر في البشرية وأمتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية (إذا أمرتكم بشيء من دينكم) أي إذا أمرتكم بما ينفعكم في أمر دينكم (فخذوا به) أي افعلوه فهو حق وصواب دائما (وإذا أمرتكم بشيء من رأيي) يعني من أمور الدنيا (فإنما أنا بشر) يعني أخطئ وأصيب فيما لا يتعلق بالدين لأن الإنسان محل السهو والنسيان ومراده بالرأي الرأي في أمور الدنيا على ما عليه جمع لكن بعض الكاملين قال: أراد به الظن لأن ما صدر عنه برأيه واجتهاده وأقر عليه حجة الإسلام مطلقا
(م عن رافع بن خديج) قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل قال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فذكره قال القرطبي: إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة فإنه لم يكن ممن يعاني الزراعة والفلاحة ولا باشر ذلك فخفي عليه فتمسك بالقاعدة الكلية التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مدبر إلا الله فإذا نسب شيء إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرفية(2/567)
2571 - (إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الخبرة بما يحصل للأشجار والثمار ونحو ذلك لا بالنسبة إلى كل شيء (وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله) أي لا يقع عني فيما أبلغه عن الله كذب ولا غلط عمدا ولا سهوا وهذا كالذي قبله يفيد أنه لم يكن التفاته إلى الأمور الدنيوية ولم يكن على ذكر منه إلا [ص:568] المهمات الأخروية
(حم هـ عن طلحة) بن عبد الله قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون فذكره نحو ما تقرر في التأبير(2/567)
2572 - (إنما أهلك) في رواية هلك (الذين من قبلكم) من بني إسرائيل (أنهم كانوا) بفتح الهمزة فاعل أهلك (إذا سرق فيهم الشريف) أي الإنسان العالي المنزلة الرفيع الدرجة (تركوه) يعني لم يحدوه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الوضيع الذي لا عشيرة له ولا منعة (أقاموا عليه الحد) أي قطعوه قال في المطامح: وهذا جار في عصرنا فلا قوة إلا بالله وهذه مداهنة في حدود الله وتبعيض فيما أمر بنفي التبعيض فيه قال ابن تيمية: قد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن مشابهة من قبلنا في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء وأمر أن يسوى بين الناس في ذلك وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة واعلم أن الحصر قد أشكل على كثير لأن الأمم السالفة كان فيهم أشياء كثيرة تقتضي الهلاك غير المحاباة في الحدود وأجيب إما بمنع اقتضائه الحصر أو بأن المحصور هلاك خاص باعتبار خاص على حد {إنما أنت نذير} وهو نذير وبشير قال ابن عرفة: ويدخل تحت هذا الذم كل من أولى الأمر أو الخطبة غير أهلها وغير ذلك من المحاباة في أحكام الدين وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها انتهى بنصه
(حم ق 4 عن عائشة) قالت إن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فكلموا أسامة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله ثم خطب فذكره ثم قال وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها(2/568)
2573 - (إنما بعثت فاتحا خاتما) أي للأنبياء أو للنبوة قال ابن عطاء الله ما زال فلك النبوة دائرا إلى أن عاد الأمر من حيث بدأ وختم بمن له كمال الاصطفاء فهو الفاتح الخاتم نور الأنوار وسر الأسرار والمبجل في هذه الدار أعلى المخلوقات منارا وأتمهم فخارا (وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه) القرآن أو كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها (واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون) أي الذين يقعون في الأمور بغير روية قال الحرالي: وإنما بعث كذلك لأنه بعث بالقرآن المنزل عند انتهاء الخلق وكمال الأمر بدءا فكان التخلق جامعا لانتهاء كل خلق خلق وكمال كل أمر فلذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم الفاتح الخاتم الجامع الكامل وكان كتابه خاتما فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي جلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها
(هب عن أبي قلابة) بكسر القاف وفتح اللام بموحدة واسمه عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء البصري أحد الأئمة التابعين ونزيل الشام (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم وهو كثير الإرسال(2/568)
2574 - (إنما الدين) أي الملة وهو دين الإسلام أي عماده وقوامه ومعظمه كالحج عرفة فالحصر مجازي بل ادعى جمع أنه حقيقي لما سيجيء في معنى النصح وأنه لم يبق من الدين شيئا (النصح) هو لغة الإخلاص والتصفية وشرعا إخلاص الرأي من الغش للنصوح وإيثار مصلحته ومن ثم كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها ليس في كلامهم أجمع منها ولهذا عبر بأداة الحصر والقصر فمن [ص:569] لا نصح عنده فليس عنده من الدين إلا الاسم وحقيق بالنصح أن يكون بهذه المثابة لأنه الوصف النفسي الذي لا يصدر عنها إلا وهي خالصة من النفاق عارية من الغش فدل بهذه الجملة على أن النصح يسمى دينا وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في التوبيخ عن ابن عمر) بن الخطاب(2/568)
2575 - (إنما المجالس بالأمانة) أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار فلا يحل لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه كما أفصح به في الخبر الآتي
(أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن عثمان) بن عفان (وعن ابن عباس)(2/569)
2576 - (إنما يتجالس المتجالسان) أي الشخصان الذي يجلس أحدهما إلى الآخر للتحدث (بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما يخاف) من إفشائه قال البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون ممن خالف قول الله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فتكون من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي مسعود) ورواه عنه أيضا ابن لال ثم إن فيه عبد الله بن محمد بن المغيرة قال الذهبي في الضعفاء قال العقيلي يحدث بما لا أصل له وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ورواه البيهقي في الشعب مرسلا وقال هذا مرسل جيد(2/569)
2577 - (إنما العلم) أي تحصيله (بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول (وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب: الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب (ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه الله تعالى إياه (ومن يتق) في رواية يتوق (الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو رده من سفر تطير <تنبيه> قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة والثاني يحصل [ص:570] بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالما بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللهجة وسخيا وجريئا وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلا طبعا وعادة وتعلما فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلا فهو كامل الرذيلة
(قط في الأفراد) والعلل (خط) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى ولم يبين وجه ضعفه وذلك لأن فيه إسماعيل بن مجالد وليس بمحمود (طس عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه محمد بن الحنفي بن أبي يزيد وهو كذاب انتهى وقال السخاوي: محمد بن الحسن هذا كذاب لكن رواه البيهقي في المدخل من غير جهته عن أبي الدرداء موقوفا ورواه عنه مرفوعا باللفظ المذكور الخطيب في كتابه رياضة المتعلمين وفي الباب عن أنس أخرجه عنه العسكري وعن معاوية وما ذكر من عزو الحديث للطبراني هو ما في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أجد فيها للطبراني بل خط عن أبي الدرداء انتهى ورواه ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال ابن حجر في المختصر إسناده حسن لأن فيهما مبهما اعتضد لمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم مرفوعا فلا تغتر بمن جعله من كلام البخاري(2/569)
2578 - (إنما الخاتم) بكسر التاء وفتحها الحلقة التي توضع في الأصبع (لهذه وهذه يعني الخنصر والبنصر) بفتح الصاد وكسرها فيهما أي إنما ينبغي للرجل لبسه فيهما لا في غيرهما من بقية الأصابع لأنه من شعائر الحمقاء والنساء وقد صرح النووي في شرح مسلم بكراهة لبس الخاتم في غير الخنصر للرجل بل صوب الأذرعي التحريم لكن صرح الصيدلاني بحل اتخاذ خواتيم كثيرة ليلبسها معا أي ما لم يعد إسرافا هذا محصول ما عند الشافعية في المسألة وأما ما في الخبر من ضم البنصر للخنصر فلم أقف على من قال به ولولا تفسير الراوي لأمكن جعل الإشارة لخنصر اليد اليمنى وبنصر اليسرى
(طب) من رواية محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه (عن) جده (أبي موسى) الأشعري قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقلب خاتمي في السبابة والوسطى فذكره قال الحافظ الزين العراقي ومحمد بن عبيد الله أظنه العرزمي ضعيف عندهم وقال بعده بقليل هذا الحديث إسناده ضعيف(2/570)
2579 - (إنما أنا بشر مثلكم) خصني الله بالوحي والرسالة ومع ذلك (أمازحكم) أي أداعبكم وأباسطكم كانت له مهابة فكان ينبسط للناس بالدعابة وكان إذا مازح لا يقول إلا حقا نحو أحملك على ولد الناقة زوجك الذي في عينه بياض لا يدخل الجنة عجوز ونحو ذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي جعفر الخطمي) بفتح المعجمة وسكون الطاء المدني نزيل البصرة (مرسلا) واسمه تصغير عمر بن يزيد ثقة صدوق(2/570)
2580 - (إنما أنا لكم) اللام للأجل أي لأجلكم (بمنزلة الوالد) في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو وفي تعليم ما لا بد منه فكما يعلم الأب ولده الأدب فأنا (أعلمكم) ما لكم وعليكم وأبو الإفادة أقوى من أبي الولادة وهو الذي أنقذنا الله به من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان وقدم هذا أمام المقصود إعلاما بأنه يجب عليه تعليمهم أمر دينهم كما يلزم الوالد إيناسا [ص:571] للمخاطبين كما يحتشموا عن السؤال عما يعرض لهم عما يستحى منه وبسطا للعذر عن التصريح بقوله (فإذا أتى أحدكم الغائط) أي محل قضاء الحاجة (فلا يستقبل) يعني فرجه الخارج منه (القبلة) أي الكعبة (ولا يستدبرها) ببول ولا غائط وجوبا في الصحراء وندبا في غيرها (ولا يستطب) أي لا يستنجي بغسل أو مسح وقول المشارق الاستطابة بالحجر فقط ردوه سميت به لطيب الموضع أو لطيب نفس المستطيب بإزالة النجاسة ومعنى الطيب هنا الطهارة (بيمينه) فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما وقد أفاد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمة كالأب وكذا أزواجه أمهات المؤمنين لأن منه ومن أزواجه تعلم الذكور والأثاث معاني الدين كله ولم يتولد خير إلا منه ومنهن فبره وبرهن أوجب من كل واجب وعقوقه وعقوقهن أهلك من كل مهلك وهذا نهي بلفظ الخبر وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه وأمره وقد يخالف ذكره النووي ويستطبب بالياء على ما في عامة النسخ لكن قال الحافظ العراقي هو في أصلنا بدون ياء على لفظ النهى <تنبيه> قال ابن الحاج: أمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة أولاده لأنه السبب للإنعام عليهم بالحياة السرمدية والخلود في دار النعيم فحقه أعظم من حقوق الوالدين قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك فقدم نفسه على غيره والله قدمه في كتابه على نفس كل مؤمن ومعناه إذا تعارض له حقان حق لنفسه وحق لنبيه فآكدهما وأوجبهما حق النبي صلى الله عليه وسلم ثم يجعل حق نفسه تبعا للحق الأول وإذا تأملت الأمر في الشاهد وجدت نفع المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من الآباء والأمهات وجميع الخلق فإنه أنقذك وأنقذ آباءك من النار وغاية أمر أبويك أنهما أوجداك في الحس فكانا سببا لإخراجك إلى دار التكليف والبلاء والمحن
(حم د ن هـ حب) كلهم في الطهارة (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام سبق(2/570)
2581 - (إنما أنا عبد) أي كامل المعبودية لله تعالى (آكل كما يأكل العبد) لا كما تأكل الملوك ونحوهم من أهل الرفاهية (وأشرب كما يشرب العبد) أي لا أجلس للأكل ولا للشرب كما يجلس الذين ادعوا الحرية ويجلسون جلوس الأحرار برفاهية وغيرها والإنسان وإن أفر بالعبودية لا يفي بكمال حقها إذ وصف العبد رد المشيئة في جميع أموره إلى مشيئة مولاه وترك الاختيار مطلقا ولا يطيق ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكره الأكل والشرب متكئا
(عد) وكذا الديلمي وابن أبي شيبة (عن أنس) وفيه قصة قال بعض شراح الشفاء وسنده ضعيف(2/571)
2582 - (إنما أنا مبلغ) عن الله ما يوحي به إلي (والله يهدي) أي يوصل إلى الرشاد وليس لي من الهداية شيء (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم ما أمرني الله بقسمته وألقى إلى كل واحد ما يليق به (والله يعطي) من يشاء فليست قسمتي كقسمة الملوك الذين يعطون من شاؤوا ويحرمون من شاؤوا فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر للتفاضل فإنه بأمر الله والمراد أنا أقسم ما أوحى إلي لا أفضل أحدا من أمتي على الآخر في إبلاغ الوحي وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء أو المراد أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي الفهم الذي يهتدي به إلى خفيات العلوم في كلمات الكتاب والسنة والتفكر في معناها والتوفيق للعمل بمقتضاها لمن شاء ذكره القاضي وهو بمعنى قول الطيبي المراد أنه تعالى يعطي من شاء أن يفقهه استعدادا لتلقف المعاني استعدادا على ما قدره وقال التوربشتي: علم المصطفى صلى الله عليه وسلم صحبه أنه لم يفضل في قسمته ما أوحي إليه أحدا على أحد بل سوى في الإبلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء وقد كان بعض الصحب يسمع الحديث ولا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم وممن بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقال الكرماني في [ص:572] قوله الله يعطي تقديم لفظ الله مفيد للتقوية عند السكاكي ولا يحتمل التخصيص أي الله يعطي لا محالة وعند الزمخشري يحتمله أيضا فيكون معناه الله يعطي لا غيره ويصح أن يكون جملة حالية فيكون معناه ما أنا قاسم إلا في حال إعطاء الله لا في حال غيره واستشكل التعبير بأداة الحصر من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير وأجيب بأن الحصر بالنسبة لاعتقاد السامع فحسب فلا ينفي إلا ما اعتقده لا كل صفة فإن اعتقد أنه معط لا قاسم كان من قصر القلب أي ما أنا إلا قاسم لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط كان قصر أفراد لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط <تنبيه> استنبط السبكي من هذا الحديث أن الإمام ليس له تقديم غير الأحوج عليه لأن التمليك والإعطاء إنما هو من الله لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفته القسمة وهي يجب كونها بالعدل ومنه تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجة فإذا قسم بينهما ودفع لهما علمنا أن الله ملكه لهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة فإن لم يكن إمام وبرز أحدهما واستأثر كان كما لو استأثر بعض الشركاء بمال مشتركا فلا يجوز <تنبيه> أخذ ابن الحاج من الحديث أنه ليس للعالم أن يخص قوما دون آخرين بإلقاء الأحكام عليهم لأن المسلمين قد تساووا في الأحكام وبقيت المواهب من الله يخص بها من يشاء
(طب عن معاوية) قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن(2/571)
2583 - (إنما أنا رحمة) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك (مهداة) بضم الميم أي ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها الله إليهم فمن قبل هديته أفلح ونجا ومن أبى خاب وخسر وذلك لأنه الواسطة لكل فيض فمن خالف فعذابه من نفسه كعين انفجرت فانتفع قوم وأهمل قوم فهي رحمة لها ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه كثيرا لأن الغضب لم يقصد من بعثه بل القصد بالذات الرحمة والغضب بالتبعية بل في حكم العدم فانحصر فيها مبالغة أو المعنى أنه رحمة على الكل لا غضب على الكل أو أنه رحمة في الجملة فلا ينافي الغضب في الجملة أنه رحمة في الجملة ويكفي في المطلب إثبات الرحمة
(ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) في النوادر (عن أبي صالح مرسلا) أبو صالح في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه (ك) في الإيمان (عنه) أي عن أبي صالح (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم على شرطهما وتفرد الثقة مقبول انتهى وأقره عليه الذهبي(2/572)
2584 - (إنما بعثت) أي أرسلت (لأتمم) أي لأجل أن أكمل (صالح) وفي رواية بدله مكارم (الأخلاق) بعد ما كانت ناقصة وأجمعها بعد التفرقة قال الحكيم: أنبأنا به أن الرسل قد مضت ولم تتم هذه الأخلاق فبعث بإتمام ما بقي عليهم وقال بعضهم: أشار إلى أن الأنبياء عليهم السلام قبله بعثوا بمكارم الأخلاق وبقيت بقية فبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بما كان معهم وبتمامها وقال الحرالي: صالح الأخلاق هي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في قوله اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي وقال العارف ابن عربي: معنى الحديث أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف وظهرت مكارم الأخلاق كلها في شرائع الرسل وتبين سفسافها من مكارمها عندهم وما في العالم إلا أخلاق الله وكلها مكارم فما ثم سفساف أخلاق فبعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة وأوتي جوامع الكلم وكل شيء يقدمه على شرع خاص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه بعث لتتم صالح الأخلاق فصار للكل مكارم أخلاق فما ترك في العلم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقصد الشرع فأبان لنا مصارفه لهذا المسمى سفسافا من نحو حرص وشره وحسد وبخل وكل صفة مذمومة فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها عليها عادت مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم فكانت محمودة فتمم الله به مكارم الأخلاق فلا ضد لها كما أنه لا ضد للحق لكن منا من عرف المصارف ومنا من جهلها
(ابن سعد) [ص:573] في الطبقات (خد ك هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكأن المصنف أغفله ذهولا وقال ابن عبد البر حديث متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره(2/572)
2585 - (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا) لأنه حشي بالرحمة والرأفة فاستنار قلبه بنور الله فرقت الدنيا في عينه فبذل نفسه في جنب الله فكان رحمة ومفزعا ومأمنا وغياثا وأمانا فالعذاب لم يقصد من بعثه
(تخ عن أبي هريرة) وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين(2/573)
2586 - (إنما بعثتم) أيها المؤمنون (ميسرين) نصب على الحال من الضمير في بعثتم وكذا قوله الآتي معسرين قال الحرالي: والتيسير تحمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر بما يجتهد النفس ويضر الجسم ثم أكد التيسير بنفي ضده وهو التعسير فقال (ولم تبعثوا معسرين) إسناد البعث إليهم مجاز لأنه المبعوث بما ذكر لكن لما نابوا عنه في التبليغ أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله أي مأمورون وكان ذا شأنه مع كل من بعثه لجهة يقول يسروا ولا تعسروا وهذا قاله لما بال ذو الخويصرة اليماني أو الأقرع بن جايس بالمسجد
(ت عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/573)
2587 - (إنما بعثني الله مبلغا) للأحكام عن الله معرفا به داعيا إليه وإلى جنته مبينا مواقع رضاه وآمرا بها ومواقع سخطه وناهيا عنها ومخبرا بأخبار الرسل مع أممهم وأمر المبدأ والمعاد وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك (ولم يبعثني متعنتا) أي مشددا قاله لعائشة لما أمر بتخيير نسائه فبدأ بها فاختارته وقالت لا تقل أني اخترتك فذكره وفي إفهامه إشعار بأن من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الأخلاق باللطف والتعريض ما أمكن من غير تصريح وبطريق الرحمة من غير توبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف وتهبيج الحرص على الإصرار ذكره الغزالي
(ت عن عائشة) ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن لكن قال الذهبي في المهذب هو منقطع(2/573)
2588 - (إنما جزاء السلف) أي القرض (الحمد والوفاء) أي حمد المقترض للمقرض والثناء عليه وأداء حقه له قال الغزالي: فيستحب للمدين عند قضاء الدين أن يحمد المقضي له بأن يقول بارك الله لك في أهلك ومالك انتهى وما اقتضاه وضع إنما من ثبوت الحكم المذكور ونفيه عما عداه من أن الزيادة على الدين زيادة غير جائزة غير مراد وإنما هو على سبيل الوجوب لأن شكر المنعم وأداء حقه واجبان والزيادة فضل ذكره الطيبي
(حم ن هـ عن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي قال: استسلف النبي صلى الله عليه وسلم مني حين غزا حنينا أربعين ألفا فجاءه مال فقضاها وقال بارك الله في أهلك ومالك ثم ذكره وفيه إبراهيم بن إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم على اختلاف الروايتين ابن عبد الله بن أبي ربيعة قال في المنار: لا يعرف حاله ولم تثبت عدالته انتهى لكن قال الحافظ العراقي الحديث حسن وعبد الله بن أبي ربيعة اسم أبيه عمرو بن المغيرة ولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم الجند فبقي عليها إلى أواخر أيام عثمان ومات بقرب مكة ومن لطائف إسناده أنه من رواية إسماعيل عن أبيه عن جده(2/573)
2589 - (إنما جعل الطواف بالبيت) الكعبة (وبين الصفا والمروة) أي وإنما جعل السعي بينهما (ورمي الجمار) إلى [ص:574] العقبة (لإقامة ذكر الله) يعني إنما شرع ذلك لإقامة شعار النسك وتمامه في رواية الحاكم لا لغيره وكأنه سقط من كلام المصنف
(د ك) في الحج (عن عائشة) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم واعترض بأن فيه عبد الله بن أبي زياد الصراح ضعفه ابن معين وكذا النسائي مرة وظاهر صنيع المصنف تفرد به أبي داود عن الستة والأمر بخلافه فقد رواه منهم أيضا الترمذي وقال حسن صحيح(2/573)
2590 - (إنما جعل الاستئذان) أي إنما شرع الاستئذان في دخول الغير (من أجل) وفي رواية من قبل (البصر) أي جهته أي إنما احتيج إليه لئلا يقع نظر من في الخارج على من هو داخل البيت ولولاه لم يشرع وهذا قاله لما اطلع الحكم ابن العاص أو غيره في بابه وكان بيد النبي صلى الله عليه وسلم مدرا يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر لطلقت به في عينك ثم ذكره قال في المنضد وإذا كان هذا في النظر إلى الرجال فإلى النساء آكد وأشد وفيه دليل على صحة التعليل القياسي فهو حجة الجمهور على نفاة القياس وفيه أن من اطلع في بيت غيره يجوز طعنه في عينه إذا لم يندفع إلا به ولا يختص ذلك ببيت المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل خبر: من اطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه ولا ضمان ولا دية عند الشافعي لأنه عقوبة على جناية سابقة
(حم ق ت) كلهم في الاستئذان (عن سهل بن سعد) الساعدي ورواه عنه أيضا النسائي في الديات(2/574)
2591 - (إنما حر جهنم على أمتي) أمة الإجابة إذا دخلها العصاة منهم للتطهير (كحر الحمام) أي كحرارته اللطيفة التي لا تؤذي الجسم ولا توهنه فإن قلت: هذا قد يناقضه ما مر أنهم إذا دخلوها ماتوا فلا يحسون بألم العذاب قلت: قد يقال إنها تكون عليهم عند إحيائهم الأمر بإخراجهم منها كحر الحمام
(طس عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف انتهى وفيه أيضا شعيب بن طلحة نقل السخاوي عن الدارقطني أنه متروك والأكثر على قبوله(2/574)
2592 - (إنما سماهم الله تعالى الأبرار) أي إنما سمى الله تعالى الأبرار أبرارا في القرآن (لأنهم بروا الآباء والأمهات والأبناء) أي أحسنوا إلى آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم ورفقوا بهم وتحروا محابهم وتوقوا مكارههم ولم يوقعوا الضغائن بينهم بتفضيل بعضهم على بعض بنحو عطية أو إكرام بلا موجب شرعي (كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك) عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فضل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد الله بن الوليد الصافي وهو ضعيف انتهى ونقل في الميزان تضعيفه عن الدارقطني وغيره وعن ابن حبان والنسائي والفلاس أنه متروك ثم ساق له أخبارا أنكرت عليه هذا منها وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلا من الطبراني وهو قصور فقد رواه سلطان المحدثين باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور في الأدب المفرد وترجم عليه باب بر الأب لولده فالضرب عنه صفعا والعدول عنه للطبراني من سوء التصرف(2/574)
[ص:575] 2593 - (إنما سمي البيت) الذي هو الكعبة المعظمة البيت (العتيق لأن الله) لفظ رواية الحاكم إنما يسمي البيت العتيق لأنه (أعتقه) أي حماه (من الجبابرة) جمع جبار وهو الذي يقتل على الغضب (فلم يظهر عليه جبار قط) وفي رواية لم ينله جبار قط وفي أخرى لم يقدر عليه جبار قط وأراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء. قال في المصباح: ظهرت على الحائط علوت ومنه قيل ظهر على عدوه إذا غلبه والمراد جبار من الكفار وقصة الفيل مشهورة
(ت ك) في التفسير (هب) كلهم عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وأقول فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعفه الأئمة وبقية رجاله ثقات(2/575)
2594 - (إنما سمي الخضر) وفي نسخة حذف هذه وهي ثابتة في خط المصنف نعم هي رواية والخضر بفتح السكون أو فكسر أو بكسر فسكون قال ابن حجر: ثبتت بهما الرواية بالرفع قائم مقام الفاعل ومفعوله الثاني قوله (خضرا لأنه جلس على فروة) بالفاء أرض يابسة (بيضاء) لا نبات فيها فإذا هي أي الفروة تهتز أي تتحرك تحته خضرا بالتنوين أي نباتا أخضر ناعما بعد ما كانت جرداء وروى خضراء كحمراء. قال النووي: واسمه بلياء أو إيلياء وكنيته أبو العباس والخضر لقبه وإطلاق الاسم على اللقب شائع وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه بالقرآن العظيم بتلك الأعاجيب وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن قالع ابن عابر ابن شالخ ابن أرفخشد ابن سام ابن نوح وقيل هو ابن حلقيا وقيل ابن قابيل ابن آدم وقيل ابن فرعون صاحب موسى وهو غريب وقيل أمه رومية وأبوه فارسي وقيل هو ابن آدم عليه السلام لصلبه وقيل الرابع من أولاده وقيل عيصو وقيل من سبط هارون عليه السلام وقيل هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره ومن أعجب ما قيل أنه من الملائكة والأصح عند الجمهور أنه نبي معمر محجوب عن الأبصار وهو حي عند عامة العلماء وعامة الصلحاء وقيل لا يموت إلا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن. قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم وهو الذي يقتله الدجال ثم يحييه وإنما طالت حياته لأنه شرب من ماء الحياة وليكذب الدجال قال العارف ابن عربي: حدثني شيخنا العزيني بشيء فتوقفت فيه فتأذى الشيخ ولم أشعر فانصرفت فلقيني في الطريق رجل لا أعرفه فسلم علي ثم قال صدق الشيخ فيما قال فرجعت إلى الشيخ فلما رآني قال: تحتاج في كل مسألة إلى أن يلقاك الخضر فيخبرك بصدقها وقال ابن عربي أيضا كنت في مركب بساحل تونس فأخذتني بطني والناس نيام فقمت إلى جنب السفينة وتطلعت في البحر فرأيت رجلا على بعد في ضوء القمر يمشي على الماء حتى وصل إلي فرفع قدمه الواحدة واعتمد الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد الأخرى ورفع صاحبتها فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام وانصرف فأصبحت جئت المدينة فلقيني رجل صالح فقال: كيف كانت ليلتك مع الخضر عليه السلام قال: وخرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد فدخلنا مسجدا خرابا لصلاة الظهر فإذا بجماعة من السياحين المنقطعين دخلوا يريدون ما نريده وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني في البحر ورجل أكبر منزلة منه فصلينا ثم خرجنا فأخذ الخضر عليه السلام حصيرا من محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع ثم صلى عليها فقلت لصاحبي أما تنظر ما فعل؟ قال اسأله فلما فرغ من صلاته أنشدته هذه الأبيات:
شغل المحب عن الهواء بسره. . . في حب من خلق الهواء وسخره. . . والعارفون عقولهم معقولة
عن كل كون ترتضيه مطهره. . . فهم لديه مكرمون وفي الورى. . . أحوالهم مجهولة ومستره
[ص:576] فقال ما فعلت ما رأيت إلا لهذا المنكر الذي معك فهذا ما جرى لنا مع هذا الوتد وله من العلم اللدني والرحمة بالعالم ما يليق بمن هو في رتبته واجتمع به شيخنا علي بن عبد الله بن جامع وكان الخضر عليه السلام ألبسه الخرقة بحضور العارف قضيب البان وألبسنيها المسيح عليه الصلاة والسلام بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر عليه السلام ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر عليه السلام اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا عبارة عن الصحبة والآداب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت عادة أصحاب الأحوال أنهم إذا رأوا واحدا من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا تكميله يتجذبه الشيخ فإذا تجذبه أخذ ذلك الثوب الذي عليه في ذلك الحال ونزعه وأفرغه عليه فيسري فيه ذلك الحال فيكمل به ذلك الرجل فذلك هو الإلباس عندنا المعروف عند شيوخنا المحققين رضي الله تعالى عنهم (1)
(حم ق ت د عن أبي هريرة طب عن ابن عباس) ما ذكره من أن الشيخين معا خرجاه هو ما جرى عليه فتبعه لكن الصدر المناوي قال لم يخرجه مسلم فليحرر
_________
(1) وذكره صاحب العروة الوثقى فقال أبو العباس الخضر عليه السلام أعني بليان بن ملكان بن سمعان وأورد حديثين سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلى الله على محمد إلا نضر الله قلبه ونور بصيرته والثاني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته وكل عام يلتقي مع إلياس في الموسم فيحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان على هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله بسم الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فمن قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب(2/575)
[تابع حرف الهمزة](3/1)
2595 -[ص:2] (إنما سمي القلب) قلبا (من تقلبه) فإن القلب في الأصل مشترك بين كوكب معروف والخالص واللب ومنه قلب النخل ومصدر قلبت الشيء رددته على بدئه والإناء قلبته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه صرفته عنه والمراد العضو الرئيس المعلق بالجانب الأيسر المثلث الشكل المحدد الرأس سمي به لسرعة الخواطر وترددها عليه كما أشار إليه بقوله (إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة) أي ملقاة بأرض واسعة عديمة البناء (تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن)
وما سمي الإنسان إلا لنسيه. . . ولا القلب إلا أنه ينقلب
ومن ثم قيل: ينبغي للعاقل الحذر من تقلب قلبه فإنه ليس بين القلب والكلب إلا التفخيم قال الغزالي: القلب غرض للخواطر لا يقدر على منعها والتحفظ عنها بحال ولا هي تنقطع عنك بوقت ثم النفس متسارعة إلى اتباعه والامتناع عن ذلك في مجهود الطاعة أمر شديد ومحنة عظيمة وعلاجه عسير إذ هو غيب عنك فلا يكاد يشعر به حتى تدب فيه آفة وتحدث له حالة ولذلك قيل:
ما سمي القلب إلا من تقلبه. . . والرأي يضرب بالإنسان أطوارا
قال النظار وذوو الاعتبار: وفي الحديث رد على الصوفية في قولهم إن الطريق لا ينال بتعليم بل هو تطهير للنفس عن الصفات المذمومة أو تصفيتها ثم الاستعداد وانتظار الفتح ما ذاك إلا لأن القلب ترد عليه وساوس وخواطر تشوش القلب فيتقلب وإذا لم يتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم تشبث بالقلب خيالات فائدة تطمئن النفوس إليها مدة طويلة وربما انقضى العمر بغير نجاح
(طب عن أبي موسى) الأشعري قال العراقي: إسناده حسن وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه منهم بعضهم باللفظ المزبور(3/2)
2596 - (إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب) أي يحرقها ويذيبها لما يقع فيه من العبادة يقال رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر ورمضت قدمه احترقت من الرمضاء ورمضت الفصال إذا وجدت حر الرمضاء فاحترقت أخفافها ورمض الرجل أحرقت قدميه الرمضاء وخرج يترمض الظباء يسوقها في الرمضاء حتى تنفسخ أظلافها فيأخذها ذكره الزمخشري وغيره
(محمد بن منصور) بن عبد الجبار التميمي صاحب التصانيف في الفقه وأصوله والحديث وغير ذلك الإمام في ذلك (السمعاني) بفتح السين وسكون الميم نسبة إلى سمعان بطن من تميم (وأبو زكريا يحيى بن منده في أماليهما عن أنس) ورواه أبو الشيخ [ابن حبان] أيضا(3/2)
2597 - (إنما سمي شعبان لأنه يتشعب) أي يتفرع (فيه خير كثير للصائم) أي لصائمه (حتى يدخل الجنة) يعني [ص:3] يكون صومه وما تفرع عليه سببا لادخاله الجنة مع السابقين الأولين أو بغير عذاب أو نحو ذلك والمقصود به بيان فضل صوم شعبان وعظم قدر الشهر
(الرافعي) إمام الشافعية (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] بلفظ تدرون لم سمي شعبان والباقي سواء(3/2)
2598 - (إنما سميت الجمعة) أي إنما سمي يوم الجمعة يوم جمعة (لأن آدم) عليه السلام (جمع) بالبناء للمفعول أي جمع الله (فيها خلقه) أي صوره أكمل تصوير على هذا الهيكل العجيب البديع وإلى هذا الحديث أشار النووي في تهذيبه بقوله: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سميت جمعة لاجتماع خلق آدم عليه السلام فيها. اه وخفي هذا على الحافظ العراقي فلم يحضره مع سعة اطلاعه وعلو كعبه في هذا الفن فاعترض النووي حيث قال عقبه: لم أجد لهذا الحديث أصلا ومما قيل في سبب تسميتها به أيضا إنه لاجتماع الناس فيها أو لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم الجمعة أو لاجتماع آدم مع حواء عليهما السلام في الأرض فيها أو لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة
(خط) في ترجمة أبي جعفر الأفواهي (عن سلمان) الفارسي وفيه عبد الله بن عمر بن أبي أمية قال الذهبي: فيه جهالة وقرشع الصبي ذكره ابن حبان في الضعفاء(3/3)
2599 - (إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك) بالتحريك مغث الحمى كما في الصحاح وغيره أي شدتها (أو الحمى) التي هي حرارة غريبة بين الجلد واللحم فكأنه يقول حين تصيبه الحمى شديدة أو كانت أو حقيقة فكما أن الشديدة مكفرة فالخفيفة مكفرة أيضا كرما منه تعالى وفضلا (كمثل حديدة تدخل النار فتذهب خبثها) بمعجمة فموحدة مفنوحتين ما تبرزه النار من الوسخ والقذر (ويبقى طيبها) بكسر الطاء وسكون التحتية فكذا الوعك أو الحمى يذهب بالخطايا والذنوب وضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقرير لأنه أوقع في القلب ويريك المتخيل متحققا والمعقول محسوسا ولذلك أكثر الله تعالى في كتبه للأمثال ولا يضرب المثل إلا لما فيه غرابة
(طب ك) في الإيمان (عن عبد الرحمن بن أزهر) بفتح الهمزة وزاي ساكنة الزهري المدني شهد حنينا قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال في المهذب مرسل جيد(3/3)
2600 - (إنما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بصاحبه من ألف تلاوته نظرا أو عن ظهر قلب فإن من داوم ذلك ذل له لسانه وسهلت عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه (كمثل صاحب الإبل المعقلة) أي مع الإبل المعقلة بضم الميم وفتح العين وشد القاف أي المشدودة بعقال أي حبل شبه درس القرآن ولزوم تلاوته بربط بعير يخاف شراده (إن عاهد عليها) أي احتفظ بها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها (وإن أطلقها ذهبت) أي انفلتت شبه القرآن بالإبل المقيدة بالعقل فما دام تعهده موجودا فحفظه موجود كما أن الإبل ما دامت مشدودة بالعقال فهي محفوظة وخص الإبل لأنها أشد الحيوان الأهلي نفورا والمراد بالحصر حصر مخصوص بالنسبة لأمر مخصوص وهو دوام حفظه بالدرس كحافظ البعير بالعقل أما بالنسبة لأمور أخرى فله أمثلة أخرى. ألا ترى قد ضرب له [ص:4] أمثالا أخر كقوله مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة أفاده الحافظ العراقي دافعا به ما عساه يقال إن قضيته دلالة إنما على الحصر أنه لا مثل له سوى ذلك وهو أوضح من قول ابن حجر المراد حصر مخصوص بالنسبة للحفظ والنسيان بالتلاوة والترك
(مالك) في الموطأ (حم ق ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب(3/3)
2601 - (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك) أي وإن لم يكن صاحبه (ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يجذيك) بجيم وذال معجمة أي يعطيك (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة) أي أنك إن لم تظفر منه بحاجتك جميعا لم تعدم واحدة منها إما الإعطاء وإما الشراء وإما الاقتباس للرائحة وكذا يقال في قوله (ونافخ الكير) بعكس ذلك وذلك أنه (إما أن يحرق ثيابك) بما تطاير من شرار الكير (وإما أن تجد) منه (ريحا خبيثة) والمقصود منه النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما وفيه إيذان بطهارة المسك وحل بيعه وضرب المثل والعمل في الحكم بالأشياء والنظائر وأنشد بعضهم:
تجنب قرين السوء واصرم حباله. . . فإن لم تجد منه محيصا فداره
والزم حبيب الصدق واترك مراءه. . . تنل منه صفو الود ما لم تماره
ومن يزرع المعروف مع غير أهله. . . يجده وراء البحر أو في قراره
ولله في عرض السماوات جنة. . . ولكنها محفوفة بالمكاره
(ق عن أبي موسى) الأشعري(3/4)
2602 - (إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل) الذي (يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) فيصح النفل بنية من أول النهار أي قبل الزوال وتناول مفطر عند الشافعية ويثاب من طلوع الفجر لأن الصوم لا يتجزأ
(ن هـ عن عائشة) قلت: يا رسول الله أهدي لنا حيس فخبأت لك منه فقال: أدنيه أما إني أصبحت وأنا صائم فأكل ثم ذكره قال عبد الحق: فيه انقطاع وذلك لأنه في طريق النساء من رواية أبي جعفر الأحوص عن طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة ومجاهد لم يسمعه منها كما في علل الترمذي(3/4)
2603 - (إنما مثل الذي) أي إنما مثل الإنسان الذي (يصلي ورأسه) أي والحال أن شعر رأسه (معقوص) أي مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود. قال أبو شامة: وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء
(حم م طب عن ابن عباس)(3/4)
2604 - (إنما هلك من كان قبلكم من الأمم) أي تسببوا في إهلاك أنفسهم بالكفر والإبتداع (باختلافهم في الكتاب) [ص:5] يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة فكفر بعضهم بكتاب بعض فهلكوا فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب والمراد بالاختلاف ما أوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو شحناء ونحو ذلك الاختلاف في وجوه المعاني واستنباط الأحكام والمناظرة لإظهار الحق فإنه مأمور به فضلا عن كونه منهيا عنه. قال الحرالي: والاختلاف انتقال من الخلاف وهو تقابل بين اثنين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه
(م) في كتاب العلم (عن ابن عمرو) بن العاص قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج يعرف في وجهه الغضب فذكره وفي رواية للترمذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى كأنما فقيء في وجهه حب الرمان حمرة من الغضب فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم ثم ذكره وقضية كلام المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن البخاري وهو ذهول بل خرجه عن النزال بن سبرة عن ابن مسعود وليس بينهما إلا اختلاف قليل ومن ثم أطلق عزوه إليهما أئمة كالديلمي(3/4)
2605 - (إنما هما قبضتان) تثنية قبضة والقبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وهو بالضم الاسم وبالفتح المرة والقبض الآخذ بجميع الكف <تنبيه> سبق عن العارف ابن عربي ما يفيد أن المراد بالقبضتين هنا سر الكمال الذاتي الذي إذا انكشف إلى الأبصار يوم القيامة يختلف أبصار الكافر فيرمى به في النار والمؤمن فيدخله الجنة فالقبضتان متحد معناهما مثنى لفظهما وبسرهما خلقت الجنة والنار والمنور والمظلم والمنعم والمنتقم وعلى ذلك المنوال قال: {والأرض جميعا قبضته} عرفنا من وضع اللسان أن يقال فلان في قبضتي يريد تحت حكمي وإن كان لا شيء منه في يديه البتة لكن أمره فيه ماض وحكمه عليه قاض كحكمه على ما ملكته يده حسا وقبضت عليه فلما استحالت الجارحة عليه تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو ملك ما قبضت عليه حالا (فقبضة في النار وقبضة في الجنة) أي أنه سبحانه وتعالى قبض قبضة وقال هذه إلى النار ولا أبالي وقبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي فالعبرة إنما هو بسابق القضاء الإلهي الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا ولا يناقضه خبر إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة غيب عنا والخاتمة ظاهرة لنا فنيطت الأعمال بها بالنسبة إلينا ومع ذلك فيتعين العمل لآية {فأما من أعطى واتقى} ولا يغتر بإيحاء النفس والشيطان أنه لا عبرة بالعمل بل بالسابقة أو الخاتمة فإنه تمويه وإضلال وغفلة عن وضع الأسباب للمسببات
(حم طب عن معاذ) بن جبل(3/5)
2606 - (إنما هما اثنتان الكلام والهدى) أي السيرة والطريق (فأحسن الكلام) مطلقا (كلام الله) المنزل على رسله في الكتب العلية الشأن وأعظمها الكتب الأربعة (وأحسن الهدي هدي محمد) النبي الأمي أي سيرته وطريقته (ألا) قال الحرالي: استفتاح وتنبيه وجمع للقلوب للسماع (وإياكم ومحدثات الأمور) أي احذروها وهي ما أحدث على غير قواعد الشرع كما سبق (فإن شر الأمور محدثاتها) التي هي كذلك (وكل محدثة) أي خصلة محدثة (بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد) بدال مهملة كذا هو بخط المصنف فمن جعلها براء فقد حرف (فتقسو قلوبكم) {ولا تكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} ومن ثم قال الحكيم: بطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقل الذنوب وما أنصف من نفسه من أيقن بالحشر والحساب وزهد في الأجر والثواب وقال الغزالي: إذا أملت [ص:6] العيش الطويل شغل قلبك وضاع وقتك وكثر همك وغمك بلا فائدة ولا طائل ومن طال أمله لا يذكر الموت فمن لم يذكره فمن أين لقلبه الحرقة فإذا طولت أملك قلت طاعتك فإنك تقول سوف أفعل والأيام بين يدي وتأخرت توبتك واشتد حرصك وقسى قلبك وعظمت غفلتك عن الآخرة وذهبت والعياذ بالله آخرتك (ألا إن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت) فكأنكم بالموت وقد حل بكم والساعة أدهى وأمر قال الطائي: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن طال أمله ساء عمله وقال يحيى بن معاذ: الأمل قاطع عن كل خير والطمع مانع من كل حق والصبر صائر إلى كل ظفر والنفس داعية إلى كل شر ومن ثمرات طول الأمل ترك الطاعة والتكاسل فيها وترك التوبة وتسويفها والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة مخافة الفقر والنسيان للآخرة (ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه) أي من قدر الله عليه في أصل خلقته كونه شقيا فشقي حقيقة لا من عرض له الشقاء بعد وهو إشارة لشقاء الآخرة لا الدنيا (والسعيد من وعظ بغيره ألا إن قتال المؤمن كفر) أي يؤدي إلى الكفر لشؤمه أو كفعل الكفار أو إن استحل والمراد كفر النعمة لا الجحود (وسبابه فسوق) أي سبه وشتمه خروج عن طاعة الله (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث) من الأيام إلا لمصلحة دينية كما دلت عليه أخبار وآثار (ألا وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع (فإن الكذب لا يصلح لا بالجد ولا بالهزل) حيث كان لغير مصلحة شرعية كإصلاح بين الناس والكذب لغير ذلك جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه لأنه نتيجة النميمة والنميمة نتيجة البغضاء تؤول إلى العداوة وليس مع العداوة أمن ولا راحة (ولا يعد الرجل صبيه) يعني طفله ذكرا أو أنثى فتخصيص الصبي غالبي (فلا يفي له) بل ينبغي أن يقف عند قوله عند وعده لولده {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله فلا - بالفاء - هو ما رأيته في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أره ذكره بالفاء (وإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي إلى دخول نار جهنم (وإن الصدق) أي قول الحق (يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة) يعني أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذمة وذلك سبب لدخول الجنة بفضل الله (وإنه يقال) أي بين الملأ الأعلى ويكتب في اللوح أو في الصحف أو على ألسنة الخلق بإلهام من الله تعالى (للصادق صدق وبر) في أقواله (ويقال للكاذب كذب وفجر) فيصير ذلك كالعلم عليه وذلك يحمل من له أدنى عقل على الرغبة في الأول والتحرز عن التساهل في الثاني (ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه والمراد أن دواعي الكذب قد ترادفت فيه حتى ألفها فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه فطامه وحينئذ يكتب عند الله كذابا وكرر حرف التنبيه زيادة في تقريع القلوب بهذه المواعظ وأن كل كلمة من هذه الكلمات حقيقة بأن يتنبه المخاطب بها ويلقي لها سمعا واعيا وقلبا مراعيا
(هـ عن ابن مسعود) قال الزين العراقي إسناده جيد(3/5)
[ص:7] 2607 - (إنما يبعث الناس) من قبورهم (على نياتهم) فمن مات على شيء بعث عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر. فيه أن الأمور بمقاصدها وهي قاعدة عظيمة مفرع عليها من الأحكام ما لا يخفى وفي رواية إنما يحشر الناس على نياتهم وفي رواية لابن ماجه أيضا بدون إنما
(هـ عن أبي هريرة) قال المنذري إسناده حسن وقال الزين العراقي إسناد أحد روايتي ابن ماجه حسن(3/7)
2608 - (إنما يبعث المقتتلون على النيات) أي إنما يؤتون يوم القيامة على نياتهم أي قصودهم التي كانوا عليها في الدنيا فيجازون على طبقها وتجري أعمالهم على حكمها قال الغزالي: فمن عزم ليلا على أن يصبح ويقتل مسلما أو يزني بإمرأة فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها فكيف يظن أن الله لا يؤاخذ بالنية والهم
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر) بن الخطاب وفيه عمرو بن شمر قال في الميزان عن الجوزجاني كذاب وعن ابن حبان رافضي يروي الموضوعات وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مناكير هذا منها وعمرو هذا واه وجابر الجعفي قد ضعفوه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: وفيه جابر الجعفي ضعيف وقال الحافظ: رواه ابن أبي الدنيا باللفظ المزبور عن ابن عمر رضي الله عنه وسنده ضعيف ورويناه في فوائد تمام باللفظ إنما يبعث المسلمون على النيات وفيه ليث بن أبي سليم وفيه خلف(3/7)
2609 - (إنما يسلط الله تعالى على ابن آدم من يخافه ابن آدم ولو أن ابن آدم يخف غير الله لم يسلط الله عليه أحدا) من خلقه فيؤذيه (وإنما وكل) بالبناء للمفعول والتخفيف أي إنما فوض (ابن آدم) أي أمره (لمن رجا ابن آدم) أي لمن أمل منه حصول نفع أو ضر (ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله) أي لم يؤمل نفعا ولا ضرا إلا منه (لم يكله الله إلى غيره) لكنه تردد وشك فأحس بالمكروه فإنه إذا شك انتفخت الرئة للجبن الذي حل بها وضاق الصدر حتى زجزج القلب عن محله فلما ضاق على القلب محله ضاق محله التدبير وهو الصدر فحصل الاضطراب والقلق والخوف ولو أشرق عليه نور اليقين لما تزحزح ولما زاد عند عروض المخوف إلا ثباتا واتساعا لكمال وثوقه بربه وجزمه بأن النفع والضرر ليس إلا منه لا من الأسباب فافهم
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر في سفر بجمع على طريق فقال: ما شأنكم. قالوا: أسد قطع الطريق فنزل فأخذ بأذنه فنحاه عن الطريق ثم قال: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما يسلط فذكره <فائدة> قال ابن عربي: أوحى الله إلى داود عليه السلام ابن لي بيتا يعني بيت المقدس فكلما بناه تهدم فأوحى الله إليه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال: ما كان إلا في سبيلك فقال: صدقت ومع هذا أليسوا عبيدي وإنه يقوم على يد ولدك سليمان فكان(3/7)
2610 - (إنما يدخل الجنة من يرجوها) لأن من لم يرجها قانط من رحمة الله والمقنط جاهل بالله وجهله به يبعده عن دار [ص:8] كرامته ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (وإنما يجنب النار من يخافها) أي يخاف أن يعذبه ربه بها والله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به (وإنما يرحم الله من يرحم) أي يرق قلبه على غيره لأن الجزاء من جنس العمل فمن لا يرحم لا يرحم
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العلائي: إسناده حسن على شرط مسلم وأقول هذا غير مقبول ففيه سويد بن سعيد فإن كان الهروي فقد قال الذهبي: قال أحمد متروك وقال البخاري: عمي فلقي فتلقن وقال النسائي: غير ثقة وإن كان الدقاق فمنكر الحديث كما في الضعفاء للذهبي(3/7)
2611 - (إنما يخرج الدجال) من دجل البعير طلاه بالقطران طليا كثيفا سمي به لستره الحق بباطله أو من دجل الشيء طلاه بالذهب موهه به لتمويهه على الناس أو من دجل في الأرض إذا ضرب فيها لكونه يطوفها كلها في أمد قليل أو من الدجل وهو الكذب وهو أعور كذاب (من غضبة) أي لأجل غضبة يتحلل بها سلاسله (يغضبها) قال الطيبي: قيل يغضبها في محل صفة غضبة والضمير للغضبة وهو في محل نصب على المصدر أي أنه يغضب غضبة فيخرج بسبب غضبه والقصد الإشعار بشدة غضبه حيث أوقع خروجه على الغضبة وهي المرة من الغضب ويحتمل جعله مفعولا مطلقا على رأي من يجوز كونه ضميرا
(حم م) في الفتن (عن حفصة) بنت عمر استشهد عنها خنيس بن حذافة السهمي يوم أحد ماتت سنة إحدى وأربعين أو غيرها ولم يخرجه البخاري(3/8)
2612 - (إنما يرحم الله من) بيانية (عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في إنما كافة وبالرفع على أنها موصولة والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة وقضيته أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة الكاملة بخلاف من فيه رحمة ما. لكن قضية خبر أبي داود الراحمون يرحمهم الله شموله ورجحه البعض وإنما بولغ في الأول لأن ذكر لفظ الجلالة فيه دال على العظمة فناسب فيه التعظيم والمبالغة. <فائدة> ذكر بعض العارفين من مشائخنا أن حجة الإسلام الغزالي رؤي في النوم فسئل ما فعل الله به فقال: أوقفني بين يديه وقال: بماذا جئت فذكرت أنواعا من العبادات فقال: ما قبلت منها شيئا ولكن غفرت لك هل تدري بماذا؟ جلست تكتب يوما فسقطت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك
(طب عن جرير) بن عبد الله وعزوه للطبراني كالصريح في أنه لم يره في شيء من الكتب الستة وهو غفول قبيح فقد عزاه هو نفسه في الدرر للشيخين معا من رواية حديث أسامة بن زيد وهو في كتاب الجنائز من البخاري ولفظه عن أسامة بن زيد قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم تقول: إن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إليهم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله ما هذا قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده إنما يرحم الله من عباده الرحماء(3/8)
2613 - (إنما يعرف الفضل لأهل الفضل) لفظ رواية الخطيب ذو الفضل أي العلم والعمل لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى معرفته جهلوا فضله واسترذلوا أهله وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتنيات والطرف المشتهيات أولى أن يكون إقبالهم عليها وأحرى أن يكون إشتغالهم بها قال ابن المعتز: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما ولذلك انصرف الجهال عن العلم وأهله انصراف الزاهدين وانحرفوا عنه وعنهم الخراف المعاندين فإن من جهل شيئا عاداه والناقص لعدم الفضل لعجزه عن بلوغ فضلهم يريد ردهم إلى درجة نقصه لعزته بنفسه ذكره الماوردي وقال الإمام الرازي: ما لم يكن الإنسان أعلم من غيره لا يمكن معرفته قدره فلا يقدر [ص:9] على التمييز بين رجلين إلا أعلم منهما لأنه لا بد أن يعرف مقدار معلومات كل ومقدار ما به زاد أحدهما على الآخر ونقص منه وهذا لا يتيسر إلا لأعلم من كل منهما وإذا لم يمكن الناقص أن يحيط بما هو أكمل منه في العرف الشاهد فكيف يمكن العقول الناقصة الإحاطة بجلال من جلاله غير متناه قال الماوردي: فيه أن الطالب إذا أحس من نفسه قوة لفرط ذكائه وحدة خاطره يعرف لمعلمه فضله ولا يظهر له الاستكفاء منه ولا الاستغناء عنه فإن في ذلك كفرا بنعمته واستخفافا بحقه لكن لا يبعثه معرفة الحق له على التقليد فيما أخذ عنه فربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل وأن اعتقاده حجة وإن لم يحتج فيفضي بهم الأمر إلى التسليم له فيما أخذوا عنه ويؤول به ذلك إلى التقصير فيما يصدر منه لأنه يجتهد بحسب اجتهاد من يأخذ عنه فلا يبعد أن تبطل تلك المقالة إن انفردت أو يخرج أهلها عن عداد العلماء فيما شاركت لأنه قد لا يرى لهم من يأخذ عنهم ما كانوا يرونه لمن أخذوا عنه فيطالبوهم بما قصروا فيه فيضعفوا عن إبانته ويعجزوا عن نصرته فيذهبوا ضائعين ويصيروا عجزة مضعوفين اه
(خط) في ترجمة أبي ظاهر الأنباري (عن أنس) قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد إذ أقبل علي فسلم ثم وقف ينتظر موضعا يجلس فيه وكان أبو بكر عن يمينه فتزحزح له عن مجلسه وقال: ههنا يا أبا الحسن فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فعرف السرور في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقضية تصرف المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة جعفر الدقاق الحافظ من روايته عنه ثم تعقبه بأن أبا زرعة ذكر عن الجرجاني أنه قال: هو ليس بمرضي في الحديث ولا في كتبه كان فاسقا كذابا هذه عبارته فاقتصار المصنف على عزوه إليه وسكوته عما أعله به غير صواب ثم إن فيه أيضا محمد بن زكريا الغلابي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يضع الحديث وقال ابن الجوزي: موضوع فإن الغلابي يضع (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن عائشة) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر فأقبل العباس فأوسع له فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فذكره قال السخاوي: وهما ضعيفان ومعناه صحيح ولا يخدشه إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر انتهى(3/8)
2614 - (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح) أي يرش بالماء حتى يعم موضع البول وإن لم يسل (من بول الذكر) أي الصبي الذي لم يتناول غير لبن للتغذي ولم يجاوز حولين ومثل الأنثى الخنثى وفارق الذكر بغلبة الإبتلاء بحمله دونهما أما إذا أكل غير لبن للتغذي أو جاوز حولين فيتعين الغسل وبهذا كله أخذ الشافعي وفيه نجاسة بول الطفل قال النووي: وما حكاه عياض عن الشافعي أنه طاهر فينضح باطل والإكتفاء بالنضح هو مذهب الشافعي كما تقرر وقال أبو حنيفة ومالك يغسل كغيره والحديث حجة عليهما
(حم د هـ ك عن أم الفضل) بنت الحارث امرأة العباس لبابة قالت: كان الحسن في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فبال فقلت: أعطني إزارك أغسله فذكره وسكت عليه أبو داود وأقره المنذري وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر في تخريج المختصر حديث حسن وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالطفل وندب حمله(3/9)
2615 - (إنما يقيم) للصلاة (من) أي المؤذن الذي (أذن) لها يعني هو أولى بالإقامة من غيره لأن ذلك حتم كما تعيده روايات أخر
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلب بلالا ليؤذن فلم يوجد فأمر رجلا فأذن فجاء بلال فأراد أن يقيم فذكره قال الهيثمي: فيه سعد بن راشد السماك ضعيف(3/9)
[ص:10] 2616 - (إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا) أي مدة كونه فيها (مثل زاد الراكب) هو ما يوصل لمقصده بقدر الحاجة من غير فضلة في مأكله ومشربه وما يقيه الحر والبرد وهذا إرشاد إلى الزهد في الدنيا والاقتصار فيها على قدر الحاجة فإن التوسع فيها وإن كان قد يعين على المقاصد الأخروية لكن النعم الدنيوية قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله استكثار بقصد صرف الفاضل إلى ما يوصل إلى منازل الأبرار وإلا فالبعد البعد والفرار والفرار عن مظان الأخطار
(طب هب) وكذا أبو يعلى من حديث يحيى بن جعدة (عن خباب) بمعجمة وموحدتين أولهما مشددة قال يحيى: عاد خبابا ناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر أبا عبد الله ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض فقال: كيف بهذا وأشار إلى أعلى البيت وأسفله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال المنذري: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة(3/10)
2617 - (إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله) وما عدا ذلك فهو معدود عند أهل الحق من السرف وتركه عين الشرف وصرف النفس عن شهواتها حتى الحلال هو حقيقة تزكيتها وقتلها إضناؤها إنما هو إحياؤها وإطلاقها ترتع في شهواتها هو إرداؤها {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} والنفس مطية يقويها اضناؤها ويضعفها استمتاعها فعلى المؤمن رفع يده عما زاد على الكفاف وتخليته لذوي الحاجة ليتخذوه معاشا
(ت) في الزهد (ن) في الزينة (هـ) في الزهد (عن أبي عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة فوق بن ربيعة بن عبد شمس القرشي بن خالد أو شيبة أو هاشم أو هشام أو هشيم صحابي صغير من مسلمة الفتح مرض فجاء معاوية يعوده فقال: يا خالي ما يبكيك أوجع يعتريك أي يقلقك قال: كلا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا لم آخذ به فذكره(3/10)
2618 - (إنما يلبس الحرير في الدنيا) لفظ عربي يسمى به لخلوصه إذ يقال لكل أمر خالص محرر وقيل فارسي معرب (من) أي مكلف وكلمة من هذه تدل على العموم فتشمل الإناث لكنه مخصوص بالرجال بأدلة خارجية (لا خلاق) أي نصيب (له في الآخرة) يعني من لاحظ ولا نصيب له من لبس الحرير في الآخرة فعدم نصيبه كناية عن عدم دخوله الجنة {ولباسهم فيها حرير} وهذا إن استحل وإلا فهو تهويل وزجر. قال الكرماني: وربما يتوهم أن فيه دليلا لحل لبسه للكافر وهو باطل إذ ليس في الحديث الإذن له في لبسه وهو مخاطب بالفروع فيحرم عليه كالمسلم قال الحرالي: والخلاق الحظ اللائق بالخلق والخلق وقال الراغب: الخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه وقال الزمخشري: الخلاق النصيب وهو كمال خلق الإنسان أي ما قدر له من خير كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب لأنه نصب أي أثبت اه
(حم ق د ن هـ) عن عبد الله بن عمر عن أبيه (عمر) بن الخطاب حدث عبد الله أن أباه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال عمر: يا رسول الله لولا اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك فذكره(3/10)
2619 - (إنما يلبس علينا صلاتنا) أي إنما يخلط علينا فيها واللبس الخلط والإشكال (قوم يحضرون الصلاة بغير طهور) أي احتياط في الطهارة عند الحدثين بأن يغفلوا عن ما يطلب تعهده أو يتساهلوا فيما ينبغي التحري فيه منها (من شهد الصلاة) أي حضرها معنا (فليحسن الطهور) بالمحافظة على شروطه وواجباته وآدابه لئلا يعود شؤمه [ص:11] على المصلين معه فيجد الشيطان للتلبيس عليهم سبيلا سهلا بواسطته
(حم ش) أبو بكر (عن أبي روح الكلاعي) قال: صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فلما انصرف ذكره وأبو الروح هذا هو شيب بن ذي الكلاع بفتح الكاف وخفة اللام وعين مهملة روى عنه عبد الملك بن عمير قال الذهبي: وله صحبة قال أبو روح: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال: إنما إلخ(3/10)
2620 - (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم) أي طلب ضعفائها من الله تعالى النصر والظفر لهذه العصابة الإسلامية (وصلاتهم وإخلاصهم) أي في جميع أعمالهم. قال في الكشاف: والنصر الإغاثة والإظهار على العدو ومنه نصر الله الأرض أغاثها
(ن) من حديث مصعب بن سعد (عن سعد) بن أبي وقاص رأى سعد أن له فضلا على من دونه فقال صلى الله عليه وسلم ذلك وهكذا رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي قال مصعب(3/11)
2621 - (إنه ليغان) بغين معجمة من العين وهو الغطاء (على قلبي) الجار والمجرور نائب عن الفاعل ليغان أي ليغشى على قلبي وقال الطيبي: إسم إن ضمير الشأن والجملة بعده خبر له أو مفسرة والفعل مسند إلى الظرف ومحله الرفع بالفاعلية (وإني لأستغفر الله) أي أطلب منه الغفر أي الستر (في اليوم) الواحد من الأيام ولم يرد يوما معينا (مئة مرة) قال العارف الشاذلي: هذا غين أنوار لا غين أغيار لأنه كان دائم الترقي فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه ارتقى إلى رتبة أعلى منها فيعد ما قبلها كالذنب اه أي فليس ذلك الغين غين حجاب ولا غفلة كما وهم وإنما كان تستغرقه أنوار التجليات فيغيب بذلك الحضور ثم يسأل الله المغفرة أي ستر ما له عليه لأن الخواص لو دام لهم التجلي لتلاشوا عند سلطان الحقيقة فالستر لهم رحمة وللعامة حجاب ونقمة ومن كلمات السهروردي: لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال المصطفى صلى الله عليه وسلم بل كمال أو تتمة كمال وهذا السر دقيق لا ينكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر وإن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما يقع به إن يكون ناويا فإن القصد من خلق العين إدراك الحسيات وذلك لا يمكن إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات عند قوم وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدة عند آخرين فكيفما ما كان لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين وعرائها عما يمنع انبعاث الأشعة عنها لكن لما كان الهوى المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الغبار الثائر تحركه الرياح فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف تأذت به فتغطت بالجفون وقاية لها ومصقلة للحدقة فيدوم جلاؤها فالجفن وإن كان نقصا ظاهرا فهو كمال حقيقة فلهذا لم تزل بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة لأن تصدأ بالغبار الثائر من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقة بصيرته سترا لها ووقاية وصقالا عن تلك الأغيرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها فصح أن الغين وإن كان نقصا فمعناه كمال وصقال حقيقة انتهى وهنا تأويلات بعيدة وتوجيهات غير سديدة وحسبك بهذا وأراد بالمئة التكثير فلا تدافع بينه وبين رواية السبعين الآتية وقال الحرالي: خص المئة لكمالها في العدد المثلث من الآحاد والعشرات وعشرها وتر الشفع لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرار له يجزئ عنه الثلاث
(حم م) في الدعوات (د هـ) في الصلاة (ن) في يوم وليلة (عن الأغر) بفتح الهمزة والمعجمة بن عبد الله (المزني) بضم الميم وفتح الزاي وقيل الجهني ومنهم من قرن بينهما قال البخاري: المزني أصح صحابي يروي عن معاوية بن قرة(3/11)
[ص:12] 2622 - (إنه) أي الشأن (من لم يسأل الله تعالى) أي يطلب من فضله (يغضب عليه) لأنه إما قانط وإما متكبر وكل واحد من الأمرين موجب الغضب قال بعض المفسرين في قوله تعالى {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي عن دعائي فهو سبحانه يحب أن يسأل وأن يلح عليه ومن لم يسأله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه قال ابن القيم: هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه والدعاء عبادة وقد قال تعالى {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فهو تعالى يغضب على من لم يسأله كما أن الآدمي يغضب على من يسأله
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
فشتان ما بين هذين وسحقا لمن علق بالأثر وأبعد عن العين قال الحليمي: وإذا كان هكذا فما ينبغي لأحد أن يخلى يوما وليلة من الدعاء لأن الزمن يوم وليلة وما وراءهما تكرار فإذا كان ترك الدعاء أصلا يوجب الغضب فأدنى ما في تركه يوم وليلة أن يكون مكروها
(ت عن أبي هريرة) وخرجه عنه أيضا أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي والخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن ابن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما ذكر ذكره كله الحافظ ابن حجر(3/12)
2623 - (إني أوعك) أي يأخذني الوعك بسكون العين أي شدة الحمى وسورتها أو ألمها والرعدة فيها (كما يوعك رجلان منكم) لمضاعفة الأجر وكذا سائر الأنبياء كما ذكره القضاعي وتمام الحديث قيل: يا رسول الله وذاك لأن لك أجرين قال: أجل
(حم م) في الأدب (عن ابن مسعود) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن البخاري والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في الطب من حديث ابن مسعود ولفظه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا فقال: أجل لأني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين قال: أجل ذلك كذلك ما من مؤمن يصيبه أذى من شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها(3/12)
2624 - (إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) بن الخطاب لمهابته كما سبق موضحا وهذا قاله وقد رأى حبشية تزفن والناس حولها إذ طلع عمر فانفضوا عنها مهابة له وخوفا منه فتلك المرأة شيطان الإنسان لأنها تفعل فعل الشيطان
(ت) في المناقب (عن عائشة) قالت: سمعنا لغطا وصوت صبيان فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن فقال: يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكبه أنظر إليها فقال: أما شبعت فأقول: لا إذ طلع عمر فانفض الناس فذكره قال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه انتهى وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف لم يكن به بأس وقد يهم(3/12)
2625 - (إني فيما لم يوح إلي) بالبناء للمفعول ويصح للفاعل (كأحدكم) فإني بشر لا أعلم إلا ما علمني ربي واعلم أنه كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم أحوال فتارة تؤخذ عنه فيقول: لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني أي طعام بر وإنعام ومحبة وإكرام وتارة ترد عليه فيقول: إني كأحدكم وتارة تستغرقه نور المشاهدات الربانية فيقول: لي وقت [ص:13] لا يسعني فيه غير ربي وتارة تختطفه الجذبات القريبة فيقول: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وبذلك يعرف أنه لا تناقض بين ما هو من هذا القبيل من الأخبار فتدبر
(طب وابن شاهين في) كتاب (السنة عن معاذ) بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرحني إلى اليمن استشار أصحابه فقال أبو بكر: لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا فذكره قال الهيثمي: وفيه أبو العطوف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف(3/12)
2626 - (إني لم أبعث لعانا) أي مبالغا في اللعن أي الإبعاد عن الرحمة والمراد نفي أصل الفعل على وزان {وما ربك بظلام} وهذا قاله لما قيل له ادع على المشركين يعني لو كنت أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة الله ولصرت قاطعا عن الخير إني لم أبعث لهذا
(طب عن كريز بن أسامة) العامري وقيل ابن سلمة بصري قال الذهبي: يقال له صحبة قال: قيل: يا رسول الله ادع الله على بني عامر فذكره قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم(3/13)
2627 - (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) لمن أراد الله إخراجه من الكفر إلى الإيمان أو لأقرب الناس إلى الله وإلى رحمته لا لأبعدهم عنها فاللعن مناف لحالي فكيف ألعن قال المظهري: وفي هذا الحديث مباحث منها أن معنى قوله رحمة بهدايته للمسلم وتأخير العذاب عن نوع من الكفار وهم أهل الذمة وما عداهم أمر بقتلهم وغنم ما لهم وذا من أشد عذاب الدنيا وهب أن امتناعه هذا من الدعاء عليهم من جهة العموم فما المانع من جهة الخصوص؟ ومنها أن طلب الدعاء عليهم لا ينحصر في اللعن فما موقع الجواب بقوله لم أبعث لعانا ومنها أن لعن الكفار جائز وقد لعن الله الكافرين والظالمين وفي البخاري أنه دعا على قريش انتهى
(خد م عن أبي هريرة)(3/13)
2628 - (إني لأمزح) أي بالقول وكذا بالفعل وتخصيصه بالأول ليس عليه معول (ولا أقول إلا حقا) لعصمتي عن الزلل في القول والعمل وذلك كقوله لامرأة زوجك في عينه بياض وقوله في أخرى لا يدخل الجنة عجوز وقوله لأخرى لأحملنك على ولد الناقة وقيل لابن عيينة المزاح سبة فقال: بل سنة ولكن من يحسنه وإنما كان يمزح لأن الناس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه فلو ترك اللطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة والعناء فمزح ليمزحوا ولا يناقض ذلك خبر ما أنا من دد ولا الدد مني فإن الدد اللهو والباطل وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقا فمن زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد افترى وقال الماوردي: العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما أحدهما إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين وهذا يكون بما أنس من جميل القول وبسط من مستحسن الفعل كما قال حكيم لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء والتقصير فيه نقص بالمؤانسين وتوحش بالمخالطين والثاني أن ينبغي من المزاح ما طرأ عليه وحدث به من هم وقد قيل لا بد للمصدور أن ينفث ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ذلك وأتى رجل عليا كرم الله وجهه فقال: احتلمت بأبي قال: أقيموه في الشمس واضربوا ظله الحد أما مزاح يفضي إلى خلاعة أو يفضي إلى سبة فهجنة ومذمة قال ابن عربي: ولا يستعمل المزاح أيضا في أحكام الدين فإنه جهل قال تعالى مخبرا عن قصة البقرة {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال معناه لا أمزح في أحكام الدين فإن ذلك فعل الجاهلين ولكن اذبحوها فستروا الحقيقة فيها
(طب) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب (خط عن أنس) قال الهيثمي: إسناد الطبراني حسن انتهى وإنما لم يصح لأن فيه الحسن بن محمد بن عنبر ضعفه ابن قانع وغيره وقال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرتها عليه منها هذا(3/13)
[ص:14] 2629 - (إني وإن داعبتكم) أي لاطفتكم بالقول (فلا أقول إلا حقا) قاله لما قالوا له: إنك تداعبنا يا رسول الله والمداعبة مطلوبة محبوبة لكن في مواطن مخصوصة فليس في كل آن يصلح المزاح ولا في كل وقت يحسن الجد قال:
أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى. . . وإني إذا جد الرجال لذو جد
وقال الراغب: المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء وتركه يقبض المؤانس ويوحش المخالط لكن الاقتصاد منه صعب جدا لا يكاد يوقف عليه ولذلك يخرج عنه أكثر الحكماء حيث قيل المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء فحل لا ينتج إلا الشر
(حم ت) وحسنه (عن أبي هريرة) وقال الهيثمي: إسناد أحمد حسن(3/14)
2630 - (إني لأعطي رجالا) مفعوله الثاني محذوف أي الشيء (وأدع) أي والحال أني أترك (من هو أحب إلي منهم) أي أولى بالإعطاء منه (لا أعطيه شيئا) من الفيء ونحوه (مخافة) مفعول لقوله أعطي أي لأجل مخافة (أن يكبوا) بضم أوله وفتح الكاف (في النار) أي يقلبوا منكوسين فيها والكب الإلقاء على الوجه فقوله (على وجوههم) تأكيد يعني أعطي بعضا لعلمي بضعف إيمانه حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسقط في النار على وجهه وأترك بعضا في القسمة لعلمي بكمال إيمانه ورضاه بفعلي فمن المؤلفة الذين لم يصل نور الإيمان لقلوبهم وإنما كانوا عبيد الدرهم والدينار وكان يعطيهم الأقرع بن حابس وعيينة وابن مرداس وأبو سفيان ويزيد ابنه وفي شرح الأحكام لعبد الحق أن أخاه معاوية منهم حكاه المقدسي وغيره من علماء الآثار كذا قال وفيه حل الإعطاء لمن لم يتمكن الإسلام من قلبه وأن للإمام تمييز البعض لمصلحة وأنه يقدم الأهم فالأهم وفيه جواز الشفاعة إلى ولاة الأمور ومراجعة المشفوع إليه إذا لم يؤد إلى مفسدة والأمر بالتثبت وأن المشفوع إليه لا يعاب إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة وأنه ينبغي أن يعتذر للشافع ويبين له عذره في ردها وأنه لا يقطع بالجنة لأحد على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرون وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به اعتقاد بالقلب
(حم ن عن سعيد) بن أبي وقاص قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت: يا رسول الله أعط فلانا فإنه مؤمن فقال: أو مسلم؟ أقولها ثلاثا ويرددها علي ثلاثا أو مسلم ثم قال: إني أعطي إلخ وهذا الحديث رواه مسلم عن سعد بلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار وبلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار على وجهه فكان العزو لمسلم أولى(3/14)
2631 - (إني تارك فيكم) بعد وفاتي (خليفتين) زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما (كتاب الله) القرآن (حبل) أي هو حبل (ممدود ما بين السماء والأرض) قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه (وعترتي) بمثناة فوقية (أهل بيتي) تفصيل بعد إجمال بدلا أو بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقيل من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها [ص:15] وفروعه التي نشأوا عنه كما قال: " فاطمة بضعة مني " ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه (وإنهما) أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما (لن يفترقا) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين (حتى يردا على الحوض) أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه وفي هذا مع قوله أولا إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنا ما كان ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره
<تنبيه> قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض
(حم طب عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة(3/14)
2632 - (إني لأرجو) أي أؤمل (أن لا تعجز أمتي) بفتح التاء وكسر الجيم أي أغنياؤها عن الصبر على الوقوف للحساب (عند ربها أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يؤخرهم) في هذه الدنيا (نصف يوم) من أيام الآخرة قيل لسعد: كم نصف ذلك اليوم قال: خمس مئة عام أي أخذا من آية {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وما تقرر من حمل الحديث على شأن يوم القيامة وتأويله بما ذكر هو ما مشى عليه بعض المحققين وذهب ابن جرير الطبري إلى إجرائه على ظاهره وقال: نصف اليوم خمس مئة سنة فإذا انضم إلى حديث ابن عباس إن الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الأخبار فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمس مئة سنة تقريبا انتهى. قال جمع: وقد ظهر بطلان ذلك وقد بين السهيلي أنه ليس في هذا الحديث ما ينفي الزيادة على الخمس مئة قال: وقد جاء ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة وإذا ساءت فنصف يوم انتهى وقد ظهر بطلان ذلك أيضا وقال الطيبي: بعد ما زيف الحمل على يوم القيامة العجز هنا كناية عن كمال القرب والمكانة عند الله يعني إن لي عنده مكانة وقربة يحصل بها كل ما أرجوه فالمعنى إني لأرجو أن يكون لأمتي عند الله مكانة تمهلهم من زماني هذا إلى انتهاء خمس مئة سنة بحيث لا يكون أقل من ذلك إلى قيام الساعة قال ابن حجر: بعد ما صوب تزييف الطيبي وتعقب جمع ما مر وما يعتمد عليه في ذلك ما أخرجه معمر في الجامع عن مجاهد عن عكرمة بلاغا في قوله تعالى {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة [ص:16] لا يدري كم مضى وكم بقي إلا الله
(حم د) في الملاحم (عن سعد) بن أبي وقاص قال المناوي: سنده جيد وقال ابن حجر في الفتح: رواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا وخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي ثعلبة بلفظ والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم وصححه الحاكم ثم قال: أعني ابن حجر ورجاله ثقات لكن رجح البخاري وقفه(3/15)
2633 - (إني نهيت) صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد (عن قتل المصلين) قال القاضي: أراد بالمصلين المؤمنين وإنما سمي المؤمن بالمصلي لأن الصلاة أشرف الأعمال وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان قال الحرالي: والنهي الحكم الواقع من الفعل التزاما إليه بمنزلة أثر الفعل المسمى بها لمنعه عما تهوي إليه النفس مما يتبصر فيه النهي
(هـ عن أبي هريرة) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء فنفاه فقلنا: ألا تقتله فذكره وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لم يثبت وقال الزين العراقي: ضعيف وعده في الميزان من المناكير(3/16)
2634 - (إني نهيت عن زبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي إعطاؤهم أي رفدهم واستشكل بقبول هدية المقوقس وغيره وجمع بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول لمصلحة كتأليف وتأنيس وأما الجمع بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين فتعقب بأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة وقيل يحمل القبول على من هو من أهل الكتاب والرد على أهل الوثن ومن زعم نسخ المنع كالمؤلف بأحاديث القبول أو عكسه عورض بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص
(د ت) من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله (عن عياض بن حمار) بحاء مهملة وميم مخففة وراء قال: أهديت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ناقة فقال: أسلمت قلت: لا فذكره(3/16)
2635 - (إني لا أقبل هدية مشرك) أي ما يهديه قل أو كثر إلا لمصلحة كما تقرر وأما غير المصطفى صلى الله عليه وسلم من الولاة فلا يحل له قبولها لنفسه عند الجمهور فإن فعل كانت فيئا
(طب) عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب (عن كعب بن مالك) قال: جاء ملاعب الأسنة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهدية فعرض عليه الإسلام فأبى فذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه قصة وقال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح(3/16)
2636 - (إني لا أصافح النساء) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال: إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمئة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه
(ت ن هـ عن أميمة) بالتصغير (بنت رقيقة) بضم الراء وفتح القاف وهي بقافين بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف وقيل هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى فعلى الأول تكون بنت عم أبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثاني أخت خديجة زوجته ولشرفها نسبت إليها بنتها وهي أميمة بنت عبد بجاد - بموحدة مفتوحة وجيم خفيفة - من بني تميم بن مرة رهط الصديق ورواه عنه أيضا من هذا الوجه باللفظ المذكور أحمد والبيهقي قال ابن حجر في [ص:17] تخريج المختصر حديث صحيح(3/16)
2637 - (إني لم أؤمر أن أنقب) بشد القاف أفتش (عن قلوب الناس) لأعلم ما فيها (ولا أشق بطونهم) يعني لم أؤمر أن أستكشف ما في ضمائرهم بل أمرت بالأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر قاله لما جيء له بمال فقسمه بين أربعة فاعترضه رجل فأراد خالد بن الوليد ضرب عنقه فنهاه وقال: لعله يصلي قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فذكره
(حم خ عن أبي سعيد) الخدري(3/17)
2638 - (إني حرمت ما بين لابتي المدينة) أي ما بين جبليها (كما حرم إبراهيم مكة) أي كما أظهر حرمة الحرم وظاهر هذا أن للمدينة حرما وهو مذهب الأئمة الثلاثة ونفاه أبو حنيفة قال الشافعية: فصيد الحرم المدني ونباته كالحرم المكي في حرمة التعرض له فيأتي هنا جميع ما هناك للتشبيه في الحرمة ويصير مذبوحه ميتة وغير ذلك ما عدا الفدية عملا بهذا الحديث
(م عن أبي سعيد) الخدري(3/17)
2639 - (إني لأشفع) وفي رواية إني لأرجو أن أشفع عند الله (يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر) بالتحريك جمع مدرة كقصب وقصبة وهو التراب المتلبد أو قطع الطين أو الطين العلك الذي لا يخالطه رمل (وشجر) يعني أشفع لخلق كثيرين جدا لا يحصيهم إلا الله تعالى فالمراد بما ذكره التكثير وفيه جواز الشفاعة ووقوعها وهو مذهب أهل السنة وإذا جاز العفو عن الكبيرة فمع الشفاعة أولى وقد قال الله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فنحو لا يقبل منها شفاعة بعد تسليم عموم الأحوال والأزمان مختص بالكفار جمعا بين الأدلة
(حم عن بريدة) تصغير بردة قال: دخلت على معاوية فإذا رجل يتكلم في علي فقال بريدة: يا معاوية أتأذن في الكلام قال: نعم وهو يرى أن يتكلم بمثل ما قال الآخر قال بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأرجو أن أشفع إلخ أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي. قال الزين العراقي: سنده حسن. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي(3/17)
2640 - (إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيلها) وفي رواية لمسلم أريد إطالتها (فأسمع بكاء الصبي) أي الطفل الشامل للصبية (فأتجوز في صلاتي) أي أخففها وأقتصر على أقل ممكن من إتمام الأركان والأبعاض والهيئات (شفقة) جملة حالية ورحمة (مما أعلم) ما مصدرية أو موصولة والعائذ محذوف وفي رواية للبخاري بدل مما لما باللام التعليلية (من) بيان لما (شدة وجد أمه) أي حزنها (ببكائه) في رواية من بكائه أي لأجل بكائه قال الزين العراقي: في هذه الرواية اختصار والمراد وأمه معه في الصلاة وولدها معها
<تنبيه> قوله في بعض الطرق لمسلم كان يسمع بكاء الطفل مع أمه وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه وأمه في المسجد في الصلاة وهذا من كريم عوائده ومحاسن أخلاقه وشفقته على أمته {وكان بالمؤمنين رحيما} وقد خصه الله من صفة الرحمة بأتمها وأعمها وذكر الأم غالبي فإنه كان أرحم الناس بالصبيان فمثلها من قام مقامها كحاضنته أو أبيه مثلا والقصد به بيان الرفق بالمقتدين وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه قوي عليه باعث الرحمة لأمه وغلبه مع علمه بأن بكاء الطفل وصراخه ينفعه كما قال ابن القيم [ص:18] نفعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفتح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك طبيعته لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور قيل وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير له انتظار لحوقه راكعا ليدرك الركعة أو قاعدا ليدرك الجماعة لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي فللعبادة أولى وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه والرفق بالمأموم والإتباع وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح
(حم ق د هـ عن أنس)(3/17)
2641 - (إني سألت ربي) أي طلبت منه (أولاد المشركين) أي العفو عنهم وأن لا يلحقهم بآبائهم (فأعطانيهم خدما لأهل الجنة) في الجنة ثم علل كونهم في الجنة المستلزم لعدم دخولهم النار للخلود بقوله (لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك) فلا يكونون في النار معهم (ولأنهم في الميثاق الأول) أي قبضوا وهم على حكمهم في قوله {ألست بربكم قالوا بلى} قال الحكيم: فهم خدم أهل الجنة لأنهم لم يستوجبوا الجنة بقول ولا عمل وساروا إلى الآخرة وليس بأيديهم مفتاح الجنة وهو الشهادة ولم يدركوا العمل فيستوجبوا الجنة لأنها ثواب الأعمال وقد كانوا في الميثاق فجاز أن يدخلوها فأعطوا خدمة أهلها بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم
(الحكيم) الترمذي عن (أنس) إطلاق المصنف عزوه إليه غير سديد فإنه إنما ساقه بلفظ يروى عن أنس ولم يذكر له سندا(3/18)
2642 - (إني لا أشهد على جور) أي ميل عن الاعتدال فكلما خرج عن الاعتدال فهو جور حراما أو مكروها وهذا قاله لمن خص بعض بنيه وجاء يستشهده وقال عياض: وفيه أنه يكره لأهل الفضل الشهادة فيما يكره وإن جاز
(ق ن) عن النعمان بن بشير(3/18)
2643 - (إني عدل لا أشهد إلا على عدل) سببه ما تقرر من استشهاده على ما خص به ولده وبه وبما قبله تمسك أحمد على أن تفضيل بعض الأولاد في الهبة حرام والجمهور على كراهيته لقوله في رواية: أشهد على هذا غيري ولو كان حراما لم يأمر باستشهاد غيره عليه
(ابن قانع) في المعجم (عنه) أي عن النعمان (عن أبيه) بشير الأنصاري(3/18)
2644 - (إني لا أخيس) بكسر الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية (بالعهد) أي لا أنقضه ولا أفسده قال الزمخشري: خاص بالعهد أفسده من خاس للطعام إذا فسد وخاس بوعده أخلفه (ولا أحبس) بحاء وسين مهملتين بينهما موحدة (البرد) أي لا أحبس الرسل الواردين علي قال الزمخشري: جمع بريد وهو الرسول. قال الطيبي: والمراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه لأن في تردد الرسل مصلحة كلية فلو حبسوا أو تعرض لهم بمكروه كان سببا لانقطاع السبل بين الفئتين المختلفتين وفيه من الفتنة والفساد ما لا يخفى على ذي لب
(حم د) [ص:19] في الجهاد (ن) في السير (حب ك) كلهم (عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثتي قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام وقلت لا أرجع إليهم فذكره ثم قال: ولكن ارجع إليهم فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قال: فذهبت ثم أتيته فأسلمت(3/18)
2645 - (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي) أي بالنبوة قيل هو الحجر الأسود وقيل البارز بزقاق المرفق وعليه أهل مكة سلفا وخلفا وكان ذلك (قبل أن أبعث) أي أرسل وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد البعث كما روي عن علي كرم الله وجهه فإن قيل: ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بإن والجملة الاسمية وليس المقام مقام إنكار؟ قلنا: قد يكون علم منهم الغفلة عن مثل هذا في ذلك الوقت فأراد التنبيه عليه بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه كما في قوله سبحانه {ثم إنكم بعد ذلك لميتون} ولم ينكر أحد الموت لكن لما غلبت الغفلة عنه حسن أو بالنظر إلى غيرهم لأنه أمر مستغرب فهو في مظنة الإنكار فإن قيل: محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجرا كان يسلم وهو وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه فلم خصه قلنا: يحتمل أنه حجر ذو شأن عظيم ولهذا نكره تنكير تعظيم ومن ثم قيل هو الحجر الأسود كما تقرر وبهذا المعنى يلتئم مع خبر عائشة لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا مدر ولا شجر إلا سلم علي قال ابن سيد البأس: وهذا التسليم يحتمل كونه حقيقة بأن أنطقه الله كما أنطق الجذع وكونه مضافا إلى ملائكة عنده من قبيل {واسأل القرية} قال غيره: والصحيح الأول معجزة له كإحياء الموتى معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام اه والأول هو ما عليه قاطبة أهل الكشف ومعنى سماعه سلامه أنه فتح سمعه لإدراك سلامه فقد قال ابن عربي: فتح سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه قال: وإنما قل فتح سمعه لأن الحصى ما زال منذ خلق مسبحا بحمد موجده فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه وفي الروض الأنف الأظهر أن هذا التسليم حقيقة وأنه تعالى أنطقه إنطاقا كما خلق الحنين في الجذع لكن ليس له شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأن الصوت عرض عند الأكثر ولم يخالف فيه إلا النظام وجعله الأشعري اصطكاك الجواهر بعضها ببعض ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من شرط الحياة والعلم مع الكلام والله أعلم أي ذلك كان أكان مقرونا بحياة وعلم فيكون الحجر به مؤمنا أم كان صوتا مجردا؟ وأيا ما كان هو من إعلام النبوة وقال القرطبي: الصحيح من مذهب أئمتنا أن كلام الجماد راجع إلى أنه تعالى يخلق فيه أصواتا مقطعة من غير مخارج يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها
(حم م ت عن جابر بن سمرة) قال في المنار: سكت عليه ولم يبين أنه من رواية سماك بن حرب انتهى ولفظ رواية مسلم إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن فقوله إني إلخ لعله سقط من قلم المؤلف(3/19)
2646 - (إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر) بن صيفي الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة كان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب واسمه عمرو وقيل عبد عمرو كان يذكر البعث ويحث على دين الحنيفية فلما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم عانده وحبسه وخرج إلى مكة ورجع مع قريش يوم أحد محاربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ثم رجع لمكة فأقام بها فلما فتحت هرب إلى الروم فمات بها كافرا وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه حتى أنه استأذن المصطفى صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه فنهاه واستشهد بأحد جنبا فلذلك رأى الملائكة تغسله (بين [ص:20] السماء والأرض) أي في الهواء (بماء المزن) أي المطر (في صحاف الفضة) وكان قتله شداد بن الأسود وذلك أنه التقى هو وأبو سفيان بن حرب فاستعلى حنظلة عليه ليقتله فرآه شداد فعلاه بالسيف حتى قتله وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم لتغسله الملائكة فسلوا صاحبته فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهاتف فقال: لذلك غسلته الملائكة وكفى بهذا شرفا وذا لا ينافيه الأخبار الناهية عن غسل الشهيد لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم
(ابن سعد) في الطبقات (عن خزيمة) بالتصغير (بن ثابت) الأوسي ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا وقتل مع علي بصفين(3/19)
2647 - (إني أحدثكم) لفظ رواية الطبراني محدثكم (الحديث فليحدث الحاضر) عندي (منكم الغائب) عني فإن بالتحديث يحصل التبليغ ويحفظ الحديث وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء
(طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: رجاله موثقون(3/20)
2648 - (إني أشهد) بضم الهمزة وكسر الهاء (عدد تراب الدنيا أن مسيلمة كذاب) في جرأته على الله تعالى ودعواه النبوة قيل للأحنف: كيف وجدت مسيلمة قال: ما هو بنبي صادق ولا بمتنبي حاذق قال الحرالي: والعدد اعتبار الكثرة بعضها ببعض
(طب عن وبر) بالتحريك بضبط المصنف (الحنفي) بفتح المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة بطن كثير عامتهم كانوا باليمامة ووبر في الصحابة اثنان وبر بن مسهر له وفادة من جهة مسيلمة الكذاب فأسلم ووبر بن خنيس الخزاعي وظاهره أن المراد هنا الأول(3/20)
2649 - (إني لأبغض) بضم الهمزة وغين معجمة مكسورة (المرأة تخرج من بيتها تجر ذيلها تشكو زوجها) يحتمل إلى القاضي ويحتمل إلى الناس كالأهل والجيران والأصهار والمعارف والحمل على الأعم أتم فيكره لها شكواه ولو محقة بل عليها الملاطفة والصبر ما أمكن نعم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا لوم على شكواها إذا فعل بها ما لا يجوز شرعا ولم ينجع فيه غير الشكوى
(طب عن أم سلمة) قال الهيثمي: فيه يحيى بن يعلى وهو ضعيف وقال غيره: وفيه أبو هشام الرافعي قال الذهبي في الضعفاء: قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه ويحيى بن يعلى الأسلمي لا التيمي قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغيره وسعد الإسكاف تركوه واتهمه ابن حبان(3/20)
2650 - (إني لم أبعث بقطيعة رحم) أي قرابة لأنه تعالى أكد وصلها وحظر قطعها وأخبر سبحانه فيما رواه الطبراني وغيره عن جرير مرفوعا بأنه شق لها أسماء من اسمه وأن من وصلها وصله ومن قطعها قطعه
(طب عن حصين) مصغرا بمهملتين (ابن دحدح) بمهملتين كجعفر الأنصاري الأوسي قال الذهبي: له حديث رواه عروة بن سعيد عن أبيه عنه وفي الإصابة قال البخاري وابن أبي حاتم: له صحبة وقال ابن حبان: يقال له صحبة وفي الجمهرة لابن الكلبي قتل بالعذيب وقيل بالقادسية(3/20)
2651 - (إني أحرج) لفظ رواية البيهقي أحرم (عليكم) أيها الأمة (حق الضعيفين) أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيرا بليغا وأزجره زجرا أكيدا ذكره النووي وقال غيره: أضيقه وأحرمه على من ظلمهما قال الزمخشري: ومن المجاز وقع في الحرج وهو ضيق المأثم وأحرجني فلان أوقعني في الحرج وحرجت الصلاة على الحائض والسحور على الصائم لما أصبح أي حرما وضاق أمرهما وظلمك على حرج أي حرام [ص:21] ضيق وتحرج فلان من كذا أي تأثم وحلف بالمحرجات أي بالطلاق الثلاث (اليتيم والمرأة) وجه تسميتهما بالضعيفين ظاهرة بل محسوسة وقد مر ذلك مبسوطا فراجعه
(ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أي في الخطبة قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن فيه أبو صالح كاتب الليث ضعيف ومحمد بن عجلان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ وسعيد بن أبي سعيد المقبري قال الذهبي: لا يحل الاحتجاج به وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن خويلد بن عمرو الخزاعي مرفوعا بلفظ اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة قال في الرياض: وإسناده حسن جيد فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى(3/20)
2652 - (إني رأيت) أي في النوم كما جاء مصرحا به في رواية مالك (البارحة عجبا) أي شيئا يتعجب منه إذ البارحة أقرب ليلة مضت قالوا: وما هو يا رسول الله قال: (رأيت رجلا من أمتي) أي أمة الإجابة وكذا فيما بعده (قد احتوشته ملائكة العذاب) أي احتاطت به الملائكة الموكلون بالتعذيب من كل جهة يقال احتوش القوم بالصيد أقاموا به وقد يتعدى بنفسه فيقال احتوشوه (فجاء) إليه (وضوءه) يحتمل الحقيقة بأن يجسد الله ثواب الوضوء ويخلق فيه حياة ونطقا والقدرة صالحة ويحتمل أنه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثواب الوضوء وكذا يقال فيما بعده (فاستنقذه من ذلك) أي استخلصه منهم يقال أنقذته من الشر إذا خلصته منه فنقذ نقذا من باب تعب تخلص والنقذ بفتحتين ما أنقذته كذا في المصباح وغيره يعلمك في هذا الحديث بأن من فوائد الوضوء وثمراته لمداوم عليه إذا توجه عليه عذاب القبر بما اكتسبه من الأدناس والآثام يأتيه وضوءه فينقذه منه فالمقصود الحث على إدامة الوضوء (ورأيت رجلا من أمتي يأتي على النبيين) أراد به ما يشمل المرسلين بدليل نصه الآتي على أنه كان معهم (وهم حلق حلق) بفتحتين على غير قياس كما في الصحاح كغيره أي دوائر دوائر قال الزمخشري: حلق حلقة إذا أدار دائرة وقال الأصمعي: الجمع حلق بالكسر كسدرة وسدر وقصعة وقصع وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن الحلقة بالفتح لغة السكون قال ثعلب وكلهم يجيزه على ضعفه (كلما مر على حلقة طرد) أي أبعد ونحي وقيل له اذهب عنا قال في الصحاح: طرده أبعده وأطرد الرجل غيره طريدا أو أطرده نفاه عنه وقال له اذهب عنا وطرده السلطان عن البلد مثل أخرجه منه وزنا ومعنى (فجاء اغتساله من الجنابة فأخذه بيده فأجلسه إلى جنبي) فيه تنويه عظيم بفضل الغسل من الجنابة حيث رفع صاحبه وأجلسه بجانب صدر الأنبياء وعظيم الأصفياء ولم يكتف بإدخاله حلقة من الحلق قال جدي رحمه الله: والاغتسال من الجنابة بقية من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الحكيم: فالجنابة إنما سميت جنابة لأن الماء الذي جرى من صلبه كان جاريا في الأصل من مياه الأعداء في ظهر آدم فأصابته زهومة تلك المياه بجوازه وممره من الصلب إلى مستقر العدو في الجوف ومستقره في المعدة في موضع الجنب فإذا خرج من العبد في يقظته أو نومه أوجب غسلا وإذا خرج عند خروج روحه أوجبه ولذلك يغسل الميت فالغسل تطهير من أثر العدو والجنب ممنوع من القراءة لأن الطهارة مقصودة وآثار العدو موجودة وهذا الرجل لو لم يغتسل في الدنيا لمنعه فقد طهارته الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه) بالبناء للمفعول (عذاب القبر) أي نشر عليه الملائكة الموكلون بإقامة عذاب القبر وعموه به يقال بسط الرجل الثوب بسطا نشره وبسط يده مدها منشورة وبسطها في الإنفاق جاوز القصد قال الزمخشري: ومن المجاز بسط عليهم العدل والعذاب وبسط لنا يده أو لسانه بما نحب أو بما نكره (فجاءته صلاته) أي ثوابها أو الملك الموكل بها (فاستنقذته من ذلك) أي خلصته من عذاب
[ص:22] القبر وذلك لأن العذاب إنما يقصد العبد الآبق الهارب من الله وأهل الصلاة كلما عادوا إلى الله في وقت كل صلاة فوقفوا بين يديه نادمين متعوذين مسلمين نفوسهم إليه مجددين لإسلامهم يترضونه بالتكبير والتسبيح والتحميد والتهليل والركوع والسجود والرغبة والرهبة والتضرع في التشهد فيسقط عنهم عيوب إباقهم فزالت العقوبة التي استوجبوها والقصد بذلك الحث على الاهتمام بالصلاة (ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الحق أو عن الرحمة على ما سبق (فجاءه ذكر الله) أي ثواب ذكره الذي كان يقوله في الدنيا أو ملائكته (فخلصه منهم) أي سلمه ونجاه من فتنتهم فقال خلص الشيء من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا وخلص من الكدر صفا فالشيطان وجنده قد أعطوا السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طمعا في إغوائه فهو يوصل الزينة إلى النفوس ويهيجها تهييجا يزعزع أركان البدن ويستفز القلب حتى يزعجه عن مقره فلا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأن الذكر إذا هاج من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار فإذا رأى العدو ذلك ولى هاربا وخمدت نار الشهوة التي يهيجها وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده (ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا) أي يخرج لسانه من شدة العطش (فجاءه صيام رمضان) فيه الحمل السابق (فسقاه) حتى أرواه فهذا عبد اتبع هواه وأمعن في شهواته حتى بعد عن الرحمة عطش وإذا عطش يبس وإذا يبس قسا {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} وبالرحمة يرطب القلب ويروى والصيام ترك الشهوات ورفض الهوى وإنما جعل الحوض لأهل الموقف لأنهم يقومون من القبور عطاشا لأنهم دخلوها مع الهوى والشهوة ثم لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح ومن ترك الهوى والشهوة سكن عطشه وروى برحمة الله وخرج من قبره إلى الله ريانا فأولئك الذين يسبقون إلى دخول الجنة قال في مختار الصحاح كأصله واللهثان بفتح الهاء العطش وبسكونها العطشان والمرأة لهثى وبابه طرب ولهاثا أيضا بالفتح واللهاث بالضم حر العطش ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش والتعب قال الزمخشري: من المجاز هو يقاسي لهاث الموت شدته (ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة) يعني احتاطت به الظلمة من جميع جهاته الست بحيث صار مغموسا فيها مغمورا (فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة) إلى النور والظلمة عدم النور وجمعها ظلم وظلمات كغرف وغرفات في وجوهها والظلام أول الليل والظلماء الظلمة (ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت) أي عزرائيل عليه السلام على ما اشتهر قال ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر (ليقبض روحه) أي ينزعها من جسده ويأخذها يقال قبضت الشيء قبضا أخذته (فجاءه بره) بكسر الباء (بوالديه فرده عنه) أي رد ملك الموت عن قبض روحه في ذلك الوقت لما أن بر الوالدين يزيد في العمر وقد جاء ذلك في عدة أخبار وذلك بالنسبة لما في اللوح أو الصحف أما العلم الأزلي فلا يتغير قال الحكيم: فبر الوالدين شكر لأنه قال {اشكر لي ولوالديك إلي المصير} فإذا برهما فقد شكرهما وقال في تنزيله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وإنما وجد العبد العمر من ربه في وقت انفصاله من أمه وقد كان في البطن حياة ولم
[ص:23] يكن عمر فلما خرج أعطي العمر بمقدار فإذا وصل والديه ببر كان قد وصل الرحم الذي منه خرج والصلب الذي منه جرى فكان فعله ذاك شكرا فزيد منه العمر الذي شكر من أجله فرد عنه ملك الموت يعلمك في هذا الحديث أن العبد إذا وصل رحمه زيد في عمره لأنه بالصلة صار شاكرا فشكر الله له ووفى له بما وعد في تنزيله فزاد في عمره (ورأيت رجلا من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم) بكسر الصاد إحسانه إلى أقاربه بالقول والفعل (فقالت إن هذا كان واصلا لرحمه) أي بارا لهم محسنا إليهم كما تقرر. قال الزمخشري: ومن المجاز وصل رحمه وأمر الله بصلة الرحم أي القرابة (فكلمهم وكلموه وصار معهم) هكذا ساقه المصنف والذي رأيته في خط مخرجه الحكيم رأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه انتهى فالرحم أصل المؤمنين كلهم فمن تمسك بصلاته فقد أرضى المؤمنين كلهم ومن قطعها فقد أغضبهم كلهم وأيسوا من خيره وانقطعت الرحمة عنه لأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم كما في حديث (ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه) أي يجعل يديه وقاية لوجهه لئلا يصيبه حر النار وشررها والوهج بفتحتين كما في الصحاح كغيره حر النار والوهج بسكون الهاء مصدر وهجت النار من باب وعد هجانا أيضا بفتح الهاء أي اتقدت وأوهجها غيره وتوهجت توقدت ولها وهيج أي توقد (فجاءته صدقته) أي جاء تمليكه شيئا لنحو الفقراء بقصد ثواب الآخرة (فصارت ظلا على رأسه) أي وقاية عن وهج الشمس يوم تدنو من الرؤوس يقال أنا في ظل فلان أي في ستره وظل الليل سواده لأنه يستر الأبصار عن النفوذ قال الزمخشري: ومن المجاز بتنا في ظل فلان (وسترا عن وجهه) أي حجابا عنه لأنه إذا تصدق فإنما يفدي نفسه ويفك جنايته والسترة ما يستر المار من المرور أي يحجبه كما في المصباح وغيره (ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله تعالى) وذلك لأن الأخلاق مخزونة عند الله في الخزائن كما تقدم في حديث فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا منها ليدر عليه ذلك الخلق كرائم الأفعال ومحاسن الأمور فيظهر ذلك على جوارحه ليزداد العبد بذلك محبة توصله إليه في الدنيا قلبا وفي الآخرة بدنا وإذا أحب الله عبدا أهبط عليه خلقا من أخلاقه وإذا رحمه أذن له في عمل من أعمال البر فهذه ثمرة الرحمة وتلك ثمرة المحبة (ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب) لفظ رواية الحكيم (قد أخذته الزبانية من كل مكان) أي الملائكة الذين يدفعون الناس في نار جهنم للعذاب من الزبن وهو الدفع يقولون أراد فلان حاجة فزبنه عنها فلان دفعه والناقة تزبن ولدها وحالبها عن ضرعها وزابنه دافعه وتزابنوا تدافعوا ووقع في أيدي الزبانية قال الزمخشري: وهم الشرط لزبنهم الناس وبه سميت زبانية النار لدفعهم أهلها إليها اه. (فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك) أي استخلصاه منهم ومنعهم من دفعه فيها وفي رواية الحكيم بدله فاستنقذاه إلخ أدخلاه على ملائكة الرحمة قال: فالزبانية شرط الملائكة والشرط لمن جاهر بالمعصية من أهل الريب يأخذونهم فمن استتر بستر الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو وإن استعمل أعمال أهل الريب بعد أن يكون مستورا لا ينهتك فينفعه في القيامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينجيه من الزبانية (ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار) أي سقط من أعلاها إلى
[ص:24] أسفلها والمراد نار جهنم (فجاءته دموعه) جمع دمع وهو ماء العين المتساقط عند البكاء لحزن القلب (اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله) أي من خوف عقابه أو عتابه أو عدم رضاه (فأخرجته من النار) نار جهنم فهذا عبد استوجب النار بعمله فأدركته الرحمة ببكائه من الخشية فأنقذته لأن دمعة من الخشية تطفئ بحورا من النيران (ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله) أي سقطت صحيفة أعماله في يده اليسرى والصحيفة ما يكتب فيه من نحو قرطاس أو جلد ولفظ رواية الحكيم بدل إلى شماله من قبل شماله (فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته) من شماله (فجعلها في يمينه) ليكون ممن أوتي كتابه بيمينه فإن أعظم الأهوال في القيامة في ثلاثة مواطن عند نظائر الصحف وعند الميزان وعند الصراط بدليل حديث لا يذكر أحد أحدا في هذه المواطن فإذا وقعت الصحيفة في يمينه أمن وظهرت سعادته لقوله سبحانه وتعالى {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} الآية وسيجيء في خبر إن الله تعالى يقول: لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين فمن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة فمن قاسى خوفه في الدنيا أوجب له الأمن يوم القيامة فإذا جاءه الهول عند نظائر الكتب جاءه الخوف فنفعه بأن جعل صحيفته في يمينه (ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه) برجحان سيئاته على حسناته (فجاءه أفراطه) أي أولاده الصغار الذين ماتوا في حياته وذاق مرارة فقدهم: جمع فرط بفتحتين ومنه يقال للطفل الميت اللهم اجعله فرطا أي أجرا متقدما وافترط فلان فرطا إذا مات له أولاد صغار (فثقلوا ميزانه) أي رجحوها فثقلها رجحانها قال في الكشاف ومنه حديث أبي بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما في وصية له وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقلها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفتها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف انتهى
<تنبيه> قال المولى التفتازاني كغيره جميع أحوال يوم القيامة من الصراط والميزان وغير ذلك أمور ممكنة أخبر بها الصادق فوجب التصديق بها ولا استبعاد في أن يسهل الله تعالى العبور على الصراط وإن كان أحد من السيف وأدق من الشعر وأن توزن صحائف الأعمال أو تجعل أجساما نورانية وظلمانية فلا حاجة إلى تأويل الصراط بطريق الجنة وطريق النار أو الأدلة الواضحة أو العبادات أو الشريعة والميزان بالعدل والإدراك ونحو ذلك (ورأيت رجلا من أمتي على شفير جهنم) أي على حرفها وشاطئها وشفير كل شيء حرفه كالنهر وغيره ومنه شفر الفرج ويقولون قعدوا على شفير النهر والبئر والقبر وقرحت أشفار عينيه من البكاء وهي منابت الهدب (فجاءه وجله من الله تعالى) أي خوفه منه (فاستنقذه من ذلك) أي خلصه (ومضى) فالوجل هو وقت انكشاف الغطاء لقلب المؤمن فإذا كان ذلك فتلك خشية العبد فاقشعر جلده وإن جهنم حائلة يوم القيامة بين العباد وبين الجنة حتى تضرب الجسور وتهيأ القناطر فعندها يستبين الصراط وهو الطريق لأهلها فالخلق كلهم على شفير النار فوجل العبد يجعل له السبيل لقطعها {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} فالمغفرة نورها ساطع وهو نور الرأفة فإذا جاءت الرأفة وجد العبد قلبا وذهبت الحيرة وشجعت النفس فمضت (ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة) أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل (فجاءه حسن ظنه بالله) تعالى (فسكن) بالتشديد (رعدته) بكسر الراء فحسن الظن من المعرفة بالله وعظم أمل العبد ورجائه لربه من المعرفة فلا يضيع الله معرفة العبد لأنه الذي من عليه بها فلم يرجع في منه وقابله بأن أعطاه حسن الظن به في الدنيا من تلك المعرفة وحقق ظنه فأنجاه وسكن رعدته حتى مضى والرعدة الاضطراب يقال أصابته رعدة من
[ص:25] البرد والخوف اضطراب وارتعد وأرعد وأرعده الخوف ورجل رعديد بالكسر ورعديدة جبان تصيبه رعدة من الخوف وقال الزمخشري: ومن المجاز رعد لي فلان وأبرق أرعد والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص فإن جرد الخوص قيل جريد (ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط) أي يجر أسته عليه لا يستطيع المشي (مرة ويحبو مرة) لفظ رواية الحكيم يزحف أحيانا ويحبو أحيانا هذا صريح في أن الحبو يغاير الزحف والذي في الصحاح والأساس وغيرهما أن الحبو الزحف فليحرر (فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز) أي حتى قطع الصراط ونفذ منه ومضى إلى الجنة سالما يقال جاز المكان يجوزه سار فيه وأجازه بالألف قطعه وأجازه نفذه وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة ولفظ رواية الحكيم بذل حتى جاز فأقامته ومضى على الصراط وذلك لأن الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم تأخذ بيده في وقت عثراته بمنزلة الطفل إذا مشى فتعثر في مشيه عجل إليه أبوه فبادر حتى يأخذ بيده فيقيمه فصارت صلوات العباد على نبيهم بمنزلة ذلك الأب العطوف الذي كلما عثر ولده بادر لعطفه بحفظه وإقامته (ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله فاكتفى بأحد الشقين عن الآخر لكونه معروفا بينهم (فأخذت بيده فأدخلته الجنة) أي فتحت له الأبواب التي أغلقت دونه فدخلها لأن هذه كلمة جامعة جعلت مفتاحا لأبواب الجنة وقد جاء في حديث إن المؤمنين يدعون من باب الجنة وإن أبوابها مقسومة على أبواب البر فباب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للحج وباب للجهاد وباب للأرحام وباب لمظالم العباد وهو آخرها فهذه سبعة أبواب مقسومة على أعمال البر وكذلك أبواب النيران مقسومة على أهلها ولكل باب منهم جزء مقسوم وباب للجنة زائد لأهل الشهادة يسمى باب التوبة فأري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق ووحي ليعلم العباد قوة هذه الأفعال الصادرة من العبيد أيام الدنيا ينادى لكل نوع من هذه الأعمال من القوة هناك في الموقف وفي أي موطن يعينه ويؤيده ليعلم العباد أجناس هذه الأفعال ومنافعها عند ذلك الهول الأعظم. قال جمع من الأعلام: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام فينبغي حفظه واستحضاره والعمل عليه مع الإخلاص فإنه الذي فيه الخلاص وقال ابن القيم: كان شيخنا يعظم أمر هذا الحديث ويفخم شأنه ويعجب به ويقول أصول السنة تشهد له ورونق كلام النبوة يلوح عليه وهو من أحسن الأحاديث الطوال ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجابا بحسنه وحرصا على النفع به ولهذا لما أورده الديلمي في الفردوس استشعر الاعتراض على نفسه فاعتذر بنحو ذلك
<تنبيه> قال القرطبي وغيره: هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالا خاصة تنجي من أحوال خاصة قال: لكن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص لله في عمله وصدق الله في قوله وفعله وأحسن نيته في سره وجهره فهو الذي تكون أعماله حجة له دافعة عنه مخلصة إياه فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار آخر فإن الناس مختلفو الحال في خلوص الأعمال
(الحكيم) الترمذي (طب) وكذا الديلمي والحافظ أبو موسى المديني وغيرهم وكلهم (عن عبد الرحمن بن سمرة) بضم الميم قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فذكره قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن [ص 26) المخزومي وكلاهما ضعيف انتهى وعزاه الحافظ العراقي أيضا إلى الخرائطي في الأخلاق قال: وسنده ضعيف انتهى وقال ابن الجوزي بعد ما أورده من طريقيه هذا الحديث لا يصح لكن قال ابن تيمية: أصول السنة تشهد له وإذا تتبعت متفرقات شواهده رأيت منها كثيرا(3/21)
2653 - (إن) بالكسر شرطية وسيجيء عن الزمخشري توجيهها في نحو هذا التركيب (أتخذ منبرا) بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع لأنه آلته أي إن كنت اتخذت منبرا لأخطب عليه فلا لوم علي فيه (فقد اتخذه) من قبلي (أبي إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام وقد أمرت فيما أوحي إلي باتباعه قال ابن أبي زيد: وكان اتخاذ نبينا صلى الله عليه وسلم له سنة سبع وقيل سنة ثمان أي من الهجرة وفي مسند البزار بسند فيه انقطاع إن أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام (وإن أتخذ العصا) لأتوكأ عليها وأغرزها أمامي في الصلاة (فقد اتخذها) من قبل (أبي إبراهيم) عليه الصلاة والسلام فلا لوم علي في اتخاذها والظاهر أن مراده بها العنزة التي كان يمشي بها بين يديه وإذا صلى ركزها أمامه
(البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي وهو ضعيف(3/26)
2654 - (إن اتخذت) يا جابر (شعرا) أي أردت إبقاء شعر رأسك وأن لا تزيله بنحو حلق (فأكرمه) أي عظمه بدهنه وتسريحه وهذا قاله لجابر أو لأبي قتادة فكان بعد ذلك يرجله كل يوم مرتين كذا في الشعب للبيهقي فالرجل مأمور ندبا إما بإزالة شعره أو بالإحسان إليه بدهنه وترجيله
(هب عن جابر) وفيه أحمد بن منصور الشيرازي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: أدخل على جمع من الشيوخ بمصر وأنا بها(3/26)
2655 - (إن أدخلت الجنة) أي أدخلك الله إياها وجاء في رواية الطبراني أن المخاطب عبد الرحمن بن ساعدة (أتيت بفرس من ياقوتة) زاد في رواية حمراء (له جناحان) يطير بهما كالطير (فحملت عليه) أي أركبته (ثم طار) ذلك الفرس (بك حيث شئت) مقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت حتى لو اشتهى أحدا أن يركب فرسا لوجده بهذه الصفة {وفيها ما تشتهي الأنفس}
{فائدة} قال ابن عربي: مراكب أهل الجنة تعظم وتصغر بحسب ما يريد الراكب. قال القاضي: معناه إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه والمعنى أنه ما من شيء تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف تشاء حتى لو اشتهيت أن تركب فرسا على هذه الصفة لوجدت ذلك ويحتمل أن المراد إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرسا من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفة والمعنى فيكون لك من المراكب ما يغنيك عن الفرس المعهود ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية أخرى وهو إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه طار بك حيث شئت ولعله عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يبين الفرق [ص:27] مراكب الجنة ومراكب الدنيا وما بينهما من التفاوت على سبيل التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة من جوهرة بما هو عندنا أنفس الجواهر وأدومها وجودا وأنفعها وأصفاها جوهرا وفي شدة حركته وسرعة انتقاله بالطيران اه
(ت) في صفة الجنة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال: إن أعرابيا قال: يا رسول الله إني أحب الخيل أفي الجنة خيل فذكره قال: وسأله رجل هل في الجنة من إبل فلم يقل ما قال لصاحبه قال: إن يدخلك الله الجنة يكون لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك اه ثم قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب الأنصاري إلا من هذا الوجه اه نعم رواه الطبراني عنه أيضا باللفظ المزبور قال المنذري والهيثمي: ورجاله ثقات اه فكان ينبغي للمصنف أن يضمه إلى الترمذي في العزو(3/26)
2656 - (إن أردت) بكسر التاء خطابا لعائشة (اللحوق بي) أي ملازمتي في منزلتي في الجنة قال في المصباح: اللحوق اللزوم واللحاق الإدراك (فليكفك من الدنيا كزاد الراكب) فاعل فليكفك أي مثل الزاد للراكب وهو في الأصل راكب الإبل خاصة ثم أطلق على كل من ركب دابة (وإياك) بكسر الكاف (ومجالسة الأغنياء) أي احذري ذلك لأنه من مبادئ الطمع وسبب لازدراء نعمة الله تعالى لما يرى من سعة رزقهم فهو أمر بالتقليل من الدنيا والاكتفاء باليسير حتى يكون عيشه كما كانوا يعتادونه من الزاد الذي يتخذه المسافر. قال الثوري: إذا خالط الفقير الغني فاعلم أنه مراء وقال بعضهم: إذا مال الفقير إلى الأغنياء انحلت عروته فإذا طمع فيهم انقطعت عصمته فإذا سكن إليهم ضل (ولا تستخلقي) بخاء معجمة وقاف (ثوبا) أي لا تعديه خلقا من استخلق نقيض استجد (حتى ترقعيه) أي تخيطي على ما تخرق منه رقعة قال القاضي البيضاوي: وروي بالفاء من استخلفه إذا طلب له خلفا أي عوضا واستعماله في الأصل بمن لكنه اتسع فيه بحرفها كما اتسع في قوله تعالى {واختار موسى قومه} انتهى. قال ابن العربي: ومعنى الحديث أن الثوب إذا خلق جزء منه كان طرح جميعه من الكبر والمباهاة والتكاثر في الدنيا وإذا رقعه كان بعكس ذلك وقد ورد أن عمر طاف وعليه مرقعة باثنتي عشرة رقعة فيها من أديم ورقع الخلفاء ثيابهم وذلك شعار الصالحين وسنة المتقين حتى اتخذه الصوفية شعارا فرقعت الجديد وأنشأته مرقعا وذا ليس بسنة بل بدعة عظيمة وفعلة داخلة باب الرياء وإنما قصد الشارع بالترقيع استدامة الانتفاع بالثوب على هيئته حتى يبلى وأن يكون دافعا للعجب ومكتوبا في ترك التكلف ومحمولا على التواضع وقد قيل فيمن فعل ذلك منهم:
لبست الصوف مرقوعا وقلتا. . . أنا الصوفي ليس كما زعمتا
فما الصوفي إلا من تصفى. . . من الأيام ويحك لو عقلتا
وقال الزين العراقي: فيه أفضلية ترقيع الثوب وقد لبس المرقع غير واحد من الخلفاء الراشدين كعمر وعلي حال الخلافة لكن إنما يشرع ذلك بقصد التقلل من الدنيا وإيثار غيره على نفسه أما فعله بخلا على نفسه أو غيره فمذموم لخبر إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وكذا ما يفعله حمقاء الصوفية وجهالهم من تقطيع الثياب الجدد ثم ترقيعها ظنا أن هذا زي الصوفية وهو غرور محرم لأنه إضاعة مال وثياب شهرة ومقصود الحديث أن من أراد الارتقاء في درجات دار البقاء خفف ظهره من الدنيا واقتصر منها على أقل ممكن
(ت ك) في اللباس والرقاق أخرجه الترمذي والحاكم معا من حديث سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان عن عروة (عن عائشة) قالت: جلست أبكي عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يبكيك إن أردت إلخ. قال الحاكم: صحيح وشنع عليه الذهبي بأن الوراق عدم انتهى. وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال: صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن حسان الذي [ص:28] يروي عن ابن أبي ذئب ثقة إلى هنا كلامه وقال المنذري: رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من رواية صالح بن حسان وهو منكر الحديث وقال ابن حجر: تساهل الحاكم في تصحيحه فإن صالحا ضعيف عندهم انتهى وكما لم يصب الحاكم في الحكم بتصحيحه لم يصب ابن الجوزي في الحكم بوضعه وإن صالحا ضعيف متروك لكن لم يتهم بالكذب(3/27)
2657 - (إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى) أي يعاملكم معاملة المحب لكم (ورسوله فأدوا) الأمانة (إذا ائتمنتم) عليها (واصدقوا إذا حدثتم) بحديث (وأحسنوا جوار من جاوركم) بكف طرق الأذى عنه ومعاملته بالإحسان وملاطفته وفي إفهامه أن من خان الأمانة وكذب ولم يحسن جوار جاره لا يحبه الله تعالى ولا رسوله بل هو بغيض عندهما
(طب عن عبد الرحمن بن أبي قراد) ويقال ابن أبي القراد بضم القاف وخفة الراء الأنصاري السلمي ويقال له الفاكه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بطهور فغمس يده فيه ثم توضأ فتبعناه فقال: ما حملكم على ما صنعتم قلنا: حب الله ورسوله فذكره قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن وافد القيسي وهو ضعيف(3/28)
2658 - (إن أردت أن يلين قلبك) أي لقبول امتثال أوامر الله وزاجره (فأطعم المسكين) المراد به ما يشمل الفقير ومن كلمات إمامنا البديعة إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (وامسح رأس اليتيم) أي من خلف إلى قدام عكس غير اليتيم أي افعل به ذلك إيناسا وتلطفا به فإن ذلك يلين القلب ويرضي الرب
(طب في مكارم الأخلاق هب عن أبي هريرة) قال: شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وفي سنده رجل مجهول(3/28)
2659 - (إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار) أي طلب المغفرة من الله تعالى بأي صيغة دلت عليه والوارد أولى (فافعلوا) أي ما استطعتموه (فإنه ليس شيء أنجح عند الله تعالى ولا أحب إليه منه) لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من تحلى بشيء منها ومن صفاته الغفار وإنما وجه الأمر للإكثار لأن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة بساعة فيقابله بالاستغفار فإذا أدمن ذلك خرج من العيوب والذنوب وعادت عليه الستور التي هتكها عن نفسه باقتراف الذنوب وأخرج ابن عساكر أن زيد بن أسلم مرض فأراد أن يكتب وصية فلم يقدر لوصب يده فنام فرأى رجلا مبيضا فقال له: أنا ملك الموت ما يبكيك ولم أؤمر بقبضك؟ قال: ذكرت النار قال: ألا أكتب لك براءة منها؟ فأخذ ورقة ثم كتبها ثم دفعها إلي فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم أستغفر الله أستغفر الله حتى ملأ القرطاس قلت: أين البراءة؟ قال: تريد أوثق من هذا؟ فاستيقظت والقرطاس بيدي فيه ذلك
(الحكيم) الترمذي (عن أبي الدرداء)(3/28)
2660 - (إن استطعت أن تكون أنت المقتول ولا تقتل أحدا من أهل الصلاة فافعل) سببه أن رجلا قال لسعد بن [ص:29] أبي وقاص: أخبرني عن عثمان قال: كان أطولنا صلاة وأعظمنا نفقة في سبيل الله ثم سأله عن أمر الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن سعد) بن أبي وقاص وفيه محمد بن يعلى زنبور أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم وغيره: متروك عن الربيع بن صبح مضعف عن علي بن زيد ابن جدعان ضعفوه(3/28)
2661 - (إن تصدق الله يصدقك) قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال: ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم صدق الله فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مجاهدا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولا فاختصره المؤلف
(ن ك عن شداد بن الهاد) الليثي واسم الهاد أسامة بن عمرو وقيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلا ليهتدي إليه الأضياف(3/29)
2662 - (إن تغفر اللهم تغفر جما) أي كثيرا (وأي عبد لك لا ألما) أي لم يلم بمعصية يعني لم يتلطخ بالذنوب وألم إذا فعل اللمم وهو صغار الذنوب واللمم في الأصل كما قال القاضي الشيء القليل وهذا بيت لأمية بن أبي الصلت تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم والمحرم عليه إنشاء الشعر لا إنشاده ومعناه إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوبا كثيرة فإن جميع عبادك خطاؤون
(ت) في التفسير (ك) في الإيمان والتوبة (عن ابن عباس) قال الترمذي: حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(3/29)
2663 - (إن سركم أن تقبل) في رواية بدله أن تزكو (صلاتكم) أي يقبلها الله منكم بإسقاط الواجب وإعطاء الأمر (فليؤمكم خياركم في الدين) لأن الإمامة وراثة نبوية وشفاعة دينية فأولى الناس بها أزكاهم وأتقاهم ليحسن الأداء وتقبل الشفاعة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني عن أبي هريرة يرفعه بلفظ إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم ثم قال: فيه أبو الوليد خالد بن إسماعيل ضعيف وقال ابن القطان: فيه العلاء بن سالم الراوي عن خالد مجهول(3/29)
2664 - (إن سركم أن تقبل صلاتكم) أي يقبلها الله ويثيبكم عليها (فليؤمكم علماؤكم) أي العاملون العالمون بأحكام الصلاة (فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم) أي هم الواسطة بينكم وبينه في الفيض لأن الواسطة الأصلي هو النبي صلى الله عليه وسلم وهم ورثته واستدل به وبما قبله ابن الجوزي للحنابلة على عدم صحة إمامة الفاسق ورده الذهبي بأنه لو صح لكان دليلا على الأولوية
(طب عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ابن أبي مرثد (الغنوي) بفتح المعجمة والنون صحابي بدري استشهد في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: فيه يحيى بن يعلى الأسلمي ضعيف جدا انتهى(3/29)
2665 - (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون) هم (له) قالوا: [ص:30] أخبرنا يا رسول الله قال: (فإن الله يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم) أحببناه (يا ربنا فيقول: لم؟) أحببتموه (فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك) أي أملنا منك ستر الذنوب ومحو أثرها (فيقول: قد أوجبت لكم عفوي ومغفرتي) لأنه عند ظن عبده به كما في الخبر الآخر فحقق لهم رجاءهم وفي رواية فيقول قد وجبت لكم رحمتي
(حم طب عن معاذ) ابن جبل قال الهيثمي: فيه عبيد الله بن زحر ضعيف وأعاده مرة أخرى وقال: رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن انتهى(3/29)
2666 - (إن شئتم أنبأتكم) أي أخبرتكم (عن الإمارة) بكسر الهمزة أي عن شأنها وحالها (وما هي أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل) لأنها تحرك الصفات الباطنة وتغلب على النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا فإذا كانت محبوبة كان الوالي ساعيا في حظ نفسه متبعا لهواه ويقدم على ما يريد وإن كان باطلا وعند ذلك يهلك ومن ثم أخرج ابن عوف عن المقداد قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل فلما رجعت قال: كيف وجدت الإمارة قلت: ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول والله لا آلي على عمل أبدا
(طب) وكذا البزار (عن عوف بن مالك) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ فناديت بأعلى صوتي وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها ملامة إلخ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري: رواه البزار والطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح(3/30)
2667 - (إن قضى الله تعالى شيئا) أي قدر في الأزل كون ولد (ليكونن) أي لا بد من كونه وإبرازه للوجود (وإن عزل) الواطئ ماءه عن الموطوءة بأن أنزل خارج فرجها وهذا قاله لمن سأله عن العزل يعني فلا فائدة للعزل ولا لعدمه كما سبق تقريره
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي سعيد) الخدري(3/30)
2668 - (إن قامت الساعة) أي القيامة سميت به لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لطولها فهو تلميح كما يقال في الأسود كافورا ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق (وفي يد أحدكم) أيها الآدميون (فسيلة) أي نخلة صغيرة إذ الفسيل صغار النخل وهي الودي (فإن استطاع أن لا يقوم) من محله أي الذي هو جالس فيه (حتى يغرسها فليغرسها) نديا قد خفي معنى هذا الحديث على أئمة أعلام منهم ابن بزيزة فقال: الله أعلم ما الحكمة في ذلك انتهى. قال الهيثمي: ولعله أراد بقيام الساعة أمارتها فإنه قد ورد إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشا بعد والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا وفي الكشاف كان ملوك فارس قد أكثروا من [ص:31] حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من عسف الرعايا فسأل بعض أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال: ما غرسته طمعا في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به. . . ولا يكون له في الأرض آثار
ومن أمثالهم أمارة إدبار الأمارة كثرة الوباء وقلة العمارة وحكي أن كسرى خرج يوما يتصيد فوجد شيخا كبيرا يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل فقال له كسرى: زه وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل فقال له: أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها فقال كسرى: زه فأعطى ألف دينار فقال له أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين فقال له زه فأعطى ألف دينار أخرى وساق جواده مسرعا وقال: إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا
(حم خد) وكذا البزار والطيالسي والديلمي (عن أنس) قال الهيثمي: ورجاله ثقات وأثبات(3/30)
2669 - (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا) أي يسعى على ما يقيم به أودهم (فهو) أي الإنسان الخارج لذلك أو الخروج أو السعي (في سبيل الله) أي في طريقه وهو مثاب مأجور إذ الخروج فيه كالخروج في سبيل الله أي الجهاد أو السعي كالسعي فيه (وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين) أي أدركهما الكبر أي الهرم عنده (فهو في سبيل الله) بالمعنى المقرر (وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها) أي عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام أو عن الوطئ الحرام (فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى) لا لواجب أو مندوب بل (رياء ومفاخرة) بين الناس (فهو في سبيل الشيطان) إبليس أو المراد الجنس أي في طريقهم أو على منهجهم
(طب عن كعب بن عجرة) بفتح فسكون قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فذكره قال الطبراني: لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن كثير انتهى قال الهيثمي: ورواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح وسبقه إليه المنذري(3/31)
2670 - (إن كان في شيء من أدويتكم خير) أي شفاء ذكره القرطبي وأتى هنا بصيغة الشرط من غير تحقق الإخبار وجاء في البخاري الشفاء في ثلاث وذكرها فحقق الخبر (ففي) أي فهو في أي فيكون في (شرطة محجم) أي استفراغ الدم وهو بفتح الشين ضربة مشراط على محل الحجم ليخرج الدم والمحجم بالكسر قارورة الحجام التي يجتمع فيها الدم وبالفتح موضع الحجامة وهو المراد هنا ذكره بعضهم وقال القرطبي: المراد هنا الحديدة التي يشترط بها قال في الفتح: وإنما خصه بالذكر لأن غالب إخراجهم الدم بالحجامة وفي معناه إخراجه بالفصد (أو شربة من عسل) أي بأن [ص:32] يدخل في المعجزات المسهلة التي تسهل الأخلاط التي في البدن والمراد به حيث أطلق عسل النحل وفيه شفاء للناس ومنافعه لا تكاد تحصى فمن أراد الوقوف عليها فعليه بكتب المفردات أو الطب واقتبس بعضهم من لفظ الشك أن ترك التداوي أفضل يعني أنه فضيلة تسليما للقضاء والقدر (أو لذعة) وفي رواية أو كية (بنار) بذال معجمة وعين مهملة أي حرقتها والمراد الكي. قال الزمخشري: واللذع الخفيف مس الإحراق ومنه لذعه بلسانه وهو أذى يسير ومنه قيل للذكي الفهم الخفيف لوذع ولوذعي (توافق داء) فتذهبه قال بعضهم: أشار به إلى جميع ضروب المعالجات القياسية وذكر أن العلل منها ما هو مفهوم السبب وغيره فالأول لغلبة أحد الأخلاط الأربعة فعلاجه باستفراغ الإمتلاء مما يليق به من المذكورات في الحديث فمنها ما يستفرغ بإخراج الدم بالشرط وفي معناه نحو الفصد ومنها ما يستفرغ بالعسل وما في معناه من المسهلات ومنها ما يستفرغ بالكي فإنه يجفف رطوبة محل المرض وهو آخر الطب وأما ما كان من العلل عن ضعف بعض القوى فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة ومن أنفعها العسل إذا استعمل على وجهه وما من العلل غير مفهوم السبب كسحر وعين ونظرة جني فعلاجه بالرقى وأنواع من الخواص وإلى هذا أشار بزيادته في رواية أو آية في كتاب الله وقال القرطبي: إنما خص المذكورات لأنها أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم العادة ولا يلزم كونها كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في البلد والعادة والهوى والمشاهدة قاضية باختلاف العلاج والأدوية باختلاف البلاد والعادة (وما أحب أنا أن أكتوي) لشدة ألم الكي فإنه يزيد على ألم المرض فلا يفعل إلا عند عدم قيام غيره مقامه ولأنه يشبه التعذيب بعذاب الله انتهى فإن قيل: أصل إن الشرطية أن تستعمل في المشكوك وثبوت الخيرية في شيء من أدويتهم لا على التعيين محقق عندهم فما وجه إن؟ فالجواب: أنها قد تستعمل لتأكيد تحقق الجواب كما يقال لمن يعلم أن له صديقا إن كان له صديق فهو زيد
(حم ق ن) من حديث عاصم (عن جابر) ابن عبد الله قال: جاءنا جابر في أهلنا ورجل يشتكي جراحا به أو جراحا فقال: ما تشتكي فقال: جراح بي قد شق علي فقال: يا غلام ائتني بحجام فقال الغلام: ما تصنع به قال: أريد أن أعلق عليه محجما قال: والله إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبريه من ذلك قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد(3/31)
2671 - (إن كان شيء من الداء يعدي) أي يجاوز صاحبه لغيره (فهو هذا يعني الجذام) هذا من كلام الراوي لا من تتمة الحديث قال في المطامح: قوله إن كان دليل على أن هذا الأمر غير محقق عنده انتهى وحينئذ فلا تعارض بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة وسيجيء تحقق الجمع بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب(3/32)
2672 - (إن كان الشؤم) ضد اليمن مصدر تشاءمت وتيمنت قال الطيبي: واوه همزة خففت فصارت واوا ثم غلب عليها التخفيف ولم ينطق بها مهموزة (في شيء) من الأشياء المحسوسة حاصلا (ففي الدار والمرأة والفرس) يعني إن كان للشؤم وجود في شيء يكون في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلا ذكره عياض أي إن كان في شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي: وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو للطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعا أو شرعا وقيل هذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن له دار يكره سكناها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا توافقه أن يفارقها بنقلة وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل بفراق أو بيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة قال القرطبي: ومقتضى هذا السياق أنه لم يكن متحققا لأمر [ص:33] الشؤم في الثلاث في الوقت الذي نطق لفظ الحديث فيه لكنه تحققه بعد ذلك فقال في الحديث الآتي إنما الشؤم إلخ وخص الثلاثة بالذكر لكونها أعم الأشياء التي يتداولها الناس وقال الخطابي: اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من خير وشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله تعالى وهذه الثلاثة ظروف جعلت مواقع الأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ولا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان
(مالك) في الموطأ (حم خ هـ عن سهل بن سعد) الساعدي (ق عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن جابر) بن عبد الله(3/32)
2673 - (إن كنت عبدا لله (1) فارفع إزارك إلى أنصاف الساقين) قال الزمخشري: إن هذه من الشرط الذي يجيء به المدلى بأمره المتحقق لصحته هو كان متحققا أنه عبد الله ومنه قوله تعالى {إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} مع علمه بأنهم لم يخرجوا إلا لذلك واعلم أن إسبال الإزار بقصد الخيلاء حرام وبدونه مكروه ومثل الإزار كل ملبوس كقميص وسراويل وجبة وقباء ونحوها بل روي عن أبي داود الوعيد على إسبال العمامة قال الزين العراقي: والظاهر أن المراد به المبالغة في تطويلها وتعظيمها لأجرها على الأرض فإنه غير معهود فالإسبال في كل شيء يحسبه قال: ولو أطال أكمامه حتى خرجت عن المعتاد كما يفعله بعض المكيين فلا شك في تناول التحريم لما مس الأرض منها بقصد الخيلاء بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد فقد كان كم قميص المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ
(طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي إزار يتقعقع فقال: من هذا فقلت: عبد الله قال: إن كنت إلخ فرفعت إزاري إلى نصف الساقين ولم تزل إزرته حتى مات قال الزين العراقي: إسناده صحيح وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بإسنادين وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح
_________
(1) [في الأصل " عبد الله " وفي الفتح الكبير للنبهاني " عبدا لله " فاخترناه. دار الحديث](3/33)
2674 - (إن كنت) أيها الرجل الذي حلف بالله ثلاثا أنه يحبني (تحبني) حقيقة كما تزعم (فأعد للفقر تجفافا) أي مشقة وهو بكسر المثناة وسكون الجيم وبالفاء المكررة وهو ما جلل به الفرس ليقيه الأذى وقد يلبسه الإنسان فاستعير للصبر على مشاق الشدائد يعني أنك ادعيت دعوى كبيرة فعليك البينة وهو اختبارك بالصبر تحت أثقال الفقر الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم الموافق وتحمل مكروهه وتجرع مرارته والخضوع والخشوع بملابسته بأن تعد له تجفافا والتجفاف إنما يكون جنة لرد الشيء كذا قرره جمع وقال الزمخشري: معناه فلتعد وقاءا مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش. اه. وقال بعضهم: ذهب قوم إلى أن من أحب أهل البيت افتقر وهو خلاف الحقيقة والوجود بل معنى الخبر فليقتد بنا في إيثارنا الفقر على الدنيا (فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل) إذا انحدر من علو (إلى منتهاه) أي مستقره في سرعة نزوله ووصوله والفقر جائزة الله لمن أحبه وأحب رسوله وخلعته عليه وبره له لأنه زينة الأنبياء وحلية الأولياء وشبهه بالسيل دون غيره تلويحا بتلاحق النوائب به سريعا ولات حين مناص له منها
(حم ت) في الزهد (عن عبد الله بن مغفل) قال: جاء رجل فقال يا رسول الله والله إني أحبك فقال: انظر ماذا تقول قال: والله إني أحبك ثلاثا فذكره قال الطيبي: قوله انظر ماذا تقول أي رمت أمرا عظيما وخطبا كبيرا فتفكر فيه فإنك موقع نفسك في خطر وأي خطر تستهدفها غرض سهام [ص:34] البلايا والمصائب لاحقة به بسرعة لا خلاص له ولا مناص هذا على مقتضى قوله في الحديث الآتي المرء مع من أحب فيكون بلاؤه أشد من بلاء غيره فإن أشد الناس بلاءا الأنبياء وفيه أن الفقر أشد البلاء وأعظم المصائب ورواه عنه أيضا ابن جرير(3/33)
2675 - (إن كنت صائما) شهرا بعد شهر (رمضان) الذي هو الفرض (فصم) ندبا (المحرم فإنه شهر الله) قال الزين العراقي: هذا كالتعليل لاستحباب صومه بكونه شهر الله لا ما علله به القرطبي وابن دحية لكونه فاتحة السنة وتفضيل الأشخاص والأزمنة والأمكنة حيث ورد لا يعلل إلا إن ورد تعليله في كتاب أو سنة (فيه يوم تاب الله فيه على قوم) قال العراقي: يحتمل أنه تتمة للعلة للأمر بصيامه أي فإنه كذا وكذا ويحتمل الاستئناف وأنه لا تعلق له بالأمر بالصوم وقوله (ويتوب فيه على آخرين) هذا من الإخبار بالغيب المستقبل قال: والظاهر أن هذا اليوم المبهم يوم عاشوراء ففي حديث أبي هريرة أنه يوم تاب الله فيه على آدم لكن فيه ضرار بن عمرو ضعفه ابن معين وغيره وقد ورد أيضا أنه تاب فيه على قوم يونس روى أبو الشيخ [ابن حبان] في فضائل الأعمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحا هبط من السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكرا لله تعالى وفيه تاب الله على آدم وعلى أمه يونس وفيه فلق البحر لبني إسرائيل وفيه ولد إبراهيم وعيسى قال: وفيه عثمان بن مطر منكر الحديث وقال وهب: أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن مر قومك أن يتوبوا إلي في عشر المحرم فإذا كان في اليوم العاشر فليخرجوا إلي أغفر لهم. قال ابن رجب: هذا الحديث حث على التوبة فيه وأنه أرجى لقبول التوبة انتهى
(ت عن علي أمير المؤمنين) قال: قال رجل: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان فذكره قال الترمذي: حسن غريب قال الزين العراقي: تفرد بإخراجه الترمذي وقد أورده ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الله الواسطي ونقل تضعيف الأئمة له أحمد ابن حنبل وابن معين والبخاري والنسائي انتهى وما ذكره من تفرد الترمذي به لعله من حديث علي وإلا فقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة قال: جاء أعرابي بأرنب شواها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل وأمر القوم أن يأكلوا فأمسك الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يمنعك أن تأكل قال: إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فذكره(3/34)
2676 - (إن كنت صائما) نفلا (فعليك بالغر البيض) أي الزم صومها (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أي ثالث عشر الشهر ورابع عشره وخامس عشره وهذا قاله لأبي ذر لما قال: يا رسول الله إني صائم قال: وأي الصيام تصوم قال: أول الشهر وآخره فقال له: إن كنت صائما إلخ قال أبو البقاء: أي هنا منصوبة بتصوم والزمان معها محذوف تقديره أي زمان الصوم تصوم ولذلك أجاب بفطر أول الشهر ولو لم يرد حذف المضاف لم يستقم لأن الجواب يكون على وفق السؤال فإذا كان الجواب بالزمان كان السؤال عن الزمان ويجوز أن لا يقدر في السؤال حذف مضاف بل يقدر في الجواب وبقدر صيام أول الشهر
(ن طب عن أبي ذر) قال الهيثمي: وفيه حكيم بن جبير وفيه كلام كثير رواه عنه أيضا أحمد وفيه عنده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وقد اختلط(3/34)
2677 - (إن كنت لا بد سائلا) أي طالبا أمرا من الأمور (فاسأل الصالحين) أي أهل الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق أو من يتبرك بدعاية وترجى إجابته إذا دعا لك أو الساعين في مصالح الخلق بنحو [ص:35] شفاعة ومعروف ومع ذلك لا يمنون على أحد بما أعطوه أو فعلوه معه لكون الواحد منهم يرى الملك لله في الوجود ويرى نفسه كالوكيل المستخلف في مال سيده ليصرف منه على عبيده بالمعروف ومصداق ذلك في كلام الله ففي الزبور إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا ولا تسأل معادن الشر فترجع ملوما محسورا وفيه قيل: " اسأل الفضل إن سألت الكبارا ". قال المرسي: قال لي الشيخ يعني العارف والشاذلي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئا فمكثت على ذلك سنة ثم قال: إن أردت كونك منهم فلا تقبل من أحد شيئا فكنت أخرج إلى الساحل وألقط ما يقذفه البحر من القمح وقال في الحكم: لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعا؟ ومن كلامهم البديع: " قرع باب اللئيم قلع ناب الكريم ". وقال بعضهم:
إذا احتاج الكريم إلى اللئيم. . . فقد طاب الرحيل إلى الجحيم
وأنشد ابن الجوزي في الصفوة:
لا تحسبن الموت موت البلاء. . . وإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا. . . أشد من ذاك لذل السؤال
وقال بعضهم:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله. . . عوضا ولو نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته. . . رجح السؤال وخف كل نوال
(د ن) عن مسلم بن يخشى عن ابن الفراسي (عن الفراسي) بفتح الفاء قال: قلت: أسأل يا رسول الله؟ قال: لا ثم ذكره وإن كنت إلخ. قال الطيبي: اسأل أي اسأل وإن كنت عطف على محذوف أي لا تسأل الناس وتوكل على الله على كل حال وإن كان لا بد من السؤال فسل الصلحاء وخبر كان محذوف ولا بد معترضة مؤكدة بين الشرط والجزاء وفي وضع الصالحين موضع الكرماء إشارة إلى حل ما يمنحونه وصون عرض السائل صون ما لأن الصالح لا يمنح إلا حلالا ولا يكون إلا كريما لا يهتك العرض اه قال عبد الحق وابن الفراسي: لا يعلم أنه روى عنه إلا بكر بن سوادة(3/34)
2678 - (إن كنت) يا عائشة (ألممت بذنب) أي أتيته من غير عادة بل على سبيل الهفوة والسقطة وفي الصحاح الإلمام مقابلة المعصية من غير موافقة وهذا المعنى له هنا لطف عظيم معلوم بالذوق (فاستغفري الله تعالى) أي اطلبي منه الغفر أي الستر للذنب (وتوبي إليه) توبة صحيحة نصوحا (فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار) وهذا بعض من حديث واتهام عائشة بصفوان والقصة مشهورة
(هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن بشار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: اتهمه أحمد وقال ابن معين: ليس بشيء وقال ابن عدي: صدوق ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لا علاء من البيهقي ولا أحق بالعزو وهو ذهول فقد خرجه أحمد قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة اه وهو في الصحيحين بدون قوله فإن إلخ(3/35)
2679 - (إن كنتم تحبون حلية الجنة) بكسر الحاء وسكون اللام زينتها والمراد حلي الذهب والفضة (وحريرها فلا [ص:36] تلبسوهما في الدنيا) فإن من لبسهما من الرجال ومثلهم الخناثى في الدنيا لم يلبسهما في الآخرة كما في خبر آخر ويحرم على الرجل والخنثى استعمال حلي النقدين والحرير لغير ضرورة أو حاجة
(حم ن ك عن عقبة بن عامر) الجهني(3/35)
2680 - (إن لقيتم عشارا) أي مكاسا أي وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيما على دينهم أو مستحلا (فاقتلوه) لكفره قال في المصباح: عشرت المال عشرا من باب قتل وعشورا أخذت عشره واسم الفاعل على عاشر وعشار
(طب عن مالك بن عتاهية) بن حرب الكندي مصري قال الذهبي: له هذا الحديث وفيه رجل مجهول وابن لهيعة اه وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحق بالعزو من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد والبخاري في التاريخ وجازف ابن الجوزي فحكم بوضعه(3/36)
2681 - (إن نساني الشيطان شيئا من صلاتي) أي من واجباتها كنسيان الاعتدال والقعود بين السجدتين أو مندوباتها كالتشهد الأول (فليسبح القوم) أي الرجال (وليصفق النساء) ندبا ونبه بذكر النسيان على أن من نابه شيء في صلاته يسبح الذكر وتصفق الأنثى ندبا فإن صفق وسبحت لم يضر لكنه خلاف السنة قال الزمخشري: القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال لقيامهم بأمور النساء والتصفيق ضرب أحد صفقي الكفين على الآخر اه
(د عن أبي هريرة)(3/36)
2682 - (أنا محمد بن عبد الله) علم منقول من مركب من إضافي سمي به بإلهام إلهي لجده لرؤيا رآها كما ذكر حديثها القيرواني العابر في كتاب البستان وهو أنه رأى سلسلة فضة خرجت منه لها طرف في السماء وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرقين معلقون بها فعبرت بمولود يتبعونه ويحمده أهل السماء (ابن عبد المطلب) اسمه شيبة الحمد أو غير ذلك وكنيته أبو الحارث كان مفزع قريش وشريفهم وملجأهم في الأمور وموئلهم في النوائب وأول من خضب بالسواد وكان يرفع من مائدته للطير والوحش في رؤوس الجبال ومن ثم يقال له مطعم طير السماء والشيخ الجليل صاحب الطير الأبابيل وجعل باب الكعبة ذهبا وكانت له السقاية والزيارة والسدانة والرفادة والحجابة والإفاضة والندوة وحرم الخمر على نفسه في الجاهلية (ابن هاشم) اسمه عمرو ولقب به لأنه أول من هشم الثريد لقومه في الجدب قال النيسابوري: كان النور على وجهه كالهلال لا يمر بشيء إلا سجد له ولا رآه أحد إلا أقبل نحوه سأله قيصر أن يتزوج ابنته لما رأى في الإنجيل من صفة ابنه قال ابن الأثير: مات وله عشرون أو خمس وعشرون سنة (ابن عبد مناف) اسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس كان يقال له قمر البطحاء لجماله سمي به لطوله وكان مطاعا في قريش (بن قصي) تصغير قصي أي بعيد لأنه بعد عن قومه في بلاد قضاعة مع أمه واسمه مجمع أو رند ملكه قومه عليهم فكان أول ملك من بني كعب وكان لا يعقد عقد نكاح ولا غزو إلا في داره (بن كلاب) بكسر الكاف والتخفيف منقول من المصدر بمعنى المكالبة أو من الكلاب جمع كلب لقب به لحبه للصيد اسمه حكيم أو حكيمة أو عروة وكنيته أبو زرعة وهو أول من حلى السيوف بالنقد (ابن مرة) بضم الميم كنيته أبو يقظة (بن كعب) كنيته أبو هصيص وهو أول من قال أما بعد وأول من جمع يوم [ص:37] العروبة وكان يجمع قريشا يومها فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ولده (ابن لؤي) بضم اللام وهمزة وتسهل (ابن غالب) كنيته أبو تيم (ابن فهر) بكسر فسكون اسمه قريش وإليه ينسب قريش فما كان فوقه فكناني (بن مالك) اسم فاعل من ملك يملك يكنى أبا الحارث (ابن النضر) بفتح فسكون اسمه قيس لقب به لنضارة وجهه وجماله ويكنى أبا مخلد أو عبد المطلب رأى في منامه شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان نور من نور فجذبت إلى السماء فأولت بالعز والسؤدد (بن كنانة) لقب به لأنه كان سترا على قومه كالكنانة أو الجعبة الساترة للسهام لأنه كان عظيم القدر يحج إليه العرب لعلمه وفضله (بن خزيمة) تصغير خزمة يكنى أبا أسد له مكارم وأفضال بعدد الرمال (بن مدركة) بضم فسكون اسمه عمرو وحكى الرشاطي عليه الإجماع وكنيته أبو هذيل لقب به لأنه أدرك أرنبا عجز عنها رفقاؤه (بن إلياس) بكسر الهمزة أو بفتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر كنيته أبو عمرو وهو أول من أهدى البدن للبيت قيل وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج ولما مات أسفت زوجته خندف عليه فنذرت لا تقيم ببلد مات فيه ولا يظلها سقف وحرمت الرجال والطيب وخرجت سائحة حتى ماتت فضرب بها المثل (بن مضر) بضم ففتح معدول عن ماضر اسمه عمرو ومن كلامه من يزرع شرا يحصده وخير الخير أعجله واحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحها واصرفوها عن هواها فيما يفسدها وكانت له فراسة وقيافة (ابن نزار) بكسر النون والتخفيف من النذر القليل لأن أباه حين ولد نظر إلى نور النبوة بين عينيه ففرح به وأطعمه كثيرا وقال: هذا نور في حق هذا وكنيته أبو إياد بن مسعد بن عدنان إلى هنا معلوم الصحة متفق عليه. قال ابن دحية: أجمعوا على أنه لا يجاوز عدنان وعن الحبر بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون ومن ثم أنكر مالك على من رفع نسبه إلى آدم عليه السلام وقال: من أخبره به أي لأنه من كلام المؤرخين ولا ثقة بهم قال ابن القيم: ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وهو الذبيح على الصواب. قال: والقول بأنه إسحاق باطل من عشرين وجها. وقال ابن تيمية: هو إنما يتلقى من أهل الكتاب وهو باطل بنص كتابهم (وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما) فرقة (فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني من عهد الجاهلية) قال مغلطاي: إنما كان آباؤه فضلاء عظماء لأن النبوة ملك وسياسة عامة والملك في ذوي الأحساب والأخطار وكلما كانت خصال الفضل أكثر كانت الرعية أكثر انقيادا وأسرع طاعة وكلما كان في الملك نقيصة نقصت أتباعه ورعاياه فلذا جعل من خير الفرق وخير البقاع (وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب تلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة آبائه في كلاب (فأنا خيركم نسبا) النسب اسم لعموم القرابة (وخيركم أبا - البيهقي في الدلائل) أي في كتابه دلائل النبوة
(عن أنس) ورواه الحاكم أيضا باللفظ المزبور عن أنس المذكور قال: بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجالا من كندة يزعمون أنه منهم فقال: إنما يقول ذلك العباس وأبو سفيان إذا قدما إليكم ليأمنا بذلك وإنا لا ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة ثم خطب الناس فقال: أنا محمد إلخ(3/36)
[ص:38] 2683 - (أنا النبي) عرفه باللام لحصر النبوة فيه (لا كذب) أي أنا النبي حقا لا كذب فيه فلا أفر من الكفار ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أهزم بل وعدني الله بنصره فلا يجوز لي أن أفر (أنا ابن عبد المطلب) نسب لجده لا لأبيه لشهرته به وللتصريف والتذكير فيما أخبرهم به الكهنة قبيل ميلاده أنه آن أن يظهر من بني عبد المطلب نبي فذكرهم بأنه ذلك المقول عنه لا للفخر فإنه كان يكرهه وينهى عنه ولا للعصبية لأنه كان يذمها ويزجر عنها ولا يشكل ذا بحرمة الشعر عليه لأن هذا إنما هو من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إلا أنه اتفق ذلك بغير قصد كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ومنه في القرآن كثير. قال بعض شراح الشفاء: وذا عام في كل نبي لما في الشعر من الغلو ولا يقال قال الشافعي الشعر يزري بالعلماء فالنبوة أولى به
(حم ن ق عن البراء بن عازب)(3/38)
2684 - (أنا النبي لا كذب) أي أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول وقوله لا كذب بسكون الباء وحكى ابن المنير عن بعضهم فتحها ليخرج عن الوزن قال في المصابيح: وهذا تفسير للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وقد ذكروا ما يدفع كون هذا شعرا فلا حاجة لإخراج الكلام عما هو عليه في الرواية. (أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر) يعني استرضعت فيهم وهم من أفصح العرب (فأنى يأتيني اللحن) تعجب أي كيف يجوز علي النطق باللحن وأنا أعرب العرب ولذلك أعيي فصحاء العرب الذين يتنافسون بالشعر في مناظم قريضهم ورجزهم ومقطعاتهم وخطبهم وما يتصرفون فيه من الكناية والتعريض والاستعارة والتمثيل وصنوف البديع وضروب المجاز والإفتتان في الإشباع والإيجاز حتى قعدوا مقهورين مغمورين وبقوا مبهوتين مبهورين حتى استكانوا وأذعنوا وأسهبوا في الاستعجاب وأمعنوا <تنبيه> قال في الروض: إنما دفع أشراف العرب أولادهم إلى المراضع في القبائل ولم يتركوهم عند أمهاتهم لينشأ الطفل في الأعراب فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا تفارقه الهيئة المعربة كما قال في الحديث: تمعددوا واخشوشنوا فكان ذلك يحملهم على الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات وكان عبد الملك بن مروان يقول: أضرنا حب الوليد لأن الوليد كان لحانا لكونه أقام مع أمه وغيره من إخوته أسكنوا البادية فتعربوا ثم أدبوا فتأدبوا
(طب عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه ميسر بن عبيد وهو متروك(3/38)
2685 - (أنا ابن العواتك) جمع عاتكة (من سليم) قال في الصحاح ثم القاموس: العواتك من جداته تسع وقال غيره: كان له ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج بالجيم بن ذكوان أم عبد مناف وعاتكة بنت مرة بنت هلال بن فالج أم هاشم وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة وبقية التسع من غير بني سليم قال الحليمي: لم يرد بذلك فخرا بل تعريف منازل المذكورات ومنازلهن كمن يقول كان أبي فقيها لا يريد به إلا تعريف حاله ويمكن أنه أراد به الإشارة بنعمة الله في نفسه وآبائه وأمهاته قال بعضهم: وبنو سليم تفخر بهذه الولادة [ص:39] وفي رواية لابن عساكر أن ابن الفواطم وهذا قاله يوم حنين قال في الروض: وعاتكة اسم منقول من الصفات يقال امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب وفي القاموس العاتك الكريم والخالص من الألوان وقال ابن سعد: العاتكة هي في اللغة الطاهرة
(ص طب عن سبابة) بمهملة مكسورة ومثناة تحتية ثم باء موحدة بضبط المصنف بخطه تبعا لابن حجر (ابن عاصم) ابن شيبان السلمي له صحبة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وقال الذهبي كابن عساكر في التاريخ اختلف على هشيم فيه(3/38)
2686 - (أنا النبي) هذا وما قبله وما بعده من قبل ما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد به هنا إظهار شرفه وكونه عند ربه بمكان علي حيث خصه بأنه النبي (الأمي) أي الذي جعلني الله بحيث لا أهتدي للخط ولا أحسنه لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. {النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم} وهذا أعلى درجات الفضل له حيث كان أميا آتيا بالعلوم الجمة والحكم المتوافرة وأخبار القرون الماضية بلا تعلم خط واستفادة من كتاب (الصادق الزكي) أي الصالح يقال زكى الرجل يزكو إذا صلح زكيته بالتثقيل نسبته إلى الزكاء بالمد وهو الصلاح (الويل كل الويل) أي التحسر والهلاك كله (لمن كذبني) فيما جئت به من عند الله (وتولى عني) أعرض ونأى بجانبه (وقاتلني والخير لمن آواني) أي أنزلني عنده وأسكنني في سكنه (ونصرني) أعانني على عدوي وقوى شوكتي عليه يقال نصرني على عدوي ونصرته منه نصرا أعنته قويته (وآمن بي وصدق قولي) الظاهر أن الجمع للإطناب إذ الإيمان للتصديق وقد يتمحل للتغاير (وجاهد معي) في سبيل الله أي بذل وسعه وطاقته في القتال لنصرة الدين وذكره ابن ظفر عن سفيان المجاشعي أنه رأى قوما من تميم اجتمعوا على كاهنتهم فسمعها تقول العزيز من والاه والذليل من حالاه والموفور من مالاه فقال سفيان: من تذكرين؟ قالت: صاحب حل وحرم وهدي وعلم وبطش وحلم وحرب وسلم فقال سفيان: لله أبوك من هو؟ قالت: نبي قد أتى يبعث إلى الأحمر والأسود بكتاب لا يفند اسمه أحمد. قال المؤلف: من خصائصه إتيانه الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب
(ابن سعد) في الطبقات (عن عبد عمرو بن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (الكلبي) له وفادة وشعر في الطبقات(3/39)
2687 - (أنا أبو القاسم) هذا أشهر كناه وكنيته أيضا أبو ابراهيم وأبو المؤمنين قال ابن دحية: وأبو الأرامل ولم يطلع عليه ابن جماعة فعزاه لبعض مشايخه (الله يعطي) عباده من ماله من نحو فيء وغنيمة (وأنا أقسم) ذلك بينهم والمراد أن المال مال الله والعباد عباد الله وأنا قاسم بإذن الله بينكم فمن قسمت له قليلا أو كثيرا فبإذن الله وقد يشمل قسمة الأمور الدينية والعلوم الشرعية أي ما أوحى الله إليه من العلوم والمعارف والحكم يقسمه بينهم فيلقي إلى كل أحد ما يليق به ويحتمل والله يعطي فهم ذلك لمن شاء
(ك) في أخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(3/39)
2688 - (أنا أكثر الأنبياء تبعا) بفتح المثناة الفوقية والباء الموحدة جمع تابع كخدم جمع خادم وهذا نصب على التمييز (يوم القيامة) خصه لأنه يوم ظهور ذلك بالجمع وهذا يوضحه حديث مسلم أيضا إن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد ثم إن الجزم هنا لا ينافيه قوله في حديث أبي هريرة وأرجو أن أكون أكثرهم تبعا فلعله [ص:40] قبل أن يكشف له عن أمته ويراهم ثم حقق الله له رجاءه (وأنا أول من يقرع باب الجنة) أي يطرقه للاستفتاح فيفتح له فيكون أول داخل كما سبق والقرع بالسكون الطرق يقال طرقت الباب بمعنى طرقته ونقرت عليه
(م) في الإيمان (عن أنس) بن مالك ولم يخرجه البخاري(3/39)
2689 - (أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا) أي أثيروا من قبورهم. قال الزمخشري: بعث الشيء وبعثره أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور. قال الرافعي في الكلام على هذا الخبر هو معنى قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض وهذا من كمال عناية ربه به حيث منحه هذا السبق وفيه مناسبة لسبقه بالنبوة (وأنا خطيبهم إذا وفدوا) أي قدموا على ربهم قال بعض شراح الترمذي: وهذه خطبة الشفاعة وقيل قبلها وقال خطيبهم دون إمامهم لأن الكلام في الآخرة ولا تكليف فيها وفيه رفعته على جميع الخلق في المحشر (وأنا مبشرهم) أي وأنا مبشرهم بقبول شفاعتي لهم عند ربي ليريحهم (إذا أيسوا) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ أبلسوا وهو رواية من الإبلاس الانكسار والحزن لأنه البشير النذير (لواء الحمد) أي رايته (يومئذ) أي يوم القيامة (بيدي) جريا على عادة العرب أن اللواء إنما يكون مع كبير القوم ليعرف مكانه إذ موضوعه أصالة شهرة مكان الرئيس وقد سئل المؤلف عن لواء الحمد هل هو لواء حقيقي أو معنوي فأجاب بأنه معنوي وهو الحمد لأن حقيقة اللواء الراية ولا يمسكها إلا أمير الجيش فالمراد أنه يشهر بالحمد يومئذ وما ذكره ليس من عندياته بل هو أحد قولين نقلهما الطيبي وغيره فقال: يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به على رؤوس الخلائق أو أن للحمد لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد وعليه كلام النوربشتي حيث قال: لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد ودونه ينتهي جميع المقامات ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحمد الخلائق في الدارين أعطي لواء الحمد ويأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وأضاف اللواء إلى الحمد الذي هو الثناء على الله بما هو أهله لأنه هو منصبه في الموقف وهو المقام المحمود المختص به (وأنا أكرم ولد آدم على ربي) إخبار بما منحه من السؤدد والإكرام وتحدث بمزيد الفضل والإنعام من كرامته على ربه أن أقسم بحياته وأشفق عليه فيما كان يتكلفه من العباد وطلب منه تقليلها ولم يطلبه من غيره بل حثهم على الزيادة وأقسم له أنه من المرسلين وأنه ليس بمجنون وأنه على خلق عظيم وأنه ما ودعه وما قلاه وولد مختونا على ما يأتي لئلا يرى أحد عورته واستأذن ملك الموت عليه في الدخول في قبض روحه ولم يفعل ذلك لأحد غيره وسبق أنه بعث بالبيان للتبيان ولما كان ذا من الأصول الاعتيادية التي قام الإجماع على وجوب اعتقادها بينه بهذا القول وأردفه بقوله (ولا فخر) دفعا لتوهم إرادته الافتخار به وهو حال مؤكدة أي أقول ذلك غير مفتخر به فخر تكبر قال القرطبي: إنما قال ذلك لأنه مما أمر بتبليغه لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك وأنه حق في نفسه وليرغب في الدخول في دينه ويتمسك به من دخل فيه ولتعظم محبته في قلوب متبعيه فيكثر أعمالهم ويطيب أحوالهم فيحصل شرف الدنيا والآخرة لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع فإن قيل هذا راجع للاعتقاد فكيف يحصل القطع به من أخبار الآحاد قلنا من سمع شيئا من هذه الأمور من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة حصل له العلم به كالصحابة ومن لم يشافهه حصل له العلم به من طريق التواتر المعنوي لكثرة أخبار الآحاد به قال في الفتوحات وفي رواية بالزاي وهو التبجح بالباطل
(ت عن أنس) وفيه الحسين بن يزيد الكوفي قال في الكاشف: قال أبو حاتم لين(3/40)
2690 - (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي أول من تعاد فيه الروح يوم القيامة ويظهر (فأكسى) [ص:41] بالبناء للمجهول (حلة من حلل الجنة) ويشاركه في ذلك إبراهيم الخليل عليه السلام وهذا دلالة على قربه من ربه وكرامته عليه إذ يكسى حيث عري الناس من لباس الجنة قبل دخولها كدأب الملوك مع خواصها فله المقام الخاص المعبر عنه بالمحمود ألا ترى إلى قوله (ثم أقوم عن يمين العرش) تلويح بقربه من ربه وكرامته عنده إذ يكسى من الجنة قبل دخولها بلباس ويقوم عن يمين العرش (ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري) خصيصة شرفني الله تعالى بها وأحد أعم العام وهو مدخول النفي والخلائق جمع خلق فبشمل الثقلين والملائكة وهذا هو الفضل المطلق ولا يعارضه خبر الشيخين أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة فإذا موسى عليه السلام متعلق بالعرش لجواز أن يكون بعد البعث صعقة فزع يسقط الكل ولا يسقط موسى عليه السلام اكتفاء بصعقة الطور فحين يرفع رأسه من هذه الصعقة يراه أخذا بجانب العرش فيكون المراد من النفخة تلك الصعقة ذكره القاضي
(ت عن أبي هريرة)(3/40)
2691 - (أنا أول من تنشق عنه) للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (ثم أبو بكر) الصديق لكمال صداقته له (ثم عمر) الفاروق لفرقه بين الحق والباطل (ثم آتي أهل البقيع) لكرامتهم على ربهم وشرفهم لديه باستغفار نبيه لهم وقربهم منه قال القاضي: آتي فعل المتكلم والبقيع مقبرة المدينة (فيحشرون معي) أي أجتمع أنا وإياهم قال الطيبي: الحشر هنا الجمع كقوله تعالى {وأن يحشر الناس ضحى} (ثم أنتظر أهل مكة) أي المسلمين منهم حتى يأتون إلي وزاد في رواية حتى أحشر بين الحرمين قال السمهودي: وفيه بشرى عظيمة لكل من مات بالمدينة وإشعار بذم الخروج منها مطلقا وهو عام في كل زمان كان نقله المحب الطبري وارتضاه
(ت ك) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي: غريب وقال في الميزان: حديث منكر جدا وقال المناوي: فيه عاصم بن عمر العمري قال الترمذي: ليس بالحافظ والذهبي: ضعفوه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح ومداره على عبيد الله بن نافع قال يحيى: ليس بشيء وقال علي يروي أحاديث منكرة وقال النسائي: متروك(3/41)
2692 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) خصه لأنه يوم مجموع له الناس فيظهر سؤدده لكل أحد عيانا وصف نفسه بالسؤدد المطلق المفيد للعموم في المقام الخطابي على ما تقرر في علم المعاني فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم حتى أولو العزم من الرسل واحتياجهم إليه كيف لا وهو واسطة كل فيض وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز فهو أفضل حتى من خواص الملائكة كما نقل الإمام عليه الإجماع ومراده إجماع من يعتد به من أهل السنة (وأول من ينشق عنه القبر) أي أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصا له بتعجيل جزيل إنعامه قال القرطبي: ويعارضه خبر أنا أول من يبعث فأجد موسى عليه السلام متعلقا بساق العرش (وأول شافع) للعصاة أي لا يتقدمني شافع لا ملك ولا بشر في جميع أحكام الشفاعات (وأول مشفع) بشد الفاء أي مقبول الشفاعة ولم يكتف بقوله أول شافع لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول قال ذلك امتثالا لقوله تعالى {وأما بنعمة ربك فحدث} وهو من البيان الذي يجب تبليغه
<تنبيه> عورض ما في هذا الحديث من الأولية بما اقتضاه حديث ابن مسعود الذي خرجه أحمد والنسائي والحاكم يشفع نبيكم رابع [ص:42] أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه - الحديث - وأجيب بأن هذا ضعفه البخاري
(م) في المناقب (د) في السنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(3/41)
2693 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي أقول ذلك شكرا لا فخرا من قبيل قول سليمان عليه الصلاة والسلام {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس وقيل لا أتكبر به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية (وبيدي لواء الحمد) بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه وحمله على لواء الجمال والكمال (ولا فخر) أي لا فخر لي بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا بعده (وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه -) اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلا أو بيانا من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل فالأمثل إلا تحت لوائي (وأنا أول من تنشق عنه الأرض) وفي رواية تنشق الأرض عن جمجمتي (ولا فخر) أي أول من يعجل الله إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلا لجزيل الإنعام قال الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (وأنا أول شافع) يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة (وأول مشفع) بقبول شفاعته في جميع أقسام الشفاعة لله ثم أراد أن يتواضع لربه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في السيادة والشرف معجبا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا وتبجحا بل شكرا وتحدثا بالنعمة وإعلاما للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير البرية قال: ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبرا عن أمر وجودي والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا إخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ علي وأطلقوه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدبا معه واحتراما فهو خبر عن الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما يتبدل ولا يلزم من تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ كالإخبار عن الأمور الوضيعة وبيانه أن معنى كون الإنسان مكرما ومفضلا إنما هو بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره وفي وقت يزاد على ذلك العير وفي وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد فيقال عليه في المنزلة الأولى مكرم وفي الثانية مفضل مقيد وفي الثالثة مفضل مطلقا ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ذكره القرطبي قال: أغبط به وشد عليه يدك قال بعض الصوفية: وإنما أعلم أمته بالسادة وأنه أول شافع ليريحهم من التعب ذلك اليوم وذهابهم لنبي بعد نبي ليشفع لهم أو يرشدهم لنافع وأنهم يمكثون بمحلهم حتى تأتيه النوبة فيقول: أنا لها أنا لها فما ذهب إلي نبي بعد نبي إلا من لم يبلغه الخبر أو نسي وأخذ من الحديث أنه لا بأس بقول الشيخ لتلميذه: خذ مني هذا الكلام المحقق الذي [ص:43] لا تجده عند غيري أو نحو ذلك بقصد اعتنائه وعدم تهاونه به. (تتمة) قالوا في الخصائص: خص نبينا صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار لا يدخلها والشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة كما جوز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به ووردت به الأخبار في التي قبلها وصرح به عياض وغيره وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي وبالشفاعة لجمع من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره القزويني في العروة وبالشفاعة في الموقف تخفيفا عن من يحاسب وبالشفاعة فيمن دخل النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل أحدا منهم النار
(حم ت في المناقب هـ) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن صحيح(3/42)
2694 - (أنا قائد المرسلين) والنبيين يوم القيامة أي أكون إمامهم وهم خلفي قال الخليل: القود أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بناصيتها (ولا فخر وأنا خاتم النبيين) والمرسلين (ولا فخر وأنا شافع) للناس (ومشفع) فيهم (ولا فخر) وجه اختصاصه بالأولية أنه تحمل في مرضات ربه ما لم يتحمله بشر سواه وقام لله بالصبر والشكر حق القيام فثبت في مقام الصبر حتى لم يلحقه من الصابرين أحد وترقى في درجات الشكر حتى علا فوق الشاكرين فمن ثم خص بذلك قال العارف ابن عربي: كما صحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثبتت السيادة له على جميع الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي إلا له فقد شفع في الرسل والأنبياء نعم والملائكة فأذن الله عند شفاعته له في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو أول شافع بإذن الله وأرحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فيخرجه المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها وأي شرف أعظم من شرف محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان ابتداء الدائرة به وحيث اتصل به آخرها لكمالها فيه ابتدئت الأشياء وبه كملت
(الدارمي) في مسنده (عن جابر) قال الصدر المناوي: رجاله وثقهم الجمهور(3/43)
2695 - (أنا سابق العرب) إلى الجنة كما صرح به هكذا في خبر أبي أمامة (وصهيب سابق الروم) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام (وسلمان) الفارسي (سابق الفرس) بضم الفاء وسكون الراء (وبلال سابق الحبش) أي إلى الجنة أو إلى الإسلام
(ك عن أنس) ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ أنا سابق العرب إلى الجنة وبلال سابق الحبش إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة انتهى. قال الزين العراقي في المغرب: حديث حسن وقال الهيثمي: سنده حسن قال الزين العراقي: وله شاهد من حديث أنس أيضا مرفوعا بلفظ السابق أربعة أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة وصهيب سابق الروم. حديث حسن أخرجه البزار هكذا في مسنده وأخرجه غيره بمعناه وقال: رجاله كلهم ثقات(3/43)
[ص:44] 2696 - (أنا أعربكم أنا من قريش) أي أنا أدخلكم في العرب يعني أوسطكم فيه نسبا وأنفسكم فيه فخذا لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نذار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة ومحمد ذروة قريش (ولساني لسان بني سعد بن بكر) لكونه استرضع فيهم وكان العرب تعتني باسترضاع أولادها عند نساء البوادي قال الزمخشري: هذا اللسان العربي كأن الله عزت قدرته مخضه وألقى زبدته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وقال الحرالي: من استجلى أحواله علم إطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها واستنهاء ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جميعها يؤثر عن عمر أنه قال أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أبا بكر بلسان كأنه أعجم لا أفهم مما يقولان شيئا
(ابن سعد) في الطبقات (عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا)(3/44)
2697 - (أنا رسول من أدركت حيا) وكذا هو رسول من قبله كما دل عليه خبر وأرسلني إلى الخلق كافة (ومن يولد بعدي) إلى أن تقوم الساعة فلا نبي ولا رسول بعده بل هو خاتم الأنبياء والرسل وعيسى عليه الصلاة والسلام إنما ينزل بشرعه
(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا)(3/44)
2698 - (أنا أول من يدق باب الجنة) من البشر (فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق) بالتحريك جمع حلقة بالسكون (على تلك المصاريع) يعني الأبواب والمصراع من الباب الشطر وفي رواية أنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وفي رواية أقعقع حلق الجنة وفي أخرى فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها والأولية تقتضي تحريك غيره أيضا قال ابن القيم: وذا صريح في أنها حلق حسية تتقعقع وتتحرك
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس)(3/44)
2699 - (أنا) بتخفيف النون (فئة المسلمين) أي الذي يتحيز المسلمون إليه فليس من انحاز إلي في المعركة بعد يعد فارا ويأثم الفارين قاله لابن عمر وجمع فروا من زحف ثم ندموا فقالوا: نعرض أنفسنا عليه فإن كانت لنا توبة أقمنا وإلا ذهبنا فأتوه فقالوا: نحن الفارون قال: لا بل أنتم العكارون أي العائدون للقتال فقبلوا يده فذكره وأما قول المؤلف في المرقاة معناه أنا وحدي كاف لكل شيء من جهاد وغيره وكل من انحاز إلى بره مما يضره دينا ودنيا فلا يخفى ركاكته وبعده من ملائمة السبب
(عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه يزيد بن زياد فإن كان المدني فثقة أو الدمشقي ففي الكاشف واه(3/44)
2700 - (أنا فرطكم) بالتحريك أي سابقكم (على الحوض) أي إليه لأصلحه لكم وأهيئ لكم ما يليق بالوارد وأحوطكم وآخذ لكم طريق النجاة من قولهم فرس فرط متقدم للخيل ذكره الزمخشري وهذا تحريض على العمل الصالح المقرب له في الدارين وإشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على وفاة صحبه
(حم ق عن جندب خ عن ابن مسعود) عبد الله (م عن جابر [ص:45] ابن سمرة) وسببه كما في مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إنا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطكم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كإيذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا انتهى وفي الباب سهل وأبو سعيد وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم(3/44)
2701 - (أنا محمد وأحمد) أي أعظم حمدا من غيري لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره فهو أحق بهذين الاسمين من غيره (والمقفى) بشدة الفاء وكسرها لأنه جاء عقب الأنبياء وفي قفاهم أو المتبع آثار من سبقه من الرسل (والحاشر) أي أحشر أول الناس (ونبي التوبة) أي الذي بعث بقبول التوبة بالنية والقول وكانت توبة من قبله بقتلهم أنفسهم أو الذي تكثر التوبة في أمته وتعم أو أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم أو المراد أن توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ في الدنيا. قال القرطبي: والمحوج إلى هذه الأوجه أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من مزية لنبينا صلى الله عليه وعليهم وسلم (ونبي الرحمة) بميم أوله بخط المصنف أي الترفق والتحنن على المؤمنين والشفقة على عباد الله المسلمين فقد مر أن الرحمة ومثلها المرحمة إذ هما بمعنى واحد كما قاله القرطبي إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطي هو وأمته منها ما لم يعطه أحد من العالمين ويكفي {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
(حم م عن أبي موسى) الأشعري (زاد طب ونبي الملحمة) أي نبي الحرب وسمي به لحرصه على الجهاد ووجه كونه نبي الرحمة ونبي الحرب إن الله بعثه لهداية الخلق إلى الحق وأيده بمعجزات فمن أبى عذب بالقتال والاستئصال فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة وظاهر تخصيص المصنف الطبراني بهذه الزيادة أنها لا تعرف لأعلا منه والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد عن حذيفة بلفظ ونبي الملاحم قال الزين العراقي: وإسناده صحيح(3/45)
2702 - (أنا محمد وأحمد) سبق أن هذا مما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد إظهار شرفه باختصاصه بهذا الاسم (أنا رسول الرحمة أنا رسول الملحمة) خص نفسه من بين الأنبياء بأنه نبي القتال مع مشاركة غيره منهم له فيه إشارة إلى أن غيره منهم لا يبلغ مبلغه فيه (أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم أبعث بالزراع) سره أنه لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدارين كان في الذروة العليا منه فاستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله بالجنان والبنان والسيف والسنان
(ابن سعد) في الطبقات (عن مجاهد) بفتح الجيم وكسر الهاء بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (مرسلا) هو الإمام في القراءة والتفسير(3/45)
[ص:46] 2703 - (أنا دعوة إبراهيم) أي صاحب دعوته بقوله حين بنى الكعبة {ابعث فيهم رسولا منهم} وفائدته بعد فرض وقوعه نبيا مقدرا له ذلك التنويه بشرفه وكونه مطلوب الوجود تاليا للكتاب مطهرا للناس من الشرك معروفا عند الأنبياء المتقدمين (وكان آخر من بشر بي) أي ببعثتي (عيسى ابن مريم) بشر بذلك قومه ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهوره قال تعالى حكاية عنه {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل ولأنه أبلغ من محمد
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عبادة بن الصامت) قضية كلام المصنف أنه لم يقف لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر وهو غفلة فقد رواه الحارث ابن أبي أسامة والطيالسي وكذا الديلمي بأتم من هذا ولفظه أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب اه(3/46)
2704 - (أنا دار الحكمة) وفي رواية أنا مدينة الحكمة (وعلي بابها) أي علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها ومن زعم أن المراد بقوله وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعا ما أنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها وأخرج عن ابن مسعود قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي كرم الله وجهه فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعنه أيضا أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن وأخرج أيضا عن سيد المرسلين وإمام المتقين أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وأخرج أيضا علي راية الهدى وأخرج أيضا يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتسعى وأنزلت عليه هذه الآية {وتعيها أذن واعية} وأخرج عن ابن عباس كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى
(ت) عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الضياء (عن علي) أمير المؤمنين وقال: غريب وزعم القزويني كابن الجوزي وضعه أطال العلاء في رده وقال: لم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة فادحة في هذا الخبر سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر وسئل عنه الحافظ ابن حجر في فتاويه فقال: هذا حديث صححه الحاكم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا وأنه من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب قال: وبيانه يستدعي طولا لكن هذا هو المعتمد اه(3/46)
2705 - (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب) فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها أو لا بد للمدينة من باب فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه فمن أخذ طريقه دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف خرج الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عليا هو أعلم مني فقال: أريد جوابك قال: ويحك كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزه بالعلم عزا وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه جاءه رجل فسأله فقال: ههنا علي فاسأله فقال: أريد أسمع منك يا أمير المؤمنين قال: قم لا أقام الله رجليك ومحى اسمه من الديوان وصح عنه من طرق [ص:47] أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال: لا والله. قال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عنه القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه
(عق عد طب ك) وصححه وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في السنة كلهم (عن ابن عباس) ترجمان القرآن (عد ك عن جابر) بن عبد الله ورواه أحمد بدون فمن إلخ. قال الذهبي كابن الجوزي: موضوع. وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا به وقال ابن معين: لا أصل له. وقال الدارقطني: غير ثابت وقال الترمذي عن البخاري: منكر وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال: من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول بل هو كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وقال الزركشي: الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفا فضلا عن كونه موضوعا وفي لسان الميزان هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقل أحواها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع اه ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ثم قال: قال القاسم: سألت ابن معين عنه فقال: هو صحيح. قال الخطيب: قلت أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر وتبعه البخاري فقال: هو حديث حسن(3/46)
2706 - (أنا أولى الناس) أي أخص (بعيسى ابن مريم) وصفه بأمه إيذانا بأنه لا أب له أي الذي خلق منها بغير واسطة ذكر يعني أنا أقربهم إليه (في الدنيا) وفي رواية في الأولى لأنه بشر أنه يأتي من بعده ومهد قواعد دينه ودعى الخلق إلى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت قال (وفي الآخرة) أيضا ثم كأن سائلا قال: ما سبب الأولوية فأجاب بقوله (ليس بيني وبينه نبي) أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل إن في سند خبره مقالا وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمنين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب (والأنبياء أولاد علات) بفتح المهملة أي أخوة لأب والعلات أولاد الضرائر من رجل واحد والعلة الضرة (أمهاتهم شتى) أي متفرقة فأولاد العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة سميت علات لأن الزوج قد عل من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى (ودينهم واحد) أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء وهو إرشاد الخلق بالأب وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة بأمهات. قال القاضي: والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرائع فعبر عما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب ونسبهم إليه وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض بالأمهات وأنهم وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أعوامهم فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كل في عصره واحد وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله متمكنين من الوقوف عليه والتمسك به فعلى هذا المراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم ويحتمل تقريره بوجه آخر وهو أن أرواح الأنبياء لما بينهما من التشابه والاتصال كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المرأة المشبهة بالأمهات انتهى. وقال الطيبي: كما [ص:48] يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة الدنيا والقيامة ويحتمل أن يراد بهما الحالة الأولى وهي كونه مبشرا والحالة الآخرة وهي كونه ناصرا مقويا لدين المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين هذا وبين آية {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} أي أنا أخصهم به لأن الحديث وارد في كونه عليه الصلاة والسلام متبوعا والتنزيل في كونه تابعا وله الفضل تابعا ومتبوعا فإن قيل: أي تعلق لهذا بأمهات الأنبياء فالجواب: أنه تنبيه على فضل أمه. قال الزمخشري: وعيسى بالسريانية أيسوع ومريم بمعنى الخادم وقيل مريم بالعربية من النساء كالزين من الرجال ووزن مريم عند النحاة مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية وفيه إبطال لزعم أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام أنبياء ورسل منهم خالد بن سنان
(حم ق د عن أبي هريرة)(3/47)
2707 - (أنا أولى بالمؤمنين) بنص رب العالمين قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين} قال بعض الصوفية: وإنما كان أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة ويترتب على كونه أولى أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم وإن شق عليهم وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم ويدخل فيه النساء بأحد الوجهين المفصلين في علم الأصول (من أنفسهم) أي أنا أولى بهم من أنفسهم في كل شيء من أمر الدارين لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمي أنفذ عليهم من حكمها وهذا قاله عليه الصلاة والسلام لما نزلت الآية ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم يذكر ما له في ذلك من الحظوظ بل اقتصر على ما هو عليه حيث قال: (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات (من المؤمنين) إلى آخر ما يأتي ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي بأن الأولوية قد تولى المصطفى صلى الله عليه وسلم تفسيرها بقوله فمن توفي إلخ ولا عطر بعد عروس ووجه الاندفاع أنه تفريع على الأولوية العامة لا تخصيص فلا ينافي ما سبق بل أفاد فائدة حسنة وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب الرسول أيضا (فترك) عليه (دينا) بفتح الدال (فعلي) قال ابن بطال: هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين (قضاؤه) من بيت المال قيل وجوبا لأن فيه حق الغارمين وقيل وعدا والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفيء الله عليه من غنيمة وصدقة ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين وإلا أثم إن كان حق الميت من بيت المال بقدر الدين وإلا فيسقطه (ومن ترك مالا) يعني حقا فذكر المال غالبي إذ الحقوق تورث كالمال (فهو لورثته) لفظ رواية البخاري فليرثه عصبته من كانوا وعبر بمن الموصولة ليعمم أنواع العصبة وفي الأولوية فيما ذكر وجه حسن حيث رد على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات وخص هذا القسم بالبيان دفعا لتوهم الانحصار في جانب الأمة وفيه أنه لا ميراث بالتبني ولا بالخلف وأن الشرع أبطلهما قال النووي: وحاصل معنى الحديث أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم أو موته أنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فلورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين فعلي مؤونتهم
(حم ق ن هـ عن أبي هريرة)(3/48)
2708 - (أنا الشاهد على الله أن) أي بأن (لا يعثر) بعين مهملة ومثلثة أي يزل (عاقل) مسلم أي كامل العقل (إلا رفعه) الله من عثرته (ثم لا يعثر) مرة أخرى (إلا رفعه) منها (ثم لا يعثر) مرة ثالثة (إلا رفعه) منها كذلك وهكذا (حتى يجعل مصيره إلى الجنة) أي لا يزال يرفعه ويغفر له حتى يصير إليها وأفاد بذلك أن العبد إذا سقط في ذنب ثم [ص:49] تاب منه عفي عنه ثم إذا سقط فيه عفي عنه أيضا كذلك وهكذا وإن بلغ سبعين مرة فإنه تعالى يحب كل مفتن تواب كما سيأتي في حديث والعثرة الكبوة ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم كما في المصباح كغيره وخص العاقل لأن العقل هو الذي يهديه ويرشده إلى التخلص من الذنب والتوبة منه فغير العاقل غافل لا يبالي بما ارتكبه
(طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: إسناده حسن وأعاده في موضع آخر ثم قال فيه محمد بن عمر بن الرومي وثقه ابن حبان وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات انتهى(3/48)
2709 - (أنا بريء ممن حلق) أي من إنسان يحلق شعره عند المصيبة (وسلق) بسين وصاد أي رفع الصوت بالبكاء عندها أو الضارب وجهه عندها (وخرق) ثوبه عندها ذكرا أو أنثى وفي رواية والشاقة التي تشق ثوبها عندها أي أنا بريء من فعلهن أو من عهدة ما لزمني بيانه أو مما يستوجبن أو هو على ظاهره وهو البراءة من فاعل هذه الأمور
(م ن هـ عن أبي موسى) الأشعري مرض أبو موسى فأغمي عليه فصاحت امرأته برنة فأفاق فقال: ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه لهما معا جمع منهم الصدر المناوي(3/49)
2710 - (أنا وكافل اليتيم) أي القائم بأمره ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم لا (في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا ومرشدا لهم ومعلما وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفا عن القيام بحقها
(حم خ د) في الأدب (ت) في البر (عن سهل بن سعد) وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم عن عائشة وابن عمر بزيادة ولفظه أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين أي سواء كان قريبا أو أجنبيا(3/49)
2711 - (أنت أحق) أي أولى وهو أفعل من الحق الذي هو ملك الإنسان وجمعه حقوق تقديره أنت أثبت حقا (بصدر دابتك) أي بمقدم ظهرها (مني) أيها الرجل الذي تأخر وعزم علي أن أركب حماره فلا أركب على صدره لأنه المالك له ولمنفعته فأنت بصدره أحق (إلا أن تجعله) أي صدرها (لي) فجعله له إكراما لعظيم منزلته والتماسا لجليل بركته وهذا من كمال إنصاف المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتواضعه وإظهار حق المرء حيث رضي أن يركب خلفه
(حم د ت عن بريدة) وفيه علي بن الحسين ضعفه أبو حاتم وقال العقيلي: كان مرجئا لكن معنى الحديث ثابت صحيح(3/49)
2712 - (أنت) أيها الرجل القائل إن أبي يريد أن يجتاح مالي أي يستأصله (ومالك لأبيك) يعني أن أباك كان سبب وجودك [ص:50] ووجودك سبب وجود مالك فصار له بذلك حق كان به أولى منك بنفسك فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر الحاجة فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع فكأنه لم يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم أو متوفرة في هذه الواقعة المخصوصة
(هـ) في التجارة (عن جابر) بن عبد الله قال: قال رجل: يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال ابن حجر في تخريج الهداية: رجاله ثقات لكن قال البزار: إنما يعرف عن هشام عن ابن المنكدر مرسلا وقال البيهقي: أخطأ من وصله عن جابر (طب) وكذا البزار (عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن إسماعيل الحوداني قال أبو حاتم: لين وبقية رجال البزار ثقات انتهى ومفهومه أن رجال الطبراني ليسوا كذلك. (وابن مسعود) قال: قال رجل: إن لي مالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن عبد الحميد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر: فيه من طريق ابن مسعود هذا معاوية بن يحيى وهو ضعيف وأما حديث سمرة فإن العقبلي بعد تخريجه عنه قال: وفي الباب أحاديث فيها لين وبعضها أحسن من بعض وقال البيهقي: روي من وجوه موصولا لا يثبت مثلها وقال ابن حجر في موضع آخر: قد أشار البخاري في الصحيح إلى تضعيف هذا الحديث(3/49)
2713 - (أنتم) أيها المتوضئون من المؤمنين (الغر المحجلون) الغرة هنا محل الواجب والزائد عليه مطلوب ندبا وإن كان قد يطلق على الكل غرة لعموم النور لجميعه سمي النور الذي على مواضع الوضوء (يوم القيامة) غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس (من إسباغ الوضوء) أي من أثر إتمامه (فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) ندبا بأن يغسل مع الوجه مقدم الرأس وصفحة العنق ومع اليدين والرجلين العضدين والساقين وفي قوله منكم إشارة إلى أن الكفار لا يعتد بطهرهم ولا بقربتهم ولا يجازون عليها في الآخرة {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذا السيماء إنما يكون لمن توضأ في الدنيا وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا: كما يقال لهم أهل القبلة من صلى ومن لا قال في المطامح: وقد تعلق بالخبر على من زعم كالداودي وغيره من ضعفاء أهل النظر على أن الوضوء من خصائصنا وهو غير قاطع لاحتمال أن الخاص الغرة والتحجيل بقرينة خبر: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وقصره على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون أممهم يرده أن الوضوء كان معروفا عند الأنبياء فالأصل أنه شرع ثابت لأممهم حتى يثبت خلافه
(م عن أبي هريرة) رواه مسلم من حديث عبد الله بن محمد قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى كذلك ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتم إلخ(3/50)
2714 - (أنتم أعلم بأمر دنياكم) مني وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية وفيه أنشدوا:
إن الرسول لسان الحق للبشر. . . بالأمر والنهي والإعلام والخبر
هم أذكياء ولكن لا يصرفهم. . . ذاك الذكاء لما فيه من الغرر
ألا تراهم لتأبير النخيل وما. . . قد كان فيه على ما جاء من ضرر [ص:51]
هم سالمون من الأفكار إن شرعوا. . . حكما بحل وتحريم على البشر
قال بعضهم: فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس للأفكار عليهم سلطان
(م عن أنس) بن مالك (وعائشة) قالا: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح فخرج شيصا فذكره(3/50)
2715 - (أنتم شهداء الله في الأرض) {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} فهم عدول بتعديل الله لهم فإذا شهدوا على إنسان بصلاح أو فساد قبل الله شهادتهم وتجاوز عن من يستحق العذاب في علمه فضلا وكرما لأوليائه. قال القاضي: والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر والإمام كأنه سمي به لأنه يحضر النوادي ويبرم بحضرته الأمور إذ التركيب للحضور إما بالذات أو التصور ومنه قيل للمقتول في سبيل الله شهيد لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضوره (والملائكة شهداء الله في السماء) قال الطيبي: الإضافة للتشريف وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله كما أن الملائكة كذلك وهذا تزكية من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار معداتهم وأن الله يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم إكراما وتفضيلا وقال الفخر الرازي: لما جعل المؤمنين شهودا دل على أنه تعالى لا يظهر قبح فعلهم يوم القيامة إذ لو أظهر ذنبهم صارت شهادتهم مردودة وذلك لا يليق بحكمة الحكيم اللهم حقق رجاءنا بكرمك وفضلك
(طب عن سلمة بن الأكوع)(3/51)
2716 - (انبسطوا في النفقة) على الأهل والحاشية وكذا الفقراء إن فضل عن أولئك شيء (في شهر رمضان) أي أكثروها وأوسعوها يقال بسط الله الرزق كثره ووسعه (فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله) في تكثير الأجر وتكفير الوزر أي يعدل ثوابها ثواب النفقة على الجهاد أي القتال لأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى وهذا خرج جوابا لسؤال إنسان لم يكن الجهاد في حقه أهم من الصرف في التوسعة في رمضان
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في جزئه الذي جمعه فيما ورد فيه (عن ضمرة) كان ينبغي تمييزه لكثرة من تسمى به (وراشد بن سعد) المقرائي بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال من الطبقة الثالثة (مرسلا) أرسل عن سعد وعوف بن مالك وشهد صفين وقال الذهبي: ثقة مات سنة 113(3/51)
2717 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي انتظاره بالصبر على المكروه وترك الشكاية واحتج به من زعم أن التوكل قطع الأسباب ورده الحليمي بأن مراد الخبر حيث لا مخلص ولا مفزع إلا بالصبر أما من جعل الله له إلى الخلاص طريقا فليسلكها متوكلا على الله أن يؤديه ذلك إلى الخلاص مما هو فيه ألا ترى أن الأسير لو أمكنه الانفلات من الكفار فعليه الانفلات ويتوكل على الله
(عد خط) من حديث الحسن بن سليمان صاحب المصلى عن محمد الباغندي عن عبيد بن هشام الحلبي عن مالك عن الزهري (عن أنس) ثم قال الخطيب: وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من فوقه وهما قبيحا لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان الخبائري عن بقية عن مالك وكذا حدث به الباغندي وصاحب المصلى له أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله انتهى. وقضية كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد من الستة لتخريجه وهو ذهول فقد قال هو نفسه في الدرر إنه عند الترمذي من حديث ابن مسعود في أثناء حديث بسند [ص:52] حسن هذه عبارته وبه يعرف أنه كما لم يصب هنا في اقتصاره على العزو للخطيب وحذف ما عقبه به من بيان علته وضعفه لم يصب في عدوله عن العزو للترمذي لخروجه عن قانونهم(3/51)
2718 - (انتظار الفرج بالصبر عبادة) لأن إقباله على ربه في تفريج كربه وكشف ضره أو الظفر بمطلوبه مع صبره وعدم ضجره وعدم شكواه المخلوق وعدم اتهامه للحق فيما ابتلاه وتأخير كشفه عبادة وأي عبادة أي إذا حل بعبد بلاء فترك الجزع الهلع وصبر على مر القضاء فذلك منه عبادة يثاب عليها لما فيه من الانقياد للقضاء والتسليم لما تقتضيه أوامر النواميس الإلهية
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال العامري في شرحه: حسن وأقول فيه عمرو بن حميد عن الليث قال في الميزان هالك أتى بخبر موضوع اتهم به ثم ساق هذا الخبر الذي هو حديث ابن عمرو (وعن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف قال: وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة وقضية صنيع المصنف أن لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن علي أمير المؤمنين(3/52)
2719 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي من العبادة كما تقرر (ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل) بمعنى أنه لا يعاتبه على إقلاله من نوافل العبادات لا أنه لا يعاقبه على ترك المفروضات وفي خبر رواه الديلمي وبيض لسنده: الدنيا دول فما كان منها لك آتيك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه استراح بدنه ومن رضي بما رزقه الله قرت عيناه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (الفرج) بعد الشدة (وابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن علي أيضا(3/52)
2720 - (انتعلوا وتخففوا) أي البسوا النعال والخفاف في أرجلكم (وخالفوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى فإن أولئك لا ينتعلون ولا يتخففون والظاهر أنه أراد في الصلاة ويحتمل الإطلاق وأن نصارى زمانه ويهود زمانه كان دأبهم المشي حفاة والأول أقرب
(هب عن أبي أمامة) الباهلي(3/52)
2721 - (انتهاء) بالمد (الإيمان إلى الورع) أي به تزكو الأعمال أي غاية الإيمان وأقصى ما يكون أن يبلغه من القوة والرسوخ أن يبلغ الإنسان درجة الورع الذي هو الكف عن المحرمات وتوقي التورط في الشبهات والارتباك في الشهوات (من قنع) أي رضي (بما رزقه الله تعالى) قليلا كان أو كثيرا (دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب فإنه لما ترك الحرص والطمع وفوض أمره إلى الله ورضي بما قسمه له وأمل منه الخير والبركة حقق الله ظنه وبلغه مأموله في الدنيا والآخرة. <تنبيه> قال الغزالي: الورع أربع مراتب: ورع العدول وهو الكف عما يفسق تناوله وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق الاحتمال له وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة في حله لكنه [ص:53] قد يجر إلى محرم أو مكروه وورع الصديقين وهو ترك ما لا بأس به أصلا لكنه يتناول لغير الله (ومن أراد الجنة لا شك فلا يخاف في الله لومة لائم) أي لا يمتنع عن القيام بالحق للوم لائم له عليه
(قط في الأفراد عن ابن مسعود) قال الدارقطني: تفرد به عنبسة عن المعلى والمعلى عن شقيق قال ابن الجوزي: وعنبسة والمعلى متروكان قاله النسائي وغيره وقال ابن حبان يرويان الموضوعات لا يحل الاحتجاج بهما(3/52)
2722 - (أنزل الله علي) في القرآن (أمانين لأمتي) قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) مقيم بمكة بين أظهرهم حتى يخرجوك فلا يرد تعذيبهم ببدر أو المراد عذاب استئصال وأنت فيهم إكراما فإنك للعالمين رحمة فلما دنا العذاب أمر بالهجرة (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي وفيهم من يستغفر من لم يستطع الهجرة من مكة أو هم يقولون غفرانك أو لو استغفروا أو في أصلابهم من يستغفر أو وفيهم من يصلي ولم يهاجر بعد (فإذا مضيت) أي انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء (تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة) فكلما أذنب الواحد منهم واستغفر غفر له وإن عاود الذنب ألف مرة وقيل: هذا منسوخ بقوله تعالى عقب هذه الآية {وما لهم ألا يعذبهم الله} وقيل: النسخ لا يرد على الخبر ولكن ذلك إذا لم يبق فيهم من يستغفر
(ت عن أبي موسى) الأشعري وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي قال الذهبي: ضعفوه(3/53)
2723 - (أنزل الله جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة فقال: إن الله تعالى يقرئك السلام يا محمد ويقول لك إني قد أوحيت إلى الدنيا) وحي إلهام (أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي) أي لأجل محبتهم إياه (فإني خلقتها) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة إذ الأصل خلقتك (سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي) أي الكفار فإنه سبحانه وتعالى يبتلي بها خواص عباده ويضيقها عليهم غيرة عليهم فهم منها سالمون ويزيل عنهم كراهة الموت بلطائف يحدثها لهم حتى يسأموا الحياة كما فعل بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين جاءه ملك الموت ليقبض روحه فبكى إبراهيم عليه السلام فعاد إليه في صورة شيخ هرم يأكل العنب وماؤه يسيل على لحيته فسأله إبراهيم عليه السلام عن عمره فذكر مثل سنه فاشتهى الموت فقبضه
(هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون الظفري البدري وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وفيهم مجاهيل اه(3/53)
2724 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) اختلف فيه على نحو أربعين قولا من أحسنها ما قرره الحرالي حيث قال: الجوامع التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاياتها هي صلاح الدين والدنيا والمعاد وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة ستة هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح يستزيدها من ربه حرفا حرفا فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعا جامعا فرد الأزواج له فتم إنزاله على سبعة أحرف وتفصيل هذه السبعة تكفل بتبيانه [ص:54] الحديث الآتي بعده بخمسة أحاديث المغني عن طلبتها بالحدس والتأويل المبطل لشعب تلك الأقاويل وفي بيانه شفاء العي وثلج اليقين
(حم ت عن أبي) بن كعب (حم عن حذيفة) قال الهيثمي: فيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه كلام لا يضر(3/53)
2725 - (أنزل القرآن من سبعة أبواب) أي أبواب البيان كما في المنجد (على سبعة أحرف كلها) قال في الديباج: المختار أن هذا من متشابه الحديث الذي لا يدرك تأويله والقدر المعلوم منه تعدد وجوه القراءات (شاف كاف) أي كل حرف من تلك الأحرف شاف للغليل كاف في أداء المقصود من فهم المعنى وإظهار البلاغة والفصاحة وقيل المراد شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى وكونها من عند الله كاف في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه
(طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: رجاله ثقات(3/54)
2726 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قال القاضي: أراد بها اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وهوازن واليمن وبني تميم ودوس وبني الحارث وقيل القراءات السبع وقيل إنما أراد أجناس الاختلافات التي يؤول إليها اختلاف معاني القرآن فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات: الثاني كالتقديم والتأخير نحو {وجاءت سكرة الموت بالحق} وجاءت سكرة الحق بالموت والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها نحو {فإن الله هو الغني الحميد} قرئ بالضمير وعدمه أو تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى مثل {كالعهن المنفوش} وكالصوف المنفوش أو اختلافه مثل {وطلح منضود} وطلع منضود أو بتغييرهما إما بتغيير هيئة كإعراب نحو {هن أطهر لكم} بالرفع والنصب أو صورة نحو {انظر إلى العظام كيف ننشزها} وننشرها أو حرف مثل {باعد وبعد بين أسفارنا} وقيل أراد أن في القرآن ما هو مقروء على سبعة أوجه نحو {فلا تقل لهما أف} فإنه قرئ بضم وفتح وكسر منونا وبسكون وقيل معناه أنزل مشتملا على سبعة معاني أمر ونهي وقصص وأمثال ووعد ووعيد وموعظة ثم قال: أعني البيضاوي: وأقول المعاني السبعة هي العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد (فمن قرأ على حرف منهما فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه) بل يتم قراءته بذلك
(طب عن ابن مسعود) قضية كلامه أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور من حديث أبي بن كعب وهكذا عزاه له جمع منهم الديلمي(3/54)
2727 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) حرف الشيء طرفه وحروف التهجي سميت به لأنها أطراف الكلمة (لكل حرف) في رواية لكل آية (منها ظهر وبطن) فظهره ما ظهر تأويله وعرف معناه وبطنه ما خفي تفسيره وأشكل فحواه أو الظهر اللفظ والبطن المعنى أو الظهر التلاوة والرواية والبطن الفهم والدراية. قال الطيبي: على في قوله على سبعة أحرف ليس بصلة بل حال وقوله لكل آية منها ظهر جملة اسمية صفة لسبعة والراجع في منها للموصوف وكذا قوله (ولكل حرف حد) أي منتهى فيما أراد الله من معناه (ولكل حد) من الظهر والبطن (مطلع) بشدة الطاء وفتح اللام موضع الاطلاع أي مصعد وموضع يطلع عليه بالترقي إليه فمطلع الظاهر التمرن في فنون العربية وتتبع [ص:55] أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة والعمل بمقتضاه وقيل المنع ومعناه أن لكل حد من حدود الله وهي ما منع عباده من تعديه موضع إطلاع من القرآن فمن وفق لإرتقاء ذلك المرتقى اطلع على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع. <تنبيه> قال ابن عربي: اغطس في بحر القرآن إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب التفسير لظاهره ولا تغطس فتهلك فإن بحره عميق ولولا قصد الغاطس للمواضع القريبة من الساحل ما خرج لكم أبدا فالأنبياء والورثة هم الذين يقصدون هذه المواضع رحمة بالعالم وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا ولم يردوا ولم ينتفع بهم أحد ولا انتفعوا بأحد بل قصدهم بشج البحر فغطسوا فهم إلى الأبد لا يخرجون
(طب عن ابن مسعود) ورواه البغوي في شرح السنة عن الحسن وابن مسعود مرفوعا(3/54)
2728 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف) لا يناقض السبعة بجواز أن الله أطلعه أولا على القليل ثم الكثير كما عرف من نظائره
(حم طب ك عن سمرة بن جندب) قال الحاكم: صحيح ولا علة له وأقره الذهبي(3/55)
2729 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا) بحذف التاءين للتخفيف (فيه فإنه مبارك كله) أي زائد الخير كثير الفضل (فاقرأوه كالذي أقرئتموه) بالبناء للمجهول أي كالقراءات التي أقرأتكم إياها كما أنزله علي بها جبريل. {فائدة} قال المؤلف: من خصائصه أن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور ومشتمل على ما اشتملت عليه الكتب وزيادة وجامع لكل شيء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما على سبعة أحرف وسبعة أبواب وبكل لغة عد هذه ابن النقيب وقراءته بكل حرف عشر حسنات عد هذه الزركشي
(ابن الضريس عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الطبراني والبزار لكن بلفظ ولا تجافوا عنه بدل تحاجوا فيه قال الهيثمي: وإسنادهما ضعيف اه فما أوهمه صنيع المؤلف من أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز غير جيد(3/55)
2730 - (أنزل القرآن على عشرة أحرف) أي عشرة وجوه (بشير) اسم فاعل من البشارة وهي الخبر السار (ونذير) من الإنذار الإعلام بما يخاف منه (وناسخ ومنسوخ) أي حكم مزال بحكم (وعظة) {قد جاءتكم موعظة من ربكم} (ومثل) {تلك الأمثال نضربها للناس} (ومحكم) فسره في الكشاف بما أحكمت عبارته بأن أحكمت من الاحتمال (ومتشابه) فسره بما يكون عبارته مشتبهة محتملة قال: ففي المحكم سهولة الاطلاع مع طمأنينة قلب وثلج صدر وفي المتشابه تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات (وحلال) وهو الذي به صلاح النفس والبدن لموافقته تقويمها (وحرام) وهو ما لا يصلح النفس والبدن إلا بالتطهير منه لبعده عن تقويمها وأشار بتأخير هذين الحرفين وهما حرفا صلاح الدنيا وأصلهما في التوراة وتمامها في القرآن ويلي هذين حرفا صلاح المعاد وهما حرفا البشارة والنذارة والزجر والنهي وذلك يأتي على كثير من خلال الدنيا لوجوب إيثار الآخرة لبقائها وكليتها على الدنيا لفنائها وجزئيتها وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن ويليهما حرفا [ص:56] صلاح الدين حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاقه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه بغير التفات لما سواه وحرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه خطأه من حيث قصور عقله عن دركه إلا أن يؤيده الله بتأييده فالحروف الخمسة للاستعمال والسادس للوقوف ليقف العبد لله بحرف كما أقدم الله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه ما تقدم من طرفه وعلمه وأصل هذين في الكتب المتقدمة وتمامها في القرآن ويختص بالسابع الجامع بين المثل الأعلى ومظهر الممثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد وكتابه وهو حرف المثل ولا ينال إلا بموهبة من الله لعبده فليتدبره من عقل ذكره كله الحرالي
(السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن عن أبي سلمة مرفوعا بلفظ نزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وخبر ما كان قبلكم وخبر ما هو كائن بعدكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه واعتبروا بأمثاله قال الكمال ابن أبي شريف: ورجال إسناده أئمة من رجال الصحيحين إلا عمر بن أبي سلمة فمن رجال السنن لكن فيه انقطاع(3/55)
2731 - (أنزل القرآن بالتفخيم) أي التعظيم ومن تفخيمه إعطاؤه حقه وقفا وابتداء فإن رعاية الفواصل تزيد في البيان وزيادته تورث التوقير أي التعظيم يعني اقرأوه على قراءة الرجال ولا تخضعوا الصوت به ككلام النساء ولا يدخل فيه كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء
(ابن الأنباري) في كتاب (الوقف) والابتداء (ك) في التفسير من حديث بكار بن عبد الله عن محمد بن عبد العزيز العوفي عن أبي الزناد عن خارجة (عن) أبيه (زيد بن ثابت) قال الحاكم: صحيح فقال الذهبي: لا والله العوفي مجمع على ضعفه وبكار ليس بعمدة والحديث واه منكر إلى هنا كلامه وأنت بعد إذ عرفت حاله علمت أن المصنف في سكوته عليه غير مصيب(3/56)
2732 - (أنزل علي آيات) أحد عشر (لم نر) بالنون وروي بياء مضمومة (مثلهن قط) من جهة الفضل كذا قال والأظهر أن المراد لم تكن سورة آياتها كلها تعويذ من شر الأشرار وغيرهما وعلى الأول فلا يعارض ما تقدم في آية الكرسي لأن تلك آية واحدة وهذه آيات أو يقال إنه عام مخصوص أو يقال ضم هذا إلى ذلك ينتج أن الجميع سواء في الفضل. ذكره الأبي (قل أعوذ برب الفلق) الصبح لأن الليل يفلق عنه وفي المثل هو أبين من فلق الصبح أو الخلق لأنه فلق عنهم ظلمة العدم أو جهنم أو جب أو سجن أو بيت فيها إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره أو ما ينفلق من النوى والحب أو ما ينفلق من الأرض عن النبات أو الجبال عن العيون والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد وقيل فلق القلوب بالأفهام حتى وصلت إلى الدلائل والأعلام والمراد هنا السورة بكمالها وهكذا فيما يأتي (وقل أعوذ برب الناس) أي مربيهم وخصه به تشريفا ولاختصاص التوسوس به فالاستعاذة واقعة من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شر الجان والإنسان بغيرهما فلما نزلتا ترك التعوذ بما سواهما ولما سحر استشفى بهما هذا وقد بين بهذا الخبر عظم فضل هاتين السورتين وأن لفظة قل من القرآن وعليه الإجماع قال عياض: وفيه رد على من نسب لابن مسعود كونهما ليستا من القرآن وعلى من زعم أن لفظ قل ليس من السورتين وإنما أمر أن يقول فقال
(م ت ن عن عقبة بن عامر) الجهني(3/56)
[ص:57] 2733 - (أنزل علي عشر آيات من أقامهن) أي عدلهن وأحسن قراءتهن بأن أتى بهن على الوجه المطلوب في حسن الأداء (دخل الجنة: قد أفلح المؤمنون) أي دخلوا في الفلاح والفلاح الظفر بالمراد أي فازوا وظفروا بمرادهم قطعا إذ قد لتقريب الماضي من الحال وللتأكيد فكأن الفلاح قد حصل وهو الشهادة أو إدراك المطلوب والنجاة من الموهوب قال في الكشاف: قد نقيضة لما تثبت المتوقع ولما تنفيه ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه اه (الآيات) العشرة من أول السورة والمراد أنه يدخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فالمؤمن الذي لم يقرأهن قط لا بد من دخوله الجنة وإن حوسب أو عذب
(ت عن عمر) بن الخطاب(3/57)
2734 - (أنزلت صحف إبراهيم) بضمتين جمع صحيفة وأصلها كما قال الزمخشري قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه وتقول أي العرب صحائف الكتب خير من صحاف الذهب وفي الصحاح الصحيفة الكتاب (أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) قال الحليمي: يريد به ليلة خمس وعشرين نقله عنه البيهقي وأقره اه. ثم إن ما ذكر من إنزاله في تلك الليلة أراد به إنزاله إلى اللوح المحفوظ فإنه نزل عليه فيها جملة ثم أنزل منه منجما في نيف وعشرين سنة وسره كما قال الفخر الرازي أنه لو نزل جملة واحدة لضلت فيه الأفهام وتاهت فيه الأوهام {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} فهو كالمطر لو نزل دفعة لقلع الأشجار وخرب الديار وقال السيد: في تنزيله منجما تسهيل ضبط الأحكام والوقوف على حقائق نظم الآيات قال ابن حجر: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} ولقوله {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول {اقرأ باسم ربك}
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات اه. ورواه عنه أيضا أحمد والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور من هذا الوجه لكن لم أر في النسخة التي وقفت عليها في أوله صحف إبراهيم والبقية سواء(3/57)
2735 - (أنزلوا الناس منازلهم) أي احفظوا حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين وعلم وشرف فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس والخطاب للأئمة أو عام وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم وقال: هذا مما أدب به المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته من إيفاء الناس حقوقهم من تعظيم العلماء والأولياء وإكرام ذي الشيبة وإجلال الكبير وما أشبهه
(م د عن عائشة) الصديقية وفيه أمران: الأول أنه يوهم أن مسلما خرجه مسندا ولا كذلك بل ذكره في أول صحيحه تعليقا فقال: وذكر عن [ص:58] عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. الثاني أنه يوهم أن حديث أبي داود لا علة فيه وهو بخلافه بل هو منقطع فإنه أوله من حديث ميمون بن أبي شبيب أن عائشة مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنزلوا إلخ. قال النووي في رياضه: ميمون لم يدرك عائشة قال وذكره الحاكم في علوم الحديث وذكر أنه صحيح(3/57)
2736 - (أنزل) يا معاذ بن جبل (الناس منازلهم) أي المنازل التي أنزلهم الله إياها (من) وفي رواية في (الخير والشر) فإن الإكرام غذاء الآدمي والتارك لتدبير الله تعالى في خلقه لا يستقيم حاله وقد دبر الله تعالى الأحوال لعباده غنى وفقرا وعزا وذلا ورفعة وضعة ليبلوكم أيكم أشكر فالعامل عن الله يعاشر أهل دنياه على ما دبر الله لهم فإذا لم ينزله المنزلة التي أنزله الله ولم يخالقه بخلق حسن فقد استهان به وجفاه وترك موافقة الله في تدبيره فإذا سويت بين شريف ووضيع أو غني وفقير في مجلس أو عطية كان ما أفسدت أكثر مما أصلحت فالغني إذا أقصيت مجلسه أو أحقرت هديته يحقد عليك لما أن الله تعالى لم يعوده ذلك وإذا عاملت الولاة بمعاملة الرعية فقد عرضت نفسك للبلاء وقوله في الخير والشر يريد به أن من يستحق الهوان فلا يرفع أنفع قال علي: من أنزل الناس منازلهم رفع المؤونة عن نفسه ومن رفع أخاه فوق قدره فقد اجتر عداوته وقال زياد: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري ومعنا رجل مزاح فكان يقول لصاحب طعامنا جزاك الله خيرا وبرا فيغضب فقال: اقلبوه له فإنا كنا نتحدث أن من لم يصلحه الخير يصلحه الشر فقال له المزاح: جزاك الله شرا فضحك وقال: ما تدع مزاحك (وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة) أي تلطف في تعليمهم رياضة النفس على التحلي بمحاسن الأخلاق والتخلي عن رذائلها قال أبو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتحرك بها الإنسان في فضيلة من الفضائل
(الخرائطي) في كتاب (مكارم الأخلاق عن معاذ) بن جبل(3/58)
2737 - (أنشد الله) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة والله بالنصب وفي رواية بالله (رجال أمتي) أي أسألهم بالله وأقسم عليهم به (لا يدخلون الحمام إلا بمئزر) يستر عورتهم عمن يحرم نظره إليها فإن كشف العورة بحضرته حرام (وأنشد الله نساء أمتي أن لا يدخلن الحمام) أي مطلقا لا بإزار ولا بغيره كما يدل عليه ما قبله فدخول الحمام لهن مكروه تنزيها إلا لضرورة متأكدة كنفاس أو حيض وكان الإغتسال في غيره يضرها قال ابن حجر: معنى أنشد أسأل رافعا نشدتي أو صوتي
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(3/58)
2738 - (انصر أخاك) في رواية أعن أخاك في الدين (ظالما) بمنعه الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه وهو من وجيز البلاغة (أو مظلوما) بإعانته على ظالمه وتخليصه منه (قيل) يعني قال أنس: (كيف أنصره ظالما) يا رسول الله (قال: تحجزه عن الظلم) أي تمنعه منه وتحول بينه وبينه (فإن ذلك) أي منعه منه (نصرة) له أي منعك إياه من الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه الأمارة بالسوء لأنه لو ترك على ظلمه جره إلى الاقتصاص منه فمنعه من [ص:59] وجوب القود نصرة له وهذا من قبيل الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة
(حم خ) في المظالم (ت) في الفتن (عن أنس) وروى مسلم معناه عن جابر(3/58)
2739 - (انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما) قيل: كيف يا رسول الله ذلك؟ قال: (إن يك ظالما فاردده عن ظلمه وإن يك مظلوما فانصره) وفي رواية للبخاري انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما فقال: تأخذ فوق يديه كنى عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكن بالقول وعبر بالفوقية إيماء إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وفيه وفيما قبله إشعار بالحث على محافظة الصديق والاهتمام بشأنه ومن ثم قيل حافظ على الصديق ولو على الحريق. <فائدة> في المفاخر للضبي إن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر وعنى به ظاهره وهو ما اعتيد من حمية الجاهلية لا على ما فسره المصطفى صلى الله عليه وسلم
(الدارمي) في مسنده (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله وفي الباب عائشة وغيرها(3/59)
2740 - (انظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر ومزيد التدبر والتأمل. قال الراغب: والنظر إجالة الخاطر نحو المرئي لإدراك البصيرة إياه فللقلب عين كما أن للبدن عينا (فإنك لست بخير من) أحد من الناس (أحمر) أي أبيض (ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى) أي تزيد عليه في وقاية النفس عما يضرها في الآخرة ومراتبها ثلاثة: التوقي عن العذاب المخلد ثم عن كل محرم ثم ما يشغل السر عن الحق تقدس
(حم عن أبي ذر) قال الهيثمي كالمنذري: رجاله ثقات إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر(3/59)
2741 - (انظروا قريشا) قال الزمخشري: من النظر الذي هو التأمل والتصفح (فخذوا من قولهم وذروا فعلهم) أي اتركوا اتباعهم في أفعالهم فإنهم ذو الرأي المصيب والحدس الذي لا يخطئ ولا يخيب لكنهم قد يفعلون ما لا يسوغ شرعا فاحذروا متابعتهم فيه
(حم حب عن عامر بن شهر) بمعجمة الهمداني أبي الكنود بفتح الكاف ثم نون صحابي نزل الكوفة وهو أحد عمال المصطفى صلى الله عليه وسلم على اليمن وأول من اعترض على الأسود الكذاب باليمن(3/59)
2742 - (انظروا إلى من هو أسفل منكم) أي في أمور الدنيا أي الأحق والأولى ذلك (ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) فيها (فهو أجدر) أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى من هو فوق حقيق (أن لا تزروا) أي بأن لا تحتقروا (نعمة الله عليكم) فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا طمحت له نفسه واستصغر ما عنده من نعم الله وحرص على الازدياد ليلحقه أو يقاربه وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد. قال الغزالي: وعجب للمرء كيف لا يساوي دنياه بدينه أليس إذا لامته نفسه فارقها يعتذر إليها بأن في الفساق كثرة فينظر أبدا في الدين إلى من هو دونه لا لمن فوقه أفلا يكون في الدنيا كذلك. وقال الحكيم: لا يزال الإنسان يترقى في درجات النظر علوا علوا كلما نال درجة سما به حرصه إلى النظر إلى ما فوقها فإذا نظر إلى من دونه في درجات الدين اعتراه العجب فأعجب بنفسه فطال بتلك الدرجة على الخلق واستطال [ص:60] فرمى به من ذلك العلو فلا يبقى منه عضو إلا انكسر وتبدد وكذا درجات الدنيا إذا رمى ببصره إلى من دونه تكبر عليه فتاه على الله بكبره وتجبر على عباده فخسر دينه وقد أخذ هذا الحديث محمود الوراق فقال:
لا تنظرن إلى ذوي ال. . . مؤثل والرياش
فتظل موصول النها. . . ر بحسرة قلق الفراش
وانظر إلى من كان مث. . . لك أو نظيرك في المعاش
تقنع بعيش كيف كا. . . ن وترض منه بانتعاش
(حم م ت) كلاهما في الزهد (عن أبي هريرة)(3/59)
2743 - (انظرن) بهمزة وصل وضم المعجمة من النظر بمعنى التفكر والتأمل والتدبر (من) استفهام (إخوانكن) أي تأملن أيها النساء في شأن إخوانكن من الرضاع أهو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه ضمن الرضاعة وقدر الارتضاع فإن التحريم إنما يثبت إذا توفرت الشروط قاله لعائشة وقد رأى عندها رجلا ذكرت أنه أخوها منه ثم علل الباعث على إمعان النظر بقوله (فإنما) الفاء تعليلية لقوله انظرن (الرضاعة) المحرمة للخلوة (من المجاعة) بفتح الميم الجوع أي إنما الرضاعة المحرمة ما سد مجاعة الطفل من اللبن بأن أغذاه وأنبت لحمه وقوى عظمه فلا يكفي بنحو مصتين ولا إن كان بحيث لا يشبعه إلا الخبز كأن جاوز الحولين لأن المدار على تقوية عظمه ولحمه من لبنها بحيث يصير كجزء منها وأدنى ما يحصل ذلك خمس رضعات تامات في حال يكون اللبن فيه كافيا للطفل مشبعا له لضعف معدته وإنما يكون ذلك فيما دون حولين
(حم ق د ن هـ عن عائشة) قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال: يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة فذكره(3/60)
2744 - (انظري) أيتها المرأة التي هي ذات بعل (أين أنت منه) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه (فإنما هو) أي الزوج (جنتك ونارك) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم قال: كيف أنت منه؟ قالت: لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة
(ابن سعد) في الطبقات (طب عن عمة حصين) بضم الحاء وفتح الصاد بضبط المؤلف (ابن محصن) بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الصاد المهملة قال حصين: حدثتني عمتي أنها ذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وصنيع المؤلف قاض بأنه لم ير هذا في أحد الكتب الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل لغيرها وهو عجيب فقد رواه النسائي من طريقين وعزاه له جمع جم منهم الذهبي في الكبائر ولفظه: قالت عمة حصين وذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظري أين أنت منه فإنه جنتك ونارك أخرجه الذهبي من وجهين وفي الباب أحاديث كثيرة هذا نصه بحروفه(3/60)
2745 - (أنعم على نفسك) بالإنفاق عليها مما آتاك الله من غير إسراف ولا تقتير (كما أنعم الله عليك) أي ولا يحجزك عن ذلك خوف الفقر فإن الحرص لا يزيل الفقر كل حريص فقير ولو ملك الدنيا وكل قانع غني وإن كان صفر اليدين ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني بغنى سيده ففي الإمساك خوف الفقر إباق العبد عن ربه
(ابن النجار) [ص:61] في التاريخ (عن والد أبي الأحوص) بحاء وصاد مهملتين(3/60)
2746 - (أنفق) بفتح الهمزة أمر بالإنفاق (يا بلال ولا تخشى من ذي العرش) قيد للمنفي (إقلالا) فقرا من قل بمعنى افتقر وهو في الأصل بمعنى صار ذا قلة وما أحسن من ذي العرش في هذا المقام أي أتخاف أن يضيع مثلك من هو مدبر الأمر من السماء إلى الأرض؟ كلا. قال الطيبي: الذي يقتضيه مراعاة السجع أن يوقف على بلال وإقلال بغير ألف وإن كتب بالألف ليزدوجا كما في قولهم آتيك بالغدايا والعشايا وقوله ارجعن مأزورات غير مأجورات اه. وإنما أمره بذلك لأنه تعالى وعد على الإنفاق خلفا في الدنيا وثوابا في العقبى فمن أمسك عن الإنفاق خوف الفقر فكأنه لم يصدق الله ورسوله. قال الطيبي: وما أحسن ذكر العرش في هذا المقام. قال الغزالي: قال سفيان: ليس للشيطان سلاح كخوف الفقر فإذا قبل ذلك منه أخذ بالباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء وخرج الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري عن بلال يرفعه يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال: إذا رزقت فلا تمنع قال: وكيف لي بذلك؟ قال: ذاك وإلا فالنار قال المؤلف في مختصر الموضوعات: وهذه الأحاديث كانت في صدر الإسلام حين كان الإدخار ممنوعا والضيافة واجبة ثم نسخ الأمران وإنما يدخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنسخ
(البزار) في مسنده (عن بلال) المؤذن قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي صبر من تمر فقال: فما هذا فقلت: ادخرناه لشتائنا قال: أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم أنفق إلخ قال الهيثمي: إسناده حسن (طب عن ابن مسعود) قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر فقال: ما هذا قال: أعددته لأضيافك فذكره. قال الهيثمي: قال رواه بإسنادين أحدهما حسن وفي الآخر قيس بن الربيع وفيه كلام وبقية رجاله ثقات ورواه أيضا عن أبي هريرة وفيه مبارك بن فضيلة وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وأطلق الحافظ العراقي أن الحديث ضعيف من جميع طرقه لكن قال تلميذه الحافظ ابن حجر في زوائد البزار إسناد حديثه حسن(3/61)
2747 - (أنفقي) أي تصدقي يا أسماء بنت أبي بكر الصديق (ولا تحصي) لا تبقي شيئا للإدخار أو لا تعدي ما أنفقتيه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك (فيحصي الله عليك) أي يقلل رزقك بقطع البركة أو بحبس مادته أو بالمحاسبة عليه في الآخرة وهو بالنصب جواب النهي (1) والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العد ملزومه أو من الحصر الذي هو المنع (ولا توعي) بعين مهملة أي لا تحفظي فضل مالك في الوعاء وهو الظرف أو لا تجمعي شيئا في الوعاء وتدخريه بخلا به (فيوعي الله عليك) أي يمنع عنك مزيد نعمته عبر عن منع الله بالإيعاء ليشاكل قوله لا توعي فإسناد الإيعاء إليه تعالى المشاكلة والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عدا أو كيلا وكثيرا ما يراد بالإنفاق في كلام الشارع الأعم من الزكاة والصدقة فيشمل جميع وجوه الإنفاق من المعارف والحظوظ التي تكسب المعالي وتنجي من المهالك
(حم ق) في الزكاة (عن أسماء بنت أبي بكر) قالت: قلت: يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير - أي زوجها - أفأتصدق؟ فذكره
_________
(1) قوله: وهو بالنصب جواب النهي: الصحيح أنه منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية اه(3/61)
2748 - (أنكحوا) أي أكثروا من الوطئ (فإني مكاثر بكم) أي الأمم يوم القيامة كما يجيء في خبر آخر
(هـ عن أبي هريرة)(3/61)
[ص:62] 2749 - (أنكحوا الأيامى) أي النساء اللاتي بلا أزواج جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا أم ثيبا كما في الصحاح (على ما تراضى به الأهلون) جمع أهل وهم الأقارب والمراد هنا الأولياء (ولو قبضة) بفتح القاف وتضم ملء اليد (من أراك) أي ولو كان الصداق الذي وقع عليه التراضي شيئا قليلا جدا أي لكنه يتمول فإنه جائز صحيح وفيه رد على الحنفية في إيجابهم أن لا ينقص عن عشرة دراهم والأراك شجر معروف يستاك بقضبانه الواحدة أراكة أو شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود ولها ثمر في عناقيد يملأ العنقود الكف ولا تبعد إرادته هنا
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه ضعفوه انتهى وقال ابن حبان: يروى عن أبيه نسخة كلها موضوعة وقال الدارقطني: أبوه ضعيف أيضا(3/62)
2750 - (أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة) يحتمل أن المراد بأمهات الأولاد النساء التي يلدن فهو حث على نكاح الولود وأن المراد السراري جمع سرية نسبة إلى السر وهو الجماع والإخفاء لأن المرء كثيرا ما يسر بها ويسترها عن حرمه وضمت سينه لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في السنة للدهر دهري وجعلها الأخفش من السرور لأنه يسر بها
(حم) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الله المغافري وقد وثق وفيه ضعف(3/62)
2751 - (أنهاكم عن كل مسكر) أي عن كل شيء من شأنه الإسكار (أسكر عن الصلاة) أي أزال كثرة العقل عن التمييز حتى صد عن أداء الصلاة كما أشير إليه بقوله تعالى {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} سواء اتخذ ذلك من العنب أم من غيره. قال النووي: هذا صريح في أن كل مسكر حرام وإن كان من غير العنب. وقال القرطبي: هذا حجة على من يعلق التحريم على وجود الإسكار والشارب من غير اعتبار وصف المشروب وهم الحنفية واتفق أصحابنا على تسمية جميع الأنبذة خمرا لكن قال أكثرهم هو مجاز وحقيقة الخمر عصير العنب وقال جمع: حقيقة فيهما. وقال ابن السمعاني: قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من جلي الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في النبيذ ومن ذلك أن علة الإسكار في الخمر كون قليله يدعو إلى كثيره وذلك موجود في النبيذ فالنبيذ عند عدم الخمر يقوم مقامه لحصول الفرح والطرب بكل منهما وإن كان النبيذ أغلظ والخمر أرق وأصفى لكن الطبع يحتمل ذلك في النبيذ لحصول السكر كما يحتمل المرارة في الخمر لطلب السكر قال: وبالجملة فالنصوص المحرمة بتحريم كل مسكر وإن قل مغنية عن القياس
(م عن أبي موسى) الأشعري قال: استفتي النبي صلى الله عليه وسلم في البتع بكسر فسكون نبيذ العسل والمزن نبيذ الشعير حتى ينبذ أي حتى يشتد فذكره(3/62)
2752 - (أنهاكم عن الكي) نهي تنزيه كما يعرف من أخبار أخرى وفي غير حالة الضرورة وعدم قيام غيره مقامه وقيل إنما نهى عنه لأنهم كانوا يعظمونه ويرون أنه يبرئ ولا بد أو أنه ينهى عنه قبل نزول الداء وعن استعماله على العموم فإن له داء مخصوصا ومحلا مخصوصا وفي مسلم عن عمران أنه كان يسلم عليه الملائكة فلما اكتوى تركت السلام فلما تركه يعني تاب عاد السلام عليه (وأكره الحميم) أي الماء الحار أي استعماله في نحو الشرب والطهارة لكن المراد إذا كانت شديدة [ص:63] الحرارة لضرره ولمنعه الإساغة والكراهة حينئذ شرعية بل إن تحقق الضرر كان النهي للتحريم
(ابن قانع) في معجم الصحابة (عن سعد الظفري) بفتح الظاء المعجمة والفاء وآخره راء نسبة إلى ظفر بطن من الأنصار قال الذهبي: الأصح أنه سعد بن النعمان بدري(3/62)
2753 - (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) سواء كان من عصير العنب أو من غيره فالقطرة من المسكر حرام وإن انتفى تأثيرها فبين بهذا أن كل ما كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله وإن لم يسكر متناوله بما تناوله لقلته كقطرة واحدة
(ن عن سعد) بن أبي وقاص قال الزين العراقي: قال البيهقي في الخلافيات: رواته ثقات ورواه عنه أيضا ابن حبان والطحاوي واعترف بصحته(3/63)
2754 - (أنهاكم عن صيام يومين) أي يوم عيد (الفطر و) يوم عيد (الأضحى) فصومهما حرام ولا ينعقد ومثلهما أيام التشريق لأنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى
(ع عن أبي سعيد) الخدري(3/63)
2755 - (أنهاكم عن الزور) وفي رواية من قول الزور أي الكذب والبهتان لتماديه في القبح والسماجه في جميع الأديان أو شهادة الزور ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك أو هو كقولهم هذا حلال وهذا حرام وقولهم في التلبية لبيك لا شريك لك إلا شريك تملكه وما ملك والمراد اجتنبوا الانحراف عن سنن الشريعة لأن الزور من الإزورار وهو الانحراف فيرجع إلى الأمر بالاستقامة فكأنه قال استقم كما أمرت
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان(3/63)
2756 - (أنهر) وفي رواية أمر وأخرى أمرر (الدم) أي أسله (بما شئت) أي أزهق نفس البهيمة بكل ما أسال الدم غير السن والظفر ذكره الزمخشري شبه خروج الدم من محل الذبح بجري الماء في النهر (واذكر اسم الله عليه) تمسك به من شرط التسمية عند الذبح وحمله الشافعية على الندب لخبر إن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال: سموا أنتم وكلوا
(ن) في الصيد والذبائح (عن عدي بن حاتم) قلت: يا رسول الله أرسل كلبي فيأخذ الصيد ولا أجد ما أذكيه به أفأذكيه بالمروة أي وهي حجر أبيض والعصا فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه بل خرجه أيضا عن عدي أبو داود وابن ماجه. قال ابن حجر: ورواه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرمى عن قطري عن عدي انتهى(3/63)
2757 - (أنهشوا اللحم) أزيلوه عن العظم بالفم ولا تحزوه بالسكين قالوا: ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان قال ابن العربي: وإذا فعل غير ذلك لا يرده في القصعة وليحبسه بيده وليضعه أمامه (نهشا) بشين معجمة بخطه وقال الحافظ العراقي: بسين مهملة ولعلهما روايتان وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري. قال الزين العراقي: والأمر للإرشاد بدليل تعليله بقوله (فإنه أشهى وأهنأ وأمرأ) وفي رواية وأبرأ أي من السوء ونهش اللحم أخذه بمقدم الأسنان يقال هنؤ الطعام يهنو فهو هني ومرؤ فهو مري أي صار كذلك وهنأ في الطعام ومرأ من حد ضرب أي ساغ لي فإذا أفردوا قالوا: أمرأني بالألف وفي الكشاف: الهني والمري صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا ما ينقبض. قيل: الهني ما يلذ به الآكل والمري ما تحمد عاقبته وقيل: هو ما ينساغ في مجراه. قال العراقي: ولم يثبت النهي [ص:64] عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما لو عسر نهشه بالسن فيقطع بالسكين وكذا لو لم يحضر سكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني
(حم ت ك عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم انتهى وتعقبه مغلطاي بأنه في كتاب الأطعمة لأبي عاصم من حديث الفضل بن عباس قال: كنا في وليمة فسمعت صفوان يقول فذكره قال أعني مغلطاي: وفيه شيء آخر وهو أن حديث أبي عاصم متصل وحديث الترمذي منقطع فيما بين عثمان بن أبي سليمان وصفوان اه وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده(3/63)
2758 - (أنهكوا الشوارب) أي استقصوا قصها والإنهاك الاستقصاء (وأعفوا اللحى) أي اتركوها فلا تأخذوا منها شيئا
(خ عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهره أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي وغيره إلى مسلم من حديث عبد الله بن عمر(3/64)
2759 - (اهتبلوا) أي اغتنموا الفرصة قال الزمخشري: من المجاز هو مهتبل عزته وسمعت كلمة فاهتبلتها اغتنمتها وافترصتها انتهى ومنه أخذ في النهاية قول اهتبل كذا اغتنمه (العفو عن عثرات ذوي المروءات) أي أصحاب المروءات فإن العفو عنهم فيها مندوب ندبا مؤكدا والخطاب للأئمة أو أعم وقد سبق هذا موضحا
(أبو بكر المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة نسبة إلى جده وهو محمد بن عمران بغدادي صاحب أخبار وتصانيف (في كتاب المروءة عن عمر) بن الخطاب(3/64)
2760 - (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) أي تحرك فرحا وسرورا بنقلته من دار الفناء إلى دار البقاء لأن أرواح الشهداء مستقرها تحت العرش تأوي إلى قناديل هناك كما في خبر وإذا كان العبد ممن يفرح خالق العرش بلقائه فالعرش يدق في جنب خالقه أو اهتز استعظاما لتلك الوقعة التي أصيب فيها أو اهتز حملته فرحا به فأقيم العرش مقام حامليه وقوله عرش الرحمن نص صريح يبطل قول من ذهب إلى أن المراد بالعرش السرير الذي حمل عليه قال ابن القيم: كان سعد في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين لا تأخذه في الله لومة لائم وختم له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وحلفائه ووافق حكمه حكم الله من فوق سبع سماوات ونعاه جبريل عليه السلام يوم موته فحق له أن يهتز العرش له
(حم م عن أنس) بن مالك (حم ق ت هـ عن جابر) قال المصنف: وهذا متواتر(3/64)
2761 - (أهل البدع) أي أصحابها جمع بدعة ما خالف الكتاب والسنة مجملا أو مفصلا (شر الخلق) مصدر بمعنى المخلوق (والخليقة) بمعناه فذكره للتأكيد أو أراد بالخلق من خلق وبالخليقة من سيخلق أو الخلق الناس والخليقة البهائم وإنما كانوا شر الخلق لأنهم أبطنوا الكفر وزعموا أنهم أعرف الناس بالإيمان وأشدهم تمسكا بالقرآن فضلوا وأضلوا ذكره الطيبي وهذا مستمد من قوله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} و {أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} الآية. قال مجاهد: السبل البدع وسبق أن الكلام في بدعة تخالف أصول الشرع وإلا كوضع المذاهب وتدوينها وتصنيف العلوم وتقرير القواعد وكثرة التفريع وفرض ما لم يقع وبيان حكمه وتفسير القرآن [ص:65] والسنة واستخراج علوم الأدب وتتبع كلام العرب فمندوب محبوب وأهله ليسوا بشر الخليقة بل خيرها
(حل) من حديث محمد بن عبد الله بن عمار عن المعافى بن عمران عن الأوزاعي عن قتادة (عن أنس) ثم قال: تفرد به المعافى عن الأوزاعي بهذا اللفظ(3/64)
2762 - (أهل الجنة عشرون ومئة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) لا يعارضه خبر ابن مسعود أنتم شطر أهل الجنة وفي رواية نصفهم لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم رجا أولا أن يكونوا نصفا فأعطاه الله رجاءه ثم زاده
(حم ت) في صفة الجنة (هـ حب ك) في الإيمان (عن بريدة) بن الحصيب وقال الحاكم: على شرطهما وقال الترمذي: حسن ولم يبين لم لا يصح. قيل: لأنه روي مرسلا ومتصلا قال في المنار: ولا ينبغي أن يعد ذلك مانعا لصحته (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن شريك الدمشقي وهو ضعيف ووثق (وعن ابن مسعود) قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وأنتم ربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها فقلنا: الله ورسوله أعلم فقال: كيف أنتم وثلثها قالوا: فذلك أكثر ثم ذكره قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة (وعن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: وفيه القاسم بن حصن وهو ضعيف وأعاده مرة أخرى ثم قال: فيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف جدا وفي اللسان كالميزان هذا حديث منكر(3/65)
2763 - (أهل الجنة جرد مرد) أي لا شعر على أبدانهم ولا لحالهم قيل إلا هارون أخا موسى عليه الصلاة والسلام فإن لحيه إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا في ترجمة الأسعد وسئل عن ذلك فقال:
وما في جنان الخلد ذو لحية يرى. . . سوى آدم فيما روينا في الأثر
وما جاء في هارون فالذهبي قد. . . رأى ذاك موضوعا فكن صيقل الفكر
حكاه الغزالي وفي رواية ذكرها في لسان الميزان إلا موسى فلحيته إلى سرته (كحل) أي على أجفانهم سواد خلقي (لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم) قيل: أراد أن الثياب المعينة لا يلحقها البلى ويحتمل إرادة الجنس بل لا تزال عليهم الثياب الجدد كما أنها لا تنقطع أكلها من حينه بل كل مأكول يخلفه مأكول آخر وكل ثمرة قطعت خلفتها أخرى وهكذا لا يقال الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية متعرضة للاستحالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في الجنان لأنا نقول إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلا متفاوتة في الكيف متساوية في القوة لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض على أن قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده نقص عقل وضعف بصيرة
(ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب اه وفيه معاذ بن هشام حديثه في الكتب الستة قال ابن معين: صدوق وليس بحجة(3/65)
2764 - (أهل الجنة من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع) في البحر يحتمل أن معناه من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا عمله ومن ملأ من ثناء الناس [ص:66] شرا عمله فكأنه قال: أهل الجنة من لا يزال يعمل الخير حتى ينتشر عنه فيثنى عليه بذلك وفي الشر كذلك ومعنى قوله أهل الجنة أي الذين يدخلونها ولا يدخلون النار ومعنى أهل النار أي الذين استحقوها لسوء أعمالهم سموا بدخولها أهل النار لكنهم سيدخلون الجنة إذا صحبهم إيمان ويكون أهل النار بمعنى الذين استحقوها بعظائم وأفعال السوء ثم يخرجون بشفاعته ويجوز أن يرحم منهم من يشاء ولا يعذبه اه. فإن قلت: ما فائدة قوله وهو يسمع بعد قوله ملأ الله أذنيه؟ قلت: قد يقال فائدته الإيمان إلى أن ما اتصف به من الخير والشر بلغ من الاشتهار مبلغا عظيما بحيث صار لا يتوجه إلى محل ويجلس بمكان إلا ويسمع الناس يصفونه بذلك فلم تمتلئ أذنيه من سماعه ذلك بالواسطة والإبلاغ بل بالسماع المستفيض المتواتر واستعمال الثناء في الذكر الجميل أكثر من القبيح كما في المصباح وجعله ابن عبد السلام حقيقة في الخير مجازا في الشر
(هـ عن ابن عباس) وفيه أبو الجوزاء قال الذهبي: قال البخاري فيه نظر(3/65)
2765 - (أهل الجور) أي الظلم (وأعوانهم في النار) لأن الداعي إلى الجور الطيش والخفة والأشر والبطر الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان فجوزوا من جنس مرتكبهم
(ك) في الأحكام (عن حذيفة) وصححه وتعقبه الذهبي فقال: بل منكر(3/66)
2766 - (أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض) يعني هم عذابه الشديد يصبه على من يشاء من العبيد قال الزمخشري: من المجاز {صب عليهم ربك سوط عذاب} أي فلما علم أن الضرب بالسوط أشد ألما من غيره عبر به (ينتقم بهم ممن يشاء من عباده) أي يعاقبه بهم قال في الصحاح: انتقم الله منه عاقبه (وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم) أي يمتنع عليهم ذلك (وأن يموتوا إلا هما) أي قلقا (وغيظا) أي غضبا شديدا. قال في المصباح: الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الغضب (وغما) أي كربا ووهنا (وحزنا) في إشعاره إيذان بأن أهل الشام قد رزقوا حظا في سيوفهم وشاهده ما رواه الخطيب في التاريخ أن عمر كتب إلى كعب الأحبار: اختر لي المنازل فكتب إليه: بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال: السخاء أريد اليمن فقال: حسن الخلق أنا معك وقال: الجفاء أريد الحجاز فقال: الفقر وأنا معك وقال: البأس أريد الشام فقال السيف وأنا معك وقال: العلم أريد العراق فقال: العقل وأنا معك وقال: الغنى أريد مصر فقال: الذل وأنا معك فاختر لنفسك
(حم ع طب والضياء) المقدسي (عن خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء (بن فاتك) بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية الأسدي الصحابي قال ابن أبي حاتم: بدري له صحبة وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني موقوفا على خريم ورجالهما ثقات(3/66)
2767 - (أهل القرآن) أي حفظته الملازمون لتلاوته العاملون بأحكامه في الدنيا وقيل أهله من بحث على أسراره ومعانيه (عرفاء أهل الجنة) الذين ليسوا بقرء أي هم زعماؤهم وقادتهم وفيه أن في الجنة أئمة وعرفاء فالأئمة الأنبياء فهم إمام القوم وعرفاءهم القراء والعريف من تحت يد الإمام فله شعبة من السلطان فالعرافة هناك لأهل القرآن الذين عرفوا بتلاوته وعملوا به
(الحكيم) الترمذي (عن أبي أمامة الباهلي)(3/66)
[ص:67] 2768 - (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال بيت الله. قال الحكيم: وإنما يكون هذا في قارئ انتفى عنه جور قلبه وذهب جناية نفسه فأمنه القرآن فارتفع في صدره وتكشف له عن زينته ومهابته فمثله كعروس مزين مد يده إليها دنس متلوث متلطخ بالقذر فهي تعافه وتتقذره فإذا تطهر وتزين وتطيب فقد أدى حقها وأقبلت إليه بوجهها فصار من أهلها فكذا القرآن فليس من أهله إلا من تطهر من الذنوب ظاهرا وباطنا وتزين بالطاعة كذلك فعندها يكون من أهل الله وحرام على من ليس بهذه الصفة أن يكون من الخواص وكيف ينال هذه الرتبة العظمى عبد أبق من مولاه واتخذ إلهه هواه؟ {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
(أبو القاسم بن حيدر في مشيخته عن علي) أمير المؤمنين وظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول عجيب فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس قال الحافظ العراقي: بإسناد حسن والعجب أن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه وأحمد في الدرر عن أنس المذكور باللفظ المزبور(3/67)
2769 - (أهل النار كل جعظري) أي فظ غليظ متكبر أو جسم عظيم أكول (جواظ) أي جموع منوع أو ضخم مختال في مشيته أو صياح مهدر (مستكبر) أي متعاظم مرتفع تيها وعجبا {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (وأهل الجنة الضعفاء) أي هم المتواضعون الخاضعون ضد المتكبرين الأشرين فهم الضعفاء عن حمل التكبر وأدنى الناس بمال أو جاه أو قوة بدن وعن المعاصي (المغلبون) بشد اللام المفتوحة أي الذين كثيرا ما يغلبون والمغلب الذي يغلب كثيرا وهؤلاء هم أتباع الرسل في هذه الأخلاق وغيرها
(ابن قانع) في المعجم (ك) في التفسير (عن سراقة) بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف (ابن مالك) ابن جعثم بضم الجيم وسكون المهملة الكناني بنونين المدلجي أبو سفيان أسلم بعد الطائف قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(3/67)
2770 - (أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأسمع طاعة) في رواية للطبراني بدله وأنجع طاعة يقال نجع له بحق إذا أقر به وبالغ فيه والرقة ضد الغلظة والجفوة واللين ضد القسوة فاستعيرت في أحوال القلب فإذا تباعد عن الحق وأعرض عن قبوله وأعرض عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة فكان شغافه صفيقا لا ينفذ فيه الحق وجرمه طبا لا يؤثر فيه الحق وإذا انعكس ذلك يوصف بالرقة واللين فكان حجابه رقيقا لا يأباه نفوذ الحق وجوهره يتأثر عن النصح والفؤاد والقلب وإن كان واحدا على ما عليه الأكثر لكن الخبر ينبئ عن التمييز بينهما وهو أن الفؤاد سمي به لنفوذه والقلب سمي قلبا لكثرة تقلبه فكأنه أراد بالأفئدة ما يظهر منها للأبصار وبالقلوب ما يظهر منها للبصائر
(طب عن عقبة ابن عامر) الجهني قال الهيثمي: وإسناده حسن وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب فقد رواه من هذا الوجه بهذا اللفظ أحمد في المسند(3/67)
2771 - (أهل شغل الله) بفتح الشين وسكون الغين وبفتحتين (في الدنيا هم أهل شغل الله في الآخرة وأهل شغل أنفسهم [ص:68] في الدنيا هم أهل شغل أنفسهم في الآخرة) لأن الآخرة أعواض وثواب مرتب على ما كان في النشأة الأولى قال ابن عطاء الله: الدار الدنيوية بيت العمل وأساس الخير لأهل التوفيق والشر لغيرهم لأن فيها ما ليس في الدار الآخرة وهو كسب الأعمال وكل سر لم يظهر في الدنيا لم يظهر في الآخرة {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فمن كان مخلصا في شغله بالعمل في الدنيا كانت دنياه آخرته ومن اشتغل بلذة نفسه وآثر الحياة الدنيا على الآخرة {فإن الجحيم هي المأوى}
(قط في الأفراد فر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف(3/67)
2772 - (أهون أهل النار عذابا) أي أيسرهم وأدونهم فيه (يوم القيامة رجل) لفظ رواية مسلم لرجل أي هو أبو طالب كما يجيء (يوضع في أخمص قدميه جمرتان) تثنية جمرة وهي القطعة من النار الملتهبة (يغلي منهما دماغه) وفي رواية للبخاري يغلي منهما أم دماغه قال الداودي: المراد أم رأسه وأطلق على الرأس أم الدماغ من تسمية الشيء مما يجاوره وفي رواية ابن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدميه وحكمة انتعاله بهما أنه كان مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بجملته لكنه كان مثبتا لقدميه على ملة عبد المطلب حتى قال عند الموت هو على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه فقط لتثبيته إياهما على ملة آبائه الضالين قال الغزالي: انظر إلى من خفف عليه واعتبر به فكيف من شدد عليه؟ ومهما شككت في شدة عذاب النار فقرب أصبعك منها وقس ذلك به انتهى وتمسك به من ذهب إلى أن الحسنات تخفف عن الكافر وقال البيهقي: ولمن ذهب لمقابله أن يقول خبر أبي طالب خاص والتخفيف عنه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلبه وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب فإن حسناته أحبطت بموته كافرا
(م عن النعمان بن بشير) الأنصاري لكن لفظ رواية مسلم من حديث النعمان إن أهون وإنما قال أهون في حديث ابن عباس الآتي فهذا مما لم يحرر المؤلف فيه التخريج(3/68)
2773 - (أهون أهل النار عذابا أبو طالب) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه) هذا وما قبله يؤذن بموته على الكفر وهو الحق ويزعم بعض الناس أنه أسلم قال الزمخشري: يا سبحان الله أكان أبو طالب أخمل أعمامه حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس ويخفى إسلامه؟ انتهى وأما ما رواه تمام في فوائده من حديث ابن عمر إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي كان في الجاهلية فتناوله المحب الطبري في حق عمه على أنها شفاعة في التخفيف كما في مسلم قال ابن حجر: ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت منها شيء وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة عن علي قال: لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: اذهب فواره قال: إنه مات مشركا قال: اذهب فواره وفيه أن عذاب الكفار متفاوت وأن الكافر قد ينفعه عمله الصالح في الآخرة. قال ابن حجر: لكنه مخالف للقرآن قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وأجيب باحتمال أن هذا من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم وبأن منع التخفيف إنما يتعلق بذنب الكفر لا غيره وبذلك يحصل التوفيق بين هذا [ص:69] الحديث وما أشبهه وبين قوله تعالى {لا يخفف عنهم العذاب}
(حم م عن ابن عباس) وفي الباب أبو سعيد وجابر وغيرهما(3/68)
2774 - (أهون الربا) بموحدة تحتية (كالذي ينكح) أي يطأ (أمه) في عظم الجرم وفظاعة الإثم (إن أربى الربا) أشده وأعظمه (استطالة المرء في عرض أخيه) في الإسلام أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وذكره بما يؤذيه أو يكرهه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن أبي هريرة)(3/69)
2775 - (أوتروا) من الوتر بفتح أوله وبكسر والفتح لغة أهل الحجاز الفرد أي صلوا صلاة الوتر (قبل أن تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح يعني في أية ساعة من الليل فيما بين صلاة العشاء والفجر ولا يختص بوقت من الليل فإذا طلع الفجر خرج وقته وفيه إيماء إلى أن تأخيره أفضل أي لمن وثق باليقظة
(حم م ت هـ عن أبي سعيد) قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فذكره الحاكم واستدركه فوهم(3/69)
2776 - (أوتيت) بالبناء للمجهول (مفاتيح) وفي رواية مفاتح (كل شيء إلا الخمس) المذكورة في قوله تعالى ( {إن الله عنده علم الساعة} الآية) بكمالها ومنه أخذ أنه ينبغي للمفتي والعالم إذا سئل عن ما لم يعلم أن يقول لا أعلم ولا ينقصه ذلك بل هو آية ورعه وتقواه ووفور علمه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: وأبرد ما علي كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول لا أعلم
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب(3/69)
2777 - (أوتي موسى الألواح وأوتيت المثاني) أي السور التي تقصر عن المئين فتزيد على المفصل كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني
(أبو سعيد النقاش) بفتح النون وشد القاف وبعد الألف شين معجمة نسبة لمن ينقش السقوف وغيرها بغدادي في حديثه مناكير (في فوائد العراقيين) أي في جزئه الحديثي الذي جمعه في ذلك (عن ابن عباس)(3/69)
2778 - (أوثق عرى الإيمان) أي أقواها أو أثبتها وأحكمها جمع عروة وهي في الأصل ما يعلق به نحو دلو أو كوز فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإيمان وقال الحرالي: العروة ما يشد به العباءة ونحوها يتداخل بعضها في بعض دخولا لا ينفصم بعضه من بعض إلا بفصم طرفه فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه وقال الزمخشري: هذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فبحكم اعتقاده والتيقن به (الموالاة) أي التحابب والمعاونة (في الله) أي فيما يرضيه (والمعاداة في الله) أي فيما يبغضه ويكرهه (والحب في الله والبغض في الله عز وجل) قال مجاهد: عن ابن عمر فإنك لا تنال الولاية إلا بذلك ولا تجد طعم الإيمان حتى تكون كذلك اه. ومن البغض في الله بغض كثير ممن ينسب نفسه للعلم في زمننا لما أشرق عليهم من مظاهر النفاق وبغضهم [ص:70] لأهل الخير فيتعين على من سلم قلبه من المرض أن يبغضهم في الله لما هم عليه من التكبر والغلظة والأذى للناس قال الشافعي: عاشر الكرام تعش كريما ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم ومن ثم قيل مخالطة الأشرار خطر ومبالغة في الغرر كراكب بحر إن سلم من التلف لم يسلم قلبه من الحذر
(طب عن ابن عباس) وفي الباب عن البراء أيضا كما خرجه الطيالسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة؟ قال: الصلاة حسنة وليست بذلك قلنا: الصيام؟ قال: مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال: مثل ذلك ثم ذكره(3/69)
2779 - (أوجب) فعل ماض أي عمل الداعي عملا وجبت له به الجنة أو فعل ما يجب به الجنة والأول لابن حجر والثاني للمؤلف (إن ختم) دعاءه (بآمين) أي يقول آمين فذلك الفعل مما يوجب الجنة ويبعده من النار ويحتمل أن المراد أن إعطاءه المسؤول صار واجبا بذلك
(د عن أبي زهير النميري) بضم النون وفتح الميم وسكون المثناة نسبة إلى نمير بن عامر بن صعصعة قال: ألح رجل في المسألة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه فذكره(3/70)
2780 - (أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء) أي أعلمه بواسطة الملك جبريل أو غيره والوحي لغة إعلام في خفاء وسرعة وشرعا إعلام الله نبيه بما شاء (أن قل لفلان العابد) الملازم لعبادتي (أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك) الزاهد في الدنيا المنقطع للتعبد إذ الزهد فيها يريح القلب والبدن كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه:
أمت مطامعي فأرحت نفسي. . . فإن النفس ما طمعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتا. . . وفي إحيائه عرضي مصون
والراحة زوال المشقة والتعب كما في المصباح وغيره (وأما انقطاعك لي) أي لأجل عبادتي (فتعززت بي) أي صرت بي عزيزا (فماذا عملت فيما لي عليك قال: يا رب وماذا لك علي قال) أي الله لنبيه قل له (هل عاديت في عدوا أو واليت في وليا) زاد الحكيم في روايته وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال في ولم يعاد في اه. فذلك العابد ظن أنه بزهده في الدنيا وانقطاعه عن أهلها قد بلغ الغاية وارتقى النهاية فأعلمه الله بأن ذلك مشوب بحظوظ نفسانية وأن ترك بعض ما لا يزن كله عند الله جناح بعوضة ليس بكبير أمر بالنسبة لأولئك الكمل وإنما الذي عليه التعويل التصلب في مباراة أعداء الله ومباعدتهم ومعاداتهم {أولئك حزب الشيطان} فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من مولاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله بل هو الإخلاص بعينه فإذا أحببت الأشياء من أجله وعاديت الأشياء من أجله فقد أحببته بل ليس معنى حبنا له غير ذلك ذكره العارف ابن عربي وغيره وعلم منه أن الحب في الله والبغض في الله مرتبة من وراء مقام الزهد أعلى منه وأن من زهد في الدنيا لينال نعيم الآخرة ليس بزاهد كامل لأنه تعوض باق عن فان وقد انتقل من رغبة فيما سوى الله إلى رغبة فيما سواه أعلى منها وذلك كله من جملة معاملة الأكوان فلم تخلص معاملته لله وإنما تخلص إذا زهد في مقام الزهد بمعنى أنه لم ير له ملكا لشيء في الدارين حتى يزهد فيه كما قال بعضهم:
ترحل عن مقام الزهد قلبي. . . فأنت الحق وحدك في شهودي
أأزهد في سواك وليس شيء. . . أراه سواك يا سر الوجودي
[ص:71] (حل خط) في ترجمة محمد بن الورد الزاهد (عن ابن مسعود) وفيه علي بن عبد الحميد قال الذهبي: مجهول وخلف بن خليفة أورده في الضعفاء وقال ثقة كذبه ابن معين(3/70)
2781 - (أوحى الله تعالى إلى ابراهيم: يا خليلي) أي يا صديقي فيا له من خطاب ما أشرفه (حسن خلقك) بضم اللام مع سائر الأنام (ولو مع الكفار) فإنك إن فعلت ذلك (تدخل مداخل الأبرار) أي الصادقين الأتقياء الذين أحسنوا طاعة مولاهم تحروا محابه وتوقوا مكارهه (فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي) أي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظله (وأن أسكنه حظيرة قدسي) أي جنتي وأصل الحظيرة موضع يحاط عليه لتأوي إليه الإبل والغنم يقيها نحو برد وريح وأن أدنيه من جواري بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح أي أقربه مني يقال جاوره مجاورة وجوارا إذا لاصقه في المسكن وقد امتثل هذا السيد الجليل أمر ربه فبلغ من حسن الخلق وكمال الدربة ما لم يبلغه أحد سواه إلا ما كان من ولده نبينا انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم والزيغ الشنيع الذي عصى أمر العقل وانسلخ من قضية التمييز والغباوة التي لبس بعدها شيء كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه في أرشف مساق مع استعماله الملاطفة والمجاملة والرفق واللين والأدب الجميل وكمال حسن الخلق منتصحا في ذلك بنصيحة ربه مسترشدا بإرشاده <تنبيه> قال الراغب: التخلق والتشبيه بالأفاضل ضربان محمود وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدرب على الوجه الذي ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي ومذموم وهو ما كان رياء وتصنعا ويتحراه فاعله ليذكر به ويسمى تصنعا وتشيعا ولا ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه. <فائدة> قال العارف ابن عربي: ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم طائعهم وعاصيهم وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة وعموم لطائفه من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله
(الحكيم) الترمذي عن أبي هريرة قال الزيلعي: وهذا معضل (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري ولم يوجهه وقال الهيثمي: فيه مؤمل بن عبد الرحمن وهو ضعيف(3/71)
2782 - (أوحى الله إلى داود) عليه السلام يا داود (أن قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من يذكرني وإن ذكري إياهم أن ألعنهم) أي أطردهم عن رحمتي وأبعدهم عن إكرامي ودار كرامتي قال حجة الإسلام: هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان
(ابن عساكر) في ترجمة داود (عن ابن عباس) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو قصور فقد خرجه الحاكم والبيهقي في الشعب والديلمي باللفظ المزبور عن ابن عباس المذكور(3/71)
2783 - (أوحى الله إلى داود) عليه الصلاة والسلام (ما من عبد يعتصم) أي يتمسك (بي دون خلقي أعرف ذلك [ص:72] من نيته) أي والحال أني أعرف من نيته أنه يستمسك بي وحدي وأن ظاهره كباطنه في الإلتجاء والتعويل علي وحدي وفي بعض النسخ أعرف ذلك من قلبه بدل نيته (فتكيده السماوات) السبع (بمن فيها) من الملائكة وغيرهم والكواكب وأفلاكها وغير ذلك من سائر خلق الله أي يخدعونه ويمكرون به يقال كاده كيدا أخدعه ومكر به والاسم المكيدة (إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا) أي مخلصا من خداعهم له ومكرهم قال به بعضهم: وإنما قال تعالى أعرف ذلك إلخ وفيه نصرته بذلك إشارة إلى أنه مقام يعز وجوده في غالب الناس ولهذا قال في الحكم لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان له هو واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره دافعا اه في بعض الكتب المنزلة: يقول الله: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأقطعنه من وصلي أتؤمل غيري وأنا الكريم وتطرق أبواب الغير وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم وقطعت رجاه (وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يديه) أي حجبت ومنعت عنه الطرق والجهات والنواحي التي يتوصل بها إلى الاستعلاء والسمو ونيل المطالب وبلوغ المآرب فمن اعتصم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا واغتر بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله قال في الصحاح: السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره وأسباب السماء نواحيها قال الزمخشري: الأسباب الوصل وتقول ما لي إليه سبب أي طرق والسمو العلو ويقال سما يسمو سموا علا ومنه قيل سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف (وأرسخت الهوى من تحت قدميه) يحتمل أن الهوى بضم الهاء وكسر الواو وهو السقوط من علو إلى أسفل ويكون المعنى أثبت الهوى تحت قدميه فلا يزال في مهواه هابطا عن منازل العز والشرف متباعدا عن مولاه ويحتمل أنه الهوى بالقصر وهو ميل النفس وإشرافها إلى مذموم والهوى أيضا الشيء الخالي ومن كلامهم لا تتبع الهوى فمن تبع الهوى قال الإمام الرازي في تفسيره: الذي جربته طول عمري أن الإنسان كلما عول في أمر على غير الله صار سببا للبلاء والمحنة وإذا عول على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل المطلوب على أحسن وجه فهذه التجربة قد استمرت من أول عمري إلى هذا الوقت فعلم أن كل من استند في نصرته إلى الخلق بنفسه أو بوكيله أو بقلبه تخلفت عنه نصرة الحق تعالى إلا أن يكون مشهده أن نصرة الخلق من جملة نصرة الحق تعالى له من جهة أنه الملهم لهم أن ينصروه فإنه تعالى ينصر عبده بواسطة وبدونها والكل منه فلا يقدح ذلك في مقام الاستناد إليه تعالى بل هو أكمل لأن فيه استعمال الآلة وعدم تعطيلها (وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني وغافر له) ما فرط منه من الصغائر ومقيلا له ما سقط فيه من هفوة أو عثرة (قبل أن يستغفرني) أي قبل أن يطلب مني الغفر أي الستر وإنما نزلناه على الصغائر والهفوات لأنه فرضه أولا مطيعا له
(ابن عساكر) في التاريخ (عن كعب بن مالك) ورواه عنه الديلمي أيضا في الفردوس(3/71)
2784 - (أوسعوا مسجدكم) أيها المؤمنون الذين يعمرون مسجدا (تملؤوه) أي فإنكم مستكثرون حتى تملؤوه لأن الناس [ص:73] سيدخلون في دين الله أفواجا فلا تنظروا إلى قلة عددكم اليوم وأصل الوسع تباعد الأطراف والحدود ذكره الحرالي
(طب) وكذا أبو نعيم والخطيب (عن كعب بن مالك) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يبنون مسجدا فذكره قال الهيثمي: وفيه محمد بن درهم ضعيف انتهى وقال الذهبي في المهذب: هو واه وفي الميزان عن جمع محمد هذا ضعيف ثم ساق له هذا الحديث وأقول فيه أيضا يحيى الحماني قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين وقيس بن الربيع ضعفوه وهو صدوق(3/72)
2785 - (أوشك) بلفظ المضارع أي أقرب وأتوقع قال النحاة: واستعمال المضارع فيه أكثر من الماضي (أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير) أي تستبيح الرجال وطء الفروج على وجه الزنا وتستبيح لبس الحرير الذي حرم عليهم لغير ضرورة وأراد بالأمة طائفتين منهم ويكون ذلك آخر الزمان
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين(3/73)
2786 - (أوصاني الله بذي القربى) أي ببرهم لأنهم أحق الناس بالمعروف قال الحرالي: هم المتوسلون بالوالدين لما لهم من أكيد الوصلة والقربى فعلي من القرابة وهو قرب في النسب الظاهر أو الباطن ذكره الحرالي (وأمرني أن أبدأ بالعباس ابن عبد المطلب) أي ببره فإنه عمي وعم الرجل صنو الأب فهو أب مجازا
(ك عن عبد الله بن ثعلبة) بن صعير بمهملتين مصغرا ويقال ابن أبي صعير. قال في التقريب كأصله: له رواية ولم يثبت له سماع(3/73)
2787 - (أوصي الخليفة من بعدي) قال الحرالي: قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره (بتقوى الله) أي بمخافته والحذر من مخالفته (وأوصيه) ثانيا (بجماعة المسلمين أن يعظم كبيرهم) قدرا أو سنا (ويرحم صغيرهم) أي كذلك (ويوقر) أي يعظم (عالمهم) بشيء من العلوم الشرعية (وأن لا يضرهم فيذلهم) أي يهينهم ويحقرهم (ولا يوحشهم) أي يبعدهم ويقطع مودتهم ويعاملهم بالجفاء وعدم الوفاء (فيكفرهم) أي يلجئهم إلى تغطية محاسنه ونشر مساوئه وعيوبه ويجحدون نعمته ويتبرأون منه فيؤدي إلى تفرق الكلمة وتحرك الفتنة. قال الفارابي: الوحشة بين الناس الإنقطاع وبعد القلوب عن المودات وكفر النعمة جحدها وتغطيتها (وأن لا يغلق بابه دونهم) يعني يمنعهم عن الوصول إليه وعرض الظلامات عليه (فيأكل قويهم ضعيفهم) أو يستولي على حقه ظلما قال الزمخشري: من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه ثم الذي رأيته في نسخ البيهقي عقب قوله فيكفرهم وأن لا يخصيهم فيقطع نسلهم وليس قوله وألا يغلق إلخ ثابت في النسخ التي وقفت عليها فليحرر قال ابن العربي: قد جعل الله الخلافة مصلحة للخلق ونيابة عن الحق وضابطا للقانون وكافا عن الاسترسال بحكم الهوى وتسكينا لثائرة الدماء وثائرة الغوغاء أولهم آدم وآخرهم عيسى والكل خليفة لكن من أطاع الله فهو خليفة له ومن أطاع الشيطان فهو خليفة للشيطان. <تنبيه> ذهب الصوفية إلى أن الخليفة على الحقيقة بعده القطب قال العارف ابن عربي: حضرت الخلافة التي هي محل الإرث والأنبياء انتشرت راياتها ولاحت أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ثم خفيت بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تظهر أبدا إلى يوم القيامة عموما لكن قد تظهر خصوصا فالقطب [ص:74] معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحل النظر والتجلي ومنه تصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب وله صفات إذا اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب وإلا فهو غيره ومنه يكون الإمداد لملك ذلك العصر
(هق عن أبي أمامة) قال الذهبي: في المذهب وهذا لم يخرجوه(3/73)
2788 - (أوصيك أن لا تكون لعانا) أي أن لا تلعن معصوما فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على اللاعن كما في خبر سبق وصيغة المبالغة هنا غير مرادة
(حم تخ طب) كلهم من طريق عبيد الله بن هودة الفريعي عن رجل من هجيم (عن جرموز) بالجيم الفريعي البصري قال: قلت: يا رسول الله أوصني فذكره وجرموز قال ابن السكن وابن أبي حاتم: له صحبة ونسبه ابن قانع فقال جرموز (بن أوس) بن جرير الهجيمي قال ابن حجر: ورأيت في رواية قال ابن هودة قال: حدثني جرموز فذكره فلعله سمعه عنه بواسطة ثم سمعه منه والرجل المبهم في الرواية الأولى جزم البغوي وابن السكن بأنه أبو تميمة الهجيمي. اه وقال الحافظ العراقي: لم يستحضره حيث قال في المغني فيه رجل لم يسم واقتصر على ذلك وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريق عبيد الله بن هودة عن رجل عن جرموز وهي طريق رجالها ثقات وجرموز له صحبة(3/74)
2789 - (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله والله مطلع على جميع أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها. <تنبيه> قال الراغب: حق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر ثم نفسه ثم الله تعالى ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من الله فلعدم معرفته بالله ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله تعالى
(الحسن بن سفيان) في جزئه (طب هب) كلهم (عن سعيد بن يزيد بن الأزور) الأزدي قال الذهبي: روى عنه أبو الخير اليزني وزعم أن له صحبة اه. قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني فذكره قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف فيهم(3/74)
2790 - (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في الدارين قال الغزالي: ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى الله بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها. قد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد وتأديب وتعليم فهي الجامعة لخيري الدارين الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات (والتكبير على كل شرف) أي محل عال من أشرف فلان إلى كذا إذا تطاول له ورماه ببصره ومنه قيل للشريف شريف لارتفاعه على من دونه وهذا قاله لمن قال له أريد سفرا فأوصني فذكره [ص:75] فلما ولى الرجل قال: اللهم ازوي له الأرض وهون عليه السفر قال ابن القيم: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك
(هـ عن أبي هريرة) وفيه أسامة بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد وجمع وأورده الذهبي في الضعفاء(3/74)
2791 - (أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شيء) إذ التقوى وإن قل لفظها جامعة لحق الحق والخلق شاملة لخير الدارين إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور كما مر غير مرة ومن اتقى الله حفظه من أعدائه ونجاه من الشدائد ورزقه من حيث لا يحتسب وأصلح عمله وغفر زلله وتكفل له بكفلين من رحمته وجعل له نورا يمشي به بين يديه وقبله وأكرمه وأعزه ونجاه من النار إلى غير ذلك مما مر ويأتي ببراهينه (وعليك بالجهاد) أي الزمه (فإنه رهبانية الإسلام) أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل (وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن) أي الزمهما (فإنه) يعني لزومهما (روحك) بفتح الراء راحتك (في السماء وذكرك في الأرض) بإجراء الله ألسنة الخلائق بالثناء الحسن عليك أي عند توفر الشروط والآداب ومنها أن يجمع حواسه إلى قلبه ويحضر في لبه كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذوات أحوال جوارحه حتى تأخذ كل جارحة منه قسطها منها وبذلك تنحات عنه الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر فلم يقرأ القرآن من لم يكن ذا حاله ولم يذكر من لم يكن كذلك ذكره الحرالي وغيره
(حم عن أبي سعيد) قال الهيثمي: رجاله ثقات(3/75)
2792 - (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته) أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى وتجنب الرياء فيها قال حجة الإسلام: وإذا أردنا تحديد التقوى على موضع علم السر نقول الحد الجامع تبرئة القلب عن شر لم يسبق عنك مثله بقوة العزم على تركه حتى يصير كذلك وقاية بينك وبين كل شر قال: وهنا أصل أصيل وهو أن العبادة شطران اكتساب وهو فعل الطاعات واجتناب وهو تجنب السيئات وهو التقوى وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب يصوموا نهارهم ويقوموا ليلهم واشتغل المنتبهون أولو البصائر والاجتناب إنما همتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم (وإذا أسأت فأحسن) {إن الحسنات يذهبن السيئات} (ولا تسألن أحدا) من الخلق (شيئا) من الرزق ارتقاء إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل بوعد الله وحسن كفايته وضمانه {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} وقد قال أهل الحق: ما سأل إنسان الناس إلا لجهله بالله تعالى وضعف يقينه بل إيمانه وقلة صبره وما تعفف متعفف إلا لوفور علمه بالله وتزايد معرفته به وكثرة حيائه منه (ولا تقبض أمانة) وديعة أو نحوها مصدر أمن بالكسر أمانة فهو أمين ثم استعمل في الأعيان مجازا فقيل الوديعة أمانة ونحو ذلك والنهي للتحريم إن عجز عن حفظها وللكراهة إن قدر ولم يثق بأمان نفسه وإن وثق بأمانة نفسه فإن قدر ووثق ندب بل إن تعين وجب (ولا تقض بين اثنين) لخطر أمر القضاء وحسبك في خطره خير من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن [ص:76] ذلك كما صرح به في الحديث
(حم عن أبي ذر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه قضية اه. وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقط منه بعد ولا تسأل أحدا وإن سقط سوطك هكذا هو ثابت في رواية أحمد وكأنه سقط من القلم(3/75)
2793 - (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء) يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير (ونور لك في الأرض) أي بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص. قال الزمخشري: فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير) كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك (فإنه مطردة للشيطان) أي مبعدة له (عنك) يقال طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد. وقال الزمخشري: طرده أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد. قال ابن السكيت: طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي ظهير ومساعد لك عليه (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي: والضمير في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة (ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه قال الماوردي: واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار وقال حجة الإسلام: كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} (عليك بالجهاد (1) فإنه رهبانية أمتي) كما تقرر وجهه فيما قبله (أحب المساكين) المراد بهم ما يشمل الفقراء كما سبق في أمثاله (وجالسهم) فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر (انظر إلى من) هو (تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من هو فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق يقال هو جدير بكذا أي خليق وحقيق (أن لا تزدري نعمة الله عندك) كما سبق بتوجيهه أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه (صل قرابتك) بالإحسان إليهم (وإن قطعوك) فإن قطيعتهم ليست عذرا لك في قطيعتهم (قل الحق) أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن المنكر (وإن كان مرا) أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع. قال الطيبي: شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مر المذاق لكن عاقبته محممودة. قال بعض العارفين: من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم تقول: أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله [ص:77] لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي الله من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله} ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله (لا تخف في الله لومة لائم) أي كن صلبا في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي مما هو فيه) أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فسمع إنسانا يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال: أرى الناس يذكرونني بما ليس في فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال: أنا أستحي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته (يا أبا ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة (2) (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه الله (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده
(عبد بن حميد في تفسيره) أي تفسيره للقرآن (طب عن أبي ذر) ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس
_________
(1) أي بذل النفس في قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله لهذه الأمة بمنزلة التبتل والانقطاع إلى الله تعالى عند النصارى
(2) ويحتمل أن يكون المراد النظر في عواقب الأمور(3/76)
2794 - (أوصيك يا أبا هريرة بخصال أربع لا تدعهن) أي لا تتركهن (أبدا ما بقيت) أي مدة بقائك في الدنيا فإنهن مندوبات ندبا مؤكدا (عليك بالغسل يوم الجمعة) أي الزمه وداوم عليه فلا تهمله إن أردت حضورها وإن لم تلزمك وأول وقته من صادق الفجر والأفضل تقريبه من رواحه إليها فإن عجز عن الماء تيمم بدلا عنه (والبكور إليها) من طلوع الفجر إن لم تكن معذورا ولا خطيبا وفيه رد على مالك في ذهابه إلى عدم ندب التبكير (ولا تلغ) أي لا تتكلم باللغو في حال الخطبة يقال لغا الرجل تكلم باللغو وهو اختلاط الكلام ولغا به تكلم به فالكلام حال الخطبة على الحاضرين مكروه عند الشافعية حرام عند الأئمة الثلاثة والخلاف في غير الخطيب ومن لم يستقر في محل ومن خاف وقوع محذور بمحترم وظن وقوعه به إن سكت وإلا فلا حرمة بل يجب الكلام في الأخيرة (ولا تله) [ص:78] أي لا تشتغل عن استماعها بحديث ولا غيره فإنه مكروه عند الشافعية حرام عند غيرهم بل يحرم عند الشافعية أيضا على بعض الأربعين الذين يلزمهم كلام فوته سماع ركن (وأوصيك) أيضا بخصال ثلاث لا تدعهن أبدا ما بقيت في الدنيا عليك (بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من أي أيام الشهر كانت فإنه مندوب مؤكد ويسن كون تلك الثلاث هي البيض وهي الثالث عشر وتالياه كما بينه في الخبر المار وهو قوله إن كنت صائما إلخ (فإنه) أي صيامها (صيام الدهر) أي بمنزلة صيامه لأن الحسنة بعشر أمثالها فاليوم بعشرة والشهر ثلاثين فذلك عدد أيام السنة (وأوصيك بالوتر) أي بصلاته ندبا مؤكدا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية ووقته بين العشاء والفجر ووقت اختياره إلى ثلث الليل إن أردت تهجدا أو لم تعتد اليقظة آخر الليل فحينئذ تصليه (قبل النوم) فإذا أردت تهجدا ووثقت بيقظتك فالأفضل تأخيره إلى آخر صلاة الليل التي يصليها بعد نومه (وأوصيك بركعتي الفجر) أي بصلاتهما والمحافظة عليهما (لا تدعهما) لا تتركهما ندبا (وإن صليت الليل كله) فإنه لا يجزئ عنهما (فإن فيهما الرغائب) أي ما يرغب فيه من عظيم الثواب جمع رغبة وهي العطاء الكثير ومن ثم كانت أفضل الرواتب مطلقا فيكره تركها بل حرمه بعض الأئمة
(ع عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن داود اليماني قال الذهبي: ضعفوه(3/77)
2795 - (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي: أوصيكم بأصحابي إلخ وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم (ثم) بعد ذلك (يفشوا الكذب) أي ينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف الرجل) تبرعا (ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) أي لا يطلب منه الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشيء يتوقعه من حطام الدنيا قال ابن العربي: وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه زورا (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال غيبتها (وعليكم بالجماعة) أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير: وإن كان الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شيء لم يجز خلافها (وإياكم والفرقة) أي احذروا الإنفصال عنها ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضا (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكانا قال في الصحاح: بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال الزمخشري: ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها [ص:79] (فليلزم الجماعة) فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها. قال الغزالي: ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة إلخ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهم في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة الدين وغيظ الكفار والملحدين الثالث أن ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه بأن له ربا على حسناته مثيبا وسيئاته مجازيا ومن كان كذلك فهو لتوحيد الله مخلصا قال ابن جرير: وفيه تكذيب المعتزلة في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام
(حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما(3/78)
2796 - (أوصيكم بالجار) أي بالإحسان إليه وكف صنوف الأذى والضرر عنه وإكرامه بسائر الممكن من وجوه الإكرام لما له من الحق المؤكد الذي ما يزال جبريل عليه السلام يؤكد فيه حتى كاد يورثه قال بعض العارفين: احفظ حق الجوار والجار وقدم الأقرب دارا وتفقدهم بما أنعم الله به عليك فإنك مسؤول وادفع عنهم الضرر وأردف عليهم الإحسان وما سمي جارا لك إلا لميلك بالإحسان له ودفع الضرر عنه وميله لك بذلك من جار إذا مال إذ الجور الميل فمن جعله من الميل إلى الباطل الذي هو الجور عرفا فهو كمن يسمي اللديغ سليما في القبض وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه. قيل: نزل جراد بفناء شريف من العرب فخرج أهل الحي ليأكلوه فسمع أصواتهم فخرج من خبائه وقال: ما تبغون قالوا: جارك الجراد فقال: إذ سميتموه جاري لأقاتلنكم عنه فقاتلهم حتى دفع عنه لكونهم سموه جارا
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي أمامة) الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجذعاء في حجة الوداع يقول: أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلنا إنه سيورثه انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من الخرائطي وهو غفلة فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن أبي أمامة المذكور قال المنذري والهيثمي وإسناده جيد(3/79)
2797 - (أوفق الدعاء) أي أكثره موافقة للداعي (أن يقول الرجل) في دعائه وذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان رجلا أو امرأة (اللهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا رب فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي) لا رب غيرك (وإنه) أي الشأن أنه (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك السيد المالك إن غفرت فبفضلك وإن عاقبت فبعدلك وإنما كان هذا أوفق الدعاء لما فيه من الاعتراف بالظلم وارتكاب الجرم ثم الإلتجاء إليه تعالى مضطرا لا يجد لذنبه غافرا غير ربه {وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}
(محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب [ص:80] الصلاة له (عن أبي هريرة) رضي الله عنه(3/79)
2798 - (أوفوا) من الوفاء قال القاضي: وهو القيام بمقتضى العهد وكذا الإيفاء (بحلف الجاهلية (1)) أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع قال الحرالي: والإيفاء الأخذ بالوفاء والوفاء إنجاز الموعود في أمر معهود (فإن الإسلام لم يزده) أي العهد المبرم فيها (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به أما ما يخالف الشرع كالفتن والقتال فلا وفاء به (ولا تحدثوا حلفا في الإسلام) أي لا تحدثوا فيه حلفا ما فالتنكير للجنس أو إن كنتم حلفتم أن يعين بعضكم بعضا فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام يحرضكم على الوفاء به لكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم بعضا فإنه لا عبرة به ولا يناقضه أنه حالف بين المهاجرين والأنصار لأن المراد أنه آخى بينهم وبفرض أن المراد التحالف فطريق الجمع ما تقرر
(حم ت) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه
_________
(1) قال في النهاية: أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام فهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحق(3/80)
2799 - (أوقد على النار) أي نار جهنم (ألف سنة حتى احمرت) بعدما كانت شفافة لا لون لها ولا ترى والظاهر أنه أراد بالألف فيه وفيما يأتي التكثير وأن المراد الزمن الطويل (ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة كالليل المظلم (1)) قال الطيبي: هذا قريب من قوله تعالى {يوم يحمى عليها في نار جهنم} أي يوقد الوقود فوق النار أي النار ذات طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى اه. وقيل: ما خلق الله النار إلا من كرمه جعلها الله سوطا يسوق به المؤمنين إلى الجنة وقال بعضهم: النار أربعة نار لها نور بلا حرقة وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام ونار لها حرقة ولا نور لها وهي نار جهنم ونار لها حرقة ونور وهي نار الدنيا ونار لا حرقة ولا نور وهي نار السحر
(ت هـ عن أبي هريرة) مرفوعا وموقوفا قال الترمذي: ووقفه أصح ورواه البيهقي عن أنس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وقودها الناس والحجارة} ثم ذكره
_________
(1) والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها(3/80)
2800 - (أولم) أي اتخذ وليمة (ولو بشاة) مبالغة في القلة فلو تقلية لا امتناعية فلا حد لأقلها ولا لأكثرها ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدره المجزئ والخطاب لعبد الرحمن بن عوف الذي تزوج والأمر للندب عند الجمهور وصرفه عن الوجوب خبر هل علي غيرها أي الزكاة قال: لا إلا أن تطوع وخبر ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنها لو وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به. <تنبيه> قال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها [ص:81] السابق تقديره أولم على كل حال ولو بشاة ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة
(مالك) في الموطأ (حم ق عد) كلهم في النكاح (عن أنس) بن مالك (خ عن عبد الرحمن بن عوف) وله عدة طرق في الصحيحين والسنن(3/80)
2801 - (أولياء الله) أي الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة (الذين إذا رؤوا ذكر الله) برؤيتهم يعني أن عليهم من الله سيما ظاهرة تذكر بذكره فإن رؤوا ذكر الخير برؤيتهم وإن حضروا حضر الذكر معهم وإن نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه كيفما حلوا فمن كان بين يدي ربه وآخرته فإنما يفتتح إذا لقيك بذكره ومن كان أسير نفسه ودنياه فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا فكل يحدثك عما يطلع قلبه فتنبه
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أولياء الله؟ فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من الحكيم ولا أعلى وهو عجب فقد رواه البزار عن ابن عباس رواه عن شيخه علي بن حرب الرازي قال الهيثمي: لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص(3/81)
2802 - (أول الآيات) أي علامات الساعة (طلوع الشمس من مغربها) ولفظ رواية مسلم من المغرب والآيات إما أمارات دالة على قرب الساعة فأولها بعث نبينا صلى الله عليه وسلم أو أمارات متوالية دالة على وقوعها والكلام هنا فيها وجاء في خبر آخر أن أولها ظهور الدجال. قال الحليمي: وهو الظاهر فأولها الدجال فنزول عيسى عليه الصلاة والسلام فخروج يأجوج ومأجوج لأن الكفار في وقت عيسى عليه الصلاة والسلام يفتنون فمنهم من يقتل ومنهم من يسلم وتضع الحرب أوزارها فلو كانت الشمس طلعت قبل من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه الصلاة والسلام لأن طلوعها يزيل الخطاب ويرفع التكليف ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي: وهو كلام صحيح لو لم يعارض هذا الحديث الصحيح الذي في مسلم إن أول الآيات طلوع الشمس من المغرب
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه فضالة بن جبير وهو ضعيف وأنكر هذا الحديث اه. وقضية تصرف المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره بل وابن حجر إلى مسلم وأحمد وغيرهما من حديث ابن عمر باللفظ المذكور مع زيادة وخروج الدابة إلى الناس ضحى. (تتمة) أخرج عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عمر موقوفا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة قال ابن حجر: وسنده جيد(3/81)
2803 - (أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها) قال الديلمي: ويروى أسرع الأرضين. قال أبو نعيم: متفق عليه في الصحة وروى ابن عبد الحكم عن أبي هريرة كما في حسن المحاضرة وغيرها أن مصر أول الأرض خرابا ثم أرمينية على أثرها وفي مسند الفردوس عن حذيفة مرفوعا يبدو الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة وخراب البصرة من العراق وخراب مصر من جفاف النيل الحديث وفي الجفر الكبير للبسطامي خراب البصرة بالريح وخراب المدينة بالجوع وخراب بلخ بالماء والطاعون وخراب ترمذ بالطاعون وخراب مرو بالرمل وخراب اليمن بالجراد وخراب فارس بالقحط وخراب سمرقند ببني قنطوراء وخراب الشام بعدم الغيث وخراب السند بالريح وخراب سنجار بالرمل وخراب الروم ببني الأصفر وانقراض العرب بالضرب والحرب والطاعون وخراب الجبال بالصواعق والرواجف وخراب فرغانة بالزلازل والصيحة وخراب نسف بالجوع وخراب بخارى [ص:82] بالريح والطاعون وخراب طالقان بالنار وخراب سرخس بالريح والرمل وخراب هداه بالظلام ونيسابور بالريح وهمدان بالبرد والثلج وجرجان بالترك وطبرستان بالفراعنة وأصبهان بالهرج وقسم بالجنون وبغداد بالغرق والخسف والكوفة بالحرق وواسط بريح السموم والبصرة بالأكراد والبحرين بخراب البحر وسجستان بالخسف والنار والشام بالروم وحلوان بالمسيح ومصر من انقطاع النيل ومكة من الحبش وحلب بالأتراك والقدس بالحريق
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) بن عبد الله وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو غفلة فقد رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور عن جابر المذكور(3/81)
2804 - (أول العبادة) بضم اللام قال أبو البقاء وهي ضمة بناء (الصمت) أي أول مقام السالكين إلى الله تعالى أن لا يشغل أحدهم لسانه بغير ذكر الله قال رجل لبعض العارفين: أوصني قال: اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف لئلا يدنسه قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك الكلام إلا فيما لا بد منه وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه
(هناد) بن السري التميمي الدارمي الحافظ الزاهد كان يقال له راهب الكوفة لتعبده (عن الحسن) البصري (مرسلا)(3/82)
2805 - (أول الناس هلاكا قريش) أي القبيلة بأسرها بنحو قتل أو فناء (وأول قريش هلاكا أهل بيتي) فهلاكهم من أشراط الساعة وأمارتها الدالة على قرب قيامها
(طب) وكذا أبو يعلى (عن عمرو بن العاص) وفيه ابن لهيعة ومقسم مولى ابن عباس أورده البخاري في كتاب الضعفاء الكبير وضعفه ابن حزم وغيره(3/82)
2806 - (أول الناس فناء) بالمد موتا وانقراضا (قريش وأول قريش فناء بنو هاشم) أي والمطلب كما يدل عليه ما قبله أي فيكون انقراضهم من علامات الساعة وأشراطها ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كما يأتي
(حم ع عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة(3/82)
2807 - (أول الوقت) أي إيقاع الصلاة أول وقتها (رضوان الله) بكسر الراء وضمها بمعنى الرضا وهو خلاف السخط (وآخر الوقت عفو الله) قال الصديق ثم الشافعي: رضوانه أحب إلينا من عفوه وفيه دليل للشافعية على ندب تعجيل الصبح وعدم ندب الإسفار الذي قال به الحنفية وفيه أيضا تعجيل العشاء أول الوقت لخوف الفوت فإن قيل: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وتأخير العشاء قلنا: محمول على فضيلة صلاة الليل أو على انتظاره الخبر من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة والوقت الزمان المفروض للعمل ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو وقت كذا {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}
(قط عن جرير) سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح في سنده كذاب انتهى وعن قول ابن عبد الهادي عن معين فيه الحسين بن حميد كذاب ابن كذاب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال ابن حجر في سنده من لا يعرف وقال في الباب ابن عمر وابن عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة فحديث ابن عمر رواه الترمذي والدارقطني وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من كبار الكذابين وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات وفيه نافع أبو هرمز متروك وحديث علي رواه البيهقي عن أهل البيت وقال أظن سنده أصح ما في الباب قال أعني ابن حجر: [ص:83] ومع ذلك هو معلول ولهذا قال الحاكم لا أحفظ الحديث من وجه يصح وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي وقد تفرد به بقية عن مجهول مثله وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه إبراهيم بن زكريا متهم وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال هو معلول انتهى(3/82)
2808 - (أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله) أي تفضله وإحسانه (وآخر الوقت عفو الله) أي مغفرته ومحوه لذنب من قصر وأخر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث كاد يخرج بعضها عنه وقد أفاد هذا الحديث وما قبله طلب تعجيل الصلاة أول وقتها وحرمة إخراج بعضها عن الوقت
(قط عن أبي محذورة) الجمحي المؤذن صحابي مشهور اسمه أوس أو سمرة أو سلمة أو سليمان وأبوه معين بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتية أو عمير(3/83)
2809 - (أول بقعة) بضم الباء على الأشهر الأكثر فتجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع ككلبة وكلاب وهي القطعة من الأرض (وضعت من الأرض) أي من هذه الأرض التي نحن عليها (موضع البيت) الحرام أي الكعبة فله سر الأولية في المعابد كما قال تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا} وفي رواية لمسلم أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ثم الأقصى. قال الطيبي: لفظ الحديث موافق للفظ الآية والوضع غير والبناء غير ومعنى وضع الله جعله متعبدا قال الإمام الرازي: دلالة الآية على الأولية في الفضل والشرف أمر لا بد منه لأن المقصود الأولى من ذكر الأولية بيان الفضيلة ترجيحا له على بيت المقدس ولا تأثير لأوليته في البناء في هذا القصد (ثم مدت) بالبناء للمجهول أي بسطت (منها الأرض) من سائر جوانبها فهي وسط الأرض وقطبها (وإن أول جبل وضعه الله على ظهر الأرض أبو قبيس) بمكة وهو معروف (ثم مدت منه الجبال) واختلف في أول من بنى البيت قيل آدم وقيل شيث وقيل الملائكة قبل آدم ثم رفع في الطوفان فكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجونه ولا يعلمون محله حتى بواه الله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه. <تنبيه> في الروض الأنف: أول من بنى المسجد الحرام في الإسلام عمر وذلك أن الناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال: إنها بيت الله ولا بد للبيت من فناء وأنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم فاشترى الدور وهدمها وبنى المسجد المحيط بها ثم وسعه عثمان وزاد ابن الزبير في إتقانه لا في سعته
(هب عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي قال في الميزان: عن العقيلي فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر وفيه أيضا من لا يعرف(3/83)
2810 - (أول تحفة المؤمن) أي الكامل الإيمان والتحفة كرطبة ويجوز الضم والسكون وفي القاموس بالضم وكهمزة فظاهره أنها ما أتحفت به غيرك من البر واللطف كما في الصحاح وغيره (أن يغفر) بالبناء للمفعول أي يغفر الله لمن صلى عليه صلاة الجنازة إكراما له وفي رواية لمن خرج في جنازته إذ من شأن الملك إذا قدم عليه بعض خدمه بعد طول غيبته أن يتلقاه ببشرى وكرامة وأن يخلع عليه ويجيزه بجائزة سنية فإذا قدم العبد على سيده أتحفه بما لا عين [ص:84] رأت ولا أذن سمعت وأولها المغفرة للمصلين والحاملين لأنهم شيعوه إعظاما إلى بابه واهتموا بشأنه متقربين بذلك إلى مولاه فجعل المغفرة لهم تحفة له لان حامل الهدية وموصلها لا بد له من جائزة وإذا كان لو أهدي لبعض ملوك الدنيا هدية لم يرض في حقه بانصراف من أحضرها إليه خائبا وقد عد ذلك ازدراءا بالهدية فما بالك بأكرم الأكرمين
(الحكيم) الترمذي (عن أنس) من حديث معبد بن مسرور العبدي عن الحكم بن سنان بن عون عن النميري والحكم بن سنان قال الذهبي: ضعفوه وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال صالح: الحديث ابتلي برواة ضعفاء ورواه الخطيب عن جابر والديلمي عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجوزي من الموضوعات(3/83)
2811 - (أول جيش من أمتي يركبون البحر) للغزو (قد أوجبوا) أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة بذلك والبحر معروف وحقيقته الماء الكثير المجتمع في فسحة سمي به لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح ومعنى ركوبه الاستعلاء على ظهره كما تركب الدابة وهو مجاز إذ الركوب إنما هو على السفن حقيقة فيه فحذف ذلك اتساعا لدلالة الحال عليه (وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) ملك الروم يعني القسطنطينية أو المراد مدينته التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك (مغفور لهم) لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفورا له لكونه منهم إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك لخروجه بدليل خاص ويلزم من الجمود على العموم أن من ارتد ممن غزاها مغفور له وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد به حتى قال التفتازاني: الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. قال الزين العراقي: وقوله بل في إيمانه أي بل لا يتوقف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده. <فائدة> قال البسطامي في كتاب الجفر: القسطنطينية مدينة بناها قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية ودونه وهي مدينة مثلثة الشكل منها جانبان في البحر وجانب في البر ولها سبعة أسوار وسمك سورها الكبير أحد وعشرون ذراعا وفيه مئة باب وبابها الكبير يسمى باب الذهب وهو باب مموه بالذهب وفيها منارة من نحاس قد قلبت قطعة واحدة وليس لها باب وفيها منارة قريبة من مارستانها قد ألبست كلها بالنحاس وعليها قبر قسطنطين وهو راكب على فرس وقوائمه محكمة بالرصاص ما عدا يده اليمين فإنها مطلقة في الهواء كأنه سائر وقسطنطين على ظهره ويده موقوفة في الجو وقد فتح كفه يشير نحو بلاد الشام ويده اليسرى فيها كسرة مكتوب عليها ملكت الدنيا حتى بقيت في كفي مثل هذه الكسرة وخرجت منها كما ترى
(خ عن أم حرام) بحاء وراء مهملتين (بنت ملحان) بن خالد بن يزيد ابن حرام الأنصارية النجارية خالة أنس وزوجة عبادة بن الصامت يقال لها العميصاء والرميصاء لها مناقب وكان أهل الشام يستسقون بها(3/84)
2812 - (أول خصمين يوم القيامة جاران) لم يحسن أحدهما جوار صاحبه ولم يف له بحقه ومقصود الحديث الحث على كف الأذى عن الجار وإن جار وأنه تعالى يهتم بشأنه وينتقم للجار المظلوم من الظالم ويفصل القضاء بينهما وإلا فمن شعائر الإيمان الكف عن أذى الجيران وعدم منازعتهم ومعارضتهم فيما يصدر منهم وعنهم من الأضرار وسوء [ص:85] العشرة والجوار ويجب أن تعلم أن ذلك ليس إلا بتسليط الله إياهم عليك لما تستوجبه أفعالك الذميمة وما يعفو الله أكثر فالحذر من المنازعة الحذر قال العارف ابن عربي: يا أيها المجادل كم ذا تتعنى ما ذاك إلا لخوفك من العدد وهذا لا يبطل حقيقة الواحد الأحد ولو علمت أن العدد هو الأحد ما شرعت في منازعة أحد
(طب) وكذا أحمد (عن عقبة بن عامر) قال العراقي: سنده ضعيف وقال المنذري رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد وقال الهيثمي: أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير أبي نسافة وهو ثقة وأعاده بمحل آخر وقال: إسناده حسن(3/84)
2813 - (أول زمرة) بضم الزاي طائفة أو جماعة والزمر الأفواج المتفرقة بعضها إثر بعض (تدخل الجنة على صورة القمر) أي على صورة مثل صورة القمر (ليلة البدر) ليلة تمامه وكماله في الحسن والإضاءة (والثانية) أي التي تدخل عقبهم تكون (على لون أحسن كوكب دري) بضم الدال وكسرها وراء وياء مشددتين أي مضيء متلألئ كالزهرة في صفائها وزهرتها منسوب إلى الدر أو فعيل من الدرء بالهمزة فإنه يدفع الظلام بضوئه (في السماء) قال المحقق أبو زرعة: ورد في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من صورة القمر فروى الترمذي مرفوعا لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقد يقال إنهم يكونون على صورة القمر عند دخولهم الجنة ثم يزداد إشراق نورهم فيها بدليل قوله لو أن رجلا إلخ أو يقال المذكور هنا إشراق وجوههم من غير حلي والمذكور ثم إشراق حليهم بدليل قوله فبدت أساوره فالزيادة للحلي لا للوجود (لكل رجل منهم زوجتان) في رواية اثنتان لتأكيد التكثير. قال الطيبي: ثناه للتكثير نحو {ارجع البصر كرتين} لا للتحديد لخبر أدنى أهل الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة فاعترض بأن تأكيد المثنى باثنتين ورجع ضمير التثنية إليه يدل على أن القصد معنى الإثنينية فلا يبعد أن يكون لكل زوجتان موصوفتين أن (على كل زوجة) منهما (سبعون حلة) يعني حلل كثيرة جدا فالعدد للتكثير لا للتحديد كنظائره بحيث (يبدو مخ ساقها من ورائها) زاد الطبراني كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وهو كناية عن غاية لطافتهما ويكون له سبعون لسن بهذا الوصف ثم إن هذا اللفظ محتمل لكونهما من نساء الدنيا أو الحور ويؤيد الأول خبر أبي يعلى فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما وبعده فلا تعارض بين ذا وخبر أقل ساكني الجنة النساء لأنهن في الجنة باعتبار الحور وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة وأكثر أهل النار كما شهدت به الأخبار
(حم ت) وكذا الطبراني في الأوسط (عن أبي سعيد) الخدري وكذا ابن مسعود قال الترمذي: حسن صحيح قال الهيثمي: إسناد ابن مسعود صحيح وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر والثانية على مثل أضوأ كوكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في الجنة عزب اه ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه وليس في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل وفي رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها(3/85)
[ص:86] 2814 - (أول سابق إلى الجنة) أي إلى دخولها (عبد) يعني قن ذكرا كان أو أنثى أو خنثى (أطاع الله) بأن امتثل أوامره وتجنب نواهيه (وأطاع مواليه) أو قال سيده شك راويه أبو صيفي وذلك لأن له أجرين كما مر في عدة أخبار فاستحق بذلك السبق إلى دار القرار والمراد أنه أول سابق بعد من مر أنه أول داخل <تنبيه> قال الرضي: مذهب البصريين أن أول أفعل ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال جمهورهم على أنه من تركيب دول كددن ولم يستعمل هذا التركيب إلا في أول ومتصرفاتها
(طس خط عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون أبو صيفي وهو متروك وقال غيره وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال في الميزان: عن البخاري يتهم بالوضع وعن الدارقطني متروك الحديث وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر(3/86)
2815 - (أول شهر رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار) أي في أوله يصب الله الرحمة على الصائمين صبا ويسح عليهم البركة سحا وفي وسطه يغفر الله لصوامه وفي آخره يعني في آخر ليلة منه كما ورد في خبر يعتق جمعا حافلا عظيما من النار كانوا قد استوجبوها وهذا تنبيه عظيم بفضل صوامه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في كتاب فضائل رمضان (خط وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(3/86)
2816 - (أول شيء يحشر الناس نار تحشرهم) من المشرق إلى المغرب أي تخرج من جهة المشرق فتسوقهم إلى جهة المغرب فذلك أول الحشر والحشر الجمع مع سوق وفي وراية أول أشراط الساعة نار تحشر الناس إلخ قال القاضي: لعله لم يرد به أول الأشراط مطلقا بل الأشراط المتصلة بالساعة الدالة على أنها تقوم عما قريب أو أراد بالنار نار الحرب والفتن كفتنة الترك فإنها سارت من المشرق إلى المغرب
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما أبعد النجعة بالعزو للطيالسي وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري ومسلم وكذا أحمد ولفظهم أول من يحشر الناس نار تجيء من قبل المشرق فتحشر الناس إلى المغرب(3/86)
2817 - (أول شيء) أي أول مأكول (يأكله أهل الجنة) في الجنة إذا دخلوها (زيادة كبد الحوت) (1) وهي القطعة المنفردة عن الكبد المتعلقة به وهي أطيب الكبد وألذه وفي رواية من زائدة كبد الثور أي ثور الجنة وحكمة خصوصية أكلهم منهما أنهما أساس الدنيا لأنها مركبة على متن ثور والثور على ظهر حوت والحوت في الماء ولا يعلم ما تحت الماء إلا الذي خلقه فالأكل منهما إشارة إلى خراب الدنيا وبشارة بفساد أساسها وأمن العود إليها وخص الأكل بالزائدة لما بينه الأطباء أن العلة إذا وقعت في الكبد دون الزائدة رجى برؤه وإن وقعت في الزائدة هلك العليل لا محالة فأكلهم من الزائدة أدخل في البشرى أفاده ابن جماعة ثم هذه الأولية لا تدافع بينها وبين خبر إذا سكن [ص:87] أحدكم الجنة أتاكم ملك فيقول إن الله يأمركم أن تزوروه إلى أن قال ثم توضع مائدة الخلد الحديث ما ذاك إلا لأنه لا مانع من أن زيادة الكبد توضع قبل تلك المائدة وأن هذا جار على المألوف في الدنيا من أنه بمجرد الذبح يعجل بالكبد فتشوى فيأكلها الحاضرون حتى ينضج الطعام بعد
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير المكثرين الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن بهرام وهو ثقة بل رواه سلطان الفن البخاري بلفظ أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت يأكل منه سبعون ألفا انتهى فعدول المصنف للطيالسي واقتصاره عليه تقصير عجيب
_________
(1) وحكمة اختصاصها بأولية الأكل أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول الحرارة الحاصلة لهم في الموقف(3/86)
2818 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) أي المفروضة وهي الخمس لأنها أول ما فرض عليه بعد الإيمان وهي علم الإيمان وراية الإسلام (فإن صلحت) بأن كان قد صلاها متوفرة الشروط والأركان وشملها القبول (صلح له سائر عمله) يعني سومح له في جميع أعماله ولم يضايق في شيء منها في جنب ما واظب من إدامة الصلاة التي هي علم الدين (وإن فسدت) أن لم تكن كذلك (فسد سائر عمله) (1) أي ضويق فيه واستقصى فحكم بفساده وأخذ منه الأئمة أن حكمة مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميلها بها إن عرض نقص قال الطيبي: الصلاح كون الشيء على حالة استقامته وكماله والفساد ضد ذلك وذلك لأن الصلاة بمنزلة القلب من الإنسان فإذا صلحت صلحت الأعمال كلها وإذا فسدت فسدت
(طس والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه القاسم بن عثمان قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها وقال ابن حبان: هو ثقة وربما أخطأ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف عندهم وهو ذهول فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مع تغيير يسير ولفظه يعني الترمذي إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر انتهى. فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على مثل ذلك
_________
(1) وهذا مخرج مخرج الزجر والتحذير من التفريط فيها واعلم أن من أهم أو أهم ما يتعين رعايته في الصلاة الخشوع فإنه روحها ولهذا عده الغزالي شرطا وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه وما كان كذلك فحق العبد أن يكون خاشعا فيه لصولة الربوبية على العبودية(3/87)
2819 - (أول ما يرفع من الناس) (1) في رواية من هذه الأمة (الأمانة) قال ابن العربي: وهي أي هنا معنى يحصل في القلب فيأمن به المرء من الردى في الآخرة والدنيا وأصله الإيمان (وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة) كلما ضعف الإيمان بحب الدنيا ونقص نوره بالمعاصي والشهوات وذهبت هيبة سلطانه من القلوب اضمحلت الأمانة وإذا ضعفت الأمانة وخانت الرعية فيها فأخرت الصلاة عن أوقاتها وقصر في إكمالها أدى ذلك إلى ارتفاع أصلها (ورب مصل) آت بصورة الصلاة (لا خلاق له عند الله) أي لا نصيب له عنده [ص:88] من قبولها والإثابة عليها وفي رواية ورب مصل لا خير فيه أي لكونه غافلا لاهي القلب وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل كما في حديث آخر وقد قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} فظاهر الأمر الوجوب والغفلة ضده فمن غفل في جميع صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره تعالى فلا خلاق له عنده فافهم وقد روى ابن المبارك في الزهد عن عمار بن ياسر يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه
(الحكيم) الترمذي (عن زيد بن ثابت) قال في اللسان عن العقيلي: حديث فيه نكارة ولا يروى من وجه يثبت وقال الأسدي: سلام بن واقد أي أحد رواته منكر الحديث انتهى وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد المشاهير الذين رمز لهم والأمر بخلافه فقد خرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر وغيره وخرجه الطبراني في الصغير من حديث عمر
_________
(1) والأولية نسبية إذ رفع القرآن يسبقها(3/87)
2820 - (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة) وتمامه عند مخرجه الطبراني في روايته عن أنس ولا دين لمن لا أمانة له ولا أمانة لمن لا عهد له وحسن العهد من الإيمان انتهى وفي رواية أول شيء يفقد من أمتي الأمانة من دينهم قال ابن العربي: وصفة رفع الأمانة وفقدها أن ينام الإنسان فتقبض من قلبه والمعنى فيه أن المرء في النوم متوفي ثم مرجوع إليه روحه فإذا قبضت على صفة من الأمانة ردت إليه بدونها وتحقيقه أن الأعمال لا يزال يضعفها نسيانها حتى إذا تناهى الضعف ذهبت بالنوم عن النفس فإذا ردت عليه ردت دونها فلا يبقى لها أثر وما عنده من الإيمان وأصل الإعتقاد الضعيف في ظاهر القلب ثم ينام فلا ترجع إليه إلا بعد نزع باقي الأمانة بقوة فلا يبقى شيء
(طب عن شداد بن أوس) قال الهيثمي: فيه المهلب بن العلاء لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات(3/88)
2821 - (أول ما يرفع من الناس الخشوع) أي خشوع الإيمان الذي هو روح العبادة وهو الخوف أو السكون أو معنى يقوم في النفس يظهر عنه سكون الأطراف يلائم مقصوده العبادة قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وخرج بخشوع الإيمان خشوع النفاق والفرق بينهما أن الأول خشوع القلب لله بالإجلال والوقار والمهابة والحياء والثاني يبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع
(طب عن شداد بن أوس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه أحمد(3/88)
2822 - (أول شيء يرفع من هذه الأمة) المحمدية (الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا) خشوع إيمان بل خشوع تماوت ونفاق فيصير الواحد منهم ساكن الجوارح تصنعا ورياء ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة وقال الراغب: قال رجل للحسن البصري: أمؤمن أنت قال: إن كنت تريد قول الله تعالى {آمنا بالله وما أنزل إلينا} فنعم به نتناكح ونتوارث وإن أردت قوله {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} فلا أدري
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: سنده حسن انتهى وظاهر اقتصار المصنف على عزوه للطبراني أنه لا يوجد مخرجا لأحد أعلى ولا أولى بالعزو وهو قصور فقد خرجه الإمام أحمد في المسند من حديث عوف بن مالك ولفظه أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا يكاد يرى خاشعا وليكونن أقوام يتخشعون وهم ذئاب ضواري انتهى بحروفه(3/88)
2823 - (أول) في رواية أثقل (ما يوضع في الميزان) من أعمال البر (الخلق الحسن) لجمعه جميع الخيرات وبه ينشرح الصدر [ص:89] للعبادات وتسخو النفس في الدنيا في المعاملات ذكر الغزالي له تتمة وهي السخاء قال الجنيد: أربع ترفع العبد إلى أعلا الدرجات وإن قل علمه الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخلق. قال الغزالي: وحسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل بكمال الحكم والى اعتدال قوة الغضب والشهوة وهذا الاعتدال يحصل على وجهين أحدهما بجود إلهي وكمال نظري بحيث يخلق الإنسان كامل العقل حسن الخلق قد كفي سلطان الغضب والشهوة فيصير بغير معلم عالما وبغير مؤدب متأدبا والثاني اكتسابه بالمجاهدة والرياضة
(طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والقضاعي والديلمي (عن أم الدرداء) خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي نزلت الشام وماتت في إمرة عثمان ومن العجب قول الحافظ الزين العراقي في المغني لم أقف لحديث أول ما يوضع إلخ على أصل(3/88)
2824 - (أول ما يوضع في الميزان نفقة الرجل على أهله) أي على من تلزمه مؤونته من نحو زوجة ووالد وولد وخادم وغيرها والأولية في هذا الخبر وما قبله على معنى من. خص الرجل لأنه الذي تلزمه النفقة غالبا لا لإخراج غيره فأول ما يوضع في ميزان الأنثى والخنثى نفقتهما على من تلزمهما نفقته من أصل وفرع وخادم ونحوها
(طس عن جابر) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري: حديث ضعيف وقال غيره: فيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة والدارقطني(3/89)
2825 - (أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة مبنيا للمفعول في محل الصفة وما نكرة موصوفة والعائد الضمير في يقضى أي أول قضاء يقضى (بين الناس يوم القيامة في الدماء) وفي رواية بالدماء أي أول ما يحكم الله تعالى بين الناس يوم القيامة في متعلقات الدماء أو أول القضايا القضاء في الدماء أو أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء وذلك لعظم مفسدة سفكها ولا يناقضه خبر أول ما يحاسب به العبد الصلاة لأن ذلك في حق الحق وذا في حق الخلق أي أن أول بمعنى من أول أو أول ما يحاسب به من الفرائض البدنية الصلاة ثم أول ما يحكم فيه من المظالم الدماء قال الحافظ العراقي: وظاهر الأخبار أن الذي يقع أولا المحاسبة على حق الله تعالى وفي حديث الصور الطويل أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول: يا رب سل هذا لم قتلني
(حم ق ن هـ عن ابن مسعود) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الأربعة وليس كذلك بل رواه الكل إلا أبا داود والبخاري والترمذي وابن ماجه في الديات ومسلم في الحدود والنسائي في المحارم(3/89)
2826 - (أول ما يحاسب به العبد) أي الإنسان حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى (الصلاة) لأنها أم العبادات وأول الواجبات بعد الإيمان (وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) لأنها أكبر الكبائر بعد الشرك والبداءة بها تدل على أهميتها وعظم مفسدة القتل فإنه هدم البنية الإنسانية التي بنتها القدرة الإلهية فليس بعد الكفر ذنب أعظم من القتل وما في هذا الحديث موصولة وهو موصول حرفي ويتعلق الجار بمحذوف أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في ذلك وقد استدل بهذا الخبر وما قبله على أن القضاء يختص بالناس ولا دخل للبهائم فيه وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم بعد القضاء بين الناس
(ن عن ابن مسعود) عبد الله(3/89)
2827 - (أول ما يرفع من هذه الأمة) الإسلامية (الحياء والأمانة) تمامه كما في الفردوس فسلوهما الله عز وجل [ص:90] الحياء خير كله فبزواله يحل الشر كله وبزوال الأمانة تحل الخيانة ثم يحتمل أن المراد الأمانة المتعارفة التي هي ضد الخيانة أو الصلاة
(القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو يعلى وأبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي هريرة) وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو متروك فقول العامري حسن غير حسن(3/89)
2828 - (أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان) أي الأصنام (شرب الخمر) قال القضاعي: وذلك من أول ما بعث من قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة فلم يبح له قط وقوله بعد عبادة الأوثان لا يقتضي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم عبدها حاشاه حاشاه من ذلك إذ الأنبياء معصومون (وملاحاة الرجال) أي مقاولتهم ومخاصمتهم ومنازعتهم ومناظرتهم بقصد الاستعلاء فتلك الملاحاة هي السم الناقع ولم يكن السلف يتناظرون على ذلك بل لقصد تحقيق الحق لوجه الله تعالى قال الشافعي: ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه وعن علي: إياكم وملاحاة الرجال فإنهم لا يخلون من عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل لكم بما ليس فيكم واعلموا أن الكلام ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمعا فلا بد من إنتاج. <تنبيه> من ألفاظهم البديعة البليغة من زرع الإحن حصد المحن
(طب) وكذا البزار (عن أبي الدرداء وعن معاذ بن جبل) قال الهيثمي: فيه عمرو بن واقد وهو متروك رمي بالكذب وقال الذهبي في المهذب: فيه إسماعيل بن رافع واه وأورده في الميزان في ترجمة عمرو بن واقد من حديثه وقال البخاري: منكر الحديث وعن النسائي ومروان كان يكذب(3/90)
2829 - (أول ما يهراق) أي يصب (من دم الشهيد) شهيد الدنيا والآخرة وهو من قائل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ومات في المعركة بسبب القتال (يغفر) الله (له ذنبه كله إلا الدين) بفتح الدال وفي رواية للطبراني أيضا أول قطرة تقطر من دم الشهيد يكفر بها ذنوبه والثانية يكسى من حلل الإيمان والثالثة يزوج من الحور العين انتهى. وفي هذا السياق دلالة على أن الكلام في دم القتل أو ما أدى إليه لا في دم جراحة لم يمت منها كما هو مبين وظاهر أن المراد بالدين دين الآدمي لا دين الله تعالى
(طب ك عن سهل بن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون التحتية ابن واهب الأنصاري بدري جليل وفيه عند الحاكم عبد الرحمن بن سعد المدني قال الذهبي: له مناكير وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح(3/90)
2830 - (أول من أشفع له) عند الله تعالى (يوم القيامة من أمتي) أمة الإجابة (أهل بيتي) مؤمنو بني هاشم والمطلب وأصحاب الكساء (ثم الأقرب) ثم بعدهم أشفع للأقرب (فالأقرب) إلى (من قريش) القبيلة المشهورة (ثم الأنصار) الأوس والخزرج (ثم من آمن بي واتبعني من اليمن) أي من أقطار اليمن وجهاته (ثم من سائر العرب) على اختلاف طبقاتهم وشعوبهم وقبائلهم (ثم) من آمن بي من (الأعاجم) جمع عجمي والمراد بهم هنا ما عدا العرب (ومن أشفع له أولا) [ص:91] وهم أهل البيت (أفضل) ممن بعدهم أي ثم من بعدهم أفضل وهكذا ولا يعارضه خبر أول من أشفع له من أمتي أهل المدينة إلخ لأن الأول في الآحاد والجماعة والثاني في أهل البلد كله فيحتمل أن المراد البداءة في قريش بأهل المدينة ثم مكة ثم الطائف وكذا الأنصار ومن بعدهم ويحتمل أن المراد أنه يبدأ من أهل المدينة بقريش ثم الأنصار ثم من بعدهم من أهل مكة كذلك على هذا الترتيب ومن أهل الطائف بذلك كذلك
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم ورواه الدارقطني في الأفراد عن أبي الربيع الزهراني عن حفص بن داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال الدارقطني: تفرد به حفص عن ليث انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ليث ضعيف وحفص كذاب وهو المتهم به انتهى وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات وأخرجه أيضا أبو الطاهر المخلص في السادس من حديثه(3/90)
2831 - (أول من أشفع له من أمتي) أمة الإجابة (أهل المدينة) النبوية (وأهل مكة وأهل الطائف) قد تقرر وجه الجمع بينه وبين ما قبله فلا تغفل
(طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم(3/91)
2832 - (أول من يلحقني من أهلي) أي أول من يدرك ويصير معي بعد انتقالي من هذه الدار إلى ديار الأفراح والأخيار (أنت يا فاطمة) الزهراء خاطبها بذلك في مرضه الذي مات فيه وذلك أنها دخلت عليه فرحب بها وقبلها وأسر إليها أنه ميت فبكت فأسر إليها أنها أول أهله لحوقا به فضحكت (وأول من يلحقني من أزواجي زينب) مشتق من الزنب وهو الحسن كذا في المطامح عن شيخه البرجيني (وهي أطولكن كفا) كذا هو في خط المصنف وفي رواية يدا ولم يرد الطول الحسي بل المعنوي وهو كثرة الصدقة يقال: ما طالت يده لصرف كذا إذا لم يكن معه مال وفلان يده طولى يستعمله في الجاه والمال وأنه لذو طول في ماله وقدرته وهو ذو طول علي ومنة وقد تطول علي بذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن واثلة) بن الأسقع(3/91)
2833 - (أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر) أي لا أقوله فخرا (ثم تنشق عن أبي بكر وعمر) رضي الله عنهما (ثم تنشق عن الحرمين) أي عن أهل الحرمين (مكة والمدينة) إكراما لهم وإظهارا لمزيتهم على غيرهم (ثم أبعث بينهما) أي أنشر وأذهب بين الحرمين لأجمع إلى الفريقين وقد سبق توضيحه قال في الصحاح وغيره: بعث الموتى نشرهم من قبورهم وقال الزمخشري: بعث الشيء أثاره ويوم البعث يوم يبعثنا الله من القبور
(ك) في معرفة الصحابة من حديث عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: عاصم هو أخو عبيد الله ضعفوه(3/91)
2834 - (أول من يشفع يوم القيامة) عند الله تعالى (الأنبياء) الفائزون بالإحاطة بالعلم والعمل المجاوزون حد الكمال إلى [ص:92] درجة التكميل (ثم العلماء) الذين يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهو العلماء الراسخون في العلم العاملون به الذين هم شهداء الله في أرضه (ثم الشهداء) الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله ذكره كله القاضي قال القرطبي: فأعظم بمرتبة هي بين النبوة والشهادة
(الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وموحدة تحتية نسبة إلى موهب بطن من المعاقر في كتاب (فضل) العلماء (والعلم) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (خط) كلهم (عن عثمان) بن عفان وفيه عنبسة بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متروك متهم عن علاق بن أبي مسلم قال أعني الذهبي وهاه الأزدي عن أبان بن عثمان قال: متكلم فيه(3/91)
2835 - (أول من يدعى إلى الجنة) زاد في رواية يوم القيامة (الحمادون) صيغة مبالغة أي (الذين يحمدون الله) تعالى كثيرا (على) في رواية في (السراء) سعة العيش والسرور (والضراء) الأمراض والمصائب فهم راضون من الله تعالى في كل حال ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما يقضي الله تعالى وقال الفضيل: إن لم تصلح على تقدير الله وتحمده لم تصلح على تقدير نفسك ونظر رجل إلى قرحة في رجل ابن واسع فقال: إني لأرحمك قال: إني لأحمد الله عليها منذ خرجت إذ لم تخرج في عيني
(طب) وكذا في الأوسط والصغير (ك) في كتاب الدعاء (هب) وكذا أبو نعيم كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني وأبو نعيم والبيهقي فيه قيس بن الرفيع ضعفه الجمهور وقال الهيثمي: في أحد أسانيد الطبراني قيس بن الربيع وثقه شعبة وضعفه القطان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح(3/92)
2836 - (أول من يكسى) يوم القيامة (من الخلائق) على اختلاف أنواعها وطبقاتها وتباين أممها ولغاتها بعد ما يحشر الناس كلهم عراة أو الغالب أو بعد خروجهم من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى من ثياب الجنة (إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام لأنه جرد في ذات الله حين ألقي في النار أو لأنه لم يكن أخوف لله منه فتعجل كسوته إيناسا له ليطمئن قلبه أو لأنه أول من استن السراويل مبالغة في الستر وحفظا لفرجه فلما اتخذ هذا النوع الذي هو أستر للعورة من جميع الملابس جوزي بأنه أول من يكسى ثم يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم حلة أعظم من كسوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لينجبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسي معه فلا تعارض بينه وبين الخبر المار أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى (1)
(البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس
_________
(1) هذا التعليل فيه نظر فإن أول من يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم بدليل نص الحديث أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى اه(3/92)
2837 - (أول من فتق لسانه) ببناء فتق للمفعول وللفاعل أي الله (بالعربية) أي باللغة العربية وهي كما في المصباح كغيره ما نطق به العرب (المبينة) أي الموضحة الصريحة الخالصة (إسماعيل) ابن إبراهيم الخليل قال الزمخشري: ويسمى أبو الفصاحة قال في الروض الأنف: وهو نبي مرسل إلى جرهم والعماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض وكفر بعض (وهو ابن أربع عشرة سنة) قال الديلمي: أصل الفتق الشق أي أنطق الله لسان إسماعيل حتى تكلم بها وكان أول من [ص:93] نطق بها كذلك وقال في المصباح: يقال العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان وهو اللسان القديم والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم وهي لغة الحجاز وما والاها انتهى. قال ابن حجر: وأفاد بهذا القيد أعني المبينة أوليته في ذلك بحسب الزيادة والبيان لا الأولية المطلقة وإلا فأول من تكلم بالعربية جرهم وتعلمها هو من جرهم ثم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ويشهد له ما حكي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل كون الأولية مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى إخوته من ولد إبراهيم
(الشيرازي) في كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ظاهر عدول المصنف للشيرازي أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي من حديث ابن عباس باللفظ المزبور قال ابن حجر: وإسناده حسن ورواه الزبير بن بكار من حديث علي رفعه باللفظ المزبور وحسن ابن حجر إسناده أيضا(3/92)
2838 - (أول من خضب) أي لون شعره أي صبغه (بالحناء) يقال خضب بالتشديد كما في المصباح قال: والتخفيف من باب نفع لغة (والكتم) بفتحتين نبت فيه حمرة يخلط بالوشمة أو الحناء ويختضب به وفي كتب الطب الكتم من نبت الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر قدر الفلفل ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصح به في البادية (إبراهيم) الخليل فلذلك كان الخضب بهما مسنونا (وأول من اختضب بالسواد فرعون) فلذا كان الخضب فيه لغير الجهاد محرما وفرعون فعلون اسم أعجمي والجمع فراعنة قال ابن الجوزي: وهم ثلاثة فرعون الخليل واسمه سنان وفرعون يوسف واسمه الربان وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب اه والظاهر أن المراد هنا الأول بقرينة ذكره مع إبراهيم
(فر وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) وفيه منصور بن عمار قال العقيلي: فيه تجهم وقال الذهبي: له مناكير(3/93)
2839 - (أول من دخل الحمامات) جمع حمام (وصنعت له النورة) بضم النون حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إليه من زرنيخ وغيره تفعل لإزالة الشعر (سليمان بن داود) النبي بن النبي (فلما دخله) أي الحمام (وجد حره وغمه فقال: أوه من عذاب الله أوه قبل أن لا يكون أوه) بسكون الواو وكسر الهاء وقيل بتشديد الواو وفتحها كلمة تقال عند الشكاية والتوجع يعني أنه ذكر بحره وغمه حر جهنم وغمها فإن الحمام أشبه بيت بجهنم النار من تحت والظلام من فوق والعارف الكامل لا يغفل عن الآخرة في كل لحظة لكونها نصب عينه بل له في كل ما يراه من ماء ونار أو غيرهما عبرة وموعظة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد أو إلى حية ذكر أفاعي جهنم أو إلى بشع مهول ذكر منكر ونكير أو الزبانية أو سمع صوتا هائلا ذكر نفخة الصور فلا تصرفه مهمات الدنيا عن مشاهدة مهمات العقبى
(عق طب) وكذا في الأوسط (عد هق) وكذا في الشعب (عن أبي موسى) الأشعري قضية كلام المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه والأمر بخلافه فقد تعقبه البيهقي بما نصه: تفرد به إسماعيل الأزدي. قال البخاري: ولا يتابع عليه وقال مرة: فيه نظر إلى هنا كلام البيهقي وفيه أيضا إبراهيم بن مهدي ضعفه الخطيب وغيره وقال الذهبي كابن عساكر في تاريخ الشام: حديث ضعيف وفي اللسان كأصله: هذا من مناكير إسماعيل ولا يتابع عليه وقال الهيثمي: بعد ما عزاه للطبراني فيه صالح مولى التوأمة ضعفوه بسبب اختلاطه وابن أبي ذؤيب سمع منه قبل الإختلاط وهذا من روايته عنه انتهى وأقول: لكن فيه أيضا هشام بن عمار وفيه كلام وعبد الله بن زيد البكري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو حاتم اه فتعصيب [ص:94] الهيثمي الجناية برأس صالح وحده غير صالح(3/93)
2840 - (أول من غير) بشد المثناة تحت (دين إبراهيم) الخليل وفي رواية دين إسماعيل ولا تدافع إذ دين إسماعيل هو دين إبراهيم أي أول من بدل أحكام شريعته وحولها وجعلها على خلاف ما هي عليه ففي القاموس غيره جعله على خلاف ما كان عليه وحوله وبدله (عمرو بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء المهملة كذا في هذه الرواية وفي رواية أخرى عمرو بن عامر ولا تعارض كما أشار إليه الكرماني وغيره فعامر اسم ولحي لقب أو عكسه أو أحدهما اسم الأب والآخر الجد فنسب تارة لأبيه وتارة لجده (ابن قمعة) بالقاف (ابن خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وآخره فاء وهو (أبو خزاعة) القبيلة المشهورة وهو أول من ولي البيت بعد جرهم وورد في رواية لابن إسحاق بيان ذلك التغيير فقال: فنصب الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة (1) ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال: وسببه أنه كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال: أرحب أبا ثمامة فقال: لبيك من تهامة فقال: ادخل بلا ملامة فقال: ائت سيف جدة تجد آلهة معدة فخذها ولا تهب وادع إلى عبادتها تجب فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إليها فانتشرت عنه عبادة الأصنام في العرب
(طب عن ابن عباس)
_________
(1) قال ابن عباس: البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها وتركوا الحمل عليها وركوبها ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا بحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى بحروا أذنها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها وكانت منافعها خاصة للرجال فإذا ماتت حلت للرجال والنساء والسائبة البعير الذي يسيب وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية إذا مرض أو غاب له قريب نذر فقال: إن شفاني الله إلخ فناقتي هذه سائبة ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة(3/94)
2841 - (أول من يبدل سنتي) أي طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها بما أصلته لكم من الأحكام الإعتقادية والعملية (رجل من بني أمية) بضم الهمزة زاد الروياني في مسنده وابن عساكر يقال يزيد اه. قال البيهقي في كلامه على الحديث: هو يزيد بن معاوية لخبر أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد
(ع عن أبي ذر) الغفاري
_________
(1) [وقال الهيثمي: وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا؟ ؟ أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبادة (لعله أبا عبيدة راوي الحديث) . دار الحديث](3/94)
2842 - (أول ما يرفع) أي من الدنيا في آخر الزمان (الركن) اليماني والظاهر أن المراد الحجر الأسود وكلام المصنف في الساجعة صريح فيه قال: ولن تزال هذه الأمة بخير ما دام فيها إلا أن يرفعه جبريل (والقرآن) أي بذهاب حفظته أو بمحوه من صدورهم (ورؤيا النبي في المنام) يحتمل أن أل في النبي للعهد والمعهود نبينا صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك من خصائصه ويحتمل أن المراد الجنس فلا يرى أحد من الناس أحدا من الأنبياء في النوم أصلا
(الأزرقي في تاريخ مكة) المشهور (عن عثمان) بن عمر (بن ساج) بمهملة وآخره جيم الجزري مولى بني أمية وينسب إلى جده غالبا قال في التقريب: فيه ضعف (بلاغا) أي أنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك(3/94)
[ص:95] 2843 - (أول ما افترض الله تعالى على أمتي الصلوات الخمس) المعروفة (وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس (1)) أي بموت المصلين واتفاق خلفهم على تركها (وأول ما يسئلون عن الصلوات الخمس فمن كان ضيع شيئا منها) بأن لم يفعله أو فعله مع اختلال بعض الأركان أو الشروط أو مع توفرها ولم تقبل لعدم نحو إخلاص (يقول الله تبارك وتعالى) أي لملائكته (انظروا) أي تأملوا (هل تجدون لعبدي نافلة من الصلاة) أي صلاة نافلة (تتمون بها ما نقص من الفريضة) أي فإن وجدتم ذلك فكملوا به فرضه لأن المصلي مثل التاجر الذي لا يخلص الربح حتى يخلص له رأس المال فلا يقبل له نفل حتى يؤدي الفرض وكذا يقال فيما يأتي (وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان فإن كان ضيع شيئا منه) بالمعنى المذكور فيما قبله (فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون منها ما نقص من صيام وانظروا في زكاة عبدي فإن كان ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة فيؤخذ ذلك) أي النفل (على فرائض الله) أي عنها (وذلك برحمة الله) العبد أي برفقه به وإحسانه إليه (وعدله) إذ لو لم يكمل له بها فرضه لخسر وهلك (فإن وجد فضلا) أي زيادة بعد تكميل الفرض (وضع في ميزانه) فرجح (وقيل له) من قبل الله تعالى على لسان بعض ملائكته أو من شاء (ادخل الجنة مسرورا) أي حال كونك فرحا منشرحا والسرور ما يسر به الإنسان (وإن لم يجد له شيئا من ذلك) أي من الفرائض أو من النوافل التي يكمل بها نقصها (أمرت به الزبانية) أي أمرهم الله بإلقائه في النار (فأخذ) أي فأخذوا (بيديه ورجليه) خصهما إشارة إلى هوانه عليهم واستحقاره عندهم (ثم قذف به في النار) أي ألقي في نار جهنم ذميما مقبحا مستهانا به كالجيفة التي ترمى للكلاب. قال في المطامح: يؤخذ من هذه الأولية المذكورة في صدر هذا الخبر أن الصلاة لها أولوية عند الله سبحانه وتعالى. قال ابن عطاء الله: واعلم أن الحق سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة حتى إذا قام العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما يجبر بالنافلة التي هي من جنسه فلذا أمر بالنظر في فريضة العبد فإن قام بها كما أمر الله جوزي عليها وأثبتت له وإن كان فيه خلل كملت من نافلته حتى قال البعض: إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة ولما جعل الله تعالى عباده أقوياء وضعفاء فسح على الصعفاء بالإكتفاء [ص:96] بالواجبات وفتح للأقوياء باب نوافل الخيرات فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته فقاموا بها تخليصا لأنفسهم من وجود الهلكة وملافاة العقوبة فما قاموا شوقا له ولا طلبا للوفاء مع ربوبيته بل قوبلوا بالمخالفة فلم يقبل منهم قيامهم هذا فإنهم لم ينهضوا إلا لأجل نفوسهم ولم يطلبوا إلا حظوظهم فقاموا بواجبات الله مجرورين بسلاسل الإيجاب عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بسلاسل وآخرون عندهم من غليان الشغف وشدة الحب ما ليس يكفيهم الواجبات بالنوافل وسرمدوا بها الأوقات وحملوا أنفسهم ما لا يطيقون بطاعته لباعث الشغف فأشفق عليهم الشارع فأمرهم بالقصد في عدة مواضع
(الحاكم) في كتاب (الكنى) والألقاب (عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) ويحتمل أن يكون المراد أول ما يرفع إلى الله تعالى من ثواب أعمالهم ثواب الصلاة فلا تعارض بينه وبين أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة(3/95)
2844 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته) لأن الله تعالى قد أذنه بتعظيم أمرها وأشار إليه بالاهتمام بشأنها فإنها مقدمة عنده على غيرها حيث كان أول شيء بدأ به عباده من الفرائض وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أسلم رجل أول شيء يعلمه الصلاة لأنه إنما يضع الأمور على حسب وضع ربه ناظرا في ذلك إلى حكمته الإلهية فبعد تقرر هذه الأولية والأهمية عند العبد ناسب أن يكون أول السؤال عنها إذ لا عذر لها حينئذ (فإن كان أتمها كتبت له) أي أمر الله تعالى بكتابتها في صحف الملائكة أو المحاسبة أو غيرهما (تامة وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع) بزيادة من للتأكيد (فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) قال الحافظ العراقي: المراد من الإكمال إكمال ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة وأنه يحصل له ثوابه في الفرض وإن لم يفعله أو ما انتقص من فروضها وشروطها أو ما ترك من الفرائض رأسا اه. <تنبيه> قال ابن عربي: في الفرائض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي الفرع وهو النفل عبودية الاختيار سمي نفلا لأنه زائد فإنك في أصلك زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فأنت نفل في وجود الحق تعالى ففي أداء الفرائض أنت له وفي النفل أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم من حبه إياك من حيث ما أنت لك ولا نفل إلا بعد فرض في عين النفل فروض ونوافل فما فيه من الفروض تكمل الفرائض ولما لم يكن في قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل على فرائض ونوافل وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة وهذه الأفعال والأقوال فرائض فيها انتهى
(حم د هـ ك عن تميم الداري) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(3/96)
2845 - (أول نبي أرسل نوح) قال السهيلي: اسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على نفسه ولا تعارض بينه وبين ما بعده من أن أولهم آدم لأن نوحا أرسل إلى الكفار وآدم أول رسول إلى بنيه ولم يكونوا كفارا ثم نوح هو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم أفضلهم
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وهو في مسلم في أثناء حديث الشفاعة ولفظه: ائتوا نوحا أول رسول(3/96)
[ص:97] 2846 - (أول الرسل آدم) إلى بنيه وكانوا مؤمنين فعلمهم شرائع علم الله (وآخرهم محمد) صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {وخاتم النبيين} فلا نبي بعده (وأول أنبياء بني إسرائيل موسى) بن عمران (وآخرهم عيسى) بن مريم (وأول من خط بالقلم) أي كتب ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود (إدريس) قيل سمي به لكثرة درسه كتاب الله وأبطله الزمخشري بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد العلمية فكان منصرفا فمنعه من الصرف دليل العجمة وهذا الحديث صريح في إبطال زعم الكلبي أن أول من وضع الخط نفر من طيء قيل وأول من كتب بالعربي إسماعيل وما ذكر هنا من أن أول من خط إدريس جرى عليه جمع وذكر آخرون منهم كعب الأحبار أن أول من كتب آدم كتب سائر الكتب قبل موته بثلاث مئة سنة في طين ثم طبخه فلما غرقت الأرض في زمن نوح بقيت الكتابة فأصاب كل قوم كتابهم وبقي الكتاب العربي إلى أن خص به إسماعيل فأصابه وتعلم العربية ذكره الماوردي وقال: كانت العرب تعظم قدر الخط وتعده من أجل نفع حتى قال عكرمة: بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادى به على أن يعلم الخط لخطره وجلالته عندهم. <فائدة> قال ابن فضل الله: كان إدريس يسمى هرمس المثلث كان نبيا وحكيما وملكا ووزيرا. قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وأول من عمل الكيمياء وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنذر بالطوفان وكان يسكن صعيد مصر فبنى هناك الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصناعات وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منها على تخليدها بعده وخيفة أن يذهب رسمها من العالم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم رفعه مكانا عليا
(الحكيم) الترمذي (عن أبي ذر) وفيه عمرو بن أبي عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: مجهول وإبراهيم بن هشام الغساني قال أبو حاتم غير ثقة ونقل ابن الجوزي عن أبي زرعة أنه كذبه ويحيى بن يحيى الغساني خرجه ابن حبان ذكره كله الذهبي(3/97)
2847 - (أولاد المشركين) أي من مات من أولاد الكفار قبل البلوغ (خدم أهل الجنة) في الجنة فهم من أهلها فيما يرجع من أمور الآخرة لأن كل مولود يولد على الفطرة ويتبع أشرف الأبوين دينا فيما يرجع إلى الدنيا وعليه نزل خبر إنهم من آبائهم وقيل هم من أهل النار وقيل بين الجنة والنار ولا منعمين ولا معذبين وقيل من علم الله أنه يؤمن لو عاش ففي الجنة وغيره في النار وقيل بالوقف لعدم صحة التوقيف قال النووي: والصحيح الذي عليه المحققون الأول ورجح البيضاوي الأخير حيث قال: الثواب والعقاب ليسا لأحد بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون ذراري المسلمين والكفار من أهل الجنة والنار بل الموجب لهم هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآباؤهم في العدم فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب لأن السعادة والشقاوة ليستا معللتين عندنا بل الله تعالى خلق من شاء سعيدا ومن شاء شقيا وعمل الأعمال دليل على السعادة والشقاوة وأنت تعلم أن عدم الدليل وعدم العلم به لا يوجبان عدم المدلول والعلم بعدمه وكما أن البالغين منهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا فهم مستعملون بأعمال أهل النار حتى يموتوا عليها فيدخلوا النار وأما الذين سعدوا فهم موفقون للطاعات وصالح الأعمال حتى يتوفوا عليها فيدخلوا الجنة فالأطفال منهم من سبق القضاء بأنه سعيد من أهل الجنة فهو لو عاش عمل عمل أهل الجنة ومنهم من جف القلم بأنه شقي من أهل [ص:98] النار فهو لو أمهل لاشتغل بالعصيان وانهمك في الطغيان
(طس عن سمرة) بن جندب (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه عباد بن منصور وثقه القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات(3/97)
2848 - (ألا) بتخفيف اللام وفتح الهمزة حرف افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقق ما بعده وتوكيده (أحدثكم حديثا عن الدجال) أي عن صفاته من الدجل وهو الخلط لكثرة خلطه الباطل بالحق ذكره الزمخشري وسبق فيه مزيد (ما حدث به نبي قومه) الجملة صفة لحديث. وما نافية أي لم يحدث نبي قومه بمثله في الإيضاح ومزيد البيان فإنه ما من نبي إلا وقد أنذر قومه به سيما نوح عليه السلام لكن لم يوضحوا صفاته وأنا أوضحها غاية الإيضاح حتى كأنكم ترونه عيانا (إنه أعور) العين اليمنى كما في رواية وفي أخرى اليسرى وجمع بأن أحدهما ذاهبة والأخرى معيبة وأصل العور العيب فيصدق عليهما واقتصر عليه مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل ومن لا يهتدي للأدلة القطعية (1) (وأنه يجيء معه تمثال الجنة والنار) هذا بالنسبة للرائي فإما بالسحر فيخيل الدجال الشيء بصورة عكسه أو يجعل الله باطن الجنة نارا وعكسه أو كنى عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار (فالتي يقول إنها الجنة هي النار) أي سبب للعذاب بالنار يعني من دخل جنته استحق النار لأنه صدقه فأطلق اسم المسبب على السبب (وإني أنذركم) به (كما أنذر) به (نوح قومه) خصه به لأنه أول نبي أنذر قومه أي خوفهم ولأنه أول الرسل وأبو البشر الثاني وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله تعالى إذ لا يتخالجهم في الله الظنون إذ {ليس كمثله شيء} وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان وأن يستولي على مواشيهم فتتبعه أقوام بأبدانهم ويصدقونه بألسنتهم وإن عرفوا كذبه لا يقال إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم لأنا نقول بأن الأنبياء شاهدوا دقائق الكون واجتمع كله فيهم في آن واحد حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة فصاروا عند غلبة التجليات على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم ويلوح لهم الأمر من وراء كل وراء وتضمحل الحجب وذلك طور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبدا وقت التجلي فباندراج مسافات الأزمان وتداخلها وامتزاج بعضها ببعض صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد فتدبر
(ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب(3/98)
2849 - (ألا) قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به (أحدثكم بما) أي بالعمل الذي (يدخلكم الجنة؟) قالوا: بلى يا رسول الله حدثنا قال: (ضرب بالسيف) أي قتال به في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (وإطعام الضيف) لوجه الله لا رياء وسمعة كما يفعله كثير الآن (واهتمام بمواقيت الصلاة) أي بدخول أوقات الصلاة لإيقاع الصلاة أول وقتها يقال اهتم الرجل بالأمر قام به ويطلق الهم والاهتمام على العزم القوي والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت وهو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما وكل شيء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا (وإسباغ الطهور) أي إتمام الوضوء أو الغسل قال في الصحاح: شيء سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أتمها وإسباغ الوضوء إتمامه قال الزمخشري: ومن المجاز أسبغ وضوءه (في الليلة القرة) بالتشديد أي [ص:99] الشديدة البرد قال في الصحاح: ليلة قارة وقرة بالفتح أي باردة ويوم قار وقر بالفتح بارد والقرة بالكسر البرد (وإطعام الطعام على حبه) قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} أي مع حب الطعام أو شهوته أو عزته لقلته وحاجتهم وقيل على حب الله تعالى
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة)(3/98)
2850 - (ألا أحدثكم) في رواية أحمد والطبراني أحدثكما خطابا لعمار وعلي لما رآهما وقد اضطجعا في صور من النخل فناما فحركهما برجله وقال: ألا أحدثكما (بأشقى الناس؟ رجلين) عطف بيان وقال أبو البقاء: تمييز كما تقول هذا أشقى الناس رجلا وجاز تثنيته وجمعه كما قالوا نعم الرجلين الزيدان ونعم رجالا الزيدون وهم أفضل الناس رجالا (أحيمر ثمود) تصغير أحمر وهو قدار بن سالف (الذي عقر الناقة) أي قتلها لأجل قول نبيهم صالح عليه السلام {ناقة الله وسقياها} أي احذروا أن تصيبوها بمكروه ولا تمنعوها عن شربها وكان أخبرهم أن لها شرب يوم ولهم شرب يوم وإنما قال أحيمر لأنه كان أحمر أشقر أزرق قصيرا ذميما (والذي) أي وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحه الله (يضربك يا علي) بن أبي طالب بالسيف (على هذه) يعني هامته (حتى يبل منها) بالدم (هذه) يعني لحيته فمرض علي كرم الله وجهه بعد موت المصطفى صلى الله عليه وسلم فخرج فضالة بن عبيد الأنصاري له عائدا فقال: ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت به لم يسلك إلا أعراب جهينة فقال: لست ميتا من مرضي هذا ثم ذكر الحديث رواه أحمد وعن أبي سنان الدولي أنه عاد عليا فقال: قد تخوفنا عليك قال: لكني بما ما تخوفت على نفسي سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحوه خرجه الطبراني وحسنه الهيثمي واعلم أن هذا الحديث من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع وذلك أنه لما كانت ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ علي كرم الله وجهه سحرا فقال لابنه الحسن: رأيت الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوت له ما لقيت من أمته من اللدد فقال لي: ادع الله عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا وأبدلهم بي شرا لهم مني فدخل المؤذن على أثر ذلك فقال: الصلاة فخرج علي كرم الله وجهه من الباب ينادي الصلاة الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل لدماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك وأوثق وأقام علي الجمعة والسبت وانتقل إلى رحمة الله ليلة الأحد فقطعت أطراف ابن ملجم ثم جعل في قوصرة وأحرق بالنار
(طب ك) وكذا أحمد والبزار كلهم (عن عمار بن ياسر) قال الهيثمي: رجال البزار موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار(3/99)
2851 - (ألا أخبرك) أي أعلمك (بأخير) وفي رواية بدله بأعظم (سورة في القرآن) قال الطيبي: نكرها وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة لم تجد به أعظم منها (الحمد لله رب العالمين) قال البيضاوي: خبر مبتدأ محذوف أي هي السورة التي مستهلها الحمد لله (1) قال النوربشتي: الحمد أعلى مقامات العبودية وقد جاء في البخاري أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها قال ابن النين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها وقال القرطبي: اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله تعالى والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها [ص:100] أخير وقال علي كرم الله وجهه: لو شئت لأمليت من تفسيرها سبعين وقرا وقد أفرد في جموم فضائلها تآليف كثيرة وذكر بعض العارفين أن من لازم قراءتها رأى العجب وبلغ ما يرجوه من كل أرب ومن خواصها إذا كتبت حروفها متفاصلة ومحيت بماء طاهر وشربها مريض لم يحضر أجله برئ وإذا قرئت إحدى وأربعين مرة بين سنة الفجر والصبح على وجع العين برئ بشرط حسن الظن من الوجيع والعازم اه وفي بحر الروياني أن البسملة أفضل آيات القرآن ونوزع بحديث آية الكرسي قال ابن حجر في الفتح: وهو صحيح واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع منه جمع محتجين بأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها وأجيب بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل من حيث المعاني لا الصفة ويؤيده آية {نأت بخير منها أو مثلها}
(حم عن عبد الله بن جابر البياضي) الأنصاري له صحبة قال الهيثمي: فيه عبد الله بن أحمد بن عقيل سيء الحفظ وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول شنيع فقد رواه البخاري في التفسير والفضائل وأبو داود والنسائي في الصلاة وابن ماجه في ثواب التسبيح بلفظ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وأعظم سورة في القرآن
_________
(1) أي سورة الحمد بكمالها فهي أعظم سور القرآن فإنها أمه وأساسه ومتضمنة لجميع علومه(3/99)
2852 - (ألا) قال القاضي: كلمة مؤلفة من حرفي الاستفهام والنفي لإعطاء التنبيه على تحقيق ما بعدها وذلك لأن الهمزة فيه للإنكار فإذا دخلت على نفي أفادت تحقيق الثبوت ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا ما كانت مصدرة بما يصدر بها جواب القسم وشقيقتها أما التي هي من طلائع القسم ومقدماته (أخبرك عن ملوك الجنة) وفي رواية ملوك أهل الجنة (رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد إنسان مؤمن (ضعيف) في نفسه أي منكر الخاطر متواضع القلب لهوانه على الناس (مستضعف) بفتح العين على المشهور أي يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعفه ولفقره ورثاثته وخموله وفي رواية بكسر العين أي نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا (ذو طمرين) بكسر فسكون إزار ورداء خلقين (لا يؤبه له) أي لا يحتفل به (لو أقسم على الله لأبره) أي لو حلف يمينا على أن الله يفعل كذا أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه أي صدق وصدق يمينه يقال: أبر الله قسمك إذ لم يكن حانثا وقيل معنى أقسم على الله أن يقول اللهم إني أقسم عليك بجلالك أن تفعل كذا وهو غير مستقيم هنا لأنه قال لأبره أي صدقه ولا دخل للصدق والكذب في هذا اليمين فيدخلها الإبرار. قال الغزالي: وهذا الحديث ونحوه يعرفك مذمة الشهرة وفضيلة الخمول وإنما المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت والجاه والمنزلة في القلوب وحب الجاه منشأ كل فساد <تنبيه> هذا الحديث نص في تفضيل الضعيف على القوي وقد وقع عكسه في خبر مسلم " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف " فإنه نص في تفضيل القوي على الضعيف وأجاب النووي بأن المراد بالقوة فيه عزيمة النفس والقريحة في شؤون الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على أعداء الله وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبمدح الضعيف فمن حيث رقة القلوب ولينها واستكانتها لربها وضراعتها إليه
(هـ عن معاذ) بن جبل قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز وقال الحافظ العراقي في المغني: سنده جيد وفي أماليه حديث حسن وفيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين والجمهور ووثقه دحيم والحديث له شواهد اه وظاهر كلامه أنه إنما هو حسن لشواهده(3/100)
[ص:101] 2853 - (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا: أخبرنا قال: (كل) إنسان (جعظري) بجيم مفتوحة وظاء معجمة بينهما عين مهملة فظ غليظ أو الذي لا يمرض أو الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده (جواظ) بفتح الجيم وشد الواو وظاء معجمة ضخم مختال في مشيه أو الأكول أو الفاجر أو الفظ الغليظ أو السمين الثقيل من الشره والتنعم (مستكبر) ذاهب بنفسه تيها وترفعا (جماع) بالتشديد أي كثير الجمع للمال (منوع) أي كثير المنع له والشح والتهافت على كنزه (ألا) قال القاضي: حرف تنبيه تذكر لتحقق ما بعدها مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ولا التي للنفي والإنكار إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ولذلك لا يقع بعدها إلا ما كان مصدرا بنحو ما يتلقى به القسم (أخبركم بأهل الجنة) قالوا: أخبرنا قال: (كل مسكين لو أقسم على الله لأبره) قال النووي: المراد بالحديث أن أغلب أهل الجنة والنار هذان الفريقان
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه خارجة بن مصعب وهو متروك(3/101)
2854 - (ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون) أي ما اعتصم به المعتصمون قالوا: بلى أخبرنا قال: (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) زاد في رواية ولن يتعوذ الخلائق بمثلهما وسميتا بالمعوذتين لأنهما عوذتا صاحبهما أي عصمتاه من كل سوء
(طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول فقد رواه النسائي باللفظ المزبور عن عابس الجهني قال في الفردوس ويقال له صحبة(3/101)
2855 - (ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله) أي ببيان معناها وإيضاح فحواها والفسر والتفسير البيان والإيضاح كما في الصحاح قال: أخبرني قال: (لا حول من معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله هكذا أخبرني جبريل يا ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود قال ابن الأثير: الحول ههنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله وقيل الحول الحيلة والأول أشبه اه. (تتمة) حكى النووي في بستانه أن الخليل بن أحمد رؤي في النوم فقيل له: ما فعل بك ربك قال: غفر لي قيل: بما نجوت قال: بلا حول ولا قوة إلا بالله قيل: كيف وجدت علمك أي الأدب والشعر قال: وجدته هباء منثورا
(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وقال: تفرد به صالح بن بيان وليس بقوي(3/101)
2856 - (ألا أخبركم بأهل الجنة) قالوا: بلى قال: (كل ضعيف) قال أبو البقاء: برفع كل لا غير أي هم كل ضعيف عن أذى الناس أو عن المعاصي ملتزم الخشوع والخضوع بقلبه وقالبه (متضعف) بفتح العين كما في التنقيح عن ابن الجوزي قال: وغلط [ص:102] من كسرها لأن المراد أن الناس يستضعفونه ويحتقرونه وفي علوم الحديث للحاكم أن ابن خزيمة سئل عن الضعيف قال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين (لو أقسم على الله لأبره) (1) (ألا أخبركم بأهل النار) قالوا: بلى. قال: (كل عتل) بالضم والتشديد الجافي أو الجموع المنوع أو الأكول الشروب (جواظ) بفتح فتشديد كما تقرر (جعظري مستكبر) صاحب كبر والكبر تعظيم المرء نفسه واحتقاره غيره والأنفة من مساواته. <تنبيه> قال ابن عربي في كلامه على الأولين: إنما نالوا هذه المرتبة عند الله لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير الله أو تتعلق بكون من الأكوان سوى الله فليس لهم جلوس إلا مع الله ولا حديث إلا مع الله فهم في الله قائمون وفي الله ناظرون وإليه داخلون ومنقلبون وعنه ناطقون ومنه آخذون وعليه متوكلون وعنده قاطنون فما لهم معروف سواه ولا مشهود إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في غيابات الغيب المحجوبون وهم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مشي ستر كله حجاب فهذا حال هذه الطائفة
(حم ق) في التفسير وغيره (ت) في صفة النار (ن) في التفسير (هـ) في الزهد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) أخي عبد الله بن عمر لأمه قيل هو الذي استطول صلاة معاذ فانصرف وفي الباب أبو هريرة وابن عمر وغيرهما
_________
(1) يوجد في النسخة هنا بياض(3/101)
2857 - (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال الطيبي: من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزا من شركم اه والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا: بلى قال: (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره) أي من يؤمل الناس الخير من جهته ويأمنون الشر من جهته (وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) أي وشركم من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره. قال الطيبي: التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيبا وترهيبا وترك الآخرين إذ لا ترغيب ولا ترهيب فيهما. قال الماوردي: يشير بهذا الحديث إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف. وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا إلى هنا كلامه
(حم ت حب عن أبي هريرة) قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناس جلوس فقال: ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال ثلاثا فقال له رجل: يا رسول الله أخبرنا فذكره لما توهموا معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثا فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في المهذب: سنده جيد وفي الباب أنس وغيره(3/102)
2858 - (ألا أخبركم بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذا قوله (وشر الناس) إذ الكافر شر منه (إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله عز وجل) أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة الله (على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره) أي راكبا على واحد منهما وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك (أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة [ص:103] والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شيء منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده. <تنبيه> قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه. وقال قوم: الناس يخلقون أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون: الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقا واستدلوا بقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال في الفردوس: الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له
(حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره(3/102)
2859 - (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن) قالوا: أخبرنا قال: (الصمت) أي الإمساك عن الكلام فيما لا يعنيك (وحسن الخلق) بالضم أي مع الناس ومن ثم قال الداراني: المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه وأمر بين غيه فاجتنبوه وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله تعالى. قال الماوردي: وهذا الحديث جامع لآداب العدل في الأحوال كلها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت عن صفوان بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة (مرسلا) قال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجيب فقد خرجه أبو الشيخ [ابن حبان] في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعا وسنده ضعيف فإن قلت: إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت: كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا الكتاب وغيره(3/103)
2860 - (ألا أخبركم عن الأجود) أي الأكرم والأسمح قالوا: بلى أخبرنا قالأ: (الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم) لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سئل في شيء قط وقال لا وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر (وأجودهم من بعدي رجل علم علما) من علوم الشرع (فنشر علمه) أي بثه لمستحقيه ولم يبخل به (يبعث يوم القيامة أمة وحده) قال في الفردوس: الأمة ههنا هو الرجل الواحد المعلم للخير المنفرد به (ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل) أو ينتصر. قال ابن رجب: دل هذا على أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أجود [ص:104] الآدميين على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم
(ع عن أنس) قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي وغيره: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث اه. وأخرجه ابن حبان عن مكحول عن محمد بن هاشم عن سويد بن عبد العزيز عن نوح بن ذكوان عن أخيه عن الحسن عن أنس بلفظ ألا أخبركم بأجود الأجودين قالوا: بلى قال: فإن الله تعالى أجود الأجودين وأنا أجود ولد آدم وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه فيبعث يوم القيامة أمة وحده كما يبعث النبي صلى الله عليه وسلم أمة وحده اه. وأورده الجوزي من حديث ابن حبان هذا ثم حكم بوضعه وقال: قال ابن حبان: منكر باطل وأيوب منكر الحديث وكذا نوح ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن أبا يعلى أخرجه ولم يزد على ذلك(3/103)
2861 - (ألا أخبركم بشيء) يعني بدعاء بديع نافع للكرب والبلاء (إذا نزل برجل) يعني بإنسان وذكر الرجل وصف طردي وإنما ذكره لأن غالب البلايا والمحن إنما تقع للرجال قال:
كتبت القتل والقتال علينا. . . وعلى الغانيات جر الذيول
(كرب) أي مشقة وجهد والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس كما في الصحاح وغيره (أو بلاء) بالفتح والمد محنة (من أمر الدنيا دعا به) الله تعالى (فيفرج عنه) أي يكشف غمه قال الأزهري وغيره فرج الله الغم بالتشديد كشفه قالوا: بلى أخبرنا قال: (دعاء ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام حين التقمه الحوت فنادى في الظلمات (لا إله إلا أنت) أي ما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك (سبحانك) تنزيه عن كل النقائص ومنها العجز وإنما قاله لأن تقديره سبحانك مأجورا أو شهوة للانتقام أو عجزا عن تخليصي مما أنا فيه بل فعلته بحكم الإلهية وبقتضى الحكمة (إني كنت من الظالمين) يعني ظلمت نفسي كأنه قال إني كنت من الظالمين وأنا الآن من التائبين لضعف البشرية والقصور في أداء حق العبودية وهذا القدر كاف في السؤال. قال المتنبي:
وفي النفس حاجات وفيك فطانة. . . سكوتي كلام عندها وخطاب
وإنما كان هذا الدعاء منجيا من الكرب والبلاء لإقرار الإنسان فيه على نفسه بالظلم. قال الحسن: ما نجى يونس والله إلا لإقراره على نفسه بالظلم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (ك عن سعد) ابن أبي وقاص(3/104)
2862 - (ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها) أي فخمها وبجالتها وفي الصحاح التعظيم التبجيل والتفخيم (ما بين السماء والأرض ولكاتبها) في مصحف أو لوح أو تميمة (من الأجر مثل ذلك) أي ثوابا عظيما يملأ ما بين السماء والأرض لو جسم (ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة والجمعة الأخرى) أي الصغائر الواقعة من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التي بعدها (وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ) الآيات (الخمس الأواخر منها عند نومه) أي عند إرادته النوم (بعثه الله) أي أهبه (أي الليل شاء) قالوا: بلى أخبرنا بها قال: (سورة أصحاب الكهف) قال الحافظ ابن حجر: وذكر أبو عبيد أنه وقع في رواية شعبة زيادة كما أنزلت عقب قوله ومن قرأها وأوله على أن المراد أن يقرأها بجميع وجوه القراءات قال: وفي تأويله [ص:105] نظر والمتبادر أن المراد يقرؤها كلها بغير نقص حسا ولا معنى وقد يشكل بما رود من زيادة أحرف ليست من المشهورة ك " سفينة صالحة " ونحو " وأما الغلام فكان كافرا " أو يجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته
(ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وابن جرير وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ابن مردويه غير سديد لإيهامه وروي من طرق أخرى عن ابن الضريس وغيره لكن بعضها كما قال الحافظ ابن حجر في أماليه معضل وبعضها مرسل(3/104)
2863 - (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار) أي دخول نار جهنم (غدا) أي يوم القيامة وأصل الغد اليوم الذي بعد يومك على أثره ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب قالوا: أخبرنا قال: (على كل هين) مخففا من الهون بفتح الهاء وهو السكينة والوقار (لين) مخفف لين بالتشديد على فعيل من اللين ضد الخشونة قيل: يطلق على الإنسان بالتخفيف وعلى غيره على الأصل قال ابن الأعرابي: يمدح بهما مخففين ويذم بهما مثقلين (قريب) أي إلى الناس (سهل) يقضي حوائجهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه. قال الماوردي: بين بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير صارت ملقا وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقا والملق ذل والنفاق لؤم
(ع عن جابر) بن عبد الله (ت) في الزهد وقال: حسن غريب (طب) كلهم (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: بعد ما عزاه لأبي يعلى فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف وقال عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح وقال العلائي: سند هذا أقوى من الأول انتهى(3/105)
2864 - (ألا أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد قالوا: أخبرنا قال: (الذي يأتي بشهادته) أي يشهد عند الحاكم (قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلب منه المشهود له الأداء أو فسره مالك بمن عنده شهادة الإنسان لا يعلمها فيخبره أنه شاهد وحمله غيره على شهادة الحسبة فيما تقبل فيه فلا ينافي خبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد لأنه في غير ذلك
(مالك حم م د) في القضاء (ت) في الشهادات (عن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء صحابي مشهور ولم يخرجه البخاري(3/105)
2865 - (ألا أخبركم بصلاة المنافق) قالوا: أخبرنا قال: (أن يؤخر) العصر أي صلاته (حتى إذا كانت الشمس) صفراء (كثرب البقرة) بمثلثة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة أي شحمها الرقيق الذي يغشى الكرش شبه به تفرق الشمس عند المغيب ومصيرها في موضع دون موضع (1) (صلاها) أي يؤخرها إلى ذلك الوقت تهاونا بها ويصليها فيه ليدفع عنه الاعتراض ومقصود الحديث أن ذلك من علامات النفاق وخصت لكونها الصلاة الوسطى عند الجمهور فمن تهاون بها تهاون بغيرها بالأولى. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: اصفرار الشمس تغيير يطرأ على نور الشمس في عين الرائي من الجزء الأرضي [ص:106] الحائل بين العين وبين إدراك خالص النور والنور في نفسه لا يصفر ولا يتغير
(قط ك) في الصلاة (عن رافع بن خديج) قال الحاكم: وأقره عليه الذهبي
_________
(1) [أي تتفرق صورتها كتفرق الشحم الذي حول الكرش. دار الحديث](3/105)
2866 - (ألا أخبركم بأفضل) أي بدرجة هي أفضل (من درجة الصيام والصلاة والصدقة) أي المستمرات أو الكثيرات قالوا: أخبرنا به قال: (إصلاح ذات البين) أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم (فإن فساد ذات البين هي الحالقة) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات
(حم د) في الأدب (ت) في الزهد (عن أبي الدرداء) وصححه الترمذي وقال ابن حجر: سنده صحيح وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وغيره(3/106)
2867 - (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة) قالوا: أخبرنا قال: (النبي في الجنة) أي في أعلى درجاتها وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق (والشهيد) أي القتيل في معركة الكفار لإعلاء كلمة الله (في الجنة والصديق) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع (في الجنة والمولود) أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ (في الجنة والرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (يزور أخاه) في الإسلام (في ناحية المصر في الله) أي لا لأجل تأميل ولا مداهنة بل لوجه الله تعالى (في الجنة) ولكونه يحبه لا يحبه إلا لله وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه والمصر كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات. (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة) قالوا: بلى قال: (الودود) بفتح الواو أي المتحببة إلى زوجها (الولود) أي الكثيرة الولادة ويعرف في البكر بأقاربها (العوود) بفتح العين المهملة أي التي تعود على زوجها بالنفع (التي إذا ظلمت) بالبناء للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في قسم ونحو ذلك (قالت) مستعطفة له (هذه يدي في يدك) أي ذاتي في قبضتك (لا أذوق غمضا) بالضم أي لا أذوق نوما يقال أغمضت العين إغماضا وغمضتها تغمميضا أطبقت أجفانها (حتى ترضى) عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن فهي خليقة بكونها من أهل الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم
(قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة) قال الطبراني: ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: فيه السري بن إسماعيل وهو متروك اه وفيه سعيد بن خيثم قال [ص:107] الذهبي: قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال الذهبي: قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال إسناده ضعيف بمرة(3/106)
2868 - (ألا أخبركم بأفضل الملائكة) قالوا: أخبرنا قال: (جبريل) نص صريح بأفضليته على الكل لكن تردد المصنف بينه وبين إسرافيل وقال: لم أقف على نقل أيهما أفضل والآثار فيهما متعارضة اه وكلامه صريح كما ترى في أنه لم يقف في ذلك على شيء وقد صرح بذلك الإمام الرازي وغيره قال المصنف في المطالب العالية: اعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم أما الأصناف فأعلاهم درجة حملة العرش المرتبة الثانية الحافون حول العرش الثالثة أكابر الملائكة منهم جبريل عليه السلام وصفاته في القرآن كثيرة وقدمه في الذكر على ميكائيل وذلك يدل أفضليته لأن جبريل صاحب الوحي والعلم وميكائيل صاحب الأرزاق والخيرات النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية ولأنه جعل جبريل ثاني نفسه فقال: {وجبريل وصالح المؤمنين} وسماه روح القدس ولأنه ينصر أولياءه ويقهر أعداءه ولأنه مدحه بصفات ست {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} ومن أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت ويجب أن يكون له شعب وأما إسرافيل عليه السلام فدلت الأخبار أنه صاحب الصور الرابعة ملائكة الجنة والنار الخامسة الموكلون ببني آدم السادسة الموكلون بأطراف العالم. إلى هنا كلامه. وذكر في تفسيره الكبير أن أشرف الملائكة جبريل وميكائيل عليهما السلام لتخصيصهما بالذكر في قوله {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} وأن جبريل أفضل من ميكائيل واحتج عليه بما تقدم وظاهر كلام الزمخشري أن جبريل عليه السلام أفضل مطلقا (وأفضل النبيين آدم) عليه السلام قاله قبل علمه بأفضلية أولي العزم عليه كذا قيل ويحتاج لثبوت هذه القبلية (وأفضل الأيام يوم الجمعة) لما سبق له من الفضائل (وأفضل الشهور شهر رمضان) الذي أنزل فيه القرآن والذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار إلى غير ذلك من فضائله التي يضيق عنها نطاق الحصر (وأفضل الليالي ليلة القدر) التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم (وأفضل النساء مريم بنت عمران) الصديقة الكبرى ثم فاطمة فهي أفضل النساء بعدها قال العلقمي: هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين اه. وإطلاقه ذلك غير مرضي بل ينبغي أن يقال إنها أفضل من حيث البضعة الشريفة والصديق أفضل بل وبقية الخلفاء الأربعة من حيث المعرفة وجموم العلوم ورفع منار الإسلام وبسط ماله من الأحكام على البسيطة كما يدل على ذلك بل يصرح به كلام التفتازاني في المقاصد حيث قال بعد ما قرر أن أفضل الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم الأربعة ورتبهم على ترتيب الخلافة ما نصه وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة سيدة نساء العالمين
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه نافع بن هرمز وأبو هرمز وهو ضعيف وقال في موضع آخر متروك(3/107)
2869 - (ألا أدلك) بكسر الكاف بضبط المصنف خطابا لمؤنث وهي الشفاء لكن ما ذكرته في سبب الحديث لا يلائمه (على جهاد لا شوكة فيه) قال: بلى قال: (حج البيت) أي الكعبة يعني إتيانها للنسك فإنه جهاد للشياطين أو المراد أن ثواب الحج يعدل ثواب الغزو مع أن ذاك فيه مشقة وهذا لا مشقة فيه
(طب عن الشفاء) جدة عثمان بن سليم أم أبيه قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريد الجهاد في سبيل الله فذكره قال الهيثمي: فيه الوليد بن [ص:108] أبي ثور وضعفه أبو زرعة وجمع وزكاه شريك(3/107)
2870 - (ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة) قال الطيبي: قوله من تحت العرش صفة كلمة ويجوز كون من ابتدائية أي ناشئة من تحت العرش وبيانية أي كائنة من تحت العرش ومستقرة فيه ومن الثانية بيانية وإذا قيل بأن الجنة تحت العرش والعرش سقفها جاز كون من كنز الجنة بدلا من تحت العرش قال: وليس ذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز بل من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان: المتعارف وهو المال الكثير المحفوظ وغيره وهو هذه الكلمة الجامعة (تقول لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أجرها مدخر لقائلها كالكنز وثوابها معد له (فيقول الله أسلم عبدي واستسلم) أي فوض أمر الكائنات إلى الله وانقاد بنفسه لله مخلصا فإن لا حول دل على نفي التدبير للكائنات وإثباته لله والعرش منصة التدبير {ثم استوى على العرش يدبر الأمر} فقوله الله جزاء شرط محذوف أي إذا قال العبد هذه الكلمة يقول الله ذلك <تنبيه> قال العارف ابن عربي: رأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا الكنز آدم عليه السلام ورأيت تحته كنوزا كثيرة أعرفها اه
(ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) وقال صحيح ولا أحفظ له علة وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده قوي اه. لكن قال الحافظ العراقي في أماليه: قد أعل بالاختلاف فيه على عمرو بن ميمون ولا مؤاخذة على الحاكم فيه فإنه نفى حفظه(3/108)
2871 - (ألا أدلك) يا أبا هريرة (على غراس هو خير) لك (من هذا) الغراس الذي تغرسه وكان قد رآه يغرس فسيلا قال: بلى قال: (تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل كلمة منها) أي من هذه الكلمات الأربع (شجرة في الجنة) قد أفاد بهذا الحديث فضل هذه الكلمات وذكر الحميدي بعد التسبيح من قبيل الترقي فقد اتفقت الأخبار على أنه يملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وذلك لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وهذه الكلمات هي الباقيات الصالحات عند جمع جم
(هـ ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أغرس فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(3/108)
2872 - (ألا أدلك) يا قيس بن سعد (على باب من أبواب الجنة) وفي رواية ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال: بلى قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها لما تضمنت براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصولة إلى الجنة والباب ما يتوصل به إلى مقصود قال أبو البقاء: يحتمل أن موضع لا حول الجر بدلا من باب أو كنز والنصب بتقدير أعني والرفع بتقدير هو
(حم ت ك) في الأدب (عن قيس بن سعد) بن عبادة الخزرجي صاحب شرطة النبي صلى الله عليه وسلم كان جوادا نبيلا سيدا من ذوي الرأي والدهاء والتقدم مات في آخر خلافة معاوية قال: دفعني أبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخدمه فمر بي وقد صليت فضربني برجله وقال: ألا أدلك فذكره قال [ص:109] الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(3/108)
2873 - (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا) من صحف الحفظة ونحوها كناية عن غفرانها (ويرفع به الدرجات) أي المنازل في الجنة أو المراد رفع درجته في الدنيا بالذكر الجميل وفي العقبى بالثواب الجزيل (إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله واستيعاب أعضاءه بالغسل (على المكاره) جمع مكرهة بمعنى الكره والمشقة يعني إتمامه بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة برد أو علة يتأذى معها بمس الماء أي من غير لحوق ضرر بالعلة وكإعوازه وتحمل مشقة طلبه أو ابتياعه بثمن غال ونحو ذلك ذكره الزمخشري (وكثرة الخطا) جمع خطوة بالضم وهي موضع القدمين وإذا فتحت تكون للمرة (إلى المساجد) وكثرتها أعم من كونها ببعد الدار أو كثرة التكرار. قال العارف ابن عربي: وهذا رفع الدرجات فإنه سلوك في صعود ومشي. قال ابن سيد الناس: وفيه أن بعد الدار عن المسجد أفضل فقد صرح به في قوله لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريبا من المسجد: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفردا في مسجد أو في بيته وقيل: أراد به الإعتكاف (فذلكم الرباط) أي المرابطة يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات فيكون جهادا أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع وأصله قول البيضاوي: المرابطة ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء قال الطيبي: فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط المحلى بلام الجنس خبرا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى {الم ذلك الكتاب} إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال: (فذلكم الرباط فذلكم الرباط) كرره اهتماما به وتعظيما لشأنه وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل: أراد ثوابه كثواب الرباط. وقال العارف ابن عربي: الرباط الملازمة من ربطت الشيء وبالإنتظار ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة فلذلك أكده بقوله ثلاثا فانظر إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءا ومشيا وانتظارا وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاثا لثلاث هذا يدلك على شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم. قال في المطامح: وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي: أتاني ربي في أحسن صورة فوضع يده بين كتفي. الحديث
(مالك حم م ت ن عن أبي هريرة) ورواه عند الشافعي أيضا(3/109)
[ص:110] 2874 - (ألا أدلكم على أشدكم) قالوا: بلى قال: (أملككم لنفسه عند الغضب) لأن من لم يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار الشيطان في أسره وتحت أمره
(طب في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا فقال: ما يصنع هؤلاء قال: يريدون الشدة فذكره قال الهيثمي: فيه شعيب بن سنان وعمران القطان وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقوله يرفعون هكذا روي بالفاء قال العسكري: والصواب يربعون بموحدة تحتية(3/110)
2875 - (ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي) قالوا: بلى يا رسول الله قال: (هم حملة القرآن) أي حفظته المداومون على تلاوته بتدبر (و) حملة (الأحاديث عني وعنهم) أي عن الأنبياء والصحابة (في الله وإليه) أي لا لغرض دنيا ولا لطمع في جاه ونحو ذلك فهؤلاء الفريقان هم خلفاء الدين وخلفاء اليقين على الحقيقة فأعظم بها من بشرى ما أسماها ومنقبة ما أعلاها
(السجزي) يعني السجستاني نسبة إلى سجستان البلد المعروفة (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (خط في) كتاب بيان (شرف أصحاب الحديث عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورواه عنه أيضا اللالكائي في السنة وأبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد(3/110)
2876 - (ألا أرقيك) يا أبا هريرة (برقية) أي أعوذك بتعويذة يقال رقيته أرقيه رقيا وعوذته بالله والاسم الرقيا فعلى والمرة رقية والجمع رقى (رقاني بها جبريل) قال: بلى. قال: (تقول بسم الله أرقيك والله يشفيك) لفظه خبر والمراد به الدعاء (من كل داء) بالمد أي مرض (يأتيك من شر النفائات في العقد) النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ مع ريق قال في الكشاف: ولا تأثير لذلك أي للسحر اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به لكن الله قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الإمتحان ليميز الثبت المحق من غيره والمراد الاستعاذة من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن به أو أنه استعاذ من فتنتهن للناس لسحرهن وما يخدعهم به من باطلهن أو استعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن (ومن شر حاسد إذا حسد) أي إذا أظهر حسده وعمل بقضيته من بغي الغوائل الحسود لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر منه يعود على المحسود بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وقد يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره والحسد الأسف على الخير عند أهل الخير أو تمني زوال نعمة الغير وختم الشرور بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس وفي الأرض من قابيل (ترقي بها ثلاث مرات) لفظ رواية الحاكم ثلاث مرار أي فإنها تنفع من كل داء إن صحبها إخلاص وصدق نية وقوة توكل. قال في المفهم: فيه أن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يفعله كل أحد وقد تأكد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتتأكد المحافظة على ذلك ففيه أسرار يدفع الله به هذا الإضرار
(هـ ك عن أبي هريرة) قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم [ص:111] يعوذني فذكره ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن أبي هريرة هكذا(3/110)
2877 - (ألا أعلمك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث بخط المصنف (كلمات) عبر بصيغة جمع القلة إيذانا بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها ونكرها تنويها بعظيم خطرها ورفعة محلها فتنوينها للتعظيم (تقوليهن (1) عند الكرب) بفتح فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيحزنه ويغمه (الله الله) برفعهما والتكرير للتأكيد (ربي لا أشرك به) أي بعبادته أي فيها (شيئا) من الخلق برياء أو طلب أجر لمن يسره أن يطلع على عمله فالمراد الشرك الخفي أو المراد لا أشرك بسؤاله أحدا غيره {إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا} وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب
(حم د هـ عن أسماء) بفتح الهمزة والمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم وبالمهملة الخثعمية من المهاجرات تزوجها علي كرم الله وجهه بعد الصديق
_________
(1) تقوليهن بحذف نون الرفع في جميع النسخ التي اطلعت عليها فإن كانت الرواية بحذفها فهو للتخفيف(3/111)
2878 - (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير) بإسقاط الباء جبل طيء وأما بإثباتها فجبل باليمن والمراد هنا الأول ذكره ابن الأثير لكن وقفت على نسخة المصنف بخطه فرأيته كتبها صبير بالباء وضبطها بفتح الصاد (دينا) قال الطيبي: يحتمل كون دينا تمييزا عن اسم كان لما فيه من الإيهام وعليك خبره مقدما عليه وأن يكون دينا خير كان وعليك حال من المستتر في الخبر والعامل معنى الفعل المقدر ومن جوز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه (أداه الله عنك) إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال: بلى قال: (قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) من الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع
(حم ت ك) في الدعاء (عن علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(3/111)
2879 - (ألا أعلمك) أيها الرجل الذي شكا إلينا هموما وديونا لزمته (كلاما إذا قلته أذهب الله تعالى همك وقضى عنك دينك) قال: بلى قال: (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت) أي دخلت في الصباح أو المساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل) هما متقاربان عند الأكثر لكن الحزن عن أمر انقضى والهم فيما يتوقع والكسل عند انبعاث النفس ذكره بعضهم وقال القاضي: الهم في المتوقع والحزن فيما وقع أو الهم حزن يذيب الجسم يقال همني الأمر بمعنى أذابني وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه فهو أبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة والعجز أصله التأخر عن الشيء من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها والكسل التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية إليه (وأعوذ بك من الجبن) أي ضعف القلب (والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين) أي استيلائه وكثرته (وقهر الرجال) غلبتهم وقال النوربشتي: [ص:112] غلبة الدين أن يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله وقهر الرجال الغلبة لأن القهر يراد به السلطان ويراد به الغلبة وأريد به هنا الغلبة لما في غير هذه الرواية وغلبة الرجال كأنه أراد به هيجان النفس من شدة الشبق وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا المعنى سبق فهمي ولم أجد في تفسيره نقلا. وقال بعضهم: قهر الرجال جور السلطان وقال الطيبي: من مستهل الدعاء إلى قوله والجبن يتعلق بإزالة الهم والآخر بقضاء الدين فعليه قوله قهر الرجال إما أن يكون إضافته إلى الفاعل أي قهر الدين إياه وغلبته عليه بالتقاضي وليس معه ما يقضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء دين من رجاله وأصحابه قال الرجل: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وغمي وقضى ديني
(د) في الصلاة (عن أبي سعيد) الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: أراك جالسا هنا في غير وقت الصلاة فقال: هموم لزمتني وديون فذكره قال الصدر المناوي: فيه غسان بن عوف بصري ضعيف(3/111)
2880 - (ألا أعلمك) يا علي (كلمات إذا قلتهن غفر الله لك) أي الصغائر (وإن كنت مغفورا لك) الكبائر قال: علمني. قال: (قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين) قال الحكيم: هذه جامعة وحده أولا ثم وصفه بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم حلم فوسعهم حلما وكرم فغمرهم بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال في تنزيله {وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} ثم قال: {ولقد عفى عنكم} هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه بالتحميد
(ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه ورواه الحاكم وقال: على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن حجر في فتاويه: أخرجه النسائي بمعناه وسنده صحيح وأصله في البخاري من طريق آخر اه. (ورواه خط) في التاريخ (بلفظ إذا أنت قلتهن وعليك مثل عدد الذر) بذال معجمة ثم راء أي صغار النمل (خطايا غفر الله لك) وهكذا رواه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه حبيب ابن حبيب أخو حمزة الزيات وهو ضعيف اه(3/112)
2881 - (ألا أعلمك خصلات) إذا عملت بهن (ينفعك الله تعالى بهن) قال: علمني فقال: (عليك بالعلم) أي الزمه تعلما وتعليما والمراد العلم الشرعي ويلحق به آلته (فإن العلم خليل المؤمن) لأنه قد خله أي ضمه إلى الإيمان فإنه لما علم اهتدى فمال إلى من آمن به ليأتمر وينتهي بنهيه والخلة لغة الضم فكذا العلم لما ظهر في صدر المؤمن وجمعه حتى لا تنتشر جوارحه في شهواته وهواه سمي خليله (والحلم وزيره) لأن الحلم سعة الصدر وطيب النفس فإذا اتسع الصدر وانشرح بالنور أبصرت النفس رشدها من غيها وعواقب الخير والشر فطابت وإنما تطيب النفس بسعة الصدر وإنما تتسع ولوج النور الإلهي فإذا أشرق نور اليقين في صدره ذهبت الحيرة وزالت المخاوف واستراح القلب وهي صفة الحلم فهو وزير المؤمن يؤازره على أمر ربه على ما يقتضيه العلم فإذا نفد الحلم ضاقت النفس [ص:113] وانفرد بلا وزير (والعقل دليله) على مراشد الأمور يبصره عيوبها ويهديه لمحاسنها ويزجره عن مساويها (والعمل قيمه) يهيء له مساكن الأبرار في دار القرار ويدبر له في معاشه طيب الحياة {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم} الآية. فالقيم شأنه أن يتوكل على الله حتى يكفيه مهماته (والرفق أبوه) فالأب له تربية ومع التربية عطف وحنو وتلطف بالولد فكذا الرفق يحوطه ويتلطف له في أموره ويعطف عليه في الراحة (واللين أخوه) فكما أن الأخ معتمد أخيه به استراحته وإذا أعيا استند إليه فاستراح فكذا اللين راحة المؤمن يهدي نفسه ويطمئن قلبه ويستريح بدنه من الحدة والشدة والغضب وعذاب النفس (والصبر أمير جنوده) لأن الصبر ثبات القلب على عزمه فإذا ثبت الأمير ثبت الجند لحرب العدو وإذا أتت النفس بلذاتها فغلبت القلب حتى تستعمل الجوارح في المنهي فقد ذهب الصبر وهو ذهاب العزم فبقي القلب أسيرا للنفس فانهزم العقل والحلم والعلم والرفق واللين وجميع جنوده الذي أعطيها
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس)(3/112)
2882 - (ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا) أي كثيرا (يعلمهن إياه) بأن يلهمه إياها ويسخر له من يعلمه ذلك (ثم لا ينسيه) الله إياهن (أبدا) قال: علمني قال: (قل اللهم إني ضعيف) أي عاجز يقال ضعف عن الشيء عجز عن احتماله (فقو في رضاك ضعفي) أي اجبره به والضعف بفتح في الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة حسيا كان ذلك كضعف الجسد أو معنويا كضعف الرأي أو قلة الاحتمال (وخذ إلى الخير بناصيتي) أي جرني إليه ودلني عليه (واجعل الإسلام منتهى رضاي) أي غايته وأقصاه (اللهم إني ضعيف فقوني وإني ذليل) أي مستهان بي عند الناس (فأعزني وإني فقير فارزقني) أي ابسط لي في رزقي وفي رواية بدله فأغنني
(طب عن ابن عمرو) بن العاص (ع ن عن بريدة) بن الحصيب قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو متروك وفي محل آخر واه ضعيف جدا انتهى وقال غيره كذاب(3/113)
2883 - (ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وتنفع من علمته) إياهن قال: علمنيهن قال: (صل ليلة الجمعة) أي ليلة جمعة كانت (أربع ركعات) أمر بالصلاة قبل الدعاء لأن طالب الحاجة يحتاج إلى قرع من بيده الأمر كله وأفضل قرع بابه بالصلاة لما فيها من تعظيم الله وتمجيده والثناء عليه والخشوع والافتقار والخضوع وغير ذلك (تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب) أي بسورة الفاتحة بتمامها (ويس) أي وبعدها تقرأ سورة يس بكمالها (وفي الثانية بفاتحة الكتاب) بتمامها (وحم الدخان) وبعدها تقرأ سورة حم الدخان بتمامها (وفي الثالثة بفاتحة الكتاب) بكمالها (وبالم السجدة) أي وتقرأ بعدها سورة السجدة (وفي الرابعة بفاتحة الكتاب) بتمامها (وتبارك المفصل) أي تقرأ بعدها سورة تبارك الذي هي من المفصل (فإذا فرغت من التشهد) في آخر الرابعة (فاحمد الله وأثن عليه) بما يستحقه من المحامد [ص:114] والثناء وظاهر هذا أن يأتي بذلك قبل السلام (وصل على النبيين) المراد بهم هنا ما يشمل المرسلين جميعا (واستغفر للمؤمنين) أي والمؤمنات كما في نظائره (ثم) بعد إتيانك بذلك (قل اللهم ارحمني بترك المعاصي) جمع معصية (أبدا ما أبقيتني) أي مدة دوام بقائك لي في الدنيا (وارحمني من أن أتكلف ما لا يعنيني) من قول أو فعل فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع) بحذف حرف النداء وهو مراد (السماوات والأرض) أي مبتدعهما يعني مخترعهما على غير مثال سبق (ذا الجلال) أي العظمة (والإكرام والعزة التي لا ترام) أي لا يرومها مخلوق لتفردك بها (أسألك يا الله يا رحمن بجلالك) أي بعظمتك (ونور وجهك) الذي أشرقت له السماوات والأرض (أن تلزم قلبي حب كتابك) يعني القرآن (كما علمتني) إياه والظاهر أن المراد تعقل معانيه ومعرفة أسراره فإن قوله كما علمتني يشير إلى أنه يدعو بذلك وهو حافظ له قائل له بلسانه فإن المراد المعرفة العلمية القلبية (وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني) بأن توفقني إلى النطق به على الوجه الذي ترضاه في حسن الأداء (وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتطلق به لساني وتفرج به كربي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك وتعينني عليه فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط) (1) بنصب مؤمن بخط المصنف
(ت طب عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب) في إيراده لأنه غايته أنه ضعيف
_________
(1) [" وما أخطأ مؤمنا قط ": أي أن فائدة هذا الدعاء لم تفشل قط في إدراك المؤمن إذا دعا به. دار الحديث](3/113)
2884 - (ألا أنبئك بشر الناس) أي بمن هو شرهم قال: بلى قال: (من أكل وحده) بخلا وشحا أن يأكل معه نحو ضيفه أو تكبرا أو تيها أن يأكل معه عياله وأولاده (ومنع رفده) بالكسر عطاءه وصلته (وسافر وحده) أي منفردا عن الرفقة (وضرب عبده) يعني قنه عبدا أو أمة (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان المتصف بهذه القبائح قال: أنبئني قال: (من) أي إنسان (يبغض الناس ويبغضونه) لدلالته على أن الملأ الأعلى يبغضه وأن الله يبغضه (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو في عداد الأشقياء (من يخشى) بالبناء للمجهول أي من يخاف الناس [ص:115] (شره ولا يرجى خيره) أي ولا يرجى الخير من جهته (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان الذي هو من أهل النيران (من باع آخرته بدنيا غيره) إذ هو أخس الأخساء وأخسر الناس صفقة وأطولهم ندامة يوم القيامة (ألا أنبئك بشر من هذا من أكل الدنيا بالدين) كالعالم الذي جعل علمه مصيدة يصطاد بها الحكام ومرقاة لمصاحبة الحكام والزاهد الذي قصد بزهده ولبسه الصوف أن يعتقد ويتبرك به فيعطي ويعظم في النفوس فمن طلب الدنيا بالدين فما أعظم مصيبته وما أطول بغيه وأقطع خزيه وخسرانه فإن الدنيا التي يطلبها بالدين لا تسلم له والآخرة تسلب منه فمن طلبها بهما خسرهما جميعا ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعا. <تنبيه> من كلماتهم البليغة: أرضى الناس بالخسار بائع الدين بالدينار
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل ورواه الطبراني من حديث ابن عباس وضعفه المنذري(3/114)
2885 - (ألا أنبئكم بخياركم) أي بالذين هم من خياركم أيها المؤمنون قالوا: بلى قال: (الذين إذا رؤوا ذكر الله) أي بسمتهم وهيئتهم لكون الواحد منهم حزينا منكسرا مطرقا صامتا تظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه لا ينظر إليه ناظر إلا كان نظره مذكرا بالله وكانت صورته دليلا على علمه فأولئك يعرفون بسيماهم في السكينة والذلة والتواضع وقال العارف ابن عربي: من تحقق بعبوديته وتستر بعبادته بحيث إذا رؤي في غاية الضعف ذكر الله عند رؤيته فذلك عندنا هو الولي فهؤلاء هم الذين إذا رؤوا ذكر الله من صبرهم على البلاء ومحنة الله لهم الظاهرة فلا يرفعون رؤوسهم لغير الله في أحوالهم فإذا رؤي منهم مثل هذه الصفة ذكر الله بكونه اختصهم لنفسه قال: ومن لا علم له بما قلنا يقول الولي صاحب الحال هو الذي له التكوين والفعل بالهمة والتحكم في العالم والقهر والسلطان وهذه كلها أوصاف فإذا رؤوا ذكر الله وهذا قول من لا يعلم ومقصود الشارع ما ذكرناه
(حم هـ) وكذا أبو نعيم (عن أسماء بنت يزيد) من الزيادة ابن السكن الأنصارية صحابية جليلة صاحبة حديث قال الهيثمي: فيه شهر بن حوشب وثقه غير واحد وضعف وبقية رجال أحد إسناديه رجال الصحيح(3/115)
2886 - (ألا) قال القاضي: حرف تنبيه يؤكد بها الجملة المصدرة بها (أنبئكم بخير أعمالكم) أي أفضلها (وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب) قال الطيبي: مجرور عطف على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم (والورق) بكسر الراء الفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) يعني الكفار (فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلونكم بسيف أو غيره (ذكر الله) لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى [ص:116] الله تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا الله وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره {قل إنما يوحى إلي أنما الهكم إله واحد} أي الوحي مقصور على استئثار الله بالوحدانية لأن القصد الأعظم من الوحي التوحيد {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} ولأمر ما تجد العارفين يؤثرونها على جميع الأذكار لما فيها من الخواص التي لا طريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق قالوا: وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد أو الغنى الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له الصدقة والقادر على الحج قيل له الحج أو من له أصلان قيل له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار وقال ابن حجر: المراد بالذكر هنا الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله شيء وأفضل الجهاد وغيره إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد وهذا الحديث يقتضي أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن وقضية الحديث المار وهو قوله أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن يقتضي عكسه فوقع التعارض بينهما وجمع الغزالي بأن القرآن أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى الله في جميع أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد مفتقرا إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى له فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى به فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب إلى الله لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هما واحدا وذكره ذكرا واحدا ليدرك درجة الفناء والاستغراق ولذلك قال تعالى: {ولذكر الله أكبر} . <تنبيه> أخذ ابن الحاج من ذلك ترك طلب الدنيا أعظم عند الله من أخذها والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شيء أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال: أحبهما إلي الذي جانب الدنيا. (تنبيه آخر) قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا: فالطريق في ذلك أولا أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ورد عليهم النظار وذوي الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة
(ت) في الدعوات (هـ) في ثواب التسبيح (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) عويمر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وسنده حسن(3/115)
2887 - (ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا) أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال الآخرة (جائعة عارية) بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار عن حالها (يوم القيامة) أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف الأعظم (ألا [ص:117] يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة) من طعام دار الرضى (ناعمة يوم القيامة) بطاعتها مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة} (ألا يا رب مكرم لنفسه) بمتابعة هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها (وهو لها مهين) فإن ذلك يبعده عن الله ويوجب حرمانه من منال حظ المتقين في الآخرة (ألا يا رب مهين لنفسه) بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة (وهو لها مكرم) يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية ولله در القائل وهو أبو إسحاق الشيرازي:
صبرت على بعض الأذى خوف كله. . . ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت
وجرعتها المكروه حتى تجرعت. . . ولو جملة جرعتها لاشمأزت
فيا رب عز ساق للنفس ذلة. . . ويا رب نفس بالتذلل عزت
وما العز إلا خيفة الله وحده. . . ومن خاف منه خافه ما أقلت
(ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله عند الله من خلاق) أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهما شرعيا كل يوم وقد فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد العزيز (ألا وإن عمل الجنة) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (حزن) ضد السهل (بربوة) بضم الراء وتفتح مكان مرتفع سمي ربوة لأنها ربت فعلت (ألا وإن عمل النار) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (سهل بسهوة) بسين مهملة أرض لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا خطر في قهر النفس وترك شهواتها (ألا يا رب شهوة ساعة) واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرم يفضي به إلى مواقعة كبيرة أو كلمة باطلة يمنع بها حقا أو يحق بها باطلا كأن يقتطع بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه (أورثت حزنا طويلا) في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من جوامع الكلم
(ابن سعد) في الطبقات (هب عن أبي البجير) بالجيم صحابي قال الذهبي: له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضا وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه(3/116)
2888 - (إياك) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره هنا باعد واتق (وكل أمر يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه. قال ذا النون: ثلاثة من أعلام الكمال: [ص:118] وزن الكلام قبل التفوه به ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار وترك إجابة السفيه حلما عنه وأخرج أحمد في الزهد عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: إياك وما يعتذر منه من القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من خير وخرج ابن عساكر عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز: احفظ عني أربعا: لا تصحب سلطانا وإن أمرته بمعروف ونهيته عن منكر ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن ولا تصلن من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلمن بكلام تعتذر منه غدا. وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم: دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فلست بموسع عذرا كل من أسمعته نكرا وهذا الحديث عده العسكري من الأمثال وقد قال جمع: بهاتين الكلمتين جميع آداب الدنيا والدين وفيه جمع لما ذكره بعض سلفنا الصوفية أنه لا ينبغي دخول مواضع التهم ومن ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر من خوفه من وجود الألم فإن دخولها يوجب سقم القلب كما يوجب الأغذية الفاسدة سقم البدن فإياك والدخول على الظلمة وقد رأى العارف أبو هاشم عالما خارجا من بيت القاضي فقال له: نعوذ بالله من علم لا ينفع
(الضياء) المقدسي (عن أنس) قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني وأوجز فذكره ورواه عنه أيضا الديلمي في مسند الفردوس وسنده حسن قال: وأخرج البخاري في تاريخه وأحمد في الإيمان والطبراني في الكبير بسند جيد عن سعد بن عبادة الأنصاري وله صحبة موقوفا انظر إلى ما يعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر بلفظ إياك وما يعتذر منه(3/117)
2889 - (إياك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (وما يسوء الأذن) قال ذلك ثلاثا والمراد احذري النطق بكلام يسوء غيرك إذا سمع عنك ذلك فإنه موجب للتنافر والتقاطع والعداوة وربما أوقع في الشرور والمراد بالأذن قوة منبثة في العصب المفروش في قعر الصماخ فيه تحذير من الغيبة لوخامة عاقبتها
(حم م عن ابن أبي الغادية) بغين معجمة في خط المصنف قال: خرجت أنا وحبيب بن الحرث وأم العلاء مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا فقالت المرأة: أوصني فذكره (أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن العاص بن عمرو الطفاوي بن حبيب (بن الحارث) قلت: يا رسول الله أوصني فذكره قال في الإصابة: العاص مجهول (طب عن عمة العاص بن عمرو الطفاوي) بضم الطاء وفتح الفاء وبعد الألف واو نسبة إلى طفاوة بطن من قيس عيلان قال: حدثتني عمتي قالت: دخلت مع ناس على النبي صلى الله عليه وسلم قلت: حدثني حديثا ينفعني الله به فذكره قال الهيثمي: فيه العاص بن عمرو الطفاوي وهو مستور روى عنه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وتمام بن السريع وبقية رجال المسند رجال الصحيح اه وقال السخاوي: هذا مرسل فالعاص لا صحبة له وقال شيخي يعني ابن حجر مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات اه ولذلك لم يذكره الذهبي في الصحابة(3/118)
2890 - (إياك وقرين السوء) بالفتح مصدر (فإنك به تعرف) أي تشتهر بما اشتهر من السوء قال تعالى: {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} ومن ثم قالوا: الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب. وقال علي كرم الله وجهه: الصاحب مناسب ما شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب. وقال بعض الحكماء: اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال آخر: يظن بالمرء لا يظن بقرينه قال عدي:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه. . . فكل قرين بالمقارن يقتدي
فمقصود الحديث التحرز من أخلاء السوء وتجانب صحبة الريب ليكون موفور العرض سليم العيب فلا يلام [ص:119] بلائمة غيره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس)(3/118)
2891 - (إياك والسمر بعد هدأة) بفتح وسكون (الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم وفي رواية الليل بدل الرجل ذكره المصنف على حاشية نسخته (1) (فإنكم لا تدرون ما يأتي الله تعالى في خلقه)
(ك) في الأدب (عن جابر) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي
_________
(1) ومراده النهي عن التحدث بعد سكون الناس وأخذهم مضاجعهم ثم علل ذلك بقوله: فإنكم(3/119)
2892 - (إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزا لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال العارف الجنيد: دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته فقال: جاءته البارحة الصبية فقالت: يا أبت هذا الكوز أعلقه لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء فقلت: لمن أنت قالت: لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز
(حم هب عن معاذ) قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد والبيهقي: رواة أحمد ثقات(3/119)
2893 - (إياك والحلوب) أي احذر ذبح شاة ذات لبن فعولة بمعنى مفعولة يقال: ناقة حلوب أي هي مما يحلب قاله لأبي التيهان الأنصاري لما أضافه فأخذ الشفرة وذهب ليذبح له وفيه قصة طويلة مشهورة في الأطعمة (1) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وخرجه الترمذي في الشمائل مطولا
_________
(1) وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعا فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال: قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا: الجوع يا رسول الله فقال: وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلا: من أكرم مني اليوم أضيافا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك فذكره وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا: الجوع يا رسول الله قال: وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلا من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا حتى شبعوا ورووا(3/119)
2894 - (إياك والخمر) أي احذر شربها (فإن خطيئتها تفرع) بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين مهملة (الخطايا) أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها (كما أن شجرتها) يعني الكرمة (تفرع الشجر) أي تطول سائر الشجر التي تتعلق بها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل [ص:120] الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أم الخبائث
(هـ عن خباب) بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس(3/119)
2895 - (إياك ونار المؤمن لا تحرقك) أي احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقا وحريق كل نار على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات (فإنه وإن عثر كل يوم سبع مرات) أراد التكثير لا التحديد وإن تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم (فإن يمينه) أي يده اليمنى (بيد الله) بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته (إذا شاء أن ينعشه) أي ينهضه ويقوي جانبه (أنعشه) أي إذا شاء أن يقيله من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك العثرة ليجدد عليه أمرا ويرفع له شأنا وقدرا إن أحدكم ليدخل الجنة بالذنب يصيبه وليست تلك عثرة رفض بل عثرة تدبير فعثرات الأولياء تتجدد لهم بها كرامات ويبرز لهم ما كان غيبا عنهم من المحبة والعطف فينعشهم بذلك
(الحكيم) الترمذي (عن الغار بن ربيعة) لم أر في الصحابة فيما وقفت عليه من اسمه كذلك فلينظر(3/120)
2896 - (إياكم) بالنصب على التحذير (والطعام الحار) أي تجنبوا أكله حتى يبرد (فإنه) أي أكله حارا (يذهب بالبركة (1) إذ الآكل منه يأكل وهو مشغول بأذية حره فلا يدري ما أكل (وعليكم بالبارد) أي الزموا الأكل منه (فإنه أهنأ) للأكل (وأعظم بركة) من الحار فإن قلت: أول الحديث ناطق بأنه لا بركة فيه وختامه يشير إلى أن في كليهما بركة لكنها في البارد أعظم فهو كالمتدافع قلت: يمكن حمل قوله أولا يذهب بالبركة على أن المراد بمعظمها لا كلها فلا تدافع
(عبدان في) كتاب معرفة (الصحابة عن بولا) بموحدة غير منسوب قال ابن حجر: الحديث إسناده مجهول كذا أورده أبو موسى بالموحدة لكن ذكره عبد الغني في المؤتلف بمثناة فوقية وهو الصواب وذكره ابن قانع بالموحدة فصحفه وأخطأ في إسناده اه ملخصا
_________
(1) قوله: يذهب بالبركة الباء للتعدية أي يذهب بمعظمها(3/120)
2897 - (إياكم والحمرة) أي اجتنبوا التزين باللباس الأحمر القاني (فإنها أحب الزينة إلى الشيطان) بمعنى أنه يحب هذا اللون ويرضاه ويعطف على من تزين به ويقرب منه وهذا تمسك به من حرم لبس الأحمر القاني كالحنفية
(طب عن عمران بن حصين) قال الديلمي: وفي الباب عبد الرحمن بن يزيد اه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي لم أعرفه وفي الآخر بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة وبقية رجالهما ثقات(3/120)
2898 - (إياكم وأبواب السلطان) أي اجتنبوها ولا تقربوا بابا منها (فإنه) يعني باب السلطان الذي هو واحد الأبواب (قد [ص:121] أصبح صعبا) أي شديدا (هبوطا) أي منزلا لدرجة من لازمه مذلا له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ هبوطا بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطا بحاء مهملة أي يحبط العمل والمنزلة عند الله تعالى. قال الديلمي: وروي خبوطا بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض اه وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك
(طب عن رجل من بني سليم) يعني به الأعور السلمي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه أيضا باللفظ المزبور عن أبي الأعور المذكور أبو نعيم والديلمي والبيهقي في الشعب(3/120)
2899 - (إياكم ومشارة الناس) في رواية مشارة بفك الإدغام مفاعلة من الشر أي لا تفعل بهم شرا تحوجهم إلى أن يفعلوا بك مثله (فإنها تدفن الغرة) بغين معجمة مضمومة وراء مشددة الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس وكل شيء ترتفع قيمته فهو غرة (وتظهر العرة) بعين مهملة مضمومة وراء مشددة وهي القذر استعير للعيب والدنس ورأيت بخط الحافظ ابن حجر في اللسان العورة بدل العرة قال رجل للأعمش: كنت مع رجل فوقع فيك فههمت به فقال: لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئا وقيل لبعضهم: فلان يبغضك قال: ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال مالك لمطرف: ما تقول في الناس قال: الصديق يثني والعدو يقع قال: وما زال الناس هكذا عدو وصديق لكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها
(هب عن أبي هريرة) ظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه تفرد به الوليد بن سلمة الأردني وله من مثال هذا أفراد لم يتابع عليها اه والوليد هذا أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: تركه الدارقطني ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني محمد بن الحسن بن هديم لم أعرفه(3/121)
2900 - (إياكم والجلوس) أي احذروا ندبا القعود (على) في رواية في (الطرقات) يعني الشوارع المسلوكة وفي رواية الصعدات بضمتين وهي كالطرقات وزنا ومعنى وذلك لأن الجالس بها قلما سلم من رؤية ما يكره أو سماع ما لا يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغير ذلك مما قد يضعف القاعد عليها عن إزالته فقالوا: ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال: (فإن) وفي رواية فإذا (أبيتم) من الإباء (إلا) بالتشديد (المجالس) بفتح الميم مصدر ميمي أي إن امتنعتم إلا عن الجلوس في الطريق كأن دعت حاجة فعبر عن الجلوس بالمجالس وفي رواية فإن أتيتم إلى المجالس بالمثناة وبإلى التي للغاية (فأعطوا) بهمزة قطع (الطريق حقها) أي وفوها حقوقها الموظفة على الجالس فيها قالوا: يا رسول الله وما حق الطريق قال: (غض) وفي رواية لأحمد غضوض قال أبو البقاء: جمع غض وجاز أن يجمع المصدر هنا لتعدد فاعليه ولاختلافه قال: ويجوز أن يكون واحدا كالقعود والجلوس (البصر) أي كفه عن النظر إلى المحرم (وكف الأذى) أي الامتناع مما يؤذي المارة من نحو إزراء وغيبة (ورد السلام) على المسلم من المارة إكراما له (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإن ظن أن ذلك لا يفيد أي ونحو ذلك كإغاثة ملهوف وتشميت عاطس وإفشاء سلام وغير ذلك من كل ما ندبه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات وزاد أبو داود وإرشاد السبيل والطبراني وإغاثة الملهوف والنهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق واحتج به من قال إن سد الذرائع أولوي لا لزومي لأنه أولا نهى [ص:122] عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا لا بد لنا منه فسح لهم فيه بشرط أن يعطوا الطريق حقها
(حم د ق عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة وغيره(3/121)
2901 - (إياكم والظن) أي احذروا اتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي: وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق انتهى وقال العارف زروق: إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عدوه. . . وأصبح في ليل من الشك مظلم
(فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس فإنه لزيادة تمكن المسند إليه في ذكر السامع حث على الاجتناب (أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان واستشكل تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقته الواقع قولا أو غيره أو ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا. قال الغزالي: من مكائد الشيطان سوء الظن بالمسلمين {إن بعض الظن إثم} ومن حكم بشيء على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو ينظر إليه بعين الإحتقار ويرى نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات ولذلك منع الشرع من التعرض للتهم. <تنبيه> قال الراغب: الظن إصابة بضرب من الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقرب تارة من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة مبهما والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن تخمين لم يعتمد وذم به {إن بعض الظن إثم} اه (ولا تجسسوا) بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي: التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري: التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله أو امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني أعم (ولا تنافسوا) بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به ومنه {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وروي تناجشوا من النجش. قال القاضي: التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة (ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة: المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون [ص:123] خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره. قال في العارضة: التدابر أن يولي كل منهم صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم: والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوا صرتم أعداء (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه) بكسر الخاء بأن يخطب امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقا (حتى ينكح أو يترك) أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما إذا كان الخاطب مسلما فإن كان كافرا لم تحرم لكن الجمهور على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقا لكن له شروط مبينة في الفروع. <تنبيه> أخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم
(مالك) في الموطأ (حم ق) في الأدب (د ت عن أبي هريرة)(3/122)
2902 - (إياكم والتعريس) أي النزول آخر الليل لنحو نوم (على جواد الطريق) بتشديد الدال جمع جادة أي معظم الطريق والمراد نفسها (والصلاة عليها) أي الطريق يعني فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن) أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم الجالبة لذلك والمصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي
(هـ عن جابر) بن عبد الله سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه: هذا الحديث معلل بأمرين: الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به والثاني أن فيه انقطاعا لكن رواه البزار مختصرا بسند على شرط مسلم اه. وقال الولي العراقي: فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح(3/123)
2903 - (إياكم والوصال) أي اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها. قال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما قالوا: فإنك تواصل قال: (إنكم لستم في ذلك مثلي) أي على صفتي أو منزلتي من ربي (إني أبيت) في رواية أظل والبيتوتة والظلول يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند ربي دائما أبدا وهي عندية تشريف (يطعمني ربي ويسقيني) حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازا عما يغذيه الله به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهرا [ص:124] لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفوا صفوا فقلما تراه مجموعا في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب (فاكلفوا) بسكون فضم احملوا (من العمل ما تطيقون) بين به وجه حكمة النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله والخضوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة وشدة الجوع تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور على أن الوصال للنبي مباح وقال الإمام: قربة وفي المطلب أن خصوصيته به على كل أمته لا على كل فرد فرد فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال وقال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما
(ق عن أبي هريرة)(3/123)
2904 - (إياكم) نصب على التحذير (وكثرة الحلف في البيع) أي توقوا إكثاره فهو للزجر والتحذير على حد إياك والأسد أي باعد نفسك عنه واحذره وتقييده بالكثرة يؤذن بأن المراد النهي عن إكثار الأيمان ولو صادقة لأن الكثرة مظنة الوقوع في المكذب كالواقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه مع ما فيه من ذكر الله لا على جهة تعظيمه بل تعظيم السلعة فالحلف لها لا له أما الكاذبة فحرام وإن قلت (فإنه) تعليل لما قبله (ينفق) أي يروج البيع (ثم يمحق) بفتح حرف المضارعة أي يذهب بركته بوجه ما من تلف أو صرف فيما لا ينفع. قال الطيبي: ثم للتراخي في الزمن يعني وإن أنفق اليمين المبيع حالا فإنه يذهب بالبركة مآلا ويحتمل كونها للتراخي في الرتبة أي إن محقه لبركته أبلغ حينئذ من الإنفاق والمراد من محق البركة عدم النفع به دنيا أو دينا حالا أو مآلا أو أعم
(حم م ن هـ) كلهم في البيع (عن أبي قتادة) الأنصاري ولم يخرجه بهذا اللفظ البخاري(3/124)
2905 - (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول (على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ذكر الغزالي أن راهبا من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان: اسجد لي تنج فسجد له فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
(حم ق ت عن عقبة بن عامر) وتمام الحديث قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو قال: الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه(3/124)
[ص:125] 2906 - (إياكم والشح) الذي هو قلة الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل بالمعاصي كما سبق (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالشح) كيف وهو من سوء الظن بالله (أمرهم بالبخل فبخلوا) بكسر الخاء (وأمرهم بالقطيعة) للرحم (فقطعوها) ومن قطعها قطع الله عنه رحمته وإفضاله (وأمرهم بالفجور) أي الميل عن القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي (ففجروا) أي أمرهم بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان {أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا} ومن ثم ورد لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الماوردي: وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذما: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول
(د ك) في الزكاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي(3/125)
2907 - (إياكم والفتن) أي احذروا وقعها والقرب منها (فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) فإنه يؤدي إلى وقع السيف بآخرة
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي ضعفوه(3/125)
2908 - (إياكم والحسد) وهو كما قال الحرالي: قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له ومن ثم قال: (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات. <تنبيه> قال الغزالي: الحاسد جمع لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة فقصد محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة. . . طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت. . . ما كان يعرف طيب نشر العود
(د) في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده (عن أبي هريرة) وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال: لا يصح(3/125)
2909 - (إياكم والغلو في الدين) أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها [ص:126] وغوامض متعبداتها (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالغلو في الدين) والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية: قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن بقوله تعالى: {لا تغلوا في دينكم} وسبب هذا الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك
(حم ن هـ ك عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن منيع والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم(3/125)
2910 - (إياكم والنعي) بفتح فسكون وهو خبر الموت (فإن النعي من عمل الجاهلية) كانوا إذا مات منهم ذو قدر ركب منهم إنسانا فرسا ويقول نعاه أي كنزال فلانا أي انعه وأظهر خبر موته فهذا إذا وقع على وجه النوح يكون حراما وأما الإعلام بموته من غير نوح فلا بأس به
(ت عن ابن مسعود) قال عبد الحق: روي مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه ابن القطان بما محصوله أنه ضعيف كيفما كان لكن رواية الرفع ضعف وممن بين ضعفه مطلقا الترمذي نفسه نعم روى الترمذي بسند صحيح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي(3/126)
2911 - (إياكم والتعري) أي التجرد عن اللباس وكشف العورة حرام إن كان ثم من يحرم نظره إليه وأما إن كان في خلوة فإن كان لغرض جاز وإن كان لغير غرض حرم كشف السوءتين فقط (فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله) أي يجامع حليلته يريد الكرام الكاتبين (فاستحيوهم) أي استحيوا منهم (وأكرموهم) بالتستر بحضرتهم وعدم هتك حرمتهم
(ت) في الاستئذان (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال حسن غريب قال ابن القطان: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه ليث بن أبي سليم والترمذي نفسه دائما يضعفه ويضعف به(3/126)
2912 - (إياكم وسوء ذات البين) أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد والبين من الأضداد الوصل والفراق (فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب أو المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي قتل مأخوذ من حلق الشعر وقال الزمخشري: الحالقة قطيعة الرحم والتظالم لأنها تجتاح الناس وتهلكهم كما يحلق الشعر يقال: وقعت فيهم حالقة لم تدع شيئا إلا أهلكته اه
(ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال: صحيح غريب انتهى وفيه عبد الله بن جعفر المخزومي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة وقال ابن حبان: يستحق الترك(3/126)
2913 - (إياكم والهوى فإن الهوى يصم ويعمي) قال الحرالي: الهوى نزوع النفس إلى سفل شهواتها مقابلة معتلي الروح لمنبعث الإنبساط لأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار وكان العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علوا وسفلا قاله الحرالي وقال القاضي: الهوى ميل النفس إلى ما تشتهيه والمراد هنا الاسترسال في الشهوات ومطاوعة النفس في كل ما تريد وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا [ص:127] إلى الداهية وفي الآخرة إلى الهاوية قال العارف الجنيد: أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق فقال: إلي الساعة قلت: من غير موعد قال: بلى سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك. قلت: قد فعل قال: متى يصير داء النفس دواءها قلت: إذا خالف هواها قال: يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف اه وقال الماوردي: الهوى عن الخير صاد وللعقل مضاد ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهتوكا ومدخل الشر مسلوكا
(السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عباس)(3/126)
2914 - (إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا) إما شك من الراوي وإما لأن الحق غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب (ومن تقول) بشد الواو (علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له نزلا أي بيتا فيها ومن ثم كان أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم الله وجهه: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم أسمعه
(حم هـ ك عن أبي قتادة) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه(3/127)
2915 - (إياكم ودعوة المظلوم) أي احذروا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كانت من كافر فإنه) أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة (ليس لها حجاب دون الله عز وجل) يعني أنها مستجابة قطعا وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي: الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا لضعيف لا يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا
(سمويه عن أنس) وله شواهد كثيرة سبقت ويجيء كثير منها(3/127)
2916 - (إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اه. وإن الله يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلا زيادة في التوضيح فقال: (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي: تصير الصغيرة [ص:128] كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله وكلما استصغره عظم عند الله لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم: إذا استخف بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل شيء بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان إلى كل شيء في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على قدره فيصير قلبه محجوبا عن الله فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك حتى يستوجب الحرمان
(حم طب هب والضياء) المقدسي كلهم (عن سهل ابن سعد) قال الهيثمي: كالمنذري رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة(3/127)
2917 - (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة) ذكر الأرض أو الفلاة مقحم (فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما فيها) قال الغزالي: وتواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر قال العلائي: أخذ من كلام حجة الإسلام أن مقصود الحديث الحث على عدم التهاون بالصغائر ومحاسبة النفس عليها وعدم الغفلة عنها فإن في إهمالها هلاكه بل ربما تغلب الغفلة على الإنسان فيفرح بالصغيرة ويتحجج بها ويعد التمكن منها نعمة غافلا عن كونها وإن صغرت سبب للشقاوة حتى أن من المذنبين من يتمدح بذنبه لشدة فرحه بمفارقته فيقول أما رأيتني كيف مزقت عرضه ويقول المناظر: أما رأيتني كيف فضحته وذكرت مساوئه حتى أخجلته وكيف استخففت به وحقرته ويقول التاجر: أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته وغبنته وذلك وأمثاله من المهلكات
(حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمران القطان وقد وثق اه وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد وقال العلائي: حديث جيد على شرط الشيخين وقال ابن حجر سنده حسن(3/128)
2918 - (إياكم ومحادثة النساء) أي الأجانب (فإنه) أي الشأن (لا يخلو رجل بامرأة) أجنبية بحيث تحتجب أشخاصهما عن أبصار الناس والحال أنه (ليس لها محرم) أي حاضر معهما (إلا هم بها) أي بجماعها أو بتعاطي مقدماته فيحرم ذلك تحرزا من مظان الفتنة ومواقع الشبهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال الغزالي: قال إبليس لموسى عليه السلام: أريد أن أتوب اشفع لي إلى ربك فأوحى إليه مره أن يسجد لقبر آدم عليه السلام ليتاب عليه فاستكبر [ص:129] وقال: لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال إبليس: يا موسى لك علي حق بما شفعت لي فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن حين تغضب فإن وجهي في قلبك وعيني في عينك وحين الزحف فإني أذكر للمجاهد ولده وزوجته حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست ذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها
(الحكيم) الترمذي (في كتاب أسرار الحج عن سعد بن مسعود) في الصحابة متعدد سعد بن مسعود الأنصاري وسعد بن مسعود الثقفي وسعد بن مسعود الكندي فكان ينبغي تمييزه(3/128)
2919 - (إياكم والغيبة) التي هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة أو بالقلب كما في الإحياء (فإن الغيبة أشد من الزنا) أي من إثمه (إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه) وهيهات أن يغفر له فقد اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلا: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها فكيف أمحوها قال الغزالي: والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقا فهو يرمي به حسناته شرقا وغربا ويمينا وشمالا وقد قيل للحسن: اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت إلي بعض حسناتك فأحببت مكافأتك وقال ابن المبارك: لو كنت مغتابا لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي قال الغزالي: العجب ممن يطلق لسانه طول النهار في الأعراض ولا يستنكر ذلك مع قوله هنا أشد من الزنا فيجب على من لم يمكنه كف لسانه في المحاورات العزلة فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكون مع المخالطة اه وقد نقل القرطبي الإجماع على أنها كبيرة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة) وفي الصمت (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني في التوبيخ وابن حبان في الضعفاء وابن مردويه في التفسير كلهم (عن جابر) بن عبد الله (وأبي سعيد) الخدري ورواه الطبراني عن جابر بلفظ الغيبة أشد من الزنا والباقي سواء قال الهيثمي: وفيه عباد بن كثير متروك(3/129)
2920 - (إياكم والتمادح) وفي رواية والمدح (فإنه الذبح) لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى وفي رواية فإنه من الذبح وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح فلذلك شبه به قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم وطلبه للشكر ظلم وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير وأما ما مدح به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أرشد إلى ما يجوز من ذلك بقوله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى اه. ويستثنى منه أيضا ما جاء عن المعصوم كالألفاظ التي وصف بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كقوله نعم العبد عبد الله
(هـ عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والحارث والديلمي(3/129)
2921 - (إياكم) وفي رواية إياكن وهو ظاهر لأنه وقع خطابا لنساء عثمان بن مظعون لما مات كما في النهاية وغيرها (ونعيق الشيطان) يعني الصياح والنوح وأضيف للشيطان لأنه الحامل عليه (فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان) أي هو الآمر والموسوس به وهو مما يحبه ويرضاه ولفظ رواية [ص:130] مسند أحمد إياكن ونعيق الشيطان وهو من عنقه إذا أخذ بعنقه وعصر في حلقه ليصيح فجعل صياح النساء عند المصيبة مسببا عن الشيطان لحمله لهن عليه
(الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) وفيه علي بن زيد بن جدعان وقد سبق بيان حاله ورواه عن أنس أيضا أحمد وابن منيع والديلمي(3/129)
2922 - (إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين) أي المدفون في البدن فالقعود فيها منهي عنه إرشادا لضرره وقد صرح بذلك جمع من الأطباء وقال الحارث بن كلدة: إياكم والقعود في الشمس فإن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم أربعين يوما ثم أنتم وهي سائر السنة
(ك) في الطب من حديث محمد ابن زياد الطحان عن ميمون بن مهران (عن ابن عباس) وتعقب الذهبي على الحاكم بأنه من وضع الطحان انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه(3/130)
2923 - (إياكم والخذف) بخاء وذال معجمتين أن تأخذ حصاة أو نواة بين سبابتيك وترمي بها (فإنها) أي هذه الفعلة (تكسر السن وتفقأ العين ولا تنكي العدو) نكاية يعتد بها
(طب عن عبد الله بن مغفل) قال الهيثمي: فيه الحسن بن دينار وهو ضعيف لكن معناه في الصحيح ورواه عنه أيضا الدارقطني وزاد بيان السبب وهو أنه رأى رجلا يخذف فنهاه ثم ذكره(3/130)
2924 - (إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال يذهب البهاء عن الوجه ويقطع الرزق) يعني يقلله ويقطع كثرة بركته (ويسخط الرحمن) أي يغضبه (والخلود) أي وفيه الخلود (في النار) أي نار جهنم أي إن استحله وهو زجر وتهويل وليس على ظاهره ويكفي في قبحه أنه مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأفضحها وأشنعها وأمر أن يشهد المؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن بعض البهائم يستقبحه ففي البخاري عن عمرو بن ميمون: رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة فاجتمع عليهما القردة فرجموهما حتى ماتا
(طس عد) عن إسحاق بن أحمد بن جعفر عن محمد بن إسحاق البكائي عن الحكم بن سليمان عن عمرو بن جميع عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عمرو بن جميع وهو متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع من حديث ابن عدي هذا وقال: فيه عمرو بن جميع كذاب انتهى فتعقبه المؤلف بأن الطبراني خرجه ولم يزد على ذلك وهو تعقب أوهى من بيت العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند الطبراني أيضا فما الذي ضعفه(3/130)
2925 - (إياكم والدين) بفتح الدال (فإنه هم بالليل) لأن اهتمامه بقضائه والنظر في أسباب أدائه يسلبه لذة نومه (ومذلة بالنهار) [ص:131] فإنه يتذلل لغريمه ليمهله هذا تحذير شديد عن إرتكاب الدين لا سيما لمن لا يرجو له وفاء وقيل الدين قد يعدم الدين
(هب عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن شهاب قال الذهبي: ضعفوه ورواه عنه أيضا الديلمي(3/130)
2926 - (إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم) فكان من الكافرين قال ابن عطاء الله: كان الشاذلي يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله تعالى حتى أنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل به وعاص فأكرمه لأن ذلك الطائع جاء وهو متكبر بعمله والعاصي دخل بكثرة معصيته وذلة مخالفته ومن ثم قال بعض العارفين: العاصي الذليل الحقير خير من الطائع المتكبر المعجب بنفسه ومعصية أورثت ذلا واحتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا (وإياكم والحرص) وهو كما قال الماوردي: شدة الكد والاسراف في الطلب قال: وهو خلق يحدث عن البخل (فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة) فأخرج من الجنة فإنه حرص على الخلد في الجنة فأكل منها بغير إذن ربها طمعا فيها فالحرص على الخلد أظلم عليه فلو انكشفت عنه ظلمته لقال كيف أظفر بالخلد فيها مع أكلي منها بغير إذن ربي ففي ذلك الوقت حصلت الغفلة منه فهاجت من النفس شهوة الخلد فيها فوجد العدو فرصته فخدعه حتى صرعه فجرى ما جرى قال الخواص: الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا تتوهم أن أحدا يكذب ولا يحلف كاذبا فلذلك صدق من قال له أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصا على عدم خروجه من حضرة ربه الخاصة ونسي النهي السابق فانكشف له ستر تنفيذ احذار ربه فكانت السقطة في استعجاله بالأكل من غير إذن صريح فلذلك وصفه الله تعالى بأنه كان ظلوما جهولا حيث اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك ولذلك قال: {خلق الإنسان من عجل} {وكان الإنسان عجولا} اه قال العارف ابن أدهم: قلة الحرص والطمع يورث الصدق والورع وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجذع قال الماوردي: الحرص والشح أصلا كل ذم وسببا كل لوم لأن الشح يمنع من أداء الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق فأما الحرص فيسلب كل فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من العبادة لتشاغله عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها فهذه ثلاث خصال هن جامعات للرذائل مانعات للفضائل مع أن الحريص لا يستزيد بحرصه على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه. وقال بعض الحكماء: الحرص مفسدة في الدين والمروءة والله ما عرفت في وجه رجل حرصا فرأيت أن فيه مصطنعا وقال آخر: المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشدة والمكالبة وليس للحريص غاية مطلوبة يقف عنها ولا نهاية محدودة يقنع بها لأنه إن وصل بالحرص إلى ما أمله أغراه ذلك بزيادة الحرص والأمل وإلا رأى إضاعة العناء لوما والصبر عليه حزما وصار لما سلف من عني به أقوى رجاء وأبسط أملا ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله لعلم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بما قسم (وإياكم والحسد فإن ابني آدم) قابيل وهابيل (إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا (1) فهو) أي الكبر والحرص والحسد (أصل كل خطيئة) فجميع الخطايا تنشأ عنها والكبر منازعة الذات المتعالية في الصفة التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياها فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله وفي الآخرة نار الله والحرص مسابقة قدر الله ومن سبق القدر سبق [ص:132] وهو مغالبة الحق تقدس ومن غالبه غلب فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة النيران والحسد تسخط قضاء الله فيما لا عذر للعبد فيه فعقوبته في الدنيا الغيظ الشديد وفي الآخرة نار الوعيد وخص هذه الثلاثة بالذكر لأنها أصول الشر قال الحرالي: أصول الشر ثلاثة الكبر الذي كان سبب بلاء إبليس والحرص الذي كان سبب بلاء آدم عليه السلام من الشجرة والحسد الذي كان سبب قتل قابيل هابيل وقال أبو حاتم: أحيد الموت خوفا من ثلاثة أشياء الكبر والحرص والخيلاء فإن المتكبر لا يخرجه الله من الدنيا حتى يريه الهوان من أرذل أهله وخدامه والحريص لا يخرجه من الدنيا حتى يحوجه إلى كسرة أو شربة والمختال لا يخرجه منها حتى يمرغه ببوله وقذره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود)
_________
(1) قال البيضاوي: أوحى الله إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأم الآخر فسخط منه قابيل لأن أخته كانت أجمل فقال لهما آدم: قربا قربانا فمن أيهما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل(3/131)
2927 - (إياكم والطمع) الذي هو انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس (فإنه هو الفقر الحاضر) والحر عبد إن طمع والعبد حر إن قنع وقد قال علي كرم الله وجهه في قوله تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} إنها القناعة وقال حكيم: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع وقال بشر: لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز لكفى وقال الشافعي: من غلبت عليه شهوة الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع وقال العارف المرسي رضي الله عنه: أردت أن أشتري شيئا ممن يعرفني وقلت: لعله يحابيني فنوديت السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين وقال: الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدا (وإياكم وما يعتذر منه) أي قوا أنفسكم الكلام فيما يحوج إلى الاعتذار كما سبق. (تتمة) قال بعض العارفين: الطمع طمعان طمع يوجب الذل لله وهو إظهار الإفتقار وغايته العجز والإنكسار وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية وطمع يوجب الذل في الدارين أي وهو المراد هنا وهو رأس حب الدنيا وحب الدنيا رأس كل خطيئة والخطيئة ذل وخزي وحقيقة الطمع أن تعلق همتك وقلبك وأملك بما ليس عندك فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود وألقي فيها بذر الطمع بسقت أغصانها بالذل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت
(طس) وكذا العسكري (عن جابر) قال الهيثمي: فيه ابن أبي حميد مجمع على ضعفه(3/132)
2928 - (إياكم والكبر) فإنما أهلك إبليس الكبر قال: أنا خير منه وإنما كملت فضائل آدم عليه السلام باعترافه على نفسه (فإن الكبر يكون في الرجل) أي الإنسان (وإن عليه العباءة) من شدة الحاجة وضنك المعيشة وقلة الشيء ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وماله وما ينبغي لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يتكبر وقيل لحكيم: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها قال: التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه عليه قال: الكبر وقيل التواضع مع الجهل والبخل أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء وقيل في بخيل متكبر:
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما. . . تيه الملوك وأفعال المماليك
قيل: أست في الماء وأنف في السماء
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله ثقات(3/132)
2929 - (إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين) الثوم والبصل (أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا) فإن الملائكة تتأذى بريحهما (فإن كنتم لا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار قتلا) هذا مجاز من باب قوله يميتون الصلاة لكنه عكسه فإن إحياء الصلاة أداؤها [ص:133] لوقتها وإماتتها إخراجها عنه فحياة البقلتين عبارة عن قوة ريحهما عند طراوتهما وموتهما إزالة تلك الريح الكريهة بالنضج قال النوربشتي: وألحق بهما ما له ريح كريهة من كل مأكول وألحق به عياض من به بخر أو جرح له ريح وألحق بالمسجد نحو مدرسة ومصلى عيد من مجامع العبادات والعلم والذكر والولائم لا الأسواق ونحوها ذكره القاضي قال العراقي: وهل المراد بطبخهما استعمالهما في الطعام بحيث لا يبقى عينهما أو نضجهما مع بقائهما بحالهما؟ الأقرب الثاني
(طس عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون(3/132)
2930 - (إياكم والعضه) بفتح العين وسكون الضاد المعجمة على الأشهر هي (النميمة القالة بين الناس) أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بينهما فيما يحكى للبعض عن البعض وقيل القالة بمعنى المقولة وزعم بعضهم أن القالة هنا جمع وهم الذين ينقلون الكلام ويوقعون الخصومة بين الناس ومن ثم قيل اجعل كلام الواشي ريحا تستريح وتريح قال أبو تمام:
ومن يأذن إلى الواشين يسلق. . . مسامعه بألسنة حداد
وقال المتنبي:
لقد أباحك غشا في معاملة. . . من كنت معه بغير الصدق تنتفع
وقال العارف الشعراني رضي الله عنه: قال لي الشيخ عبد الحق السنباطي رضي الله تعالى عنه: إذا قل عمل عبد ونقصت درجاته وأراد الله رفعهما أوقع العلماء العاملين في الغيبة فيه فتنقلب أعمالهم التي تعبوا فيها طول عمرهم في صحائفه فيأخذ منها بقدر مظلمته فيصبح أعلى مقاما منهم من حيث لا يشعر ولا يشعرون
(أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه(3/133)
2931 - (إياكم والكذب) فإن جريمته عظيمة وعاقبته وخيمة فإن العبد إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه الله وكذبه إيمانه من قلبه لأنه إذا قال لما لم يكن أنه كان فقد زعم أنه تعالى خلقه ولم يكن خلقه فقد افترى على الله فيكذبه إيمانه فلذلك قال: (فإن الكذب مجانب للإيمان) بنص القرآن فإنه سبحانه علل عذاب المنافقين به في قوله: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي تجنبه لمنافاته لوصف الإيمان والتصديق روى ابن عبد البر في التمهيد أن عبد الله بن جراد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك قال: هل يكذب؟ قال: لا. ومن آفات الكذب أنه يضيق الرزق فقد روى أبو الشيخ [ابن حبان] في الطبقات عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: الكذب ينقص الرزق
(حم وأبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ وابن لال في مكارم الأخلاق) وابن عدي في الكامل (عن أبي بكر الصديق) رضي الله عنه قال: قام فينا خطيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أول ثم بكى وقال: إياكم والكذب إلخ قال الزين العراقي: وإسناده حسن اه. وقال الدارقطني في العلل: الأصح وقفه ورواه ابن عدي من عدة طرق ثم عول على وقفه(3/133)
2932 - (إياكم والالتفات في الصلاة فإنها) وفي رواية فإنه (هلكة) قال الراغب: الهلاك افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود ومنه {هلك عني سلطانيه} وهلاك الشيء استحالته وفساده كقوله {ويهلك الحرث والنسل} والموت نحو [ص:134] {إن امرؤ هلك} والهلكة في الحديث من القسم الثاني لاستحالة كمال الصلاة بالالتفات اه. والالتفات في الصلاة بالصدر بحيث يخرج عن سمت القبلة حرام مبطل لها وبالوجه بلا حاجة مكروه تنزيها على الأصح عند أئمتنا الشافعية كالجمهور ولأن فيه ترك الاستقبال ببعض البدن وقال المتولي كالظاهرية: يحرم بلا ضرورة وقد ورد في كراهة الالتفات صريحا عدة أحاديث منها خبر أحمد وغيره لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف فإن كان الالتفات لحاجة لم يكره للاتباع رواه مسلم عن جابر والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث بكر الأسود عن الحسن
(هق عن أبي هريرة) ثم قال أعني العقيلي لا يتابع على هذا اللفظ قال وفي النهي عن الالتفات أحاديث صالحة كذا في لسان الميزان عنه وفيها بكر هذا قال البخاري: عن يحيى بن كثير كذاب وضعفه النسائي وغيره وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في اقتصاره على العزو للعقيلي واقتطاعه من كلامه ما عقب به الخبر من بيان حاله الموهم أنه خرجه وأقره لم يصب في إيثاره الطريق المعلول على الطريق الصالحة التي أشار إليها العقيلي نفسه وأعجب من ذلك أنه اقتصر على العزو للعقيلي من كلامه فإنه أوهم أنه لا يوجد لأحد من الستة وقد خرجه الترمذي عن أنس مرفوعا بأتم من هذا ولفظه إياكم والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة اه بحروفه ثم قال الترمذي حديث حسن فعدول المصنف عنه تقصير أو قصور(3/133)
2933 - (إياكم والتعمق في الدين) أي الغلو فيه وادعاء طلب أقصى غاياته (فإن الله تعالى قد جعله سهلا فخذوا منه ما تطيقون فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا) أي ولا يحب العمل المتكلف غير الدائم وإن كان كثيرا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض المتعمقين وكان الصحب أقل الأمة تكلفا اقتداءا به ودين الله بين الغالي والجافي خير الناس النميط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين قال الحرالي: محصول الحديث أن الدين مع سهولته ويسرته شديد لن يشاده أحد إلا غلبه والأحكام مع وضوحها قد تخفى لما في تنزيل الكليات على الجزئيات من الدقة إذ الجزء الواحد قد يتجاذبه كليات فأكثر فلا يجردها من مواقع الشبه إلا من نور الله بصيرته
(أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمر) بن الخطاب(3/134)
2934 - (إياي) فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ عند النحاة كذا قيل قال ابن حجر: ويظهر أن الشذوذ في لفظه وإلا فالمراد بالتحقيق تحذير المخاطب فكأنه حذر نفسه بالأولى ليكون أبلغ ونحو نهي المرء نفسه ومراده نهي من يخاطبه (والفرج) أي دعني من الفرج (يعني في الصلاة) والمراد اتركوا إهمالها واصرفوا همتكم إلى سدها وظاهر أن قوله يعني إلخ من كلام الراوي أو المصنف لا من الحديث فتسوية الفرج من مندوبات الصلاة المؤكدة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات(3/134)
2935 - (إياي أن تتخذوا) أي دعوني من اتخاذ (ظهور دوابكم منابر) يعني اتركوا جلوسكم عليها وهي واقفة كما تجلسون على المنابر فإن ذلك يؤذيها (فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل [ص:135] لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم) والنهي مخصوص باتخاذ ظهورها مقاعد لغير حاجة أما لحاجة لا على الدوام فجائزة بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب على ناقته وهي واقفة
(د عن أبي هريرة) قال ابن القطان: ليس مثل هذا الحديث يصح لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة ولا يعرف له حال ثم قيل هو رجل واحد وقبل رجلان وكيفما كان فحاله أو حالهما مجهولة فمثله لا يصح(3/134)
2936 - (أيام التشريق) وهي الثلاثة بعد يوم العيد سميت به لأن لحم الأضاحي يشرق فيها بمنى أي يقدد ويبرز للشمس وقيل يوم العيد من أيام التشريق فتكون أربعة وعلى الأول لم يعد يوم النحر منها لأن له اسما خاصا وإلا فالمعنى المقدر يشمله وهو المذكور في قوله (أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها هكذا ذكره بعض الشراح لكن حكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه إنما هو بالفتح فحسب واستشهد بقوله سبحانه وتعالى: {فشاربون شرب الهيم} وأقره التاج السبكي وقال أبو البقاء: الأفصح الأقيس فتح الشين وهو مصدر كالأكل وأما ضمها وكسرها ففيه لغتان في المصدر أيضا والمحققون على أن الضم والكسر اسمان للمصدر لا مصدر (وذكر الله) أي أيام يأكل الناس فيها ويشربون ويذكرون فإضافة الأيام إلى الأكل والشرب والذكر إضافة تخصيص قال الأشرفي: وعقب الأكل والشرب يذكر الله لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حقوق الله وقال الطيبي: هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا للدعة والأكل والشرب لأن الناس في هذه الأيام ينبسطون فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة قول الشاعر:
فسقي ديارك غير مفسدها. . . صوب السحاب وديمة تهمي
وقال جمع: إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للمضيف أن يصوم دون إذن من أضافه كذا علله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فيما رواه عن البيهقي بسند مقبول واقتفاه في ذلك أكابر الأئمة فقالوا: سر ذلك أنه تعالى دعى عباده إلى زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه ومبلغ طاقته وذبحوا هديهم فقبله منهم واتخذ لهم منه ضيافة ونصب لهم مائدة جمعهم عليها وأطعمهم مما تقربوا به إليه والضيافة ثلاثة أيام فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام وسنة الملوك أنهم إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فقال: {فكلوا منها وأطعموا} ومذهب الشافعي أن صوم التشريق حرام ولا ينعقد وحرمه أبو حنيفة وعقده وجوزه مالك وأحمد للمتمتع العادم للهدي
(حم م) في الصوم (عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة وياء تحتية وشين معجمة وهو ابن عبد الله الهذلي قال ابن حجر: صحابي قليل الحديث ويقال له نبيشة الخير ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن نبيشة شيئا قال المصنف: وهذا متواتر(3/135)
2937 - (أيكم خلف) بتخفيف اللام (الخارج) أي لنحو غزو (في أهله) أي حلائله وعياله (وماله بخير) أي بنوع من أنواعه كقضاء حاجة وحفظ مال (كان له) من الأجر (مثل أجر الخارج) لفظ رواية الصحيح مثل نصف أجر الخارج قال القرطبي: ولفظة مثل يشبه كونها مقحمة أي مزيدة من بعض الرواة قال ابن حجر: ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح ويظهر أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن [ص:136] الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر قال ابن العربي: هذا من فضل الله تعالى حيث جعل خلافة الغازي في أهله كالغازي في الرتبة فإنه إذا خلفه بخير فكأنه لم يبرح من بيته لقيام أموره فيه وصلاح حاله فكأن هذا قد غزى والقائم على أهل الغازي وماله نائب عنه في عمل لا يمكن معه الغزو فليس مقتصرا على النية فقط بل عامل فيما يتعلق بالغزو فصار كأنه باشر معه الغزو فمن ثم كان له مثل أجره كاملا مضاعفا ولا يلزم تساوي ثوابيهما
(م د عن أبي سعيد) الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم ذكره واستدركه الحاكم فوهم(3/135)
2938 - (أيما) مركبة من أي وهي اسم ينوب مناب حرفه ومن ما المبهمة المزيدة (إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم) على التمام أي صحتهم (ثم ليغتسل هو) عن الجنابة (ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء) ساهيا (فمثل ذلك) فتصح صلاة المقتدين به ولا تصح صلاته فيلزمه الإعادة إلى هذا ذهب الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى بطلان صلاة المقتدي ببطلان صلاة إمامه مطلقا قال قياسا على ما لو صلى بغير إحرام والمصلي بلا طهر لا إحرام له والفرق بين الركن والشرط لا يؤثر إذ لازمهما متحد وهو ظهور عدم الشروع. (1)
(أبو نعيم في معجم شيوخه وابن النجار) في التاريخ (عن البراء) بن عازب ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لمن ذكر مع وجوده لغيره فقد رواه الدارقطني والديلمي عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء وجويبر متروك والضحاك لم يلق البراء قال ابن حجر رحمه الله: خرجه الدارقطني بإسناد فيه ضعف وانقطاع
_________
(1) [والقياس ورد هنا مع ضعف الحديث أما لو كان الحديث صحيحا فمعلوم أن أبا حنيفة لا يرده بالقياس. دار الحديث](3/136)
2939 - (أيما امرئ) بجر امرئ إضافة أي إليه وبرفعه بدل من أي وما زائدة (قال لأخيه) أي في الإسلام (كافر فقد باء بها أحدهما) أي رجع بها أحدهما (فإن كان كما قال) أي كان في الباطن كافر (وإلا) أي وإن لم يكن كذلك (رجعت عليه) أي فيكفر قال النووي: ضبطنا قوله كافر بالرفع والتنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف قال القرطبي: صواب تقييده كافر بالتنوين على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي أنت كافر وهو كافر وجعله بعضهم بغير تنوين فجعله منادى مفردا محذوف حرف النداء وهو خطأ لأن حرف النداء لا يحذف مع النكرات ولا مع المبهمات إلا فيما جرى مجرى أمثل نحو أطرق كراء والباقي بها راجع إلى التكفيرة الواحدة ويحتمل عوده إلى الكلمة
(م ت عن ابن عمر) بن الخطاب(3/136)
2940 - (أيما امرأة) قال في التنقيح: أي مبتدأ في معنى الشرط وما زائدة لتوكيد الشرط وقوله الآتي فقد إلخ جواب الشرط (وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوءاتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها يهتك الله [ص:137] سترها والجزاء من جنس العمل والهتك خرق الستر عما وراءه والهتيكة الفضيحة
(حم هـ ك) في الأدب (عن عائشة) رضي الله عنها دخل عليها نسوة من حمص فقالت: لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي لكن أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح وأطال في بيانه(3/136)
2941 - (أيما) قال الكرماني: زيد لفظ ما على أي لزيادة التعميم (امرأة أصابت بخورا) بالفتح ما يتبخر به والمراد هنا ريحه (فلا تشهد) أي تحضر (معنا) أي الرجال (العشاء الأخيرة) لأن الليل آفاته كثيرة والظلمة ساترة خص العشاء لأنها وقت انتشار الظلمة وخلو الطريق عن المارة والفجار تتمكن حينئذ من قضاء الأوطار بخلاف الصبح عند إدبار الليل وإقبال النهار فتنعكس القضية ذكره الطيبي وقيد بالآخرة ليخرج المغرب قال ابن دقيق العيد: وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال قال: وألحق به حسن الملبس والحلي الظاهر
(حم م) في الصلاة (د ن عن أبي هريرة) قال النسائي: ولا أعلم أحدا تابع يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد على قوله عن أبي هريرة وقد خالفه يعقوب الأشج رواه عن زينب الثقفية ثم ساق حديث بشر عن زينب من طرق به ولم يخرجه البخاري(3/137)
2942 - (أيما امرأة أدخلت على قوم) في رواية ألحقت بقوم (من ليس منهم) بأن تنسب لزوجها ولدها من غيره (فليست من الله في شيء) أي من الرحمة والعفو أو لا علاقة بينها وبينه ولا عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء كأنه قال: هي بريئة من الله في كل أمورها ولذا أنكر شيئا ثم أردف هذا الذم العام الشامل لجميع الأقسام بقوله (ولن يدخلها الله جنته) مع السابقين المحسنين بل يؤخرها ويعذبها ما شاء وقال لن إلخ ولم يكتف بدخولها في الأول لعمومه لأن النساء لا تقف على حقيقة المراد منه لما فيه من نوع إجمال وخفاء فعقبه بذكر أحد أنواعه التي يفهمها كل سامع قال الحرالي: وفي فليست إفهام أن من حفظت فرجها فلم ترتكب هذه الفاحشة العظمى فهي من الله في شيء لما أنها متمسكة بآية {والذين هم لفروجهم حافظون} اه وذكر عدم دخول الجنة سيما النساء ودخولها من أقوى أسباب النعيم ولأن قوله لم يدخلها جنته تعريض بدخول النار إذ ليس ثم إلا جنة ونار (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) أي وهو يرى أنه منه ويتحقق ذلك كأنه يشاهد ذلك عيانا وهو ينكره وعبر بالجحود ليفيد مع الوعيد على النفي الوعيد على قذف الزوجة (احتجب الله تعالى منه) أي منعه رحمته وحرمه منها وهذا وعيد غليظ إذ لا غاية في النعيم أعظم من النظر إليه تقدس وهو الغاية القصوى فويل لمن لم ينلها (وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة) بجحوده ولده وهو يعلم أنه منه وإظهار كذبه على زوجته وهذا من أقوى أسباب الوعيد وقد ورد الوعيد الشديد في حق من انتفى من ولده في عدة أخبار منها خبر وكيع عن ابن عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة وفيه الجراح والد وكيع مختلف فيه ومنها خبر ابن عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفيه محمد بن أبي الزعيرة منكر الحديث
(د ن هـ حب ك) وصححاه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه [ص:138] قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة فذكره قال ابن حجر في التخريج: صححه الدارقطني في العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري وأنه لا يعرف إلا به وقال في الفتح بعد ما عزاه لأبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم في مسنده عن عبد الله بن يوسف حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد(3/137)
2943 - (أيما امرأة خرجت من بيتها) أي محل إقامتها (بغير إذن زوجها) لغير ضرورة شرعية (كانت) في مدة خروجها (في سخط الله تعالى) أي غضبه (حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها زوجها) أما لو خرجت لما يجوز الخروج له كإرادة زوجها لها بسوء فتنعكس القضية
(حط) من حديث إبراهيم بن هدية (عن أنس بن مالك) وقضية كلام المصنف أن الخطيب خرجه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه تعقبه بقوله قال أحمد بن حنبل إبراهيم بن هدية لا شيء في أحاديثه مناكير وقال ابن معين: إنه كتب عنه ثم تبين له أنه كذاب خبيث قال علي بن ثابت: هو أكذب من حماري هذا اه وقال الذهبي في الضعفاء هو كذاب فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب وليته إذ ذكره بين حاله وكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتصاره على عزوه للخطيب وحده فإن أبا نعيم خرجه من طريقه وعنه الخطيب فعزوه للفرع وإهماله الأصل من سوء التصرف(3/138)
2944 - (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق) في رواية طلاقها (من غير ما بأس) بزيادة ما للتأكيد والبأس الشدة أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له أو بأن يضارها لتنخلع منه (فحرام عليها) أي ممنوع عنها (رائحة الجنة) وأول ما يجد ريحها المحسنون المتقون لا أنها لا تجد ريحها أصلا فهو لمزيد المبالغة في التهديد وكم له من نظير قال ابن العربي: هذا وعيد عظيم لا يقابل طلب المرأة الخروج من النكاح لو صح وقال ابن حجر: الأخبار الواردة في ترغيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث ثوبان هذا
(حم د ت هـ حب ك عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وابن حجر وصححه ابن خزيمة وابن حبان(3/138)
2945 - (أيما امرأة) ذات زوج (ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) أي مع الفائزين السابقين وإلا فكل من مات على الإسلام لا بد من دخوله إياها ولو بعد دخوله النار ومثله الزوجة السرية بل أولى
(ت هـ) في النكاح (ك) في البر والصلة (عن أم سلمة) قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن الجوزي: هو من رواية مشادر الحميري عن أمه عن أم سلمة وهما مجهولان(3/138)
2946 - (أيما امرأة صامت) نفلا (بغير إذن زوجها) وهو حاضر (فأرادها على شيء) يعني طلب منها أن يجامعها فهو كناية حسنة عن ذلك (فامتنعت عليه كتب الله عليها) أي أمر كاتب السيئات أن يكتب في صحيفتها (ثلاثا من الكبائر) [ص:139] لصومها بغير إذنه واستمرارها فيه بعد نهيه ونشوزها عليه بعدم تمكينه أما الفرض فلا يجوز قطعه بجماع ولا غيره وهذا صريح في حرمة صوم المرأة نفلا بغير إذن زوجها وهو شاهد
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بقية وهو ثقة ولكنه مدلس(3/138)
2947 - (أيما إهاب) ككتاب جلد ميتة يقبل الدباغ قال الزمخشري: سمي الجلد به لأنه أهبة للحي وبناء للحماية على جسده كما قيل له المسك لإمساكه ما وراءه (دبغ) يعني اندبغ بنازع للعضول بحيث لا يعود له النتن والفساد لو نقع بماء (فقد طهر) بفتح الهاء وضمها أي ظاهره وباطنه دون ما عليه من شعر لكن قليله عفو وهذا حجة على أحمد في قوله إن جلد الميتة لا يطهر باندباغه ونص فيما ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة أنه يطهر بدبغه لدلالة هذا اللفظ على الاستغراق من جهة الشرط ومن جهة الإبهام والتنكير بما وخرج بما يقبل الدباغ غيره كجلد خنزير فلا يطهر بالدبغ اتفاقا من الشافعية والحنفية وكذا الكلب عند الشافعية لا الحنفية قال الكمال: هذا الحديث كما تراه عام فإخراج الخنزير منه لمعارضة الكتاب فيه وهو قوله {أو لحم خنزير فإنه رجس} بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده وعند صلاح كل من المضافين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود الضمير عود ضمير " ميثاقه " في قوله تعالى {وينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين عوده إلى المضاف إليه في قوله سبحانه {واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون} ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في نحو رأيت ابن زايد فكلمته لأن المحدث عنه بالرؤية رتب على الحديث الأول غير الحديث الثاني فتعين هو مرادا به وإلا اختل النظم وإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب إعادته على ما فيه الاحتياط وهو مما قلنا فإن قيل يجب أن يخرج من الخبر أيضا جلد الميتة بطريق النسخ بخبر أصحاب السنن الأربعة أنه كتب قبل موته بشهر أو شهرين لا تتعففوا من الميتة بإهاب ولا عصب قلنا الاضطراب في سنده ومتنه منع تقديمه على هذا الحديث الصحيح فإن الناسخ معارض فلا بد من مشاكلته في القوة ثم إن هذا الحديث مع حديث مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا: إنها ميتة فقال: إنما حرم أكلها إلى ما ذهبوا إليه من أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص
(ن هـ) قال ابن جماعة بأسانيد صحيحة (عن ابن عباس) وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث ليس في أحد الصحيحين ولا كذلك بل هو في مسلم وهو مما تفرد به عن البخاري(3/139)
2948 - (أيما رجل أم قوما) أي والحال أنهم (له) أي ولإمامته (كارهون) لأمر يذم فيه شرعا كوال ظالم ومن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها أو لا يتحرز عن النجاسة أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطى معيشة مذمومة أو يعاشر الفساق ونحوهم وشبه ذلك سواء نصبه الإمام أم لا (لم تجز صلاته أذنيه) أي لا يرفعهما الله رفع العمل الصالح بل أدنى رفع فيحرم عليه أن يؤمهم إن اتصف بشيء من هذه الأوصاف وكرهه الكل لذلك كما في الروضة ونص عليه الشافعي فإن كرهه أكثرهم كره لذلك وعلم من هذا التقرير أن الحرمة أو الكراهة إنما هي في حقه أما المقتدون الذي يكرهونه فلا تكره لهم الصلاة خلفه وظن بعض أعاظم الشافعية أن المسئلتين واحدة فوهم وخرج بقولنا أولا لأمر يذم ما لو كرهوه لغير ذلك فلا كراهة في حقه بل اللوم عليهم
(طب) من رواية سليمان بن أيوب الطلحي (عن طلحة) بن عبيد الله قال الهيثمي: وسليمان قال فيه أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال البزار: صاحب مناكير(3/139)
[ص:140] 2949 - (أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس) أي جعله أميرا على طائفة ولو قليلة جدا كعشرة والحال أنه (علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين) بفعله ذلك لعكسه المقتضى لتأميره المفضول على الفاضل وموضع ذلك ما إذا لم يقتض الحال والوقت خلاف ذلك وإلا أنيط بالمصلحة وعلى ذلك ينزل تأمير المصطفى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص على قوم فيهم أبو بكر وعمر وتأميره أسامة على من هما فيهم
(ع عن حذيفة) بن اليماني(3/140)
2950 - (أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها) منه (لمن دونه من خلق الله) أي وأطعم وكسى منه من دون نفسه من عياله وغيرهم (فإنها) يعني هذه الخصلة وهي الإطعام (له زكاة) أي نماء وبركة وطهرة (وأيما رجل مسلم لم تكن له صدقة) يعني لا مال له يتصدق منه (فليقل) ندبا (في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها) أي هذه الصلاة (له زكاة) فاستفدنا أن الصلاة عليه تقوم مقام الصدقة لذي العسرة وأنها سبب لبلوغ المآرب وإفاضة المطالب وقضاء الحاجات في الحياة وبعد الممات واقتصاره على الصلاة يؤذن بأنه لا يضم إليه السلام فيعكر على من كره الإفراد ونعما ذهب إليه البعض من تخصيص الكراهة بغير ما ورد فيه الإفراد بخصوصه كما هنا فلا نزيد فيه بل نقتصر على الوارد
(ع حب ك عن أبي سعيد) الخدري قال القسطلاني: وهو مختلف فيه لكن إسناده حسن وأقول هو من رواية ابن لهيعة وهو معلوم الحال عن دراج عن أبي الهيثم وقد ضعفوه كما سبق(3/140)
2951 - (أيما رجل) ذكر رجل غالبي والمراد إنسان (تدين دينا وهو مجمع) بضم الميم الأولى (على أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا) أي يحشر في زمرة السارقين ويجازى بجزائهم قال في الفردوس: يقال أدان إذا أخذ منه الدين ويقال أدنت الرجل وداينته إذا بايعت منه بأجل وأدنت منه إذا اشتريت منه بأجل
(هـ عن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء وسكون التحتية (بن سنان) بالنون ابن قاسط بالقاف الرومي الصحابي المعذب في الله وفيه يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال البخاري فيه نظر وعبد الحميد بن زياد قال البخاري شيخ(3/140)
2952 - (أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا) قال الزمخشري: الصداق بالكسر أفصح عند أصحابنا البصريين (مات يوم يموت وهو زان) أي مات وهو ملتبس بإثم مثل إثم الزاني والزاني في النار بدليل قوله بعده والخائن في النار (وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن والخائن في النار) أي نار جهنم يعني يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرج
(ع طب) من حديث عمرو بن دينار وكيل الزبير [ص:141] ابن شعيب البصري عن بني صهيب (عن صهيب) قال عمرو: قال بنو صهيب لصهيب: يا أبانا إن أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثون عن آبائهم فحدثنا فذكره قال الهيثمي: وعمرو بن دينار هذا متروك(3/140)
2953 - (أيما رجل عاد مريضا فإنما يخوض) حالة ذهابه (في الرحمة) شبه الرحمة بالماء إما في التطهير وإما في الشيوع والشمول ثم نسب إليها ما هو منسوب إلى المشبه به من الخوض (فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة) أي غمرته وسترته وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل قالوا فهذا للصحيح فما للمريض قال: تحط عنه ذنوبه
(حم) من حديث أبي داود ولعله الحبطي (عن أنس) قال أبو داود: أتيت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة المكان بعيد ونحن يعجبنا أن نعودك فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره قال الهيثمي وأبو داود ضعيف جدا(3/141)
2954 - (أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه) أي رفع صوته قائلا (يا ويله عصم مني) بتزوجه (دينه) وفي رواية للديلمي والثعلبي إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويله عصم مني ثلثي دينه اه. وهي مبينة أن المراد بالدين هنا معظمه
(ع) من حديث خالد بن إسماعيل المخزومي (عن جابر) قال الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك قال ابن الجوزي: تفرد به خالد وقال ابن عدي: وكان يضع وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال اه ورواه الطبراني في الأوسط من طريق خالد المذكور قال الهيثمي: وفيه خالد بن إسماعيل المخزومي متروك(3/141)
2955 - (أيما عبد جاءته موعظة) وهي التذكير بالعواقب (من الله في دينه) أي في شيء من أمور دينه (فإنها نعمة من الله سبقت إليه) أي ساقها الله إليه (فإن قبلها بشكر) زاده الله من تلك النعمة {لئن شكرتم لأزيدنكم} (وإلا) أي وإن لم يقابلها بالشكر (كانت حجة من الله عليه) {لئلا يكون للناس على الله حجة} (ليزداد بها إثما ويزداد الله عليه بها سخطا) أي غضبا وعقابا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عطية بن قيس) أخي عبد الله المازني شامي وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر ولا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن عطية المذكور وسببه أن المنصور أحضر الأوزاعي وقال له: ما أبطأ بك عنا قال: وما الذي تريده مني يا أمير المؤمنين قال: الأخذ عنك والاقتباس منك فساق له موعظة سنية جعل هذا الخبر مطلعها ورواه عن بسر أيضا ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء قال الحافظ العراقي: وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح قال ابن عدي: يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق(3/141)
2956 - (أيما عبد أو امرأة قال أو قالت لوليدتها) فعيلة بمعنى مفعولة أي أمتها والوليدة الأمة وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الإنسان ثم أطلق ذلك على كل أمة (يا زانية ولم يطلع منها على زنا جلدتها وليدتها يوم القيامة) حد القذف (لأنه [ص:142] لا حد لهن في الدنيا) أي ليس لها مطالبتها فإقامة الحد عليه أو عليها في الدنيا لأنه لا يجب للولائد على ساداتهن في دار الدنيا فبين بالحديث سقوطه في الدنيا لشرف المالكية قال ابن العربي: وبه استدل علماؤنا على سقوط القصاص عنه بالجناية على أعضائه ونفسه لأنه عقوبة تجب للحر على الحر فسقط عن الحر بجنايته على العبد فأصل ذلك حد القذف وخبر من قتل عبده قتلناه باطل أو مؤول ففيه رد على مالك حيث ذهب إلى أن السيد لو قطع عضو عبده عتق عليه لكونه أتلف الرق في جزء منه فسرى إلى آخره كما لو أعتقه وخالفه عامة الفقهاء
(ك عن عمرو بن العاص) أنه زار عمة له فدعت له بطعام فأبطأت الجارية فقالت: ألا تستعجلي يا زانية فقال عمرو: سبحان الله لقد قلت عظيما هل اطلعت منها على زنا؟ قالت: لا فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال الحاكم: صحيح وتعقبه المنذري فقال: وكيف وعبد الملك بن هارون متروك متهم(3/141)
2957 - (أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه ثم أقيم عليه حده) في الدنيا أي وهو غير الكفر أما هو إذا عوقب به في الدنيا فليس كفارة بل زيادة في النكال وابتداء عقوبة (كفر) الله (عنه) بإقامة الحد عليه (ذلك الذنب) فلا يؤاخذ به في الآخرة فإن الله أكرم وأعدل أن يثني عليه العقوبة <تنبيه> قال ابن العربي: هذا الحديث موضعه في حقوق الله أما حق الآدمي فلا يدخل تحت المغفرة فلو زنى بامرأة فأقيم عليه الحد كفر عنه لكن حق زوجها وأهلها باق فيما هتك من حرمتهم وجر من العار إليهم وكذا القاتل إذا اقتص منه فهو كفارة للقتل في حق الله وحق الولي لا المقتول فله مطالبته به في الآخرة اه
(ك) في الحدود (عن خزيمة بن ثابت) وقال: صحيح وأقره الذهبي(3/142)
2958 - (أيما عبد) أي قن (مات في إباقه) (1) أي حال تغيبه عن سيده تعديا (دخل النار) يعني استحق دخولها ليعذب بها على عدم وفائه بحق سيده (وإن كان قتل) حال أباقه (في سبيل الله) تعالى أي في جهاد الكفار ثم يخرج منها إن مات مسلما ويدخل الجنة قطعا
(طس هب عن جابر) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات
_________
(1) [والعبد الآبق هو الهارب من سيده. دار الحديث](3/142)
2959 - (أيما عبد أبق من مواليه) بفتح الباء إعراضا عنهم وأي للشرط مبتدأ وما زائدة للتأكيد وأبق خبره لا صفة للعبد لأن المبتدأ يبقى بلا خبر وجواب الشرط قوله (فقد كفر) أي نعمة الموالي وسترها ولم يقم بحقها ويستمر هذا حاله (حتى يرجع إليهم) أو أراد بكفره أن عمله من عمل الكفار أو أنه يؤدي إلى الكفر فإن فرض استحلاله فذاك كافر حقيقة وذكره بلفظ العبدية هنا لا يناقضه خبر النهي عن تسميته عبدا بقوله لا يقل أحدكم عبدي لأن المقام هنا مقام تغليظ ذنب الإباق وثم مقام بيان الشفقة والإرفاق
(م) في الإيمان (عن جرير) موقوفا ونقل عنه بعض رواته أنه قال سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لكن أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة(3/142)
2960 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري) أي على حالة عري للمكسي (كساه الله تعالى من خضر الجنة) بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر أي من ثيابها الخضر فهو من إقامة الصفة مقام الموصوف كما ذكره الطيبي (وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ) أي [ص:143] عطش (سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق) اسم من أسماء الخمر (المختوم) أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك قال النوربشتي: الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه والمختوم الذي يختم من أوانيها وهو عبارة عن نفاستها وكرامتها وهذا إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل والنصوص فيه كثيرة والمراد أنه يختص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وشرابها ويظهر أن المراد المسلم المعصوم ويحتمل إلحاق الذمي العاري الجائع به
(حم د) في الزكاة (ت) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي خالد بن يزيد الدالاني وحديثه حسن اه. ولينه ابن عدي(3/142)
2961 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا) أي لوجه الله تعالى لا لغرض آخر (كان في حفظ الله تعالى) أي رعايته وحراسته (ما بقيت عليه منه رقعة) أي مدة بقاء شيء منه عليه وإن قل وصار خلقا جدا وليس المراد بالثوب في هذا الحديث وما قبله القميص فحسب بل كل ما على البدن من اللباس
(طب عن ابن عباس) وفيه خالد بن طهمان أبو العلاء قال الذهبي: ضعيف قال ابن معين: خلط قبل موته(3/143)
2962 - (أيما) قال الطيبي: أيما من المقحمات التي يستغنى بها إما عن تفصيل غير حامل أو تطويل غير ممل (امرأة نكحت) أي تزوجت في رواية أنكحت نفسها وهي أوضح (بغير إذن وليها (1)) أي تزوجت بغير إذن متولي أمر تزويجها من قريب أو غيره (فنكاحها باطل) أي فعقدها باطل ولا مجال لإرادة الوطء هنا لأن الكلام في صحة النكاح وفساده (فنكاحها باطل فنكاحها باطل) كرره لتاكيد إفادة فسخ النكاح من أصله وأنه لا ينعقد موقوفا على إجازة الولي وأنه ركب على ثلاثة فيفسخ بعد العقد ويفسخ بعد الدخول ويفسخ بعد الطول والولادة وتخصيصه البطلان هنا بغير الإذن غالبي بدليل خبر لا نكاح إلا بولي لكن لما كان الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بإذنه خص به (فإن دخل بها) أي أولج حشفته في قبلها (فلها المهر بما استحل من فرجها) قال الرافعي: فيه أن وطء الشبهة يوجب المهر وإذا وجب ثبت النسب وانتفى الحد (فإن اشتجروا) أي تخاصم الأولياء وتنازعوا ومنه {فيما شجر بينهم} قال الرافعي: المراد مشاجرة الفضل لا الاختلاف فيما يباشر العقد (فالسلطان) يعني من له السلطان على تزويج الأيامى فيشمل القاضي (مولى من لا مولى له) أي من ليس له ولي خاص وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن لما سبق أن أيما كلمة استيفاء واستيعاب فيشمل البكر والثيب والشريفة والوضيعة قال القاضي: وهذا يؤيد منع المرأة مباشرة العقد مطلقا إذ لو صحت عبارتها للعقد لأطلق لها ذلك عند عضل الأولياء واختلافهم ولما فوض إلى السلطان قال أصحابنا: ومن البعيد تأويل الحنفية الحديث على الصغيرة والأمة والمكاتبة يعني حمله بعضهم أولا على الصغيرة لصحة تزويج الكبيرة نفسها عندهم كجميع تصرفاتها فاعترض بأن الصغيرة غير امرأة في الحكم فحمله بعضهم إجراء على الأمة فاعترض [ص:144] بقوله فلها المهر فإن مهر الأمة لسيدها فحمله بعض متأخريهم على المكاتبة فإن المهر لها
(حم د ت هـ ك) كلهم في النكاح (عن عائشة) حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وإعلاله بأنه من حديث ابن جريج عن سليمان عن الزهري وابن جريج ذكر أنه سئل الزهري عنه فأنكره أبطله الحاكم بأن أبا عاصم وعبد الرزاق ويحيى بن أيوب وحجاج بن محمد صرحوا بسماعه عن الزهري والثقة قد بيناه فلا ينسى بإنكاره وذكر نحوه ابن حبان
_________
(1) بغير إذن وليها لا مفهوم له عند الشافعي فنكاحها باطل وإن أذن لها وليها لحديث لا نكاح إلا بولي(3/143)
2963 - (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن كان دخل بها فلها) عليه (صداقها) أي مهر مثلها (بما استحل من فرجها ويفرق بينهما) بالبناء للمجهول أي ويفرق القاضي بينهما لزوما (وإن كان لم يدخل بها فرق بينهما) بمعنى أنه يحكم ببطلان العقد (والسلطان ولي من لا ولي له) ولي امرأة ليس لها ولي خاص قال القاضي: هذه الأحاديث صريحة في المنع عن استقلال المرأة بالتزويج وأنها لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وقد اضطرب فيه الحنفية فتارة متجاسرون على الطعن فيها بما لا ينجع ومرة جنحوا إلى التأويل فقوم خصصوا امرأة بالأمة والصغيرة والمكاتبة فأبطلوا به ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل فإنه صدر الكلام بأي الشرطية وأكد بما الإبهامية ورتب الحكم على وصف الاستقلال وترتيب الجزاء على الشرط المقتضي مع أن الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان وعقد الصبية غير باطل عندهم بل موقوف على إجازة الولي والأمة لا مهر لها وقد قال: فلها المهر والكتابة بالنسبة إلى جنس النساء نادرة فلا يصح قصر العام عليها وقوم أولوا قوله باطل بأنه بصدد البطلان ومصيره إليه بتقدير اعتراض الأولياء عليها إذا زوجت نفسها بغير كفء وذلك مع ما فيه من إبطال قصد التعميم بزيف من وجوه أحدها أنه لا يناسب هذا التأكيد والمبالغة ثانيهما أن المنقول المتعارف في تسميته الشيء باسم ما يؤول إليه تسميته ما يكون المآل إليه قطعا {إنك ميت وإنهم ميتون} أو غالبا نحو {إني أراني أعصر خمرا} ثالثها أنه لو كان كذلك لاستحق المهر بالعقد لا بالوطء ولذلك قالوا: يتقدر المسمى بالوطء ويتشطر بالطلاق قبله وقد علق عليه السلام الاستحقاق على الوطء وجعل الاستحلال علة لثبوته وهو يدل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل ولم أر أحدا غيرهم من العلماء رخص للمرأة تزويج نفسها مطلقا وجوزه مالك رضي الله عنه للدنيئة دون الشريفة اه
(طب عن ابن عمرو) بن العاص(3/144)
2964 - (أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها) وإن سفلت (فإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها) إن شاء (1) (وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل) بها (فلا يحل له نكاح أمها) أي لا يجوز ولا يصح والفرق أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف ابنتها أخذ به الجماعة فقالوا: إذا دخل بامرأة حرمت عليه بنتها وقال داود: لا تحرم إلا إن كانت في حجره
(ت عن ابن عمرو) ابن العاص ثم قال أعني الترمذي: لا يصح من قبل إسناده إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح وهما يضعفان اه
_________
(1) فقوله " فلينكح ابنتها " هو للإباحة كما هو ظاهر في هذا الحديث فقال المناوي: إن شاء. وليتنبه هنا أنه قد ترد صيغة الأمر للإباحة في أحاديث أخرى ولكن لا يظهر وجه كونها للإباحة بمثل ما يظهر في هذا الحديث من البداهة. فليتنبه من ادعى الاجتهاد بغير حق في تلك الأحاديث الأخرى فحلل وحرم بحسب ما ظهر لنظره الخاطئ وليراجع أقوال من شهدت له الأمة قاطبة من المجتهدين. دار الحديث) ](3/144)
[ص:145] 2965 - (أيما رجل آتاه الله علما) تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي لكن خصه جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته (فكتمه) عن الناس عند الحاجة إليه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (1) شبه ما جعل من النار في فم الكاتم باللجام تشبيها بليغا حيث خص النار وهو الذي أخرجه من باب الاستعارة وهذا وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة أو حطام دنيا أو لتقيه مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل بالعلم ومن ثم قال علي كرم الله وجهه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا
(طب عن ابن مسعود) ورواه عنه في الأوسط أيضا قال الهيثمي: وفي سند الأوسط النضر بن سعيد ضعفه العقيلي وفي سند الكبير سواد بن مصعب وهو متروك اه والحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل عن ابن مسعود من عدة طرق وطعن فيه بما محصوله أن فيه جماعة ما بين ضعيف ومتروك وكذاب
_________
(1) لما لجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار له عوقب في الآخرة بلجام من نار قال العلقمي: وهذا خرج على معنى مشاكة العقوبة للذنب وهذا في العلم الذي يتعين عليه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول علموني ما الإسلام وما الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فيلزم أن يجاب السائل ويترتب على منعه الوعيد والعقوبة وليس الأمر كذلك ونوافل العلم الذي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها(3/145)
2966 - (أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله) أي غضبه (حتى ينزع) أي يقلع ويترك وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود أي إذا وصلت إلى الإمام وثبتت كما يفيده أخبار آخر وإلا فالستر أفضل (وأيما رجل شد غضبا) أي شد طرفه أي بصره بالغضب (1) (على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) لأنه بمعاندة الله صار ظالما وقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وأصل اللعنة الطرد لكن المراد به هنا في وقت أو حال أو الشخص أو على صفة أو نحو ذلك (وأيما رجل أشاع على رجل مسلم) أي أظهر عليه ما يعيبه (بكلمة وهو منها بريء يشينه بها (2)) أي فعل ما فعل بقصد أن يشينه أي يعيبه أو يعيره بها (في الدنيا) بين الناس (كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بإنفاذ ما قال) وليس بقادر على إنفاذه فهو كناية عن دوام تعذيبه بها من قبيل الخبر المار كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين (3) ومن قبيل قوله للمصورون أحيوا ما خلقتم
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري: لا يحضرني الآن حال إسناده
_________
(1) ويحتمل أن يكون المعنى اشتد غضبه
(2) قال في المصباح: شانه شينا من باب عاب عابه والشين خلاف الزين
(3) لعله خرج مخرج الزجر عن هذه الخصلة(3/145)
2967 - (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض) ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد (كلفه الله أن يحفره [ص:146] حتى يبلغ أخر سبع أرضين) بفتح الراء وتسكن (ثم يطوقه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية فإنه يطوقه (يوم القيامة) أي يكلف نقل الأرض الذي أخذها ظلما إلى المحشر وتكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة أو معناه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض حالتئذ كالطوق في عنقه الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الطوق وبالأول جزم القشيري وصححه البغوي ولا مانع أن نتنوع هذه الصفات لهذا الجاني أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى ويستمر كذلك (حتى يقضى بين الناس) ثم يصير إلى الجنة أو إلى النار بحسب إرادة العزيز الجبار وهذا وعيد شديد للغاصب قاطع بأن الغضب من أكبر الكبائر (1)
(طب) وكذا في الصغير (عن يعلى بن مرة) ورواه عنه أيضا أحمد بعدة أسانيد قال الهيثمي: ورجال بعضها رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان من هذا الوجه وكان ينبغي للمؤلف عزوه له ولأحمد فإنهما مقدمان عندهم على العزو للطبراني
_________
(1) وهذا إن لم يحصل عفو من المغصوب منه ولم يفعل الغاصب ما يكفر التبعات(3/145)
2968 - (أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما) من الضيافة أي لم يطعمه القوم تلك الليلة (فله أن يأخذ) من مالهم (بقدر قراه) أي ضيافته أي بقدر ما يصرف في ثمن طعام يشبعه ليلته (ولا حرج عليه) في ذلك الأخذ قال الطيبي: وقوله فأصبح الضيف مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأن المسلم الذي ضاف قوما يستحق لذاته أن يقرى فمن منع حقه فقد ظلمه فحق لغيره من المسلمين نصره وأخذ بظاهره أحمد فأوجب الضيافة وأن الضيف يستقل بأخذ ما يكفيه بغير رضى من نزل عليه أو على نحو بستانه أو زرعه وحمله الجمهور على أنه كان في أول الإسلام فإنها كانت واجبة حين إذ كانت المواساة واجبة فلما ارتفع وجوب المواساة ارتفع وجوب الضيافة أو على التأكيد كما في غسل الجمعة واجب فلما ارتفع وجود الاستقلال بالأخذ على المضطر لكنه يعزم بدله أو بعد على مال أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة من نزل بهم لأدلة أخرى كخبر لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس وأما قول بعض المالكية المراد أن له أن يأخذ من عرضهم بلسانه ويذكر للناس عيوبهم فعورض بأن من الأخذ العرض والتحدث بالعيب عيب ندب الشارع إلى تركه لا إلى فعله واستدل بالخبر على مسألة الظفر
(ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور قال الهيثمي كالمنذري ورجاله ثقات ورواه أبو داود عن المقدام بلفظ أيما رجل ضاف قوما فأصبح محروما والباقي سواء(3/146)
2969 - (أيما نائحة) أي امرأة نائحة (ماتت قبل أن تتوب ألبسها الله سربالا) وقد تطلق السرابيل على الدروع (من نار وأقامها للناس يوم القيامة) لتشتهر في عرصات القيامة بين أهل ذلك الموقف الأعظم فالنوح حرام شديد التحريم
(ع عد ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: سنده حسن(3/146)
[ص:147] 2970 - (أيما امرأة نزعت ثيابها) أي قلعت ما يسترها منها (في غير بيتها) أي محل سكنها (خرق الله عز وجل عنها ستره) لأنها لما لم تحافظ على ما أمرت به من التستر عن الأجانب جوزيت بذلك والجزاء من جنس العمل والظاهر أن نزع الثياب عبارة عن تكشفها للأجنبي لينال منها الجماع أو مقدماته بخلاف ما لو نزعت ثيابها بين نساء مع المحافظة على ستر العورة إذ لا وجه لدخولها في هذا الوعيد
(حم طب ك هب عن أبي أمامة)(3/147)
2971 - (أيما امرأة استعطرت) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه (ثم خرجت) من بيتها (فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك (فهي زانية) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي: شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها (وكل عين زانية) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن الله إذا حرم شيئا زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي الله عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب قال بعض الكبراء تزيين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة لأن العين رائد القلب فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن إياك أن تقع عين زوجك على شيء لا يستملحه أو يشم منك ما يستقبحه
(حم ن ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأقول فيه عند الأولين ثابت بن عمارة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: ليس بالمتين عندهم ووثقه ابن معين(3/147)
2972 - (أيما رجل أعتق غلاما ولم يسم) في العتق (ماله) يعني ما في يده من كسبه وإضافته إليه إضافة اختصاص لا تمليك (فالمال له) أي للغلام يعني ينبغي لسيده أن يسمح له به منحة منه وتصدقا عليه بما في يديه ليكون إتماما للصنيعة وزيادة لنعمة الإعتاق ذكره ابن الكمال وغيره
(عن ابن مسعود)(3/147)
2973 - (أيما امرئ) بكسر الراء (ولي من أمر المسلمين شيئا لم يحطهم) بفتح فضم أي يكلؤهم ويحفظهم ويصونهم ويذب عنهم والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه (بما يحوط به نفسه) أي بالذي يحفظ به نفسه ويصونها فالمراد لم يعاملهم بما يحب أن يعامل به نفسه من نحو بذل ونصح ونفقة وغيرها (لم يرح رائحة الجنة) حين يجد [ص:148] ريحها الإمام العادل الحافظ لما استحفظ لا أنه لم يجده أبدا قال الحرالي: والولاية القيام بالأمر عن وصلة واصلة قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية: لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفريقه إنما هي القول بالحق والعمل بالمعدلة وأخذ الناس في ذات الله وقال العارف ابن عربي: الإمارة ابتلاء لا تشريف ولو كانت تشريفا بقيت مع صاحبها في الآخرة في دار السعداء ولو كانت تشريفا ما قيل له ولا تتبع الهوى فحجر عليه والتحجير ابتلاء والتشريف إطلاق ويتحكم في العالم من أسعده الله به ومن أشقاه من المؤمنين ومع ذلك أمر بالحق أن يسمع له ويطيع وهذه حالة ابتلاء لا شرف فإنه في حركاته فيها على حذر وقدم غرور ولهذا تكون يوم القيامة ندامة
(عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه ساقه من حديث إسماعيل بن شبيب الطائفي وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة وأقره عليه في اللسان(3/147)
2974 - (أيما رجل عاهر) العاهر الزاني وعهر إلى المرأة أتاها ليلا للفجور بها غلب على الزنى مطلقا (بحرة أو أمة) يعني زنى بها فحملت (فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث) لأن الشرع قطع الوصلة بينه وبين الزاني قريب له إلا من قبل أمه وماء الزنا لا حرمة له مطلقا ولا يترتب عليه شيء من أحكام التحريم والتوارث ونحوهما عند الشافعية
(ت) في الفرائض من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه (عن) جده (ابن عمرو) بن العاصي قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم(3/148)
2975 - (أيما مسلم شهد له أربعة) من المسلمين وفي رواية أربعة نفر أي رجال (بخير) بعد موته من الصحابة أو من غيرهم فمن اتصف بالعدالة لا نحو فاسق ومبتدع (أدخله الله الجنة) أي مع السابقين والأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فمن مات على الإسلام دخلها ولا بد شهد له أحد أم لا قال الراوي: فقلنا أو ثلاثة قال: (أو ثلاثة) فقلنا: أو اثنان قال: (أو اثنان) قال: ثم لم نسأله عن الواحد أي استبعادا للاكتفاء في مثل هذا المقام العظيم بأقل من نصاب وترك الشق الثاني وهو الشهادة بالشر لفهمه حكمه بالقياس على الخير أو اختصارا قال النووي: من مات فألهم الله الناس بالثناء عليه بخير كان دليلا على كونه من أهل الجنة سواء اقتضته أفعاله أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها وبه تظهر فائدة الثناء
(حم خ) في الجنائز والشهادات (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه مسلم(3/148)
2976 - (أيما صبي) أو صبية (حج) حال صباه (ثم بلغ الحنث) بسن أو احتلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) يعني يلزمه ذلك (وأيما أعرابي حج) قبل أن يسلم (ثم) أسلم و (هاجر) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بإسلامه في استطاعته وإن لم يهاجر (وأيما عبد) أي قن أو أمة (حج) حال رقه (ثم أعتق) أي أعتقه سيده (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بعد مصيره حرا قال الذهبي في المهذب: كأنه أراد بهجرته إسلامه كما تقرر وفيه أنه يشترط لوقوع الحج عن فرض الإسلام البلوغ والحرية فلا يجزئ حج الطفل والرقيق إن كملا بعده وعليه الشافعي نعم إن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزأهما وأعاد السعي
(خط) في التاريخ (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ابن عباس) وظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله [ص:149] لم يرفعه إلا زيد بن زريع عن شعبة وهو غريب اه قال ابن حجر: تفرد برفعه محمد المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عنه وأخرجه ابن عدي وقال: إن يزيد بن زريع سرقه من محمد بن منهال اه. ورواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه فلو عزاه المصنف له لكان أولى(3/148)
2977 - (أيما مسلمين التقيا) في نحو طريق (فأخذ أحدهما بيد صاحبه) أي أخذه يده اليمنى بيده اليمنى (وتصافحا) ولو من فوق ثوب والأكمل بدونه (وحمدا الله) أي اثنيا عليه وزاد قوله (جميعا) للتأكيد (تفرقا وليس بينهما خطيئة) ظاهره يشمل الكبائر وقياس نظائره قصره على الصغائر
(حم والضياء) المقدسي (عن البراء) بن عازب قال أبو داود: لقيني البراء فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال: تدري لم أخذت بيدك؟ قلت: لا إلا أني ظننت أنك لم تفعله إلا لخير فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم ذكره(3/149)
2978 - (أيما امرئ من المسلمين حلف عند منبري هذا على يمين كاذبة يستحق بها حق مسلم أدخله الله النار وإن كان على سواك أخضر) قال العكبري: تقديره وإن حلف على سواك فحذف لدلالة الأولى عليه وعلى في قوله على يمين زائدة أي حلف يمينا وفي ذكر المنبر زيادة في التأكيد قال الرافعي: وهذا إشارة إلى أن اليمين يغلظ بالمكان كما يغلظ بالزمان قال النووي: ودخل في قوله حق مسلم نحو جلد ميتة وسرجين وسائر الاختصاصات وكذا كل حق ليس بمال كحد قذف
(حم عن جابر) بن عبد الله
- (أيما امرئ اقتطع حق امرئ مسلم) أي ذهب بطائفة منه ففصلها عنه يقال اقتطعت من الشيء قطعة فصلتها (بيمين كاذبة كانت له نكتة) والنكتة في الشيء كالنقطة والجمع نكت ونكات مثل برمة وبرم وبرام ونكات الضم عامي (سوداء من نفاق في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة) فإن لم يدركه العفو أدخل النار حتى تنجلي تلك النكتة ويكون فيها حتى يطهر من درنه ويصلح لجوار الرحمن في الجنان
(الحسن بن سفيان طب ك عن ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور ابن وديعة (الأنصاري) قيل: هو أحد الستة الذين تخلفوا عن تبوك قال الذهبي: وذلك ضعيف(3/149)
2979 - (أيما عبد) يعني قن ولو أمة قال ابن حزم: لفظ العبد لغة يتناول الأمة لكن في الفتح فيه نظر ولعله أراد المملوك وقال القرطبي: العبد اسم للملوك الذكر بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق: إن هذا الحكم لا يشمل الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى {إلا آتي الرحمن عبدا} فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما بطريق الإلحاق لعدم الفارق وقد قال إمام الحرمين: إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق (كوتب على مئة اوقية) مثلا ورواية الحاكم كوتب على ألف أوقية (فأداها إلا عشرة أواق) في نسخ أواقي بشد الياء وقد تخفف جمع أوقية بضم الهمزة وشد الياء معروفة (فهو عبد وأيما عبد كوتب على مئة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد) المراد أنه أدى مال الكتابة إلا شيئا قليلا بدليل الخبر الآتي [ص:150] المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فلا يعتق إلا بأداء جميع ما عدا القدر الذي يجب حطه عنه وهذا مذهب الجمهور ونقل عن علي كرم الله وجهه أنه يعتق عنه بقدر ما أدى والمكاتب بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال الراغب: اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه {كتب عليكم الصيام} أو جمع وضم ومنه كتب الخط وعلى الأول مأخذها من الالتزام وعلى الثاني من الخط لوجوده عند عقدها غالبا. قال الروياني: وهي إسلامية ونوزع بأنها كانت متعارفة في الجاهلية وأقرها الشارع وأحسن تعاريفها أنها تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة
(حم د) في العتق والكتابة (هـ) في الأحكام كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص ورواه الحاكم باللفظ وصححه وأقره الذهبي(3/149)
2980 - (أيما رجل مسلم) وفي رواية الاقتصار على رجل وفي أخرى على مسلم (أعتق رجلا مسلما) لوجه الله تعالى خالصا (فإن الله تعالى جاعل وقاء كل عظم) بكسر الواو وتخفيف القاف والوقاية ما يصون الشيء ويستره عما يؤذيه (من عظامه) أي العتيق (عظما من عظام محرره) بضم الميم وفتح الراء المشددة أي من عظام القن الذي حرره (من النار) نار جهنم جزاءا وفاقا (وأيما امرأة مسلمة) أعتقت امرأة معلمة لوجه الله تعالى (فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها) بفتح الراء المشددة (من النار يوم القيامة) فاستفدنا أن الأفضل للذكر عتق الذكر وللأنثى الأنثى وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا لمن عكس محتجا بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد بخلاف الذكر وعورض بأن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها وبأن في عتق الذكر من المعاني العامة ما ليس في الأنثى لصلاحيته للقضاء وغيره مما لا يصلح له الإناث وفي قوله إن الله جاعل وقاء كل عظم إلى آخره إيماء إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقص ليحصل الاستيعاب وأنه ينبغي للفحل عتق فحل لينال المعنى المعهود في عتق جميع أعضائه وقول الخطابي هو نقص مجبور إذ الخصي ينتفع به فيما لا ينتفع بالفحل استنكره النووي وغيره والكلام في الأولوية
(د حب عن أبي نجيح) بفتح النون (السلمي) وأبو نجيح السلمي في الصحابة اثنان أحدهما عمرو بن عبسة والآخر العرباض بن سارية فكان ينبغي تمييزه قال ابن حجر: إسناده صحيح ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات(3/150)
2981 - (أيما أمة ولدت من سيدها) أي وضعت منه ما فيه صورة خلق آدمي (فإنها) ينعقد لها سبب العتق وتكون (حرة إذا مات) السيد (إلا أن يعتقها قبل موته) فإنها تصير حرة بالعتق ولا يتوقف عتقها على موته
(هـ ك عن ابن عباس) قال ابن حجر رحمه الله تعالى: له طرق عند ابن ماجه وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه الحسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف جدا اه. ورد الذهبي تصحيح الحاكم له بأن حسينا هذا متروك وممن تعقبه عبد الحق وتبعه في المنار وغيره(3/150)
2982 - (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس) وأكثروا اللغط (ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله) بأي صيغة كانت من صيغ [ص:151] الذكر (أو يصلوا على نبيه) محمد صلى الله عليه وسلم كذلك وفيه تلميح إلى قوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (كانت عليهم ترة (1) من الله) أي نقص وتبعة وحسرة وندامة لتفرقهم ولم يأتوا بما يكفر لفظهم من حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهاء ترة عوض عن واوه المتروكة كواو عدة وسعة (إن شاء) أي الله (عذبهم) لتركهم كفارة المجلس (وإن شاء غفر لهم) فضلا وطولا منه تعالى ورحمة لهم {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) قوله ترة بالنصب خبر لكان وأنها ضمير يرجع للجلوس المفهوم من جلسوا(3/150)
2983 - (أيما امرأة توفي عنها زوجها) أي مات وهي في عصمته (فتزوجت بعده فهي) أي فتكون هي في الجنة زوجة (لآخر أزواجها) (1) في الدنيا قالوا وهذا هو أحد الأسباب المانعة من نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعده لما أنه سبق أنهن زوجاته في الجنة
(طب عن أبي الدرداء) وأصله أن معاوية خطب أم الدرداء بعد موت أبي الدرداء فقالت: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة إلخ وما كنت لأختار على أبي الدرداء فكتب إليها معاوية فعليك بالصوم فإنه محسمة قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط
_________
(1) [ولا يعارض هذا الحديث بالحديثين التاليين لضعفهما: ورد في حديث طويل: " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا " - بضم الخاء واللام - قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي. وورد حيث مثله عن أنس خاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وقال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار باختصار وفيه عبيد بن إسحاق وهو متروك وقد رضيه أبو حاتم وهو أسوأ أهل الإسناد حالا
ويمكن الجمع بين الأحاديث الثلاثة بأنها تكون لآخر أزواجها إذا تساووا في الخلق وإلا فتختار أحسنهم خلقا؟ ؟ والله أعلم. دار الحديث](3/151)
2984 - (أيما رجل ضاف قوما) أي نزل بهم ضيفا (فأصبح الضيف محروما) من القرى بأن لم يقدموا له عشاء تلك الليلة (فإن نصره) بفتح النون نصرته وإعانته على أداء حقه (حق على كل مسلم) أي مستحقة على كل من علم بحاله من المسلمين (حتى يأخذ بقرى ليلته) أي بقدر ما يصرفه في عشائه تلك الليلة أي ليلة واحدة كما في رواية أحمد والحاكم (من زرعه وماله) ويقتصر على ما يشد الرمق أي بشين معجمة بقية الروح أو مهملة أي بسد الخلل الحاصل من الجوع قال الطيبي: وأفرد الضمير فيهما باعتبار المنزل عليه والمضيف وهو واحد ثم هذا في المضطر أو في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المارة (1)
(حم د ك) في الأطعمة (عن المقدام) بن معد يكرب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: إسناده على شرط الصحيح
_________
(1) وقال العلقمي: قال شيخنا: هذه الأحاديث كانت في أول الأمر حين كانت الضيافة واجبة وقد نسخ وجوبها وقد أشار إليه أبو داود بقوله باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره(3/151)
2985 - (أيما رجل كشف سترا) أي أزاله أو نحاه (فأدخل بصره) يعني نظر إلى ما وراء الستر من حرم أو غيرهن (من قبل أن يؤذن له) في الدخول (فقد أتى حدا لا يحل أن يأتيه) أي فيحرم عليه ذلك (ولو أن رجلا) من أصحاب ما وراء المكشوف من الستر (فقأ عينه) أي الناظر أي قذفه بنحو حصاة فقلع عينه (لهدرت) أي عينه فلا يضمنها الرامي وفيه حجة للشافعي أن من نظر من نحو كوة أو شق إلى بيت لا محرم له فيه فرماه صاحب البيت فقلع عينه هدر وأوجب أبو حنيفة الضمان (ولو أن رجلا مر على باب) أي منفذ نحو بيت (لا سترة عليه) أي ليس عليه باب [ص:152] من نحو خشب يستر ما وراءه عن العيون (فرأى عورة أهله) من الباب (فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل الباب) في تركهم ما أمروا به من الستر وقلة مبالاتهم باطلاع الأجانب على عوراتهم وفي نسخ بدل الباب البيت وهي أقعد قال الزين العراقي: فيه أنه يحرم النظر في بيت غيره المستور بغير إذنه ولو ذميا وأنه يحرم الدخول بطريق أولى
(حم ت عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أن كلا منهما روى الكل والأمر بخلافه فإن الترمذي لم يرو إلا بعضه وتمامه عند أحمد وقال الهيثمي كالمنذري ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف(3/151)
2986 - (أيما وال ولي من أمر المسلمين شيئا) أي ولم يعدل فيهم (وقف به على جسر جهنم) يحتمل أنه أراد به الصراط ويحتمل غيره والواقف به بعض الملائكة أو الزبانية (فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو) منه عن مكانه الذي هو فيه فيقع في جهنم عضوا عضوا فعلى الإمام أن يقاسي النظر في أمر رعيته بظاهره وباطنه قال عمر: إن نمت الليل لأضيعن نفسي وإن نمت النهار لأضيعن الرعية فكيف بالنوم بين هاتين
(ابن عساكر) في التاريخ (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن عاصم) بن سفيان السقفي وقيل المخزومي(3/152)
2987 - (أيما راع غش رعيته) أي مرعيته يعني خانهم ولم ينصح لهم (فهو في النار) أي يعذب بنار جهنم شاء الله أن يعذبه قال الزمخشري: والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية ويقال من راعى هذا الشيء أي متوليه وصاحبه والرعي حفظ الشيء لمصلحته وذهب جمهور الصوفية إلى أن المراد بالراعي في هذا الخبر وما أشبهه كخبر كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو الروح الإنساني ورعية جوارحه فيجب أن يسلك بها في التخلية والتحلية أعدل المسالك وأن يعدل في مملكة وجودها لأنها بحسب الصورة هي المملكة وسلطان صولتها هو المالك ومرادهم بعدلها أن يستعمل كل جارحة فيما طلب منها شرعا على جهة الرفق والاقتصاد وأن يبدل كل خلق ذميم بخلق حميد قويم بناء على أن الخلق يقبل التغيير وهو القول المنصور اه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة (ابن يسار) ضد اليمين(3/152)
2988 - (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه) أي ساداته (فهو زان) وفي رواية للترمذي فهو عاهر وهذا نص صريح في بطلان نكاحه بغير إذن سيده وإن أجازه بعد وهو مذهب الشافعي إذ لم يقل في الخبر إلا أن يجيزه السيد
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد: حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه بلفظ أيما مملوك نكح بغير إذن مولاه فهو عاهر وفي رواية للترمذي فنكاحه باطل(3/152)
2989 - (أيما امرأة مات لها ثلاثة) وفي رواية ثلاث (من الولد) بفتحتين يشمل الذكر والأنثى وخص الثلاثة لأنها [ص:153] أول مراتب الكثرة (كن) في رواية كانوا أي الثلاث (لها) وأنث باعتبار النفس أو النسمة وهو بضم الكاف وشد النون والولد يشمل الذكر والأنثى والمفرد والجمع ويخرج السقط لكن فيه حديث مر (حجابا من النار) أي نار جهنم وتمام الحديث عند البخاري نفسه قالت امرأة: واثنان قال: واثنان هذا لفظه وكأنه أوحى إليه به حالا ولا يبعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين أو كان عنده علم به لكن أشفق عليهم أن يتكلموا فلما سئل لم يكن بد من الجواب وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم يقاربه صبر ويصرح به خبر الطبراني من مات له ولد ذكر أو أنثى سلم أو لم يسلم رضي أو لم يرض صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب دون الجنة اه قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا عمرو بن خالد فضعيف
(خ عن أبي سعيد) الخدري قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يوما فوعظهن فذكره وفي أخرى قالت امرأة: واثنان قال: واثنان(3/152)
2990 - (أيما رجل مس فرجه) أي ذكر نفسه ببطن كفه أو حلقة دبره فالمس عام مخصوص كما سيأتي بيانه (فليتوضأ) وجوبا حيث لا حائل لانتقاض طهره بمسه (وأيما امرأة مست فرجها) أي ملتقى المنفد من قبلها أو حلقة دبرها ببطن كفها (فلتتوضأ) وجوبا لبطلان طهرها به وإذا كان كذلك فمس فرج غيره أفحش وأبلغ في اللذة فهو أولى بالنقض وبهذا أخذ الشافعية والحنابلة وخالف الحنفية وسيأتي تقريره
(حم قط عن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الذهبي في التنقيح: وإسناده قوي وقال ابن حجر رحمه الله رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عنه هكذا وقيل عن المثنى بن الصباح عنه عن سعيد بن المسيب عن بسرة بنت صفوان وفي الباب طلق بن علي وغيره(3/153)
2991 - (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما فهو فكاكه من النار) أي نار جهنم (يجزى) بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز أي ينوب (بكل عظم منه عظما منه) حتى الفرج بالفرج كما في رواية (وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فهي فكاكها من النار تجزى بكل عظم منها عظما منها حتى الفرج بالفرج وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه) بفتح الفاء وتكسر أي كانتا خلاصه (من النار يجزى بكل عظمتين منهما عظما منه) فأفاد أن عتق العبد يعدل عتق أمتين (1) ولهذا كان أكثر عتق النبي صلى الله عليه وسلم ذكورا وهذا تنويه عظيم بفضل العتق لا يساويه فيه غيره إلا قليلا. قال الخطابي رحمه الله: ويندب أن لا يكون القن المعتق ناقصا عضوا بنحو عور أو شلل بل يكون سليما لينال معتقه الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه من الرق في الدنيا قال: وقد يزيد نقص العضو في الثمن كالخصي يصلح لما لا يصلح له الفحل من نحو حفظ الحرم اه. وأشار به إلى أن النقص المجبور بالمنفعة مغتفر
(طب عن [ص:154] عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة (د هـ طب عن مرة) بفتح الميم (ابن كعب) بن مرة الفهري (ت عن أبي أمامة) الباهلي وقال: حسن
_________
(1) قال القاضي: اختلف العلماء هل الأفضل عتق الإناث أم الذكور فقال بعضهم الإناث لأنها إذا عتقت كان ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد وقال آخرون عتق الذكور أفضل لما في الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث كالقضاء والجهاد ولأن من الإناث من إذا عتقت تضيع بخلاف العبيد وهذا القول هو الصحيح(3/153)
2992 - (أيما امرأة زوجها وليان) أي أذنت لهما معا أو أطلقت أو أذنت لأحدهما وقالت: زوجني بزيد وللآخر زوجني بعمرو (فهي) زوجة (للأول) أي السابق (منهما) ببينة أو تصادق معتبر فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا معا (وأيما رجل باع بيعا) أي مرتا (من رجلين فهو للأول) أي فالبيع للسابق (منهما) فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا
(حم ع ك) كلهم في النكاح إلا القزويني ففي التجارة كلهم من حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وحسنه الترمذي وقال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي قال ابن حجر: وصحته موقوفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة فإن رجاله ثقات(3/154)
2993 - (أيما امرأة نكحت) أي تزوجت (على صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة والمد: أصله العطية وهي المسمى بالحلوان وقيل هو عطية خاصة (أو عدة) ظاهره أنه يلزمه الوفاء وعند ابن ماجه أو هبة بدل عدة (قبل عصمة النكاح) أي قبل عقد النكاح (فهو لها) أي مختص بها دون أبيها لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه لأبيها ما شرط فليس لأبيها حق فيه إلا برضاها (وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي وما شرط من نحو هبة أو عدة مع عقد النكاح فهو ثابت لمن أعطيه ولا فرق بين الأب وغيره قال الخطابي: هذا موكول على ما شرطه الولي لنفسه غير المهر (وأحق ما أكرم) بضم فسكون فكسر (عليه الرجل) أي لأجله فعلى للتعليل (ابنته (1)) بالرفع خبر أحق وقد ينصب على حذف كان تقديره أحق ما أكرم لأجله الرجل إذا كانت ابنته (أو أخته) قال ابن رسلان: ظاهر العطف أن الحكم المذكور لا يختص بالأب بل في معناه كل ولي ولم أر من قال به
(حم د ن هـ عن ابن عمرو) ابن العاص
_________
(1) وبهذا قال إسحاق بن راهويه وقد روى عن زين العابدين أنه زوج ابنته واشترط لنفسه شيئا وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين وقال للزوج: جهز امرأتك وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وسفيان النووي ومالك في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب قال أصحابنا: ولو نكح بألف على أن لأبيها أو أن يعطي أباها ألفا فالمذهب فساد الصداق المسمى ووجوب مهر المثل لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد والمهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها(3/154)
2994 - (أيما امرأة) ثيب أو بكر (زوجت نفسها من غير ولي فهي زانية) نص صريح في اشتراط الولي لصحة النكاح وبهذا أخذ الشافعي وقوله من غير ولي إيضاح
(خط عن معاذ) بن جبل قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وفيه أبو عصمة نوح بن أبي مريم قال يحيى ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال السعدي: سقط حديثه وقال مسلم والدارقطني ونوح وضع حديث فضائل القرآن(3/154)
[ص:155] 2995 - (أيما امرأة تطيبت) أي استعملت الطيب الذي هو ذو الريح (ثم خرجت إلى المسجد) تصلي فيه (لم تقبل لها صلاة) ما دامت متطيبة (حتى تغتسل) يعني تزيل أثر ريح الطيب بغسل أو غيره أي لأنها لا تثاب على الصلاة ما دامت متطيبة لكنها صحيحة مغنية عن القضاء مسقطة للفرض فعبر عن نفي الثواب بنفي القبول إرعابا وزجرا
(هـ عن أبي هريرة) وفيه عاصم بن عبد الله ضعفه جمع(3/155)
2996 - (أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه) فيه حجة لمذهب الليث أن الممتنع وصل الشعر بالشعر أما لو وصلت شعرها بغير شعر كخرقة وصوف فلا يشمله النهي وبه أخذ بعضهم وضعفه الجمهور مطلقا (1)
(ن عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره
_________
(1) وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة(3/155)
2997 - (أيما رجل أعتق أمة ثم تزوج بها بمهر جديد فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج
(طب عن أبي موسى) الأشعري(3/155)
2998 - (أيما رجل قام إلى وضوئه) يحتمل كونه بفتح الواو أي الماء ليتوضأ منه ويحتمل بالضم أي إلى فعل الوضوء (يريد الصلاة) بذلك الوضوء (ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة) تقطر منهما قال القاضي: هو مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وكذا يقال فيما بعده وقال الطيبي: هذا وما بعده تمثيل وتصوير لبراءته عن الذنوب كلها على سبيل المبالغة لكن هذا العام خص بالتغاير (فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة) تقطر منه (فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له ومن كل خطيئة كهيئة (يوم ولدته أمه) ويصير سالما من الذنوب مثل وقت ولادته (فإذا قام إلى الصلاة) وصلاها (رفعه الله عز وجل بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن قعد) أي عن الصلاة أي لم يصلها بذلك (قعد سالما) من الخطايا قال الطيبي: فإن قلت ذكر لكل عضو ما يختص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك العضو والوجه مشتمل على الأنف والفم فلم خصت بالذكر دونهما قلت العين طليعة القلب ورائده وكذا الأذن فإذا ذكرا أغنيا عن سائرها قال: والبصر واليد والرجل كلها تأكيدات تفيد مبالغة في الإزالة واعلم أنه قد زاد في رواية للطبراني بعد غسل اليدين إلى المرفقين فإذا مسح برأسه تناثرت خطاياه من أصول الشعر والمراد بخطايا الرأس نحو الفكر في محرم وتحريك الرأس استهزاء بمسلم وتمكين المرأة أجنبيا من مسه مثلا والخيلاء بشعره والعمامة وإرسال العذبة فخرا وكبرا ونحو ذلك <تنبيه> قال القصيري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل يديه تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ونفضهما مما يشغله عنه وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته [ص:156] وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يملكه ويهبطه من أعلا عليين إلى أسفل سافلين وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله وتطهير الأنف من الأنفة والكبر والعين من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر واليدين تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله والرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز وهكذا ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى
(حم عن أبي أمامة) الباهلي قال المنذري: رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسبها الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به(3/155)
2999 - (أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله) أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله (فبلغ) إلى العدو (مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة) أي مثل أجر نسمة (أعتقها من ولد إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليه السلام (وأيما رجل شاب في سبيل الله) أي في الجهاد أو في الرباط يعني من هول ذلك ويحتمل أن المراد داوم على الجهاد حتى أسن (فهو له نور) أي فالشيب نور له فإن قلت: ورد في غير ما خبر أن الشيب نور لكل مؤمن فما الذي تميز به هذا المجاهد قلت: فالشيب في نفسه نور لكل مؤمن كما في حديث فالحاصل لهذا الرجل نور على نور (وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فكل عضو من المعتق) بكسر التاء (بعضو من المعتق) بفتحها (فداء (1) من النار) أي يجعله الله له فداء من نار جهنم والمرأة مثل الرجل (وأيما رجل قام) أي هب من نومه أو تحول من مقعده (وهو) أي والحال أنه (يريد الصلاة) يعني التهجد (فأفضى الوضوء إلى أماكنه سلم من كل ذنب وخطيئة هي له فإن قام إلى الصلاة رفعه الله بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن رقد) بعد ذلك (رقد سالما) من الذنوب والبلايا لحفظ الله له ورضاه عنه
(طب عن عمرو بن عبسة) بن عامر أو ابن خالد السلمي
_________
(1) بنصب فداء على الحال أو التمييز أو المفعول المطلق والمراد مثل الرجل(3/156)
3000 - (أيما وال ولي أمر أمتي بعدي (1) أقيم على الصراط) أي وقف به على متن جهنم (ونشرت الملائكة صحيفته) التي فيها حسناته وسيئاته (فإن كان عادلا نجاه الله بعدله) أي بسبب عدله بين خليقته (وإن كان جائرا انتفض به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله) أي تفارق كل مفصل مفصل منه (حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة عام) يعني بعدا كثيرا جدا فالمراد التكثير لا التحديد كما في نظائره (ثم ينخرق به الصراط فأول ما يتقي به النار أنفه وحر وجهه) لأنه لما [ص:157] خرق حرمة من قلده الله أمره من عباده واستهان بهم وخان فيما جعل أمينا عليه ناسب أن ينخرق به متن الصراط والجزاء من جنس العمل وهذا وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد والظاهر أن في الحديث تقديما وتأخيرا وأن الانخراق به قبل تفرق أعضائه ثم تتفرق أعضاؤه من الهوى وقد يقال هو على بابه ويكون المراد بالأعضاء اليدين والرجلين خاصة
(أبو القاسم بن بشران في أماليه عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه
_________
(1) قوله بعدي قيد بالبعدية لإخراج من ولي أمر أمته في حياته من أمرائه فإنه لا يجري فيه التفصيل الآتي لأنهم كلهم عدول(3/156)
3001 - (أيما مسلم استرسل إلى مسلم) أي استأنس واطمأن إليه (فغبنه) في بيع أو شراء أي غلبه بنقص في العوض أو غيره (كان غبنه ذلك ربا) أي مثل الربا في التحريم ومنه أخذ بعض الأئمة ثبوت الخيار في الغبن ومذهب الشافعي رضي الله عنه لا حرمة ولا خيار لتفريط المشتري بعدم الاحتياط
(حل عن أبي أمامة) ورواه عنه الطبراني أيضا باللفظ المزبور وفيه موسى بن عمير القرشي الراوي عن مكحول قال الذهبي قال أبو حاتم ذاهب الحديث(3/157)
3002 - (أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة) الظاهر أن المراد بقعودها عليهم تعزبها ليتمهم وصبرها عن الرجال وعن التوسع في النفقة منهم لأجل الأولاد وأن المراد بالمعية المعية في السبق إلى الجنة بقرينة خبر أنا أول من يدخل الجنة لكن تبادرني امرأة فأقول من أنت فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي وأما درجة المصطفى صلى الله عليه وسلم فليس معه فيها أحد
(ابن بشران) في أماليه (عن أنس)(3/157)
3003 - (أيما راع) أي حافظ مؤتمن على شيء من أمور المسلمين وكل من وكل بحفظ شيء فهو راع ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام وأمرائه ولاية أمور الرعية (لم يرحم رعيته) بأن لم يعاملهم بالرحمة ولم يذب عنهم وأهمل أمرهم وضيع حقهم (حرم الله عليه الجنة) أي دخولها قبل تطهيره بالنار لأن الراعي ليس بمطلوب لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فإذا لم يتصرف فيه بما أمر به فقد غش وخان فاستحق دخول دار الهوان وهذا شامل حتى للرجل الذي هو من آحاد الناس فإنه راع لعياله فإذا لم ينظر إليهم بالشفقة والعطف والإحسان فهو داخل في هذا الوعيد الشديد نسأل الله الغفران وأن يرضي عنا خصماءنا يوم الحساب والميزان
(خيثمة الطرابلسي في جزئه) الحديثي (عن أبي سعيد) الخدري(3/157)
3004 - (أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة) تعميم بعد تخصيص (حتى يكبر (1)) أي يطعن في السن (أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا) بالتشديد أي مثل ثوابهم أجمعين. قال في الفردوس: النشئ الأحداث الواحد ناشئ مثل خادم وخدم وأنشأ الرجل إذا ابتدأ والنشئ ابتداع الشيء وابتداؤه اه. وظاهره أن هذا الثواب الموعود إنما هو في علم شرعي قصد بطلبه وجه الله تعالى
(طب عن أبي أمامة) قال في الميزان: هذا منكر جدا اه. وقال الهيثمي: فيه يوسف [ص:158] ابن عطية متروك الحديث
_________
(1) بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن ويموت على ذلك قال في الصحاح: كبر بمعنى طعن في السن بكسر الباء في الماضي وفتحها في المضارع وأما كبر بمعنى عظم فهو بضمها فيهما(3/157)
3005 - (أيما قوم نودي فيهم بالأذان صباحا كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى) ذلك اليوم وتلك الليلة (حتى يمسوا وأيما قوم نودي فيهم بالأذان مساء كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى حتى يصبحوا) أي يدخلوا في الصباح والظاهر أن المراد بالعذاب هنا القتال بدليل خبر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل بساحة قوم فسمع الأذان كف عن القتال ذلك اليوم
(طب عن معقل ابن يسار) قال الهيثمي: فيه أغلب بن تميم وهو ضعيف(3/158)
3006 - (أيما مال أديت زكاته) الشرعية لمستحقيها (فليس بكنز (1)) فلا يدخل صاحبه بادخاره في قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}
(خط) من حديث عبد العزيز البالسي (عن جابر) أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح قال أحمد: اضرب على حديث عبد العزيز البالسي فإنه كذاب وقال موضوع
_________
(1) وإن دفن في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن لم يدفن فيدخل صاحبه في آية والذين يكنزون(3/158)
3007 - (أيما راع استرعى رعية) أي طلب منه أن يكون راعي جماعة أي أميرهم (فلم يحطها) أي لم يحفظها يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا حفظه وصانه وذب عنه (بالأمانة والنصيحة) أي بإرادة الخير والصلاح (ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء (1) يعني أنه يبعد عن منازل الأبرار ويساق مع العصاة إلى النار فإذا طهر من دنسه شمله الغفران وصلح إلى جوار الرحمن قال العارف ابن عربي: فالحاكم خليفة الله فإن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما هم فيه من فنون اللذات وميل الشهوات ولم ينظر في أحوال من أمر النظر في أحواله من رعاياه فقد عزل نفسه عن الخلافة بفعله ورمت به المرتبة وبقي عليه السؤال من الله والوبال والخيبة وفقد الرياسة والسيادة وحرمه الله خيرها وندم حيث لا ينفعه الندم
(خط عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب العبسي
_________
(1) بمعنى أنه يحرم منها وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لأن رحمة الله ترجى للعاصين(3/158)
3008 - (أيما وال ولي شيئا من أمر أمتي) أمة الإجابة (فلم ينصح لهم) في أمر دينهم ودنياهم (ويجتهد لهم) فيما يصلحهم (كنصيحته وجهده) أي اجتهاده (لنفسه كبه الله تعالى على وجهه يوم القيامة في النار) نار جهنم (1) لأن الله تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم النصيحة لهم لا لنفسه فلما قلب القضية استحق النار الجهنمية
(طب عن معقل بن يسار) ضد اليمين
_________
(1) أي ألقاه الله فيها على وجه الإذلال والإهانة والاحتقار وقد تدركه الرحمة فيعفى عنه(3/158)
3009 - (أيما وال ولي على قوم فلان) لهم أي لاطفهم بالقول والفعل (ورفق) بهم وساسهم بلطف (رفق الله تعالى [ص:159] به يوم القيامة) في الحساب والعتاب ومن عامله بالرفق في ذلك المقام فهو من السعداء بلا كلام والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله
(ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب عن عائشة) رضي الله عنها(3/158)
3010 - (أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع) بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس (فإن عليه مثل أوزار من اتبعه) على ذلك (ولا ينقص من أوزارهم شيئا) فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع) بالبناء للمجهول أيضا أي اتبعه قوم عليها (فإن له مثل أجور من اتبعه) منهم (ولا ينقص من أجورهم شيئا) فإن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة على الخير قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} {وتعاونوا على البر والتقوى} {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} وفيه حث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به
(هـ عن أنس)(3/159)
3011 - (أين الراضون بالمقدور) أي بما قدره الله تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم قليل (أين الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه ميل إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل:
أشد الغم عندي في سرور. . . تيقن عنه صاحبه انتقالا
ولست بمفراح إذا الدهر سرني. . . ولا جازع من صرفه المتقلب
وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا
(هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا)(3/159)
3012 - (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها) {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونه. . . بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
قال الفخر الرازي: يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته {نحن [ص:160] قسمنا بينهم معيشتهم} وقال الزمخشري: قيل لبزرجمهر: تعال نتناظر في القدر قال: وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا دل على باطن ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن التدبير ليس للعباد وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا وبين كيفية الإجمال بقوله فيه (خذوا ما حل) لكم تناوله (ودعوا) أي اتركوا (ما حرم) عليكم أخذه ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقا قدر له لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه والعبد أسير القدرة سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل الله به فإنها إنما تكون بالله والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر باضطراره عالم بافتقاره والدنيا حجاب الآخرة ومن كشف عن بصر قلبه رأى الآخرة بعين إيقانه ومن نظر إلى الآخرة زهد في الدنيا إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال: إن لي نفسا تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى مناصب الآخرة
(هـ عن جابر)(3/159)
3013 - (أيها الناس عليكم بالقصد) أي الزموا السداد والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (عليكم بالقصد) كرره للتأكيد قال الحكماء: الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر: أيها الملك عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز (فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما والملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال في الفعل والاعراض عنه وهذا مستحيل في حقه فإسناد الملال إليه تقدس على طريق المشاكلة من قبيل {وجزاء سيئة سيئة مثلها} أو هو محمول على غايته وهو الاعراض
(هـ ع حب عن جابر) بن عبد الله(3/160)
3014 - (أيها الناس) قال ابن مالك في شرح الكافية: إذا قلت أيها الرجل فأيها والرجل كاسم واحد وأي مدعو والرجل نعت له ملازم لأن أي مبهم لا يستعمل بغير صلة إلا في الجزاء والاستفهام وها حرف تنبيه فإذا قلت يا أيها الرجل لم يصح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة وأي يتوصل به إليه وإن قصد به مؤنث زيدت التاء نحو {يا أيتها النفس المطمئنة} (اتقوا الله) أي بالغوا في الخوف منه باستحضار ما له من العظمة وإظهار نواميس العدل يوم الفصل (فوالله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى) له (منه يوم القيامة) (1) الذي يظهر فيه عدله أتم الظهور ويدين فيه العباد بما فعلوا ولهذا لما سب رجل الحجاج عند الحسن فقال مه فإن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه
(عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) حيث لم يعف عنه المظلوم ولم تحفه العناية الإلهية فيرضيه الله عنه وذكر المؤمن غالبي فمن له ذمة أو عهد أو أمان كذلك(3/160)
3015 - (أيها الناس لا تعلقوا علي بواحدة) أي لا تأخذوا علي في فعل ولا قول واحد يعني لا تنسبوني فيما أشرعه وأسنه [ص:161] كان وحيا إلهيا وحكما ربانيا أي ما لم يقم دليل على أن ذلك من الخصوصيات (ما أحللت إلا ما أحل الله تعالى وما حرمت إلا ما حرم الله تعالى) أي فإني مأمور في كل ما آتيه أو أذره وقد فرض الله في الوحي اتباع الرسول فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله {وما آتاكم الرسول فخذوه} ومن رد فإنما رد على الله <تنبيه> قال العارف ابن عربي: لو جاز أن يجيء الكاذب بما جاء به الصادق لانقلبت الحقائق وتبدلت القدرة بالعجز ولاستند الكذب إلى حضرة العز وهذا كله محال وغاية الضلال فما ثبت للواحد الأول يثبت للثاني في جميع الوجوه والمعاني
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة)(3/160)
3016 - (أيها المصلي وحده) أي المنفرد عن الصف (ألا) هلا (وصلت إلى الصف فدخلت) معهم (أو جررت إليك رجلا) من الصف ليصطف معك (إن ضاق بك المكان) أي الصف (فقام معك) فصرتما صفا (أعد صلاتك) التي صليتها منفردا عن الصف (فإنه لا صلاة لك) أي كاملة قاله لرجل رآه يصلي خلف القوم والأمر بالإعادة للندب لا للوجوب
(طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة ابن معبد رواه عنه أبو يعلى وفيه مالك بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة ضعفه أبو داود عن السري بن إسماعيل قال يحيى: استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك(3/161)
3017 - (أيتها الأمة) أي أمة الإجابة (إني لا أخاف عليكم فيما لا تعلمون) فإن الجاهل إذا لم يقصر معذور (ولكن انظروا) أي تأملوا (كيف تعملون فيما تعلمون) قال عيسى عليه الصلاة والسلام: مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت وكذا من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وقال ابن دينار: إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفاء وقال السقطي: اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر فسألته فقال: قيل لي في النوم كيف تضيع العلم ضيعك الله فقلت: إني لا أحفظه قال: حفظه العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل
(حل) من حديث الحسين بن جعفر القتات عن حميد بن صالح عن فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن عبيد الله بن موهب المدني(3/161)
3018 - (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء (عبد زار أخا له في الله (1) نودي) من قبل الله على لسان بعض ملائكته (أن طبت) في نفسك (وطابت لك الجنة ويقول الله عز وجل عبدي زارني علي قراه) أي علي ضيافته (ولن أرضى لعبدي بقرى دون الجنة) أضاف الزيارة إليه تعالى وإنما هي للعبد المزور العاجز حثا للخلق على المؤاخاة في الله والتزاور والتحابب فيه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن زيارة المؤمن لأخيه في الله تعالى عيادة لله من حيث أنها إنما فعلت لوجه الله فهو على المجاز والاستعارة فافهم. [ص:162]
(ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس)
_________
(1) وفي العزيزي في بالفاء كما في كثير من النسخ(3/161)
3019 - (أي) بفتح الهمزة وتخفيف الياء مقلوب يا وهو حرف نداء ذكره أبو البقاء (أخي) ناداه نداء تعطف وشفقة ليكون أدعى إلى الإمتثال والقبول {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (إني موصيك بوصية (1) فاحفظها) عني (لعل الله أن ينفعك بها) أي باستحضارها والعمل بمضمونها (زر القبور) أي قبور المؤمنين لا سيما الصالحين (تذكر بها) أي بزيارتها أو مشاهدة القبور والاعتبار بحال أهلها (الآخرة) لأن من رأى مصارع من قبله وعلم أنه عما قريب صائر إليهم حركه ذلك لا محالة إلى تذكر الآخرة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله بالليل؟ قال: لا (بالنهار) لما في الليل من مزيد الاستيحاش ولعل هذ لغير الكاملين أما من أنسه ليس إلا بالله ووحشته ليست إلا من الناس فهما في حقه سيان بشهادة خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ليلا يستغفر لأهله وتكون الزيارة (أحيانا) لا في كل وقت (ولا تكثر) منها لئلا تتعطل عن مهماتك الأخروية والدنيوية قال السبكي: وزيارتها أقسام أحدها لمجرد رؤيتها بغير معرفة بأصحابها ولا قصد استغفار لهم ولا تبرك بهم ولا أداء حق لهم وهو مستحب لهذا الخبر الثاني الدعاء لهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وهو مستحب لكل ميت مسلم الثالث للتبرك إذا كانوا صلحاء قال السارمساجي المالكي: وذلك في غير قبر بني بدعة وفيه نظر الرابع لأداء حقهم فمن له حق على إنسان يبره بزيارته ومنه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فينبغي ذلك رحمة للميت ورقة وتأنيسا والآثار في انتفاع الموتى بزيارة الأحياء وإدراكهم لها لا تحصى (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو) أي فارغ من الروح (عظة بليغة) وأعظم بها من عظة قال الذهبي: هو دواء للنفوس القاسية والطباع المتكبرة وقيل لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلة الأموات وقال بعضهم: لنا من كل ميت نشاهده عظة بحاله وعبرة بمآله والموعظة بفتح الميم الوعظ وهي التذكير بالعواقب وقال بعضهم: الموعظة التذكير بالله وتليين القلوب بالترغيب والترهيب (وصل على الجنائز) من عرفت منهم ومن لم تعرف (لعل ذلك يحزن قلبك فإن الحزين في ظل الله تعالى) أي في ظل عرشه أو تحت كنفه (معرض لكل خير وجالس المساكين) أي والفقراء إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (وسلم عليهم) أي ابتدئهم بالسلام (إذا لقيتهم) في الطرق وغيرها (وكل مع صاحب البلاء تواضعا لله تعالى) بمؤاكلته (وإيمانا به) أي تصديقا بأنه لا يصيبك من ذلك البلاء إلا ما قدر عليك في الأزل وأنه لا عدوى ولا طيرة وهذا خوطب به من قوي توكله كما خاطب بقوله فر من المجذوم من كان ضعيف التوكل فالتدافع مدفوع (والبس الخشن الضيق من الثياب) من نحو قميص وجبة وعمامة (لعل العز والكبرياء لا يكون لهما فيك مساغ وتزين أحيانا) بالملابس الحسنة (لعبادة ربك) كما في الجمعة والعيدين (فإن المؤمن كذلك يفعل) أي يلبس الخشن حتى إذا جاء موسم من المواسم الإسلامية [ص:163] أو اجتماع لعبادة تزين (تعففا) أي إظهارا للعفة على الناس (وتكرما) عليهم (وتجملا (2)) بينهم حتى يدفع عنه سمة الفقر ورثاثة الهيئة (ولا تعذب شيئا مما خلق الله بالنار) فإنه لا يعذب بالنار إلا خالقها وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وهذا هو المقام الذي درج عليه جمهور الأولياء والعاقل من تبعهم في ذلك فإن قيل إن بعض الصحب كان يلبس الحلة بخمس مئة دينار ولبس طاوس اليماني بردة بسبعين دينارا ولبس الشافعي حلة بألف دينار كساها له محمد بن الحسن لما ورد بغداد ومعلوم أن هؤلاء موصوفون بكمال الزهد فالجواب أنهم لم يفعلوه رغبة في الدنيا بل اتفاقا أو بيانا لامتهانهم إياها أو عملا برخصة الشارع أحيانا فإنه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقد قال بعض العارفين: إذا أحكم العبد مقام الزهد لم يضره ما لبس وأكل <فائدة> أخبرنا والدي الشيخ تاج العارفين المناوي الشافعي قال: حدثنا الشيخ الصالح زين الدين معاذ قال: حدثنا شيخ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام شرف الدين يحيى المناوي من حفظه ولفظه إملاء عن المحقق الحافظ أبي زرعة القرافي عن قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن أحمد بن عساكر عن زينب الشقرية عن علامة الإسلام أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري لنفسه:
ليس السيادة أكماما مطرزة. . . ولا مراكب يجري فوقها الذهب
وإنما هي أفعال مهذبة. . . ومكرمات يليها العقل والأدب
وما أخو المجد إلا من بغى شرفا. . . يوما فهان عليه النفس والسلب
وأفضل الناس حر ليس يغلبه. . . على الحجى شهوة فيه ولا غضب
(ابن عساكر) في ترجمة أبي ذر (عن أبي ذر) وفيه موسى بن داود أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول ويعقوب ابن إبراهيم لا يعرف عن يحيى بن سعيد عن رجل مجهول
_________
(1) أي بليغة عظيمة النفع لمن فتح الله قفل قلبه وجعل خليفته مستقيمة وأذنه سميعة
(2) يحتمل أنه بالحاء المهملة أي تحملا عنهم مؤونة مواساته ويحتمل بالجيم أي تجملا في الملبس للتحدث بالنعمة(3/162)
3020 - (أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا) أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعد (1) وكان صلى الله عليه وسلم واقفا على شفير قبر وبكى حتى بل الثرى وإذا كان هذا حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا؟ والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل خصوصا الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير ولله در حسان رضي الله عنه حيث يقول:
تخير خليلا من فعالك إنما. . . قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
(تتمة) حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال: يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال: من خيرهم ومن شرهم قال: يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال: ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال: نعم والله العدة ثم قال الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني. . . أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد. . . عنيف وسواق يسوق الفرزدقا [ص:164]
(حم هـ عن البراء) بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى ثم ذكره قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه: إسناده حسن وفيه محمد بن مالك أبو المغيرة قال في الميزان: قال ابن حبان لا يحتج به ثم أورد له هذا الخبر
_________
(1) أي فليتخذ عدة تنفعه في بيت الظلمة والوحشة وهو العمل الصالح(3/163)
3021 - (أيحسب) الهمزة للإنكار (أحدكم) فيه حذف تقديره أيظن أحدكم (إذا كان يبلغه الحديث عني) حال كونه (متكئا على أريكته (1) أي سريره أو فراشه أو منصته وكل ما يتكؤ عليه فهو أريكة قال القاضي: الأريكة الحجلة وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس جمعها أرائك وقال الراغب: سميت به إما لكونها متخذة من الأراك أو لكونها مكانا للإقامة وأصل الأراك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات قال البغوي: أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم وقال المظهر: أراد بالوصف التكبر والسلطنة (أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن (2)) هذا من تتمة مقولة ذلك الإنسان أي قد يظن بقوله بيننا وبينكم كتاب الله أن الله لم يحرم إلا ما في القرآن وما ذكر من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقع للمصنف عازبا لأبي داود وقد سقطت منه لفظة وأصله أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا هكذا هو ثابت في رواية أبي داود فسقط من قلم المؤلف لفظ يظن قال بعض شراح أبي داود وقوله يظن بدل من يحسب بدل الفعل من الفعل كقول الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا. . . تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
فقوله تلمم بدل من تأتنا لأن الإلمام نوع من الإتيان (ألا) يعني تنبهوا لما ألقيه عليكم (وإني والله قد أمرت) بفتح الهمزة والميم (ووعظت) ومتعلق الأمر والوعظ محذوف أي أمرت ووعظت بأشياء (ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن) بكسر الميم وسكون المثلثة وتفنح أي قدره (أو أكثر) وهي في الحقيقة مستمدة مني فإنها بيان له {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس} قال المظهر: أو في قوله أو أكثر ليست للشك لترقبه الزيادة طورا بعد طور ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ثم كوشف بالزيادة متصلا به قال الطيبي: مثلها في قوله تعالى {مئة ألف أو يزيدون} (وإن الله تعالى لم يحل لكم) بضم الياء وكسر الحاء (أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب) أي أهل الذمة (إلا بإذن) منهم لكم صريحا وفي معنى بيوتهم متعبداتهم من نحو كنيسة وبيعة (ولا ضرب نسائهم) أي ولا يحل لكم ضرب أحد نسائهم لأخذ الطعام أو غيره قهرا أو لتجامعوهن فلا تظنوا أن نساء أهل الذمة حل لكم كنساء الحربيين (ولا أكل ثمارهم) أي ونحوها من كل مأكول (إذا أعطوكم الذي عليهم) من جزية وغيرها والحديث كناية عن عدم التعرض لهم بالإيذاء في أهل أو مسكن أو مال إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية وإنما [ص:165] وضع قوله الذي عليهم موضع الجزية إيذانا بفخامة العلة وفيه وجوب طاعة الرسول وقد نطق به التنزيل قال الطيبي: وكلمة التنبيه مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية معطية معنى تحقق ما بعدها ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا مصدرا بما يصدر به جواب القسم وشقيقتها أما وتكررها يؤذن بتوبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا مع الكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث؟ قيل وما أوتيه غير القرآن على أنواع: أحدها الأحاديث القدسية التي أسندها إلى رب العزة. الثاني ما ألهم. الثالث ما رآه في النوم. الرابع ما نفث جبريل عليه السلام في روعه أي في قلبه في غير ما موضع
(د) في الخراج (عن العرياض) بكسر العين المهملة وفتح التحتية ابن سارية السلمي بضم المهملة قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وكان صاحبها ماردا متكبرا فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمر ابن عوف أن يركب فرسا وينادي إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وإن اجتمعوا للصلاة فاجتمعوا فصلى بهم فذكره قال المناوي رحمه الله: فيه أشعث بن شعبة المصيصي فيه مقال
_________
(1) في النهاية: الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر ولا يسمى منفردا أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة اه. قال ابن رسلان: ويترجح هذا هنا فإنهم كانوا في غزوة خيبر ولم تكن الحجلة موجودة عليه وهي بفتح الحاء والجيم بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار
(2) ليس بظاهر بل المقول محذوف أي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله إن الله لم يحرم إلخ(3/164)
3022 - (أيمن امرئ وأشأمه) أي أعظم ما في جوارح الإنسان يمنا أي بركة وأعظم ما فيها شؤما أي شرا (ما بين لحييه) وهو اللسان واللحيان بفتح اللام وسكون المهملة العظمان اللذان بجانبي الفم فقوله أيمن بضم الميم من اليمن وهو البركة وأشأم بالهمزة بعد الشين من الشؤم وهو الشر وقد مر مرارا أن أكثر خطايا ابن آدم من اللسان وأن الأعضاء كلها تكفره وأنه إن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت فهو المتبوع والإمام في الخير والشر
(طب عن عدي بن حاتم)(3/165)
(فصل في المحلى بأل من هذا الحرف) أي حرف الهمزة وهو ختامه(3/165)
3023 - (الآخذ) بالمد (بالشبهات) جمع شبهة وهي هنا محل تجاذب الأدلة وتعارض المعاني والأسباب واختلاف العلماء (يستحل الخمر بالنبيذ) أي يتناول الخمر بالنبيذ ويقول النبيذ حلال (والسحت بالهدية) أي يتناول ما يصل إليه من نحو الظلمة أو ما يأخذ من الرشوة بأنه هدية والهدية سائغة القبول والسحت بضمتين وإسكان الثاني تخفيف كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله كذا في المصباح (والبخس بالزكاة) بموحدة وخاء معجمتين وسين مهملة ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكس يتأولون فيه الزكاة والصدقة فالأخذ بالشبهات يقع فيما تحققت حرمته تثبتا بمجرد احتمال محض لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي وهو لا عبرة به وكمغصوب احتمل إباحة مالكه فهو حرام صرف
(فر عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا أبو نعيم وأبو الشيخ [ابن حبان] من طريقهما وعنهما أورده الديلمي مصرحا فعزوه إلى الأصل كان أولى ثم إن فيه بشار بن قيراط قال الذهبي: متهم أي بالوضع(3/165)
3024 - (الآخذ والمعطي سواء في الربا) أي آخذ الربا ومعطيه في الإثم سواء لا مزية لأحدهما على الآخر فيه فليس الإثم مختصا بآخذه كما قد يتوهم وإن كان الآخذ محتاجا كما مر لكن الذي يظهر أنه يكون عند احتياجه أقل إثما فالتساوي في الإثم لا في مقداره
(قط ك عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي ومن طريقه خرجه الدارقطني. [ص:166](3/165)
3025 - (الآمر) بالمد (بالمعروف) أي في الشيء المعروف في الشرع بالحسن (كفاعله) في حصول الأجر له والإثابة عليه في الآخرة
(يعقوب بن سفيان في مشيخته) أي في الجزء الذي جمعه في تراجم مشايخه (فر) كلاهما (عن عبد الله بن جراد) الخفاجي العقيلي وفيه عمرو بن إسماعيل بن مجالد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي والدارقطني متروك عن يعلى بن الأشدق قال البخاري وغيره لا يكتب حديثه(3/166)
3026 - (الآن حمي الوطيس) بفتح فكسر التنور أو شبهه أو الضراب في الحرب أو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأها عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق من قبيل الاستعارة لشدة المعركة والتحامها وقرنها بالحمو ترشيحا للمجاز قاله يوم حنين وقد نظر إلى الجيش وهو على بغلته وفي رواية هذا حمى الوطيس قال الطيبي: هذا مبتدأ والخبر محذوف أي هذا القتال حين اشتد الحرب وهذا لفظ بديع لم يسمع بمثله
(حم م عن العباس) بن عبد المطلب (ك عن جابر) بن عبد الله (طب عن شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدي الجبحي المكي قتل علي أباه يوم أحد وأسلم هو يوم الفتح(3/166)
3027 - (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) بنونين وفي رواية بنون أي في هذه الساعة تبين لي من الله أنا أيها المسلمون نسير إلى كفار قريش ويكون لنا الظفر عليهم ولا يسيرون إلينا ولا يظفرون علينا أبدا قاله حين أجلي عنه الأحزاب وهذا من معجزاته فقد كان كذلك فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة قال السيرافي: معنى الآن أنه الزمان الذي يقع فيه كلام المتكلم وهو الزمان الذي هو آخر ما مضى وأول ما يأتي من الأزمنة وفي شرح المفصل للأندلسي الفرق بين الزمان والآن أن الزمان ماله مقدار يقبل التجزئة والآن لا مقدار له فإن ما كان من الأزمة متوسطا بين الماضي والمستقبل وهو اسم للوقت الحاضر وزعم الفراء أن أصله من آن يئين إذا أتى وقته كقولك آن لك أن تفعل فأدخلوا عليه أل وبنوه على ما كان عليه من الفتح وقيل أصله أو آن ثم حذفوا الواو ونوزع في ذلك
(حم خ) في المغازي (عن سليمان بن صرد) بضم ففتح ابن الجوز بفتح الجيم الخزاعي صحابي بن صحابي مشهور(3/166)
3028 - (الآن قد بردت عليه جلده) يعني الرجل الذي مات وعليه ديناران فقضاهما رجل عنه بعد يوم قال الراغب: الآن كل زمان مقدر بين زمانين ماضي ومستقبل نحو الآن أفعل كذا وأصل البرد خلاف الحرارة فتارة تعتبر ذاته فيقال برد كذا أي اكتسب بردا وبرد الماء كذا كسبه بردا ومنه البرادة لما يبرد الماء وبرد الإنسان مات لما يعرض له من عدم الحرارة بفقد الروح أو لما عرض له من السكوت وقولهم للنوم برد إما لما يعرض من البرد في ظاهر جلده أو لما يعرض له من السكون
(حم قط ك عن جابر) قال: مات رجل فغسلناه وكفناه وأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلت: ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فصلي عليه ثم قال بعد بيوم ما فعل الديناران قلت: إنما مات بالأمس فعاد عليه الغد فقال: قبضتهما فقال: الآن بردت عليه جلدته ثم قال الهيثمي: سنده حسن(3/166)
[ص:167] 3029 - (الآيات بعد المائتين) مبتدأ وخبر أي تتابع الآيات وظهور الأشراط على السابع والتوالي بعد المائتين قال الطيبي: والظاهر في اعتبار المائتين بعد الإخبار وهذا قاله قبل أن يعلمه الله تعالى بأنها تتأخر زمنا طويلا وفي الميزان: قال البخاري هذا حديث منكر. لقد مضى مائتان ولم يكن من الآيات شيء
(هـ ك) في الفتن كلاهما معا من حديث عون بن عمارة عن عبد الله بن المثنى عن أبيه عن جده (عن أبي قتادة) قال الحاكم: على شرطهما وشنع عليه الذهبي وقال: أحسبه موضوعا وعون بن عمارة ضعفوه اه. وابن المثنى ضعيف أيضا وسبقه إلى الحكم بوضعه ابن الجوزي وتعقبه المصنف فما راح ولا جاء(3/167)
3030 - (الآيات خرزات) بالتحريك جمع خرزة كقصب وقصبة (منظومات في سلك فانقطع) أي فإذا انقطع (السلك فيتبع بعضها بعضا) أي فيقع بعضها أثر بعض من غير فصل بزمن طويل قال ابن حجر: حديث ابن عمرو هذا ورد عنه ما يعارضه وهو ما أخرجه عنه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد موقوفا وخرجه عنه البالسي مرفوعا يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة هذا لفظه قال: ويمكن الجواب بأن المدة ولو كانت عشرين ومئة سنة لكنها تمر مرا سريعا كمقدار عشرين ومئة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر. الحديث
(حم ك) في الفتن (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه أي عند أحمد علي بن زيد وهو حسن الحديث(3/167)
3031 - (الآيتان من آخر سورة البقرة) وهما قوله {آمن الرسول} إلى آخر السورة (من قرأهما) بكمالهما (في ليلة) وفي رواية بعد العشاء الأخيرة (كفتاه) في ليلته شر الشيطان أو الثقلين أو الآفات أو أغنتاه عن قيام الليل أو الكل
(حم ق هـ عن ابن مسعود) ظاهر صنيعه أنه لم يخرجه من الأربعة إلا ابن ماجه وليس كما أوهم فقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي في فضائل القرآن عن ابن مسعود أيضا فاقتصاره على القزويني رحمه الله تعالى غير جيد(3/167)
3032 - (الأبدال) بفتح الهمزة جمع بدل بفتحتين خصهم الله تعالى بصفات منها أنهم ساكنون إلى الله بلا حركة ومنها حسن أخلاقهم (في هذه الأمة ثلاثون رجلا) قيل سموا أبدالا لأنهم إذا غابوا تبدل في محلهم صور روحانية تخلفهم (قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن) عليه السلام أي انفتح لهم طريق إلى الله تعالى على طريق إبراهيم عليه السلام وفي رواية قلوبهم على قلب رجل واحد قال الحكيم: إنما صارت هكذا لأن القلوب لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتعلق واحد فهي كقلب واحد قال في الفتوحات: قوله هنا على قلب إبراهيم وقوله في خبر آخر على قلب آدم وكذا قوله في غير هؤلاء ممن هو على قلب شخص من أكابر البشر أو من الملائكة معناه أنهم يتقلبون في المعارف الإلهية بقلب ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الإلهية إنما ترد على القلوب فكل علم يرد على القلب ذلك الكبير من ملك أو رسول يرد على هذه القلوب التي هي على قلبه وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان ومعناه ما ذكر وقال القيصري الرومي عن العارف ابن عربي: إنما قال على قلب إبراهيم عليه السلام لأن الولاية مطلقة ومقيدة والمطلقة هي الولاية الكلية التي جميع الولايات الجزئية أفرادها والمقيدة تلك الأفراد وكل من الجزئية والكلية تطلب ظهورها [ص:168] والأنبياء قد ظهر في هذه الأمة جميع ولاياتهم على سبيل الإرث منهم فلهذا قال هنا على قلب إبراهيم عليه السلام وفي حديث آخر على قلب موسى عليه السلام وفلان وفلان ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب الولاية الكلية من حيث أنه صاحب دائرة الولاية الكلية لأن باطن تلك النبوية الكلية الولاية المطلقة للكلية ولما كان لولاية كل من الأنبياء في هذه الأمة مظهرا كان من ظرائف الأنبياء أن يكون في هذه الأمة من هو على قلب واحد من الأنبياء (كلما مات رجل) منهم (أبدل الله مكانه رجلا) فلذلك سموا أبدالا أو لأنهم أبدلوا أخلاقهم السيئة وراضوا أنفسهم حتى صارت محاسن أخلاقهم حلية أعمالهم وظاهر كلام أهل الحقيقة أن الثلاثين مراتبهم مختلفة قال العارف المرسي: جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش رجل أشقر أزرق العين فقلت له: ما علومك ومقامك قال: علومي أحد وسبعين علما ومقامي رابع الخلفاء ورأس الأبدال السبعة قلت: فالشادلي قال: ذاك بحر لا يحاط به وقال العارف المرسي: كنت جالسا بين يدي أستاذي الشاذلي فدخل عليه جماعة فقال: هؤلاء أبدال فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالا فتحيرت فقال الشيخ: من بدلت سيئاته حسنات فهو بدل فعلمت أنه أول مراتب البدلية وأخرج ابن عساكر أن ابن المثنى سأل أحمد ابن حنبل: ما تقول في بشر الحافي بن الحارث قال: رابع سبعة من الأبدال
(حم عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما(3/167)
3033 - (الأبدال في أمتي) أمة الإجابة (ثلاثون) رجلا (بهم تقوم الأرض) أي تعمر (وبهم تمطرون وبهم تنصرون) على عدوكم لأن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم هؤلاء فيهم يغاث أهل الأرض ويكثر إدرار الفيض وفي بعض الآثار أن الأرض شكت إلى الله ذهاب الأنبياء عليهم السلام وانقطاع النبوة فقال: سوف أجعل على ظهرك صديقين ثلاثين فسكتت <تنبيه> في خبر لأبي نعيم في الحلية بدل قوله هنا بهم تقوم الأرض إلخ بهم يحيى ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء قال: وقيل لابن مسعود راوي الخبر: كيف بهم يحيي ويميت ويمطر قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء. (تتمة) روى الحكيم الترمذي أن الأرض شكت إلى ربها انقطاع النبوة فقال تعالى: فسوف أجعل على ظهرك أربعين صديقا كلما مات رجل منهم أبدلت مكانه رجلا ولذلك سموا بدلا أبدال الله أخلاقهم فهم أوتاد الأرض وبهم تقوم الأرض وبهم تمطرون
(طب عنه) أي عن عبادة قال المصنف: سنده صحيح(3/168)
3034 - (الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون) على العدو (وبهم يرزقون) أي يمطرون فيكثر النبات {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ولا ينافي تقييد النصرة هنا بأهل الشام إطلاقها فيما قبله لأن نصرتهم لمن هم في جوارهم أتم وإن كانت أعم <فائدة> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه في كتاب حلية الأبدال: أخبرني صاحب لنا قال: بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر الله تعالى إذ حسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضا عنه حصيرا وقال: صلي عليه وباب بيتي علي مغلوق فداخلني منه فزع فقال لي: من يأنس بالله لم يجزع ثم قال: اتق الله في كل حال ثم إني ألهمت الصوت فقلت: يا سيدي بماذا تصير الأبدال أبدالا فقال: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت: الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف ولا أعرف كيف دخل ولا كيف خرج وبابي مغلوق انتهى. قال العارف ابن عربي: وهذا رجل من الأبدال اسمه معاذ بن أشرس والأربعة المذكورة هي [ص:169] عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله تعالى قال: وإذا رحل البدل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي. فإن ظهر شوق من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموه وهو غائب عنهم وقد يكون هذا من غير البدل لكن الفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك غيره وغير البدل لا يعرف ذلك وإن تركه لأنه لم يحكم هذه الأربعة المذكورة في ذلك قلت:
يا من أراد منازل الأبدال. . . من غير قصد منه للأعمال
لا تطمعن بها فلست من أهلها. . . إن لم تزاحمهم على الأحوال
واصمت بقلبك واعتزل عن كل من. . . يدنيك من غير الحبيب الوالي
وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم. . . وصحبتهم في الحل والترحال
بيت الولاية قسمت أركانه. . . ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائم. . . والجوع والسهر النزيه العالي
(طب عن عوف بن مالك) قال المصنف: سنده حسن(3/168)
3035 - (الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) زاد الحكيم في رواية عن أبي الدرداء لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شخصا آخر يشبههم كما تقرر وإذا جاز في الجن أن يتشكلوا في صور مختلفة فالملائكة والأولياء أولى وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجسام وعالم الأرواح سموه عالم المثال وقالوا: إنه ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد وجه تطور الولي بثلاثة أمور: الأول أنه من باب تعدد الصور بالتمثيل والتشكل كما يقع للجان الثاني من طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد فيراه الرائيان كل في بنية وهي بنية واحدة لكن الله طوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستغراق فظن به أنه في مكانين وإنما هو في واحد وهذا أجود ما حمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم الثالث أنه من باب عظم جثة الولي بحيث ملأ الكون فشوهد في كل مكان
(حم عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال المصنف: أخرجه عنه أحمد والحاكم والطبراني من طرق أكثر من عشرة(3/169)
3036 - (الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة) فإذا كان عند قيام الساعة ماتوا جميعا ثم إنه لا تناقض بين أخبار الأربعين والثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا منهم ثلاثون قلوبهم على قلب إبراهيم وعشرا ليسوا كذلك فلا خلاف كما يصرح به خبر الحكيم عن أبي هريرة
(الخلال) في كتابه الذي ألفه (في كرامات الأولياء فر عن أنس) وأورده ابن الجوزي في الموضوع ثم سرد [ص:170] أحاديث الأبدال وطعن فيها واحدا واحدا وحكم بوضعها وتعقبه المصنف [أي السيوطي] بأن خبر الأبدال صحيح وإن شئت قلت متواتر وأطال ثم قال مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوي بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة اه. وقال السخاوي: خبر الأبدال له طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة ثم ساق الأحاديث المذكورة هنا (1) ثم قال: وأصح مما تقدم كله خبر أحمد عن علي مرفوعا البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم [أي بدعائهم] الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب ثم قال أعني السخاوي رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة اه
وقال شيخه ابن حجر في فتاويه: الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا وأما القطب فورد في بعض الآثار وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت
_________
(1) [أنظر الأحاديث 3032، 3033، 3034، 3035، 3037. دار الحديث
والحاصل كما ذكر السيوطي أن وجود الأبدال تواتر معنويا حيث أن تعريف الخبر المتواتر هو ما بلغت طرقه حدا يستحيل معه التواطؤ على الكذب وذلك بصرف النظر عن صحة تلك الطرق. فكيف وقد حكم بصحة بعض هذه الطرق أو حسنه. فنسأل الله أن يوفقنا لقبول الحق ويعصمنا من التعصب آمين. دار الحديث](3/169)
3037 - (الأبدال من الموالي) ظاهره أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم: ولا يبغض الموالي إلا منافق اه. وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضا أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئا قال الغزالي: إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال بالله وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء. (خاتمة) قال ابن عربي: الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال والإمامان أخص منهم والقطب أخص الجماعة والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ويكون على قلب عيسى له اليماني والذي على قلب نبي من الأنبياء فالذي على قلب آدم له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له العراقي والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد الله
(الحاكم في) كتاب (الكنى) له (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه بل فيه الرحال ابن سالم قال في الميزان: لا يدرى من هو والخبر منكر اه. وخرجه عنه [أي عن عطاء] أيضا أبو داود في مراسيله وإنما خالف المصنف [أي السيوطي] عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه " لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع " فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته [أي ابن تيمية] وليته نفى الرواية [أي وليته حكم بعدم صحة الأحاديث] بل نفى الوجود [أي نفى أن يكون قد ورد لفظ الأبدال في خبر صحيح أو ضعيف] وكذب من ادعى الورود ثم قال: وهذا التنزل لهذا العدد ليس حقا في كل زمن فإن المؤمنين يقلون ويكثرون وأطال وهو خطأ بين بصريح هذه الأخبار بأن كل من مات منهم أبدل بغيره
وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب والظن به أنه من القبيل الثاني. (1)
_________
(1) ما بين الأقواس المربعة أعلاه [هكذا] هو من دار الحديث
ولا يخفى ما في كلام المناوي من شدة قد اعترت الكثير من العلماء - ومنهم ابن تيمية نفسه - في معالجة بعض الأمور التي اشتد فيها الخلاف. والمتحتم علينا أن نظن الخير بحسن نياتهم جميعا حيث كانوا كالمجتهدين في مثل هذه الأمور وللمخطئ منهم أجر وللمصيب أجران كما ورد في الحديث 565: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ". وعلينا إن أردنا البحث في هذه الأمور اختيار الحق بدون تعصب والتحرز عما قد يجرح الطرف الآخر. دار الحديث(3/170)
3038 - (الأبعد فالأبعد) أي من داره بعيدة (من المسجد) الذي تقام فيه الجماعة (أعظم أجرا) ممن هو أقرب منه فكلما زاد البعد زاد الأجر لما في البعد من كثرة الخطى وفي كل خطوة عشر حسنات قال ابن رسلان: بشرط كونه متطهرا وفيه تأمل وهذا الحديث يوافقه خبر مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاهم عن بيع بيوتهم لبعدها عن المسجد وقال: إن لكم بكل خطوة درجة ولا يعارض ذلك الخبر الآتي فضل الدار القريبة من المسجد إلخ لأن كل واقعة لها حكم يخصها فأصل القضية تفضيل الدار القريبة من المسجد على البعيدة فلما ثبت لها هذا الفضل رغب كل الناس في ذلك حتى أراد بنو سلمة بيع دورهم والإنتقال قرب المسجد فكره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يعرى ظاهر المدينة فأعطاهم هذا الفضل في هذه الحالة ونزل فيه {ونكتب ما قدموا وآثارهم} وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم حين نزلت: يا بني سلمة [ص:171] دياركم تكتب آثاركم ذكره المؤلف وفي الإسناد كما قال الأزدي نظر
(حم د هـ ك هق عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح مدني الإسناد فرد اه. وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب إسناده صالح وفي الميزان المتن معروف(3/170)
3039 - (الإبل عز لأهلها) أي لملاكها (والغنم بركة) يشمل المعز والضأن (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أي منوط بها ملازم لها كأنه عقد فيها لإعانتها على جهاد أعداء الدين وقمع شر الكافرن وعدم قيام غيرها مقامها في الإجلاب والفر والكر عليهم
(هـ عن عروة) بضم العين (ابن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة أو ابن أبي الجعد (البارقي) بموحدة وقاف صحابي نزل الكوفة وكان أول من قضى بها(3/171)
3040 - (الإثمد) بكسر الهمزة والميم حجر الكحل المعروف (يجلو البصر) أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس كما مر ويأتي (ويثبت الشعر) بتحريك العين هنا أفصح للازدواج وأراد بالشعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها
(تخ عن معبد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة (بن هوذة) بالذال المعجمة بضبط المصنف وهو الأنصاري كما قال في التقريب كأصله صحابي له حديث أي وهو هذا وهو جد عبد الرحمن بن النعمان(3/171)
3041 - (الأجدع) بسكون الجيم ودال مهملة مقطوع نحو أنف أو أذن وغلب إطلاقه على الأنف (شيطان) قيل سمي به لأن المجادعة لمخاصمة وربما أدت لقطع طرف كما سمي المار بين يدي المصلي شيطانا لكون الشيطان هو الداعي إلى المرور. قال الطيبي: هو استعارة عن مقطوع الأطراف لمقطوع الحجة
(حم د هـ) جميعا في الأدب (ك) كلهم (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال المناوي: فيه مجالد بن سعيد قال أحمد: ليس بحجة وابن معين لا يحتج به والدارقطني ضعيف وكذا الحاكم اه. فعزو المصنف الحديث للحاكم وسكوته عن تضعيفه له غير سديد(3/171)
3041 - (الإحسان) أي المذكور في نحو {للذين أحسنوا الحسنى} {إن الله يحب المحسنين} {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} فأل فيه للعهد الذهني قيل وحقيقته سجية في النفس تحمل على مجازات المسيء بجوائز المحسن وقيل هو معرفة الربوبية والعبودية معا وقيل انفاق المعنى على العيان والإحسان لمن أساء كائنا من كان وقيل هو إتقان العبادة بإيقاعها على وجهها مع رعاية حق الحق مراقبته واستحضار عظمته ابتداء ودواما وهو نحو أن أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق كما قال (أن تعبد الله) من عبد أطاع والتعبد التنسك والعبودية الخضوع والذلة (كأنك تراه) بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه فجمع مع الإيجاز بيان المراقبة في كل حال والإخلاص في سائر الأعمال والحث عليهما بحيث لو فرض أنه عاين ربه لم يترك شيئا من ممكنه والثاني من لا ينتهي إلى هذه الحال لكن عليه أن الحق مطلع عليه ومشاهد له وقد بينه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (1) أي فإن لم ينته اليقين والحضور إلى هاتيك الرتبة فإلى أن تحقق من نفسك [ص:172] أنك بمرأى منه تقدس لا يخفى عليه خافية قائم على كل نفس بما كسبت مشاهد لكل أحد من خلقه في حركته وسكونه فكما أنه لا يقصر في الحال الأول لا يقصر في الحال الثاني لاستوائهما بالنسبة إلى إطلاع الله وقوله فإن لم إلخ تعليل لما قبله فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله في عبادته واستحضار قربه منه حتى كأنه يراه شق عليه فيستعين عليه بإيمانه بأن الله مطلع عليه لا يخفاه منه شيء يسهل عليه الانتقال إلى ذلك المقام الأكمل الذي هو مقام الشهود الأكبر
(م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حم ق هـ عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا
_________
(1) قال النووي: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبقية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته؟(3/171)
3043 - (الإحصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف) فإن إحصان النكاح هو الوطء في القبل في نكاح صحيح وإحصان العفاف أن يكون تحته من يعفه وطأها عن النظر إلى الوطء الحرم
(ابن أبي حاتم طس) وكذا البزار (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه مبشر بن عبيد وهو متروك اه(3/172)
3044 - (الاختصار في الصلاة) أي وضع اليد على الخصر (راحة أهل النار) يعني اليهود لأن ذلك عادتهم في العبادة وهم أهلها لا أن لأهل جهنم راحة لقوله سبحانه وتعالى {لا يفتر عنهم العذاب} ذكره الزمخشري. وقال القاضي: أي يتعب أهل النار من طول قيامهم في الموقف فيستريحون بالاختصار
(حب هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب: قلت هذا منكر ورواه جماعة حفاظ عن هشام اه. وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن الأزور هشام بن هشام أتى بخبر ساقط ثم أورد هذا الخبر وساقه في اللسان عن العقيلي وقال: لا يتابع على لفظه(3/172)
3045 - (الأذان) هو لغة الإعلام من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو لاستماع الناس من الأذن التي هي آلة السمع كأنه يلقي الشيء فيها وشرعا كلمات مخصوصة شرعت للإعلام بدخول وقت المكتوبة (تسع عشرة كلمة) بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرا قبل قولهما جهرا (والإقامة إحدى عشرة كلمة) وفي الحديث حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن التكبير في أول الأذان أربع إذ لا يكون ألفاظه تسعة عشر إلا بناء على ذلك وذهب مالك إلى أنه مرتين لروايته من وجوه أخر قال القرطبي: الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية المتضمنة لوجوده تعالى وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة المحمدية ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وهو إشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد تأكيدا وحكمة اختيار القول له دون الفعل لسهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان <تنبيه> قال العارف ابن العربي رضي الله عنه في حكمة ترتيب الأذان إذا نظر الإنسان بعين بصره وبصيرته إلى الأسباب التي وضعها الله أعلاما وشعائر لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء حين سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعض ودل البرهان على توقف وجود بعضها على بعض وسمع الحق يعظم شعائر الله قال الله أكبر أي هي وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وبما أنه أمر بتعظيمها فهو أكبر منها فلما أتمها كوشف على حقارة الأسباب في أنفسها وافتقارها إلى موجدها ورآها مسبحة خالقها بنطقها وحالها من حيث دلالتها على واضعها قال ثانيا الله أكبر أي الذي وضع الأسباب وأمر بتعظيمها أكبر وأتى بها مرتين أخرتين إشارة إلى أنه أكبر بدليل الحس وبدليل العقل ثم تشهد خفيا يسمع نفسه كمن يتصور الدليل أولا في نفسه ثم يقولها ثانيا نافيا لألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون مثبتها [ص:173] لمستحقها عقلا وشرعا هذا كله مع نفسه ثم يرفع بها صوته فيسمع غيره من متعلم ومدع وجاهل وغافل ثم لما شهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل مشهد به علما وقربة بالنداء على أن الرسول جاء به من عند الله ثم شرع بعد الشهادتين الحيعلتين ليدعو بالواحدة نفسه وبالأخرى غيره فيقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره أقبلوا على ما ينجيكم من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجليه ثم يقول الله أكبر الله أكبر لنفسه ولغيره ولمن ينتظر الصلاة بالمسجد ولمن هو خارجه في أشغاله أي الله أولى بالتكبير من الذي منعكم من الإقبال على الصلاة وإنما لم يرفع الحيعلتين والتكبير الثاني لأن القصد به القربة والعقل لا يستقل بإدراكها فهي للشرع وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره ثم ختمه بالتوحيد المطلق لما تضمن الأذان أفعالا منسوبة للعبد فربما وقع في نفس المدعو أو الداعي إلى فعلها فخيف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم فختم بالتوحيد إشارة إلى تفرده بالخلق وإنما قال في الإقامة قد قامت بلفظ الماضي والصلاة مستقلة إشارة إلى أن من كان منتظرا للصلاة أو آتيا إليها أو مشتغلا ببعض شروطها فمات قبل إدراكها فقد قامت له الصلاة فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الأجر الثاني فقد يكون كالأول في إقامة نشأتها وقولا كمن يأتي بها خداجا من حيث فعلها
(ن عن أبي محذورة) بحاء مهملة وذال معجمة أوس بن معير وقيل سمرة بن معير الجمحي كما مر فظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي أيضا بل عزاه القسطلاني لمسلم أيضا(3/172)
3046 - (الأذنان من الرأس) لا من الوجه ولا مستقلتان يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس وإلا لكان بيانا للخلقة فقط والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك ربه قال الأئمة الثلاثة واستظهروا بآية {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} قالوا بإذنه وقال الشافعية هما عضوان مستقلان وإضاقتها هنا إلى الرأس إضافة تقريب لا تحقيق بدليل خبر البيهقي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه والآية فيها خلاف للمفسرين
(حم) من حديث سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة قال الذهبي سنان ليس بحجة (د ت هـ عن أبي أمامة) قال ابن حجر عن الترمذي ليس بالقائم وقال الدارقطني في حديث أبي أمامة هذا شهر بن حوشب وليس بقوي ووقفه أصح (هـ عن أبي هريرة وعن عبد الله بن زيد) قال ابن حجر كالبيهقي: فيه سويد بن سعيد وقد اختلط (قط عن أنس) وقال: إرساله أصح (وعن أبي موسى) الأشعري (وعن ابن عباس) وقال: تفرد به أبو كامل عن غندر وهو مبهم وتابعه الربيع بن بدر وهو متروك والصواب إرساله (وعن ابن عمر) بن الخطاب قال أعني الدارقطني وهو وهم والصواب موقوف (وعن عائشة) قال أعني الدارقطني فيه أبو اليمان حذيفة ضعيف والمرسل أصح ومن ثم قال في الخلافيات: هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ما منها إسناد إلا وله علة وقال ابن حزم: أسانيده كلها واهية وقال عبد الحق: هذه طرق لا يصح منها شيء لكن تعقبه ابن القطان بأن خبر الحبر ليس بضعيف بل حسن أو صحيح وبرهن عليه ومغلطاي بأن خبر أبي هريرة لا علة له إلا من قبل سويد وقد خرج له مسلم وقول البيهقي اختلط منازع فيه(3/173)
3047 - (الارتداء) وهو وضع الرداء على الكتفين (لبسة العرب) بضم اللام أي توارثوها عن آبائهم في الجاهلية كانوا كلهم [ص:174] في إزار ورداء وكانوا يسمونها حلة (والالتفاع) وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه (لبسة الإيمان) أي أهله لأنهم لما علاهم من الحياء من ربهم ما أخجلهم اضطروا إلى مزيد الستر فرأوا أن الالتفاع أستر لستره ما فيه الحياء وهو الوجه والرأس لأن الحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ولذا قال الصديق رضي الله عنه: إني لأدخل الخلاء فأتقنع حياء من الله فكانوا في الأعمال التي فيها حشمة يعلوهم الحياء كما يعلوها في غيرهم وكان الالتفاع لبسة بني إسرائيل ورثوه عن آبائهم وهذه الأمة أيدت باليقين النافذ لحجب القلوب فمن تقنع من الحياء تقنع لعلمه بأن الله يراه علم يقين لا علم تعلم
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سعد بن سنان الشامي وهو ضعيف جدا ونقل عن بعضهم توثيقه ولم يصح وقال غيره: وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية قال الذهبي في الضعفاء: متهم أي بالوضع(3/173)
3048 - (الأرض كلها مسجد) أي محل للسجود (إلا الحمام والمقبرة) فإنهما غير محل للصلاة فيهما تنزيها وتصح ما لم تتبين نجاسة محل منها للصلاة كما لو نبشت المقبرة هذا ما عليه الشافعية وأخذ أحمد بظاهره فأبطل الصلاة فيهما مطلقا ومنع بأن التأكيد بكل ينفي المجاز فدل على الصحة فيهما عند التحرز من النجاسة قال ابن حجر رحمه الله: وهذا الحديث يعارضه عموم الخبر المتفق عليه وجعلت الأرض طيبة وطهورا ومسجدا قال الرافعي: واحتج بهذا بعض أصحابنا على أنه لو قال جعلت هذه الأرض مسجدا لا تصير وقفا مسجدا بمجرد هذا اللفظ
(حم د ت هـ حب ك) كلهم في الصلاة وكذا البزار (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حديث في اضطراب وتبعه عبد الحق وضعفه جمع قال النووي رحمه الله والذي ضعفوه أتقن من الحاكم الذي صححه وقال ابن حجر في تخريج الشرح هو حديث مضطرب وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وقال في تخريج الهداية قال الترمذي: فيه اضطراب أرسله سفيان ووصله حماد واختلف فيه علي بن إسحاق وصححه ابن حبان والحاكم قال: ويعارضه عموم قوله في حديث جابر وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا ومسجدا متفق عليه وفي حديث أبي أمامة وجعلت لي الأرض كلها مسجدا اه. وقال ابن تيمية: أسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه(3/174)
3049 - (الأرض أرض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهو له) أي فهو ملكه والموات كسحاب وغراب الأرض التي لم يتيقن عمارتها في الإسلام وليست من حقوق عامر فتملك بالأحياء من غير لفظ لأنها إعطاء من المصطفى صلى الله عليه وسلم بنص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث لأنه تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منها من يشاء ما شاء ولذلك أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم فيما أقطعه لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأرض الشام
(طب عن فضالة) بفتح الفاء وضاد معجمة (بن عبيد) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(3/174)
3050 - (الأرواح) التي تقوم بها الأجساد (جنود مجندة) أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (منها ائتلف) أي ألف قلبه قلب الآخر وإن تباعدا كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة (وما تناكر منها) أي لم يتوافق ولم يتناسب (اختلف) أي نافر قلبه قلب الآخر وإن تقاربا جسدا فالإئتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه وبالتناكر ما بينهما من التباين والتنافر وذلك لأنه سبحانه عرف ذاته للأرواح [ص:175] بنعوته فعرفها بعض بالقهر والجلال وبعض باللطف والجمال وبعض بصفات أخر ثم استنطقها بقوله {ألست بربكم} ثم أوردها في الأبدان فالتعارف والتنافر يقع بحسب ذلك والتعارف والتناكر بحسب الطباع التي جبل عليها من خير وشر وكل شكل يميل إلى شكله فالتعارف والتناكر من جهة المناسبة المحكمة بين الفريقين فيميل الطيب للطيب والخبيث للخبيث ويألفه ومنشأ ذلك أحكام التناسب ولهذا قال الشافعي: العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم. (حكى) الشيرواني أن تمرلنك كان يحب رجلا من معتقدي العجم ويتردد إليه فوجد الرجل في قلبه ميلا لتمرلنك فتخوف وقال: ما المناسبة فمنع تيمورا من دخوله عليه فسأله عن سببه فذكر ما خطر له فقال تمرلنك: بيني وبينك مناسبة وهي أنك تحب بيت آل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا والله أحبهم وأنت رجل كريم وأنا أحب الكرم فهذه المناسبة المقتضية للميل لا ما في من الشر وقد يتفق اجتماع مادتي الخبيث والطيب في شخص واحد فيصدران منه ويميل لكل منهما بكل من الوصفين (نكتة) حكى بعضهم أن اثنين اصطحبا في سفينة فقعد أحدهما على طرفها والآخر بوسطها فسقط من على الطرف في البحر فرما الآخر نفسه عليه فأخرجا بالحياة فقال الأول للثاني: أنا كنت بطرفها فوقعت فمالك أنت قال لما وقعت:
أنت غبت بك عني. . . فحسبت أنك أني
(خ) في بدء الخلق (عن عائشة) لكن معلقا ولم يصل به سنده كما قاله عبد الحق وغيره فإطلاق المصنف العزو إليه غير سديد (حم م) في الأدب (د عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح(3/174)
3051 - (الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين لا خير في أسفل من ذلك) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: قوله لا خير إلخ لأنه إما حرام إن نزل عن الكعبين أو شبهه إن حاذاهما ولا خير في كل من الأمرين اه. وذلك لما فيه من التشبه بالنساء بل إن قصد الخيلاء حرم مطلقا وما ذكروه في الإزار حلا وحرمة وكراهة فهو في القميص فقد خرج أبو داود عن ابن عمر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص
(حم) وكذا الطبراني (عن أنس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح(3/175)
3052 - (الإسبال في الإزار) (1) قال الطيبي: قوله في الإزار هو خبر مبتدأ أي الإسبال المذموم أو الذي فيه الكلام بالجواز وعدمه كائن في هذه الثلاثة الإسبال المذموم والمراد إرخاؤه إلى الأرض (والقميص والعمامة فمن جر منها شيئا) على الأرض (خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) أي نظر رحمة ورضى إذا لم يتب فيندب للرجل الاقتصار على نصف الساق وله إرساله إلى الكعبين فحسب وللمرأة الزيادة بنحو شبر قال ابن حجر: وفي تصوير جر العمامة نظر إلا أن [ص:176] يراد ما جرت به العادة من العرب من إرخاء العذبات فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وقد خرج النسائي من حديث جعفر بن أمية عن أبيه كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفيها بين كتفيه وقد يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه الذي يظهر أن إطالتها بحيث يخرج عن العادة كفعل بعض الحجازيين يدخل فيه وقال الزين العراقي: ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد
(د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال النووي في رياضه: إسناده صحيح وقال المناوي: فيه عبد العزيز بن رواد تكلموا فيه
_________
(1) قال النووي: وحكم المسألة أنه لا يجوز الإسبال إلى تحت الكعبين إن كان للخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وأجمعوا على جواز الإسبال للنساء فقد صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإذن لهن في إسبال ذيولهن ذراعا وأما القدر المستحب للرجال فإلى نصف الساقين والجائز بلا كراهة فإلى الكعبين اه. قال في الفتح: والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين وكذلك للنساء حالان: حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر شبر وحال جواز بقدر ذراع(3/175)
3053 - (الاستئذان) للدخول وهو استدعاء الإذن أي طلبه (ثلاث) من المرات (فإن أذن لك فادخل وإلا) أي وإن لم يؤذن لك (فارجع) لأنه سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان بقوله {فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم} قال ابن العربي رحمه الله تعالى ولا يتعين هذا اللفظ
(م ت عن أبي موسى) الأشعري (وعن أبي سعيد) الخدري قال: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال: أنشدكم بالله هل سمع أحد منكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان إلخ قال: ومم ذاك؟ قال: استأذنت على عمر فسلمت ثلاثا ثم انصرفت فقال: قد سمعناك ونحن على شغل استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت فشهدت وقضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه الحافظ العراقي وغيره إلى البخاري وعبارته في المغني وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث إلخ ولما روى أبو موسى هذا الخبر لعمر في خلافته قال: لتأتيني عليه ببينة وإلا فعلت وفعلت فأتي بأبي سعيد وفي رواية فأتي بأبي بن كعب فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحببت أن أتثبت واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أم لا؟ فقال المازري: صورة الاستئذان أن يقول السلام عليكم أدخل؟ ثم هو مخير بين أن يسمي نفسه أو لا قال ابن العربي: ولا يتعين هذا اللفظ وفيه أنه لا يجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاثة نعم إن علم أنه لم يسمع زاد على الأصح عند الشافعية وحكمة كون الاستئذان ثلاثا تكفل ببيانها الحديث الآتي على أثره وفيه أن لرب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن إذا كان في شغل ديني أو دنيوي كذا قيده الحافظ ابن حجر وليس على ما ينبغي بل الصواب فك القيد(3/176)
3054 - (الاستئذان ثلاث) من المرات (فالأولى تستمعون) بالتاء المثناة الفوقية أوله بضبط المصنف أي يستمعون أهل المنزل الاستئذان عليهم (والثانية يستصلحون) أي يصلحون المكان ويسوون عليهم ثيابهم ونحو ذلك (والثالثة يأذنون) للمستأذن عليهم (أو يردون) عليه بالمنع. <تنبيه> قال ابن عربي: لما كان أول مطلع الحكمة هو الباء وجب أن يكون في أول رتبة من العدد وهو الزوج الأول ولما خفي الواحد في حجاب الباء جعلت عليه آية من الوتر الذي هو جمع الباء وذلك الحرف هو الجيم فكان كفاية في الإبلاغ والتعريف والإعلان حتى كثر في الشرع ومواقع العلم ظهور أثر الثلاث فيمن له قطرة قبول ومن لم يظهر أثر الثلاث فيه قضى عليه بفقد الفطرة القابلة لما استعملت له الثلاث فيه كان الأولى يخرج ويتحرك من حال الفقد الأول والثانية تطلع على مبادئ ما إليه الوجهة والثالثة تخلص ما إليه الوجهة ويكمل التحقق به ومثل ذلك في الشرائع [ص:177] ورتب العلم كثير وعليه ورد هذا الخبر ونحوه وهذا الحديث كالذي قبله يقتضي أن المستأذن لا يشرع له طرق الباب لكن محله من قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه الصوت فيدق عليه الباب كما في قصة جابر المسطورة في البخاري في أبواب الاستئذان
(قط في الأفراد عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: سنده ضعيف اه. وذلك لأن فيه عمر ابن عمران السدوسي قال في الميزان: مجهول وقال الأزدي: منكر الحديث أحد المتروكين ثم ساق له هذا الخبر مما أنكر عليه(3/176)
3055 - (الاستجمار تو) بفتح المثناة فوق وشد الواو أي وتر وهو ثلاثة والتو الفرد قال الزمخشري: ومنه قولهم سافر سفرا توا إذا لم يخرج في طريقه على مكان والتو حبل مفتول طاقا واحدا (ورمي الجمار) في الحج (تو) أي سبع حصيات (والسعي بين الصفا والمروة تو) أي سبع (والطواف تو) أي سبعة أشواط وقيل أراد بفردية السعي والطواف أن الواجب منهما مرة ولا يثنى ولا يكرر أو أراد بالاستجمار الاستنجاء (وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو) ليس تكرارا بل المراد بالأول الفعل وبالثاني عدد الأحجار وفيه وجوب تعدد الحجر لضرورة تصحيح الإيتار بما يتقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بحجر واحد أي مسحة واحدة قيل وفيه حل الاستنجاء بالحجر مع وجود الماء وهو هفوة إذ مفاد الخبر إنما هو الأمر بالإيتار وأما كونه مع وجود الماء أو فقده فمن أين
(م) في الحج (عن جابر) وخرج منه البخاري الاستجمار خاصة(3/177)
3056 - (الاستغفار في الصحيفة) أي في صحيفة المكلف التي يكتب عليه فيها كاتب اليمين (يتلألأ نورا) يحتمل أن ذلك التلألؤ يكون يوم القيامة حين يعطى كتابه بيمينه ويحتمل أنه في الدنيا أيضا فهو يتلألأ فيها من حين كتابته وأعظم بهذه منقبة جليلة للاستغفار والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشيء بما يصونه عن الدنس ومن قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله أن يصون عبده عن العذاب والتوبة ترك الذنوب على أحد الوجوه
(ابن عساكر) في التاريخ (فر عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة القشيري بضم القاف كما مر وفيه بهز بن حكيم وقد مر قول الذهبي فيه(3/177)
3057 - (الاستغفار ممحاة للذنوب) بكسر الميم وسكون الثانية مفعلة أي مذهب للآثام لأن الإدمان عليه يخرج العبد من الذنوب ويعيد عليه الستور التي هتكها عن نفسه بارتكاب الخطايا وفي بعض الآثار أن الاستغفار يجيء يوم القيامة محدقا بأعمال الخلائق له رنين حول العرش يقول إلهي حقي حقي. <تنبيه> سئل أحدهم أيما أفضل: التسبيح والتهليل والتكبير أو الاستغفار؟ فقال: يا هذا الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون منه إلى البخور ولا بد من قرن التوبة بالاستغفار لأنه إذا استغفر بلسانه وهو مصر عليه فاستغفاره ذنب يحتاج للاستغفار ويسمى توبة الكذابين
(فر عن حذيفة) ابن اليمان وفيه عبيد بن كثير التمار قال الذهبي: قال الأزدي متروك عن عبيد الله بن خراش ضعفه الدارقطني وغيره عن عمه العوام بن حوشب(3/177)
3058 - (الاستنجاء) وهو كما في المشارق إزالة النجو: أي الأذى الباقي في فم المخرج وأكثر استعماله في الحجر (بثلاثة أحجار) [ص:178] أي محصور في ذلك فلا يصح بأقل منها وإن أنقى لورود النهي عن الأقل في حديث مسلم ولفظه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم والمراد ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر لكن الأحجار أفضل من حجر فإن حصل الإنقاء بالثلاث فذاك وإلا زيد إلى الإنقاء فإن حصل بوتر فذاك وإلا سن الإيتار ويجب أن تكون الثلاثة (ليس فيهن رجيع) أي ليس فيهن عذرة لأنه نجس وفي معناه كل نجس فلو استنجى به ولو جافا لم يجزه وتعين الماء لأن المحل صار نجسا بنجاسة أجنبية والرجيع وهو فعيل بمعنى مفعول ذكره الزمخشري في المجاز وقيل سمي به لرجوعه عن الطهارة بالاستحالة ولرجوعها إلى الظهور بعد كونها في البطن أو لرجوعها عن كونها طعاما أو علفا قال الرافعي: فيه إشارة إلى أن غير الأحجار من كل جامد طاهر قالع غير محترم كالأحجار وتعددها وأنها ثلاثة قيل وصحة العمل بالمفهوم حتى لا يجب التكرار في الاستنجاء بالماء وقد حمله شرذمة من السلف على ظاهره فمنعوا الاستنجاء بالماء والسنة تبطل قولهم وقول ابن المسيب لما سئل عن الاستنجاء بالماء ذاك وضوء النساء إنما ذكره لفهمه غلوا من السائل في منع الأحجار فقابله بالمبالغة في رد غلوه. <فائدة> الاستنجاء لغة إزالة النجو بفتح فسكون بغسل أو مسح كما في الصحاح كغيره لكن استعماله كما قال عياض في الغسل أكثر وفي النهاية هو إخراج النجو من البطن والنجو العذرة
(طب عن خزيمة بن ثابت) وفي الباب عائشة وغيرها(3/177)
3059 - (الإسلام) قال الراغب: أصله الدخول في السلم وهو أن يسلم كل من ضرر صاحبه ثم صار اسما للشريعة (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة) اسم جنس أراد به الصلوات الخمس قال القاضي: إقامتها تعديل أركانها وإدامتها والمحافظة عليها والصلاة فعلة من صلى إذا دعى (وتؤتي الزكاة) لمستحقيها (وتصوم رمضان) حيث لا عذر (وتحج البيت) اسم جنس غلب على الكعبة وصار سلما لها كالنجم للثريا والسنة لعام القحط (إن استطعت إليه سبيلا) أي طريقا بأن تجد زادا أو راحلة بشرطهما وقيد بها في الحج مع كونها قيدا فيما قبله اتباعا للنظم القرآني وإشارة إلى أن فيه من المشقة ما ليس في غيره على أن فقدها في نحو صلاة وصوم لا يسقط فرضها بل وجوب أدائه بخلاف الحج ثم المراد الإسلام الكامل فتارك ما عدا الشهادتين ليس بمسلم كامل؟ لا كافر قال العارف ابن عربي: الصلاة وقعت في المرتبة الثانية من قواعد الإيمان مشتقة من المصلي وهو الذي يلي السابق في الجلبة والسابق ههنا التوحيد ثم جعل بجنبها الزكاة لكونها طهرة المال كما كان في الصلاة طهارة الثوب والبدن والمكان وأولاها الصوم دون الحج لكون زكاة الفطر مشروعة بانقضاء الصوم فلما كان الصوم أقرب نسبة إلى الزكاة جعل بجنبها فلم يبق للحج مرتبة إلا الخامسة
(م 3 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وظاهره أن الكل رواه هكذا فقط لكن في الفردوس بقية وتغتسل من الجنابة وعزاه لمسلم(3/178)
3060 - (الإسلام علانية والإيمان في القلب) وأشار بيده إلى صدره قال الراغب: إنما قال ذلك لأن الإيمان يقال باعتبار العلم وهو متعلق بالقلب والإسلام بفعل الجوارح اه. واعلم أن الإسلام والإيمان طال فيما بينهما من النسب الكلام والحق أنهما متلازما المفهوم فلا ينفك أحدهما عن الآخر فلا يوجد شرعا إيمان بدون إسلام ولا عكسه فإن الإسلام يطلق على الأعمال كما يطلق على الانقياد لغة وشرعا وأن الإيمان يطلق عليهما شرعا باعتبار أنه متعلق بهما فهما على وزان الفقير والمسكين فإذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر [ص:179] بانفراده وإن قرن بينهما كما هنا فهما متغايران باعتبار أصل مفهومهما فاكتف بذلك عما هنالك من الإسهاب
(ش عن أنس) قال عبد الحق: حديث غير محفوظ تفرد به علي بن مسعدة وفي توثيقه خلف قال أبو حاتم: لا بأس به والبخاري فيه نظر وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح(3/178)
3061 - (الإسلام ذلول) كرسول أي سهل منقاد من الذل بالكسر اللين ضد الصعوبة (لا يركب إلا ذلولا) يعني لا يناسبه ويليق به ويصلحه إلا اللين والرفق والعمل والتعامل بالمسامحة والتسامح
(حم عن أبي ذر) قال الهيثمي: فيه أبو خلف الأعمى منكر الحديث اه. وأقول فيه أيضا معاذ بن رفاعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره(3/179)
3062 - (الإسلام يزيد ولا ينقص) قال البيهقي: قال عبد الوارث: أراد أن حكم الإسلام يغلب ومن تغليبه أن يحكم للولد بالإسلام بإسلام أحد أبويه اه. وقال جمع: معناه أن الإسلام يزيد بالداخلين فيه ولا ينقص بالمرتدين أو يزيد بما فتح الله من البلاد ولا ينقص بما غلب عليه الكفرة منها وتعلق بظاهره من ورث المسلمين من الكفار والأئمة الأربعة كالخلفاء الأربعة على المنع والخبر بفرض دلالته على التوريث فيه مجهول وضعيف قال القرطبي: الحديث ليس نصا في المراد بل محصوله أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث وقد عارضه قياس آخر وهو أن التوارث متعلق بالولاية ولا ولاية بين مسلم وكافر لقوله تعالى: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} الآية وأطال في ذلك فلا يقاوم الخبر الصحيح الصريح وهو أن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم
(حم) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو عن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلمي عن معاذ (د) أي أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة به (ك) وقال: صحيح ولم يتعقبه الذهبي (هق) كلهم من هذا الوجه (عن معاذ) بن جبل قال الحافظ في الفتح قال الحاكم صحيح وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ لكن سماعه منه ممكن وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم هو كلام يحكى ولا يروى ولعله ما وقف على ما ذكر اه. وسبب هذا الحديث كما في أبي داود عن عبد الله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر يهوديا ومسلما في ميراث أخ لها يهودي فورث المسلم وقال: حدثني أبو الدرداء أن رجلا حدثه عن معاذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره قال ابن عبد البر: وهذا لا حجة فيه وليس في اللفظ ما يعطيه. وجعله ابن الجوزي موضوعا ونازعه المؤلف(3/179)
3063 - (الإسلام يعلو ولا يعلى) عليه قال البيهقي: قال قتادة: يعني إذا أسلم أحد أبوين فالولد مع المسلم فالعلو في نفس الإسلام بأن يثبت الإسلام إذا ثبت على وجه ولا يثبت على آخر كما في المولود بين مسلم وكافر فإنه يحكم بإسلامه وقال ابن حزم: معناه إذا أسلمت يهودية أو نصرانية تحت كافر يفرق بينهما ويحتمل العلو بحسب الحجة أو بحسب النصرة في العاقبة فإنهما للمسلمين وبذلك عرف أن الحديث ليس نصا في توريث المسلم من الكافر كما قيل
(الروياني) محمد بن هارون في مسنده (قط هق والضياء) المقدسي والخليل في فوائده كلهم (عن عائذ) بالمد والهمزة والمعجمة (ابن عمرو) المزني ممن بايع تحت الشجرة وكان صالحا تأخرت وفاته وعلقه البخاري ورواه الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل قال ابن حجر: وسنده ضعيف(3/179)
3064 - (الإسلام يجب) أي يقطع وفي رواية يهدم (ما كان قبله) من كفر وعصيان يترتب عليهما من حقوق الله أما حقوق [ص:180] عباده فلا تسقط إجماعا ولو كان المسلم ذميا والحق ماليا وظاهر الخبر أن مجرد الإسلام مكفر للسوابق هبه أساء وأحسن بعد وأما خبر من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر فوارد على منهج التحذير
(ابن سعد) في الطبقات (عن الزبير) بن العوام (وعن جبير بن مطعم) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه باللفظ المزبور(3/179)
3065 - (الإسلام نظيف) أي نقي من الوسخ والدنس (فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) يحتمل النظافة الحسية ويحتمل المعنوية أي لا يدخلها إلا المطهر من دنس العيوب ووسخ الآثام ومن كان ملطخا بذلك لا يدخلها حتى يطهر بالنيران أو يدركه عفو الرحمن وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكابر صحبه من الحرص على النظافة الحسية والمعنوية ما لا يوصف وكان عمر إذا قدم مكة يطوف سككها فيقول: قموا فناءكم فمر بدار أبي سفيان فأمره فقال: نعم حتى يجيء مهاتنا الآن فطاف فلم يره فعل فأعاد وأعاد ثلاثا فوضع الدرة بين أذنيه ضربا فقالت هند: لرب يوم لو ضربته لاقشعر بطن مكة
(طس) من حديث نعيم بن موزع عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي: فيه نعيم بن موزع وهو ضعيف قال ابن الجوزي: تفرد به نعيم قال ابن عدي: وهو ضعيف يسرق الحديث وعامة ما يرويه غير محفوظ وقال ابن حبان: يروي عن الثقات العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال اه. ومن ثم ضعفه السخاوي وغيره(3/180)
3066 - (الأشرة) بشين معجمة البطر أو أشده (شر) في كل ملة قال في المصباح: أشر أشرا من باب تعب بطر وكفر النعمة فلا يشكرها
(خد ع عن البراء) بن عازب(3/180)
3067 - (الأشعريون في الناس كصرة فيها مسك) بتشديد الياء هم قبيلة ينسبون إلى الأشعر بن أدد بن زيد بن يشخب نزلوا غور تهامة من اليمن فيما بين جبال السروات وما يليها من جبال اليمن إلى أسياف البحر ولما قدموا على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل ثم ذكره وكان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يحبهم وقال في حديث الشيخين: إنهم مني وأنا منهم وسياقه أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أي فرغ زادهم أو قل طعام عيالهم جمعوا ما عندهم في ثوب ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم وفيه تنبيه على مكارم أخلاقهم ومواساة لإخوانهم وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم وفيه منقبة عظيمة للأشاعرة وكذا قيل فإن عنى قائله ما هو المتبادر من هذا اللفظ وهم أهل السنة المنسوبون إلى شيخ السنة أبي الحسن الأشعري ففساده بين وإن أراد تلك القبيلة فصحيح
(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن البصري عن الزهري مرسلا)(3/180)
3068 - (الأصابع يجري مجرى السواك) في حصول أصل السنة بها (إذا لم يكن سواك) يعني إذا كانت خشنة لأنها حينئذ تزيل القلح وهذا في أصبع غيره أما أصبعه فلا تجزئ مطلقا ولو خشنة متصلة أو منفصلة عند الشافعية لأنها لا تسمى سواكا وقوله إذا لم يكن سواك يفهم أنه إذا كان ثم سواك لا تجزئ والتفصيل بين الوجود وعدمه لم أره لأحد من المجتهدين والحديث ضعيف
(أبو نعيم في كتاب السواك عن عمرو بن عوف المزني) بضم الميم والزاي ورواه عنه [ص:181] أيضا باللفظ المزبور الطبراني وقال: لم يروه عن كثير بن عبد الله إلا أبو غزية قال الهيثمي: ضعيف وقد حسن الترمذي حديثه اه وأقول أبو غزية أورده الذهبي في الضعفاء(3/180)
3069 - (الأضحى) جمع أضحاة وهي الأضحية وسميت باسم الوقت الذي يشرع فيه ذبحها وهو ارتفاع النهار (علي فريضة) أي واجبة وجوب الفرض (وعليكم) أيها الأمة (سنة) غير واجبة فالوجوب من خصائصه ولا خلاف في كونها من شرائع الدين وهي عند الشافعية والجمهور سنة كفاية مؤكدة أخذا بهذا الحديث وما أشبهه وهي رواية عن مالك وله قول آخر بالوجوب وعن أبي حنيفة يلزم الموسر قال أحمد: يكره أو يحرم تركها لخبر أحمد وابن ماجه من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا
(طب عن ابن عباس) قال ابن حجر: رجاله ثقات لكن في رفعه خلف(3/181)
3070 -[ (1) (الاقتصاد) أي التوسط في النفقة بين التبذير والتقتير (نصف العيش) أي المعيشة (وحسن الخلق) بضم الخاء واللام: أي كرم الأخلاق (نصف الدين) لأنه يحمل صاحبه على ترك ما يشين دينه ومروءته فمن حازه فقد حاز نصف الدين والنصف الثاني هو معاملة الخالق
(خط عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف
_________
(1) هذا الحديث والأحاديث التي بعده إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة) لم نجد للعلامة المناوي عليها شرحا في عامة النسخ ولعله سقط من النساخ شاعت به النسخ فآثرنا وضع شرح لها مقتبس من كلام المحققين إتماما للفائدة وسدا للخلل وبالله التوفيق اه مصححه(3/181)
3071 - (الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد) أي التحبب والتقرب (إلى الناس) بفعل المعروف ومساعدة الضعفاء وغير ذلك من مكارم الأخلاق (نصف العقل) إذ ينشأ عنه الألفة والمحبة والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله وينشأ عنه السلامة من شرهم (وحسن السؤال نصف العلم) لأن السائل إذا أحسن السؤال مع شيخه أقبل عليه وبين له ما أشكل عليه مراعاة لأدبه معه ويترتب على ذلك أن ينتفع بعلمه
(طب في مكارم الأخلاق هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما(3/181)
3072 - (الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب) في الإكرام والاحترام والرجوع إليه والتعويل عليه وتقديمه في المهمات والمراد: الأكبر دينا وعلما وإلا فسنا
(طب عد هب عن كليب الجهني)(3/181)
3073 - (الأكل في السوق دناءة) قال في القاموس: الدنيئة النقيصة اه. فهو خارم للمروءة راد للشهادة إن صدر ممن لا يليق به. (1)
(طب عن أبي أمامة خط عن أبي هريرة) بسند ضعيف
_________
(1) [وفي أيامنا يحمل هذا الحديث على الأكل في السوق ماشيا أو واقفا. أما الأكل في الأماكن المعدة للأكل فلا يتناولها هذا النهي وإن كانت قد توجد قريبا من الأسواق خصوصا لأصحاب الحرف والأعمال. وبعض أسباب كراهة الأكل في السوق تظهر بعد التأمل في الأحاديث الأخرى التالية:
رقم 14 - " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد "
رقم 1599 - " أما أنا فلا آكل متكئا "
رقم: 2581 - " إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد "
ورقم 9694 - " لا آكل وأنا متكئ "
ففي هذه الأحاديث تبيان لعبوديته صلى الله عليه وسلم. أما الأكل واقفا أو ماشيا في السوق فيحول دون حسن الاتصاف بالعبودية بل يمنع الإنسان من التوجه إلى شكر الله على نعمة الطعام أثناء تناوله ففيه مشابهة ولو في الظاهر فقط لصورة الاستخفاف بتلك النعمة وعدم القيام بحق شكرها بالالتفات إلى المولى بأدنى ما يمكن من المحاولة وأقلها الجلوس. وقد اعتبر كثير من العلماء الأكل في السوق رادا للشهادة إن صدر ممن لا يليق به. هذا ما ظهر من أسباب الكراهة والله أعلم. دار الحديث](3/181)
3074 - (الأكل بأصبع واحدة أكل الشيطان) أي مثل أكله وأضيف إليه لأنه الآمر به والحامل عليه وإنما ذمه [ص:182] بذلك لما فيه من التكبر (وباثنين أكل الجبابرة) أي العتاة الظلمة أهل التكبر (وبالثلاث) أي الإبهام والسبابة والوسطى (أكل الأنبياء) وخلفائهم وورثتهم وهو الأنفع الأكمل الذي ينبغي أن يقتدى به. والأكل بالخمس مذموم لأنه فعل أهل الشره. ولهذا لم يحفظ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أكل بالخمس
(أبو أحمد الغطريف) بكسر المعجمة والراء بينهما طاء ساكنة (في جزئه وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة)(3/181)
3075 - (الأكل مع الخادم) يطلق على الذكر والأنثى والعبد والحر (من التواضع) فهو مندوب إليه حيث لا مانع: كأن كان الخادم أمردا جميلا يخشى منه الفتنة وتمام الحديث: فمن أكل معه اشتاقت له الجنة
(فر عن أم سلمة) بسند ضعيف(3/182)
3076 - (الإمام ضامن) أي متكفل بصحة صلاة المقتدين لارتباط صلاتهم بصلاته لأنه يتحمل الفاتحة عن المأموم إذا أدركه في الركوع (والمؤذن مؤتمن) أي أمين على صلاة الناس وصيامهم وإفطارهم وسحورهم وعلى حرم الناس لإشرافه على دورهم فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة (اللهم أرشد الأئمة) ليأتوا بالصلاة على أتم الأحوال (واغفر للمؤذنين) تقصيرهم في مراعاة الوقت بتقدم عليه أو تأخر عنه واستدل بعضهم بهذا على تفضيل الأذان على الإمامة لأن الأمين أفضل من الضمين
(د ت حب هق عن أبي هريرة حم عن أبي أمامة) وسنده صحيح(3/182)
3077 - (الإمام ضامن فإن أحسن) الطهور والصلاة (فله) الأجر (ولهم) أي المأمومين الأجر كذلك (وإن أساء) في صلاته أو طهوره بأن أخل ببعض الأركان أو الشروط (فعليه) الوزر والتبعة (ولا عليهم) وتمام الحديث كما في ابن ماجه: كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم فقيل له: تفعل ذلك ولك من القدم ما لك قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: الإمام فذكره
(هـ ك عن سهل بن سعد) الساعدي(3/182)
3078 - (الإمام) الأعظم (الضعيف) عن إقامة الأحكام الشرعية (ملعون) أي مطرود من منازل الأبرار وعليه التخلي عن منصبه إن أراد الخلاص في الدنيا والآخرة وعلى الأمة نصب غيره وإنما خصه بهذا الوعيد لأنه مسؤول عن رعيته متحمل بكل ما يأتون من أوزار
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب(3/182)
3079 - (الأمانة) أي كثرتها وقوتها (في الأزد والحياء في قريش) أي هما في القبيلتين أكثر منهما في غيرهما
(طب عن أبي معاوية بن الأزدي)(3/182)
3080 - (الأمانة غنى) بوزن رضى: أي هي سبب الغنى لأن من اتصف بها رغب الناس في معاملته فيحسن حاله ويكثر ماله
(القضاعي) في الشهاب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه(3/182)
[ص:183] 3081 - (الأمانة تجلب) وفي رواية تجر (الرزق) أي هي سبب لتيسيره وحلول البركة فيه وحب الناس له (والخيانة تجلب الفقر) أي تمحق بركة الرزق وتنفر الناس عن صاحبها
(فر عن جابر) بن عبد الله (القضاعي) في الشهاب (عن علي) بإسناد حسن(3/183)
3082 - (الأمراء من قريش ما عملوا فيكم) أي مدة دوام معاملتهم لكم (بثلاث) من الخصال وبينها بقوله (ما رحموا إذا استرحموا) بالبناء للمجهول: أي طلبت منهم الرحمة (وأقسطوا) أي تمسكوا بسيرة العدل (إذا قسموا) ما جعل إليهم من غنيمة أو خراج أو فيء (وعدلوا إذا حكموا) فلم يجوروا في حكم من الأحكام. ومفهوم الحديث أنهم إذا عدلوا عن هذه الأحكام جاز العدول بالإمارة عنهم ولعل المراد أن هذا حض لهم على أن يتمسكوا بتلك الخصال إذ لا يجوز الخروج على الإمام بمجرد الجور
(ك عن أنس) بن مالك(3/183)
3083 - (الأمراء من قريش من ناوأهم) أي عاداهم (أو أراد أن يستفزهم) أي يفزعهم ويزعجهم (تحات) أي تفتت (تحات) أي كتفتت (الورق) من الشجرة وذلك كناية عن إهلاكه وإذلاله وإهانته
(ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن كعب بن عجرة)(3/183)
3084 - (الأمر) أي هجوم الموت (أسرع) وفي رواية أعجل (من ذاك) أي من البناء وسببه كما رواه أبو (1) عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا " أي حائط خص في الرواية الأخرى وهو بيت يعمل من خشب وقصب " فذكره
(د عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص
_________
(1) ولكن الصحابي المعروف هو عبد الله بن عمرو بن العاص فليدقق قوله " أبو عبد الله ". دار الحديث(3/183)
3085 - (الأمر المفظع) بفاء وظاء أي الشديد (والحمل المضلع) أي المثقل (والشر الذي لا ينقطع) هو (إظهار البدع) من أصول: كالعقائد الزائغة وفروع: كالمحدثات على خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(طب عن الحكم بن عمير) والحديث ضعيف(3/183)
3086 - (الأمن والعافية نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) لأن بهما يتيسر التنعم بغيرهما من النعم
(طب عن ابن عباس) رضي الله عنهما(3/183)
3087 - (الأمور كلها خيرها وشرها من الله تعالى) أي كل كائن وما يكون بقدرته وإرادته فهو سبحانه وتعالى خالق الخير [ص:184] والشر والنفع والضر والإيمان والكفر ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}
(طس عن ابن عباس) بسند ضعيف(3/183)
3088 - (الأناة) بوزن قناة: أي التأني (من الله تعالى) أي مما يرضاه ويثيب عليه (والعجلة من الشيطان) أي هو الحامل عليها بوسوسته لأن العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب
(ت عن سهل بن سعد) الساعدي(3/184)
3089 - (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) لأنهم كالشهداء بل أفضل والشهداء أحياء عند ربهم. وفائدة التقييد بالعندية الإشارة إلى أن حياتهم ليست بظاهرة عندنا وهي كحياة الملائكة وكذا الأنبياء ولهذا كانت الأنبياء لا تورث وقوله يصلون قيل المراد به التسبيح والذكر
(ع عن أنس) بن مالك وهو حديث صحيح(3/184)
3090 - (الأنبياء قادة) جمع قائد: أي يقودون الناس للعلم والموعظة (والفقهاء سادة) جمع سيد وهو الذي يفوق قومه في الخير والشرف: أي مقدمون في أمر دين الله (ومجالستهم زيادة) في الخير والعلم والتفقه في الدين
(القضاعي عن علي)(3/184)
3091 - (الأيدي ثلاثة فيد الله) هي (العليا) لأنه المعطي في الحقيقة (ويد المعطي) أي المناول (التي تليها) وفيه حث على التصدق (ويد السائل) أي الآخذ للصدقة (السفلى) وفيه زجر للسائل عن سؤاله الخلق وحث له على الرجوع إلى مولاه الحق (فأعط الفضل) أي الفاضل عن عيالك (ولا تعجز) بفتح التاء وكسر الجيم: بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) ومن تلزمك نفقته بأن تتصدق بمالك كله ثم تقعد تسأل الناس
(حم د ك عن مالك بن نضلة) بفتح فسكون: والد أبي الأحوص الصحابي(3/184)
3092 - (الإيمان) هو (أن تؤمن) تصدق (بالله) أي بأنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله (وملائكته) أي بأن لله ملائكة مخلوقين من النور وهم عباد له تعالى سفراء بينه وبين رسله لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} ليسوا بذكور ولا إناث (وكتبه) بأنها كلام الله القديم القائم بذاته المنزه عن الحروف والأصوات التي أنزلها على بعض رسله لهداية الناس (ورسله) وبأن لله رسلا أرسلهم الله إلى الناس لإرشادهم إلى ما فيه مصلحة معاشهم ومعادهم وهم معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها (و) تؤمن (باليوم الآخر) وهو من الحشر إلى ما لا نهاية أو إلى فصل القضاء (وتؤمن بالقدر خيره وشره) حلوه ومره: أي بأن ما قدره الله في الأزل من خير أو شر لا بد من وقوعه
(م عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه والحديث صحيح(3/184)
3093 - (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار) أي بأنهما موجودتان الآن لأنهما [ص:185] باقيتان لا تفنيان: الجنة للطائعين والنار للفاسقين (والميزان) أي بأن وزن الأعمال حق (وتؤمن بالبعث بعد الموت) أي بإعادة الأجساد بعد فنائها للحساب (وتؤمن بالقدر خيره وشره) أي تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك
(هب عن عمر) بن الخطاب(3/184)
3094 - (الإيمان) هو (معرفة) أي اعتقاد (بالقلب وقول باللسان) أي إقرار (وعمل بالأركان) والمراد أن الأعمال شرط في كماله وأن الإقرار باللسان يعرب عن التصديق القلبي
(هـ طب عن علي) وهو حديث ضعيف(3/185)
3095 - (الإيمان بالله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان) المراد بذلك الإيمان الكامل الذي تترتب عليه الثمرة الكبرى
(الشيرازي في الألقاب عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. والحديث ضعيف.] (1)
_________
(1) إلى هنا تم ما قد نقص من شرح الإمام المناوي فتنبه(3/185)
3096 - (الإيمان) أي ثمراته وفروعه فأطلق الإيمان وهو الإقرار والتصديق عليها مجازا لكونها من حقوقه ولوازمه (بضع) بفتح الباء وكسرها من ثلاث إلى تسع على الأصح (وسبعون) بتقديم السين على الموحدة (شعبة) بضم أوله خصلة وأصلها الطائفة من الشيء والغصن من الشجر قال الكرماني: شبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما شبه في حديث بني الإسلام على خمس بخباء ذي أعمد وأطناب قال القاضي: أراد التكثير على حد {إن تستغفر لهم} واستعمال لفظ السبعة والسبعين للتكثير كثيرا والمراد الحصر فيقال إن شعب الإيمان وإن كانت متعددة لكن حاصلها يرجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس على وجه يصلح معاشه ويحسن معاده وذلك أن يعتقد ويستقيم في العمل اه. قال الطيبي: والأظهر معنى التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني شعب الإيمان أعداد مبهمة ولا نهاية لكثرتها إذ لو أريد التحديد لم يبهم (وأفضلها قول لا إله إلا الله) أي أفضل الشعب هذا الذكر فوضع القول موضع الذكر لا موضع الشهادة فإنها من أصله لا من شعبه والتصديق القلبي خارج منهما إجماعا قال القاضي: ويمكن أن يراد أنه أفضلها من وجه وهو أنه يوجب عصمة الدم والمال لا أنه أفضل من كل وجه وإلا لزم كونه أفضل من الصلاة والصوم ويجوز أن يقصد الزيادة المطلقة لا على ما أضيف إليه أي المشهور من بينها بالفضل في الأديان قول لا إله إلا الله (وأدناها) مقدارا (إماطة الأذى) أي إزالة ما يؤذي كشوك وخبث وحجر (عن الطريق) الظاهر أن المراد المسلوك ويحتمل العموم وسيجيء في خبر تقييد الطريق بكونه للمسلمين (والحياء) بالمد (شعبة من الإيمان) أي الحياء الإيماني وهو المانع من فعل القبيح بسبب الإيمان لا النفساني المخلوق في الجبلة وأفرده بالذكر لأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة الآخرة فيزجر عن الآثام وزعم أن الحياء قد يمنع الأمر بالمعروف فكيف يدعو إلى سائرها يمنع بأن هذا المانع ليس بحياء حقيقة بل عجز وإعياء وإطلاق الحياء عليه مجاز وإنما الحقيقي خلق يبعث على تجنب القبيح. قال الزمخشري: جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون خلقيا واكتسابيا لجميع أعمال البر وقد يكون [ص:186] غريزة لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على أعمال الخير ومانعا من المعاصي قال: وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال ومنعه الكرماني بأن معناه شعب الإيمان بضع ولفظ إماطة الأذى غير داخلة في حقيقة الإيمان والتصديق خارج عنه اتفاقا
(د ن) في الإيمان (هـ) في السنة (عن أبي هريرة) ورواه عنه الترمذي أيضا لكن أسقط والحياء إلخ وفيه عنده عبد الله بن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ليس بقوي ورواه البخاري مختصرا بلفظ الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان قال الكرماني: وتخصيص الستين لأن العدد إما زائد وهو ما أجزاؤه أكثر منه كاثني عشر فإن لها نصفا وثلثا وربعا وسدسا ونصف السدس فمجموع الأجزاء أكثر من اثني عشر وإما ناقص فهو ما أجزاؤه أقل منه كأربعة فإن لها ربع ونصف فقط وإما تام فهو ما أجزاؤه مثله كستة فإن أجزاءها النصف والثلث والسدس وهي مساوية للستة والفضل من بين الأنواع الثلاثة التام فلما أريد المبالغة فيه جعلت آحادها أعشارا فذكره لمجرد الكثرة قال القاضي: والتركيب دال كما ترى على التفرق والانقسام(3/185)
3097 - (الإيمان يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن لاذعانهم إلى الإيمان من غير كبير كلفة ومن اتصف بشيء وقوي إيمانه ونسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيره فلا تعارض بينه وبين خبر الإيمان في أهل الحجاز ثم المراد الموجودين حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمن وهو نسبة إلى اليمن وألفه عوض عن ياء النسبة فلا يجتمعان واليمن ما على يمين الكعبة من بلاد الغور قال أبو عبيد: مكة من أرض تهامة وتهامة من اليمن ولذا سميت مكة وما يليها من أرض الحجاز تهامة فعليه مكة يمانية ومنها ظهر الإيمان وقيل قاله بتبوك ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريدهما وقيل أراد الأنصار وهم يمانيون في الأصل وقد نصروا الإيمان فنسبه لهم
(ق عن ابن مسعود) قال المصنف: وهو متواتر وفي الباب عن ابن عباس بزيادة والفقه يمان والحكمة يمانية رواه البزار(3/186)
3098 - (الإيمان قيد الفتك) أي يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان عذرا كما يمنع القيد من التصرف بمنع الإيمان من الغدر (لا يفتك مؤمن) خبر بمعنى النهي لأنه متضمن للمكر والخديعة أو هو نهي وما روي من الفتك بكعب بن الأشرف وابن أبي حقيق وغيرهما فكان قبل النهي أو هي وقائع مخصوصة بأمر سماوي لما في المفتوكين من الغدر وسب الإسلام وأهله قال الزمخشري: الفرق بين الفتك والغيلة أن الفتك أن تهتبل غرته فتهلكه جهارا والغيلة أن تكتمن له في محل فتقتله خفية اه. وظاهر أن المراد في الحديث هما معا قال العسكري: الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث ما هو أحسن منه من غير تعمل
(تخ د) في الجهاد (ك عن أبي هريرة حم عن الزبير) بن العوام جاء إليه رجل فقال: ألا أقتل لك عليا؟ فقال: كيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: أفتك به قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره (د عن معاوية) وسبب تحديثه به أنه دخل على عائشة فقالت: أقتلت حجرا وأصحابه يا معاوية ما أمنك أن يقعد لك رجلا يفتك بك؟ فقال معاوية: إني في بيت أمان سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره ثم قال: كيف أنا في حوائجك قالت: صالح قال: فدعيني وحجرا غدا نلتقي عند الله قال المناوي وغيره وسنده جيد ليس فيه إلا أسباط بن الهمداني وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي وقد خرج لهما مسلم(3/186)
3099 - (الإيمان الصبر والسماحة) قال البيهقي: يعني بالصبر الصبر عن محارم الله وبالسماحة أن يسمح بأداء ما افترض عليه اه [ص:187] ففسر الإيمان بهما لأن الأول يدل على الترك والثاني على الفعل وبما قاله البيهقي صرح الحسن البصري فقال: الصبر عن المعصية والسماحة على أداء الفرائض. <تنبيه> قال الغزالي: الصبر ملاك الإيمان لأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر والصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات السالكين ينتظم من معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل وكذا الصبر لا يتم إلا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة والصبر على التحقيق عبارة عنهما ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة والإنس والبهائم فإن الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم لنقصانها ولا الملائكة لكمالها لأن البهائم سلطت عليها الشهوات فصارت مسخرة لها فلا باعث لها على حركة أو سكون إلا هي ولا قوة لها تصادم الشهوة حتى تسمى ثبات تلك القوة صبرا والملائكة جردوا للأشواق إلى الحضرة الربوبية والابتهاج بدرجة القرب منها ولم يسلط عليها شهوة صادة صارفة عنها حتى يحتاج إلى مصادمة ما يصرفها عن حضرة الجلال بجند آخر وأما الإنسان فقد تعارض فيه الأمران فاحتاج إلى ثبات جند في مقابلة جند آخر قام للقتال بينهما لتضاربهما وذلك هو حقيقة الصبر
(ع طب في مكارم الأخلاق عن جابر) قال الهيثمي: فيه يوسف بن محمد ابن المنكدر متروك وقال النسائي: ضعيف انتهى. وفي الميزان عن النسائي متروك الحديث ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر(3/186)
3100 - (الإيمان بالقدر نظام التوحيد) إذ لا يتم نظامه إلا باعتقاد أن الله تعالى منفرد بإيجاد الأشياء على ما هي عليه وأن كل نعمة منه فضل وكل نقمة عدل وأنه أعلم بطباع خلقه منهم وأنه غير ملوم ولا مطعون عليه وأن له تكليفهم بما شاء من الأفعال مع تقدير أسباب منعهم منها وهو تكليف ما لا يطاق
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن معاذ قال في الميزان فيه لين وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال حديث لا يصح ومحمد بن معاذ في حديثه وهم(3/187)
3101 - (الإيمان بالقدر) بفتحتين (يذهب الهم والحزن) لأن العبد إذا علم أن ما قدره الله في الأزل لا بد من وقوعه وما لم يقدره يستحيل وقوعه استراحت نفسه وذهب حزنه على ما وقع له من المكروه الماضي ولم يهتم لما يتوقعه وأذى الناس للعبد لا بد له منه كالحر والبرد لا حيلة فيه والمتسخط من أذاهما غير عاقل والكل جار بقدر ومن ثم قال ذو النون: من وثق بالمقادير لم يغتم ومن عرف الله رضي بالله وسر بقضائه وقال بعضهم: الإتكال على القضاء أروح وقلة الاسترسال أحزم
(ك في تاريخه والقضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفيه السدي بن عاصم الهمداني مؤدب المعتز قال في الميزان وهاه ابن عدي وقال يسرق الحديث وكذبه ابن خراش قال ومن بلاياه هذا الخبر وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال السري قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به(3/187)
3102 - (الإيمان عفيف عن المحارم عفيف عن المطامع) أي شأن أهله تجنب المحرمات والاكتفاء بالبلغة وترك التشوق إلى المفقود والاستغناء بالموجود والعفة قمع النفس عن تعاطي ما لا ينبغي
(جل) من حديث بشر بن منصور عن عمارة بن راشد (عن محمد بن النضر الحارثي) الصوفي الزاهد (مرسلا) ثم قال: وهذا مما لا يعرف له طريقا عن محمد إلا مرسلا وهذا نقل الرواية عنه نقلا وحفظ عنه أحاديث لم يذكر إسنادها فذكرها إرسالا قال: وكان محمد وضرباؤه من [ص:188] المتعبدين لم يكن من شأنهم الرواية كانوا إذا وصوا إنسانا أو وعظوه ذكروا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إرسالا(3/187)
3103 - (الإيمان بالنية واللسان) أي يكون بتصديق القلب والنطق بالشهادتين (والهجرة) من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام تكون (بالنفس والمال) متى تمكن من ذلك فإن لم يتمكن إلا بنفسه فقط هاجر بها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور <فائدة> قال القونوي: للإيمان صورة وروح ولكل منهما صفتان ولكل صفة حكمان وصفة صورة الإيمان هي المعبر عنها بقولهم الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان وله شرطان معنويان عليهما يتوقف صحة الإقرار والعمل وهما النية والإخلاص إذ بهما يثبت الانقياد المحقق والتمييز بين المنافق ولهذين الشرطين حكمان أحدهما زماني والآخر مكاني فالزماني كأوقات الصلاة وهو اسم الصوم والحج والمكاني استقبال القبلة ووجوب اجتناب الصلاة في البيع المصورة والمواضع النجسة ونحو ذلك وفي الحج يجتمع أحكام الزمان والمكان والتصديق الذي هو روح الإيمان ينقسم قسمان جملي وهو تصديق المخبر الصادق على وجه كلي إما بأمر يجده في نفسه دون سبب خارجي أو يكون الموجب له آية ومعجزة والقسم الآخر تصديق تفصيلي منسحب الحكم على أفراد اختبارات المخبر المصدق وما يتضمنه من الأمور المحكوم بوقوعها ويتبع ذلك رغبة أو رهبة موجبات استحضار ما قرن المخبر الصادق بإخبار أنه من تفاصيل الوعد والوعيد ولهذا الاستحضار درجات
(عبد الخالق بن زاهر الشحاني) بضم المعجمة وإهمال الحاء ثم نون محدث مشهور (في الأربعين عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه(3/188)
3104 - (الإيمان والعمل أخوان) أي (شريكان في قرن واحد لا يقبل أحدهما إلا بصاحبه) لأن العمل بدون الإيمان الذي هو تصديق القلب لا فائدة له والتصديق بمجرده بلا عمل لا يكفي أي في الكمال
(ابن شاهين في السنة) عن علي أمير المؤمنين وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه الحاكم والديلمي باللفظ المزبور عن علي المذكور(3/188)
3105 - (الإيمان والعمل قرينان لا يصلح كل واحد منهما إلا مع صاحبه (1)) وهما الخلطان اللذان يتركب منهما الأدوية لأمراض القلوب كلها
(ابن شاهين) في السنة (عن محمد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم بن الحنفية ثقة المدني عالم من الطبقة الثانية (مرسلا) وأخرجه عنه الحاكم أيضا قال: ومحمد بن علي هذا لا يبعد أن يكون ابن الحنفية
_________
(1) أي فإذا انتفى الإيمان لم ينفع العمل وإذا انتفى العمل لم يكمل الإيمان(3/188)
3106 - (الإيمان نصفان فنصف في الصبر ونصف في الشكر) أي ماهية مركبة منهما وذلك لأن الناس صنفان معطى فعليه الشكر وممنوع فعليه الصبر فإذا شكر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه وإذا صبر هذا فقد أتى من الإيمان بنصفه أو يقال وجه التصنيف أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى شرطين فعل وترك فالفعل العمل بالطاعة وهو حقيقة الشكر والترك الصبر عن المعصية والدين كله في هذين فعل المأمور وترك المحظور وأن الإيمان مبني على [ص:189] ركنين يقين وصبر فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهي عنه ولا يحصل له التصديق بذلك إلا باليقين ولا يمكن الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلا بالصبر فصار الصبر نصفا والشكر نصفا قال الغزالي رحمة الله عليه: فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهل بكلا شطري الإيمان ثم هو غفلة عن وصفين من أوصاف الرحمن ولا سبيل للوصول إلى القرب إلى الله تعالى إلا بالإيمان وكيف يتصور سلوك الإيمان دون معرفة ما به الإيمان ومن به الإيمان فهذا قاله في موضع وقال في آخر هذا باعتبار النظر إلى الأعمال والتعبير عنها بالإيمان
(هب عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال الذهبي وغيره: متروك ورواه القضاعي بهذا اللفظ وذكر بعض شراحه أنه حسن(3/188)
3107 - (الإيماء خيانة) أي الإشارة بالعين والحاجب أو غيرهما خفية من الخيانة المنهي عنها (وليس لنبي أن يومىء) وهذا قاله لما أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح كان رجل من الأنصار نذر إن رآه أن يقتله فجاء عثمان فشفع له وقد أخذ الأنصاري بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم متى يومىء إليه فشفع عثمان حتى تركه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأنصاري هلا وفيت بنذرك قال: انتظرت متى تومىء فذكره
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعيد بن المسيب مرسلا) وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعفوه قال ابن عساكر: وروى معناه الحسن بن بشر عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس(3/189)
3108 - (الأئمة من قريش) لفظ الأئمة جمع تكسير معرف باللام ومحله العموم على الصحيح وبه احتج الشيخان يوم السقيفة فقبله الصحب وأجمعوا عليه ولا حجة لمن منع اشتراط القرشية في خبر السمع والطاعة ولو عبد لحمله على من أمره الإمام على نحو سرية أو ناحية جمعا بين الأدلة قال السبكي: وفيه شاهد للشافعي بالإمامة بل بانحصار الإمامة لأن الأئمة من قريش يدل بحصر المبتدأ على الخبر عليه ولا يعني بالإمامة إمامة الخلافة فحسب بل هي وإمامة العلم والدين (أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها) قال ابن الأثير: هذا على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم أي إذا صلح الناس وبروا وليهم الأخيار وإذا فسدوا وفجروا وليهم الأشرار وهو كحديثه الآخر كما تكونوا يولى عليكم قال ابن حجر: وقع مصداق ذلك لأن العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية بسكناها الحرم فلما بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعى إلى الله توقف غالب العرب عن اتباعه وقالوا: ننظر ما يصنع قومه فلما فتح مكة وأسلمت قريش تبعوهم ودخلوا في دين الله أفواجا واستمرت الخلافة والإمارة فيهم وصارت الأبرار تبعا للأبرار والفجار تبعا للفجار (وإن أمرت عليكم قريش عبدا حبشيا مجدعا) بجيم ودال مقطوع الأنف أو غيره (فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه فإن خير بين إسلامه وضرب عنقه فليقدم عنقه) ليضرب بالسيف ولا يرتد عن الإسلام ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بحال. <تنبيه> ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث فشرطوا كون الإمام قرشيا وقيده طوائف ببعضهم فقالت طائفة وهم الشيعة: لا يجوز إلا من ولد علي. وقالت طائفة: يختص بولد العباس وهو قول أبو مسلم الخراساني وأتباعه. وقالت طائفة: لا يجوز إلا من ولد جعفر بن أبي طالب نقله ابن حزم. وقالت أخرى: من ولد عبد المطلب. وقال بعضهم: لا يجوز إلا من ولد أمية وبعضهم لا يجوز إلا من ولد عمر. قال ابن حزم: ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق وقال الخوارج وطائفة من المعتزلة: يجوز كون الإمام [ص:190] غير قرشي وإنما الإمام لمن قام بالكتاب والسنة ولو أعجميا وبالغ ضرر ابن عمر فقال: تولية غير القرشي أولى لأنه أقل عشيرة فإذا عصى أمكن خلعه. قال ابن الطيب: ولم يعرج على هذا القول بعد ثبوت خبر الأئمة من قريش وانعقد الإجماع على اعتباره قبل وقوع الخلاف قال ابن حجر: عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري ودام فتنتهم أكثر من عشرين سنة حتى أييدوا فكذا من تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج كابن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس وكعبد المؤمن وذويه ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بمذاهبهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها وقال عياض: اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب كافة العلماء وقد عدوها في مسائل الإجماع ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة قال ابن حجر: ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر فقد أخرج أحمد عنه بسند رجاله ثقات أنه قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن أدركني أجلي بعده استخلفت معاذ بن جبل ومعاذ أنصاري لا قرشي فيحتمل أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر أو رجع عمر
(ك) في المناقب (هق عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي فقال: حديثه منكر وقال ابن حجر رحمه الله: حديث حسن لكن اختلف في رفعه ووقفه ورجح الدارقطني وقفه قال: وقد جمعت طرق خبر الأئمة من قريش في جزء ضخم عن نحو أربعين صحابيا فقول العلائي لم أجده ذهول قال التاج السبكي رحمه الله تعالى: ذكر في المجموع أن حديث الأئمة من قريش في الصحيحين ولعله أراد بالمعنى وإلا فالذي فيهما لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان قال ابن حجر: وفيهما الناس تبع لقريش(3/189)
3109 - (الأيم) في الأصل من لا زوج له والمراد هنا عند الشافعي الثيب بأي طريق كان كما يفيده عطف البكر عليها إذ الشيء لا يعطف على نفسه وما خالفه فزائل عن الظاهر تابع لدليله (أحق بنفسها من وليها) في الرغبة والزهد في الزواج وفي اختيار الزوج لا في العقد فإن مباشرته لوليها لخبر لا نكاح إلا بولي ونبه بأحق على أن لوليها حقا أيضا لكن حقها آكد وآمن ثم قالوا: لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم تجبر وفي عكسه تجبر (والبكر البالغ تستأذن في نفسها) أي يستأذنها وليها في تزويجه إياها أيا كان أو غيره (وأذنها صماتها) بالضم سكوتها قال الشافعية: مفهوم الحديث أن ولي البكر أحق بها من نفسها لأن الشيء إذا قيل بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه فقوله أحق بنفسها جمع نصا ودلالة والعمل بالدلالة واجب كوجوبه بالنص وإنما شرع للولي استئذانها تطييبا لنفسها لا وجوبا عند الشافعي بدليل جعله صماتها إذنها والصمات ليس بإذن وإنما جعل بمنزلة الإذن لأنها قد تستحي أن تفصح
(مالك) في الموطأ (حم م ع) كلهم في النكاح (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الشافعي ولم يخرجه البخاري(3/190)
3110 - (الأيمن فالأيمن) أي ابتدؤا بالأيمن أو قدموا الأيمن يعني من عند اليمين في نحو الشرب فهو منصوب وروى رفعه وخبره محذوف أي الأيمن أحق ورجحه العيني بقوله في بعض طرق الحديث الأيمنون فالأيمنون وكرر لفظ الأيمن للتأكيد إشارة إلى ندب البداءة بالأيمن ولو مفضولا وحكى عليه الاتفاق بل قال ابن حزم: لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذنه قال ابن العربي: وكل ما يدور على جمع من كتاب أو نحوه فإنما يدور على اليمين قياسا على ما ذكر وتقديم من [ص:191] على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن عن اليمين بل لجهته ولا يعارض هذا ما مر في خبر الأمر بمناولة السواك الأكبر ولا ما يجيء في خبر من قوله في القسامة كبر كبر ولا قوله في حديث أبي يعلى: كان إذا سقي قال: ابدأوا بالكبير لحمله على الحالة التي يجلسون فيها متساويين بين يديه أو عن يساره أو خلفه فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن أو يخص من عموم الأمر بالبداءة بالكبير ما لو قعد بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل فالأيمن لم يمتز بمجرد القعود في الجهة اليمنى بل لخصوص كونها يمين الرئيس فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل وأخذ من الحديث أن كل ما كان من أنواع التكريم يقدم فيه من على اليمين
(مالك حم ق ع عن أنس) قال: أتي النبي بلبن شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي ثم ذكره وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله عند الكل والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه البخاري: ألا فيمنوا هذا لفظه في كتاب الكتابة وفيه ندب التيامن وتفضيل اليمين على الشمال وأن ما يتناول من نحو طعام وشراب فالسنة إدارته من جهة اليمين وأن الجلوس عن يمين الإمام والعالم أفضل وإن كل من أكل أو شرب في مجلس ندب له أن يشرك أهل المجلس فيه وأن من جلس مجلسا مشتركا فهو أولى بمجلسه ولا يقام عنه وإن كان ثم أفضل منه وغير ذلك(3/190)
حرف الباء الموحدة(3/191)
أي هذا باب الأحاديث التي أولها حرف الباء الموحدة التحتية
(فصل) في حرف الباء مع الهمزة(3/191)
3111 - (بسم الله) قال العارف ابن عربي: لما كانت الأسماء الإلهية سبب وجود العالم المؤثرة له كانت البسملة خبر مبتدأ مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره فكأنه يقول بسم الله ظهر العالم واختصت الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة الله (الرحمن الرحيم) فهو رحمن الدنيا والآخرة لأنه رحم كل شيء من العالم في الدنيا والرحمة في الآخرة مختصة بقبضة السعادة وكل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة والسين سين وياء ونون والميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض والتنوين في اسم لتحقق العبودية فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين فقال بسم الله بحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي (مفتاح كل كتاب) أي لفظ البسملة قد افتتح به كل كتاب من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ويحتمل أن المراد أن حقها أن تكون في مفتتح كل كتاب استعانة وتيمنا بها ويعكر على الأول المتبادر ما ورد في حديث ضعيف أنها مما خص به إلا أن يقال أن هذا اللفظ متروك الظاهر لضعفه ومخالفته للقطعي وهو {إنه من سليمان وإنه} الآية وفي رواية للدارقطني سندها متصل بسم الله الرحمن الرحيم أم القرآن وهي أم الكتاب وهي السبع المثاني والبسملة آية من كل سورة مطلقا (1) قال العارف ابن عربي: وبسملة براءة هي التي في النمل فإن الحق سبحانه وتعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رجمته براءة وهي البسملة بحكم التبري من أهلها برفع الرحمة عنهم وقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت رحمتها [ص:192] بإيمانها تنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو البسملة التي سلبت عن المشركين وصف عين خلاصة تلك الآية ذلك الحرف المقدم لأنه أول البسملة في كل سورة والسورة التي لا بسملة لها أبدلت بالباء فقال تعالى براءة قال لنا بعض أحبار الإسرائيلين: ما لكم في التوحيد حظ لأن افتتاح سور كتابكم بالباء فأجبته ولا أنتم فإن أول التوراة باء وكذا بقية الكتب فأفحم ولا يمكن غير ذلك فإن الألف لا يبدأ بها أصلا اه. قال البوني: من علم ما أودع الله في البسملة من الأسرار وكتبها لم يحترق بالنار وروي أنها لما نزلت اهتزت الجبال لنزولها وقالت الزبانية من قرأها لم يدخل النار وهي تسعة عشر حرفا على عدد الملائكة الموكلين بالنار ومن أكثر ذكرها رزق الهيبة عند العالم السفلي والعلوي وهي أول ما خط بالقلم العلوي على الصفح اللوحي وهي التي أقام الله تعالى بها ملك سليمان فمن كتبها ست مئة مرة وحملها معه رزق الهيبة في قلوب الخلائق ومن كتبها وجودها إعظاما لها كتب عند الله من المتقين
(خط في الجامع) بين آداب القارئ والسامع (عن أبي جعفر معضلا (2))
_________
(1) قال صاحب الاستغناء في شرح الأسماء الحسنى عن شيخه السويسي: أجمع علماء كل أمة على أن الله عز وجل افتتح كل كتاب من الكتب المنزلة من السماء بالبسملة
(2) المعضل ما سقط من سنده اثنان سواء كان الساقط الصحابي والتابعي أم غيرهما(3/191)
3112 - (باب أمتي) أي باب الجنة المختص بأمتي من بين الأبواب قال الحكيم الترمذي: وهو المسمى باب الرحمة والمراد أمة الإجابة فإن قلت: هذا يناقضه النص على تخيير بعض هذه الأمة بين الدخول من أي أبواب الجنة شاء وأن باب الصائم يدعى الريان إلى غير ذلك قلت: كلا لا منافاة لأن لهم بابا خاصا بهم فلا يدخل منه غيرهم ويشاركون غيرهم من بقية الأبواب (الذي يدخلون منه الجنة) بعد فصل القضاء والانصراف من الموقف (عرضه) أي مساحة عرضه (مسيرة الراكب المجد) أي صاحب الجواد وهو الفرس الجيد أو المجود الذي يكون دوابه جيادا وقال الديلمي: المجود المسرع والتجويد السير بسرعة وقال الطيبي: المجود يحتمل أن يكون صفة لراكب والمعنى الذي يجود ركض الفرس وأن يكون المضاف إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه (ثلاثا) من الأيام مع لياليها (ثم إنهم ليضغطون) أي ليعتصرون (عليه) أي على ذلك الباب حال الدخول (حتى تكاد مناكبهم تزول) من شدة الزحام ولا ينافيه خبر إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر لأن الراكب المجود غاية الإجادة على أسرع مجرى ليلا ونهارا يقطع المسافة بينهما ثم إنه لا تعارض بين الخبرين وخبر أحمد أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما لما سيجيء فيه قال القرطبي: وقوله باب أمتي يدل على أنه لسائر أمته ممن لم يغلب عليه عمل يدعى به ولهذا يدخلون مزدحمين
(ت) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمر) بن الخطاب واستغربه قال: وسألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه وقال خالد بن أبي بكر أي أحد رجاله له مناكير عن سالم اه ومن ثم أعله المناوي بخالد هذا وقال له مناكير(3/192)
3113 - (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا) أي قبل موت فاعليها (البغي) أي مجاوزة الحد والظلم (والعقوق) للوالدين وإن عليا أو أحدهما أي إيذاؤهما ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع
(ك) في البر (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي(3/192)
3114 - (بادروا) أي سابقوا وتعجلوا من المبادرة وهي الاسراع (الصبح بالوتر) أي سابقوه به بأن توقعوه قبله [ص:193] قال الطيبي: كأن الصبح مسافر يقدم عليك طالبا منك الوتر وأنت تستقبله مسرعا بمطلوبه وإيصاله إلى بغيته
(م ت) كلاهما في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من الستة غير هذين وهو عجيب فقد خرجه معهما أبو داود(3/192)
3115 - (بادروا) أي أسرعوا (بصلاة المغرب) أي بفعلها (قبل طلوع النجم) أي ظهور النجوم للناظرين فإن المبادرة بها مندوبة لضيق وقتها ويبقى وقتها إلى مغيب الشفق على المفتى به عند الشافعية والحنابلة <تنبيه> فرق ابن القيم بين المبادرة والعجلة بأن المبادرة انتهاز الفرصة في وقتها فلا يتركها حتى إذا فاتت طلبها فهو لا يطلب الأمور في أدبارها ولا قبل وقتها بل إذا حضر وقتها بادر إليها ووثب عليها والعجلة طلب أخذ الشيء قبل وقته
(حم قط عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه ابن لهيعة قال الذهبي: وشاهده لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم(3/193)
3116 - (بادروا أولادكم بالكنى) جمع كنية أي بوضع كنية حسنة للولد من صغره (قبل أن تغلب عليهم الألقاب) أي قبل أن يكبروا فيضطر الناس إلى دعائهم بلقب يميز الواحد منهم زيادة تمييز على الاسم لكثرة الاشتراك في الأسماء وقد يكون ذلك اللقب غير مرضي كالأعمش ونحوه فإذا نشأ الولد وله كنية كان في دعائه بها غنية وهذا أمر إرشادي <تنبيه> قال ابن حجر: الكنية بضم فسكون من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما تستدل به عليه صريحا وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وقد يكون للواحد أكثر من كنية واحدة وقد يشتهر باسمه وكنيته معا فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بالتحريك وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك هو الاسم
(قط في الأفراد عد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب وابن حبان في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال مخرجه ابن عدي بشر بن عبيد أحد رجاله منكر الحديث وقد كذبه الأزدي وأورده في الميزان في ترجمته وقال: إنه غير صحيح وقال ابن حجر في الألقاب: سنده ضعيف والصحيح عن ابن عمر من قوله اه وأورده ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بأن الشيرازي في الألقاب رواه من طريق آخر فيه إسماعيل بن أبان وهو متروك وجعفر الأحمر ثقة ينفرد(3/193)
3117 - (بادروا بالأعمال فتنا) جمع فتنة وهي الاختبار ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار (كقطع الليل المظلم) جمع قطعة وهي طائفة منه يعني وقوع فتن مظلمة سوداء والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذره أو تعسره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة والمتراكمة كتراكم ظلام الليل ثم وصف نوعا من شدائد الفتن بقوله (يصبح الرجل) فيها (مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا) هذه رواية الترمذي ورواية مسلم بأو على الشك وهذا لعظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذه الإنقلابات (يبيع أحدهم دينه بعرض) بفتح الراء (من الدنيا قليل) أي بقليل من حطامها قال في الكشاف: العرض ما عرض لك من منافع الدنيا قال في المطامح: هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية التي أخبر أنها ستكون بعده وكانت وستكون وقد أفردها [ص:194] جمع بالتأليف
(حم م) في الإيمان (ت) في الفتن (عن أبي هريرة) لكن قليل لم أره في النسخة التي وقفت عليها من مسلم(3/193)
3118 - (بادروا بالأعمال هرما) أي كبرا وعجزا (ناغصا) بغين معجمة وصاد مهملة أي مكدرا (وموتا خالسا) أي يخلسكم بسرعة على غفلة كأنه يختطف الحياة عند هجومه (ومرضا حابسا) أي معوقا مانعا (وتسويفا مؤيسا) قال في الفردوس: هو قول الرجل سوف أفعل سوف أعمل فلا يعمل إلى أن يأتيه أجله فييأس من ذلك قال الحكماء: والإمهال رائد الإهمال
(هب عن أبي أمامة) ورواه الديلمي في الفردوس عن أنس(3/194)
3119 - (بادروا بالأعمال ستة) أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وتأنيث الست لأنها حطط ودواه ذكره الزمخشري وقال القاضي: أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سد عليهم باب التوبة وقبول العمل (طلوع الشمس من مغربها) فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل (والدخان) أي ظهوره (ودابة الأرض والدجال) أي خروجهما سمي به لأنه خداع ملبس ويغطي الأرض بأتباعه من الدجل وهو الخلط والتغطية ومنه دجلة نهر بغداد منها غطت الأرض بمائها (وخويصة أحدكم) تصغير خاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان وصغرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم من بعث وحساب وغيرهما وقيل هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله وما يهتم به (وأمر العامة) القيامة لأنها تعم الخلائق أو الفتنة التي تعمي وتصم أو الأمر الذي يستبد به العوام وتكون من قبلهم دون الخواص
(حم م عن أبي هريرة) وما ذكره المؤلف من أن سياق حديث مسلم هكذا غير صحيح فإنه عقد لذلك بابا وروى فيه حديثين عن أبي هريرة لفظ الأول بادروا بالأعمال ستة طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان أو الدابة أو خاصة أحدكم وأمر العامة ولفظ الثاني بادروا بالأعمال ستا الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة وخويصة أحدكم اه(3/194)
3120 - (بادروا بالأعمال ستا) من أشراط الساعة قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: (إمارة السفهاء) بكسر الهمزة أي ولايتهم على الرقاب لما يحدث منهم من العنف والطيش والخفة جمع سفيه وهو ناقص العقل والسفه كما في المصباح وغيره نقص العقل (وكثرة الشرط) بضم فسكون أو فتح أعوان الولاة والمراد كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم يكثر الظلم والواحد منهم شرطي كتركي أو شرطي كجهني سمي به لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها والشرط العلامة (وبيع الحكم) بأخذ الرشوة عليه فالمراد به هنا معناه اللغوي وهو مقابلة شيء بشيء (واستخفافا بالدم) أي بحقه بأن لا يقتص من القاتل (وقطيعة الرحم) أي القرابة بإيذائه أو عدم إحسان أو هجر وإبعاد (ونشئا يتخذون القرآن) أي قراءته (مزامير) جمع مزمار وهو بكسر الميم آلة الزمر يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة وقد كثر ذلك في هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها (يقدمون) يعني الناس الذين [ص:195] هم أهل ذلك الزمان (أحدهم ليغنيهم) بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات (وإن كان) أي المقدم (أقلهم فقها) إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والإسماع بتلك الألحان والأوضاع. قال العارف ابن عطاء الله: أمره بالمبادرة بالعمل في هذه الأخبار يقتضي أنها من الهمم إلى معاملة الله والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها
(طب) من حديث عليم (عن عابس) بموحدة مكسورة ثم مهملة ابن عبس (الغفاري) بكسر المعجمة وخفة الفاء نزيل الكوفة قال عليم: كنا جلوسا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليم: لا أعلمه إلا عابس أو عبس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون فقال: يا طاعون خذني ثلاثا فقلت: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب فقال: سمعته يقول: بادروا إلخ قال الهيثمي: فيه عثمان بن عمير وهو ضعيف(3/194)
3121 - (بادروا بالأعمال سبعا) أي سابقوا وقوع الفتن بالإشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها (ما) في رواية هل (ينتظرون) بمثناة تحتية بخطه (إلا فقرا منسيا) بفتح أوله أي نسيتموه ثم يأتيكم فجأة (أو غنى مطغيا) أي {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (أو مرضا مفسدا) للمزاج مشغلا للحواس (أو هرما مفندا) (1) أي موقعا في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان (أو موتا مجهزا) بجيم وزاي آخره أي سريعا يعني فجأة ما لم يكن بسبب مرض كقتل وهدم بحيث لا يقدر على التوبة من أجهزت على الجريح أسرعت قتله (أو الدجال) أي خروجه (فإن شر منتظر) بل هو أعظم الشرور المنتظرة كما في خبر سيجيء (أو الساعة والساعة أدهى وأمر) قال العلائي: مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات وقد كان صلى الله عليه وسلم من المحافظة على ذلك بالمحل الأسمى والحظ الأوفى قام في رضا الله حتى تورمت قدماه
(ت ك) في الفتن وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) قال المنذري: رواه الترمذي من رواية محرر ويقال محرز بالزاي وهو واه عن الأعرج عنه
_________
(1) قال العلقمي: الفند في الأصل الكذب وأفند تكلم بالفند ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة وأفنده الكبر إذا أوقعه في الفند(3/195)
3122 - (باكروا بالصدقة) سارعوا بها والإبكار الإسراع إلى الشيء لأول وقته (فإن البلاء لا يتخطى الصدقة) تعليل للأمر بالتبكير وهو تمثيل جعلت الصدقة والبلاء كفرسي رهان فأيهما سبق لم يلحقه الآخر ولم يتخطه والتخطي تفعل من الخطو وفي خبر مرفوع عند الطبراني أن نفرا مروا على عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال: يموت أحد هؤلاء اليوم فرجعوا ومعهم حزم حطب فحل حزمة فإذا حية سوداء فقال لصاحبها: ماذا عملت اليوم قال: ما عملت شيئا إلا أنه كان معي فلقة خبز فسألني فقير فأعطيته فقال: دفع بها عنك
(طس عن علي) أمير المؤمنين (هب عن أنس) قال الهيثمي: فيه عيسى بن عبد الله بن محمد وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات(3/195)
3123 - (باكروا في طلب الرزق) لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ المصححة بادروا طلب الرزق (والحوائج [ص:196] فإن الغدو بركة ونجاح) أي هو مظنة الظفر بقضاء الحوائج ومن ثم قالوا المباكرة مباركة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار فيندب التبكير للسعي في المعاش وقضاء القضايا قال ابن الكمال: ولهذا ندبوا الإبكار لطلب العلم وقيل: إنما ينال العلم ببكور الغراب قيل لبزرجمهر: بم أدركت العلم قال: ببكور كبكور الغراب وتملق كتملق الكلب وتضرع كتضرع السنور وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار
(طس عد) وكذا البزار (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن قيس بن سعد وهو ضعيف(3/195)
3124 - (بحسب المرء) بسكون السين أي يكفيه في الخروج عن عهدة الواجب والباء زائدة (إذا رأى منكرا) يعني علم به والحال أنه (لا يستطيع له تغييرا) بيده ولا بلسانه (أن يعلم الله تعالى) من نيته (أنه له منكر) بقلبه لأن ذلك مقدوره فيكرهه بقلبه ويعزم أنه لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله
(تخ طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه الربيع ابن سهل وهو ضعيف(3/196)
3125 - (بحسب امرئ من الإيمان) أي يكفيه منه من جهة القول (رضيت بالله ربا) أي وحده لا شريك له (وبمحمد رسولا) أي مبلغا (وبالإسلام دينا) أتدين بأحكامه دون غيره من الأديان فإذا قال ذلك بلسانه أجريت عليه أحكام الإيمان من عصمة الدم والمال وغير ذلك من الأحكام الدنيوية فإن اقترن بذلك التصديق القلبي صار مؤمنا إيمانا حقيقيا موجبا لدخول الجنة وظاهر الحديث أنه لا يشترط الاتيان بلفظ الشهادتين بل يكفي ما ذكر لتضمنه معناه واشترط الاتيان بلفظهما جمع لأدلة أخرى ومحل تفصيله كتب الفروع
(طس عن ابن عباس) قال الطبراني: تفرد به محمد بن عمير عن هشام انتهى ورواه عنه الديلمي أيضا بإسقاط الباء أوله(3/196)
3126 - (بحسب امرئ من الشر) أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يشار إليه بالأصابع) أي يشير الناس بعضهم لبعض بأصابعهم (في دين أو دنيا) فإن ذلك شر وبلاء ومحنة (إلا من عصمه الله تعالى) لأنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة عظيمة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكرا من الكبائر غير متعارف بينهم بخلاف ما تقارب الناس فيه ككثرة صلاة أو صوم فليس محل إشارة ولا تعجب لمشاركة غيره له فأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإشارة بالأصابع إلى أنه عبد هتك الله ستره فهو في الدنيا في عار وغدا في النار ومن ستره الله في هذه الدار لم يفضحه في دار القرار كما في عدة أخبار قال الغزالي: حب الرياسة والجاه من أمراض القلوب وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها يبتلى به العلماء والعباد فيشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وحملوها على العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ولم تعتقد [ص:197] باطلاع الخالق فأحبت مدح الخلق لهم وإكرامهم وتقديمهم في المحافل فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته وإنما حياته الشهوة الخفية وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عنده من المقربين فإذن المحمود المحو والخمول إلا من شهره الله لينشر دينه من غير تكلف منه كالأنبياء والخلفاء الراشدين والعلماء المحققين والأولياء العارفين
(هب عن أنس) وفيه يوسف بن يعقوب فقد قال النيسابوري: قال أبو علي الحافظ: ما رأيت بنيسابور من يكذب غيره وإن كان القاضي باليمن فمجهول وابن لهيعة وسبق ضعفه (د عن أبي هريرة) رواه عنه من طريقين وضعفه وذلك لأن في أحدهما كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: تكلموا فيه وعطاء بن مسلم الخراساني فيهم أيضا وقال ضعفه بعضهم وفي الطريق الآخر عبد العزيز بن حصين ضعفه يحيى والناس ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن أبي هريرة وقال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف اه(3/196)
3127 - (بحسب امرئ يدعو) أي يكفيه إذا أراد أن يدعو (أن يقول اللهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة) فإنه في الحقيقة لم يترك شيئا يهتم به إلا وقد دعى به ومن رحمة الله فهو من سعداء الدارين
(طب عن السائب بن يزيد) بن سعد المعروف بابن أخت عز قيل وهو ليثي كناني وقيل كندي قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف(3/197)
3128 - (بحسب أصحابي القتل) أي يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل فإنه كفارة لجرمه وتمحيص لذنوبه وأما المصيب فهو شهيد ذكره ابن جرير حيث قال: يعني يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل إن قتل فيها عن العقاب في الآخرة على قتاله من قاتل من أهل الحق إن كان القتال المخطئ عن اجتهاد وتأويل أما من قاتل مع علمه بخطئه فقتل مصرا فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه ولا يناقضه خبر من فعل معصية فأقيم عليه الحد فهو كفارة لأن قتال أهل الحق له كفارة عن قتاله لهم وأما إصراره على معصية ربه في مدافعته أهل الحق عن حقهم وإقامته على العزم للعود لمثله فأمره إلى الله فقتله على قتاله هو الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه عقوبة ذنبه إلى هنا كلامه
(حم طب عن سعيد بن زيد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيكون فتن يكون فيها ويكون فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا فذكره قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات(3/197)
3129 - (بخ بخ (1)) كلمة تقال للمدح والرضا وتكرر للمبالغة فإن وصلت جرت ونونت وربما شددت (لخمس) من الكلمات (ما أثقلهن) أي أرجحهن (في الميزان) التي توزن بها أعمال العباد يوم التناد (لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر) يعني أن ثوابهن يجسد ثم يوزن فيرجح على سائر الأعمال وكذا يقال في قوله (والولد الصالح) أي المسلم (يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه) عند الله تعالى قال الديلمي: الاحتساب أن يحتسب الرجل الأجر بصبره على ما أصابه من المصيبة
(البزار) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: حسن يعني البزار [ص:198] إسناده إلا أن شيخه العباس ابن عبد العزيز البالساني لم أعرفه (ن حب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سلمى) راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حمصي له صحبة وحديث في أهل الشام ورواه عنه أيضا ابن عساكر وقال: يعرف بكنيته ولم يقف على اسمه وقال غيره اسمه حريث (حم عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا الطبراني من حديث سفينة قال المنذري: ورجاله رجال الصحيح
_________
(1) بفتح الموحدة وكسر المعجمة منون فيها صيغة تعظيم ويقال في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ منونة وبخ منونة مضمومة وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول منون والثاني مسكن ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين وبخ بخ مشددين كلمة تقال للمدح والرضى(3/197)
3130 - (بخل الناس بالسلام) أي بخلوا حتى بخلوا بالسلام الذي لا كلفة فيه ولا بذل مال ومن بخل به فهو بغيره من سائر الأشياء بخل وفيه حث على بذل السلام وإفشائه والإمساك عنه من أخبث الأفعال الرديئة والخصال المؤدية إلى الضرر والأذية
(حل عن أنس)(3/198)
3131 - (براءة من الكبر لبوس) لفظ رواية البيهقي لباس (الصوف) بقصد صالح لا إظهار للتزهد وإيهاما لمزيد التعبد (ومجالسة فقراء المؤمنين) بقصد إيناسهم والتواضع معهم (وركوب الحمار) أي أو نحوه كبرذون حقير (واعتقال العنز) أو قال البعير هكذا وقعت في رواية مخرجه البيهقي على الشك يعني اعتقاله ليحلب لبنه والمراد أن فعل هذه الأشياء بنية صالحة تبعد صاحبها عن التكبر
(حل هب) من حديث محمد بن عيسى الأديب عن عثمان بن مرداس عن محمد بن بكير عن القاسم بن عبد الله العمري عن زيد عن عطاء (عن أبي هريرة) قال أبو نعيم: ورواه وكيع عن خارجة ابن زيد مرسلا وقال البيهقي: رواه القاسم من هذا الوجه وروى أيضا عن أخيه عاصم عن زيد كذلك مرفوعا وقيل عن زيد عن جابر مرفوعا اه ورواه الديلمي عن السائب بن يزيد والقاسم بن عبد الله العمري هذا أورده الذهبي في المتروكين وقال الزين العراقي في شرح الترمذي فيه القاسم العمري ضعيف وجزم المنذري بضعف الحديث ولم يبينه(3/198)
3132 - (بريء من الشح) الذي هو أشد البخل (من أدى الزكاة) الواجبة إلى مستحقيها (وقرى الضيف) إذا نزل به (وأعطى في النائبة) أي أعان الإنسان على ما ينوبه أي ينزل به من المهمات والحوادث
(هناد) في الزهد (ع) في مسنده (طب) كلهم من طريق مجمع بن يحيى بن زيد بن حارثة (عن) عمه (خالد بن زيد بن حارثة) ويقال ابن زيد بن حارثة الأنصاري قال في الإصابة: إسناده حسن لكن ذكره يعني خالد بن زيد البخاري وابن حبان في التابعين(3/198)
3133 - (برئت الذمة) أي ذمة أهل الإسلام (ممن) أي من مسلم (أقام مع المشركين) يعني الكفار وخص المشركين لغلبتهم حينئذ (في ديارهم) فلم يهاجر منها مع تمكنه من الهجرة وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره قيل: لم يا رسول الله قال: لا تتراءى نارهما وكانت الهجرة في صدر الإسلام واجبة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أما بعد الفتح فلا هجرة كما نطق به الحديث الآتي
(طب عن جرير) بن عبد الله البجلي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يوجد مخرجا لأحد من الستة لكن رأيته في الفردوس رمز للترمذي وأبي داود فلينظر(3/198)
[ص:199] 3134 - (بردوا طعامكم) أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلا فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك لكم فيه) وأما الحار فلا بركة فيه كما في عدة أخبار ويظهر أن المراد بتبريده أن يصير باردا تقبله البشرة ويتهنئ به الآكل بأن يكون فاترا لا باردا بالكلية فإن أكثر الطباع تأباه فالمراد بالبرد أول مراتبه
(عد عن عائشة) ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له(3/199)
3135 - (بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام) أي إطعام الطعام للمسافرين ومخاطبتهم باللين والتلطف وترك الشح والتعسف فإن ذلك من مكارم الأخلاق المأمور بها في جميع الملل
(ك عن جابر) بن عبد الله(3/199)
3136 - (بر الوالدين) بالكسر الاحسان إليهما قولا وفعلا قال الحرالي: البر الاتساع في كل خلق جميل (يجزئ عن الجهاد) في سبيل الله تعالى أي ينوب عنه ويقوم مقامه يقال جزا بغيره يجزي أي ينوب ويقضي وهذا في حق بعض الأفراد فكأنه ورد جوابا لسائل اقتضى حاله ذلك وإلا فالجهاد مرتبة عظيمة في الدين كما سلف وقد ثبت في الشريعة في حرمة الوالدين ووجوب برهما والقيام بحقهما ولزوم مرضاتهما ما صيره في حيز التواتر وسئل المحابسي عن برهما أيجب فقال: ما يزيد أمرهما على أمر الله ومنه واجب ومندوب فإذا تقابل أمرهما وأمر الله فأمر الله أوجب وقال العلائي: ذكر جمع أن ضابط برهما يعبر بضابط جامع مانع. <تنبيه> قال الإمام الرازي: أجمع أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين والإحسان إليهما إحسانا غير مقيد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى {وبالوالدين إحسانا} وقد ثبت في الأصول أن الحكم المترتب على الوصف مشعر بعلية الوصف فدلت الآية على أن الأمر بتعظيم الوالدين بمحض كونهما والدين وذلك يقتضي العموم
(ش عن الحسن مرسلا) هذا تصريح من المصنف بأن مراده الحسن البصري وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الحسن بن علي فلا يكون مرسلا(3/199)
3137 - (بر الوالدين يزيد في العمر) أي في عمر البار كما نطقت به الكتب السماوية ففي السفر الثاني من التوراة أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيكها الرب إلهك (والكذب) أي الذي لغير مصلحة مهمة (ينقص الرزق) أي يضيق المعيشة لأن الكذب خيانة والخيانة تجلب الفقر كما مر في غيرما حديث (والدعاء) بشروطه وأركانه (يرد القضاء) الإلهي أي غير المبرم في الأزل فإنه لا بد من وقوعه كما بينه بقوله (ولله عز وجل في خلقه قضاءان قضاء نافذ وقضاء محدث) مكتوب في صحف الملائكة أو في اللوح المحفوظ فهذا هو الذي يمكن تغييره وأما الأزلي الذي في علم الله فلا تغيير فيه البتة (وللأنبياء) أي والمرسلين (على العلماء) أي العلماء بعلم طريق الآخرة العاملون بما علموا (فضل درجتين) أي زيادة درجتين أي هم أعلا منهم بمنزلتين عظيمتين في الآخرة (وللعلماء) الموصوفين بما ذكر (على الشهداء) في سبيل الله بقصد إعلاء كلمة الله (فضل درجة) يعني هم أعلى منهم بدرجة فأعظم بدرجة هي تلي النبوة وفوق الشهادة وذلك يحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع في تحصيل العلوم النافعة بشرط الإخلاص والعمل <تنبيه> قال الماوردي: البر نوعان صلة ومعروف فالصلة التبرع ببذل المال في جهات محمودة لغير غرض مطلوب وهذا يبعث على سماحة النفس [ص:200] وسخائها ويمنع منه شحها وإبائها {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والثاني نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بحسن قول ويبعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيصير ملقا مذموما
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني (في) كتاب (التوبيخ عد) كلاهما (عن أبي هريرة) وضعفه المنذري(3/199)
3138 - (بروا آباءكم) أي وأمهاتكم وكأنه اكتفى به عنه من قبيل {سرابيل تقيكم الحر} وأراد بالآباء ما يشمل الأمهات تغليبا كالأبوين فإنكم إن فعلتم ذلك (يبركم أبناؤكم) وكما تدين تدان (وعفوا) عن نساء الناس فلا تتعرضوا لمزاناتهم فإنكم إن التزمتم ذلك (تعف نساؤكم) أي حلائلكم عن الرجال الأجانب لما ذكر قال الراغب: دخلت امرأة يزيد ابن معاوية وهو يغتسل فقالت: ما هذا قال: جلدت عميرة ثم دخل وهي تغتسل فقال: ما هذا قالت: جلدني زوج عميرة
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري: إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أحمد غير منسوب والظاهر أنه من المتكثرين من شيوخه فلذلك لم ينسبه اه وبالغ ابن الجوزي فجعله موضوعا(3/200)
3139 - (بروا آباءكم) يعني أصولكم وإن علوا (تبركم أبناؤكم وعفوا عن النساء تعف نساؤكم) عن الرجال (ومن تنصل إليه) أي انتفى من ذنبه واعتذر إليه (فلم يقبل) اعتذاره (فلم يرد على الحوض) الكوثر يوم القيامة قال عبد الحق: في هذا الحديث ونحوه دلالة على وجوب الإيمان بالحوض وقد أنكره بعض الزائغين ومن أنكره لم يرده
(طب) عن أحمد بن داود المكي عن علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك عن أبي الزبير عن جابر (ك) من طريق إبراهيم بن الحسين ابن ديديل عن علي بن قتيبة عن مالك عن أبي الزبير (عن جابر) قال ابن الجوزي: موضوع علي بن قتيبة يروي عن الثقات البواطيل اه وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا اه وأورده في الميزان في ترجمة علي بن قتيبة الرفاعي وقال: قال ابن عدي: له أحاديث باطلة عن مالك ثم أورده في هذا الخبر(3/200)
3140 - (بركة الطعام) أي نموه وزيادة نفعه في البدن (الوضوء قبله) أي تنطيف اليد بغسلها (والوضوء بعده) كذلك قال الطيبي: معنى بركته قبله نموه وزيادة نفعه وبعده دفع ضرر الغمر الذي علق بيده وعيافته وقال الزين العراقي: أراد نفع البدن به وكونه يمري فيه لما فيه من النظافة فإن الأكل معها بنهمة وشهوة بخلافه مع عدمها فربما يقذر الطعام فلا ينفعه بل يضره قال الراغب: وأصل البرك صدر البعير وبرك البعير ألقى بركه واعتبر منه معنى اللزوم وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء به والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء سمي به لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير قال تعالى: {ذكر مبارك} تنبيها على ما يفيض من الخيرات الإلهية ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة خير زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة اه وهذا لا يناقضه خبر الترمذي أنه قرب إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة لأن المراد بذلك الوضوء الشرعي وذا الوضوء اللغوي وفيه رد على من زعم كراهة غسل اليد قبل الطعام وبعده وما تمسك به من أنه من فعل الأعاجم لا يصلح حجة ولا يدل على اعتباره دليل
(حم د ت ك) كلهم في الأطعمة (عن سلمان) قال: قرأت في التوراة بركة الطعام الوضوء قبله فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل صرح بضعفه أبو داود وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث قيس [ص:201] ابن الربيع وهو مضعف وقال الحاكم: تفرد به قيس قال الذهبي: هو مع ضعف قيس فيه إرسال اه. ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث لكن قال المنذري: قيس وإن كان فيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن(3/200)
3141 - (بشرى الدنيا) كذا بخط المصنف أي بشرى المؤمن في الدنيا (الرؤيا الصالحة) يراها في منامه أو ترى له فيه والبشارة الخبر الصدق السار وأما {فبشرهم بعذاب أليم} فاستعارة تهكمية. <تنبيه> قال بعضهم: الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي فيطلع الله النائم على ما جهله من معرفة الله والكون في يقظته ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أصبح سأل هل رأى أحد منكم رؤيا هذه الليلة؟ وذلك لأنها آثار نبوة في الجملة فكان يحب أن يشهدها في أمته قال: والناس في غاية من الجهل بهذه المرتبة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعتني بها ويسأل عنها كل يوم وأكثرهم يهزأ بالرائي إذا رآه يعتمد الرؤيا
(طب عن أبي الدرداء)(3/201)
3142 - (بشر من شهد بدرا) أي حضر وقعة بدر للقتال مع أهل الإسلام (بالجنة) أي بدخولها مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يشهد شيئا من المشاهد
(قط في الأفراد عن أبي بكر) الصديق(3/201)
3143 - (بشر هذه الأمة) أمة الإجابة (بالسناء) بالمد ارتفاع المنزلة والقدر (والدين) أي التمكن فيه (والرفعة) أي العلو في الدنيا والآخرة (والنصر) على الأعداء (والتمكين في الأرض) {ونمكن لهم في الأرض ونجعلهم أئمة} (فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا) أي قصد بعمله الأخروي استجلاب الدنيا وجعله وسيلة إلى تحصيلها (لم يكن له في الآخرة من نصيب) لأنه لم يعمل لها
(حم) عن أبي قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن أبي) ابن كعب قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي في موضع ورده في آخر بأن فيه من الضعفاء محمد بن أشرس وغيره(3/201)
3144 - (بشر) خطاب عام لم يرد به معين (المشائين) بالهمز والمد أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة (في الظلم) بضم الظاء وفتح اللام جمع ظلمة بسكونها ظلمة الليل (إلى المساجد) القريبة أو البعيدة (بالنور التام) أي من جميع جوانبهم فإنهم يختلفون في النور بقدر عملهم (يوم القيامة) أي على الصراط والمراد المنابر التي من نور لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضيء لهم يوم القيامة وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم وإن كان منهم من يمشي في ضوء مصباحه لأنه ماش في ظلمة الليل متكلف زيادة مؤونة الزيت أو الشمع فله ثواب ذلك مع نور مشيه كالحاج إذا زادت مؤونته لبعد المشقة فله ثوابها مع ثواب الحج وقيل إنما قيد النور بالتمام لأن أصل النور يعطى لكل من تلفظ بالشهادتين من مؤمن أو منافق لظاهر حرمة الكلمة ثم يقطع نور المنافقين فيقولون {ربنا أتمم لنا نورنا} وقال الطيبي: تقييده بيوم القيامة تلميح إلى قصة المؤمنين وقولهم فيه {ربنا أتمم لنا نورنا} ففيه إيذان أن من انتهز هذه الفرصة وهي المشي إليها في الظلم في الدنيا كان مع النبيين والصديقين في الأخرى {وحسن أولئك رفيقا}
(د ت) كلاهما في الصلاة (عن بريدة) بن الخصيب قال الترمذي: غريب قال المنذري: ورجاله ثقات اه. (هـ ك عن أنس) وسكت عليه وسنده عن داود بن سليمان عن أبيه عن ثابت البناني به وقال ابن طاهر: لم يتابع داود عليه وهو عن ثابت غير ثابت وسليمان هذا هو ابن مسلم مؤذن مسجد [ص:202] قال في الميزان: عن العقيلي لا يتابع على حديثه ثم ساق له هذا الخبر وقال: لا يعرف إلا به زاد في اللسان عنه وفي هذا المتن أحاديث متقاربة في الضعف واللين. (د عن سهل بن سعد) الساعدي وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه اه. وقال ابن الجوزي: حديث لا يثبت اه. وعده المصنف في الأحاديث المتواترة(3/201)
3145 - (بطحان) بضم الموحدة وسكون المهملة واد بالمدينة لا ينصرف قال عياض: هذه رواية المحدثين وأهل اللغة بفتح الموحدة وكسر الطاء (على بركة من برك الجنة) وفي رواية على ترعة من ترع الجنة قال الديلمي: الترعة الروضة على المكان المرتفع خاصة وقيل هي الدرجة
(البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه راو لم يسم(3/202)
3146 - (بعثت) أي أرسلت (أنا والساعة) بالنصب مفعول معه والرفع عطف على ضمير بعثت وقول أبي البقاء الرفع يفسد المعنى إذ لا يقال بعثت الساعة اعترضوه (كهاتين) الأصبعين السبابة والوسطى وقال عياض: هو تمثيل لاتصال زمنه بزمنها وأنه ليس بينهما شيء كما أنه ليس بينهما أصبع أخرى ويحتمل أنه تمثيل لقرب ما بينهما من المدة كقرب السبابة والوسطى قال الأبي: وهل يعني بما بينهما في الطول أو العرض؟ والأرجح الأول وقال غيره: إن دينه متصل بقيام الساعة لا يفصله عنه دين آخر كما لا فصل بين السبابة والوسطى وقال القاضي: معناه أن نسبة تقدم بعثته على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الأصبعين على الأخرى وفيه إشهار بأنه لا نبي بينه وبينها كما لا يتخلل أصبع بين هاتين الأصبعين ومحصوله أنه كناية عن قربها وبه جاء التنزيل {اقتربت الساعة} . <تنبيه> قال القرطبي: لا منافاة بين هذا وبين قوله ما المسؤول عنها بأعلم من السائل لأن مراده هنا أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع ولا يلزم منه علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة وقال الكرماني: لا معارضة بين هذا وبين خبر إن الله عنده علم الساعة لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها عينا
(حم ق ت عن أنس) بن مالك (حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي وفي الباب عن جابر وبريدة وغيرهما قال المصنف: وهذا متواتر(3/202)
3147 - (بعثت إلى الناس كافة) قال الإمام: يختص بالمكلف واعترض بأن البعثة لشخص لا يقتضي تكليفه بل يكفي جري أحكام الإسلام عليه كتوارث ونحوه وقيل تقتضي البعثة إلى الناس أن كل من سمعه منهم يجب عليه إذا عقل وبلغ اتباعه فشمل الطفل وغيره (فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب) كافة (فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش) الذين هم قومي (فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم) الذين هم آلي (فإن لم يستجيبوا لي فإلي وحدي) أي فلا أكلف حينئذ إلا نفسي ولا يضرني مخالفة من أبى واستكبر {لا تكلف إلا نفسك} وهذا مسوق لبيان عموم رسالته وأنها ثابتة كيفما كان وعلى أي حال فرض يعني بعثت إلى الناس كافة وأمرت أن أدعوهم إلى دين الإسلام سواء استجابوا لي أو لا وفيه أنه مرسل إلى نفسه وعليه أهل الأصول
(ابن سعد) في الطبقات (عن خالد بن معدان مرسلا)(3/202)
3148 - (بعثت من خير قرون بني آدم) أي من خير طبقاتهم كائنين (قرنا فقرنا) طبقة بعد طبقة (حتى كنت من القرن [ص:203] الذي كنت فيه) إذ القرن أهل كل زمان من الاقتران لأنهم يقترنون في أعمارهم وأحوالهم في زمن واحد وحتى غائبة لبعثت وأراد به تقلبه في الأصلاب أبا فأبا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه فالفاء للترتيب في الفضل على الترقي تقربا من أبعد آبائه إلى أقربهم فأقربهم كما في: خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل
(ع) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة) ولم يخرجه(3/202)
3149 - (بعثت بجوامع الكلم) أي القرآن سمي به لإيجازه واحتواء لفظه اليسير على المعنى الغزير واشتماله على ما في الكتب السماوية وجمعه لما فيها من العلوم السنية:
وعلى تفنن واصفيه بحسنه. . . يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
(ونصرت بالرعب) أي الفزع يلقى في قلوب الأعداء قال ابن حجر: ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو ما ينشأ عنه من الظفر بالعدو (وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) قال الزمخشري وغيره: أراد ما فتح على أمته من خزائن كسرى وقيصر لأن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود قيصر الدراهم أقول وهذا يرجح الحديث الوارد في صدر الكتاب أتيت بمقاليد الدنيا إلخ أنه كان مناما (فوضعت) بالبناء للمجهول أي المفاتيح (في يدي) بالإفراد وفي رواية بالتثنية أي وضعت حقيقة أو مجازا باعتبار الاستيلاء عليها
(ق ن عن أبي هريرة) قال أبو هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتشلونها أي تستخرجونها(3/203)
3150 - (بعثت بالحنيفية السمحة) أي الشريعة المائلة عن كل دين باطل قال ابن القيم: جمع بين كونها حنيفية وكونها سمحة فهي حنيفة في التوحيد سمحة في العمل وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال وهما قربتان وهما اللذان عابهما الله في كتابه على المشركين في سورة الأنعام والأعراف (ومن خالف سنتي) أي طريقتي بأن شدد وعقد وتبتل وترهب (فليس مني) أي ليس من المتبعين لي العاملين بما بعثت به الممتثلين لما أمرت به من الرفق واللين والقيام بالحق والمساهلة مع الخلق قال الحرالي: إنما بعث بالحنيفية السمحة البيضاء النقية واليسر الذي لا حرج فيه {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} اه واستنبط منه الشافعية قاعدة إن المشقة تجلب التيسير
(خط عن جابر) بن عبد الله وفيه علي بن عمر الحربي أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق ضعفه البرقاني ومسلم بن عبد ربه ضعفه الأزدي ومن ثم أطلق الحافظ العراقي ضعف سنده وقال العلائي: مسلم ضعفه الأزدي ولم أجد أحدا وثقه لكن له طرق ثلاث ليس يبعد أن لا ينزل بسببها عن درجة الحسن(3/203)
3151 - (بعثت بمداراة الناس) أي خفض الجناح ولين الكلمة لهم وترك الأغلاط عليهم فإن ذلك من أقوى أسباب الألفة واجتماع الكلمة وانتظام الأمر وهي غير المداهنة كما سبق ويجيء
(طب عن جابر) قال: لما نزلت سورة براءة قال ذلك وفيه عبد الله بن لؤلؤة عن عمير بن واصل قال في لسان الميزان يروي عنه الموضوع وعمر بن واصل اتهمه الخطيب بالوضع وفيه أيضا مالك بن دينار الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء ووثقه بعضهم(3/203)
3152 - (بعثت بين يدي الساعة) مستعار مما بين يدي جهة الإنسان تلويحا بقربها والساعة هنا القيامة وأصلها قطعة من [ص:204] الزمان (بالسيف) خص نفسه به وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضا لأنه لا يبلغ مبلغه فيه أقول ويحتمل أنه إنما خص نفسه به لأنه موصوف بذلك في الكتب فأراد أن يقرع أهل الكتابين ويذكرهم بما عندهم أخرج أبو نعيم عن كعب خرج قوم عمارا وفيهم عبد المطلب ورجل من يهود فنظر إلى عبد المطلب فقال: إنا نجد في كتبنا التي لم تبدل أنه يخرج من ضئضئى هذا من يقتلنا وقومه قتل عاد (حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له) أي ويشهد أني رسوله وإنما سكت عنه لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصر الكلام على الأهم في المقام (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) قال الديلمي: يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي قال العامري: يعني أن معظم رزقه كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح ولا يكون في إقامة الرماح بالرايات إلا مع النصر وقد نصر بالرعب فهم من خوف الرمح أتوا تحت ظله ولأنه جعل السنان للجهاد وهو أكبر الطاعات فجعل له الرزق في ظله أي ضمنه وإن كان لم يقصده كذا ذكره ابن أبي جمرة ولا يخفى تكلفه (وجعل الذل) أي الهوان والخسران (والصغار) بالفتح أي الضيم (على من خالف أمري) فإن الله تعالى خلق خلقه قسمين علية وسفلة وجعل عليين مستقرا لعليه وأسفل سافلين مستقرا لسفله وجعل أهل طاعته وطاعة رسوله الأعلين في الدارين وأهل معصيته الأسفلين فيها والذلة والصغار لهؤلاء وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره فالعز لأهل طاعته ومتابعيه {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وعلى قدر متابعته تكون العزة والكفاية والفلاح (ومن تشبه بقوم فهو منهم) أي حكمه حكمهم وذلك لأن كل معصية من المعاصي ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله فاللوطية ميراث عن قوم لوط وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث قوم شعيب والعلو في الأرض ميراث قوم فرعون والتكبر والتجبر ميراث قوم هود فكل من لابس من هؤلاء شيئا فهو منهم وهكذا
(حم ع طب) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن ثابت عن ثوبان وثقه ابن المديني وأبو حاتم وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات وذكره البخاري في الصحيح في الجهاد تعليقا وفي الباب أبو هريرة وغيره(3/203)
3153 - (بعثت داعيا) بحذف مفعوله للتعميم وفاعله تعظيما وتفخيما أي بعثني الله داعيا لمن يريد هدايته (ومبلغا) ما أوحاه الله إلي إلى الخلق (وليس إلي من الهدى شيء) لأني عبد لا أعلم المطبوع على قلبه من غيره قال الزمخشري: وقد جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبعه فقد ضيع نفسه ومثاله أن يفجر الله عينا غديقة فيسقي ناس زرعهم وماشيتهم بمائها فيفلحوا ويبقى ناس مفرطون عن السقي فيضيعوا فالعين المعجزة في نفسها نعمة من الله ورحمة للفريقين لكن الكسلان حرم نفسه ما ينفعها كذا قرره (وخلق) لفظ رواية العقيلي وجعل (إبليس مزينا) للدنيا والمعاصي ليضل بها من أراد الله إضلاله (وليس إليه من الضلالة شيء) فالرسل إنما هم مستجلبون لأمر جبلات الخلق فطرهم فيبشرون من فطر على خير وينذرون من جبل على شر والشيطان إنما ينشر حبائله لأمر جبلات الخلق كما تقرر فكلا الفريقين لا يستأنفون أمرا لم يكن بل يظهرون أمرا كان مغيبا وكذا حال كل إمام وعالم في زمنه ودجال وضلال في أوانه فإنما يميز كل منهما الخبيث من الطيب
(عق) عن محمد بن زكريا البلخي عن عيسى بن أحمد البلخي عن إسحاق [ص:205] ابن الفرات عن خالد بن عبد الرحمن بن الهيثم عن سماك عن طارق عن عمر ثم قال مخرجه العقيلي خالد ليس بمعروف بالنقل وحديثه غير محفوظ ولا يعرف له أصل (عن عمر) بن الخطاب ثم قال: أعني ابن عدي في قلبي من هذا الحديث شيء ولا أدري سمع خالد من سماك أم لا؟ ولا أشك أن خالدا هذا هو الخراساني فالحديث مرسل عن سماك انتهى. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المؤلف بأن خالدا روى له أبو داود ووثقه ابن معين قال: وحينئذ فليس في الحديث إلا الإرسال اه. وقال الذهبي: خالد بن عبد الرحمن قال الدارقطني: لا أعلمه روى غير هذا الحديث الباطل ثم ساق هذا بلفظه وسنده(3/204)
3154 - (بعثت مرحمة) للعالمين (وملحمة) يعني بالقتال قال في الفردوس: الملحمة المقتلة (ولم أبعث تاجرا) أي أحترف بالتجارة (ولا زارعا) وفي رواية ولا زراعا صيغة مبالغة (ألا) حرف تنبيه كما سبق (وإن شرار الأمة) أي من شرارهم (التجار والزارعون إلا من شح على دينه) أي أمسك عليه ولم يفرط في شيء من أحكامه بإهمال رعايته قيل أراد تجار الخمر وقيل أعم والمراد من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة أو لا يتوقى الربا ونحو ذلك وعلى نقيضه يحمل مدحه للتجارة في عدة أخبار
(حل) عن عبد الله بن محمد عن صالح الوراق عن عمرو بن سعيد الحمال عن الحسين بن حفص عن سفيان عن أبي موسى السمالي عن وهب (عن ابن عباس) ورواه ابن عدي أيضا من طريق آخر فحكاه عنه ابن الجوزي ثم حكم بوضعه فتعقبه المؤلف بوروده من طريق أخرى وهو طريق أبي نعيم هذا وبأن الدارقطني خرجه في الأفراد من طريق ثالث فينجبر(3/205)
3155 - (بغض بني هاشم والأنصار كفر) أي صريح أن بغض بني هاشم من حيث كونهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وبغض الأنصار من حيث كونهم ناصروه وظاهروه (وبغض العرب نفاق) أي لا يصدر بغضهم إلا عن نوع نفاق إما في الإعتقاد أو في العمل المنبعث عن هوى النفس ونصيب الشيطان فإنهم إنما شرفوا بالدين وخير الناس وأفضلهم في الدين كانوا من العرب وهم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد الناس وسيد كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وإذا كان هؤلاء خيار الناس وهم من العرب صار للعرب بهم الشرف أما أوائلهم فلأنهم كانوا سببا لنصرة هذا الدين وأما من بعدهم فلكونهم نسلهم فصح لهم الشرف ورجع الشرف إلى الدين
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم وأعاده في محل آخر بعينه وقال رجاله ثقات وقال شيخه الزين العراقي في القرب حديث حسن صحيح ورواه مسلم بمعناه(3/205)
3156 - (بكاء المؤمن) ناشئ (من قلبه) أي من حزن قلبه (وبكاء المنافق من هامته) أي رأسه يرسله منها متى شاء فهو يملك إرساله دفعة كما سيجيء في خبر قال الصلاح الصفدي: رأيت من يبكي بإحدى عينيه ثم يقول لها قفي فتقف دمعها ويقول للأخرى ابك أنت فيجري دمعها ورأيت آخر له محبوب فإذا قال له ابكي بكى وإذا قال له وهو في وسط البكاء اضحك ضحك ورأيت من يبكي بإحدى عينيه والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر وإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه كذا في مختصر الفتح
(عق طب حل عن حذيفة) وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال العقيلي والأزدي: منكر الحديث ثم ساق له العقيلي هذا قال في لسان [ص:206] الميزان ويشبه أن يكون موضوعا اه. فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه غير صواب(3/205)
3157 - (بكروا بالإفطار) أي تقدموا به وقدموه في الوقت وقت الفطر قال الديلمي: والتبكير التقدم في أول الوقت وإن لم يكن أول النهار (وأخروا السحور) أي أوقعوه آخر الليل ما لم يؤد إلى شك في طلوع الفجر فإنه أعظم للأجر
(عد عن أنس) بن مالك ورواه عنه الديلمي في الفردوس أيضا(3/206)
3158 - (بكروا في الصلاة في يوم الغيم) أي حافظوا عليها وقدموها فيه لئلا يخرج الوقت وأنتم لا تشعرون وإخراج الصلاة عن وقتها عظيم الجرم جدا لا سيما العصر كما يشير إليه قوله (فإنه) أي الشأن (من ترك صلاة العصر حبط عمله) أي بطل ثوابه وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله فإنه في حق من مات مرتدا بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه ذلك وحمله الدميري على المستحل أو من تعود الترك أو على حبوط الأجر
(حم هـ حب عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي وظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول عجيب مع كونه كما قال الديلمي وغيره في البخاري عن بريدة باللفظ المزبور(3/206)
3159 - (بلغوا عني) أي انقلوا عني ما أمكنكم ليتصل بالأمة نقل ما جئت به (ولو) أي ولو كان الإنسان إنما يبلغه مني أو عني (آية) واحدة من القرآن وخصها لأنها أقل ما يفيد في باب التبليغ ولم يقل ولو حديثا إما لشدة اهتمامه بنقل الآيات لأنها المعجزة الباقية من بين سائر المعجزات ولأن حاجة القرآن إلى الضبط والتبليغ أشد إذ لا مندوحة عن تواتر ألفاظه وإما للدلالة على تأكد الأمر بتبليغ الحديث فإن الآيات مع كثرة حملتها واشتهارها وتكفل حفظ الله لها عن التحريف واجبة التبليغ فكيف بالأحاديث فإنها قليلة الرواة قابلة للإخفاء والتغير؟ ذكره القاضي البيضاوي وقال الطيبي: بقوله بلغوا عني يحتمل أن يراد باتصال السند بنقل عدل ثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو انتهاء الشيء إلى غايته وأن يراد أداء اللفظ كما سمعه من غير تغيير والمطلوب بالحديث كلا الوجهين لوقوع قوله بلغوا عني مقابلا لقوله الآن حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج إذ ليس في التحديث ما في التبليغ من الحرج والضيق ويعضد هذا التأويل آية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي وإن لم تبلغ لما هو حقه فما بلغت ما أمرت به وحديث نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها الحديث وقوله ولو آية أي علامة تتميم ومبالغة أي ولو كان المبلغ فعلا أو إشارة بنحو يد أو أصبع فإنه يجب تبليغه حفظا للشريعة وفي صحيح ابن حبان فيه دليل على أن السنن يقال لها آي قال في التنقيح: وفيه نظر إذ لم ينحصر التبليغ عنه في السنن بل القرآن مما بلغ وفيه جواز تبليغ بعض الحديث قال الطيبي: ولا بأس به للعالم وإباحة الكتابة والتقييد لأن النسيان من طبع الإنسان ومن اعتمد على حفظه لا يؤمن عليه الغلط في التبليغ فترك التقييد يؤدي إلى سقوط أكثر الحديث وتعذر تبليغه ذكره في شرح السنة وفي الجليس للمعافى النهرواني الآية لغة تطلق على العلامة الفاصلة والأعجوبة الحاصلة والبلية النازلة فمن الأول قوله تعالى {أن لا تكلم الناس} ومن الثاني {إن في ذلك لآية} ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية ويجمع بين هذه المعاني أنه قيل لها آية لدلالتها وفضلها وإبانتها وقال ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما عنده من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به الشارع اه. (وحدثوا عن بني إسرائيل) بما بلغكم عنهم مما وقع لهم من الأعاجيب وإن استحال مثلها في هذه الأمة كنزول النار من السماء لأكل القربان ولو [ص:207] كان بلا سند لتعذر الاتصال في التحديث عنهم لبعد الزمان بخلاف الأحكام المحمدية (ولا حرج) لا ضيق عليكم في التحديث به إلا أن يعلم أنه كذب أو لا حرج أن لا تحدثوا وعليه فزاده دفعا لتوهم وجوب التحديث من صورة صدور الأمر به قال الطيبي: ولا منافاة بين إذنه هنا ونهيه في خبر آخر عن التحديث وفي آخر عن النظر في كتبهم لأنه أراد هنا التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم وبالنهي العمل بالأحكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر الإسلام قبل استقرار الأحكام الدينية والقواعد الإسلامية فلما استقرت أذن لأمن المحذور (ومن كذب علي متعمدا) يعني ومن لم يبلغ حق التبليغ ولم يحفظ في الأداء ولم يراع صحة الإسناد (فليتبوأ) بسكون اللام فليتخذ (مقعده من النار) أي فليدخل في زمرة الكاذبين نار جهنم والأمر بالتبوئ تهكم كما مر وقد استفدنا وجوب تبليغ العلم على حامليه وهو الميثاق الذي أخذه الله على العلماء قال البغوي: ولهذا الحديث كره قوم من الصحب والتابعين إكثار الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوفا من الزيادة والنقصان والغلط حتى أن من التابعين من كان يهاب رفع المرفوع فيقفه على الصحابي
(حم خ) في بني إسرائيل (ت) في العلم (عن ابن عمر)(3/206)
3160 - (بلوا أرحامكم) أي أندوها بما يجب أن تندى به وواصلوها بما ينبغي أن توصل به (ولو بالسلام) يقال الوصل بلل يوجب الالتصاق والاتصال والهجر يفضي إلى التفتت والانفصال. قال الزمخشري: استعار البلل للوصل كما يستعار اليبس للقطيعة لأن الأشياء تختلط بالنداوة وتتفرق باليبس وقال الطيبي: شبه الرحم بالأرض الذي إذا وقع الماء عليها وسقاها حق سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء وإذا تركت بغير سقي يبست وبطل نفعها فلا تثمر إلا البغض والجفاء ومنه قولهم سنة جماد أي لا مطر فيها وناقة جماد أي لا لبن فيها وقال الزين العراقي: بين به أن الصلة والقطيعة درجات فأدنى الصلة ترك الهجر وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مندوب
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي وهو ضعيف (طب عن أبي الطفيل) بضم المهملة عامر بن واثلة بمثلثة مكسورة الليثي الكناني ولد عام أحد وكان من شيعة علي قال الهيثمي: فيه راو لم يسم (هب عن أنس) بن مالك (وسويد) بضم المهملة (بن عمرو) الأنصاري قتل يوم موته قال البخاري: طرقه كلها ضعيفة ويقوي بعضها بعضا(3/207)
3161 - (بنو هاشم وبنو المطلب كشيء واحد) أي كشيء واحد في الكفر والإسلام ولم يخالف بنوا المطلب بني هاشم أصلا بل ذبوا عنهم بعد البعثة وناصروهم فلذا شاركوهم في خمس الخمس وجعلوا من ذوي القربى وأما عبد شمس ونوفل فإنهما وإن كانوا أخوي هاشم والمطلب فأولادهم خالفوا آباءهم فحرموا من الخمس وروى سي بسين مهملة وياء مشددة أي كل منهما مقترن بالآخر ملتصق به والسي المثل والنظير يعني هما سواء نظراء أكفاء قال الخطابي: وهذه الرواية أجود ولم يبين وجهه وقال الدماميني: هما سواء
(تتمة) قال ابن جرير: كان هاشم توأم عبد شمس خرج ورجله ملصقة برأس عبد شمس فما خلص حتى سال بينهما دم فأول بأن يكون بينهما حروب فكان بين بني أمية وبين بني العباس ما كان
(طب عن جبير بن مطعم) قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بينهما قلت أنا وعثمان: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة فذكره ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى [ص:208] من الطبراني وهو عجب فقد خرجه الإمام الشافعي من عدة طرق عن جبير بل عزاه في الفردوس لأمير المحدثين البخاري ثم رأيته فيه في كتاب الجهاد بأداة الحصر ولفظه إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد(3/207)
3162 - (بني الإسلام) بالبناء للمفعول أي أسس واستعمال الموضوع للمحسوس في المعاني مجاز علاقته المشابهة شبه الإسلام ببناء محكم وأركانه الآنية بقواعد ثابتة محكمة حاملة لذلك البناء فتشبيه الإسلام بالبناء استعارة ترشيحية (على) دعائم وأركان (خمس) وهي خصاله المذكورة قيل المراد القواعد ولذلك خلت عن التاء ولو أريد الأركان لالتحقت ونوزع بأن في رواية مسلم خمسة وهي صريحة في إرادة الأركان وتقدير خمس وصفا أقرب من تقديره مضافا لجواز حذف الموصوف إذا علم بخلاف المضاف إليه (شهادة) يجره مع ما بعده بدلا من خمس وهو أولى ويصح رفعه بتقدير مبتدأ أي هي أو أحدها أو خبر أي منها ونصبه بإضمار أعني وخص الخمس بكونها أركانه ولم يذكر معها الجهاد مع كونه ذروة سنامه لأنها فروض عينية وهو كفاية ولأن فرضيته تنقطع بنزول عيسى عليه السلام بخلاف الخمس (أن لا إله إلا الله) في رواية إيمان بالله ورسوله (وأن محمدا رسول الله) أخذ منه أبو الطيب أنه يشترط في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد عليه بالرسالة ولم يتابع مع اتجاهه قال ابن حجر رحمه الله: لم يذكر الإيمان بالملائكة وغيره مما هو في خبر جبريل عليه السلام لأنه أراد بالشهادة تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما جاء به فيستلزم ذلك (وإقام) أصله إقامة حذفت تاؤه للازدواج (الصلاة) أي المداومة عليها (وإيتاء) أي إعطائها (الزكاة) أهلها فحذف للعلم به ورتب هذه الثلاثة في جميع الروايات لأنها وجبت كذلك وتقديما للأفضل فالأفضل (وحج البيت) أي الكعبة (وصوم رمضان) لم يذكر فيهما الاستطاعة لشهرتها ووجه الحصر أن العبادة إما بدنية محضة كصلاة أو مالية محضة كزكاة أو مركبة كالأخيرين وأفاد ببناء الإسلام عليها أن البيت لا يثبت بدون دعائمه وليست هي إلا هذه الخمس وما بقي من شعب الإيمان المذكور في حديثه المار تجري مجرى تحسين البناء وتكميله والشهادتان هما الأساس الكلي الحامل لجميع ذلك البناء ولبقية تلك القواعد
(حم ق ت ن) في الإيمان كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي: وقع في جامع الأصول أن ذا لفظ مسلم خاصة ولفظ الشيخين غيره وقد انعكس عليه بل هو لفظ الصحيحين(3/208)
3163 - (بورك لأمتي في بكورها) يوم الخميس هكذا ساقه ابن حجر في الفتح عازيا للطبراني فكأنه سقط من قلم المصنف وفي رواية أخرى بعد بكورها قال ابن حجر: هذا لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط ثم قال أعني ابن حجر وأما حديث بورك لأمتي في بكورها أي بدون ذكر الخميس فأخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بغين معجمة هكذا ذكره في الفتح في تضاعيف أفعال الجهاد
(طس) من حديث عبد الله بن جعفر عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا (عبد الغني في) كتاب (الإيضاح) أي إيضاح الأشكال (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الديلمي: وفي الباب جابر بن عبد الله(3/208)
3164 - (بول الغلام) أي الذي لم يطعم غير لبن للتغذي ولم يعبر حولين (ينضح) أي يرش بماء يغلبه وإن لم يسل لأنه حالتئذ ليس لبوله عفونة يفتقر في إزالتها إلى مبالغة (وبول الجارية) أي الأنثى (يغسل) وجوبا كسائر النجاسات لأن [ص:209] بولها لغلبة البرد على مزاجها أغلظ وأنتن قال القاضي: المراد من النضح رش الماء بحيث يصل إلى جميع موارد البول من غير جري والغسل إجراء الماء على موارده والفرق بين الذكر والأنثى أن بولها بسبب استيلاء الرطوبة والبرد على مزاجها أغلظ وأنتن فتفتقر إزالته إلى مزيد مبالغة بخلافه وقيل الفرق أن نجاستها مكدرة لأنها تخالط رطوبة فرجها في الخروج وهي نجسة أي عند بعض العلماء في حديث عمرو بن شعيب
(هـ عن أم كرز) بضم أوله وسكون الراء بعدها زاي الكعبية المكية صحابية لها أحاديث قال مغلطاي: فيه انقطاع بين عمرو وأم كرز كما نص عليه في تهذيب الكمال في غير ما موضع وقال النقاش: عمرو ليس تابعيا(3/208)
3165 - (بيت لا تمر فيه جياع أهله) لكونه أنفس الثمار التي بها قوام النفس والأبدان مع كونه أغلب أقوات الحجاز وفي رواية لابن ماجه بسند جيد كما قاله زين الحفاظ بيت لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه اه كان عن غير الغالب أخلى فيجوع أهله قال القرطبي: ويصدق هذا على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد وبكون الغالب فيه صنفا واحدا فيقال على بلد ليس فيه إلا البر بيت لا بر فيه جياع أهله فكأن التمر إذ ذاك قوتهم كما تقوله أهل الأندلس بيت لا تين فيه جياع أهله وبقول أهل إيلان بيت لا رب فيه جياع أهله قال ابن العربي رحمه الله تعالى: وأنا أقول ما يناسب الخلقة والشرعة وتصدقه التجربة بيت لا زبيب فيه جياع أهله وأهل كل قطر يقولون في قوتهم مثله وقال الطيبي: الحديث يحمل على الحث على القناعة في بلاد يكثر فيه التمر يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله وإنما الجائع من ليس عنده تمر وفيه تنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادخاره
(حم م د ت هـ) كلهم في الأطعمة (عن عائشة) ذكر الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال لا أعرفه إلا من حديث يحيى بن حسان بن سليمان بن بلال(3/209)
3166 - (بيت لا صبيان فيه) يعني لا أطفال فيه ذكورا أو إناثا (لا بركة فيه) ظاهر كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبو الشيخ [ابن حبان] بيت لا خل فيه قفار أهله وبيت لا تمر فيه جياع أهله اه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون الفروي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له مناكير واتهمه بعضهم أي بالوضع وقدامة بن محمد المدني خرجه ابن حبان(3/209)
3167 - (بيع المحفلات) أي المجموعات اللبن في ضروعها لإيهام كثرة لبنها (خلابة) أي غش وخداع (ولا تحل الخلابة لمسلم) يعني لا يحل لمسلم أن يفعلها مع غيره ويثبت للمشتري الخيار
(حم هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا ابن أصبغ قال عبد الحق: روي مرفوعا وموقوفا وقال ابن القطان: وهذا منه مسالمة الحديث كأنه لا عيب فيه إلا إن وقف ورفع وذا منه عجب فإن الحديث في غاية الضعف ثم أطال في بيانه(3/209)
3168 - (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة فحمل أحد الاسمين على الآخر شائع سائغ كالقمرين ذكره الزمخشري وتبعه القاضي فقال: غلب الأذان على الإقامة وسماها باسم واحد قال غيره: لا حاجة لارتكاب التغليب فإن الإقامة أذان حقيقة لأنها إعلام بحضور الوقت للصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت فهو حقيقة لغوية وتبعه الطيبي وقال: الاسم لكل منهما حقيقة لغوية إذ الأذان لغة الإعلام فالأذان إعلام بحضور الوقت والإقامة إيذان بفعل الصلاة (صلاة) أي وقت صلاة والمراد صلاة نافلة ونكرت لتناول كل عدد نواه المصلي من النفل وإنما لم يجر على ظاهره [ص:210] لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر نطق بالتخيير بقوله (لمن شاء) أن يصلي فذكره دفعا لتوهم الوجوب قال المظهر: وإنما حرض أمته على صلاة النفل بين الأذانين لأن الدعاء لا يرد بينهما ولشرف هذا الوقت وإذا كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر وبقية الخبر عند البخاري وغيره ثلاثا قال ابن الجوزي: فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز
(حم ق 4 عبد الله بن مغفل) كلهم في كتاب الصلاة(3/209)
3169 - (بين كل أذانين صلاة إلا المغرب) فإنه ليس بين أذانها وإقامتها صلاة بل يندب المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها كان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها ولم تكن الصحابة يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه أنه يسن صلاة ركعتين قبلها. قال في شرح مسلم: قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها ممنوع انتهى
(البزار) في مسنده عن عبد الواحد بن غياث عن حبان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة (عن) أبيه (بريدة) ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا حبان وهو بصري مشهور لا بأس به قال الهيثمي في موضع: لكنه اختلط وفي آخر فيه حبان بن عبد الله ضعفه ابن عدي وقيل: إنه اختلط انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: تفرد به حبان وهو كذاب كذبه الفلاس وتعقبه المؤلف بأن الذي كذبه الفلاس غير هذا(3/210)
3170 - (بين) وفي رواية لمسلم إن بين (الرجل) أراد الإنسان وإنما خص الرجل لأن الخطاب معه غالبا (وبين الشرك) بالله (والكفر) عطف عام على خاص إذ الشرك نوع من الكفر وكرر بين تأكيدا والتعبير بالواو هو ما وقع في جميع الأصول وعند أبي عوانة وأبي نعيم أو الكفر (ترك الصلاة) أي تركها وصلة بين العبد وبين الكفر يوصله إليه
(م) في كتاب الإيمان (د ت هـ عن جابر) ولم يخرجه البخاري(3/210)
3171 - (بين الملحمة) بفتح الميمين الحرب ومحل القتال من اشتباك الناس واختلاطهم أو من اللحم لكثرة لحوم الموتى (وفتح المدينة) القسطنطينية (ست سنين ويخرج المسيح الدجال في السابعة) قال ابن كثير: يشكل بخبر الملحمة الكبرى وفتح المدينة وخروج الدجال في سبعة أشهر إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين وبين آخرها وفتح المدينة مدة قريبة تكون مع خروج الدجال في سبعة أشهر
(حم د) في الملاحم (هـ) في الفتن (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة كما مر قال المناوي: وفيه بقية وفيه مقال انتهى وأقول فيه أيضا سويد بن سعيد(3/210)
3172 - (بين الركن والمقام ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلا برئ) يعني استجاب دعاءه وأبرأه من عاهته وفي رواية للطبراني أيضا بين الركن والمقام ملتزم من دعى الله عز وجل من ذي حاجة أو ذي كربة أو ذي غم فرج الله عنه
(طب عن ابن عباس)(3/210)
3173 - (بين العبد والجنة) أي دخولها (سبع عقبات) جمع عقبة كذا في نسخ ثم رأيت خط المصنف عقاب (أهونها [ص:211] الموت وأصعبها الوقوف بين يدي الله تعالى) في الموقف الأعظم يوم الفزع الأكبر (إذا تعلق المظلومون بالظالمين) قائلين يا ربنا أنت الحكم العدل فاقتص لنا منهم وهذا قد يشكل بخبر القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أهون
(أبو سعد النقاش) بفتح النون وقاف مشددة وشين معجمة نسبة إلى نقش الحيطان والسقوف (في معجمه) أي معجم شيوخه (وابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك(3/210)
3174 - (بين يدي الساعة) أي قدامها وأصله أن يستعمل في مكان يقابل صدر الشخص وبين يديه ثم نقل إلى الزمن (أيام الهرج) أي قتال واختلاط والساعة الوقت التي تقوم فيه القيامة وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم
(حم طب عن خالد بن الوليد)(3/211)
3175 - (بين يدي الساعة فتن) أي حروب وفساد في الأهواء والاعتقادات والمذاهب والمناصب (كقطع الليل المظلم) أي فتن مظلمة سوداء فظيعة جدا وقطع الليل طائفة منه زاد أحمد وأبو يعلى والطبراني يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير انتهى قال الحسن: فوالله لقد رأيناهم صورا ولا عقولا وأجساما ولا أحلاما فراش نار وذباب طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز
(ك عن أنس) بن مالك وفي الباب النعمان بن بشير(3/211)
3176 - (بين يدي الساعة مسخ) قلب الخلقة من شيء إلى شيء أو تحويل الصورة إلى أقبح منها أو مسخ القلوب (وخسف) أي غور في الأرض (وقذف) أي رمي بالحجارة من جهة السماء قال التوربشتي: هذا من باب التغليظ والتشديد
(هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية وقال: غريب من حديث النووي لم يكتبه إلا من إبراهيم بن بسطام عن مؤمل(3/211)
3177 - (بين العالم) أي العامل بعلمه (والعابد) غير العالم (سبعون درجة) يعني أن العالم فوقه بسبعين منزلة في الجنة وفي رواية للأصبهاني في الترغيب مئة درجة ولا تدافع لامكان أنه أراد بالسبعين هنا التكثير لا التحديد أو أن ذلك يختلف باختلاف أشخاص العلماء والعباد
(فر عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم أيضا قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف من طريقه(3/211)
3178 - (بين كل ركعتين تحية) الظاهر أن المراد في كل ركعتين تشهدا يعني أن الأحب في النفل أن يتشهد في كل ركعتين والوصل مفصول بالنسبة إليه
(هق عن عائشة)(3/211)
3179 - (بئس) كلمة جامعة للمذام مقابلة لنعم الجامعة لوجوه المدائح كلها قاله الحرالي (العبد عبد تخيل) بخاء معجمة أي تخيل في نفسه شرفا وفضلا على غيره (واختال) تكبر من الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب يقال اختال فهو مختال [ص:212] وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر (ونسي) الله (الكبير المتعال) أي ونسي أن الكبرياء والتعالي ليس إلا للواحد القهار (بئس العبد عبد تجبر) من الجبروت فعلوت من الجبر القهر بأن احتشى من الشهوات وجبر الخلق على هواه فيها فصار ذلك عادة له (واعتدى) في جبريته فمن خالف هواه قهره بقتل أو غيره (ونسي الجبار الأعلى) الذي له الجبروت الأعظم وقد صغرت الدنيا بمن فيها من الخلق والخليقة في جنب جبروته (بئس العبد عبد سها) بالأماني مستغرقا في شؤون هذا الحطام الفاني (ولها) بالإكباب على الشهوات والاشتغال باللهو واللعب أو ربما لا يعنيه عما خلق لأجله من العبادات (ونسي المقابر والبلى (1)) أي من القبر يضمه يوما ويحتوي على أركانه ويبلي لحمه ودمه (بئس العبد عبد عتا وطغى) أي بالغ في ركوب المعاصي وتمرد حتى صار لا ينفع فيه وعظ ولا يؤثر فيه زجر فصار إيمانه محجوبا والعتو التجبر والتكبر والطغيان مجاوزة الحد (ونسي المبتدأ والمنتهى) أي نسي من أين بدأ والى أين يعاد وصيرورته ترابا أي من كان ذلك ابتداؤه ويكون انتهائه هذا جدير بأن يطيع الله في أوسط الحالين (بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين) بتحتية ثم خاء معجمة فمثناة فوقية مكسورة أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة بخداع كما يطلب الصائد الصيد من قولهم ختل الصيد إذا اختفى له وختل الصائد إذا مشى للصيد قليلا قليلا لئلا يحس به شبه فعل من يرى ورعا ودينا ليتوصل به إلى المطالب الدنيوية بختل الذئب وللصائد فهذا عبد متضع مداهن قلت مبالاته بنفسه على الحقيقة إنما يبالي بما يعرض في العاجل فيطمس معالم الإيمان بحطام الدنيا وأوساخها يظهر الخشوع عند لقاء الخلق وتنفس الصعداء تحسرا على أدبار أمره ويظهر أنه في هيئة الزاهدين ويظهر الانقباض ليهاب ويكون في فريسته كالسباع والذئاب والختل الخداع والمراوغة (بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات) التي هي محل تعارض الأدلة واختلاف العلماء أو المكروه والمراد أنه يتشبث بالشبهات ويؤول المحرمات (بئس العبد عبد طمع يقوده) قال الأشرفي: تقديره وطمع ويمكن جعل قوله طمع فاعل يقوده متقدما على فعله قال الطيبي: وهو أقرب (بئس العبد عبد هوى يضله) أراد الهوى القصور وهو هوى النفس (بئس العبد عبد رغب) بفتح الراء بضبط المصنف (يزله) بضم الياء وكسر الزاي بضبط المصنف أي حرص وشدة على الدنيا وقيل سعة الأمل وطلب الكثير قال القاضي: الرغب شره الطعام وأصله سعة الجوف بمعنى الرحب وإضافة العبد إليه للإهانة كقولهم عبد البطن ولأن مجامع همته واجتهاده مقصور عليه وعائد إليه
(ت ك) في الرقاق (هب عن أسماء) فتح الهمزة وبالمد (بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم الخثعمية صحابية هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب قال البيهقي في الشعب: إسناده ضعيف انتهى وكذا ذكره البغوي والمنذري وصححه الحاكم وليس كما زعم فقد رده الذهبي وقال: سنده مظلم (طب هب عن نعيم) بضم النون ابن حمار قال الذهبي: والصحيح همار غطفاني روى عنه كثير بن مرة حديثا واحدا قال الهيثمي: وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف
_________
(1) البلى بكسر الموحدة والقصر أو بفتحها والمد أي لم يستعد ليوم نزول قبره ولم يتفكر فيما هو صائر إليه من بيت الوحشة والدود(3/211)
3180 - (بئس العبد المحتكر) أي حابس القوت الذي تعم حاجة الناس إليه ليغلو فيبيعه بزيادة فإنه (إن أرخص الله الأسعار) [ص:213] أي أسعار الأقوات (حزن وإن أغلاها فرح) فهو يحزن لمسرة خلق الله ويفرح لحزنهم وكفى به ذما ومن ثم حرم الشافعية الاحتكار وقال القاضي رحمه الله تعالى: السعر القيمة التي يشيع البيع بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع
(طب هب عن معاذ بن جبل) وفيه بقية وحاله معروف وثور بن يزيد ثقة مشهور بالقدر(3/212)
3181 - (بئس) فعل ذم (البيت الحمام ترفع فيه الأصوات) فيتشوش الفكر عن الشغل بالذكر (وتكشف فيه العورات) أي غالبا بل لا يكاد يخلو عن ذلك لأن ما تحت السرة إلى ما فوق العانة لا يعده الناس عورة منهم لا ينفكون عن كشفه وقد ألحقه الشرع بالعورة وجعله كحريمها ولهذا يسن إخلاء الحمام وقال بعضهم: لا بأس بدخول الحمام لكن بإزارين إزار للعورة وإزار للرأس يستر عينيه عن النظر
(عد عن ابن عباس) وفيه صالح بن أحمد القيراطي البزار قال في الميزان: قال الدارقطني: متروك كذاب دجال أدركناه ولم نكتب عنه وقال ابن عدي: يسرق الحديث ثم ساق هذا الخبر فما أوهمه اقتصار المصنف على عزو الحديث عدي من أنه خرجه وأقره غير صواب(3/213)
3182 - (بئس البيت الحمام بيت لا يستر) أي لا تستر فيه العورة عن العيون (وماء لا يطهر) بضم الياء وشد الهاء وكسرها أي لكونه مستعملا عالبا وهذا تمام المرفوع منه ثم قالت عائشة عقب رفعها له كما هو ثابت في رواية مخرجه البيهقي: وما يسر عائشة أن لها مثل أحد ذهبا وأنها دخلت الحمام وقالت: لو أن امرأة أطاعت ربها وحفظت فرجها ثم آذت زوجها بكلمة باتت والملائكة تلعنها اه
(هب) من حديث يحيى بن أبي طالب عن أبي خباب عن عطاء (عن عائشة) ويحيى أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: وثقه الدارقطني وقال موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب وأبو جناب هو يحيى بن أبي حية أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي والدارقطني اه. ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح وقال القطان: لا أستحل أو أروي عن حباب وقال الفارس: متروك الحديث(3/213)
3183 - (بئس الشعب) بالكسر الطريق أو الطريق في الجبل (جياد) قالوا: يا رسول الله لم ذلك قال: (تخرج الدابة) أي تخرج منه دابة الأرض (فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين) هما طرفا السماء والأرض أو المشرق والمغرب
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه رباح بن عبد الله بن عمر وهو ضعيف اه وفي الميزان فيه رباح بن عبد الله قال أحمد والدارقطني: منكر الحديث وفي اللسان قال البخاري: لم يتابع عليه رباح وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء(3/213)
3184 - (بئس الطعام طعام العرس يطعمه الأغنياء) استئناف جواب عن من سأل عن كونه مذموما (ويمنعه المساكين) والفقراء فهو لذلك مذموم وقضيته أنه إذا لم يخص بدعوته الأغنياء ولم يمنع منه المساكين لا يكون مذموما وهو ظاهر والإجابة إليه حينئذ واجبة
(قط في فوائد ابن مردك عن أبي هريرة)(3/213)
[ص:214] 3185 - (بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف) أي لا ينزلونه عندهم للقيام بضيافته فإن الضيافة من شعائر الإسلام فإذا أجمع أهل محلة على تركها دل على تهاونهم بالدين
(هب) وكذا الطبراني (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الهيثمي: مصعب قال رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة(3/214)
3186 - (بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان) أي يتقي شرهم ويكتم عنهم حاله لما علمه منهم أنهم بالمرصاد للأذى والإضرار إذا رأوا سيئة أفشوها وإذا رأوا حسنة كتموها وستروها ومن ثم استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم ممن هذا حاله كما تقدم في أدعيته فيظهرون الصلح والأخوة والاتفاق وباطنهم بخلافه
(فر عن ابن مسعود) وفيه يحيى بن سعيد العطار أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: بين الضعف عن سوار وقال النسائي وغيره متروك وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر(3/214)
3187 - (بئس الكسب أجر الزمارة) بفتح الزاي وشد الميم الزانية كذا في الفردوس والنهاية والقاموس وغيرها فهو نهي عن كسب المغنية وقيل بتقديم الراء على الزاي من الرمز الإشارة بنحو حاجب أو عين والزواني تفعلنه قال ثعلب: الزمارة البغي الحسناء (وثمن الكلب) ولو معلما فإن أكله من أكل أموال الناس بالباطل لعدم صحة بيعه
(أبو بكر ابن مقسم في جزئه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي(3/214)
3188 - (بئس مطية الرجل) أي بعيره فعيلة بمعنى مفعولة (زعموا) يعني كلمة زعموا أراد به النهي عن التكلم بكلام يسمعه من غيره ولا يعلم صحته أو عن اختراع القول بإسناده إلى من لا يعرف فيقول زعموا أنه قد كان كذا وكذا فيتخذ قوله زعموا مطية (1) يقطع بها أودية الإسهاب وقيل سماه مطية لأنه يتوصل بهذا المقصود من إثبات شيء في المشيئة كما أنه يتوصل إلى موضع بواسطة المطية وأكثر ما ورد في القرآن فهو في معرض الذم وإنما صح الإسناد إليه والفعل لا يسند إليه لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ قال الخطابي: وأصل هذا أن الرجل إذا أراد الظفر لحاجة والسير لبلد ركب مطية وسار فشبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يقدم الرجل أمام كلامه ويتوصل به لحاجته من قولهم زعموا بالمطية وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا يثبت قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيله وأمر بالتوثق فيما يحكي والتثبت فيه لا يرويه حتى يجده معزوا إلى ثبت
(حم د) في الأدب (عن حذيفة) قال الذهبي في المهذب: فيه إرسال وقال ابن عساكر في الأطراف: حديث منقطع لأنه من رواية عبد الله بن زيد الجرمي عن حذيفة وهو لم يسمع منه
_________
(1) [يتخذ قوله " زعموا " مطية ليحمله ما لم يتحقق من صحته بنفسه فيروج هذا الكلام وإن كان كذبا. دار الحديث](3/214)
3189 - (بئس) فعل ذم (ما) نكرة موصوفة أي شيئا كائنا (لأحدكم أن يقول) هو المخصوص بالذم (نسيت آية كيت وكيت) بفتح التاء أشهر من كسرها أي كذا وكذا أوجه الذم دلالة هذا القول على تفريطه بعدم ملازمة تلاوة القرآن ودرسه نسبة الفعل إلى نفسه وهو فعل الله أو هو خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان من ضروب النسخ نسيان الشيء الذي ينزل [ص:215] ويدل عليه قوله (بل هو نسي) فهو نهي عن نسبة ذلك إليهم وإنما الله أنساهم لما له فيه من الحكمة ذكره الخطابي كغيره وقال الطيبي: قوله بل نسي إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى النفس المسبب عن عدم التعاهد إلى القول بالإنساء الذي هو من فعل الله من غير تقصير منه أي لا تقولوا ذلك القول بل قولوا ما قيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما يشهد له ما روي عن عائشة رضي الله عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ بالليل فقال: يرحمه الله قد أذكرني كذا وكذا آية كنت نسيتها قال أبو عبيد: أما الحريص على حفظ القرآن المداوم على تلاوته لكن النسيان يغلبه فلا يدخل في هذا وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان على ذنب أو سوء تعهده للقرآن من قوله تعالى {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}
(حم ق ت ن عن ابن مسعود)(3/214)
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف [أي حرف الباء](3/215)
3190 - (البادئ) أخاه المسلم (بالسلام) إذا لقيه (بريء من الصرم) بفتح الصاد المهملة وسكون الراء الهجر والقطع فإذا تلاح رجلان مثلا ثم تلاقيا فحرص أحدهما على البداءة بالسلام دون الآخر فقد خلص من إثم الهجران دونه
(حل) من حديث محمد بن يحيى بن منده عن عبد الرحمن بن عمر بن رسته عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن أبي إسحاق عن أبي الأحوص (عن ابن مسعود) وقال: غريب تفرد به عن النووي ابن مهدي(3/215)
3191 - (البادئ بالسلام بريء من الكبر) بالكسر العظمة وفي رواية لابن منيع البادئ بالسلام أولى بالله ورسوله والمراد بهذا الحديث وما قبله من يلقى صاحبه وهما سيان في الوصف بأن لا يكون أحدهما راكبا والآخر ماشيا أو ماشيا والآخر قاعدا إلى غير ذلك وإلا فالراكب يبدأ الماشي والماشي القاعد كما في الحديث الآتي فلا تدافع بين الحديثين
(هب خط في الجامع عن ابن مسعود) وفيه أبو الأحوص قال ابن معين: ليس بشيء وأورده الذهبي في الضعفاء(3/215)
3192 - (البحر) حقيقة الماء الكثير المجتمع في فسحة من الأرض سمي بحرا لعمقه واتساعه ويطلق على الملح والعذب والمراد هنا الملح (من جهنم) كناية عن أنه ينبغي تجنبه ولا يلقي العاقل بنفسه إلى المهالك ويرتعها مراتع الأخطار إلا لأمر ديني فالقصد بالحديث تهويل شأن البحر وتهويل خطر ركوبه فإن راكبه متعرض للآفات المتراكمة فإن أخطأته ورطة جذبته أخرى بمخالبها فكان الغرق رديف الحرق والغرق حليف الحرق والآفات تسرع إلى راكبه كما يسرع الهلاك من النار لمن لابسها ودنا منها
(أبو مسلم) إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن باعر بن كش الكشي (الكجي) بفتح الكاف وشدة الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص قيل له ذلك لأنه كان يبني دارا في البصرة وكان يقول هاتوا الكج وأكثر منه فقيل له ذلك وقيل له الكشي نسبة إلى جده الأعلى عاش كثيرا حتى روى عنه القطيعي وغيره (في سننه) وكذا رواه أحمد كما في الدرر ولعل المؤلف أغفله ذهولا (ك هق) من حديث أبي عاصم عن محمد بن حي عن صفوان بن يعلى (عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد التحتانية التميمي المكي وهو يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمة من مسلمة الفتح شهد حنينا والطائف وتبوك وكان جوادا خيرا قال الذهبي في المهذب: لا أعرف ابن حي(3/215)
3193 - (البحر الطهور ماؤه) بفتح الطاء المبالغ في الطهارة قاله لما سألوه أتتوضأ بماء البحر؟ ولم يقل في جوابه نعم مع [ص:216] حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز وهذا وقع جوابا لسائل ومن حاله كحاله ممن سافر في البحر ومعه ماء قليل يخشى إن تطهر به عطش فبين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماء الطهور لأنه في هذا المقام أشد اهتماما بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو للطهورية فالتطهر به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم افجزاء به مؤول أو مزيف (الحل ميتته) أي الحلال كما في رواية سوار سألوا عن ماء البحر فأجابهم عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهما الحاجة انتظم الجواب بهما. قال ابن عربي: وذلك من محاسن الفتوى بأن يأتي بأكثر مما يسأل عنه تتميما للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسؤول عنه ويتاكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا قال اليعمري: هذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ إلا في معرض الجواب عن مسؤول عنه والباقي ورد مبتدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسؤول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن كانت الإضافة سائغة فيه بحكم اللغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير
(هـ عن أبي هريرة) وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد والأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق قيل يا رسول الله: إننا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي: حسن صحيح وسألت عنه البخاري فقال: صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم وإنما اقتصر المصنف على عزوه لابن ماجه لأنه بلفظ البحر في أوله ليس إلا فيه وعجب من العز بن جماعة رضي الله عنه مع سعة نظره كيف ذكر أنه لم يره فيما وقف عليه من كتب الحديث مع كونه في أحد دواوين الإسلام المتداولة(3/215)
3194 - (البخيل) أي الكامل في البخل كما يفيده تعريف المبتدأ (من ذكرت عنده) أي ذكر اسمي بمسمع منه وقال في الإتحاف: هذا صادق بذكر اسمه وصفته وكنيته وما يتعلق به من المعجزات (فلم يصل علي) لأنه بخل على نفسه حين حرمها صلاة الله عليه عشرا إذ هو صلى واحدة ومنع أن يكتال له الثواب بالمكيال الأوفى فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه شبه تركه الصلاة عليه ببخله بإنفاق المال في وجوه البر ثم اشتق منه إسم الفاعل فجرت الاستعارة في المصدر أصلية وفي اسم الفاعل تبعية أو شبه تاركها على طريق الاستعارة المكنية عن تركه إنفاقه في وجوهه ثم أثبت له البخل تخييلا حتى كأنه من جنسه تلويحا بحرمانه من الأجر وإيذانا بأن من تكاسل عن الطاعة يسمى بخيلا قال الفاكهاني: وهذا أقبح بخل وأشنع شح لم يبق بعده إلا الشح بكلمة الشهادة وهو يقوي القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكره. <تنبيه> قوله من ذكرت عنده قال المؤلف: كذا الرواية وأورده الطيبي بلفظ البخيل الذي ذكرت عنده وقال الموصول الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته كما في قراءة زيد بن علي {الذي خلقكم والذين من قبلكم}
(حم ت) وقال: حسن غريب (ن حب ك) في الدعاء من حديث عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه (عن) جده (الحسين) بن علي قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي اه وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول عجاب فقد عزاه هو نفسه في الدرر للترمذي من [ص:217] حديث الحسين وقال ابن حجر في الفتح: أخرجه باللفظ المذكور الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي وأطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن فاقتصار المؤلف على عزوه لابن حبان والحاكم من حديث الحسين وحده قصور وتقصير ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد(3/216)
3195 - (البذاء) بفتح الباء وبالهمزة وبالمد وبقصر الفحش في القول (شؤم) ضد اليمين وأصله الهمز فخفف واوا (وسوء الملكة لؤم) أي الإساءة إلى المماليك ونحوهم دناءة وشح نفس وسوء الملكة يدل على سوء الخلق وهو شؤم والشؤم يورث الخذلان ودخول النيران. <تنبيه> قال الراغب: البذاء الكلام القبيح يكون من القوة الشهوية طورا ومن القوة الغضبية طورا فمتى كان معه استعانة بالقوة المفكرة كان منه السباب ومتى كان من مجرد الغضب كان صوتا مجردا لا يفيد نطقا كما يرى ممن فار غضبه وهاج هائجه (تتمة) قالوا: علاج من ابتلي بالبذاء أو الفحش والسفه تعويد لسانه القول الجميل ولزوم الصمت أو الذكر فإن الإكثار منه يزيل هذا الداء
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن غرارة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين(3/217)
3196 - (البذاذة) بفتح الموحدة وذالين معجمتين قال الراوي: يعني التقحل بالقاف وحاء مهملة رثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس إيثارا للخمول بين الناس (من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعا وزهدا وكفا للنفس عن الفخر والتكبر لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال وإلا فليس من الإيمان من عرض النعمة للكفران وأعرض عن شكر المنعم المنان فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات <تنبيه> قال العارف ابن عربي: عليك بالبذاذة فإنها من الإيمان وورد اخشوشنوا وهي من صفات الحاج وصفة أهل القيامة فإنهم غبر شعث عراة حفاة وذلك أنفى للكبر وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع والعرف فلذلك جعلها من الإيمان وألحقها بشعبه فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة فلذلك جعلها من الإيمان
(حم هـ) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث صالح بن صالح عن عبد الله بن أبي أمامة (عن أبي أمامة) إياس بن ثعلبة الحارثي قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا فقال: ألا تسمعون ألا تسمعون ثم ذكره قال الحاكم: احتج به مسلم بصالح وأقره الذهبي عليه وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث حسن وقال الديلمي: هو صحيح ورواه عنه أيضا أبو داود في الترجل وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه حديث صحيح فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد ابن ماجه به غير جيد(3/217)
3197 - (البر) بالكسر أي الفعل المرضي الذي هو في تزكية النفس كالبر في تغذية البدن وقوله البر أي معظمه فالحصر مجازي وضده الفجور والإثم ولذا قابله به وهو بهذا المعنى عبارة عما اقتضاه الشارع وجوبا أو ندبا والإثم ما ينهى عنه وتارة يقابل البر بالعقوق فيكون هو الإحسان والعقوق الإساءة (حسن الخلق) أي التخلق مع الخلق والخالق والمراد هنا المعروف وهو طلاقة الوجه وكف الإذى وبذل النداء وأن يحب للناس ما يحب لنفسه وهو راجع لتفسير [ص:218] البعض له بأنه الانصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والإحسان في العسر واليسر الى غير ذلك من الخصال الحميدة (والإثم ما حاك) بحاء مهملة وكاف (في صدرك) اختلج في النفس وتردد في القلب ولم يمازج نوره ولم يطمئن إليه (وكرهت أن يطلع عليه الناس) أي وجوههم أو أماثلهم الذي يستحيا منهم وحمله على العموم بعيد المراد بالكراهة هنا الدينية الخارمة فخرج العادية كمن يكره أن يرى آكلا لنحو حياء أو بخل وغير الخارمة كمن يكره أن يركب بين مشاة لنحو تواضع وإنما كان التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته وظاهر الخبر أن مجرد خطور المعصية إثم لوجود الدلالة ولا مخصص وذا من جوامع الكلم لأن البر كلمة جامعة لكل خير والإثم جامع للشر وقال الحرالي: الإثم سوء اعتداء في قول أو فعل أو حال ويقال للكذوب أثوم لاعتدائه بالقول على غيره
(خد م) في الأدب (ت) في الزهد (عن النواس) بفتح النون وشد الواو (بن سمعان) بكسر المهملة وفتحها الكلابي قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم والبر فذكره واستدركه الحاكم فوهم وعجب ذهول الذهبي عنه في اختصاره(3/217)
3198 - (البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) قال الراغب: قابل الإثم بالبر وهذا القول منه حكم البر والإثم لا تفسيرهما إذ الإثم للأفعال المبطئة عن الثواب ولتضمنه معنى البطء قال الشاعر:
جمالية تكتفي بالرداف. . . إذا كذب الآثمات الهجيرا
(والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن له القلب) لأنه سبحانه فطر عباده على الميل إلى الحق والسكون إليه وركز في طبعهم حبه (وإن أفتاك المفتون) أي جعلوا لك رخصة وذلك لأن على قلب المؤمن نورا يتقد فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا فاطمئن القلب وهش وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب ولم يمازجه فاضطرب القلب وإنما ذكر طمأنينة النفس مع القلب إيذانا بأن الكلام في نفوس ماتت منها الشهوات وزالت عنها حجاب الظلمات فالنفس المرتكبة في الكدورات المحفوفة بحجب اللذات تطمئن إلى الإثم والجهل وتسكن إليه ويستغرقها الشر والباطل فأعلم بالجمع بينهما أن الكلام في نفس رضيت وتمرنت حتى تجلت بأنوار اليقين قال بعض الصوفية: وإنما اشتبه على علماء الظاهر الحلال بالحرام أحيانا لأنهم أفسدوا الشاهد الذي في قلوبهم كما أفسدوا عقولهم بحب الدنيا فدنسوها وأفسدوا إيمانهم بالطمع فأسقموه وأفسدوا جوارحهم بالسحت فلطخوها وأفسدوا طريقهم إلى الله فسدوها فليس لأهل التخليط من هذه العلامات شيء لأن الحق الأعظم الذي تشعبت منه الحقوق لا يسكن إلا في قلب طاهر وكذا الحكمة واليقين
(حم عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة (الخشني) بضم المعجمة وفتح المعجمة الثانية وكسر النون اسمه جرثوم أو جرثوم أو جرهم أو ناشم قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بما يحل وبما يحرم فصعد النبي صلى الله عليه وسلم وصوب في النظر ثم ذكره قال الهيثمي: رجاله ثقات(3/218)
3199 - (البر) بالكسر (لا يبلى) أي لا ينقطع ثوابه ولا يضيع بل هو باق عند الله تعالى وقيل أراد الإحسان وفعل الخير لا يبلى ثناؤه وذكره في الدنيا والآخرة (والذنب لا ينسى) أي لا بد أن يجازى عليه {لا يضل ربي ولا ينسى} ونبه به على شيء دقيق يغلط الناس فيه كثيرا وهو أنهم لا يرون تأثير الذنب فينساه الواحد منهم ويظن أنه لا يغير بعد ذلك وأنه كما قال:
إذا لم يغير حائط في وقوعه. . . فليس له بعد الوقوع غبار [ص:219]
قال ابن القيم: وسبحان الله ما أهلكت هذه البلية من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المفترين بها من العلماء فضلا عن الجهال ولم يعلم المفتري أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم والجرح المندمل على دغل (والديان لا يموت) فيه جواز إطلاق الديان على الله سبحانه وتعالى لو صح الخبر (اعمل ما شئت) تهديد شديد وفي رواية بدله فكن كما شئت (كما تدين تدان) أي كما تجازي تجازى يقال دنته بما صنع أي جزيته ذكره الديلمي ومن مواعظ الحكماء: عباد الله الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر ولقد أمهل كأنه أهمل
(عب عن أبي قلابة) بكسر القاف وخفة اللام (مرسلا) ورواه عنه أيضا كذلك البيهقي في الزهد وفي الأسماء ووصله أحمد فرواه في الزهد له من هذا الوجه بإثبات أبي الدرداء من قوله وهو منقطع مع وقفه ورواه أبو نعيم الديلمي مسندا عن ابن عمر يرفعه وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ضعيف وحينئذ فاقتصار المصنف على رواية إرساله قصور أو تقصير(3/218)
3200 - (البربري) نسبة للبربر قال في الكشف: قوم معروفون بين اليمن والحبشة كان أكثر سودان مكة منهم سموا به لبربرة في كلامهم وفي الفائق أن أبا بلقيس لما غزاهم قال: ما أكثر بربرتهم فسموا به (لا يجاوز إيمانه تراقيه) جمع ترقوة عظم بين شفرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين قال الديلمي: زاد أنس في روايته أتاهم نبي قبلي فذبحوه وطبخوه وحسوا مرقه
(طس) من حديث ابن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة (عن أبي هريرة) قال الديلمي: لم يروه عن ابن أبي ذؤيب إلا عبد المنعم بن بشير قال أعني الديلمي وفي الباب أنس(3/219)
3201 - (البركة) أي النمو والزيادة في الخير (في نواصي الخيل) أي تنزل في نواصيها كما جاء هكذا مصرحا به في رواية الإسماعيلي وكنى بنواصيها عن ذواتها للمبالغة بينهما وذلك لأنها بها يحصل الجهاد الذي فيه إعلاء كلمة الله وسعادة الدارين وقد يراد بالبركة هنا ما يكون من نسلها والكسب عليها والمغانم والأجور ثم إنه لا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي الشؤم في ثلاث: في الفرس. الحديث لأن الخبر فسر بالغنيمة والثواب ولا منافاة بين الخبر بهذا المعنى والشؤم لجواز أن يحصلا به مع اشتماله على ما يتشاءم به وقيل المتشائم به غير المعد لنحو الغزو
(حم ق) في الجهاد (ت) في الخيل (عن أنس) ورواه عنه ابن منيع والطيالسي وغيرهما وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه(3/219)
3202 - (البركة) حاصلة (في ثلاث) من الخصال (في جماعة) أي صلاة الجماعة أو لزوم جماعة المسلمين (والثريد) مرقة اللحمة بالخبز (والسحور) يعني أنه قوت وزيادة قدرة على الصوم ففيه زيادة رفق وزيادة حياة إذ لولاه لكان نائما والنوم موت واليقظة حياة
(طب هب عن سلمان) الفارسي قال الزين العراقي: رجاله معروفون بالثقة إلا أبا عبد الله البصري وبقية رجاله ثقات وقال الديلمي: وفي الباب أبو هريرة(3/219)
3203 - (البركة في صغر القرص) أي في تصغير أقراص الخبز (وطول الرشاء) أي الحبل الذي يسقى به الماء (وقصر الجدول) (1) فعول النهر الصغير فالنهر القصير أعظم بركة وأكثر عائدة على الشجر والزرع من الطويل
(أبو الشيخ [ابن حبان] [ابن حبان] في) كتاب (الثواب عن ابن عباس) السلفي بكسر المهملة وفتح اللام الحافظ أبو طاهر أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني محدث مكثر رحالة مرحول إليه (في الطيوريات عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: قال النسائي: هذا الحديث كذب وقال الحافظ ابن حجر نقل عن النسائي أن هذا كذب قال السخاوي: وهو عند الديلمي بلا سند عن [ص:220] ابن عباس وكل ذلك باطل اه. وما ذكره من أن الديلمي لم يسنده باطل بل قال: أنبأنا بجير بن جعفر بن محمد الأبهري عن أبي إسحاق بن أبي حماد عن محمد بن يونس العبسي عن عبد الله بن حمزة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن داود بن الحصين عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به وداود بن الحصين أورده الذهبي في الضعفاء وقال: لينه أبو زرعة ورمي بالقدر وقال أبو حاتم: لولا رواية مالك عنه لترك حديثه وابن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه النسائي وابن أبي فديك مختلف فيه أيضا
_________
(1) البركة في " قصر الجدول " وصول الماء للزرع بلا هدر أما الجدول الطويل فيتسرب الماء منه إلى الأرض تحته وحوله ويجف بعضه. دار الحديث(3/219)
3204 - (البركة في المماسحة) أي المصافحة في البيع كذا ذكروه ولا مانع من إعماله بإطلاقه ويكون المراد المصافحة حتى عند ملاقاة الإخوان ونحو ذلك
(د في مراسيله عن محمد بن سعد) بن منيع الهاشمي مولاهم البصري نزل بغداد كاتب الواقدي مات سنة ثلاثين ومئة عن اثنين وستين سنة(3/220)
3205 - (البركة مع أكابركم) المجربين للأمور المحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم أو المراد من له منصب العلم وإن صغر سنه فيجب إجلالهم حفظا لحرمة ما منحهم الحق سبحانه وتعالى وقال شارح الشهاب: هذا حث على طلب البركة في الأمور والتبحبح في الحاجات بمراجعة الأكابر لما خصوا به من سبق الوجود وتجربة الأمور وسالف عبادة المعبود قال تعالى {قال كبيرهم} وكان في يد المصطفى صلى الله عليه وسلم سواك فأراد أن يعطيه بعض من حضر فقال جبريل عليه السلام: كبر كبر فأعطاه الأكبر وقد يكون الكبير في العلم أو الدين فيقدم على من هو أسن منه
(حب) صححه (حل ك هب) وكذا البزار والطبراني كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم: على شرط البخاري وقال الديلمي: صحيح وقال البغدادي: حسن لكن قال الهيثمي: فيه نعيم بن حماد وثقه جمع وضعفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وصححه في الاقتراح قال الزركشي: وفي صحته نظر وله علة ثم أطال في بيانها وقال: لم يقف على هذه العلة تقي الدين فصححه قال: لكن له شواهد منها خبر الصحيح كبر كبر أي يتكلم الأكبر(3/220)
3206 - (البركة في أكابرنا) أيها المؤمنون يحتمل أن المراد بالأكابر الأئمة ونوابهم كما يرشد إليه (فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا) أي يعظمه (فليس منا) أي على طريقتنا ولا عاملا بهدينا وفيه كالذي قبله إيذان بأن الأمة تختل بعد نبيها بما فقد من نوره ومن وجوده معهم ولهذا قالوا: ما نفضنا أيدينا من ترابه صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه علي بن يزيد الألباني وهو ضعيف(3/220)
3207 - (البزاق والمخاط والحيض والنعاس) بعين مهملة كذا هو في نسخة المصنف بخطه فما في نسخ من أن اللفظ النفاس من تحريف النساخ أي طرو هذه المذكورات (في الصلاة) فرضها ونفلها (من الشيطان) يعني أنه يحب ذلك ويرضاه ويسر به لقطع الأخيرين للصلاة وللاشتغال بالأولين عن القراءة والذكر والخضوع والخشوع
(هـ) من حديث عدي بن ثابت عن أبيه (عن) جده (دينار) قال مغلطاي: هو ضعيف لضعف ثابت بن عدي وغيره(3/220)
3208 - (البزاق في المسجد) من المصلي وغيره ولو لحاجة (سيئة) أي حرام معاقب عليه لأنه تقذير للمسجد واستهانة به [ص:221] (ودفنه) في أرضه إن كانت ترابية أو رملية (حسنة) مكفرة لتلك السيئة وقوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه فبصق من هو خارج المسجد فيه حرام قال ابن أبي جمرة: ولم يقل تغطيته لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يقعد غيره عليها فيؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم التعميق في باطن الأرض وخرج بالرملية والترابية المسجد المبلط والمرخم فدلكها فيه ليس دفنا بل زيادة تقذير قال القفال: والحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فينجس فلا يدفن بالمسجد قال ابن حجر: وهذا على اختياره وينبغي التفصيل فيما لو خالط البصاق نحو دم فيحرم دفنه فيه وأما إذا لم يخالطه فيحل
(حم طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: رجال أحمد موثوقون(3/220)
3209 - (البصاق في المسجد) أي إلقاؤه في أرضه أو جدره أو أي جزء منه وإن كان الباصق خارجه (خطيئة) بالهمز فعيلة وربما أسقطت الهمزة وشدت الياء أى إثم (وكفارتها) أى إذا ارتكب تلك الخطيئة فكفارتها (دفنها) أي دفن عينها وهو البصاق في تراب المسجد إن كان وإلا تعين اخراجه منه كأن يأخذه بنحو عود ولم يقل تغطيتها لما مر وظاهره أنه خطيئة وإن أراد دفنه وتقييد عياض بما لو لم يرده رده النووي
(ق 3) في الصلاة (عن أنس) بن مالك(3/221)
3210 - (البضع) بكسر الباء وفتحها (ما بين الثلاث) من الآحاد (إلى التسع) منها قاله في تفسير قوله تعالى: {في بضع سنين}
(طب وابن مردويه) في تفسيره وكذا الديلمي (عن نيار) بكسر النون والفتح التحتية (بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء الأسلمي له صحبة ورواية وهو أحد من دفن عثمان ليلا وعاش إلى أول خلافة معاوية قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي وهو متروك(3/221)
3211 - (البطن) أي الموت بداء البطن من نحو استسقاء وذات جنب (والغرق) أي الموت بالغرق في الماء مع عدم ترك التحرز (شهادة) أي الميت بهما من شهداء الآخرة
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(3/221)
3212 - (البطيخ) أي أكله (قبل) أكل (الطعام يغسل البطن) أي المعدة والأمعاء وما هنالك (غسلا) مصدر مؤكد للغسل (ويذهب بالداء) الذي بالبطن (أصلا) أي مستأصلا أي قاطعا له من أصله والمراد الأصفر لأنه المعهود عندهم وقول ابن القيم: المراد الأخضر قال الحافظ العراقي فيه نظر
(ابن عساكر) في التاريخ (عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم) ورواه عنه الطبراني أيضا وعنه ومن طريقه خرجه ابن عساكر ثم قال: أخطأ فيه الطبراني في موضعين أحدهما أنه أسقط والده الفضل بن صالح بينه وبين أبي اليماني الثاني أنه صحف اسم جده قال بشير وإنما هو بشر اه. وقال ابن عساكر: (شاذ) (1) بل (لا يصح) أصلا إذ فيه مع شذوذه أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار الجرجاني قال البيهقي: روى أحاديث موضوعة لا أستحل رواية شيء منها ومنها هذا الخبر وقال الحاكم: أحمد هذا يضع الحديث كاشفته وفضحته اه
_________
(1) الشاذ ما خالف فيه الثقة غيره وتعذر الجمع بينهما والمخالفة بزيادة أو نقص في السند أو المتن وقيل ما انفرد به الراوي فقط(3/221)
[ص:222] 3213 - (البغايا) جمع بغي بالتشديد وهي الباغية التي تبغي الرجال (اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة) أي شهود فالنكاح بدونهم باطل عند الشافعي والحنفي ومن لم يشرط الشهود أوله بأنه أراد بالبينة ما به تبيين النكاح من الولي وكيفما كان هو شبهة فتسميتهن بالبغايا زجر وتغليظ
(ت) في النكاح (عن ابن عباس) وقال لم يرفعه غير عبد الأعلى ووقفه مرة والوقف أصح اه. وقال الذهبي: عبد الأعلى ثقة(3/222)