1443 - (الله الله) أي اتقوا الله وخافوه (فيما ملكت أيمانكم) من الأرقاء وكل ذي روح (ألبسوا ظهورهم) ما يستر عورتهم ويقيهم الحر والبرد على الوجه اللائق (وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول) أي تجنبوا مخاطبتهم ومعاتبتهم الغلظة والفظاظة ومن ذلك أن لا يقول أحدكم عبدي ولا أمتي وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في مرض موته واللين ضد الخشونة. وتلين تملق كذا في الصحاح. قال الزمخشري: من المجاز: رجل في ليان من العيش ورجل لين الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه {فيما رحمة من الله لنت لهم} وهو لين الأعطاف وطيء الأكتاف ولاين أصحابك ولا تخاشنهم وتلين له تملق
(ابن سعد) في الطبقات (طب) وكذا ابن السني (عن كعب بن مالك) قال عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال فسمعته يقول فذكره. قال الهيثمي: فيه عبد الله بن زحر وعلي [ص:99] بن زيد وهما ضعيفان وقد وثقا اه وقال الذهبي عبد الله ضعيف وله صحيفة واهية(2/98)
1444 - (الله الله) اتقوا الله وخافوه كثيرا (فيمن ليس له) ناصر أو ملجأ (إلا الله) كيتيم وغريب ومسكين وأرملة فتجنبوا أذاه وأكرموا مثواه وتحملوا جفوته وتكلفوا مؤنته فإن المرء كلما قلت أنصاره وأعوانه كانت رحمة الله له أكثر وعنايته به أشد وأظهر {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
(عد عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو مما بيض له الديلمي(2/99)
1445 - (الله الطبيب) أي هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء وهذا قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئا فظنه سلعة تولدت من الفضلات فرد المصطفى صلى الله عليه وسلم كلامه بإخراجه مدرجا منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجا بل كلامك يفتقر إلى العلاج حيث سميت نفسك طبيبا والله هو الطبيب وإنما أنت رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في فن البديع. وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء والقادر على الصحة والشفاء وليس ذلك إلا الله لكن تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ ولا يقال يا طبيب كما يقال يا حكيم لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف
(د) وكذا النسائي خلافا لما يوهمه كلامه من تفرد أبي داود به من بين الستة (عن أبي رمثة) بكسر فسكون ففتح البلوى أو التيمي أو التميمي اسمه رفاعة بن يثربي أو عكسه أو عمارة بن يثربي أو حبان بن وهب أو جندب أو حبيب أو غير ذلك صحابي مات بأفريقية. قال دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى أبي الذي بظهره فقال دعني أعالجه فإني طبيب فذكره(2/99)
1446 - (الله مع القاضي) بعونه وإرشاده وإسعافه وإسعاده (ما لم يجر) في حكمه: أي يتعمد الظلم فيه (فإذا جار) فيه (تخفى) أي قطع (عنه) تسديده وتوفيقه (ولزمه الشيطان) يغويه ويضله ليخزيه غدا ويذله لما أحدثه من الجور وارتكبه من الباطل وتحلى به من خبيث الشمائل وقبيح الرذائل. قال ابن العربي: القاضي يقضي بالحق ما كان الله معه فإذا تركه جار فالأمر أولا بيد الله يبدأ عن بداية المقادير وحكمه بالتقدير وملكه للتدبير تحقيقا للخلق وتوحيدا وقد يخبر عن مآل حالهم تخويفا وإنذارا بالمعاملات التي جعلها لأهل الفوز وأهل الهلكة وهو الحكيم الخبير. قال ابن بطال: دل الحديث على أن القضاء بالعدل من أشرف الأعمال وأجل ما يتقرب به إلى الملك المتعال وأنه بالجور بضد ذلك {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} قال ابن حجر: وفي الحديث ترغيب في ولاية القضاء من استجمع شروطه وقوي على إعمال الحق ووثق من نفسه بعدم الجور ووجد للحق أعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق للمستحق وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من آكد القربات ولذلك تولاه الأنبياء فمن بعدهم من الخلفاء الراشدين وكذلك اتفقوا على أنه فرض كفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه فقد أخرج البيهقي بسند قوي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء وبسند آخر قوي أن عمر استعمل ابن مسعود على القضاء وإنما فر منه من فر خوف العجز أو عدم المعين ومن ثم كان السلف يمتنعون منه أشد امتناع <تنبيه> سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع فقال على معنيين: مع الأنبياء والأولياء بالنصرة والكلاءة {إنني معكما أسمع وأرى} ومع العامة بالعلم والإحاطة {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} فقال ابن شاهين: مثلك [ص:100] يصلح دالا للأمة على الله
(ت) واستغربه (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو وبالفاء مقصور: علقمة بن خالد المدني ظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه ابن ماجه أيضا كما ذكره ابن حجر قال: صححه ابن حبان والحاكم(2/99)
1447 - (الله ورسوله مولى من لا مولى له) أي حافظ وناصر من لا حافظ ولا ناصر له فحفظ الله لا يفارقه وكيف يفارقه مع أن الله وليه وحافظه وناصره فمن كان الله مولاه فلا يذل ولا يخزى فنعم المولى ونعم النصير. قال الفخر الرازي: من كان ربه هاديه لا يضل ومن كان ربه معينه لا يشقى ومن كان ربه مولاه لا يضيع (والخال وارث من لا وارث له) زاد في رواية يفك عائه أي عائنه يعني ما يلزمه وما يتعلق به من الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة هذا عند من يورث الخال ومن لا يورثه يقول معناه إنها طعمة أطعمها الخال لا أن يكون وارثا كذا قرره ابن الأثير
(ت هـ عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه رمز المصنف لصحته وليس كما قال فإن الترمذي إنما حسنه فقط. قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه حكيم بن حكيم وهو ابن أخي عمرو بن حنيف لا تعرف عدالته وإن روى عنه جمع(2/100)
1448 - (اللهم) الميم عوض من ياء ولذا لا يجتمعان وهو من خصائص هذا الاسم لدخولها عليه مع لام التعريف كما خص بالباء في القسم وقطع همزته في يا الله وقيل أصله يا الله أمنا بخير فخفف بحذف حرف النداء ذكره القاضي البيضاوي <فائدة> قال في النهاية: اللهم على ثلاثة أنحاء: أحدها أن يراد به النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا. الثاني أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السائل يقول لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم أو اللهم لا. الثالث أن يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونا بعدم الدعاء قليل (لا عيش) أي لا عيش كاملا أو باقيا أو معتبرا أو هنيئا (إلا عيش) الدار (الآخرة) لا هذا العيش الفاني الزائل لأن الآخرة باقية لا تزول وعيشها لا يعتريه اضمحلال ولا ذبول وعيش الدنيا وإن كان محبوبا للنفوس معشوقا للقلوب ظل زائل وسحابة صيف لا يرجى دوامها والعيش الحياة قال الرافعي: والقصد بذلك فطم النفس عن الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة وتحمل أثقال مساعيها وهذا لابن رواحة وتتمته فأكرم الأنصار والمهاجرة تمثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو من مشطور الرجز والممتنع عليه إنشاء الشعر لا إنشاده على أن الخليل لم يعد مشطور الرجز شعرا وقال بعضهم: هذه الكلمة قالها في أسر أحواله لما رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها عند حفر الخندق وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته: فاغفر للأنصار والمهاجرة ولفظ البخاري في باب التحريض على القتال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجزع قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال اللهم إلخ(2/100)
1449 - (اللهم) أصله يا الله حذفت ياؤه وعوض عنها الميم وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه وقد يقال فيه لاهم بحذف أل (اجعل رزق) وفي رواية للعسكري: عيش (آل محمد) زوجاته ومن في نفقته أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب أو أتقياء أمته والحمل على الأعم أتم (في الدنيا قوتا) وفي رواية: كفافا: أي بلغة تسد رمقهم وتمسك [ص:101] قوتهم بحيث لا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة ولا يكون فيهم فضول يصل إلى ترفه وتبسط ليسلموا من آفات الغنى والفقر والكفاف ما لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة والقوت ما يسد به الرمق سمي قوتا لحصول القوة به سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم طريق الاقتصاد المحمود فإن كثرة المال تلهي وقلته تنسي فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى وفي دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم به إرشاد لأمته كل الإرشاد إلى أن الزيادة على الكفاف بكثير لا ينبغي أن يتعب العاقل في طلبه لكونه لا خير فيه وحكم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فمنهم من يعتاد الرياضة حتى إنه يأكل في كل أسبوع مرة فكفافه وقوته تلك المرة في كل أسبوع ومنهم من يعتاد الأكل في كل يوم مرة أو مرتين فكفافه ذلك لأنه إن تركه ضره ومنهم كثير العيال فكفافه ما يسد رمق عياله ومنهم من يقل عياله فلا يحتاج إلى زيادة فقدر الكفاف غير مقدر ومقداره غير معين لكن المحمود ما يحصل به القوة على الطاعة والاشتغال به على قدر الحاجة وقوله: إني أسألك غناك وغنى مولاي المراد غنى يدفع الفاقة فقط فلا يخالفه ما هنا وقوله: " اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني " لم يرد به ما يزيد على الكفاف <فائدة> قال ابن عربي: اللهم هو اسمه المدعو به الذي قلما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بسواه إلا أن يكون تلقينا لمتعلم أو نطقا عن مقتضى حال يرجع إلى إيقاع نفع ذلك إعرابا عن حالهم وذلك هو الاسم الأعظم
(م ت هـ عن أبي هريرة) ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو وهم بل رواه البخاري في الرقائق(2/100)
1450 - (اللهم اغفر للمتسرولات) أي للابسات السراويلات (من) نساء (أمتي) أمة الإجابة. وفي رواية: للمتسرولات من النساء وإنما دعا لهن بذلك لأنهن لما حافظن على ما أمرهن به من الستر قابلهن بالدعاء لهن بالغفر الذي أصله الستر فذاك ستر العورات وذا ستر الخطيات وجعله كناية عن حفظ الفروج خلاف الظاهر
(البيهقي في الأدب) أي في كتاب الأدب له وكذا البزار (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسقطت امرأة عن دابة فأعرض عنها بوجهه فقيل إنها متسرولة فذكره رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه إبراهيم بن زكريا الضرير قال في الميزان عن أبي حاتم حديثه منكر وعن ابن عدي: حدث بالبواطيل قال: ومن بلاياه هذا الخبر وساقه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال المتهم به إبراهيم هذا وتعقبه المؤلف بأن الذي قال فيه ابن عدي هذا القول هو إبراهيم بن زكريا العجلي وهذا إبراهيم بن زكريا الواسطي وهو ثقة(2/101)
1451 - (اللهم اغفر للحاج) أي حجا مبرورا (ولمن استغفر له الحاج) قاله ثلاثا وهو تشريف عظيم للحاج فيتأكد طلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعاء المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وظاهره ندب طلب الاستغفار منه في سائر الأوقات لكن في الإحياء عن الفاروق ما محصوله: إن غاية طلبه إلى عشرين من ربيع الأول أي فإن تأخر وصوله إلى وطنه عنها فإلى وصوله كما ذكره ابن رجب
(هب) وكذا الحاكم ومن طريقه أورده البيهقي والخطيب (عن أبي هريرة) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وتعقبه بأن فيه شريكا القاضي ولم يخرج له مسلم إلا في المتابعات(2/101)
1452 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل) قال الحراني: اسم عبودية لأن إيل اسم الله في الملأ الأعلى وهو يد بسط لروح الله في القلوب بما يحييها الله من روح أمره إرجاعا إليه في هذه الدار قبل إرجاع روح الحياة بيد القبض من عزرائيل [ص:102] (وميكائيل) اسم عبودية أيضا وهو يد بسط للأرزاق المقيمة للأجسام (وإسرافيل) وهو بسط يد للأرواح التي بها الحياة قال الجزولي في شرح الرسالة: إنه إنما سمي إسرافيل لكثرة أجنحته وميكائيل لأنه موكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه (ومحمد) الذي هو روح الأرواح (نعوذ) أي نعتصم (بك من النار) أي من عذابها فوجه تخصيص الأملاك الثلاثة أنها أشرف الملائكة وأنها الموكلة بالحياة وعليها مدار نظام هذا الوجود فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب وميكائيل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض والحيوان وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى الأشباح فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح الموكلة بالحياة له تاثير كبير في حصول المطلوب وهذا كما ترى أدق من قول البعض خص هؤلاء لكمال اختصاصهم واصطفائهم وكونهم أفضل الملائكة والأول والأخير أفضل من الثاني وفي التفضيل بينهما أقوال: ثالثها الوقف
(طب ك) في المناقب وكذا ابن السني في عمل اليوم والليلة (عن والد أبي المليح) واسمه عامر بن أسامة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر فسمعته يقول: اللهم. . . إلخ ثلاثا. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب(2/101)
1453 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) وهو ما لم يؤذن في تعلمه شرعا أو ما لا يصحبه عمل أو ما لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة ويفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد:
يا من تقاعد عن مكارم خلقه. . . ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة
من لم يهذب علمه وأخلاقه. . . لم ينتفع بعلومه في الآخرة
وقدم العلم على العمل لأن العمل بدون علم ضلال (وعمل لا يرفع) إلى الله رفع قبول لفقد نحو إخلاص ومصاحبة نحو رياء (ودعاء لا يستجاب) أي لا يقبله الله وإنما استعاذ من ذلك لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه كفافا بل يكون وبالا والعمل إذا لم يرفع كان مردودا على فاعله مغضوبا عليه. والدعاء إذا لم يقبل دل على غل في صدر صاحبه
(حم حب ك عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته(2/102)
1454 - (اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم قال في الصحاح: الحشر الجمع والزمرة بالضم الجماعة قال اليافعي: وناهيك بهذا شرفا للمساكين ولو قال احشر المساكين في زمرتي لكفاهم شرفا وكيف وقد قال واحشرني في زمرتهم ثم أنه لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات والتواضع ذكره البيهقي وجرى على قضيته حجة الإسلام حيث قال: استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة لأن الفقر مشترك بين معنيين: الأول الافتقار إلى الله والاعتراف بالذلة والمسكنة له والثاني فقر الاضطرار وهو فقد المال المضطر إليه كجائع فقد الخبز فهذا هو الذي استعاذ منه. والأول هو الذي سأله اه وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا الحديث فقال: معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين اه ومنه أخذ السبكي قوله المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله
(وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) يعني من لم يرزق سعة في الدنيا بل كان فقيرا معدما وهو مع ذلك مقارف للذنوب لا يرعوي ولا يتوب وفارق الدنيا وهو مصر على هذا الحال لم يدركه العفو فهو [ص:103] أشقى من كل شقي من المؤمنين بلا إشكال لأنه معذب في الدارين
(ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري وقال صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن ضعفه في الميزان وزعم ابن الجوزي وتيمية وضعه. قال ابن حجر: وليس كذلك بل صححه الضياء في المختارة وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: أساء ابن الجوزي بذكره له في الموضوعات وقال المؤلف أسرف وقال ابن حجر مرة أخرى: أسرف ابن الجوزي بذكره في الموضوع وكأنه أقدم عليه بما رآه مباينا للحال التي مات عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيا(2/102)
1455 - (اللهم إني أسألك من الخير كله) أي بسائر أنواعه وجميع وجوهه (ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) طلبه الخير لا ينافي أنه أعطي منه ما لم يعطه غيره لأن ما منحه من صفات الكمال إنما هو بالنسبة للمخلوقات فهو كمال نسبي والكمال المطلق لله وكل صفة من صفات الحوادث قابلة للزيادة والنقص ومن ثم أمر بطلب الزيادة في العلم {وقل ربي زدني علما} ولذا جاز الدعاء عند الختم بنحو: اللهم اجعله زيادة في شرفه لأنه وإن كان كامل الشرف فكماله نسبي والازدياد فيه متصور بخلاف صفاته تعالى كمالها في ذاتها لا يقبل زيادة ولا نقصانا
(الطيالسي طب) أبو داود (عن جابر بن سمرة) بن جندب(2/103)
1456 - (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها) أي اجعل آخر كل عمل لنا حسنا فإن الأعمال بخواتيمها وعاقبة كل شيء آخره كما قال في الصحاح وغيره (وأجرنا من خزي الدنيا) رذائلها ومصائبها وغرورها وغدرها (وعذاب الآخرة) زاد الطبراني في روايته من كان ذلك دعاءه مات قبل أن يصيبه البلاء. اه. قال في الكشاف: والخزي الهوان وهذا من جنس استغفار الأنبياء مما علموا أنهم مغفور لهم. قال ابن عربي: والدار الآخرة الجنة والنار اللتين أعدهما الله لعباده السعداء والأشقياء. سميت آخرة لتأخر خلقها عن الدنيا بتسعة آلاف سنة مما تعدون
(حم حب ك عن بسر بن أرطأة) كذا وقفت عليه بخط المؤلف هنا وهو ذهول وإنما هو ابن أبي أرطأة كما بينه الحافظ ابن حجر فقال في الإصابة: الأصح ابن أبي أرطأة. قال ابن حبان: ومن قال ابن أرطأة فقد وهم اه. ثم رأيت المصنف ذكره في أواخر هذا الكتاب على الصواب كما رأيته بخطه أيضا في خبر لا تقطع الأيدي في السفر ولولا الوقوف على خطه لظنناه من تحريف النساخ ولكن الإنسان محل النسيان وأول ناس أول الناس وبسر: بضم الموحدة التحتية وسكون المهملة ثم راء العامري القرشي مختلف في صحبته ولاه معاوية اليمن فأفسد وعتا وتجبر وضل قال ابن عساكر: له بها آثار غير محمودة وقتل عبد الرحمن وقثم ابني عبد الله بن عباس وخلفا حتى من لم يبلغ الحلم: كولد زينب بنت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه وقال يحيى: كان بسر رجل سوء وأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم اه ملخصا وقد رمز المصنف لصحته وقد عرفت حال بسر أما من دونه فموثوقون في بعض طرقه المذكورة لا كلها قال الحافظ الهيثمي: رجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات(2/103)
1457 - (اللهم بارك لأمتي) أمة الإجابة (في بكورها) في شرح السقط أول اليوم الفجر وبعده الصباح فالبكرة فالضحى فالضحوة فالهاجرة فالظهر فالرواح فالمساء فالعصر فالأصيل فالعشاء الأول فالعشاء الآخر وذلك عند مغيب [ص:104] الشفق. قال النووي في رؤوس المسائل: يسن لمن له وظيفة من نحو قراءة أو علم شرعي وتسبيح أو اعتكاف أو صنعة فعله أول النهار وكذا نحو سفر وعقد نكاح وإنشاء أمر لهذا الحديث
(حم 4 حب عن صخر) بفتح المهملة وسكون المعجمة ابن وداعة (الغامدي) بغين معجمة ودال مهملة الأرذي حجازي سكن الطائف. قال الترمذي عن البخاري: لا أعرف له غير هذا الحديث اه. وفي التقريب كأصله: صخر صحابي مقل لم يرو عنه إلا عمارة بن حديد وفي العلل لابن الجوزي هذا يرويه عمارة بن حديد عن صخر. قال أبو حاتم: عمارة مجهول. وقال أبو زرعة لا يعرف ولما قال عبد الحق هو من طريق أبي داود حسن قال ابن القطان: هذا خطأ ففيه عمارة بن حديد مجهول لا يعرف (هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: وله عنه ثلاث طرق في أولها إبراهيم بن سالم قال ابن عدي منكر الحديث غير معروف وفي الثاني محمد بن عبد الرحمن قال يحيى لا شيء وقال النسائي متروك وفي الثالث محمد بن الفضل قال أحمد حديثه حديث أهل الكذب (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عمرو بن مشاور وهو ضعيف ولابن الجوزي له عنه أربع طرق في الأول والثاني عمرو بن مشاور قال ابن حبان يروي المناكير وأبو حمزة قال الدارقطني عن أحمد ويحيى: ليس بشيء وفي الثالث الحسين بن علوان كذبه يحيى والرابع عبد الصمد بن موسى الهاشمي ضعفوه (وعن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه علي بن عابس وهو ضعيف قال الدارقطني: تفرد به علي بن عابس عن العلاء قال يحيى ليس بشيء وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك (وعن عبد الله بن سلام) بالتخفيف ابن الحارث بن يوسف الإسرائيلي كان اسمه الحصين فسماه المصطفى صلى الله عليه وسلم عبد الله وشهد له بالجنة وكان من علماء الصحابة: صحابي كبير شهد المصطفى صلى الله عليه وسلم له بالجنة مات سنة ثلاث وأربعين. قال الهيثمي: وفيه هشام بن زياد وهو متروك (وعن عمران بن حصين) قال الهيثمي: وفيه العلاء بن بركة وهو متروك (وعن كعب بن مالك) قال الهيثمي: وفيه عمارة بن هارون وهو متروك وقال ابن الجوزي: يرويه عن كعب عمارة بن هارون وقد قال أبو حاتم متروك (وعن النواس) بنون فواو مشددتين فمهملة بعد الألف (ابن سمعان) كشعبان الكلابي صحابي سكن الشام وقال الهيثمي: وفيه عمارة بن هارون وهو متروك وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على هؤلاء أنه لم يرو إلا عنهم وليس كذلك فقد زاد ابن الجوزي كغيره فرواه عن آخرين: علي أمير المؤمنين وبقية العبادلة وجابر وأبي هريرة وسهل بن سعد وأبي رافع وعمارة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب وواثلة ونبيط بن شرط وأبو ذر وأنس والعرس بن عميرة وعائشة وضعفها أعني ابن الجوزي كلها وقال لا يثبت منها شيء وقال أبو حاتم: لا أعلم فيه حديثا صحيحا. قال ابن حجر: وقد اعتنى بعض الحفاظ - يعني المنذري - يجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين(2/103)
1458 - (اللهم بارك لأمتي في بكورها) في رواية ابن السكن: في بكورهم (يوم الخميس) في رواية البزار: يوم خميسها وفي رواية للطبراني: واجعله يوم الخميس وفيه خلقت الملائكة المدبرات للعالم. قال القزويني: يوم مبارك سيما بطلب الحاجة وابتداء السفر وكان صخر لا يسافر إلا فيه فأثرى وكثر ماله (هـ) وكذا البزار (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: تفرد به محمد بن أيوب بن سويد عن أبيه ومحمد. قال ابن حبان: يروي الموضوع لا يحل الاحتجاج به وأبو أيوب قال ابن المبارك: ارم به وقال يحيى: ليس بشيء اه وسأل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة قال الحافظ العراقي: وروى بدل الخميس السبت. قال: وكلاهما ضعيف وقال في محل آخر أسانيدها كلها ضعيفة(2/104)
[ص:105] 1459 - (اللهم إنك سألتنا من أنفسنا) بيان في مقام التأكيد (ما لا نملكه) أي نستطيعه جلبا أو نفعا (إلا بك) أي بإقدارك وتمكينك وتوفيقك وذلك المسؤول هو لزوم فعل الطاعات وتجنب المعاصي والمخالفات (اللهم فأعطنا منها ما) أي توفيقا نقتدر به على فعل الذي (يرضيك عنا) من الرضى خلاف السخط وهما من صفات الذات. قال الحرائي: الرضى وصف المقر لما يريد فكل واقع بإرادة لا يكون رضى إلا أن يستدركه الإقرار فإن تعقبه الرفع والتغيير فهو مراد غير رضى ومقصود الحديث الاعتذار عما دق من وسائس النفوس وفيه بيان أن الأمور كلها منه تعالى مصدرها وإليه مرجعها فلا تملك نفس لنفس شيئا إذ ليس لغيره وجود حقيقة حتى ينسب إليه إعطاء أو منع وهو الموجود المحقق القائم بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت وكل قائم فقيامه به ومن أثبت نفسه معه فهو الأعمى المنكوس ولو عرف لعلم أنه من حيث هو لا ثبات له ولا وجود وإنما وجوده من حيث أوجد لا من حيث وجد. وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في الوجود إلا موجود واحد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفان
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه أيضا باللفظ المذكور المستغفري في الدعوات. قال الحافظ العراقي: وفيه ولهان بن جبير ضعفه الأزدي. قال المصنف: وهذا الحديث متواتر(2/105)
1460 - (اللهم اهد قريشا) أي دلها على طريق الحق وهو الدين القيم أي دين الإسلام وهذا إن كان صدر قبل إسلامهم جميعا فظاهر أو بعده فالمراد ثبتهم على ذلك والهداية دلالة بلطف وتستعمل في غيره تهكما (فإن عالمها) أي العالم الذي ينشأ من أهل تلك القبيلة (يملا طباق الأرض علما) أي يعم الأرض بالعلم حتى تكون طبقا لها مغطيا لجميعها والبطن كل غطاء لازم على الشيء. ذكره ابن الأثير. قال بعض المحققين: وليس هذا بإخبار عن علو عالمها لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم. لكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لما غاظوني وأذوني بل أدعوك أن تهديهم لأجل أحكام إحكام دينك يبعث ذلك العالم الذي هو من سلالتها فتدبر. ثم ذلك العالم القرشي نزله أحمد وغيره على الشافعي فلا أحد بعد تصرم عصر الصحب اتفق الناس على تقديمه علما وعملا وأنه من قريش سواه وقد تأيد ذلك بانقياد الخلق بقوله ومعتقده نحو ثمان مئة سنة بعده تطلع الشمس وتغرب ومذهبه باقي لا يتصرم واسمه في سمو لا يتقهقر بل يتقدم (اللهم كما أذقتهم عذابا) وفي رواية نكالا بالقحط والغلاء والقتل والقهر وغيرها (فأذقهم نوالا) أي إنعاما وعطاءا وفتحا من عندك وعبر بالذوق بقلة الزمن فيهما {قل متاع الدنيا قليل} قال السمهودي: كل ما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأخص يثبت للأعم ولا عكس وتقديما لهم على غيرهم وشرفا
(خط وابن عساكر) في التاريخ من حديث وهب بن كيسان (عن أبي هريرة) قال السخاوي: وروايته عن وهب فيه ضعف. اه. قال الزين العراقي: وله شاهد رواه أبو داود والطيالسي من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما. اللهم إنك أذقت أولها عذابا فأذق آخرها نوالا وذكر البيهقي في المدخل أنه ورد هذا الحديث من حديث علي وابن عباس ورواه البزار من حديث العباس أيضا مرفوعا بلفظ: اللهم فقه قريشا في الدين وأذقهم من يومي هذا إلى آخر الدهر نوالا فقد أذقتهم نكالا. قال البزار: حديث حسن صحيح وفي الباب عدي بن حاتم رواه عنه الطبراني في حديث طويل. قال الهيثمي: السلوفي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/105)
[ص:106] 1461 - (اللهم إني أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة أي أستجير وأعتصم (بك من جار السوء) أي من شره (في دار المقامة) الإقامة فإنه هو الشر الدائم والأذى الملازم (فإن جار البادية يتحول) فمدته قصيرة يمكن تحملها فلا يعظم الضرر فيها وفي رواية الطبراني جار السوء في دار الإقامة قاصمة الظهر وقد ينزل بسببه البلاء فيعم الصالح والطالح. قال الحرائي: والعوذ اللجأ من مخوف لكاف يكفيه
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح فتبعه المصنف فرمز لصحته(2/106)
1462 - (اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا) أي إذا أتوا بعمل يحسن قرنوه بالإخلاص فيترتب عليه الجزاء فيستحقون الجنة فيستبشرون بها كما قال {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فهو كناية تلويحية (وإذا أساءوا استغفروا) أي طلبوا من الله مغفرة ما فرط منهم ومن ثم قال بعضهم: خير الذنوب ذنب أعقب توبة. وشر الطاعات طاعة أورثت عجبا والمصطفى صلى الله عليه وسلم معصوم عن الإساءة وإنما هذا تعليم للأمة أرشدهم إلى أن يأتي الواحد منهم بهذا الدعاء الذي هو عبارة عن أن لا يبتليه بالاستدراج ويرى عمله حسنا فيهلك {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقوله من الذين إلخ أبلغ من أن يقول اجعلني أستبشر إذا أحسنت وأستغفر إذا أسأت كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم. ذكره الزمخشري
(هـ هب عن عائشة) فيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه(2/106)
1463 - (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى) أي نهاية مقام الروح وهي الحضرة الواحدية فالمسؤول إلحاقه بالمحل الذي ليس بينه وبينه أحد في الاختصاص والقول بأن المسؤول إلحاقه بالملائكة والملائكة الذين يسكنون أعلى عليين منع بأنه لو أراد الرفقاء بلفظ رفيق لقال الأعلين ليكون بمعنى الجماعة وبأن قدره فوق قدرهم ومحله من عليين فوق محلهم فكيف يسأل اللحوق بهم؟ نعم إن أراد به قال قائله محلهم الذي تحصل فيه مرافقتهم في الجملة ليكون يجمعهم على اختلاف درجاتهم وهو الجنة أو السماء فلا مانع
(ق ت) من حديث عبد الله بن الزبير (عن عائشة) أنها أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه وهو يقول اللهم إلخ فهذا آخر ما تكلم به آخرية مطلقة وما عداه آخريته نسبية(2/106)
1464 - (اللهم من ولى من أمر أمتي) أمة الإجابة ولا مانع من إرادة الأعم هنا (شيئا) من الولاية كخلافة وسلطنة وقضاء وإمارة ونظارة ووصاية وغير ذلك نكره مبالغة في الشيوع وإرادة للتعميم (فشق عليهم) أي حملهم على ما يشق عليهم أو أوصل المشقة إليهم بقول أو فعل فهو من المشقة التي هي الإضرار لا من الشقاق الذي هو الخلاف قال في العين: شق الأمر عليه مشقة أضر به (فأشقق عليه) أي أوقعه في المشقة جزاءا وفاقا (ومن ولى من أمر أمتي [ص:107] شيئا فرفق بهم) أي عاملهم باللين والإحسان والشفقة (فارفق بهم) أي افعل به ما فيه الرفق له مجازاة له بمثل فعله وهذا دعاء مجاب وقضيته لا يشك في حقيقتها عاقل ولا يرتاب فقلما ترى ذا ولاية عسف وجار وعامل عيال الله بالعتو والاستكبار وإلا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال فإن لم يعاقب بذلك في الدنيا قصرت مدته وعجل بروحه إلى بئس المستقر سقر ولهذا قالوا: الظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم وإن دام عمر وهذا كما ترى أبلغ زجر عن المشقة على الناس وأعظم حث على الرفق بهم وقد تظاهرت على ذلك الآيات والأخبار
(م) في المغازي (عن عائشة) ورواه عنها أيضا النسائي في السير وسببه أن ابن شماسة دخل على عائشة فقالت ممن أنت؟ قال من مضر. قال كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم؟ قال خير الأمير. قالت إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: فذكرته <تنبيه> قال في الأذكار: ظاهر الحديث جواز الدعاء على الظلمة ونحوهم وأشار الغزالي إلى تحريمه وجعله في معنى اللعن. اه. قال الحافظ: والأولى حمل كلام الغزالي على الأولى وأما الأحاديث فتدل على الجواز(2/106)
1465 - (اللهم إني أعوذ بك) قال الطيبي: استعاذ مما عصم منه ليلتزم خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وليقتدى به وليبين صفة الدعاء والباء للإلصاق المعنوي للتخصيص كأنه خص الرب بالاستعاذة وقد جاء في الكتاب والسنة: أعوذ بالله ولم يسمع: بالله أعوذ لأن تقديم المعمول تفنن وانبساط والاستعاذة حال خوف وقبض بخلاف الحمد لله ولله الحمد لأنه حال شكر وتذكير إحسان ونعم (من شر ما عملت) أي من شر عمل يحتاج فيه إلى العفو (ومن شر ما لم أعمل) أي بأن تحفظني منه في المستقبل أو المراد شر عمل غيره {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} أو ما ينسب إليه افتراء ولم يعمله وتقديم الميم على اللام فيهما هو ما في مسلم وغيره وعكسه والواقع لحجة الإسلام في الإحياء متعقب بالرد نعم جاء في خبر مرسل
(م د ن هـ) كلهم (عن عائشة) ولم يخرجه البخاري(2/107)
1466 - (اللهم أعني على غمرات الموت) شدائده جمع غمرة وهي الشدة وفي أصول صحيحة سكرات (أو) شك من الراوي وفي نسخة بالواو (سكرات الموت) جمع سكرة بسكون الكاف وهي شدة الموت الذاهبة بالعقل ذكره الزمخشري وهي تزيد على الغمرات بزيادة الألم وفي رواية لابن أبي الدنيا اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل اللهم أعني على الموت وهونه علي. وقال ابن عربي: السكر الضيق المانع من الإطلاق في التصرفات فالمراد ضيق الموت وكربه. قال الراغب: والسكر حالة تعرض بين المرء وقلبه وأكثر ما يستعمل في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق والألم أي والأخير هو المراد هنا. قال القرطبي: تشديد الموت على الأنبياء تكميل لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصا ولا عذابا
(ت هـ ك) وكذا النسائي في يوم وليلة كلهم (عن عائشة) قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت وعنده قدح ماء وهو يدخل يده فيه ثم يمسح وجهه ويقول ذلك وقال ابن العربي: إن الباري بقدرته وحكمته يخفف إخراج الروح ويشدده بحسب حال العبد فتارة يشدده عذابا وذلك على الكافر وتارة كفارة وذلك على المذنب وتارة رفعة درجات وزيادة حسنات وذلك في الولي وتارة حجة على الخلق وتسلية وقدوة وأسوة كما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم منه(2/107)
1467 - (اللهم زدنا) من خير الدارين: أي من العلوم والمعارف (ولا تنقصنا) أي لا تذهب منا شيئا (وأكرمنا) بالتقوى (ولا تهنا) أصله تهوننا نقلت كسرة الواو للهاء وحذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى وأدغمت [ص:108] الأولى في الثانية (وأعطنا ولا تحرمنا) قال القاضي والطيبي: عطف الأوامر على النواهي تأكيدا ومبالغة وتعميما وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى: فلان يعطي ويمنع مبالغة (وآثرنا) بالمد اخترنا بعنايتك وإكرامك (ولا تؤثر) تختر (علينا) غيرنا فتعزه وتذلنا: يعني لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر والتحمل والقنع بما قسمت لنا من الرزق وذلك أن الله دبر لعبده قبل أن يخلقه شأنه من الرزق والأحوال والآثار وكل ذلك مقدر مؤقت يبرزه له في وقته كما قدره والعبد ذو شهوات وقد اعتادها وتخلق بها ودبر الله لعبده غير ما تخلق به من الشهوات فمرة سقم ومرة صحة ومرة غنى ومرة فقر وعسر وذل ومكروه ومحبوب فأحوال الدنيا تتداوله لا ينفك عن قضائه والعبد يريد ما وافقه واشتهاه وتدبير الله فيه غير ذلك فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه فترك جميع إرادته لمشيئة الله ينتظر ما يبرز له من تدبيره في جميع أحواله فيتلقاه بانشراح قلب وطيب نفس فيصير راضيا مرضيا والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا وليس للشهوات
ولا للشيطان عليه سلطان وإنما ذكر ذلك على طريق الإرشاد والتعليم للأمة وقال الطيبي: ويلوح من هذا الدعاء تباشير الإرادة والاستبشار والفوز بالمباغي ونيل الفلاح في الدنيا والعقبى. ولعمري إنه من جوامع الكلم (وارض عنا) بما نقيم من الطاعة القليلة التي في جهدنا. قال بعض الأكابر: من أيقن بحسن اختيار الله له لم يسره أن يكون على غير الحال التي هو عليها فكل راض مرضي عنه فاقتضت هذه السنة العلمية مضمون قوله تقدس {ارجعي إلى ربك راضية مرضية} فمن رجعت إلى ربه معرفته وذهبت نكرته اطمئن في الأوقات وغنم في مقاومة مقابلاتها الرضى واستقر في جنته وقته فكان هذا حاله عاجلا وذاك خطابه آجلا فقال الراغب: منزلة الرضى أشرف المنازل بعد النبوة فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه لقوله تعالى {رضي الله عنهم ورضوا عنه} فجعل أحد الرضاءين مقرونا بالآخر فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا واطلع على جنة المأوى وخطب مودة الملأ الأعلى وحظي بتحيتهم المعينة بقوله {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}
(ت ك) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل فنزل عليه فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فذكره. صححه الحاكم(2/107)
1468 - (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع) من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع) قال الطيبي: في كل من القرائن إشعار بأن وجوده مبني على غايته والغرض الغاية فإن تعلم العلم إنما هو للنفع به فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافا بل يكون وبالا وإن القلب إنما خلق ليخشع لبارئه فإذا لم يخشع كان قاسيا يستعاذ منه {فويل للقاسية قلوبهم} وإنما يعتد بالنفس إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود فإذا كانت نهمة لا تشبع كانت أعدى عدو للمرء فهي أهم ما يستعاذ منه وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه (فإن قلت) قد علم من صدر الكلام الاستعاذة مما ذكر فما فائدة قوله: أعوذ بك من هؤلاء الأربع؟ (قلت) أفاد به التنبيه على توكيد هذا [ص:109] الحكم وتقويته وفيه جواز تشجيع الدعاء. قال حجة الإسلام: والمكروه التكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة قال ابن حجر: هذا كان يصدر منه من غير قصد إليه ولذلك جاء في غاية الإنسجام
(ت ن عن ابن عمرو) بن العاص (د ن هـ ك عن أبي هريرة ن عن أنس) قال الترمذي: حسن غريب وأخرج مسلم نحوه بأتم منه وأكثر فائدة فلو أثره المصنف لكان أحسن(2/108)
1469 - (اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه. قال ابن القيم: وهذا إشارة إلى أن من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل. واعلم أن كل حب لا يحكم على صاحبه بأن يصمه عن كل مسموع سوى كلام محبوبه ويعميه عن كل منظور سوى وجه محبوبه ويخرجه عن كل كلام إلا عن ذكر محبوبه وعن ذكر من يحب محبوبه ويختم على قلبه فلا يدخل سوى حب محبوبه ويرى قفله على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه أما عند رؤية تقدمته أو عن وصف ينشأ منه الخيال صورة فيكون كما قيل:
خيالك في عيني وذكرك في فمي. . . ومثواك في قلبي فأين تغيب
فيه يسمع وبه يبصر وله يتصور وبه يتكلم وله يكلم فليس من الحب في شيء (اللهم وما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب) لأصرفه فيه سأل الله تعالى أن يجعل ما رزقه من القوة والقوى الجسمانية والروحانية العلمية أو العملية مقويا له على ما يرضيه (وما زويت عني) أي صرفت عني ونحيت عني. قال القاضي: أصل الزي والجمع والقبض (مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب) يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي بمحابك وسببا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغلني عن عبادتك وذلك لأن الفراغ خلاف الشغل فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ لحساب ربه كان ذلك الفراغ عونا له على الاشتغال بطاعة الله وقد حرر الله أسرار نبينا كالأنبياء من رق الأغيار وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الأثار لا يحبون إلا إياه ولا يشغلون بسواه <تنبيه> قال ابن عربي: ألطف ما في الحب ما وجدته وهو أن تجد عشقا مفرطا وهوى وشوقا مقلقا وغراما ونحولا وسهر أو منع لذة طعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعين لك محبوبك ثم بعد ذلك يبدو لك تجلي في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد به أو تذكر شخصا فتجد الميل إليه فتعلم أنه صاحبك وهذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب فلا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هامها ويجد الناس ذلك في القبض والبسط الذي لا يعرف سببه فبعده يأتيه ما يحزنه أو يسره فيعرف أن ذلك له وذلك لاستشراف النفس على الأمور قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات التكوين (تتمة) قد انطوى تحت هذا الحديث عدة مقامات مقام الحب ومقام التوحيد ومقام الصبر ومقام الشكر ومقام الرضى ومقام التسليم ومقام الأنس ومقام البسط ومقام التمكين وغير ذلك ولم يجتمع مثلها في حديث قصير إلا قليلا
(ت) في الدعوات (عن عبد الله بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من الزيادة (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة قبيلة معروفة صحابي صغير شهيد الحديبية ابن سبع عشر وولى الكوفة لابن الزبير قال الترمذي: حسن غريب. قال ابن القطان: ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم بالكذب وترك الرازياني حديثه بعد ما كتبناه وقيل لأبي زرعة أكان يكذب؟ قال نعم(2/109)
[ص:110] 1470 - (اللهم اغفر لي ذنبي) أي ما لا يليق أو المراد إن وقع والعبد لا يأتي بما هو اللائق بجلال كبرياء الله ومنه ما عبدناك حق عبادتك فسمى هذا القصور بالنسبة لكمال القرب ذنبا مجازا (ووسع لي في داري) محل سكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويشتت الأمتعة ويجلب الهم ويشغل البال أو المراد القبر: إذ هو الدار الحقيقية وعلى الأول فالمراد التوسعة بما يقتضيه الحال لا الترفه والتبسط في الدنيا بل إنما يسأل حصول قدر الكفاية لا أزيد ولا أنقص. ولهذا قال بعض الحكماء: إما أن تتخذ لك دارا على قدر نجواك وتخبر على قدر دارك وإلا فهو سرف أو تقتير (وبارك لي في رزقي) أي اجعله مباركا محفوفا بالنماء والزيادة في الخير ووفقني بالرضى بما قسمته منه وعدم التلفت إلى غيره مع أني لا أنال إلا ما رزقتني وإن جهدت وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة وزاد فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهن فقال وهل تركن من شيء ورواه النسائي وابن السني عن أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول فذكره وترجم عليه ابن السني بباب ما يقوله بين ظهراني وضوئه والنسائي بباب ما يقول بعد فراغ وضوئه قال في الأذكار: إسناده صحيح(2/110)
1471 - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي ذهابها مفرد في معنى الجمع يعم النعم الظاهرة والباطنة والنعمة كل ملائم تحمد عاقبته ومن ثم قالوا لا نعمة لله على كافر بل ملاذه استدراج. والاستعاذة من زوال النعم تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي لأنها تزيلها. ألا ترى إلى قوله:
إذا كنت في نعمة فارعها. . . فإن المعاصي تزيل النعم
(وتحول عافيتك) أي تبدلها ويفارق الزوال التحول كما قاله الطيبي بأن الزوال يقال في كل شيء ثبت لشيء ثم فارقه لفظ رواية أبي داود وتحويل بزيادة مثناة تحتية. والتحويل تغيير الشيء وانفصاله عن غيره فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام (وفجاءة) بالضم والمد وتفتح وتقصر بغنة (نقمتك) بكسر فسكون: غضبك وعقوبتك (وجميع سخطك) بالتحريك: أي سائر الأسباب الموجبة لذلك وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها
(م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري(2/110)
1472 - (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) كحقد وبخل وحسد وجبن ونحوها ولا مانع من إرادة السبب والمسبب معا لأن المسبب قد يحصل فيعفى عنه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وهذا مقول على منهج التعليم لغيره (والأعمال) الكبائر من نحو قتل وزنا وشرب خمر وسرقة ونحوها. قال بعض حكماء الإسلام: وهذه المنكرات منها ما لا ينفك منه غير المعصوم في متقلبه ومنها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا عليها متعارفا وذكر هذا مع عصمته تعليم لأمته كما سبق (و) منكرات (الأهواء) وهي الزيغ والانهماك في الشهوات جمع هوى مقصور هوى النفس وهو ميلها إلى المستلذات والمستحسنات عندها لأنه يشغل عن الطاعة ويؤدي إلى الأشر والبطر (والأدواء) من نحو جذام وبرص وسل واستسقاء وذات جنب ونحوها فهذه كلها بوائق الدهر فيقول أعوذ بك من بوائق [ص:111] الدهر. قال الطيبي: والإضافة إلى القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال الراغب: والإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل يتوقف في استقباحه واستحسانه العقول ويحكم بقبحه الشرع. وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف حسنه من جهة الشرع قال الحكيم: إنما استعاذ من هذه الأربع لأن ابن آدم لا ينفك منها في متقلبه ليلا ونهارا وبها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا غير متعارف فيما بينهم فذاك الذي يشار إليه في بالأصابع في ذلك الأمر ومنه يعظم الوبال. قال الرشيدي: وعطف العمل على الخلق والهوى على العمل والداء عليها وإن كل الكل على الأول: من باب الترقي في الدعاء إلى ما يعم نفعه
(ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة هو قطبة بن مالك. قال الترمذي حسن غريب(2/110)
1473 - (اللهم متعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بخير: هذان السمع والبصر ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وخذ منه بثأري) أشار به إلى قوة المخالفين حثا على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة
(ت ك عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ذلك. ورواه البيهقي عن ابن جرير(2/111)
1474 - (اللهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك) لأن النفس إذا أحبت الموت آنست بربها ورسخ يقينها في قلبها وإذا نفرت منه نفر اليقين فانحط المرء عن منازل المتقين ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وعكسه بعكسه
(طب عن أبي مالك الأشعري) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف(2/111)
1475 - (اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي) قال الزمخشري: وهو كل ولي كالأب والأخ وابن الأخ والعم وابنه والعصبة كلهم. وعد في القاموس من معانيه التي يمكن إرادتها هنا الصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر. والمراد بالغنى الذي سأله غنى النفس لا غنى المال وسعة الحال كما قاله بعض أهل الكمال. قال ابن عطاء الله: لا يصح الغنى إلا بوجود الفقر لأن كل من افتقر إلى الله استغنى به ومن استغنى بالله بواسطة فقره إليه فغناه لا يماثله غنى أبدا
(طب عن أبي صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء: الأنصاري المازني بدري شاعر مجيد واسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن صرمة ورواه عنه أيضا أحمد قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا إسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصاري وهي ثقة(2/111)
1476 - (اللهم اجعل فناء أمتي) أمة الإجابة وقول الزركشي أراد أمة الدعوة تعقبه ابن حجر (قتلا في سبيلك) أي في قتال أعدائك لإعلاء دينك (بالطعن) بالرمح (والطاعون) وخز أعدائهم من الجن: أي اجعل فناء غالب أمتي بهذين أو بأحدهما. قال بعضهم: دعى لأمته فاستجيب له في البعض أو أراد طائفة مخصوصة أو صفة مخصوصة كالخيار فلا تعارض بينه وبين الخبر الآتي: إن الله أجاركم من ثلاث أن يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا. الحديث. قال القرطبي: [ص:112] جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو وقال بعض علمائنا الصحيح بأو والروايتان صحيحتا المعنى وبيانه أن مراده بأمته صحبه خاصة لأنه دعا لجميع أمته أن لا يهلكهم بسنة عامة ولا يسلط أعداءهم عليهم فأجيب فلا تذهب بيضتهم ولا معظمهم بموت عام ولا بعدو على مقتضى دعائه هذا والدعاء المذكور هنا يقتضي أن يفنوا كلهم بالقتل والموت عام فتعين صرفه إلى أصحابه لأن الله اختار لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل الله بالطاعون الواقع في زمنهم فهلك به بقيتهم فقد جمع لهم الله الأمرين فالواو على أصلها من الجمع أو تحمل على التقسيمية قال الراغب: نبه بالطعن على الشهادة الكبرى وهي القتل في سبيل الله وبالطاعون على الشهادة الصغرى. وهذا الحديث هو المشار إليه في خبر آخر يقوله: الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم قال العلماء أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في سبيل الله بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن. وهذا الحديث مكي دعى به المصطفى صلى الله عليه وسلم عند خروجه مهاجرا وهو بالغار
(حم طب عن أبي بردة) بن أبي موسى (الأشعري) اسمه الحارث أو عمارة أو عامر: سمع عليا وعائشة وولى قضاء الكوفة ورواه عنه أيضا الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور وصححه وأقره عليه الذهبي بل رواه باللفظ المذكور. قال الهيثمي: رجاله ثقات. اه. فلو عزاه المصنف له لكان أحسن على عادته في البداءة في العزو إليه وما أراه إلا ذهل عنه قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن أبي موسى هذا هو العمدة في هذا الباب فإنه يحكم له بالصحبة لتعدد طرقه إليه(2/111)
1477 - (اللهم إني أسألك) أي أطلب منك (رحمة من عندك) أي ابتداء من غير سبب وقال القاضي: نكر الرحمة تعظيما لها دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة لا يكتنه كنهها ووصفها بقوله من عندك مزيدا لذلك التعظيم لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصفه لقوله {وآتيناه من لدنا علما} (تهدي بها) أي ترشد (قلبي) إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي. وأجناس الهداية خمسة مترتبة وهي إضافة قوي يتمكن بها من الاهتداء ونصب الدلائل وإرسال الرسل والكشف والتوفيق والأخير هو الممنوع عن نحو الظالمين أينما وقع في القرآن (وتجمع بها أمري) أي تضمه بحيث لا أحتاج إلى أحد غيرك (وتلم) أي تجمع وتضم (بها شعثي) ما تفرق من أمري ملتئما غير متفرق وهو من اللم الجمع يقال لممت الشيء جمعته ومنه خبر تأكل لما وتوسع ذما: أي تأكل كثيرا مجتمعا (وتصلح بها غائبي) أي ما غاب عن باطني بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية (وترفع بها شاهدي) أي ظاهري بالأعمال الصالحة والهيئات المطبوعة والخلال الجميلة: فالمراد تعميم الباطن وإصلاح الظاهر أو أراد بها في الأخرى بالرضا والكون مع الملأ الأعلى وفي الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى والإلهام أن يلقى الله في النفس أمرا يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص الله به من يشاء من عباده قال الراغب: ورشد الله تعالى للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء وأن يخوله من كبر الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول: أي أليفي أو مألوفي: أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى الله أن لا يخلق في المرء ذنبا وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من الفجور وعلى الأول. قال الراغب: العصمة فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من باطنه وإن [ص:113] لم يكن منعا محسوسا وليس ذلك بمانع ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين
(اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر) أي جحد لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جدا بحيث (أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بحلائل الأعمال
(اللهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه (ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب ومنه {أذلك خير نزلا} (الشهداء) لأنه محل المنعم عليهم وهو وإن كان أعظمهم منزلة وأعلا منهم مرتبة لكنه ذكر للتشريع لأمته (وعيش السعداء) أي الذين قدرت لهم السعادة والمراد السعادة الأخروية لأنه كان من أكثر الناس تقللا من الدنيا وأزهد الناس مطلقا (والنصر على الأعداء) أي الظفر بهم والمراد أعداء الدين قال الراغب: والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلا وآجلا وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه تارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء وعليه قوله {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا} الآية
(اللهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح. قال الراغب: والرأي إجالة الخاطر في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال (افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شيء (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها. وفيه جواز إطلاق القاضي على الله تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور) وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور) النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير بأن ترزقني الثبات عند السؤال قال الزمخشري: فإن قلت كيف يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت) يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا للرب وإخباتا له اه. وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في القبر
(اللهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشيء المطلوب (ولم تبلغه مسألتي) إياك (من) كل (خير وعدته أحدا من خلقك) أن تفعله مع أحد من مخلوقاتك من إنس وجن وملك ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك) أي من غير مسابقة وعد له [ص:114] بخصوصه فلا يعد ما قبله تكرارا كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد (إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين) الخلق كلهم وذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف حرف النداء في بعض الروايات
(اللهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير: يرويه المحدثون بموحدة والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه {واعتصموا بحبل الله جميعا} وصفه بالشدة لأنه من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة. وصوب الأزهري كونه بمثناة تحتية وهو القوة واقتصر عليه الزمخشري جازما حيث قال: الحيل هو الحول أبدل واوه ياء وروى الكسائي لا حيل ولا قوة إلا بالله والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد من قوله تعالى {وأكيد كيدا} . {ومكروا ومكر الله} وقيل ذا القوة لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة. اه. (والأمر الرشيد) السديد الموافق لغاية الصواب (أسألك الأمن) من الفزع والأهوال (يوم الوعيد) أي يوم التهديد وهو يوم القيامة (والجنة) أي وأسألك الفوز بها (يوم الخلود) أي يوم إدخال عبادك دار الخلود: أي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار وذلك بعد فصل القضاء وانقضاء الأمر (مع المقربين) إلى الحضرات القدسية (الشهود) أي الناظرين إلى ربهم المشاهدين لكمال جماله (الركع السجود) أي المكثرين للصلاة ذات الركوع والسجود (الموفين بالعهود) أي بما عاهدوا عليه الحق والخلق (إنك رحيم) أي موصوف بكمال الإحسان بدقائق النعم (ودود) شديد الحب لمن والاك (وإنك) رواية البيهقي وأنت (تفعل ما تريد) فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم لا مانع لما أعطيت وقد وصف الله نفسه بالاختيار وأنه على كل شيء قدير وأنه فعال لما يريد وأنه لا مكره له وهو الصادق في قوله وما حكم به فقد ترتبت الأمور ترتيب الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عادل بالمراتب فتأتيه أسئلة السائلين وما يوافق توقيت الإجابة في عين ما سألوه فيه وقد تقرر أنه لا مكره له فلا بد من التوقف عند ذلك السؤال لمناقضته إذا أجابه ترتيب الحكمة فلذلك قال وإنك تفعل ما تريد
(اللهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب غي القول والعمل قال ابن القطان: قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى. قال ابن حجر: وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلما) بكسر السين المهملة أي صلحا (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدوا) لفظ رواية البيهقي حربا بدل عدوا (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكا أو ندا أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب حبك (من أحبك) حبا خالصا وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس (ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك وهذا ناظر إلى أن من كمال الإيمان الحب في الله والبغض في الله
(اللهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلا منك ولا وجوبا (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على الله أسكن قلبه الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب
[ص:115] (اللهم اجعل لي نورا في قلبي) أي نورا عظيما فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء الله ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشيء (ونورا في قبري) أستضيء به في ظلمة اللحد (ونورا بين يدي) أي يسعى أمامي (ونورا من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في أشياعي. قال الحراني: والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونورا عن يميني ونورا عن شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي) يعني اجعل النور يحفني من الجهات الست (ونورا في سمعي ونورا في بصري) لأن السمع محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة ذلك تزداد المعارف (ونورا في شعري ونورا في بشري) أي ظاهر جلدي (ونورا في لحمي) الظاهر والباطن (ونورا في دمي ونورا في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة. قال القاضي: معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سببا لمزيد علمه وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما قال تعالى في حق المؤمنين {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} ثم لما دعى أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله وأن يحيط به من جميع الجوانب فلا يخفى عليه شيء ولا ينسد عليه طريق: دعا أن يجعل له نورا به يستضيء الناس ويهتدون إلى سبل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة فدعا بإثبات النور فيها والمراد استعمالها بالصواب
(اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي رواية بدل اجعل لي نورا اجعلني نورا قال ابن عربي: دعا بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها ولما علم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى ينفر الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نورا يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبدا أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار (سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردى به بمعنى أنه اتصف بأنه يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء لأن العزة كما قال الحراني: الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترداه وعطف الثوب رداؤه وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل بالصوم ووصف الله بالعز ومثله قوله: يجر رباط الحمد في دار قومه أي هو محمود في قومه (وقال به) أي غلب به على كل عزيز وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما يريد انتهى ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من القيل فعلا فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال به أي ملك به وقهر هكذا [ص:116] فسره الهروي في الغريبين انتهى بنصه وبه يعرف أن تفسير صاحب النهاية ومن على قدمه قال به بأحبه واختص به غير جيد (سبحان الذي لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة والكبرياء والشرف والكرم. قال الزمخشري: ومن المجاز مجد الرجل عظم كرمه فهو ماجد ومجيد وله شرف ومجد وتمجد الله بكرمه وعباده يمجدونه وهو أهل التماجيد وأمجد الله فلانا ومجده كرم فعاله انتهى ولذلك حسن تعقيبه بقوله (وتكرم به) أي تفضل وأنعم على عباده (سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له) أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس (سبحان ذي الفضل) قال الزمخشري: الفضل ما يتفضل به زيادة على الثواب والفضل والفاضلة والإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول (والنعم) جمع نعمة وهي كل ملائم تحمد عاقبته (سبحان ذي المجد والكرم) زاد البيهقي سبحان الذي أحصى كل شيء علمه سبحان ذي المن سبحان ذي الطول (سبحان ذي الجلال والإكرام) قال في الكشاف معناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظيم صفات الله تعالى وقال السيد: المراد بصفات الجلال التنزه عن سمات النقصان وفيه كما قال الغزالي: إن المنهي عنه من السجع ما كان بتكلف فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة بخلاف الكلمات المتوازنة الخالية عن التكلف
(ت ومحمد ابن نصر في) كتاب (والصلاة طب والبيهقي في) كتاب (الدعوات) كلهم من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه (عن) جده عبد الله (بن عباس) لكن بزيادة ونقص قال: بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته ممسيا وهو في بيت خالتي ميمونة فقام فصلى من الليل فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال اللهم إني أسألك إلى آخره وداود هذا عم المنصور ولي المدينة والكوفة للسفاح حدث عنه الكبار كالنوري والأوزاعي ووثقه ابن حبان وغيره وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب إنما يجدث بحديث واحد كذا روى عثمان بن سعيد عنه وقد أرده ابن عدي في الكامل وساق له بضعة عشرة حديثا ثم قال عندي لا بأس بروايته عن أبيه عن جده احتج به مسلم وخرج له الأربعة(2/112)
1478 - (اللهم لا تكلني) أي لا تصرف أمري (إلى نفسي) أي لا تسلمني إليها وتتركني هملا (طرفة عين) أي تحريك جفن وهو مبالغة في القلة (ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني) قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك همم أمته إلى الدعاء بذلك. قال الحليمي: وهذا تعليم منه لأمته أنه ينبغي كونهم مشفقين من أن يسلموا الإيمان أو التوفيق للعمل فإن من سلب التوفيق لم يملك نفسه ولم يأمن أن يضيع الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا الخوف من همه
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه إبراهيم بن يزيد الحرذي وهو متروك(2/116)
1479 - (اللهم اجعلني شكورا) أي كثير الشكر لك. قال الغزالي: والشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول بعضهم: الشكر اعتكاف على بساط الشهود بإدامة الحرمة جامع لأكثر معاني الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان (واجعلني صبورا) أي لا أعاجل بالانتقام أو المراد الصبر العام (واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا) استوهب ربه أن يعظمه في عيون الخلق ليسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها [ص:117] من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب ومعاناة أهوال الحروب
(البزار) في مسنده (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن الخصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية ثم تحتية ثم موحدة قال الهيثمي فيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف لكن حسن البزار حديثه(2/116)
1480 - (اللهم إنك لست بإله استحدثناه) أي طلبنا حدوثه أي تجدده بعد أن لم يكن (ولا برب ابتدعناه) أي اخترعناه على غير مثال سبق والباء فيه لتأكيد النفي وفي نسخ استحدثناك وابتدعناك بالكاف بدل الهاء (ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه وننذرك) أي نتركك (ولا أعانك على خلقنا) أي إيجادنا من العدم (أحد غيرك فنشركه) فيك أي في عبادتك والالتجاء إليك فإنك المتفرد بالخلق والإيجاد والتقدير (تباركت) تقدست وتنزهت (وتعاليت) تمامه عند مخرجه الطبراني قال كعب وهكذا كان نبي الله داود يدعو
(طب عن صهيب) قال الهيثمي وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك(2/117)
1481 - (اللهم إنك تسمع كلامي) أي لا يعزب عنك مسموع وإن خفي بغير جارحة (وترى مكاني) إن كنت في ملاء أو خلاء (وتعلم سري) وفي نسخة سريرتي (وعلانيتي) أي ما أخفي وما أظهر (لا يخفى عليك شيء من أمري) تأكيد لما قبله لدفع توهم المجاز والتخصيص. قال الحراني: الإخفاء تغييب الشيء وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته والغرض من ذلك الإجابة والقبول (وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته (الفقير) أي المحتاج إليك في سائر أحواله وجميع أموره (المستغيث) أي المستعين المستنصر بالله فاكشف كربتي وأزل شدتي يقال أغاثه الله إذا أعانه واستغاث به فأغاثه وأغاثهم الله كشف شدتهم (المستجير) بالجيم الطالب منك الأمان من عذابك (الوجل) أي الخائف (المشفق) أي الحذر قال في المصباح: أشفقت من كذا بالألف حذرت. وقال الزمخشري: تقول أنا مشفق من هذا أي خائف منه خوفا يرق القلب ويبلغ منه مبلغا (المقر المعترف بذنبه) عطف تفسير ففي الصحاح كغيره أقر بالحق اعترف به وقال الزمخشري: أقر على نفسي بالذنب أعترف (أسألك مسألة المسكين) أي الخاضع الضعيف سمي مسكينا لسكونه إلى الناس وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها عند غيرهم (وأبتهل إليك ابتهال المذنب) أي أتضرع إليك تضرع من أخجلته مقارفة الذنوب إلى الله تضرع. وفي الصحاح كغيره الابتهال التضرع. وقال الزمخشري: ابتهل واجتهد في الدعاء اجتهاد المبتهلين (الذليل) أي الضعيف المستهان به (وأدعوك دعاء الخائف المضطر) وفي نسخ الضرير وهو بمعناه بين بهذا أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار لأن الاضطرار تغطية حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده كما أن الحق هو الغني أيضا فالعبد مضطر إليه أبدا ولا يزايله هذا الاضطرار في الدنيا ولا في الآخرة حتى لو دخل الجنة فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عيب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة [ص:118] إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم سلط الله عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته (من خضعت لك رقبته) أي نكس رأسه رضى بالتذلل إليك وفي الصحاح الخضوع: التطامن والتواضع وقال الزمخشري: خضع لله خضوعا تطامن وقوم خضع ناكسوا الرؤوس ورجل أخضع راضي بالذل (وفاضت) سالت (لك عبرته) بفتح العين أي سال لك من الفرق دموعه وفي الصحاح فاض الماء كثر حتى سال على ضفة الوادي والعبرة بالفتح تحلب الدمع وبالكسر الاعتبار وفي القاموس العبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض وتردد البكاء في الصدر (وذل لك جسمه) أي انقاد بجميع أركانه الظاهرة والباطنة (ورغم لك أنفه) أي لصق بالتراب وفي الصحاح الرغام بالفتح التراب وأرغم أنفه ألصقه بالتراب. وقال الزمخشري: من المجاز ألصقه بالرغام إذا أذله وأهانه ومنه رغم أنفه وأرغمه الله وفي النهاية أصل رغم أنفه لصق بالتراب ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره
(اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا) أي تبعا خائبا قال الزمخشري: من المجاز أشقى من رائض مهر أي أتعب منه ولم يزل في شقاء من أمره في تعب (وكن بي رؤوفا رحيما) أي عطوفا شفوقا (يا خير المسؤولين ويا خير المعطين) أي يا خير من طلب منه ويا خير من أعطى قال في الصحاح: السؤال ما يتساءله الإنسان. وقال الزمخشري: سألته حاجة وأصبت منه سؤلي طلبتي فعل بمعنى مفعول كعرف ونكر وقال: ومن المجاز هو مسألتي من الدنيا واللهم أعطنا سؤالاتنا وتعلمت مسألة ومسائل أستعير المصدر للمفعول
(طب عن ابن عباس) قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عشية عرفة اللهم. . . إلى آخر ما ذكر. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه يحيى بن صالح الأملي وقال العقيلي له مناكير وبقية رجاله رجال الصحيح(2/117)
1482 - (اللهم أصلح ذات بيننا) أي الحال التي يقع بها الاجتماع (وألف بين قلوبنا) أي اجعل بينها الإيناس والمودة والتراحم لتثبت على الإسلام وتقوى على مقاومة أعدائك ونصر دينك (واهدنا سبل السلام) أي دلنا على طريق السلامة من الآفات أو على طرق دار السلام الجنة (ونجنا من الظلمات إلى النور) أي أنقذنا من ظلمات الدنيا إلى نور الآخرة أو من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة (وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي بعدنا عن القبائح الظاهرة والباطنة فإنا عاجزون عن التنقل منها ورفع الهمم عن مواقعها وإن اجتهدنا بما جبلنا عليه من الضعف وتسلط الشيطان علينا فلا قوة لنا إلا بك
(اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا) طلب التوبة أثر الحسنة كما هو مطلب العارفين بالله ثم علل طمعه في ذلك بأن عادته تعالى التطول والتفضل فقال (إنك أنت التواب) أي الرجاع بعباده إلى مواطن النجاة بعدما سلط عليهم عدوهم بغوايتهم ليعرفوا فضله عليهم وعظيم قدرته ثم اتبعه وصفا هو كالتعليل له فقال (الرحيم) أي المبالغ في الرحمة لعبادك (واجعلنا شاكرين لنعمتك) أي إنعامك (مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا) [ص:119] سأل التوفيق لدوام الشكر لأن الشكر قيد النعم فيه تدوم وتبقى وبتركه تزول وتحول قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} قال {لئن شكرتم لأزيدنكم} فالحق تقدس إذا رأى عبده قام بحق نعمته بالدوام على شكرها من بأخرى رآه لها أهلا وإلا قطع عنه ذلك
(طب) وكذا في الأوسط (ك عن ابن مسعود) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء قال الهيثمي وإسناد الكبير جيد انتهى ومن ثم آثره المصنف(2/118)
1483 - (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي) قدم إليك ليفيد الاختصاص أي أشكو إليك لا إلى غيرك فإن الشكوى إلى الغير لا تنفع (وقلة حيلتي وهواني على الناس) أي احتقارهم إياي واستهانتهم واستخفافهم بشأني واستهزاؤهم بي (يا أرحم الراحمين) والشكوى إليه سبحانه لا تنافي أمره بالصبر في آي التنزيل فإن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر والله سبحانه وتعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه (إلى من تكلني) تفوض أمري (إلى عدو يتجهمني) بالتشديد أي يلقاني بغلظة ووجه كريه؟ قال الزمخشري: وجه جهم غليظ وهو البأس الكريه ويوصف به الأسد وتجهمته وجهمته استقبلته بوجه مكفهر وقبل هو أن يلغظ الرجل له في القول ومن المجاز الدهر يتجهم الكرام وتجهمني أملي إذا لم تصبه (أم إلى قريب ملكته أمري) أي جعلته متسلطا على إيذائي ولا أستطيع دفعه (إن لم تكن ساخطا علي) في رواية إن لم يكن بك سخط علي وفي أخرى بدل سخط غضب (فلا أبالي) بما يصنع بي أعدائي وأقاربي من الإيذاء طلبا لمرضاتك (غير أن عافيتك) التي هي السلامة من البلايا والأسقام وهي مصدر جاء على فاعله (أوسع لي أعوذ بنور وجهك) أي ذاتك (الكريم) أي الشريف والكريم يطلق على الشريف النافع الذي يدوم نفعه (الذي أضاءت له السماوات والأرض) جمع السماوات وأفرد الأرض لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة (وأشرقت له الظلمات) أشرقت على البناء المفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرفها الله كما تقول ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا ذكره كله الزمخشري قال في الحكم: الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو قبله أو عنده أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الأثار (وصلح) بفتح اللام وتضم (عليه أمر الدنيا والآخرة) أي استقام وانتظم والصلاح ضد الفساد وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب والصلح اسم منه وهو التوفيق كما في المصباح (أن تحل علي غضبك) أي تنزله بي أو توجبه علي. قال في المختار كأصله حل العذاب يحل بالكسر حلا أي وجب ويحل بالضم حلولا نزل وقرىء بهما قوله تعالى {فيحل عليكم غضبي} (أو تنزل علي سخطك) أي غضبك هو من عطف الرديف (ولك العتبى حتى ترضى) أي أسترضيك حتى ترضى يقال استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني (ولا حول ولا قوة إلا بك) استعاذ بهذا بعد الاستعاذة بذاته تعالى إشارة إلى أنه لا توجد قابضة حركة ولا قابضة سكون في خير وشر إلا بأمر التابع لمشيئته {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} وهذا يسمى دعاء الطائف وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب اشتد أذى قومه له فخرج إلى الطائف رجاء أن يأووه وينصروه فأذاقوه أشد [ص:120] من قومه ورماه سفهاؤهم بالحجارة حتى دميت قدماه وزيد مولاه يقيه بنفسه حتى انصرف راجعا إلى مكة محزونا فدعى بهذا فعند ذلك أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال: بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده
(طب) عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(2/119)
1484 - (اللهم واقية كواقية الوليد) أي المولود كما فسره به راوي الخبر ابن عمر فهو فعيل بمعنى مفعول أي كلاءة وحفظا ككلاءة الطفل المولود وحفظه. قال العسكري: أراد ما يقيه الله من الحشرات وما يدب على الأرض من الهوام وما يدفع عنه مع قلة دفعه عن نفسه وجهله بتوقي المتالف والمعاطب وقيل المراد بالوليد موسى {ألم نر بك فينا وليدا} أي كما وقيت موسى شر فرعون وهو في حجره فقني شر قومي وأنا بين أظهرهم والوقاية بالكسر الصيانة. وقال الزمخشري: والوليد الصبي الصغير لأنه لا يبصر المعاطب وهو يتعرض لها ثم يحفظه الله أو لأن القلم مرفوع عنه فهو محفوظ من الآثام وذلك لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما ترك اختياراته وأمات في مخالفتها شهواته ولذاته ذهل عن أوصافه وشغل بمحبة محبوبه عن نفسه وصفاته فهو لا يخير في أحكام مولاه بل فوض أمره إليه وأقبل بكليته عليه وطلب منه أن يصرفه في مشيئته ومحابه ويحوطه بعصمته
(ع عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات(2/120)
1485 - (اللهم كما حسنت) وفي رواية أحسنت (خلقي) أوله (فحسن خلقي) بضمتين أي لأقوى على أثقال الخلق وأتخلق بتحقيق العبودية والرضا بالقدر ومشاهدة الربوبية. قال الطيبي: ويحتمل أن يراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه. وفيه إشارة إلى قول عائشة كان خلقه القرآن وأن يكون قد طلب المزيد والثبات على ما كان وتمسك به من قال إن حسن الخلق غريزي لا مكتسب والمختار أن أصول الأخلاق غرائز والتفاوت في الثمرات وهو الذي به التكليف
(حم) وكذا ابن حبان (عن ابن مسعود) قال الزين العراقي ووهم من زعم أنه أبو مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال اللهم إلى آخره قال المنذري رواته ثقات(2/120)
1486 - (اللهم احفظني بالإسلام قائما) أي حالة كوني قائما وكذا يقال فيما بعده (واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا) أراد في جميع الحالات. قال الطيبي: يحتمل أن المراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} وأن يكون طلب المزيد والثبات على ما كان (ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا) أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي وفي الصحاح الشماتة الفرح ببلية العدو والحسد تمني زوال نعمة المحسود
(اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) جمع مخزن كمجلس ما يخزن فيه الشيء قال ابن الكمال كغيره واليد مجاز عن القوة المتصرفة ولا يخفى وجه التجوز على من له قدم راسخ في علم البيان وتشبيها باعتبار تنوع التصرف في العالمين عالم الشهادة المسمى بعالم الملك وعالم الغيب المسمى بعالم الملكوت ومن هنا ظهر وجه قوله سبحانه {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} أي لما خلقته ذا حظ من عالمي الملك والملكوت وفيه إشارة إلى جهة فضل آدم على من أمر بالسجود له ممن لا حظ لهم من أحد من العالمين المذكورين
(ك عن [ص:121] ابن مسعود) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول اللهم إلخ وزاد البيهقي في الدعوات من طريق هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه وسأله أن يأمر له بوسق تمر فقال: إن شئت أمرت لك وإن شئت علمتك كلمات خيرا لك منه فقال: علمنيهن ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه قال: أفعل وقال: قل اللهم احفظني إلخ(2/120)
1487 - (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك) بكسر الجيم جمع موجبة وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الرحمة أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق لا يجب عليه شيء (وعزائم مغفرتك) أي مؤكداتها أو موجباتها جمع عزيمة يعني أسألك أعمالا بعزم تهب بها مغفرتك قال الراغب: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (والسلامة من كل إثم) يوجب عقابا أو عتابا أو نقص درجة أو غير ذلك قال العراقي: وهذا مصرح بحل سؤال العصمة من كل ذنب ولا اتجاه لاستشكاله بأنها إنما هي لنبي أو ملك لأنها في حقهما واجبة ولغيرهما جائزة وسؤال الجائز جائز لكن الأدب في حقنا سؤال الحفظ لا العصمة (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء الطاعة والخير قال الزمخشري: ومن يبر ربه يطيعه (والفوز بالجنة والنجاة من النار) سبق أنه وإن كان محكوما له بالفوز والنجاة لكنه قصد التشريع لأمته والتعليم لهم
(ك عن ابن مسعود) قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إلخ(2/121)
1488 - (اللهم أمتعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني) أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى أو اجعل تمتعي بهما في مرضاتك باقيا فذكره بعد انقضاء أجلنا وانقطاع عملنا (وعافني في ديني وفي جسدي وانصرني ممن ظلمني) من أعداء دينك (حتى تريني فيه ثأري) أي تهلكه وفي الصحاح الثأر الدخل يقال ثأر القتيل بالقتيل أي قتل قاتله
(اللهم إني أسلمت نفسي) أي ذاتي (إليك) يعني جعلت ذاتي طائعة لحلمك منقادة لك في كل أمر ونهي (وفوضت) أي رددت (أمري إليك) أي حكمك (وألجأت ظهري إليك) أي أسندته إليك كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم لا سند يتقوى به سواه وخص الظهر لجري العادة بأن المرء يعتمد بظهره إلى ما يسند إليه (وخليت) بخاء معجمة أي فرغت (وجهي) أي قصدي (إليك) يعني براءته من الشرك والنفاق وعقدت قلبي على الإيمان (لا ملجأ) بالهمز ويترك للازدواج مع قوله (ولا منجا) فهذا مقصور لا يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليما للغير (وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث وقال الطيبي: في هذا النظم عجائب وغرائب [ص:122] لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلدا سيفا ورمحا وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى. قال: ويحتمل أن يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا. وقال غيره: لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده وذكر احترازا ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا. قال ابن حجر: فعلى هذا قول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه
(ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقا بزيادة ونقص(2/121)
1489 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما يقوى بقوة يحدبها الله فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم فسكون الخور عن تعاطي الحرب خوفا على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان واجب الحق (والبخل) منع السائل المحتاج عما يفضل عن الحاجة (والهرم) كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى وسوء الكبر ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وقال الموفق البغدادي: هو اضمحلال طبيعي وطريق للفناء ضروري فلا شفاء له (والقسوة) غلظ القلب وصلابته (والغفلة) غيبة الشيء عن البال وعدم تذكره واستعمل في تاركه إهمالا وإعراضا كما في قوله سبحانه {وهم في غفلة معرضون} (والعيلة والذلة) بالكسر الهوان على الناس ونظرهم إلى الإنسان بعين الاحتقار والاستخفاف به (والقلة) بالكسر قلة البصر أو قلة الأنصار أو القلة في أبواب الخير وخصال البر أو قلة المال بحيث لا يجد كفافا من قوت فيعجز عن وظائف العبادة (والمسكنة) قلة المال وسوء الحال (وأعوذ بك من الفقر) أي فقر النفس لا ما هو المتبادر من معناه من إطلاقه على الحاجة الضرورية فإن ذلك يعم كل موجود {با أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} وأصله كسر فقار الظهر (والكفر) عنادا أو جحدا أو نفاقا وأورده عقب الفقر لأنه قد يفضي إليه (والفسوق) الخروج عن الاستقامة والجور ومنه قيل للعاصي فاسق (والشقاق) مخالفة الحق بأن يصير كل من المتنازعين في شق أي ناحية كان كل فريق يحرص على ما يشق على الآخر [ص:123] (والنفاق) الحقيقي أو المجازي (والسمعة) بضم فسكون التنويه بالعمل ليسمعه الناس (والرياء) بكسر الراء والمد ومثناة تحتية إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوه فالسمعة أن يعمل لله خفية ثم يتحدث بها تنويها والرياء أن يعمل لغير الله وذكر هذه الخصال لكونها أقبح خصال الناس فاستعاذته منها إبانة عن قبحها وزجر للناس عنها بألطف وجه وأمر بتجنبها بالالتجاء إلى الله (وأعوذ بك من الصمم) بطلان السمع أو ضعفه. قال القاضي: وأصله صلابة من اكتناز الأجزاء ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ كنزا لا تجويف فيه يشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه (والبكم) بالتحريك الخرس أو أن يولد لا ينطق ولا يسمع والخرس أن يخلق بلا نطق (والجنون) زوال العقل (والجذام) علة تسقط الشعر وتفتت اللحم وتجري الصديد منه (والبرص) علة تحدث في الأعضاء بياضا رديئا (وسيء الأسقام) الأمراض الفاحشة الرديئة المؤدية إلى قرار الحميم وقلة الأنيس أو فقده كالاستسقاء والسل والمرض المزمن وهذا من إضافة الصفة للموصوف أي الأسقام السيئة قال التوربشتي ولم يستعذ من سائر الأسقام لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر خفت مؤنته كحمى وصداع ورمد وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم ويقل دونه المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين وهذه الأمراض لا تجوز على الأنبياء بل يشترط في النبي سلامته من كل منفر وإنما ذكرها تعليما للأمة كيف تدعو
(ك والبيهقي في) كتاب (الدعاء عن أنس) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم إلى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/122)
1490 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله القاضي. وقال الطيبي: خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا ومن ثم حرم الوصال ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه فقال: إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوبا للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامن في طبعه وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا في مدح الجوع في أول السلوك
الجوع موت أبيض. . . وهو من أعلام الهدى. . . ما لم يؤثر خلا
فهو دواء هودا. . . فاحكم به تكن به. . . موقفا مسددا [ص:124]
وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع:
جوع العوائد محمود فلست أرى. . . فيما أراه من استعماله بأسا
الجوع بأس ضجيع العبد جاء به. . . لفظ النبي فلا ترفع به رأسا
جوع الطبيعة مذموم وليس يرى. . . فيه المحقق بالرحمن إيناسا
أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوبا لها إلا حال عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} (ومن الخيانة) مخالفة الحق بنقض العهد في السر (فإنها بئست البطانة) بالكسر أي بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة قال في المغرب بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال الراغب: تستعار البطانة لمن تخصه بالإطلاع عليه باطن أمرك. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع وغير ذلك (ومن الكسل والبخل والجبن) قال الطيبي: الجود إما بالنفس أو بالمال ويسمى الأول شجاعة والثاني سخاوة ويقابلها البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا في متناه في النقص (ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر) أي إلى آخره في حال الهرم والخوف والعجز والضعف وذهاب العقل والأرذل من كل شيء الرديء منه. قال الطيبي: المطلوب عند المحققين من العمر التفكير في آلاء الله ونعمائه تعالى من خلق الموجودات فيقيموا بموجب الشكر بالقلب والجوارح والخوف والفاقد لهما فهو كالشيء الرديء الذي لا ينتفع به. فينبغي أن يستعاذ منه (ومن فتنة الدجال) محنته والفتنة الامتحان والاختبار استعيرت لكشف ما يكره والدجال فعال بالتشديد من الدجل التغطية سمي به لأنه يغطي الحق بباطله (وعذاب القبر) عقوبته ومصدره التعذيب فهو مضاف للفاعل ومجازا أو هو من إضافة المظروف أظرفه أي ومن عذاب في القبر أضيف للقبر لأنه الغالب وهو نوعان دائم ومنقطع (ومن فتنة المحيا) بفتح الميم ما يعرض للمرء مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات أو هي الابتلاء مع زوال الصبر (والممات) أي ما يفتن به عند الموت أضيفت له لقربها منه أو المراد فتنة القبر أي سؤال الملكين والمراد من شر ذلك. قال الكمال: والجمع بين فتنة الدجال وعذاب القبر وبين فتنة المحيا والممات من باب ذكر العام بعد الخاص
(اللهم إنا نسألك) أي نطلب منك ونتضرع إليك (قلوبا أواهة) أي متضرعة أو كثيرة الدعاء أو كثيرة البكاء (مخبتة) أي خاشعة مطيعة متواضعة (منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة عليك (في سبيلك) أي الطريق إليك
(اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب والذي لم يذنب قط في منال رحمتك (ومنجيات أمرك) أي ما ينجى من عقابك ويصون عن عذابك (والسلامة من كل إثم) معصية (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء خير وطاعة (والفوز بالجنة والنجاة من النار) عذابها وسبق أن هذا مسوق للتشريع وفيه دليل على ندب الاستعاذة من الفتن ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه. قال ابن بطال: وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. قال ابن حجر: قد سئل عنه قديما ابن وهب فقال إنه باطل
(ك) في الدعاء (عن ابن مسعود) وقال صحيح الإسناد قال الحافظ العراقي: وليس كما قال إلا أنه ورد في أحاديث جيدة الإسناد(2/123)
[ص:125] 1491 - (اللهم اجعل أوسع رزقك) هو نوعان ظاهر للأبدان كالقوت وباطن للقلوب والنفوس كالمعارف ويرشح الأول قوله (علي عند كبر سني وانقطاع عمري) أي إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع الله عليه رزقه حين ذلك كان عونا له على العبادة
(ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة(2/125)
1492 - (اللهم إني أسألك العفة) بالكسر العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي ومالي اللهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم الهمزة أي أهلك. قال الراغب: الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب} وما أحسن قوله بعظمتك في هذا المقام
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن حبان وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف على البزار خلاف اللائق(2/125)
1493 - (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم) أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا أستقله. قال الشاذلي: من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إلى الله عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة فقد صحت ولايته لله ورسوله والمؤمنين {ومن يتول الله والذين آمنوا فإن حزب الله هم [ص:126] الغالبون} وقال الغزالي: من لم يرض بالقضاء يكن مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس للإنسان إلا قلب واحد <تنبيه> قال ابن عربي: لا يلزم الراضي بالقضاء الرضا بالمقضي فالقضاء حكم الله وهو الذي أمرنا بالرضا به والمقضي المحكوم به فلا يلزم الرضا به
(البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو ضعيف الحديث(2/125)
1494 - (اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأته (دعاك لأهل مكة) علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان (بالبركة) بقوله {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} . الآية. ولمكة أسماء كثيرة جمعها صاحب القاموس في مؤلف مستقل وفي تاريخ القطب أن من خواص اسمها أنه إذا كتب بدم الرعاف على جبين المرعوف مكة وسط البلاد والله رؤوف بالعباد انقطع الدم (وأنا محمد عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه أيضا خليل كما في خبر اتخد الله صاحبكم خليلا تواضعا ورعاية للأدب حيث لم يساو نفسه بأبيه (أدعوك لأهل المدينة (1) - طيبة - أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما بركة (مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك لهم بضعف ما دعاك إبراهيم لمكة والمد مكيال معروف وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق والصاع خمسة أرطال وثلث عند أهل الحجاز وثمانية أرطال عند أهل العراق
(ت عن علي) أمير المؤمنين ورواه أيضا عن أبي قتادة قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح
_________
(1) لفظ المدينة صار علما بالغلبة على طيبة فإذا أطلق انصرف إليها(2/126)
1495 - (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما وإني حرمت المدينة) أي جعلتها حراما (ما بين مأزميها) تثنية مأزم بالهمز وزاي مكسورة الجبل أو المضيق بين الجبلين وحرمتها (أن لا يراق فيها دم) أي لا يقتل فيها آدمي معصوم بغير حق (ولا يحمل فيها سلاح لقتال) عند فقد الاضطرار (ولا تخبط) أي تضرب (فيها شجرة) قال في الصحاح: خبط الشجرة ضربها بالعصى ليسقط ورقها (إلا لعلف) بسكون اللام ما تأكله الماشية
(اللهم بارك لنا في مدينتنا) أي أكثر خيرها (اللهم بارك لنا في صاعنا) أي فيما يكال بصاع مدينتنا (اللهم بارك لنا في مدنا) أي فيما يكال به ثم يحتمل كون البركة دينية وتكون بمعنى الثبات أي ثبتنا في أداء حقوق الحق المتعلقة بهذه المقادير وكونها دنيوية وتكون بمعنى الزيادة حيث يكفي المد لمن لا يكفيه في غيرها ويحتمل الأمران معا
(اللهم اجعل مع البركة) التي في غيرها (بركتين) فيها فتصير البركة فيها مضاعفة (والذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (ما من المدينة شعب) بكسر الشين فرجة نافذة بين جبلين (ولا نقب) بفتح النون وسكون القاف طريق [ص:127] بين جبلين (إلا عليه ملكان) بفتح اللام (يحرسانها) من العدو (حتى تقدموا إليها) أي من سفركم هذا وكان هذا القول حين كانوا مسافرين للغزو وبلغهم أن بعض الطوائف يريد الهجوم عليها أو فعل وتمسك بهذا الخبر وما قبله من ذهب إلى تفضيل المدينة على مكة وقال: التضييق شامل للأمور الدينية أيضا
(م عن أبي سعيد) الخدري(2/126)
1496 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم) أي ما يأثم به الإنسان أو ما فيه أو ما يوجب الإثم أو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم (والمغرم) أي مغرم الذنوب والمعاصي أو هو الدين فيما لا يحل أو فيما يحل لكن يعجز عن وفائه أما دين احتاجه وهو يقدر على أدائه فلا استعاذة منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه واستعاذته تعليم لأمته وإظهار للعبودية والافتقار وفي حديث صحيح قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله قال: الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف (ومن فتنة القبر) التحير في جواب منكر ونكير (وعذاب القبر) عطف عام على خاص فعذابه قد ينشأ عنه فتنة بأن يتحير فيعذب لذلك وقد يكون لغير ما كان يجيب بالحق ولا يتحير ثم يعذب على تفريطه في بعض المأمورات أو المنهيات كإهمال التنزه عن البول (ومن فتنة النار) سؤال خزنتها وتوبيخهم كما يشير إليه {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها} الآية (وعذاب النار) أي إحراقها بعد فتنتها كذا قرر بعضهم وقال الطيبي: قوله فتنة النار أي فتنة تؤدي إلى عذاب النار وإلى عذاب القبر لئلا يتكرر إذا فسر بالعذاب (ومن شر فتنة الغنى) أي البطر والطغيان والتفاخر وصرف المال في المعاصي (وأعوذ بك من فتنة الفقر) حسد الأغنياء والطمع في مالهم والتذلل لهم بما يدنس العرض ويسلم الدين ويوجب عدم الرضا بما قسم ذكره البيضاوي. وقال الطيبي: الفتنة إن فسرت بالمحنة والمصيبة فشرها أن لا يصير الرجل على لأوائها ويجزع منها وإن فسرت بالامتحان والاختبار فشرها أن لا يحمد في السراء ولا يصبر في الضراء وذكر لفظ شر في الفقرة الأولى دون الثانية وهو ما وقع في هذه الرواية وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي أخرى حذفها فيهما (ومن فتنة المسيح) بفتح الميم وخفة السين وبحاء مهملة سمي به لكون إحدى عينيه ممسوحة أو لمسح الخير منه فعيل بمعنى مفعول أو لمسحه الأرض أو قطعها في أمد قليل فهو بمعنى فاعل وقيل هو بخاء معجمة ونسب قائله إلى التصحيف (الدجال) احتراز عن عيسى عليه السلام من الدجل الخلط أو التغطية أو الكذب أو غير ذلك وهو عدو الله المموه واسمه صافن وكنيته أبو يوسف وهو يهودي وإنما استعاذ منه مع كونه لا يدرك نشرا لخبره بين أمته جيلا بعد جيل لئلا يلتبس كفره على مدركه
(اللهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي ذنوبا (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد) أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف [ص:128] على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطىء بالكسر الذنب (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع التشبيه أن إلتقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية
(ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن هـ) مختصرا كلهم (عن عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة(2/127)
1497 - (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه الجوامع. قال الراغب: وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب إلى الله أن يعطيه من الخيور ما فيه مصلحته مما لا سبيل بنفسه إلى اكتسابه وأن يبذل جهده مستعينا بالله في اكتساب ماله كسبه نافقا عاجلا وآجلا ومطلقا وفي كل حال وفي كل زمان ومكان قال: والخير المطلق هو المختار من أجل نفسه والمختار غيره لأجله وهو الذي يتشوفه كل عاقل
(اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) قال الحليمي: هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير وتعوذ به من كل شر ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قصر في النظر لنفسه (وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا) لا يعارضه الخبر الآتي عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان له خيرا لأن المراد هنا طلب دوام شهود القلب أن كل واقع فهو خير وينشأ عن ذلك الرضا ومن جعل الرضا غنيمته في كل كائن من أوقاته وافق النفس أو خالفها لم يزل غانما بما هو راض بما أوقع الله له وأقام من حكمته {أليس الله بأحكم الحاكمين} {الذي أحسن كل شيء خلقه}
(هـ) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة بالجوامع الكوامل قولي اللهم إلى آخره ورواه عنها أيضا البخاري في الأدب وأحمد والحاكم وصححه(2/128)
1498 - (اللهم إني أسألك باسمك الطاهر) الأنفس الأقدس المنزه عن كل عيب ونقص (الطيب) النفيس. قال الزمخشري: تقول صائد مستطيب بطلب الطيب النفيس من الصيد ولا يرضى بالدون وفي الصحاح الطيب ضد الخبيث (المبارك) أي الزائد خيره والعميم فضله (الأحب إليك) من سائر الأسماء (الذي إذا دعيت به أجبت) الداعي إلى ما سأله [ص:129] (وإذا سئلت به أعطيت) السائل سؤله (وإذا استرحمت به) أي طلب أحد منك أن ترحمه وأقسم عليك به (رحمت) أي رحمته (وإذا استفرجت به) أي طلب منك الفرج (فرجت) عمن استفرج به ولم ترده خائبا وهذا خرج جوابا لسائل سأله أن يعلمه دعاءا جامعا يدعو به
(هـ عن عائشة) وبوب عليه باب اسم الله الأعظم(2/128)
1499 - (اللهم من آمن بي وصدقني) بما جئت به من عندك وهذا قريب من عطف الرديف (وعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأقلل ماله وولده) لأن من كان مقلا منهما يسهل عليه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التباين والتضاد ومن ثم قال ابن مسهر: نعمة الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط منها والله سبحانه لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا لإثانة أحبابه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو جمودا في العين أو تعويقا عن طاعة أو وقوعا في ذنب أو فترة في الهمة أو سلب لذة خدمة وذهب ابن عربي إلى أن المراد بإقلال ذلك وبإعدامه أو أخذه في رواية أخرى أخذ ذلك من قلبه مع وجوده عنده وأنه يؤثر حب الله على حب هؤلاء (وحب إليه لقاءك) أي حبب إليه الموت ليلقاك ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (وعجل له القضاء) أي الموت (ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره) لتكثر عليه أسباب العقاب والمال والأهل بل والأعضاء حتى العين التي هي أعزها قد تكون سببا لهلاك الإنسان في بعض الأحيان. قال الجنيد: إذا أحب الله عبدا لم يذر له مالا ولا ولدا لأنه إذا كان ذلك له أحبه فتتشعب محبته لربه وتتجزأ وتصير مشتركة بين الله وغيره " والله لا يغفر أن يشرك به " وهو تعالى قاهر لكل شيء فربما أهلك شريكه وأعدمه ليخلص قلب عبده لمحبته وحده. وقال الحراني: خلق الله الدنيا دار بلاء فجعل التقلل منها رحمة وجعل الاستكثار منها نقمة. وقال الغزالي: كل ما يزيد على قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مئة دينار مثلا على الطريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مئة دينار فلا يكفيه ما وجده بل يحتاج إلى تسع مئة أخرى فقد كان قبل وجود المئة مستغنيا فالآن وجد مئة وظن أنه صار بها غنيا وقد صار محتاجا إلى تسع مئة أخرى يشتري دارا يعمرها وجارية وأثاثا وثيابا فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به وكل ذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم (تتمة) قال شيخنا العارف بالله الشعراني: اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه الله دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح. قال: وقد ذقنا ذلك فأحب ما إلى يوم يموت ولدي إظهار الرضا بالقضاء محبة للثواب. وقال النور المرصفي: ما أحد من الأولياء إلا ويقدم ما فيه رضا الله على نفسه فأحب ما إليه يوم موت ولده الصالح. بلغنا أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك فقيل له فيه فقال: إن الله أحب أمرا فأحببته ثم إن ذا لا يعارضه خبر البخاري أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده لأن فضل التقلل من الدنيا والولد يختلف باختلاف الأشخاص كما يشير إليه الخبر القدسي " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى إلخ " فمن الناس من يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر ومنهم من لا يخاف عليه كحديث أنس وحديث نعم المال الصالح للرجل الصالح فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما [ص:130] يصلحه ويليق به فسقط قول الداودي هذا الحديث باطل إذ كيف يصح وهو صلى الله عليه وسلم يحث على النكاح والتماس الولد وكيف يدعو لخادمه أنس بما كرهه لغيره <تنبيه> قال الغزالي: من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها فكان له ألف محبوب فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة لأنه يحب الكل وقد سلب عنه بل هو في حياته على خطر المصيبة بالفقر والهلاك. وحمل إلى ملك قدح مرصع بجوهر لا نظير له ففرح به وبعض الحكماء عنده فقال: كيف ترى فقال: أراه مصيبة إن انكسر أو فقر كان مصيبة وإن سرق كنت فقيرا إليه وقد كنت قبل حمله إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر فأسف الملك وقال ليته لم يحمل إلينا
(هـ عن عمرو بن غيلان) بن سلمة (النقفي) قال الحافظ ابن حجر مختلف في صحبته. قال المؤلف في فتاويه وبقية رجاله ثقات (طب عن معاذ بن جبل) قال الهيثمي وفيه عمرو بن واقد وهو متروك انتهى وسبقه في الميزان فقال عمرو بن واقد قال البخاري منكر الحديث والدارقطني متروك والنسائي يكذب ثم ساق من مناكيره أخبارا هذا منها(2/129)
1500 - (اللهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين (فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم وخاطر منشرح ولا ينهمك في شيء من قضائك ويعلم أنه ما من شيء قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك (وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن. <تنبيه> قال في الحكم: ورود الفاقات أعياد المريدين الفاقات بسط المواهب إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك {إنما الصدقات للفقراء} تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه تحقق بذلك يمدك بعزه تحقق بعجزك يمدك بقدرته تحقق بضعفك يمدك بحوله
(طب عن فضالة بن عبيد) قال الهيثمي رجاله ثقات(2/130)
1501 - (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر) أي الدوام على الدين والاستقامة بدليل خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول ثبت قلبي على دينك أراد الثبات عند الاحتضار أو السؤال بدليل خبر أنه كان إذا دفن الميت قال سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ولا مانع من إرادة الكل. ولهذا قال الوالي: الثبات التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال وأسألك عزيمة الرشد وفي رواية العزيمة على الرشد قال الحرالي: وهو حسن التصرف في الأمر والإقامة عليه بحسب ما يثبت ويدوم. وقال الطيبي: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر وقال غيره: العزيمة القصد الجازم المتصل بالفعل وقيل استجماع قوى الإرادة على الفعل والمكلف قد يعرف الرشد ولا عزم له عليه فلذلك سأله قال الطيبي: فإن قلت من حق الظاهر أن يقدم العزيمة على الثبات لأن قصد القلب مقدم على الفعل والثبات عليه (قلت) تقديمه إشارة إلى أنه المقصود بالذات لأن الغايات مقدمة في الرتبة وإن كانت مؤخرة في الوجود (وأسألك شكر نعمتك) [ص:131] أي التوفيق لشكر إنعامك (وحسن عبادتك) أي التوفيق لإيقاع العبادة على الوجه الحسن المرضي شرعا (وأسألك لسانا صادقا) أي محفوظا من الكذب وفي رواية قلبا سليما أي خاليا من العقائد الفاسدة والميل إلى اللذات والشهوات العاجلة ويتبع ذلك الأعمال الصالحة إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح كما أن صحة البدن عبارة عن حصول ما ينبغي عن استقامة المزاج والتركيب والاتصال ومرضه عبارة عن زوال أحدها (وقلبا حليما) بحيث لا يقلق ولا يضطرب عند هيجان نار الغضب وغيره من النوازل (وأعوذ بك من شر ما تعلم) أي ما تعلمه أنت ولا أعلمه أنا (وأسألك من خير ما تعلم) قال الطيبي: وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف ومن يجوز كونها زائدة أو بيانية والمبين محذوف أي أسألك شيئا هو خير ما تعلم أو تبعيضة سأله إظهارا لهضم النفس وأنه لا يستحق إلا قليلا من الخير وهذا سؤال جامع للاستعاذة من كل شر وطلب كل خير وختم هذا الدعاء الذي هو من جوامع الكلم بالاستغفار الذي عليه المعول والمدار فقال (وأستغفرك مما تعلم) أي أطلب منك أن تغفر لي ما علمته مني من تقصير وإن لم أحط به علما (إنك أنت علام الغيوب) أي الأشياء الخفية الذي لا ينفذ فيها ابتداء الأعم اللطيف الخبير وفي بعض الروايات قيل يا رسول الله أنستغفر مما لا نعلم قال وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمة يقلبه كيف يشاء والله يقول {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}
(ت ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه قال الحافظ العراقي: قلت بل هو منقطع وضعيف(2/130)
1502 - (اللهم لك أسلمت وبك آمنت) أي لك انقدت وبك صدقت. قال النووي: فيه إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان (وعليك توكلت) أي عليك لا على غيرك اعتمدت في تفويض أموري (وإليك أنبت) أي رجعت وأقبلت بهمتي (وبك خاصمت) أي بك أحتج وأدفع وأخاصم (اللهم) إني أعوذ بعزتك أي بقوة سلطانك (لا إله إلا أنت أن تضلني) أي تهلكني بعدم التوفيق المرشاد والتوفيق على طرق الهداية والسداد وفي الصحاح ضل الشيء ضاع وهلك وضله إذا لم يوفقه للرشاد انتهى وكلمة التهليل معترضة (أنت الحي القيوم) أي الدائم القائم بتدبير الخلق (الذي لا يموت) بلفظ الغائب للأكثر وفي بعض الروايات بلفظ الخطاب أي الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال (والجن والإنس يموتون) عند تقضي آجالهم وكلمة تضلني متعلقة بأعوذ أي من أن تضلني وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة واستغنى عن ذكر عائد الموصول لأن نفس المخاطب هو المرجوع إليه ليحصل الارتباط ومثله أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولا حجة فيه لمن استدل به على عدم موت الملائكة لأنه مفهوم لقب ولا عبرة به وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله {كل شيء هالك إلا وجهه} مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن بجامع ما بينهم من الاجتنان عن عيون الناس والحياة حقيقة في القوة الحاسة أو ما يقتضيها وبه سمي الإنسان حيوانا مجازا في القوة النامية لأنها من طلائعها ومقدماتها وفيما يخص الإنسان من الفضائل كالعلم والعقل والإيمان من حيث أنها كمالاتها ومتمماتها والموت بإزائها وإذا وصف بها البارىء أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة
(م) في الدعوات (عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن هذا من مفردات [ص:132] مسلم عن صاحبه وليس كذلك فقد رواه البخاري في التوحيد عن ابن عباس(2/131)
1503 - (اللهم لك الحمد كالذي نقول) بالنون أي كالذي نحمدك به من المحامد (وخيرا مما نقول) بالنون أي مما حمدت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (اللهم لك) لا لغيرك (صلاتي ونسكي) عبادتي أو ذبائحي في الحج والعمرة ونص عليه لأن ذبائح الجاهلية كانت بأسماء أصنامهم (ومحياي) حياتي (ومماتي) موتي أي لك ما فيها من سائر أعمالي والجمهور على فتح ياء محياي وسكون ياء مماتي ويجوز الفتح والإسكان فيهما (وإليك مآبي) أي منقلبي ومرجعي (ولك رب تراثي) بتاء ومثلثة ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وتاؤه بدل من واو فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا أنه ما يورث وأن ما يخلفه غيره لورثته يخلفه هو صدقة لله سبحانه وفي الخبر إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما نركناه فهو صدقة
(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) استعاذ منه لأنه أول منزل من منازل الآخرة فسأل الله أن لا يتلقاه في أول قدم يضعه في الآخرة في قبره عذاب ربه (ووسوسة الصدر) أي حديث النفس بما لا ينبغي وأضافها للصدر لأن الوسوسة في القلوب التي في الصدور (وشتات الأمر) أي تفرقته وتشعبه وفي الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وقال الزمخشري: تقول فرقهم البين المشتت وتفرقوا شتتا وأشتاتا
(اللهم إني أسألك من خير ما تجىء به الرياح وأعوذ بك من شر ما تجىء به الريح) سأل الله خير المجموعة لأنها للرحمة وتعوذ به من شر المفردة لأنها للعذاب على ما جاء به الأسلوب في كلام علام الغيوب قال الزمخشري: وعين الريح واو لقولهم أرواح ورويحة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلا من رياح ويصدقه مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب
(ت هب عن علي) أمير المؤمنين قال كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم إلى آخره قال أعني الترمذي وليس إسناده بقوي(2/132)
1504 - (اللهم عافني في جسدي) أي سلمني من المكاره فيه لئلا يشغلني شاغل أو يعوقني عائق عن كمال القيام بعبادتك (وعافني في بصري) كذلك (واجعله الوارث مني) بأن يلازمني حتى عند الموت لزوم الوارث لمورثه (لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين) أي الوصف بجميع صفات الكمال وسائر نعوت الجمال لله وحده على كل حال
(ت ك عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في الدعوات قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول فذكرته(2/132)
1505 - (اللهم اقسم لنا) أي اجعل لنا قسمة ونصيبا (من خشيتك) أي خوفك والخشية الخوف أو خوف مقترن بتعظيم (ما يحول) أي يحجب ويمنع (بيننا وبين معاصيك) لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من [ص:133] علامة الشقاء ومن ثم قالوا المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل والبدن والدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة بدليل خبر: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن اليقين) أي وارزقنا من اليقين بك وبأنه لا راد لقضائك وقدرك (ما يهون) أي يسهل (علينا مصائب الدنيا) بأن نعلم أن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة وأنك لا تفعل بالعبد شيئا إلا وفيه صلاحه (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) قال القاضي: الضمير في اجعل للمصدر اجعل الجعل والوارث هو المفعول الأول ومنا في محل المفعول الثاني بمعنى اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر والنار وغيرهما ذكره كله القاضي. قال الطيبي: فإن قلت بين لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا
(ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب قال:: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح(2/132)
1506 - (اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل بمقتضاه خالصا لوجهك (وعلمني ما ينفعني) لأرتقي منه إلى عمل زائد على ذلك [ص:134] (وزدني علما) مضافا إلى ما علمتنيه وهذه إشارة إلى طلب المزيد في السير والسلوك إلى أن يوصله إلى مخدع الوصال وبه ظهر أن العلم وسيلة للعمل وهما متلازمان ومن ثم قالوا: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} قال في الحكم: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذاك لقصور نظره. وقال الغزالي: لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها قال عمر رضي الله تعالى عنه: ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيها أربع نعم إذ لم تكن في ديني وإذ لم أحرم الرضا وإذ لم تكن أعظم وإذ رجوت الثواب عليها. وقال إمام الحرمين: شدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها لأنها نعم بالحقيقة بدليل أنها تعرض العبد لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة وأغراض كريمة تتلاشى في جنبها شدائد (وأعوذ بالله من حال أهل النار) في النار وغيرها. قال الطيبي: وما أحسن موقع الحمد في هذا المقام ومعنى المزيد فيه {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلى النار تلميحا إلى القطيعة والبعد وهذا الدعاء من جوامع الكلم التي لا مطمح وراءها
(ت) في الدعوات (هـ) في السنة والدعاء (ك) في الأدعية (عن أبي هريرة) وقال الترمذي غريب. قال المناوي: وفيه موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن الزهري وموسى ضعفه النسائي وغيره ومحمد بن ثابت لم يروه عنه غير موسى (هـ) قال الذهبي مجهول(2/133)
1507 - (اللهم اجعلني أعظم شكرك) أي وفقني لإكثاره لأكون قائما بما وجب علي من شكر نعمائك التي لا تحصى (وأكثر ذكرك) القلبي واللساني (وأتبع نصيحتك) بامتثال ما يقربني إلى رضاك ويبعدني عن غضبك (وأحفظ وصيتك) بالمداومة على فعل المأمورات وتجنب المنهيات أو المذكورة في قوله تعالى {ولقد وصينا اللذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم} الآية فإنها للأولين والآخرين وهي التقوى أو بالتسليم لله العظيم في جميع الأمور والرضا بالمقدور على ممر الدهور
(ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد من طريق أبي سعيد المدني قال الهيثمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/134)
1508 - (اللهم إني أسألك) أطلب منك (وأتوجه إليك بنبيك محمد) صرح باسمه مع ورود النهي عنه تواضعا لكون التعليم من جهته (نبي الرحمة) أي المبعوث رحمة للعالمين (يا محمد إني توجهت بك) أي استشفعت بك (إلى ربي) قال الطيبي: الباء في بك للاستعانة وقوله إني توجهت بك بعد قولك أتوجه إليك فيه معنى قوله تعالى {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (في حاجتي هذه لتقضى لي) أي ليقضيها ربي لي بشفاعته سأل الله أولا أن يأذن لنبيه أن يشفع له ثم أقبل على النبي ملتمسا شفاعته له ثم كر مقبلا على ربه أن يقبل شفاعته والباء في بنبيك للتعدية وفي بل للاستعانة وقوله (اللهم فشفعه في) أي اقبل شفاعته في حقي ولتقضى عطف على أتوجه إليك بنبيك أي اجعله شفيعا لي فشفعه وقوله اللهم معترضة وما ذكر من أن سياق الحديث هو هكذا هو ما في نسخ الكتاب ووجهه ظاهر وفي المشكاة كأصلها لتقضي لي حاجتي وعليه قال الطيبي: إن قلت ما معنى لي وفي؟ قلت معنى لي كما في قوله تعالى {رب اشرح لي صدري} أجمل أولا ثم فصل ليكون أوقع في النفس ومعنى في كما في قول الشاعر:. . . يجرح في عراقيبها نصلي. . . أي أوقع القضاء في حاجتي واجعلها مكانا له ونظير الحديث قوله تعالى {وأصلح لي في ذريتي} انتهى. قال ابن عبد السلام: ينبغي كون هذا مقصورا على [ص:135] النبي لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته وأن يكون مما خص به تنبيها على علو رتبته وسمو مرتبته. قال السبكي: ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف (1) ولا من الخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثله انتهى وفي الخصائص يجوز أن يقسم على الله وليس به ذلك لأحد ذكره ابن عبد السلام لكن روى القشيري عن معروف الكرخي أنه قال لتلامذته إذا كان لكم إلى الله حاجة فأقسموا عليه به فإني الواسطة بينكم وبينه الآن وذلك بحكم الوراثة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
(ت هـ ك عن عثمان بن حنيف) بمهملة ونون مصغر بن وهب الأنصاري الأوسي المدني شهد أحدا وما بعدها ومسح سواد العراق وقسط وولى البصرة لعلي وكان من الأشراف قال: إن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا الله أن يعافيني فقال إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت قال فادعه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) [أما بشأن قوله أنه لم ينكر التوسل أحدا من السلف فيكفي عليه دليلا رواية الترمذي وابن ماجه والحاكم لهذا الحديث وحكم الحاكم أنه صحيح على شرط البخاري ومسلم وتلقي الأمة له بالقبول والتطبيق مئات من السنين دون أي تردد في ذلك القبول
أما بشأن صحة إمكان استعمال هذا الدعاء على ممر الأجيال بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أجل وأصوب حكم حول ذلك الأمر (الذي هو من أمور العقيدة) بلا منازع على الإطلاق هو الصحابي عثمان بن حنيف نفسه حيث قد علمه أيضا لأحدهم أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه وقضيت حاجته وكان هذا سببا لرواية الحديث فليتنبه. ولا عبرة لكلام من خالف الصحابة في أمور العقيدة كانوا من كانوا وإن كان لهم في أمور أخرى إسهام وفضل كبيرين على الأمة الإسلامية كابن تيمية رحمه الله وتجاوز عنا وعنه أخطاءنا برحمته آمين. دار الحديث](2/134)
1509 - (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني) أي نطقي فإن أكثر الخطايا منه وهو الذي يورد المرء في المهالك وخص هذه الجوارح لما أنها مناط الشهوة ومثار اللذة (ومن شر قلبي) يعني نفسي والنفس مجمع الشهوات والمفاسد بحب الدنيا والرهبة من الخلق وخوف فوت الرزق والأمراض القلبية من نحو حسد وحقد وطلب رفعة وغير ذلك (ومن شر منيي) من شر شدة الغلمة وسطوة الشهوة إلى الجماع الذي إذا أفرط ربما أوقع في الزنا أو مقدماته لا محالة فهو حقيق بالاستعاذة من شره وخص هذه الأشياء بالاستعاذة لأنها أصل كل شر وقاعدته ومنبعه كما تقرر
(د) وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه كلام المصنف من تفرد ابن داود عن السنة (ك) كلهم (عن شكل) بشين معجمة وكاف مفتوحتين ابن حميد العبسي له صحبة ولم يرو عنه إلا ابنه. قال البغوي: ولا أعلم له غير هذا الحديث قال شكل قلت يا رسول الله علمني تعوذا أتعوذ به فأخذ بكفي فذكره قال الترمذي حسن غريب(2/135)
1510 - (اللهم عافني في بدني) من الأسقام والآلام (اللهم عافني في سمعي) أي القوة المودعة في الجارحة وإرادة الاستماع بعيدة (اللهم عافني في بصري) خصهما بالذكر بعد ذكر البدن لأن العين هي التي تنظر آيات الله المثبتة في الآفاق والسمع يعني الآيات المنزلة فهما جامعان لدرك الآيات العقلية والنقلية وإليه سر قوله في حديث آخر اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت) فلا يستعاذ من جميع المخاوف والشدائد إلا بك أنت والقصد باستعاذته من الكفر مع استحالته من المعصوم أن يقتدي به في أصل الدعاء وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه
(د ك عن أبي بكرة) ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة وقال أعني النسائي فيه جعفر بن ميمون ليس بقوي(2/135)
1511 - (اللهم إني أسألك عيشة) بكسر العين حياة (نقية) أي زكية راضية مرضية (وميتة) بكسر الميم وسكون التحتية وهي [ص:136] حالة الموت (سوية) بفتح فكسر مشددا أي معتدلة فلا أرد إلى أرذل العمر ولا أقاسي مشاق الهرم وفي الصحاح استوى اعتدل واستوى الرجل انتهى شبابه. وقال الزمخشري رحمه الله: تقول رزقك الله ولدا سويا لا داء به ولا عيب و {مكانا سوى} وسط بين الحديث (ومردا غير مخز) بضم الميم وبالزاي أي مرتجعا إلى الآخرة غير مخز بضم فسكون وفي رواية مخزي بإثبات الياء المشددة أي غير مذل ولا موقع في بلاء. قال الزمخشري: تقول ارتد هبته ارتجعها وخزي خزيا ومخزاه ذل (ولا فاضح) أي كاشف للمساوي والعيوب وفي الصحاح فضحه كشف مساويه. وقال الزمخشري: تقول إذا كان العذر واضحا كان العتاب فاضحا وهذا الدعاء قطعة من دعائه يومي العبد كما رواه الطبراني عن ابن مسعود
(البزار) في مسنده واللفظ له (طب ك) من حديث خلاد بن يزيد الجعفي عن شريك عن الأعمش عن مجاهد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي فقال: خلاد ثقة لكن شريك ليس بحجة انتهى. قال الهيثمي: إسناد الطبراني جيد(2/135)
1512 - (اللهم إن قلوبنا وجوارحنا بيدك) أي في تصرفك تقلبها كيف تشاء (لم تملكنا منها شيئا فإذا) وفي نسخ فإن بالنون (فعلت ذلك بهما فكن أنت وليهما) أي متوليا حفظهما وتصريفهما المتصرف فيهما في مرضاتك وإبعادهما عن مواقع سخطك ومهالك مخالفتك
(حل عن جابر)(2/136)
1513 - (اللهم اجعل لي في قلبي نورا) أي عظيما كما يفيده التنكير ويدل له خبر إذا سأل أحدكم ربه فليعظم المسألة (وفي لساني) يعني نطقي (نورا) استعارة للعلم والهداية فهو على وزان {فهو على نور من ربه} {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} (وفي بصري نورا) ليتحلى بأنوار المعارف وتتجلى له صفوف الحقائق فهو راجع إلى البيان والهداية {يهدي الله لنوره من يشاء} (وفي سمعي نورا) ليصير مظهرا لكل مسموع ومدركا لكل كمال لا مقطوع ولا ممنوع وخص القلب والسمع والبصر بنفي الظرفية لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعمائه ومكانها ومعدنها والبصر مسارح آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق والأنفس ومحلها والأسماع مراسي ألواح وحي الله ومحط آياته المنزلة على أوليائه (وعن يميني نورا وعن يساري نورا) خصهما بعن إيذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من اتباعه (ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن أمامي نورا ومن خلفي نورا) لأكون محفوفا بالنور من سائر الجهات فكأنه سأل أن يزج به في النور زجا لتتلاشى عنه الظلمات وتنكشف له المعلومات ويشاهد بكل جارحة منه بسائر المبصرات. وقال الأكمل: النور الذي عن يمينه هو المريد له والذي عن يساره نور الوقاية والذي خلفه الذي يسعى بين يديه اتباعه والذي فوقه تنزل روحي إلهي بعلم غريب لم يسبقه خبر ولا نظر يعطيه نظر وهو الذي يعطى من العلم بالله ما لا ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيماني نوراني (واجعل لي في نفسي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورا) أي أجزل من عطائك نورا عظيما لا يكتنه كنهه [ص:137] لأكون دائم السير والترقي في درجات المعارف فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره ولا يضل سبيله فالقصد طلب مزيد النور ليدوم السير ويتضاعف الترقي وقيل أراد نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي ذكرها وغيرها كأنوار الأسماء الإلهية وأنوار الأرواح وقال الطيبي رحمه الله معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن الظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان رأى أنه قد أحاطت به خطيئة ظلمات الحيلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من ميزان الشهوات من جوانبه ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض لم ير للتخليص منها مساغا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل مسافة تلك الظلمات إرشادا للأمة وتعليما لهم وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وضياء للحق وإلى مطالع هذه الأنوار قوله {الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء} وإلى أودية تلك الظلمات تلمح قوله {أو كظلمات في بحر لجي - إلى قوله - ظلمات بعضها فوق بعض} وقوله {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} اللهم إنا نعوذ بك من شر تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار
(حم ق عن ابن عباس)(2/136)
1514 - (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي الذي هو حافظ لجميع أموري فإن من فسد دسنه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي بإعطاء الكفاف فيما يحتاج غليه وكونه حلالا معينا على الطاعة (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ذكره ابن الأثير قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة صلاح الدنيا والدين والمعاد وهي أصول مكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها فاستقى في هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند غاياتها فإصلاح الدين بالتوفيق لإظهار خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لعرض النفس والبدن إلا بالتطهر منه واستعمال الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته لتقويتها وإصلاح المعاد بخوف الزجر والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناها وخوف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناها والمقصود بالزجر والنهي الردع عما يضر في المعاد إلا أن الردع على وجهين خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق البهائم وخطاب المعتل على التفهم ويسمى نهيا فكان الزجر يزيغ الطبع والنهي يزيغ العقل انتهى (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أي اجعل حياتي زيادة سبب طاعتي (واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي اجعل موتي سبب خلاصي من مشقة الدنيا والتخلص من غمومها وهمومها لحصول الراحة. قال الطيبي: وهذا الدعاء من جوامع الكلم
(م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(2/137)
1515 - (اللهم إني أسألك الهدى) أي الهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم والتقى الخوف من الله والحذر من مخالفته والعفاف الصيانة عن مطامع الدنيا والغنى غنى النفس والاستغناء عن الناس. قال الطيبي: أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهدى إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكلما يجب أن يتقى منه من شرك ومعصية وخلق ديني
(م ت هـ) كلهم في الدعوات (عن ابن مسعود) ولم يخرجه البخاري(2/137)
1516 - (اللهم استر عورتي) أي ما يسوؤني إظهاره (وآمن روعتي) خوفي وفزعي (واقض عني ديني) بأن تقدرني على وفائه والقضاء لغة على وجوه ترجع إلى انقضاء [ص:138] الشيء وتمامه
(طب عن خباب) بن الأرت الخزاعي التميمي من السابقين الأولين سبي في الجاهلية فبيع بمكة قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه(2/137)
1517 - (اللهم اجعل حبك) أي حبي لك (أحب الأشياء إلي) وذلك يستلزم الترقي في مدارج معرفة الحق ومطالعة كمال جماله فكلما ازدادت المعرفة تضاعفت الأحبية (واجعل خشيتك) خوفي منك المقترن بكمال التعظيم (أخوف الأشياء عندي) بأن تكشف لي من صفات الجمال ما يستلزم كمال الخوف (واقطع عني حاجات الدنيا) أي امنعها وادفعها (بالشوق إلى لقائك) أي بسبب حصول الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم الذي هو أرفع درحات النعيم وغاية الأماني لكل قلب سليم ومن منح الشوق انقطعت عنه حاجات الدنيا والآخرة وأولاهم بالله أشدهم له شوقا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم طويل الفكر دائم الأحزان فهل كان كذلك إلا من شدة شوقه إلى منزله وأقربهم قربا وأعلمهم به أشدهم حرقة في القلوب روي عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يخرج إلى طور سيناء فربما ضاق عليه الأمر في الطريق فشق (1) قميصه من شدة الشوق. قال حجة الإسلام: لو خلق فيك الشوق إلى لقائه والشهوة إلى معرفة جلاله لعلمت أنها أصدق وأقوى من شهوة الأكل والشرب وكذلك كل شيء بل وآثرت جنة المعرفة ورياضتها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة وهذه الشهوة خلقت للعارفين ولم تخلق لك كما خلق لك شهوة الجاه ولم تخلق للصبيان وإنما لهم شهوة اللعب وأنت تعجب من عكوفهم عليه وخلوهم عن لذة العلم والرياسة والعارف يعجب منك ومن عكوفك على لذة العلم والرياسة فإن الدنيا بحذافيرها عنده لهو ولعب فلما خلق للكل معرفة الشوق كان التذاذهم بالمعرفة بقدر شهوتهم ويتفاوتون في ذلك ولذلك سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم من المزيد ولا نسبة لتلك اللذة إلى لذة الشهوات الحسية شتان ولذلك كان العارف ابن أدهم يقول: لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم لقاتلونا عليه بالسيوف (وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم) أي فرحتهم بما أتيتهم منها. قال الزمخشري: من المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر بعيني أن أراك وهو في قرة من العيش في رغد وطيب (فأقر عيني من عبادتك) أي فرحني بها وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من كبده. قال الحليمي: هذا قاله تذللا وإشفاقا على نفسه من الطغيان والاشتغال بالمال عن طاعة الرحمن وهو معصوم من ذلك لكن الكل يغلب عليهم مقام الخوف
(حل عن الهيثم بن مالك الطائي) أي محمد الشامي الأعمى
_________
(1) هذا لا يتفق مع جلالة سيدنا موسى عليه السلام فتدبر(2/138)
1518 - (اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين) قالوا يا رسول الله وما الأعميان قال (السيل والبعير الصؤول) فعول من الصيول وهي الحملة والوثبة والعمى عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة قال ابن الأثير: سماها أعميين لما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره وأنهما إذا وقعا لا يتقيان موضعا ولا يتجنبان شيئا كالأعمى الذي لا يدري أين يسلك فهو يمشي حيث أدته رجله
(طب) من حديث عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه (عن) أمه (عائشة بنت القدامة) بن مظعون الجمحية قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي وهو ضعيف وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ضعيف يهولني كثرة ما يسند(2/138)
[ص:139] 1519 - (اللهم إني أسألك الصحة) أي العافية من الأمراض والعاهات والصحة ذهاب المرض كما في القاموس وهذه رواية الطبراني ورواية البزار العصمة بدل الصحة فما أوهمه المصنف من تطابقهما على اللفظ المزبور غير صواب (والعفة) عن المحرمات والمكروهات وما يخل بكمال المروءة (والأمانة) ضد الخيانة (وحسن الخلق) بضم اللام أي مع الخلق (والرضا بالقدر) أي مما قدرته علي في الأزل وهذا تعليم لأمته وتمرين للنفس على الرضا بالقضاء وذلك لأمرين: الأول أن يتفرغ العبد للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما مشغول القلب أبدا بأنه لم كان كذا ولماذا لا يكون كذا فإذا اشتغل القلب بشيء من هذه الهموم كيف يتفرغ للعبادة إذ ليس له إلا قلب واحد وقد امتلأ من الهموم وما كان وما يكون فأي محل فيه لذكر العبادة وفكر الآخرة ولقد صدق شقيق في قوله حسرة الأمور الماضية وتدبير الآتية ذهبت ببركة الساعات. الثاني خطر ما في السخط من مقت الله وغضبه مع أنه لا فائدة لذلك إذ القضاء نافذ ولا بد منه رضى العبد أم سخط
(البزار) في مسنده (طب عن ابن عمرو) وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف الحديث وبقية رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح(2/139)
1520 - (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء) أي القبح والفحش أو يوم المصيبة أو نزول البلاء أو يوم الغفلة بعد المعرفة (ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء) مفرد الصحابة بفتح الصاد ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا (ومن جار السوء في دار المقامة) زاد في رواية فإن جار البادية يتحول والمقامة بالضم الإقامة كما في الصحاح قال: وقد تكون بمعنى القيام لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح أو من أقام يقيم فمضموم وقوله تعالى {لا مقام لكم} أي لا موضع لكم وقرىء {لا مقام لكم} بالضم أي لا إقامة لكم انتهى وفي المصباح أقام بالموضع إقامة اتخذه موطنا
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي رجاله ثقات وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت وهو ثقة(2/139)
1521 - (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي بما يرضيك عما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبة فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله (وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق غيره (وأعوذ بك منك) أي برحمتك من عقوبتك فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذي سبب الأسباب الذي يستفاد به منها خلقا وكونا وهو الذي يعيذ منها ويدفع شرها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذي حرك الأنفس والأبدان وأعطاها قوى التأثير وهو الذي أوجدها وأعدها وأمدها وهو الذي يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها فتأمل ما تحت قوله أعوذ بك منك من محضر التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وتكميل التوكل عليه وإفراده بالاستعانة وغيرها (لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة نعمة واحدة من نعمك {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حق الثناء عليه تعالى (أنت كما أثنيت على نفسك) بقولك {فلله الحمد رب السماوات [ص:140] ورب الأرض رب العالمين} وغير ذلك مما حمدت به نفسك به وهذا اعتراف بالعجز عن التفصيل وأنه غير مقدور فوكله إليه سبحانه وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه إذ الثناء تابع للمثنى عليه فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أجل ذكره القاضي. وقال الغزالي: وقوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك صفتان مبنيتان على مشاهدة الأفعال ومصادرها منه تعالى فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله بفعله من فعله ثم رأى ذلك نقصا في التوحيد فاقترب ودنا عن مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال أعوذ منك وهذا إقرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة بل رأى نفسه فارا منه إليه ففني عن مشاهدة نفسه ثم اقترب فقال أنت إلى آخره فقوله لا أحصي خبر عن فناء نفسه وخروجه عن مشاهدته وقوله أنت كما أثنيت إلى آخره بيان لكونه هو المثني والمثنى عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود وكل شيء هالك إلا وجهه فكان أول مقامه نهاية مقام الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله
(م 4) ولم يخرجه البخاري (عن عائشة) قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول ذلك(2/139)
1522 - (اللهم لك الحمد شكرا) على نعمائك التي لا تتناهى (ولك المن فضلا) أي زيادة وهذا قاله حين بعث بعثا من الأنصار وقال إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله علي في ذلك شكرا فلم يلبثوا أن جاؤوا وغنموا وسلموا فقيل له سمعناك تقول إن سلمهم الله وغنمهم فلله علي شكر قال قد فعلت قلت اللهم لك الحمد إلى آخره. فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك وشكره عليه ليس من حيث حصول الغنيمة التي هي نعمة ولا من حيث الإنعام بل من حيث المنعم وعنايته به وإقداره على التوصل إلى القرب وهذا كان حال المصطفى لا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله وتصده عن سبيله لأنه لا يريد النعمة لكونها لذيذة ملائمة بل من حيث إعانتها على الآخرة ولذلك قال الشبلي: الشكر رؤية المنعم له النعمة والقلب لا يلتذ حال الصحة إلا بذكر الله ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يجد المريض الحلو مرا والعمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم يتعلق بالقلب بأن يضمر الخير لكافة الخلق وباللسان بأن يظهر الشكر بالتحميد والجوارح باستعمال نعم الله في طاعته
(طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة وسكون الجيم الأنصاري المدني. قال الهيثمي: فيه سليمان بن سالم المدني وهو ضعيف وذكره في محل آخر وقال فيه عبد الله بن شبيب متهم ذو مناكير(2/140)
1523 - (اللهم إني أسألك التوفيق) الذي هو خلق قدرة الطاعة (لمحابك) بالتشديد أي ما تحبه وترضاه (من الأعمال) الصالحة لأترقى في الأفضل فالأفضل منها وتروم إلى المراقبة والإقبال قال بعض العارفين: من أقبل على الله ألف سنة وعقل عنه سنة كان ما فاته أكثر مما ناله لأن من حصل له الوصول نال غاية المقصود فلم يفته شيء ومن فاته المقصود المعبود فاته كل شيء (وصدق التوكل عليك) أي إخلاصه ومطابقته للواقع من الأعمال (وحسن الظن بك) أي يقينا جازما يكون سببا لحسن الظن بك لقوله أنا عند ظن عبدي بي انظر إلى هذه الثلاث المسؤولة كيف يشبه بعضها بعضا فكأنه نظام واحد سأله التوفيق لمحابه ومحابه في الغيب لا تدري فربما كان محابه في شيء هو الظاهر دون غيره فإذا استقبل النفس به واحتاج إلى إيثاره على ما هو في الظاهر أعلا تردد في النفس سؤاله وصدق التوكل والتوكل هو التفويض إليه واتخاذه وكيلا في سائر أموره فسأله صدق ذلك وصدقه أنه إذا استقبلك أمر هو عندك أدون فوفقك لهذا الأدون وهو مختاره أن لا تتردد فيه وتمر فيه مسرعا ثم قال أسألك حسن الظن بك فإن النفس إذا دخلت في الأدون دخل سوء الظن من قبلها تقول لعلي مخذول فيها فسأله حسن الظن حتى لا تأخذه الحيرة من ربه فيخاف الخذلان
(حل) عن محمد بن نصر الحارثي من حديث حسين [ص:141] الجعفي عن يحيى بن عمر (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تابعي ثقة جليل (مرسلا) ثم قال لم يروه عن الأوزاعي فيما أعلم إلا محمد بن النضر ولا عنه إلا يحيى تفرد به الحسن (الحكيم عن أبي هريرة) قال أعني الحكيم وهذا باب غامض يخفى على الصادقين وإنما ينكشف للصديقين انتهى وفيه عمر بن عمرو وفيه كلام(2/140)
1524 - (اللهم افتح مسامع قلبي) أي آذانه جمع مسمع كمنبر الأذن كما في الصحاح (لذكرك) ليدرك لذة ما نطق به كل لسان ذاكر وأن كل قلب لم يدرك لذة الذكر فهو كالميت بل الميت خير منه. كان رجل في بني إسرائيل أقبل على الله ثم أعرض عنه فقال يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني فأوحى إلى نبي ذلك الزمان قل لفلان كم عاقبتك ولم تشعر ألم أسلبك حلاوة ذكري ولذة مناجاتي (وارزقني طاعتك) أي كمال لزوم أوامرك (وطاعة رسولك) النبي الأمي الذي أوجبت علينا طاعته وألزمتنا متابعته (وعملا بكتابك) القرآن أي العمل بما فيه من الأحكام فإن من وفق لفهم أسراره وصرف إليه عنايته اكتفى به عن غيره ودله على كل خير وحذره من كل شر وهو الكفيل بذلك على أتم الوجوه وفيه أسباب الخير والشر مفصلة مبينة {ما فرطنا في الكتاب من شيء}
(طس) من حديث الحارث الأعور (عن علي) أمير المؤمنين قال الحارث دخلت على علي بعد العشاء فقال ما جاء بك الساعة قلت إني أحبك قال الله آلله قلت نعم والله قال ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم افتح إلى آخره قال الهيثمي الحارث ضعيف(2/141)
1525 - (اللهم إني أسألك صحة في إيمان) يعني في بدني مع تمكن التصديق من قلبي ويحتمل أن معناه أسألك صحة إيماني أي قوة إيقاني (وإيمانا في حسن خلق) بالضم أي وأسألك إيمانا يصحبه حسن خلق (ونجاحا) أي حصولا للمطلوب (يتبعه فلاح) أي فوز ببغية الدنيا والآخرة (ورحمة منك وعافية) من البلايا والمصائب (ومغفرة منك) أي سترا للعيوب (ورضوانا) منك يعني فإنه مناط الفوز بخير الدارين قال الحرالي: وهو بكسر الراء وضمها اسم مبالغة في معنى الرضا
(طس ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان الخير فقال إن رسول الله يريد أن يمنحك كلمات تسألهن الرحمن ترغب إليه فيهن وتدعو بهن في الليل والنهار قل اللهم إلى آخره قال الهيثمي رجاله ثقات(2/141)
1526 - (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك) فإنها سبب كل خير وسعادة في الدارين وقد أثنى الله في التنزيل على المتقين {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} ووعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء بقوله {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وبالنصر والتأييد بقوله {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وقوله {والله مع المتقين} ولا سعادة أعظم من هذه المعية (ولا تشقني بمعصيتك) قاله مع كونه معصوما اعترافا بالعجز وخضوعا لله وتواضعا لعزته وتعليما لأمته (وخر لي في قضائك) فإنك لا تفعل بي إلا ما هو الأوفق والأصلح لي أي اجعل لي خير الأمرين فيه. قال الزمخشري: تقول استخرت الله في كذا فخار لي أي طلبت منه خير الأمرين فاختاره لي (وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت) فإن الخير كله في الرضا والتسليم. قال العارف الشاذلي: [ص:142] ترددت هل ألزم القفار للطاعة والأذكار أو أرجع إلى الديار لصحبة الأخيار فوصف لي شيخ برأس جبل فوصلت لغاره ليلا فبت ببابه فسمعته يقول اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك ففعلت فرضوا وأنا أسألك عني اعوجاج الخلق حتى لا يكون لي ملجأ إلا أنت فقلت يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ فأصبحت فدخلت عليه فأرهبت من هيبته فقلت كيف حالكم فقال إني أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو من حر التدبير والاختيار فقلت أما شكواي من حرهما فذقته وأما شكواي من بردهما فلماذا قال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى قلت سمعتك الليلة تقول كذا فتبسم وقال عوض ما تقول سخر لي خلقك قل كن لي تراه إذا كان لك لا يفوتك شيء فما هذه الجبانة (واجعل غناي في نفسي) فإن الغنى بالحقيقة إنما هو غنى النفس لا المال (وأمتعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بحديث هذان السمع والبصر ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني) ظفرني (على من ظلمني) تعدى وبغى علي (وأرني فيه ثأري) أشار به إلى قوة المخالفين وحث على تصحيح الالتجاء وصدق الرغبة هذا عصارة ما قرره محققوا أهل الظاهر وقال بعض الصوفية: المتعة بالبصر استعماله فيما له ركب في العين فإنه تعالى جعله في الجسد بمكان عال ومحل رفيع ألا ترى أنه جاء في حديث إن العبد يؤخذ منه يوم القيامة بنعمة البصر فيستفرغ حسناته وتبقى سائر النعم عليه مع السعة ومن رفيع درجة البصر إلى جميع الجوارح أنه ينظر إلى الله في داره يوم الزيادة وبه ينظر إلى الغير في الدنيا فالعين قالب البصر والبصر من نور الروح والروح مسكنه الدماغ ثم بث في جميع البدن بشرا وشعرا فالروح نور والعقل نور والمعرفة نور ولكل نور بصر وبصر القلب متصل ببصر الروح ولطاقة الروح ما دق منه وصفاه وهو في العين وإذا نظر ناظر إلى حدقة عين أبصر تلك اللطافة والرقة في الحدقة في ذلك السواد فتلك لطافة الروح فالإمتاع بالبصر أن يرى عجائب صنع الله في تدبيره في الدارين ويرى كل شيء كما خلقه الله فسأله الإمتاع بسمعه
وبصره ليتقرب إلى الله بما ينظره ويسمعه وسأله أن يجعلهما الوارث منه معناه أن يختم له بالنبوة والتوحيد وأن لا يسلبه ذلك (وأقر بذلك عيني) أي فرحني بالانتقام منه
(طس عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بهذا الدعاء. قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك وهو متروك(2/141)
1527 - (اللهم الطف) ارفق (بي في تيسير كل عسير) أي تسهيل كل صعب شديد (فإن تيسير كل عسير عليك يسير) فإنك خالق الكل ومقدر الجميع (وأسألك اليسر) أي سهولة الأمور وحسن انقيادها (والمعافاة في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: المعافاة أن يعفو الرجل عن الناس وأن يعفوا هم عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وقيل يغنيهم عنك ويغنيك عنهم ويصرف أذاهم عنك وعكسه
(طس عن أبي هريرة) قال لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة شيعه وزوده هذه الكلمات. قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم انتهى وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن وقال إسناده مظلم(2/142)
1528 - (اللهم اعف عني) أي امح ذنوبي (فإنك عفو كريم) أي فإنك ذو فضل وذو كرم تحب الإفضال والإنعام والعفو [ص:143] الفضل ومنه {قل العفو} أي الفضل وما لا يجهد المنفق إنفاقه أصله من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه ومنه {حتى عفوا} أي كثروا
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني دعاء أصيب به خيرا فقال ادن فدنا حتى كادت ركبته تمس ركبته فقال قل اللهم إلى آخره. قال الهيثمي: فيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك(2/142)
1529 - (اللهم طهر قلبي من النفاق) أي من إظهار خلاف ما في الباطن وهذا قاله تعليما لغيره كيف يدعو (وعملي من الرياء) بمثناة تحتية أي حب إطلاع الناس على عملي (ولساني من الكذب) ونحوه من الغيبة والنميمة زاد في الإحياء وفرجي من الزنا (وعيني) بالتثنية والإفراد (من الخيانة) أي النظر إلى ما لا يجوز (فإنك تعلم خائنة الأعين) مصدر بمعنى الخيانة أي الرمز بها أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر إلى ما نهى عنه أو تقديره الأعين الخائنة على التقديم (وما تخفي الصدور) أي الوسوسة أو ما تضمر من أمانة أو خيانة وهذا قاله المصطفى مع أن ذاته الشريفة جبلت على الطهارة ابتداء ونزعت من قلبه علقة الشيطان وأعين على شيطانه فأسلم تشريفا من قبيل قوله {وثيابك فطهر} وكانت ثيابه طاهرة على كل تأويل لكن هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية وهو عليه الصلاة والسلام المشرع المربي فعمل على ما تقتضيه البشرية <تنبيه> في هذا الخبر إيماء إلى الحث على تطهير القلوب التي هي محل نظر الحق. قال القونوي: وطهارة باطن الإنسان أعني قلبه بسبب قلة التعشقات والتعلقات أو ذهابها ما خلا تعلقه بالحق وبسبب قلة خواص الكثرة والصفات الإمكانية سيما أحكام مكانات الوسائط والسلامة من ضرب الأحكام والخواص المنبه عليها من قبل والمودعة في الأشياء المذكورة وكدورة القلب والحرمان والحجب ونحوها تكون بالصفة المقابلة لهذه ولكثرة الأحكام الإمكانية وخواص إمكانات الوسائط وكثرة التعلقات والانصباغ بالخواص والأحكام المضرة المودعة في الأشياء التي هي مظاهر النجاسة المعنوية وكما أن طهارة القلوب مما ذكر توجب مزيد الرزق المعنوي فكذا الطهارة الظاهرة الصورية توجب مزيد الرزق الحسي ومن جمع بين الطهارتين فاز بالرزقين (الحكيم) في النوادر
(خط) كلاهما (عن أم معبد) بنت خالد (الخزاعية) الكعبية عاتكة التي نزل عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال الحافظ العراقي سنده ضعيف(2/143)
1530 - (اللهم ارزقني عينين هطالتين) أي بكايتين ذرافتين بالدموع وقد هطل المطر يهطل إذا تتابع (يشفيان) أي يداويان (اللهم ارزقني بذروف الدموع) أي يسيلان الدموع وفي الصحاح ذرف الدمع إذا سال وذرفت عينه سال دمعها. وقال الزمخشري: سالت مذارف عينه أي مدامعها وسمعت من يقول رأيت دمعه يتذارف انتهى (من خشيتك) من شدة خوفك (قبل أن تكون الدموع دما) من هول الموقف وما بعده (والأضراس) جمع ضرس وهو السن وهو مذكر ما دام له هذا الاسم لأن الأسنان كلها إناث الأضراس فإن قيل فيه سن فهو مؤنث (جمرا) من شدة العذاب يوم المآب وهذا إنما يكون محض تعليم للأمة وأما هو فأعظم الآمنين الفرحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الكبير وفي الدعاء وأبو نعيم في الحلية قال الحافظ العراقي وإسناده حسن(2/143)
[ص:144] 1531 - (اللهم عافني في قدرتك) أي بقدرتك أو فيما قضيت لي به وقدرت (وأدخلني في جنتك) أي ابتداء من غير سبق عذاب وفي نسخ بدل جنتك رحمتك (واقض أجلي في طاعتك) أي اجعل انقضاء أجلي حال كوني ملازما على طاعتك (واختم لي بخير عملي) فإن الأعمال بخواتيمها (واجعل ثوابه الجنة) يعني رفع الدرجات فيها وإلا فالدخول بالرحمة لا بالعمل كما قال: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وفيه أن طلب الجنة لا ينافي الكمال
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين(2/144)
1532 - (اللهم أغنني بالعلم) أي علم طريق الآخرة إذ ليس الغنى إلا فيه وهو القطب وعليه المدار فإن العلم والعبادة جوهران لأجلهما كان كل ما ترى وتسمع من تصنيف المصنفين وتعليم المعلمين ووعظ الواعظين ونظر الناظرين بل لأجلهما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العلم سيما علم معرفة الله والعلم أشرف الجوهرين وأفضلهما فمن أوتي العلم فهو الغني بالحقيقة وإن كان فقيرا من المال ومن حرم العلم سيما علم المعرفة والتوحيد فهو الفقير بالحقيقة وإن كان غنيا بالمال ولهذا قال:
من عرف الله فلم تغنه. . . معرفة الله فذاك الشقي
(وزيني بالحلم) أي اجعله زينة لي فإنه لا زينة كزينته (وأكرمني بالتقوى) لأكون من أكرم الناس عليك {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (وجملني بالعافية) فإنه لا جمال كجمالها وخص سؤال الأكرم بالتقوى لأنه أساس كل خير وعماد كل فلاح وسبب لسعادة الدنيا والعقبى ولقد صدق القائل:
من أتقى الله فذاك الذي. . . سبق له المتجر الرابح
وقال عفي عنه:
ما يصنع العبد بغير التقى. . . والعز كل العز للمتقي
وهب أن الإنسان تعب جميع عمره وجاهد وكابد أليس الشأن كله في القبول {إنما يتقبل الله من المتقين} فمرجع الأمر كله للتقوى
(ابن النجار) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه الإمام الرافعي أيضا(2/144)
1533 - (اللهم إني أسألك من فضلك) أي سعة جودك (ورحمتك) التي وسعت كل شيء (فإنه لا يملكهما إلا أنت) أي لا يملك الفضل والرحمة غيرك فإنك مقدرهما ومرسلهما فلا يطلبان إلا منك
(طس عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو نعيم في الحلية قال ابن مسعود أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد فقال اللهم إني أسألك إلى آخره فأهديت له شاة مصلية فقال هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة انتهى. قال أبو نعيم غريب من حديث مسعر وزبيد تفرد به زياد البرجمي(2/144)
1534 - (اللهم حجة) أي أسألك حجة مبرورة وساقه في الإصابة بلفظ اللهم اجعلها حجة (لا رياء فيها ولا سمعة) بل تكون خالصة لوجهك الكريم مقاربة إلى حضرة مجدك العظيم وفيه إبانة لعظيم فضل الحج ورفيع شرفه وذم للرياء وتقبيح للسمعة وإنما هي في غاية الشناعة كيف وهما محبطان للعمل موقعان في الخطل والزلل
(هـ عن أنس) قال حج [ص:145] النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي أربع دراهم أو لا تساوي ثم قال فذكره وذلك لشدة تواضعه(2/144)
1535 - (اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر) أي إنسان يظهر المحبة والوداد وهو في باطن الأمر محتال مخادع وفي الصحاح المكر الاحتيال والخداع (عيناه ترياني) أي ينظر إلي بهما نظر الخليل لخليله خداعا ومداهنة (وقلبه يرعاني) أي يراعي إيذائي وهو له بالمرصاد (إن رأى حسنة) أي علم مني بفعل حسنة فعلتها (دفنها) أي سترها وغطاها كما يدفن الميت (وإن رأى سيئة) أي علم مني بفعل سيئة زللت بها (أذاعها) نشرها وأظهر خبرها بين الناس قيل أراد الأخنس بن شريق - كان حلو المنطق - إذا لقي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ألان له القول وادعى محبته وقال يعلم الله أني صادق وقيل عامة في المنافقين كانت تحلو له ألسنتهم وقلوبهم أمر من الصبر وقد أخذ قعنب الشاعر معنى هذا الحديث فنظمه في قصيدة فقال:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا. . . مني وإن سمعوا من صالح دفنوا
قال الماوردي: وليس من كان هذا حاله من الخلان بالحقيقة بل هو من الأعداء المحذورين وإنما يداجي بالمودة استكفافا لشره وتحرزا من مكاشفته فأدخله في عداد الخلاف بالمظاهرة والمساترة وفي الأعداء عند المكاشفة والمجاهرة وقد قال الحكماء: مثل العدو الضاحك إليك كالحنظلة الخضرة أوراقها القاتل مذاقها وفي حكم الفرس لا تغترن بمقاربة العدو فإنه كالماء وإن أطيل إسخانه بالنار لم يمنع من إطفائها
(ابن النجار) في تاريخه (عن سعيد) ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بميم مفتوحة وقاف ساكنة ثم باء موحدة مثلثة سمي به لأنه كان يسكن المقابر أو ينزل بنواحيها (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وعائشة وقال أحمد لا بأس به(2/145)
1536 - (اللهم اغفر لي ذنوبي) جمع ذنب والذنب ما له تبعة دنيوية أو أخروية مأخوذ من الذنب ولما كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاتبا يترك ما هو الأولى تأكيدا لعصمته أطلق عليه اسم الذنب (وخطاياي) أي استرها وقضية العطف أن الخطايا غير الذنوب (كلها) أي صغيرها وكبيرها (اللهم انعشني) أي ارفعني وقو جأشي وفي الصحاح نعشه الله رفعه وبابه قطع ولا يقال أنعشه. قال الزمخشري: من المجاز نعشه فانتعش إذا تداركه من ورطة وانتعش نعشك الله ونعشني نعشه كريم والكريم ينعش الناس قال ومن المجاز مول لبيد:
ومنى على السباق لفظ ونعمة. . . كما نعش الدكداك صوت البوارق
(واجبرني) أي سد مفاقري قال في الصحاح الجبر أن تغني الرجل من فقر أو تصلح عظمه من كسر وجبر الله فلانا سد مفاقره وجبر مصيبته رد عليه ما ذهب منه أو عوضه (واهدني لصالح الأعمال) أي للأعمال الصالحة (والأخلاق) جمع خلق بالضم وهو الطبع والسجية وجمعه باعتبار مخالقته الناس ومجاملتهم كما أشار إليه خبر وخالق الناس بخلق حسن (فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها) عني (إلا أنت) لأنك المقدر للخير والشر فلا يطلب جلب الخير إلا منك ولا دفع الشر إلا منك وحدك وفيه حذف تقديره واصرف عني سيء الأعمال فإنه لا يهدي إلخ
(طب عن أبي أمامة) قال: ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سمعته يقول ذلك قال الهيثمي ورجاله وثقوا(2/145)
[ص:146] 1537 - (اللهم بعلمك الغيب) الباء للاستعطاف والتذلل أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك مما استأثرت به (وقدرتك على الخلق) أي جميع المخلوقات من إنس وجن وملك وغيرها (أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي) عبر بما في الحياة لاتصافه بالحياة حالا وبإذا الشرطية في الوفاة لانعدامها حال التمني أي إذا آل الحال أن تكون الوفاة بهذا الوصف فتوفني (اللهم وأسألك خشيتك) عطف على محذوف واللهم معترضة (في الغيب والشهادة) أي في السر والعلانية أو المشهد والمغيب فإن خشية الله رأس كل خير والشأن في الخشية في الغيب لمدحه تعالى من يخافه بالغيب (وأسألك كلمة الإخلاص) أي النطق بالحق (في الرضا والغضب) أي في حالتي رضا الخلق مني وغضبهم علي فيما أقوله فلا أداهن ولا أنافق أو في حالتي رضاي وغضبي بحيث لا تلجئني شدة الغضب إلا النطق بخلاف الحق ككثير من الناس إذا اشتد غضبه أخرجه من الحق إلى الباطل (وأسألك القصد) أي التوسط (في الغنى والفقر) وهو الذي ليس معه إسراف ولا تقصير فإن الغنى يبسط اليد ويطفىء النفس والفقر يكاد أن يكون كفرا فالتوسط هو المحبوب المطلوب (وأسألك نعيما لا ينفد) أي لا ينقضي وذلك ليس إلا نعيم الآخرة (وأسألك قرة عين) بكثرة النسل المستمر بعدي أو بالمحافظة على الصلاة لقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة (لا تنقطع) بل تستمر ما بقيت الدنيا وقيل أراد قرة عينه أي بدوام ذكره وكمال محبته والأنس به. قال بعضهم: من قرت عينه بالله قرت به كل عين (وأسألك الرضا بالقضاء) أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خير فلي فيه خير. قال العارف الشاذلي: البلاء كله مجموع في ثلاث خوف الخلق وهم الرزق والرضا عن النفس والعافية والخير مجموع في ثلاث الثقة بالله في كل شيء والرضا عن الله في كل شيء واتقاء شرور الناس ما أمكن (وأسألك برد العيش بعد الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والنكد والكدر ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة (وأسألك لذة النظر إلى وجهك) أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد النظر باللذة لأن النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذانا بأن المسؤول هذا (والشوق إلى لقائك) قال ابن القيم: جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال (في غير ضراء مضرة) قال الطيبي: متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك. سأل شوقا إليه في الدنيا بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما قال:
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا. . . تقولين لولا الهجر لم يطب الحب
وإن قلت كربي دائم قلت إنما. . . يعد محبا من يدوم له كرب
ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يصبر عليه (ولا فتنة مضلة) أي موقعة [ص:147] في الحيرة مفضية إلى الهلاك. وقال القونوي: الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود (اللهم زينا بزينة الإيمان) وهي زينة الباطن ولا معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدرا وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالما بالحق متبعا له معلما لغيره قال (واجعلنا هداة مهتدين) وصف الهداة بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح كونه هاديا لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح
(ن ك) وأحمد (عن عمار بن ياسر) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به(2/146)
1538 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار) جهنم (ومن عذاب القبر) قال عياض: تخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شيء من إضافة العظيم له دون ما قد يحتقر عند الدعاء مبالغة في التعظيم ودليلا على القدرة والملك وأشباهه كثير. وقال القرطبي: خصهم لانتظام هذا الوجود بهم
(ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد والبيهقي(2/147)
1539 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) ثقله وشدته وذلك حيث لا قدرة على وفائه سيما مع الطلب وفي خبر أو أثر: ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود (وغلبة العدو) من يفرح بمصيبته ويحزن بمسرته وقد يكون من الجانيين أو من أحدهما (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية تنزل بعد وهم كما قال تعالى حكاية عن هارون {ولا تشمت بي الأعداء} وختم بهذه الكلمة البديعة لكونها جامعة متضمنة لسؤال الحفظ عم جميع المعاصي <تنبيه> قال بعضهم: العداوة مأخوذة من عدا فلان عن طريق فلان أي جاوزه ولم يوافقه فيما يحب. قالوا: وأصل ذلك أن الخلق يوم أخذ الميثاق كانوا على صفات فمن كان وجها لوجه فمحال أن تقع بينهما عداوة ومن كان ظهرا لظهر فمحال أن تقع بينهما صداقة ومن كان وجها لظهر فصاحب الوجه محب وصاحب الظهر مبغض ومن كان جنبا لجنب أو بازورار فبحسب ذلك ومن شهد ذلك أقام للناس المعاذير وإن كانوا مذمومين بعداوتهم شرعا. قال البرهان: لكن من شأن الكمل إثبات الخلق مع الحق (تنبيه آخر) قال بعض الكاملين إنما حسن الدعاء بدفع شماتة الأعداء لأن من له صيت عند الناس وتأمل وجد نفسه بينهم كبهلوان يمشي على حبل عال بقبقاب وجميع الأقران والحساد واقفون ينتظرون متى يزلق فيشمتون به ومن أشق ما على الزالق أن يغلب عليه رعاية مقامه عند الخلق فإنه يذوب قهرا بخلاف من يراعي الحق فإن الأذى يخف عليه ولو أظهروا كلهم الشماتة فلذلك خف على العارف أمر شماتة عدوه وثقل على المحجوب وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك خوفا على اتباعه من التفرقة وقلة انتفاع المؤلفة إذ قل تعظيمه لا لكونه يتأثر مراعاة لحظ نفسه لعصمته من ذلك
(ت ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أحمد والطبراني أيضا(2/147)
1540 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو) أي تسلطه (ومن بوار الأيم) أي كسادها والأيم من لا زوج لها بكرا أو ثيبا مطلقة أو متوفى عنها وبوارها أن لا يرغب فيها أحد. وفي المصباح بار الشيء هلك وبار كسد على الاستعارة لأنه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك وقال الزمخشري: بارت البيعات كسدت وسوق بائرة وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها (ومن فتنة المسيح الدجال) التي لا فتنة أكبر منها ولا بلاء أبشع منها
(قط في الأفراد [ص:148] طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عباد بن زكريا ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/147)
1541 - (اللهم إني أعوذ بك من التردي) السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر والتردي تفعل من الردى وهو الهلاك (والهدم) بسكون الدال أي سقوط البناء ووقوعه على الشيء. قال القاضي: وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه وفي النهاية الهدم محركا البناء المهدوم وبالسكون الفعل (والغرق) بكسر الراء كفرح الموت بالغرق وقيل بفتح الراء (والحرق) بفتح الحاء والراء الإلتهاب بالنار استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي ذكره القاضي. وقال الطيبي: استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة وكان الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمني كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها ولو سعى فيها عصى (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها الأقدام وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة قبله أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله وهذا تعليم للأمة فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال سائر الأنبياء على هذا المنوال. قال القاضي: تخبيط الشيطان مجاز عن إضلاله وتسويله (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا) عن الحق أو عن قتال الكفار حيث حرم الفرار وهذا تعليم للأمة (وأعوذ بك أن أموت لديغا) فعيل بمعنى مفعول واللدغ بدال مهملة وغين معجمة يستعمل في ذوات السم كحية وعقرب وبعين مهملة وذال معجمة يستعمل في الإحراق بنار كالكي وأما اللدع بمهملتين واللذغ بمعجمتين فما خلا عن ذكره زبر اللغة المتداولة كالصحاح واللسان والقاموس والأساس والمصباح
(ن ك عن أبي اليسر) بمثناة تحتية وبسين مهملة مفتوحة وراء واسمه كعب بن عمر أسلم يوم الفتح وقتل يوم اليمامة سبعة منهم محكم اليمامة ورواه عنه أيضا أبو داود في الصلاة فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد النسائي به عن الستة غير صحيح(2/148)
1542 - (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) قال البيضاوي: وجه الله مجاز عن ذاته عز وجل تقول العرب أكرم الله وجهك بمعنى أكرمك والكريم الشريف النافع الذي لا ينفد عطاؤه (واسمك العظيم) أي الأعظم من كل شيء (من الكفر) بسائر أنواعه (والفقر) فقر المال أو فقر النفس على ما سبق وذا تعليم لأمته. قيل: وهذا يعارض لا يسأل بوجه الله إلا الجنة. وأجيب: بأن الاستعاذة من الكفر سؤال الجنة
(طب في السنة) أي في كتاب السنة له (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق شقيق عائشة حضر بدرا مع الكفار ثم أسلم وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم تأخر إسلامه إلى قبيل الفتح وقال الهيثمي فيه من لم أعرفهم(2/148)
1543 - (اللهم لا يدركني زمان) أي أسألك أن لا يدركني زمان أي لا يلحقني [ص:149] ولا يصل إلي زمان أي عصر أو وقت (ولا تدركوا زمانا) يعني وأسأل الله أن لا تدركوا زمانا (لا يتبع فيه العليم) أي لا ينقاد له أهل ذلك الزمان ويتبعونه فيما يقول إنه الشرع (ولا يستحي فيه من الحليم) باللام أي العاقل المتثبت في الأمور (قلوبهم) يعني قلوب أهل ذلك الزمان (قلوب الأعاجم) أي قلوبهم بعيدة من الخلاق مملوءة من الرياء والنفاق (وألسنتهم ألسنة العرب) متشدقون متفصحون متفيهقون يتلونون في المذاهب ويروغون كالثعالب قال الأحنف: لأن ابتلى بألف جموح لجوج أحب إلي من ابتلى بمتلون والمعنى اللهم لا تحييني ولا أصحابي إلى زمن يكون فيه ذلك
(حم عن سهل بن سعد) الساعدي (ك عن أبي هريرة) قال الزين العراقي: سنده ضعيف وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(2/148)
1544 - (اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون) أي يجيئون (من بعدي) قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء وإن كان مصلحا في حضوره ذكره الحرالي ثم بين مراده بخلفائه بقوله الذين (يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس) فهم خلفاؤه على الحقيقة وبين بهذا أنه ليس مراده هنا الخلافة التي هي الإمامة العظمى وهذه منقبة لأهل الحديث العالمين العاملين أعظم بها من منقبة والأحاديث جمع حديث وتقدم أنه في عرف الشرع ما يضاف إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا والسنن جمع سنة وهي الطريقة والمراد بها في عرف الشرع الطريقة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحراها فهما إلى الترادف أقرب وقد يقال أراد بها هنا الطريقة المسلوكة في الدين وإن كان من كلام التابعين فمن بعدهم من المجتهدين فيدخل فيه الفقهاء
(طس عن علي) أمير المؤمنين ثم قال مخرجه الطبراني تفرد به أحمد بن عيسى أبو طاهر العلوي الهاشمي قال الزين العراقي وأحمد هذا قال الدارقطني كذاب انتهى وفي الميزان هذا حديث باطل وأحمد كذاب انتهى فكان ينبغي حذفه من الكتاب(2/149)
1545 - (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء) أي الامتحان بهن والابتلاء بمحبتهن وإنما يستعاذ من فتنتهن لأنها أضر الفتن وأعظم المحن وسيجيء في الكتاب حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء (وأعوذ بك من عذاب القبر) هذا تعليم للأمة
(الخرائطي في) كتابه (اعتلال القلوب عن سعد) بن أبي وقاص(2/149)
1546 - (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة) بكسر القاف قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر على الإقلال وتسلط الشيطان بذكر تنعم الأغنياء أو المراد القلة في أبواب البر وخصال الخير أو قلة العدد والمدد أو الكل (وأعوذ بك من أن أظلم (1)) بالبناء للفاعل أي أجور أو أعتدي أو أظلم بالبناء للمفعول والظلم وضع الشيء بغير محله وفي المثل من استرعى الذئب ظلم وفيه ندب الاستعاذة من الظلمة (2)
(د ن هـ ك عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود [ص:150] ولم يعترضه المنذري
_________
(1) أي أحدا من المسلمين والمعاهدين ويدخل فيه ظلم نفسه بمصية الله
(2) أي والظلم وأراد بهذه الأدعية تعليم أمته(2/149)
1547 - (اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي من ألمه وشدة مصابرته (فإنه بئس الضجيع) أي النائم معي في فراش واحد قلما كان يلازم صاحبه في المضجع سمي ضجيعا (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ومن ثم قيل أفحش الزمانة عدم الأمانة وقال الأحنف: الزم الأمانة يلزمك العمل وقيل الخيانة خزي وهوان {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ورب حيلة على صاحبها وبيله والبطانة بكسر الباء خلاف الظهارة ثم استعيرت لمن يخصه الرجل بالإطلاع على باطن أمره والتبطن الدخول في الأمر فلما كانت الخيانة أمرا يبطنه الإنسان ويستره ولا يظهره سماها بطانة
(د ن ك عن أبي هريرة) وأعله المناوي وغيره بأن فيه محمد بن عجلان وإنما خرج له مسلم في الشواهد قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح(2/150)
1548 - (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (1)) ككتاب النزاع والخلاف أو التعادي إن كلا منهما يكون في شق أي في ناحية أو هو العداوة (والنفاق) نفاق العمل (وسوء الأخلاق) لأن صاحب سوء الخلق لا يفر من ذنب إلا وقع في آخر والأخلاق السيئة من السموم القاتلة والمهلكات الرائعة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين المخرطة لصاحبها في سلك الشيطان الرجيم اللعين وهي الأبواب المفتحة من القلب إلى نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فحق لها أن يستعاذ منها
(د) في الصلاة (ن) في الاستعاذة (عن أبي هريرة) وفيه بقية وعبارة ابن عبد الله بن أبي سليك لا يعرف حاله
_________
(1) استعاذ صلى الله عليه وسلم من الشقاق لأنه يؤدي إلى المقاطعة والمهاجرة(2/150)
1549 - (اللهم إني أعوذ بك من البرص) داء معروف وقيل للقمر أبرص للنكتة التي فيه وسام أبرص سمي به تشبيها بالبرص والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب البصيص ذكره الراغب (والجنون والجذام) استعاذته منها تعليم للأمة وإظهار للعبودية (ومن سيء الأسقام (1)) نص على تلك الثلاثة مع دخولها في الأسقام لكونها أبغض شيء إلى العرب ولهم عنها نفرة عظيمة ولهذا عدوا من شروط الرسالة السلامة من كل ما ينفر الخلق ويشوه الخلق
(حم د ن عن أنس) قال في الرياض بعد عزوه لأبي داود بإسناد صحيح
_________
(1) أي الأسقام السيئة أي الرديئة كالسل والاستسقاء وذات الجنب(2/150)
1550 - (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر قال في القاموس ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه والضعف المثل إلى ما زاد ويقال ولك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة: أي اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) الدنيوية بدليل قوله في الخبر الآتي اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا أو الأخروية أو هما على ما مر لكن هذا في غير ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة قال النووي: حصلت البركة في نفس الكل بخيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وذا محسوس عند ساكنيها
(حم ق عن أنس) بن مالك(2/150)
1551 - (اللهم رب الناس) أي الذي [ص:151] رباهم بإحسانه وعاد عليهم بفضله وحذف حرف النداء إشهارا بما له من القرب لأنه في حضرة المراقبة (مذهب) بضم فسكون مزيل (الباس) شدة المرض (إشف) ابرىء (أنت) لا غيرك (الشافي) المداوي من المرض المبرئ ومنه فيه جواز تسمية الله بما ليس في القرآن إذا ورد به خبر صحيح كما هنا وهو القول الذي عليه التعويل قال القرطبي: الشافي اسم فاعل من شفاء وأل فيه بمعنى الذي وليس باسم الله (لا شافي إلا أنت) فيه أن كل ما يقع في التداوي إنما ينجع بتقدير الله (اشف شفاء) مصدر منصوب باشف وقد يرفع خبر مبتدأ أي هو (لا يغادر) بغين معجمة لا يترك وفائدته أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر (سقما) بضم فسكون وبفتحتين مرضا ولا يشكل الدعاء بالشفاء مع أن المرض كفارة لأن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لحصولهما بأول المرض وبالصبر عليه والداعي ما يحصل له مطلوبه أو يعوضه
(حم ق س 3 عن أنس) بن مالك(2/150)
1552 - (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) يعني الصحة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير (وفي الآخرة حسنة) يعني الثواب والرحمة (وقنا) بالعفو والمغفرة (عذاب النار) الذي استحقيناه بسوء أعمالنا. وقول علي كرم الله وجهه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحور وعذاب النار امرأة السوء وقول الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة ومعنى وقنا عذاب النار احفظنا من كل شهوة وذنب يجر إليها: أمثلة للمراد بها
(ق عن أنس بن مالك) قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ قال نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فجعله لي في الدنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن لا نطيقه أو لا نستطيعه أولا قلت: اللهم آتنا إلخ؟ قال فدعا الله به فشفاه الله(2/151)
1553 - (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) ليس العطف لاختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى كما ظن بل الهم إنما يكون في أمر متوقع والحزن فيما وقع والهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان فهو أشد من الحزن وهو خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم فافترقا. وقال القاضي: الفرق بين الهم والحزن أن الحزن على الماضي والهم للمستقبل وقيل الفرق بالشدة والضعف فإن الهم من حيث إن تركيبه أصل في الذوبان يقال أهمني المرض بمعنى أذابني وسنام مهموم مذاب وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه ببدنه أبلغ وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة (والعجز) القصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة وأصله التأخر عن الشيء وصار في التعارف اسما للقصور عن فعل الشيء وللزومه الصعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها (والكسل) التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية (والبخل والجبن وضلع الدين) بفتحتين ثقله الذي يميل بصاحبه عن الاستواء والضلع بالتحريك الاعوجاج (وغلبة الرجال) شدة تسلطهم بغير حق تغلبا وجدلا فالإضافة للفاعل أو هيجان النفس من شدة الشق فالإضافة للمفعول. قال ابن القيم: كل اثنين منها قرينتان فالهم والحزن قرينتان إذ المكروه الوارد على القلب إن كان من مستقبل يتوقعه أحدث الهم أو من ماض أحدث الحزن والعجز والكسل قرينتان فإن تخلف العبد عن أسباب الخير إن كان لعدم قدرته فالعجز أو لعدم إرادته فالكسل والجبن والبخل قرينتان فإن عدم النفع إن كان ببدنه فالجبن أو بماله فالبخل وضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلا الغير عليه إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل فقهر الرجال <تنبيه> قال بعض العارفين: يجب التدقيق في فهم كلام النبوة ومعرفة [ص:152] ما انطوى تحته من الأسرار ولا تقف مع الظاهر فالمحقق ينظر ما سبب حصول القهر من الرجال فيجده من الحجاب عن شهود كونه سبحانه هو المحرك لهم حتى قهروه فيرجع إلى ربه فيكفيه قهرهم والواقف مع الظاهر لا يشهده من الحق بل من الخلق فلا يزال في قهر ولو شهد الفعل من الله لزال القهر ورضي بحكم الله فما وقعت الاستعاذة إلا من سبب القهر الذي هو الحجاب
(حم ق ن) كلهم (عن أنس) بن مالك بألفاظ متقاربة واللفظ للبخاري(2/151)
1554 - (اللهم أحييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) يوم القيامة هكذا هو ثابت في الأصول أراد بالمسكنة هنا مسكنة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر كما سبق وقال ابن حجر: أراد بفرض ثبوته أن لا يتجاوز الكفاف <تنبيه> تمام الحديث عند الترمذي فقالت عائشة لم يا رسول الله قال لأنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي مسكينا ولو بشق تمرة يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة انتهى بنصه
(عبد بن حميد هـ) كلاهما (عن ابن سعيد) الخدري (طب والضياء) المقدسي في المختارة كلاهما (عن عبادة) بن الصامت وزعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر كالزركشي وأطال(2/152)
1555 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) ترك ما يجب فعله من أمر الدنيا (والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر) وما فيه من الأهوال الفظيعة والأشكال الشنيعة سأله إرشادا لأمته ليقتدوا به في سؤاله لينجو منه (وأعوذ بك من فتنة المحيا) الابتلاء مع عدم الصبر والرضى والوقوع في الآفات والإصرار على الفساد وترك متابعة طريق الهدى (و) من فتنة (الممات) سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف وهذا تعليم للأمة كما مر غير مرة
(حم ق 3 عن أنس) بن مالك(2/152)
1556 - (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) أي عقوبته (وأعوذ بك من عذاب النار) نار جهنم تعميم بعد تخصيص كما أن تالييه تخصيص بعد تعميم وهو قوله (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال القاضي: المحيا مفعل من الحياة والممات مفعل من الموت وفتنة المحيا ما يعتري الإنسان حال حياته من البلاء والمحن وفتنة الممات شدة سكرة الموت وسؤال القبر وعذابه (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) فإنها أعظم الفتن وأشد المحن ولذلك لم يبعث الله نبيا إلا حذر أمته منه وفيه ندب التعوذ مما ذكر بعد الفراغ من التشهد أي الأخير كما صرح به في رواية مسلم بخلاف الأول لبنائه على التخفيف خلافا لمن زعم أنه فيهما وكأنه لم يطلع على رواية مسلم وفيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة وذكرت فتنة المسيح مع شمول فتنة المحيا والممات لها لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا جماعة مخصوصة وهم الموجودون حال خروجه
(خ ن عن أبي هريرة) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد - أي الأخير - فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إلخ(2/152)
[ص:153] 1557 - (اللهم إني أتخذ عندك عهد (1)) أي وعدا وعبر به عنه تأكيدا وإشعارا بأنه من المواعيد التي لا يتطرق إليها الخلف كالمواثيق ولذا أستعمل فيه الخلف فقال (لن تخلفنيه) للمبالغة وزيادة التأكيد ذكره القاضي. وقال التوربشتي: العهد هنا الإيمان أسألك إيمانا لن تجعله خلاف ما أرتجيه فوضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقا للرجاء. وقال الطيبي: أصله طلبت منك حاجة تسعفي إياها ولا تخيبني فيها فوقع العهد الموثق محل الحاجة مبالغة في تحقيق قضائها ووضع لن تخلفنيه محل لا تخيبني نظرا إلى أن الألوهية منافية لخلف الوعد (فإنما أنا بشر) أي خلق إنسان قدمه تمهيدا لعذره أي يصدر مني ما هو من لوازم البشرية من الغضب ثم شرع يبين ويفصل ما التمسه بقوله (فأيما مؤمن) الفاء جواب شرط محذوف أي إن كنت سببت مؤمنا فأيما مؤمن (آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته) تعزيرا له (فاجعلها) أي الكلمات المفهمة شتما أو نحو لعنة (صلاة) أي رحمة وإكراما وتعطفا (وزكاة) أي طهارة من الذنوب (وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) ولا تعاقبه بها في العقبى والمراد أسألك أن تجعله خلاف ما يراد منه بأن تجعل ما بدا مني تطهيرا ورفع درجة للمقول له ذلك. واعلم أن الذي رأيته في نسخ الكتاب أثبت أو في شتمته وما بعده وفي المصابيح بغير عطف وعليه قال القاضي: قابل أنواع الفظاظة والإيماء بما يقابلها من أنواع التعطف والألطاف وعد الأقسام الأول متناسية بغير عطف وذكر ما يقابلها بالواو لما كان المطلوب معارضة كل واحدة من تلك بهذه فإن قيل يجيء أنه لم يكن لعانا (2) وأن صيغة المبالغة في مقام المدح يقتضي تفي أصل الفعل فما فائدة هذا مع كون الشتم واللعن من الفحش وهو غير فاحش؟ فالجواب أن المعنى إن وقع مني ذلك فاجعله كذا ولا مانع من فرض ما لا يقع إلا نادرا
(ق) في الدعوات (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة واللفظ لمسلم أقرب
_________
(1) سببه كما في مسلم من حديث عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما بشر فأي المسلمين إلخ
(واستشكل هذا بأنه لعن جماعة كثيرة منهم المصور والعشار ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل الربا وغيرهم فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهورا وأجيب بأن المراد هنا من لعنه في حال غضبه بدليل ما جاء في رواية فأيما رجل لعنته في غضبي وفي رواية لمسلم إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا أما من لعنه ممن فعل منهيا عنه فلا يدخل في ذلك. فإن قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها أهل؟ أجيب بأن المراد بقوله ليس لها بأهل أي عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعا عليه فكأنه يقول من كان في باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله هي طهورا وزكاة. وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظاهر وحساب الناس في البواطن على الله اه(2/153)
1558 - (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والعجز والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال اللهم آت) أعط (نفسي تقواها) أي تحرزها عن متابعة أهوى وارتكاب الفجور ذكره القاضي. وقال الطيبي: ينبغي أن تفسر التقوى بما يقابل الفجور كما في آية {فألهمها فجورها وتقواها} وهي الاحتراز عن متابعة الهوى والفواحش لأن الحديث كالتفسير والبيان للآية فدل قوله آت على أن الإلهام في الآية هو خلق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات (وزكها) طهرها من كل خلق ذميم (أنت خير من زكاها) أي من جعلها زاكية يعني لا مزكي لها إلا أنت فإنه تعالى هو الذي يزكي النفوس فتصير زاكية أي عاملة بالطاعة فالله هو المزكي والعبد هو المتزكي. قال الطيبي: فإسناد التزكية إلى [ص:154] النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل كما زعمه المعتزلة لأن الخبر به يقتضي المناسبة المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه قال الحراني: والتزكية اكتساب الزكاة وهي نماء النفس بما هو لها وهو بمنزلة الغذاء للجسم (أنت وليها) التي يتولاها بالنعمة في الدارين (ومولاها) سيدها وهذا استئناف على بيان الموجب وأن إيتاء التقوى وتصليح التزكية فيها إنما كان لأنه هو المتولي أمرها وربها ومالكها فالتزكية إن حملت على تطهير النفس عن الأفعال والأقوال والأخلاق الذميمة كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهرة ما كان مكمنا في الباطن وإن حملت على الإنماء والإعلان بالتقوى كانت تحلية بعد التخلية فإن المتقي شرعا من اجتنب النواهي وأتى بالأوامر
(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي علم لا أعمل به ولا أعلمه ولا يبدل أخلاقي وأقوالي وأفعالي أو علم لا يحتاج إليه في الدين ولا في تعلمه إذن شرعي ذكره المظهري (ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع) أي لا تقنع بما آتاها الله ولا تفتر عن الجمع حرصا أو المراد به النهمة وكثرة الأكل (ومن دعوة لا يستجاب لها) قال العلائي: تضمن الحديث الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب وفي قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارة إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع وفيه أن السجع لا يذم لكن إذا حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم
(حم عبد بن حميد م) في الدعوات (ن) في الاستعاذة (عن) ابن عمرو أو عامر أو عمارة أو أنيسة (زيد بن أرقم) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح القاف غير منصرف بن زيد بن قيس الخزرجي شهد الخندق وما بعدها ورواه عنه أيضا الترمذي مختصرا قال عبد الله بن الحرث قلنا لزيد علمنا فقال لا أعلمكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فذكره(2/153)
1559 - (اللهم اغفر لي خطيئتي) أي ذنبي (وجهلي) أي ما لم أعلمه (وإسرافي في أمري) أي مجاوزتي الحد في كل شيء (وما أنت أعلم به مني) مما علمته وما لم أعلمه
(اللهم اغفر لي خطئي وعمدي) وهما متقابلان (وهزلي وجدي) هما متضادان (وكل ذلك عندي) ممكن أي موجود أي أنا متصف بهذه الأمور فاغفرها لي قاله تواضعا أو أراد ما وقع سهوا أو ما قبل النبوة أو محض مجرد تعليم لأمته
(اللهم اغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت من التقدمة وهي وضع الشيء قداما وهي جهة القدام الذي هو الإمام فالتجاه أي قبالة الوجه قاله الحراني (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أي أخفيت (وما أعلنت) أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني قاله تواضعا وإجلالا لله تعالى أو تعليما لأمته وتعقب في الفتح الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه أمرهم بأن يقولوا فالأولى أنه للمجموع (أنت المقدم) أي بعض العباد إليك بتوفيق الطاعة أو أنت المقدم لي بالبعث في الآخرة (وأنت المؤخر) بخذلان بعضهم عن التوفيق فتؤخره عنك أو أنت المؤخر لي بالبعث في الدنيا أو أنت الرافع والخافض أو المعز والمذل (وأنت على كل شيء قدير) أي أنت الفعال لكل ما تشاء ولذا لم يوصف به غير الباري ومعنى قدرته على الممكن الموجود حال وجوده أنه إن شاء أبقاه وإن شاء أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حين عدمه أنه إن شاء إيجاده أوجده وإلا فلا وفيه أن مقدور العبد مقدور لله حقيقة لأنه شيء
(ق) في الدعوات [ص:155] (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه البيهقي وغيره أيضا(2/154)
1560 - (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (لك مماتها ومحياها) أي أنت المالك لإحيائها ولإماتتها أي وقد ثبت أنه لا مالك لهما غيرك (فإن أحييتها فاحفظها) أي صنها عن التورط فيما لا يرضيك (وإن أمتها فاغفر لها) ذنوبها فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (اللهم إني أسألك) أطلب منك (العافية) السلامة في الدين من الافتنان وكيد الشيطان والدنيا من الآلام والأسقام. وختم المصنف الأدعية بهذا الدعاء لمناسبته لافتتاحها بخبر لا عيش إلا عيش الآخرة من حديث خالد بن عبد الله بن الحرث
(عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه النسائي أيضا قال خالد سمعت عبد الله بن الحرث يحدث عن ابن عمر أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول ذلك فقال له رجل سمعت هذا من عمر فقال من خير من عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/155)
1561 - (ألبان البقر شفاء) من الأمراض السوداوية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البدن باعتدال وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب (وسمنها دواء) إذ هو ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره (ولحومها داء) مضرة بالبدن جالبة للسوداء. قال في الإرشاد: عسير الهضم يولد أخلاطا غليظة وأمراضا سوداوية كسرطان وجرب وقوبا وجذام وداء الفيل وحمى الربع ويغلظ الطحال
(طب عن ملكية) بالتصغير (بنت عمرو) الزيدية أو السودية الجعفية قال في التقريب كأصله يقال لها صحبة ويقال تابعية من الطبقة الثالثة ورواه عنها البهيقي أيضا وفيه ضعف(2/155)
1562 - (البس) ندبا (الخشن الضيق) من الثياب ونحوها (حتى لا يجد العز) يعني الكبر والأشر والبطر والترفع على الناس (والفخر) ادعاء العظمة والشرف (فيك مساعا) أي مدخلا فلا تكن كمن قيل فيه ثوب رقيق نضيف وجسم خبيث سخيف وأشار بقوله حتى إلخ إلى أن سر الأمر بلبسه وقصد كسر النفس وفطمها عن زي الخيلاء والفخر فلا يعارضه قول الفقهاء يكره لبس الخشن لغير مصلحة لأن لبسه بذلك القصد مصلحة. وقيل لإياس بن معاوية: إنك لا تبالي ما لبست قال: لئن ألبس ثوبا يقي نفسي أحب إلي من أن ألبس ثوبا أقيه بنفسي قال الغزالي: روي أن عيسى عليه السلام توسد حجرا فمر به إبليس وقال: يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه من تحت رأسه ورماه به وقال: هذا لك مع الدنيا. ورأى العارف الرفاعي رضي الله تعالى عنه فقيرا يهندم ثوبه ويصفف عمامته على التناسب فقال: يا ولدي هذا خروج عن طريق الإرادة ومن كلامهم إذا رأيت المريد في زيه لبق فاعلموا أنه عن الاستقامة زلق
(ابن مئدة) الحافظ أبو القاسم في الصحابة من طريق بقية عن حسان بن سليم عن عمرو بن سلمة (عن أنيس) بن الضحاك وظاهر صنيعه أنه لم يره لأحد من المشاهير وليس كذلك فقد خرجه أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر يا أبا ذر البس إلخ ثم قال أعني ابن مئدة غريب وفيه إرسال انتهى. وحكاه ابن حجر عنه وأقره. قال أبو حاتم: وأنيس هذا لا يعرف قال ابن حجر وجزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم اغد يا أنيس على امرأة هذا. الحديث(2/155)
1563 - (البسوا) بفتح الموحدة (الثياب البيض) يعني آثروا ندبا الملبوس الأبيض في كل زمن [ص:156] على غيره من نحو ثوب وعمامة ورداء وإزار وغيرها حيث لا عذر (فإنها أطهر) لأنها تحكي ما يصيبها من النجس عينا وأثرا (وأطيب) لغلبة دلالتها على التواضع والتخشع وعدم الكبر والعجب فجعله من عطف أحد الرديفين على الآخر قصور ولهذه الأطيبية ندب إيثارها في المحافل كشهود جمعة وحضور مسجد ولقاء الملائكة ولذلك فضلت في التكفين كما قال (وكفنوا فيها موتاكم) ندبا مؤكدا ويكره التكفين في غير أبيض
(حم ت) في اللباس (ن) في الزينة (هـ) في اللباس (ك) فيه كلهم (عن سمرة) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(2/155)
1564 - (التمس) أيها الطالب للتزويج شيئا تجعله صداقا (ولو) كان إنما تجد (خاتما) كأنه قال التمس شيئا على كل حال وإن قل فإنه لما أمر بالالتماس أمرا مطلقا خشي توهم خروج خاتم الحديد عن الملتمسات فأكد دخوله فيها بالواو المدخلة ما بعدها فيما قبلها فنصب بإضمار فعل دل عليه ما قبله. قال التوربشتي: وخاتم الحديد وإن نهى عن التختم به لكنه لم يدخل بذلك في جملة ما لا قيمة له وفي بعض نسخ مسلم ولو خاتم أي ولو هو خاتم أو ولو فص خاتم (من حديد) وفيه أنه ينبغي أن لا يعقد نكاح إلا بصداق لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لو طلقت قبل دخول وأنه غير مقدر فيجوز بأقل متمول أو خاتم الحديد غالية القلة فهو رد على مالك في جعله أقله ما يجب فيه القطع وأبي حنيفة عشرة دراهم وحل نكاح المعسر واتخاذ خاتم حديد وغير ذلك (تتمة) قال في شرح اللمع سمي الحديد حديدا لأن الحد لغة المنع وهو يمنع من وصول السلاح إلى البدن وسمي البواب والسجان حدادا لمنعه من في المحل من الخروج
(حم ق د عن سهل بن سعد) ظاهره أنه لم يخرجه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه بل رواه الجماعة كلهم بألفاظ متقاربة(2/156)
1565 - (التمسوا الجار قبل الدار) أي قبل شرائها هكذا جاء في رواية القضاعي يعني اطلبوا حسن سيرته وابحثوا عنها. وقال الراغب: قيل لرابعة ألا تسألين الله الجنة فقالت: الجار ثم الدار (والرفيق قبل الطريق) أي أعد لسفرك رفيقا قبل الشروع فيه فإن لكل مفازة غربة وفي كل غربة وحشة وبالرفيق تذهب الوحشة ويحصل الأنس ومن ثم قيل ما أضيق الطريق على من لم يكن له رفيق ثم إنه ليس كل رفيق يكفي في الرفقة بل لابد من المشاكلة والمجانسة ومن ثم قيل انظر من ترافق أو تجالس فقل نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها ومما يعزى لعلي كرم الله وجهه:
لا تصحب أخا الجهل. . . وإياك وإياه. . . فكم من جاهل أردى. . . حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما المرء ما شاء. . . وللشيء على الشيء. . . مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه
قال الكمال: والالتماس الطلب مع التساوي بين الآمر والمأمور في الرتبة وذهب الصوفية إلى أن المراد بالرفيق الشيخ الذي يؤخذ عنه والطريق ما يمشي فيه السالك ويقطعه بالمعاملات والمقامات والأحوال والمعارف لأن في المعارف والأحوال الإسفار عن أخلاق المسافرين ومراتب العلم ومنازل الأسماء والحقائق ولذلك استحقت هذا اللقب ولما كان الإنسان مجموع العالم ونسخة الحضرة الإلهية التي هي ذات وصفات وأحوال احتاج إلى مطرق يطرق له السلوك إليها والسفر فيها ليرى العجائب ويقتني العلوم والأسرار فإنه سفر تجارة والمطرق الرفيق الذي هو الشيخ والطريق هي الشريعة فمن سافر بغير رفيق ثقة ضل وأضل ومن سافر بشيخ ثقة وصل إلى الحقيقة
(طب) من حديث عثمان بن عبد الله الطرائقي عن أبان بن مجير عن سعيد بن معروف (عن) أبيه (رافع بن خديج) بفتح المعجمة الحارثي الأنصاري الأوسي وكذا رواه عنه ابن أبي خيثمة والأزدي والعسكري والخطيب في الجامع وعثمان هذا قال [ص:157] ابن خير كذاب وفي الميزان في ترجمة سعيد هذا قال الأزدي لا تقوى به حجة وأبان متروك ثم ساق الخبر وقال الكمال ابن أبي شريف رضي الله عنه الحديث منكر ساقه الأزدي في ترجمة سعيد وقال لا يقوم به حجة لكن الحل فيه ليس عليه بل على أبان فإنه متروك وسعيد وأبوه لم يخرج لهما في السنة ولا فيما ذيل عليه(2/156)
1566 - (التمسوا الخير) اطلبوه (عند حسان الوجوه) حال طلب الحاجة فرب حسن الوجه ذميمة عند الطلب وعكسه قال ابن رواحة أو حسان:
قد سمعنا نبينا قال قولا. . . هو لمن يطلب الحوائج راحه
اغدوا واطلبوا الحوائج ممن. . . زين الله وجهه بالصباحه
(طب عن أبي حفصة) بمعجمة ثم مهملة الكندي وهو جد يزيد بن خصيفة قال الهيثمي رواه الطبراني من طريق يحيى بن زيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه وكلاهما ضعيف(2/157)
1567 - (التمسوا الرزق بالنكاح) أي التزوج فإنه جالب للبركة جار للرزق موسع إذا صلحت النية. قال الزمخشري: والرزق الحظ والنصيب مطعوما أو مالا أو علما أو ولدا أو غيرها. قال في الإتحاف: هذا الخبر وخبر تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة والأوجه أن الناس أقسام قسم واجد وقسم غير واجد وهو واثق لله وقسم غير واثق وليس له ثقة فيستحب للواثق دون غيره
(فر) من حديث مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح (عن ابن عباس) ومسلم بن خالد. قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري وأبو زرعة منكر الحديث قال السخاوي وشيخه ضعيف لكن له شواهد عن ابن عباس(2/157)
1568 - (التمسوا الساعة التي ترجى من يوم الجمعة) أي التي ترجى إجابة الدعاء فيها (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) أي سقوط جميع القرص وقد اختلف فيها على أقوال أحدها أنها كانت ثم رفعت. الثاني أنها موجودة لكن في جمعة واحدة في السنة. الثالثة أنها مخفية في جميع اليوم كليلة القدر في العشر. الرابع أنها تنتقل في يومها ولا تلزم ساعة معينة ورجحه الغزالي والطبري. الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة. السادس من الفجر إلى الشمس. السابع مثله وزاد من العصر إلى المغرب. الثامن مثله وزاد ما بين نزول الإمام من المنبر إلى أن يكبر. التاسع أول ساعة بعد طلوع الشمس. العاشر عند طلوع الشمس. الحادي عشر ما بين ارتفاع الشمس من شبر إلى ذراع. الثاني عشر في آخر ساعة ثالثة من النهار. الثالث عشر من الزوال إلى مصير الظل نصف ذراع. الرابع عشر إلى أن يصير الظل ذراعا. الخامس عشر إذا زالت الشمس. السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة. السابع عشر من الزوال إلى دخول الإمام المحراب. الثامن عشر منه إلى خروج الإمام. التاسع عشر من الزوال إلى الغروب. العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة. الحادي والعشرون عند خروج الإمام. الثاني والعشرون ما بين أن يحرم السعي إلى أن يحل. الثالث والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة. الرابع والعشرون ما بين جلوسه على المنبر إلى انقضاء الصلاة. الخامس والعشرون عند التأذين والإحرام والإقامة. السادس والعشرون من افتتاح الخطبة إلى فراغها. السابع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة. الثامن والعشرون عند الجلوس بين الخطبتين. التاسع والعشرون عند نزول الإمام من المنبر. الثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه الحادي والثلاثون من إقامة الصلاة إلى تمامها. [ص:158] الثاني والثلاثون في الساعة التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة. الثالث والثلاثون من العصر إلى الغروب. الرابع والثلاثون في صلاة العصر. الخامس والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار. السادس والثلاثون بعد العصر مطلقا. السابع والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخره. الثامن والثلاثون من الاصفرار إلى الغروب. التاسع والثلاثون آخر ساعة من العصر. الأربعون بعد العصر مطلقا. الحادي والأربعون من حين يغيب بعض القرص إلى تكامل الغروب. وصوب النووي أنها ما بين قعود الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وفائدة إبهامها كليلة القدر الحث على إكثار الصلاة والدعاء ولو تعينت لاتكل الناس وتركوا ما عداها
(ت) في الجمعة (عن أنس) وفال غريب ومحمد بن أبي حميد أحد رواته مضعف من قبل حفظه يقال له حماد بن أبي حميد ويقال إبراهيم الأنصاري وهو منكر الحديث انتهى. وقال ابن حجر في الفتح إسناده ضعيف(2/157)
1569 - (التمسوا) اطلبوا فاستعير للطلب اللمس (ليلة القدر) أي القضاء والحكم بالأمور سميت به لعظم منزلتها وقدرها وشرفها ولما تكتبه فيها الملائكة من الأقدار التي تكون منها إلى السنة القابلة والقدر والتقدير إظهار كمية الشيء أو لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر ولأن الطاعة لها قدر زائد فيها (في أربع وعشرين) أي ليلة وهذا مذهب الحبر وبلال والحسن وقتادة قال الحرالي: ويحصل الاطلاع عليها بكشف خاص لأهل الخلوة أو آيات بينة لأهل التبصرة أو بأية بادية لأهل المراقبة كلا على وجه حكمته وخلوته واستغراق ذكره في صومه
(محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب الصلاة عنه (عن ابن عباس)(2/158)
1570 - (التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) لا يناقضه الأمر بالتماسها في أربع وعشرين وغيره لأنه لم يحدث بميقاتها مجزوما فذهب كل واحد من الصحب بما سمعه أو رآه هو ولم يؤذن له في الكشف عنه قال الشافعي رضي الله عنه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيب على نحو ما يسأل يقال له نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا فعلى هذا تنوع إخبار كل فريق من العلم انتهى وميله رضي الله تعالى عنه إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث وعشرين وأنها تلزم ليلة بعينها وذهب الأكثر إلى سبع وعشرين ويحتمل أن فريقا منهم علمها بتوقيف ولم يؤذن له بالكشف لما في عدم تعينها للعموم من حكمة بالغة ليزدادوا جدا واجتهادا في التحري
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان بن حرب قال الهيثمي رجاله ثقات(2/158)
1571 - (التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان) قال الطيبي: يحتمل ليلة تسع وعشرين أو السلخ رجحنا الأول لقرينة الأوتار انتهى وأنت خبير بأنه ليس في اللفظ ما يحتمل ليلة تسع أصلا فهذا الاحتمال فيه إشكال قال في شرح المهذب وليلة القدر من خصائصنا قال وأجمع من يعتد به على دوامها ووجودها إلى آخر الدهر ويراها ويتحققها من شاء الله من بني آدم كل سنة في رمضان وإخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى وقول المهلب لا تمكن رؤيتها حقيقة غلطة وحكمة إخفائها كما في الكشاف أن من أرادها أحيا ليالي كثيرة طلبا لموافقتها فتكثير عبادته وأن لا يتكل الناس على إصابة الفضل فيها فيفرطوا فيها
(ابن نصر) محمد في الصلاة (عن معاوية) بن أبي سفيان يرفعه
<فائدة> قال السهروردي تبعا للحكيم الترمذي: خلق الله بحرا تحت العرش سماه بحر الحياة وجعل فيه حياة كل شيء وجمع أرزاق الخلق في ذلك البحر فإذا كان ليلة القدر أخرج أرزاق جميع المرتزقة من خلقه في تلك الليلة إلى مثلها من قابل فإذا نفد ذلك البحر نفخ في الصور وإليه الإشارة بقوله تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ثم أقسم [ص:159] {فورب السماء والأرض إنه لحق}(2/158)
1572 - (ألحدوا) أي شقوا جانب القبر مما يلي القبلة شقا وضعوا فيه الميت. قال النووي: وهو بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطعها وكسر الحاء (ولا تشقوا) أي لا تحفروا في وسطه وتبنوا جانبيه وتسقفوه من فوقه (فإن اللحد لنا) أي هو الذي نؤثره ونختاره (والشق لغيرنا) (1) أي هو اختيار من قبلنا من الأمم واستفدنا أن اللحد فضل وليس فيه النهي عن الشق. قال الطيبي: ويحتمل أن ضمير الجمع نفسه أي أوثر لي اللحد وهو إخبار عن الكائن فيكون معجزة. اه. ولا يخفى تكلفه
(حم) وكذا الطيالسي (عن جرير) بن عبد الله وفيه عثمان بن عمير أورده الذهبي في الضعفاء
_________
(1) [واستدلال المناوي هو من سياق الحديث الذي يفهم منه أن اللحد هو الذي نؤثره والشق هو اختيار غيرنا من الأمم فقد اشترط العلماء للتحريم إما النص على الحرمة كقول " حرم عليكم " وإما الوعيد بالعقاب بشرط صحة الحديث وكونه قطعي الدلالة أي لا يقبل احتمالا آخرا وهذان الشرطان غير موجودان في هذا الحديث. وانظر الحديث 1422 و 2964 بشأن ورود صيغة الأمر لغير الوجوب. دار الحديث](2/159)
1573 - (ألحد لآدم) أي عمل له شق في جانب القبر ليوضع فيه عند موته (وغسل) بعد موته (بالماء وترا) أي ثلاثا أو خمسا أو تسعا وصلى عليه ووضع في لحده (فقالت الملائكة) أي من حضره منهم أو من في الأرض منهم ويحتمل العموم أي قال بعضهم لبعض (هذه سنة ولد آدم من بعده) أي كل من مات منهم يفعل ذلك وقولهم ذلك يحتمل كونه ناشئا عن اجتهاد أو أن ثبوت الحكم للأصل يستنبع الفرع ويحتمل بأمر إلهي أو رأوه في اللوح المحفوظ أو في صحفهم أو في غير ذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي) بن كعب ورواه عنه الديلمي(2/159)
1574 - (الحقوا الفرائض) أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما (بأهلها) أي من يستحقها بنص التنزيل في رواية اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله على وفق ما أنزل الله في كتابه (فما بقي فهو الأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي بالسكون القرب بأي فهو الأقرب (رجل) من عصبات الميت (ذكر) احتراز عن الخنثى فإنه لا يجعل عصبة ولا صاحب فرض جزما بل يعطى أقل النصيبين وقيل ذكر ذكر بعد رجل لسان أن العصبة ترث ولو صغارا ردا على الجاهلية حيث لم يعطوا إلا من في حد الرجولية والمحاربة وقيل ذكر وصف الأولى لا لرجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال هو لقريب الميت ذكر من قبل رجل وصلب لا من بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت فأفاد به نفي الإرث عن الأولى من قبل الأم كالخال ذكره السهيلي. قال الطيبي: وأوقع الموصوف مع الصفة كأنه قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة
(حم ق ت عن ابن عباس) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا الثلاثة والأمر بخلافه فقد عزاه جمع منهم المناوي للجماعة إلا ابن ماجه(2/159)
1575 - (الزم) بكسر فسكون ففتح (بيتك) أي محل سكنك بيتا أو خلوة أو غيرهما قاله لرجل استعمله على عمل فقال يا رسول الله خر لي فعلي هذا فالمراد بلزوم البيت الانجماع عن الناس والعزلة واحتج به من ذهب إلى ان العزلة أفضل من مخالطة الناس وذهب جمع إلى عكسه والمسألة مشهورة فيها كتب مفردة من الجانبين ورجح ابن أبي حمزة أفضلية العزلة لأهل البداية دون غيرهم أخذا من خلوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا بغار حراء وتأويل البعض الزم بيتك: قلبك - متكلف. <فائدة> قال بعض الحكماء إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب فيه الفرات بن أبي الفرات قال في الميزان عن ابن معين ليس بشيء وعن ابن عدي الضعف بين على رواياته ثم أورد له هذا الخبر انتهى. وذكر نحوه الحافظ العراقي(2/159)
[ص:160] 1576 - (الزم) ندبا (نعليك قدميك) بأن لا تخلعهما لإرادة الجلوس لنحو الصلاة (فإن خلعتهما) ولا بد (فاجعلهما) ندبا (بين رجليك ولا تجعلهما) أي ولا ينبغي أن تجعلهما (عن يمينك) صونا لها عما هو محل الأذى والقذر (ولا عن يمين صاحبك) يعني مصاحبك في الجلوس (ولا وراءك) أي وراء ظهرك (فتؤذي) أي لئلا تؤذي بهما (من خلفك) من الناس فإن فعلت ذلك بقصد الإضرار أثمت قطعا وبدونه خالفت الأدب
(هـ عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن المحاربي أورده الذهبي في الضعفاء ووثق(2/160)
1577 - (الزموا هذا الدعاء) أي داوموا عليه وهو (اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر) أي رضاك الأعظم الأفخم الذي يغلب سخطك (فإنه اسم من أسماء الله) التي إذا سئل بها أعطى وإذا دعي بها أجاب قال الحليمي: ويؤخذ من هذا أنه ينبغي للمرء أن يدعوه بأسمائه الحسنى ولا يدعوه بما لا يخلص ثناء وإن كان في نفسه حقا. قال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} والرضوان بكسر الراء وضمها لغة قيس وتميم بمعنى الرضا وهو خلاف السخط وفي الاسم الأعظم أقوال لا تكاد تحصى أفردها خلق بالتأليف (البغوي وابن قانع) كلاهما في معجم الصحابة
(طب) كلهم (عن حمزة بن عبد المطلب) بن هاشم أبي يعلى أو أبي عمارة كني بابنته وهو خال الزبير وأمه بنت عم آمنة أم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي هالة بنت أهيب(2/160)
1579 - (ألظوا بياذا الجلال والإكرام) بفتح الهمزة وكسر اللام وبظاء معجمة مشددة أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها كذا في الرياض وفي رواية سندها قوي من حديث ابن عمر ألحوا بحاء مهملة ثقيلة وكل منها بفتح الهمزة وكسر اللام ومعناها متقارب ذكره ابن حجر وأيما كان فالمراد دوموا على قولكم ذلك في دعائكم واجعلوه هجيراكم لئلا تركنوا أو تطمئنوا لغيره قال الزمخشري: ألظ وألب وألج أخوات في معنى اللزوم والدوام ويقال ألظ المطر بمكان كذا أو أتتني ملظتك أي رسالتك التي ألححت فيها قال:
وبلغ بني سعد بن بكر ملظة. . . رسول امرىء بادي المودة ناصح
ويقال فلان ملظ بفلان وذلك إذا رأيته لا يسكن عن ذكره ويقال للغريم اللزوم ملظ على مفعل إلى هنا كلامه ومعنى ذا الجلال استحقاقه وصف العظمة ونعت الرفقة عزا وتكبرا عن نعت الموجودات فجلاله صفة استحقها لذاته والإكرام أخص من الإنعام إذ الإنعام قد يكون على غير المكرم كالعاصي والإكرام لمن يحبه ويعزه ومنه سمي ما أكرم الله به أولياءه مما يخرج عن العادة كرامات فندب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الإكثار من قولك يا ذا الجلال في الدعاء ليستشعر القلب من دوام ذكر اللسان ويقر في السر تعظيم الله وهيبته ويمتلىء الصدر بمراقبة جلاله فيكرمه في الدنيا والآخرة
(ت عن أنس) بن مالك (حم ق ك) وصححه كلهم من طريق يحيى بن حسان [ص:161] شيخ من أهل بيت المقدس (عن ربيعة بن عامر) بن نجاد يعد في أهل فلسطين قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفي الإصابة عن ابن عبد البر لا يعرف لربيعة هذا إلا هذا الحديث من هذا الوجه(2/160)
1578 - (الزموا الجهاد) أي محاربة الكفار لإعلاء كلمة الجبار (تصحوا) أي فإن لزومه يورث صحة الأبدان (وتستغنوا) بما يفتح الله عليكم من الفيء والغنيمة وفي إفهامه أن عدم ملازمته يوهن ويفقر وذلك لأن الكف عنه يقوي العدو ويسلطهم على إهلاك أموال المسلمين ودمائهم
(عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف(2/161)
1580 - (ألق) ندبا (عنك) أيها الجائي إلينا وقد أسلم (شعر الكفر) أي أزله بحلق وغيره كقص ونورة والحلق أفضل قال القاضي: والإلقاء طرح الشيء وهو شامل لشعر الرأس وغيره كشارب وإبط وعانة وقيس به قلم ظفر وغسل ثوب وما يلي جسده أكد فإن لم يكن له شعر أمر الموسى عليه كالحج. قال في المطامح: وأخذ منه الصوفية حلق رأس المريد إذا تاب وهو بدعة (ثم) وفي رواية بالواو (اختتن) وجوبا إن أمنت الهلاك وخطاب الواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوص وحلمه على الندب في إلقاء الشعر لا يستلزم حمله عليه في الختن وإنما وجب ختانه لأنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر ويحل كشف العورة له بلا ضرورة وأراد هنا الذكر المحقق وقيس به الأنثى أما خنثى مشكل فلا
(حم د) من رواية ابن جريج قال أخبرت عن عثيم تصغيرعثمان (بن) كثير بن (كليب) الصحابي الحضرمي أو الجهني عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال الق إلخ قال ابن حجر في التخريج فالصحابي كليب وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده وقد وقع مبنيا في رواية الواقدي قال ابن القطان فيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان وقال الذهبي هذا منقطع وقال في الفتح سند الحديث ضعيف(2/161)
1581 - (ألهم إسماعيل) الذي وقفت عليه في أصول قديمة صحيحة من شعب البيهقي والمستدرك وتلخيصه للذهبي بخطه إبراهيم بدل إسماعيل فليحرر وإنما نشرحه على لفظ إسماعيل (هذا اللسان العربي إلهاما) من الله تعالى أي ألهم الزيادة في بيانه وإيضاح تبيانه بعد ما تعلم العربية من أهل جرهم ولم تكن لسان أبويه كما يشعر به في البخاري في نزول أمه مكة ومرور رفقة من جرهم فتعلم منهم فالأولية في الخبر الآتي أول من فتق لسانه بالعربية إسماعيل فالمراد بها الأولية المقيدة بزيادة البيان وأحكام إفصاح ذلك اللسان لا الأولية المطلقة فإنها ليعرب بن قحطان
(ك هب عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم واعترضه الذهبي بأن مداره على إبراهيم بن إسحاق الغسيلي وكان يسرق الحديث انتهى وقال البيهقي عقب إيراده المحفوظ مرسل(2/161)
1582 - (ألهوا) بضم فسكون فضم (والعبوا) عطف تفسير أي فيما لاحرج فيه (فإني أكره أن يرى) بالبناء للمجهول (في دينكم) بالبناء للمجهول أيها المسلمون (غلظة) شدة وفظاظة. قال الزمخشري: وأصل اللهو كل باطل ألهى عن خير وعما يعني والغلظة مثلثة الغين الفظاظة كما في الصحاح قال الزمخشري: من المجاز {أخذنا منهم ميثاقا غليظا} {وليجدوا فيكم غلظة} وما أغلظ طباعهم وأغلظ له في القول
(هب عن المطلب) بتشديد المهملة (بن عبد الله) ابن حنظل المخزومي ثم قال أعني البيهقي هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح انتهى وفيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان وعمرو ابن أبي عمرو مولى المطلب أورده أيضا في الضعفاء وقال لينه يحيى وقال أحمد لا بأس به(2/161)
[ص:162] 1583 - (إليك) لا لغيرك كما يؤذن به تقديمه (انتهت الأماني) جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل من منا إذا قدر ولذلك تطلق على الكذب وعلى ما يتمنى. وقيل هي توقع القلب أمرا يرجو حصوله (يا صاحب العافية) هكذا أورد المصنف هذا الحديث بهذا اللفظ كما في هذا الموضع ولعل إيراده هكذا ذهول أو سبق قلم فإن لفظ الحديث كما رواه القضاعي وغيره اللهم إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية فهو مصدر بلفظ اللهم والخطاب فيه لله تعالى والمعنى وقفت عليك الأمنية فلا تسأل غيرك كذا فسره به في الفردوس قال الحافظ البغدادي فانتهاؤها إليه سبحانه من وجهين أحدهما فرض التوحيد وهو أن كل متمن لا يصل إلى أمنيته إلا بإرادته سبحانه وقوله إليك إلخ أي الخواطر تبعث إلى الأسباب فتجيب فتشاهد القلوب بصفاء التوحيد عجزها فتسير الأماني عنها حتى تجاوزها إلى سببها فيعكف الهم بين يديه وهذا حال أكثر عوام المؤمنين. الثاني وهو للخواص أنهم شرعوا في قطع الأماني عن الدنيا والأخرى وسارت قلوبهم بأمانيها إلى مولاهم لما دعا {ففروا إلى الله} {وأن إلى ربك المنتهى} فلا إرادة لهم إلا في خدمته ولا تعلق لهم إلا به قوله يا صاحب العافية: أي أنت القادر على العافية من كل بلية ومن سقم وعلاقة ومن كل أمنية لا ينتهى إليها وهم. وفي الشعب عن ابن أدهم إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبه بضده فاذا أنت عرفت فضل ما أوتيت فاقلب العافية بالبلاء تعرف فضل العافية وقيل لبشرالحافي: بأي شيء تأكل الخبز قال: أذكر العافية وأجعلها إداما
(طس هب عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي نفسه عقب تخريجه في إسناده ضعف انتهى. وقال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: إسناده حسن(2/162)
1584 - (أما) بتخفيف الميم (إن) بكسر الهمزة إن جعلت إما بمعنى حقا (1) وبفتحها إن جعلت استفتاحية (ربك يحب المدح) وفي رواية الحمد وهذا قاله للأسود بن سريع حين قال يا رسول الله مدحت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال له أما إن إلخ
(حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) بفتح السين التميمي السعدي صحابي نزل البصرة ومات في أيام الجمل قال الهيثمي أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح
_________
(1) هذا سهو والصواب العكس لأن إن تكسر بعد أداة الاستفتاح كقوله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} وتفتح بعد حقا كقول الشاعر: أحقا أن جيرتنا استقنوا. كما في مغني اللبيب والظاهر أن السهو وقع من أول ناسخ فعممت النسخ به وإلا فليس مثل هذا مما يخفى على المناوي اه(2/162)
1585 - (أما إن كل بناء) من القصور المشيدة والحصون المانعة والغرف المرتفعة وهو (وبال على صاحبه) أي سوء عقاب وطول عذاب في الآخرة لأنه إنما يبنيها لذلك رجاء التمكن في الدنيا والتشبيه بمن يتمنى الخلود فيها مع ما فيه من اللهو عن ذكر الله والتفاخر والتطاول على الفقراء وقد ذم الله فاعليه بقوله {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (إلا ما لا إلا ما لا) بد منه لوقاية حر وبرد وستر عيال ودفع لص ونحو ذلك مما لا غنى له عنه ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فرب بناء ليس وبالا على إنسان وبال على غيره والأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات
(د عن أنس) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة مشرفة فقال ما هذه قالوا لفلان فسكت حتى جاء فأعرض عنه فشكا لأصحابه فأخبر الخبر فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها فسأل فقالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك فأخبرناه فهدمها فذكره قال ابن حجر رجاله موثوقون إلا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي غير معروف وله شواهد عن وائلة عند الطبراني(2/162)
1586 - (أما إن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجد أو أو أو) أي أو كان في مدرسة مثلا أو كان [ص:163] في رباط أو كان في خان مسبل ونحو ذلك مما يقصد به البر والإحسان كصهريج وبئر وقنطرة وحوض وغير ذلك مما قصد ببنيانه التقرب إلى الله وما عدا ذلك فهو مذموم شرعا وعرفا. مر حكيم على بناء فقيل له كيف تراه قال بناء شديد وأمل بعيد وعيش زهيد وقيل: خلق ابن آدم من تراب فهمته في التراب وخلقت المرأة من الرجل فهمتها في الرجل <تنبيه> قال الداودي: ليس الغرس كالبناء لأن من غرس ونيته طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه ففي ذلك الفضل لا الإثم. وقال ابن حجر: لاشك أن في الغرس من الأجر من أجل ما يؤكل منه ما ليس في البناء وإن كان في بعض البناء ما فيه أجر كالذي يحصل نفعه بغير الباني فإنه يحصل للباني به الثواب
(حم هـ عن أنس) بن مالك(2/162)
1587 - (أما إنك) أيها الرجل كالذي لدغته عقرب (لو قلت حين أمسيت) أي دخلت في المساء (أعوذ بكلمات الله التامات) أي التي لا نقص ولا عيب فيها وفي رواية كلمة بالإفراد قال الحكيم وهما بمعنى فالمراد بالجمع الجملة وبالواحدة ما تفرق في الأمور والأوقات ووصفها بالتمام إشارة إلى كونها خالصة من الريب والشبه {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} (من شر ما خلق) أي من شر خلقه وهو ما يفعله المكلفون من إثم ومضارة بعض لبعض من نحو ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغيرها من نحو لدغ ونهش وعض (لم تضرك) بأن يحال بينك وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه قال الحكيم: وهذا مقام من يقي له التفات لغير الله أما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجىء إلا إليه والنبي لما ترقى عن هذا المقام قال أعوذ بك منك والرجل المخاطب لم يبلغ ذلك
(م) في الدعوات (عن أبي هريرة) ورواه أيضا عنه النسائي في يوم وليلة ولم يخرجه البخاري(2/163)
1588 - (أما أنه) أي من لدغته عقرب فلم ينم ليلته (لو قال حين أمسى) في تلك الليلة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره لدغ عقرب حتى يصبح) لأن الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يضر والدواء الطبيعي إنما ينجع بعد حصول الداء
<تنبيه> قال العارف ابن عربي: شرط تأثير خواص الحروف أن يستحضرها حال الرقم أو اللفظ في وهمه وخياله ويتصورها فتفعل بالاستحضار وإن عرى عن الاستحضار كان خيالا لا يعمل وإذا صحبه الاستحضار عمل فإنه مركب من استحضار ونطق أو رقم وكثير لم يتفطنوا لمعنى الاستحضار وهذا العلم يسمى علم الأولياء وبه تظهر أعيان الكائنات فإذا استحكم سلطان استحضار الحروف واتخذ المستحضر لها بها ولم يبق فيه متسع لغيرها ويعلم ما هي خاصيتها حتى يستحضرها من أجل ذلك فيرى الأثر على الأثر فهذا شبيه بالفعل بالهمة وإن لم يعلم ما يعطيه فإنه يقع الفعل في الوجود ولا علم له به وكذا سائر أشكال الحروف في كل مرتبة وهذا الفعل بالحرف المستحضر يعبر عنه بعض من لا علم له بالهمة والصدق وليس كذلك وإن كانت الهمة روحا للحرف المستحضر لا عين الشكل المستحضر وإذا علمت خواص الكلمات وقع الفعل بها علما لكاتبها أو المتلفظ بها بشرطه وإن لم يعين ما هي مرتبطة به من الانفعالات وقد رأينا من قرأ آية من القرآن وما عنده خبر فرأى أمرا غريبا حدث وكان ذا فطنة فرجع في تلاوته لينظر بأية آية حصل ذلك فلم ير ذلك الأثر حتى عاودها مرارا فتحققه فاتخذها لذلك الانفعال وصار كلما أراد رؤية [ص:164] ذلك الانفعال تلى الآية فيظهر ذلك الأثر وهو علم شريف لكن السلامة فيه عزيزة فالأولى تركه فإنه من العلم الذي اختص الله به أولياءه في الجملة وإن كان عند بعض الناس منه قليل لكن من غير الطريق الذي يناله الصالحون ولهذا يشقى به من هو عنده ولا يسعد
(هـ عن أبي هريرة) قال لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلة فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا لدغته عقرب فلم ينم فذكره(2/163)
1589 - (أما إن العريف) كعظيم: القيم على قومه يسوسهم ويحفظ أمورهم ليعرف بها من فوقه عند الحاجة (يدفع في النار دفعا) أي يدفعه الزبانية في نار جهنم دفعا شنيعا فظيعا وهذا تحذير من التعرض للرياسة والتحرز عنها ما أمكن لأنه إذا لم يقم بحقها استحق العقوبة والغالب على العرفاء الاستطالة وتعدي الحد وترك الإنصاف والعرافة أولها سلامة وأوسطها ندامة وآخرها عذاب يوم القيامة
(طب) من حديث مودود بن الحارث عن أبيه عن جده (عن يزيد بن سيف) بن جازية اليربوعي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن رجلا من بني تميم ذهب بمالي كله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس عندي ما أعطيكه هل لك أن تعرف إلى قومك قلت لا قال أما إلخ قال الهيثمي مودود وأبوه لم أجد أحدا ترجمهما(2/164)
1590 - (أما بلغكم) أيها القوم الذين قد وسموا الحمار في وجهه (أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها) أي دعوت عليه باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن الرحمة فكيف فعلتم ذلك به مع أن النهي للتحريم واقترانه باللعن يدل على التغليظ وكونه كبيرة فإنه تعذيب بلا طائل (أو ضربها) أي ولعنت من ضربها (في وجهها) لأن الوجه لطيف فربما شانه وشوهه وربما آذى الحواس أو بعضها فيحرم فعل ذلك بكل دابة محترمة وهو في الآدمي أشد. قال في الصحاح: وسمه إذا أثر فيه بسمة وكما قال الزمخشري: ومن المجاز وسمه بالهجاء
(د عن جابر) بن عبد الله(2/164)
1591 - (أما) في رواية ألا (ترضى) يا عمر بن الخطاب (أن تكون لهم) في رواية لهما يعني كسرى وقيصر (الدنيا) أي نعيمها والتمتع بزهرتها ونضرتها ولذتها (ولنا الآخرة) أيها الأنبياء والمؤمنون ولم يقل لي مع كون السؤال عن حاله إشارة إلى أن الآخرة لأتباعه وهذا قاله لعمر وقد رآه عمر على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه مرط وعند رأسه إهاب معلقة فقال: كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله هكذا فذكره وزاد في رواية يا ابن الخطاب أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وذلك لأنه شاهد بعين الفؤاد موعود الجزاء فاستوى عنده ذهبها وترابها فترك الفاني للباقي على يقين ومشاهدة وآثر الصبر بحبس النفس عما تشتهيه طبعا مما هو محلل لها شرعا فلذا قال ما قال فتدبر شأن أهل الكمال
(ق هـ عن عمر) بن الخطاب(2/164)
1592 - (أما ترضى إحداكن) أيها النساء (أنها إذا كانت حاملا من زوجها بولد) ومثلها الأمة من سيدها (وهو عنها راض) أي والحال أنه راض عنها بأن كانت مطيعة له فيما يحل شرعا (أن لها) أي بأن لها مدة حملها (مثل أجر الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (في سبيل الله) أي في الجهاد (وإذا أصابها الطلق) أي ألم الولادة (لم يعلم أهل السماء [ص:165] والأرض) من إنس وجن وملائكة وغيرهم (ما أخفي لها) عند الله تعالى (من قرة أعين) جزاء لها على تحملها مشقة حملها وصبرها على شدائد المخاض ومحافظتها على رضا بعلها (فإذا وضعت) حملها (لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمص (1)) أي المولود (من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة) تكتب لها في صحيفتها لتجازى عليها يوم القيامة. قال في الصحاح: والجرعة من الماء بالضم حسوة منه. وقال الزمخشري: جرعت الماء واجترعته بمرة وتجرعته شيئا بعد شيء ومن المجاز تجرع الغيظ (فإن أسهرها) أي المولود (ليلة) فلم يدعها تنام لصياحه وعدم نومه (كان لها مثل أجر سبعين رقبة) أي نفسا (تعتقهم في سبيل الله تعالى) لله تعالى وقياس نظائره أن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد (سلامة) أي يا سلامة حاضنة ولدنا إبراهيم التي خاطبناها بذلك كله لتخبر به النساء اللاتي أرسلنها تسأل عما سيجىء (تدرين) أصله أتدرين أي أتعلمين (من أعني بهذا) الجزاء الموعود المبشر به من النساء (الممتنعات (2) الصالحات المطيعات لأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير) أي الزوج أي لا يغطين إحسانه إليهن ولا يجحدن إفضاله عليهن والعشير المعاشر أو الزوج كما في الصحاح. وقال الزمخشري: زوج المرأة عشيرها والكفر الستر والتغطية ومنه. . . في ليلة كفر النجوم غمامها
(الحسن بن سفيان) في مسنده عن هشام بن عمار عن أبيه عمار بن نصر عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عن سلامة (طس) عن محمد بن أبي زرعة عن هشام بن عمار عن أبيه عن عمرو عن أنس عن سلامة (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن سلامة) المرأة (حاضنة السيد إبراهيم) ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت قلت يا رسول الله إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء فذكره وهشام بن عمار سبق أن فيه مقالا وأبوه عمار بن نصر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال قال ابن عساكر أحاديثه تدل على لينه عن عمرو بن سعد الخولاني قال الذهبي في الذيل: اتهم بالوضع وأورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات. وقال قال ابن حبان عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس لا يحل ذكره في الكتب إلا على جهة الاعتبار للخواص
_________
(1) مبني للفاعل ويجوز بناؤه للمفعول اه
(2) قوله الممتنعات يجوز رفعه ونصبه أي أعني أو هن(2/164)
1593 - (أما كان يجد هذا) الرجل الشعث الذي تفرق شعره وثار (ما يسكن به) بضم أوله وشد الكاف (رأسه) أي شعر رأسه (1) أي يضمه ويلينه من زيت فعبر بالسكون عن ذلك (أما كان يجد هذا) الرجل الذي ثيابه وسخة دنسة (ما يغسل به ثيابه) من نحو غاسول أو صابون (2) والاستفهام للإنكار أي كيف لا يتنظف ويحسن هيئته مع تيسر تحصيل الدهن والصابون أو ما يقوم مقامه مع أنه عام الوجود سهل التحصيل خفيف المؤنة والمنة. قال الطيبي: أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته وأما خبر البذاذة من الإيمان فإثبات للتواضع للمؤمن كما ورد المؤمن متواضع وليس بذليل وله العزة دون الكبر ومنه حديث أبي بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء وحينئذ فيندب التنظف مؤكدا وقد [ص:166] كان المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحافظ على النظافة وكان يربط على بطنه الحجر من الجوع ولا يترك الطيب ويتعهد أحوال نفسه لا يفارقه في الحضر ولا في السفر المرآة والسواك والمقراض وكان إذا أراد الخروج للناس نظر في ركوة فيها ماء فيسوي من لحيته وشعر رأسه
(حم د حب ك عن جابر) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلا ثائر الشعر فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال العراقي إسناده جيد
_________
(1) فيه استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والترجيل بالزيت ونحوه وكان صلى الله عليه وسلم يدهن الشعر ويرجله غبا ويأمر به وقال من كان له شعر فليكرمه
(2) فيه طلب النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن قال الشافعي ومن نظف ثوبه قل همه وفيه الأمر بغسل الثوب ولو بماء فقط(2/165)
1594 - (أما يخشى) أي يخاف وفي رواية ألا يخشى (أحدكم) أيها المقتدون (إذا رفع رأسه) أي من السجود فهو نص في السجود لحديث أبي داود الذي يرفع رأسه والإمام ساجد وألحق به الركوع لكونه في معناه ونص على السجود لمزيد مزيته فيه إذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح ورده في العمرة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود لأن الحكم فيهما سواء (قبل) مع (الإمام) رأسه زاد في رواية ابن خزيمة في صلاته (أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع تعديا (رأس حمار) وفي رواية ابن حبان كلب (أو) للشك (يجعل الله صورته صورة حمار) حقيقة بناء على ما عليه الأكثر من وقوع المسخ في هذه الأمة أو مجازا عن البلادة الموصوف بها الحمار فاستعير ذلك للجاهل حيث لم يعلم أن الإئتمام المتابعة ولا يتقدم التابع على المتبوع أو أنه يستحق به من العقوبة في الدنيا. هذا ولا يلزم من الوعيد الوقوع وارتضى حجة الإسلام الثاني ورد ما عداه بأن تحويل رأس المقتدي من حيث الشكل لم يكن قط ولا يكون بل المراد قلب معنوي وهو مصيره كالحمار في معنى البلادة إذ غاية الحق الجمع بين الإقتداء والتقدم فعلم أنه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ لكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية قال القرطبي: وفيه ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب
(ق عد) في الصلاة (عن أبي هريرة)(2/166)
1595 - (أما يخشى أحدكم) أيها المصلون (إذا رفع رأسه) من الركوع أو السجود (في الصلاة) قبل إمامه (أن لا يرجع إليه بصره) بأن يعمى قبل رفع رأسه ثم لا يعود إليه بصره بعد ذلك وهذا زجر وتهويل ولا مانع من أن يراد بالبصر البصيرة وفيه كالذي قبله منع تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود وألحق به بعضهم التقدم عليه في الخفض بل أولى لأن الاعتدال والقعود بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا وجبت الموافقة في الوسيلة ففي المقصد أولى ونوزع بأن الرفع منهما يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد منه في الوسائل قيل وفيه أيضا جواز المقارنة ومنع بأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها قال ابن بزيرة واستدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ وهو مذهب رديء مبني على ترهات وأباطيل. (تتمة) قال في الفيض: ليس للتقدم على الإمام سبب إلا الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبله
(حم م هـ عن جابر بن سمرة) بضم الميم وتسكن تخفيفا(2/166)
1596 - (أما والله) صدره بكلمة التنبيه التي هي من طلائع القسم ومقدماته وقرنه بالقسم لتحقيق ما بعده وإثباته في خلد السامع وردا على من عاند في كفره بعدما صار على جلية من أمره (إني لأمين في السماء) قدم السماء لعلوها ورمز إلى أن [ص:167] شهرته بهذه الصفة عند العالم العلوي لا خلاف فيه (أمين في الأرض) أي في نفس الأمر وعند كل عالم بحاله وذا على وزن {فورب السماء والأرض إنه لحق} وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعى في الجاهلية الأمين وإذا أطلقوه لا يعنون به إلا هو وفيه حل مدح المرء نفسه بهذا الوصف للتأكيد
(طب عن ابن رافع) قال أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود يقول له أسلفني رغيفا إلى رجب فقال لا إلا برهن فذكره صلى الله عليه وسلم وزاد البزار اذهب بدرعي الحديد إليه(2/166)
1597 - (أما علمت) يا عمرو الذي جاء إلينا يبايعنا وقد أراد وقوع المبايعة على اشتراط المغفرة (أن الإسلام يهدم ما كان قبله) من الكفر والمعاصي أي يسقط ويمحو أثره ويرفع خبره (وأن الهجرة) من أرض الكفر إلى بلاد الإسلام (تهدم) أي تمحو والمراد بالهجرة ما كان قبل الفتح (ما كان قبلها) من الخطايا المتعلقة بحق الحق تعالى من العقوبات أما الحق المالي كزكاة وكفارة يمين ففي سقوطها خلاف بين العلماء (وأن الحج يهدم ما كان قبله) الحكم فيه كسابقيه لكن ورد في خبر أنه يكفر حتى الدماء والمظالم أخذ به جمع. وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدا في بشارته وترغيبا في متابعته وفيه عظم موقع كل من الثلاثة وأن كل واحد بمفرده يكفر ما قبله ذكره شارحون. وقال الطيبي: فيه وجوه من التأكيد تدل على أن حكم الهجرة والحج حكم الإسلام أحدهما أنه من أسلوب الحكيم فإن غرض عمرو من إبائه عن المبايعة الآتي بيانه ما كان إلا حكم نفسه في إسلامه والهجرة والحج زيادة في الجواب فكأنه قال: لا تهتم بشأن الإسلام وحده وأنه يهدم ما قبله فإن الحج والهجرة كذلك " الثاني " أن همزة إما فيها معنى النفي وما نافية فإذا اجتمعا دلا على التقرير سيما وقد اتبعا بقوله علمت إيذانا بأن ذلك أمر لا نزاع فيه ولا ينبغي أن يرتاب فيما يتلوهما " الثالث " لفظ يهدم فإنه قرينة الاستعارة المكنية شبه الخصال الثلاث في قلعها الذنوب من محلها بما يهدم البناء من أصله ثم أثبت للإسلام ما يلائم المشبه به من الهدم " الرابع " الترقي فإن قوله الحج يهدم ما قبله أبلغ في إرادة المبالغة من الهجرة لأنه دونها فإذا هدم الحج الذنوب فبالأولى أن يهدمها الهجرة لأنها مفارقة الوطن والأحباب " الخامس " تكرير يهدم في كل من الخصال دلالة على استقلال كل منهما بالهدم
(م) من حديث ابن شماسة (عن عمرو بن العاص) قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ولده يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أين كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا للمصطفى صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون استمكنت منه فقتلته فلو مت على ذلك كنت من أهل النار فلما جعل الله في قلبي الإسلام أتيته فقلت ابسط يمينك أبايعك فبسطها فقبضت يدي قال مالك قلت أشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لي فذكره فما كان أحد أحب إلي ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ولو مت على تلك الحالة رجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري حالي فيها(2/167)
1598 - (أما إنكم) قال ابن مالك في شرح الكافية: يجوز كسر إن بعد أما مقصودا بها معنى ألا الاستفتاحية وإن قصد بها معنى حقا فتحت انتهى والمعنى أيها الناس الذين جلستم عند مصلانا تكشرون أي تضحكون (لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى) من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك (الموت) بجره عطف بيان ورفعه خبر مبتدأ محذوف ونصبه بتقدير أعني (فأكثروا ذكر هاذم اللذات) الموت (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي حقيقة والذي خلق الكلام في لسان [ص:168] الإنسان قادر على أن يخلقه في الجماد ولا يلوم من ذلك سماعنا له ويحتمل أن المراد أن يقول ذلك بلسان الحال (فيقول أنا بيت الغربة) فالذي يسكنني غريب (وأنا بيت الوحدة) فمن حل بي وحيد (وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود) فمن سكنني أكله التراب والدود ومن ثم قال حكيم: اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح ما أمكنك ليؤنسك (فإذا دفن العبد المؤمن) أي المطيع لله تعالى كما يدل عليه ذكره الفاجر والكافر في مقابلته (قال له القبر مرحبا وأهلا) أي لقيت رحبا وأهلا (أما) بالتخفيف (إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلى) لما أنك مطيع لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي) أي انتقلت من الدنيا إلي. قال في المصباح: صار زيد غنيا انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن عليها وصار العصير خمرا كذلك وصار الأمر إلى كذا رجع إليه (فسترى صنيعي بك) فإني محسنه جدا وقضية السين أن الاتساع وما بعده مما يأتي يتأخر عن الإقبار (فيتسع مد بصره) أي بقدر ما يمتد إليه بصره (ويفتح له باب إلى الجنة) يعني تفتحه له الملائكة بإذن الله أو ينفتح بنفسه بأمر الله (وإذا دفن العبد الفاجر) أي المؤمن الفاسق (أو الكافر) بأي كفر كان (قال له القبر) بلسان الفال أو الحال على ما سبق (لا مرحبا ولا أهلا) بك (أما) بالتخفيف (إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي) لما أنك عاص لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه) أي ينضم (حتى يلتقي عليه) بشدة وعنف (وتختلف أضلاعه) من شدة الضغط وقضية هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره (ويفيض له سبعون تنينا) أي ثعبانا (لو أن واحدا منها نفخ في الأرض) أي على ظهرها بين الناس (ما أنبتت شيئا) من النبات (ما بقيت الدنيا) أي مدة بقائها (فينهشنه) بشين معجمة وقد تهمل والنهش القبض على اللحم ونثره (ويخدشنه) أي يخرجنه قال في المصباح خدشته خدشا جرحته في ظاهر الجلد (حتى يفضي به إلى الحساب) أي حتى يصل إلى يوم القيامة والإفضاء الوصول. قال في المصباح: أفضيت إلى الشيء وصلت إليه (إنما القبر روضة من رياض الجنة) حقيقة لما يتحف المؤمن به من الريحان وأزهار الجنان أو مجازا عن خفة السؤال على المؤمن وأمنه وراحته وسعته كما يقال فلان في الجنة إذا كان عيشه رغدا (أو حفرة من حفر النار) حقيقة أو مجازا على ما تقرر فيما قبله والقبر واحد القبور. قال في المختار: وهو مما أكرم به بنو آدم [ص:169] وقال الزمخشري: تقول نقلوا من القصور إلى القبور ومن المنابر إلى المقابر والخفرة قال في الصحاح بالضم واحدة الحفر. وقال الزمخشري: حفر النهر بالمحفار واحتفره ودلوه في الحفرة والحفيرة وهو القبر <تنبيه> ظاهر هذا الخبر أن عذاب القبر غير منقطع وفي كثير من الأخبار والآثار ما يدل على انقطاعه والظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص
(ت عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه (أما) بالتشديد وكذا ما بعده(2/167)
1599 - (أما أنا فلا آكل متكئا) أي متمكنا معتمدا على وطاء تحتي أو مائلا إلى أحد شقي ومن فهم أن المتكئ ليس إلا المائل إلى أحدهما فقد وهم إذ كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ وفي إفهام قوله أما أنا جعل الخيار لغيره على معنى أما أنا أفعل كذا وأما غيري فبالخيار فربما أخذ منه أنه غير مكروه لغيره
(ت عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة السوائي وقد سبق وظاهر صنيعه أن ذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه في منن الشفاء للبخاري(2/169)
1600 - (أما أهل النار) في أكثر نسخ مسلم أهل النار بحذف أما وعليه فالفاء في فإنهم الآتية زائدة (الذين هم أهلها) أي المختصون بالخلود فيها المستوجبون لعذاب الأبد وفيه إيذان بأنه لا يسمى أهل النار إلا الكفار (فإنهم لا يموتون فيها) موتا يريحهم (ولا يحيون) فيها حياة تريحهم كما قال تعالى {لا يموت فيها ولا يحيى} وهذا مذهب أهل السنة أن النعيم والعذاب دائم (ولكن ناس) من المؤمنين (أصابتهم النار بذنوبهم) في رواية بخطاياهم (فأماتتهم) بتاءين أي النار وفي رواية لمسلم فأماتهم الله (إمانة) أي بعد أن يعذبوا ما شاء الله وهي إماتة حقيقية وقيل مجازية عبارة عن ذهاب الإحساس بالألم ورجح الأول تأكيده بالمصدر وفائدة النار مع عدم الإحساس بعذابها حصول التأديب بصرفهم عن نعيم الجنة تلك المدة ثم يحبسون في النار بلا إحساس ما شاء الله كالمسبحون بدار عذاب الملك والإيمان على باب النار ينتظرهم (حتى إذا) بعثهم الله من تلك النوبة قد (صاروا فحما) أي كالحطب الذي أحرق حتى اسود في الصحاح الفحم معروف قال في المصباح: وقد تفتح الحاء وفحمت وجهه بالتثقيل سودته بالفحم (أذن) بالبناء للمفعول والفاعل الله تعالى (بالشفاعة) فيهم فحملوا وأخرجوا (فجيء بهم) أي فتأتي بهم الملائكة إلى الجنة بإذن ربهم (ضبائر ضبائر) بفتح الضاد المعجمة نصب على الحال هكذا وقعت مكررة في الروايات أي يحملون كالأمتعة جماعات منفردين في تفرقة عكس أهل الجنة فإنهم يدخلون يتحاذون بالمناكب لا يدخل آخرهم قبل أولهم ولا عكسه كما في خبر. وهؤلاء يدخلون متفرقين إظهارا لأثر المخالفة عليهم ومع ذلك ففصل الله شملهم والضبائر جمع ضبارة بفتح الضاد المعجمة وكسرها الحزمة. قال في المصباح: ضبر الفرس جمع قوائمه وعنده إضبارة من كيت بكسر الهمزة جماعة وهي الحزمة انتهى (فبثوا) بباء موحدة مضمومة ثم مثلثة أي فرقوا (على أنهار الجنة) أي على حافاتها (ثم قيل) أي قالت الملائكة بأمر الله أو قال الله (يا أهل الجنة أفيضوا) صبوا (عليهم) من الماء ماء الحياة فيفيضون منه فيحيون (فينبتون نبات الحبة) ولفظ رواية مسلم فينبتون منه كما تنبت الحبة وهو بكسر الحاء وشدة الموحدة حب الرياحين والعشب وبزر البقول ونحوه مما ينبت في البرية والصحراء ما ليس بقوت يكون (في حميل السيل) بفتح الحاء وكسر الميم ما حمله السيل من نحو طين أو غثاء في معناه محمول السيل وزعم إرادة حب البقلة الحمقاء وهي الرجلة لأنها تنبت سريعا على جانب السيل فيتلفه السيل ثم تنبت فيتلفه وهكذا ولهذه سميت بالحمقاء كأنه لا تمييز لها يرده رواية البخاري فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل [ص:170] ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية وبقلة الحمقاء ليست صفراء وإنما كانت صفراء لأنها أحسن ألوان الرياحين ولهذا تسر الناظرين وسيد رياحين الجنة الحناء وهو أصفر والمراد التشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسن لونه وضعف النبات فهو كناية عن سرعة نباتهم وحسن ألوانهم وضعف حالهم ثم يشتد قواهم بعد ويصيرون إلى منازلهم شبه سرعة عود إنباتهم بسرعة نباتها وفي خبر يكتب على جباههم هؤلاء عتقاء الرحمن قيل وماء الحياة معنوي ولا مانع من كونه حسيا وفيه رد على المرجئة حيث أفاد دخول طائفة من الأمة النار وعلى المعتزلة لدلالته على عدم تخليد العاصي فيها
(حم م هـ عن أبي سعيد) الخدري قال العارف ابن عربي رضي الله عنه وهو صحيح كشفا(2/169)
1601 - (أما أول أشراط الساعة) أي علاماتها التي يعقبها قيامها (فنار تخرج من المشرق) أي جهة شروق الشمس (فتحشر الناس) أي تجمعهم مع السوق (إلى المغرب) قيل لعله أراد نار الفتن وقد وقعت كفتنة التتار سارت من المشرق إلى المغرب وقيل بل تأتي واستشكل جعل النار أول العلامات بأن بعثة نبينا من الأشراط والنار لم تتقدمه وفي خبر أول الآيات طلوع الشمس من مغربها (وأجيب بأن) بعض علاماتها علامات لقربها وبعضها علامة غاية قربها وبعضها علامة وقوعها ومن الأول البعثة ومن الثاني النار والدخان والدجال ويأجوج ومأجوج والثالث طلوع الشمس وخروج الدابة سمي أولا لأنه مبدأ ذلك القسم (وأما أول ما) أي طعام (يأكله أهل الجنة) أي فيها (فزيادة كبد حوت) أي زائدته وهي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد وهي ألذه وأهناه وأمرأه (1) (وأما شبه الولد أباه) تارة (وأمه) تارة أخرى (فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة) في النزول والاستقرار في رحمها (نزع إليه) أي نزع إلى الرجل (الولد) بنصبه على المفعولية أي جذب السبق إليه الولد (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع) أي الولد (إليها) أي إلى المرأة. قال في الصحاح: نزع إلى أبيه في الشبه أي ذهب وفي المصباح نزع إلى الشيء ذهب إليه وإلى أبيه ونحوه أذهبه أشبهه
(حم خ ن عن أنس) قال بلغ ابن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاثة لا يعلمها إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع الولد إلى أخواله فقال النبي صلى الله عليه وسلم خبرني بهن آنفا جبريل ثم ذكره فأسلم
_________
(1) والحكمة في ذلك أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول الحرارة التي حصلت للناس في الموقف(2/170)
1602 - (أما صلاة الرجل في بيته) أي في محل إقامته من بيت أو خلوة أو غيرهما (فنور) أي منورة للقلب بحيث يشرق فيه أنوار المعارف والمكاشفات وتكون نورا يوم القيامة في تلك الظلم (فنوروا بها بيوتكم) فإنها تمنع المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به
(حم هـ عن عمر) بن الخطاب(2/170)
1603 - (أما) بالتشديد (في ثلاثة مواطن) أي أماكن من يوم القيامة. قال في الصحاح: الوطن محل الإنسان والموطن المشهد من مشاهد الحروب. وقال الزمخشري: من المجاز هذه أوطان الإبل لمرابضها وثبت في موطن القتال ومواطنه وهي مشاهدة (فلا يذكر أحد أحدا) لعظم هولها وشدة روعها (عند الميزان (1)) أي إذا وضع لوزن الأعمال [ص:171] (حتى يعلم) الإنسان (أيخف ميزانه) فيكون من الهالكين (أم يثقل) فيكون من الناجين (وعند الكتاب) أي نشر صحف الأعمال (حين يقال هاؤم (2) اقرؤوا كتابيه (3) حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره) قال ابن السائب: تلوى يده خلف ظهره ثم يعطى كتابه وقيل تنزع من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطاه قال ابن رسلان: وظاهره أن من يؤتى كتابه بشماله قسمان قسم يؤتاه بشماله لا من وراء ظهره وقسم بشماله من ورائه وقال غيره: يعطى المؤمن العاصي كتابه بشماله والكافر من ورائه (وعند الصراط) الجسر الممدود على متن جهنم ليمر الناس عليه (إذا وضع بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء أي على ظهرها أي وسطها كالجسر فزيدت الألف والنون للمبالغة والياء لصحة دخول بين على متعدد وقيل لفظ ظهراني مقحم (حافتاه كلاليب (4)) جمع كلاب بالضم أو كلوب بالفتح وشد اللام فيهما حديدة معوجة الرأس أو عود في رأسه اعوجاج (كثيرة وحسك) جمع حسكة شوكة صلبة معروفة تسمى شوك السعدان تشبه حلمة الثدي (كثير يحبس الله بها من يشاء من خلقه) يعني يعوق من شاء ويصرعه بكلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار (حتى يعلم أينجو أم لا) قال الحليمي: في الحديث إشعار بأن للمارين عليه مواطئ الأقدام فما ورد من أنه أدق من الشعر معناه أن يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود ذلك إلا الله لخفائها وغموضها وقد اعتيد ضرب المثل للغامض الخفي بدقة الشعر وأنه أحد من السيف معناه أدق دقيق اه. وهذا كله إلهاب وتهييج وتذكير للمرء بما أمامه من القدوم على أهوال لا يخلصه منها إلا لطف الرحمن
(د) في السنة (ك) في الأهوال (عن عائشة) قالت ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قالت ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فذكره قال الحاكم على شرطهما لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة اه. ورواه أحمد رضي الله تعالى عنه بأتم من هذا وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي
_________
(1) قال النووي وهي واحدة ذات لسان وكفتين وكفة الحسنات من نور وكفة السيئات من ظلمة
(2) هاؤم اسم فعل بمعنى خذوا
(3) كتابيه تنازعه هاؤم واقرؤوا فهو مفعول اقرؤوا لأنه أقرب العاملين ولأنه لو كان مفعول هاؤم لقيل اقرؤه إذ الأولى إضماره حيث أمكن أي يقول ذلك الناجي لجماعته لما يحصل له من السرور والظاهر أن قوله هاؤم إلخ معترض بين قوله وعند الكتاب وقوله حتى يعلم إلخ
(4) أي هما نفسهما كلاليب وهو أبلغ من كونهما فيهما(2/170)
1604 - (أما بعد) قال الطيبي: أما وضع للتفصيل فلا بد من التعدد ونقل عن أبي حاتم أنه لا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها إلا وتثنى وتثلث كقوله تعالى {أما السفينة وأما الجدار} وعامله مقدر أي مهما يكن بعد تلك القضية (فإن أصدق) وفي رواية بدله خير (الحديث كتاب الله) اقتباس من قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} فهو لإعجازه وإفهامه ما اشتمل عليه من أخبار الأمم والأحكام والمواعظ ومنفعة الخلق وتناسب الألفاظ وتناسقها في التخير والإصابة وتجاذب نظمه وتآليفه في الإعجاز والتبكيت أحسن حديث (وإن أفضل) وفي رواية وإن خير (الهدي هدي محمد) بفتح الهاء وسكون الدال فيهما أي أحسن الطرق طريقته وسمته وسيرته من هدى هديه سار بسيرته وجرى على طريقته ويقال فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب ومنه خبر " اهتدوا بهدي عمار " وبضم ففتح فيهما وهو بمعنى الدعاء والرشاد ومنه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} إن هذا القرآن يهدي. وقال القاضي: هو من تهادت المرأة في مشيها إذا تبخترت ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة وسنة مرضية ولامه للاستغراق لأن أفعل [ص:172] التفضيل لا يضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود وهو تفضيل دينه وسنته على جميع السنن والأديان (وشر الأمور محدثاتها) جمع محدثة بالفتح وهي كما سبق ما لم يعرف من كتاب ولا سنة ولا إجماع. قال القاضي: روي شر الأمور بالنصب عطف على اسم إن وهو الأشهر وبالرفع عطف على محل إن مع اسمه (وكل بدعة ضلالة) أي وكل فعلة أحدثت على خلاف الشرع ضلالة لأن الحق فيما جاء به الشارع فما لا يرجع إليه يكون ضلالة إذ ليس بعد الحق إلا الضلال (وكل ضلالة في النار) فكل بدعة فيها وقد سبق ذا موضحا بما منه أن المراد بالمحدث الذي هو بدعة وضلالة ما لا أصل له في الشرع والحامل عليه مجرد شهوة أو إرادة بخلاف محدث له أصل فيه إما بحمل النظير على نظيره أو لغير ذلك وقوله وكل إلى آخره عام مخصوص (أتتكم الساعة بغتة) بنصبه على المفعولية وجوز رفعه. قال في الكشاف: الساعة القيامة سميت به لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة (بعثت أنا والساعة هكذا) وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. قال القاضي: يحتمل أنه تمثيل لمقارنتها وأنه ليس إصبع أخرى كما لا شيء بينه وبين الساعة ويحتمل أنه تقريب لما بينهما في المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الأصبعين تقريبا لا تحديدا (صبحتكم الساعة ومستكم) أي توقعوا قيامها فكأنكم بها وقد فجأتكم على بغتة صباحا أو مساء فبادروا إلى التوبة لتسقط عنكم المعاصي وازهدوا في الدنيا ليخف حسابكم وتذكروا الآخرة وأهوالها وما هو إلا من نفس إلى نفس فتصيرون إليها {إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) أي أحق. كان إذا احتاج لنحو طعام وجب على صاحبه بذله له {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (من ترك مالا فلأهله) الذين يرثونه (ومن ترك دينا) عليه لم يوفه في حياته (أو ضياعا) بفتح الضاد أي عيالا وأطفالا (فإلي وعلي) أي فأمر كفاية عياله إلي وعلي قضاء دينه فهو لف ونشر غير مرتب (وأنا ولي المؤمنين) جميعا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يصلي على مدين مات ولم يخلف وفاء زجرا للناس عن الاستدانة وإهمال الوفاء فلما فتح الله تعالى على المسلمين قال: من ترك دينا فعلي وفاؤه أي قضاؤه وهل كان يقضيه تكرما أو وجوبا؟ وجهان الأصح الثاني ثم قيل إن ذا من خصائصه وقيل بل يقضى في كل زمن من المال وفيه أنه يسن أن يقال في الخطب أما بعد
(حم م ن هـ عن جابر) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول أما بعد إلى آخره(2/171)
1605 - (أما بعد) أي حمد الله والثناء عليه قال عياض: هي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من حمد وثناء والانتقال إلى ما يريد التكلم فيه ويعوض عنها لفظتين هذا ولما كان كذا وأول من قالها داود أو يعقوب أو يعرب بن قحطان أو كعب بن لؤي أو سحبان أو وائل أو قس بن ساعدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة للأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرف خاصة ثم يجمع بينهما بالنسبة إلى القبائل (فو الله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة فعين ساكنة فطاء مكسورة بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي (الرجل وأدع) بفتح الهمزة والدال أي اترك (الرجل) الآخر فلا أعطيه شيئا (والذي أدع) إعطاءه (أحب إلي من الذي أعطى) عائد الموصول محذوف (ولكن) وفي رواية للبخاري ولكني (أعطي أقواما لما) بمسر اللام (أرى) [ص:173] من نظر القلب لا من نظر العين (في قلوبهم من الجزع) بالتحريك أي الضعف عن تحمل ما نزل بهم من الإملاق (1) (والهلع) بالتحريك أيضا شدة الجزع أو أفحشه أو هما بمعنى وهو شدة الحرص فالجمع للاطناب (وأكل أقواما) بفتح الهمزة وكسر الكاف (إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى التصبر والتعفف عن المسألة والشره (منهم) أي من الأقوام الذين لهم غنى النفس (عمرو بن تغلب) بفتح المثناة فوق وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بالتحريك وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة وأما في الدنيا فتقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية وأن البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع وأن المنع قد يكون خيرا للممنوع {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} واستئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه
(خ عن عمرو بن تغلب) هذا قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين تركوا عتبوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال عمرو: فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم (2) انتهى
_________
(1) أي الفقر
(2) أي ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر وهذه صفة تدل على قوة إيمانه ويكفيه هذه المنقبة الشريفة(2/172)
1606 - (أما بعد) قال القاضي: أما حرف يذكر لفصل الخطاب ويستدعي جوابا صدر بالفاء الجزائية لما فيها من معنى الشرط. قال سيبويه: إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق (فما) وفي رواية البخاري ما بدون فاء في الجواب. قال الزركشي: وهو عتد اللغويين نادر (بال أقوام) أي ما حالهم أي أهل بريرة. أرادت عائشة شراءها منهم وتعتقها فشرطوا كون الولاء لهم ولم يشرط الله في كتابه ذلك فخطب فنبه على تقبيح فعلهم حيث (يشترطون شروطا) جمع شرط وهو إلزام الشيء والتزامه (ليست في كتاب الله) أي في حكمه الذي كتب على عباده وشرعه لهم (ما كان من شرط ليس في كتاب الله) أي ليس في حكمه الذي يتعبد به عباده من كتاب أو سنة أو إجماع فليس المراد الفرقان لأن كون الولاء للمعتق ليس منصوصا في القرآن وقال ابن خزيمة: أي ليس في حكمه جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به القرآن باطل لأنه قد يشترط في البيع (فهو باطل وإن كان مئة شرط) مبالغة وتأكيدا لأن العموم في قوله ما كان من شرط إلى آخره دل على بطلان جميع الشروط وإن زاد على المئة فالعدد خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت (قضاء الله) المشروط أي حكمه (أحق) باتباع من غيره يعني هو الحق لا غيره (وشرط الله أوثق) أي هو القوي وما سواه باطل واه فافعل لا تفضيل فيه في الموضعين إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) لا إلى غيره من مشترط أو غيره فهو منفي عنه شرعا وفيه أنه لا ولاء لمن أسلم على يده رجل أو خالفه خلافا للحنفية ولا لملتقط خلافا لإسحاق
(ق 4 عن عائشة) وهي قصة بريرة المشهورة(2/173)
[ص:174] 1607 - (أما بعد) أي بعد الحمد والثناء (فما بال العامل) أراد به عبد الله بن اللتيبة بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة وياء النسب استعمله على عمل فجاء حين فرغ فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب موبخا له على تأويله الفاسد مبينا له بطلان رأيه الكاسد فقال (نستعمله) أي نوليه عاملا (فيأتينا) عند انتهاء عمله (فيقول هذا من عملكم) أهدي إلي لخاصة نفسي (أفلا قعد) في رواية للبخاري فهلا جلس (في بيت أبيه وأمه فنظر) بضم النون ولأبي ذر بفتحها (هل يهدى له) بالبناء للمفعول (أم لا فوا الذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتدبيره (لا يغل أحدكم) بغين معجمة مضمومة من الغلول وهي الخيانة في الغنيمة (منها) أي الصدقة (شيئا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على عنقه) {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} (إن كان بعيرا جاء به) يومها (له رغاء) بضم الراء والتخفيف ومد له صوت (وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار) بضم أوله المعجم صوت (وإن كانت شاة جاء بها تيعر) بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة صوت شديد (فقد بلغت) بشد اللام أي بلغت حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم وبقية الحديث ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه وفيه أن الإمام يخطب في الأمر المهم واستعمال أما بعد في الخطبة ومحاسبة المؤتمن ومنع العامل من قبول الهدية ممن له عليه حكم وإبطال كل طريق يتوصل به من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ مع وجود الفاضل وأن من وجد متأولا خطأ يشهر خطأه ليحذر
(حم ق د عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد (الساعدي) بكسر العين المهملة وذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة(2/174)
1608 - (أما بعد ألا أيها الناس) الحاضرون أو أعم (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي) يعني ملك الموت (فأجيب) أي أموت كنى عنه بالإجابة إشارة إلى أنه ينبغي تلقيه بالقبول كأنه مجيب إليه باختياره (وأنا تارك فيكم ثقلين) سميا به لعظم شأنهما وشرفهما (أولهما كتاب الله) قدمه لأحقيته بالتقدم (فيه الهدى) من الضلال (والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل) أي أخطأ طريق السعادة وهلك في ميادين الحيرة والشقاوة (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فإنه السبب الموصل إلى المقامات العلية والسعادة الأبدية (وأهل بيتي) أي وثانيهما أهل بيته وهم من حرمت عليهم الصدقة من أقربائه قال الحكيم: حض على التمسك بهم لأن الأمر لهم معاينة فهم أبعد عن المحنة وهذا عام أريد به خاص وهم العلماء العاملون منهم فخرج الجاهل والفاسق وهم بشر لم يعروا عن شهوات الآدميين ولا عصموا عصمة النبيين وكما أن كتاب الله منه ناسخ ومنسوخ فارتفع الحكم بالمنسوخ هكذا ارتفعت القدرة بغير علمائهم الصلحاء وحث على الوصية بهم لما علم مما سيصيبهم بعده من البلايا والرزايا انتهى. (أذكركم الله في أهل بيتي) أي في الوصية بهم واحترامهم وكرره ثلاثا للتأكيد. قال الفخر الرازي: جعل الله تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء في المحبة [ص:175] وتحريم الصدفة والطهارة والسلام والصلاة ولم يقع ذلك لغيرهم (تتمة) قال الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السبطين ورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتنع بما خلفه الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه
(حم وعبد بن حميد م) في المناقب كلهم (عن زيد بن أرقم) قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد فذكره وتتمته في مسلم من عدة طرق لفظه في أحدها قيل لزيد أليس نساؤه من أهل بيته قال ليس نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده وفي رواية له إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة(2/174)
1609 - (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله) القرآن لأنه يستحيل الكذب في خبره وإنما تكذب الظنون في فهم خطابه وإنما ينتفي الريب عن سامعه بقدر قوة إيمانه ومتانة إبقائه وسماه حديثا لنزوله منجما لا لكونه ضد القديم (وأوثق العرى كلمة التقوى) كلمة الشهادة إذ هي الوفاء بالعهد ومعنى إضافتها إلى التقوى انها سبب التقوى وأسها وقيل كلمة أهل التقوى ذكره في الكشاف وقوله اوثق العرى من باب التمثيل مثلت حال المتقي بحال من أراد التدلي من شاهق فاحتاط لنفسه بتمسكه بعروة من حبل متين مأمون انقطاعه (وخير الملل ملة إبراهيم) الخليل ومن ثم أمر صلى الله عليه وسلم باتباعها {أن اتبع ملة إبراهيم} (وخير السنن سنة محمد) صلى الله عليه وسلم وهي قوله أو فعله أو تقريره لأنها أهدى من كل سنة وأقوم من كل طريقة (وأشرف الحديث ذكر الله) لأن الشيء يشرف بشرف من هو له (وأحسن القصص هذا القرآن) لأنه برهان ما في سائر الكتب ودليل صحتها لأنه معجزة وليس تلك بمعجزة فهي مفتقره إلى شهادته على صحة ما فيها افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة ذكره الزمخشري (وخير الأمور عوازمها (1) وشر الأمور محدثاتها) بضم فسكون جمع محدثة (2) وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا إجماع (وأحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة السمت والطريقة والسيرة أي خير السيرة والطريقة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقته وروي أيضا بضم الهاء وفتح الدال ومعناه الدلالة والرشاد (هدي الأنبياء) لأنه تعالى تولى هدايتهم وتأديبهم وعصمتهم عن الضلال والإضلال والهدي بضم الهاء وفتح الدال والقصر الارشاد واللام في الهدي للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود (وأشرف الموت قتل الشهداء) لأنه في الله ولإعلاء كلمة الله فأعقبهم الحياة بالله ولهذا نهى الله الخلق عن إطلاق الموت عليهم (وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى) أي الكفر بعد الإسلام فهو العمى على الحقيقة (وخير العلم ما نفع) وفي رواية بدل العلم العمل بأن صحبه إخلاص فإن العلم الذي لا ينفع لا خير فيه لصاحبه بل هو وبال عليه
[ص:176] (وخير الهدى ما اتبع) بالبناء للمجهول أي اقتدي به كنشر العلم للمريدين وتهذيب المشايخ لأحوال السالكين وهي سيرة المرسلين وشر العمى عمى القلب لأن عماه يفقد نور الإيمان بالغيب فيثمر الغفلة عن الله والآخرة {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} فعمى البصيرة أشد من عمى البصر لأنه عظيم الضرر {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (واليد العليا خير من اليد السفلى) أي اليد المعطية خير من اليد الآخذة (3) (وما قل) من الدنيا (وكفى) الإنسان لمؤنته ومؤنة من عليه مؤنته (خير مما كثر وألهى) عن الله والدار الآخرة لأن الاستكثار من الدنيا يورث الهم والغم وقسوة القلب وشدة الحرص وينسي الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة (وشر المعذرة حين يحضر الموت) فإن العبد إذا اعتذر إلى الله بالتوبة عند احتضاره ووقوعه في الفزع لا يفيده فمراده الاعتذار عند الغرغرة ومعاينة ملك الموت وهي حالة كشف الغطاء واليأس من البقاء {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} (وشر الندامة) أي الحزن. وقال الراغب: الندم التحسر على ما فات (يوم القيامة) فإنها لا تنفع يومئذ ولا تفيد. (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا) بفتح أو ضم المهملة كذا ذكره بعضهم وقال العسكري: الصواب بضمتين ونصبه على الظرف أي بعد فوت الوقت (ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا) أي تاركا للإخلاص كأن قلبه هاجر للسانه {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} لا يدعوهم إلى موافقة العاملين إلا استقباح المذمة من الناس والسطوة من السلطان أو العيب من الإخوان والجيران {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} (وأعظم الخطايا اللسان الكذوب) وهو الذي تكرر كذبه حتى صار صفة له حتى يأتي بالكبائر كلها كالقذف والبهتان وشهادة الزور وغيرها وربما أفضى إلى الكفر فإن اللسان أعظم عملا من سائر الجوارح فإذا تعود الكذب أورد صاحبه المهالك. (وخير الغنى غنى النفس) فإنه الغنى على الحقيقة وفقير النفس لا يزال في هم وغم على تحصيل الدنيا والحرص على جمعها بقوله أخاف الفقر في الكبر وغير ذلك (وخير الزاد) إلى الآخرة (التقوى) {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} قال الغزالي: جمعت خيرات الدنيا والآخرة تحت هذه الخصلة التي هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير ووعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة ومدار العبادة على ثلاثة أصول: الأول: التوفيق والتأييد وهو للمتقين قال الله تعالى {أن الله مع المتقين} . الثاني: إصلاح العمل واتقاء التقصير وهو للمتقين. قال الله تعالى {يصلح لكم أعمالكم} . الثالث: قبول العمل وهو للمتقين قال الله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين} فالتقوى هي الجامعة للخيرات الكافية للمهمات الرافعة للدرجات (ورأس الحكمة مخافة الله) أي الخوف منه أصلها واسمها فمن لم يخف الله فباب الحكمة عليه مسدود (وخير ما وقر في القلب اليقين) أي خير ما سكن فيه نور اليقين فإنه المزيل لظلمة الريب. قال الزمخشري: من المجاز وقر في قلبه كذا وقع وبقي أثره وكلمته وقرت في إذنه ثبتت (والارتياب) أي الشك في شيء مما جاء به الرسول (من الكفر) بالله تعالى (والنياحة من عمل الجاهلية) أي النوح على الميت بنحو واكهفاه واجبلاه من عادة الجاهلية وقد جاء الإسلام بتحريمه (والغلول) أي الخيانة الخفية (من جثا جهنم) جمع جثوة بالضم الشيء المجموع كذا في النهاية وفي التقريب الجثوة مثلثة الحجارة المجموعة وقيل معنى
[ص:177] من جثاء جهنم من جماعتها وفي رواية للقضاعي من جمر جهنم. قال شارحه: لأن الغلول يصير على الغال جورا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي غل شملة إنها تضرم عليه نارا (والكنز) أي المال الذي لم تؤد زكاته (كي من النار) أي يكوي صاحبه في نار جهنم (والشعر) بكسر الشين الكلام المقفى الموزون قصدا (من مزامير إبليس) أي الشعر المحرم لا الجائز (والخمر جماع الإثم) أي مجمعه ومظنته والجماع اسم لما يجمع ويضم يقال هذا الباب جماع الأبواب من جمعت الشيء ضممته كالكفات من كفت الشيء إليه إذا ضمه وجمعه ذكره الكشاف. وفي الفائق جماع كل شيء مجمتمع أصله يقال لما اجتمع في الغصن من النور هذا جماع الثمر (والنساء حبالة الشيطان) أي مصائده وفخوخه واحدها حبالة بالكسر وهي ما يصاد بها من أي شيء كأن دعى رجل إلى قتل نفس فأبى ثم إلى الزنا فأبى ثم إلى الخمر فشرب فزنا فقتل وقيل ما أيس الشيطان من آدمي من قبل النساء ومن ثم قال سليمان عليه الصلاة والسلام: امش وراء الأسد ولا تمش وراء المرأة وسمع عمر رضي الله عنه تعالى امرأة تقول:
إن النساء رياحين خلقن لكم. . . وكلكم يشتهي شم الرياحين
فقال:
إن النساء شياطين خلقن لنا. . . نعوذ بالله من شر الشياطين
وقال بعض الحكماء: إياك ومخالطة النساء فإن لحظات المرأة سهم ولفظها سم (والشباب شعبة من الجنون) لأن الجنون يزيل العقل وكذا الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقبال على المضار لحداثة السن سيما مع الجدة
إن الشباب والفراغ والجده. . . مفسدة للمرء أي مفسدة
(وشر المكاسب كسب الربا) أي التكسب به لأن درهما منه أشد من ثلاث وثلاثين زينة كما يجىء في أخبار (وشر المآكل أكل مال اليتيم) ظلما {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (4) ولذا كان من أكبر الكبائر (والسعيد من وعظ بغيره) أي السعيد من تصفح أفعال غيره فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها قال:
إن السعيد له من غيره عظة. . . وفي التجارب تحكيم معتبر
وقال حجة الإسلام: المراد أن الإنسان يشاهد من خبائث من اضطر إلى مرافقته وأحواله وصفاته ما يستقبحه فيجتنبه وقيل لعيسى عليه الصلاة والسلام من أدبك فقال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فجانبته. قال الحجة: ولقد صدق فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن مؤدب فاطلع في القبور واعتبر بالنشور وانظر إلى مصارع آبائك وفناء إخوانك ومن أمثالهم كم قذف الموت في هوة من جمجمة من هوة وكفى بالموت واعظا ونظر الحسن رضي الله عنه إلى ميت يقبر فقال: والله إن أمرا هذا أوله لحري أن يخاف آخره وإن أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله. وقال مطرف: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه. وقال الحكماء: للباقين بالماضين معتبرا وللآخرين بالأولين مزدجر والسعيد من لا يركن إلى الخدع ولا يغتر بالطمع. وقالوا: السعيد من اعتبر بأمه واستظهر لنفسه والشقي من جمع لغيره وبخل على نفسه (والشقي من شقي في بطن أمه) فلا اختيار للسعيد في تحصيل السعادة ولا اقتدار للشقي على تبديل الشقاوة. قال ابن الكمال: ومعنى الحديث أن السعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه وتقدير الشقاوة له قبل أن يولد لا يدخله في حيز
[ص:178] ضرورة السعادة كما دل عليه خبر كل مولود يولد على الفطرة (وإنما يصير أحدكم) إذا مات (إلى موضع أربع أذرع) وهو اللحد وانظر إلى ما تصير وفيم تسكن وقيل في آية {وكان تحته كنز لهما} هو لوح من ذهب فيه: عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن يعرف النار كيف يضحك ولمن يعرف الدنيا وتحويلها كيف يطمئن إليها؟ وقال ثابت: أي عبد أصعب حالا ممن يأتيه ملك الموت وحده ويقبر بلحده وحده وقيل لبشر بن الحارث: عظنا قال: ما أقول فيمن القبر مسكنه والصراط جوازه والقيامة موقفه والله مسائله فلا يعلم إلى جنة فيهنئ أم إلى نار فيعزى (والأمر بآخره) بالمد إنما الأعمال بخواتيمها (وملاك العمل) بكسر الميم وفتحها أي قوامه ونظامه وما يعتمد عليه فيه (خواتمه) وأصل الملاك استحكام القدرة ومعناه أن أحكام عمل الخير وثباته موقوفة على سلامة عاقبته إنما الأعمال بالخواتيم قفد يبتدىء بالصلاة وغيرها بنية خالصة ثم يعرض له آفة تمنع صحته أو تبطل أجره من نحو عجب أو رياء أو عزم على تركه فإن لم يعرض آفة قبل تمامه أو عرضت وردها بالعلم وختم بما بدأ استحكم عمله باستدراكه ما فرط في الأثناء بإخلاص خاتمته. قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل وإن كان هالكا زاد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين خوف ورجاء. إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا سوى مقدار شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة كما سيجىء في الخبر (وشر الروايا (5) روايا الكذب وكل ما هو آت) من الموت والقيامة والحساب والوقوف (قريب) وأنت سائر على مراحل الأيام والليالي إليه {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا} فالجاهل يراه بعيدا لعمى قلبه والمؤمن الكامل يراه بنور إيمانه قريبا كأنه يعاينه فبذل دنياه لأخراه وسلم نفسه لمولاه فلا تغرنك الدنيا فجديدها عما قليل يبلى ونعيمها يفنى ومن لم يتركها اختيارا فعما قريب يتركها اضطرارا ومن لم تزل نعمته في حياته زالت بمماته قال ابن عطاء رضي الله عنه: لا بد لهذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه فالعاقل من كان بما هو أبقى أوثق منه بما هو يفنى. وقال بعض الحكماء: من كان يؤمل أن يعيش غدا فهو يؤمل أن يعيش أبدا. قال الماوردي: ولعمري إنه صحيح إذ كل يوم غدا فإذا يفضى به الأمل إلى الفوت من غير ويؤديه الرجاء إلى الإهمال بغير تلاف. وقال الحكماء: لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن وكل ما هو آت كائن (وسباب المؤمن) بكسر السين المهملة أي سبه وشتمه (فسوق) أي فسق (وقتال المؤمن) بغير حق (كفر) إن استحل قتله بلا تأويل سائغ (وأكل لحمه من معصية الله) أي غيبته وهي ذكره بما يكرهه حرام {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} (وحرمة ماله كحرمة دمه) فكما يمتنع سفك دمه بغير حق يمتنع أخذ شيء من ماله بغير حق. قال في الكشاف: الحرمة ما لا يحل هتكه (ومن يتأل على الله) أي يحكم عليه ويحلف كقوله والله ليدخلن فلان النار من الألية وهي اليمين (يكذبه) بأن يفعل خلاف ما حلف عليه مجازاة له على جراءته وفضوله (ومن يغفر يغفر الله له) أي ومن يستر على أخيه فضيحة اطلع عليها يستر الله ذنوبه فلا يؤاخذه بها (ومن يعف) أي عن الجاني عليه (يعف الله عنه) أي ومن يمحو أثر جناية غيره يمحو الله سيئاته جزاءا وفاقا (ومن يكظم الغيظ) أي يرده ويكتمه مع قدرته على إنفاذه (يأجره الله) أي يثيبه الله لأنه [ص:179] محسن يحب المحسنين وكظم الغيظ إحسان. قال الزمخشري: كظم البعير جرته ازدردها وكف عن الاجترار وكظم القربة ملأها وشد كظم الباب سده ومن المجاز كظم الغيظ وعلى الغيظ انتهى (ومن يصبر على الرزية) أي المصيبة احتسابا لله (يعوضه الله) عنها خيرا مما فاته منها (ومن يتبع الشمعة يسمع الله به) قال في الفردوس: قال العسكري هكذا يروى من هذا الطريق الشمعة بشين معجمة وهي المزاح والضحك ومنه امرأة شموع كثيرة الضحك والمعنى أن من عبث بالناس واستهزأ بهم يعبث به ويستهزأ منه ومن رواه بسين مهملة أراد من يرائي بعمله يفضحه الله (ومن يصبر يضعف الله له) الثواب أي ثوابه جزاء صبره أي يؤته أجره مرتين (ومن يعص الله يعذبه الله) إن شاء وإن شاء عفى عنه فهو تحت المشيئة (اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي ولأمتي) المراد أمة الإجابة وكرره ثلاثا لأن الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء (أستغفر الله لي ولكم) هذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال وفيه أنه ينبغي للإنسان إذا دعا لغيره أن يبدأ بنفسه
(البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال: يا رسول الله ذهب بي الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد الله بن سعيد (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي الدرداء) مرفوعا (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفا) ورواه العسكري والديلمي عن عقبة
_________
(1) أي فرائضها التي فرض الله على الأمة فعلها
(2) أي ما أحدث من البدع بعد الصدر الأول
(3) أي إذا لم يكن الآخذ محتاجا لخبر ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا
(4) قوله في بطونهم أي ملئها نارا لأنه يؤول إليها وسيصلون بالبناء للفاعل أي يدخلون سعيرا أي نارا شديدة
(5) الروايا بفتح الراء المهملة جمع راوية بمعنى ناقل وفي حديث: والراوية أحد الشانمين: أي وشر النافلين نافلي الكذب(2/175)
1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفردا فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر (وإن الله مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفا في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله خلقها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفا بالتصرف فيها فليست هي بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من زخرف الدنيا وزهرتها (فاتفوا الدنيا واتقوا النساء) خصص بعد ما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقا إياك أن تجالس أمرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها انتهى. ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر [ص:180] بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته. وقال في المطامح: يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهن هلك كثير من العلماء (ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح: أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتا أي متفرقون وقال الزمخشري: تقول تفرقوا شتى وأشتاتا (منهم من يولد ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا) وهذا الفريق هم سعداء الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له بالكفر (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا) أي يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة
(ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد أيضا وذلك لأن الله خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في شيء من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره فإنه عنوانه الناشىء عنه. قال الغزالي: قال بعض الأنبياء لإبليس بأي شيء تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند الهوى وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإذا كان العبد حديدا قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئا من ذلك) يعني من بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه وفي رواية فليلزق بالأرض وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال) ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكورا أو إناثا (من كان بطيء الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك (سريع الغضب بطيء الرضا فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفيء فإنها بها) أي فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحا ولا ذما ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم سريع [ص:181] الوقود بطيء الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارا يابسا يكثر غضبه ومن كان بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب يسمع حسا فيعوي قبل أن يعرف ما هو فأسرع الناس غضبا الصبيان والنساء وأكثرهم ضجرا الشيوخ وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من كظم الغيظ. (ألا إن خير الناس التجار) بضم التاء جمع تاجر (من) أي تاجر (كان حسن القضاء) أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة ونحوها (حسن الطلب) أي سهل التقاضي يرحم المعسر وينظره ولا يضايق الموسر في الأشياء التافهة ولا يلجئه إلى الوفاء في وقت معين ولا من مال معين (وشر التجار من كان سيء القضاء) أي لا يوفي لغريمه دينه إلا بكلفة ومشقة وتماطل مع يساره (سيء الطلب) أي ملح على مديونه بالطلب من غير مرحمة ولا شفقة بل بصعوبة مع علمه باعساره إذ ذاك (فإذا كان الرجل) التاجر وذكر الرجل وصف طردي لأن غالب المتجر إنما يتعاناه الرجال لا لإخراج النساء (حسن القضاء سيء الطلب أو كان) بعكسه (سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها) أي فإحدى الخصلتين تقابل بالأخرى نظير ما تقدم ويجري ذلك كله في كل من له حق أو عليه حق وإنما خص التجار لأكثرية القضاء والتقاضي فيما بينهم (ألا إن لكل غادر لواء) أي ينصب له (يوم القيامة) لواء حقيقة (بقدر غدرته) فإن كانت كبيرة نصب له لواء كبير وإن كانت صغيرة فصغير وفي خبر أنه يكون عند إسته وقيل اللواء مجاز والمراد شهرة حاله وإذاعته بين الملأ في ذلك الموقف الأعظم (ألا وإن أكبر الغدر غدر أمير عامة) بالإضافة (ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه) فإن ذلك يجب عليه وليست مهابة الناس عذرا في التخلف بشرط سلامة العاقبة (ألا إن أفضل الجهاد) أي أنواعه (كلمة حق) يتكلم بها كأمر بمعروف أو نهي عن منكر (عند سلطان جائر) أي ظالم فإن ذلك أفضل من جهاد العدو لأنه أعظم خطرا كما سلف تقريره عما قريب (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) يعني ما بقي من الدنيا أقصر وأقل مما سلف منها فهي ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإذا كانت بقية الشيء وإن كثرت في نفسها قليلة بالإضافة إلى معظمه كانت خليقة بأن توصف بالقلة ذكره الزمخشري
(حم ت ك هب) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العصر ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال أما بعد إلى آخره وفيه علي بن زيد بن جدعان أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ويحيى ليس بشيء(2/179)
1611 - (أمامكم) بفتح الهمزة (حوض) كي تردونه يوم القيامة قيل هو الكوثر والأظهر أنه غيره وهل هو بعد الصراط وقبله قولان وجمع بالتعدد (كما بين جرباء) بفتح الجيم وسكون الراء وموحدة يقصر ويمد قرية بالشام (وأذرح) بفتح [ص:182] الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وحاء مهملة قرية بالشام أيضا وفي الحديث حذف بينته رواية الدارقطني وهو ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وبين جرباء وأذرح. فالمسافة بين المدينة وبينهما ثلاثة أيام لا بينهما وقد غلط من قال بينهما ثلاثة أيام كما بينه صاحب القاموس اقتداء ببعض الأعلام لأن بين جرباء وأذرح ميل بل أقل بل الواقف في هذه ينظر هذه كما حرره بعض الثقات
(خد عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الطبراني نحوه(2/181)
1612 - (أمان لأهل الأرض من الغرق) بفتح الراء مصدر (القوس) أي ظهور القوس المسمى بقوس قزح. قال ابن القيم: سمي به لأنه أول ما رؤي في الجاهلية على جبل قزح بالمزدلفة أو لأن قزح اسم شيطان ويوضح المراد بقوله القوس ما رواه السدي أن عليا رضي الله عنه نظر إلى السماء فرأى قوس قزح فقال ما هذا؟ قالوا قوس قزح قال لا تقولوا هذا قولوا قوس الله وأمان من الغرق وفي أجوبة علي كرم الله وجهه لابن الكواء أن القوس علامة كانت بين نوح وربه أمان لأهل الأرض من الغرق (وأمان لأهل الأرض) أي كلهم أو المراد جزيرة العرب (من الاختلاف) تفرق الكلمة والفتن (الموالاة) المناصرة والموادة (لقريش) (1) القبيلة المعروفة أي ما داموا على سنن الاستقامة ومنهج العدالة كما يفيده قوله في الحديث المار استقيموا لقريش ما استقاموا لكم إلى آخره (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا) أي المخالفون (حزب ابليس) أي جنده {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (قريش أهل الله) أي المؤمنون منهم خواص عباده أضيفوا إليه تشريفا
(طب) عن أحمد الابار عن إسحاق بن سعيد بن الأركون عن خليد بن دعلج عن عطاء عن ابن عباس (ك) في المناقب عن مكرم عن الابار عن إسحاق بن الأركون عن خليد عن قتادة عن عطاء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه واه وفي إسناده ضعيفان ابن الأركون وخليد انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شاهدا من كلام ابن عباس
_________
(1) قال الحكيم أراد بقريش أهل الهدى منهم وإلا فبنو أمية وأضرابهم حالهم معروف وإنما الحرمة لأهل التقوى(2/182)
1613 - (أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا البحر) في رواية الطبراني بدله السفينة وفي رواية ابن مردويه سفينة وفي رواية الفلك لكن لفظ رواية ابن السني التي عزى المؤلف إليها ركبوا ولم يذكر بحرا ولا سفينة كما ذكره النووي (أن يقولوا) أي يقرؤوا عند دخول السفينة أو عند سيرها قوله تعالى (بسم الله مجريها ومرساها) أي حيث تجري وحيث ترسي (الآية) أي إلى آخرها وقوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره الآية) بكمالها أي إلى {تشركون} وترجم عليه النووي في الأذكار باب ما يقوله إذا ركب سفينة وساق الحديث عازيا لابن السني ثم قال عقبه هكذا هو في النسخ إذا ركبوا لم يقل السفينة ونقل بعضهم عن ابن عباس من قرأ الآيتين فعطب أو غرق فعلي ذلك
(ع وابن السني) من طريق أبي يعلى المذكور قال حدثنا أبو يعلى أنبأنا جنادة حدثنا يحيى بن العلاء أنبأنا مروان بن سالم أنبأنا طلحة العقيلي (عن الحسين) بن علي يرفعه قال ابن حجر وجنادة ضعيف وشيخه أضعف منه وشيخ شيخه كذلك بالاتفاق فيهما وطلحة مجهول انتهى وفي الميزان يحيى بن العلاء قال أحمد كذاب يضع الحديث ثم ساق له أخبارا هذا منها(2/182)
1614 - (أم القرآن) الفاتحة سميت به لكونها مفتتح القراءة قال الخليل كل شيء ضم إليه ما يليه سمي أما وهي مشتملة على [ص:183] كليات معاني القرآن وهو الثناء على الله والمعاش وهو العبادة والمعاد وهو الجزاء وقال القاضي: سماها أما (1) لأنها بينة في نفسها مبينة لما عداها من المتشابهات فهي كالأصل له (هي السبع المثاني) اللام للعهد قال تعالى {وقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} سميت سبعا لأنها سبع آيات باعتبار عد البسملة آية وهو المتصور والمثاني لتكررها في الصلاة أو الإنزال أو لأن غيرها يضم إليها أو لتكرر مضمونها في السور أو مقاصدها جمع مثنى أو مثناة من التثنية بمعنى التكرار فتكرر على مرور الأوقات فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس وقيل جمع مثنى بمعنى الثناء كالمحمدة بمعنى الحمد لاشتمالها على الثناء فهي تثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أو لأنها أبدا تدعو بوصفها المعجز إلى غرابة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها ثم على من يتعلمها ويعمل بها ولا اختلاف بين قوله في الحديث السبع المثاني وقوله في القرآن سبعا من المثاني لأن من للبيان ذكره التوربشتي (والقرآن العظيم) عطف على السبع عطف صفة الشيء على صفة أخرى له فليس هو من عطف الشيء على نفسه أو عطف على أم القرآن وإفراد الفاتحة بالذكر في الآية مع كونها جزءا من القرآن يدل على مزيد اختصاصها بالفضيلة وفيه رد كما قال السهيلي على الحسن وابن سيرين في كراهة تسمية الفاتحة بذلك
(خ عن أبي بكر) الصديق
_________
(1) واستشكل بأن كثيرا من السور مشتمل على هذه المعاني مع أنها لم تسم بأم القرآن وأجيب بأنها سابقة على غيرها وضعا بل نزولا عند الأكثر فنزلت من تلك السور منزلة مكة من جميع القرى حيث مهدت أولا ثم دحيت الأرض من تحتها وكما سميت أم القرى سميت هذه أم القرآن على أنه لا يلزم اطراد وجه الشبه(2/182)
1615 - (أم القرآن) قال الحرالي سميت به لأنها له عنوان وهو كله لها بسط وتبيان وقال القاضي: لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله وذكر الذات والصفات والأفعال والتعبد بالأحكام والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين (عوض من غيرها) من القرآن وغيره (وليس غيرها منها عوض) وحينئذ فلا يقوم مقامها في الصلاة سورة من القرآن غيرها عند القدرة ولذلك لم يكن لها في الكتب الإلهية عديل
(قط) وتقدمه إليه الكرماني (ك عن عبادة) بن الصامت وصححه قال ابن القطان ولا ينبغي تصحيحه ففيه محمد بن خلاد لا يعرف من حاله ما يعتمد عليه وعميد يروي مناكير منها هذا الخبر الذي لا يعرف إلا من روايته(2/183)
1616 - (أم الولد حرة) أي حكمها حكم الحرة في كونها لا تباع ولا ترهن ولا توهب ولا يتصرف فيها بإزالة ملك (1) (وإن كان) الولد (سقطا) لم تنفخ فيه الحياة بل ولو كان مخططا خفي التخطيط بحيث لا يعرفه إلا القوابل وهذا مجمع عليه الآن وما كان من خلاف فيه من الصدر الأول فقد مضى وانقضى
(طب عن ابن عباس) وفيه الحسين بن عيسى الحنفي قال الذهبي في الضعفاء له مناكير عن الحكم بن إبان قال ابن المبارك ارم به ووثقه غيره ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عباس قال الفرياني في اختصار الدارقطني وفيه الحسين بن عيسى الحنفي ضعيف قال ابن عدي عامة أحاديثه غرائب وفي بعضها مناكير وشيخه الحكم بن إبان قال ابن المبارك أرم
_________
(1) ويصح بيعها إذا اشترت نفسها أو كانت مرهونة أو جانية تعلق برقبتها مال وكان المالك فيهما معسرا حال الاستيلاد(2/183)
1617 - (أم ملدم) مفعل من لدمه إذا لطمه ويروى بالذال المعجمة من لذم بمعنى الزم وهي الحمى (تأكل) مضارع أكل (اللحم) أي إذا لازمت الإنسان أنحلته (وتشرب الدم) يعني تحرقه (بردها وحرها من جهنم) أي بدل من جهنم لمن أصابته من المؤمنين كما يوضحه خبر الحمى حظ المؤمن من النار فليس المعنى على الغشية كما قد يتوهم. قال الزمخشري: العرب تقول الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم قال المصنف ولذلك كانت شهادة وحصل المؤمن منها على الحسنى وزيادة وقد جاءت إلى خدمة [ص:184] المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم واستأذنت بالباب وهي واقفة لديه وسألته يبعثها إلى أحب قومه فبعثها إلى الأنصار لأنهم ذوو النهى وأولوا الأبصار لتكون وقاء ووقاء لهم من النار
(طب عن شبث) بشين معجمة وموحدة فمثلثة (ابن سعيد) البلوي شهد فتح مصر وله صحبة قال الهيثمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس(2/183)
1618 - (أم أيمن) بركة حاضنة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ودايته وهي أم أسامة بن زيد (أمي بعد أمي) أي في الاحترام وفي حضنها إياه فإن أمه ماتت وهو ابن ست أو سبع أو ثمان سنين فاحتضنته أم أيمن. قال الزمخشري: جعلها أما لأن الداية تدعى أما لقيامها مقام الأم انتهى ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر
(ابن عساكر) في التاريخ في ترجمة أسامة بن زيد (عن سليمان بن أبي شيخ مرسلا معضلا) (1)
_________
(1) هو ما سقط من اثنان من أي موضوع كان وإن تعددت المواضع سواء كان الساقط الصحابي أو التابعي أم غيرهما(2/184)
1619 - (أمتي يوم القيامة غر) بضم المعجمة وشد الراء جمع أغر أي ذووا غرة (من السجود) أي من أثر السجود في الصلاة قال تعالى {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} نصب على الظرفية (محجلون من الوضوء) أي من أثر وضوئهم في الدنيا وقد سجدت الأمم قبلهم فلم يظهر على جباههم وتطهروا فلم يظهر على أطرافهم من ذلك شيء فتلك إشارة هذه الأمة في الموقف يعرفون بها. ذكره الحكيم وهذا لا تدافع بينه وبين خبر الشيخين الآتي إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وما ذاك إلا لأن المؤمن يكسى في القيامة نورا من أثر السجود ونورا من أثر الوضوء نور على نور فمن كان أكثر سجودا أو أكثر وضوءا في الدنيا كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقا من غيره فيكونون فيه على مراتب من عظم النور والأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو أدخل سراج في بيت ملأه نورا فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول ولا الثالث الثاني وهكذا؟ والوضوء هنا بالضم وجوز ابن دقيق العيد الفتح على أنه الماء وجوز في من أن تكون سببية أو لابتداء الغاية قال الراغب: والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما دين أو زمان أو مكان سواء كان الجامع تسخيرا أو اختيارا وأصل الغرة لمعة بيضاء بجبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه هذه الأمة والتحجيل بياض في ثلاث من قوائم الفرس أصله الحجل بكسر الحاء الخلخال والمراد به أيضا هنا النور. ذكره جمع وقال الأشرف: غر جمع أغر وهو الأبيض الوجه والمحجل من الدواب ما قوائمه بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنه مقيد بالبياض وأصله في الخيل ومعناه إذا دعوا إلى الجنة كانوا على هذا الشبه وتمسك به الحليمي على أن الوضوء من خصائصنا وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن في البخاري في قصة سارة قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب قام فتوضأ قال: فالظاهر أن الخاص بنا الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء قال: وقد صرح بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال: سيما ليت لأحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وقد اعترض بعضهم على الحليمي بخبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال كون الوضوء من خصائص الأنبياء دون الأمم إلا هذه الأمة إلى هنا كلام الحافظ وتقدمه إليه الكرماني وقد انتهبه سميه الشهاب ابن حجر الهيثمي ولنفسه عزاه ولا قوة إلا بالله
(ت عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة وقال حسن صحيح غريب(2/184)
1620 - (أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير) من آخرها (أو آخرها) خير من أولها لتقارب أوصافهم وتشابه أفعالهم كالعلم والجهاد والذب عن بيضة الإسلام وقرب نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم فلا يكاد يميز الناظر بينهم وإن [ص:185] تفاوتوا في الفضل في نفس الأمر فيحكم بالخير لأولهم وآخرهم ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ثم إن هذا لا يناقضه خبر خير الناس قرني لأنهم إنما كانوا خيرا لأنهم نصروه وآووه وجاهدوا معه وقد توجد نحو هذه الأفعال آخر الزمان حين يكثر الهرج وحتى لا يقال في الأرض الله. قال الكلاباذي وغيره: وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة كالذين ينصرون المسيح ويقاتلون الدجال فهم أنصار النبي وإخوانه اه <تنبيه> الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك فإنه مجمل يطلق تارة ويراد بها كل من كان مبعوثا إليهم نبي آمنوا به أو لم يؤمنوا ويسمون أمة الدعوة وأخرى ويراد بهم المؤمنون به المذعنون له وهم أمة الإجابة وهذا المراد هنا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن عثمان) بن عفان بن العاص الأموي (مرسلا) قال الذهبي وهو ثقة(2/184)
1621 - (أمتي) المجتمعون على ملتي (أمة مرحومة) أي من الله أو بعضهم لبعض (مغفور لها) من بارئها (متاب عليها) أي يتوب الله عليها ولا بتركها مصرة على الذنب ذكره المؤلف لأنهم جمعهم الدين وفرقتهم الدنيا مع اجتماعهم على الإيمان والصلاة وأذاقهم الله بأسهم بينهم يقتل بعضهم بعضا وكفارة لما اجترحوه وأخرج ابن عساكر عن وهب في الزبور يا داود سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد سيد صادق ولا أغضب عليه ولا يغضبني وأمته مرحومة أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم كالأنبياء <تنبيه> قال الزركشي: ما كان مجتمعا في المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته بدليل أنه كان معصوما وأمته إجماعها معصوم وقد أكمل الله عليهم النعمة وجعلهم شهداء على الأمم قبلهم وحكم أنهم خير أمة أخرجت للناس فلا فضل يوازي فضلهم وهم الآخرون السابقون يوم القيامة أكثر أهل الجنة وإن كانوا في الأمم كالشامة
(الحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أنس) قال ابن الجوزي: قال النسائي هذا حديث منكر اه ورواه عنه الطبراني في الأوسط وزاد تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها اه قال الهيثمي: فيه شيخ الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذاب(2/185)
1622 - (أمتي هذه) أي الموجودين الآن كما عليه ابن رسلان وهم قرنه ويحتمل إرادة أمة الإجابة (أمة مرحومة) أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة موسومة بذلك في الكتب المتقدمة (ليس عليها عذاب في الآخرة) بمعنى أن من عذب منهم لا يحس بألم النار لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها وزعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء لكون أعضاء الوضوء لا تمسها النار تكلف مستغنى عنه (إنما عذابها في الدنيا الفتن) التي منها استيفاء الحد ممن يفعل موجبه وتعجيل العقوبة على الذنب في الدنيا أي الحروب والهرج فيهما بينهم (والزلازل) جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض واضطرابها من احتباس البخار فيها لغلظه أو لتكاثف وجه الأرض ثم استعملت في الشدائد والأهوال. قال الومخشري: تقول العرب جاء بالإبل يزلزلها يسوقها بعنف وأصابته زلازل الدهر شدائده انتهى. (والقتل والبلايا) لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل وأساس الربوبية وشأن هذه الأمة يجري على منهج الفضل والألوهية فمن ثم ظهرت في بني إسرائيل النياحة والرهبانية وعليهم في شريعتهم الأغلال والآصار وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية ففك عنهم الأغلال ووضع عنهم الآصار
(د طب ك هب عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الصدر المناوي رضي الله عنه وفيه نظر فإن في سند أبي داود والحاكم وغيرهما المسعودي عبد الرحمن [ص:186] ابن عبد الله الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي تغير فاضطرب حديثه(2/185)
1623 - (أمثل ما تداويتم به) أي أنفعه وأفضله (الحجامة) لمن احتمل ذلك سنا ولاق به قطرا ومرضا (والقسط) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب (البحري) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء: القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفا بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك
(مالك) الإمام المشهور في الموطأ (حم ق ت ن عن أنس) بن مالك(2/186)
1624 - (امرؤ القيس) سليمان بن حجر الملك الضليل عظيم شعراء الجاهلية (صاحب لواء الشعر) أي حامل راية شعراء الجاهلية والمشركين. قال دعبل: ولا يقود الناس إلا أميرهم ورئيسهم (إلى النار) لأنه زعيمهم وعظيمهم في الدنيا فيكون قائدهم في العقبى. قال ابن سلام: ليس لكونه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعوه عليها واقتدوا به فيها وأخرج ابن عساكر أنه ذكر امرؤ القيس للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار. قال أبو عبيد: سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء منها استباق صحبه والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ثم ألوية للعز والمجد والإفضال كما يجيء أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده لواء الحمد فثم ألوية خزي وفضيحة قال الزبير بن بكار: قيل لحسان بن ثابت من أشعر الناس قال النابغة قال ثم من قال حسبك بي مناضلا قيل فأين أنت عن امرؤ القيس قال لنا إنما أنا في ذكر الأنس
(حم) وكذا البزار كلاهما من حديث هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. اه. وأقول أبو الجهم ضعيف جدا قال الذهبي في الضعفاء أبو الجهم عن الزهري قال أبو زرعة واهي الحديث(2/186)
1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر المراقسة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرىء القيس وختم بذي الرمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص:187] إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعرا فقال أبوه هذا ليس با بني إذ لو كان كذلك لقال شعرا فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. . . بسقط اللوا بين الدخول فحومل
فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقا وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال:
أجارتنا إن المزار قريب. . . وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا. . . وكل غريب للغريب نسيب
قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل. فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره
وقال:
اقتربت الساعة وانشق القمر. . . من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها. . . وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها. . . ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل. . . فإما عليها وإما لها
(أبو عروية في) كتاب (الأوائل) له (وابن عساكر) في تاريخه من حديث الحسين بن فهم عن يحيى بن أكثم (عن أبي هريرة) قال يحيى: قال لي المأمون: أريد أن أحدث فقلنا: من أولى بهذا منك فصعد المنبر فأول حديث حدثنا هذا ثم نزل فقلنا: كيف رأيت مجلسنا قلت: أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال: وحياتك ما رأيتم له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الحلقات والمحابر اه. والحسين بن فهم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال الحاكم ليس بقوي ويحيى بن أكثم قال الأزدي يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد: كانوا لا يشكون أنه يسرق الحديث. <تنبيه> قال القرطبي: هذا الحديث وما قبله يدل على أن من كان إماما دراسا في أمر ما هو معروف به فله لواء يعرف به خيرا كان أو شرا فللأولياء الصالحين ألوية تنويه وإكرام وإفضال كما أن للظالمين فضيحة وخزي ونكال(2/186)
1626 - (امرأة ولود) أي تزوج امرأة كثيرة الولادة غير حسناء كما يدل عليه تقييده بالحسن في مقابله وتعرف البكر بأقاربها (أحب إلى الله تعالى) أي أفضل عنده (من) تزوج (امرأة حسناء لا تلد) لعقمها (إني مكاثر بكم) تعليل للترغيب في نكاح الولود وإن لم تكن جميلة وتجنب العقيم وإن كانت في نهاية الجمال (الأمم) السالفة (يوم القيامة) أي أغاليهم بكم كثيرة وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد وفي ضمنه نهى عن العزل وتوبيخ على فعله وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية
(ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق محمد بن سوقة ميمون بن أبي شبيب (عن حرملة بن النعمان)(2/187)
[ص:188] 1627 - (أمر النساء) في التزويج أي ولاية العقد (إلى آبائهن) أي الأب وأبيه وإن علا (ورضاهن السكوت) أي رضى البكر البالغ منهن سكوتها إذا زوجها الأب أو الجد بولاية الإجبار حيث لم يقترن السكوت بنحو بكاء وفي غير ذلك لا بد من إذنها بالنطق
(طب خط عن أبي موسى) الأشعري وفيه علي بن عاصم قال الذهبي قال النسائي متروك وضعفه جمع(2/188)
1628 - (أمرا) سوغ الابتداء به تنوينه المفيد للتعظيم أي عظيم والخبر قوله (بين أمرين) أي بين طرفي الإفراط والتفريط كما قال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} الآية (وخير الأمور أوساطها) أي الذي لا ترجيح لأحد جانبيه على الآخر لأن الوسط العدل الذي نسبته الجوانب كلها إليه سواء فهو خيار الشيء والعدل هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط والآفات إنما تطرق إلى الافراط والأوساط محمية بأطرافها قال:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت. . . بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
ومالك الوسط محفوظ الغلط ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضلال عن القصد. قيل: دخل عمر بن عبد العزيز على عبد الملك فتكلم فأحسن فقال ابنه: هو كلام أعد لهذا المقام ثم دخل بعد أيام فسأله عبد الملك عن نفقته فقال: الحسنة بين السيئتين يريد الآية فقال عبد الملك لابنه: أهذا مما أعده آنفا
(حب عن عامر بن الحارث بلاغا) أي قال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه البيهقي في السنن عنه أيضا وقال الذهبي في المهذب هو منقطع أيضا وعمرو بن الحارث في التابعين والصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه(2/188)
1629 - (أمر الدم) أي أسله واستخرجه قال القاضي إمرار الدم إسالته وإجراؤه بشدة وهلى هذا فقوله أمر بكسر الميم وشدة الراء من أمر أي أجرى وقول الخطابي هو غلظ والصواب سكون الميم وخفة الراء من أمرى يمري وهو الغلظ لأن أصله أمرر براءين كما هو رواية ابن داود وقال شراحه أي اجعله يمر أي يذهب وحينئذ فمن شدد أدغم فلا غلط (بما شئت) مخصوص بما استثناه في حديث رافع بقوله ليس السن والظفر ذكره البيضاوي (واذكر اسم الله عز وجل) أي على الذبح ندبا بأن تقول بسم الله فقط ويزيد في الأضحية والله أكبر اللهم هذا منك وإليك فتقبل مني وترك التسمية عمدا مكروه والذبيحة حلال
(حم د هـ ك عن عدي بن حاتم) قال: قلت يا رسول الله إنا نصيد فلا نجد سكينا إلا الظرازة وشقة العصا فذكره والظرازة جمع ظرز الحجر الصلب محددا وشقة العصا ما شق منها وهو محدد(2/188)
1630 - (أمرت) أي أمرني الله إذ لا آمر سواه وحذف الفاعل تعظيما وتفخيما (أن) أي بأن (أقاتل) وحذف الجار من أن غير عزيز (الناس) أي بمقاتلة الناس وهذا عام خص منه من أقر بالجزية (حتى) أي إلى أن (يشهدوا) ويقروا ويبينوا أن (لا إله إلا الله) استثناء من كثرة متوهمة وجودها محال إذ مفهوم الإله كلي (وأني رسول الله) غاية لقتالهم فكلمة التوحيد هي التي خلق الحق الخلق لها وهي العبارة الدالة على الإسلام فكل من تلفظ بها مع الإقرار بالرسالة المحمدية فمسلم وظاهره بل صريحه أن قائلها مسلم وإن قلد بالمعنى الآتي في مبحث الإيمان. قال النووي رضي الله عنه وهو مذهب المحققين واشتراط معرفة أدلة المتكلمين خطأ وفي رواية للشيخين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة (فإذا) آثرها على إن مع أن المقام لها لأن فعلهم متوقع لأنه علم إصابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلا نحو غفر الله لك (قالوها) أي كلمة الشهادتين والتزموا أحكامها (عصموا) حفظوا (مني دماءهم وأموالهم) أي منعوها إذ العصمة المنعة والاعتصام [ص:189] الاستمساك افتعال منه فلا يحل سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم وهي كلما صح إيراد نحو البيع عليه وأريد به هنا ما هو أعم ليشمل الاختصاص (إلا بحقها) أي الدماء والأموال يعني هي معصومة إلا عن حق يجب فيها كقود وردة وحد ترك صلاة وزكاة بتأويل باطل وحق آدمي فالباء بمعنى عن أو من أي فقد عصموها إلا عن حقها أو من حقها أو إلا بحق كلمة التوحيد وحقها ما تبعها من الأفعال والأقوال الواجبة التي لا يتم الإسلام إلا بها فالمتلفظ بكلمة التوحيد يطالب بهذه الفروض بعد ففائدة النص عليه دفع توهم أن قضية جعل غايته المقاتلة وجود ما ذكر أن من شهد عصم دمه وإن جحد الأحكام وقول أبي حنيفة إن تارك الصلاة كسلا لا يقتل لظاهر هذا الحديث ولخبر لا يحل دم امرىء مسلم ولأنها أمانة بينه وبين الله ولأنها عبادة تقضى وتؤدى كصوم وزكاة وحج ولأن الاختلاف شبهة تدرأ بها الحدود ورد الأول بقوله في الحديث إلا بحقها والصلاة من حقها والثاني أن خلف الخارج بالثلاث أمرا آخر والثالث بالنقص بالعفة فإنها أمانة ويرجم بتركها وترك الصلاة أعظم والرابع بأن استيفاء الصوم وكل عبادة ممكن بخلاف الصلاة كالإيمان ولأنه يقتل بفعل منهي عنه كزنا المحصن فيقتل بترك ما أمر به ولأن كسل الاستهانة يبيح القتال ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في الاسم والمعنى فكما يقتل بترك الإيمان يقتل بترك الصلاة والخامس بأنه لا شبهة للقاطع وإن سلم فضعيفة ومثلها مطروح لا يسقط استحقاق القتل عنه إذ لم يعد بالاستتابة ومن قتله قبلها عذر ثم دليلنا النص المزبور فإنه يدل على أنه كافر واستحق عقوبة الكافر فالأول منتف فتعين الثاني والجمع أولى وتاركها كسلا بالنسبة إلى تاركها جحودا غير معصوم بالنسبة إلى فاعلها ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر أما باعتبار الباطن فأمرهم ليس إلى الخلق بل (حسابهم على الله) فيما يسرونه من كفر ومعصية يعني إذا قالوها بلسانهم وباشروا الأفعال بجوارحهم قنعت منهم به ولم أفتش عن قلوبهم وعلى بمعنى اللام فما أوهمه العلاوة من الوجوب غير مراد ولئن سلم فهو للتشبيه أي هو كالواجب في تحقق الوقوع فالعصمة متعلقة بأمرين كلمة التوحيد وحقها أي حق الدماء والأموال على التقديرين والحكم إذا تعلق بوجوده شرطان لا يقع دون استكمال وقوعهما وصدره بلفظ الأمر إيذانا بأن الفعل إذا أمر به من جهة الله لا يمكن مخالفته فيكون آكد من فعل مبتدأ من الإنسان. قال الرافعي: وبين الشافعي أن الحديث نخرجه عام ويراد به الخاص والقصد به أهل الأوثان وهو أصل من أصول الإسلام (تتمة) ذكر الفخر الرازي عن بعضهم هنا أنه تعالى جعل العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا ترى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا الله أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا الله أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة حتى يكون واحد الواحد لا ظلم ولا جور
(ق 4 عن أبي هريرة) قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما كيف تقاتل الناس وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرت إلخ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه (وهو متواتر) لأنه رواه خمسة عشر صحابيا(2/188)
1631 - (أمرت) أمرا ندبيا (بالوتر) أي بصلاته بعد فعل العشاء وقبل الفجر (والأضحى) أي بصلاة الضحى وبالتضحية (ولم يعزم) كل منهما (على) أي لم يفرض ولم يوجب علي وعزائم الله تعالى فرائضه التي أوجبها يقال عزمت عليك أي [ص:190] أمرتك أمرا جدا فهذا الحديث يعارضه ما يأتي من رواية البيهقي وغيره مرفوعا ثلاث هن علي فريضة (1) ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى وكلا الخبرين ضعيف والشافعي رضي الله تعالى عنه وجمهور أصحابه على الوجوب لكن ذهب بعضهم إلى عدمه تمسكا بأن الخصائص لا تثبت إلا بحديث صحيح
(قط عن أنس) قضية تصرف المؤلف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل تعقبه ببيان علته فقال هو من رواية بقية وقد تقدم تدليسه وتليينه عن عبد الله بن محرز وضعفه غير واحد وقال منكر الحديث وقال ابن أبي شبيبة متروك انتهى وقال الذهبي إسناده واه
_________
(1) ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره وقياسه في الوتر كذلك ووجوب هذه الثلاثة عليه صلى الله عليه وسلم صححه الفيخان وغيرهما وهو خصوصية له صلى الله عليه وسلم(2/189)
1632 - (أمرت بيوم الأضحى عيدا) قال الطيبي: عيدا منصوب بفعل مقدر تفسيره ما بعده أي اجعله عيدا وقال ابن رسلان: فيه حذف تقديره بالأضحية في يوم الأضحى إذ لا يصح الكلام إلا به إذ أمرت يتعلق الأمر فيه بالأضحية لا باليوم وفهم التقدير من إضافة يوم إليه انتهى. والمراد الأمر الندبي (جعله الله لهذه الأمة) تمامه كما في أبي داود فقال رجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: لا ولكن تأخذ من شعرك وتقص من شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله وفيه أن عيد الأضحى من خصائصنا وكذا الفطر كذا قيل وقد تمسك بظاهر الحديث قوم منهم داود كابن سيرين فذهبوا إلى اختصاص النحر باليوم العاشر دون ما بعده
(حم د ن ك عن ابن عمرو) بن العاص وصححه ابن حبان وغيره(2/190)
1633 - (أمرت) على لسان جبريل بالإلهام أو الرؤيا (بالسواك) بكسر السين الفعل ويطلق على العود ونحوه (حتى خشيت أن يكتب علي) أي يفرض وفيه حجة لمن ذهب إلى عدم وجوب السواك عليه قال الزين العراقي: والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح
(حم عن وائلة) بن الأسقع قال في شرح التقريب سنده حسن وقال المنذري والهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه(2/190)
1634 - (أمرت) أي أمرني الله قال القاضي: إذا قال الرسول أمرت فهم أن الله تعالى أمره وإذا قاله الصحابي فهم أن الرسول أمره فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم أن الرئيس أمره (بالسواك حتى خفت على أسناني) أراد ما يعم الأضراس واعلم أن لفظ رواية الطبراني في الكبير والأوسط فقد أمرت إلخ ولم أر فيه أمرت مجردا فإن كان فيه غير مظنته وإلا فإثبات المصنف له في هذا الحرف وهم
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب وفيه كلام(2/190)
1635 - (أمرت بالنعلين) أي بلبسهما خشية تقذر الرجلين (والخاتم) أي بلبسه في الإصبع وباتخاذه للختم فيه فلبس النعلين مأمور به ندبا خشية تنجس القدمين أو تقذيرهما وكذا الخاتم ولو لغير ذي سلطان خلافا لبعض الأعيان
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب خد خط) في ترجمة وكيع بن سفيان (والضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني الكبير والأوسط (عن أنس) قال الخطيب وتبعه ابن الجوزي ولم يروه عن يونس بن زيد إلا عمر بن هارون وعمر تركه أحمد وابن مهدي وقال ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم انتهى. وقال الهيثمي: فيه [ص:191] عمرو بن هارون البلخي وهو ضعيف وفي الضعفاء للذهبي عمرو تركوه وكذبه ابن معين انتهى وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي والخطيب خرجاه وسكتا عليه وهو غير صواب فأما الخطيب فقد سمعت ما قال وأما ابن عدي فخرجه وقال هو باطل فإنه أورده في ترجمة ابن الأزهر وقال إنه باطل فاقتصار المصنف على عزوه تلبيس فاحش(2/190)
1636 - (أمرت أن) بضم الهمزة مبنيا للمفعول أي أمرني الله بأن (أبشر خديجة) بنت خويلد زوجته (ببيت في الجنة) أعد لها (ومن قصب) بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ هكذا جاء مفسرا في رواية الطبراني في الأوسط وله فيه أيضا من القصب المنظومة بالدر واللؤلؤ والياقوت انتهى وقال هنا أيضا من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان. قال ابن حجر: وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها انتهى (لا صخب فيه) أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب (ولا نصب) أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها (فإن قيل) كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام (فالجواب) أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي الله عنها أول من بنى بيتا في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة
(حم حب ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي: أحمد رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع(2/191)
1637 - (أمرت) بالبناء للمفعول والآمر هو الله تعالى قال القاضي: عرف ذلك بالعرف والأمر للوجوب في أحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهما والثاني أنه للندب لأن المعطوف على اسجد مندوب اتفاقا ولأنه عليه السلام اقتصر على الجبهة في قصة رفاعة انتهى وبقوله عرفا سقط النزاع فيه يخلوه من صيغة أفعل (أن أسجد على سبعة أعظم) سمي كل واحد عظما نظرا للجملة وإن اشتمل كل على عظام فهو من تسمية الكل باسم البعض وفي رواية على سبعة أعضاء وفي أخرى آراب جمع إرب بكسر فسكون وهو العضو ثم أبدل من ذلك قوله (على الجبهة) فعلى الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي أسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء ذكره الكرماني دافعا به ما عساه يقال كيف يكون حرفا واحدا بمعنى واحد متعلق بفعل واحد مكررا قال الشافعية: ويكفي جزء منها ويجب كشفه (واليدين) أي باطن الكفين لئلا يدخل تحت المنهي من افتراش السبع ويدل له رواية مسلم بلفظ الكفين (والركبتين وأطراف) أصابع (القدمين) بأن يجعل قدميه قائمتين على بطن أصابعهما وعقبيه مرتفعتين ليستقبل بظهور قدميه القبلة فلو أخل المصلي بواحدة من السبعة بطلت صلاته قطعا في الجبهة وعلى الأصح في البقية عند الشافعية وهو مذهب أحمد ويكفي وضع جزء من كل منها (ولا نكفت) بكسر الفاء وبالنصب أي لا نضم [ص:192] ولا نجمع فهو بمعنى ولا نكف ومنه {ألم نجعل الأرض كفاتا} (الثياب) عند الركوع والسجود في الصلاة (ولا الشعر) الذي للرأس والأمر بعدم كفهما للندب وإن كان الأمر بالسجود على السبعة للوجوب فالأمر مستعمل في معنييه وهو جائز عند الشافعي رضي الله عنه قال الطيبي: جمع الحديث بعضا من الفرض والسنة والأدب تلويحا إلى إرادة الكل <تنبيه> جاء في حكمة النهي عن كف الشعر أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة ففي سنن أبي داود بإسناد قال ابن حجر جيد أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي وقد غرز ضفيرته في قفاه فخلعها وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان ولا يجب كشف غير الجبهة بل يكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة ذكره ابن دقيق العيد قال في الفتح وفيه نظر
(ق د ن هـ عن ابن عباس) ورواه عند أيضا أحمد وغيره(2/191)
1638 - (أمرت بالوتر وركعتي الضحى ولم تكتبا) أي تفرضا وفي نسخة ولم يكتب بمثناة تحت بغير ألف أي ذلك وفيه أن ذلك من خصائصه على أمته
(حم عن ابن عباس) قال في المطامح: فيه جابر الجعفي كذاب وقال الذهبي واه قال ابن حجر لكن له متابع آخر من رواية وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة قال ابن حبان وضاح لا يجتمع به يروي أحاديث كلها معمولة ومندل ضعيف(2/192)
1639 - (أمرت بقرية) أي أمرني الله بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو باستيطانها إن كان قاله بالمدينة ذكره السمهودي (تأكل القرى) أي تغلبها في الفضل حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها فيأكلونه تسلطا عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه (يقولون يثرب) أي تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه كانت تسمى قبل الإسلام (وهي) أي والحال أن اسمها اللائق إنما هو (المدينة) إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب. والتثريب الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي الله تعالى عنه فيكره تسميتها به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي (تنفي الناس) أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي الكير) فإنه ينفي (خبث الحديد) رديئه والكور بضم الكاف موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ فيه والمراد ما بني من طين والخبث يفتحتين ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشيء الخبيث جعل مثل المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في زمن عمر رضي الله عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه أنها أفضل من مكة ورجح واعترض
(ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي(2/192)
1640 - (أمرت الرسل) الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنبياء (أن لا تأكل إلا طيبا) أي حلالا متيقن الحل فلا تأكل [ص:193] حراما ولا ما فيه شبهة وإن جاز الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} (ولا تعمل إلا صالحا) فلا يفعلون غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمدا أو سهوا قبل النبوة أو بعدها لعصمتهم قال حكيم لآخر: أوصني. قال: اعمل صالحا وكل طيبا
(ك) في الأطعمة (عن أم عبد الله بنت أوس) الأنصاري (أخت شداد بن أوس) قالت: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أنى لك هذا قالت من شاة لي قال أنى لك الشاة قالت اشتريتها من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضا الطبراني باللفظ المزبور وفيه أيضا ابن أبي مريم(2/192)
1641 - (أمرنا) بالبناء للمفعول أي أنا وأمتي (بإسباغ الوضوء) أي بإكماله على ما شرع فيه من السنن لا إتمام فروضه فإنه غير مخصوص بهم فإن إتمامه على غيرهم أيضا على ما عليه التعويل وما تقرر من أن المأمور هو وأمته هو ما قرره جمع لكن الأوجه أن المراد الأنبياء كما أفصح به في خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. قال المؤلف في الخصائص: لم يكن الوضوء إلا للأنبياء دون أممهم
(الدارمي) في مسنده (عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا(2/193)
1642 - (أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات) أي أعقاب الصلوات المفروضة بحيث ينسب إليها عرفا والأمر هنا للندب (ثلاثا وثلاثين تسبيحة) أي قول سبحان الله (وثلاثا وثلاثين تحميدة) أي قول الحمد لله (وأربعا وثلاثين تكبيرة) أي قول الله أكبر بدأ بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص عنه تعالى ثم بالتحميد لتضمنه إثبات الكمال له ثم بالتكبير لإفادته أنه أكبر من كل شيء وإفراد كل من الثلاثة أولى من جمعها وثواب العدد المذكور يحصل وإن زاد عليه على الأصح المنصور (1)
(طب عن أبي الدرداء) وإسناده حسن وقال صحيح
_________
(1) فيه زيادة على المشروع وقد قال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد(2/193)
1643 - (أمرني جبريل) أي عن الله تعالى (أن) أي بأن (أكبر) أي أن أقدم الأكبر في السن في مناولة السواك وترجم له البخاري " باب دفع السواك إلى الأكبر " وذكر فيه فقيل لي كبر قال شراحه قائل ذلك جبريل عليه السلام وقوله كبر أي قدم الأكبر في السن ورواه في الغيلانيات بلفظ أمرني جبريل أن أقدم الأكابر وخرجه أحمد والبيهقي بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني أن أكبر وروى أبو داود بإسناد قال النووي صحيح وابن العراقي رد على من نازع الراجح صحته عن عائشة رضي الله عنها أوحي الله إلي في فضل السواك أن أكبر وبذلك يعلم أن حمل التكبير على قول الله أكبر في العيدين غير قويم وفيه أن السن من الأوصاف التي يقدم بها فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه سيما في مورد النص وهو الإرفاق بالسواك ثم يطرد في جميع وجوه الإكرام كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب ومحله ما إذا لم يعارض فضيلة السن أرجح منها وإلا قدم الأرجح كإمامة الصلاة والإمامة العظمى وولاية النكاح وإعطاء الأيمن في الشرب ولا منافاة بين ذلك والحديث لأنه لم يدل على أن السن يقدم به على كل شيء بل إنه شيء يحصل به التقديم قال الحكيم: السواك من حق الأسنان. [ص:194] لأنه يشد اللثة ويذهب الحفر فأكبرهم سنا أقدمهم خروج أسنان ومن كان أقدم فهو أحق
(الحكيم) الترمذي (حل) من حديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن المؤلف لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجب فقد خرجه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور(2/193)
1644 - (امسحوا) جوازا (على الخفين) في الوضوء حضرا وسفرا ولو بلا حجة ولم ينسخ ذلك حتى مات وقد بلغت أحاديث المسح التواتر حتى قال الكمال بن الهمام قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر قال ابن تيمية: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي هو عليها بل إن كانت رجلاه في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإلا غسل قدميه ولم يلبس الخف قال وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل (والخمار) أي وامسحوا على الخمار أي العمامة كما في النهاية قال: لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يمكنه نزعها كل وقت فتصير كالخفين لكن لا بد من مسح بعض الرأس ثم يكمل عليها. <تنبيه> عدوا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته المسح على الخف
(حم) من حديث مكحول بن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل (عن بلال) بن رباح بموحدة مولى أبي بكر قال مكحول: كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن فذكر المسح على الخفين فمر بهما بلال المؤذن فسألاه عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول فذكره(2/194)
1645 - (امسح) ندبا (رأس اليتيم) أل فيه للعهد الذهني على وزان {وأخاف أن يأكله الذئب} والمراد بعض من الحقيقة غير معينة ولهذا كان في المعنى كالنكرة إذ ليس المراد يتيما معينا ولا كل فرد من أفراد اليتامى ولا ذئبا معينا ولا كل ذئب (هكذا إلى مقدم رأسه) أي من المؤخر إلى المقدم (ومن) كان (له أب هكذا إلى مؤخر رأسه) أي من المقدم إلى المؤخر والأمر للندب لا للوجوب كما تقرر
(خط) في ترجمة محمد بن سليمان الهاشمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ثم قال الخطيب: لا يعرف لمحمد بن سليمان غير هذا الحديث. وقال ابن القطان: هو محمد بن سليمان عن أبيه عن جده الأكبر ابن عباس وسليمان لا يعرف حاله في الحديث وكان أمير البصرة وجاء في حديث البزار عن ابن عباس أنه وضع كفه على مقدم رأس اليتيم مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه ثم أحدرها إلى مقدم أوائل جبهته ومن كان له أب وضع كفه على مقدم رأسه مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه. ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه لكنه قال إذا لقيتم الغلام يتيما فامسحوا رأسه هكذا إلى قدام فإذا كان له أب فامسحوا رأسه هكذا إلى خلف من مقدمته قال الحافظ العراقي وفيه محمد بن سليمان بن علي ضعيف(2/194)
1646 - (أمسك عليك) يا كعب بن مالك الذي جاءنا تائبا معتذرا عن تخلفه عن غزوة تبوك مريدا للانخلاع من جميع ماله صدقة (بعض مالك) وانخلع عن بعضه بأن تتصدق به (فهو خير لك) من التصدق بكله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر على الفاقة فالتصدق بجميع المال غير محبوب إلا لمن قوي يقينه كالصديق ومن قاربه ممن له شدة صبر وكمال وثوق وقوة توكل وقليل ما هم فلذلك منع كعبا من التصدق بجميع ماله دون أبي بكر رضي الله عنه وفيه دلالة على صحة التصدق بالمشاع إذ لم يفرق فهو حجة على مانعه
(ق 3 عن كعب بن مالك) قلت: يا رسول الله إن من توبتي [ص:195] أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فذكره(2/194)
1647 - (امش) يعني اذهب وخص المشي لكونه أولى (ميلا) ثلاثة فراسخ (عد مريضا) مسلما (امشي) بدل مما قبله (ميلين أصلح بين اثنين) رجلين أو فئتين يعني حافظ على فعل ذلك ولو كان عليك فيه مشقة كأن يمشي إلى محل بعيد فإنه قربة مؤكدة ينبغي الاعتناء بها لمزيد فضلها (امش ثلاث أميال زر أخا في الله) تعالى وإن لم يكن من النسب وبين به أن الثالث أفضل وأهم وأكد من الثاني وأن الثاني أفضل من الأول والأمر في الكل للندب فالميل للتكثير والمراد امش مسافة طويلة لعيادة المريض وامش ولو ضعفها للصلح وامش ولو ضعفيها للزيارة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر الفرشي (في الكتاب) فضل زيارة (الإخوان عن مكحول) الدمشقي (مرسلا) ظاهر كلام المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجب فقد خرجه البيهقي عن أبي إمامة لكن فيه علي بن يزيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث وعمر بن واقد متروك(2/195)
1648 - (امشوا أمامي) أي قدامي (خلوا) فرغوا (ظهري للملائكة) ليمشوا خلفي وهذا كالتعليل للأمر بالمشي أمامه وبه يعرف أن غيره من الأمة ليس مثله في ذلك لفقد المعنى المعلل به ومن ثم عد ذلك من خصائصه ولهذا صرحوا بأن الطالب إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل وورائه نهارا إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لنحو زحمة. قال المؤلف: ومن خصائصه سير الملائكة معه حيث سار يمشون خلف ظهره
(ابن سعد) في الطبقات (عن جابر) بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه امشوا إلى آخره ورواه عنه أيضا بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية وقال تفرد به الجارود بن يزيد عن سفيان(2/195)
1649 - (امط) أزل ندبا (الأذى عن الطريق) من نحو شوك وحجر وكل ما يؤذي السالك فيه (فإنه لك صدقة) أي تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة فإنه تسبب إلى سلامة من يمر عليه من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة على النفس فإماطته مندوبة ندبا مؤكدا والظاهر أن المراد الطريق المسلوك أما المهجور فليس مثله في أصل الندب أو تأكده وأنه لو كان الطريق مختصا بنحو قطاع أو حربيين أنه لا يندب فيه ذلك بل لو قيل يطلب أن يلقى فيه ما يؤذي لكان قريبا
(خد عن أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة الأسلمي فضلة بن عبيد على الصحيح مات سنة ستين وكذا رواه عنه الديلمي كالطبراني(2/195)
1650 - (أمك) (1) قال ابن السيد: سميت أما لأنها أصل الولد وأم كل شيء أصله كما قالوا لمكة أم القرى (ثم أمك ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولا. قال الزين العراقي: هذا هو المعروف في الرواية فهو من قبيل {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى. والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعارا بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة المتطاولة فهو [ص:196] إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكير لحقها العظيم مفردا إذ لها من الحقوق مالا يقام به كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء (ثم) قدم (أباك) فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض: نصب بفعل محذوف أي ثم برأ أباك قال في رواية ثم أبوك قال: وهذا واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن بطال: وهذا إذا طلبا فعلا في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية (ثم) بعد الأب وأبيه أن علا قدم (الأقرب) منك (فالأقرب) فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي: وجاء في حديث بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر كذلك انتهى. ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب <تنبيه> من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال في شرح النوابغ: وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريبا من القلب وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر قال الإمام المرغيناني: وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك نسب إليه دونها. وقال الحكيم: إنما صيرنا الحكم للأب لأن أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب الجسد واللحم كسوة قال تعالى {فكسونا العظام لحما} فلذلك العصوبة والولاية له دونها
(حم ت د) كلهم (عن معاوية بن حيدة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة ابن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم. قال الترمذي: حسن صحيح. (هـ عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك
_________
(1) وسببه كما في الترمذي عن بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك فذكره وأبر بفتح الهمزة والياء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع أي من أحق بالبر(2/195)
1651 - (أملك يدك) أي اجعلها مملوكة لك فيما عليك وباله وتبعته واقبضها عما يضرك وابسطها فيما لا ينفعك. قال الطيبي: هذا وما بعده من أسلوب الحكيم سأله رجل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب زيادة في التقرير والتقريع
(تخ عن أسود) ضد أبيض (بن أصرم) المحاربي عداده في أهل الشام وروايته فيهم ورواه عنه أيضا الطبراني. قال الهيثمي: وإسناده حسن(2/196)
1652 - (أملك عليك) يا من سألت منا النجاة (لسانك) بأن لا تحركه في معصية بل ولا في فيما لا يعنيك فإن أعظم ما تطلب استقامته بهذا القلب اللسان فإنه الترجمان وقد سبق أن اللسان فاكهة الإنسان وإذا تعود اللسان صعب عليه الصبر عنها فبعد عليه النجاة منها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن استناده إلى وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة ولسانه يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصا وإزراءا ويرمي الأفاضل بالجهل ويتفكه بأعراضهم ويقول على ما لا يعلم وكثيرا ممن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم وما هنالك وما هو إلا كأهل العراق السائلين ابن عمر عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين رضي الله تعالى عنه
(ابن قانع) أحمد في المعجم (طب عن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وهو الذي [ص:197] أجارته أم هانئ يوم الفتح وقيل غيره مات بالشام مرابطا قال قلت يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به فذكره. قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين إحداهما جيد(2/196)
1653 - (أملك عليك لسانك) أي احفظه وصنه لعظم خطره وكثرة ضرره. قال ذو النون رضي الله عنه: أصوم الناس لنفسه أملكهم للسانه. وقال ابن مسعود أو عمر: ما على الأرض أحوج إلى طول سجن من اللسان. قال حجة الإسلام رضي الله عنه: معنى حفظ اللسان من الكذب فلا ينطق به في جد ولا هزل لأنه إن نطق به هزل تداعى إلى الجد والخلف بالوعد بل ينبغي أن يكون إحسانك فعلا بلا قول والغيبة فإنها أشد من ثلاثين زنية والمراد الجدال والمنافسة وتزكية النفس واللعن والدعاء على الخلق والمزاح والسخرية والاستهزاء بالخلق ونحو ذلك انتهى. قال بعض الحكماء: لا شيء أحق بالسجن من اللسان وقد جعله خلف الشفتين والأسنان ومع ذلك يكثر القول ويفتح الأبواب (وليسعك بيتك) سيما في زمن الفتن. قال الطيبي: الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطبة أي تعرض لما هو سبب لزوم البيت من الاشتغال بالله والمؤانسة بطاعته والخلو عن الأغيار (وابك على خطيئتك) أي ذنوبك ضمن بكى معنى الندامة وعداه بعلى أي اندم على خطيئتك باكيا فإن جميع أعضاءك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق ذلق تفضحك به على ملإ من الخلق {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (تتمة) قال في الحكم: ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل فيها ميدان فكره كيف يشرق القلب وصور الأكوان منطبع في مرآته أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته أم كيف يطمع من يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته. <فائدة> قال ابن الحاج: عذل بعضهم عن الانعزال في خلوته فقال: وجدت لساني كلبا عقورا قل أن يسلم منه من خالطه فحبست نفسي ليسلم المسلمون من آفاته
(ت) في الزهد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ما النجاة فقال: أملك إلخ وهذا الجواب من أسلوب الحكيم سأل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأولى وكان حق الظاهر أن يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب مزيدا للتقرير والاهتمام كذا قاله المصنف تبعا لعبد الحق في أحكامه. قال ابن القطان: وهو خطأ إنما هو عن أبي أمامة وسكت عنه والترمذي إنما قال حسن وهو إلى الضعف أقرب فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال في المنار وكلهم متكلم فيه(2/197)
1654 - (املكوا العجين) أي أنعموا عجنه وأجيدوه (فإنه أعظم للبركة) أي أكثر لزيادة الخير والنمو فيه يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته. قال ابن الأثير: أراد أن خبزه يزيد بما يحتمل من الماء بجودة العجن انتهى. وفي رواية ذكرها في النهاية املكوا العجين فإنه أحد الربيعين
(عد عن أنس) ظاهر كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة سلامة بن روح الأبلي وقال: قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة: منكر الحديث(2/197)
1655 - (أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون) أي هم حافظون عليهم دخول الوقت لأجل الصلاة والصوم فيه فمتى قصروا فيما عليهم من رعاية الوقت بتقدم أو تأخر فقد خانوا ما ائتمنوا عليه من أوقات الصلوات وما يتبعها من وظائف العبادات
(هق عن أبي محذورة) الجمحي المكي المؤذن أوس وقيل سمرة(2/197)
1656 - (أمنع الصفوف) أي أحوطها وأحرزها (من الشيطان) أي من وسوسته (الصف الأول) أي الذي يلي الإمام ولعله لكثرة الملائكة حول الإمام فبذلك يضعف سلطان الشيطان وهذا مسوق للحث على تأكد الاهتمام بإيثاره والمحافظة على ملازمته
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر في الثواب وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سنان قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني لا بأس به وحكيم بن سيف قال أبو حاتم صدوق ولا يحتج به ووثق وهشام أبو المقدام قال النسائي وغيره متروك(2/197)
1657 - (أمنوا) بالتشديد أي قولوا آمين ندبا (إذا قرئ) بالبناء للمفعول وفي نسخة للفاعل أي قرأ الإمام في الصلاة أو قرأ أحدكم خارجها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) أي إذا انتهى في قراءته إلى ذلك وورد في غير ما حديث تعليله بأن الملائكة تؤمن على قراءته فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له
(ابن شاهين) عمر (في السنة) أي في كتاب السنة له (عن علي) أمير المؤمنين(2/197)
1658 - (أميران) تثنية أمير وهو صاحب الأمر والولي وكل من ترغب في مشاورته أو مؤامرته فهو أميرك (وليسا بأميرين) الإمرة المتعارفة وهما (المرأة تحج مع القوم) الحجاج (فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها) واستنبط منه شافعيون أن على أمير الحاج الإمساك عن الرحيل عن مكة لأجل حائض لم تطف للإفاضة ولم ترد الإقامة بمكة. قال المحب الطبري: كالمجموع سكت عنه أصحابنا وهو مذهب مالك ويلزم الجمال حبس الجمال لها أكثر مدة الحيض (والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها) يعني لا ينبغي له أن يرجع حتى يستأذنهم وانتزع منه بعض العلماء أنه لا يجوز له الانصراف بدون إذن ولي الميت وحكى عن مالك وقيده بعض أتباعه بما إذا لم يطل وذهب الجمهور إلى خلافه محتجين بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم جعل لمن لم يشهد الدفن قيراطا فدل على جواز الانصراف قبل الدفن بغير إذن وأقول ما استدلوا به لا ينهض شبهة فضلا عن حجة إذ ليس في خبر القيراط ما يؤذن بأن شرطه أن لا ينصرف إلا بإذن وبفرض تسليمه فالجهة منفكة
(المحاملي) بفتح الميم والحاء وسكون الألف وكسر الميم نسبة إلى المحامل التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي سمع البخاري والدروقي وابن الصباح وخلقا وعنه الطبراني والدارقطني وغيرهما. قال السمعاني: ثقة كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة (في أماليه) الحديثية وكذا البزار وأبو نعيم والديلمي كلهم (عن جابر) قال في الميزان تفرد به عمرو بن عبد الغفار الفقيمي وعمرو متهم بالوضع وقد سرقه آخر من الفقيمي أو الفقيمي سرقه منه وقال ابن القطان عمرو متهم بالوضع وخرجه العقيلي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قال في المطامح: ومداره على أبي سفيان وغيره من الضعفاء الذين لا يحتج بهم(2/197)
1659 - (إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنا) (1) ظلما يعني سألته أن يقبل توبته فامتنع أشد امتناع قال ذلك (ثلاثا) أي [ص:199] كرره ثلاث مرات للتأكيد هذا إن كان ثلاثا من لفظ الصحابي فإن كان من الحديث فالمعنى سألته ثلاث مرات فامتنع وفي رواية للخطيب ما يقتضي الأول وهذا يخرج مخرج الزجر والتهويل كأنه علم أن ذلك القاتل ليس ممن أناب حق الإنابة أو المراد من استحل القتل ظلما
(حم ن ك عن عقبة بن مالك) الليثي له صحبة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية فقال: إني مسلم فلم ينظر إليه فقتله فنمى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فأتاه القاتل وهو يخطب فقال ما قال الذي قال إلا تعوذا فأعرض ثم أخذ خطبته فقال الثالثة فأقبل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تعرف المساء في وجهه فقال: إن الله إلى آخره قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير بشر بن عاصم الليثي وهو ثقة. وقال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الذهبي في الكبائر على شرط مسلم
_________
(1) [إذ هو كفر كمن استحل شرب الخمر أو منع الزكاة أو ترك الصلاة. دار الحديث](2/197)
1660 - (إن الله أبى لي أن أتزوج) امرأة أو (أزوج) من أهلي امرأة (إلا من أهل الجنة) يعني منعني من مصاهرة من يختم له بعمل أهل النار فيخلد فيها وهذه بشارة جليلة لأصهاره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن هند بن أبي هالة) التميمي ولد خديجة قتل مع علي رضي الله تعالى عنه يوم الجمل شهد أحدا وغيرها وإسناده ضعيف لكن يعضده خبر الحاكم وغيره سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج مني أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة(2/199)
1661 - (إن الله تبارك وتعالى) قال التوربشتي: تبارك تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع وتبارك أي بارك مثل قاتل لكن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى ومعناه تعالى وتعظم وكثرت بركاته في السماوات والأرض إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية (اتخذني خليلا) قال الحرالي: من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف الرضى والسخط فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد (كما اتخذ إبراهيم خليلا) لأن الله تعالى لما علم من كل منهما أحوالا بديعة وأسرارا غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته. قال ابن القيم: وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة
(وأن خليلي) من البشر (أبو بكر) (1) وأما خبر لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجه بعد: {كما اتخذ الله إبراهيم خليلا} فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال: فيه يحيى الحماني وهو ضعيف وأقول لم أر يحيى في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد الله بن زحر ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية
_________
(1) أي الصديق رضي الله عنه فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء(2/199)
1662 - (إن الله تعالى) حال لازمة أي متعاليا عما لا يليق بعلى جناب قدسه (أجاركم) حماكم ومنعكم وأنقذكم وحفظكم (من ثلاث خلال) أي خصال: الأولى (أن لا يدعو عليكم نبيكم) كما دعي نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعا) أي بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة والثانية (أن لا يظهر) [ص:200] بضم أوله وكسر ثالثه (أي لا يغلب أهل) دين (الباطل) وهو الكفر وإن كثر أنصاره (على) دين (أهل الحق) وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق بحيث يمحقه ويطفىء نوره قال التوربشتي: ولم يكن ذلك بحمد الله مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها وقال القاضي: المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين انتهى ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق مطلقا يحتاح لحمله على الظهور وكل الظهور وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول والثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) قال الطيبي: حرف النفي في القرائن زائد كقوله تعالى {ما منعك ألا تسجد} وفائدته توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا إذا كانت الخلال مثبتة لا منفية وفيه أن إجماع أمته حجة وهو من خصائصهم وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فهؤلاء أجاركم الله منهن وأن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن منه كالزمكة ويأخذ الكافر فينتفخ والثانية الدابة والثالثة الدجال هكذا ساقه الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وتبعه الكمال بن أبي شريف مختصره فليعتمد
(د) في الفتن وكذا الطبراني وغيره (عن أبي مالك الأشعري) قال في المنار: هذا الحديث منقطع ثم اندفع في بيانه وأطال وقال المناوي: فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير واحد وقال ابن حجر في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعازف وهو مشهور بكنيته وفي اسمه خلف. الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه أكثر. الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته حتى قال المزني في ترجمته لا يعرف له كنية وتعقب بأن الشيخين والنسائي كنوه وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة الثاني. قال الحافظ: وصح لي أنه الثالث لأن ابن أبي عاصم لما خرج الحديث المذكور عن محمد بن عوف قال في سياق سنده عن كعب بن عاصم الأشعري بدل أبي مالك الأشعري فدل على أنه هو إلا أن يكون ابن أبي عاصم تصرف في التسمية بظنه وهو بعيد(2/199)
1663 - (إن الله احتجر التوبة) منعها والحجر المنع وفي رواية للبيهقي احتجب وفي رواية له حجب (عن كل صاحب بدعة) وإن كان زاهدا متعبدا فعاقبته خطرة جدا والمراد بالبدعة هنا أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه نظرا وتقليدا فإذا قرب موته فظهرت له ناصية ملك الموت اضطرب قلبه بما فيه وانكشف له بطلان بعض معتقده وكان قاطعا به فيكون سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو شكه فيها فإن خرجت روحه قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فهو من أهل النيران
(ابن فيد) وفي نسخ ابن فيل أي في جزئه كما في الكبير (طب هب والضياء) في المختارة (عن أنس)(2/200)
1664 - (إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد عليها فيطغيه ولا ينقص عنها فيؤذيه فإن الغنى مبطرة مأشرة والفقر مذلة مأسرة. قال الغزالي رحمه الله تعالى: مر موسى عليه الصلاة والسلام برجل نائم على التراب متوسدا لبنة وهو متزر بعباءة فقال: يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع قال أما علمت أني إذا نظرت إلى عبدي بوجهي كله زويت [ص:201] عنه الدنيا وقالوا قل من تكثر عليه الدنيا وإلا وتكثر غفلته عن الله لأن العبد كلما كان أكثر حاجة إلى الله كان الحق على باله بخلاف ما لو أعطاه قوت سنة مثلا فإن غفلته تكثر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) وكذا الديلمي (عن علي) أمير المؤمنين وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم غال في التشيع وعبيد الله بن الوليد ضعفوه(2/200)
1665 - (إن الله تعالى) تفاعل من علو القدر والمنزلة هنا وأصل تفاعل التعاطي العقل كتخاشع وكذا تفعل كتكبر وهما في حق الباري تعالى بمعنى التفرد لا بمعنى التعالي ذكره العكبري (إذا أحب إنفاذ) بمعجمة (أمر) أي أراد إمضاءه (سلب كل ذي لب لبه) حتى لا يدرك به مواقع الصواب ويتجنب ما يوقعه في المهالك والأعطاب فهو إشارة إلى أن قضاء الله لا بد من وقوعه ولا يمنع منه عقل ولا غيره (أنشد غلام ثعلب)
إذا أراد الله أمرا بامرئ. . . وكان ذا رأي وعقل وبصر. . . وحيلة يعملها في كل ما
يأتي به محتوم أسباب القدر. . . أغراه بالجهل وأعمى عينه. . . وسل منه عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه. . . رد عليه عقله ليعتبر
(خط) وكذا أبو نعيم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل أعله بلاحق بن حسين وقال إنه يضع وقال في موضع آخر كان كذابا إذ كان يضع الحديث على الثقات ويسند المراسيل انتهى فعزوه له مع حذف ما عقبه به من هذه العلة التي هي أقبح العلل غير صواب(2/201)
1666 - (إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع) أي قلع وأذهب (عقول الرجال) أي الكاملين في الرجولية الراسخين في العقل فلذا لم يقل الناس مثلا (حتى يمضي أمره فإذا أمضاه رد إليهم عقولهم) ليعتبروا بهم (ووقعت الندامة) منهم على ما كان فإذا أنت أحكمت باب اليقين وجزمت بأنه لا بد من وقوع القضاء المبرم هان عليك الأمر وارتفعت الندامة ورضيت النفس بما أصابها هذا هو الكمال ومن لم يصل إليه فليستعمل الصبر ويمرن نفسه على الرضى بالقضاء وينتظر وعد الله بأن عليه صلوات من الله ورحمة وفي الصبر خير كثير (تنبيهات) قال بعضهم لا بد للعبد من إسدال الحجاب عليه حتى يقع في المعصية وإلا فعصيانه ربه مع الكشف وشهوده أنه يراه لا يكون أبدا وهذا من رحمته تقدس بعصاة الموحدين فإن مجاهرة الحق بمحرم مع شهود أنه يراه قلة احترام للجناب الإلهي يوجب تشديد العقاب <فائدة> سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الهدهد كيف ينظر الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ تحت التراب قال إذا جاء القضاء عمي البصر فصار ذلك من الأمثال عند العرب
(أبو عبد الرحمن السلمي في) كتابه (سنن الصوفية) الذي وضعه لهم (عن جعفر بن محمد) الصادق وأمه فروة بنت القاسم بن محمد وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فكان يقول ولدني الصديق مرتين وثقه ابن معين وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ما رأيت أفقه منه (عن أبيه) محمد الصادق (عن جده) وسبق عن الخطيب أن السلمي هذا وضاع لكن فيه نزاع(2/201)
1667 - (إن الله تعالى إذا أنزل سطواته) جمع سطوة (1) قهره وشدة بطشه وفي رواية ابن حبان سطوته بالإفراد (على أهل نقمته) أي المستوجبين لها (فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على) حسب (نياتهم وأعمالهم) [ص:202] أي بعث كل واحد منهم على حسب أعماله من خير وشر فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق فالصالح ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب والعقاب بل يجازى كل واحد بعمله على حسب نيته ومن الحكم العدل أن أعمالهم الصالحة إنما يجازون عليها في الآخرة أما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء فهو تكفير لما قدموه من عمل سيء والنقمة عقوبة المجرم والفعل من نقم بالفتح والكسر ذكره القاضي وذهب ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اه. وذهب بعضهم إلى التعميم تمسكا بآية {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} وأخذ منه مشروعية الهرب من الكفار والظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس في التهلكة
(هب عن عائشة) وهو صحيح ورواه عنها أيضا ابن حبان في صحيحه بلفظ إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم
_________
(1) يقال سطا عليه يسطو سطوا قهره وأذله وهو البطش بشدة اه(2/201)
1668 - (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة) وهي كل ملائم تحمد عاقبته كما سبق (يحب أن يرى أثر النعمة عليه) لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه ليبرزه إلى جوارحه ليكون مهابا بها مكرما فإذا منعه فقد ظلم نفسه وضيعها (ويكره البؤس) وهو شدة الحال والفاقة والذلة (والتباؤس) إظهار الفقر وشدة الحاجة (ويبغض السائل الملحف) أي الملازم الملح (ويحب الحيي العفيف) أي المنكف عن الحرام والسؤال للناس (المتعفف) أي المتكلف العفة قال الحرالي: التعفف تكلف العفة وهو كف ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه وفيه أنه يندب لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بجميع أنواعه لكن التوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله تعالى أفضل من الأرفع إلا إن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها كما اقتضاه هذا الحديث والتوسعة على العيال لكن بغير تكلف كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر الوفاء منه إذا طولب
(هب عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب إسناده جيد(2/202)
1669 - (إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى) أي أعلم ملائكته فيثنون عليه ثم يقذف ذلك في قلوب أهل الأرض فيثنون (عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله) يعني أنه يقدر له التوفيق لفعل الخير في المستقبل ويثني عليه به قبل صدوره منه بالفعل. قال في الكشاف في تفسير {ولينصرن الله من ينصره} وعن عثمان هذا والله ثناء قبل بلاء يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا. إلى هنا كلامه وقال الصوفية الجناية لا تضر مع العناية وفي تفسير البغوي أن داود عليه السلام سأل الله أن يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب فقال: يا رب ومن يستطيع يملأ هذه حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأتها بتمرة (وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الشر لم يعمله) هذا ينبئك بأن الثناء من الله على عبده بسريرته فيما بينه وبينه وبما قسم له بعد لأن الخلق إنما عاينوا علانية والحق يثني عليهم بما غاب عنهم وبما [ص:203] سيكون منه وإنما يثني عليه بأضعاف ما لم يعمله لما سيكون منه وذلك لأنه كما بين الرزق تفاوت في القسمة بين الثناء والثناء فقسمة الرزق على التدبير في الظاهر وقسمة الثناء ومقابلة على منازل العباد عند خالقهم في الباطن قال ابن أقبرس: الثناء أعم من المدح والحمد ومقتضاه كونه ذكرا لسانيا كالمدح والحمد أو لسانيا وخارجيا كالشكر وكل ذلك محال عليه تعالى فالثناء منه بضرب تجوز وفيه حجة لمن قال إن الثناء استعمل في الخير والشر (تتمة) قال الدقاق رحمه الله تعالى: مر بشر بجمع من الناس فقالوا هذا رجل لا ينام الليل ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة فبكى وقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة ولا صمت يوما لم أنظر من ليلته ولكن الله يلقي في القلوب أكبر مما يفعله العبد تفضلا وتكرما
(حم حب) وكذا أبو يعلى (عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح(2/202)
1670 - (إن الله إذا قضى على عبد قضاء) أي مبرما من سعادة أو شقاوة (لم يكن لقضائه مرد) أي راد يعني ليس هم كملوك الدنيا بحال بينهم وبين بعض ما يريدونه لشفاعة أو غيرها فمن قضى له بالسعادة فهو من أهلها وبالشقاوة فمن أهلها لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهو القادر على كل شيء وغيره عاجز عن كل شيء وأما خبر الدعاء يرد القضاء فمحله في غير السعادة والشقاوة وهو الذي قيل فيه للمصطفى صلى الله عليه وسلم {ليس لك من الأمر شيء} <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه: القدرة من شرطها الإيجاد إذا ساعدها القضاء والإرادة فإياك والعادة وكلما أدى إلى نقص الألوهية مردود ومن جعل في الوجود الحادث ما ليس بمراد الله فهو عن المعرفة مردود مطرود وباب التوحيد في وجهه مسدود
(ابن قانع) في معجمه (عن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة (ابن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم وقيل بفتح المهملة وكسر الميم الكندي الشامي قال في الكاشف مختلف في صحبته وجزم ابن سعد بأن له وفادة وهو ضعيف مات بصفين(2/203)
1671 - (إن الله إذا أراد بالعباد نقمة) بكسر أوله عقوبة (أمات الأطفال وعقم النساء) أي منع المني أن ينعقد في أرحامهن ولذا قال في الصحاح: أعقم الله رحمها فعقمت إذا لم تقبل الولد ورحم معقومة أي مسدودة لا تلد (فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم) لأن سلطان الانتقام إذا ثار حنت الرحمة في محلها بين يدي الله تعالى حنين الوالهة فتطفئ تلك الثائرة فإذا لم يكن فيهم مرحوم ثار السلطان بالعقوبات واعتزلت الرحمة فحلت بهم النقمة فافهم أسرار كلام الشارع (1) . وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر بمعناه من غير عزو ثم قال: ليس له أصل وعموم حديث مسلم الآتي العجب أن ناسا من أمتي إلخ يرده وقد شوهدت السفينة ملآى من رجال ونساء وأطفال تغرق فيهلكون جميعا ومثله الدار الكبيرة تحترق والرفقة الكثيرة يخرج عليها القطاع فيهلكون جميعا أو أكثرهم والبلد تهجمها الكفار فيبذلون السيف في المسلمين وقد وقع ذلك من الخوارج فالقرامطة فالتتر والله المستعان. إلى هنا كلامه. ومما يقوي ما رواه خبر البخاري أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب له عن حذيفة) بن اليمان (وعمار بن ياسر معا) دفع به توهم أنه عن واحد منهما على الشك
_________
(1) فينبغي التلطف بالأطفال والشفقة عليهم فإن دعت الحاجة إلى التأديب فالتأديب أولى من تركه اه(2/203)
1672 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يهلك عبدا) من عباده (نزع منه الحياء) منه تعالى أو من الخلق أو منهما جميعا (فإذا [ص:204] نزع منه الحياء لم تلقه) أي لم تجده (إلا مقيتا) فعيل بمعنى فاعل أو مفعول من المقت وهو أشد الغضب (ممقتا) بالتشديد والبناء للمجهول أي مبغوضا بين الناس كثيرا مغضوبا عليه عندهم وحاصله يبغض الناس ويبغضونه جدا (فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا) أي إلا موسوما بذلك (نزعت منه الأمانة) وأودعت فيه الخيانة (فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا) فيما جعل أمينا عليه (مخونا) بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوبا إلى الخيانة بين الناس محكوما له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف (نزعت منه الرحمة) التي هي رقة القلب والعطف على الخلق (فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما) أي مطرودا وأصل الرجم الرمي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم (ملعنا) بضم الميم وفتح اللام والتشديد أي مطرودا عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو يلعنه الناس كثيرا وإذا صار كذلك (نزعت منه ربقة الإسلام) بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم: بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حياء ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي: أي حياء مذموما
(هـ عن ابن عمر) ابن الخطاب وضعفه المنذري(2/203)
1673 - (إن الله تعالى إذا أحب عبدا) أي رضي عنه وأراد به خيرا وهداه ووفقه (دعا جبريل) أي أذن له في القرب من حضرته (فقال) له (إني أحب فلانا فأحببه) أنت يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك (فيحبه جبريل) فالضمير في نادى إلى الله تعالى يعني إذا أراد الله تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولا (ثم ينادي) أي جبريل (في السماء) أي في أهلها (فيقول إن الله) وفي رواية بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول (يحب فلانا فأحبوه) بتشديد الموحدة أنتم (فيحبه أهل السماء) أي الملائكة (ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم ذكره الزمخشري. قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه: وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن أنكرته الظواهر من بعض الناس فلأغراض قامت بهم وهم في هذا كسجودهم لله كل من في العالم ساجد وكثير من الناس ما قال كلهم وهكذا حال هذا العبد تحبه بقاع الأرض كلها وجميع ما فيها وكثير من الناس على أصلهم في السجود لله تعالى وفي تاريخ الخطيب في ترجمة خير النساج عنه إذا أحبك ذلك وعافاك وإذا أحببته أتعبك وأبلاك. قال ابن الأثير: والقبول بفتح القاف المحبة والرضى بالشيء وميل النفس إليه. قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: لا تستبعد رضى الله عن العبد مما يغضب به على غيره ألا ترى إلى قول موسى عليه [ص:205] الصلاة والسلام {إن هي إلا فتنتك} {ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون} وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لكن من أقيم مقام الأنس يتلاطف ويحتمل ولم يحتمل من يونس عليه الصلاة والسلام ما دون ذلك لكونه أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب بما عوقب به وذلك الاختلاف إما لاختلاف المقامات أو لما سبق في الأزل من التفاضل. وانظر كيف احتمل إخوة يوسف عليه السلام ما فعلوه بيوسف عليه السلام ولم يحتمل للعزيز كلمة واحدة سأل عنها في القدر وكان بلعم بن باعوراء من أكابر العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل له ذلك وكان آصف من المسرفين فعفى عنه أوحى الله إلى سليمان عليه الصلاة والسلام يا رأس العابدين ويا محجة الزاهدين إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه لئن أخذته لأتركنه مثلة لمن معه ونكالا لمن بعده فخرج آصف حتى علا كثيبا ثم رفع رأسه وقال إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب علي وكيف أعتصم إن لم تعصمني فأوحى الله إليه صدقت يا آصف قد تبت عليك وأنا التواب الرحيم. قال الغزالي رضي الله عنه: هذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه فهذه سنة الله في عباده بالتقديم والتأخير على ما سبقت به المشيئة الأزلية (وإذا أبغض عبدا) أي أراد به شرا أو أبعده عن الهداية (دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل) يحتمل أن يريد عدم استغفاره له وعدم دعائه له ويحتمل إرادة المعنى الحقيقي وهو عدم الميل القلبي والنفرة منه (ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض) أي فيبغضه أهل الأرض جميعا فلا تميل إليه قلوبهم بل تميل عنه وينظرون إليه بعين النقص والإزراء وتسقط مهابته من النفوس وإعزازه من الصدور من غير صدور إيذاء منه لهم ولا جناية عليهم. وقيل: إن بغضه يلقى في الماء فلا يشربه أحد إلا أبغضه (1)
<تنبيه> قال في الحكم: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل فيك ونسبه إليك لا نهاية لمذامك إذا أرجعك إليك ولا تفرغ مدابحك إن أظهر جوده عليك لو أنك لا تصل غليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبدا إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه
(م) في الأدب (عن أبي هريرة) زاد الطبراني ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {سيجعل لهم الرحمن ودا} ورواه البخاري بدون ذكر البغضاء
_________
(1) قال العلماء محبة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادته عقابه وشقاوته ونحوه وجب جبريل والملائكة يحتمل وجهين أحدهما استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم له والثاني أنه على ظاهره المعروف من الخلق وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب ذلك كونه مطيعا لله محبوبا له ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه(2/204)
1674 - (إن الله إذا أطعم نبيا طعمة) بضم الطاء وسكون العين المأكلة يقال جعلت هذه الضيعة طعمة فلان والطعمة أيضا وجه المكسب يقال فلان عفيف الطعمة وخبيث الطعمة إذا كان رديء الكسب وأما ضبط الكمال ابن أبي شريف رضي الله تعالى عنه الطعمة هنا بكسر الطاء وسكون العين وفتح الميم فلا يظهر وجهه وزاد في رواية بعد قوله طعمة ثم قبضه والمراد هنا الفيء ونحوه (فهي للذي يقوم) بالخلافة (من بعده) أي يعمل فيها ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعمل لا أنها تكون له ملكا كما ظن فلا تناقض بينه وبين خبر ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي صدقة ذكره ابن جرير. قال: وفيه أن من كان مشتغلا بشيء من مصالح المسلمين كعالم وقاض وأمير له أخذ الرزق من الفيء على اشتغاله به وأنه مع ذلك مأجور وفيه رد على من حرم على القسام آخذ الأجر انتهى. وقال ابن حجر: تمسك بالحديث من قال إن سهم المصطفى صلى الله عليه وسلم يصرفه له والفاضل يصرفه في المصالح وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه [ص:206] يصرف للمصالح وهو لا ينافي ما قبله وقال مالك يجتهد فيه الإمام وأحمد يصرف في الخيل والسلاح وفي وجه يرد إلى الأربعة قال ابن المنذر: كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف فإن فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي رضي الله تعالى عنه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يرد مع سهم القربى إلى الثلاثة
(د) وكذا أحمد وكأنه أهمله لذهول فإنه محافظ على العزو له وتقدمه فيه حتى على الشيخين من طريق أبي الطفيل (عن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه قال أبو الطفيل: أرسلت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال: لا بل أهله قالت: فأين سهمه قال: سمعته يقول فذكره قال ابن حجر رحمه الله: فيه لفظة منكرة وهي قوله بل أهله فإنه معارض للحديث الصحيح أنه قال لا نورث انتهى وقال في تخريج المختصر: رجاله ثقات أخرج لهم مسلم لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم يورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة انتهى وفيه محمد بن فضيل أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به وقال أبو حاتم كثير الخطأ والوليد بن جميع قال ابن حبان فحش تفرده فبطل الاحتجاج به(2/205)
1675 - (إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة) قال ابن الكمال: إذا ذكر الرحمة خصوصا في مقابلة الهلاك يراد بها الإمهال والتأخير والأمة في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة ولهذا قال (من عباده) جمع عبد وهو الإنسان (قبض نبيها) أي أخذه بمعنى توفاه قال في الأساس: ومن المجاز قبض فلان إلى رحمة الله تعالى. قال المولى ابن الكمال: وتقدير المضاف هنا من ضيق العطن (قبلها) أي قبل قبضها (فجعله لها فرطا) بفتحتين بمعنى الفارط المتقدم إلى الماء ليهيء السقي في القاموس يقال للواحد والجمع وما تقدمك من أجر وعمل قال التلمساني: السابق ليزيل ما يخاف منه ويأخذ الأمن للمتأخر الطيبي يريد أنه شفيع يتقدم قال بعض المحققين: والظاهر منه المرجو أن له صلى الله عليه وسلم شفاعة ونفعا غير مأمنه يوم القيامة فإنها لا تتفاوت بالموت قبل أو بعد ولأن الفرط يهيء قبل الورود يؤيده ما نقل من حضوره عند الموت والميت ونحوه وإن احتمل أن يكون المراد يوم القيامة ولا خفاء في أن قوله فجعله إلخ إشارة إلى علة التقدم فما قيل من أنهم إذا ماتوا انقطع عملهم أو الخير في بقائهم نسلا بعد نسل مستغنى عنه مع أن فيه ما فيه (وسلفا بين يديها) وهو المقدم وكل عمل صالح قدمته أو الفرط والمقدم من الآباء والأقرباء كذا في القاموس قال البعض وهو من عطف المرادف أو أعم وفائدة التقديم الإنس والاطمئنان وقلة كربة الغربة ونحو ذلك إذا بلغت بلدا مخوفا ليس لك بها أنيس وقيل الأجر لشدة المصيبة وقد ظهر أن الاقتصار على الأجر المذكور من القصور انتهى وفي الكشاف في تفسير {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منها توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوزه وداناه قال ابن الكمال: وقد جرت هذه العبارة هنا على سنن ضرب من المجاز وهو الذي يسميه أهل اللسان تمثيلا (وإذا أراد هلكة أمة) بفتح الهاء واللام هلاكها (عذبها ونبيها حي) أي وهو مقيم بين أظهرها قيدها في قيد الحياة (فأهلكها) الفاء للتعقيب (وهو ينظر) أي والحال أن نبيها ينظر إلى إهلاكهم قال الجوهري: النظر تأمل الشيء بالعين (فأقر عينه) الفاء للتفريع أي فرحه الله وبلغه الله أمنيته. وذلك لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينيه ماء بارد فيقر (بهلكتها) في حياته (حين كذبوه) في دعواه النبوة والرسالة (وعصوا أمره) بعدم إتباع ما جاء به عن الله وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة [ص:207] لأنه يكون مصيبة عظيمة لهم ثم يتمسكون بشرعه بعده فتضاعف أجورهم وأما هلكة الأمة قبل نبيها فإنما يكون بدعائه عليهم ومخالفتهم أمره كما فعل بقوم نوح عليه السلام فالمراد من الأمة الأولى أمة الإجابة وبالثانية أمة الدعوة وفيه بشرى عظيمة لهذه الأمة حيث كان قبضه رحمة لهم كما كان بعثه كذلك
(م) في فضائل المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عن أبي موسى الأشعري) قال القرطبي وغيره وهذا من الأربعة عشر حديثا المنقطعة (1) الواقعة في مسلم لأنه قال في أول سنده حدثنا عن أبي أسامة
_________
(1) قلت وليس هذا حقيقة الانقطاع وإنما هو رواية مجهول وقد وقع في حاشية بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي حدثنا محمد بن المسيب الأرغباني قال ثنا إبراهيم بن سعد الجوهري هذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده(2/206)
1676 - (إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق) وفي نسخة يجعل (عبدا للخلافة) هي المرتبة التي يصلها من يقوم مقام الذاهب أي من تقدمه (مسح يده على جبهته) يعني ألقى عليه المهابة والقبول ليتمكن من إنفاذ الأوامر ويطاع فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل التهيء لمراتب الاستعداد وإيداع القابل فيه من رب العباد محال فمسح الجبهة كناية عن ذلك. قال الراغب: والخلافة والنيابة عن الغير لغيبة المنوب عنه أو موته أو عجزه أو تشريف المستخلف وعلى الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض
(خط عن أنس) قضية صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه وهو تلبيس فاحش فإنه خرجه وأعله فقال عقبة مغيث بن عبد الله أي أحد رجاله ذاهب الحديث انتهى(2/207)
1677 - (إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته) أي مقدم رأسه ولفظ رواية الحاكم مسح على ناصيته بيمينه (فلا تقع عليه عين) أي لا تراه عين إنسان (إلا أحبته) وفي نسخة أحبه بالتذكير على إرادة صاحبها ومن لازم محبة الخلق له امتثال أوامره وتجنب نواهيه وتمكن هيبته من القلوب وإجلاله في الصدور. ثم إن بعضهم قد حمله على ظاهر هذا الخبر فحمل الخليفة على الإمام والذي عليه أهل الحقيقة أن المراد به القائم بالحجة من أهل علم الظاهر والباطن أي ظهر بأسماء الحق على تقابلها قال ابن عطاء الله: من أراد الله به كونه داعيا إليه من أوليائه فلا بد من إظهاره للعباد ثم لا بد أن يكسوه الحق كسوتين الجلالة والبهاء فالجلالة لتعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب ويمتثلوا أمره ونهيه ويقوموا بنصره والبهاء ليجملهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين المحبة ليبعث الهمم على الانقياد إليهم {وألقيت عليك محبة مني} ثم إن العالم وإن كان مشحونا بالعلوم والمعارف لا يقبل كلامه إلا إن أذن الله له في الكلام فإذا أذن له فيه بهت في مسامع الخلق عبارته وجلت إشارته وخرج كلامه وعليه كسوة وحلاوة ومن لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى أن الرجلين ليتكلمان بالكلمة الواحدة فيقبل من أحدهما ويرد على الآخر <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه: إذا أعطي الإنسان التحكم في العالم فهي الخلافة فإذا شاء تحكم وظهر كعبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وإن شاء سلم وترك التصرف لربه في عباده مع التمكن منه كابن شبل رضي الله عنه إلا أن يقترن به أمر إلهي كداود عليه الصلاة والسلام فلا سبيل إلى رد الأمر وكعثمان رضي الله عنه الذي لم يخلع ثوب الخلافة حتى قتل لعلمه بما ألحق فيه ونهي المصطفى صلى الله عليه وسلم له عن ذلك وحينئذ يجب الظهور ولا يزال مؤيدا ومن لم يؤمن به فهو مخير إن ظهر ظهر بحق وإن استتر استتر بحق والستر أولى وفي هذه الدار إعلاء فمن أمر بالظهور فهو كالرسول وغيره كالنبي
(ك) عن أبي بكر بن أبي دارم عن محمد بن هارون عن موسى بن عبد الله الهاشمي عن يعقوب بن جعفر عن أبيه عن أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده (عن ابن عباس) ثم قال [ص:208] الحاكم رواته هاشميون معروف بشرف الأصل. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ(2/207)
1678 - (إن الله تعالى إذا أنزل عاهة) أي بلاء (من السماء) أي من جهتها (على أهل الأرض) أي ساكنيها من إنس وجن وغيرهما (صرفت) بالبناء للمفعول أي صرفها الله (عن عمار المساجد) قال الحكيم: ليس عمارها كل من أنفق على مسجد فبناه أو من رمه بل من عمرها بذكره (1) وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أما من عمرها وهو منكب على دنياه معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام نفسه فضلا عن الدفع عن غيره لآجله وإن عمر ألف مسجد قال القاضي: عامر كل شيء حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال ومنه سمي الساكن والمقيم في البلد عامرا يقال عمرت المكان إذا أقمت فيه وسمي زوار البيت عمارا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وكذا رواه عنه في النوادر
_________
(1) كصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومذاكرة علم قال بعضهم: ويؤخذ منه أن من عمل صالحا فقد أحسن إلى جميع الناس أو سيئا فقد أساء إلى جميعهم لأنه تسبب في نزول البلاء والبلاء عام والرحمة خاصة(2/208)
1679 - (إن الله تعالى إذا غضب على أمة ولم ينزل بها) أي والحال أنه لم ينزل بها (عذاب خسف) بالإضافة أي ولم يعذبها بالخسف بها ومن زعم أن المراد بالخسف هنا النقصان والهوان فقد خالف الظاهر (ولا مسخ) أي ولم يعذبها بمسخ صورها قردة أو خنازير أو نحوهما (غلت أسعارها) أي ارتفعت أسعار أقواتها أي (ويحبس) أي يمسك ويمنع (عنها أمطارها) فلا يمطرون وقت الحاجة إلى المطر (ويلي عليها أشرارها) أي يؤمر عليه أشرهم سيرة وأقبحهم سريرة فيعاملونهم بالظلم والجور والعسف والقسوة والفظاظة والغلظة. قال القاضي: والمراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنيهما
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه الديلمي بأوضح من هذا ولفظه إن الله تعالى إذا غضب على أمة ثم لم ينزل عليها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارتها وحبس عنها أمطارها ولم تغزر أنهارها ولم تربح وسلط عليها أشرارها اه(2/208)
1680 - (إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك) أي عن عظمة جثة ديك من خلق الله تعالى يعني عن ملك في صورة ديك وليس بديك حقيقة كما يصرح به قوله في رواية إن لله تعالى ملكا في السماء يقال له الديك إلخ (قد مرقت رجلاه الأرض) أي وصلتا إليها وخرقتاها من جانبها الآخر قال في الصحاح مرق السهم خرج من الجانب الآخر (وعنقه مثنية تحت العرش) أي عرش الإله (وهو يقول) أي هجيراه وشعاره قوله (سبحانك ما أعظمك) زاد في رواية الطبراني ربنا (فيرد عليه) أي فيجيبه الله الذي خلقه بقوله (لا يعلم ذلك) أي لا يعلم عظمة سلطاني وسطوة انتقامي (من حلف بي كاذبا) (1) فإنه لو نظر إلى كمال الجلال وتأمل بعين بصيرته في عظم المخلوقات الدالة على عظم الخالق لم [ص:209] يتجرأ على اسمه ويقسم به على خلاف الواقع فالجرأة على اليمين الكاذبة إنما تنشأ عن كمال الجهل بالله تعالى ومن ثم كانت اليمين الغموس من أكبر الكبائر وإن كانت على قضيب من أراك
(أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة) أي في كتاب العظمة له عن محمد بن العباس عن الحسن بن الربيع عن عبد العزيز بن عبد الوارث عن حرب (طس) عن محمد بن العباس عن الفضل بن سهل عن إسحاق السلولي عن إسرائيل عن معاوية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة (ك) في الأيمان من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس بن سهل الأعرج لم أعرفه وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح ولم يستثن
_________
(1) فأزجر شيء وأمنعه عن اليمين الكاذبة استحضار هذا الحديث(2/208)
1681 - (إن الله استخلص هذا الدين لنفسه) وناهيك به تفخيما لرتبة دين الإسلام فهو حقيق بالإتباع لعلو رتبته عند الله في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء (1)) بالمد الكرم فإنه لا قوام لشيء من الطاعات إلا به (2) (وحسن الخلق) بالضم السجية والطبع (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فزينوا) من الزين ضد الشين (بهما دينكم) زاد في رواية ما صحبتموه فالسخاء السماح بالمال وحسن الخلق السماح بالنفس فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ومالت إليه النفوس وتلقت ما يبلغه عن الله. قال الزمخشري: معنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا رافقا كما قال تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} والمعرض عن الدين مسبول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى ازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحالته مظلمة اه. وقال الحكيم: الإسلام بني اسمه على السماحة والجود لأن الإسلام تسليم النفس والمال لحقوق الله وإذا جاء البخل فقد ذهب بذل النفس والمال ومن بخل بالمال فهو بالنفس أبخل ومن جاد بالنفس فهو بالمال أجود فلذلك كان البخل يمحق الإسلام ويبطله ويدرس الإيمان وينكسه لأن البخل سوء ظن بالله وفيه منع لحقوقه وعليه الاعتماد دون الله ولذلك جاء في خبر ما محق الإسلام محق البخل شيء قط وكما أن في السخاء الخير كله ففي البخل الشر كله قال الحرالي: كل ما اجتمعت فيه استقباحات الشرع والعقل والطبع فهو فحش وأعظمها البخل الذي هو أدوأ داء وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله (3)
(طب عن عمران بن حصين) قال الهيثمي فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك اه وله طرق عند الدارقطني في المستجاد والخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد وغيره أمثل من هذا الطريق وإن كان فيها أيضا لين كما بينه الحافظ العراقي فلو جمعها المصنف أو آثر ذلك لكان أجود
_________
(1) أي التلطف بالناس والرفق بهم وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم
(2) وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا والثانية سخى من باب تعب والثالثة سخو من باب قرب
(قال في ذيل لب الألباب في الأنساب الحرالي بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبعد الألف لام نسبة إلى حرالة من أعمال مرسية بالأندلس منها أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن المفسر وفي القاموس حرالة مشدد اللام بلد بالمغرب أو قبيلة بالبربر منها علي بن أحمد بن الحسن ذو التصانيف المشهورة وفي تفسير البقاعي: الحرالي بمهملتين مفتوحتين ومد وتشديد اللام اه وقد سبق أن كتب " الحراني " في بعض مواضع تقدمت وهو خطأ والصواب " الحرالي " باللام اه(2/209)
[ص:210] 1682 - (إن الله اصطفى) اختار واستخلص (كنانة) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة بن خزيمة (من ولد إسماعيل) فيه فضل إسماعيل عليه السلام على جميع ولد إبراهيم عليه السلام حتى إسحاق عليه السلام ولا يعارضه {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وفي الروض الأنور كان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ستة بنين سوى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام وعبر هنا بولد وفيما يجيء بلفظ نبي: إشعارا بأنه أفضل الأفضل لأن لفظ نبي مختص بالذكور بخلاف الولد ومن ثم لو أوصى لولده دخل البنات ولبنيه لا (واصطفى قريشا من كنانة) لأن أبا قريش مضر بن كنانة. قال ابن حجر: وهذا ذكره لإفادة الكفاءة والقيام بشكر النعم ونهيه عن التفاخر بالآباء موضعه مفاخرة تفضي لتكبر أو احتقار مسلم (واصطفى من قريش بني هاشم) وهاشم هو ابن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم) فإنه محمد بن عبد الله بن الله بن عبد المطلب بن هاشم ومعنى الاصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار الديانة بل باعتبار الخصال الحميدة وفيه أن غير قريش من العرب ليس كفؤا لهم ولا غير بني هاشم كفؤا لهم أي إلا بني المطلب وهو مذهب الشافعية. قال ابن تيمية: وقد أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم بمجرد كون النبي منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور
(م ت) في المناقب عن (واثلة) ابن الأسقع ولم يخرجه البخاري وخرجه عنه أبو حاتم وغيره قال ابن حجر: وله طرق جمعها شيخنا العراقي في محجة القرب في محبة العرب(2/210)
1683 - (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم) وكانوا ثلاثة عشر (إسماعيل) إذ كان نبيا رسولا إلى جرهم وعماليق الحجاز (واصطفى من ولد إسماعيل كنانة) بن ثابت (واصطفى من كنانة قريشا) بن النضر (واصطفى من قريش بني هاشم) فهو أفضلهم وأخيرهم (واصطفاني من بني هاشم) (1) . فأودع ذلك النور الذي كان في جبهة آدم عليه السلام في جبهة عبد المطلب ثم ولده وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية. واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقا وأطيبهم نفسا يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال {واجعلنا مسلمين لك} ثم قال {ومن ذريتنا} فإنما سأل في ذرية إسماعيل خاصة. ألا ترى لتعقيبه بقوله {وابعث فيهم رسولا منهم} <تنبيه> قال ابن تيمية: قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على غيرهم إذا كان [ص:211] أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض فيقال لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق
(ت) في المناقب (عن واثلة) بن الأسقع ثم قال الترمذي حديث صحيح
_________
(1) وبالمصطفى شرفت بنو هاشم وقال بعضهم في تفضيل الولد على الوالد:
كم من أب قد علا بابن ذرى شرف. . . كما علا برسول الله عدنان(2/210)
1684 - (إن الله اصطفى من الكلام أربعا) وهي قول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهي مختار الله من جميع كلام الآدميين (فمن قال) أي دبر الصلاة أو غيرها (سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال الله أكبر مثل ذلك ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه) (1) يحتمل أن المراد به قصدية الإنشاء أو الإخبار أو قالها لا من جهة نعمة تجددت أو نقمة اندفعت (كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة) وفي رواية أن الله اصطفى لملائكته من الكلام أربعا إلخ. قال الطيبي: لمح به إلى قوله تعالى {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} ويمكن أن تجعل هذه الكلمة مختصرة من قوله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لما مر أن سبحان الله تنزيه لذاته عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى قوله لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لأن الإضافة بمعنى اللام في الحمد ومستلزم بمعنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من غيره فلا يكون أحد أكبر منه ولا يلزم منه أن يكون التسبيح أفضل من التهليل إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن نفي التهليل في قوله لا إله نفي لمصححاتها من الخالقية والرازقية وكونه مثيبا ومعاقبا من الغير وقوله إلا الله إثبات له ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تقديس فإذا اجتمعا دخلا في مفهوم الطرد والعكس. إلى هنا كلام الطيبي. وأخذ منه بعضهم أن الحمد أفضل من التسبيح لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال. والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وادعى بعضهم أن الحمد أكثر ثوابا من التهليل ورد بأن في خير البطاقة المشهور ما يفيد أن لا إله إلا الله لا يعدلها شيء
(حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح
_________
(1) أي لأن الحمد لا يقع غالبا إلا بعد سبب كأكل أو شرب أو حدوث نعمة فكأنه وقع في مقابلة ما أسدي إليه فلما حمد لا في مقابلة شيء زاد في الثواب(2/211)
1685 - (إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام) أي بالتكليم له وهو في الأرض (1) وأما محمد فوقع له ذلك في العالم العلوي [ص:212] فتلك هي المختصة بموسى. ذكره بعض المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله كما مر ذلك مبينا
(ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي
_________
(1) أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله حقيقة لا مجازا فلا يكون محدثا فلا يوصف بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسما ولا عرضا كذلك لا يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفا ولا صوتا وذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني أن موسى إنما سمع صوتا دالا على كلام الله أي دالا على ذلك المعنى لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول(2/211)
1686 - (إن الله اطلع على أهل بدر) الذين حضروا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة الجبار وهم ثلاث مئة وثلاثة أو أربعة عشر رجل (1) يعني نظر الله إليهم نظرة رحمة وعطف وقد ارتقوا إلى مقام يقتضي الإنعام عليهم بمغفرة ذنوبهم السابقة واللاحقة (فقال) لهم (اعملوا ما شئتم) أن تعملوا (فإني قد غفرت لكم) ذنوبكم (2) أي سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه بإكرامهم والإعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو على ظاهره والخطاب لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنبا وإن قارفوه لم يصروا بل يوفقون لتوبة نصوح فليس فيه تخييرهم فيما شاؤوا وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفا وحذرا مما كانوا قبله وبذلك سقط ما قيل إن هذا سقط من المشكل لأنه إباحة مطلقة وهو خلاف عقد الشرع وأما الجواب بمثل أن المراد الأعمال الماضية لا المستقبلة فكما أنه لا يلائم السياق يدفعه لفظ اعملوا
(ك عن أبي هريرة) وراوه عنه أيضا أحمد وأبو داود باللفظ المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال إلخ قالوا والترجي في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم للوقوع
_________
(1) وخرج صلى الله عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها قد سبقت ونزل جبريل وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه ذلك وقال سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم
(2) قال القرطبي هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه فقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة(2/212)
[ص:213] 1687 - (إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي) أن قال لي أو قائلا ففيه التفات (إني أعطيتك فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهما نصفا وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الإيمان هو العلم والعمل نصف الإيمان ولا يدل ذلك أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي وجه التقسيم في الأحاديث القدسية
(ابن الضريس) بضم المعجمة وشد الراء الحافظ يحيى البجلي (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره(2/213)
1688 - (إن الله أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الراءات) أي السور التي امتازت بالراء فكأن الراء هي التي عينتها ولم يقل المرء اللمراءات لثقله وعدم إلفه (إلى الطواسين مكان الإنجيل) قال البقاعي: تأخيره في الذكر يفيد تعظيمه بأن ما قبله مقدمات لتلقيه انتهى وظاهره أنه أفضل من التوراة وفي كلام جمع ما يخالفه (وأعطاني ما بين الطواسين) أي مع الطواسين وما بعدها (إلى الحواميم مكان الزبور وفضلني) على أصحاب هؤلاء الكتب المنزلة (بالحواميم) أي بإعطائي زيادة عليهم الحواميم (والمفضل ما قرأهن نبي قبلي) ما أنزلت على نبي من قبلي فقرأهن فهن من خصوصياته على الأنبياء
(محمد بن نصر) المروزي في كتاب الصلاة (عن أنس) بن مالك وإسناده ضعيف لكن مما يشهد له(2/213)
1689 - (إن الله أعطى موسى الكلام) أي التكليم بمعنى أنه خصه به وهو في الأرض كما مر (وأعطاني الرؤية) لوجهه تقدس بعيني بصري يعني خصه بها في مقابلة ما خص به موسى (وفضلني) عليه (بالمقام المحمود) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون يوم القيامة (والحوض المورود) الذي يرده الخلائق في المحشر وإشعاره بأن الحوض من خصوصياته غير مراد لما سيجيء في خبر إن لكل نبي حوضا فتعين أن الخصوصية في الكوثر لا في مطلق الحوض
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جابر) ورواه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال الذهبي قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن الجوزي الحديث موضوع فيه الكريمي(2/213)
1690 - (إن الله افترض صوم رمضان) على هذه الأمة بقوله {كتب عليكم الصيام فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وكان كتبه على أهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده فجعلوه خمسين وقيل وقع في برد وحر شديد فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين كفارة للتحويل وبالجملة فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ذكره الزمخشري (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة فيه ليلا سنة (فمن صامه وقامه) سالما من المعاصي قولا وفعلا (إيمانا) أي تصديقا بأنه حق وطاعة (واحتسابا) لوجهه تعالى لا رياء (ويقينا) تأكيدا لقوله [ص:214] إيمانا أو أراد احتسابا مجزوما به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر كما سيجيء نظائره. وقال ابن عطاء الله: وقد رأينا فنظرنا كل مأمور به أو مندوب من الشارع يستلزم الجمع على الله وكل منهي عنه أو مكروه يتضمن التفرقة عنه فإذا مطلوبه من عباده وجود الجمع عليه لكن الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية أسباب التفرقة ووسائلها فلذا نهى عنها
(ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن(2/213)
1691 - (إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني وأن أؤدبكم مما أدبني) لأني بعثت كالأنبياء طبيبا للأمراض القلبية والأخلاق الوحشية (إذا قمتم على أبواب حجركم) جمع حجرة (فاذكروا اسم الله) أي قولوا بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إذا ذكرتم ذلك (يرجع الخبيث) أي الفاسد المفسد الشيطان الرجيم (عن منازلكم) أي مساكنكم (وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام) ليأكله (فليسم الله) أي فليقل بسم الله الرحمن الرحيم (حتى لا يشارككم الخبيث) إبليس أو أعم (في أرزاقكم) فإنكم إذا لم تسموا أكل معكم. قال الحراني: وذلك لأن كل شيء لله فما تناوله الإنسان باسمه أخذه بإذنه وما تناوله بغير اسمه أخذه على غير وجهه بغير إذنه فيشاركه الشيطان في تناوله فيتبعه المتناول معه في خلواته {وشاركهم في الأموال والأولاد} . (ومن اغتسل) منكم (بالليل) أي فيه (فليحاذر عن) أي عن كشف (عورته فإن لم يفعل) بأن لم يستر عورته (فأصابه لمم) طرف من الجنون كما في الصحاح (فلا يلومن إلا نفسه ومن بال في مغتسله) أي المحل المعد للاغتسال فيه (فأصابه الوسواس) أي مما تطاير من البول والماء (فلا يلومن إلا نفسه) إذ هو فاعل السبب (وإذا رفعتم المائدة) التي أكلتم عليها (فاكنسوا ما تحتها) من فتات الخبز وبقايا الطعام (فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها) من ذلك (فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم) أي لا ينبغي ذلك فإنهم أعداؤكم قال الحكيم: الشيطان ممنوع من مشاركة المؤمن في مطعمه ومشربه وملبسه وسائر أموره ما دام يسمي الله على كل حال فإذا ترك التسمية وجد فرصة فشاركه حتى في ضحكه. وفيه أن من حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن المتصلين به وأن يحظيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك وأن شأن الأدب والاهتمام به متعين وقد تطابقت على ذلك الملل <تنبيه> كان المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة شفوقا ولله ناصحا وبالمؤمنين رحيما {عزيز عليه ما عنتم} الآية حريص على المؤمنين أن يوصلهم إلى الإيمان مع زينة الإسلام وبهاء الإيمان فعلمهم تناول الطعام والشراب واللباس وغير ذلك من كل ما للنفس فيه حق وقال في التنزيل {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فطهره الله وأدبه وأحيا قلبه فقبل أدبه فصار مؤدبا مهذبا مطهرا فأمرنا بالإقتداء به
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) لكنه لم يسنده كما يوهمه صنيع المؤلف بل قال حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق البصري يرفعه إلى أبي هريرة هذه عبارته(2/214)
1692 - (إن الله أمرني بحب أربعة) من الرجال (وأخبرني أنه يحبهم) قيل: بينهم لنا يا رسول الله قال (علي) بن [ص:215] أبي طالب (منهم) العلم الذي لا يلتبس والفرد الذي لا يشتبه فلا حاجة لوصفه قال السعد التفتازاني لم يرد في الفضائل ما روي لعلي رضي الله عنه (وأبو ذر) الغفاري جندب بن جنادة من السابقين الأولين كان عظيما طويلا زاهدا متقللا مات بالربذة سنة اثنين وثلاثين (والمقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي اشتهر بابن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وهو قديم الإسلام والصحبة مات سنة ثلاث وثلاثين عن سبعين سنة (وسلمان) الفارسي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم يعرف بسلمان الخير أصله من فارس كان مجوسيا ساد في الإسلام وسبب إسلامه مشهور وصار من خيار الصحابة وفضلائهم وزهادهم وكفى بهذا الحديث له شرفا قالوا عاش ثلاث مئة وخمسين سنة ومات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما
(ت) وقال غريب حسن (هـ ك) في فضائل الصحب عن شريك عن أبي ربيعة الإبادي عن ابن بريدة (عن بريدة) الأسلمي قال الحاكم على شرط مسلم وتعقبه الذهبي بأنه لم يخرج لأبي ربيعة وهو صدوق(2/214)
1693 - (إن الله أمرني أن أزوج فاطمة) الزهراء رضي الله تعالى عنها (من علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه قاله لما خطبها غيره كأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فرده وزوجه إياها والمختار أنه زوجها في غيبته فلما جاء أخبره بأن الله أمره بذلك فقال: رضيت. ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء لمن شاء واختلف في صداقها كيف كان قال المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى: يشبه أن يكون عقد فاطمة على علي رضي الله عنهما وقع على الدرع وبعث بها علي ثم ردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين الحديثين الواردين في ذلك تضاد وقد ذهب إلى مدلول كل منهما قائل به فقال بعضهم كان مهرها الدرع ولم يكن إذ ذاك لا بيضا ولا صفرا وقال بعضهم كان أربع مئة وثمانين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الخبر أن نكاح القرابة القريبة ليس خلاف الأولى كما يقول الشافعية وأجيب بأن عليا كرم الله وجهه قريب بعيد إذا المراد بالقرابة القريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة وفاطمة رضي الله تعالى عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية وأما الجواب بأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يكن إذ ذاك كفؤا لفاطمة سواه فمطعون فيه بأن أباه كافر وأبوها سيد البشر
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي رجاله ثقات(2/215)
1694 - (إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة) بالفتح والتخفيف مؤنث طيب بالفتح لغة في طيب بكسر الطاء الرائحة الحسنة أو صاحبها أو تخفيف الطيب تأنيث الطيب بالفتح والتشديد أي الطاهرة التربة أو من النفاق أو من الشرك سماها بذلك لأنه سبحانه طيبها بهجرته إليها وجعلها محل نصرته وموضع تربته ولها أسماء كثيرة قال ابن القيم ويكره تسميتها يثرب كراهة شديدة وإنما حكاه الله عن المنافقين
(طب عن جابر بن سمرة)(2/215)
1695 - (إن الله أمرني بمداراة الناس (1) أي بملاطفتهم وملاينتهم ومؤاخاتهم والتحبب إليهم ويهمز ولا يهمز والأمر [ص:216] للوجوب بدليل قوله (كما أمرني بإقامة الفرائض) وفي رواية بدله القرآن أي أمرني بملاطفتهم قولا وفعلا والرفق بهم وتألفهم ليدخل من يدخل منهم في الدين ويتقي المسلمون شر من قدر عليه الشقاء ومن ثم قال حكيم: هذا الأمر لا يصلحه إلا لين من غير ضعف وشدة من غير عنف وهذه هي المداراة أما المداهنة وهي بذل الدين لصلاح الدنيا فمحرمة مذمومة وعلم مما تقرر أن أمره بالمداراة لا يعارض أمره بالإغلاظ على الكفار وبعثه السيف لأن المداراة تكون أولا فإن لم تفد فالإغلاظ فإن لم يفد فالسيف
(فر عن عائشة) وفيه أحمد بن كامل أورده الذهبي في الضعفاء وقال الدارقطني كان متساهلا وبشر بن عبيد الدارمي قال الذهبي ضعيف جدا وقال في الميزان بشر بن عبيد كذبه الأزدي وقال ابن عدي منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر
_________
(1) وقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر ربه فبلغ في المداراة النهاية التي لا ترتقى وبالمداراة واحتمال الأذى يظهر الجوهر النفسي وقد قيل لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل المداراة فما من شيء يستدل به على قوة عقل الشخص ووفور علمه وحلمه كالمداراة والنفس لا تزال تشمئز ممن يعكس مرادها ويستفزها الغضب وبالمداراة تنقطع حمية النفس ويرد طيشها ونفورها(2/215)
1696 - (إن الله أنزل الداء والدواء) أي ما أصاب أحد داء إلا قدر له شفاء قال الحرالي: والداء ما يوهن القوى ويغير الأفعال الغامة للطبع والاختيار والبرؤ تمام التخلص من الداء والمراد بإنزاله إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل لكل داء دواء) أي خلق ذلك وجعله شفاء يشفي من الداء وحكمة تعلق الأسباب بالمسببات لا يعلم حقيقتها إلا عالم الخفيات (فتداووا) ندبا أمر بالتداوي لمن أصابه مرض أما السليم فلا ينبغي له التداوي (1) لأن الدواء إذا لم يصادف داء ضر. قال الطيبي: وقوله فتداووا مطلق له شيوع فلذلك قال (ولا تداووا بحرام) (2) يعني أنه تعالى خلق لكل داء دواء حراما كان أو حلالا فلا تداووا بالحرام أي يحرم عليكم ذلك {إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها} فالتداوي بمحرم محرم والأصح عند الشافعية حل التادوي بكل نجس إلا الخمر والخبر موضعه إذا وجد دواء طاهرا يغني عن النجس جمعا بين الأخبار <فائدة> أخرج حميد بن زنجوية أن أناسا جاؤوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأنصار فقالوا إن أخانا استسقى بطنه أفتأذن لنا أن نداويه قال بماذا قال يهودي هنا يشق بطنه فكره ذلك وقال لا آذن حتى جاؤوه مرتين أو ثلاثا وفي كل ذلك يأبى حتى قال افعلوا فدعوا له اليهودي فشق بطنه ونزع منه فرخا عظيما ثم غسل بطنه ثم خاطه ثم داواه فصح وبرئ فرآه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مار بالمسجد فقال أليس ذلك بفلان قالوا بلى فقال ادعوه إلي فنظر إلى بطنه فوجده قد صح فقال إن الذي خلق الداء جعل له دواء إلا السام
(د) في الطب (عن أبي الدرداء) قال الصدر المناوي فيه إسماعيل بن عياش وفيه مقال
_________
(1) أي لأن الدواء إذا لم يجد في البدن ما يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث بالصحة وعبث بها في الإفساد والتحقيق أن الأدوية من جنس الأغذية فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي فأمراضهم قليلة جدا وطبهم بالمفردات ومن غالب أغذيتهم مركبات كأهل المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة أو سبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة وهذا برهان بحسب الضيافة الطبية
(2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها على أنه لا يجوز التداوي بمحرم ولا بشيء فيه محرم كألبان الإتن واللحوم المحرمات والترياق(2/216)
1697 - (إن الله تعالى أنزل بركات) أي كرامات (ثلاثا) من السماء كما في رواية وهي (الشاة والنخلة والنار) سماها بركات وساقها في معرض الامتنان لأن الشاة عظيمة النفع في الدر والنسل وتلد الواحدة اثنين وثلاثا بل وأربعا في بطن [ص:217] وثمر النخل هو الجامع بين التلذذ والتغذي وبذلك تميز عن سائر الفواكه. والنار لابد منها لقيام نظام هذا العالم
(طب عن أم هانئ) قالت: دخل صلى الله عليه وسلم فقال ما لي لا أرى عندك من البركات شيئا قلت وأي بركات تريد فذكره قال الهيثمي وفيه النضر بن حميد وهو متروك(2/216)
1698 - (إن الله تعالى أوحى إلي) وحي إرسال وزعم أنه وحي إلهام خلاف الأصل والظاهر بلا دليل والوحي إعلام في خفاء (أن) أي بأن (تواضعوا) بخفض الجناح ولين الجانب وأن مفسرة (حتى لا يفخر أحد) منكم (على أحد) بتعدد محاسنه كبرا ورفع قدر نفسه على الناس تيها وعجبا (1) قال ابن القيم: والتواضع انكسار القلب لله (2) وخفض جناح الذل والرحمة للخلق حتى لا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا بل والحق له. والفخر ادعاء العظم قال الطيبي: وحتى هنا بمعنى كي (ولا يبغي) بنصبه عطفا على تواضعوا أي لا يجوز ولا يتعدى (أحد) منكم (على أحد) ولو ذميا أو معاهدا أو مؤمنا والبغي مجاوزة الحد في الظلم قال الطيبي: المراد أن الفخر والبغي شحناء الكبير لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق منزلته فلا ينقاد لأحد قال المجد ابن تيمية: نهى الله على لسان نبيه عن نوعي الاستطالة على الخلق وهي الفخر والبغي لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر أو بغير حق فقد بغى فلا يحل هذا ولا هذا فإن كان الإنسان من طائفة فاضلة كبني هاشم أو غيرهم فلا يكن حظه استشعار فضل نفسه والنظر إليها فإنه مخطئ إذ فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عند الفضل فضلا عن استعلائه بهذا واستطالته به. وأخذ منه أنه يتأكد للشيخ التواضع مع طلبته {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} وإذا طلب التواضع لمطلق الناس فكيف لمن له حق الصحبة وحرمة التودد وصدق المحبة لكن لا يتواضع معهم مع اعتقاد أنهم دونه فقد قال ابن عطاء الله رضي الله عنه: من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا فالتواضع لا يكون إلا عن رفعة مع عظمة واقتدار ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع بل الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع اه
(م د هـ عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتية وآخره معجمة (بن حمار) بكسر المهملة وخفة الميم المجاشعي تميمي عد في البصريين له وفادة وعاش إلى حدود الخمسين
_________
(1) قال أبو زيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر قال بعضهم: رأيت في المطاف إنسانا بين يديه شاكريه يمنعون الناس لأجله عن الطواف ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يسأل الناس فعجبت منه فقال إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فابتلاني الله بالذل في موضع ترتفع فيه الناس وقال بعضهم: الشرف التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة
(2) وقيل التواضع في الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم من الحاكم وقيل قبول الحق ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو وضيعا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى(2/217)
1699 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض
[الحديث بدون شرح. انظر شرح الحديث السابق: 1698 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد]
(خد هـ) عن أنس(2/217)
1700 - (إن الله أيدني) أي قواني والتأييد التقوية ومنه {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة (بأربعة وزراء) قيل من هؤلاء الأربعة يا رسول الله قال: (اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر) [ص:218] فأبو بكر رضي الله عنه يشبه بميكائيل عليه السلام للينه ورأفته: وعمر رضي الله عنه يشبه بجبرائيل عليه السلام لشدته وصلابته في أمر الله وناهيك بها منزلة للشيخين قامعة للرافضة قاصمة ظهورهم ناعية عليهم
(طب حل) وكذا الخطب كلهم (عن ابن عباس) وفيه عندهم محمد بن محبب الثقفي قال الخطيب: سئل عنه ابن معين فقال كذابا عدو الله(2/217)
1701 - (إن الله تبارك وتعالى بارك ما بين) أي فيما بين (العريش) على وزن فعيل مدينة بالشام على البحر الرومي حده عرضا من مدينة برقاء التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على ساحل بحر القلزم وينسب إلى مصر وقيل إن حد مصر ينتهي إليه (والفرات) بضم الفاء وتخفيف الراء النهر المشهور الذي هو أحد أنهار الجنة ويكفي في حقه شرفا هذا الخبر والخبر الآتي أنه ينزل فيه كل يوم مثاقيل من الجنة (وخص فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة وكسر الطاء ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام فيها عدة مدن منها بيت المقدس والرملة وعسقلان ذكره السمعاني وقال ابن الأثير: كورة معروفة ما بين الأردن وديار مصر وأم بلادها بيت المقدس (بالتقديس) أي بالتطهير لبقعتها لأنها أول بلادها أو قاعدتها وتحتها بيت المقدس
(ابن عساكر) في تاريخه (عن زهير بن محمد) ابن قمير المروزي قال البغوي: ما رأيت ببغداد بعد أحمد أفضل منه (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك(2/218)
1702 - (إن الله بعثني) أرسلني (رحمة مهداة) للمؤمنين وكذا الكفار بتأخير العذاب والهدية ما تبعث على وجه الإكرام ونحوه (بعثت برفع قوم) بالسبق إلى الإيمان وإن كانوا من ضعفاء العباد (وخفض آخرين) وهم من أبى واستكبر وإن بلغ من الشرف المقام الأفخر لكنه لم ينجع فيه الآيات والنذر بمعنى أنه يضع قدرهم ويذلهم باللسان والسنان وكان عنده مزيد الرحمة للمؤمنين وغاية الغلظة على الكافرين فاعتدل فيه الإنعام والانتقام ولم يكن له همة سوى ربه فعاشر الخلق بخلقه وباينهم بقلبه <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه: إن العقل يستقل بنفسه في أمر وفي أمر لا يستقل فلا بد من موصل إليه مستقل فلذلك بعثت الرسل وهم أعلم الخلق بالغايات والسبل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب(2/218)
1703 - (إن الله بنى الفردوس) أي جنته وأصله بستان فيه شجر ملتف غالبه عنب جمعه فراديس رومي معرب (بيده) تأمل هذه المناسبة كيف جعل الجنة التي بناها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل سلالته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه بيده وشرفه وميزه بذلك عن غيره فهذه الجنة في الجنان كآدم عليه السلام في نوع من الحيوان (وحظرها) أي منعها وحرم دخولها (على كل مشرك) يعني كافر بأي كفر كان وخص المشرك لغلبة الإشراك في العرب (وعلى كل مدمن خمر سكير) بالكسر والتشديد أي كل ملازم للخمر مداوم عليها مبالغ في تعاطي ما يسكره ولا حاجة لتنزيله هنا على المستحل لأن الجنان كثيرة زلا مانع من حرمانه لأعلاها
(هب وابن عساكر) في تاريخه عن (أنس) وفيه أي عند البيهقي عبد الرحمن بن عبد الحميد قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن يونس أحاديثه مضطربة ويحيى بن أيوب فإن كان الغتافقي فقد قال النسائي وغيره غير قوي أو البلخي فضعفه ابن معين(2/218)
1704 - (إن الله تجاوز) أي عفا من جازه يجوزه [ص:219] إذا تعداه وعبر عليه (لأمتي) أمة الإجابة وفي لفظ رواية البخاري تجاوز لي عن أمتي (عما) وفي رواية لمسلم ما (حدثت) في رواية للبخاري وسوست (به أنفسها) وفي رواية له صدورها مع أنفسها قال النووي رحمه الله عقب إيراده هذا الحديث قال العلماء المراد به الخواطر التي لا تستقر قالوا وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره فمن خطر له الكفر مجرد خطور من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه اه وقوله أنفسها رفع على الفاعلية أي قلوبها قيل وهو أصوب ويدل عليه حديث إن أحدنا يحدث نفسه بل قال القرطبي إنه الرواية أي لم يؤاخذهم بما يقع في قلوبهم من القبائح قهرا وقال الأكمل أنفسها بالرفع والنصب والرفع أظهر والنصب أشهر ووجهه محادثة المرء نفسه المسماة عند البلغاء بالتجريد (1) (ما لم تتكلم به) أي في القوليات باللسان على وفق ذلك (أو تعمل به) في العمليات بالجوارح كذلك وفي رواية لمسلم ما لم يتكلموا به أو يعملوا به أي فيؤاخذوا حينئذ بالكلام أو بالعمل فقط ويحتمل أن يؤاخذوا به وبحديث النفس أيضا وعليه السبكي في الحلبيات وإذا لم يحصل كلام ولا عمل فلا مؤاخذة بحديث النفس ما لم يبلغ حد الجزم وإلا أوخذ به حتى لو عزم على ترك واجب أو فعل محرم ولو بعد سنين أثم حالا وقال ابن العربي رضي الله تعالى عنه: خلق الله القلوب سيالة مطربة على الخواطر ميالة إلى كل طارئ عليها حاضرا أو غائبا محالا أو جائزا حقا أو باطلا معقولا أو متخيلا ولله الحكمة البالغة والحجة الغالبة ثم عطف بفضله فعفى عن كل ما يخطر للمرء بقلبه حتى يكون به مرتبطا وعليه عازما فحينئذ يكون به نفسه متكلما وهو الكلام الحقيقي فإن خالفه القول كان هذيانا اه. وفيه أن المجاوزة خصوصية لهذه الأمة وأنه إذا حدث نفسه بطلاق ولم ينطق به لا يقع وعليه الشافعي رضي الله تعالى عنه خلافا لمالك وأنه لو عزم على الظهار فلا كفارة وأنه لو حدث نفسه في صلاته لم تبطل وغير ذلك
(ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمران بن حصين) بالتصغير وفيه من طريق الطبراني المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي
_________
(1) وفي العلقمي قلت والذي تحصل عندي من مجموع كلامهم أن الهاجس والخاطر لا يؤاخذ بهما وأما حديث النفس والهم فإن صحبهما قول أو فعل يؤاخذ بهما وإلا فلا وهذا هو الذي ينبغي اعتماده بل هو الوجه الذي لا يعدل عنه إلى غيره وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم اه(2/218)
1705 - (إن الله تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي الخطأ) أي عن حكمه أو عن إثمه أو عنهما. وهو أقرب لفقد المرجح وعموم التناول ولا ينافيه ضمان المخطئ للمال والدية ووجوب القضاء على المصلي محدثا أو يحدث ناسيا وإثم المكره على القتل لخروجها بدليل منفصل والمراد بالخطأ ضد العمد وهو أن يقصد شيئا فيخالف غير ما قصد لا ضد الصواب خلافا لزاعمه لأن تعمد الإثم يسمى خطئا بالمعنى الثاني ولا تمكن إرادته هنا ولفظه يمد ويقصر (والنسيان) بكسر النون ضد الذكر والحفظ ويطلق على الترك وليس مرادا هنا (وما استكرهوا) أي الأمة وذكره نظرا للمدلول لا للفظ (عليه) أي حملوا على فعله قهرا وشرطه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به مما يؤثر العاقل الإقدام على المكره عليه والمراد رفع الإثم وفي ارتفاع الحكم خلف والشافعي في الجمهور على الارتفاع
(هـ عن أبي ذر) الغفاري (طب ك) كلاهما (عن ابن عباس) وقال الحاكم صحيح على شرطهما (طب عن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وسنده كما قال الهيثمي فالإسناد الأول صحيح دون الثاني(2/219)
[ص:220] 1706 - (إن الله تصدق) بفتح الصاد وشد الدال (بفطر رمضان) أي يتعاطى المفطر فيه نهارا ترخيصا (على مريض أمتي) أي مرضا يشق معه الصوم لحاجته للدواء والغذاء بحسب تداعي جسمه فكان فطره رخصة لموضع تداويه واغتذائه (ومسافرها) (1) لما يحتاجه المسافر من اغتذائه لوفور نهضته في عمله في سفره ولئلا يجتمع عليه كلفتان فتتضاعف عليه المشقة {وما جعل عليكم في الدين من حرج}
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) وهو حسن
_________
(1) أي سفرا يباح فيه قصر الصلاة فيباح لكل منهما الفطر مع وجوب القضاء لكن المسافر بعد تلبسه بالصوم فلا يباح الفطر في اليوم الأول إلا إن تضرر اه(2/220)
1707 - (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم) أي مكنكم من التصرف فيها حالتئذ بالوصية وغيرها فتصح الوصية بالثلث ولو مع وجود وارث خاص ومخالفته (وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم) فأجر الوصية بذلك من أعمال الميت التي يثاب عليها إن قبلت وأخذ جمع من مخاطبة الصحب بذلك وجعله زيادة في العمل أنه خاص بالمسلمين لاختصاصهم بزيادة الأعمال ومذهب الشافعية خلافه ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أن له أن يوصي بالتصدق بجميع ماله في سائر أحواله من غير حرمة ولا كراهة لأنه لا يورث كسائر الأنبياء
(هـ عن أبي هريرة) وفيه حفص بن عمر الأيلي قال ابن عدي أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وساق هذا منها (طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: وفيه عتبة بن أحمد الضبي وثقه ابن حبان وضعفه أحمد (وعن أبي الدرداء) وكذا رواه عنه أحمد والبزار قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط انتهى وساق الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث ثم قال وإسناده ضعيف(2/220)
1708 - (إن الله جعل الحق) يعني أجراه (على لسان عمر) فكان كالسيف الصارم والحسام القاطع. قال الطيبي: جعل بمعنى أجرى فعداه بعلى وفيه معنى ظهور الحق واستعلانه على لسانه ووضع جعل موضع أجراه إيذانا بأن ذلك كان خلقيا ثابتا لازما مستقرا (وقلبه) فكان الغالب على قلبه جلال الله فكان الحق معتمله حتى يقوم بأمر الله وينفذ بقاله وحاله وفاء بما قلده الله الخلق من رعاية هذا الدين الذي ارتضاه لهم ومن ثم جاء في خبر إن غضبه عز ورضاه حكم وذلك لأن من غلب على قلبه سلطان الحق فغضبه للحق عز للدين ورضاه عدل لأن الحق هو عدل الله فرضاه بالحق عدل منه على أهل ملته ومعنى رضاه حكم أنه إذا رضي رضي للحق. قال القاضي: والحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يعم الأعيان الثابتة والأخلاق الصائبة والأقوال الصادقة من حق الأمر إذا ثبت ومنه ثوب محقق محكم النسج
(هـ حم ت) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح اه. وقال المناوي رضي الله عنه فيه عنده يعني الترمذي خارجة بن عبد الله ضعفه أحمد (حم د ك) في فضائل الصحب وصححه (عن أبي ذر) الغفاري لكن لفظ رواية هؤلاء الثلاثة من حديث أبي ذر هذا يقول به بدل قوله وقلبه كما قاله ابن حجر في الفتح فإطلاق عزو المؤلف لهم غير قويم (ع ك) في الفضائل (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي (طب عن بلال) بن رباح بفتح الراء وخفة الموحدة العبد الحبشي المؤذن أسلم فعذب فاشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه. قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط (وعن معاوية) بن أبي سفيان قال الهيثمي: فيه ضعفاء سليمان الشاذكوني وغيره(2/220)
1709 - (إن الله جعل) لفظ رواية أحمد والطبراني ضرب (ما يخرج من ابن آدم) من البول والغائط (مثلا للدنيا) قال [ص:221] الزمخشري: معناه أن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطييبه وتحسينه فإنه لا محالة عائد إلى حال يستقذر فكذا الدنيا المحروص على عمارتها ونظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار اه. وقال الديلمي هذا كناية عن البول والغائط يعني ما يخرج منه كان قبل ذلك ألوانا من أطعمة طيبة وشرابا سائغا فصارت عاقبته ما ترون فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها ينافس في زينتها ظانا أنها تبقى أو هو يبقى انتهى. فشهوات الدنيا في القلب كشهوات الأطعمة في المعدة وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت إلى المعدة غايتها وكما أن في الأطعمة كلما كانت ألذ طعما وأكثر دسما وحلاوة كان رجيعها أقذر فكذا كل شهوة في النفس ألذ وأقوى فالتأذي بها عند الموت أشد كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بفقد محبة المحبوب وقد كان بعض الصوفية يقول لصحبه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب إلى المزابل فيقول انظروا إلى ثماركم ودجاجكم وسكركم
(حم طب هب عن) أبي سعيد (الضحاك بن سفيان) بن عوف بن كعب الكلابي صحابي معروف من عمال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طعامك قلت اللحم واللبن قال ثم يصير إلى ماذا قال إلى ما قد علمت فذكره. قال الهيثمي كالمنذري رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح غير علي بن جدعان وقد وثق انتهى والضحاك بن سفيان في الصحب اثنان فكان ينبغي تمييزه(2/220)
1710 - (إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا وما بقي منها إلا القليل كالثغب) بمثلثة مفتوحة وغين معجمة ساكنة الغدير الذي قل ماؤه (شرب صفوه وبقي كدره) يعني أن مثل الدنيا كمثل حوض كبير ملئ ماء وجعل موردا للأنام والأنعام فجعل الحوض ينقص على كثرة الوارد حتى لم يبق منه إلا وشل كدر في أسفله بالت في الدواب وخاضت فيه الأنعام فالعاقل لا يطمئن إلى الدنيا ولا يغتر بها بعد ما اتضح له أنها زائلة مستحيلة وأنه قد مضى أحسنها وأنها وإن ساعدت مدة فالموت لا محالة يدرك صاحبها ويخترمه
(ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/221)
1711 - (إن الله جعل هذا الشعر) أي الإشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمه ويجعل ذلك علامة تعرف أنها هدى (نسكا) أي من مناسك الحج (وسيجعله الظالمون نكالا) ينكلون به الأنعام بل الأنام يقال نكل به تنكيلا أي جعله عبرة لغيره وما فهمه البعض من أن المراد شعر الرأس وأن المراد يجعل الظالمين له نكالا أي بحلقه فباطل لأن النسك هو حلق بعض الرأس وليس حلقها نكالا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن) الإمام العادل (عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه الخليفة الأموي (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك وفيه مع إرساله ضعف(2/221)
1712 - (إن الله جعل لكل نبي شهوة) أي شيئا يحبه (وإن شهوتي في قيام هذا الليل) أي في الصلاة فيه وهو التهجد (إذا قمت) إلى الصلاة فيه (فلا يصلين أحد خلفي) أي فإن التهجد واجب علي دونكم وبهذا أخذ جمع جم فعدوا من خصائصه من الواجبات عليه التهجد والأصح أنه كان كذلك ثم نسخ (وإن الله جعل لكل نبي) من الأنبياء (طعمة) [ص:222] بالضم أي رزقا (وإن طعمتي) جعلها الله (هذا الخمس) من الفيء والغنيمة (فإذا قبضت) بالبناء للمجهول أي قبضني الله أي أماتني (فهو) أي الخمس (لولاة الأمر من بعدي) جمع وال وهو من ولي أمورهم من الخلفاء فمن دونهم وقد سبق تقريره موضحا
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه وإسحاق لينه أبو حاتم وأبوه وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وغيره(2/221)
1713 - (إن الله جعل للمعروف) أي لأجل القيام به ونشره في العالم وهو اسم جامع لما عرف من الطاعات وندب من الإحسان (وجوها) أي جماعات فكنى بالوجه عن الذات كما في قوله تعالى {ويبقى وجه ربك} (من خلقه) أي الآدميين بقرينة قوله (حبب إليهم المعروف) أي جبلهم عليه (وحبب إليهم فعاله) بكسر أوله أي أن يفعلوه مع غيرهم (ووجه طلاب) بالتشديد جمع طالب (المعروف إليهم) أي إلى قصدهم وسؤالهم لهم في فعله معهم (ويسر عليهم إعطاءه) أي سهل عليهم وهيأ لهم أسبابه (كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة) بجيم فدال مهملة اليابسة (ليحييها) فتخرج نباتها بإذن ربها (ويحيي بها (1) أهلها) أي بما تخرج من النبات (وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه) فهم بصدد منعه ما استطاعوا وعلى كل خير مانع (بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر) بالتشديد من الحظر وهو المنع والحرمان (عليهم إعطاءه) أي منعه عنهم وكف يدهم عنه وعسر عليهم أسبابه (كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك أهلها بها) بعدم النبات ووقوع القحط ويستفاد منه أن الله تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وقد جعل الله النفس مبدأ كل شيء أبداه في ذات ذي النفس فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة ولا يجري الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة لله على خلقه (وما يعفو) الله (أكثر) أي أن الجدب يكون بسبب بغضهم للمعروف وشحهم وغير ذلك من أعمالهم القبيحة وأعمالهم الرديئة ونياتهم الخبيثة ومع ذلك فالذي يغفره الله لهم أكثر وأعظم مما يؤاخذهم به {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في قضاء الحوائج) أي في كتابه الذي ألفه في فضل قضائها (عن أبي سعيد) الخدري وفيه عثمان بن سماك عن أبي هارون العبدي قال في اللسان عن العقيلي حديثه غير محفوظ وهو مجهول بالنقل ولا يعرف به. وقال الزين العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي هارون ضعيف ورواه الحاكم من حديث علي وصححه انتهى ورواه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم والديلمي من حديث أبي باللفظ المزبور
_________
(1) وفي نسخ به والظاهر رجوع الضمير للغيث لكن رجعه المناوي للنبات فنسخة بها على حذف مضاف أي بنباتها(2/222)
1714 - (إن الله تعالى جعل السلام) بفتح السين المهملة (تحية لأمتنا) أمة الإجابة قال ابن حجر رحمه الله تعالى فيه [ص:223] دلالة على أن السلام شرع لهذه الأمة دون من تقدمهم لكن يجيء في حديث خلق آدم أته تحيته وتحية ذريته (وأمانا لأهل ذمتنا) لأن معنى السلام عليك سلامة لك مني وأمان ذكره القرطبي وسببه قال محمد بن زياد الألهاني: كان أبو أمامة يسلم على كل من لقيه فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة اختبأ خلف اسطوانة فخرج فسلم عليه فقال أبو أمامة ما حملك على ذلك قال رأيتك تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر قالت طائفة منهم ابن وهب وعون يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام استدلالا بهذا ونحوه ولقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} وقول إبراهيم عليه السلام لأبيه {سلام عليك} ولآية {فاصفح عنهم وقل سلام} وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن ابتدائهم أولى انتهى والجمهور على عدم جواز ابتدائهم به وحمل بعضهم المنع على ما إذا كان ابتداؤهم لغير سبب ولا ضرورة والجواز على اختياره قال النووي رضي الله عنه إذا اضطر إلى السلام بمن خاف ترتيب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم. قال ابن العربي رضي الله عنه وينوي حينئذ أن السلام اسم من أسماء الله فكأنه يقول هو رقيب عليكم (1)
(طب) وكذا في الأوسط (هب) كلاهما (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه عندهما بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وغيره
_________
(1) وكان نفطويه يقول إذا سلمت على ذمي فقلت أطال الله بقاءك وأدام سلامتك فإنما أريد الحكاية أي إن الله فعل به ذلك إلى هذا الوقت(2/222)
1715 - (إن الله جعل البركة) أي الزيادة والنماء (في السحور) أي في أكل الصائم وقت السحر بنية التقوي على الصوم (والكيل) أي في ضبط الحبوب وإحصائها بالكيل كما يفسره خبر كلوا طعامكم يبارك لكم فيه وذكر الغزالي رحمه الله تعالى وتبعه المؤلف أن الدابة ينبغي أن تعلف مكيلا فإنها تنمو وتزيد
(الشيرازي) الحافظ محمد بن منصور (في) كتاب (الألقاب) له (عن أبي هريرة)(2/223)
1716 - (إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل) أي يقتل بعضهم بأيدي بعض مع دعائهم إلى كلمة التقوى واجتماعهم على الصلاة وجعل القتل كفارة لما اجترحوه كما بينته أخبار أخرى
(حل) من حديث أحمد بن الحسين ابن إسحاق الصوفي عن عبد الرحمن بن صالح عن أبي بكر بن عياش عن أبي بردة (عن عبد الله بن يزيد الأنصاري) قال أبو بردة: كنت عند زياد فجعلت الرؤوس تأتيه فأقول إلى النار فقال عبد الله: أو لا تدري يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال أبو نعيم غريب تفرد به ابن عياش عن أبي الحصين(2/223)
1717 - (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه) أي في ظهره (وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (1)) قال الزمخشري: الذرية من الذر بمعنى التفريق لأن الله تعالى ذرهم في الأرض أو من الذره بمعنى الخلق فهو من الأول فعلية أو فعولة ذرورة قلبت الراء الثالثة ياء ومن الثاني فعولة أو فعيلة وهي نسل الرجل وقد أوقعت على النساء كقولهم للمطر سماء ومنه قول عمر حجوا بالذرية
(طب عن جابر) قال الهيثمي فيه يحيى بن العلاء وهو متروك وقال [ص:224] ابن الجوزي قال أحمد يحيى بن العلاء كذاب يضع وقال الدارقطني أحاديثه موضوعة اه. وذكر في الميزان نحوه في ترجمة العلاء وأورد له أخبارا هذا منها (خط عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه ابن المرزبان قال ابن الكاتب كذاب ومن فوقه إلى المنصور ما بين مجهول وغير موثوق به انتهى وفي الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب لا يدري من ذا وخبره كذب رواه الخطيب ثم ساق هذا الخبر
_________
(1) أي جعل أولاده من فاطمة دون غيرها فمن خصائصه صلى تعالى الله عليه وآله وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه اه(2/223)
1718 - (إن الله جعلها) يعني زوجتك (لك لباسا وجعلك لها لباسا وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم) يعني زوجاتي تحل لهم مني ويحل لي رؤيتها فلا ينافي قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما رأيت منه ولا رأى مني ولما كانت المرأة والرجل يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلا منهما يستر صاحبه ويمنعه من الفجور
(ابن سعد) في الطبقات (طب عن سعد بن مسعود) صوابه ابن محيصة بن مسعود الأنصاري قال الذهبي له ذكر وصحبة وفي التقريب قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة اه. فالحديث مرسل(2/224)
1719 - (إن الله جعلني عبدا كريما) أي متواضعا سخيا (ولم يجعلني جبارا) أي مستكبرا متمردا عاتيا (عتيدا) أي جائرا عن القصد مع العلم به
(د هـ) في الأطعمة (عن عبد الله بن بسر) بسين مهملة له ولأبيه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة قد أثرد فيها فالتقوا عليها فلما كثروا جثى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة فذكره ثم قال كلوا من جوانبها وذروا ذروتها يبارك فيها انتهى فهذا بقية المتن كما هو عند مخرجه أبي داود وابن ماجه قال النووي في رياضه إسناده جيد وقال غيره رواته ثقات(2/224)
1719 - (إن الله تعالى جميل) له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من كل وجه ويحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإنه من لوازم كماله وهو وتر يحب الوتر جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء جواد يحب الجود قوي يحب القوي فالمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف حيي يحب أهل الحياء والوفاء شكور يحب الشاكرين صدوق يحب الصادقين محسن يحب المحسنين إلى غير ذلك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله عنه الجمال نعت إلهي ونبه بقوله جميل على أنا نحبه فانقسمنا فمنا من نظر إلى جمال الكمال وهو جمال الحكمة فأحبه في كل شيء لأن كل شيء محكم وهو صنعة حكيم ومنا من لم يبلغ هذه الرتبة وماله علم بالجمال إلا هذا الجمال المقيد الموقوف على الغرض وهو في الشرع موضع قوله اعبد الله كأنك تراه فجاء بكاف التشبيه فمن لم يصل فهمه إلى أكثر من الجمال المقيد قيده به فأحبه لكماله ولا حرج عليه لإتيانه بالمشروع على قدر وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فبقي حبه تعالى للجمال وهي رتبة أهل الكمال فأحبه في كل شيء فإن العالم خلقه الله في غاية الأحكام والإتقان كما قال حجة الإسلام ليس في الإمكان أيدع مما كان فالعام جمال الله وهو الجميل المحب للجمال فمن أحب العالم بهذا النظر فما أحب إلا جمال الله إذ جمال الصنعة لا يضاف إليها بل إلى صانعها
(م) في الإيمان (ت) في البر (عن ابن مسعود) قال قال رسول [ص:225] الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس هكذا سياق مسلم والترمذي (طب عن أبي أمامة) الباهلي (ك عن ابن عمر) ابن الخطاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عمر) قال ابن مسعود قلت يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحلة الحسنة فذكره قال الحاكم احتجا بروايته وأقره الذهبي وقد وهم أعني الحاكم في استدراكه(2/224)
1721 - (إن الله جميل) أي جميل الذات والأفعال كما تقرر قال الزمخشري: والعرب تصف الشيء بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زيا وإنفاقا وشكرا لله تعالى فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة (فإن قلت) ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب في حديث (قلت) قد يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ولكل مقام مقال وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه ويلبس الثياب الفاخرة وفوقها فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه ثم رأيت الغزالي رضي الله تعالى عنه قال (فإن قلت) فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب أهو من الكبر فقال لا فكيف الجمع فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره فليس ذلك من الكبر فقول عيسى هو من خيلاء القلب يعني يورث ذلك وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليس من الكبر يعني الكبر لا يوجبه ويجوز أن يكون منه فالأحوال تختلف
(هب عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وسبق أنه وضاع ورواه عنه أيضا أبو يعلى باللفظ المزبور. قال الهيثمي: وفيه عطية الصوفي ضعيف وقد وثق(2/225)
1722 - (إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء نظيف يحب النظافة) لما سبق أن من تخلق بشيء من صفاته ومعاني أسمائه الحسنى كان محبوبا له مقربا عنده وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا وقد صرح الفقهاء بأن نحو الزيات والقصاب وغيرهما من الدنسة ثيابهم يكونون في أخريات المسجد ندبا قال الفاكهي: وقد كانت ثياب شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف رضي الله عنه في غاية النقاء والنظافة والبياض إلى حد لا يبلغه ثياب الملوك في عصره كأنه مع ثيابه قطعة نور والنظافة مما تزيد في العين مهابة وفي القلب جلالة وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلا وعرفا ويكاد يذم شرعا سول الشيطان لأحدهم فأقمده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها قيل لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يقمل ثوبه (فإن قلت) [ص:226] ما سبب تعبيره في هذه الثلاثة بالجمال دون الحسن (فالجواب) أن الحسن إنما يوصف به ما كان مفردا نحو خاتم حسن فإذا اجتمع من ذلك جمل وصف صاحبها بالجمال فالحسن يتعلق بالمفردات والجمال بالمركبات الجمليات ذكره السهيلي وغيره
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه(2/225)
1723 - (إن الله جواد) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء (يحب الجود) الذي هو سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق وهو يقرب من معنى الكرم والجود يكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء بالدنيا والسماح (ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) أي رديئها وحقيرها وتمام الحديث عند مخرجه البيهقي ومن إعظام إجلال الله عز وجل إكرام ثلاثة: الإمام المقسط وذو الشيبة في الإسلام وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا المغالي فيه اه بحروفه
(هب) من حديث الحجاج بن أرطأة عن سليمان بن شحيم (عن طلحة بن عبيد الله) بن كريز قال الزين العراقي: هذا مرسل. اه. ولعل المصنف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم فكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتضاء كلامه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه وليس كما وهم بل تعقبه بما نصه في هذا الإسناد انقطاع بين سليمان وطلحة اه. والحجاج بن أرطأة ضعفوه (حل عن ابن عباس) مرفعا وقال ابن الجوزي لا يصح(2/226)
1724 - (إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب (1)) فيه دلالة جلية على أن لبن الفحل يحرم وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه
(ت) في النكاح وقال حسن صحيح (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة ثم ذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا له إلا الترمذي مع أن الشافعي رضي الله تعالى عنه خرجه بل عزاه في المنضد شرح المجرد لمسلم وللنسائي معا اه. والله أعلم
_________
(1) والتحريم بالرضاع له شروط مذكورة في كتب الفقه منها كون ذلك خمس رضعات وكون الطفل لم يبلغ حولين وكون اللبن انفصل من أنثى بلغت تسع سنين قمرية تقريبا(2/226)
1725 - (إن الله حرم الجنة) أي دخولها مع السابقين الأولين (على كل) إنسان مرائي لإحباطه عمله وإضراره بدينه بشغله نفسه برعاية من لا يملك له بالحقيقة ضرا ولا نفعا فما دام أهل الرياء متلطخين بدنسه في كير التطهير حتى تنقى أوساخهم وأدرانهم ومن ثم كان السلف يعملون أعمال البر ويخافون أن لا تقبل منهم ويحافظون على استدامة إخلاص النية. قال الشريف السمهودي: كان شيخنا شيخ الإسلام فقيه العصر الشرف المناوي إذا أخرج إلى دهليزه ذاهبا للدرس يقف حتى يخلص النية ويستحضرها خوفا من الرياء ثم يخرج وكان كثير ما ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة. . . على غير ليلى فهو دمع مضيع
ثم يبكي بكاءا شديدا وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجيه أبي نعيم والديلمي معا ليس البر في حسن اللباس والزي ولكن البر السكينة والوقار
(حل فر عن أبي سعيد) الخدري وفيه سليمان بن أبي داود الحرالي قال الذهبي ضعفوه(2/226)
[ص:227] 1726 - (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات (1)) خصهن وإن كان عقوق الآباء عظيما لأن عقوقهن أقبح أو إليهن أسرع أو لغير ذلك فهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارا لعظم موقعه والعقوق صدور ما يتأذى به من قول أو فعل غير معصية. قال ابن حجر: ما لم يتعنت الأصل وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وندبا وندبها في المندوبات (ووأد) بفتح الواو وسكون الهمزة دفن (البنات) أحياء حين يولدن وكان أهل الجاهلية يفعلونه كراهة فيهن فخصهن لا لاختصاص الحكم بهن بل لأنه كان هو الواقع فوجه النهي إليه وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي أغار عليه عدوه فأسر بنته واستفرشها ثم اصطلحا فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها فتبعه العرب (ومنعا) بسكون النون مع تنوين العين وهذه رواية البخاري لأبي ذر وفي رواية للبخاري بالسكون أيضا بغير تنوين. قال البيضاوي: وإنما لم ينون وإن كان مصدرا لأن المضاف إليه محذوف منه مرادا أي كره منع ما عنده أو حرم منع الواجبات من الحقوق وفي رواية للبخاري أيضا منع بالتحريك على بناء الماضي (وهات) بالبناء على الكسر فعل أمر من الإيتاء: أي حرم أخذ ما لا يحل من أموال الناس. والحاصل أنه عبر بهما عن البخل والمسألة فكره أن يمنع الإنسان ما عنده ويسأل ما عند غيره وهو معنى قولهم يمنع الناس رفده ويطلب رفدهم (وكره لكم قيل) كذا (وقال) فلان كذا مما يتحدث به من فضول الكلام فهما إما مصدران أتى بهما للتأكيد وحذف التنوين لإرادة المضاف إليه المحذوف أي كره لكم قيل وقال ما لا فائدة فيه أو ماضيان ونبه به على وجوب تجنب التبرع بنقل الأخبار لما فيه من هتك الأستار وكشف الأسرار وذلك ليس من دأب الأخيار ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله سبحانه ستار والستر لا يحصل مع كثرة نقل الأخبار ودل على إرادة النهي عن الإكثار عطفه قال علي قيل وهو من حسن الاعتبار والقول بأن المراد الأقوال الواقعة في الدين كأن تقول قال أهل السنة كذا والحكماء ولا يبين الأقوى أو بقيل الجواب وقال الابتداء بعيد ويخص من هذا النقل لضرورة أو حاجة سيما إذا كان عن ثقة (وكثرة السؤال) عن أحوال الناس أو عن ما لا يعني فربما كره المسؤول الجواب فيؤدي لسكوته فيجر للحقد والضغائن أو يلجئه إلى الكذب قالوا ومنه أين كنت أو المراد السؤال عن المسائل العلمية امتحانا وإظهارا للمراء وادعاء وفخرا ولا يحمل على سؤال الناس من أموالهم لكراهته وإن قل (وإضاعة المال) صرفه في غير حله وبذله في غير وجهه المأذون فيه شرعا أو تعريضه للفساد والله لا يحب المفسدين أو السرف في إنفاقه بالتوسع في لذيذ المطاعم والمشارب ونفيس الملابس والمراكب وتمويه السقوف ونحو ذلك لما ينشأ عنه من غلط الطبع وقسوة القلب المبعدة عن الرب أما في طاعة فعبادة وقد نهى سبحانه عن التبذير وأرشد إلى حسن التدبير {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} ولا يخفى ما في هذا الحديث من المحسنات اللفظية باعتبار نسجها على أحسن منوال وكثرة معانيها مع ما في اللفظ من الإقلال
(ق عن المغيرة بن شعبة) ابن مسعود الثقفي الصحابي المشهور
_________
(1) العقوق بالضم من العق يقال عق والده إذا آذاه وعصاه وهو ضد البر والمراد به صدور ما يتأذى به الأصل من فرعه من قول أو فعل اه(2/227)
1727 - (إن الله حرم علي الصدقة) فرضها وكذا نقلها (وعلى أهل بيتي) أي وحرم الصدقة فرضها فقط على مؤمني بني هاشم والمطلب لأنها أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد كما فسره في أحاديث أخر
(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن بن علي)(2/227)
[ص:228] 1728 - (إن الله تعالى حيث خلق الداء) أي أوجده وقدره (خلق الدواء فتداووا) ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته
(حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عمران العمى وقد وثقه ابن حبان وغيره(2/228)
1729 - (إن الله تعالى حيي) بكسر المثناة تحت الأولى أي ذو حياء عظيم وأصل الحياء كما سبق انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادىء (1) كما سبق (ستير) بالكسر والتشديد أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (يحب الحياء) أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر " إن الله لا يستحيي من الحق " (والستر (2)) من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه قال التوربشتي: وإنما كان الله يحب الحياء والستر لأنهما خصلتان يفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله وقال الطيبي: وصف الله بالحياء والستر تهجنا لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (3)) أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوبا إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندبا في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل الماء إلا بإزار وعد الشافعية من سنن الغسل أن يستر عورته بإزار إن لم يحضر من يحرم نظره إليه بأن كان بخلوة أو حضرة من يحل نظره إليه كحليلته قالوا: وأما غسله عليه السلام متجردا فلبيان الجواز فإن حضره من يحرم نظره لعورته وعلم منه أنه لا يغض بصره عنه لزمه الاستتار منه وحرم التكشف كما في الروضة والمجموع ويجوز كشف العورة في الخلوة لأدنى غرض كالتبرد فالغسل أولى
(حم د) في الحمام (ن) في الطهارة (عن يعلى) بفتح الياء واللام (بن أمية) تصغير أمة التميمي وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه وعبد الملك بن أبي سليمان قال في الكاشف عن أحمد ثقة يخطىء وأورده في الضعفاء وقال ثقة له حديث منكر
_________
(1) أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي لا يلحق الإنسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل فإذا ورد الحياء في حق الله فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه يل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه اه
(2) الستر بفتح السين أي يحب من فيه ذلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الإيمان وجاء أيضا من ستر مسلما ستره الله اه
(3) قال العلقمي وسببه كما في أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز - بفتح الباء الموحدة هو الفضاء الواسع - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن الله - فذكره اه(2/228)
1730 - (إن الله تعالى) في رواية إن ربكم (حيي) بكسر الياء الأولى (كريم) أي جواد لا ينفد عطاؤه (يستحيي [ص:229] إذا رفع الرجل) يعني الإنسان وذكر الرجل وصف طردي (إليه يديه) سائلا متذللا (أن يردهما صفرا) أي خاليتين (خائبتين) من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرما ويفعل ما يفعله تفضلا فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله فإذا رفع عبده يديه متذللا مفتقرا حاضر القلب موقنا بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول وقد يعطي الكافر ما يسأله لشدة كرمه. قال الزمخشري في الفائق: قوله يستحيي إلى آخره جملة مستأنفة بإعادة من استؤنف عنه الحديث يعني حياؤه وكرمه يمنعه أن يخيب سائله. اه. وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك. قال ابن حجر: وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلا. اه. لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة
(حم د) في الصلاة (ت هـ) في الدعوات (ك) كلهم (عن سلمان) الفارسي بفتح المهملة وسكون اللام. قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرطهما ونوزع بأن فيه كما بينه الصدر المناوي وغيره جعفر بن ميمون قال أحمد ليس بقوي لكن قال ابن حجر سنده جيد(2/228)
1731 - (إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين) وهما من قوله {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل هن {لله ما في السماوات " إلخ فعلى الأول أول الآية الثانية {لا يكلف} وعلى الثانية أولها {آمن الرسول} فجعلها إلى آخر السورة آية واحدة (أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم) خصهم لأهمية تعليمهم لا لإخراج غيرهم (فإنهما صلاة) أي رحمة لما فيهما من رفع الخطأ والنسيان ورفع الإصر وتحميل ما لا يطاق وغير ذلك (وقرآن ودعاء) أي هما يشتملان على ذلك وقوله فتعلموهن بعد قوله آيتان من قوله تعالى {هذان خصمان اختصموا} {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}
(ك) في فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح عن معاوية عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير (عن أبي ذر) ثم قال على شرط البخاري فرده الذهبي بأن معاوية لم يحتج به البخاري قال ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا(2/229)
1732 - (إن الله خلق الجنة) التي هي دار الثواب (بيضاء) أي نيرة مضيئة فترابها وإن كان من زعفران لكن ذلك الزعفران له لمعان وبريق يعلوه نور وإشراق وبياض وشجرها وإن كان أخضر لكنه يتلألأ نورا وإشراقا (وأحب شيء إلى الله) في رواية وأحب الزي إلى الله (البياض) فليلبسه أحياؤكم وكفنوا به موتاكم وفي رواية خلق الله الجنة بيضاء وإن أحب اللون إلى الله البياض وسئل الحبر عن أرض الجنة فقال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قيل ما نورها قال أما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس؟ فذلك نورها إلا أنها ليس فيها شمس ولا زمهرير رواه ابن أبي الدنيا بإسناد قال السمهودي حسن ولا ينافيه خبر إن ترابها الزعفران لأن الأرض نفسها بيضاء والتراب الذي هو فوق الأرض أصفر وفي خبر ابن ماجه ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ. واعلم أن الأشياء كلها من آثار الفضل والعدل والفضل من الجمال والعدل من الملك والقدرة فمن الجمال نشأت الرحمة وظهر العطف والفضل حتى اهتزت الجنة وربت وأشرقت بنور ربها وازينت فمن ثم كانت بيضاء نورانية مشحونة بالروح والريحان ومن الملك بدأ الغضب فاسعرت النار واسودت فهي سوداء مظلمة من غضبه وما هي إلا نظرة وجفوة فأهل الثواب سعدوا منه بنظرة واحدة وأهل العقاب شقوا بجفوة واحدة والخلق إيجاد الشيء على تقدير [ص:230] واستواء
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي عقب عزوه للبزار فيه هشام بن زياد وهو متروك وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ إن الله خلق الجنة بيضاء وأحب الزي إليه البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم انتهى بلفظه(2/229)
1733 - (إن الله خلق خلقه) أي الثقلين فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور ولم يخلقوا من ظلمة الطبيعة والميل إلى الشهوة والغفلة عن معالم الغيب (في ظلمة) أي كائنين في ظلمة الطبيعة فالنفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة والركون إلى المحسوسات والغفلة عن معالم الغيب وأسرار عالم القدس (فألقى) وفي رواية للحكيم بدله رش والإلقاء في الأصل طرح الشيء حيث يلقاه ثم صار في التعارف إسما لكل طرح (عليهم من نوره) أي شيئا من نوره ومن إما للتبيين أو للتبعيض أو زائدة وكذا في من ذلك النور وهو ما نصب من الشواهد والرباهين وأنزل من الآيات والنذر (فمن) شاء الله هدايته (أصابه من ذلك النور يومئذ) فخلص من تلك الظلمة (واهتدى) إلى إصابة طرق السعداء (ومن أخطأه ذلك النور) أي جاوزه وتعداه لعدم مشاهدة تلك الآيات وإبصاره تلك البراهين الجليات (ضل) أي بقي في ظلمة الطبيعة متحيرا كالأنعام كما هو حال الفجرة المنهمكين في الشهوات المعرضين عن الآيات والنذر أو المراد خلق الذر المستخرج من صلب آدم فعبر بالنور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية وإشراق لمع برق العناية ثم أشار بقوله أصاب وأخطأ إلى ظهور أثر تلك العناية في الإنزال من هداية بعض وضلال بعض أو معنى في ظلمته جهالا عن معرفة الله لأن العبودية لا تدرك الربوبية إلا بإحداث المعرفة منها لها وهو معنى ألقى عليهم من نوره أي هدى من شاء فعبر عن الهدى بالنور فلا يعرف الله إلا بالله فالدلائل لإلزام الحجة لا سبب للهداية بمجردها وإلا لاهتدى بها كل ناظر وكم نظر فيها ذو عقل سليم وفهم قويم وفكر مستقيم ولم يزده ذلك إلا ضلالا. قال الطيبي: والتوفيق بين ما ذكر من معنى هذا الحديث وحديث كل مولود يولد على الفطرة أن الإنسان مركب من الحيوانية المقتضية العروج إلى عالم القدس وهي مستعدة لقبول فيضان نور الله الهادي ومهيؤ للتحلي بحلية الدين ومن النفسانية المائلة إلى الخلود في الأرض والانهماك في الشهوات والركون إلى المرديات فلاحظ في هذا الحديث أن الإنسان خلق على حالة لا ينفك عنها إلا من أصابه من ذلك النور الملقى عليه وذلك الحديث لمح إلى القضاء بقوله كل مولود يولد على الفطرة واختار بعض محققي الصوفية تبعا للحكيم الترمذي إجراء هذا الحديث على ظاهره وحمل الظلمة والنور على الحقيقة فقال: خلقهم كالنجوم الدراري ثم سلبهم الضوء فوضعهم في ترابية التربة التي أراد منها إنشاء خلق آدم وقد طمس ضوءهم فلبثوا في تلك الظلمة إلى أن مضى نحو خمسين ألف سنة فصاروا في طول ذلك اللبث في تلك الظلمة ثلاث أصناف فصنف منهم قال: الذي ملكنا لم يدم ملكه فعجز عنا وإلا لما تركنا هنا كالمنسي وصنف قالوا: نحن هنا ننتظر ما يكون وهو دائم وصنف صارت تلك الترابية في أفواههم فقال: ما الذي رأيتم مني حتى تنسبوني إلى العجز وانقطاع الملك فصارت هذه الكلمة ختما على أفواههم وهو قوله {ختم الله على قلوبهم} فالختم لا يرفع أبدا والصنف الثاني شكوا فهم ينتظرون لما يكون فما استقرت قلوبهم فتناثرت تلك الترابية على أفواه قلوبهم لتذبذبهم مرة إقبالا ومرة إعراضا فصار قفلا والقفل قد يفتح إن شاء فذلك قوله تعالى {أم على قلوب أقفالها} والصنف الثالث قالوا: مالكنا دائم إن شاء جعلها في ظلمة وإن شاء جعلها في نور فقال أنتم لي علمتم فصارت هذه الكلمة مكتوبة على قلوبهم فمن أصابته يمينه فهم الأولياء ومن أصابته يده الأخرى فعامة الموحدين فتناولهم فصيرهم في قبضته وصارت هذه الكلمة مكتوبة بين أعين أفئدتهم فذلك قوله {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} و {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} فهذه [ص:231] كانت صفتهم فلم يزل ينقلهم من حال إلى حال حتى ظهروا في طينة آدم وأعطاهم كلهم الصورة وظهرت في الطينة ثم لما نفخ فيه أخرج أصحاب اليمين من كتفه الأيمن كهيئة الذر في صفاء وتلألىء وأصحاب الشمال من كتفه الأيسر كالحمحمة السوداء والسابقين أمام الفريقين وهم الرسل والأنبياء والأولياء فقررهم كلهم وأخذ عهودهم وميثاقهم على الإقرار له بالعبودية ثم ردهم إلى الأصلاب ليخرجهم تناسلا من أرحام الأمهات فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي: أي لا أبالي بما يعملون من خير أو شر فأما أصحاب اليمين فصاروا بيضا من ذلك النور الذي أصابهم والآخرون سودا من الظلمة التي خلقهم فيها <فائدة> سأل عبد الله بن طاهر أمير خراسان المأمون الحسين بن الفضل عن قوله تعالى {كل يوم هو في شأن} مع هذا الخبر فقال: هي شؤون يبديها ولا يبتديها فقام إليه وقبل رأسه
(حم ت ك) وكذا ابن حبان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وصححه أيضا ابن حبان وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات وقال ابن حجر رحمه الله تعالى فتاويه: إسناده لا بأس به وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه لم يزيدوا فيه على ما ذكره والأمر بخلافه بل بقية الحديث عندهم فلذلك أقول جف القلم على علم الله انتهى لكن ادعى بعضهم أن قائل ذلك هو ابن عمرو فلعل المؤلف يميل إلى هذا القول فقوله ولذلك أي من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من إيمان وطاعة وكفر ومعصية أقول جف القلم(2/230)
1734 - (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة) أصلها ما يضم عليه من كل شيء (قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) أي ابتداء خلقه من قبضته فمن ابتدائية إن كان من قبضة متعلقا بخلق وإن كان حالا من آدم تكون بيانية والقبضة هنا مطابقة الآية {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} في بيان تصوير عظمة الله وإن كل المكونات الآفاقية والأنفسية منقادة لإرادته ومسخرة بأمره أي فليس هنا قبضة بالحقيقة بل هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي لخلقه ذكره الطيبي وغيره وقال الكمال ابن أبي شريف أخذا من كلام بعضهم المراد بالقبض هنا حقيقة لكن إنما قبضها عزرائيل عليه السلام ملك الموت فلما كان القبض بأمره تعالى نسب إليه ويشهد له ما رواه سعيد بن منصور وأبو حاتم عن أبي هريرة إن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوى ليأخذ منها قالت أسألك بالذي أرسلك لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب فتركها فلما رجع إلى ربه أخبره فأرسل آخر فقال مثل ذلك قال الذي أرسلني أحق بالطاعة فأخذ من وجهها ومن طيبها ومن خبيثها. الحديث. (فجاء بنو آدم على قدر الأرض) أي على قدر لونها وطبعها فخلق من الحمراء الأحمر ومن البيضاء الأبيض ومن سهلها سهل الخلق اللين الرقيق ومن حزنها ضده ومن ثم (جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك) من الألوان {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} قيل خلق آدم من ستين نوعا من أنواعها وطبائعها فاختلفت بنوه كذلك ولذا وجب في الكفارة إطعام ستين ليكون بعدد هذه الأنواع ليعم الكل بالصدقة (والسهل) بفتح فسكون أي الذي فيه رفق ولين (والحزن) بفتح وسكون أي الذي فيه عنف وغلظة فالسهل من الأرض السهلة والفظ الغليظ الجافي من ضدها (والخبيث والطيب وبين ذلك) أي فالخبيث من الأرض السبخة والطيب من العذبة (1) ومن [ص:232] ثم اختلفت قوى الإنسان فتقبل كل قوة منها ما يأتيها من المواد فيزيد لذلك وينقص ويصلح لذلك ويفسد ويطيب ويخبث لما ذكر من أنه أنشئ من أشياء مختلفة وطبائع شتى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} ذكره البيضاوي. وقال الطيبي: ولما كانت الأوصاف الأربعة الأولى من الأمور الظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وتركت الأربعة الأخيرة مفتقرة إلى تأويل لأنها من الأخلاق الباطنة فإن المعنى بالسهل الرفق واللين وبالحزن الخرق والعنف وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضرر وخسار في الدارين والذي سبق له الكلام في الحديث هو الأمور الباطنة لأنها داخلة في حديث القدر من الخير والشر وأما الظاهرة من الألوان وإن كانت مقدرة فلا إعتبار لها
(حم د) في السنة (ت) في التفسير (ك هق عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وغيره
_________
(1) وما أحسن قول القائل:
الناس كالأرض ومنهاهم. . . من خشن في اللمس أو لين
فجندل تدمي به أرجل. . . والمد يجعل في الأعين
وكذا جميع الدواب والوحوش فالحية أبدت بجوهرها حيث خانت آدم حتى لعنت وأخرجت من الجنة وافأر قرض حبال سفينة نوح والغراب أبدى جوهره الخبيث حيث أرسله نوح من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فأقبل على جيفة وتركه(2/231)
1735 - (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات ثم جعلهم فرقا (فجعلني) أي صيرني تعالى (في خير فرقهم) جمع فرقة أي أشرفها (وخير الفريقين) وفي نسخ الفرقتين (ثم تخير القبائل) أي اختار خيارهم فضلا (فجعلني في خير قبيلة) من القرب هذا بحسب الإيجاد أي قدر إيجادي في خيرها قبيلة (ثم تخير البيوت) أي اختارهم شرفا (فجعلني في خير بيوتهم) أي في أشرف بيوتهم قال ابن تيمية: وقوله خلق الخلق يحتمل شيئين أحدهما أن الخلق هم الثقلان أو هم جميع ما خلق في الأرض وبنو آدم خيرهم وإن قيل بعموم الخلق حتى تدخل الملائكة أفاد تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة قال والفريقان العرب والعجم ثم جعل العرب قبائل وجعل قريشا أفضلها بيوتا وجعل بني هاشم أفضلها ويحتمل أنه أراد بالخلق بنو آدم فكان في خيرهم أبا في ولد إبراهيم أبي العرب ثم جعل بني إبراهيم فرقتين بني إسماعيل وبني إسحاق وجعل العرب عدنان وقحطان فجعل بني إسماعيل في بني عدنان ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قبائل فجعل في خيرهم قبيلة وهم قريش وأيا ما كان فالحديث صحيح في تفضيل العرب على العجم (فأنا) بفضل الله علي ولطفه في سابق علمه (خيرهم نفسا) أي روحا وذاتا إذ جعلني نبيا رسولا فاتحا خاتما (وخيرهم بيتا) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح ولم يردفه بقوله ولا فخر كما في خبر أنا سيد ولد آدم ولا فخر لأن هذا بحسب حال المخاطبين في صفاء قلوبهم بما يعلمه من حالهم أو أن هذا بعد ذلك والتفاضل في الأنساب والقبائل والبيوت باعتبار حسن خلقة الذات والتفاضل فيما قام بها من الصفات حتى في الأقوات {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} وهذا جار في سائر المخلوقات أن فضل الله يؤتيه من يشاء فلا إتجاه لما عساه يقال الإنسان كله نوع واحد فما معنى التفاضل في الأنساب
(ت عن العباس بن عبد المطلب) قال: قلت يا رسول الله إن قريشا تذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة أي كناسة فذكره(2/232)
1736 - (إن الله خلق آدم من طين الجابية) بجيم فموحدة تحتية فمثناة كذلك فاعلة من جباء موضع بالشام وباب الجابية بدمشق معلوم ويعارضه ما مر أنه خلقه من جميع أجزاء الأرض وقد يجاب بأنه قبض من الجابية قبضة ومن جميع أتراب الأرض قبضة ومزجهما (وعجنه بماء من ماء الجنة) إشارة إلى أنه وإن أخرج سيعود إليها فكان من بديع فطرته وعجيب صنعته فأعظم بها من إكرام فلم يكن يصلح له حينئذ مكان يليق به مع هذه المكارم إلا داره فتوجه بتاج الملك وكساه كمال الجمال وأجلسه على الأسرة بمهابة وإجلال حتى جاء وقت السقوط وغلب القضاء والقدر فكان [ص:233] ما كان <فائدة> قال بعض العارفين: إذا فتح عليك بالتصرف فأت البيوت من أبوابها وإياك والفعل بالهمة بغير آلة ألا ترى إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم وعجنها وسواه وعدله ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء فأوجد الأشياء على ترتيب ونظام ولو شاء أن يكون ابتداه بغير تخمر ولا عجن لفعل
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة)(2/232)
1737 - (إن الله) أي الذي لا يستطيع أحد أن يقدر قدره (خلق لوحا محفوظا) وهو المعبر عنه في القرآن المجيد بذلك وبالكتاب المبين وبأم الكتاب وبإمام مبين (من درة بيضاء) لؤلؤة عظيمة كبيرة في نهاية الإشراق وغاية الصفاء وفي حديث البيهقي رضي الله تعالى عنه في الشعب إنه من زبرجدة خضراء وفي رواية لابن أبي حاتم إحدى وجهيه من ياقوت والآخر من زبرجدة خضراء فقد يقال إنه يتلون والبياض لونه الأصلي (صفحاتها) أي جنباتها ونواحيها. قال في الصحاح: صفح الشيء ناحيته وصفحة كل شيء جانبه وصفائح الباب ألواحه (من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه) أي مكتوبة (نور) بين به أن اللوح والقلم ليسا كألواح الدنيا المتعارفة ولا كأقلامها وكذا والكتابة وليس في هذا الخبر ذكر طول اللوح ولا عرضه ولا طول القلم وفي رواية للطبراني عن ابن عباس أن عرضه ما بين السماء والأرض وفي كنز الأسرار عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن طول اللوح ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو في حجر ملك يقال له ماطريون وفي تفسير الفخر الرازي من حديث البيهقي عن ابن عباس أيضا أن اللوح بين يدي إسرافيل فإذا أذن له في شيء ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فنظر فإذا كان الأمر من عمل جبريل عليه السلام أمره به أو من عمل ملك الموت أمره به الحديث وأما القلم ففي رواية لأبي الشيخ عن ابن عمران طوله خمس مئة عام (لله في كل يوم) أي أو ليلة كما في حديث ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا أي مقدارهما من الزمن وإلا فليس ثم ليل ولا نهار (ستون وثلاث مئة لحظة) على عدد أجزاء اليوم والليلة فإن ذلك مقسم على ثلاث مئة وستين جزءا كل جزء يسمى درجة فلما كان ذلك أقل ما يحسن بالنسبة إلينا عبر به تقريبا لأفهامنا (يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء) فإن كان العبد على حالة مرضية مهديا رشيدا أدركته اللحظة على حالة مرضية فوصل إلى الأمل من نوال الخير وصرف السوء وإذا كان غاويا فاللحظة بين القدرة والحلم فإما بطش جبار وإما عفو غفار فعلم أن الحديث إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا يقاس عليها غيرها فأخبر عليه السلام أن بيده تصريف الأمور وتكوينها على ما يشاء في أي زمن شاء وخصص الستة الأولى لأهميتها ووقوع أكثر الأفعال إليها ثم عمم
(طب) وكذا الحاكم والحكيم (عن ابن عباس) قال أعني ابن عباس لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا ولم ذلك فذكره قال الهيثمي: ورواه الطبراني من طريقين رجال أحدهما ثقات انتهى ولم يصب ابن الجوزي حيث حكم عليه بالوضع(2/233)
1738 - (إن الله خلق الخلق) أي قدر المخلوقات في علمه السابق على ما هم عليه وقت وجودهم (حتى إذا فرغ من خلقه) أي قضاه وأتمه والفراغ تمثيلي وقول الأكمل خلق إن كان بمعنى أوجد فالفراغ على حقيقته رد بأن الفراغ الحقيقي بعد الشغل والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ثم إن ذا بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها للوجود أو بعد خلقها كتبا في اللوح أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله {ألست بربكم} (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسد وتتكلم والقدرة صالحة أو هو تمثيل وإستعارة إذ الرحم معنى وهو الإتصال القربي من النسب فشبهت بمن يحتاج إلى الصلة [ص:234] فاستعاذ من القطيعة والمراد تفخيم شأنها (فقال) تعالى لها (مه) بفتح فسكون استفهام أي ما تقولين كأنها قامت على هيئة الطالب لشيء والقصد به إظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه يعلم السر وأخفى وقيل زجر أي اكففي عن الالتجاء (قالت) بلسان القال أو الحال على ما تقرر (هذا مقام العائذ بك) أي مقامي هذا مقام المستجير بك من القطيعة والعائذ المعتصم بالشيء المستجير به (قال) تعالى (نعم) حرف إيجاب مقرر لما سبق إستفهاما كان أو خبرا (أما) بالتخفيف وفي رواية للبخاري ألا (ترضين) خطاب للرحم والهمزة للاستفهام على سبيل التقرير لما بعد لا النافية (أن أصل من وصلك) بأن أعطف عليه وأحسن إليه فهو كناية عن عظيم إحسانه (1) (وأقطع من قطعك) فلا أعطف عليه فهو كناية عن حرمان إنعامه وإمتنانه (قالت بلى يا رب) أي رضيت (قال) الله تعالى (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما أي الحكم السابق حصل لك وصلة الرحم بالمال ونحو عون على حاجة ودفع ضرر وطلاقة وجه ودعاء والمعنى الجامع إيصال الممكن من الخير ودفع الممكن من شر وهذا إنما يطرد إن استقام أهل الرحم فإن كفروا وفخروا فقطيعتهم في الله صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ومن ثم قتل أمين هذه الأمة أباه كافرا غضبا لله ونصرة لدينه
(ق ن عن أبي هريرة) ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}
_________
(1) وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده(2/233)
1739 - (إن الله خلق) أي قدر (الرحمة) التي يرحم بها عباده ورحمته إرادة الإنعام أو فعل الإكرام فمرجعها صفة ذاتية أو فعلية فهي حادثة من حيث إنها فعل كائن عن الإرادة (يوم خلقها مئة رحمة) قال التوربشتي: رحمة الله غير متناهية فلا يعتريها التقسيم والتجزئة وإنما قصد ضرب المثل للأمة ليعرفوا التفاوت بين القسطين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الأولى فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمة في الدارين على الأقسام المذكورة تنبيها على المستعجم وتوفيقا على المستفهم ولم يرد به تجريد ما قد حلى عن الحد أو تعديد ما يجاوز العد (فأمسك عنده تسعا وتسعون رحمة وأرسل) وفي رواية وأنزل (في خلقه كلهم رحمة واحدة) تعم كل موجود فكل موجود مرحوم حتى في آن العذاب إذ الكف عن الآشد رحمة وفضل (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة (لم ييأس (1)) أي لم يقنط (من الجنة) أي من شمول الرحمة له فيطمع في أن يدخل الجنة (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها قال الطيبي: سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله فكما أن صفاته تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفة القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد هذا معنى وضع ضمير المؤمن ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن اختص [ص:235] بأن يطمع في الجنة فإذا انتفى منه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل انتهى. وقال المظهر: ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته لئلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه. وقال العلائي: هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط فينقله لحالة أشر من الذنوب
(ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما
_________
(1) وفي نسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بين حالتي الرجاء والخوف(2/234)
1740 - (إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة (1)) أي أظهر تقديرها يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحدة في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما وقد مر معنى الطباق ومقصوده التعظيم والتكثير وورود ذلك بهذا اللفظ غير عزيز (فجعل في الأرض منها رحمة) قال القرطبي: هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم (فيها تعطف) أي تحن وترق وتشفق وفي الصحاح عطف عليه شفق وفي المصباح عطفت الناقة على ولدها عطفا حنت (الوالدة على ولدها) من الآدميين وكل ذي روح (والوحش والطير) أي وغيرهما من كل نوع من أنواع ذوات الأرواح ولعل تخصيص الوحش والطير لشدة نفورها والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وحكمة ذلك تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير حتى يتحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير (بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضا يوم القيامة. قال المهلب: الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي هذه وقال العارف البوني رضي الله تعالى عنه الذاتية واحدة ورحمته المتعدية متعددة وهي كما في هذا الخبر مئة ففي الأرض منها واحدة يقع بها الارتباط بين الأنواع وبها يكون حسن الطباع والميل بين الجن والإنس والبهائم كل شكل إلى شكله والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة يتصل بهذه الرحمة فتكمل مئة فيصعد بها في درج الجنة حتى ترى ذات الرحيم وتشاهد رجمته الذاتية
(حم م عن سلمان) الفارسي (حم هـ) عن أبي سعيد الخدري
_________
(1) حصره في مئة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله تعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فثبت أن نار الآخرة تفضل نار للدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فالرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي ويحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمة كلها للمؤمنين بدليل قوله تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما} وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها(2/235)
1741 - (إن الله خلق الجنة) وجمع فيها كل طيب (وخلق النار) وجمع فيها كل خبيث (فخلق لهذه أهلا) وهم السعداء وحرمها على غيرهم (ولهذه أهلا) وهم الأشقياء وحرمها على غيرهم وجعلهما جميعا في هذه الدار سبعا فوقع الابتلاء والامتحان [ص:236] بسبب الاختلاط وجعلها دار تكليف فبعث إليهم الرسل لبيان ما كلفهم به من الأقوال والأفعال والأخلاق وأمرهم بجهاد الأشقياء فقامت الحرب على ساق فإذا كان يوم القيامة أي يوم الميعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله في دارهم والخبيث وأهله في دارهم فينعم هؤلاء بطيبهم ويعذب هؤلاء بخبثهم لانكشاف الحقائق. قال البيضاوي: وفيه أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآبائهم وأصول أكوانهم بعد في العدم <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: عن عقائد الإسلام أن تعتقد ان الله سبحانه أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسماءه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلاءه ولو أراد تعالى أن يكون العالم كله سعيد لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه لم يرد فكان كما أراد {فمنهم شقي وسعيد} هنا ويوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال في الصلاة وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وانفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي وجود رحمني لمن اعتنى به من عباده وسبق له ذلك بحضرة إشهاد فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم وأنه من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود بنفسه إلا إياه {والله خلقكم وما تعملون} و {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} . <تنبيه> قال بعضهم: خلق الله الجنة والنار وجعلهما دارين إحداهما جهة اليمين والأخرى جهة الشمال هذه كلها خير صرف وهذه كلها شر صرف وأنزل الدين للأمر والنهي على معنى الدارين ثم خلق دار الدنيا بين الدارين فالجنة من القبر إلى أعلى عليين والنار من القبر إلى أسفل سافلين روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فليس بعد الدنيا إلا الجنة والنار فالناس بعد الموت منهم معذب ومنهم منعم في جنة أو نار فالناس وقوف في الدنيا بين الجنة والنار حقيقة وهم لا يشعرون
(م) في الإيمان بالقدر وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه كلهم (عن عائشة) قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدرين وفي رواية أو غير ذلك فذكره فنهى عن الحكم على معين بدخول الجنة فلعله قبل علمه بأن أطفال المؤمنين في الجنة. قال في الزواجر: وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن أطفال المؤمنين لا يقطع لهم بدخول الجنة واشتد إنكار العلماء عليه في هذه المقالة الشنيعة المخالفة للقواطع والحديث ظاهره غير مراد إجماعا وإنما هو قبل أن يعلم بأنهم مقطوع لهم بالجنة وإنما الخلاف في أطفال الكفار والأصح أنهم في الجنة أيضا وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يروه إلا كما ذكر والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله ولهذه أهلا ما نصه: وهم في أصلاب آبائهم(2/235)
1742 - (إن الله تعالى) لكمال رأفته (ورضي لهذه الأمة اليسر) فيما شرعه لها من أحكام الدين ولم يشدد عليها كما شدد على الأمم الماضية (وكره لها العسر) أي لم يرده بها ولم يجعله عزيمة عليها {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} قال الحراني: واليسر عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر ما يجهد النفس ويضر الجسم ومن رفق الله بهذه الأمة ومعاملتها باليسر والعطف أن شرع لها ما يوافق كتابها وصرف عنها ما تختان فيه لما جبلت عليه من خلافه وهكذا حال الأمر إذا شاء أن يطيعه مأموره يأمره بالأمور التي لو ترك ودواعيه لفعلها وينهاه عن الأشياء التي لو ترك ودواعيه لتجنبها وبه يكون حفظ المأمور من المخالفة وإذا شاء أن يشدد على أمة أمرها بما جبلها على تركه ونهاها عما جبلها على فعله وهو من الآصار المجعولة على الأولين مخفف عن هذه الأمة بإجراء شرعها على وفق جبلتها فجعل لهم حظا من هواهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم أدر الحق معه حيث دار ولهذا كان يأمر الشجاع بالحرب ويكف الجبان حتى لا يظهر فيمن معه مخالفة إلا عن سوء طبع لا يزعه وازع الرفق وذلك قصد العلماء الربانيين في تأديب [ص:237] كل مريد على اللائق بحاله وجبلته
(طب عن محجن) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم (ابن الأدرع) بفتح الهمزة ودال مهملة ساكنة الأسلمي نزل البصرة واختط مسجدها قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(2/236)
1743 - (إن الله رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر فيكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم ولا يجوز إطلاق الرفيق عليه سبحانه اسما لأن أسماءه سبحانه إنما تتلقى بالنقل المتواتر ولم يوجد ذكره بعض الشراح وأصله قول القاضي الرفق ضد العنف وهو اللطف وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها والظاهر أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لأنه لم يتواتر ولم يستعمل هنا على قصد التسمية وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده انتهى لكن قال النووي: الأصح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الواحد (يحب الرفق) بالكسر لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض وزعم أن المراد يحب أن يرفق بعباده لا يلائم سياق قوله (ويعطي عليه) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل (مالا يعطي على العنف) بالضم الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادا وحثا لنا على تحري الرفق في كل أمر فهو خارج مخرج الأخبار لا التسمية كما تقرر
(خد د عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء (هـ حب عن أبي هريرة حم هب عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال الهيثمي: وفيه أبو خليفة ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وصدقه الجمهور وبقية رجاله ثقات (البزار) في مسنده (عن أنس) بإسنادين قال الهيثمي: رجال أحدهما ثفات وفي بعضهم خلاف وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد خرجه مسلم من حديث هائشة رضي الله تعالى عنها ولفظه إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه. قال القاضي: وإنما ذكر قوله وما لا يعطي على سواه بعد قوله ما لا يعطي على العنف إيذانا بأن الرفق أبحج الأسباب وأنفعها بأسرها(2/237)
1744 - (إن الله زوجني في الجنة) مضافا إلى زوجاتي اللاتي تزوجتهن في الدنيا (مريم بنت عمران) أي جعلها زوجتي فيها وأوقع الماضي موقع المستقبل لتحقق الوقوع (وامرأة فرعون) آسية بنت مزاحم (وأخت موسى) الكليم عليه السلام واسمها مريم كما قاله البيضاوي وغيره قال الحرالي: خلصهن الله من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء عربي علي حتى أنكحهن من محمد النبي العربي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الثلاثة مترتبات في الفضل على هذا الترتيب فأفضلهن مريم اتفاقا فآسية لأنه قيل بنبوتها فأخت موسى لأنه لم يذهب إلى القول بنبوتها أحد. والظاهر أن وقوع التزوج في الجنة
(طب عن سعد بن جنادة) بضم الجيم وخفة النون ودال مهملة والد عطية العوفي وفد من الطائف وأسلم قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه(2/237)
1745 - (إن الله تعالى سائل) إشارة إلى تحقق وقوع ذلك (كل راع عما استرعاه) أي أدخله تحت رعايته [ص:238] (أحفظ ذلك أم ضيعه) بهمزة الاستفهام (حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أحفظهم أم ضيعهم فيعامل من قام بحق ما استرعاه عليه بفضله ويعامل من أهمله بعدله وما يعفو الله أكثر (1) قال الطيبي: فيه أن الراعي ليس مطلوبا لذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه فعليه أن لا يتصرف إلا بمأذون الشارع فيه وهو تمثيل ليس ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه وزاد في رواية فأعدوا للمسألة جوابا قالوا: وما جوابها قال: أعمال البر خرجه ابن عدي والطبراني قال ابن حجر: بسند حسن واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من في حكمه وفيه بيان كذب الحديث الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية ففي آداب القضاء للكرابيسي عن الشافعي رضي الله عنه بسنده دخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث إن الله إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات فقال له كذب ثم تلا {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} إلى {بما نسوا يوم الحساب} فقال الوليد: إن الناس ليغروننا
(ن حب عن أنس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه معاذ بن هشام حديثه في الستة لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين صدوقا وليس بحجة وقال غيره له غرائب وتفردات
_________
(1) أي ويرضى خصماء من شاء بجوده وكما يسأله عن أهل بيته يسأل أهل بيته عنه فظاهر الحديث أن الحكام أولى بالسؤال عن أحوال الرعايا من سؤال الرجل عن أهل بيته(2/237)
1746 - (إن الله سمى) وفي رواية إن الله أمرني أن أسمي ولا تعارض لأن المراد أنه أمره بإظهار تسميتها (المدينة طابة) بمنع صرفها وفي بعض روايات البخاري طابة بالتنوين بجعلها نكرة وهي تأنيث طاب من الطيب وأصلها طيبة قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكان اسمها يثرب فكرهه النبي صلى الله عليه وسلم لاستعمال الثرب في معنى القبح فبين أن الله سماها طابة لتيطيب مكانها بالدين أو لخلوصها من الشرك وتطيبها منه أو لطيب رائحتها وأمورها كلها أو لحلول الطيب بها وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم أو لكونها تنفي خبثها ويبقى طيبها أو لغير ذلك (1) وتسميتها في التنزيل يثرب وقوله في حديث هذه يثرب باعتبار ما عند المنافقين أو نزول الآية سابق على التسمية
(حم م ن عن جابر بن سمرة) ولم يخرجه البخاري
_________
(1) أو لطيب ترابها وهوائها ومساكنها وطيب العيش بها قال بعض العلماء من أقام بالمدينة يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها(2/238)
1747 - (إن الله تعالى صانع) بالتنوين وعدمه (كل صانع وصنعته) أي مع صنعته فهو خالق للفاعل والفعل لقوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون} وبهذا أخذ أهل السنة وهو نص صريح في الرد على المعتزلة وكمال الصنعة لا يضاف إليها وإنما يضاف إلى صانعها وهذا الحديث قد احتج به لما اشتهر بين المتكلمين والفقهاء من إطلاق الصانع عليه تعالى قال المؤلف فاعتراضه بأنه لم يرد وأسماؤه تعالى توقيفية غفلة عن هذا الخبر وهذا حديث صحيح لم يستحضره من اعترض ولا من أجاب بأنه مأخوذ من قوله {صنع الله} انتهى ومنعه بعض المحققين بأنه لا دليل لما صرحوا به من اشتراط إذ لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو {أم نحن الزارعون} {والله خير الماكرين} وهذا الحديث من ذلك القبيل وبأن الكلام في الصانع بأل بغير إضافة وما في الخبر مضاف وهو لا يدل على جواز غيره بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر لم يأخذوا منه أن الصاحب بغير قيد من أسمائه تقدس نعم صح من حديث الحاكم والطبراني اتقوا الله فإن الله فاتح لكم مصانع وهذا دليل واضح للمتكلمين والفقهاء لا غبار عليه ولم [ص:239] يستحضره المؤلف ولو استحضره لكان أولى له مما يحتج به في عدة مواضع قال الذهبي: واحتج به من قال الإيمان صفة للرحمن غير مخلوق كذا رأيته بخطه (تتمة) قال الراغب: سئل بقراط عن دلالة الصانع فقال دل الجسم على صانعه فجمع بهذه اللفظة دلالة حدوث العالم لأن الجسم يدل على أنه مصنوع ولا بد له من صانع ولم يصنع نفسه وصانعه حكيم
(خ في خلق أفعال) أي في كتاب خلق أفعال (العباد) وهو كتاب مفرد مستقل (ك) في الإيمان وصححه (والبيهقي في) كتاب الأسماء (والصفات) كلهم (عن حذيفة) مرفوعا لكن لفظ الحاكم إن الله خالق بدل صانع ثم قال على شرط مسلم وأقره الذهبي وتقييد المصنف العزو للبيهقي بكتاب الأسماء يؤذن بأنه لم يخرجه في كتابيه اللذان وضع لهما المصنف الرمز وهما الشعب والسنن وليس كذلك فقد خرجه في الشعب باللفظ المزبور عن حذيفة المذكور(2/238)
1748 - (إن الله تعالى طيب) بالتلقيل أي منزه عن النقائص مقدس عن الآفات والعيوب وكل وصف خلا عن كمال أو طيب الثناء أو مستلذ الأسماء عند العارفين بها وكيف ما كان فهو من أسمائه الحسنى لصحة الخبرية كالجميل قال الراغب: وأصل الطيب ما تستلذه النفس والحواس والطيب من الناس من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال (يحب الطيب) أي الحلال الذي يعلم أصله وجريانه على الوجه الشرعي العاري عن ضروب الحيل وشوائب الشبه فلا تقبل ولا ينبغي أن يتقربوا إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو من خيار أموالكم (كريم يحب الكرم) أي في حياته لا البخل في حياته الكريم عند موته بدليل الخبر المار وقوله (جواد) بالتخفيف (يحب الجود) عطف خاص على عام (نظيف) أي منزه عن سمات الحدوث متعال في ذاته عن كل نقص (يحب النظافة) أي نظافة الباطن بخلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الهوى والأمراض القلبية من نحو غل وحقد وحسد وغيرهما ومجانبة كل مطعم وكل مشرب وكل ملبس من حرام وشبهة ونظافة الظاهر بترك الأدناس وملابسة العبادات ومفهومه أنه يبغض ضد ذلك وبه صرح في الخبر الآتي بقوله إن الله يبغض الوسخ الشعث ولا ينافيه خبر إن الله يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس إذ لا يلزم من كون الثوب خشنا أو باليا أن يكون وسخا فالمنهي عنه إنما هو التزين والتصنع والتغالي في اللباس (فنظفوا) ندبا (أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار قال الطيبي: الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي ما أمام الدار وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة كانت أدعى لجلب الضيفان وتناوب الواردين والصادرين
وإليه ينظر قول الحماسي:
فإن يمس مهجور الفناء فربما. . . أقام به بعد الوفود وفود
وفي رواية بدله عذراتكم وهو بمعناه قال الزمخشري: العذرة الفناء وبه سميت العذرة لإلقائها فبها كما سميت بالغائط وهو المطمئن (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف وأصله تتشبهوا (باليهود) في قذاراتهم وقذارة أفنيتهم ومن ثم كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه مزيد حرص على النظافة وقد اختار الحق سبحانه من كل جنس أطيبه فاختصه لنفسه والطيب من كل شيء هو مختاره دون غيره وأما خلقه فعام للنوعين وبه يعرف عنوان سعادة العبد وشقاوته فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا به وبين الطيب والخبيث كمال الانقطاع ومنع الاجتماع
(ت عن سعد) وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها شهر بن حوشب وهو ضعيف والأولى سالمة منه(2/239)
1749 - (إن الله تعالى عفو) أي متجاوز عن السيئات (يحب العفو) لما سبق أنه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من اتصف بشيء منها ويبغض من اتصف بأضدادها ولهذا يبغض قاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم. قال [ص:240] العارف ابن أدهم رضي الله عنه خلا لي الطواف ليلة مطيرة فقلت بالملتزم يا رب اعصمني فقيل لي كل عبادي يطلبون العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر؟ قال الراغب رحمه الله: العفو والصفح صورتا الحلم ومخرجاه إلى الوجود فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح ترك التثريب واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه والإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان فيه وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يحب والعفو إنما يستحب إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله أو شتم عرضه فإن عادت بالضرر على الشرع أو الناس فله ترك العفو
(ك عن ابن مسعود) عبد الله (عد عن عبد الله بن جعفر)(2/239)
1750 - (إن الله تعالى عند) وفي رواية ذكرها المطرزي: وراء (لسان كل قائل) أي يعلمه قال في المغرب هذا تمثيل والمعنى أنه تعالى يعلم ما يقوله الإنسان ويتفوه به فمن يكون عند الشيء مهيمنا لديه محافظا عليه (فليتق الله عبد) نكرة للوقوع أو إشارة إلى قلة المتقين (ولينظر) أي يتأمل ويتدبر (ماذا يقول) أي ما يريد للنطق به هل هو عليه أو له {وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فجميع ما ينطق به مكتوب عليه مسؤول عنه. قال الليث: مررنا براهب فنودي طويلا فلم يجب ثم أشرف فقال يا هؤلاء لساني سبع فأخاف أن أرسله فيأكلني. وقال بعض العارفين: إياك والمراء في شيء من الدين وهو الجدال فإنك لا تخلو أن تكون فيه محقا أو مبطلا كما يفعل الفقهاء اليوم في مجالس مناظراتهم يلتزم أحدهم في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يحاول به الحق الذي يعتقده أنه حق ثم تخدعه النفس بأن تقول له إنما تفعل ذلك لتنفتح الخواطر لا لإقامة الباطل وما علم أنه تعالى عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده أنه فقيه عمل على ذلك الباطل فلا يزال الإثم عليه ما دام ذلك السامع يعمل بما سمع منه
(حل) من حديث محمد بن إسماعيل العسكري عن صهيب بن محمد بن عباد عن مهدي عن وهب بن أبي الورد عن محمد بن زهير (عن ابن عمر) بن الخطاب ومحمد بن زهير قال الذهبي قال الأزدي ساقط (الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور(2/240)
1751 - (إن الله تعالى غيور) فعول من الغيرة الحمية والأنفة وهي محال على الله تعالى لأنها هيجان الغضب يسبب ارتكاب ما ينهى عنه فالمراد لازمها وهو المنع والزجر عن المعصية (يحب الغيور) في محل الربية كما يفيده قوله في الحديث الآتي غيرتان غيرة يحبها الله (وإن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (غيور) فهو لذلك يحبه لأن من لمح لمحا من وصف كان من الموصوف به باللطف لطف ووصف كل مرتبة بحسبها (رستة) بضم الراء وسكون المهملة وفتح المثناة لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني الحافظ
(في الإيمان) أي في كتاب الإيمان له (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي أفريقية (مرسلا) قال في الكاشف منكر الحديث مات سنة 113(2/240)
1752 - (إن الله تعالى قال من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليا) (1) وهو من تولي الله بالطاعة فتولاه الله بالحفظ والنصر فالولي هنا القريب من الله باتباع أمره وتجنب نهيه وإكثار النفل مع كونه لا يفتر [ص:241] عن ذكره ولا يرى بقلبه سواه (فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته بأني سأحاربه {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} ومن حاربه الله أي عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال وهذا في الغاية القصوى من النهديد والمراد عادى وليا لأجل ولايته لا مطلقا فخرج نحو محاكمته لخلاص حق أو كشف غامض فلا يرد خصومة العمرين رضي الله عنهما لعلي والعباس رضي الله عنهما ومعاداته لولايته إما بإنكارها عنادا أو حسدا أو بسبه أو شتمه ونحو ذلك من ضروب الإيذاء وإذا علم ما في معاداته من الوعيد علم ما في موالاته من الثواب (وما تقرب إلي عبدي بشيء) أي بفعل طاعة (أحب إلي مما افترضه عليه (2) أي من آدابه عينا أو كفاية لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع والأمر بها جازم يتضمن أمرين الثواب على فعلها والعقاب على تركها فالفرض كالأس والنفل كالبناء عليه (ولا يزال عبدي) الإضافة للتشريف (يتقرب) وفي رواية يتحبب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع صنوف العبادة (حتى أحبه) بضم أوله وفتح ثالثه (فإذا أحببته) لتقربه إلي بما ذكر حتى قلبه بنور معرفتي (كنت) أي صرت (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) يعني يجعل الله سلطان حبه غالبا حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله عونا له على حماية هذه الجوارح عما لا يرضاه أو هو كناية عن نصرة الله وتأييده وإعانته له في كل أموره وحماية سمعه وبصره وسائر جوارحه عما لا يرضاه وحقيقة القول ارتهان كلية العبد بمراضي الرب على سبيل الاتساع فإنهم إذا أرادوا اختصاص شيء بنوع اهتمام وعناية واستغراق فيه ووله به ونزوع إليه سلكوا هذا الطريق قال:
جنوني فيك لا يخفى. . . وناري فيك لا تخبو. . . وأنت السمع والناظر. . . والمهجة والقلب
ولمشائخ الصوفية رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب فتوحات غيبية وإشارات ذوقية تهتز منها العظام البالية لكنها لا تصلح إلا لمن سلك سبيلهم فعلم مشربهم بخلاف غيرهم فلا يؤمن عليه من الغلط فيهوي في مهواة الحلول والاتحاد والحاصل أن من تقرب إليه بالفرض ثم النفل قربه فرقاه من درجة الإيمان مقام الإحسان حتى يصير ما في قلبه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته يمحي كل ما سواه فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نظر فيه أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد (وإن سألني لأعطينه) مسؤوله كما وقع لكثير من السلف (وإن استعاذ بي) روي بنون وروي بموحدة تحيتية والأول الأشهر (لأعيذنه) مما يخاف وهذا حال المحب مع محبوبه وفي وعده المحقق المؤكد بالقسم إيذان بأن من تقرب بما مر لا يرد دعاؤه (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن) أي ما أخرت وما توفقت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف عليه حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى انخراطه في سلك المقربين والتبوىء في أعلا عليين أو أراد بلفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن بما يبتلي به من نحو مرض وفقر فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب المذكورة يشبه فعل المتردد فعبر به عنه (يكره الموت) لصعوبته وشدته ومرارته وشدة ائتلاف روحه لجسده وتعلقها به ولعدم معرفته بما هو صائر إليه بعده (وأنا أكره مساءته) وأريده له لأنه يورده موارد الرحمة والغفران والتلذذ [ص:242] بنعيم الجنان فالمراد ما رددت شيئا بعد شيء مما أريد أن أفعله بعبدي كترددي في إزالة كراهة الموت عنه بأن يورد عليه حوادث يسأم معها الحياة ويتمنى الموت كما تمنى علي كرم الله وجهه الموت لاختلاف رعيته عليه وقتالهم له مع كونه الإمام الحق وقد يحدث الله بقلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه ما يشتاق به إلى الموت فضلا عن كراهته فيأتيه وهو له مؤثر وإليه مشتاق وذلك من مكنون ألطافه فسبحان اللطيف الخبير وهذا أصل في السلوك كبير
(خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال في الميزان غريب جدا ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد لغرابة لفظه وانفراد شريك به وليس بالحافظ ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه غير البخاري
_________
(1) المراد بالولي العارف بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته
(2) دخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية والفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه(2/240)
1753 - (إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز قال الزمخشري: من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للإستفهام الإنكاري والإغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة والإجتراء الإنبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي: أم منقطعة أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد أكيد ووعيد شديد على النفاق العملي وكل الأمراض القلبية من غل وحقد وحسد وغيرها وفيه تحذير من الإغترار به تعالى ومن سوء عاقبة الجرأة عليه
(ت) في الزهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال حسن غريب(2/242)
1754 - (إن الله تعالى قال أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده) وفي رواية يديه (الخير وويل لمن قدرت يده الشر) وذلك لأنه تعالى جعل هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد وشرها أوعاها للبغي والفساد وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى ثم أوجب على العبد في هذه المدة القصيرة التي هي بالإضافة إلى الآخرة كساعة من نهار أو كبلل ينال الأصبع حين يداخلها في بحر من البحار عصيان النفس الأمارة ومنعها من الركون إلى الدنيا ولذاتها لتنال حظها من كرامته فأمرها بالصيام عن محارمه ليكون فطرها عنده يوم القيامة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه ابن مالك بن يحيى البكري وهو ضعيف وقال الحافظ العراقي رواه ابن شاهين أيضا في شرح السنة من حديث أبي أمامة وسنده ضعيف(2/242)
1755 - (إن الله تعالى قبض) حين شاء (أرواحكم) عن أبدانكم أيها الذين ناموا في الوادي عن صلاة الصبح وذلك بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالقبض مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية لأن النائم كمقبوض الروح [ص:243] في سلبها عنه فهو من قبيل {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط (حين شاء وردها عليكم) عند اليقظة (حين شاء) وحين شاء في الموضعين ليس لوقت واحد فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون فحين الأولى خبر عن أحيان متعددة والمراد بذلك أنه لا لوم عليكم في نومكم حتى خرج وقت الصلاة إذ ليس في النوم تفريط ولا ينافيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما مر بعلي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وهما نائمان حتى طلعت الشمس أنكر عليهما فقال علي رضي الله عنه إن نواصينا بيد الله إن شاء أنامها وإن شاء أقامها فولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وضرب بيده على فخده قائلا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} لأن قصده بذلك حثهما على عدم التفريط بالاسترسال في النوم وهذا قاله حين نام هو وصحبه عن الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس فسلاهم به وقال اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا فلما خرجوا قال (يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة) كذا هو مشدد الذال أي أذن وبالموحدة فيهما في رواية البخاري وفي رواية له فآذن بالمد وحذف الموحدة من بالناس وأذن معناه أعلم والمراد به الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الآذان المشروع فإن مشروعيته كانت بعد ذكره عياض فلما اذن قام المصطفى صلى الله عليه وسلم فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى والأنبياء وإن كانوا لا تنام قلوبهم لكن صرف الله قلبه للتشريع وأما الجواب بأنه كان له حالات فتارة ينام قلبه وتارة لا: فضعفه النووي. والجواب الذي صححه أن رؤيا الشمس من وظائف البصر ضعفه جمع بأن النفوس القدسية تدرك الأشياء بلا واسطة آلة ألا ترى إلى خبر أتموا الصفوف فإني أراكم من خلف ظهري قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإن قلت: كيف أسند هذه الغفلة ابتداء إلى الله ثم أسنده إلى الشيطان ثانيا؟ قلت: هو من المسألة المشهورة في خلق أفعال العباد وكسبها وتقريرها أن الله أراد خلق الإنسان والنوم فيهم فمكن الشيطان من اكتساب ما هو جالب للغفلة والنوم من الهدوء وغيره. قال في المطامح: والكلام في الروح من وراء حجاب إلا في حق من كشف له عن عالم الملكوت والصحيح أن العلم بحقيقتها غير متعذر لكنه أغمض من كل المعلومات وأعسر من جميع المطلوبات جعله الله آية عظيمة من الآيات ودلالة من الدلالات يجب القطع به وأنه مخلوق وفيه الأذان للفائتة وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما في القديم وفي الجديد لا وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه واختار النووي رضي الله تعالى عنه الأول لهذا الحديث وندب الأذان قائما لقوله قم ذكره عياض ورده النووي رضي الله تعالى عنه بأن المراد بقوله قم اذهب إلى محل بارز فناد فيه للصلاة ليسمعك الناس ولا تعرض فيه للقيام حال الأذان
(حم خ د ن عن أبي قتادة) الأنصاري وهذا الحديث كثير الفوائد فمن أرادها فليراجع شروح الصحيح(2/242)
1756 - (إن الله قد حرم النار) أي نار الخلود لما ثبت أن طائفة من الموحدين يعذبون ثم يخرجون بدليل أخبار الشفاعة (من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) أي يقولها خالصا من قلبه يطلب بها النظر إلى وجه الله تعالى وظاهر الخبر الاكتفاء بقولها مرة واحدة في أي وقت كان من العمر لكن بشرط الاستمرار على اعتقاد مدلولها إلى الموت المشار إليه بخبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأجرى بعضهم الحديث على ظاهره من إطلاق التحريم على النار وقال الكلام فيمن قالها بالإخلاص والصدق وهم فريقان أعلى وأدنى فالأدنى من يقف عند صنعه وأمره كالعبيد أما صنعه فهو حكمه عليه من عز وذل وصحة وسقم وفقر وغنى بأن يحفظ جوارحه السبع عن كل حكم به عليه وأما أمره فأداء الواجبات وتجنب المحرمات والإعلاء ان يكون في هذين حافظا لقلبه قد راض نفسه وماتت شهواته [ص:244] ورضي بأحكام الله وقنع بما أعطاه الله وفطم نفسه عن اللذات وانقاد لأمره ونهيه إعظاما لجلاله فخمدت نار شهوة النفس وخرج القلب من أسرها وقهرها فاستمسك بالعروة الوثقى فقوي واتصل بربه اتصالا لا يجد العدو إليه سبيلا لإلقاء شرك أو شك لما لزم قلبه من ذلك النور فإذا انتهى إلى الصراط صار ذلك النور وقاية من تحت قدمه ومن فوقه ومن حوله وأمامه فإذا مر بالنار قالت له يا مؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي فهو محرم عليها وهي محرمة عليه أما من قال لا إله إلا الله ونفسه ذات هلع وشره وشهوة غالبة فائرة بدخان لذاتها كدخان الحريق مضيعة لحقوق الله مشحونة بالكذب والغش والخيانة كثيرة الهواجس والاضطرار فليست النار محرمة عليه بل يدخلها للتطهير إلا أن يتداركه عفو إلهي وغفر رباني
(ق عن عتبان) بكسر العين المهملة وسكون المثناة فوق وبموحدة تحتية (ابن مالك) الخزرجي السالمي بدري روى عنه أنس وغيره مات زمن معاوية قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: أين مالك بن الدخشم فقال رجل: ذاك منافق لا يحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله: وإن الله قد حرم. إلى آخره(2/243)
1757 - (إن الله قد أمدكم) بالتشديد أي زادكم كما جاء مصرحا به في رواية من مد الجيش وأمده إذا زاده وألحق به ما يكثره. قال القاضي: والإمداد اتباع الثاني للأول تقوية وتأكيدا له من المدد وروي زادكم (بصلاة هي خير لكم من حمر) بسكون الميم (النعم) بالتحريك الإبل وهي أعز أموال العرب وأنفسها فجعلت كناية عن خير الدنيا كأنه قيل هذه الصلاة خير مما تحبون من عرض الدنيا وزينتها لأنها ذخيرة للآخرة {والآخرة خير وأبقى} (الوتر) بالجر بدل من صلاة والرفع خبر مبتدأ محذوف قال القاضي: ولا دلالة فيه لوجوب الوتر إذ الإمداد والزيادة يحتمل كونه على سبيل الوجوب وكونه على سبيل الندب وقال غيره: ليس فيه دلالة على وجوبه إذ لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد ففي حديث البيهقي عن أبي سعيد مرفوعا إن الله زادكم صلاة على صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر وقال الطيبي: قوله إن الله أمدكم وارد على سبيل الامتنان على أمته مرادا به مزيد فضل على فضل كأنه قيل إن الله فرض عليكم الخمس ليؤجركم بها ويثيبكم عليها ولم يكتف بذلك فشرع التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان وثوابا على ثواب وإليه لمح بقوله {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} ولفظ لك يدل على اختصاص الوجوب به فدل مفهومه على أنه غير واجب على الغير (جعلها الله لكم) أي جعل وقتها (فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) تمسك به من ذهب إلى أن الوتر لا يقضى وبه قال مالك وأحمد وسفيان وعطاء وغيرهم
(حم د ت هـ قط ك) كلهم (عن خارجة بن حذافة) بن غانم القرشي العدوي الذي كان يعد بألف فارس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهو الذي قتله عمرو بن بكير الخارجي يظنه عمرو ليلة قتل علي ثم قال الحاكم صحيح تركاه لتفرد التابعي عن الصحابي وقال ابن حجر: ضعفه البخاري وقال ابن حبان: منقطع ومتن باطل وقال الفرياني في اختصار الدارقطني فيه عبد الله بن راشد عن أبي قرة لم يسمع منه وليس ممن يحتج به ولا يعرف لابن أبي قرة سماع من خارجة وقال ابن عدي: لم يسمع من أبيه وليس له إلا هذا الحديث وفي الميزان حديثه عن خارجة في الوتر لم يصح وقال ابن حجر ورواه أحمد عن معاذ وفيه ضعف وانقطاع والطبراني عن عمرو بن العاص وفيه ضعف والحاكم والطحاوي عن أبي نضرة وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن توبع الدارقطني عن ابن عباس وفيه النضر الخراز متروك وابن حبان عن ابن عمر وادعى أنه موضوع وقال البزار أحاديث هذا الباب كلها معلولة انتهى(2/244)
[ص:245] 1758 - (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه) أي حظه ونصيبه الذي فرض له المذكور في آيات المواريث الناسخة للوصية للوالدين والأقربين (فلا وصية لوارث) ولو بدون الثلث إن كانت ممن لا وارث له غير الموصى له وإلا فموقوفة على إجازة بقية الورثة لقوله في الخبر الآخر إلا أن تجيز الورثة كذا قرره بعضهم وقال ابن حجر: المراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم لقوله لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة وقد كانت الوصية قبل نزول آية المواريث واجبة للأقربين فلما نزلت بطلت في الوصايا
(عن أنس) قال إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لعابها فسمعته يقول فذكره فظاهر صنيعه حيث اقتصر علي عزوه لابن ماجة أنه تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه ابن حجر وغيره لأحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة ونحوه باللفظ المذكور بعينه قال ابن حجر: وهو حسن الإسناد. اه. وقال في موضع آخر: سنده قوي وقال في موضع آخر: ورد من طرق لا يخلو إسناد منها من مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم إلى أن هذا المتن متواتر إلى هنا كلامه وقال في تخريج المختصر رجاله رجال الصحيح إلا سعيد بن أبي سعيد فمختلف فيه فقيل هو المقبري فلو ثبت هذا كان الحديث على شرط الصحيح لكن الأكثر على أنه شيخ مجهول وذهب الذهبي قبله في التنقيح إلى صحته حيث قال رادا على ابن الجوزي بل حديث صحيح(2/245)
1759 - (إن الله تعالى قد أوقع) أي صير (أجره) أي أجر عبد الله بن ثابت الذي تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قبل خروجه (على قدر نيته) أي فيكتب له أجر الشهادة وإن كان مات على فراشه وهذا يحتمل كونه خصوصية لذلك الصحابي ويحتمل العموم
(مالك) في الموطأ (حم د ن هـ حب ك) كلهم (عن جابر بن عتيك) وفي نسخة عبيد - فليحرر - ابن قيس الأنصاري من بني غنم بن سلمة صحابي جليل اختلف في شهوده بدرا وشهد ما بعدها(2/245)
1760 - (إن الله تعالى قد أجار) في رواية بإسقاط قد (أمتي) أي حفظ علماءها عن (أن تجتمع على ضلالة) أي محرم ومن ثم كان إجماعهم حجة قاطعة فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله إذ الواحد منهم غير معصوم بل كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ونكر ضلالة لتعم وأفردها لأن الإفراد أبلغ
(ابن أبي عاصم) وكذا اللالكائي في السنة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: غريب ضعيف لكن له شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة ويد الله مع الجماعة ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون(2/245)
1761 - (إن الله كتب) أي أوجب أو طلب والأول هو موضوع كتب عند أكثر أهل العرف لكن الثاني أولى لشموله للمندوب ومكملاته (الإحسان) مصدر أحسن وهو هنا ما حسنه الشرع لا العقل خلافا للمعتزلة والمراد طلب تحسين الأعمال المشروعة باتباعها بمكملاتها المعتبرة شرعا (على) أي في كما في {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} أو إلى (كل شيء) غير الباري تقدس غني بذاته عن إحسان كل ما سواه فشمل الحيوان آدميا أم غيره والنبات لاحتياجه للنمو والملائكة بأن تحسن عشرتهم فلا يفعل ما يكرهه الحفظة ولا يأكل ماله ريح كريه والجن بنحو نيتهم بسلام الصلاة وغير ذلك والإحسان لشياطينهم بالدعاء لهم ككفار الإنس وبالإسلام وفي إفهام كتب إشعار بأنه لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم دينه كما ينشرم خرز القربة المكتوب فيها ذكره الحرالي (فإذا قتلتم) قودا أو حدا غير قاطع طريق وزان محصن لإفادة نص آخر التشديد فيهما وغيره نحو حشرات وسباع فلا حظ لهما في الإحسان على ما قيل لكنه عليل إذ وجوب قتلها لا ينافي إحسان كيفيته وفرع هذا وما بعده على ما قبله مع أن صور الإحسان لا تحصر لكونها الغاية في إيذاء الحيوان [ص:246] فإذا طلب الإحسان إليهما فغيرهما أولى (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف هيئة القتل بأن يختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها زهوقا لكن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن وإلا كلواط وسحر فالسيف (وإذا ذبحتم) بهيمة تحل (فأحسنوا الذبحة) بالكسر بالرفق بها فلا يصرعها بعنف ولا يجرها لتذبح بعنف وبإحداد الآلة وتوجيهها للقبلة والتسمية والإجهاز ونية التقرب بذبحها وإراحتها وتركها إلى أن تبرد وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا ولا يذبحها بحضرة أخرى سيما بنتها أو أمها (وليحد أحدكم) أي كل ذابح (شفرته) بالفتح وجوبا في الكالة وندبا في غيرها وهي السكين وشفرتها حدها فسميت به تسمية للشيء باسم جزئه وينبغي مواراتها منها حال حدها للأمر به في خبر (وليرح) بضم أوله من أراح إذا حصلت له راحة (ذبيحته) بسقيها عند الذبح ومر السكين عليها بقوة ليسرع موتها فترتاح وبالإمهال بسلخها حتى تبرد وعطف ذا على ما قبله لبيان فائدته إذ الذبح بآلة كالة يعذبها فراحتها ذبحها بآلة ماضية والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الإسمية قالوا وهذا الحديث من قواعد الدين
(حم م عد عن شداد بن أوس) الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان ممن أوتي العلم والحكمة(2/245)
1762 - (إن الله تعالى كتب) أي قضى وقدر يقال هذا كتاب الله أي قدره ومنه {كتب عليكم الصيام} {كتب عليكم القصاص} . قال الزمخشري: سألني بعض المغاربة ونحن بالطواف عن القدر فقلت هو في السماء مكتوب في الأرض مكسوب (على ابن آدم حظه من الزنا) أي خلق له الحواس التي بها يجد لذة الزنا وأعطاه القوى التي بها يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات فمن للبيان وهو مع مجروره حال من حظه ذكره القاضي (أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم أي أصاب ذلك ووصل إليه البتة ولا لنفي الجنس قال الجوهري: حال كونه تغير وحال عن العهد انقلب وحال الشيء بيننا حجز والمحالة الحيلة يقال المرء يعجز لا محالة وقولهم لا محالة أي لا بد قال البيضاوي: وهذا استئناف جواب عمن قال هل يخلص ابن آدم عنه قال ابن رسلان كلما سبق في العلم لا بد أن يدركه لا يستطيع دفعه لكن يلام على صدوره منه لتمكنه من التمسك بالطاعة وبه تندفع شبه القدرية والجبرية وقال الطيبي: الجملة الثانية مترتبة على الأولى بلا حرف الترتيب تعويضا لاستفادته إلى ذهن السامع والتقدير كتب الله ذلك وما كتبه لا بد أن يقع (فزنا العين النظر) إلى ما لا يحل من نحو أجنبية وأمرد (وزنا اللسان المنطق) وفي رواية النطق بدون ميم أي بما لا يجوز وإطلاق الزنا على ما بالعين واللسان مجاز لأن كل ذلك من مقدماته (والنفس تمنى) أي تتمنى فحذف إحدى التاءين أي وزنا النفس تمنيها (وتشتهي) أي اشتهاؤها إياه (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أي إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء وإن ترك ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مكذبا ذكره القاضي وقال الطيبي: سمى هذه الأشياء باسم الزنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدق بالإتيان لما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه والترك قال الزمخشري في قوله كذب عليك الحج كذب كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم وهو في معنى الأمر يريد أن كذب هنا تمثيل لإرادة تلك ما سولت لك نفسك من التواني في الحج وكذا ما نحن فيه من الاستعارة التمثيلية شبه صورة حالة الإنسان من إرساله الطرف الذي هو رائد القلب إلى النظر إلى المحارم وإصغائه الأذن إلى السماع ثم انبعاث القلب إلى الإشتهاء والتمني ثم استدعائه منه فصار ما يشتهى وتمنى باستعمال الرجلين في المشي واليدين في البطش والفرج في تحقيق مشتهاه فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه وإذا امتنع عن ذلك خيبة فيه ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في جانب المشبه به من التصديق والتكذيب ليكون [ص:247] قرينة للتمثيل وقد نظر المحاسبي رضي الله عنه إلى هذا حيث قال:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا. . . لقلبك يوما تعنك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر. . . عليه ولا عن بعضه أنت صابر
قال الطيبي: والإسناد في قوله والفرج يصدقه أو يكذبه مجازي لأن الحقيقي هو أن يسند إلى الإنسان فأسنده إلى الفرج لأنه مصدر الفعل والسبب الأقوى وهذا ليس على عمومه لعصمة الخواص وقد يحتمل بقائه على عمومه بتكلف وبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفرج زنبه بزنا اللسان بالكلام على زنا الفم بالتقبيل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل ومكذبا له إن لم يحققه فكان الفرج هو الموقع وفيه أن العبد لا يخلق فعل لنفسه لأنه قد يريد الزنا فلا يطاوعه الذكر ولو كان خالقا لفعله لم يعجز عما يريده مع استحكام الشهوة
(ق د ن عن أبي هريرة) قال ابن حجر ورواه أحمد والطبراني أيضا(2/246)
1763 - (إن الله تبارك) تعاظم (وتعالى) تنزه عما يليق بعلا كماله (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة بكتابتهما (ثم بين) الله تعالى (ذلك) للكتبة من الملائكة حتى عرفوه واستغنوا به عن استفساره في كل وقت كيف يكتبونه (فمن هم بحسنة) أي عقد عزمه عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله تعالى) للذي هم بها أي قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (عنده حسنة كاملة) لا نقص فيها وإن نشأت عن مجرد الهم والعندية للتشريف ومزيد الاعتناء سواء كان الترك لمانع أم لا قيل: ما لم يقصد الإعراض عنها جملة وإلا لم تكتب واطلاع الملك على فعل القلب بإطلاع الله تعالى أو بأن يخلق له علما يدرك به أو بأن يجد للهم بها ريحا طيبة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم أي الحسنة (كتبها الله) أي قدر أو أمر (عنده) تشريفا لصاحبها (عشر حسنات) لأنه أخرجها من الهم إلى ديوان العمل و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبع مئة ضعف) بكسر الضاد أي مثل وقيل مثلين (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع والله يضاعف لمن يشاء قال في الكشاف: مضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل (وإن هم بسيئة فلم يعملها) بجوارحه ولا بقلبه (كتبها الله عنده) عندية تشريف (حسنة كاملة) ذكره لئلا يظن أن كونها مجرد هم ينقص ثوابها وفي خبر مسلم الكف عن الشر صدقة (فإن هم بها فعملها) بكسر الميم (كتبها الله تعالى) عليه (سيئة واحدة) لم يعتبر مجرد الهم في جانب السيئة واعتبره في جانب الحسنة تفضلا منه سبحانه واستثنى البعض الحرم المكي فتضاعف فيه وفيه (ولا يهلك على الله إلا هالك) أي من أصر على السيئة وأعرض عن الحسنات ولم ينفع فيه الآيات والنذر فهو غير معذور فهو هالك أو من حتم هلاكه وسدت عليه سبل الهدى أو من غلبت آحاده وهو السيئات عشراته وهي الحسنات المضاعفة إلى أضعاف كثيرة وأعظم بمضمون هذا الحديث من منة إذ لولاه لما دخل أحد الجنة لغلبة السيئات على الحسنات
(ق عن ابن عباس) ظاهره أن كلا من الشيخين روى الكل ولا كذلك بل الجملة الأخيرة رواها مسلم فقط دون البخاري كما نبه عليه ابن حجر(2/247)
1764 - (إن الله كتب كتابا) أي أجرى [ص:248] القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به إرادته أزلا إثبات الكاتب على ما في ذهنه بقلمه على اللوح أو قدر وعين مقادير تعيينا بتا يستحيل خلافه (قبل أن يخلق السماوات والأرض) جمع السماوات دون الأرض وهن مثلهن لأن طبقاتها بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها (بألفي عام) كنى به عن طول المدة وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدد فلا ينافي عدم تحقيق الأعوام قبل السماء والأعوام مجرد الكثرة وعدم النهاية مجازا أو العدد من غير حصر فلا ينافي الزيادة ثم الظاهر أن المراد إحداث اللفظ أو ما يدل عليه في علم ملك أو في اللوح أو في كتاب كما قيل {في صحف مكرمة} الآية ولا إشكال وإن أراد الأمر الأزلي فتوجيهه أن المراد بالقبلية مجرد التقدم ومن البين تقدم الأزلي على حدوث كل حادث وما قيل إن الأزلي لا يتصف بالقبلية فهو بالمعنى المذكور ممنوع فإنه لا يقتضي وقوع المقدم في الزمن كتقدم الزمن الماضي على المستقبل فالمعنى أنه تحقق دون خلق السماء وقد تخلل بينهما مقدار كثير فتأمله ليظهر به اندفاع ما لكثيرين هنا (وهو عند) وفي رواية وهو عنده فوق (العرش) أي علمه عند العرش والمكتوب عنده فوق عرشه تنبيها على تعظيم الأمر وقيل لله ما في السماوات وعلى ما مر وجلالة قدر ذلك الكتاب فإن اللوح المحفوظ تحت العرش والكتاب المشتمل على الحكم فوق العرش قال القاضي: ولعل السبب فيه أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك وقضية هذا العالم وهو عالم العدل المشار إليه بقوله بالعدل قامت السماوات والأرض إثابة المطيع وعقاب العاصي حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة لكثرة موجبه ومقتضيه كما قال تعالى {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} الآية. وقبول إثابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه فيه كما قال {وإن ربك لذو مغفرة للناس} أمرا خارجا عنه مترقيا منه إلى عالم العقل الذي هو فوق العرش وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة انتهى وقيل كونه عند العرش عبارة عن كونه مستورا عن جميع الخلق مرفوعا عن حيز الإدراك (وأنه أنزل منه) أي من جملة الكتاب المذكور (الآيتين) اللتين (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلها خاتمتهما وأولهما {آمن الرسول} إلى آخرها وقيل {لله ما في السماوات} على ما مر (ولا يقرآن في دار) يعني مكان دارا أو خلوة أو مسجد أو مدرسة أو غيرها (ثلاث ليال) في كل ليلة منها وكذا في ثلاث أيام فيما يظهر: إنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانشار الشياطين (فيقر بها شيطان) فضلا عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى ومن التقرير المار عرف أنه لا تعارض بين قوله هنا ألفي عام وفي خبر ابن عمر وخمسين ألف سنة على أن اختلاف الزمنين في إثبات الأمر لا يقتضي التناقض لجواز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة بل تدريجيا وفائدة التوقيت تعريفه إيانا فضل الآيتين إذ سبق الشيء بالذكر على غيره يدل على اختصاصه بفضيلته ذكره القاضي تلخيصا من كلام التوربشتي قال الطيبي: وخلاصة ما قرراه: الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ومن جملتها كتابة القرآن ثم خلق الله خلقا من الملائكة وغيرهم فأظهر كتابة القرآن عليهم قبل ان يخلق السماوات والأرض بألفي عام وخص من ذلك هاتين الآيتين وأنزلهما مختوما بهما أولى الزهراوين ونظير الكتابة بمعنى الإظهار على الملائكة قراءة طه ويس عليهم قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام تنبيها على جلالتهما وشرفهما قال: ويجوز أن لا يراد بالزمانين التجريد بل نفس السبق فالمبالغة فيه للشرف والله أعلم بحقيقة الحال قال: والفاء في قوله فيقربها للتعقيب أي لا يوجد ولا يحصل قراءتهما فيتعقبهما قربان الشيطان فالنفي مسلط على المجموع
(ت ن ك عن النعمان بن بشير) وفيه أشعث بن عبد الرحمن قال في الكاشف أبو زرعة وغيره غير قوي وأورده في الضعفاء وقال قال النسائي ليس بقوي ورواه الطبراني قال الهيثمي رجاله ثقات(2/247)
[ص:249] 1765 - (إن الله تعالى كتب في أم الكتاب) اللوح المحفوظ أو علمه الأزلي (قبل أن يخلق السماوات والأرض: إنني أنا الرحمن) الرحيم أي الموصوف بكمال الإنعام بحلائل الالآء ودقائقها (خلقت الرحم) أي قدرتها (وشققت لها اسما من اسمي) لأن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن فهما من أصل واحد وهو الرحمة أو يقال الرحم مشتقة من الرحمة المشتق منها اسم الرحمن (فمن وصلها وصلته) أي أحسنت إليه وأنعمت عليه (ومن قطعها قطعته) أي أعرضت عنه وأبعدته عن رحمتي ولم أزد له في عمره كما سيجيء في خبر إن صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار قال الحكيم: خلق الله الرحم بيده وشق لها اسما من اسمه ثم أرسل حواشي قميص الرحمة من العرش ليتعلق الخلق بها فمن وصل الرحم فقد تعلق بحاشية القميص ومن قطعها قصرت يده عن حواشي القميص فانقطع عن رحمة الله ولم يبق له إلا رحمة التوحيد. <تنبيه> الرحم ضربان رحم قرابة وولادة ورحم إيمان وإسلام ورحم القرابة نوعان رحم يرث ورحم لا يرث ورحم تجب نفقته بالحكم كالأصول والفروع ورحم لا تجب نفقته بالحكم كالحواشي بل بالصلة والإحسان والصلة تكون بالمال وتكون بالزيارة والإحسان وبالصفح في الأقوال وبالعون في الأفعال وبالألفة بالمحبة والإجتماع وغير ذلك من معاني التواصل هذا في الدنيا وأما فيما بعد الموت فبالاستغفار لهم والدعاء ونحو ذلك ومن الصلة للرحمين تعليمهم ما يجهلون وتنبيههم على ما ينفعهم ويضرهم
(طب) وكذا الأوسط (عن جرير) قال الزين العراقي: وفيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع وهو متروك وتبعه الهيثمي(2/249)
1766 - (إن الله تعالى كتب) أي فرض (عليكم السعي) بين الصفا والمروة في النسك فمن لم يسع لم يصح حجه عند الثلاثة وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه واجب لا ركن فيجير بدم ويصح حجه (فاسعوا) أي اقطعوا المسافة بينهما بالمرور كما يرشد إليه قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية دن إذا نزل من الصفا يمشي فليس المراد بالسعي العدو كما وهم وأصل السعي الإسراع في المشي حسا أو معنى ذكره الحرالي
(طب عن ابن عباس) قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام حج عن الرمل فذكره قال الهيثمي: وفيه الفضل بن صدفة وهو ضعيف انتهى وفي الباب حديث صحيح وهو ما رواه جمع منهم ابن المبارك من حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية عن نسوة من بني عبد الدار قلن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد إلى السعي حتى إذا بلغ زقاق بني فلان استقبل الناس فقال يا أيها الناس اسعوا إن الله قد كتب عليكم السعي قال الذهبي في التنقيح: إسناده صحيح ورواه أيضا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لكن فيه عندهما عبد الله بن المؤمل فيه ضعف قال ابن حجر لكن إذا انضمت إلى رواية الطبراني تقوت(2/249)
1767 - (إن الله كتب الغيرة) بفتح الغين أي الحمية والأنفة (على النساء) أي حكم بوجود الغيرة فيهن على رجالهن ومن ضرائرهن فليصبرن على جهاد أنفسهن عند ثورانها كما يصبر الرجال على جهاد الأعداء فإن لم تجاهد إحداهن نفسها وشيطانها ذهب كمال دينها وظفر بها شيطانها بتسخطها وظلمها زوجها فضرتها وربما جنت أو أهلكت نفسها فقد قالت امرأة لعمر زنيت فخذني فقال زوجها: ما فعلت بل حملتها الغيرة (والجهاد على الرجال فمن صبر) القياس [ص:250] صبرت لكن ذكره رعاية للفظ من (منهن إيمانا واحتسابا) أي لوجه الله تعالى وطلبا للثواب (كان لها مثل أجر الشهيد) أي إنسان قتل في معركة الكفار بسبب القتال فهذه تقابل وتجبر تلك النقيصة وهي عدم قيامهن بالجهاد الذي كتب على الرجال وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغير بما يصدر عنها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند قال ابن حجر رحمه الله لا بأس به عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه. وخرج بقوله من صبر من لم يصبر فإن أظهرت الضجر والسخط فلا أجر لها أصلا وبقوله إيمانا واحتسابا من صبرت ولم تحتسب صبرها فلا يكون لها أجر شهيد لكن لها أجر في الجملة
(طب) والبزار كلاهما من حديث عبيد بن الصباح عن كامل عن أبي العلاء عن الحكم عن إبراهيم بن علقمة (عن ابن مسعود) قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت امرأة عريانة فقام إليها رجل فألقى عليها ثوبا وضمها إليه فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسبها غيرى ثم ذكره قال البزار لا نعلمه إلا من هذا الوجه وعبيد لا بأس به وكامل كوفي مشهور على أنه لم يشاركه أحد فيه انتهى وقال الهيثمي: فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم ووثقه البزار وبقية رجاله ثقات وقال في الميزان عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وساق هذا الخبر من مناكيره وفي اللسان أورده العقيلي في الضعفاء ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به اه. لكنه في الفتح عزاه للبزار وحده ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم هكذا قال(2/249)
1768 - (إن الله تعالى كره لكم ثلاثا) أي فعل خصال ثلاث أحدهما اللغو (عند) قراءة القرآن أي التكلم بالمطروح من القول عند تلاوته بل ينبغي الإنصات والاستماع {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وخرج باللغو الكلام لفائدة دينية كتفسير غريبه والبحث في نحو شيء من أحكامه (و) ثانيها (رفع الصوت في الدعاء) فإن من تدعونه يعلم السر وأخفى {وهو معكم أينما كنتم} وفي رواية عند الدعاء أي يسن الإنصات عند دعاء الداعي وعدم اللغو حالتئذ حيث كان ذلك الدعاء مشروعا (و) ثالثها (التخصر في الصلاة) أي وضع اليد على الخاصرة حال الصلاة فيكره تزينها ودعوى أن المراد يتوكأ على عصا فيها أو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين لا يكملها في فريضة بعيد من السياق ولو كثر اللغو حتى أدى إلى التخليط على القارىء أو كان الرفع يؤذي نحو مصل أو كان التخصر كبرا وإعجابا كانت الكراهة للتحريم
(عب عن) أبي نصر (يحيى بن أبي كثير) ضد القليل الطائي مولاهم اليمامي لإمام أحد الأعلام واسم أبيه صالح أو يسار أو دينار من كبار التابعين وعبادهم (مرسلا) قضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية الإرسال مع ما فيها من الإعلال وهو ذهول فقد خرجه الديلمي من حديث جابر مرفوعا(2/250)
1769 - (إن الله تعالى كره لكم ستا) من الخصال أي فعلها أولها: (العبث في الصلاة) أي اللعب أي عمل ما لا فائدة فيه (و) ثانيها: (المن في الصدقة) فإنه محبط لثوابها {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن} (و) ثالثها: (الرفث في الصيام) أي الكلام الفاحش فيه (و) رابعها: (الضحك عند القبور) فإنه يدل على قسوة القلب الموجبة للبعد عن الرب بل اللائق إكثار البكاء والقراءة والدعاء (و) خامسها: (دخول المساجد) عبر بصيغة الجمع ليفيد عدم اختصاص النهي ببعضها كمسجده الشريف [ص:251] أو الحرم المكي أو الأقصى (وأنتم جنب) يعني دخولها بغير مكث فإنه مكروه تنزيها أو خلاف الأولى ومع اللبث حرام (و) سادسها: (إدخال العيون البيوت) عمدا (بغير إذن) من أهلها يعني نظر الأجنبي إلى من في داخل بيت غيره بغير إذنه فإنه يكره تحريما ومن ثم جاز لرب الدار أن يخذقه ويفقأ عينه أي إن لم يندفع إلا بذلك
(ص) وكذا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار الحمصي (عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) قال ابن حجر وهو في مسند الشهاب من هذا الوجه وقال ابن طاهر عبد الله بن دينار هو الحمصي وليس المدني وهذا منقطع(2/250)
1770 - (إن الله تعالى كره لكم البيان كل البيان) أي التعمق والمبالغة في إظهار الفصاحة في النطق وتكلف البلاغة في أساليب الكلام لأنه يجر إلى أن يرى الواحد منا لنفسه فضلا على من تقدمه في المقال ومزية عليه في العلم أو الدرجة عند الله لفضل خص به عنهم فيحتقر من تقدمه ولا يعلم المسكين أن قلة كلام السلف إنما كان ورعا وخشية لله ولو أرادوا الكلام وإطالته لما عجزوا غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله تلاشت عقولهم وانكسرت قلوبهم وقصرت ألسنتهم والبيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة في المعنى <تنبيه> قال الزمخشري: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم والذكاء وأصله الكشف والظهور
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه عفير بن معدان وهو ضعيف قال الزين العراقي: ورواه ابن السني في رياض المتعلمين عن أبي أمامة بسند ضعيف(2/251)
1771 - (إن الله تعالى كريم) أي جواد لا ينفذ عطاؤه (يحب الكرم) لأنه من صفاته وهو يحب من تخلق بشيء منها كما سبق (ويحب معالي الأخلاق) من الحلم ونحوه من كل خلق فاضل لما ذكر (ويكره) لفظ رواية أبي نعيم ويبغض (سفسافها) بفتح أوله المهمل أي رديئها. قال ابن عبد السلام: الصفات الإلهية ضربان: أحدهما يختص به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكون والثاني يمكن التخلق به وهو ضربان: أحدهما لا يجوز التخلق بها كالعظمة والكبرياء والثاني ورد الشرع بالتخلق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء فالتخلق به بقدر الإمكان مرض للرحمن مرغم للشيطان. <تنبيه> قال في الصحاح: السفساف الرديء من الشيء كله والأمر الحفير وقال الزمخشري: تقول العرب شعر سفساف وكل عمل لم يحكمه عامله فقد سفسفه. وكل رجل مسفسف لئيم العطية ومن المجاز قولهم تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف
وسام جسيمات الأمور ولا تكن. . . مسفا إلى ما دق منهن دانيا
(طب حل ك عن سهل بن سعد) قال الحافظ العراقي بعدما عزاه لمن ذكر خلا أبي نعيم إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات(2/251)
1772 - (إن الله تعالى لم يبعث نبيا ولا) استخلف (خليفة) فضلا عن غيرهما وفي رواية من خليفة كالأمراء فإنهم خلفاء الله على عباده (إلا وله بطانتان) تثنية بطانة بالكسر وليجة وهو الذي يعرفه الرجل بأسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب هنا كما شبه بالشعار في خبر: الأنصار شعار والناس دثار ذكره القاضي (بطانة تأمره بالمعروف) أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه وفي رواية بدل بالمعروف بالخير (وتنهاه عن المنكر) ما أنكره الشرع ونهى [ص:252] عن فعله قال ابن حجر: البطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والمتعدد (وبطانة لا تألوه خبالا) أي لا تقصر في إفساد أمره وهو اقتباس من قوله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} واتستشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي لأنه وإن جاز عقلا أن يكون في من يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور من أن يصغي إليه ولا يعمل بقوله لعصمته وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك وهو قوله (ومن يوق بطانة السوء) بأن يعصمه الله تعالى منها (فقد وقى) أي وقي الشر كله فهذا هو منصب النبوة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يحصل لغيرهم بتوفيقه تعالى وهدايته وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وفيهم من يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء أخرى فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لظهوره وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال ابن التين وغيره يحتمل أن يريد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل الملك والشيطان ويحتمل النفس الأمارة واللوامة إذ لكل منهم قوة ملكية وقوة حيوانية والحمل على الأعم أتم لكن قد لا يكون للبعض إلا البعض وحينئذ فعلى الحاكم أن لا يبادر بما تلقى إليه حاشيته حتى يبحث عنه وأن يتخذ لسره ثقة مأمونا فطنا عاقلا لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبول قول غير موثوق به إذ كان هو حسن الظن فيلزمه التثبت والتدبر ويسأل الله الهداية والتبصر
(خد ت عن أبي هريرة) قال في الكبير صحيح غريب وفي الباب غيره أيضا وهو في البخاري بزيادة ونقص(2/251)
1773 - (إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم) من الأمراض القلبية والنفسية أو الشفاء الكامل المأمون الغائلة (فيما حرم) بالبناء للفاعل ويجوز للمفعول (عليكم) لأنه سبحانه وتعالى لم يحرمه إلا لخيثه ضنا بعباده وحمية لهم وصيانة عن التلطخ بدنسه وما حرم عليهم شيئا إلا عوضهم خيرا منه فعدولهم عما عوضه لهم إلى ما منعهم منه يوجب حرمان نفعه ومن تأمل ذلك هان عليه ترك المحرم المؤذي واعتاض عنه النافع المجدي والمحرم وإن أثر في إزالة المرض لكنه يعقب بخبثه سقما قلبيا أعظم منه فالمتداوي به ساع في إزالة سقم البدن بسقم القلب وبه علم أنه لا تدافع بين الحديث وآية {منافع للناس} ومحل المنافع المنصوص عليها فيها على منفعة الإتعاظ فإن السكران هو والكلب واحد يلحس في ذا مرة وذا مرة تكلف بارد
(طب) وكذا أبو يعلى كما في الدرر للمصنف (عن أم سلمة) قالت: نبذت نبيذا في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال ما هذا قلت اشتكت ابنة لي فصنعت لها فذكره قال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان والبيهقي باللفظ المذكور قال في المهذب وإسناده صويلح انتهى وقال ابن حجر رحمه الله ذكره ابن خالد تعليقا عن ابن مسعود قال وقد أوردته في تعليق التعليق من طرق صحيحة(2/252)
1774 - (إن الله تعالى لم يفرض الزكاة) أي لم يوجبها من الفرض وهو الجز في الشيء لينزل فيه ما يسد فريضته حسا أو معنى ذكره الحرالي (إلا ليطيب) بالتشديد ويخفف أي بإفرادها عن المال وصرفها إلى مستحقيها (ما بقي) بعد إخراج الفرض (من أموالكم) أي يخلصها من الشبه والرذائل فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل وهذا مأخوذ من قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ومعنى التطيب أن أداء الزكاة إما أن يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء وإما أن يزكي من تبعة ما لحقه به من إثم منع حق الله (وإنما فرض المواريث) زاد ابن أبي حاتم [ص:253] من أموالكم (لتكون) في رواية لتبقى (لمن بعدكم) من الورثة وقوله وإنما فرض إلخ معطوف على قوله إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ولم يفرض المواريث إلا لتكون لمن بعدكم والمعنى لو كان مطلق الجمع وضبطه محظورا لما افترض الله الزكاة ولا الميراث (ألا) حرف تنبيه (أخبركم بخير ما يكنز) بفتح أوله (المرء) فاعل يكنز (المرأة الصالحة) أي الجميلة العفيفة الدينة فإنها خير ما يكنز وادخارها أنفع من كنز الذهب والفضة قال الطيبي: المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف والجملة الشرطية بيان (إذا نظر إليها سرته) أي أعجبته لأنه أدعى لجماعها فيكون سببا لصون فرجها ومجيء ولد صالح (فإذا أمرها أطاعته) في غير معصية (وإذا غاب عنها) في سفر أو حضر (حفظته) في نفسها وماله كما في خبر آخر ولابن ماجه وإن أقسم عليها أبرته قال الطيبي: ووجه المناسبة بين المال والمرأة تصور الانتفاع من كل منهما وأنهما نوعا هذا الجنس ولذلك استثنى الله من أتى الله بقلب سليم من قوله {يوم لا ينفع مال ولا بنون} وقوله إذا غاب عنها حفظته مقابل لقوله إذا نظر إليها سرته وقوله إذا أمرها أطاعته دلالة على حسن خلقها وسبب الحديث أنه لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على المسلمين فقال عمر: أنا أفرج عنكم فقال: يا نبي الله كبر على أصحابك هذه الآية فقال: إن الله ما فرض الزكاة إلا لتتطيب ما بقي من أموالكم فكبر عمر رضي الله عنه فقال ألا أخبركم إلى آخره قال القاضي: لما بين لهم أنه لا حرج عليهم في كنز المال ما داموا يؤدون زكاته ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهو المرأة الصالحة الجميلة فإن الذهب لا ينفع الرجل ولا يغنيه إلى إن فر عنه والمرأة ما دامت معه رفيقته ينظر إليها فتسره ويقضي عند الحاجة منها وطره ويشاورها فيما يعن له فتحفظ سره ويستمد منها في حوائجه فتطيع أمره وإذا غاب عنها تحامي ماله وتراعي عياله ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذره وتربي زرعه فيحصل بسببها ولد يكون له وزيرا في حياته وخليفة بعد وفاته لكفى
(د ك هق) كلهم في الزكاة (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرطهما وأقر الذهبي في التلخيص في الزكاة ورده في التهذيب في التفسير فقال عثمان القطان أي أحد رجاله لا أعرفه والخبر عجيب انتهى وقال فيه المهذب فيه عثمان أبو اليقظان ضعفوه انتهى وهذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه(2/252)
1775 - (إن الله) أي اعلم يا من جاءنا يطلب من الصدقة إن الله قد اعتنى بأمر الصدقة وتولى قسمتها بنفسه (لم يرض بحكم نبي) مرسل (ولا غيره) من ملك مقرب أو جهبذ مجتهد (في الصدقات) أي في قسمتها على مستحقيها (حتى حكم فيها هو) أي أنزلها مقسومة في كتابه واضحة جليلة قال الطيبي: وقوله هو تأكيد إذ ليس هنا صفة جرت على غير من هي له وحتى بمعنى إلى (فجزأها ثمانية أجزاء) مذكورة في قوله {إنما الصدقات} إلى آخر الآية وتمام الحديث فإن كست من تلك الأجزاء أعطيتك قال الحرالي: وإذا تولى الله سبحانه إدانة حكم أنهاه إلى الغاية في الإفصاح وفيه رد على المزني منا في صرفه خمسها لمن له خمس الغنيمة ورد على أبي حنيفة رضي الله عنه والثوري والحسن رضي الله عنهما في صرفها لواحد ومالك رضي الله عنه في دفعها لأكثرهم حاجة وفيه إشارة إلى أن الزكاة على هذا النمط من خصائص هذه الأمة وأنها علية الشأن عند الله لكونه تولى شرع قسمتها بنفسه ولم يكله إلى غيره وناهيك به شرفا وقد ورد مثل هذا الخبر للمواريث في خبر ضعفه ابن الصلاح بلفظه إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب ولكن قسمها بنفسه
(د) في الزكاة (عن زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد المهملة صحابي نزل من مصر فقال قال رجل يا رسول الله أعطني من هذه الصدقة فذكره ثم قال فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك وفيه كما قال الذهبي في المهذب عبد الرحمن بن زياد وهو الإفريقي ضعيف انتهى وكذا قال المناوي ثم هذا الحديث لم أره في نسخة المصنف التي بخطه(2/253)
[ص:254] 1776 - (إن الله لم يبعثني معنتا) أي شقاء على عباده (ولا متعنتا) بتشديد النون مكسورة أي طالب للعنت وهو العسر والمشقة (ولكن بعثني معلما) بكسر اللام مشددة (ميسرا) من اليسر قال الحرالي: وهو حصول الشيء عفوا بلا كلفة وهذا قاله لعائشة رضي الله عنها لما أمره الله بتخيير نسائه فبدأ بها فخيرها فاختارته وقال يا رسول الله لا تقل إني اخترتك <تنبيه> قال ابن عربي رضي الله تعالى عنه: لما كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة أو النار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطي علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة من غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلها وإن كانوا أذكياء وعلماء ألا ترى هذه الأمة ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجما ولم ينطلق عليه اسم الترجمة؟ فعلمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن لهم
(م عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي في السنن وغيره(2/254)
1777 - (إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا) أي في الرزق الذي رزقناه (أن نكسو الحجارة واللبن) بكسر الباء (والطين) قاله لعائشة رضي الله عنها وقد رآها أخذت غطاء فسترته على الباب فهتكه أو قطعه وفهم منه كراهة ستر نحو باب وجدار لأنه من السرف وفضول زهرة الدنيا التي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يمد عينيه إليها بقوله {ولا تمدن عينيك} الآية والكراهة للتنزيه عند جمهور الشافعية لا للتحريم إذا كان غير حرير خلافا لبعضهم وليس في قوله لم يأمرنا بذلك ما يقتضي التحريم إذ هو إنما يبغي الوجوب والندب
(م د) كلاهما في اللباس (عن عائشة) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد خرجه البخاري أيضا في اللباس وهو في مسلم مطولا ولفظه عن زيد بن خالد عن أبي طلحة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل قال أي زيد فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك قالت لا ولكن سأحدثكم بما رأيت رأيته خرج في غزاة فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال إن الله إلخ(2/254)
1778 - (إن الله تعالى لم يجعل لمسخ) أي الآدمي ممسوخ قردا أو خنزيرا (نسلا ولا عقبا) يحتمل أنه لا يولد له أصلا أو يولد له لكن ينقرض في حياته يعني فليس هؤلاء القردة والخنازير من أعقاب من مسخ من بني إسرائيل كما توهمه بعض الناس ثم استظهر على دفعه بقوله (وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك) أي قبل مسخ من مسخ من الإسرائيليين فأنى لكم في أن هذه القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الممسوخ؟ هذا رجم بالغيب قال السهيلي: وفي الحديث رد على زعم ابن قتيبة أن أل في قوله تعالى {وجعل منهم القردة والخنازير} يدل على أن القردة والخنازير من نسل أولئك الذين مسخوا وقد أنكر بعض الحكماء المسخ وقال إن الإنسان هو الهيكل المشاهد والبينة المحسوسة فإذا بطل وتعلق في تلك الأجساد تركيب للقرد وشكله كان ذلك إعداما للإنسان وإيجادا للقرد ويرجع حاصل المسخ على هذا إلى أنه تعالى أعدم الإعراض التي باعتبارها كانت قردا فهذا يكون إعداما وإيجادا لا مسخا الثاني لو جوزنا ذلك لما أمنا في كل ما نراه قردا أو كلما أنه كان إنسانا عاقلا فيفضي إلى الشك في المشاهدات وأجيب [ص:255] عن الأول بأن الإنسان ليس هو تمام الهيكل لأن هذا الإنسان قيد يصير سمينا بعد أن كان هزيلا وبالعكس والأجزاء متبدلة والإنسان المعنى هو الذي كان موجودا والثاني غير الزائل فالإنسان أمر وراء هذا الهيكل المحسوس وذلك الأمر إما أن يكون جسيما ساريا في البدن أو حالا في بعض جوانبه كالقلب أو الدماغ أو موجود مجرد وعلى كل تقدير فلا امتناع في نفاذ ذلك السر مع تطرق المسخ إلى هذا الهيكل وعند الثاني بأن الأمان يحصل بإجماع الأمة فثبت بما قلنا جواز المسخ <تنبيه> قال ابن العربي رضي الله عنه: قوله الممسوخ لا ينسل دعوى وهذا أمر لا يعلم بالفعل وإنما طريق معرفته الشرع وليس في ذلك أثر يعول عليه انتهى وهو غفول عجاب مع ثبوته في أصح كتاب ثم رأيت الحافظ الزين العراقي قال قال ابن العربي قولهم الممسوخ لا ينسل دعوى غلط منه مع ثبوته في مسلم <فائدة> قال الحافظ الزين العراقي: لو تحقق أن آدميا مسخ في صورة ما يؤكل لحمه فهل يحرم أو يحل؟ لم أر لأصحابنا فيه كلاما وقد قال ابن العربي بحله لأن كونه آدميا زال انتهى. والحديث بإطلاقه يعارض هذا الحديث الآتي فقدت أمة من الأمم قال الجوهري والمسخ أي أصله تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها
(حم م عن ابن مسعود) قال قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك لقد سأت لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر شيء منه بعد حله ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب النار أو عذاب في القبر كان خيرا فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ فقال إن الله إلخ(2/254)
1779 - (إن الله تعالى لم يجعلني لحانا) بالتشديد أي كثير الحن في الكلام بل لساني لسان عربي مبين مستقيم وصيغة المبالغة هنا ليست على بابها والمراد نفي اللحن مطلقا وإن قل (اختار لي خير الكلام كتابه القرآن) ومن كتابه القرآن كيف يلحن لا تنقضي آياته ولا تتناهى على مر الزمان معجزاته قل أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء ورفعوا رؤوسهم من بدائعه وصنائعه تعجبا فمن القرآن خلقه ولسانه كيف يلحن
(الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب له (عن أبي هريرة) قال: قلنا يا رسول الله ما رأينا أفصح منك فذكره وقضية كلام المصنف أنه لم يقف عليه لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور عن أبي هريرة المذكور(2/255)
1780 - (إن الله لم يخلق خلقا هو أبغض إليه من الدنيا) وإنما أسكن فيها عباده ليبلوهم أيهم أحسن عملا (وما نظر إليها) نظر رضى (منذ خلقها بغضا لها) كذا هو بخط المصنف وذلك لأن أبغض الخلق إلى الله من آذى أولياءه وشغل أحبابه وصرف وجوه عباده عنه وحال بينهم وبين السير إليه والإقبال عليه والدنيا مبغوضة لأوليائه شاغلة لهم عنه فصارت بغيضة له لخداعها وغرورها فهي فتنة ومحنة حتى لكبار الأولياء وخواص الأصفياء لكن الله ينصرهم ويظفرهم وقصد الخبر التنبيه على أنه لا ينبغي طلب الدنيا إلا لضرورة ولا يتناول منها إلا تناول المضطر من الميتة إذ هي سم قاتل فالعاقل يطلب منها قدر ما يصان الوجه به على تكره منها لكونها بغيضة لله وعلى توق من سمها وحذر من غدرها وغرورها
(ك في التاريخ) المشهور قال التاج السبكي ولا نظير له (عن أبي هريرة) وفيه داود بن المحبر قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان يضع الحديث على الثقات والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي متروك ورواه البيهقي في الشعب مرسلا(2/255)
[ص:256] 1781 - (إن الله تعالى لم يضع) أي ينزل (داء إلا وضع له شفاء) فإنه لا شيء من المخلوقات إلا وله ضد فكل داء له ضد من الدواء يعالج به قال القرطبي رحمه الله: هذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر عن الصادق البشير عن الخالق القدير {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه والداء والدواء كلاهما بفتح الدال والمد وحكى كسر دال الدواء (فعليكم بألبان البقر) أي الزموا تناولها (فإنها ترم) بفتح المثناة وبضم الراء (من كل الشجر) أي تجمع منه وتأكله وفي الأشجار كغيرها من النبات منافع لا تحصى منها ما علمه الأطباء ومنها ما استأثر الله بعلمه واللبن يتولد منها ففيه بعض تلك المنافع فربما صادف الداء الدواء والمستعمل لا يشعر
(حم عن طارق) بالقاف (ابن شهاب) بن عبد شمس البجلي صحابي يعد في الكوفيين له(2/256)
1782 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم) أي الكبر فإنه لا دواء له البتة قال ابن حجر رحمه الله: استثنى في الحديث الآتي الموت وهنا الهرم فكأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة أو القربة إلى الموت وإفضائه إليه ويحتمل أنه استثناء منقطع والتقدير لكن الهرم لا دواء له (فعليكم بألبان البقر) أي الزموها (فإنها ترم من كل الشجر) قد تضمن هذا الخبر وما قبله وبعده إثبات الأسباب والمسببات وصحة علم الطب وجواز التطيب بل ندبه والرد على من أنكره من غلاة الصوفية قال الحكماء: والطبيب معذور إذا لم يدفع المقدور
(ك عن ابن مسعود) عبد الله ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما(2/256)
1783 - (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) فإذا شاء الله الشفاء يسر ذلك الدواء على مستعمله بواسطة أو دونها فيستعمله على وجهه وفي وقته فيبرأ وإذا أراد هلاكه أذهله عن دوائه وحجبه بمانع فهلك وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه وما أحسن قول من قال:
والناس يرمون الطبيب وإنما. . . غلط الطبيب إصابة المقدور
علق البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو الكمية نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمن صالحا للدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع منع تأثيره لم يحصل البرؤ ومتى تمت المصادفة حصل قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال:
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة. . . ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام مدته. . . حار الطبيب وخانته العقاقير [ص:257]
(إلا السام) بمهملة مخففا (وهو الموت) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه قال ابن القيم: والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم: وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل
(ك عن أبي سعيد) الخدري ونحوه النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان(2/256)
1784 - (إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها) بفتح المثناة تحت وشدة الطاء وكسر اللام كما في النهاية (منكم مطلع) مفتعل اسم مفعول أصله موضع الإطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض (1) والمراد أنه لم يحرم على البشر شيئا إلا وقد علم أنه سيطلع على وقوعه منهم (ألا) حرف تنبيه (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة بمهملة فجيم فزاي وهي محل العقدة من الإزار (أن تهافتوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تتهافتوا (في النار) من الهفت السقوط وأكثر ما يستعمل التهافت في الشر (كما بتهافت الفراش (2) والذباب) في نار الدنيا فالرسول بأوامره ونواهيه شبيه لمن يأخذ بعقدة الإزار التي هي مجمع الجذب والأخذ عادة لكونها أجمع شيء يقع الجذب به ومع ذلك تغلب الشهوة على النوع البشري ويسقط في الحرمة كما يتساقط الفراش والذباب في النار لتوهمه أنها نور {وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} قال الحرالي: والتحريم تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشيء لدناءته والحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه
(حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المسعودي وقد اختلط
_________
(1) ويحتمل أن مطلع اسم فاعل والمعنى لم يحرم الله على الآدميين حرمة إلا وقد علم الله أن بعضهم سيقع فيها
(2) جمع فراشة بالفتح دويبة تطير في الضوء وتوقع نفسها في النار أي أخاف عليكم إن ارتكبتم ما حرم الله عليكم أن تسقطوا في النار كما يسقط الفراش والذباب فيها فبالإمساك كناية عن الأمر والنهي(2/257)
1785 - (إن الله تعالى لم يكتب على الليل (1) صياما فمن صام تعنى) بفتح المثناة فوق والمهملة ونون مشددة أي أدخل نفسه في العناء أي المشقة (ولا أجر له) لمخالفته للمشروع فيحل فيه الفطر بل يجب لحرمة الوصال علينا وذلك لأن النهار معاش فكان الأكل فيه أكلا في وقت انتشار الخلق وتعاطي بعضهم من بعض فيأنف عنه المرتقب والليل سبات ووقت توف وانطماس فبدأ فيه من أمر الله ما احتجب ظهوره في النهار وكان المطعم بالليل طاعم من ربه الذي هو وقت تجليه ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فكان الطاعم في الليل إنما أطعمه الله وسقاه فلم يقدح ذلك في معنى صومه وإن ظهر وقوع صورته في حسه كالناسي بل المأذون له أشرف رتبة منه ذكره الحرالي وغيره
(ابن قانع) في معجم الصحابة (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) كلاهما من حديث عبادة بن سني (عن أبي سعد الخير) [ص:258] صوابه كما في التقريب وغيره سعد وأبو سعيد الخير بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية الأنماري صحابي شامي وقيل اسمه عامر بن سعد له حديث واحد وهو هذا قال في التقريب: ووهم وصحف من خلطه بأبي سعيد الحبراني وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد أعلا ولا أشهر ممن ذكره وهو عجيب فقد خرجه الترمذي في العلل عن أبي فروة الرهاوي عن معقل الكناني عن عبادة بن سني عن أبي سعد الخير أيضا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: ما أراه إلا مرسلا وما أرى عبادة سمع من أبي سعد قال البخاري: وأبو فروة صدوق لكن ابنه محمدا روى عنه مناكير ورواه ابن منده عن أبي سعد أيضا بلفظ إن الله لم يكتب عليكم صيام الليل فمن صام فليتعن ولا أجر له. قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه وفيه معقل الكناني قال ابن حجر: لا أعرفه إلا في هذا الحديث وقد ذكره البخاري وغيره ولم يعرفه إلا فيه
_________
(1) يحتمل أن الياء من على مشددة وأن صياما تمييز محول عن المفعول وأصله لم يكتب علي صيام الليل وإن كانت الرواية بعدم تشديد الياء فعلى بمعنى في(2/257)
1786 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها) فيه خذف وتقديره لما خلقها نظر إليها ثم أعرض عنها بقرينة الحديث الآتي عقبه (فلم ينظر إليها) بعد ذلك نظر رضى وإلا فهو ينظر إليها نظر تدبير ولولا ذلك لاضمحلت فلم يبق لها أثر ولا خبر وذلك (من هوانها عليه) أي حقارتها لما أنها قاطعة طريق الوصول إليه وعدوة لأوليائه لأنها تزينت لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه فإنها استدرجتهم بمكرها واقنتصتهم بشبكتها فوثقوا بها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها. قيل لحكيم: ما مثل الدنيا قال: هي أحقر من أن يكون لها مثل وقال بعضهم: من نام على محبة الدنيا ومات في تلك النومة حشر مع مبغوضي الله لم ينظر إليه منذ خلقه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلا) أرسل عن جمع كثير من الصحابة(2/258)
1787 - (إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها) بإنقضائها ولأوصافها الذميمة ولأفعالها القبيحة والنظر الثابت المذكور هنا هو نظر الخلق والتقدير والنظر المنفي فيما قبله نظر الرضى عنها (ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك (1) إلا في شرار خلقي) أي في قلوب شرارهم ومن ثم كان أكثر القرآن مشتمل على ذمها والتحذير منها وصرف الخلق عنها وتظافرت على ذلك الكتب الإلهية وتطابقت عليه الشرائع وتوامأت عليه الأمم حتى من أنكر البعث وأما أهل الثروة والغناء من الصدر الأول فلم تكن الدنيا في قلوبهم بل في أيديهم لصرفهم لها في وجوه الطاعات وعدم شغلهم بها عن الله <تنبيه> العارف تزداد محبته في الله سبحانه وتعالى كلما سلبه شيئا من أمور الدنيا والآخرة لأنه أوقفهم على حدود عبوديتهم ولا يتجاوز بهم إلى رؤية شركتهم له في شيء من الوجود فهم راضون عنه في حال سلبهم كرضاهم حال نسبة الأمور إليهم
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) بفتح الهمزة وسكون اللام وضم المثناة الفوقية أي كما أنزلت حبك والانهماك عليك إلخ ووجدت نسخة مضبوطة بالقلم لا أنزلنك بضم الهمزة وكسر الزاي وفتح اللام وشدة النون(2/258)
1788 - (إن الله تعالى لما) أي حين (خلق الخلق كتب بيده على نفسه) أي أنبت في علمه الأزلي قال القاضي: يعني أنه لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه فشبه حكم الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق [ص:259] إليه تغيير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكام أمر عقد عليه سجلا وحفظة ليكون حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف (إن رحمتي تغلب غضبي) أي غلبت عليه بكثرة آثارها (1) ألا ترى أن قسط الخلق من الرحمة أكثر من قسطهم من الغضب لنيلهم إياها بلا استحقاق وأن قلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ ولا يعجل بالعقوبة عليهم إذا عصوه بل يرزقهم ويقبل توبتهم وما تعلق بالرحمة والفضل أحب إليه من فعل ما تعلق بالغضب
(ت هـ عن أبي هريرة) وورد بمعناه من عدة طرق
_________
(1) المراد بالغلبة سعة الرحمة وشمولها للخلق كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادة عقوبة العاصي وإثابة المطيع وصفاته تعالى لا توصف بغلبة إحداهما للأخرى وإنما هو على سبيل المجاز للمبالغة وقال الطيبي الحديث على وزان قوله تعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله تعالى عفو كريم يتجاوز عنه بفضله وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته. . . لمخلف أيعادي ومنجز موعدي(2/258)
1789 - (إن الله تعالى ليؤيد) يقوي وينصر من الأيد وهو القوة كأنه يأخذ معه بيده في الشيء الذي يقويه فيه وذكر اليد مبالغة في تحقق الوقوع (الإسلام برجال ما هم من أهله) أي من أهل الدين لكونهم كفارا ومنافقين أو فجارا على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام على الحد الذي حده وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمنه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والأول هو الملائم للسبب الآتي وقد يقال الأقرب الثاني لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف بغير كذب فيه(2/259)
1790 - (إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين) أي الدين المحمدي بدليل قوله في الخبر الآتي إن الله يؤيد هذا الدين (بالرجل الفاجر) واللام للعهد والمعهود الرجل المذكور أو للجنس ولا يعارضه خبر مسلم الآتي إنا لا نستعين بمشرك لأنه خاص بذلك الوقت وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مشركا كما قال ابن المنير فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام أنه مطروح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وخلعه لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع جوره وهذا قاله لما رأى في غزوة حنين رجلا يدعي الإسلام يقاتل شديدا: هذا من أهل النار فجرح فقتل نفسه من شدة وجهه فذكره والمراد بالفاجر الفاسق إن كان الرجل مسلما حقيقة أو الكافر إن كان منافقا أي الإمام الجائر أو العالم الفاسق أو المجاهد في سبيل الله
(طب عن عمر بن نعمان بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وشدة الراء وبالنون المزني. قال ابن عبد البر: له صحبة وأبوه من أجلة الصحابة قتل النعمان شهيدا بوقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين ولما جاء نعيه خرج عمر فنعاه على المنبر وبكى وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول شنيع وسهو عجب فقد قال الحافظ العراقي إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقال المناوي: رواه البخاري في القدر وغزوة خيبر ورواه مسلم من حديث أبي هريرة مطولا قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حنينا فقال لرجل مما يدعي الإسلام: هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا فأصابته جراحة قيل يا رسول الله الرجل الذي قلت آنفا إنه من أهل النار قاتل قتالا [ص:260] شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم في النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينما هم كذلك إذ قيل إنه لم يمت لكن به جرحا شديدا فلما كان الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وممن رواه الترمذي في العلل عن أنس مرفوعا ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال حديث حسن حدثناه محمد بن المثنى. اه. فغزو المصنف الحديث للطبراني وحده لا يرتضيه المحدثون فضلا عمن يدعي الاجتهاد(2/259)
1791 - (إن الله تعالى لبتلي المؤمن) أي يختبره ويمتحنه (وما يبتليه إلا لكرامته عليه) لأن للابتلاء فوائد سنية وحكما ربانية منها ما لم يظهر إلا في الآخرة ومنها ما ظهر بالاستقراء كالنظر إلى قهر الربوبية والرجوع إلى ذل العبودية وأنه ليس لأحد مفر من القضاء ولا محيد عن القدر ولأن الله حرم الجنة على من في قلبه خبث فلا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين {وطبتم فادخلوها خالدين} فمن تطهر في الدنيا من البلايا والمصائب ولقي الله طاهرا من خبثه دخلها بغير تعوق ومن لم يتطهر منها فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت عارضية دخلها بعد تطهيره بالنار وفيه فضل الابتلاء ولا يلزم منه طلبه بل المأمور به طلب العفو والعافية كما في أخبار مر بعضها ويأتي بعضها (الحاكم) أبو أحمد (في) كتاب (الكنى) بضم الكاف وكذا ابن منده وابن أبي شيبة وقاسم بن أصبع كلهم من حديث عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة الضمري عن أبيه (عن) جده (أبي فاطمة الضمري) بصري روى عن كثير بن مرة وغيره قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يحب أن يصح ولا يسقم فابتدرنا فقلنا: نحن يا رسول الله فعرفنا في وجهه الكراهة فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمر الصيالة قالوا: لا قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب كفارات فوالذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء ما يبتليه إلا لكرامته عليه وعبد الله وأبوه قال أبو يعلى في مسنده لم أعرفها وأبو فاطمة يقال له الليثي ويقال له الدوسي الأزدي وقيل هما اثنان وقال الكمال بن أبي شريف تبعا لشيخه ابن حجر رحمه الله تعالى أبو فاطمة في الصحابة ثلاثة الأول الضمري الأزدي بصري روى عنه كثير بن مرة وغيره ولعله هذا والثاني الليثي بصري له صحبة وهذا أيضا يمكن أن يقال إنه المتقدم والثالث الأنصاري الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك بالصوم لم يصح حديثه وليس هو هذا وروى الحاكم في المستدرك بلفظ إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب وقال على شرطهما وأقره الذهبي(2/260)
1792 - (إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن) أي المصدق بلسانه وقلبه (بالبلاء) فيصب عليه في الدنيا البلاء صبا ليصب عليه في الأخرى الأجر صبا والأمراض والمصائب في الظاهر نكبة وفي الباطن تحفة إذ بذلك يرجع العبد إلى ربه ويتفكر أن هذا صنعه وتدبيره فهي هدايا من الله سبحانه والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به والمراد هنا المراجعة والمعاودة مرة بعد أخرى (كما يتعاهد الوالد ولده بالخير) فيسلبه محبوبه العاجل الشاغل عنه ليصرف وجهه إليه ويحمله المكاره ليهرب منه إليه ويقبل بكلتيه عليه لأن الحبيب يحب مواجهة حبيبه ويفتح له المنهج إلى تقريبه (وإن الله ليحمي عبده) أضافه إليه للتشريف (المؤمن من الدنيا) أي يمنعه منها ويقيه أن يتلوث بدنسها كيلا يمرض قلبه بداء حبها وممارستها (كما يحمى المريض أهله الطعام) لئلا يزيد مرض بدنه بتناوله فهو إنما يحميه لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة وما تقول في الوالد المشفق الغني إذا منع ولده رطبة أو تفاحة يأكلها وهو أرمد ويسلمه إلى معلم غليظ يابس ويحبسه [ص:262] طول النهار عنده ويضجره ويحمله إلى الحجام ليحجمه فيوجعه ويقلقه: أتراه فعل ذلك به لبخل أو هوان به أو قصد إيذاء له؟ لكن لما علم أن صلاحه فيه وأن بهذا التعب القليل يصل إلى خير كثير ونفع عظيم وما تقول في الطبيب الحاذق المحب إذا منع المريض شربة ماء وهو ظمآن وسقاه شربة دواء كريه أقصده إيذاء بل هو نصح وإحسان لما علم أن في إعطائه شهوة ساعة هلاكه رأسا والغرض من التشبيه الواقع في هاتين الجملتين بيان كمال الاعتناء والشفقة والمحبة
(هب وابن عساكر) في التاريخ في ترجمة ابن الأبيض (عن حذيفة) قال: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي فيشكون الحاجة والذي نفس حذيفة بيده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه اليماني بن المغيرة قال الذهبي: ضعفوه(2/260)
1793 - (إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن) من (الدنيا) أي يحفظه من مال الدنيا ومناصها ويبعده عما يضر بدينه منها (وهو يحبه) أي والحال أنه يحبه (كما تحمون مريضكم الطعام) أي من تناول الطعام (والشراب تخافون عليه) أي لكونكم تخافون عليه من تناول ما يؤذيه منها أي والحال أنكم تخافون عليه من ذلك وذلك لأنه سبحانه وتعالى خلق عباده على أوصاف شتى فمنهم القوي والضعيف والوضيع والشريف فمن علم من قلبه قوة على حمل أعباء الفقر الذي هو أشد البلاء صبر على تجرع مرارته أفقره في الدنيا ليرفعه على الأغنياء في العقبى ومن علم ضعفه وعدم احتماله وأن الفقر ينسيه ربه صرفه عنه لأنه لا يحب أن عبده ينساه أو ينظر إلى من سواه فسبحان الحكيم العليم <تنبيه> قال في الحكم: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه <تنبيه> قال العارف الجيلاني: للنفس حالان ولا ثالث لهما حال عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالبا الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة لله بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من البلاء فربما ردت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من الله بها ليكفها عن المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها
(حم عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد) الخدري(2/262)
1794 - (إن الله تعالى ليرفع) لفظ رواية الطبراني ليدفع بالدال (بالمسلم الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه البلاء) أي بسبب كونه بين أظهرهم لكرامته على ربه أو بسبب دعائه والأول أقرب وتمام الحديث عند مخرجه الطبراني {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ولا يعارضه مدح البلاء فيما قبله لأن المراد به هنا الشاغل عن الله أو عبادته أو العاري عن الصبر الموقع لصاحبه في التضجر والتسخط الموجب للخذلان والأول في خلاف ذلك ويظهر بأن المراد بالمئة التكثير لا التحديد فإن حد الجوار يزيد على ما ذكر إذ حد الجوار أربعون دارا من كل جانب
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري وفال الهيثمي: فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف وفي الميزان يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أو داود وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن عدي بين الضعف ثم أورد له هذا الخبر(2/262)
[ص:262] 1795 - (إن الله تعالى ليرضى عن العبد) المؤمن أي يرحمه ويثيبه (أن) علة ليرضى أي لأجل أن (يأكل) بفتح همزة أن أي بسبب أن يأكل أو وقت أكله (الأكلة) بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل أي الغدوة أو العشوة كذا اقتصر عليه جمع منهم النووي في رياضه لكن ضبطه بعضهم بالضم وقال هي اللقمة (أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها) يعني يرضى عنه لأجل أحد هذين الفعلين أيا كان وليس هو بشك من راو خلافا خلافا لزاعمه وفيه أن أصل سنة الحمد تحصل بأي لفظ اشتق مادة ح م د بل بما يدل على الثناء على الله والأولى كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحمد به وسيأتي وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى {ورضوان من الله أكبر} في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعارا بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جدا أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من الله شيئا وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها ويسن خفض صوته به إذا فرغ لم يفرغ رفقته لئلا يكون منعا لهم <تنبيه> قال بعض الأكابر: هذا فيمن حمد حمدا مطيعا له طالبا حسن العمل طاهر النفس غير ملتفت إلى رشوة من ربه خالصا من قلبه فإنه إذا كان كذلك وختمه بكلمة الصدق رضي الله عنه بصدقه وأما من حمد على خلاف ذلك فحمده مدحول يخشى أن لا يستوجب الرضى فإن رضى الله عن العبد خطب جليل وشأن رفيع والحمد مع استيلاء الغفلة وترك الأدب مع الله إنما هو حمد السكارى الحيارى الذين لا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم فهيهات هيهات
(حم م ت ن) كلهم (عن أنس) ولم يخرجه البخاري(2/262)
1796 - (إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة) عن كل شيء (حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر) هو كل ما قبحه الشرع كما سبق (أن تنكره) فمن رأى إنسانا يفعل معصية أو يوقع بمحترم محذورا ولم ينكر عليه مع القدرة فهو مسؤول عنه في القيامة معذب عليه إن لم يدركه العفو الإلهي والغفر السبحاني وفي خبر أبي نعيم عن ابن عباس مرفوعا لا يقفن أحدكم على أحد يضرب ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلما فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه (فإذا لقن الله العبد حجته (1)) أي ألهمه إياها (قال يا رب رجوتك) أن تسامحني من الرجاء وهو التوقع والأمل وهمزته منقلبة عن واو (وفرقت) أي خفت (من الناس) أي من أذاهم قال البيهقي هذا فيمن يخاف سطوتهم ولا يستطيع دفعها عن نفسه وإلا فلا يقبل الله معذرته بذلك قال الغزالي: فالعمل على الرجاء أغلب منه على الخوف وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله أوحى إليه فرقت بينك وبين يوسف لقولك {أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له
(حم هـ حب عن أبي سعيد) الخدري قال العلائي: إسناده لا بأس به وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد
_________
(1) قال في النهاية الحجة الدليل والبرهان(2/262)
1797 - (إن الله تعالى ليضحك (1)) أي يدر رحمته ويجزل مثوبته يقال ضحك السحاب إذا صب ماء والمراد بضحكه [ص:263] سبحانه لازمه إذ الضحك في هذا وما أشبهه التجلي لمن ذكر حتى يراه في الدنيا بعين بصيرته وفي الآخرة رؤية عيان كما جاء به القرآن فالضحك بمعنى الظهور والتجلي كما يقال ضحك الشيب إذا ظهر قال:
لا تعجبي يا هند من رجل. . . ضحك المشيب برأسه فبكى
(إلى ثلاثة) من الناس الأول (الصف في الصلاة) أي الجماعة المصطفون في الصلاة على سمت واحد حسبما أمروا به (و) الثاني (الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان يقوم (يصلي في جوف الليل) أي بتهجد فيه (و) الثالث (الرجل يقاتل) الكفار (خلف الكتيبة (2)) أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائها يجعلها كالترس يتقي بها والمقصود بالحديث الحث على الاصطفاف في الصلاة لما فيه من عظيم الثواب وعلى التهجد والجهاد
(هـ عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) قال الدميري الضحك استعارة في حق الرب سبحانه لأنه لا يجوز عليه تغيير الحالات فهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وإنما المراد الرضى بفعل هؤلاء والثواب عليه وحمد فعلهم لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقة ما يرضيه وسروره به
(2) الكتيبة بمثناة فوقية فتحتية فموحدة أي يقاتل الكفار أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من وراءهم وفي نسخة وللرجل بلام الجر في الموضعين. اه(2/262)
1798 - (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه) ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين يطلع معنى ينظر أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر وفيه كلام سيجيء (إلا لمشرك) بالله يعني كافر وخص الشرك لغلبته حينئذ (أو مشاحن) أي معاد والشحناء العداوة قال الطيبي: لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء قال في الكشاف: ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة
(هـ) من رواية ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب (عن أبي موسى) قال الزين العراقي وابن لهيعة حاله معروف والضحاك لا يعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير ابن لهيعة والضحاك بن عبد الرحمن لم يسمع من أبي موسى قاله أبو حاتم وقد اختلف على ابن لهيعة أيضا انتهى ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح(2/263)
1799 - (إن الله ليعجب) من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشيء خارجا عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنفه قاله الحرالي (من الشاب) أي يعظم عنده قدرا فيجزل له أجره لكونه (ليست له صبوة) أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر قال حجة الإسلام: وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب وقال القونوي: سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنا وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب وهل الأفضل ما نشأ لا صبوة له لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحا لكونه قلع عن الشهوات لله بعد إلفه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوة لله؟ قولان وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول. ثم إنك قد عرفت معنى التعجب وعبر عنه بعضهم بعبارة أخرى فقال: أصله استعظام الشيء واستكباره لخروجه عن العادة وبعده من العرف وذلك مما ينزه عن مثله الباري فيؤول بما ذكر فكأنه أكبر ما أتى به هذا الشاب من الأمر البعيد عن أوصاف العبيد فهو على منهج المدح لمن لم يصب وقد يأتي التعجب من فعل المنكر إذا عظم وقعه وفحش قبحه على جهة الإنكار (تتمة) قال العارف ابن عربي: لما تعجب المتعجب مما خرج عن صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده وغضب لتوليه. وأبغض بعده وأحب قربه وتبشبش لتدليه فعبر بذلك تقريبا لأفهام العرب. فهذه [ص:264] أرواح مجردة تنظرها أشباح مسندة فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة تنسم الأرواح ويتجلى الفتاح ويتقد المصباح ويشعشع الراح ويظهر الورد الصراح ويزول الإلحاح
(حم طب) وكذا أبو يعلى (عن عقبة بن عامر) أي الجهني قال الهيثمي وإسناده حسن وضعفه ابن حجر في فتاويه لضعف ابن لهيعة راويه(2/263)
1800 - (إن الله تعالى ليملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر (للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} فإمهاله عين عقابه (حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته (لم يفلته) أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبدا بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمنا لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبيا من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال
(ق) البخاري في التفسير ومسلم في الأدب (ت) في التفسير (هـ) في الفتن كلهم (عن أبي موسى) الأشعري(2/264)
1801 - (إن الله ليتبع) بمثناة تحتية فمثناة فوقية فباء موحدة أي يطالب كذا رأيته مضبوطا بالقلم في نسخ هذا الجامع لكن في تأليف للزين العراقي مضبوطا بالقلم بنفع بمثناة نحتية فنون ففاء من النفع ومثله في الحلية لأبي نعيم والميزان ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه من هذا الجامع ينفع بنون وفاء مبينة مضبوطة وحينئذ فمعناه ينفع (العبد بالذنب) الذي (يذنبه) لأن الذنب سبب فرار العبد إلى الله من نفسه ودنياه والاستعاذة به والالتجاء إليه من عدوه والذنب لا يسقط العبد من عين الله ولا يخرجه عن موالاته وإنما يسقط بالإصرار وبترك التوبة والإعراض عن الله بطلب ملاذ نفسه وشهواتها وإنما الذنب آفة تلحق العبد فينكب بها ويخجل من أجلها فينتعش من صرعته بتوبته وهي سبب الوصلة لخواص العباد والقرب إلى الله قال الداراني: ما عمل داود عملا أتم من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى ربه حتى وصل إليه وقال ابن عطاء الله: ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} وقال: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول رب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. اه. وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك
(حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ثم قال غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد لم نكتبه إلا من حديث مضر بن نوح السلمي اه ومضر قال في الميزان فيه جهالة وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ وعبد العزيز بن أبي رواد قد سبق بيان حاله ورواه أبو نعيم من طريق آخر فيه عبد الرحيم بن هارون وقد قالوا كان يكذب ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح والزين العراقي غير محفوظ(2/264)
1802 - (إن الله تعالى محسن) أي الإحسان له وصف لازم ولا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد (فأحسنوا) إلى عباده بالقول والفعل فإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين. قال بعض العارفين: أصل العبودية لله ودوران أحوالها على أمرين تعظيم قدرة الله والإحسان إلى خلق الله وقال العارف ابن العربي: الإحسان صفة الله وهو المحسن المجمل والإحسان [ص:265] الذي به سمي العبد محسنا أن يعبد الله كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان الله هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله {على كل شيء شهيد} {وهو معكم أينما كنتم} فشهوده لكل شيء هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل به العبد فهو من إحسانه تعالى إذ هو الذي نقله ولهذا سمي الإنعام إحسانا فإنه لا ينعم عليك إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن دائما وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن
(عد عن سمرة) بن جندب(2/264)
1803 - (إن الله تعالى مع القاضي) بتأييده وتسديده وإعانته في أقضيته ومتعلقاتها فهي معية خاصة (ما لم يحف) أي يتجاوز حدود الله التي حدها لعباده وخرج بذلك ما لو اجتهد فأخطأ فإنه معذور حيث لم يقصر في اجتهاده (عمدا) فإنه حينئذ يتخلى عنه ويتولاه الشيطان لاستغنائه به عن الرحمن
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع (حم عن معقل بن يسار) قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب(2/265)
1804 - (إن الله تعالى مع القاضي) بما ذكر (ما لم يجر) أي يظلم (فإذا جار) في حكمه (تبرأ الله منه) لفظ رواية الترمذي وابن ماجه تخلى الله عنه (وألزمه الشيطان) أي صيره قرينه ملازما له في سائر أقضيته لا ينفك عن إغوائه {ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} وفي أصول صحيحة ولزمه الشيطان بدون همزة وبما تقرر من أن المعية في هذا وما قبله وبعده معنوية لا ظرفية علم أنه من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على وازن {إن الله مع المتقين} {إن الله مع الصابرين}
(ك) في الأحكام (هق) كلاهما (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يخرج في شيء من الكتب الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي وابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن أبي أوفى المذكور لكنهما قالا تخلى الله عنه بدل تبرأ منه قال المنذري: رووه كلهم من حديث عمران وصححه الحاكم وحسنه الترمذي والقطان فيه كلام معروف(2/265)
1805 - (إن الله تعالى مع الدائن) أي من أخذ الدين على نفسه بإعانته على وفاء دينه (حتى يقضي دينه) أي يوفيه إلى غريمه ولا يعارضه استعاذة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الدين لأن كلامه هنا فيمن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قدرة على وفائه غالبا ويريد قضاءه كما يشير إليه قوله (ما لم يكن دينه فيما يكره الله) فهو الذي يكون الله في عونه على قضائه أما المستدين في مكروه لله كراهة تحريم أو تنزيه أو لا يجد لقضائه سبيلا أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه
(تخ هـ ك عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وله شواهد كثيرة(2/265)
1806 - (إن الله تعالى هو الخالق) لجميع المخلوقات لا غيره (القابض) أي الذي له هذه الصفة وهي إيقاع القبض والإقتار بمن يشاء وإن اتسعت أمواله قال الحرالي: والقبض إكمال الأخذ أصله القبض باليد كلها (الباسط) لمن يشاء من عباده وإن ضاقت حاله والبسط توسعة المجتمع إلى حد غايته (الرزاق) من شاء من عباده ما شاء (المسعر) أي الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه قال الطيبي: هذا [ص:266] جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير وأكد بأن وضمير الفصل وتعريف الخبر ليدل على التأكيد ثم رتب الحكم على الوصف المناسب فمن حاول التسعير فقد عارض الخالق ونازعه في مراده ومنع العباد حقهم مما أولاهم الله في الغلاء والرخص فبين أن المانع له من التسعير ما في ضمن ذلك من كونه ظلما للناس في أموالهم لكونه تصرفا فيها بغير إذنهم بقوله (وإني لأرجو) أي أؤمل (أن ألقى الله تعالى) في القيامة (ولا يطلبني) أي يطالبني (أحد بمظلمة) بالفتح وكسر اللام اسم لما أخذ ظلما (ظلمتها إياه) أي ظلمته بها (في دم) أي في سفكه (ولا مال) أراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم قهرا وهو كأرش الجناية وإنما أتى بمظلمة توطئة له ذكره الطيبي قال: وعطف قوله ولا مال على قوله ولا دم وجيء بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي وهذا أصل في إيجاب الإمام الأعظم العدل على نفسه وأفاد أن التسعير حرام لأنه جعله مظلمة وبه قال مالك والشافعي وجوزه ربيعة وهو مذهب عمر لأن به حفظ نظام الأسعار وقال ابن العربي المالكي: الحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون ليس فيه مظلمة لأحد من الطائفتين وما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم لكن على قوم صحت نياتهم وديانتهم أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى. اه. وفصل قوم بين الغلاء والرخص ومن مفاسد التسعير تحريك الرغائب والحمل على الامتناع من البيع والجلب المؤدي إلى القحط والغلاء قال القاضي: والسعر القيمة التي يقدر بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع والتسعير تقديرها
(حم د ت هـ حب هب) في البيع كلهم (عن أنس) قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سعر لنا فذكره قال الترمذي حسن صحيح(2/265)
1807 - (إن الله تعالى وتر) أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (يحب الوتر) أي صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولا حسنا قال القاضي: وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة قال ابن عربي: فتعين عليك أن تكون من أهل الوتر في جميع أفعالك حتى تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى بقوله في الخبر الآتي فأوتروا إلى آخره فإذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاث فإن كل عين عضو مستقل وإذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وإذا شربت الماء في حسواتك اجعله وترا حتى إنك إذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات تنقطع هكذا جربته وقال الحكيم الترمذي: خلق الله الأشياء على محبوب الوتر واحدا وثلاثا وخمسا وسبعا فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة ثم تزيد واحدا بمحمد صلى الله عليه وسلم باب الرحمة والتوبة وهو أصل الأبواب وأبواب السجن سبعة وعمال الله مقسومون على سبعة أجزاء وظلال الآدميين سبعة والأيام سبعة وأرزاقهم سبعة وعبادتهم على سبع جوارح ثم افترض على العباد خمس صلوات وهي وتر وعدد ركعاتها سبعة عشر وهي وتر وأم القرآن آياتها وتر وأدنى القراءة واحد وهي آية وأدنى التسابيح واحد في الركوع والسجود وفرض الحج في يوم تاسع الحجة والزكاة في كل مائتين خمسة دراهم والعشور من كل عشرة واحد وافترض على العباد حفظ سبع جوارح وجعل التقوى في سبعة وأسماءه تسعة وتسعون والقلب وتر وخالقه وتر فأظهر الله محبوبه في عامة الأشياء فللعبد في الوتر من النوال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فمن صلاه كان كمن دخل محل الملك من السرير يعتذر إليه من عمل نهاره ومن تقصيره
(ابن نصر) محمد في كتاب الصلاة (عن أبي هريرة وعن ابن عمر) بن الخطاب قضية [ص:267] صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من المشاهير أو لأنه وجد كذلك لكن عدل عنه لكونه معلولا وهو ذهول فقد أخرجه احمد والبزار باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور وقال الهيثمي: ورجاله رجال موثوقون(2/266)
1808 - (إن الله تعالى وتر) أي فرد لا من جهة العدد بل من حيث إنه غير مزدوج كما مر (يحب الوتر) أي يتقبله ويثيب عليه (فأوتروا) أي اجعلوا صلاتكم وترا بضم الوتر إليها أو صلوا الوتر والفاء جزاء شرط محذوف كأنه قال إذا هديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا فإن من شأن أهل القرآن الكدح في ابتغاء مرضات الله وإيثار محابه (يا أهل القرآن) أراد المؤمنين المصدقين له المنتفعين به وقد يطلق ويراد به القراءة ذكره القاضي قال العليمي: وإنما خص الثناء بهم في مقام الفردية لأن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد فكأنه قيل إن الله واحد يحب الوحدة فوحدوه يا أهل التوحيد انتهى
وزعم الخطابي أن فيه دلالة على عدم وجوب الوتر وإلا لعم غير أهل القرآن وهم عرفاء القراء والحفاظ دون العوام وأنت خبير بعدم إصابته للصواب إذ لم يذهب أحد إلى ما اقتضاه كلامه من اختصاص ندب الوتر بعرفاء القرآن وحفاظه دون غيرهم بل لو ذهب إليه ذاهب لكان خارقا للإجماع بلا دفاع والأولى أن يحمل الأمر على الندب جمعا بينه وبين خبر هل علي غيرها قال: لا إلا أن تطوع
(ت) من حديث عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين وحسنه لكن ابن ضمرة تكلم فيه غير واحد (هـ عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم الهجري ضعفه ابن معين وغيره واقتصاره على غير هذين يؤذن بتفردهما به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي وغيره للأربعة جميعا(2/267)
1809 - (إن الله تعالى وضع عن أمتي) أمة الإجابة (الخطأ والنسيان (1) وما استكرهوا عليه) قالوا فيه أن طلاق المكره لا يقع إلا إن نواه أو ظهرت منه قرينة اختيار قال ابن حجر حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه وهذا القسم معفو عنه اتفاقا وإنما اختلف هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فبدليل منفصل
(هـ) في الطلاق (عن ابن عباس) قال الزيلعي: سنده ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المذكور وقال الهيثمي وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر أخرجه الفضل التميمي في فوائده بإسناد ابن ماجه بلفظ رفع بدل وضع ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير فادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بن عطاء وابن عباس وأخرجه الحاكم والدارقطني انتهى
_________
(1) قال المحققون قاعدة الفقهاء أن النسيان والجهل يسقطا الإثم مطلقا أما الحكم فإن وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة(2/267)
1810 - (إن الله تعالى وضع) أي أسقط (عن المسافر) من السفر وهو إزالة الكن عن الرأس (الصوم) أي صوم رمضان (وشطر) وفي رواية للنسائي ونصف (الصلاة) أي نصف الرباعية لما يحتاجه المسافر من الغذاء لوفور نهضة في عمله في سفره وأن وقت غذائه بحسب البقاع لا بحسب الاختيار إذ المسافر متاعه [ص:268] على قلة إلا من وقى الله والسفر قطعة من العذاب فخفف عنه لئلا يجتمع على العبد كلفتان فتتضاعف عليه المشقة دينا ودنيا فإذا خلف عنه الأمر من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه آخر ديني قال القاضي: والصوم منصوب عطف على شطر ولا يجوز عطفه على الصلاة لفساد اللفظ والمعنى أما لفظا فإنه لو عطف عليه لزم منه العطف على عاملين مختلفين وهو غير جائز وأما معنى فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره والمراد بالوضع وضع الأداء ليشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه فيصح نسبته إليهما إذ الصوم غير موضوع مطلقا فإن قضاءه واجب عليهم بخلاف شطر الصلاة قال الخطابي: وقد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر متفرقة في الحكم وذلك أن النظر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يقضى. قال الحافظ العراقي: وفيه جواز الفطر والقصر للمسافر وإطلاق الكل وإرادة البعض لأنه قال شطر الصلاة وإنما وضع عنه شطر ثلاث صلوات على أن الشطر قد يطلق على غير النصف وأن الصوم والإتمام كانا واجبين ثم نسخ
(حم 4 عن أنس بن مالك) الكعبي (القشيري) أبو أمية صحابي نزل البصرة قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إليه وهو يأكل فقال: اجلس فاصبر من طعامنا قلت: إني صائم قال: اجلس أحدثك عن الصلاة والصيام إن الله وضع إلخ صحح الترمذي حديثه هذا وقال ما له غيره. قال الحافظ العراقي: وهو كما قال لا يعرف له حديث رفعه إلا هذا وأما من أطلق أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث فغير صحيح فإنه روى له حديث آخر في جمع القرآن رواه الخطيب وغيره وفي هذا الحديث قصة وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: وعن المرضع والحبلى هذا نص الحديث ثم إنه ليس في رواية الترمذي الصوم(2/267)
1811 - (إن الله تعالى وكل) بالتشديد من التوكل بمعنى التسليط والقيام بشأن تلك الخدمة (بالرحم) قال الحرالي: هو ما تشتمل على الولد من أعضاء التناسل يكون فيه تخليقه من كونه نطفة إلى كونه خلقا آخر (ملكا) بفتح اللام (يقول) الملك عند استقرار النطفة في الرحم التماسا لإتمام الخلقة (أي رب) أي يا رب هذه (نطفة) أي مني (أي رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (أي رب) هذه (مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكون فيها أم لا فيقول نطفة عند كونها نطفة ويقول علقة عند كونها علقة فبين القولين أربعون يوما وليس المراد أنه يقول في وقت واحد وإلا لزم كون النطفة علقة ومضغة في آن واحد (فإذا أراد الله) سبحانه وتعالى (أن يقضي خلقه) بفتح فسكون أي يأذن في إتمام خلقه (قال) الملك (أي رب شقي أو) وفي رواية أم (سعيد) من السعداء وقدم الاستفهام عن الشفاء لكثرة ما تراه الملائكة من مخالفة البشر المستحقة بها للعذاب (ذكرا أو أنثى) كذلك وقدم الذكر لشرفه وأصالته والخنثى ذكر أو أنثى عند الله فليس قسما ثالثا يسأل عنه (فما الرزق) أي أي شيء قدره فأكتبه (فما الأجل) يعني فأي مدة قدر أجله فأكتبه (فيكتب) بصيغة المجهول أو المعلوم (كذلك) أي مثل ما يؤمر به (في بطن أمه) أي وهو في بطنها أو والحال أنه في بطنها قبل بروزه إلى هذا العالم فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أم سعيد فيكتبه الملك في صحيفة فلا يزاد عليه ولا ينقص إلى يوم القيامة كما في رواية مسلم وفي حديث أنه يكتب بين عينيه ولا مانع من كتابته فيهما <تنبيه> وعلم مما تقرر أن قوله نطفة علقة مضغة بالرفع خبر مبتدأ محذوف وقال الكرماني: ويجوز النصب أي جعلت المني نطفة في الرحم أو صار نطفة أو خلقت أنت نطفة قال وقوله أذكر مبتدأ وقد يخصص بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصلح للابتداء به وروي أذكرا بالنصب أي أتريد
(حم ق عن أنس) بن مالك(2/268)
[ص:269] 1812 - (إن الله تعالى وهب لأمتي) أمة الإجابة (ليلة القدر) أي خصهم بها (ولم يعطها من كان قبلهم) من الأمم السابقة فهذا كما ترى صريح في أنها من خصوصياتنا وأشار بقوله وهب إلى عظمها وكثرة المواهب والعطايا فيها وأنها خليقة أن يمتن بها
(فر عن أنس) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني ممن يضع الحديث(2/269)
1813 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون) من الوصل ضد القطع (الصفوف) بحيث لا يبقى فيها ما يسع واقفا أي يغفر لهم ويأمر ملائكته بأن يستغفروا لهم. قال الفخر الرازي: ولا يصح كونها بمعنى الدعاء لأنه غير معقول المعنى في حقه تعالى لأن الدعاء للغير يقتضي طلب نفعه من ثالث وهو هنا محال وتقييد الصف في الحديث الآتي بالأول للأكثرية لا لإخراج غيره كما يصرح به ما يأتي (ومن سد فرجة) بضم أوله خللا بين المصلين في صف (رفعه الله بها) أي بسبب سده إياها (درجة) في الجنة زاد في رواية ودرت عليه الملائكة من البر وهذا وارد على منهج تأكد سد الفرج في الصفوف وكراهة تركها مع عدم العذر. <تنبيه> قال ابن عربي: الخلل في الصفوف طرق الشيطان والطريق واحدة وهي سبيل الله فإذا انقطع هذا الخط الظاهر من النقط ولم يتراص لم يظهر وجود للخط والمقصود وجود الخط فصفوف المصلين لا تكون في سبيل الله حتى تتصل ويتراص الناس فيها فمن لم يفعل وأدخل الخلل كان ممن سعى في قطع سبيله ولا يكون السبيل إلا كالخط الموجود من النقط المتجاورة التي ليس بين كل نقطتين حيز فارغ لا نقطة فيه وحينئذ يظهر صورة الخط فكذا الصف لا يظهر فيه سبيل الله حتى يتراص الناس فيه
(حم هـ حب ك) في الصلاة (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال مغلطاي حديث مختلف في إسناده لاختلاف حال رواية إسماعيل بن عياش(2/269)
1814 - (إن الله وملائكته) أي عباده المقربين المصطفون المصفون من أدناس البشر الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (يصلون على الصف الأول) أي على أهله وهو الذي يلي الإمام أي يستغفرون لأهله قال تعالى {ويستغفرون لمن في الأرض} (1) وتمام الحديث عند أحمد وغيره قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني قال وعلى الثاني اه بلفظه
(حم د هـ) في الصلاة (ك) كلهم (عن البراء) بن عازب ولفظ رواية أبي داود عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قال في الرياض إسناده حسن (هـ عن عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة (طب عن النعمان بن بشير) الأنصاري (البزار) في مسنده (عن جابر) قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد والبزار وغيرهما [ص:270] رجال أحمد موثقون
_________
(1) لما روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثا وللثاني مرتين وللثالث مرة فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه ثم الذي يليه وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها(2/269)
1815 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أي يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف والمراد يستغفرون لهم أولا أو كثيرا اهتماما بشأنهم ثم يستغفرون لمن على اليسار لأن الاستغفار مخصوص بهم بدليل الخبر الآتي: من عمر ميسرة المسجد (1)
(د هـ حب عن عائشة) سكت عليه أبو داود قال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه سنده صحيح على شرط مسلم
_________
(1) قال الغزالي: ينبغي لداخل المسجد أن يقصد يمنة الصف فإنها يمن وبركة وإن الله تعالى يصلي على أهلها اه. قلت: وهذا إذا كان فيها سعة ولم يؤذ أهلها ولا تتعطل ميسرة المسجد فإن قلت: ينافي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازي ذلك أو يزيد وقد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بسبب نيته وإخلاصه وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات فلما حث النبي صلى الله عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها فتعطلت الميسرة فقال ذلك(2/270)
1816 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) أي الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم لما فيه من كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقرب من جانب الرب تعالى فلذلك كان السحور متأكد الندب جدا
(حب طس حل عن ابن عمر) بن الخطاب قال الطبراني تفرد به يحيى بن زيد الخولاني قال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه اه. وقال أبو نعيم غريب من حديث نافع لم يروه إلا عبد الله ابن سليمان المعروف بالطويل وعنه عبد الله بن عياش القتباني تفرد به إدريس بن يحيى الخولاني وهو عند أهل مصر كبشر بن الحارث عند أهل بغداد اه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا إلا لمن ذكر والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد في المسند باللفظ المذكور عن ابن عمر المزبور وقد سبق أو يجيء قول الحافظ ابن حجر إذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره ممن دونه وخرجه أيضا الجوهري في أماليه من حديث ابن عمر بلفظ غذاء المؤمن السحور وإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين قال المصنف يحصل من مجموع الطرق حسن الحديث(2/270)
1817 - (إن الله تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم) جمع عمامة أي الذين يلبسون العمائم (يوم الجمعة) ويحضرون صلاتها وأخذ منه حجة الإسلام ندب التعميم وتأكده في هذا اليوم قال فإن كربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها لكن لا ينزعها في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر ولا في خطبته اه (1)
(طب) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمر الحنفي عن أيوب ابن مدرك عن مكحول (عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي: أيوب بن مدرك كذبه ابن معين وقال تلميذه الهيثمي فيه أيوب بن مدرك. قال ابن معين كذاب اه وفي الميزان واللسان عن مرة كذاب وعن النسائي متروك له مناكير ثم عد من مناكيره هذا الحديث اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا أصل له تفرد به أيوب قال الأزدي: هو من وضعه كذبه يحيى وتركه الدارقطني اه ولم يتعقبه المؤلف بشيء سوى أنه قال اقتصر على تضعيفه الزين العراقي وابن حجر ولم يزد على ذلك وأنت خبير بما في هذا التعقب من التعصب
_________
(1) ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة(2/270)
[ص:271] 1818 - (إن الله تعالى لا يجمع أمتي) أي علماء أمتي ولفظ رواية الترمذي لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد وهو تردد من الراوي (على ضلالة) لأن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع في النوازل فاقتضت الحكمة حفظها. قال الطيبي: وقوله أمة محمد أظهر في الدراية لأن التخصيص يدل على امتياز أمته عن جميع الأمم بهذه الفضيلة فيلزم منه امتياز الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة من الفرق الضالة فلذلك عقبه بقوله (ويد الله على الجماعة) كناية عن الحفظ أي الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ورعايته (ومن شذ) انفرد عن الجماعة قال الطيبي: ومعنى على كمعنى فوق في قوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} فهو كناية عن النصرة والغلبة لأن من بايع الإمام الحق فكأنما بايع الله ومن بايع الله فإنه ينصره ويخذل أعداءه أي هو ناصرهم ومصيرهم غالبين على من سواهم ومن فارقهم فقد خلع ربقة الطاعة من عنقه وخرج عن نصرة الله فدخل النار قالوا: وفي قوله ومن شذ للعطف على معنى الحصول في الوجود وتفويض ترتب الثانية على الأولى إلى فهم السامع الزكي الفطن ويحتمل لأن يضمن يد الله معنى الإحسان والإنعام بالتوفيق على استنباط الأحكام وعلى الإطلاع على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه من الاعتقاد (شذ إلى النار) أي إلى ما يوجب دخولها فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية فالشذوذ الانفراد وشذ عن الجماعة انفرد عنهم
(ت عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الضياء في المختارة بلفظ إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا وإن يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار قال ابن حجر رحمه الله في تخريج المختصر: حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلول فقد قال الحاكم لو كان محفوظا حكمت بصحته على شرط الصحيح لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال فذكرها وذلك مقتضى للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف(2/271)
1819 - (إن الله تعالى لا يحب الفاحش) أي ذا الفحش في قوله وفعله بل يبغضه كما صرح به الحديث الآتي بقوله إن الله يبغض الفاحش إلخ والفحش اسم لكل خصلة قبيحة. وقال الحرالي: اسم لكل ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث من الشرع والعقل والطبع (المتفحش) أي الذي يتكلف ذلك ويتعمده يعني الفاحش المتفحش صنعا (ولا الصياح) بفتح المهملة وشد المثناة تحت الصراخ (في الأسواق) أي كثير الصراخ في الشوارع والطرق ومجامع الناس كما يفعله السوقة والدلالون ونحوهم فيكره ذلك أما صياح نحو الدلال والمنادي ومعرف اللقطة ومنشد الضالة بقدر الحاجة فلا يكره
(خد) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر) قال الزين العراقي: وسنده ضعيف قال ولابن أبي الدنيا الطبراني عن أسامة بن زيد إن الله لا يحب الفاحش المتفحش وسنده جيد انتهى وفي مسلم من حديث عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش(2/271)
1820 - (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) قال الزمخشري: هو استطراق النكاح وقتا بعد وقت كلما تزوج أو تزوجت مد عينه أو مدت عينها إلى آخر أو إلى أخرى قال: وهذا من المجاز وقول النهاية السريع النكاح السريع الطلاق فيه نظر لأن الحديث مصرح كما ترى بأن المذموم المبغوض أن يتزوجها أو تتزوجه بقصد ذوق عسليتها أو عسليته ثم تحصل المفارقة وقد يكون النكاح وسرعة الفراق لا لذلك وفيه أنه يكره التزوج بقصد ذلك لكنه يصح وذلك لأن مقصود النكاح النسل [ص:272] ودوام العشرة وحصول الألفة وسرعة المفارقة مفوتة لذلك مع ما فيه من كسر القلب وتولد الضغائن وتمسك به الحنفية على منع إباحة الطلاق إلا لضرورة
(طب عن عبادة) بن الصامت قال الهيثمي فيه راو لم يسم وبقية إسناده حسن(2/271)
1821 - (إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) الذي يصافيه الود ويخلصه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول (من أهل الأرض) يعني أماته (فصبر) العبد المؤمن على قضاء الله تعالى (واحتسب) أي طلب بفقده الاحتساب أي الثواب عند الله تعالى (بثواب دون الجنة) أي دون إدخاله إياها مع السابقين الأولين أو من غير عذاب أو بعد عذاب يستحق ما هو فوقه وهذا مرشح لما ذهب إليه ابن عبد السلام في طائفة من أن المصائب لا ثواب فيها بل في الصبر عليها لكونها ليست من كسب العبد وذهب آخرون إلى خلافه وتأولوا هذا وما أشبهه
(ن عن ابن عمرو) بن العاص(2/272)
1822 - (إن الله لا يستحيي) أي لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يفعل ما يفعله المستحيي من ترك ما يستحيا منه فالاستحياء هنا استعارة تبعية تمثيلية فالمراد أن الله لا يمتنع من بيان (الحق) أو من ذكره فكذا أنا لا أمتنع من إرشادي لكم وتعليمكم أمر دينكم وإن كان في لفظه استحياء وقدم ذلك توطئة وبسطا لعذره في ذكره ما يستحيا منه عادة بحضرة النساء (لا تأتوا النساء) نساءكم أي تجامعوهن (في أدبارهن (1)) لأنه ليس محل الحرث ولا موضع الزرع وإذا حرم وطء الحائض بعلة أن في فرجها أذى وهو دم الحيض فالدبر أولى لأن الفرج الحلال إذا حرم بطرق الأذى عليه فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم قال الطيبي: وفي جعل قوله " إن الله لا يستحيي " إلى آخره مقدمة وتمهيدا للنهي بعد إشعاره بشناعة هذا الفعل واستهجانه وكان من حق الظاهر إني لا أستحيي فأسند إليه تعالى للمبالغة والتأكيد ومن ثم اتفق الجمهور من السلف والخلف على تحريمه
(ن) في عشرة النساء (هـ) في النكاح (عن خزيمة) بضم المعجمة (ابن ثابت) قال المنذري: روياه بأسانيد أحدها جيد
_________
(1) قال الدميري اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوانات في حال من الأحوال قال العلماء وقوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي في موضع الزرع من المرأة وهو قبل المرأة التي ينزرع فيها المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء مكبوبة وأن الدبر ليس هو موضع حرث ولا موضع زرع ومعنى قوله {أنى شئتم} أي كيف شئتم(2/272)
1823 - (إن الله تعالى لا يظلم) أي لا ينقص (المؤمن) وفي روايات مؤمنا (حسنة) أي لا يضع أجر حسنة المؤمن (يعطي) بالبناء للمفعول أي المؤمن (عليها) وفي رواية بها أي بتلك الحسنة أجرا في الدنيا وهو دفع البلاء وتوسعة الرزق وغير ذلك (ويثاب عليها في الآخرة) أي يثيبه الله أي يجازيه عليها برفع درجاته في الجنة فهو يجازي على حسناته في الدنيا وفي الآخرة (وأما الكافر) إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيرا وأنقذ غريقا (فيطعم بحسناته في الدنيا) أي يجازي فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك وقال في المؤمن يعطى وفي الكافر يطعم لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته (حتى إذا أفضى إلى الآخرة) أي صار إليها (لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا) قال الطيبي: قوله لا يظلم أي لا ينقص وهو يتعدى إلى مفعولين أحدهما [ص:273] مؤمنا والآخر حسنة والياء في قوله يعطى بها إن حملت على السيئة يحتاج إلى مقدر أي يعطى بسببها حسنة وإن حملت على البدل فلا. وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى ويفضل عليه في الدنيا وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وماله في الآخرة من نصيب
(حم م) في التوبة (عن أنس) ولم يخرجه البخاري(2/272)
1824 - (إن الله تعالى لا يعذب) بنار جهنم (من عباده إلا المارد المتمرد) أي العاتي الشديد المفرط في الاعتداء أو العناد (الذي يتمرد على الله) فأشرك معه غيره (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي مع قرينتها وبقية شروطها وهذا كخبر لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان وقد عورض بخبر أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ودفع التعارض بحمل الإيمان العاصم عن النار على الإيمان العلمي والعملي وخلافه على خلافه
(هـ عن ابن عمر) قال قالت امرأة يا رسول الله أليس الله أرحم الراحمين قال بلى قالت أوليس أرحم بعباده من الأم بولدها؟ قال بلى قالت فإن الأم لا تلقي ولدها في النار فأكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يبكي ثم رفع رأسه فذكره وفيه هشام بن عمار وسبق قول أبي داود فيه وإبراهيم بن أعين قال في الكاشف ضعفه أبو حاتم وإسماعيل بن يحيى الشيباني قال متهم وقال في الضعفاء قال يزيد بن هارون كذاب انتهى(2/273)
1825 - (إن الله لا يغلب) بضم أوله وفتح ثالثه إذ لا ضد له ولا ند ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فهو الغالب القاهر فوق عباده (ولا يخلب) بخاء معجمة أي لا يخدع (ولا ينبأ بما لا يعلم) أي لا يخبره أحد بشيء لا يعلمه {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} {لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} بل هو عالم بجميع الأمور ظاهرها وخفيها كليها وجزئها على المذهب المنصور وقول الحكماء يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي أطيل في رده وحق من علم أنه تعالى موصوف بذلك أن يقف على قدم الأدب ويعمل على قضية ما هو شأنه من العجز وعدم مقاومة قهر الربوبية في شيء ولا يخادعه فإن من خادعه فإنما يخدع نفسه
(طب عن معاوية) قال الهيثمي فيه يزيد بن يوسف الصغائي ضعيف متروك(2/273)
1826 - (إن الله لا يقبض العلم) المؤدي لمعرفة الله والإيمان به وعلم أحكامه إذ العلم الحقيقي هو ذلك (انتزاعا) مفعول مطلق قدم على فعله وهو ينتزعه أي محوا يمحوه قيل ولا يجوز تقديمه لأنه مؤكد ورتبته التأخير لأنه كالتابع فيكون إما منصوبا بفعل يفسره ما بعده وإما مفعول لقوله لا يقبض (من) صدور (العباد) الذين هم العلماء لأنه أكرم الأكرمين وهو وهبهم إياه فلا يسترجعه (ولكن يقبض العلم) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التعظيم كما في قوله تعالى {الله الصمد} بعد {قل هو الله أحد} (بقبض العلماء) أي بموتهم فيقبض العلم بتضييع [ص:274] التعلم فلا يوجد فيمن بقي من يخلف من مضى وفي رواية للبخاري بدل هذا لكن ينتزعه منهم بقبض العلماء بعلمهم وتقديره ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه نوع قلب وفي رواية لكن ذهابه قبض العلماء ومعانيها متقاربة قال ابن المنير: محو العلم من الصدور جائز في القدرة لكن الحديث دل على عدم وقوعه (حتى) ابتدائية دخلت على الجملة (إذا لم يبق) بضم أوله وكسر القاف (عالما) وفي رواية يبق عالم بفتح الياء والقاف وفي رواية إذا لم يترك وعبر بإذا دون إن إيماء إلى أنه كائن لا محالة بالتدريج (اتخذ) أصله يتخذ قلبت الهمزة تاء ثم أدغمت التاء في التاء (الناس رؤساء) روي بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وروي بفتحها وهم آخره جمع رئيس قال النووي كلاهما صحيح لكن الأول أشهر والمراد بالناس جميعهم فلا يصح أن الناس اتخذوا رؤوسا جهالا إلا عند عدم العالم مطلقا فسقط ما توهم من أن إذا شرطية ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط ومن وجوده وجوده لكنه ليس كذلك لجواز حصول الإيجاد مع وجود العالم وهذا حث على لزوم العلم (جهالا) جهلا بسيطا أو مركبا (فسئلوا) بالبناء للمجهول وضميره يعود إلى رؤساء (فأفتوا بغير علم) في رواية برأيهم أي استكبارا وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل. وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم وأن قبض العلم موت حملته لا محوه منهم ولا يلزم من بقاء القرآن حينئذ بقاء العلم لأنه مستنبط منه ولا يلزم من المستنبط نفي المستنبط منه والعالم وإن كان قارئا فهو أخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم وفيه جواز خلو الزمان عن مجتهد وعليه الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وترئيس أهل الجهل ويلزمه الحكم بالجهل وهذا كما قال الكرماني: تعم القضاة الجاهلين إذ الحكم بشيء يستلزم الفتوى به ثم إن ذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة إلخ محل ذا على أصل الدين وذاك على فروعه أو أنه لا يقبض العلم إلى زمن مبادىء الأشراط قبل استحكام نهايتها فإذا أزفت الآزفة وأفرط قرب قيام الساعة وما أمر الله زال الكل فيحمل الخبر على زمنين مختلفين يزول التعارض من البين (تتمة) قال الراغب: لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمن الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة الأنبياء وحكمهم على الخاصة ظاهرهم وباطنهم والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة وصلاح العالم برعاية أمر هذه الساسات لتخدم العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة وفساده في عكس ذلك ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصابا لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار
(حم ق ت عن ابن عمرو) بن العاص قال أحمد قال ذلك في حجة الوداع وفي الباب عن أبي أمامة أيضا وزاد فقال أعرابي يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد نعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا؟ فرفع رأسه وهو مغضب فقال هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلموا منها فيما جاءهم أنبياؤهم انتهى فأفاد أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا قال ابن حجر: قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام فوقع لنا من روايته أكثر من سبعين نفسا عنه(2/273)
1827 - (إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي مرخيه إلى أسفل كعبيه أي لا يثيب رجلا على صلاة أرخى [ص:275] فيها إزاره اختيالا وعجبا وهذا قاله لمن رآه يصلي كذلك وأمره بأن يتوضأ أي ويعيد وذلك لأن الصلاة حال تواضع وإسبال الإزار فعل متكبر فتعارضا قال ابن عربي: وأمره له بإعادة الوضوء أدب وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه والله لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فلذلك لم يقبل صلاته بمعنى أنه لا يثيبه عليها وقال الطيبي: سر الأمر بالتوضىء وهو متطهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من الشناعة وأنه تعالى ببركة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن فعلى هذا ينبغي أن يعبر كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم على أنه تعالى لا يقبل صلاة المتكبر المختال
(د) في الصلاة واللباس (عن أبي هريرة) قال: بينما رجل يصلي إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ فقيل له في ذلك فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله تعالى لا يقبل إلخ قال النووي في رياضه: إسناده صحيح على شرط مسلم لكن أعله المنذري فقال فيه أبو جعفر رجل من المدينة لا يعرف(2/274)
1828 - (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحدا (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة الله سببا من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمنا لا مقصودا وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطارىء. قال ابن حجر: ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معا فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه. <تنبيه> قال بعض العارفين: هذا الحديث قطع ظهور العاملين ولم يبق لهم معه تعلق بعمل وقد انكشف بالخبر والعيان ان شرط العمل الإخلاص وهذا الحديث من أقوى أدلة من قال لا ثواب في عمل إلا إن خلص كله من الرياء وأنه لا يعتبر غلبة الباعث الذي عليه الإمام الغزالي
(ن عن أبي أمامة) قال: قلت يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره قال العلاء والحديث صحيح صححه الحاكم وقال المنذري إسناده جيد وقال الحافظ العراقي حسن وقال ابن حجر جيد وعدل المصنف عن عزوه لأبي داود كما فعل عبد الحق لقول ابن القطان إنه ليس عنده لكن أطلق ابن حجر في الفتح عزوه له(2/275)
1829 - (إن الله لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض) في السجود فوضع الأنف واجب أو مندوب؟ على قولين فيه فمن أوجبه أجرى الحديث على ظاهره وأبطل الصلاة بالإخلال به ومن ندبه حمل الحديث على أن القبول المنفي هو كمال القبول لا أصله
(طب عن أم عطية) الأنصارية الخاتنة قال الهيثمي: فيه سليمان القافلاني وهو متروك(2/275)
1830 - (إن الله لا يقدس) أي يطهر (أمة) أي جماعة (لا يعطون الضعيف منهم) في رواية فيهم (حقه) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحق ليقتضي الوفاء بقيام التوحيد والإنقياد له فإذا وجدهم الحق معظمين له قائمين بوفائه رجع إلى الله تعالى مثنيا عليهم فرجع من الله بالتقديس إليهم والإمداد بالإرشاد حتى يزدادوا قوة على القيام به ومن وجده الحق غير معظم له رجع إلى الله ليشكوه والرحمة تلقى الحق بين يدي الله تعالى مراقبة للحق فكلما جاء الحق يشكو من الخلق حنت الرحمة في محلها حنين الوالهة فيسكن سلطان الغضب ولولا شأن الرحمة ثار السلطان فدمر العباد والبلاد فإذا [ص:276] جاء الحق يشكو مؤذيا معاندا جبارا ثار السلطان بالعقوبات فاعتزلت الرحمة فإن المعاند مبارز فرب قوم تحل منهم العقوبة في طرفة عين ورب آخرين رأسهم مظلمة سنين حتى يقع عليهم وهم في غفلتهم لاهين
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف وظاهره أنه لا يوجد مخرجا في شيء من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه بلفظ لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ورواه الشافعي رضي الله عنه بلفظ الطبراني مصرحا بالسبب فقال إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة نكب عنا ابن أم معبد يعنون ابن مسعود أي اصرفه عنا يا رسول الله ويحتمل أن الأمر لابن مسعود على حذف حرف النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بعثني الله إذن؟ إن الله إلخ أي إن خفتم شره وأذى مجاورته فإنني آخذ للضعبف من القوي حقه أو أراد أن ابن مسعود هو الضعيف وهذا حقه فلم تأمرونه بالإنصراف عنكم انتهى قال ابن حجر: ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان عن جابر وغيرهما(2/275)
1831 - (إن الله تعالى لا ينام) أي يستحيل عليه النوم لأنه انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس لاستراحة القوى والحواس وهو منزه عنه ومن كان بريئا من ذلك لا يشغله شأن عن شأن (لا ينبغي له أن ينام) قال الأشرفي: لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم منه سبحانه أكدها بالثانية الدالة على نفي جواز صدوره عنه إذ لا يلزم من عدم الصدور عدم جواز الصدور وذلك لأنه تعالى لو نام لم تستمسك السماء والأرض هكذا علله به في حديث رواه الموصلي عن أبي هريرة مرفوعا: وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام الله عز وجل فأرسل الله إليه ملكا أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يستحفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطكت يداه فانكسرت القارورتان فضرب الله مثله إن الله عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض انتهى وفيه أمية بن شبل ذكره في الميزان ولم يذكر أن أحدا ضعفه وإنما ذكر له هذا الحديث وضعفه به ورده الهيثمي بأن ابن حبان ذكره في الثقات وحينئذ فهو صحيح (يخفض القسط ويرفعه) أي ينقص الرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول فمحصوله يقلل لمن يشاء ويكثر لمن يشاء بالقسط أو أراد بالقسط العدل الذي يرفع بعدله الطائع ويخفض العاصي وهو إشارة إلى آثار القدرة الكاملة التي لا تقاس عليها غيرها فهو إخبار بأن بيده تصاريف الأمور وتكوينها على ما يشاء وأي زمن شاء وأشار بنوعي الرفع والخفض إلى أن قدرته لا تتعلق بشيء واحد بل يظهر عنها المتضادات والمختلفات والمتماثلات كذا في المطامح وقال التوربشتي: فسر بعضهم القسط بالرزق أي يقتره ويوسعه عبر به عنه لأنه قسط كل مخلوق وبعضهم بالميزان ويسمى قسطا لما يقع به من المعدلة في القسمة وهو أولى لخبر يرفع الميزان ويخفضه ويحتمل أن المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده وأعمالهم المرتفعة إليه ويحتمل أنه إشارة إلى أنه تعالى كل يوم هو في شأن وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها وهذا يناسب قوله ولا ينبغي له أن ينام أي كيف يجوز عليه ذلك وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل (يرفع) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى خزائنه كما يقال حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء أو يعرض عليه وإن كان أعلم به ليأمر ملائكته بإمضاء ما مضى لفاعله جزاء له على فعله (عمل الليل قبل عمل النهار) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار الذي بعده (وعمل النهار قبل عمل الليل) الذي بعده وبه خص عموم خبر ما في رواية لمسلم عمل
[ص:277] النهار بالليل ومعناه يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده وعمل الليل في أول النهار الذي بعده فإن الحفظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل (1) وفيه تعجيل إجابته لمن دعاه وحسن قبوله من عمل له (حجابه النور) أي تحيرت البصائر والأبصار وارتجت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه فهي الحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها وفي رواية لمسلم النار بدل النور. قال الطيبي: وهذا استئناف جواب عمن قال لم لا نشاهد الله فقال: هو محتجب بنور عزته وأشعة عظمته وذلك الحجاب هو الذي تدهش دونه العقول وتذهب الأبصار وتتحير البصائر فحجابه خلاف الحجب المعهودة فكيف يشاهد (لو كشفه) بتذكير الضمير أي النور هذه هي الرواية وفي بعض النسخ كشفها وهو تحريف من النساخ استئناف جواب لمن قال لم لا يكشف الحجب (لأحرقت سبحات) بضم السين والباء جمع سبحة وهي العظمة (وجهه) أي ذاته قال القاضي: وهي الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من الجلال والعظمة (وما انتهى إليه) أي إلى وجهه (بصره) الضمير فيه راجع إلى ما و (من خلقه) بيان له وقيل سبحات وجهه جلاله يعني لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلفه لعدم إطاقته وهو يعد في دار الدنيا منغمس في الشهوات متآلف بالمحسوسات محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرته والإتصال بها ومشاهدة جمالها ذكره القاضي وقال الزمخشري: السبحات جمع سبحة كغرفات وغرفة والسبحة اسم لما يسبح به ومنها سبح العجوز لأنها تسبح بهن والمراد صفات الله التي يسبح بها المسبحون من إجلاله وعظمته وقدرته والنور الآيات البينات التي نصبها إعلاما لتشهد له وتطرق إلى معرفته والإعتراف به فشبهت بالنور في إنارتها وهدايتها انتهى. وقال البعض: أراد بما انتهى إليه جميع المخلوقات من سائر العوالم السفلية والعلوية لأن بصره تعالى محيط بالكل يعني لو كشف الحجاب عن ذاته لاضمحلت جميع مخلوقاته وهذا كله تقريب لأفهام العباد لأن كون الشيء ذا حجاب من أوصاف الجسم والحق سبحانه منزه عن ذلك ثم إن هذا قد تمسك به بعض أهل الاعتزال لمذهبهم من عدم رؤية الله في الآخرة وأجيب بأن المراد منه مرتبة الألوهية والله تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية (تتمة) قال في الحكم: الحق ليس بمحجوب إنما المحجوب أنت عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر {وهو القاهر فوق عباده} كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء في ظهور ذلك الشيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء
(م) في الأيمان (هـ) في السنة (عن أبي موسى) الأشعري واسمه عبد الله بن قيس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخمس كلمات فقال إن الله إلخ
_________
(1) ولا تعارض بينه وبين ما يأتي أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس لأن هذا العرض يوم الإثنين والخميس عرض خاص كما في خبر إن الله تكفل برزق طالب العلم فهو تكفل خاص وإلا فالبارىء يتكفل بأرزاق جميع الخلائق {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ووجه الجمع أن الأعمال تعرض كل يوم فإذا كان الخميس عرضت عرضا آخر يطرح منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب أي من الأعمال المباحة نحو أكل وشرب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب(2/276)
1832 - (إن الله لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم)
[ص:278] {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة والله منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل. والجمال قسمان ظاهري وباطني كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر الله من غيره وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود للعيان <تنبيه> قال الغزالي: قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه انتهى
(م) في الأدب وغيره (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم(2/277)
1833 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر مثوبة أو رحمة أو لطف أو عناية فعبر عن المعنى الكائن عند النظر به لأن من نظر إلى متواضع رحمه أو إلى منكر مقته وفي رواية للشيخين زيادة يوم القيامة (إلى من يجر إزاره) وفي رواية ثوبه أي يسبله إلى تحت كعبيه (بطرا) أي للكبر فهو حرام متوعد عليه بالثأر في عدة أخبار ويفهم منه أن جره إذ لم يكن بطرا لا يحرم بل يكره وسبل الإزار والسراويل والقميص والجبة ونحو ذلك مثله قال العراقي: بل ورد في حديث دخول العمامة
(م) من حديث زياد (عن أبي هريرة) سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره فجعل يضرب على الأرض برجله وهو أمير على البحرين وهو يقول جاء الأمير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى الى أخره وظاهر صنيعه تفرد مسلم به عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا في اللباس وكذا مالك أخر الموطأ(2/278)
1834 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى مسبل إزاره) إلى أسفل الكعبين أي بطرا كما قيده به في الرواية الأولى فإسباله لا للبطر ولا للخيلاء مكروه لا حرام والكلام في إسبال لغير ضرورة هذا في حق الرجل وأجمعوا على حل الإسبال للمرأة (1)
(حم ن عن ابن عباس)
_________
(1) وأما القدر المستحب في ما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد وبالجملة يكره كلما زاد على الحاجة المعتادة في اللباس من الطول والسعة وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء وقد صح الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهن في إرخاء ذيولهن ذراعا(2/278)
1835 - (إن الله تعالى لا ينظر) نظر رحمة (إلى من يخضب) أي يغير لون شعر نحو لحيته أو رأسه لما ارتكبه من الغش والخديعة (بالسواد يوم القيامة) وهذا وعيد شديد يفيد التحريم وموضعه فيما لو خضبه به لغير الجهاد أما خضبه للجهاد فجائز وأخرج بالسواد غيره كصفرة فهو جائز بل مطلوب محبوب
(ابن سعد) في الطبقات (عن عامر مرسلا) عامر في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه(2/278)
1836 - (إن الله لا يهتك) أي لا يرفع (ستر عبد) من عباده (فيه مثقال ذرة من خير) أي شيء قليل منه جدا بل يتفضل [ص:279] عليه بستر قبائحه في هذه الدار ومن ستره فيها لم يفضحه في يوم القرار كما جاء في عدة أخبار وقيل للفضيل: إن قال لك ربك يوم القيامة ما غرك بربك الكريم ما تقول؟ قال: أقول غرتني ستورك المرخاة. قال الزمخشري: ومن المجاز هتك الله ستر التاجر فضحه وقبحوهم فهتكوا أستارهم وتهتك في البطالة أعمل نفسه فيها ورجل متهتك لا يبالي بهتك ستره
(عد عن أنس) وفيه الربيع بن زيد وقال النسائي متروك وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه ثم ساق له هذا الخبر فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب(2/278)
1837 - (إن الله لا يؤاخذ المزاح) أي الكثير المزاح الملاطف بالقول والفعل المازح (الصادق في مزاحه) أي الذي لا يشوب مزاحه بكذب أو بهتان بل يخرجه على ضرب من التورية ونحوها كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز وذلك الذي في عينه بياض ونحو ذلك
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن الديلمي خرجه مسندا باللفظ المزبور من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها(2/279)
1838 - (إن الله تعالى يؤيد هذا الدين) دين الإسلام قال الحرالي: والأيد تضعيف القوة الباطنة وقال الراغب: الأيد القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد (بأقوام) جمع قوم (لا خلاق لهم) أي لا أوصاف حميدة يتلبسون بها قال حجة الإسلام ومنهم عالم طالب للرياسة والقبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعز والوقار وهو في نفسه هالك ويصلح بسببه الدين والخلق إذا كان يدعو إلى رفض الدنيا ظاهرا وينشر الشريعة ويقيم نواميس الشعائر الدينية فهو ممقوت عند الله ويظن أنه عنده بمكان اه. وقال بعضهم: العبد وإن وقع على يديه تأييد للدين ونفع للعباد بالإفتاء والتدريس والتأليف فهو جاهل بخاتمة أمره هذا إذا سلم حال حياته من نحو عجب وشفوف على الناس بعلمه وإلا فحاله ظاهر اه
(ن حب عن أنس) بن مالك (حم طب عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي أسناده جيد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات(2/279)
1839 - (إن الله تعالى يباهي) ملائكته (بالطائفين) بالكعبة أي يظهر لهم فعلهم ويعرفهم أنهم من أهل الحظوة لديه وأهل المباهات المفاخرة والله سبحانه منزه عنها فيؤول بما ذكر
(حل هب) وكذا الخطيب (عن عائشة) قال أبو نعيم لم يروه عن عطاء إلا عائذ بن بشير ولا عنه إلا محمد بن السماك اه وابن السماك قال ابن نمير ليس حديثه بشيء(2/279)
1840 - (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة) أي الواقفين بها ثم بين تلك المباهات بقوله (يقول انظروا إلى عبادي) أي تأملوا حالهم وهيأتهم (أتوني) أي جاؤوا إلى بيتي إعظاما لي وتقربا لما يقربهم مني (شعثا) أي متغيرين الأبدان والشعور والملابس لقلة تعهدهم بالأدهان والإصلاح والشعث الوسخ في بدن أو شعر (غبرا) أي من غير استحداد ولا تنظف قد ركبهم غبار الطريق قال في المطامح: وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر فينتج أن الحج يكفر حق الحق وحق الخلق حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على الله في فضله ولا حق بالحقيقة لغيره وفيه أفضلية عرفة [ص:280] حتى على النحر وهو ما عليه الأكثر فلو قال أنت طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه قال القاضي: وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر فلما رآه قال قد عرفت أو لأن آدم وحواء عليهما السلام التقيا فيه فتعارفا أو لأن الناس يتعارفون فيه
(حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة بنحوه قال الهيثمي رجال أحمد موثوقون(2/279)
1841 - (إن الله تعالى يباهي بالشاب) هو الذي لم يصل إلى حد الكهولة (العابد) لله تعالى (الملائكة يقول انظروا إلى عبدي) هذا الشاب (ترك شهوته من أجلي) أي قهر نفسه فصام نهاره وقام ليله وشغل بالعبادة عن التبسط في الملاذ والتوسع في المطاعم والمشارب والملابس وكفها عن لذاتها ابتغاء لرضاي وأما أنتم أيها الملائكة فلا تقاسون تجرع مرارات مخالفة النفس والهوى لكونكم ليس في أحد منكم خلط ولا تركيب بل كل منكم وحداني الصفة مجبول على الطاعة
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (فر عن طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة وفيه يحيى بن بسطام قال الذهبي في الضعفاء قال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ويزيد بن زياد الشامي قال في الضعفاء قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك(2/280)
1842 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يختبر ويمتحن (عبده المؤمن) القوي على احتمال ذلك (بالسقم) بضم فسكون أي المرض (حتى يكفر عنه كل ذنب) فيجب على العبد أن يشكر الله على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخرة دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى قال القرطبي والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك <تنبيه> قال العارف الجيلاني رضي الله تعالى عنه قد يقرب الله عبده المؤمن ويجتبيه ويفتح قبالة عين قلبه باب الرحمة والمنة والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من مطالعة الغيوب في ملك السماء والأرض ومن تقريب وكلام لطيف ووعد جميل ودلال وإدلال وإجابة دعاء وتصديق وعد وكلمات حكمة تومي إلى قلبه من بعد فتظهر على لسانه ويسبغ على قلبه نعمه الدنيوية والدينية ويديم ذلك عليه برهة حتى إذا اطمأن لذلك واغتر به وظن دوامه فتح عليه بابا من البلاء والمحن في نفسه وأهله وماله وقلبه فينقطع كلما كان فيه من نعيم فيبقى متحيرا حزينا مكسورا مقطوعا به إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسوؤه أو إلى قلبه وباطنه وجد ما يحزنه وإن سأل الله كشف ما به من البلاء لم ترج إجابته وإن طلب وعدا جميلا لم يجده سريعا وإن وعد بشيء لم يصل إليه وإن رأى رؤيا لم يظفر بتعبيرها وتصديقها وإن رام الرجوع إلى الخلق لم يجد إليه سبيلا وإن عمل برخصة تسارع إليه العقاب وسلطت أيدي الخلائق على جسمه وألسنتهم على عرضه وإن طلب الإقالة لم يقل أو الرضى أو التنعم بما هو فيه من البلاء لم يعط وحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والأمان والإرادات في الرحيل والأكوان كلها في التلاشي ويدام ذلك عليه مدة حتى تفنى جميع أوصافه البشرية فإذا صار روحا مجردا تعطف الحق عليه يسمع النداء من باطنه {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وحينئذ يمطر الله على قلبه ماء رحمته ورأفته ولطفه ومنته ويزيل عنه سائر البلاء ويطلق ألسنة خلقه بمدحه والثناء عليه وبذل له الرقاب وتسخر له الملوك والأرباب
(طب عن جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي في سند الطبراني عبد الرحمن بن معاوية ابن الحويرث ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان(2/280)
[ص:281] 1843 - (إن الله تعالى يبتلي) أي يمتحن ويختبر (العبد فيما أعطاه) من الرزق (فإن رضى بما قسم الله له) أي بالذي قسم له منه أو بقسمة الله (بورك له) بالبناء للمفعول يعني بارك الله له فيه (ووسعه) عليه (وإن لم يرضى) به (لم يبارك له) فيه (ولم يزده على ما كتب له) أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلا لأكثر مما قدر له واعترض على الله في حكمته. قال بعضهم: وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقلله ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائما فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلسا لا هو شاكر ولا نال ما طلب
(حم و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجم الصحابة (هب) كلهم (عن) عبد الله بن الشخير (عن رجل من بني سليم) قال عبد الله: لا أحبسه إلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإبهام الصحابي غير قادح لأنهم كلهم عدل كما مر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح(2/281)
1844 - (إن الله تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه (ليتوب مسيء النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة (ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) يعني يقبل التوبة من العصاة ليلا ونهارا أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجيء في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة الله وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك (حتى تطلع الشمس من مغربها (1)) فإذا طلعت منه غلق باب التوبة قال في المطامح: ومن أنكر طلوعها من مغربها كفر وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنه ينكره نعوذ بالله من الخذلان انتهى وأنت خبير بأن جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحا سيما في حق العامة لأنه لم يبلغ مبلغ المعلوم من الدين بالضرورة ومجرد وروده في أخبار صحاح لا يوجب التكفير فتدبر
(حم م) في التوبة (عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا النسائي في التفسير ولم يخرجه اليخاري
_________
(1) قال النووي معناه يقبل التوبة من المسيئين نهارا وليلا حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يختص قبولها بوقت وبسط اليد استعارة في قبول التوبة للمسيء وقال المناوي يعني يبسط يد الفضل والإنعام لا يد الجارحة فإنها من لوازم الأجسام فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة(2/281)
1845 - (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها (على رأس كل مئة سنة) من الهجرة أو غيرها على ما سبق تقريره والمراد الرأس تقريبا (من) أي رجلا أو أكثر (يجدد (1) لها دينها) أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم وينصر [ص:282] أهله ويكسر أهل البدعة ويذلهم قالوا: ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة. قال ابن كثير: قد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومحدث وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم ومر تعيين المبعوث على كل قرن وأن المؤلف ذكر أنه المجدد التاسع وصرح به في قصيدة بقوله:
الحمد لله العظيم المنه. . . المانح الفضل لأهل السنة. . . ثم الصلاة والسلام نلتمس
على نبي دينه لا يندرس. . . لقد أتى في خبر مشتهر. . . رواه كل عالم معتبر
بأنه في رأس كل مئة. . . يبعث ربنا لهذى الأمة. . . منا عليها عالما يجدد
دين الهدى لأنه مجتهد. . . فكان عند المئة الأولى عمر. . . خليفة العدل بإجماع وقر
والشافعي كان عند الثانية. . . لما له من العلوم السامية. . . وابن سريج ثالث الأئمة
والأشعري عده من أمه. . . والباقلاني رابع أو سهل أو. . . الاسفرايني خلف قد حكوا
والخامس الحبر هو الغزالي. . . وعده ما فيه من جدال. . . والسادس الفخر الإمام الرازي
والرافعي مثله يوازي. . . والسايع الراقي إلى المراقي. . . ابن دقيق العيد بإتفاق
والثامن الحبر هو البلقيني. . . أو حافظ الأنام زين الدين. . . والشرط في ذلك أن تمضي المئة
وهو على حياته بين الفئة. . . يشار بالعلم إلى مقامه. . . وينصر السنة في كلامه
وأن يكون جامعا لكل فن. . . أن يعم علمه أهل الزمن. . . وأن يكون في حديث قد ورى
من أهل بيت المصطفى وقد قوى. . . وكونه فردا هو المشهور. . . قد نطق الحديث والجمهور
وهذه تاسعة المئين قد. . . أتت ولا يخلف ما الهادي وعد. . . وقد رجوت أنني المجدد
فيها بفضل الله ليس يجحد. . . وآخر المئين فيما يأتي. . . عيسى نبي الله ذو الآيات
يجدد الدين لهذي الأمة. . . وفي الصلاة بعضنا قد أمه. . . مقرر لشرعنا ويحكم
بحكمنا إذ في السماء يعلم. . . وبعده لم يبق من مجدد. . . ويرفع القرآن مثل ما بدى
وفي حديث لأبي داود منا أهل البيت أي لأن آل محمد صلى الله عليه وسلم كل تقي
(د) في الملاحم (ك) في الفتن وصححه (والبيهقي في) كتاب (المعرفة) له كلهم (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي وغيره سنده صحيح ومن ثم رمز المؤلف لصحته
_________
(1) قال العلقمي معنى التجديد إحياء ما ندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما واعلم أن المجدد إنما هو بغلبة الظن بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه(2/281)
1846 - (إن الله يبعث ريحا من اليمن) وفي رواية من الشام ولا تنافي أنها ريح شامية يمانية أو لأن مبدأها من حد الإقليمين ثم تصل للآخر وتنشر عنه وزعم أن اليمن بضم فسكون وأن المراد البركة يرده ذكر الشام في الرواية الأخرى (ألين من الحرير) في هذا الوصف إشارة إلى الرفق بالمؤمنين في قبض أرواحهم وفيه أن استعمال الريح في الشر غالبي لا كلي (فلا تدع) أي تترك (أحدا في قلبه مثقال حبة) في رواية ذرة (من إيمان) أي وزنها منه والمثقال معروف لكن ليس المراد به هنا حقيقته بل عبر به لأنه أقل ما يوزن به عادة غالبا (إلا قبضته) أي قبضت روحه بمعنى أنه يحصل قبضة مع هبوبها فلا ينافي أن القابض ملك الموت عليه السلام ولا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي إلخ لأن معناه حتى يقبضهم الريح الطيبة قرب القيامة وفيه أن الإيمان يزيد وينقص وأن المؤمنين يرفق بهم لكن هذا غالبي وإلا فكم من سعيد صعب عليه الموت وشقي سهل عليه
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح(2/282)
[ص:283] 1847 - (إن الله تعالى ببعض السائل الملحف) أي الملح الملازم أخذا من اللحاف الذي يشتمل به الإنسان ويتغطى به للزومه ما يغطيه ومنه لاحفه أي لازمه قال الحرالي: هو لزوم ومدافعة في الشيء من حروف الحلق الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية انتهى وفي الفردوس قيل المراد هنا بالملحف من عنده غداء وهو يسأل العشاء وقد ذم الله تعالى السائل إلحافا في ضمن ثنائه على ضده بقوله {لا يسألون الناس إلحافا}
(حل عن أبي هريرة) وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معا الذهبي في الضعفاء(2/283)
1848 - (إن الله تعالى يبغض الطلاق) أي قطع النكاح بلا عذر شرعي (ويحب العتاق) لما فيه من فك الرقبة وتثبت به من قال لا يحل الطلاق إلا لضرورة يعني عند قيام الحاجة إلى الخلاص وهو مذهب الحنفية وقال الشافعي هو مباح أصالة وقد تجري فيه الأحكام الخمسة
(فر) من جهة محمد بن الربيع عن أبيه عن حميد بن مكحول (عن معاذ بن جبل) قال السخاوي وهو ضعيف منقطع فمكحول لم يسمع معاذا وحميد مجهول وقيل عنه عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وكلها ضعيفة والحمل فيه كما قال الجوزي على حميد(2/283)
1849 - (إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال) أي المظهر للتفصح تيها على الغير وتفاصحا واستعلاء ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم أو تعظيم حقير أو بقصد تعجيز غيره أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه أو إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته فلا ينافي كون الجمال في اللسان ولا أن المروءة في البيان ولا أنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها ولا يناقض هذا {خلق الإنسان علم البيان} لأن جعله من نعم الوهاب آية أن موضع البغض ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم فمن فهم تناقض الخبر والآية فقد وهم وإلى ذلك المعنى المراد يشير قوله (الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة) جماعة البقر (بلسانها) أي الذي يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة ووجه الشبه إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها ذكره جمع أخذا من قول التوربشتي ضرب للمعنى مثلا يشاهده الراؤون من حال البقرة ليكون أثبت في الضمائر وذلك أن كل دابة تأخذ النبات بأسنانها والبقرة بلسانها يضرب بها المثل لأنهم كانوا في مغزاهم كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوك والحلو والمر بل تلف الكل بلسانها لفا فكذا هؤلاء لا يميزون في مأكلهم بين الحلال والحرام {سماعون للكذب أكالون للسحت} وقال القاضي: شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحا بما يفعل البقر وما ذكر من أن الرواية يتخلل بخاء معجمة هو المشهور وفي بعض نسخ المصابيح يتجلل بالجيم قال القاضي فيكون تشبيها له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسات وبغض الله إرادته عقاب من أبغضه وإيقاع الهوان به قال الغزالي: مر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تتبالغ؟ ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق. قال في الأذكار: فيكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقامات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول فكله من التكلف المذموم وكذا تحري دقائق الأعراب ووحشي اللغة حال مخاطبة العوام قال بعض العارفين: لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات ألا ترى كيف جعل الله موسى أفضل من أخيه عليهما السلام لفصاحة ذاته وكان هارون عليه السلام [ص:284] أفصح منه في نطقه وبلاغته {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ولله در القائل:
سر الفصاحة كامن في المعدن. . . لخصائص الأرواح لا للألسن
وقال: يا من أعرب فما أغرب وعبر فما غبر وأثار المغنى وما أنار المعنى هل الجنان لمن أصلح الجنان أم لمن أتى بالإغراب في الإعراب؟ وقال بعضهم:
لسان فصيح معرب في كلامه. . . فيا ليته في موقف الحشر يسلم
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى. . . وما ضر ذا تقوى لسان معجم
<تنبيه> البلاغة عند المتقدمين أن يبلغ بعبارة لسنه كنه ما في جنانه أو إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ أو الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار في الكلام أو قليل لا يبهم وكثير لا يسأم أو إجمال اللفظ واتساع المعنى أو تقليل اللفظ وتكثير المعنى أو حسن الإيجاز وإصابة الحقيقة والمجاز أو سهولة اللفظ مع البديهة أو لمحة دالة أو كلمة تكشف البغية أو الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ أو النطق في موضعه والسكوت في موضعه أو معرفة الفصل والوصل أو الكلام الدال أوله على آخره وعكسه أقوال وفي عرف أهل المعاني والبيان مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة وهي خلوه عن التعقيد
(حم د) في الأدب (ن) في الاستئذان (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي حسن غريب اه. وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدمي قال في الكاشف: كان مدلسا موثقا وهذا الحديث رواه العسكري عن ابن عمر ونحوه وزاد في آخره لفظة فقال إن الله عز اسمه يبغض الرجل البليغ الذي يلغت لسانه كما يلغت الباقر بلسانها الحلاوة(2/283)
1850 - (إن الله تعالى يبغض البذخين) بباء موحدة وذال وخاء معجمتين اسم فاعل من البذخ الفخر والتطاول (الفرحين) فرحا مطغيا لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه كما يدل عليه تعقيبه بقوله (المرحين) من الرمح وهو الخيلاء والتكبر الذين اتخذوا الشماخة والكبر والأشر والبطر والاستغراق في اللهو والفرح بما أوتوا ديدنا وشعارا ومن فرح بحظ الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي نفسه ويحب كل قلب حزين
(فر عن معاذ بن جبل) وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال في الميزان قال الدارقطني متروك يضع الحديث <تنبيه> علاج من استخفه الفرح إكثار ذكر الموت واستحضار قبح الدنيا وسرعة زوالها وكدحها(2/284)
1851 - (إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب) بكسر الغين المعجمة أي الذي لا يشيب أو الذي يسود شيبه بالخضاب ذكره الزمخشري وعلى الأول فالمراد به من يعمل عمل من لحيته سوداء يعني عمل الشباب من اللهو واللعب والخفة والطيش والإكباب على الشهوات والاسترسال في اللذات
(عد) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه رشدين فإن كان ابن سعد فقد ضعفه الدارقطني أو ابن كريب فضعفه أبو زرعة(2/284)
1852 - (إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم) أي كثير الظلم لغيره بمعنى أنه يعاقبه وليس المراد أنه لا يبغض الفقير الظلوم بل المراد أن كثرة الظلم مع الغنى أشد قبحا وأعظم جرما وأكثر عذابا وعبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن من وقع منه هفوة من ظلم لا يكون مبغوضا (والشيخ الجهول) أي الجاهل بالفروض العينية التي يلزمه تعلمها أو الذي يفعل فعل الجهال وإن كان عالما وليس المراد أنه لا يبغض الشاب الجهول بذلك بل بيان أن جهل الشيخ الذي وصل إلى حال الإنابة وأعذر الله إليه في العمر وأشرف على القدوم على الآخرة أقبح لاغتراره بالله تعالى وتماديه في غفلته (والعائل المختال) بخاء معجمة أي الفقير الذي له عيال محتاجون وهو يختال أي يتكبر عن تعاطي ما يقوم [ص:285] بأودهم ويهمل أمرهم ويضيعهم وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ولم يعبر فيه بصيغة المبالغة لعظم جرم التكبر وشر عاقبته لما فيه من منازعة الله في دائه فالقليل منه ليس في محل العفو كما في ذينك
(طس عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه الحارث الأعور وهو ضعيف(2/284)
1853 - (إن الله يبغض الفاحش المتفحش) قال القرطبي: الفاحش المجبول على الفحش الذي يتكلم بما يكره سماعه مما يتعلق بالدين أو الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي وهو الجفاء في الأقوال والأفعال والمفتحش المتعاطي لذلك المستعمل له وقيل الفاحش المتبلس بالفحش والمتفحش المتظاهر به لأنه تعالى طيب جميل فيبغض من لم يكن كذلك قال تعالى { {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال الفخر الرازي: وقد عاتب الله تعالى نوحا عليه الصلاة والسلام عند دعائه على قومه بالهلاك. وقال {المؤمنون بعضهم أولياء بعض} ولم يقل أعداء بعض وقال موسى وهارون عليهما الصلاة السلام {فقولا له قولا لينا}
(حم عن أسامة بن زيد) قال الهيثمي رواه بأسانيد أحدها رجاله ثقات(2/285)
1854 - (إن الله يبغض المعبس) بالتشديد (في وجوه إخوانه) أي الذي يلقاهم بكراهة عابسا وفي إفهامه إرشاد إلى الطلاقة والبشاشة مع الإخوان
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه محمد بن هارون الهاشمي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني ضعيف عن عيسى بن مهران قال في الضعفاء كذاب رافضي(2/285)
1855 - (إن الله تعالى يبغض الوسخ) الذي لا يتعهد بدنه ولا ثيابه من الوسخ (والشعث) لأنه تعالى نظيف يحب النظافة ويحب من خلقه من تخلق بها ويكره أضدادها. قال في المصباح: والوسخ ما يعلو الثوب وغيره من قلة التعهد وتوسخت يده تلطخت بالوسخ. قال الزمخشري: ومن المجاز لا تأكل من أوساخ الناس ولا يعارضه خبر إن الله يحب المؤمن المتبذل لأن المراد به تارك التزين تواضعا كما يأتي
(هب عن عائشة) رضي الله عنها وفيه محمد بن الحسين الصوفي وقد سبق أنه كان وضاعا وخالد بن حجيج قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب(2/285)
1856 - (إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا) أي بما يبعده عن الله من الإمعان في تحصيلها (جاهل بالآخرة) أي بما يقربه إليها وبدنيه منها لأن العلم شرف لازم لا يزول دائم لا يمل ومن قدر على الشريف الباقي أبد الآباد ورضي بالخسيس الفاني في أمد الآماد فجدير بأن يبغض لشقاوته وإدباره ولو لم يكن من شرف العلم إلا أنه لا يمتد إليه أيدي السراق بالأخذ ولا أيدي السلاطين بالعزل لكفى فكيف وهو بشرطه المتكفل بسعادة الدارين
(ك في تاريخه عن أبي هريرة) وفيه أبو بكر النهشلي شيخ صالح تكلم فيه ابن حبان(2/285)
1857 - (إن الله تعالى يبغض البخيل) مانع الزكاة أو أعم (في حياته السخي عند موته) لأنه مضطر في الجود وحينئذ لا مختار لعلمه أن دنياه قد أدبرت وأن إمساك المال لا ينفعه حينئذ لكن إن فعل أثيب ثوابا أنقض من ثوابه حال الصحة
(خط في كتاب البخلاء) أي في الكتاب الذي ألفه في ذم البخلاء (عن علي) أمير المؤمنين وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه له على سنده(2/285)
[ص:286] 1858 - (إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له) بزاي فموحدة فراء أي لا عقل له يزبره أي ينهاه عن الإثم أو لا عقل له يعتد به أو يحتفل به أو لا تماسك له عن الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا ينزجر عن محرم كذا قرره جمع لكن في الميزان يعني الشدة في الحق وروي بذال معجمة أي لا نطق له ولا لسان يتكلم به لضعفه أو لا فهم له أو لا إتقان له ذكره ابن الأثير وفي رواية بدل المؤمن الضعيف الذي لا زابر له
(عق عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مسمع الأشعري وقال لا يتابع عليه ولا يعرف بالنقل وتبعه في اللسان كأصله(2/286)
1859 - (إن الله يبغض ابن السبعين) من السنين (في أهله) كناية عن شدة التواني ولزوم التكاسل والتقاعد عن قضاء حوائجهم (ابن عشرين) من السنين (في مشيته) بكسر الميم (ومنظره) أي من هو في مشيته وهيئته كالشاب المعجب بنفسه الفرح بحياته الطائش في أحواله ولفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ بتعريف السبعين والعشرين
(طس) وكذا الديلمي (عن أنس) وقال: أعني الطبراني لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وقال الهيثمي: وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث وهو ضعيف(2/286)
1860 - (إن الله تعالى يتجلى) بالجيم (لأهل الجنة) في الجنة (في مقدار كل) يوم (جمعة) من أيام الدنيا (على كثيب كافور) بالإضافة وبدونها (أبيض) فيرونه عيانا وذلك هو يوم عيد أهل الجنة وإنما قال في مقدار ولم يكتف بقوله في كل يوم جمعة لأن الجنة ليس فيها نهار ولا ليل كالدنيا. قال العارف ابن عربي: إذا وجد الشيء في عينه جاز أن يراه ذو العين بعينه المقيدة بوجهه الظاهر وجفنه ولو كانت الرؤية تؤثر في المرء لأحلناها فقد بانت المطالب كما ذكرناها. اه. وخص المؤلف الرؤية في الآخرة بالذكور وبدليل أنهم يرجعون إلى نسائهم فيعجبون بما زيد لهم من النور وخالف الشمس الجوهري وقال: ظاهر صحاح الأخبار العموم ووقع بينهما تنازع أدى إلى تقاطع وألف فيه المؤلف تأليفا سماه إسبال الكساء على النساء استدل فيه بأخبار وآثار ضعيفة لا يحتج بها
(خط) عن الحسن بن أبي الحسين الوراق عن عمر بن أحمد الواعظ عن جعفر بن محمد العطار عن جده عبد الله بن الحكم عن عاصم عن حميد الطويل (عن أنس) بن مالك حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: لا أصل له جعفر وجده وعاصم مجهولون وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه(2/286)
1861 - (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم) أيها المؤمنون (عملا أن يتقنه) أي يحكمه كما جاء مصرحا به في رواية العسكري فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصور والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه الله عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة كما ذكر أن صانعا عمل عملا تجاوز فيه ودفعه لصاحبه فلم ينم ليلته كراهة أن يظهر من عمله عملا غير متقن فشرع في عمل بدله حتى أتقن ما تعطيه الصنعة ثم غدا به لصاحبه فأخذ الأول وأعطاه الثاني فشكره [ص:287] فقال: لم أعمل لأجلك بل قضاء لحق الصنعة كراهة أن يظهر من عملي عمل غير متقن فمتى قصر الصانع في العمل لنقص الأجرة فقد كفر ما علمه الله وربما سلب الإتقان <تنبيه> ما ذكر في شرح هذا الحديث هو ما لبعض الأئمة لكني رأيت في رواية ما يدل على أن المراد بالإتقان الإخلاص ولفظها إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه. قالوا: يا رسول الله وما اتقانه قال: يخلصه من الرياء والبدعة
(هب عن عائشة) وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما(2/286)
1862 - (إن الله يحب من العامل) أي من كل عامل (إذا عمل) عملا في طاعة (أن يحسن) عمله بأن لا يبقى فيه مقالا لقائل ولا مفرجا لغائب. قال الراغب: العاقل من تحرى الصدق في صناعته وأقبل على عمله وطلب مرضاة ربه بقدر وسعه وأدى الأمانة بقدر جهده ولم يشتغل عن عبادة ربه كما قال تعالى {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} <تنبيه> قال النووي: المحبة الميل ويستحيل أن يميل الله تعالى أو يمال إليه وليس بذي جنس ولا طبع فيوصف بالشوق الذي تقتضيه الطبيعة البشرية فمحبته للعبد إرادته تنعيمه أو هي إنعامه فعلى الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل وأما محبة العبد لله تعالى فإرادته أن يحسن إليه اه
(هب) من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب (عن) أبيه (كليب) بن شهاب الحري قال العلاء: قال لي محمد بن سوقة اذهب بنا إلى رجل له فضل فانطلقنا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أن قال حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول سووا في حد هذا حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن إن الله إلخ وقطبة ابن العلاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به قال أعني الذهبي والده العلاء لا يعرف وعاصم بن كليب قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به اه وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال له ولأبيه شهاب صحبة لكن قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة وعليه فالحديث مرسل(2/287)
1863 - (إن الله يحب إغاثة اللهفان) أي المكروب أي إعانته ونصرته يقال تلهف على الشيء ولهف إذا حزن وتحسر عليه فهو لهفان وملهوف ولهيف أي مكروب وورد في فضل إعانته أخبار وآثار تحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع فيها واستفراغ الجهد في المحافظة عليها وسيمر بك كثير من ذلك في أحاديث هذا الجامع
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لم يره ولا شهر ولا أحق بالعزو منه إليه وهو عجيب فقد رواه أبو يعلى وكذا الديلمي من حديث أنس باللفظ المزبور(2/287)
1864 - (إن الله تعالى يحب الرفق) بكسر فسكون لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف (في الأمر كله) في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر وهذا قاله لما قالت اليهود لعائشة رضي الله تعالى عنها عندها السام عليك قالت بل عليكم السام واللعنة <تنبيه> عرف في شرح الرسالة العضدية الرفق بأنه حسن الانقياد إلى ما يؤدي إلى الجميل
(خ عن عائشة) قضية كلام المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول عجيب فقد رواه مسلم أيضا باللفظ المزبور عن عائشة المذكورة في كتاب الاستئذان لكن الإنسان محل النسيان(2/287)
[ص:288] 1865 - (إن الله يحب السهل) في قوله وفعله أي المتهلل الوجه البسام والمتيسر في أمره غير المتعسر فتراه سهلا في دنياه في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه فيشعر بحقارة الدنيا وتراه سهلا في معاشرة الخلق لين الجانب حسن الصحبة ذا رفق لهم وكذا في أمر الدين سهل الانقياد إلى طاعة ربه. قال بعضهم: المؤمن أسهل شيء وأيسره فإذا تعرض لدينه كان كالجبل (المطلق) وفي نسخ الطليق والأول هو ما في خط المؤلف يعني طلق الوجه ظاهر البشر لأن الله سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب التخلق بشيء منها والسهولة والطلاقة داخلان فيما تسمى به إذ هما من الحلم والرحمة وفي رواية الطلق يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه إذا كان في وجهه طلاقة وبشاشة وقال أبو زيد رجل طليق الوجه متهلل بسام
(الشيرازي) وكذا الديلمي (هب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبيهقي وسنده ضعيف انتهى. وذلك لأن فيه أحمد بن عبد الجبار البلخي أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وحديثه مستقيم قال الدارقطني وغيره متروك(2/288)
1866 - (إن الله يحب الشاب) وهو من بلغ ولم يتجاوز ثلاثين سنة (التائب) أي الراجع إلى الله تعالى عن قبيح فعله وقوله لأن الشبيبة حال غلبة الشهوة وحدة النفس وقوة الطبع وضعف العقل وقلة العلم فأسباب المعصية فيها قوية وأسباب العصمة ضعيفة فتغلب الشاب قيواقع المنهي فإذا تاب مع قوة الداعي استوجب محبة الله له ورضاه عنه مكايدة للنفس والشيطان
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أنس) قال الزين العراقي سنده ضعيف(2/288)
1867 - (إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه) أي يصرفه كله (في طاعة الله تعالى) لأنه لما تجرع مرارة الصبر وحبس نفسه عن لذاتها في محبة الله ورجاء ما عنده من الثواب جوزي بمحبة الله له والجزاء من جنس العمل ومن ثم كان صبر السلطان على ترك الظلم والفتى على الشهوات أفضل من صبر غيرهما على ذلك
(حل عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء تركوه وأبهمه بعضهم وسالم الأفطس قال ابن حبان ينفرد بالمعضلات(2/288)
1868 - (إن الله تعالى يحب الصمت) أي السكوت حيث لا ضرورة إلى الكلام (عند ثلاث) من الأشياء. الأول: (عند تلاوة القرآن) أي شيء منه ليتدبر معانيه ويتأمل أحكامه قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (و) الثاني: (عند الزحف) أي عند التقاء الصفوف في الجهاد لأن السكوت أهيب وأرهب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره الصوت عند القتال كما يأتي وذلك لأن الساكن الساكت أهيب وأرهب (و) الثالث: (عند الجنازة) أي عند المشي معها والغسل والصلاة عليها وتشييعها إلى أن تقبر ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا شهد جنازة أكثر الصمات وأكثر حديث نفسه وكان إذا تبع جنازة علا كربه وأقل الكلام ولا يعارض ذلك خبر أكثروا في الجنازة من قول لا إله إلا الله لأن المراد أنه يقوله سرا
(طب) وكذا أبو يعلى (عن زيد بن أرقم) قال ابن الجوزي قال أحمد ليس بصحيح وقال ابن حجر في سنده راو لم يسم وآخر مجهول وقال الهيثمي فيه رجل لم يسم(2/288)
1869 - (إن الله تعالى يحب العبد) المؤمن (التقي) بمثناة فوقية من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهي عنه وهو [ص:289] فعيل من الوقاية تاؤه مقلوبة عن واو وقيل هو المبالغ في تجنب الذنوب (الغني) غنى النفس كما جزم به في الرياض وهو الغني المحبوب وأشار البيضاوي وعياض والطيبي إلى أن المراد غنى المال والمال غير محذور لعينه بل لكونه يعوق عن الله فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير وعكسه (الخفي) بخاء معجمة أي الخامل الذكر المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه ليتفرغ للتعبد قال ابن حجر وذكر للتعميم إشارة إلى ترك الرياء وروى بمهملة ومعناه الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء قال الطيبي والصفات الثلاثة الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي والغني للفقير والخفي على الروايتين لما يضادها فإذا قلنا إن المراد بالغنى غنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر منهم وفيه على الأول حجة لمن فضل الاعتزال وآثر الخمول على الاشتهار. قال بعض العارفين: طريق القوم لا تصلح إلا لمن كنست بأرواحهم المزابل وقيل:
ليس الخمول بعار. . . على امرئ ذي كمال. . . فليلة القدر تخفى. . . وتلك خير الليالي
(حم م) في آخر صحيحه (عن سعد) بن أبي وقاص كان في إبله فجاء ابنه فقال نزلت ههنا وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره ولم يخرجه البخاري(2/288)
1870 - (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المفتن) بفتح التاء مشددة مبنيا للمفعول أي الممتحن بالذنب (التواب) أي الكثير التوبة أي الذي يتوب ثم يعود ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا قال الحرالي وهذا تأنيس لقلوب المجروحين من معاودة الذنب بعد التوبة منه وقال ابن عربي: يريد أنك إذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان الله توابا عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فمن أساء إليه أحد من عباد الله تعالى فرجع عليه بالإحسان إليه في مقابلة إساءته فهو التواب المحبوب إلى الله هكذا فلتعرف حقائق الأمور لا أنه تعالى يختبر عبده بالمعاصي حاش الله أن يضاف مثل هذا إليه وإن كانت الأفعال كلها لله تعالى من حيث كونها أفعالا وما هي معاصي إلا من حيث حكم الله فيها بذلك فأفعال الله كلها حسنة من حيث هي أفعاله فافهم
(حم) وكذا أبو يعلى والديلمي (عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه انتهى وقال شيخه الزين العراقي سنده ضعيف(2/289)
1871 - (إن الله تعالى يحب العطاس) أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم كما في الفتح وهو يفتح المسام ويخفف الدماغ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه ويخفف الغذاء وهو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة ويسهل عليه الطاعة ومن ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق (ويكره التثاؤب) بالهمز وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم بلا قصد وذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن وثقله وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل فيثبط صاحبه عن الطاعة فيضحك منه الشيطان ولهذا سن الشرع كظمه ورده ما أمكن
(خ) في آخر الأدب من الصحيح (د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة وزاد في الصلاة وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو وهم بل روياه معا ثم إن هذا لفظ أبي داود أما البخاري فزاد عقب يكره التثاؤب وإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان انتهى فاقتصار المصنف على بعض وحذف بعض غير صواب(2/289)
1872 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المبتذل) بالبناء للفاعل أي التارك للزينة تواضعا وزاد في رواية المحترف أي الذي [ص:290] له صناعة يكتسب منها فإن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وكان ابن مهران يحث أصحابه على الكسب ويقول لهم حصلوا قوتكم ثم أغلقوا عليكم بيوتكم وقالوا له مرة إن هنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا حتى يأتينا رزقنا فقال هؤلاء قوم حمق هذا لا يصح إلا لمن كان له يقين كيقين إبراهيم وفسر المبتذل بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) أهو من الثياب الفاخرة أو من أدنى اللباس وأقله قيمة لأن ذلك هو دأب الأنبياء وشأن الأولياء ومنهج الحكماء قال بعضهم: البس من الثياب ما يخدمك ولا يستخدمك وقال العتبي: أخزى الله من ترفعه هيئة ثيابه وماله لا أكبراه همته ونفسه وإنما لهيئة للأدنياء والنساء والتزين باللباس للرجال من المعايب والمذام إذ هو من صفة ربات الحجال. قال الغزالي: الذين ينظفون ثيابهم ويزينوها ويطلبون الثياب الرفيعة والسجادات الملونة لا فرق بينهم وبين العروس التي تزين نفسها طول النهار ولا فرق بين أن يعبد الإنسان نفسه أو يعبد صنما ومن راعا في ثوبه شيئا غير كونه حلالا وطاهرا بحيث يلتفت إليه قلبه فهو مشغول بنفسه فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربا بنفسه عنه ويعيش مخشوشنا متمعددا أو إن أراد أن يزين نفسه زينها من باطنه بلباس التقوى وقال حجة الإسلام: البس ما يدفع الحر والبرد ويستر العورة وهو كساء يغطي به رأسه وأوسطه قميص وقلنسوة ونعلان وأعلاه أن يكون معه منديل وسراويل. روي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة السلام لبس المسوح حتى نقب جلده فقالت له أمه البس مكان المسح جبة من الصوف ففعل فأوحى الله إليه يا يحيى آثرت علي الدنيا فبكى ونزعها وعاد لما كان. وقال أحمد: بلغ أويس من العري إلى أن جلس في قوصره قال أحمد الغزالي وكانت قيمة ثوبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واحتذى نعلين جديدتين فأعجبه حسنهما فخر ساجدا وقال تواضعت لربي خشية أن يمقتني ثم خرج بهما إلى أول مسكين لقيه فأعطاه إياهما وعد على قميص عمر رضي الله عنه اثني عشر رقعة من أدم واشترى علي كرم الله وجهه ثوبا بثلاثة دراهم فلبسه وهو خليفة وقطع كميه من رسغه وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه وفي تاريخ ابن عساكر أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام تلقته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه فجعلهما تحت إبطه فقيل له يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وأنت على هذا الحال قال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره
(هب) من حديث ابن لهيعة عن عقيل عن يعقوب بن عتبة عن المغيرة بن الأخنس (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي كذا وجدته في كتابي والصواب عن يعقوب عن المغيرة مرسلا انتهى وعزاه المنذري للبيهقي وضعفه(2/289)
1873 - (إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) أي المتكلف في طلب المعاش بنحو صناعة وزراعة وتجارة وذا لا ينافي التوكل. مر عمر رضي الله عنه بقوم فقال ما أنتم قالوا متوكلون قال لا بل أنتم متآكلون إنما المتوكل من ألقى حبه في الأرض وتوكل على ربه فليس في طلب المعاش والمضي في الأسباب على تدبير الله ترك التفويض والتوكل بالقلب إنما ترك التوكل إذا غفل عن الله وكان قلبه محجوبا فإذا اشتغل بالمعاش وطلبه بقلب غافل عن الله تعالى فصار فتنة عليه وأخرج البيهقي عن ابن الزبير قال أشر شيء في العالم البطالة وذلك أن الإنسان إذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهره فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ فيتوالد فيه نسله توالدا أسرع من توالد كل حيوان ومن ثم قيل الفراغ للرجل غفلة وللنساء غلمة وفي الحديث ذم لمن يدعي التصوف ويتعطل عن المكاسب ولا يكون له علم يؤخذ عنه ولا عمل في الدين يقتدي به ومن لم ينفع الناس بحرفة يعملها يأخذ منافعهم ويضيق عليهم معاشهم فلا فائدة في حياته لهم إلا أن يكدر الماء ويغلي الأسعار ولهذا كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل: أله حرفة؟ فإذا قيل: لا سقط من عينه ومما يدل على قبح من هذا صنيعه ذم من يأكل مال نفسه إسرافا وبدارا فما حال من أكل مال غيره ولا ينيله عوضا ولا يرد عليه بدلا؟ قال العارف البرهان [ص:291] المتبولي: حكم الفقير الذي لا حرفة له كالبومة الساكنة في الخراب ليس فيها نفع لأحد ولما ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة لم يأمر أحدا من أصحابه بترك الحرفة وقال العارف الخواص رضي الله عنه: الكامل من يسلك الناس وهم في حرفهم لأنه ما ثم سبب مشروع إلا وهو مقرب إلى حضرة الله تعالى وإنما يبعد الناس من الحضرة الإلهية عدم إصلاح نيتهم في ذلك الأمر علما أو عملا
(الحكيم) الترمذي (طب هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير والأوسط فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الميزان أبو الربيع السمان قال أحمد مضطرب الحديث والنسائي لا يكتب حديثه والدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الحديث انتهى ونقل الزين العراقي والزركشي تضعيفه عن ابن عدي وأقره. وقال المصنف في سنده متروك قال السخاوي لكن له شواهد(2/290)
1874 - (إن الله تعالى يحب المداومة) أي الاستمرار والملازمة (على الإخاء) بكسر أوله والمد (القديم فداوموا عليه) ندبا بتعهد من آخيتموه في الله منذ زمان ولا تتسببوا في قطعه بالجفاء وعدم الوفاء وقال ابن الأثير وفي حديث معاوية عليك بصاحبك الأقدم فإنك تجده على مودة واحدة وإن قدم العهد وانتاطت البلاد أي بعدت ولذلك عدوا من حق الصحبة حفظ المودة القديمة والأخوة السالفة ودخلت امرأة على المصطفى صلى الله عليه وسلم فأدناها وقربها وسألها عن حالها فقالت له عائشة رضي الله عنها في ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وسيجيء ذلك. قال الحكيم: من أحب أن تدوم له المودة في القلوب فليحفظ مودة إخوانه القدماء وما أحسن مودة إخوان الصلاح وما أجل خدمة أرباب الفلاح فمن فاز بودهم حاز النجاح ومن حرمه فاته الرباح ولله در من قال من أهل الأدب في معنى هذا الأدب:
ما ذاقت النفس على شهوة. . . ألذ من حب صديق أمين
من فاته ود أخ صالح. . . فذلك المغبون حق اليقين
وقد أفاد هذا الحديث ندب زيارة الإخوان وتعهدهم ووفاء حقوقهم غيبة وحضورا لله تعالى حتى يعظم من انتسب إليهم بوجه من وجوه الطاعة واجتمع بهم برهة من الزمان ولو ساعة
(فر) من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر (عن جابر) قال في اللسان هذا منكر بمرة ولا أظن سفيان بن عيينة حدث به فقط(2/291)
1875 - (إن الله تعالى يحب حفظ الود) أي الحب الشديد المتأكد (القديم) قدما نسبيا وهذا وارد على منهج تأكد زيارة الإخوان في الله وتفقد حالهم والإهداء إليهم واصطناع المعروف معهم ومعاملتهم بما يوجب دوام الوداد فإن ذلك مما يرضي رب العباد ويعامل فاعله بالإسعاد وعدم البعاد. قال الغزالي: وهذا وما قبله في حق الأصدقاء المتؤاخين أما المعارف فاحذر منهم فإنك لا ترى الشر إلا ممن تعرفه أما الصديق فيعينك وأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم فأقلل من المعارف ما قدرت وأبعد ما أمكن فإن ابتليت بهم في نحو مدرسة أو سوق فيجب ألا تستضعف منهم أحدا فإنك لا تدري لعله خير منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في دنياهم فتهلك وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فلم يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم فإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة فإنه يطول عناءك معهم وإياك وثناءهم عليك في وجهك وإظهارهم الود لك فإنك إن طلبت حقيقته لم تجد في المئة واحدا ولا تطمع أن يكونوا لك في العلن والسر سواء ولا تغضب منهم فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك كذلك حتى في أصدقائك وأقاربك
(عد) عن عائشة(2/291)
[ص:292] 1876 - (إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) أي الملازمين له جمع ملح وهو الملازم لسؤال ربه في جميع حالاته اللائذ بباب كرم ربه في فاقته ومهماته لا تقطعه المحن عن الرجوع إليه ولا النعم عن الإقبال عليه لأن دعاء الملح دائم غير منقطع فهو يسأل ولا يرى إجابة ثم يسأل ثم يسأل فلا يرى وهكذا فلا يزال يلح ولا يزال رجاؤه يتزايد وذلك دلالة على صحة قلبه وصدق عبوديته واستقامة وجهته فقلب الملح معلق دائما بمشيئته واستعماله اللسان في الدعاء عبادة وانتظار مشيئته للقضاء به عبادة فهو بين عبادتين سريتين ووجهتين فاضلتين فلذلك أحبه الله تعالى وهذا عام خص منه الخواص في مقام الابتلاء فمقام التسليم لهم فيه أفضل لكونه أدل على قوى أنفسهم ورضاهم بالقضاء والدعاء في مثل ذلك الموطن فيه من الهلع ما لا يخفى يرشدك إلى ذلك ما ذكره المفسرون إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال ألك حاجة قال أما إليك فلا حسبي من سؤالي علمه بحالي هكذا فافهم
(الحكيم) الترمذي (عد هب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] كما في درر المصنف كلهم (عن عائشة) قال ابن حجر رحمه الله تعالى تفرد به يوسف بن سفر عن الأوزاعي وهو متروك وكأن بقية دلسه اه. وعزاه في موضع آخر إلى الطبراني في الدعاء ثم قال سنده رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة(2/292)
1877 - (إن الله يحب الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فليس هو هنا للاحتراز (له الجار) يظهر أن المراد به هنا من قرب من منزلك عرفا لا ما عليه عرف الفقهاء من أنه أربعون دارا من كل جانب (السوء يؤذيه) بقول أو فعل (فيصبر على أذاه) امتثالا لأمر الله تعالى بالصبر في مثله (ويحتسب) أي يقول كلما آذاه حسبنا الله ونعم الوكيل وفي رواية ويحتسبه أي يحتسب صبره على آذاه (حتى) أي إلى أن ويجوز كونها عاطفة (يكفيه الله) إياه (بحياة أو موت) أي بأن ينتقل أحدهما عن صاحبه في حال الحياة أو بموت أحدهما
(خط) وكذا الديلمي (وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي ذر) قال ابن الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى عيسى بن إبراهيم أي أحد رواته ليس بشيء وبقية كان مدلسا يسمع من المتروكين والمجهولين فيدلس(2/292)
1878 - (إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه) أي واجباته هذا ما وقفت عليه في نسخ الجامع والذي رأيته في كلام الناقلين عن الكامل لابن عدي رخصه بدل فرائضه فليحرر وفي حديث آخر ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولعلهما حديثان
(عد عن عائشة) قال ابن طاهر وغيره ما محصوله رواه عنها بإسنادين في أحدهما الحكم بن عبيد الله بن سعد الأيلي وهو ضعيف جدا كما بينه ابن عدي نفسه وفي الآخر عمر بن عبيد البصري وعامة ما يرويه لا يتابع عليه(2/292)
1879 - (إن الله تعالى يحب أن يؤتى رخصه) جمع رخصة وهي مقابل العزيمة (كما يجب أن تؤتى عزائمه) أي مطلوباته الواجبة فإن أمر الله تعالى في الرخصة والعزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله ولا الإتمام أولى من القصر في محله فيطلب فعل الرخص في مواضعها والعزائم كذلك فإن تعارضا في شيء واحد راعى الأفضل قال [ص:293] القاضي: والعزيمة في الأصل عقد القلب على الشيء ثم استعمل لكل أمر محتوم وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالإمالة كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات قال ابن تيمية ولهذا الحديث وما أشبهه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار والأغلال ويزجر أصحابه عن التبتل والترهب
(حم هق عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عباس) مرفوعا باللفظ المزبور (وعن ابن مسعود) بنحوه قال ابن طاهر وقفه عليه أصح(2/292)
1880 - (إن الله يحب أن يرى) بالبناء للمجهول (أثر نعمته) أي إنعامه (على عبده) قيل معنى يرى مزيد الشكر لله تعالى العمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب {وأحسن كما أحسن الله إليك} والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجدة عليه زيا وانفاقا وشكرا هذا في نعمة الله أما في النعمة الدينية فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به وتهذيب الأخلاق ولين الجانب والحلم على السفيه وتعليم الجاهل ونشر العلم في أهله ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية وإقامة نواميس العدل فيهم ومعاملتهم بالإنصاف وترك الإعتساف إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم ويطرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى
(ت ك عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن وفي الباب عمران بن الحصين وأبو هريرة وجابر وأبو الأحوص وأبو سعيد وغيرهم(2/293)
1881 - (إن الله يحب أن تقبل) في رواية تفعل وهي مبينة للمراد بالقبول (رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه) أي ستره عليه بعدم عقابه فينبغي استعمال الرخصة في مواضعها عند الحاجة لها سيما العالم يقتدى به وإذا كان من أصر على مندوب ولم يعمل بالرخصة فقد أصاب منه الشيطان فكيف بمن أصر على بدعة فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر
(طب عن أبي الدرداء ووائلة) بن الأسقع (وأبي أمامة) الباهلي (وأنس) بن مالك قال الطبراني لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به إسماعيل بن العطار(2/293)
1882 - (إن الله يحب أن يرى عبده تعبا) بفتح فكسر أي عييا في (طلب) الكسب (الحلال) يعني أنه يرضى عنه ويضاعف له الثواب أي أن قصد بعمله التقرب لتضمنه فوائد كثيرة كإيصال النفع إلى الغير بإجراء الأجرة إن كان العمل نحو إجارة وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم إن كان نحو خياطة أو زرع وكالسلامة من البطالة واللهو وكسر النفس ليقل طغيانها وكالتعفف عن ذل السؤال وإظهار الحاجة لكن شرطه اعتقاد الرزق من الرزاق لا من الكسب قال ابن الأثير: وفي حديث أخر إني لأرى الرجل يعجبني فأقول له: هل لك حرفة فإن قال لا سقط من عيني <تنبيه> قال الراغب: الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحا من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلا بد أن يعوضهم تعبا له وإلا كان ظالما لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى
(فر عن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي فيه محمد ابن [ص:294] سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه(2/293)
1883 - (إن الله يحب أن يعفى) بالبناء للمفعول (عن ذنب السرى) أي الرئيس المطاع أو المطيع له والجمع سراة وهو جمع عزيز إذ لا يجمع فعيل على فعلة وقيل هو الشريف وفي خبر أم زرع فنكحت بعده سريا وأيا ما كان فهو بمعنى خبر أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود فيأتي هنا ما مر ثم العفو محو الجريمة من عفا إذا درس
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه المؤلف (في ذم الغضب وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق كلاهما (عن عائشة) وفيه هانئ بن يحيى بن المتوكل قال الذهبي في الضعفاء خرجه ابن حبان ويزيد عياض قال النسائي وغيره متروك(2/294)
1884 - (إن الله تعالى يحب من عباده الغيور) صيغة مبالغة أي كثير الغيرة والمراد الغيرة المحبوبة فإن غيرة العبد على محبوبه نوعان ممدوحة يحبها الله تعالى وهي ما كان عند قيام ريبة ومذمومة يكرهها وهي ما كان عند عدمها بل بمجرد سوء الظن وهذه تفسد الحيب وتوقع العداوة بين المحبين
(طس عن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه المقدام بن داود وهو ضعيف(2/294)
1885 - (إن الله تعالى يحب) من عباده رجلا (سمح البيع) أي سهله (سمح الشراء سمح القضاء) أي التقاضي كما سبق موضحا ومقصود الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات واستعمال الرفق وتجنب العسر قال ابن العربي: إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا وإفضاله على الخلق الذين هم عيال الله ونفعه لهم فلذلك استوجب محبة الله
(ت ك) في البيوع (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال هو حديث خطأ رواه إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه كذا قال(2/294)
1886 - (إن الله تعالى يحب) من عباده (من يحب التمر) بمثناة فوقية أي آكله ولهذا كان أكثر طعامه يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم الماء والتمر كما قاله حجة الإسلام وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء
(طب) وكذا الديلمي (عد) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حبيبة وهو متروك وقال غيره فيه يحيى بن خالد قال في الميزان مجهول وإبراهيم بن أبي حبيبة مختلف فيه وابن لهيعة وفيه ضعف(2/294)
1887 - (إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف) أي المبالغ في العفة عن السؤال مع وجود الحاجة لطموح بصر بصيرته عن الخلق إلى الخالق وتوجهه إلى سؤال الرزق من الرزاق وإنما يسأل إن سأل على جهة العرض والتلويح الخفي كما كان أبو هريرة رضي الله عنه يستقرئ غيره الآية ليضيفه وهو أعرف بها ممن يستقرئه فلا يفهم مراده إلا [ص:295] المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتعبير بالتعفف يفيد الاجتهاد في العفة والمبالغة فيها (أبا العيال) يعني كافلهم أبا كان أو جدا أو نحو أخ أو ابن عم أو أم أو جدة لكنه لما كان القائم على العيال يكون أبا غالبا خصه وفي ضمنه إشعار بأنه يندب للفقير ندبا مؤكدا أن يظهر التعفف والتجمل ولا يظهر الشكوى والفقر بل يستره قال تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} وقال سفيان: أفضل الأعمال التجمل عند المحنة وقال بعضهم: ستر الفقر من كنوز البر. قال الغزالي رحمه الله تعالى: ومن آداب الفقير أن لا يتواضع لغني لغناه بل يتكبر عليه قال علي كرم الله وجهه: تواضع الغني للفقير رغبة في الثواب حسن وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله
(هـ) في الزهد (عن عمران بن حصين) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى وذلك لأن فيه حماد بن عيسى قال الذهبي ضعفوه وموسى بن عبيد قال في الكشاف ضعفوه وفي الضعفاء عن أحمد لا تحل الرواية عنه قال السخاوي لكن له شواهد(2/294)
1888 - (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين) أي لين كثير العطف والرحمة أي منكسر من خشية الله تعالى ومهتم بأمر دينه خائف من تقصيره بأن يفعل معه من الإكرام فعل المحب مع حبيبه والله تعالى ينظر إلى قلوب العباد فيحب كل قلب تخلق بأخلاق المعرفة كالخوف والرجاء والحزن والمحبة والحياء والرقة والصفاء فلذلك يحب القلب ذا رأي فيه الحزن على التقصير والفرح بالطاعة وقيل توضأ داود عليه السلام فقال رب طهرت بدني بالماء فبم أطهر قلبي فأوحى الله إليه طهره بالهموم والأحزان وقيل عمارة القلب بالأحزان والقلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخرب فليس مراد المصطفى صلى الله عليه وسلم القلب الحزين على الدنيا فذلك يبغضه الله تعالى ففي خبر من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه قال والحزين هنا ضد القاسي قال حجة الإسلام قال ابن مذعور رأيت الأوزاعي في النوم فقلت له دلني على عمل أتقرب به إلى الله تعالى قال ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلماء ثم المحزونين
(طب ك) في الرقائق من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة (عن أبي الدرداء) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأنه مع ضعف أبي بكر منقطع انتهى وقال الهيثمي إسناد الطبراني حسن(2/295)
1889 - (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه (1) وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه <تنبيه> علم مما تقرر أن العبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها التي هي صفات الملائكة فحينئذ ترفع [ص:296] همته إلى العالم الرضواني وتنساق إلى الملأ الروحاني <تنبيه> قال بعض الحكماء: بالهمم العالية والقرائح الزكية تصفو القلوب إلى نسيم العقل الروحاني وترقى في ملكوت الضياء والقدرة الخفية عن الأبصار المحيطة بالأنظار وترتع في رياض الألباب المصفاة من الأدناس وبالأفكار تصفو كدر الأخلاق المحيطة بأقطار الهياكل الجسمانية فعند الصفو ومفارقة الكدر تعيش الأرواح التي لا يصل إليها انحلال ولا اضمحلال
(طب عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي رواه البيهقي متصلا ومنفصلا ورجالهما ثقات اه
_________
(1) والإنسان يضارع الملك بقوة الفكر والتمييز ويضارع البهيمة بالشهوة والدناءة فمن صرف همته إلى اكتساب معالي الأخلاق أحبه الله فحقيق أن يلتحق بالملائكة لطهارة أخلاقه ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الأخلاق التحق بالبهائم فيصير إما ضاربا ككلب أو شرها كخنزير أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو رواغا كثعلب أو جامعا لذلك كشيطان(2/295)
1890 - (إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين) أي من بلغ من العمر ثمانين سنة من رجل وامرأة والمراد من المؤمنين كما هو بين
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب(2/296)
1891 - (إن الله يحب أبناء السبعين) من السنين (ويستحيي من أبناء الثمانين) أي يعاملهم معاملة المستحيي فليس المراد هنا حقيقة الحياء الذي هو انقباض عن الرذائل لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الوصف به بل ترك تعذيبهم
(حل عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وفيه محمد بن خلف القاضي قال الذهبي عن ابن المناوي فيه لبن وأبان بن ثعلب قال ابن عدي غال في التشيع لا بأس به(2/296)
1892 - (إن الله يحب أن يحمد) بالبناء للمفعول أي يحب من عبده أن يثنى عليه بجميع صفاته الجميلة الجليلة من ملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق فأخبر أنه تعالى يحب المحامد وفي رواية إن الله تعالى يحب أن يمدح وفي أخرى لا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه واستنبط منه عبد اللطيف البغدادي جواز قول مدحت الله وتعقبه الزركشي بأنه غير صريح لاحتمال كون المراد إن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره. قال بعضهم: وما اعترض به على عدم الصراحة بإيداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره البهاء السبكي في شرح التلخيص
(طب عن الأسود بن سريع) بفتح السين ابن حمير عبادة التميمي السعدي أول من قص بجامع البصرة فكان شاعرا بليغا مفوها مات في أيام الجمل وقيل سنة اثنين وأربعين(2/296)
1893 - (إن الله يحب الفضل) بضاد معجمة أي الزيادة (في كل شيء) من الخير (حتى في الصلاة) فإكثار العبد إياها محبوب عند الله إذ هي خير موضوع كما سيجيء في حديث وفي نسخ الفصل بصاد مهملة وعليه فالمعنى يحب الفصل بين الكلمات حتى في الصلاة بأن يقف إذا قرأ الفاتحة على رؤوس الآي كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل ويفصل الاعتدال عن الركوع والسجود عن الاعتدال وهكذا وقد ندبوا في الصلاة تسع سكتات
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاصي(2/296)
1894 - (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) جمع رخصة وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذر حصل وقيل غير ذلك لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة ومن أنف ما أباحه الشرع وترفع عنه فسد دينه فأمر بفعل [ص:297] الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها ويقتل بذلك كبرها ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع ومفهوم محبته لإتيان الرخص أنه يكره تركه فأكد قبول رخصته تأكيدا يكاد يلحق بالوجوب بقوله (كما يكره أن تؤتى معصيته) وقال الغزالي رحمه الله: هذا قاله تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم اه. قال ابن حجر رحمه الله: وفيه دلالة على أن القصر للمسافر أفضل من الإتمام (1)
(حم حب هب) وكذا أبو يعلى والبزار كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي رحمه الله: رجال أحمد رجال الصحيح وسند الطبراني حسن انتهى
_________
(1) والرخص عند الشافعية أقسام: ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر والفطر لمن خاف الهلاك بعطش أو جوع وما يندب كالقصر في السفر وما يباح كالسلم وما الأولى تركه كالجمع والتيمم لقادر وجد الماء بأكثر من ثمن مثله وما يكره فعله كالقصر في أقل من ثلاث فالحديث منزل على الأولين(2/296)
1895 - (إن الله تعالى يحب أن تعدلوا) من العدل ضد الجور (بين أولادكم) في كل شيء (حتى في القبل) بضم ففتح جمع قبلة أي حتى في تقبيل أحدكم لولده فلا يميز بعضهم على بعض ولو بقبلة فيتأكد التسوية بينهم لما في عدمها من إيراث الضغائن والتباغض والتحاسد
(ابن النجار) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) الأنصاري(2/297)
1896 - (إن الله يحب الناسك) أي المتعبد (النظيف) أي النقي البدن والثوب فإنه تعالى نظيف يحب النظافة كما سلف تقريره والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر كما يحب أن يرى عليه الجمال الباطن بالتقوى قال في المواهب: الجمال في اللباس والهيئة ثلاثة نوع يحمد ونوع يذم ونوع لا ولاء فالمحمود ما كان لله تعالى وأعان على طاعته كالمتضمن غيظ عدوه وإعلاء كلمته ومنه التجمل للوفود ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يتجمل للوفود والمذموم ما فيه خيلاء وفخر وما عدا ذلك مباح لتجرده عن قصد مذموم شرعا وكتب بعضهم إلى ملك بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق فأجابه:
حسن ثيابك ما استطعت فإنها. . . زين الرجال بها تعز وتكرم
ودع التواضع في الثياب تخشنا. . . فالله يعلم ما تسر وتكتم
فرثاث ثوبك لا يزيدك رفعة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم
وجديد ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم
فينبغي لكل عاقل تنظيف ثوبه عن الدنس الحسي وقلبه عن الدنس المعنوي ويلحظ استحسان النظافة الحسية وحسن رونق المتصف بالنظافة المعنوية ويلحظ قولهم ما من أمر معنوي إلا وجعل له مثال حسي يدل عليه
(خط عن جابر) بن عبد الله(2/297)
1897 - (إن الله تعالى يحب أن يقرأ) بالبناء للمجهول (القرآن) أي أن يقرأه عباده المؤمنون (كما أنزل) بالبناء للمفعول أو الفاعل أو من غير زيادة ولا نقص فلا يزيد للقارئ حرفا ولا ينقص حرفا ولا يقرأه بالألحان والتمطيط كما يفعله قراء زمننا
(السجزي) أبو نصر (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة عن أصول الديانة له (عن زيد بن ثابت)(2/297)
[ص:298] 1898 - (إن الله يحب أهل البيت الخصب) ككتف أو كجمل أي الكثير الخير الذي وسع الله على صاحبه فلم يقتر على عياله بل واساهم بماله ولم يضيق عليهم وقرى الضيف وأطعم الجار
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قرى الضيف عن) عبد الملك بن عبد العزيز بن (جريج) بضم الجيم وفتح الراء المكي الفقيه أحد الأعلام أول من صنف في الإسلام (معضلا)(2/298)
1899 - (إن الله تعالى يحب أن يرى) بضم الياء وفتحها فعلى الضم الرؤية تعود للناس وعلى الفتح تعود إلى الله لأنه يرى الأشياء على ما هي فيرى الموجود موجودا والمعدوم معدوما (أثر نعمته على عبده) لأنه سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليه ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل لعباده لباسا يجمل ظواهرهم ويقوي تجمل بواطنهم فهو يحب لعبده التجمل حتى (في مأكله ومشربه) أي مأكوله ومشروبه حتى يرى أثر الجدة عليه وعلى من عليه مؤنته من زوجة وخادم وغيرهما قوتا وملبسا ومسكنا وغير ذلك مما يليق بأمثاله وأمثالهم عرفا <تنبيه> كثير من أرباب النفوس يتعلق بهذا الخبر فيبرز منه تفاخر مذموم في قالب التحدث بالنعمة وهو باعتبار حاله ظاهر معلوم وإن خفي على أرباب الرسوم فلا يخفى على أرباب القلوب والفهوم نعم قد يصدر عن بعض فصحاء الحضرة الإلهية المترجمون عن لسان المواهب الإختصاصية نفثة مصدور لكونها مطابقة مقتضى الحال فيعذرون فمن ذلك قوله في الفتوحات شاهدت جميع الأنبياء وأشهدني الله جميع المؤمنين ورأيت مراتب الجماعة كلها فعلمت أقدارهم واطلعت على جميع ما آمنت به مجملا مما هو في العالم العلوي ولم أسأله أن يخصني بمقام لا يكون لمتبع أعلا منه فلو أشرك جميع الخلق لم أتأثر فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده بل أتمنى أن يكون العالم كله في أعلى المراتب فخصني بخاتمة لم تخطر ببالي ولا أذكره للفخر بل للتحدث بالنعمة وليسمع صاحب همة فتحدث له همة استعمال نفسه فيما استعملها فينال درجتي ولا ضيف إلا في المحسوس انتهى
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (فيه) أي في قرى الضيف (عن علي بن يزيد بن) عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون المعجمة التيمي البصري أصله حجازي ويعرف بعلي بن زيد بن جذعان ينسب أبوه إلى جد جده إذ هو علي بن يزيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جذعان بن عمر بن كعب الضرير أحد حفاظ البصرة (مرسلا) أرسل عن جمع من الصحابة قال الدارقطني فيه لين وفي التقريب ضعيف(2/298)
1900 - (إن الله تعالى يحمي عبده المؤمن) أي يمنعه مما يضره (كما يحمي الراعي الشفيق) أي الكثير الشفقة أي الرحمة والرأفة (غنمه عن مراتع الهلكة) بالتحريك وذلك من غيرته تعالى على عبده فيحميه مما يضره في آخرته ويحتمل أن المراد يحميه من الدنيا ودوام الصحة ورب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ولو كثر ماله وصح لبطر وطغى {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} قال الغزالي رحمه الله تعالى: فتأمل إذا حبس عنك رغيفا أو درهما فتعلم أنه يملك [ص:299] ما تريد ويقدر على إيصاله إليك وله الجود وله الفضل ويعلم حالك لا يخفى عليه شيء فلا عدم ولا عجز ولا خفاء ولا بخل تعالى عن ذلك فإنه أغنى الأغنياء وأقدر القادرين وأعلم العلماء وأجود الأجودين فتعلم أنه لم يمنعك إلا لصلاح كيف وهو يقول {وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} وإذا إبتلاك بشدة فإنه غني عن امتحانك وابتلائك عالم بحالك بصير بضعفك وهو رؤوف رحيم فلم ينزله بك إلا لصلاح لك جهلته
(هب عن حذيفة) بن اليمان وفيه الحسين الجعفي قال الذهبي مجهول متهم(2/298)
1901 - (إن الله تعالى يحشر) أي يجمع (المؤذنين) في الدنيا (يوم القيامة (1) أطول الناس أعناقا) أي أكثرهم رجاء (بقولهم لا إله إلا الله) أي بسبب إكثارهم من النطق بالشهادتين في التأذين في الأوقات الخمس وفيه إيماء إلى أن سبب نيلهم هذه المرتبة إكثار النطق بالشهادة فيفيد أن من دوام عليها حشر كذلك وإن لم يكن مؤذنا
(خط) في ترجمة عبيد الله الأنصاري (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحمن الوقاص قال الذهبي ضعفه الأزدي
_________
(1) يوم ظرف ليحشر ونصب أطول على الحال وأعناقا على التمييز أكثرهم رجاء أو هو كناية عن عدم الافتضاح(2/299)
1902 - (إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده) المؤمنين (طول يوم القيامة) حتى يصير عنده في الخفة (كوقت صلاة مكتوبة) أي مقدار صلاة الصبح كما في خبر آخر وهذا تمثيل لمزيد السرعة والمراد لمحة لا تكاد تدرك وخص المثل بقدر وقت الصلاة لأن عادة البليغ الضارب للمثل أن ينظر إلى ما يستدعيه حال الممثل له ويستجره إليه وصفة حال السعداء في غالب الأحيان التلبس بأفضل العبادات بعد الإيمان وجاء في خبر أن بعضهم لا يقف في الموقف
(هب عن أبي هريرة) وفيه نعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد ثقة وقال النسائي غير ثقة وقال ابن عدي والأزدي قالوا كان يضع الحديث(2/299)
1903 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالسهم الواحد) الذي يرمي إلى أعداء الله بقصد إعلاء كلمة الله (ثلاثة نفر الجنة صانعه) دخل فيه صانع مفرداته كما يتناول صانع تركيبه فكل من حاول من أمره شيئا فهو من صناعه لكن إنما يدخل إذا كان (يحتسب في صنعته الخير) أي الذي يقصد بعمله الإعانة على جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله ويحتمل أن المراد المتطوع بعمله للمجاهد بغير أجرة. قال الزين العراقي: والأول أولى وقال ابن حجر رحمه الله: هذا أعم من كونه متطوعا أو بأجرة لكن لا يحسن إلا من متطوع (والرامي به) في سبيل الله (ومنبله) بالتشديد مناوله للرامي ليرمي به احتسابا منه يقوم بجنبه أو خلفه فيناوله إياه أو يجمع له السهام إذا رماها ويردها إليه وفيه فضل الرمي وأنه أولى ما استعد به للعدو بعد الإيمان
(حم 3) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) وفيه خالد بن زيد قال ابن القطان وهو مجهول الحال فالحديث من أجله لا يصح اه(2/299)
1904 - (إن الله تعالى يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه والذي وقفت عليه في الأصول الصحيحة ليدخل (بلقمة الخبز) أي بقدر ما يلقم منه (وقبضة التمر) بفتح القاف وضمها وسكون الموحدة وبصاد مهملة ما يناوله الإنسان برؤوس أنامله الثلاث للسائل ذكره المنذري (ومثله) أي ومثل كل مما ذكر (مما) أي من كل ما (ينفع المسكين) وإن لم [ص:300] يكفه كقبضة زبيب أو قطعة لحم أو غير ذلك ففي ذكر النفع إشارة إلى أن اللقمة والقبضة لابد أن يكون لهما وقع في الجملة وأن ما يثير الشهوة ولا يقع موقعه البتة لا أثر له (ثلاثة الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب أو شديد (صاحب البيت) أي المسكن الذي تصدق بذلك على الفقير منه (الآمر به) أي الذي أمر بالتصدق عليه به (والزوجة المصلحة) للخبز أو الطعام بالطبخ والطحن والتهيئة وغير ذلك ومن في معنى الزوجة نحو الأم كذلك (والخادم الذي يناول المسكين) أي الذي يناول الشيء المتصدق به إلى المتصدق عليه والخادم مثال وخصه نظرا إلى أنه المناول غالبا وإلا ففي معناه كل مناول وتمام الحديث كما في المستدرك ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحمد لله الذي لم ينس خدمنا اه. فحذف المصنف لذلك غير صواب وقوله لم ينس خدمنا أي من الثواب
(ك) في الأطعمة من حديث سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن المقبري (عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم فتعقبه الذهبي فقال سويد متروك(2/299)
1905 - (إن الله يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (بالحجة الواحدة) أي بسببها (ثلاثة نفر) بفتح النون والفاء (الجنة الميت) المحجوج عنه (والحاج عنه والمنفذ) بضم الميم ومعجمة مشددة (لذلك) قال البيهقي يعني الوصي وهذا فيه شمول لما إذا تطوع بالحج وما لو حج بأجرة على قياس ما قبله ويؤيده ما رواه ابن عدي من حديث معاذ مثل الذي يحج عن أمتي مثل أم موسى كانت ترضعه وتأخذ الكراء من فرعون قال ابن عدي مستقيم الإسناد منكر المتن قال الزين العراقي: ولا يشك أن من قصد الإعانة يكون شريكا في الأجر فإن المباح يصير قربة بالنية وفيه رد على من منع حج المرأة عن الرجل والحج عن الغير مطلقا وحكى عن مالك والذي عليه الشافعي جوازه كالجمهور عمن عليه فرض ولو قضاء أو نذرا وإن لم يوص به أو عمن أوصى به ولو تطوعا وعن حيي معضوب بي
(عد) عن علي أحمد بن حاتم عن إسحاق بن إبراهيم السختياني عن إسحاق بن بشر عن ابن معشر عن محمد بن المنكدر عن جابر (هب) من هذا الوجه (عن جابر) قال الذهبي فيه أبو معشر ضعيف اه. وسبقه ابن القطان فقال أبو معشر ضعفه الأكثر اه. وأورده ابن الجوزي من هذا الطريق في الموضوعات وقال: إسحاق يضع ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن البيهقي خرجه واقتصر على تضعيفه وبأن له شاهدا(2/300)
1906 - (إن الله تعالى يدنو من خلقه) أي يقرب منهم قرب كرامة ولطف ورحمة لا قرب مسافة كما هو بين والمراد ليلة النصف من شعبان كما في رواية أخرى أو كل ليلة إذا بقي من الليل كما ثلثه في رواية أخرى ولا يصح حمله يوم القيامة إذ لا فائدة للاستغفار ولا للتوبة فيه (فيغفر لمن استغفر) أي طلب منه الغفران بأن تاب (إلا البغي بفرجها) أي الزانية وزاد قوله بفرجها دفعا لتوهم إرادة نحو زنا العين واللسان أي الزانية (والعشار) بالتشديد أي المكاس ويقال العاشر والعشور المكوس وهذا وعيد شديد يفيد أن المكس من أكبر الكبائر وأفجر الفجور ووجه استثنائهما أن الزانية سعت في إفساد الإنسان واختلاط المياه والمكاس قد قهر الخلق بأخذ ما ليس عليهم جبرا
(طب عد عن عثمان ابن أبي العاصي) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد فيه كلام وللحديث طرق تأتي فيما يناسبها(2/300)
[ص:301] 1907 - (إن الله تعالى يدني المؤمن) أي يقربه منه بالمعنى المقرر فيما قبل (فيضع عليك كنفه) أي ستره فيحفظه (ويستره) به (من الناس) أهل الموقف صيانة له من الخزي والتفضيح مستعار من كنف الطائر وهو جناحه يصون به نفسه ويستر به بيضه (ويقرره بذنوبه) أي يجعله مقرا بها بأن يظهرها له ويلجئه إلى الإقرار بها (فيقول) تعالى له (أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا) مرتين (فيقول) المؤمن (نعم) أعرفه وفي رواية أعرف (أي رب) أي يا رب أعرف ذلك وهكذا كلما ذكر له ذنبا أقر به (حق إذا قرره بذنوبه) أي جعله مقرا بها كلها بأن أظهر له ذنوبه وألجأه إلى الإقرار بها (ورأى في نفسه) أي علم الله في ذاته (أنه) أي المؤمن (قد هلك) باستحقاقه العذاب لاقراره بذنوب لا يجد لها مدفعا ولا عنها جوابا منجعا ويجوز كون الضمير في رأي للمؤمن والواو فيه للحال ذكره القاضي (قال) أي الله (فإني) أي فإذ قد أقررت وخفتني إني (قد سترتها) أي الذنوب (عليك في الدنيا) هذا إستئناف جواب عمن قال ماذا قال الله (وأنا أغفرها لك اليوم) قدم أنا ليفيد الاختصاص إذ الذنوب لا يغفرها غيره ولم يقل أنا سترتها عليك لأن الستر في الدنيا كان باكتساب من العبد أيضا. قال الغزالي رحمه الله تعالى: وهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون فهو جدير بأن يجازى بذلك (ثم يعطى) بالبناء للمجهول أي يعطي الله المؤمن إظهارا لكرامته وإعلاما بنجاته وإدخالا لكمال السرور عليه وتحقيقا لقوله تعالى {فأما من أوتي كتابه بيمينه} (كتاب حسناته بيمينه) أي بيده اليمنى (وأما الكافر) بالإفراد (والمنافق) بالإفراد وفي رواية للبخاري والمنافقون بالجمع (فيقول الأشهاد) جمع شهيد جمع شاهد أي الحاضرون يوم القيامة الأنبياء والملائكة والمؤمنون أو المراد أهل المحشر لأنه يشهد بعضهم على بعض (هؤلاء) إشارة إلى الكافرين والمنافقين (الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) وفيه رد على المعتزلة المانعين مغفرة ذنوب غير الكفار وعلى الخوارج حيث كفروا بالمعاصي والمراد بالذنوب هنا الحقوق المتعلقة بالخلق بدليل ما روي إذا خلص المؤمنون من النار احتبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مظالم كانت عليهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وأل في المؤمن عهدية لا جنسية والمعهود من لم يتجاهر في الدنيا بالمعاصي بل استتر بستر الله وإلا فلا بد من دخول جماعة من عصاة المؤمنين النار
(حم ق) البخاري في المظالم في التوبة (ن) في التفسير (هـ) في السنة كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب(2/301)
1908 - (إن الله يرضى لكم ثلاثا) من الخصال (ويكره لكم ثلاثا) يعني يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث إذ الرضى بالشيء يستلزم الأمر والأمر بالشيء يستلزم الرضى به فيكون كناية وكذا الكلام في الكراهة وأتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم رمز إلى أن فائدة كل من الأمرين عائدة لعباده فالأولى ما أشار إليها بقوله (فيرضى لكم) الفاء فيه تفسيرية (أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا) في عبادته فهذه واحدة خلافا لقول النووي [ص:302] ثنتان (و) الثانية (أن تعتصموا بحبل الله جميعا) أي القرآن يرشدك إلى ذلك خبر القرآن حبل الله المتين والحديث يفسر بعضه بعضا فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك ولا عطر بعد عروس والاعتصام به التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها (ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين وهذا نفي عطف على تعتصموا أي لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب أو هو نهي عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر يعني اعتصموا ولا تفرقوا وكذا اللام في قوله ولا تشركوا (و) الثالثة (أن تناصحوا من ولاه الله أمركم) أي من جعله والي أمركم وهم الإمام ونوابه والمراد بمناصحتهم ترك مخالفتهم والدعاء عليهم والدعاء لهم ومعاونتهم على الحق والتلطف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق ولم يؤكد هنا بقوله ولا تخالفوا إشعارا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية (ويكره لكم قيل وقال) مصدران أريد بهما المقاولة والخوض في أخبار الناس أو ماضيان كما سبق (وكثرة السؤال) عن الأخبار وقيل من الأموال وقد سبق ما فيه (وإضاعة المال) (1) بصرفه في غير وجهه الشرعي وقد سبق من ذلك ما فيه بلاغ <فائدة> حكي أن الأصمعي لما أراد الرشيد مجالسته قال له: اعلم أنك أعلم منا ونحن أعقل منك فلا تعلمنا في ملأ ولا تذرنا في خلاء واتركنا حتى نبدأك بالسلام ثم إذا بلغت في الجواب حد الاستحقاق لا تزد إلا باستدعاء وإذا وجدتنا خرجنا عن الحق فأرجعنا ما استطعت من غير تقريع على خطيئتنا ولا إضجار بطول التردد إلينا لئلا تهون في أعيننا فلا نعتني بقولك يا أبا محمد إنه لن تهلك أمة مع التناصح ولن يهلك ملك مع الاستشارة ولن يهلك قلب مع التسليم
(حم م عن أبي هريرة)
_________
(1) وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب الفساد ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس(2/301)
1909 - (إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب) أي بالإيمان بالقرآن وتعظيم شأنه والعمل بمقتضاه مخلصا (أقواما) أي درجة أقواما ويشرفهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة (يضع) أي ويحقر ويخفض ويذل (به آخرين) وهم من لم يؤمن به أو آمن ولم يعمل به مخلصا وآخرين بفتح الخاء اسم على أفعل والأنثى أخرى أي يخفض ويذل به قوما آخرين وهم من أعرض عنه ولم يأتمر به أو قرأه أو عمل به مرائيا فيضعه أسفل السافلين لقوله تعالى {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} وعدل عن أن يضع به أقواما آخرين إشارة عن تأخرهم عن منازل القرب ودرجات الأبرار
(م) في الصلاة (هـ) في السنة (عن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري(2/302)
1910 - (إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (ببره والديه) أي أصليه وإن عليا يعني بإحسانه إليهما وطاعته إياهما في كل مندوب أو مباح والمراد أنه يبارك له في عمره أو هو في المعلق كما يأتي
(ابن منيع) في معجم الصحابة (عد) كلاهما (عن جابر) وفيه الكلبي وهو محمد بن السائب قال في الكاشف: قال البخاري تركه القطان وابن مهدي وفي الضعفاء رماه بالكذب زائدة والتيمي والجوزجاني وابن معين وابن حبان وغيرهم(2/302)
1911 - (إن الله تعالى يسأل العبد) يوم القيامة (عن فضل علمه) أي عما فضل منه العمل به لخاصة نفسه هل أغاث [ص:303] بجاهه الملهوف وأبلغ الحكام من لا يستطيع إبلاغ حاجته ونحو ذلك (كما يسأله عن فضل ماله) هل أنفق منه على المحتاج وأطعم الجائع وكسا العريان وفك العاني وفك الأسير ونحو ذلك وهذا حث شديد على تجنب البخل بعلمه أو بجاهه وأن عليه إعانة عيال الله بشفاعته وتعليمه وغير ذلك
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وفيه يوسف بن يونس الأفطس قال الذهبي جرحه ابن عدي(2/302)
1912 - (إن الله تعالى يسعر) أي يشدد لهب (جهنم كل يوم في نصف النهار) أي وقت الاستواء (ويخبتها في يوم الجمعة) لما خص به ذلك اليوم من عظيم الفضل وتفضيله على سائر الأيام ولعظم صلاة الجمعة الواقعة فيه حالتئذ ومن ثم ذهب الشافعية إلى عدم انعقاد صلاة لا سبب لها في وقت الاستواء وحرمتها إلا يوم الجمعة قتنعقد ولا تحرم وساعة الإجابة مبهمة في يوم الجمعة فلا يناسب المنع من العبادة والدعاء رجاء مصادفتها
(طب عن وائلة) بن الأسقع قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال يوم الجمعة يؤذن قبلها بالصلاة نصف النهار وقد نهيت في سائر الأيام فذكره قال الهيثمي فيه بشر بن عون قال ابن حبان روى مئة حديث كلها موضوعة انتهى فكان على المصنف حذفه من الكتاب(2/303)
1913 - (إن الله يطلع في العيدين) الفطر والأضحى (إلى الأرض) أي إلى أهلها إطلاعا خاصا مقتضيا لشمول الرحمة وإدرار البر والمراد أهل الأرض من المؤمنين (فابرزوا من المنازل) إلى مصلى العيد ندبا (تلحقكم) أي لتلحقكم (الرحمة) فإن نظره إلى عباده نظر رحمة ومثوبة والخطاب للرجال وكذا للعجائز بإذن أزواجهن فيحضرن مصلى العيد مبتذلات لهذا الحديث
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس وفيه ضعف(2/303)
1914 - (إن الله تعالى يعافي الأميين) أي الجاهلين الذين لم يقصروا في تعلم ما وجب عليهم (يوم القيامة) الذي هو محل الجزاء (ما) وفي رواية بما (لا يعافي العلماء) الذين لم يعملوا بما علموا لأن الجاهل يهيم على رأسه كالبهيم ليس عنده رادع يردعه ولا زاجر يكفه فإذا لم يقصر فهو معذور والعالم إذا ركب هواه ردعه علمه وكفه فإن لم يفد فيه ذلك فقد ألقى نفسه في المهالك كلما قبح من سائر الناس فهو من العلماء أقبح لأن زيادة قبح المعصية يتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي تتبع المعصي وليس لأحد من الأنام مثل فضل العلماء الكرام ولا على أحد نعمة من النعم ما لله عليهم منها والجزاء يتبع الفعل وكون الجزاء عقابا يتبع كون الفعل قبيحا فمتى ازداد قبحا ازداد عقابه شدة فلذا كان العاصي العالم أشد عذابا من العاصي الجاهل ومن ثم فضل حد الحر على العبد حتى أن أبا حنيفة لا يرى رجم الكافر وعلمهم لا يغني عنهم شيئا وكيف يغني وهو سبب مضاعفة العذاب والداعي إلى تشديد الأمر عليهم؟ أفاده كله الزمخشري
(حل) من حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن سيار بن حاتم بن جعفر بن سليمان الضبي عن ثابت عن أنس (والضياء) المقدسي في المختارة من هذا الطريق (عن أنس) بن مالك ثم قال أبو نعيم حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر قال عبد الله قال أبي هذا حديث منكر انتهى وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأورده الضياء في المختارة وصححه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وهما طرفا نقيض انتهى ورواه عنه أيضا البيهقي ثم قال: قال عبد الله بن أحمد هذا حديث منكر حدثني به أبي وما حدثني به إلا مرة(2/303)
[ص:304] 1915 - (إن الله تعالى يعجب) يعجب إنكار (من سائل) أي طالب (يسأل غير الجنة) التي هي أعظم المطالب وأجل المواهب (ومن معط يعطي لغير الله) من مدح مخلوق والبناء عليه في المحافل ونحو ذلك لأن ذلك لا يرضاه عاقل لنفسه فإن من كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك عجيبا وخسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وسفاهة الرأي وقلة العقل فما يناله العبد يعلمه من الخلق من مدحة وحطام بالإضافة إلى رضى مولاه وشكره وثنائه وثوابه أقل من فلس في جنب الدنيا وما فيها فعجيب أن تفوت نفسك تلك الكرامات الشريفة بهذه الأمور الدنيئة الحقيرة (ومن متعوذ يتعوذ من غير النار) التي قصم ذكرها الظهور وصفر الوجوه وقطع القلوب وأذاب الأكباد وأدمى عيون العباد. ذكر عند الحسن أن آخر من يخرج من النار رجل يقال له هناد أو غيره عذب ألف عام ينادي يا حنان يا منان فبكى الحسن وقال ليتني كنت هنادا فعجبوا منه قال ويحكم أليس يوما يخرج؟ فالطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود
(خط عن ابن عمرو) بن العاص(2/304)
1916 - (إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا) ظلما بخلافه بحق كقود وحد وتعزيز والمراد أن لهم مزيد مزية على غيرهم من عصاة المؤمنين الذين يعذبهم بذنوبهم وقد يدرك العفو من شاء الله منهم فلا يعذب أصلا وذكر الدنيا مع أنه لا يكون إلا فيها تتميم أو للمقابلة
(حم م) في الأدب (عن هشام بن حكيم) بن حزام القرشي الأزدي صحابي ابن صحابي مات قبل أبيه ووهم من زعم أنه قتل بأجنادين (حم هب عن عياض بن غنم) وسببه كما في مسلم مر هشام على أناس من الأنباط قد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا فقيل يعذبون في الخراج أو الجزية فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول وساقه ولم يخرجه البخاري وقال زين الحفاظ العراقي إسناد أحمد صحيح(2/304)
1917 - (إن الله تعالى يعطي على نية الآخرة (1)) لأن أعمال الآخرة كلها محبوبة له تعالى فإذا أحب عبدا أحبه الوجود الصامت كله والناطق إذ الخلق كلهم تبع للخالق إلا من حقت عليه الشقاوة ومن جملة الصامت الدنيا فهي تهرول خلف الزاهد فيها الراغب في الآخرة ولو تركها لتبعته خادمة له والراغب في الدنيا بالعكس فتهرب الآخرة منه فإنه تعالى يبغض الدنيا وأهلها ومن أبغضه تعاصت عليه الدنيا وتعسرت وأتعبته في تحصيلها لأنها مملوكة لله فتهين من عصاه وتكرم من أطاعه {ومن يهن الله فما له من مكرم} فلذا قال (وأبى) أي امتنع أشد امتناع عن (أن يعطى الآخرة على نية الدنيا) {ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} فإذا أنت أخلصت النية وجردت الهمة للآخرة حصلت لك الدنيا والآخرة جميعا وإن أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة حالا وربما تنال الدنيا كما تريد الآخرة وإن نلتها فلا تبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة قال الطيبي: أشار بالدنيا إلى الأرزاق وبالدين [ص:305] إلى الأخلاق يشعر بأن الرزق الذي يقابله الخلق هو الدنيا وليس من الدنيا في شيء وأن الأخلاق الحميدة ليست غير الدين انتهى وفي المدخل خبر من بدأ بحظه من الدنيا فاته حظه من الآخرة ولم ينله من دنياه إلا ما قسم له ومن بدأ بحظه من آخرته نال من آخرته ما أحب ولم ينل من دنياه إلا ما قسم له قال ابن عيينة: أوحى الله إلى الدنيا من خدمك فأتعبيه ومن خدمني فاخدميه
(ابن المبارك) في الزهد (عن أنس) ظاهر حال المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في الفردوس مسندا باللفظ المزبور عن أنس
_________
(1) فمن اشتغل بأعمال الآخرة سهل عليه حصول رزقه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}(2/304)
1918 - (إن الله تعالى يغار للمسلم) أي يغار عليه أن يتبع شيطانه وهواه وجمع دنياه لأنه حبيبه وغيرته زجره عن ذلك (فليغر) أي المسلم على جوارحه أن يستعملها في المعاصي فالله سبحانه يغار على قلب عبده المسلم أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه فإنه خلقه لنفسه واختاره من خلقه كما في الخبر الإلهي: ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب. ويغار على لسانه أن يتعطل عن ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل عن طاعته وتشتغل بمعصيته فيقبح بالعبد أن يغار مولاه على قلبه وجوارحه وهو لا يغار عليها وإذا أراد الله بعبد خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بغيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء واعلم أن ما ذكر من سياق الحديث هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب والذي وجدته في الطبراني إنما هو ظاهر بلفظ إن الله ليغار لعبده المؤمن فليعز لنفسه <تنبيه> قال ابن العربي: أشد المؤمنين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتقامه لله ولم يأخذه فيه لومة لائم وصحبه تابعوه في الغيرة
(طس) وكذا أبو يعلى (عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه عبد الأعلى علي بن عامر الثعلبي وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الدارقطني قال ابن القطان والحديث لا يصح فإن فيه أبا عبيدة عن أمه زوج ابن مسعود ولا يعرف لهما حال وليست زينب امرأة عبد الله الثقفية لأن تلك صحابية وابن مسعود عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة ثنتين وثلاثين فلا يبعد أن يتزوج غير صحابية(2/305)
1919 - (إن الله تعالى يغار) على عبده المؤمن (وإن المؤمن يغار وغيرة الله) هي (أن يأتي المؤمن) أي يفعل (ما حرم الله عليه) ولذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات وأشنع القتلات وشدة غيرته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا ومن غيرته تعالى غيرته على توحيده ودينه وكلامه أن يحظى به غير أهله فحال بينهم وبينه غيرة عليه {وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} وما ذكر من أن الرواية أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه هو ما للأكثر لكنه في مسلم بلفظ ما حرم الله عليه بالبناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن وفي رواية أبي ذر أن لا يأتي بزيادة لا قال الصغائي: والصواب حذفها وقال الطيبي: تقديره غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وبتقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها كثيرا وفي الحديث تحذير شديد من اقتحام حمى المعاصي والآثام المؤدية للهلاك والطرد عن دار السلام <تنبيه> من غيرة الحق تعالى على الأكابر أنهم إذا ساكنوا شيئا سواه أو لاحظوا غيره شوش عليهم وامتحنهم حتى تصفوا أسرارهم له كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام حين قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي ملك مصر فلبث في السجن لذلك ما لبث وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أعجبه إسماعيل عليه السلام أمر بذبحه ونظر بعض الأولياء إلى شاب نظرة فإذا كف من الهوى [ص:306] قد لطمه وسقطت عينه وسمع صوتا لطمة بنظرة وإن زدت زدناك وذلك لعلو قدرهم عنده
(حم ق) في التوبة (ت) في النكاح (عن أبي هريرة) إطلاقه عزو الحديث بجملته إلى الشيخين غير سديد قال الحافظ العراقي لم يقل البخاري والمؤمن يغار اه. قال الصدر المناوي أخرجه البخاري إلا قوله وأن المؤمن يغار وكذا الترمذي اه. وقال ابن حجر: زاد مسلم أي على البخاري وأن المؤمن يغار(2/305)
1920 - (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه) كناية عن حسن قبولها لأن الشيء المرضي يتلقى باليمين عادة قال:
ألم أك في يمنى يديك جعلتني. . . فلا تجعلني بعدها في شمالكا
ذكره القاضي وقال غيره ذكر اليمين لأنها عرفا لما عز والشمال لما هان والله تعالى منزه عن الجارحة وقيل المراد يمين الذي يدفع إليه الصدقة وأضيفت له تعالى لقصد الاختصاص أي أن الصدقة فيها لله تعالى (فيربيها لأحدكم) يعني يضعف أجرها أي يزيد في كميته عينها فيكون أثقل في الميزان
(هـ) كما يربي أحدكم تمثيل لزيادة التفهيم (مهره) صغير الخيل وفي رواية فلوه بفتح الفاء وضم اللام وشدة الواو ويقال بكسر فسكون مخففا وهو المهر وقيل كل عظيم من ذات حافر وفي رواية فصيله وذلك لأن دوام نظر الله إليها يكسوها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى حال تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين المهر إلى الخيل وخصه بضرب المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج عمله ولأنه حينئذ يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهده وإذا أحسن القيام به وأصلحه انتهى إلى حد الكمال وكذا عمل الآدمي سيما الصدفة التي يحاذيها الشيطان ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء فلا تكاد تخلص إلى الله إلا موسومة بنقائص لا يجبرها إلا نظر الرحمن فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح لها باب الرحمة فلا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين اللقمة كما أشار إليه بقوله (حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد) بضم الهمزة الجبل المعروف قال في الكشف: هذا مثل ضرب لكون أصغر صغير يصير بالتربية أكبر كبير اه. والقول بأنه يعظم ذاتها حقيقة ليثقل في الميزان غير سديد ألا ترى إلى خبر البطاقة التي فيها الشهادة حيث توضع في الميزان فتثقل على سائر الأعمال فلا حاجة في الرجحان إلى تعظيم الذوات وخص التربية بالصدقة وإن كان غيرها من العبادات يزيد أيضا بقبوله رمزا إلى أن الصدقة فرضا كانت أو نفلا أحوج إلى تربية الله وزيادة الثواب ومشقتها على النفوس بسبب الشح وحب المال <تنبيه> قال ابن اللبان نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءا وإعادة وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى وهو سبحانه منزه عن الجارحة
(ت عن أبي هريرة) ورواه الطبراني عن عائشة قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال الذهبي أخرجه الشيخان بمعناه(2/306)
1921 - (إن الله يقبل توبة العبد) أي رجوعه إليه (ما لم يغرغر) أي تصل روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به لأنه لم يعاين ملك الموت ولم ييأس من الحياة فتصح توبته بشروطها فإن وصل لذلك لم يعتد بها لقوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات} الآية ولأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المكتوب عنه وعدم المعاودة عليه وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري ذكره القاضي وكما أن من وصل لتلك الحالة لا تقبل توبته لا ينفذ نصرته وجزم الطيبي كالمظهر بصحة إيصائه ووصيته وتحليله ممنوع منهما كيف وقد عاين ملك [ص:307] الموت وليس من الحياة ومعاينته اليأس مثل الغرغرة ولذلك لم ينفع فرعون إيمانه حينئذ
(حم ت) في الدعوات (هـ) في الزهد (حب ك) في التوبة (هب) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المزي: ووهم من قال ابن عمرو بن العاص اه. قال الترمذي: حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه أبو حاتم وقال أبو أحمد أحاديثه مناكير ونقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين وتوثيقه عن غيره ثم أورد من مناكيره أخبارا هذا منها(2/306)
1922 - (إن الله تعالى يقول) يوم القيامة (لأهون) أي أسهل (أهل النار) وفي خبر سيجيء أنه أبو طالب (عذابا لو أن لك ما في الأرض من شيء) أي لو ثبت لأن لو تقتضي الفعل الماضي وإذا وقعت أن المفتوحة بعد لو وجب حذف الفعل لأن ما في أن من معنى التحقق والثبات منزل منزلة الفعل المحذوف (كنت تفتدي به) من النار وهو بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه وهذا إلماح لقوله {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} قال: عبر بالماضي لتحقق الوقوع (نعم) أفعل ذلك قال الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا) أي أمرتك بما هو أهون عليك منه وإلا يكون الشيء واقعا على خلاف إرادته وهو محال وبما تقرر من أن الإرادة بمعنى الأمر يسقط احتجاج المعتزلة به زاعمين أن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي قال الطيبي: والإرادة هنا أخذ الميثاق في قوله سبحانه {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} بقرينة قوله (وأنت في صلب) أبيك (آدم) عليه السلام حين أخذت الميثاق (أن) أي بأن (لا تشرك بي شيئا فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا (إلا الشرك) أي فامتنعت إلا أن تشرك بي من لا يستطيع لك ولا لنفسه نفعا ولا ضرا إشارة إلى قوله تعالى {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيا معنى أي ما اخترت إلا الشرك
(ق عن أنس)(2/307)
1923 - (أن الله يقول إن الصوم لي) أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي (وأنا أجزي به) صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب (إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح) قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا الله فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين الله يفعله خالصا لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني: أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه لله أو بتوفيق الله له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد الله له من الكرامات (وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في خبر [ص:308] مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما (من ريح المسك) عند الخلق. قال البيضاوي: تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه. وقال غيره: خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحا تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك. قال ابن حجر: اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن الله يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا
(حم م ت) في الصوم (عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) بألفاظ متقاربة(2/307)
1924 - (إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين) بالمعونة وحصول البركة والنماء (ما لم يخن أحدهما صاحبه) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خرجت من بينهما) بعني نزعت البركة من مالهما. قال الطيبي: فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثا لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة بشرط الأمانة وذلك لأن كلا منهما يسعى في نفع صاحبه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر
(د) في البيع (ك) وصححه (عن أبي هريرة) سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان في الثقات لكن أعله ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب نقله ابن حجر ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة نعم قال لم يسنده أحد إلا أبو همام الأهوازي وحده(2/308)
1925 - (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي) أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قوتك وقوت ممونك فإنك إن اقتصرت على ما لا بد منه واشتغلت بعبادتي (أملأ صدرك) أي قلبك الذي في صدرك (غنى) وذلك هو الغني على الحقيقة لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه وممونه على وجه الكفاية كما تقرر (وأسد) بسين مهملة (فقرك) يعني تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقض مهماتك ومن قضى الله مهماته استغنى عن خلقه لأن الغني على الإطلاق وهو المعني بقوله أملأ صدرك غنى وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية علم أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر أعظم الناس هما الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته (وإن لم تفعل) ذلك (ملأت يديك شغلا) بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف وشغلت به بالبناء للمفعول تلهيت به وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما (ولم أسد فقرك) أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقرا على فقرك وهو المراد بقوله ملأت يديك إلخ ذكره الطيبي. قال العلائي: أمر الله في هذا الخبر بالتفرغ لعبادته ومن جملة ذلك أن لا يكون في القلب شاغل عن الإقبال على طاعته وقد صرح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر بأن الفراغ من النعم التي لا يليق إهمالها. قال ابن عطاء الله: فرغ قلبك من الأغبار يملأه من المعارف والأسرار ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشوا بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت لا تستنبط منه النوال ولكن استنبط من نفسك وجود الإقبال وقال الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ويقل عوائقك ثم لا ترحل إليه
(حم ت د ك عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في كتاب الزهد نقله عن التوراة بهذا اللفظ ثم قال: وروي مرفوعا ولا يصح انتهى وفيه عند الترمذي [ص:309] أبو خالد الوالبي عن أبيه وأبوه لا يعرف كما في المنار وزائد بن نشيط لا يعرف أيضا(2/308)
1926 - (إن الله تعالى يقول إذا أخذت كريمتي عبدي) أي أعميت عينيه يعني جارحيته الكريمتين عليه وكل شيء يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك والإضافة للتشريف فيفيد أن الكلام في المؤمن وفي رواية عبدي المؤمن (في الدنيا لم يكن له جزاء عندي) يوم القيامة (إلا الجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيرا وأما {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر " من مات على شيء بعثه الله عليه " فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة
(ت عن أنس) ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات(2/309)
1927 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحا به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله (يوم لا ظل إلا ظلي) بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا (1)
(حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري
_________
(1) وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور قبله أي أظلهم في ظلي حال كونه كائنا يوم لا ظل إلا ظلي هذا هو الظاهر(2/309)
1928 - (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) بالرحمة والتوفيق والهداية (ما ذكرني) أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية (و) ما (تحركت بي) أي بذكري (شفتاه) فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو الله وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق
(حم هـ ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه(2/309)
1929 - (إن الله تعالى يقول إن عبدي كل عبدي) أي عبدي حقا المتمحض في العبودية الفائز بشرف كمال العبودية [ص:310] (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر الكاف وسكون الراء أي عدوه المقارن له المكافئ له في القتال فلا يغفل عن ذكر ربه حتى في حالة معاينة الهلاك ولا يشغله ما هو فيه من الاستشراف إلى الموت عن لزوم ذكر ربه بقلبه ولسانه. والقرن من يقاومك في علم أو قتال أو غير ذلك والجمع أقرن كحمل وأحمال
(ت) من حديث عفيرة بن معدان (عن) أبي عدي (عمارة) بضم المهملة وفي آخره هاء (ابن زعكرة) قال في الأذكار: وزعكرة بفتح الزاي والكاف وسكون العين المهملة. قال في التقريب كأصله صحابي له حديث الأزدي وقيل الكندي الجمعي الشامي. قال ابن حجر: ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال أعني ابن حجر وهو حسن غريب وقول الترمذي ليس إسناده بقوي يريد ضعف عفير لكن وجدت له شاهدا قويا مع إرساله أخرجه البغوي فلذلك حسنته وقول الترمذي غريب أراد غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر. اه(2/309)
1930 - (إن الله يقول إن عبدا) مكلفا (أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشه) أي فيما يعيش فيه من القوت وغيره (تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي) أي لا يزور بيتي وهو الكعبة (لمحروم) أي يقضي عليه بالحرمان من الخير أو من مزيد الثواب وعموم الغفران بحيث يصير كيوم ولدته أمه لدلالته على عدم حبه لربه وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام وعزى ذلك إلى الحسن قال ابن المنذر: كان الحسن يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ فيقول يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اه. وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به قال ابن العربي: قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به وقال البيهقي: ورد هذا موقوفا ومرسلا جاء عن أبي هريرة بسند ضعيف
(ع حب عن أبي سعيد) الخدري وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعفه أحمد وقال ابن حبان لا يجوز الاشتغال بحديثه ولا الاحتجاج به وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له في الميزان هذا الخبر وفي اللسان قال البخاري عقبه هذا منكر وكذا قال ابن عدي اه ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ إن الله تعالى يقول إن عبدا أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق ثم لم يفد إلي بعد أربعة أعوام لمحروم قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على الطريق الذي آثره غير جيد(2/310)
1931 - (إن الله تعالى يقول أنا خير قسيم) أي قاسم أو مقاسم (لمن أشرك بي) بالبناء للمفعول (من أشرك بي شيئا) أي في عمل من الأعمال (فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي) بالبناء للفاعل أو المفعول (أنا عنه غني) والله غني عن العالمين. قال أبو البقاء: قليله وكثيره بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكيد ويجوز رفعه على الابتداء ولشريكه خبره والجملة خبر إن وتمسك به ابن عبد السلام كالمحاسبي في ذهابهما إلى العمل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا خلص لله كله ومختار الإمام والغزالي اعتبار غلبة الباعث فإن غلب باعث الآخرة أثيب بقدره وإلا فلا وجرى عليه الفخر الرازي فقال: للعمل تأثير في القلب فإن خلا المؤثر عن العارض خلا الأثر عن الضعف وإن قارنه فإن تساويا تساقطا وإن غلب أحدهما فالحكم له قال والجواب عن الحديث أن لفظ الشرك محمول على تساوي الداعيين وعنده ينحبط كل بالآخر قال ابن عطاء الله [ص:311] وكما لا يحب الله العمل المشترك لا يحب القلب المشترك لأن القلب بيت الرب والرب يكره أن يكون في بيته غيره فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال الغزالي: قيل للخواص قدم ابن أدهم فأته قال: لا لأن ألقى شيطانا ماردا أحب إلي من لقائه فاستنكروا ذلك فقال: إذا لقيته أخاف أن أتزين له فإذا لقيت شيطانا أمتنع منه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: ولقي شيخي الإمام بعض العارفين فتذاكرا مليا. فقال الإمام: ما أظنني جلست مجلسا أنا له أرجى من هذا. فقال العارف: ما جلست مجلسا أنا له أخوف من مجلسي هذا ألست تعمد إلى أحسن علومك فتظهرها لدي وأنا كذلك فقد وقع الرياء فبكى الإمام مليا حتى أغمي عليه. قال البعض: ومن أدوية الرياء التفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه الله له ولا على غيره ما لم يقدره الله له
(الطيالسي) أبو داود (حم عن شداد بن أوس) قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره وضعفه غير واحد وبقية رجاله ثقات(2/310)
1932 - (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة) وهم فيها (يا أهل الجنة فيقولون لبيك) أي إجابة بعد إجابة لك يا (ربنا) من ألب بالمكان أقام أي نقيم لامتثال أمرك إقامة كثيرة (وسعديك) بمعنى الإسعاد وهو الإعانة أي نطلب منك إسعادا بعد إسعاد (والخير في يديك) أي في قدرتك ولم يذكر الشر لأن الأدب عدم نسبته إليه صريحا (فيقول) سبحانه وتعالى لهم (هل رضيتم) بما صرتم إليه من النعيم المقيم (فيقولون وما لنا) أي أي شيء لنا (لا نرضى) وهو حال من الضمير في الظرف والاستفهام لتقدير رضاه (وقد أعطيتنا) وفي رواية وهل شيء أفضل مما أعطيتنا؟ أعطيتنا (ما لم تعط أحدا من خلقك) الذين لم تدخلهم الجنة (فيقول) تعالى (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة وفي رواية أنا أعطيكم (أفضل من ذلك) الذي أنتم فيه من النعيم (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك) قال يا رب في الموضعين ولم يقل ربنا مع كون الجمع مذكورا قبله إشعار بأن ذلك قول كل واحد منهم لا أن طائفة تكلموا وطائفة سكتوا إذ الكلام من كل واحد على حصول الرضى (فيقول أجل) بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل (عليكم رضواني (1)) بكسر أوله وضمه أي رضاي ورضاه سبب كل سعادة وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى الله (فلا أسخط عليكم بعده أبدا) مفهومه أن الله تعالى لا يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء وأجيب بأنه لم يقل أفضل من كل حال بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أن السعادة أي الروحانية أفضل من الجسمانية ونعم للمؤمنين عظيمة وهي سماع كلام رب العالمين وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نعمه عليهم وتعريفه إياهم فضله لديهم وإن رضى الله أفضل من نعيم الجنة
(حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) في حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى {ورضوان من الله أكبر} لأن الله رضاه سبب كل نول وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه اه(2/311)
[ص:312] 1933 - (إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي) أي أعامله على حسب ظنه وأفعل به ما يتوقعه مني فليحسن رجاءه أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به فالمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف والظن على بابه ذكره الفاضي قال: ويمكن تفسيره بالعلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت من خير وشر فلا مرد له لا معطي لما منعت ولا راد لما أعطيت أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في مقام الإيمان والوثوق به سبحانه وتعالى قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب وإذا سأله استجاب إلى هنا كلامه وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه فقال: معناه عند يقينه بي فالاعتماد علي والوثوق بوعدي والرهبة من وعيدي والرغبة فيما عندي أعطيه إذا سألني وأستجيب له إذا دعاني كل ذلك على حسب ظنه وقوة يقينه والظن قد يرد بمعنى اليقين قال الله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} أي يوقنون (إن خيرا فخير وإن شرا فشر) أي إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا وإن ظن بي شرا أفعل به شرا. قال ابن القيم: وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره فقال {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم} وقال {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} قال الكرماني: وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف أي لأن العاقل إذا سمعه لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف بل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال المحققون مقيد بالمحتضر وفي غيره أقوال ثالثها الاعتدال (تتمة) قال ابن عطاء الله: بخ بخ لحسن الظن به لمن من به عليه فمن وجده لم يفقد من الخير شيئا ومن فقده لم يجد منه شيئا لا تجد غدا عند الله لك أنفع منه ولا أجدى ولا تجد الآن أدل على الله ولا أهدى بعلمك عن الله بما يريد أن يصنعه معك ويبشرك ببشائر لا يقرأ سطورها العينان ولا يترجم عنها لسان <فائدة> قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا قال الأمير نحن أحسن ظنا بالله منكم فقال أقسم على الأمير بالله هل تعلم أحدا أحسن ظنا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فهل علمت أنه أخذ شيئا قط من غير حله ووضعه في غير حقه قال اللهم لا قال حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(طس حل عن واثلة) بن الأسقع وهو في الصحيحين بدون قوله إن إلخ(2/312)
1934 - (إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم) خطاب معاتبة لا مناقشة ومعاقبة (مرضت فلم تعدني) أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفا له وتقريبا (قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) حال مقرر للإشكال الذي تضمنه معنى كيف أي أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وذلك على المالك الحقيقي محال فكيف أعودك وأنت القادر القاهر القوي المتين (قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته قال في المطامح: هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند [ص:313] ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين) أي كيف أطعمك والإطعام إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به فيقيم به صلبه ويصلح به عجزه وأنت مربي العالمين (قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام وكذا السقي لوجدت ذلك عندي إرشادا إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثوابا منهما وقال السبكي رضي الله عنه: سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله لوجدتني عنده بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس (يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين) أي كيف أسقيك وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه وطبيعته وأنه غني منزه متعال عن ذلك كله (قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه وقال الكلاباذي: جعل الله أوصاف المؤمنين صفة فقال مرضت واستسقيتك واستطعمتك لأن الوصلة إذا استحكمت والمودة إذا تأكدت صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر وكلما فعله الحبيب فهو يسر حبيبه ألا ترى قيسا المجنون كان إذا أراد أن يسكن ما به ذكرت له ليلى فينجلي ما هو فيه ويتكلم بأحسن كلام فيقال له: أتحب ليلى فيقول: لا فيقال: لم فيقول: المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فسقطت الذريعة فأنا ليلى وليلى أنا وقال:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا. . . نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته. . . وإذا أبصرته كنت أنا
(تتمة) سئل بعض العارفين عن تنزلات الحق في إضافة الجوع والظمأ لنفسه هل الأولى إبقاؤها على ما وردت أو تأويلها كما أولها الحق لعبده حين قال أطعمك إلخ؟ فقال الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه الله لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص ولا تلحقه صفة تشبيه لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه فقد لا يكون مرادا للحق فالأدب إضافتنا إليه كل ما أضافه لنفسه تعالى كما قيل:
إذا نزل الحق من عزه. . . إلى منزل الجوع والمرحمه
فخذه على حد ما قاله. . . فإن به تحصل المكرمه
ولا تلقينه على جاهل. . . فتحصل في موطن المذممه
(م) في الأدب (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الترمذي في الزهد ولم يخرجه البخاري(2/312)
1935 - (إن الله تعالى يقول إني لأهم بأهل الأرض عذابا) كقحط وجوع وفتن توجب قتلا ونحو ذلك (فإذا نظرت [ص:314] إلى عمار بيوتي) أي عمار المساجد التي هي بيوت الله بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة (والمتحابين في) أي لأجلي لا لغرض دنيوي (والمستغفرين بالأسحار) أي الطالبين من الله المغفرة فيها (صرفت عذابي عنهم) أي عن أهل الأرض إكراما لهؤلاء ويحتمل عود الضمير إلى هؤلاء فقط لكن يؤيد الأول خبر لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وليس المراد بالهم هنا حقيقته من العزم على الشيء ولا الإرادة والألم يتخلف وقوعه بل ذكر تقريبا لأفهامنا وحبا لنا على هذه الخصال الفاضلة وخصها لما في الأولى من إقامة شعائر الدين وفي الثانية من الائتلاف والاجتماع على نصره وفي الثالثة من محو الذنوب أو فأولا ولأن الاستغفار ممحاة للذنوب كما في خبر يأتي فلذلك كانت صارفة للعذاب
(هب عن أنس) وفيه صالح المري أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال النسائي وغيره متروك(2/313)
1936 - (إن الله تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم أقبل) أي أثيب (ولكن أقبل على همه) أي عزمه ونيته (وهواه) أي ما يميل إليه (فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى) جمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما كاف (جعلت صمته) أي سكوته (حمدا لله) أي بمنزلة ثنائه على الله تعالى باللسان (ووقارا وإن لم يتكلم) أي وإن كان همه وهواه فيما لا يحبه ولا يرضاه فلا أجعل صمته كذلك بل إنما يعاتب أو يعاقب عملا بنيته وحذف الشرط الثاني وجزاءه لفهمه مما قبله ولم يأت به بالمنطوق تحقيرا لشأن من قام به وفيه إيماء إلى علو مقام الفكر ومن ثم قال الفضيل: الفكر مخ العبادة وقال الحسن: من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته فكرة فهو سهو وقال وهب: ما طال فكر امرئ قط إلا علم وما علم إلا عمل. وقال الداراني: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب. وقال الجنيد: أشرف المجالس الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد والتسنيم تنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر وصحة النظر في الأمور نجاة من الغرور
(ابن النجار) في التاريخ (عن المهاجر بن حبيب) لم أره في الصحابة في أسد الغابة ولا في التجريد(2/314)
1937 - (إن الله يكتب للمريض) أي يأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له حال مرضه (أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه) أي مرضه (والمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره) إذا شغله السفر عن ذلك العمل والمراد السفر الذي ليس بمعصية بل كان سفر طاعة كحج وغزو وكذا المباح كسفر لتجارة حسبما شمله الحديث قال ابن حجر رحمه الله: هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها لأنه أعاقه
(طب عن أبي موسى) الأشعري(2/314)
[ص:315] 1938 - (إن الله يكره فوق سمائه) خص الفوقية إيماء إلى أن كراهته لذلك أمر متعارف مستفيض بين الملأ الأعلا وسكان السماوات العلى ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصور المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه تعالى مباين لجميع خلقه متسلط على كل شيء بقهره وقدرته سبحانه (أن يخطأ) بالبناء للمجهول (أبو بكر الصديق) أي يكره أن ينسبه أحد من الأمة إلى الخطأ (في الأرض) لكمال عقله وإصابته للصواب فيما يشير به ويراه ومناصحته لنبيه صلى الله عليه وسلم وإخلاص سريرته كيف وقد انتصب لمناوأة المشركين وذب عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحده ولم يهب شرق الدنيا وغربها وجاد بمهجته في الله تعالى ولما مات أبو طالب انتهزت قريش الفرصة واجتمعوا على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه قائلين أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فلم يعنه إلا الصديق رضي الله تعالى عنه فنادى بأعلا صوته أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فمؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه الله كان يكتم إيمانه وأبو بكر رضي الله عنه بذل نفسه فحاول إظهاره وإعلائه. وكراهته لتخطئته إنما هو في حق غير المعصوم فلا ينافي قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعبيره للرؤيا كما في البخاري أصبت بعضا وأخطأت بعضا
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده عن أحمد بن يونس عن أحمد بن أبي الحرث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عبادة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ (طب) عن الحسن بن العباس عن سهل بن عثمان عن أبي يحيى الحماني عن أبي العطوف جراح بن المنهال عن الوضين عن عطاء عن عبادة عن ابن غنم عن معاذ (وابن شاهين) في كتاب (السنة) عن إبراهيم بن حماد عن عبد الكريم بن هيثم عن الحماني فما فوقه ممن ذكر (عن معاذ) بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرحني إلى اليمن استشار ناسا من أصحابه فتكلم كل برأي فقال ما ترى يا معاذ قلت أرى ما قال أبو بكر رضي الله عنه فذكره قال الهيثمي: وفيه أبو العطوف لم أر من ترجمه يروي عن الوضين بن عطاء وبقية رجاله موثوقون انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال تفرد به أبو الحارث نصر بن حماد عن بكر بن جيش وقال يحيى نصر كذاب ومحمد بن سعيد هو المصلوب كذاب يضع إلى هنا كلامه ونازعه المؤلف على عادته فلم يأت بطائل(2/315)
1939 - (إن الله يكره من الرجال الرفيع الصوت) أي الشديد الصوت (ويحب الخفيض من الصوت) ولهذا أوصى الله نبيه به صلى الله عليه وسلم في قوله {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان ذكره الزمخشري وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى
(هب عن أبي أمامة) ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله تفرد به مسلمة بن علي وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي في الضعفاء المتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك وفيه أيضا نعيم بن حماد وثقه أحمد وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع الحديث(2/315)
1940 - (إن الله تعالى يلوم على العجز (1)) أي على التقصير والتهاون في الأمور وهذا قاله لمن ادعى عليه عنده فحسبل (2) [ص:316] تعريضا بأنه مظلوم أي أنت مقصر بتركك الاحتياط وعدم رعاية ما أقام الله لك من الأسباب وترك التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة وغير ذلك مما يوجب الغلبة وثبوت الحق والعجز وإن كان صفة وجودية قائمة بالعاجز لكن العبد ملام عليه لما ذكر (ولكن عليك بالكيس) بفتح فسكون ويطلق على معان منها الرفق فمعناه عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه كذا قرره في الأذكار وقال غيره ضد الحمق يعني التيقظ في الأمر وإتيانه من حيث يرجى حصوله (فإذا غلبك أمر) بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلا (فقل) حينئذ (حسبي الله ونعم الوكيل) أي الموكول إليه لعذرك حينئذ وحاصل معنى الاستدراك لا تكن عاجزا وتقول حسبي الله ولكن كن يقظا حازما فإذا غلبك أمر فقل ذلك إذ ليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور بل على العاقل أن يتكيس في الأمور بأن يتيقظ فيها ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة الله على ارتباط تلك المطالب بها ويدخل عليها من أبوابها ثم إن غلبه أمر وعسر عليه مطلوب ولم يتيسر له طريق كان معذورا فليقل حسبي الله ونعم الوكيل فإن الله تعالى يأخذ بثأرك وينصرك على خصمك
(د) في القضاء عن بحير عن ابن معدان عن سيف (عن عوف بن مالك) قال الذهبي في المهذب سيف لا يعرف ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة قال في المنار وفيه سيف الشامي وهو لا يعرف
_________
(1) أي عدم الداعية الحازمة التي يسمى بها مكتسبا وإن كانت القدرة لله تعالى
(2) وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فذكره أي أنت مقصر بترك الإشهاد والاحتياط(2/315)
1941 - (إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة ثلث وفي رواية الثلث الأول وأخرى النصف وجمع باختلاف الأحوال يعني يكون أوقات الليل في الزمان والآفاق تقدم الليل عند قوم وتأخره عند آخرين (نزل) وفي رواية للبخاري ينزل (إلى السماء الدنيا) أي القربى قيل المراد نزول رحمة ومزيد لطف وإجابة دعوة وقبول معذرة كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادات الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم مستضعفين ملهوفين لا نزول حركة وانتقال لاستحالته عليه تقدس فهو نزول معنوي ويمكن حمله على الحس ويكون راجعا إلى أفعاله لا ذاته وقيل المراد بنزوله نزول رحمته وانتقاله من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام المقتضية للرحمة والإنعام (فنادى هل من مستغفر) فأغفر له (هل من تائب) فأتوب عليه (هل من سائل) فيعطى وفيه توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال (هل من داع) فأستجيب له ولا يزال كذلك (حتى ينفجر الفجر) جمع بينهما للتأكيد إن كانتا بمعنى وإلا فلأن المطلوب دفع ما لا يلائم أو جلب الملائم وهو إما دنيوي أو ديني فأشير بالاستغفار إلى الأول وبالسؤال إلى الثاني وبالدعاء إلى الثالث وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء
(حم م عن أبي هريرة وأبي سعيد معا) ورواه أيضا البخاري في مواضع من صحيحه بألفاظ متقاربة المعنى(2/316)
1942 - (إن الله تعالى ينزل) بفتح أوله (ليلة النصف من شعبان) أي ينزل أمره أو رحمته على ما تقرر قال القاضي: لما ثبت بالقواطع العقلية أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع [ص:317] أعلا إلى أخفض منه بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم كما هو ديدن الملوك والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين فقوله (إلى سماء الدنيا) أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال المقتضية للأنفة من الأرذال وعدم المبالاة وقهر العداوة والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرحمة والرأفة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج واستعراض الحوائج والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي والتركيب في سماء الدنيا من قبيل مسجد الجامع والقياس السماء الدنيا كما في الحديث المتقدم <تنبيه> قال بعض العارفين رضي الله عنه ما من ليلة إلا وينزل من السماء في الثلث الأخير فتوح رباني ومدد فيلتقطه هل التسليم ثم أهل التفويض ثم تقع الإفاضة من هؤلاء على أصحاب الدوائر العلية أقطاب الأفلاك الكلية ثم تقع منهم على الحفظة والنواب وولاة الأمر ثم منهم على الملكين والصالحين والعلماء العاملين ممن حضر فتح الباب وتنزل الأمداد فإن الهدية لمن حضر قال وأما النائمون في الثلث الآخر فتصيبهم عند أخذ الرجال الخمس المعروفين بين الأولياء فإنه يأخذ لكل من غاب نصيبا عند صلاة الصبح إما قبل فراغه أو معه ومن تخلف عن اليقظة عند صلاة الصبح فإن نصيبه يعطاه في أسبابه الدنيوية إذا رضى بإقامة الله له فيها وما بقي بعد ذلك فهو حظ الأنعام وأمثالهم من العوام الغافلين عن الأسباب (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) قال الزين العراقي مزية ليلة نصف شعبان مع أن الله تعالى ينزل كل ليلة أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب وليس ذا في نزول كل ليلة ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم وورد في حديث آخر استثناء جماعة من المغفرة <تنبيه> قال المجد ابن تيمية: ليلة نصف شعبان روي في فضلها من الأخبار والآثار ما يقتضي أنها مفضلة ومن السلف من خصها بالصلاة فيها وصوم شعبان جاءت فيه أخبار صحيحة أما صوم يوم نصفه مفردا فلا اصل له بل يكره قال وكذا اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها اه
(حم ت) في الصوم (هـ) في الصلاة من حديث الحجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كبير عن عروة (عن عائشة) قال لا يعرف إلا من حديث الحجاج وسمعت محمدا يعني البخاري يضعف هذا الحديث وقال يحيى لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى اه قال الدارقطني إسناده مضطرب غير ثابت وقال الزين العراقي ضعفه البخاري بالانقطاع في موضعين قال ولا يصح شيء من طرق هذا الحديث قال ابن دحية رحمه الله لم يصح في ليلة نصف شعبان شيء ولا نطق بالصلاة فيها ذو صدق من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في زي المجوسية اه(2/316)
1943 - (إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد) أي (مسجد مكة) وفي رواية ينزل على هذا البيت. قال الطبري: ولا تضاد بين الروايتين فقد يراد بمسجد مكة البيت ويطلق عليه مسجد بدليل {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أو أراد بالتنزيل على البيت التنزيل على أهل المسجد اه. وقوله مسجد مكة يحتمل كونه تفسيرا من راويه أدرجه ويحتمل أنه من المرفوع قيل ويصدق على ما هو عليه اليوم من السعة والزيادة (في كل يوم وليلة عشرين ومئة رحمة ستين) منها (للطائفين) بالبيت (وأربعين للمصلين) بالمسجد (وعشرين للناظرين) إلى الكعبة وفي رواية للطبراني في الكبير عن ابن عباس أيضا مرفوعا ستون منها للطائفين وأربعون للعاكفين حول البيت وعشرون منها للناظرين للبيت وفي [ص:318] رواية للبيهقي في الشعب عنه أيضا ينزل الله كل يوم مئة رحمة ستين منها للطائفين بالبيت وعشرين على أهل مكة وعشرين على سائر الناس قال في الإتحاف: والأحاديث في ظاهرها تخالف ويحتمل أنه أراد بالعاكفين المصلين فلا تخالف وأما حديث المئة ففيه إثبات عشرين لأهل مكة وعشرين للناس وهو لا ينافي الخبرين قبله إذ فيه إثبات ستين للطائفين ولا تعرض فيه لعاكف ولا مصل ولا ناظر ويحتمل أن للطائف أربعين وللمصلي أربعين ويكون كل حديث على ظاهره ولا يلزم من عدم التعرض لذكره في الحديث الآخر أنه ليس له شيء كما لا يلزم من عكسه العكس وليس في الحديث صيغة حصر فتكون الرحمات النازلة مئة وستين وهذا أقرب والقسمة على كل فريق على قدر العمل لا على مسماه على الأظهر اه وقال المحب الطبري: في القسمة وجهان الأول على المسمى بالسوية لا على العمل قلة وكثرة وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه الثاني قسمتها على العمل لأن الحديث ورد في سياق الحث والتحضيض فلا يستوي فيه عامل الأقل والأكثر ولأن الرحمات متنوعة بعضها أعلا من بعض فرحمة يعبر بها عن المغفرة وأخرى عن العصمة وأخرى عن الرضى وأخرى عن القرب وأخرى عن تبوء مقعد صدق وأخرى عن النجاة من النار إلى غير نهاية إذ لا معنى للرحمة إلا العطف فتارة يكون بنعمة وتارة بدفع نقمة وكلاهما ينوع إلى غير نهاية ومع ذلك يفرض التساوي بين مقل ومكثر ومخلص وغيره وحاضر القلب وساه وخاشع وغيره فالأرجح أن ينال كل بقدر عمله ما يناسبه من الأنواع قال ويحتمل أن يحصل لكل طائف ستون ويكون العدد بحسب عمله في ترتيب أعلى الرحمات وأوسطها وأدناها ويحتمل أن جميع الستين بين كل الطائفتين والأربعين بين المصلين والعشرين بين الناظرين وتكون القسمة على حسب أحوالهم في العدد والوصف حتى يشترك الجم الغفير في الرحمة الواحدة وينفرد الواحد برحمات وفي الحديث فضل الطواف على الصلاة والصلاة على النظر إذا تساووا في الوصف فيخص به عموم خبر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة والصلاة خير موضوع وخرج بقوله إذا تساووا في الوصف ما لو اختلف وصف المتعبدين فكان الطائف ساهيا غافلا والمصلي أو الناظر خاشعا فالخاشع أفضل وقال كثير في توجيه الحديث إن المئة وعشرين قسمت ستة أجزاء فجعل جزء للناظرين وجزآن للمصلين لأن المصلي ناظر غالبا والطائف لما اشتمل على النظر وصلاة ركعتيه كان له ثلاثة أجزاء وفيه نظر لأن الطائف الأعمى وكذا المصلي لهما ما ثبت لهما وإن لم ينظرا وكذا لو تعمد ترك النظر فيهما لا ينقص حظه وأما النظر في الطواف فإن لم يقترن بقصد تعبد فلا أثر له وإن قصده نال به أجر الناظرين زائدا على أجر الطواف
(طب) وكذا الخطيب في التاريخ والبيهقي في الشعب (والحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى (وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن ابن عباس) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عبد الرحمن بن السفر من حديثه ونقل عن ابن منده أنه متروك وتبعه الذهبي وقال ابن الجوزي حديث لا يصح ففيه من طريق يوسف بن السفر تفرد به وهو كما قال الدارقطني والنسائي متروك وقال الدارقطني يكذب وابن حبان لا يحل الاحتجاج به وقال يحيى ليس بشيء انتهى ومنه أخذ الهيثمي قوله بعد ما عزاه للطبراني فيه يوسف بن السفر وهو متروك(2/317)
1944 - (إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة) وشاهده ما في الكتب القديمة أخرج البيهقي أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة (وينزل الصبر) أي حبس النفس على المكاره (على قدر البلاء) لأن صفة العبد الجزع والصبر لا يكون إلا بالله فمن عظمت مصيبته أفيض عليه الصبر بقدرها وإلا لهلك هلعا
(عد وابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا البيهقي في الشعب وكأن المؤلف أغفله ذهولا كلهم (عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن وافد أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الخطيب عن وهب بن وهب قال أحمد وغيره [ص:319] كذاب لكن يأتي ما يقويه بعض قوة(2/318)
1945 - (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) لأن الحلف بشيء يقتضي تعظيمه والعظمة حقيقة إنما هي لله وحده ولا يعارضه خبر أفلح وأبيه إن صدق لأن تلك كلمة جرت على لسانهم للتأكيد لا للقسم فيكره الحلف بغير الله تنزيها عند الشافعية وعلى الأشهر عند المالكية وتحريما عند الظاهرية وعلى الأشهر عند الحنابلة قال في المطامح: وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة وإلا فحقيقة النهي عامة في كل معظم غير الله وظاهر إضافة النهي إلى الله تعالى أنه تلقاه عنه لا دخل للاجتهاد فيه
(حم ق) في الأيمان والنذور (4 عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فذكره(2/319)
1946 - (إن الله يوصيكم بأمهاتكم) أي من النسب قاله (ثلاثا) أي كرر الله الوصية بهم ثلاث مرات لمزيد التأكيد (1) ثم قال في الرابعة (إن الله يوصيكم بآبائكم) من النسب وإن علو قاله (مرتين) إشارة إلى تأكده لما لهم من التربية والنصرة وأن ذلك التأكد دون تأكد حق الأمهات لتعبهن وخدمتهن ومقاساة المشاق في الحمل والوضع والرضاع والتربية ثم قال (إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب) من النسب قال ذلك مرة واحدة إشارة إلى أن حقهن وإن كان متأكدا فهو دون تأكد حق الأبوين وكرر الفعل مع المؤكد حثا على الاهتمام بالوصية ولم ينص في الأخيرة على عدد لفهمه مما قبله قال الشافعية فيقدم في البر الأم فالأب فالأولاد فالأجداد فالجدات فالإخوة والأخوات ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم وتقدم منهم المحارم على غير المحارم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجوار وهذا الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة كما مر وإنما قدم الولد الصغير في النفقة لأن مبنى التقديم فيها على الأحوجية مع الأقربية بدليل عدم دخول حجب النقصان فيه مع وجود الأبوين
(خد هـ طب ك عن المقدام) بن معد يكرب وفيه إسماعيل بن عياش قال الحاكم إنما نقم عليه سوء الحظ فقط وقال الهيثمي هو ضعيف قال ابن حجر وأخرجه البيهقي بإسناد حسن
_________
(1) وسبب تقدم الأم في البر كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها وحصول المشاق من حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك(2/319)
1947 - (إن الله يوصيكم بالنساء خيرا (1)) كرره ثلاثا ووجهه بقوله (فإنهن أمهاتكم) أي منهن أمهاتكم وكذا ما بعده (وبناتكم وخالاتكم) اقتصر عليه إشارة إلى أن جهة الأم آكد وإن شاركتهن العمات في أصل الوصية (إن الرجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل يعني من اليهود والنصارى (يتزوج امرأة وما تعلق (2) يداها الخيط) كناية عن شدة فقرها بحيث لا تملك حتى ما لا قيمة له كالخيط والقصد به المبالغة (فما يرغب واحد منهما عن صاحبه) (3) حتى [ص:320] يموت كما في رواية إن أهل الكتاب يتدينون بذلك يتزوج الواحد منهم المرأة من صغرها وقلة رفقها فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فأراد حث أصحابه على الوصية بالنساء والصبر عليهن كذا في النهاية
(طب) من حديث يحيى بن جابر (عن المقدام) بن معد يكرب قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره قال الهيثمي رجاله ثقات إلا أن يحيى لم يسمع من المقدام ورواه عنه أيضا أحمد وأبو يعلى فاقتصار المصنف على الطبراني غير حميد
_________
(1) أي بأن تحسنوا إليهن بإحسان معاشرتهن وتوفوهن ما يجب لهن
(2) تعلق بفتح المثناة الفوقية وضم اللام أي لا يكون في يدها شيء من الدنيا حتى يموتا كما في رواية يعني أهل الكتاب يتزوج أحدهم المرأة الفقيرة جدا فيصبر عليها ولا يفارقها إلا بالموت فافعلوا ذلك ندبا إلا لعذر كأن كانت سيئة الخلق فلا تكره المفارقة
(3) [فعلينا التخلق بمكارم الأخلاق حيثما وجدت وما وجد عند أهل الكتاب منها فنحن أولى به. ولا يخفى أن أهل الكتاب اليوم قد تزايد فيهم الطلاق والزنى مع أن الإخلاص الموصوف في هذا الحديث لا يزال يوجد في بعضهم. دار الحديث](2/319)
1948 - (إن الإبل) بنوعيها عرابا وبخاتى (خلقت من الشياطين وإن وراء كل بعير شيطانا) قال ابن جرير: معناه أنها خلقت من طباع الشياطين وأن البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفره ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟ انتهى (1) وقال الزمخشري عن الجاحظ: زعم بعضهم أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن بهذا الحديث وغلطوا وإنما ذلك لأن للشيطان فيها متسعا حيث سبقت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرهم أغرتهم أيضا على إغفال ما لهم من حق جميل الصبر على الرزية بها وسولت لهم في الجانب الذي يستعملون فيه نعمتي الركوب والحلب أنه الآثام وهو بالحقيقة الأيمن انتهى
(ص عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي ثقة عابد ناسك مخلص يسبح الله كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ (مرسلا) أرسل عن ابن عمر وعمرو وثوبان وغيرهم
_________
(1) إذا أدركتم ركوبا فسموا الله فإن التسمية تطرد ذلك الشيطان. اه(2/320)
1949 - (إن الأرض لتعج إلى تعالى) بعين مهملة مكسورة وجيم أي لترفع صوتها بالشكاية إليه بلسان الحال أو القال والقدرة صالحة (من الذين يلبسون الصرف رياء) أي القوم الذي يلبسونه إيهاما للناس أنهم من الصوفية الصلحاء الزهاد ليعتقدوا ويفتقدوا ويحترموا ويعظموا ولذلك كره مالك كما قال ابن بطال لبس الصوف لمن وجد غيره لما فيه من الشهوة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه لكن يأتي في أخبار الترغيب في لبسه أي إذا خلا عن الرياء واقترن به قصد صالح وبه يرتفع التعارض ويحصل الجمع والحديث المشروح فيما اقترن برياء أو جعله مصيدة للحطام أو طريقا للتوقير والإعظام أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة. دخل فرقد السنجي على الحسن وعليه كساء صوف وعلى الحسن حلة فجعل يلمسها فقال له الحسن: مالك؟ ثيابي ثياب أهل الجنة وثيابك ثياب أهل النار بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ثم قال الحسن: جعلوا الزهد في ثيابهم والكبر في صدورهم والذي يحلف به لأحدهم أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطروفه. ولذلك أشار ذو النون بقوله:
تصوف فازدهى بالصوف جهلا. . . وبعض الناس يلبسه مجانه
يربك مهانة ويريد كبرا. . . وليس الكبر من شأن المهانة
تصوف كي يقال له أمين. . . وما معنى تصوفه الأما
ولم يرد الإله به ولكن. . . أراد به الطريق إلى الخيانة
قال في عين العلم الملخص من الإحياء: والرياء طلب المنزلة عند غيره تعالى بالعبادة وفي لباب الأحياء والقول الحق فيه أنه طلب الجاه ويكون الرياء بالقول والعمل والهيئة والملبس كإظهار النحول وإبقاء أثر السجود ولبس الصوف [ص:321] والوعظ وتطويل الصلاة وتكثير التلامذة وقد أجمع على تحريمه
(فر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي مصرحا فعزو المصنف الحديث للفرع واضرابه عن الأصل صفحا تقصير أو قصور وفي الميزان ما محصوله أنه خبر باطل. اه. ولعله لأن فيه سهل بن عمار قال في الضعفاء رماه الحاكم بالكذب وعباد بن منصور وقد ضعفوه(2/320)
1950 - (إن الأرض لتنادي كل يوم) من على ظهرها من الآدميين (سبعين مرة) بلسان الحال ولا مانع من كونه بلسان القال إذ الذي خلق النطق في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في كل جزء من الجماد وقياس نظائره أنه أراد بالسبعين التكثير لا التحديد جريا على عادتهم في أمثاله (يا بني آدم كلوا ما شئتم) أن تأكلوا من الأطعمة اللذيذة (واشتهيتم) أي توسعوا في الاسترسال مع الشهوات والإكباب على اللذات فالعطف من قبيل علفتها تبنا وماءا باردا وهذا أمر وارد على منهج التهكم نحو {اعملوا ما شئتم} (فو الله) إذا صرتم في بطني (لآكلن لحومكم وجلودكم) أي لآذيبن لحومكم وجلودكم وجميع أجزائكم واقتصر عليهما لأنهما المعظم فهذا متسخط متوعد والأرض لا تنسخط على الأنبياء والأولياء بل تفخر بكونهم على ظهرها فإذا صاروا ببطنها ضمتهم ضمة الولدة الوالهة الواجدة على ولدها فالنداء لمن أكل منها بشهوة ونهمة لأنها سخرت لنا لنشكر لا لنكفر فالشكور محبوب والكفور ممقوت فإذا غفل عن ذلك فقد أكل منها بغير حق فسلطت عليه لتأكله كما أكل منها بغير حق فمن أكل بالله ولله وفي الله فالأرض أذل وأقل من أن تجترئ عليه
(الحكيم) الترمذي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/321)
1951 - (إن الإسلام بدأ) ضبطه النووي بالهمز من الابتداء في تاريخ قزوين للرافعي إن قرئ بغير همز فظاهر يقال بدا الشيء يبدو أي ظهر (غريبا) أي في قلة من الناس ثم انتشر (وسيعود) أي وسيلحقه النقص والخلل حتى لا يبقى إلا في قلة (كما بدأ غريبا) هكذا ثبتت هذه اللفظة في رواية ثم المراد أنه لما بدأ في أول وهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من أشياع الرسول ونزاع القبائل فشردوهم عن البلاد ونفورهم عن عقر الديار يصبح أحدهم معتزلا مهجورا ويبيت منبوذا كالغرباء ثم يعود إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائمين به إلا الأفراد ويحتمل أن المماثلة بين الحالة الأولى والأخيرة قلة ما كانوا يتدينون به في الأول وقلة من يعملون به في الآخر ثم إنه أكد ذلك بقوله كما بدأ ولم يكتف بقوله وسيعود غريبا لما في الموصول من ملاحظة التهويل وأراد بالإسلام أهله لدلالة ذكر الغرباء بعده ذكره جمع وقال الطيبي: إما أن يستعار الإسلام للمسلمين فالغربة هي القرينة فيرجع معنى الوحدة والوحشة إلى نفس المسلمين وإما أن يجري الإسلام على الحقيقة فالكلام فيه تشبيه والوحدة والوحشة باعتبار ضعف الإسلام وقلته فعليه غريبا إما حال أي بدأ الإسلام مشابها للغريب أو مفعولا مطلقا أي ظهر ظهور الغريب حين بدأ فريدا وحيدا ثم أتم الله نوره فأنبت في الآفاق فبلغ مشارق الأرض ومغاربها ثم يعود في آخر الأمر فريدا وحيدا شريدا إلى طيبة (فطوبى) فعلى من الطيب أي فرحة وقرة عين أو سرور وغبطة أو الجنة أو شجرة في الجنة (للغرباء) أي المسلمين المتمسكين بحبله المتشبثين بذيله الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين [ص:322] الإسلام ذكره ابن الأثير وزاد الترمذي بعد الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي وفي خبر آخر قيل من الغرباء قال النزاع من القبائل أي الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم قيل وهم أصحاب الحديث يعني كون الإسلام غريب ليس منقصة عليهم بل سبب لتقريبهم في الآخرة اه وهو تخصيص بغير مخصص قال الكلاباذي: وإذا صار الأمر إلى هذا كان المؤمن في زمن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق لأهله ووطنه
(م هـ عن أبي هريرة) لكن لفظة رواية مسلم في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وفي رواية له من حديث ابن عمر إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها انتهى بنصه وبتأمله يعرف أن المؤلف تساهل في عزوه لمسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة (ت هـ عن ابن مسعود) عبد الله (هـ عن أنس) بن مالك (طب) عن سلمان الفارسي (وسهل بن سعد) الساعدي (وابن عباس) ترجمان القرآن ولم يخرجه البخاري وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري قال حديث حسن(2/321)
1952 - (إن الإسلام بدأ جذعا) بجيم وذال معجمة أي شابا فتيا والفتي من الإبل ما دخل في الخامسة ومن بقر ومعز في الثانية وضأن ما تم له عام (ثم ثنيا) هو من الإبل ما دخل السادسة ومن البقر الثالثة (رباعيا) بالتخفيف وهو من الإبل ما دخل في السابعة (ثم سديسا) من الإبل ما دخل في الثامنة (ثم بازلا) من الإبل ما دخل في التاسعة وحينئذ تكمن قوته قال عمر وما بعد البزال إلا النقصان أي فالإسلام استكمل قوته وبعد ذلك يأخذ في النقص واعلم أن الأرض كانت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مظلمة مطبقة وأنوار الإيمان غائبة عن الأرض موجودة عند الملائكة وأهل الإيمان بالغيب فلما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم طلعت بظهوره شمس الإيمان بمكة فاستنار به من قبل من نوره بالإيمان به فلم يزل الدين يظهر شيئا فشيئا لكن بحكم الضعف لأنه طلع في سحاب متراكم بعضه على بعض فلم يزل كذلك مرة يظهر ومرة يخفى حتى هاجر من هاجر من أصحابه وبقي المستضعفون بمكة حتى ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وافتتح الأقطار شيئا بعد شيء حتى فتح مكة واتصل النور وانفتح حتى توفي وبقي الفتح ظاهرا حتى غمر الأرض بوجود نوره عند خلفائه والقائمين به من بعده فلما ضعف الإيمان الذي هو النور بقبضه عن الخلق لمخالفتهم ظهر سلطان الليل حتى يأتي وعيد الله
(حم) من حديث علقمة بن عبد الله المزني (عن رجل) أي قال حدثني رجل قال كنت في مجلس فيه عمر بالمدينة فقال لرجل من القوم كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام قال سمعته يقول فذكره قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات(2/322)
1953 - (إن الإسلام نظيف) نقي من الدنس (فتنظفوا) أي نقوا ظواهركم من دنس نحو مطعم وملبس حرام وملابسة قذر وبواطنكم بإخلاص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء وقلوبكم من نحو غل وحقد وحسد (فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) أي طاهر الظاهر والباطن ومن لم يكن كذلك طهرته النار ثم لا بد من حشر عصاة الموحدين مع الأبرار في دار القرار فالمنفي الدخول الأولى
(خط عن عائشة) وفيه ضعف(2/322)
1954 - (إن الأعمال) أي الأعمال القولية والفعلية (ترفع) إلى الله تعالى (يوم الاثنين و) يوم (الخميس) أي ترفع في كل اثنين وخميس (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) أخذ منه القسطلاني تبعا لشيخه البرهان ابن أبي شريف مشروعية عنه الاجتماع للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة والاثنين كما يفعل في الجامع الأزهر ورفع الصوت بذلك لأن الليلة ملحقة باليوم ولأن اللام في الأعمال للجنس فيشمل الذكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء [ص:323] لا سيما في ليلة الاثنين فإنها ليلة مولده صلى الله عليه وسلم وقد قال ابن مرزوق: إنها أفضل من ليلة القدر انتهى وأقول لا يخفى ما في الأخذ المذكور من البعد والتعسف
(الشيرازي في الألقاب) أي في كتاب الألقاب (عن أبي هريرة هب عن أسامة بن زيد) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي بلفظ تعرض الأعمال في يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم(2/322)
1955 - (إن الإمام) الأعظم (العادل) بين رعيته وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم والعدل القصد في الأمور (إذا) مات و (وضع في قبره) على شقه الأيمن (ترك على يمينه) أي لم تحوله عنه الملائكة ما دام فيه (فإذا كان جائرا نقل من يمينه على يساره) أي وأضجع على يساره فإن اليمين يمن وبركة وهو مختار الله ومحبوبه فهو للأبرار والشمال يتشاءم به فهو للفجار والظاهر أن المراد بالإمام العادل ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عمر بن عبد العزيز) الأموي الإمام العادل (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك(2/323)
1956 - (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم وعن ابن مسعود أنه قيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن ظهر لنا شيء نأخذ به قال النووي حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين
<تنبيه> عدوا من ثمرات سوء الظن المنهي عنه التجسس فإن القلب المريض لا يقع بالظن فيتطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس فيقع في سوء الظن بالذم
(د) في الأدب (ك) في الحدود كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش (عن جبير بن نفير) بنون وفاء مصغرا ابن مالك الحضرمي الحمصي ثقة جليل أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باليمن وروى عن أبي بكر وعمر ولأبيه صحبة قال في التقريب لأنه ما وفد إلا في عهد عمر وقال أبو زرعة: جبير هذا عن أبي بكر مرسل (وكثير بن مرة) الحضرمي الجهيني الحمصي قال الذهبي أورده عبدان في الصحابة وهو تابعي مشهور قد أرسل انتهى وسبقه ابن الأثير في الأسد فقال عن أبي موسى كثير هذا حديثه مرسل ولم يذكره في الصحابة غير عبدان وفي التقريب كثير ثقة من الثالثة (والمقدام وأبي أمامة) ورواه أيضا أحمد والطبراني عنهما ورجاله ثقات ذكره الهيثمي(2/323)
1957 - (إن الإيمان ليخلق) أي يكاد أن يبلى (في جوف أحدكم) أيها المؤمنون (كما يخلق الثوب) وصفه على طريق [ص:324] الاستعارة شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس (فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكرا يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا الله فقلت كذا لا إله إلا الله فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به
(طب) عن ابن عمر بن الخطاب قال الهيثمي وإسناده حسن (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم ورواته ثقات وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه حديث حسن من طريقيه(2/323)
1958 - (إن الإيمان ليأرز) بلام التوكيد ثم همزة ساكنة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة أي لينضم ويلتجي (إلى المدينة) النبوية يعني يجتمع أهل الإيمان فيها وينضمون إليها وفيه أن الإيمان يزيد وينقص (كما تأرز الحية إلى جحرها) بضم الجيم أي كما تنضم وتلجأ إليه إذا انتشرت في طلب ما تعيش به فراعها شيء فرجعت إلى جحرها فكذلك أهل الإيمان يقال أزرت الحية إذا رجعت إلى ذنبها القهقرى شبه انضمامهم إليها بانضمام الحية إذا رجعت لأن حركتها أشق لمشيها على بطنها والهجرة إليها كانت مشقة كما يشير إليه لفظ يأرز الذي حروفه شديدة دون تنضم قال القاضي: معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة لأن في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه جاء المدينة مهاجرا متوطنا أو متشوقا إلى رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومستقربا ثم بعد هذا في زمن الخلفاء كذلك ثم من بعدهم من العلماء لأخذ السنن عنهم ثم في كل وقت إلى زمننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه فلا يأتيها إلا مؤمن ثابت الإيمان وفي التشبيه رمز إلى أنهم ينضمون إليها بلا عوج كدخول الحية جحرها فإنه بلا عوج قيل وأراد بالمدينة جميع الشام لأنها منه وخصها لشرفها ثم قيل إن ذا يعم كل زمن وقيل يختص بحياته ثم القرون الثلاثة بعده وفيه صحة مذهب أهلها وسلامتهم من البدع إلى آخر زمن الخلفاء الراشدين
(حم ق هـ عن أبي هريرة) ورواه مسلم من طريق أخرى بلفظ ليأرز بين المسجدين ورواه البغوي في المعجم بلفظ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين وفي الباب سعد بن أبي وقاص وغيره(2/324)
1959 - (إن البركة تنزل في وسط الطعام) بسكون السين قال الحافظ العراقي يحتمل إرادة الإمداد من الله تعالى (فكلوا) ندبا (من حافاته) أي جوانبه وأطرافه كل يأكل مما يليه (ولا تأكلوا من وسطه (1)) ندبا لكونه محل تنزلات البركة قال ابن العربي: البركة في الطعام تكون بمعان كثيرة منها استمراء الطعام ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه فتتقذر النفس منه ومنها أنه إذا أخذ الطعام من الجوانب يتيسر عليه شيئا فشيئا وإذا أخذ من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب ومنها ما يخلق الله من الأجزاء الزائدة فيه
(ت ك) في الأطعمة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) أي في ابتداء الأكل أي يكره ذلك تنزيها والخطاب للجماعة أما المنفرد فيأكل من الحافة التي تليه وعليه تنزل رواية حافته بالإفراد(2/324)
1960 - (إن البيت) يعني الموضع (الذي فيه الصور) أي ذوات الأرواح وإن لم يكن لها ظل عند الجمهور لا صورة [ص:325] ما لا روح فيه كشجر (لا تدخله الملائكة) ملائكة الرحمة والبركة لا الحفظة فإنهم لا يفارقون وذلك زجر لصاحب البيت ولأن في اتخاذها تشبها بالكفار فإنهم يتخذونها في بيوتهم ويعظمونها فتصوير ما له روح حرام كما مر ويجيء وشمل الحديث الصور الممتهنة كالتي على البسط وبه صرح الخطابي لكن نازع فيه بعضهم وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لم تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فهو أولى
(مالك) في الموطأ (ق عن عائشة) قالت اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرف أو عرفت في وجهه الكراهة فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة؟ قلت اشتريتها لك تقعد عليها وتتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون فيقال لهم أحييوا ما خلقتم ثم قال إن البيت إلخ(2/324)
1961 - (إن البيت الذي يذكر الله فيه) بأي نوع من أنواع الذكر (ليضيء لأهل السماء) أي الملائكة (كما تضيء النجوم لأهل الأرض) أي كإضاءتها لمن في الأرض من الآدميين وغيرهم من سكانها ثم يحتمل أن المراد يضيء حالة الذكر فيه ويحتمل دوام الإضاءة وعبر بالمضارع ليفيد التجدد والحدوث وهذه الإضاءة إما حقيقة أو من مجاز التشبيه كما حكي عن القرطبي والإضاءة فرط الإنارة والإشراق فهي أعلى من النور بدليل {جعل الشمس ضياء والقمر نورا}
(أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن سابط) بن أبي حميصة بن عمرو بن وهب بن حذفة بن نجيح القرشي والد عبد الرحمن(2/325)
1962 - (إن الحجامة في الرأس) أي في وسطه (دواء من كل داء) وأبدل منه قوله (الجنون والجذام) بضم الجيم الداء المعروف (والعشا) بفتح العين والقصر أي ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلا والظاهر أن المراد هنا الأول قال في الصحاح وغيره العشا مقصور الأعشى وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والعشوى الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء وركب فلان العشوى إذا خبط أمره على غير بصيرة وعشا إلى النار إذا استدل عليها ببصر ضعيف وعشا عنه أعرض ومنه قوله تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن} وفسر بعضهم الآية بضعف البصر يقال عشا يعشو إذا ضعف بصره (والبرص) الأبيض والأسود على ما اقتضاه الإطلاق وهو بثر يعرض في البشرة يخالف لونها وسببه سوء مزاج الإنسان وخلل في طبيعته كما ذكر الأطباء أن من افتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه (والصداع) وجع الرأس كما في الصحاح وغيره يروى أن هذا ونحوه مخصوص بأهل الحجاز وما يجري مجراهم من الأقطار الحارة
(طب عن أم سلمة) أم المؤمنين(2/325)
1963 - (إن الحياء والإيمان في قرن) لا ينفك أحدهما عن الآخر أي مجموعان متلازمان (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) أي إذا نزع من العبد الحياء تبعه الإيمان وعكسه وأصل السلب بالسكون الأخذ قال في البارع والسلب بالفتح كل ما على الإنسان من لباس قال الزمخشري: ومن المجاز سلبه فؤاده وعقله واسلبه وهو مسلوب العقل وشجرة سليب أخذ ورقها وثمرها وناقة سلوب أخذ ولدها
(هب عن ابن عباس) وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن حبان كان يضع على الثقات قال الذهبي قلت انكشف عندي حاله والمعلى بن الفضل أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير(2/325)
[ص:326] 1964 - (إن الحياء والإيمان قرنا جميعا) ببناء قرنا للمفعول أي جمعهما الله تعالى ولازم بينهما فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر قال في الصحاح وغيره قرن الشيء بالشيء وصله به وقرن بينهما جمعهما والاسم القران بالكسر قال الزمخشري: ومن المجاز هي قرينة فلان لامرأته وهن قرائنه أي زوجاته (فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) ومن أمثالهم وجه بلا حياء عود قشر ليطة أو سراج في سليطة ومحصول الخبر أن عدم الحياء يدل على عدم الإيمان وقلته تدل على ضعفه وكثرته على قوته
(ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه جرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال تغير قبل موته(2/326)
1965 - (إن الخصلة) بفتح الخاء المعجمة (الصالحة) من خصال الخير (تكون في الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان في هذا وفيما بعده (فيصلح الله له بها عمله كله (1) وطهور الرجل) بضم الطاء أي وضوؤه وغسله من الجنابة ومن الخبث (لصلاته) أي لأجلها (يكفر الله به ذنوبه) أي صغائره (وتبقى صلاته له نافلة) أي زيادة في الأجر وإذا كان هذا في خصلة واحدة فكيف إذا اجتمع فيه خصال كثيرة ومقصود الحديث أن الطهارة من حدث أو خبث للقيام إلى الصلاة فرضها ونفلها يكفر الله به الخطايا والمراد بها الصغائر لا الكبائر كما سيجيء تحقيقه وظاهر الحديث أن الوضوء المجدد ليس من المكفرات والنفل التطوع ومنه نافلة الصلاة كما في الصحاح وغيره وقال الزمخشري: تنفل المصلي تطوع وهو يصلي النافلة والنوافل وتنفل على أصحابه أخذ من النفل أكثر مما أخذوا
(ع طس هب عن أنس) قال الهيثمي فيه بشار بن الحكم ضعفه أبو زرعة وابن حبان وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به
_________
(1) كما يصلح النحاس ونحوه بالاكسير يوضع عليه ولينظر كيف الإصلاح هل هو ترك المؤاخذة على السيئات بسبب الخصلة الحميدة أم قلبها حسنات والإثابة عليها؟ كل محتمل وظاهر قوله تعالى {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} يرجح الثاني وإذا كان هذا فيمن حوى خصلة واحدة من الخصال الحميدة فما بالك بمن حوى على خصال كثيرة من ذلك اه(2/326)
1966 - (إن الدال على الخير كفاعله) يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف كما يأتي قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء وقال الزمخشري: دللته على الطريق أهديته إليه قال ومن المجاز الدال على الخير كفاعله ودله على الصراط المستقيم اه. ويدخل في ذلك دخولا أوليا أولويا من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس أو افتاء
(ت) واستغربه (عن أنس) قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد ما يحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فذكره وهذا رواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وفيه ضعف ومع ضعفه لم يسم الرجل (1)
_________
(1) قيل أوحى الله جل جلاله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد ذكره الفشني(2/326)
1967 - (إن الدنيا ملعونة (1)) أي مطرودة مبعودة عن الله تعالى فإنه ما نظر إليها منذ خلقها (ملعون ما فيها) مما شغل عن [ص:327] الله تعالى وأبعد عنه لا ما قرب إليه فإنه محمود محبوب كما أشار إليه قوله (إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله من الدنيا وهو العمل الصالح والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا (وعالما أو متعلما) بنصبهما عطفا على ذكر الله تعالى ووقع للترمذي عالم أو متعلم بلا ألف لا لكونهما مرفوعين لأن الاستثناء من موجب بل لأن عادة كثير من المحدثين اسقاط الألف من الخط قال الحكيم نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة
(ت هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب قال المناوي وسندهما جيد
_________
(1) قال العلقمي قال الدميري قال أبو العباس القرطبي لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا لما روينا من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعدا عن الله وشاغلا عنه كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه على ذمه بقوله تعالى {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله جل جلاله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إلا ذكر الله وما والاه اه(2/326)
1968 - (إن الدين) بكسر الدال وهو دين الإسلام (النصيحة) (1) أي هو عماده وقوامه: كالحج عرفة فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تبق من الدين شيئا كما سيجيء قال بعض وهي تحري الإخلاص قولا وفعلا وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له وهذه الكلمة مع وجازتها في كلامهم أجمع منها ثم لما حكم بأن النصيحة [ص:328] هي الدين قال مفسرا مبينا (لله) بالإيمان به ونفي الشريك ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك فمن النصيحة لله أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم وجاهلة وهو عليم وعاجزة وهو قدير وعبيده وهو رب وفقيرة وهو غني ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه فمن شبهه بشيء من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته ولم ينصح له ومن أضاف شيئا إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها (ولكتابه) مفرد مضاف فيعم سائر كتبه وذلك يبذل جهده في الذب عنه من تأويل الجاهلين وانتحال المطالبين بالوقوف عند أحكامه. (ولرسوله) بالإيمان بما جاء به ونصرته حيا وميتا وإعظام حقه وبث دعوته ونشر سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتأدب بآدابه وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه (ولأئمة المسلمين) الخلفاء ونوابهم بمعاونتهم على الحق وإطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين وترك الخروج عليهم والدعاء بصلاحهم (وعامتهم) بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عورتهم وسد خلتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولا بالله لأن الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الأمر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم <تنبيه> قال ابن عربي: إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها قال فمن قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة (2)
(حم م) في الإيمان (د) في الأدب (ن) في البيعة كلهم (عن تميم) بن أوس (الداري) نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانيا فوفد على النبي صلى الله عليه وسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر (ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس) قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظا أطنب معنى لأن سائر الأحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلا وفرعا وعملا واعتقادا فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسرها {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ولم يوفه حقه من جعله ربع الإسلام بل هو الكل
_________
(1) ما ذكر من الأوصاف في النصيحة لله فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله غني عن نصح الناصح ولكتابه: أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته ولرسوله صلى الله عليه وسلم أي بالإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء طريقته وسنته ونفي التهمة عنها والتفهم في معانيها والدعاء إليها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عند الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه رضوان الله عليهم ولأئمة المسلمين أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم وأداء الصدقات لهم كما ذكر المناوي وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم وعامتهم كما في الشرح إلى أن قال وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل قال النووي والنصيحة فرض كفاية وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة الله اه
(2) وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي الله تعالى عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه وقال الفضيل: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا والله الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ(2/327)
[ص:329] 1969 - (إن الدين) بكسر الدال (يسر) أي دين الإسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للأديان قبله لرفع الإصر عن الأمة (ولن يشاد) أي يقاوم (الدين أحد إلا غلبه) (1) أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق كالرهبان في الصوامع إلا عجز فغلب عليه العبد من العجز والمعبود من عظم الأمر وليس المراد ترك طلب الأكمل في العبادة فإنه محمود بل منع الإفراط المؤدي للملال وأعلم أن لفظة أحد ثابتة في خط المؤلف وهي ساقطة في جمهور نسخ البخاري قال ابن حجر في روايتنا بإسقاط الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفي رواية الأصيلي وعليه فالدين منصوب وأما على رواية الجمهور فروي بنصبه على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وروي برفعه وبناء يشاد لما لم يسم فاعله ذكره في المطالع ورده النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بأنه بالنسبة لرواية المغاربة والمشارقة (فسددوا) الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط (وقاربوا) بموحدة تحتية لا بنون أي لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (وأبشروا) بهمزة قطع قال الكرماني: وجاء في لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قل وأبهم المبشر به تعظيما وتفخيما (واستعينوا بالغدوة والروحة) بفتح أولهما أي واستعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في وقت النشاط كأول النهار وبعد الزوال وأصل الغدوة السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال (وشيء من الدلجة) بضم وسكون قال الزركشي والكرماني كذا الرواية ويجوز فتحهما لغة أي واستعينوا عليها بإيقاعها آخر الليل أو والليل كله بدليل تعبيره بالتبعيض وهذه أطيب أوقات المسافر لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا فنبهه على أوقات نشاطه وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا بالحقيقة دار نقلة للآخرة وهذه الأوقات أروح ما يكون فيها البدن للعبد بعض الشراح وقال البيضاوي الروحة والغدوة والدلجة استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة ومن الطبيعة إلى الشريعة ومن الغيبة إلى الحضور وقال الكرماني كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب مسافرا انقطع طريقه إلى مقصده فنبهه إلى أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله لأن هذه أوقات المسافر على الحقيقة فالدنيا دار نقلة وطريق إلى الآخرة فنبه الأمة على اغتنام أوقات فرضهم
(خ ن) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال جمع هذا الحديث من جوامع الكلم
_________
(1) قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل منتطع في الدين ينقطع اه قال في الفتح وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة إلى أن خرج الوقت وفي حديث محمد بن الأذرع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسره وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا التعصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلاميهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة(2/329)
[ص:330] 1970 - (إن الذكر في سبيل الله يضعف) بالتضعيف وتركه (فوق النفقة سبع مئة ضعف) أي أجر ذكر الله في الجهاد يعدل ثواب النفقة فيه ويزيد سبع مئة ضعف وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله فإنه أحد السلاحين بل أحد السنانين
(حم طب عن معاذ بن أنس) الجهني والد سهل(2/330)
1971 - (إن الرجل) (1) بضم الجيم وفيه لغة بسكونها وذكر الرجل وصف طردي والمراد المكلف رجلا أم امرأة إنسيا أم جنيا وكذا يقال فيما بعده (ليعمل عمل) أهل (الجنة) من الطاعات (فيما يبدو للناس) أي فيما يظهر لهم (2) قال الزركشي وهذه زيادة حسنة ترفع الإشكال من الحديث (وهو من أهل النار) بسبب دسيسة باطنة لا يطلع الناس عليها (3) (وإن الرجل ليعمل عمل) أهل (النار) من المعاصي (فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة) لخصلة خير خفية تغلب عليه آخر أثر عمره فتوجب حسن الخاتمة أما باعتبار ما في نفس الأمر فالأول لم يصح له عمل قط لأنه كافر باطنا وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج لنية صحيح وما يحتاجها باطل من حيث عدم وجودها قال النووي فيه التحذير من الاغترار [ص:331] بالأعمال وأن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط من رحمة ربه
(ق عن سهل) بن سعد الساعدي (زاد خ) في روايته على مسلم (وإنما الأعمال بخواتيمها) فعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها قيل ولا تنكشف إلا بدخول الجنة وقيل بل تستبين في أول منازل الآخرة وقال الزمخشري: هذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقدير أي إن العمل السابق غير معتبر والمعتبر العمل الذي ختم به اه
_________
(1) وسببه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال أي رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وبعد فراغ القتال في ذلك اليوم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه وشاذة وفاذة بتشديد المعجمة: ما انفرد عن الجماعة وهما صفة لمحذوف أي نسمة شاذة ولا فاذة - فقال - أي بعض القوم - ما أجزأ اليوم أحد كما أجزأ فلان - أي ما أغنى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل أنا أصاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه فإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فجعل نصل سيفه بالأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل الذي تبعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم وما ذاك؟ قال الرجل الذي ذكرته آنفا إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل فذكره وقد استشكل ما ذكر من كون الرجل من أهل النار بأنه لم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطلع على كفره في الباطن وأنه استحل قتل نفسه اه
(2) قال العلقمي قال شيخ شيوخنا هو محمول علي المنافق والمرائي اه
(3) كما وقع لبرصيصا العابد حكي أنه كان له ستون ألفا من التلامذة وكانوا يمشون في الهواء وكان يعبد الله تعالى حتى تعجبت منه الملائكة فقال لهم الله تعالى لماذا تتعجبون منه إني أعلم ما لا تعلمون في علمي أنه يكفر ويدخل النار أبد الآبدين فكان الأمر كما قال الله تعالى وقصته مشهورة. وكسحرة فرعون عاشوا كفارا ثم ختم لهم بالإيمان قال قتادة كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة ثم إن من لطف الله تعالى وسعة رحمته أن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندرة ونهاية القلة ولا يكون إلا لمن أصر على الكبائر. قال بعضهم ومن علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعا ومن علامات السوء والعياذ بالله أن تحمر عيناه وتزبد شفتاه ويغط كغطيط البكر اه(2/330)
1972 - (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار) أي يعمل عمل أهل النار في آخر عمره فيدخلها قال الأكمل والزمن الطويل هو مدة العمر وهو منصوب على الظرفية (وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة) أي يعمل عمل أهل الجنة في آخر عمره فيدخلها واقتصر هنا على ذين مع أن الأقسام أربعة لظهور حكم القسمين الآخرين من عمل بعمل أهل الجنة والنار من أول عمره إلى آخره وقد اختلف السلف فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينه ومنهم من راعى حكم الخاتمة وجعلها نصب عينه قيل والأول أولى لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل وفساده عندها وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها
(م عن أبي هريرة) وفي الباب أنس وابن عمر وعائشة وغيرهم(2/331)
1973 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه (ما) نافية (يظن أن تبلغ ما بلغت) من رضى الله بها عنه (فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) أي بقية عمره وحتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط) بضم فسكون (الله) أي مما يسخط الله أي يغضبه (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) من سخط الله (فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة بأن يختم له بالشقاوة ويصير معذبا في قبره مهانا في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار وبئس الورد المورود قال الطيبي: ومعنى كتبه رضوانه توفيقه لما يرضي الله من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات فيعيش في الدنيا حميدا وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيدا ويظله الله في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم في الجنة ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه وعكسه قوله فيكتب الله عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى لإبليس {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} قال الشافعي: ينبغي للمرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به ويتدبر عاقبته فإن ظهر له أنه خير محقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى منهي عنه أتى به وإلا سكت واختلف في قوله سبحانه وتعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فقيل يشمل المباح فيكتب وقيل لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب
(مالك) في الموطأ (حم ت ن حب ك) من حديث علقمة بن أبي وقاص (عن بلال بن الحارث) المزني الصحابي وفد على المصطفى صلى الله عليه وسلم في مزينة وأقطعه العتيق وأصل ذلك أن علقمة مر برجل من أهل المدينة له شرف وهو جالس بسوق المدينة فقال علقمة [ص:332] يا فلان إن لك حرمة وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء فتتكلم عندهم وإني سمعت بلال بن الحرث يقول فذكره ثم قال علقمة انظر ويحك ما تقول وما تتكلم به فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من ذلك(2/331)
1974 - (إن الرجل ليوضع الطعام) ومثله الشراب (بين يديه) ليأكل أو يشرب (فما يرفع يده حتى يغفر له) قيل يا رسول الله وبم ذاك قال (يقول بسم الله إذا وضع الحمد لله إذا رفع) أي يغفر له بسبب قوله عند ابتداء الأكل بسم الله وعند فراغه منه الحمد لله غفران الصغائر عند الشروع في الأكل والحمد عند الفراغ منه سنة مؤكدة وإنما أناطهما في الحديث بالوضع والرفع لكون الوضع يعقبه الشروع في الأكل بلا فاصل غالبا والفراغ يعقبه الرفع كذلك لأن التسمية والحمد يطلبان عند الوضع والرفع <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أن المائدة توضع بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم (الضياء) المقدسي في المختارة وكذا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الوارث مولى أنس
(عن أنس) بن مالك قال الزين العراقي وعبد الوارث ضعيف وفيه أيضا عبيد بن العطار ضعفه الجمهور(2/332)
1975 - (إن الرجل) يعني الإنسان (ليحرم) بالبناء للمفعول أي يمنع وحذف الفاعل في مقام منع الرزق أنسب (الرزق) أي بعضه يعني ثواب الآخرة أو نعم الدنيا من نحو صحة ومال بمعنى محق البركة منه (بالذنب يصيبه) وفي رواية بذنبه أي بشؤم كسبه للذنب ولو بأن تسقط منزلته من القلوب ويستولي عليه أعداؤه أو ينسى العلم حتى قال بعضهم إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري وقال آخر أعرفه من تغير الزمان وجفاء الإخوان ولا يقدح فيه ما يرى من أن الكفرة والفسقة أعظم مالا وصحة من العلماء لأن الكلام في مسلم يريد الله رفع درجته في الآخرة فيعقبه من ذنوبه في الدنيا فاللام في الرجل للعهد والمعهود بعض الجنس من المسلمين ذكره المظهر وبه عرف أنه لا تناقض بينه وبين خبر إن الرزق لا ينقصه المعصية ولهذا وجه بعضهم الخبر بأن لله لطائف يحدثها للمؤمن ليصرف وجهه إليه عن اتباع شهوته والانهماك في نهمته فإذا اشتغل بذلك عن ربه حرم رزقه فيكون زجرا له إليه عما أقبل عليه وتأديبا له أن لا يعود لمثله كطفل دعته أمه فأعرض عنها فيعدو إلى لهو فيعثر فيقوم ويعدو إليها راجعا قال بعضهم: واعلم أن من الحوادث ما ظاهره عنف وباطنه لطف كحرمان الرزق بما يصيبه من الذنب فإن العبد إذا أعرض عن ربه واشتغل بما أسبغ عليه وأحب إقباله عليه حرمه سعة ما بسط له ليخاف فيرتدع ويضيق عليه جهات الرزق فيلجأ إليه ويقبل بالتضرع إليه ومن أراد غير ذلك زاده على ذنبه نعما ليزداد إعراضا وشغلا فإن قيل كيف يحرم الرزق المقسوم؟ قلنا يحرم بركته أو سعته أو الشكر عليه ذكره بعضهم وقال القونوي الذنوب كلها نجاسات باطنه وإن كان لبعضها خواص تتعدى من الباطن إلى الظاهر وهو ما أشار إليه بهذا الحديث ولهذا الحديث سر آخر وهو أن الحرمان قد يكون بالنسبة إلى الرزق المعنوي والروحاني وقد يكون من الرزق الظاهر المحسوس (ولا يرد القضاء إلا الدعاء (1)) [ص:333] بمعنى أن الدوام على الدعاء يطيب ورود القضاء فكأنه رده ذكره أبو حاتم وهو معنى قول البعض رده للقدر تهوينه حتى يصير القضاء النازل كأنه ما نزل ثم المراد أن الدعاء أعظم أسباب رده فبالنسبة لذلك حصره فيه وإلا فالصدقة تشاركه بدليل باكروا بالصدقة فأن البلاء لا يتخطاها ويأتي نظيره في الحصر المذكور في قوله (ولا يزيد في العمر إلا البر) لأن البر يطيب عيشه فكأنه يزيد في عمره والذنب يكدر صفاء رزقه فكلما فكر في عاقبة أمره فكأنه حرمه أو المراد الزيادة بالنسبة لملك الموت أو اللوح لا لما في علمه تقدس فإنه لا يتبدل
(حم ن هـ حب ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ثم العراقي وقال المنذري رواه النسائي بإسناد صحيح
_________
(1) بمعنى تهويته وتيسير الأمر فيه حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل وفي الحديث الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه ورضاه ومما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو عنده قبل النزول بتأييد من عنده حتى يخفف عنه أعباء ذلك إذا نزل به فينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء قال الغزالي فإن قيل ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن البذر سبب خروج النبات من الأرض وكما أن الترس يرد السهم(2/332)
1976 - (إن الرجل) الإنسان (إذا نزع ثمرة من) ثمار أشجار (الجنة) أي قطفها من شجرها ليأكلها والنزع القلع أي بقوة كما يفيده قول الزمخشري نزع الشيء من يده جذبه ورجل منزع شديد النزع (عادت مكانها أخرى) حالا بأن يخلق الله تعالى مكان كل ثمرة تقطف ثمرة أخرى ابتداء أو بأن يتولد من الشجرة مثلها حالا لتصير الأشجار مزينة بالثمار أبدا موفرة بها دائما لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا وذلك أفرط لابتهاج أهلها واغتباطهم حيث يتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها وبذلك يتحقق مقدار الغبطة ويتبين موقع النعمة حق التبيين
(طب) وكذا الحاكم (عن ثوبان) وكذا رواه عنه البزاز لكنه قال أعيد في مكانها مثلاها على التثنية قال الهيثمي رجال الطبراني وأحد إسنادي البزار ثقات(2/333)
1977 - (إن الرجل إذا نظر إلى امرأته) بشهوة أو غيرها على ما اقتضاه الإطلاق والأقرب أن المراد نظر إليها شاكرا لله تعالى أن أعطاه إياها من غير حول منه ولا قوة أو نظر إليها لتتحرك عنده داعية الجماع فيه فيجامعها فتعفه عن الزنا أو تأتي بولد يذكر الله تعالى ويتكثر به الأمم امتثالا لأمر الشارع إلى غير ذلك من المقاصد الدينية التي يترتب عليها الثواب ويظهر أن المراد الحليلة الموطوءة هنا زوجة أو سرية (ونظرت إليه) كذلك (نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة) أي صرف لهما حظا عظيما منها (فإذا أخذ بكفها) ليصافحها أو يقبلها أو يعانقها أو يجامعها وعبر عن ذلك بالأخذ باليد استحياء لذكره لأنه أشد حياء من العذراء في خدرها (تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما) أي من بينهما قال الراغب: والخلل الفرجة بين الشيئين أو الأشياء ومنه {فجاسوا خلال الديار} وتساقط الذنوب من بين الأصابع كناية عن كونه لا يفارق كفه كفها إلا وقد شملت ذنوبهما المغفرة والمراد الصغائر لا الكبائر كما يجيء
(ميسرة بن علي في مشيخته) المشهورة (والرافعي) إمام الدين عبد الكريم القزويني (في تاريخه) أي تاريخ قزوين (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه(2/333)
1978 - (إن الرجل لينصرف) من الصلاة (وما كتب له) من الثواب (إلا عشر صلاته تسعها) بضم التاء أوله وهو وما بعده بدل مما قبله بدل تفصيل (ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) أراد أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بحسب الخشوع والتدبر ونحو ذلك مما يقتضي الكمال كما في صلاة الجماعة خمس وعشرون وسبع وعشرون [ص:334] وبدأ بالعشر لأنه أقل الكسور قال الغزالي: والصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دل عليه هذا الخبر والفقيه يقول الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر وفي بعض الروايات إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل أي فيكتب له منها ما عقل فقط وذلك فضل عظيم عند الله لأن صلاته كانت في موجب الأدب أسرع إلى العقوبة منها إلى أن يكتب له ما عقل إذ لا يدري بين يدي من هو حتى يلتفت إلى غيره بقلبه وهو واقف راكع ساجد بجسده قال الحسن البصري: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وقال بعضهم: كل صلاة كانت منك عن ظهر غيب مختلط بأنواع العيوب وبدن نجس بأقذار الذنوب ولسان متلطخ بأنواع المعاصي والفضول لا تصلح أن تحمل إلى تلك الحضرة العلية وقال إمام الحرمين: انظر أيها العاقل هل وجهت قط صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعثتها إلى بيوت الأغنياء وقال الوراق: ما فرغت قط من صلاة إلا استحيت حين فرغت منها أشد من حياء امرأة فرغت من الزنا وعلم مما تقرر أن مقصود الخبر الزجر عن كل ما ينقص الثواب أو يبطله بالأولى وتمسك به من جعل الخشوع شرطا للصحة كالغزالي وأجيب بأن الذي أبان عنه الخبر هو أنه لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح (1)
(حم د حب عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة قال العراقي إسناده صحيح ولفظ رواية النسائي إن الرجل يصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد وفي رواية له أيضا منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر قال الحافظ الزين العراقي رجاله رجال الصحيح وسبب الحديث كما في رواية أحمد أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخف بها فقيل له يا أبا القطان خففت فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا لا قال قد بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
_________
(1) وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة وحضور القلب مع الله تعالى ونص على الإتيان للسنن والآداب الزائدة على الفرائض والشرط فإن الصلاة لا تقع صحيحة ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع إلا إذا أتى بهما أي بالفرائض والشروط كاملين فمتى أخل بفرض أو شرط منها لم تصح ولم يكتب له أجر أصلا ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث هل رأيتموني تركت شيئا من حدودها وقوله إني بادرت سهو الشيطان يدل على أن ذهاب تسعة أعشار فضل الصلاة من وسوسة الشيطان وذكره شيئا من الأمور الدنيوية واسترساله في ذكره ومن أعرض عما يذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شيء كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة أعشار من التطوعات كما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يحاسب به الصلاة يقول الله انظروا في صلاة عبدي فإن كانت كاملة حسب له الأجر وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من التطوع فإن كان له تطوع تمت الفريضة من التطوع وهذا كله حيث لا عذر له فأما من سمع بكاء صبي فخفف لأجله فله الأجر كاملا(2/333)
1979 - (إن الرجل إذا دخل في صلاته) أي أحرم بها إحراما صحيحا (أقبل الله عليه بوجهه (1)) أي برحمته وفضله [ص:335] (فلا ينصرف عنه حتى ينقلب) بقاف وموحدة أي ينصرف من صلاته قال في الصحاح المنقلب يكون زمانا ومصدرا كالمنصرف وقلبهم صرفهم قال الزمخشري: قلبه قلبا حوله من وجهه ومن المجاز قلب المعلم الصبيان صرفهم إلى بيوتهم (أو يحدث) أي يحدث أمرا مخالفا للدين أو المراد الحدث الناقض والأول أولى بقرينة قوله (حدث سوء) فالمعنى ما لم يحدث سوءا قال الغزالي: وإقبال الله عليه كناية عن مكاشفة كل مصل على قدر صفاته عن كدرات الدنيا ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة والجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء وللبعض مثال ويختلف بما فيه المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله وبعضهم من أفعاله وبعضهم من دقائق علوم المعاملة إلى غير ذلك وقال القونوي: الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة والله تعالى هو النور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة إذا واجهت الذات النيرة وقابلتها بمحاذاة صحيحة فإنها تكتسب من أنوار الذات النيرة ألا ترى القمر الذي هو في ذاته مظلم كثيف كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل في المحاذاة والمقابلة فإذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور فإن تفطنت لذلك عرفت نفاوت حظوظ المصلين من ربهم في صلاتهم وعرفت سر قوله عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عيني في الصلاة
(هـ عن حذيفة) ابن اليمان
_________
(1) بلطفه وإحسانه وحق من أقبل الله عليه برحمته أن يقبل عليه بطرح الشواغل الدنيوية والوسواس المفوت لثواب الصلاة(2/334)
1980 - (إن الرجل لا يزال في صحة رأيه) أي عقله المكتسب (ما نصح لمستشيره) أي مدة دوام نصحه له قال الزمخشري: المشورة والمشاورة استخراج الرأي من شرف العسل استخرجته (فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه) فلا يرى رأيا ولا يدبر أمرا إلا انعكس عليه وكان تدميره في تدبيره عقوبة له على خبث ما ارتكبه من غش أخيه المسلم الذي فوض أمره إليه وجعل معوله عليه
(ابن عساكر) في ترجمة مالك بن الهيثم أحد دعاة بني العباس (عن ابن عباس) ثم نقل أعني ابن عساكر عن بعضهم ما محصوله أن مالكا هذا كان من الإباحية الذين يرون إباحة المحارم ولا يقولوا بصلاة ولا غيرها وفيه علي بن محمد المدائني قال الذهبي قال ابن عدي ليس بقوي(2/335)
1981 - (إن الرجل ليسألني الشيء) أي من أمور الدنيا. كذا قيل ولا دليل عليه (فأمنعه حتى تشفعوا فتؤجروا) الظاهر أنه أراد بالمنع السكوت انتظارا للشفاعة لا المنع باللفظ كما سيجيء في عدة أخبار أنه ما سئل في شيء فقال لا قط والمنع ضد الإعطاء والشفاعة المطالبة بوسيلة أو زمام والأجر الإثابة والمثيب هو الله تعالى
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان(2/335)
1982 - (إن الرجل ليعمل أو المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) مثلا (ثم يحضرهما الموت فيضاران) بالتشديد أي يوصلان الضرر إلى وارثيهما (في الوصية) بأن يزيدا على الثلث أو يقصدا حرمان الأقارب أو يقرا بدين لا أصل له (فتجب لهما النار) أيستحقان دخول نار جهنم إن لم يدركهما الله بعفوه ثم قرأ أبو هريرة {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار} وأخذ بظاهره مالك فأبطل المضارة فيها وإن لم يقصدها قال البعض والمضارة في الوصية من الكبائر
(د ت) في الوصية حديث شهر بن حوشب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب انتهى وشهر أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي لا يحتج به ووثقه ابن معين(2/335)
[ص:336] 1983 - (إن الرجل ليتكلم الكلمة) الواحدة (لا يرى بها بأسا) أي سوءا يعني لا يظن أنها تعد عليه ذنبا ولا أنه يؤاخذ بها {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (يهوي بها) أي يسقط بسببها (سبعين خريفا في النار) لما فيها من الأوزار التي ليس عند الغافل المسكين منها إشعار والمراد أنه يكون دائما في الصعود والهوى ذكره القاضي والهروي فعلى العاقل أن يميز بين أشكال الكلام قبل نطقه فما كان من حظوظ النفس وإظهار صفات المدح ونحو ذلك تجنبه ومن آمن بهذا الخبر حق إيمانه اتقى الله في لسانه وقلل كلامه حسب إمكانه سيما فيما ينهى عن الكلام فيه كبعد العشاء إلا في خير قال الغزالي: اللسان إنما خلق لك لتكثر به ذكر الله وتلاوة كتابه وترشد به الخلق إلى طريقه أو تظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك فإذا استعملته لغيسر ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه وهو أغلب أعضائك عليك ولا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستظهر الغاية تؤتك حتى لا يكبك في قعر جهنم انتهى والهوي بضم الهاء وفتحها السقوط من أعلى إلى أسفل ذكره أبو زيد وغيره والخريف هنا عبارة عن السنة والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد
(ت هـ ك عن أبي هريرة)(2/336)
1984 - (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا ليضحك بها القوم) أي يريد أن يضحكهم (وإنه ليقع بها أبعد من السماء) أي يقع بها في النار أبعد من وقوعه من السماء إلى الأرض قال الغزالي: المراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاؤه دون محض المزاح انتهى فعلى العاقل ضبط جوارحه فإنها رعاياه وهو مسؤول عنها جارحة جارحة {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وإن من أكثر المعاصي عددا وأيسرها وقوعا آثام اللسان إذ آفاته تزيد على العشرين ومن ثم قال تعالى {وقولوا قولا سديدا} <تنبيه> أخذ الشافعية من هذا الخبر وما أشبهه أن اعتياد أكثر حكايات تضحك أو فعل خيالات كذلك خارم للمروءة راد للشهادة وصرح بعضهم بأنه حرام وآخرون بأنه كبيرة تمسكا بهذا الخبر وفرضه البعض في كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه لأن فيه حينئذ من الإيذاء ما يربو على كثير من الكبائر
(حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه أبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة وهو ضعيف(2/336)
1985 - (إن الرجل إذا مات بغير مولده) أي بأرض غير الأرض الذي ولد بها يعني مات غريبا (فليس له) بالبناء للمفعول يعني أمر الله الملائكة أن تقيس أي تذرع له من مولده أي المكان الذي ولد فيه (إلى منقطع) بفتح الطاء (أثره) أي إلى موضع قطع أجله سمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال:
والمرء ما عاش ممدود له أجل. . . لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأجل
وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر فلا يرى لأقدامه أثر وقوله (في الجنة) متعلق بقيس يعني من مات في غربة يفسح له في قبره مقدار ما بين قبره وبين مولده ويفتح له باب إلى الجنة ومن البين أن هذا الفضل العظيم لمن لم يعص بغربته
(ن هـ عن ابن عمرو) بن العاص قال مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليته مات في غير مولده فقيل له لم؟ فقال ذلك(2/336)
1986 - (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي افتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه. ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا [ص:337] الفضل بقيام رمضان لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة
(حم ت عن أبي ذر حب) قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى مضى سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم شيئا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة فذكره وهو بعض حديث طويل قال الترمذي حسن صحيح(2/336)
1987 - (إن الرجل من أهل عليين) أعلى الجنة وأشرفها من العلو وكلما علا الشيء وارتفع عظم قدره ولذا قال تعالى معظما قدره {وما أدراك ما عليون} ويدل عليه قوله (ليشرف) بضم الياء وكسر الراء (على) من تحته من (أهل الجنة) ويدل له خبر الترمذي إن أهل الجنة العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب قال الراغب: عليون اسم أشرف الجنان (فتضيء الجنة) أي يستنير استنارة مفرطة (بوجهه) أي من أجل إشراق إضاءة نور وجهه عليها (كأنها) أي كأن وجوه أهل عليين (كوكب) أي كالكوكب (دري) نسبة للدر لبياضه وصفائه أي كأنها كوكب من رد في غاية الإشراق والصفاء والإضاءة وعلم من هذا أن الجنة طبقات بعضها فوق بعض وأن أنفسها وأغلاها أعلاها في الإضاءة والإضاءة فرط الإنارة كما مر والكوكب النجم يقال كوكب وكوكبة كما قالوا بياض وبياضة وعجوز وعجوزة وكوكب الروضة نورها ذكره في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز در لكوكب طلع كأنه بدر الظلام ودارت النار أضاءت
(هـ عن أبي سعد) الخدري قال في التقريب إسناده صحيح(2/337)
1988 - (إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مئة رجل في الأكل والشرب والشهوة) خصها لأن ما عداها راجع إليها إذ الملبس والمسكن من الشهوة (والجماع) فإن قلت: كثرة الأكل والشرب في الدنيا مجمع على ذمه فكيف تمدح أهل الجنة فيها بكثرته؟ قلت: إنما كان مذموما في الدنيا لما ينشأ عنه من الفتور والتواني والتثاقل عن فعل العبادات ولما ينشأ عنه من الأمراض من تخمة وقولنج وغيرهما ولما يكسبه كثرة الأكل من الضراوة وأهل الجنة مأمونون من ذلك كله وكل ما في الجنة من أكل وغيره لا يشبه شيئا مما في الدنيا إلا في مجرد الاسم ألا ترى إلى قوله (حاجة أحدهم) كنى عن البول والغائط (عرق) بفتح أوله (يفيض من جلده) أي يخرج من مسامه (فإذا بطنه قد ضمر) بفتحات أي انهضم وانضم جعل الله سبحانه لهم أسبابا لتصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض - بفتح أوله - من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذلك سبب إنضاحه وقد جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه عرقا أو جشاء إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تتم المعيشة إلا بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء والأسباب مظهر أفعاله وحكمه لكنها مختلفة الأحكام في الدارين فأفعاله في الآخرة واردة على أسباب غير الأسباب المعهودة والمألوفة في الدنيا وربما لا يتأمل القاصر ذلك فينكره جهلا وظلما إذ ليست قدرته قاصرة علي أسباب آخر ومسببات تنشأ منها كما لم تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس ذا بأهون عليه من ذلك بل النشأة التي أنشأها بالعيان أعجب من النشأة الثانية الموعود بها إخراج الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن فم ذباب أعجب من إجراءها أنهارا في الجنة بأسباب أخر وإخراج جوهر الذهب [ص:338] والفضة في عروق الجبال أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر وإخراج الحرير من لعاب دود القز وبنائها على نفسها القباب الملونة أعجب من إخراجه من شجرة هناك وجريان البحار بين السماء والأرض فوق السحاب أعجب من جريانها في الجنة بغير أخدود ومن تأمل آيات الله الدالة على كمال قدرته وبديع حكمته ثم وازن بينها وبين ما أخبر في الآخرة وجدهما عن مشكاة واحدة
(طب عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي رواته ثقات(2/337)
1989 - (إن الرجل) في رواية إن المؤمن (ليدرك بحسن خلقه درجة) أي مثل درجة أي منزلة (القائم بالليل) أي المتهجد فيه (الظامئ الهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم لأنهما يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما من الطعام والشراب والنكاح والنوم والصيام يمنع من ذلك والنفس أمارة بالسوء تدعو إلى ذلك لأن الطعام يتقوى وبالنوم ينمو فالصائم والقائم مجاهدان بذلك ومن جمعهما فكأنه يجاهد نفسا واحدة ومن حسن خلقه يجاهد نفسه في تحمل أثقال مساوئ أخلاق الناس لأن الحسن الخلق لا يحمل غير خلقه وأثقاله ويتحمل أثقال غيره وخلقه وهو جهاد كبير فأدرك ما أدركه القائم الصائم فاستويا في الدرجة قال الغزالي رضي الله عنه: ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك يتم إيمانه ويطيع ربه ويعصي عدوه إبليس
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان وهو ضعيف انتهى ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه(2/338)
1990 - (إن الرجل) وفي رواية الطبراني وأبي يعلى الكافر (ليلجمه العرق) أي يصل إلى فيه فيصير كاللجام قال النووي: يحتمل عرق نفسه وغيره ويحتمل عرقه فقط لتراكم الأهوال ودنو الشمس من الرؤوس (يوم القيامة) من شدة الهول وذلك يختلف باختلاف الناس فبعضهم يكون ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة وبعضهم يكون عليه لحظة لطيفة لصلاة الصبح كما زاد في رواية الطبراني وأبي يعلى والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو وغيره أن هذا في الكافر وعورض بما في بعض الطرق من أن الناس يتفاوتون فيه بحسب أعمالهم والأخبار كالصريح في ذلك كله في الموقف وقد ورد أنه يقع مثله لمن يدخل النار. قال ابن أبي جمر: وظاهر الخبر تعميم الناس بذلك لكن دلت أحاديث أخر على تخصيصه البعض ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار وأصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة للكفار (فيقول رب) بحذف حرف النداء للتخفيف وفي رواية بإثبات حرف النداء (أرحني) من طول الوقوف على تلك الحالة (ولو) بإرسالي (إلى النار) زاد في رواية وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب وفيه إشارة إلى طول وقوفهم في ذلك الموقف في مقام الهيئة وتمادي حبسهم في مشهد الجلال والعظمة
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري إسناده جيد(2/338)
1991 - (إن الرجل ليطلب الحاجة) أي الشيء الذي يحتاجه ممن جعل الله حوائج الناس إليه كالإمام الأعظم أو بعض نوابه (فيزويها) بتحية فزاي أي يصرفها الله (عنه) فلا يسهل له قال الزمخشري: زوى الميراث عن ورثته عدل به عنهم [ص:339] (لما هو خير له) وهو أعلم بما يصلح به عبده {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (فيتهم الناس ظلما لهم) بذلك الاتهام وفي نسخ فيتهم الإنسان ظالما له وهو تحريف فإن الأول هو الذي وقفت عليه في نسخة المصنف بخطه (فيقول من شبعني) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والعين بضبط المصنف بخطه يعني من تزين بالباطل وعارضني فيما سألته من الأمير مثلا ليغبطني بذلك ويدخل الأذى والضرر علي بمعارضته ففي لسان العرب وغيره ما محصوله تشبع تزين بالباطل كالمرأة تكون للرجل ولها ضرائر فتشبع بما تدعى من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ جارتها وإدخال الأذى عليها قال وكذلك هذا في الرجال ومقصود الحديث أنه ليس بيد أحد من الخلق نفع ولا منع وإنما الفاعل هو الله
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الغفور أبو الصياح وهو متروك(2/338)
1992 - (إن الرجل) يعني الإنسان المؤمن ولو أنثى (لترفع درجته في الجنة فيقول أنى هذا) أي من أين لي هذا ولم أعمل عملا يقتضيه وفي نسخة أنى لي ولفظ لي ليس في خط المصنف (فيقال) أي تقول له الملائكة أو العلماء هذا (باستغفار ولدك لك) من بعدك دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى وكان الظاهر أن يقال لاستغفار ليطابق اللام في لي لكن سد عنه أن التقدير كيف حصل لي هذا فقيل حصل لك باستغفار ولدك وقيل إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع وكذلك الأب إذا كان أرفع وذلك قوله سبحانه وتعالى {لا تدرون أيهم أقرب نفعا}
(حم هـ هق عن أبي هريرة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني بسند رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث(2/339)
1993 - (إن الرجل أحق بصدر دابته) بأن يركب على مقدم ظهرها ويردف خلفه ولا يعكس (وصدر فراشه) بأن يجلس في أرفع تكرمته فلا يتقدم عليه في ذلك نحو ضيف ولا زائر إلا بإذنه (وأن يؤم في رحله) أي أن يصلي إماما بمن حضر عنده في منزله الذي يسكنه بحق فإذا دخل إنسان على آخر في منزله لنحو زيارة أو ضيافة وحضرت الصلاة فصاحب المنزل أولى بالتقدم للإمامة ويستثنى الوالي في محل ولايته والفراش بالكسر فعال يعني مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش ككتاب وكتب وهو فرش أيضا تسمية بالمصدر والرحل مسكن الإنسان ومأواه كما في الصحاح وغيره
(طب عن عبد الله بن حنظلة) بن أبي عامر الراهب الأنصاري له رواية وأبوه أصيب يوم أحد استشهد عبد الله يوم الحرة وكان أمير الأنصار فيها(2/339)
1994 - (إن الرجل ليبتاع الثوب بالدينار والدرهم) الواو بمعنى أو (أو بنصف الدينار) مثلا والمراد بشيء حقير وفي نسخة المصنف بخطه أو بالنصف الدينار بزيادة ال والظاهر أنه سبق قلم (فيلبسه فما يبلغ كعبيه) أي ما يصل إلى عظميه الناتئتين عند مفصل الساق والقدم وفي رواية بدل كعبيه ثدييه (حتى يغفر له) أي يغفر الله له ذنوبه والمراد الصغائر (من [ص:340] الحمد) أي من أجل أو بسبب حمده لله على ذلك وفيه منقبة عظيمة حيث أوقع في مقابلته هذا الجزاء العظيم وهو المغفرة فيسن مؤكدا لمن لبس ثوبا جديدا أن يحمد الله على تيسيره له وأولى صيغ الحمد هنا ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي في الكاف وتحصل السنة بأي شيء كان من صيغه ولو بلفظ الحمد لله فقط (ابن السني عن أبي سعيد) الخدري(2/339)
1995 - (إن الرجل إذا رضي هدي الرجل) بفتح الهاء وكسرها وسكون الدال أي وصفه وطريقته وفي الصحاح يقال ما أحسن هديته بكسر الهاء وفتحها أي سيرته ومنه خبر اهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه (وعمله) أي ورضي عمله (فهو مثله) في الخير أو ضده فإن كان محمودا فهو محمود أو مذموما فمذموم واستعمال الهدي في الثاني مجاز ومقصود الحديث الحث على التباعد عن أهل الفسوق ومهاجرتهم بالقلوب والتصريح بعدم الرضى بأفعالهم
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه عبد الوهاب الضحاك وهو متروك(2/340)
1996 - (إن الرجل ليصلي الصلاة) أي في آخر وقتها (ولما فاته منها) من أول وقتها (أفضل من أهله وماله) اللذين هما أعز الأشياء عليه وفي رواية بدله خير من الدنيا وما فيها. قال الغزالي: فينبغي المبادرة لحيازة فضيلة أول الوقت لهذا الحديث
(ص عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن حبيب) العنزي بفتح المهملة والنون الزاهد البصري قال في الكاشف: روى عن جندب وابن عباس وغيرها قال أبو حاتم صدوق يرى الإرجاء وفي التقريب كأصله صدوق عابد رمي بالإرجاء من الطبقة الثالثة انتهى فالحديث مرسل وكان الأولى للمصنف التنبيه عليه وقضية صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو قصور فقد خرجه ابن منيع والديلمي من حديث أبي هريرة باللفظ المزبور قال في الفردوس وفي الباب ابن عمر أيضا(2/340)
1997 - (إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم) أي قرابة له بنحو إيذاء وهجر أراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعتها ولا ينكرون عليه وهو على العموم والمراد بالرحمة المطر فيحبس عنهم بشؤم القاطع وهذا وعيد عظيم مؤذن بأن قطيعة الرحم من الكبائر ومن ثم عدها كثيرون منها وفي رواية بدل الرحمة إن الملائكة إلى آخر ما ذكروا وعليه قال في الإتحاف: المراد بهذا ملائكة الزيارة والرحمة الذين يسبحون في الأرض لمثل ذلك ثم يحتمل تخصيص هذا بما إذا علموا حاله فلم يمنعوه ولم يخرجوه من بينهم ويحتمل أنه لحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب وهو أقرب لظاهر الخبر وسره أن شأن القاطع غالبا يظهر سرائره فعدم العلم بحاله لا يكون عذرا بل هو دليل على عدم اعتناء أولئك القوم بالأمور الدينية وأنهم لا يفتقدون بعضهم بأمره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه إشارة إلى طلب هجر القاطع في المجلس وينبغي ترك مجاورته لمن تيسر له ذلك وأنه لا يرافق في سفره ونحوه
(خد عن ابن أبي أوفى) ورواه عنه أيضا الطبراني وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه أبو داود المحاربي وهو كذاب(2/340)
1998 - (إن الرزق ليطلب العبد) أي الإنسان (أكثر مما يطلبه أجله) أي غاية عمره قال البيهقي: معناه أن ما قدر من الرزق يأتيه ولا بد فلا يجاوز الحد في طلبه فالاهتمام بشأنه والحرص على استزادته ليس نتيجته إلا شغل القلوب عن خدمة علام الغيوب والعمى عن مرتبة العبودية وسوء الظن بالحضرات الرازقية. قال ابن عطاء الله: اجتهادك فيما تضمن لك [ص:341] وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك. ومما عزاه الطوسي رحمه الله وغيره لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه:
حقيق بالتواضع من يموت. . . ويكفي المرء من دنياه قوت
صنيع مليكنا حسن جميل. . . وما أرزاقه عنا تفوت
فيا هذا سترحل عن قليل. . . إلى قوم كلامهم السكوت
وهذا الخبر لا تعارض بينه وبين خبر استنزلوا الرزق بالصدقة لأن ما هنا في المتحتم في العلم الأزلي وذلك بالنظر لما في صحف الملائكة أو اللوح
(طب عد عن أبي الدرداء) وكذا البيهقي في الشعب والدارقطني في العلل وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب والعسكري والبزار رجاله ثقات وقال الدارقطني والبيهقي: وقفه أصح من رفعه وقال ابن عدي هو بهذا الإسناد باطل(2/340)
1999 - (إن الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة) بالنسبة لما في العلم القديم الأزلي كما سبق تقريره موضحا وعدم تنقيص الرزق بالمعصية أمر مستفيض بين الملتين وغيرهم. حكي أن كسرى غضب على بعض مرازبته فاستؤمر في قطع عطائه فقال: يحط من مرتبته ولا ينقص من صلته فإن الملوك تؤدب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان (وترك الدعاء) أي الطلب من الله (معصية) لما في خبر آخر إن من لم يدع الله يغضب عليه. ولذا قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
والمراد أنه يقرب من المعصية لكراهته
(طص عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي وفيه عطية العوفي وهو ضعيف قال السخاوي سنده ضعيف(2/341)
2000 - (إن الرسالة والنبوة) وفيه أنهما متغايران (قد انقطعت) أي كل منهما (فلا رسول بعدي) يبعث إلى الناس بشرع جديد فخرج عيسى عليه السلام (ولا نبي) يوحى إليه ليعمل لنفسه قال أنس راوي الحديث لما قال ذلك شق على المسلمين فقال (ولكن) الذي لا ينقطع هو (المبشرات) بكسر المعجمة فقالوا يا رسول الله وما المبشرات؟ قال (رؤيا الرجل) يعني الإنسان رجلا أو غيره (المسلم في منامه) وفي رواية بدل المسلم الصالح (وهي جزء من أجزاء النبوة) أي خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي ومر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا وأقل وأكثر وجمع باختلاف قرب الأشخاص من أخلاق الحضرة النبوية وهذه قاعدة لا يحتاج في إثباتها إلى شيء لانعقاد الإجماع عليها ولا التفات إلى ما زعمه بعض فرق الضلال من أن النبوة باقية إلى يوم القيامة وبنوا ذلك على قاعدة الأوائل أن النبوة مكتسبة ورمى بذلك جمع من عظماء الصوفية كالإمام الغزالي افتراه عليه الحسدة وقد تبرأ رحمه الله من القول به وتنصل منه في كتبه وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد أجمعوا على نزوله نبيا لكنه بشريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وذكر ابن بزيزة عن عصرية بن عربي أن زوجة عيسى عليه الصلاة والسلام ولدت في زمنه انتهى أقول وهذه دعوى قد تبين بطلانها فإن ابن عربي من القرن السادس ونحن الآن فيما بعد الألف وهذا مما يقوي الريبة في أقاويل ابن عربي
(حم ت ك) في الرؤيا (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(2/341)
2001 - (إن الرؤيا تقع على ما تعبر) بالتشديد أي تفسر قال في الصحاح: عبر الرؤيا فسرها وعبرها أيضا تعبيرا (ومثل [342] ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها (فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما) أي بتأويلها وسيجيء توجيهه <تنبيه> قال ابن عربي: لله تعالى ملك موكل بالرؤيا يسمى الروح وهو دون السماء الدنيا وبيده صورة الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكوان فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غيبة وفناء أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوسات في يقظته عز إدراك ما بيد هذا الملك من الصور فيدرك ما يدركه النائم لأن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوس إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدم الدماغ فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم ومن ذكر معه من المعاني متجسدة في الصور التي بيد هذا الملك فمنها ما يتعلن بالله وما يوصف به من الأسماء فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه فيما يحدث للرأي ثلاث مراتب أو إحداها (أحدها) أن يكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من منازله أو صفاته الراجعة إليه فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه (الثانية) أن تكون الصورة المرئية راجعة لحال الرائي في نفسه (الثالثة) أن تكون راجعة إلى الحق المشروع والناموس الموضوع أي ناموس كان في تلك البقعة التي رأى تلك الصورة فيها في ولاية أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه وما ثم رتبة رابعة فالأولى حسية كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص والأخيران قد تظهر الصورة فيها بحسب الأحوال من حسن وقبح ونقص وكمال فإن كان من تلك الصورة خطاب فهو بحسب ما يكون الخطاب وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ولا يعول على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى الحس إلا إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما به وينظر حركة الرائي مع تلك الصورة من أدب واحترام وغير ذلك فإن حاله بحسب ما يصدر عنه من معاملته لتلك الصورة فإنها صورة حق بكل وجه وقد يشاهد الروح الذي بيده الصورة وقد لا وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان إن كان فيه تحزين أو مما يحدث به المرء نفسه في يقظته فلا يعول عليها ومع ذلك إذا عبرت كان لها حكم ولا بد يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها وذلك أن الذي يعبرها ولا يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم فقد انتقلت تلك الصورة عن المحل التي كانت فيه حديث نفس أو تحزين شيطان إلى حال العابر لها وما هي له حديث نفس فيتحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر كما جاء في نفس قصة يوسف عليه السلام مع الرجلين وكانا كذبا فلما تخيلا ذلك وقصاه على يوسف عليه السلام حصل في خياله صورة من ذلك ولم يكن يوسف حدث بذلك نفسه وصارت حقا في حقه فكأنه هو الرائي لتلك الرؤية لذلك الرجل وقاما له مقام الملك الذي بيده صورة الرؤيا فلما عبرها لهما قالا ما رأينا شيئا فقال " قضى الأمر " فخرج الأمر في الحس كما عبر
(ك) عن أنس بن مالك(2/341)
2002 - (إن الرقى) أي التي لا يفهم معناها إلا التعوذ بالقرآن ونحوه فإنه محمود ممدوح (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) بكسر التاء وفتح الواو كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر (شرك) أي من الشرك سماها شركا لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي. وقال الطيبي رحمه الله: المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله [ص:343] وكلامه ولا من علقها بذكر تبركا الله عالما أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به
(حم د هـ ك هب) في الطب عن ابن مسعود قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/341)
2003 - (إن الركن والمقام) مقام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بحذاء الكعبة (ياقوتتان من ياقوت) وفي نسخة يواقيت والأول ما هو في خط المؤلف (الجنة) أي أصلهما ذلك (طمس الله تعالى نورهما) أي ذهب به لكون الخلق لا يتحملونه كما أطفأ حر النار حين أخرجت من جهنم بغسلها في البحر مرتين (ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي والخلق لا تطيق مشاهدة ذلك كما يدل له قوله ابن عباس في الحجر لولا ذلك ما استطاع أحد النظر إليه فطمس نورهما من ضرورة بقاء أهل الأرض والطمس المحو والتغيير كما في الصحاح. قال الزمخشري: ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئا ونجم طامس ذاهب الضوء
(حم ت حب ك عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم تفرد به أيوب بن سويد وتعقبه الذهبي بأن أيوب ضعفه أحمد وتركه النسائي اه وأشار الترمذي إلى أن وقفه على ابن عمرو أشبه(2/343)
2004 - (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فينبغي تغيمضه لئلا يقبح منظره قال القاضي: يحتمل أن الملك المتوفى للمحتضر يتمثل له فينظر إليه نظرا شزرا ولا يرتد إليه طرفه حتى تفارقه الروح وتضمحل بقايا القوى ويبطل البصر على تلك الهيئة فهو علة للشق ويحتمل كونه للإغماض لأن الروح إذا فارقته تتبعه الباصرة في الذهاب فلم يبق لانفتاح بصره فائدة انتهى. وقول النووي معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا أين تذهب تعقبه السيوطي بأنه يبصر ما دام الروح في البدن فإذا فارقه تعطل الإبصار كما يتعطل الإحساس. قال: والذي ظهر لي بعد النظر ثلاثين سنة أن يجاب بأحد أمرين: الأول أن ذلك بعد خروج الروح من أكثر البدن وهي بعد باقية في الرأس والعين فإذا خرج من الفم أكثرها ولم تنته كلها نظر البصر إلى القدر الذي خرج وقد ورد أن الروح على مثال البدن وقدر أعضائه فإذا خرج بقيتها من الرأس والعين سكن النظر فيكون قوله إذا قبض معناه إذا شرع في قبضه ولم ينته الثاني أن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة عنه يرى ويسمع ويعلم ويرد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك اه وقد مرت الإشارة إلى ذلك وبيان الأصوب فيه والروح قد خاض سائر الفرق غمرة الكلام فيها فما ظفروا بطائل ولا رجعوا بنائل وفيها أكثر من ألف قول قال ابن جماعة: وليس فيها قول صحيح بل هي قياسات وتخييلات عقلية وجمهور أهل السنة على أنها جسم لطيف يخالف الأجسام بالماهية والصفة متصرف في البدن حال فيه حلول النار في الفحم والزيت في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وذهب الإمام والغزالي وكبير من الصوفية إلى أنه مجرد غير حال في البدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق ويدبر أمره على وجه لا يعلمه إلا الله
(حم م هـ عن أم سلمة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم ذكره فضج الناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم(2/343)
2005 - (إن الزناة يأتون) يوم القيامة إلى الموقف (تشتعل) أي تضطرم (وجوهم) أي ذواتهم والتعبير بالوجه عن الذات [ص:344] شائع غير عزيز ولا مانع من إرادة الوجه فقط وإن كان الأول أشبه (نارا) لأنهم لما نزعوا لباس الإيمان عاد تنور الشهوة الذي كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه بالنار لوجوههم التي كانت ناظرة إلى المعاصي وهذا تهديد شديد قصد به الردع لكون القوم كانوا حديثي العهد بجاهلية وكان الزنا في الجاهلية متعارفا لا نكير فيه ولا عار عليه بينهم مع أن في طيه فساد الجمهور وخراب المعمور وخلط الأنساب
(طب عن عبد الله بن بسر) بباء موحدة مضمومة وسين مهملة وعبد الله بن بسر في الصحابة اثنان مازني وبصري والمراد هنا الثاني وكان ينبغي للمؤلف تمييزه قال الهيثمي: وفيه محمد بن عبد الله بن بسر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري في إسناده نظر(2/343)
2006 - (إن الساعة) أي القيامة (لا تقوم حتى تكون) أي يوجد فتكون تامة (عشر آيات) أي علامات بل أكثر من ذلك بكثير كما في أخبار آخر وإنما اقتصر عليها هنا لأنها أكبرها (الدخان) بالتخفيف بدل من عشرا أو خبر مبتدأ محذوف وفي رواية يملأ ما بين المشرق والمغرب (والدجال) من الدجل وهو السحر أي المسيح فإنه سياح يقطع نواحي الأرض في زمن قليل (والدابة) التي تجلو وجه المؤمن بالعصي وتخطم أنف الكافر (وطلوع الشمس من مغربها) لا يقدح فيه قول الهيوليين إن الفلكيات بسيطة لا تختلف ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه لأنه لا مانع من انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وعكسه (وثلاثة خسوف) جمع خسف وخسف المكان ذهابه في الأرض وغيوبته فيها (خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) مكة والمدينة واليمامة واليمن على ما حكي عن مالك رضي الله تعالى عنه سميت به لأنه يحيط بها بحر الهند وبحر القلزم ودجلة والفرات (ونزول عيسى) عليه السلام من السماء إلى الأرض حكما عدلا (وفتح يأجوج ومأجوج) أي سدهما - بالهمز - صنف من الناس (ونار تخرج من قعر عدن) أي من أسفلها وأساسها قال في المصباح: قعر الشيء نهاية أسفله وعدن بالتحريك مدينة باليمن وقعرها أقصى أرضها (تسوق الناس) وفي رواية ترحل الناس وفي أخرى تطرد الناس (إلى المحشر) أي محل الحشر للحساب وهو الشام قال الخطابي: هذا قبل قيام الساعة يحشر الناس أحياء إلى الشام بدليل قوله (تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) وهذا الحشر آخر الأشراط كما في مسلم وما ورد مما يخالفه مؤول. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: ويترجح من مجموع الأخبار أن أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي الدجال فنزول عيسى عليه السلام فخروج يأجوج ومأجوج وكلها سابقة على طلوع الشمس وأولها المؤذن بغير أحوال العالم العلوي طلوع الشمس وخروج الدابة في يومه أو يقرب منه وأول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق
(حم م عد عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري أبي سريحة بمهملتين مفتوح الأولى صحابي بايع تحت الشجرة ومات بالكوفة وروى له الجماعة قال حذيفة: كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرفة ونحن في أسفل منه فاطلع علينا فقال ما تذكرون؟ قلنا الساعة فذكره(2/344)
2007 - (إن السحور بركة) بفتح السين وضمها أي زيادة خير ونمو وعظم ثواب (أعطاكموها الله) أي خصكم بها على جميع الأمم (فلا تدعوها) أي لا تتركوها لمزيد فضلها فالتسحر سنة مؤكدة بل هذا الحديث يدل على كراهة تركه [ص:345] قال عياض: وكان في صدر الإسلام ممنوعا اه. وقضية قاعدته أن ما كان ممنوعا ثم جاز وجب أنه واجب ولعل الصارف عن الوجوب الإجماع أو عدم مواظبة الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
(حم عن رجل) من الصحابة لم يبين اسمه وإبهامه غير قادح لأن الصحابة عدول(2/344)
2008 - (إن السعادة كل السعادة طول العمر) بضم العين وتفتح (في طاعة الله) أي السعادة التامة العظيمة الكاملة قال فيه الكمال التي في ضمنها كل السعادة فإنه كل ما طال عمره ازداد من الطاعة فتكثر حسناته وتضاعف درجاته في الجنان وازداد قربا من رضى الرحمن وفي إفهامه أن الشقاوة كل الشقاوة طول العمر في معصية الله تعالى فإنه كلما طال ازداد من المعاصي فتكثر ذنوبه فتورده النار وبئس الورد المورود
(خط عن المطلب) بن ربيعة بن الحارث الهاشمي (عن أبيه) ربيعة وله ولأبيه كما في الكاشف وسبقه بذلك ابن الحارث مع الإيضاح فقال ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر شعره وشمر ثوبه وابنه المطلب كان غلاما على عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان رجلا سكن دمشق وقدم مصر ثم إن فيه ابن لهيعة وفيه ضعف(2/345)
2009 - (إن السعيد لمن جنب) بضم الجيم وتشديد النون (الفتن) يعني بعد عنها ووفق للزوم بيته وكرره ثلاثا مبالغة في تأكد المباعدة عنها (ولمن ابتلى) أي بتلك الفتن هو بفتح اللام جواب قسم في صدر الحديث ومن بفتح الميم شرطية وابتلي في محل جزم بها (فصبر) معطوف عليه أي صبر على ما وقع في الفتن وصبر على ظلم الناس له وتحمل أذاهم ولم يدفع عن نفسه وقضية كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند أبي داود فواها ثم واها أي طوبى له لما حصل أي فواها له ما أطيبه
(د) الفتن (عن المقدام) بن معد يكرب الكندي وفي نسخة المقداد قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره(2/345)
2010 - (إن السقط) بتثليث السين الولد يسقط من بطن أمه قبل تمامه وفي الإحياء بدله الطفل قالوا ولا أصل له (ليراغم) بتحتية وغين معجمة أي يحاج ويغاضب (ربه) يعني يتدلل على ربه والمراغمة المغاضبة قال الفارسي: وأما بالزاي فهو الغضب مع كلام (إذا دخل أبواه النار) نار جهنم قال الطيبي: هذا تخييل على نحو حديث الشيخين إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقوق الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ من القطيعة. الحديث. (فيقال) أي تقول الملائكة أو غيرهم بإذن ربهم (أيها السقط المراغم ربه) المدلل عليه (أدخل أبويك الجنة) أي أخرجهما من النار وأدخلهما الجنة (فيخرجهما بسرره) بفتح السين والراء ما يبقى بعد القطع من السرة بأن يعاد المقطوع إليه فيتمسكان به فيجرهما به (حتى يدخلهما الجنة (1)) ويحتمل أن الارتباط المعنوي والكلام في المسلمين قال الطيبي: هذا تتميم ومبالغة للكلام السابق ولهذا صدره المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقسم أي إذا كان السقط الذي لا يؤبه به يجر أبويه بما قد قطع من العلاقة بينهما فكيف الولد المألوف الذي هو فلذة الكبد وقرة العين وشقيق النفس؟ وهل مثل الأبوين الجدات والأجداد؟ لم أر في الروايات ما يدل عليه وفضل الله واسع
[ص:346] (هـ عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه جزم الحافظ العراقي بضعفه وسببه أن فيه مندل العنزي قال في الكاشف ضعفه أحمد
_________
(1) أي يشفع لأبويه المسلمين فيقبل الله شفاعته فيأمر بإخراجهما من النار وإدخالهما الجنة(2/345)
2011 - (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضع) بالبناء للمفعول أي وضعه الله (في الأرض) لتعملوا به (فأفشوا السلام بينكم) أي أظهروه ندبا مؤكدا فإن في إظهاره الإيذان بالأمان والتحابب والتواصل بين الإخوان وإرغام الشيطان. وللسلام فوائد كثيرة أفردت بالتأليف ثم قيل معنى السلام عليكم أي معكم وقيل معناه الله مطلع عليكم فلا تغفلوا وقيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتقاء عوارض الفساد عنه وقيل معناه السلامة لكم كأن المسلم بسلامه على غيره معلم له بأنه مسالم له لا يخافه وقيل معناه الدعاء له بالسلامة
(خد عن أنس) وفي اللباب عن أبي هريرة بلفظ إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا وأمانا لأهل ملتنا رواه الطبراني في الصغير(2/346)
1012 - (إن السماوات السبع والأرضين السبع والجبال لتلعن الشيخ الزاني) يعني يدعون عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله بلسان الحال والقال بأن يخلق الله لها قوة النطق بذلك على الخلاف المعروف في نظائره والذي خلق النطق في جارحة اللسان قادر على خلقه في غيرها ومثل الزاني اللائط بالأولى وسر ذلك أن الزنا من الشيخ لا عذر له فيه البتة لأن شهوته قد ضعفت وقواه انحطت فوقوع الزنا منه ليس إلا لكونه مفسدا بالطبع فالفساد ذاتي له يستحق بسببه الطرد والإبعاد وأما الشاب فله فيه عذر ما لمنازعته الطبيعة وغلبة الشهوة عليه والشيخة الزانية كالشيخ الزاني (وإن فروج الزناة) من الرجال والنساء (ليؤذي أهل النار نتن ريحها) وإذا آذى أهل النار مع شغل حواسهم بما هم فيه من العذاب عن الشم وغيره فما بالك بغيرهم لو شموه؟ وكفى بذلك وعيدا
(البزار) في مسنده (عن بريدة) بن الخصيب وضعفه المناوي وقال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف انتهى وأورده في اللسان من حديث أبي هريرة بلفظ إن السماوات السبع والأرضين السبع تلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني وقال إنه من منكرات حسين بن عبد الأول(2/346)
2013 - (إن السيد) أي المقدم في الأمور والمعطى الولايات قال في الكشاف: السيد الذي يفوق قومه في الشرف (لا يكون بخيلا) أي لا ينبغي له ذلك أو لا ينبغي أن يسود ولهذا قال الماوردي عن الحكماء سؤدد بلا جود كملك بلا جنود وقال الجود حارس الأعراض ومن جاد ساد ومن أضعف ازداد وجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده وخير الأموال ما استرق حرا وخير الأعمال ما استحق شكرا قال الراغب: البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود والبخيل هو الذي يكثر من البخل كالرحيم من الراحم والبخل ضربان بخل بمقتنيات نفسه وبخل بمقتنيات غيره وهو أكثره ذما انتهى وقيل إنما يستحق السيادة من لا يشح ولا يشاحح فلا يصانع ولا يخادع ولا تغيره المطامع وقال الغزالي: البخل منع الواجب والواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والواجب بالمروءة ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال [ص:347] فمن أدى واجب الشرع وواجب المروءة اللائقة به فقد برئ من البخل لكن لا يتصف بصفة الجود والسخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة ونيل الدرجات
(خط في كتاب البخلاء) أي الكتاب الذي ألفه فيما ورد في ذمهم (عن أنس) بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم؟ قالوا حر بن قيس وإنا لنبخله فذكره(2/346)
2014 - (إن الشاهد) أي الحاضر (يرى) من الرأي في الأمور المهمة لا من الرؤيا (ما لا يرى الغائب) أي الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب إذ ليس الخبر كالمعاينة وهذا قاله لعلي كرم الله وجهه لما أرسله لقتل العلج الذي كان يتردد إلى مارية ليقتله فقال له علي: يا رسول الله أمض كيف كان فقال له إن الشاهد إلخ فكشف له عن سوءته فرآه خصيا مجبوبا فتركه
(ابن سعد) في الطبقات (عن علي) أمير المؤمنين(2/347)
2015 - (إن الشمس والقمر ثوران) بالثاء المثلثة (عقيران) أي معقوران يعني يكونان كالزمنين (في النار) لأنهما خلقا منها كما جاء في خبر آخر فردا إليها أو يجعلان في النار ليعذب بهما أهلها فلا يبرجان كأنهما زمنان عقيران فسقط قول بعض المشككين على الأصول الإسلامية ما ذنبهما حتى يعذبا وما هذا إلا كرجل قال في قوله سبحانه {واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} ما ذنب الحجارة؟ والثور الذكر من البقر والأنثى ثورة والمعقور المثبت بالجراحات
(الطيالسي) أبو داود في مسنده (ع) كلاهما معا عن درست بن زياد بن يزيد بن أبان الرقاشي (عن أنس) بن مالك وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال درست ليس بشيء وتعقبه المؤلف بأنه لم يتهم بكذب وبأن له متابعا(2/347)
2016 - (إن الشمس والقمر) آيتان من آياته تعالى (لا ينكسفان) بالكاف وفي رواية للبخاري بالخاء وهو بفتح الياء قال الزركشي عن ابن الصلاح وقد منعوا أن يقال يكسفان بالضم (لموت أحد) من الناس أو من العظماء وهذا قاله يوم مات ابنه إبراهيم فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموته (ولا لحياته) ذكره دفعا لتوهم أنه إذا لم يكن لموت أحد من العظماء فيكون لإيجاده قال الأكمل كغيره وانكسافهما عبارة عند عدم إضاءتهما عالم العناصر مما يلينا في الوقت الذي من شأنهما أن لا يغيبا فيه وسبب كون كسوف الشمس توسط القمر بينهما وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد مظلم فيحجب ما وراءه عن الأبصار وفلكه دون فلك الشمس فإذا وجدنا الشمس بأبصارنا والقمر بيننا وبينها اتصل مخروط الشعاع الخارج عن الأبصار أولا بالقمر ثم يتعدى إلى الشمس فتنكسف كلا أو بعضا وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين نور الشمس فيقع في ظل الأرض ويبقى ظلامه الأصلي فيرى منخسفا (ولكنهما آيتان) أي علامتان لقرب يوم القيامة أو لعذاب الله أو لكونهما مسخرين بقدرته (من آيات الله) الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته (يخوف الله بهما) أي بكسوفهما (عباده) من سطوته وكونه تخويفا لا ينافي ما قدره أهل الهيئة فيه لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة عنه وقدرته حاكمة على كل سبب ومسبب بعضهما على بعض فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة إذا وقع شيء غريب خافوا لقوة ذلك الاعتقاد وذا لا يمنع أن ثم أسباب [ص:348] تجري عليها العادة إلا إن شاء الله خرقها (فإذا رأيتم) أي علمتم (ذلك) أي كسوف واحد منهما لاستحالة تقارنهما في الوقوع عادة وفي رواية للبخاري رأيتموها أي الكسفة أو الآية وفي أخرى رأيتموها بالتثنية (فصلوا) صلاة الكسوف بكيفيتها المبينة في الفروع ويجزئ عنهما ركعتان كسنة الصبح (وادعوا) الله ندبا (حتى) غاية للمجموع من الصلاة أو الدعاء (ينكشف ما بكم) بأن يحصل الانجلاء التام والأمر فيهما للندب وإنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة الخارق تعرض عن الدنيا وتتوجه للحضرة العليا فيكون حينئذ أقرب للإجابة لا يقال هذا يدل على تكرر صلاة الكسوف إذا لم ينجل وهو غير مشروع لأنا نقول المراد مطلق الصلاة وقد يراد صلاة الكسوف وتكون الغاية لمجموع الأمرين بأن يمتد الدعاء إلى الانجلاء وفيه أنه يسن عند الكسوف الدعاء بكشفه وصلاة تخصه وأنها تسن جماعة وأن الكواكب لا أصل لها ولا تأثير استقلالا بل بأمر الله تعالى
(خ ن عن أبي بكرة ق ن هـ عن أبي مسعود) البدري (ق ن عن ابن عمر ق عن المغيرة) قال ابن حجر: هذه طرق كلها تفيد القطع لمن اطلع عليها من أهل الحديث فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف لموت أحد أو حياته(2/347)
2017 - (إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئا) نكره للتقليل أي شيئا قليلا جدا إذ لا يطيق مخلوق النظر إلى كثير منها وإلا لفنى وتلاشى (حاد عن مجراه) أي مال وعدل عن جهة جريه (فانكشف) لشدة ما غلب عليهما من الجلال قال الطبري في إحكامه وللكسوف فوائد منها ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين وإزعاج القلوب الغافلة وإيقاظها وليرى الناس أنموذج القيامة وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان فيكون تنبيها على خوف المكر ورجاء العفو والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له فكيف من له ذنب وقال الزمخشري: قالوا حكمة الكسوف أنه تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييره أو تبديله ليستدل بذلك على أن له مسيرا ومبدلا ولأن النيرين يعبدان من دون الله تعالى فقضى عليهما بسلب النور عنهما لأنهما لو كانا معبودين لدفعا عن نفسهما ما يغيرهما ويدخل عليهما
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك(2/348)
2018 - (إن الشهر) أي العربي الهلالي (يكون تسعة وعشرين يوما) كما يكون ثلاثين ومن ثم لو نذر شهرا معينا فكان تسعا وعشرين لم يلزمه أكثر واللام في الشهر عهدية والمعهود أنه حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فمضى تسع وعشرون فدخل فقيل له فقال إن الشهر أي المحلوف عليه يكون إلخ وسبب الحلف قصة مارية وتحريم العسل في قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم} الآية أو أهديت له هدية فقسمها فلم ترض زينب نصيبها فزادها فلم ترض فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها قد أعمت وجهك ترد عليك أو أنهن سألنه النفقة أو غير ذلك فحلف لا يدخل عليهن وجلس في مشربة له قال الخطابي: إنما لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه كان عين الشهر وإلا فلو نذر صوم شهر بغير تعيين لزمه ثلاثون وهذا نص في الحلف على البعد من النساء قال الحرالي: والشهر هو الهلال الذي شأنه أن يدور دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيا سواء كانت عدة أيامه تسعا وعشرين أو ثلاثين كلا العددين في صحة التسمية بالشهر واحد فهو شائع في فردين متزايدي العدد <تنبيه> قال جمع من خصائص هذه الأمة الأشهر الهلالية
(خ ت عن أنس) بن مالك (ق عن أم سلمة) أم المؤمنين (م عن جابر) بن عبد الله (وعائشة) أم المؤمنين لكن لفظهما إن الشهر تسع وعشرون بحذف يكون ولا بد من تقديرها ليكون عشرين خبرها ذكره أبو زرعة(2/348)
[ص:349] 2019 - (إن الشياطين) جمع شيطان من شطن بعد عن الرحمة أو الصلاح أو شاط يعني احترق (تغدو براياتها) أي تذهب أول النهار بألويتها وأعلامها إلى (الأسواق) أي مجامع البيع والشراء (فيدخلون) ها (مع أول داخل) إليها (ويخرجون) منها (مع آخر خارج) منها فلما كانت عادة الراية استعمالها في معركة القتال استعيرت هنا لتعارك الناس عند البيع والشراء وحلفهم الأيمان الكاذبة لرواجها واحتمال أنها رايات حقيقية حجبت ورؤيتها عنا بعيدة والمراد أنهم لا يفارقون السوق ما دام الناس فيه لإغوائهم أهله ووسوتهم لهم بالغش والخديعة والخيانة ونفاق السلعة باليمين الكاذب ونحو ذلك ولهذا مزيد يأتي على الأثر والقصد التحذير من دخوله إلا لضرورة
(طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيثمي وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك(2/349)
2020 - (إن الشيخ) أي من وصل إلى حد الشيخوخة (يملك نفسه) أي يقدر على كف شهوته وقمع لذته فيصير حاكما عليها ومن قدر على منع نفسه مما لا ينبغي فلا حرج عليه في التقبيل وهو صائم
(حم طب عن ابن عمرو) ابن العاص قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم قال لا فجاء شيخ فقبال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال قد علمت لم نظر بعضكم لبعض إن الشيخ إلخ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف(2/349)
2021 - (إن الشيطان) من شطن بعد أو شاط هلك والمراد إما إبليس فاللام للعهد وإما نوعيه فللجنس (يحب الحمرة) أي يميل ميلا شديدا إليها (فإياكم والحمرة) أي احذروا لبس المصبوغ بها لئلا يشاركم الشيطان فيه لعدم صبره عنه (وكل ثوب ذي شهرة) أي صاحب شهرة يعني المشهور بمزيد الزينة والنعومة أو مزيد الخشونة والرثاثة فإن قلت قد ذكر علة النهي عن لبس الأحمر وهو محبة الشيطان فما باله لم يذكر علة ذي الشهرة قلت إنه تركه لعلمه من ذلك بالأولى فإنه إذا كان الأحمر محبوبا للشيطان فذو الشهرة محبوب له أكثر لأنه أعرق في الزينة وفيه مفاسد لا توجد في الأحمر البحت القاني والخطاب للرجال وهذا من أدلة من ذهب إلى تحريم لبس الأحمر
(الحاكم في الكنى) أي في كتاب الكنى وكذا ابن السكن وابن منده (وابن قانع) في معجم الصحابة (عد هب) من طريق أبي بكر الهزلي قال ابن حجر رحمه الله تعالى وهو ضعيف (عن رافع بن يزيد) كذا بخط المصنف وهو الموجود في الشعب وغيرها وفي نسخة رافع بن خديج وهو خطأ بل هو رافع بن يزيد الثقفي قال ابن السكن لم يذكر في حديثه سماعا ولا رؤية ولست أدري أهو صحابي أم لا ولم أجد له ذكرا إلا في هذا الحديث وقال الجوزقاني في كتاب الأباطيل هذا حديث باطل وإسناده منقطع قال ابن حجر في الإصابة وقوله مردود فإن أبا بكر الهذلي لم يوصف بالوضع وقد وافقه سعيد بن بشير وغايته أن المتن ضعيف أما حكمه عليه بالوضع فمردود انتهى وقال في الفتح الحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال إنه باطل وقد وقفت على كتاب الجوزقاني وترجمه بالأباطيل وهو بخط ابن الجوزي وقد تبعه على أكثره في الموضوعات لكن لم يوافقه على هذا الحديث ولم يذكره فيها فأصاب انتهى ورواه الطبراني أيضا باللفظ المزبور عن رافع المذكور قال الهيثمي وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف ثم إن فيه يوسف بن سعيد. قال الذهبي: مجهول(2/349)
[ص:350] 2022 - (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) أي مفسد للإنسان أي بإغوائه ومهلك له كذئب أرسل في قطع من الغنم (يأخذ الشاة القاصية) أي البعيدة عن صواحباتها وهو حال من الذئب والعامل معنى التشبيه وهو تمثيل مثل حالة مفارقة الجماعة واعتزاله عنهم ثم تسلط الشيطان عليه بحالة شاة شاذة عن الغنم ثم افتراس الذئب إياها بسبب انقطاعها ووصف الشاة بصفات ثلاث فالشاذة هي النافرة والقاصية هي التي قصدت البعد لا عن تنفير (والناحية) بحاء مهملة التي غفل عنها وبقيت في جانب منها فإن الناحية هي التي صارت من ناحية الأرض ولما انتهى التمثيل حذر فقال (وإياكم والشعاب) أي احذروا التفرق والاختلاف ففي الصحاح شعب الشيء فرقه وشعبه أيضا جمعه فهو من الأضداد وفي الأساس الشعب الطريق والنهر وظبي أشعب متباين القرنين جدا وتشعبتهم الفتنة (وعليكم بالجماعة) تقرير بعد تقرير وتأكيد بعد تأكيد أي الزموها وكونوا مع السواد الأعظم فان من شذ شذ إلى النار (والعامة) أي السواد الأعظم من المؤمنين (والمسجد) أي لزومه فإنه مجمع الأخيار وموطن الأبرار وأحب البقاع إلى الله تعالى ومنه ينفر الشيطان فيعدو إلى السوق وينصب كرسيه وسطه ويركز رايته ويبث جنوده ويقول دونكم من رجال مات أبوهم وأبوكم حي فمن بين مطفف في كيل وطائش في وزن ومنفق سلعته بيمين مفتراه ويحمل عليهم بجنوده حملة فيهزمهم ويقلبهم إلى المكاسب الرديئة وإضاعة الصلوات ومنع الحقوق فلا يزال هذا دأب الشيطان مع أهل الغفلة من أول دخول أولهم إلى آخر خروج آخرهم فهذا ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث السابق والدواء النافع من ذلك لداخله تقوى الله ولزوم الذكر المشهور المندوب لداخل السوق الذي يكتب لقائله فيه ألف ألف حسنة ويحط عنه ألف ألف خطيئة ويرفع له ألف ألف درجة
(حم) من حديث العلاء بن زياد (عن معاذ) ابن جبل قال الحافظ العراقي رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا اه وبينه تلميذه الهيثمي فقال العلاء لم يسمع من معاذ والرجال ثقات(2/350)
2023 - (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) أي من أمره الخاص به أو المشارك فيه غيره فإنه بصدد أن يغايظ الإنسان المؤمن ويكايده ويناقضه حتى يفسد عليه شأنه في كل أموره قال ابن العربي: لا يخلو أحد من الخلق عن الشيطان وهو موكل بالإنسان يداخله في أمره كله ظاهرا وباطنا عبادة وعادة ليكون له منه نصيب (حتى يحضره عند طعامه) أي عند أكله للطعام وشربه للشراب (فإذا سقطت) أي وقعت (من أحدكم اللقمة) حال الأكل (فليمط ما كان بها من أذى) أي فليزل ما عليها من تراب أو غيره والإماطة التنحية. قال في الصحاح: إماطه نحاه ومنه إماطة الأذى عن الطريق (ثم ليأكلها) ندبا أو يطعمها غيره (ولا يدعها للشيطان) أي لا يتركها له (فأذا فرغ) من الأكل (فليلعق أصابعه) أي يلحسها (2) قال في الصحاح: لعق الشيء لحسه وبابه فهم والملعقة بالكسر واحدة الملاعق واللعقة بالضم اسم ما تأخذه الملعقة واللعقة بالفتح المرة الواحدة واللعوق اسم ما يلعق اه وزاد في روايات أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أفي الساقط أم في ما في القصعة أم في ما على الأصابع؟ قال المحقق أبو زرعة الظاهر أن المراد هنا وفيما مر ويجيء بالشيطان الجنس فلا يختص بواحد من الشياطين والشيطان [ص:351] كل عات متمرد وهبه من الجن والإنس والدواب لكن المراد هنا شياطين الجن خاصة ويحتمل اختصاصه بالشيطان الأكبر إبليس وفيه الكبر وتغيير عادة الأكابر إماطة الأذى عن المأكول والمشروب وإرغام الشيطان بلعق الأصابع وأكل المتناثر وإطابة المطاعم حسا ومعنى
(م عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه أيضا أبو يعلى وغيره
_________
(2) والأمر بالأكل للندب ومحله إذا لم تتنجس أما إذا تنجست وتعذر غسلها فينبغي له أن يطعمها لنحو هرة(2/350)
2024 - (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته) أي وهو فيها (فيلبس) بتخفيف الباء الموحدة المكسورة أي يخلط (عليه حتى لا يدري) أي يعلم (كم صلى) من الركعات (فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد) (1) للسهو ندبا عند الشافعي ووجوبا عند أبي حنيفة وأحمد (سجدتين) فقط وإن تعدد السهو (هو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم) من الصلاة وبعد أن يتشهد سواء كان سهوه بزيادة أو نقص وهذا كما ترى نص صريح شاهد للشافعي في ذهابه إلى أن محل سجود السهو قيل السلام ورد على أبي حنيفة في جعله بعده مطلقا ومالك رضي الله تعالى عنه في قوله للزيادة يكون بعده وللنقص قبله وفيه أن سجود السهو سجدتان فقط وهو إجماع وأما الخبر الآتي كل سهو سجدتان بعد ما يسلم فضعيف لا يقاوم هذا الحديث الصحيح
(ت هـ عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده جيد
_________
(1) أي فليبن على اليقين وهو الأقل ويكمل صلاته ويسجد(2/351)
2025 - (إن الشيطان) لفظ رواية أحمد إن إبليس بدل الشيطان (قال وعزتك) أي وقوتك وشدتك (يا رب لا أبرح أغوي (1) أي لا أزال أضل (عبادك) الآدميين المكلفين يعني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن (ما دامت أرواحهم في أجسادهم) أي مدة دوامها فيها (فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) أي طلبوا مني الغفران أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم والإقلاع والخروج من المظالم والعزم على عدم العود إلى الاسترسال مع اللعن وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى {ممن اتبعك} أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان ووعد كريم من الرحمن بالغفران قال حجة الإسلام: لكن إياك أن تقول إن الله يغفر الذنوب للعصاة فأعصى وهو غني عن عملي فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر: الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيها في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة وقال إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها والله يقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} {وإنما تجزون ما كنتم تعملون}
(حم ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي أبي يعلى ورواه عنه الحاكم أيضا وقال صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) بفتح همزة أبرح وضم همزة أغوي أي لا أزال أضل بني آدم أي إلا المخلصين منهم ويحتمل العموم ظنا منه إفادة ذلك(2/351)
[ص:352] 2026 - (إن الشيطان لم يلق عمر) بن الخطاب (منذ أسلم إلا خر) أي سقط (لوجهه) هيبة منه ومخافة له لاستعداده له ومناصبته إياه لأنه لما طلعت عليه شمس النبوة وأشرقت عليه أنوار الرسالة لبس لأمة الحرب وتحلى بأنواع الأسلحة وحل في حومة الحرب بين باعث الدين وداعي الهوى والشيطان فكان القهر والغلبة لداعي الدين فرد جيش الشيطان مغلوبا فكان إذا لقيه بعد ذلك استسلم له فالخبر عبارة عن ذلك يحتمل الحقيقة وهكذا حال الأكابر معه حتى قال أبو حازم: ما الشيطان حتى يهاب فوالله لقد أطيع وعصي فما ضر وكان بعض العارفين يتمثل له الشيطان بصورة حية في محل سجوده فإذا أراد السجود نحاه بيده ويقول والله لولا نتنك لم أزل أسجد عليك وقال بعض العلماء: لولا أن الحق سبحانه أمرنا بالاستعاذة منه ما استعذت منه لحقارته
(طب) من طريق الأوزاعي وكذا ابن منده وأبو نعيم (عن سديسة) بالتصغير الأنصارية قيل هي مولاة حفصة بنت عمر قال الهيثمي ولا يعلم للأوزاعي سماع من أحد من الصحابة ورواه في الأوسط عن الأوزاعي عن سالم عن سديسة وهو الصواب وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا(2/352)
2027 - (إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى) أي يظن المصلي (أنه أحدث) بخروج ريح من دبره فإذا وقع ذلك (فلا ينصرف) من صلاته أي لا يتركها ليتطهر ويستأنف (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح يخرج منه (أو يجد ريحا) أو يشم رائحة خرجت منه وهذا مجاز عن تيقن الحدث لأنها سبب للعلم به فالمدار على تيقن الحدث بذلك أو بغيره ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين كما في الديباج لأنه قد يكون أصم أو أخشم فذكر ذلك إنما هو جري على الغالب أو خروج على سؤال وفيه أن خروج الخارج من قبل أو دبر يوجب الحدث بخلاف الشك فيه وهذا أصل قاعدة عظيمة وهي أن التيقن لا يرفع بالشك والمراد به مطلق التردد الشامل للظن والوهم فيعمل باليقين استصحابا له فمن تيقن الطهر وشك في ضده أخذ بالطهر هبه في صلاة أم لا وإنما ذكر الصلاة لذكرها في سؤال سائل فلا يعتبر في الحكم كما لا يعتبر فيه كونه في المسجد كما جاء في رواية والكلام على القاعدة المذكورة مبسوط في كتب الفقه وهذا أصل قاعدة إن اليقين لا يرفع بالشك <تنبيه> قال الغزالي: الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصح حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرج عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فيميل قلبه إليهم ويعجب بنفسه وبه يهلكه وعنده يشد حاجه لأنه آخر درجاته ويعلم أنه لو جاوزه أفلت منه إلى الجنة
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه علي بن زيد اختلف في الاحتجاج به(2/352)
2028 - (إن الشيطان) في رواية مسلم إن إبليس وهو نص صريح في أن المراد بالشيطان هنا إبليس ولا اتجاه لترديد أمير المؤمنين في الحديث: الحافظ ابن حجر بقوله المراد بالشيطان إبليس أو جنس الشيطان لأنه الشيطان الأكبر كما قاله الحافظ العراقي (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (حال) قال في المصباح حال حولا من باب قال إذا مضى [ص:353] ومنه قيل للعام ولو لم يمض حول لأنه سيمضي وقال الزمخشري رحمه الله: حال عن مكانه يحول (له) أي حالة كونه له وفي رواية حوله بحاء مهملة أي ذهب هاربا كذا في نسخة المؤلف وفي نسخ أحال بالهمزة (ضراط) حقيقي يشغل نفسه به عن سماع الأذان والجملة حال وإن لم تكن بواو اكتفاء بالضمير كما في {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} (حتى) أي كي (لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام والقول بأن المراد حتى لا يشهد للمؤذن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة اعترضوه (فإذا سكت) أي فرغ المؤذن من الأذان (رجع) الشيطان (فوسوس) للمصلين والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق على إفسادها على فاعلها وإفساد خضوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلام وعموم الرحمة لهم مع يأسه من رد ما أعلنوا به عليهم ويذكر عصيانه ومخالفته فلا يملك الحدث (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب) أي وله ضراط وتركه اكتفاء بذكره فيما قبله فيشغل نفسه به لثقل الأذان والإقامة عليه (حتى لا) أي لئلا (يسمع صوته فإذا سكت) المقيم (رجع) الشيطان (فوسوس) إليهم وفيه فضل الأذان والإقامة إذ لولاه لما تأذى منهما الشيطان وحقارة الشيطان وهوائه على أهل الإيمان ولو ناصبوه واستعدوا له لأعيوه تعبا وأبعدوه هربا لأنه إذا حصل له من الأذان ما ذكر وهو بلا قصد له فكيف بمن قصده واستعد له بيد أن الأكابر لا يبالون به لعدم السلطان له عليهم فهو يروض نفسه على ضرهم فلا يقدر ويضر نفسه كالفراش بأمن النار فيلم بها فتحرقه قال أبو زرعة والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط واقع بمحله أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته وقال الغزالي: قوت الشيطان الشهوات فمن كان قلبه خاليا عنها انزجر عنه بمجرد كرم الله كما لو وقف عليك كلب جائع وليس عندك ما يؤكل فبمجرد أن تقول له اخسأ اندفع وإن كان عندك ذلك هجم ولم يندفع بمجرد الكلام فالشهوة إذا غلبت على القلب تدفع حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ولم يتمكن من سوء يداه فيستقر الشيطان فيه والقلوب الخالية من الهوى والشهوات يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان وإن كنت تقول الحديث ورد مطلقا بأن الذكر والصلاة يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط يعرفها علماء الدين فانظر لنفسك فليس الخبر كالمعاينة وتأمل أن منتهى ذكرك صلاتك فراقب قلبك وانظر كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق وحساب المعاملين وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تتذكر ما نسيت من فضول الدنيا إلا في صلاتك ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا فيها والصلاة محك القلوب وكما أن الله تعالى قال {ادعوني أستجب لكم} وأنت تدعو فلا يستجيب فكذا تذكر الله ولا يهرب الشيطان عنك لفقد الشروط في الذكر والدعاء
(م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/352)
2029 - (إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول) موسوسا مستدرجا من رتبة إلى رتبة ليوقع المكلف في الشك في الله تعالى (من خلق السماء؟ فيقول الله فيقول من خلق الأرض؟ فيقول الله فيقول من خلق الله؟) رواية البخاري من خلق ربك (فإذا وجد ذلك أحدكم) في نفسه (فليقل) بقلبه ولسانه رادا على الشيطان (آمنت بالله ورسوله) فإذا لجأ الإنسان إلى الله في دفعه اندفع بخلاف ما لو اعترض إنسان بذلك فإنه يمكن قطعه بالبرهان والفرق أن الآدمي يقع منه سؤال وجواب والحال معه محصور بخلاف الشيطان كلما ألزم حجة زاغ لغيرها <تنبيه> قال العارف ابن عربي رضي الله عنه: لا مناسبة [ص:354] بين الواجب والممكن وأنى للمقيد معرفة المطلق وذاته لا تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والافتقار فلو جمع بين الواجب لذاته وبين الممكن بوجه جاز على الواجب ما جاز على الممكن من ذلك الوجه وذلك في حق الواجب محال فإثبات وجه جامع بينهما محال فلم نصل إلى معرفته سبحانه إلا بالعجز عن معرفته لأنا طلبنا أن نعرفه كما نطلب معرفة الأشياء كلها من جهة الحقيقة التي المعلومات عليها فلما علمنا أن ثم موجودا لا مثل له ولا صورة في الذهن ولا يدرك فكيف يضبطه العقل فنحن نعلم أنه موجود واحد في ألوهيته وهذا هو العلم الذي طلب منا غير عالمين بحقيقة ذاته التي يعرف سبحانه عليها
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن محمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسوله(2/353)
2030 - (إن الشيطان يأتي أحدكم) أيها المخاطبون بأي صفة كنتم (فيقول من خلقك فيقول الله فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله) أي قل أخالف عدو الله المعاند وأومن بالله وبما جاء به رسوله (فإن ذلك يذهب عنه) لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها ومنها ما يندفع بقلعه من أصله يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها فلذا أحالهم على الإعراض عنها قال الغزالي من مكايد الشيطان حمل العوام ومن لم يمارس العلم ولم يتبحر فيه على التفكر في ذات الله وصفاته في أمور لا يبلغها حد عقله حتى يشككه في أمر الدين أو يخيل إليه في الله خيالا يتعالى الله عنه فيصير به كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور متبجح بما وقع في صدره يظن أن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله وأشد الناس حمقا أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثقب الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه وظنه وأحرصهم على السؤال من العلماء والنبي لم يأمره في علاج هذا الوسواس بالبحث فإن هذا وسواس يجده العوام دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعاشهم ويتركوا العلم للعلماء فإن العامي إذا زنى أو سرق خير له من أن يتكلم في العلم بالله بغير إتقان وإلا وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن يركب لجة البحر ولا يعرف السباحة ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب لا تحصر
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي في كتابه (مكايد الشيطان عن عائشة) قضية كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة عازيا لابن أبي الدنيا وهو عجيب فقد خرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار قال الحافظ العراقي ورجاله ثقات(2/354)
2031 - (إن الشيطان واضع خطمه) أي فمه وأنفه والخطم من الطير منقاره ومن الدابة مقدم أنفها وفمها (على قلب ابن آدم فإن) وفي نسخة فإذا والأولى هي الثابتة بخط المصنف (ذكر الله تعالى خنس) انقبض وتأخر (وإن نسي الله التقم قلبه) فبعد الشيطان من الإنسان على قدر ملازمته للذكر والناس في ذلك متفاوتون ولهذا تجنب أولياء الرحمن [ص:355] قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس فأخذ عني ناحية فقلت تعال فقال إبش أعمل بكم لزمتم الذكر وطرحتم ما أخادع به قلت ما هو قال الدنيا فولى عني ثم التفت وقال بقي لي فيكم لطيفة قلت ما هي قال السماع وصحبة الأحداث قال الغزالي: مهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأكثر القلوب قد افتتحها جند الشيطان وملكوها ومبدأ استيلائه اتباع الهوى ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات وعمارته بذكر الله وقال الحكيم: قد أعطي الشيطان وجنده السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طعما في غوايته فهو يهيج النفوس إلى تلك الزينة تهييجا يزعزع أركان البدن ومستقر القلب حتى يزعجه عن مقره ولا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأنه إذا هاج الذكر من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار وهيج العدو نار الشهوات فإذا رأى العدو هيجان الذكر من القلب ولى هاربا وخمدت نار الشهوة وامتلأ الصدر نورا فبطل كيده <تنبيه> قال الغزالي: أهل المكاشفة من أرباب القلوب يتمثل لهم الشيطان بمثال في اليقظة فيراه الواحد منهم بعينه ويسمع كلامه ويقوم ذلك بمقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام للصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في النوم فيرى في اليقظة ما يراه النائم كما روي عن ابن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب الآدمي يرى في النوم جسد رجل يشبه البلور يرى داخله من خارجه والشيطان بصورة ضفدع قاعد على منكبه الأيسر له خرطوم طويل أدخله في منكبه إلى قلبه يوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس ومثل هذا قد يشاهد في اليقظة وقد رآه بعض المكاشفين بصورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناس إليها أو لقصد أن يصدق بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب وكذا الملك إلى هنا كلامه
(ابن أبي الدنيا) في المكائد (ع هب) كلهم (عن أنس) قال الهيثمي فيه عند أبي يعلى عدي بن أبي عمارة وهو ضعيف(2/354)
2032 - (إن الشيطان) أي عدو الله إبليس كما جاء مصرحا به في رواية مسلم (عرض لي) أي ظهر وبرز لي أي في صورة هر كما جاء في رواية أخرى (فشد) أي حمل (علي) في رواية إن عفريتا من الجن تفلت علي بمروره بين يدي وإليه ذهب أحمد لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حكم بقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود فقيل ما بال الأحمر والأبيض من الأسود قال الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن يتصورون بصورته ويحتمل كون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال تحوج إلى دفع منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال (ليقطع الصلاة) الليلية وأخر لفظ علي ليفيد أن التسليط على إرادة القطع إنما هو على ظاهر الصلاة (علي فأمكنني الله تعالى منه) أي جعلني غالبا عليه (فذعته) بذال معجمة وعين مهملة مخففة وفوقية مشددة أي خنقته خنقا شديدا قال ابن الأثير: والذعت بذال ودال الدفع العنيف والعكر في التراب وإنكار الشافعي رضي الله تعالى عنه رؤية الجن محمول على رؤيتهم على صورهم الأصلية بخلاف رؤيتهم بعد التصور في صورة أخرى على أن الكلام في غير المعصوم (ولقد هممت) أي أردت (أن أوثقه) أي أقيده (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح (فتنظروا إليه) موثقا بها وفي رواية أو تنظروا إليه على الشك (فذكرت قول) زاد في رواية أخي (سليمان) عليه السلام قال الحرالي: يقال هو من السلامة وأنه من سلامة مقدرة من تعلقه بما خوله الله من ملكيه {هذا من فضل ربي ليبلوني [ص:356] أأشكر أم أكفر} وهو واحد كمال في ملك العالم المشهور من الأركان الأربعة وما فيها من المخلوقات (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فاستجيب دعاؤه (فرده الله) أي دفعه الله وطرده (خاسئا) أي صاغرا مهينا ولم أحب أن أشارك سليمان عليه السلام في ذلك لتكون دعوتي مدخرة لأمتي وهي من خسأت الكلب فانخسأ أي زجرته فانزجر قال الحكيم: وجه خصوصية سليمان عليه الصلاة والسلام أن غيره من الحكام أمر أن يحكم بالظاهر بشاهدين ويمين المنكر وربما شهد زورا وحلف كاذبا والذي سأله سليمان عليه الصلاة والسلام فأعطيه الحكم بما يصادف الحق باطنا فكان يحكم بين الوحش والطير والإنس والجن قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى: والجن أجسام لطيفة فيحتمل أن تصور بصورة يمكن ربطه معها حتى يعود لما كان عليه قال الغزالي: وفي الحديث إشارة إلى أنه لا يخلو قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة
(خ عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه بل روياه معا في الصلاة عن أبي هريرة عنه بلفظ أن عفريتا من الجن تلفت البارحة ليقطع علي صلاتي إلى آخر ما هنا(2/355)
2033 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء والمد بلد على نحو ستة وثلاثين ميلا أو أربعين من المدينة أي يبعد الشيطان من المصلي بعد ما بين المكانين أو التقدير يكون الشيطان مثل الروحاء في الخمود والبعد ذكره الطيبي وذلك لئلا يسمع صوت المؤذن وقصد الشارع بهذا الحديث الإرشاد إلى طريق محاربة الشيطان فإن الإنسان بصدد عبادة الحق ودعوة الحق إليه بفعله والشيطان أبدا بصدد أن يناقضك ويكايدك وعليك أن تنتصب لمحاربته وقهره وإبعاده فمن أعظم ما يقهره ويبعده ويزجره الأذان وملازمة الذكر في جميع الأحيان <تنبيه> قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن الله تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه {أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما تشركون} فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه الله
(م عن أبي هريرة)(2/356)
2034 - (إن الشيطان قد يئس) في رواية أيس (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام {يا أبت لا تعبد الشيطان} قال البيضاوي رحمه الله تعالى: عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضا أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يحمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي: والتحريش الإغراء على الشيء بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية قال بعض الأئمة: إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الشعري إلى أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية [ص:357] من طريق الشام عرضا وسميت جزيرة لأن البحار والأنهار اكتنفتها من أكثر الجهات كبحر البصرة وعمان وعدن وبحر الشام والنيل ودجلة والفرات قال أهل الهيئة: جملة ولاية العرب وأحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم واقعة بين الضلع الغربي من بحر فارس والشرقي من بحر القلزم فلهذا تسمى العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وقال الطيبي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه أيس أن يعبد فيها لكن طمع في التحريش وكان كما أخبر فكان معجزة والتحريش الإغراء على الشيء كما مر من حرش الصياد أي يخدعهم ويغري بعضهم على بعض لما ذكر العبادة أولا سماهم المصلين تعظيما لهم ولما ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش وهو الإغراء بين البهائم توهينا وتحقيرا لهم قال حجة الإسلام: روي أن إبليس تمثل لعيسى عليه السلام فقال قل لا إله إلا الله فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك وذلك لأن له تحت الخير تلبيسات لا تتناهى وبه تهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا يرضون لنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة قال الحجة: وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة ملك أو لمة شيطان وأن يمضي النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى من الطبع بل بنور اليقين {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
(حم م) في صفة عرش إبليس (ت) في الزهد (عن جابر) ولم يخرجه البخاري وظاهر صنيع المصنف أن مسلما لم يخرجه إلا هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله المصلون في جزيرة العرب ذكره في أواخر صحيحه وكأنه سقط من القلم(2/356)
2035 - (إن الشيطان حساس) بحاء مهملة وتشديد السين بضبط المصنف قال الحافظ الزين العراقي: المشهور في الرواية بحاء مهملة أي شديد الحس والإدراك كما في النهاية ويجوز من جهة المعنى كونه بالجيم من تجسس الأخبار تفحص ومنه الجاسوس وفرق بعضهم بينهما بأنه بالجيم أن يطلب لغيره وبالحاء لنفسه وقيل بالجيم في الشر وبالحاء في الخير (لحاس) بالتشديد بضبط المصنف أي يلحس بلسانه ما يتركه الآكل على يده من الطعام (فاحذروه على أنفسكم) أي خافوه عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام غسلا جيدا فإنه (من بات وفي يده ريح غمر) بغين معجمة وميم مفتوحتين ريح اللحم وزهومته (فأصابه شيء) للبزار فأصابه خبل ولغيره لمم وهو المس من الجنون وفي أخرى فأصابه وضح أي برص والمراد فساد شيء من أعضائه إما بالخبل أو اللمم أو الوضح (فلا يلومن إلا نفسه) فإنا قد أوضحنا له البيان حتى صار الأمر كالعيان ومن حذر فقد أنذر فمن لم ينته بعد ذلك فهو الضار لنفسه قال ابن عربي رضي الله عنه: أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يتصل بالإنسان بسبب الغمر فيتحسس به ويتلحسه ويتصل به فلا يسلم من أن يشاركه في بدنه فيصيبه منه داء أو جنون فليجتهد في إزالة الغمر <تنبيه> قال في البحر: أخبر أنه يلحس الرائحة والغمر دون العين وعليه فمشاركته للناس في الأكل إنما هي مشاركة في رائحة طعامهم دون عينه وقد يكون مشاركته لهم بذهاب البركة منه لعدم التسمية عليه إلى هنا كلامه وشنع عليه ابن العربي رضي الله عنه فقال: من زعم أن أكله إنما هو الشم فقد حاد ووقع في حبالة الإلحاد بل يأكل ويشرب وينكح ويوله له قال: ومن زعم أن الجن والشياطين بسائط فإنما أراد أنهم لا يفنون وهم يفنون وقول الحديث إنه حساس لحاس ليس فيه ما يقتضي عدم الأكل بل يشم ويأكل وله لذة في الشم كلذتنا في اللقمة في كل طعمة
(ت ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرطهما واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه ردا شنيعا بل هو موضوع فإن فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد والناس انتهى وقال الذهبي في موضع آخر يعقوب بن الوليد [ص:358] الأزدري هذا كذاب واتهم فلا يحتج به قال: لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقال البغوي في شرح السنة حديث حسن وهو كما قال سهيل بن أبي صالح وإن كان قد تكلم فيه لكنه مقارب فهو من هذا الوجه حسن(2/357)
2026 - (إن الشيطان) أي كيده (يجري من ابن آدم) أي فيه (مجرى الدم) في العروق المشتملة على جميع البدن قال القاضي: وهذا إما مصدر أي يجري مثل جريان الدم في أنه لا يحس بجريه كالدم في الأعضاء ووجهه الشبه شدة الاتصال فهو كناية عن تمكنه من الوسوسة أو ظرف ليجري ومن الإنسان حال منه أن يجري مجرى الدم كائنا من الإنسان أو بدل بعض من الإنسان أي يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم انتهى. وقال الطيبي: عدى يجري بمن على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم وقوله مجرى الدم يجوز كونه مصدرا ميميا وكونه اسم مكان وعلى الأول فهو تشبيه شبه كيد الشيطان وجريان وسوسته في الإنسان بجريان دمه وعروقه وجميع أعضائه والمعنى أنه يتمكن من إغوائه وإضلاله تمكنا تاما ويتصرف فيه تصرفا لا مزيد عليه وعلى الثاني يجوز كونه حقيقة فإنه تعالى قادر على أن يخلق أجساما لطيفة تسري في بدن الإنسان به سريان الدم فيه فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال وحمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه بدليل خبر البخاري معلقا الشيطان جائم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ويجوز كونه مجازا يعني أن كيد الشيطان ووسوسته تجري في الإنسان حيث يجري منه الدم من عروقه والشيطان إنما يستحوذ على النفوس وينفث وساوسه في قلوب الأخيار بوسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي أسلحة الشيطان وقال ابن الكمال: هذا تمثيل وتصوير أراد تقرير أن للشيطان قوة التأثير في السرائر فإن كان متفردا منكرا في الظاهر فإليه رغبة روحانية في الباطن بتحريكه تنبعث القوى الشهوانية في المواطن قال أعني ابن الكمال ومن لم يتنبه لحسن هذا التمثيل ضل في رد ذلك المقال وأضل حيث قال {فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} كالدلالة على بطلان ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي ويخالطه لأنه إذا أمكنه ذلك لكان ما يذكره في باب المبالغة أحق أما إنه ضل فلأنه لم يدر أن الكلام المذكور مأخوذ من مشكاة النبوة مصبوب في قالب التمثيل والغرض منه بيان أن الشيطان منفور محذور منه في الظاهر مطبوع متبوع في الباطن والغرض من التمثيل المنقول عنه بيان كمال اهتمامه في أمر الإغواء وتصوير قوة استيلائه على ابن آدم من جميع الجهات وكل من التمثيلين على أبلغ نظام وأحسن وجه من الانطباع على مقتضى التمام وأما أنه أضل فلأن الفخر الرازي ذلك الإمام الهمام نقله عنه نقل قبول حيث قال قال القاضي هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان على ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي اه وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب إنفاء التهمة الذنوب في مواقعها ووجود الشياطين وهم مردة الجن وقد نطق القرآن العظيم به وإنما خالف فيه الفلاسفة الضالون ومن اقتفى فيه أثرهم كالمعتزلة
(حم ق د هـ عن أنس) بن مالك (ق د عن صفية) بنت حيي النضرية أم المؤمنين من ذرية هارون عليه السلام وهذا قاله وقد انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال إنها صفية قالا سبحان الله فذكره قال الغزالي: فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيرا إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضى بعضهم وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار(2/358)
[ص:359] 2038 - (إن الصائم إذا أكل) بالبناء للمفعول أي أكل أحد (عنده) نهارا (لم تزل تصلي عليه الملائكة) أي تستغفر له (حتى يفرغ) الأكل عنده (من طعامه) أي من أكل طعامه فإن حضور الطعام يهيج شهوته للأكل فلما قمع شهوته وكف نفسه امتثالا لأمر ربه ومحافظة على ما يقربه إليه ويرضيه عنه عجبت الملائكة من إذلاله لنفسه في طاعة ربه فاستغفروا له وفي الحديث شمول لصوم الفرض والنفل وقصره على الفرض لا دليل عليه ولا ملجأ إليه
(حم ت هب عن أم عمارة) بنت كعب الأنصارية صحابية روى عنها حفيدها عباد بن تميم وغيره قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه طعاما فقال كلي فقالت إني صائمة فذكره قال الترمذي حسن صحيح وقضية صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي وابن ماجه(2/359)
2039 - (إن الصالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق خلقه وقول القاضي البيضاوي هو الذي صرف عمره في طاعة الله وماله في مرضاته ليس على ما ينبغي لاقتضائه أنه من صرف صدرا من عمره في عمل المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بحق خدمة ملك الملوك لا يسمى صالحا ومن البين أنه في حيز السقوط (يشدد عليهم) بالبناء للمفعول أي يشدد الله عليهم ويبتليهم ليرفع درجتهم لما مر غير مرة أن أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل (وإنه) أي الشأن (لا يصيب مؤمنا نكبة) أي مصيبة كما في المصباح (من شوكة فما فوقها إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة وقد تقدم أنه لا بدع في كون الشيء الواحد حاطا ورافعا قال الطيبي: والصلاح استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح لا تخلو من شوب فساد وخلل والاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى
(حم حب ك) في الرقاق (هب) كلهم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات(2/359)
2040 - (إن الصبحة) بالضم أي تناول ما لا ينبغي وقت الصباح أو النوم وقته ولو بعد الصلاة (تمنع بعض الرزق) أي حصوله حقيقة أو بمعنى عدم البركة فيه على ما مر وفي رواية بإسقاط بعض ما على الأول فإن من افتتح النهار بخير كان في بقيته ميمونا مباركا له من الله عون على رزقه وأما على الثاني فلأنه قد ورد أن ما بين الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب عنها ولأن من نام حتى أصبح أصبح وهو خبيث النفس كسلان ليس له نهضة في تعاطي معاشه فينقص بذلك محصوله وهكذا يكاد أن يكون محسوسا
(حل) من حديث الحسن بن علي الطوسي عن محمد بن أسلم عن حسين بن الوليد عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن ابن المسيب (عن عثمان بن عفان) وهكذا رواه عن العطريف(2/359)
[ص:360] 2041 - (إن الصبر) أي المحمود صاحبه أو الكامل ما كان (عند الصدمة الأولى) أي الوارد على القلب غب المصيبة إذ لفجأتها روعة تزعج القلب بصدمتها فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا أوردت بعد طول الأمل فقد توطن عليها ويطبعها ويصير صبره كالاضطراري فمعنى الخبر كما قال أبو عبيد إن كل ذي رزية قصاراه الصبر لكن إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها والصبر حبس النفس على مقتضى الشرع وهو لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فحبس النفس لمصيبته يسمى صبرا لا غير ويقابله الجزع وحبسها في محاربة تسمى شجاعة ويقابله الجبن في إمساك عن كلام يسمى صمتا وكتمانا ويقابله القلق وهكذا
(حم ق 4 عن أنس) قال مر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر فذكره وكلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه(2/360)
2042 - (إن الصخرة) بسكون الحاء وفتحها الحجر العظيم كما يفيده قول الصحاح وغيره الصخر الحجارة العظام والواحدة صخرة بسكون الخاء وفتحها اه فقوله العظيمة صفة كاشفة (لتلقى من شفير جهنم) أي حرفها وساحلها وشفير كل شيء حرفه ومنه شفر النفس الفرج كما في المصباح وشفير النهر والبئر والقبر كما في الأساس (فتهوي بها) وفي نسخة فيها والأول هو ما في خط المصنف (سبعين عاما) وفي نسخة خريفا والأول هو الأثبت في خط المصنف (ما تفضي إلى قرارها) أي ما تصل إلى قعرها أراد وصف عمقها لأنه لا يكاد يتناهى فالسبعين للتكثير لا للتحديد جريا على عادتهم في تخاطبهم من إرادة مجرد التكثير لا خصوص العدد
(ت عن عتبة) بضم أوله فمثناة فوقية ساكنة (ابن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاي المازني صحابي جليل بدري أسلم بعد ستة رجال وكان أحد الرماة وهو الذي اختط البصرة(2/360)
2043 - (إن الصداع) أي وجع بعض أجزاء الرأس أو كله فما منه في أحد شقيقه لازما سمي شقيقة أو شامل لكلها لازما سمي بيضة وخوذة وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتقان البخار فيها وهو مرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان أكثر مرض المصطفى صلى الله عليه وسلم منه والمليلة فعيلة من التملل وأصلها من الملة التي يخبز فيها فاستعيرت لحرارة الحمى ووهجها وقال المنذري: المليلة الحمى التي تكون في العظم (لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد) بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف (فما يدعانه) أي يتركانه (وعليه من ذنوبه مثقال) أي ما يثاقل أي يوازن (حبة من خردل) بل يكفر الله عنه جميع ذنوبه وخص الخردل بالذكر لكمال المبالغة وهو أصغر الحبوب قدرا ولما نظر إلى هذا أبي بن كعب قال لعواده وقد قالوا له كيف نجدك يا أبا إسحاق قال بخير جسد أذيب وأخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه وإن بعثه بعثه خلقا جديدا لا ذنب له قال ابن العربي: من فضله سبحانه على عباده أن خلق المعصية وقدرها ثم محصها وكفرها بحكمته وكفارة الأمراض والأوصاب للسيئات إن كانت صغائر مسحا مسحا وإن كانت كبائر وزنا وزنا وإن كان الكل بالميزان لكن الصغائر لا ثبات لها مع الحسنات وأما الكبائر فلا بد فيها من فضل الله تعالى في تقديره اسم الذنب وأجر الطاعة ويقابل بينهما [ص:361] في الوزن بحسب عمله فيسقط ما يسقط ويبقى ما يبقى بحسب الكبيرة
(حم طب عن أبي الدرداء) قال المنذري فيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(2/360)
2044 - (إن الصدق) الذي هو الإخبار على وفق الواقع وقال الحرالي: مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه (يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى البر) بالكسر اسم يجمع الخير كله وقيل هو التوسع في الخير وقيل اكتساب الحسنات واجتناب السيئات (وإن البر يهدي) بفتح أوله أي يوصل صاحبه (إلى الجنة) يعني أن الصدق الذي يدعو إلى ما يكون برا مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب دخولها ومصداقه {إن الأبرار لفي نعيم} (وإن الرجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان المؤمن (ليصدق) أي يلازم الصدق (حتى يكتب عند الله صديقا) بكسر فتشديد للمبالغة والمراد يتكرر منه الصدق ويداوم عليه حتى يستحق اسم المبالغة فيه ويشتهر بذلك عند الملأ الأعلى قولا وفعلا واعتقادا ثم يوضع له ذلك في قلوب أهل الأرض كما في رواية فالمراد بالكتابة الكتابة في اللوح أو في صحف الملائكة. قال الطيبي: حتى للتدريج (وإن الكذب) أي الإخبار بخلاف الواقع (يهدي إلى الفجور) الذي هو هتك ستر الديانة والميل إلى الفساد والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إلى ما يكون سببا لدخولها وذلك داع لدخولها (وإن الرجل ليكذب) أي يكثر الكذب (حتى يكتب عند الله كذابا) (1) بالتشديد صيغة مبالغة أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم في الأولى أو الكذابين وعقابهم في الثاني فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة فيما ذكر ليشتهر في الملأ الأعلى وتلقى في قلوب أهل الأرض كما تقرر ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض ذكره العلاء وغيره وعزوه لابن حجر رحمه الله قصور قال البعض فالمضارعان وهما يصدق ويكذب للاستمرار ومن ثم كان الكذب أشد الأشياء ضررا والصدق أشدها نفعا ولهذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وفيه كما قال النووي حث على تحري الصد والاعتناء به فإنه إذا اعتنى به أكثر منه فعرف به وتحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به (تتمة) قال الراغب: الصدق أحد أركان بقاء العالم حتى لو توهم مرتفعا لما صح نظامه وبقاؤه وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ومن عرف بالكذب لم يعتمد نطقه وإذا لم يعتمد لم ينفع صار هو والبهيمة سواه بل يكون شرا من البهيمة فإنها وإن لم تنتفع بلسانها لا تضر والكاذب يضر ولا ينفع
(ق عن ابن مسعود) ووهم الحاكم حيث استدركه
_________
(1) قال في الفتح المراد بالكتابة بالحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض(2/361)
2045 - (إن الصدقة) الفرض أو النفل (لا تزيد المال إلا كثرة) في الثواب بإضعافه أضعافا كثيرة أو في البركة ودفع العوارض فهو تنبيه على ما يفاض عليه من الخيور الإلهية فالمراد الزيادة المعنوية لما أن الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس إلا الحسية كما ظنه بعض الخاسرين الضالين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب(2/361)
[ص:362] 2046 - (إن الصدقة على ذي قرابة) أي صاحب قرابة وإن بعد (يضعف) لفظ رواية الطبراني يضاعف (أجرها مرتين) لأنها صدقة وصلة وفي كل منهما أجر على حدته والمقصود أن الصدقة على القريب أولى وآكد من الصدقة على الأجنبي وإن كان القريب كاشحا كما صرح به في عدة أخبار
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عبد الله بن زحر وهو ضعيف(2/362)
2047 - (إن الصدقة لتطفىء غضب الرب) أي سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم بأن يموت مصرا على ذنب أو قانطا من رحمة الله أو مختوما له بسيء عمل أو نحو لديغ أو غريق أو حريق أو نحوهما مما استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكره الحكيم وعزوه للعراقي فيه قصور
(ت) في الزكاة (حب عن أنس) بن مالك قال الترمذي غريب قال عبد الحق ولم يبين المانع من صحته وعلته ضعف راويه أبي خلف إذ هو منكر الحديث قال ابن القطان فالحديث ضعيف لا حسن انتهى وجزم العراقي بضعفه قال ابن حجر: أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان وقال ابن عدي لا يتابع عليه(2/362)
2048 - (إن الصدقة) عرفها باللام العهدية لتفيد أن المراد الصدقة المعهودة وهي الفرض (لا تنبغي) أي لا تستقيم ولا تحسن ولفظ ينبغي في استعمالهم صالحة للندب وللوجوب ولا ينبغي للكراهة والتحريم فتارة يريدون به هذا وأخرى هذا والقرينة محكمة وهو هنا للتحريم (لآل محمد) أي محمد وآله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وإطلاق الآل على الإنسان وآله شائع سائغ ونبه على أن علة التحريم الكرامة بقوله (إنما هي أوساخ الناس) أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تطهر أدرانهم وتزكي أموالهم ونفوسهم {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فهي كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن زعم استثناءه فقد أبعد ومستنده خبر مرسل ضعيف وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت رفغيه فشربته فغضب وقال أتقول لي هذا قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها قال الطيبي: وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى حيث جعل المشبه به أوساخ الناس للتهجين والتقبيح بتغير أو استقذار وجل حضرة الرسالة ومنبع الطهارة أن ينسب إلى ذلك ولذلك جرد عن نفسه الطاهرة من يسمى محمدا كأنه غيره وهو هو فإن الطيبات للطيبين ولا يقال كيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطرارا وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميت {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
(حم م) في الزكاة (عن المطلب) بضم الميم وشد الطاء (بن ربيعة) ابن الحارث الهاشمي له صحبة وفيه قصة ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن المطلب لكنه أخرج تحريم الصدقة على الآل عن أبي هريرة(2/362)
2049 - (إن الصدقة لتطفىء عن أهلها) أي عن المتصدقين بها لوجه الله تعالى (حر القبور) أي محل الدفن خصها بذلك لأنها إذا وقعت في يد جيعان أطفأت عنه تلهب الجوع وتحرقه وإيلام الجوع البالغ أشد من إيللام حرق النار فكما أخمد المتصدق حر الجوع يجازى بمثله إذا صار مجندلا في القبور جزاء وفاقا ولأن الخلق عيال الله وهي إحسان إليهم والعادة أن الاحساس إلى عيال الإنسان يطفىء غضبه وإنما حر النار من غضبه (وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة) [ص:363] من وهج الشمس في الموقف (في ظل صدقته) كأن صدقته تجسد كالطود العظيم فيكون في ظله أو هو مجاز وقال العامري: ليس المراد بها ظله من حر الشمس فقط بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته وتوصله إلى جميع المحاب من قولهم فلان في ظل فلان وتمسك به من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولو لم يكن في فضل الصدقة إلا أنها لما تفاخرت الأعمال كان لها الفضل عليهن لكفى
(طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف(2/362)
2050 - (إن الصداقة يبتغي) بالبناء للمجهول أي يراد (بها) من المتصدق (وجه الله تعالى) من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه فمن أخلص في تلك الإرادة فقد قر عينا بالجزاء عليها وجعلها كالغسالة لذنوبه (والهدية يبتغي بها وجه الرسول) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وقضاء الحاجة) التي قدم الوفد عليه فيها فهي من أجل حق المال لأنها من فوق رتبة المهدي والهبة للمثل أو الدون والهبة تمليك عين في الحياة مجانا فإن انضم إلى التمليك قصد إكرام المعطي فهو هدية أو قصد ثواب الآخرة فصدقة وكلها مندوبة
(طب عن عبد الرحمن بن علقمة) بفتح المهملة والقاف ويقال ابن أبي علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال ما هذه قالوا صدقة قال إن الصدقة يبتغى بها وجه الله وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة فقال لا بل هدية فقبلها منهم انتهى وبه يتضح معنى الحديث ولولاه لكان مغلقا وعبد الرحمن هذا ذكر أنه كان في وفد ثقيف وقال أبو حاتم هو تابعي لا صحبة له ذكره ابن الأثير وغيره واختصره الذهبي فقال مختلف في صحبته(2/363)
2051 - (إن الصدقة) أي المفروضة وهي الزكاة كما يدل عليه تعريفها (لا تحل لنا) أهل البيت لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والمقامات الرفيعة السنية (وإن مولى القوم) أي عتيقهم والمولى أيضا الناصر والحليف والمعتق وغير ذلك لكن المراد هنا الأول (منهم) أي حكمه حكمهم وكما لا تحل الزكاة لنا لا تحل لمعتقنا قال في المظهر هذا ظاهر الحديث لكن قال الخطابي موالي بني هاشم لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يحرمون الصدقة وإنما نهى عن ذلك تنزيها لهم وقال مولى القوم منهم على سبيل التسبيه في الاستنان منهم والافتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكفيه مؤونته فنهاه عن أخذ الزكاة
(ت ن ك) في الزكاة (عن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة فقال استصحبني كما تصيب منها فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد أعلى من الثلاثة وهو عجيب فقد رواه الإمام أحمد وكأنه ذهل عنه(2/363)
2052 - (إن الصعيد الطيب) أي التراب الخالص الطاهر (طهور) بفتح الطاء أي مطهر أي كاف في التطهير (للمرء المسلم) واحتج به داود على مذهبه أن التيمم يرفع الحدث وقال الباقون المراد به أنه قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ولو كان طهورا حقيقة لم يحتج الجنب بعد التيمم أن يغتسل (ما لم يجد الماء) بلا مانع حسي أو شرعي (ولو إلى عشر حجج) أي سنين قاله لمن يعزب عن الماء ومعه أهله فيجنب (فإذا وجدت الماء) بلا مانع (فامه) كذا بخط المصنف وفي رواية [ص:364] فأصبه (بشرتك) أي أوصله إليها وأسله عليها في الطهارة من وضوء أو غسل وفي رواية الترمذي فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير فأفاد أن التيمم ينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية الطهور بالتراب والمراد بالصعيد في هذا الحديث وما أشبهه تراب له غبار فلا يجزىء التيمم بغيره عند الشافعية لخبر جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ولم يشترط الحنفية الغبار بل أجازوا الضرب على الصخر
(م د ت عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح(2/363)
2053 - (إن الصفا) بالقصر أي الحجارة المليس واحدتها صفاة كحصى وحصاة أو الحجر الأملس فهو يستعمل في الجمع والمفرد فإذا استعمل في الجمع فهو الحجارة أو في المفرد فالحجر (الزلال) بتشديد اللام الأولى بضبط المؤلف أي مع فتح الزاي وكسرها والكسر كما في المصباح أفصح أرض مزلة تزل بها الأقدام والمزلة المكان الرحب (الذي لا تثبت عليه) أي لا تستقر (أقدام العلماء الطمع) (1) فإنه يذهب الحكمة من قلوبهم كما يأتي في خبر الشيطان طلاع رصاد لدعائهم له يشغلهم عن ذكر الله وصرف زمنهم بعلمهم في المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات حتى تنقضي أعمارهم وهم على تلك الحال فيكون علمهم عليهم وبالا {حتى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا} وعدم الطمع والزهد في الدنيا لما كان ملكا حاضرا حسدهم الشيطان عليه فصدهم عنه وصيرهم بالطمع عبيدا لبطونهم وفروجهم حتى صار أحدهم مسخرا له كالبهيمة يقوده بزمام طمعه إلى حيث يهوي قال الشافعي رضي الله تعالى عنه كتب حكيم لحكيم قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب والطمع فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم وقال الراغب: العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره وقال: من أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة فيه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر وقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبد الله بن حنظلة وقال احفظ عني شيئا قال لا حاجة لي به قال تنظر فإن كان خيرا أقبله وإلا فلا: لا تسأل إلا الله سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت وقال بعضهم: الطمع هو الذي يذل الرقاب ويسود الوجه ويميت القلوب وعلاجه سلوك طريق القناعة ويحصل بسد باب التوسعات والاقتصار على ما لا بد منه مأكلا ومشربا ومسكنا وملبسا ونحو ذلك. قال أبو جعفر البغدادي: ست خصال لا تحسن بست رجال لا يحسن الطمع في العلماء ولا العجلة في الأمراء ولا الشح في الأغنياء ولا الكبر في الفقراء ولا السفه في المشايخ ولا اللؤم في ذوي الأحساب
(ابن المبارك) في الزهد (وابن قانع) في المعجم كلاهما عن ابن معين (عن سهيل) بالتصغير وفي نسخة سهل والأول هو ما في خط المصنف (ابن حسان) الكلبي (مرسلا) وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله ورواه ابن عدي والديلمي موصولا من حديث أسامة بن زيد وابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات
_________
(1) وهذا كناية عما يزلهم ويمنعهم الثبات على الاستقامة فالعلماء أحق الخلق بترك الطمع وبالزهد في الدنيا لأن الخلق يتبعونهم ويقتدون بهم(2/364)
2054 - (إن الصلاة والصيام والذكر) أي التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (يضاعف) ثوابه (على) ثواب [ص:365] (النفقة في سبيل الله تعالى (1)) أي في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله (بسبع مئة ضعف) على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا الله لأنه أفضل أنواع الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي خبر من قال سبحان الله كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جوابا لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فغير ليس معه ما ينفقه فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر
(د ك) في الجهاد عن (معاذ بن أنس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء الله لإعلاء كلمة الله(2/364)
2055 - (إن الصلاة قربان المؤمن) أي يتقرب بها إلى الله تعالى ليعود بها وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهي أعظم العبادات المتعلقات بالإيمان المثابر عليها سابق الخوف المبادر لها تشوقا بصدق المحبة فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب إليها وهي بناء وعمود وأركان وخطيرة محوطة فالعمود الإيمان وإفراد التذلل إلى الله تعالى توحيدا {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} وهو أول ما أقام الله من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو عشر سنين ثم لما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب على الصلاة فرضت الخمس فاستوى في فرضها المحب والخائف وسن النبي صلى الله عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها ذكره الحرالي قال القاضي: والقربان اسم لما يتقرب إلى الله تعالى كما أن الحلوان اسم لما يحل أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن اه. وغير الصلاة من العبادات يتقرب به أيضا لكن المراد هنا أن شأن المؤمن الكامل وهو المتقي أن يكون اهتمامه بالتقرب بها لكونها أفضل القرب وأعظم المثوبات وبذلك تحصل الملاءمة بين قوله هنا المؤمن وقوله في الخير الآتي الصلاة قربان كل تقي (1)
(عد عن أنس) بن مالك بإسناد ضعيف لكن يقويه الخبر الآتي الصلاة قربان كل تقي
_________
(1) ولا يعارض عموم قوله هنا المؤمن قوله في حديث كل تقي لأن مراده أنها قربان للنافص والكامل وهي للكامل أعظم لأنه يتسع فيها من ميادين الأبرار ويشرق له من شوارق الأنوار ما لا يحصل لغيره ولذلك رؤي الجنيد فقيل له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم وبليت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر(2/365)
2056 - (إن الضاحك في الصلاة) فرضها ونقلها (والملتفت) فيها عن يمينه أو يساره بعنقه (والمفقع أصابعه) أصابع يديه أو رجليه (بمنزلة واحدة) حكما وجزءا ومذهب الشافعي أن الثلاثة مكروهة تنزيها ولا تبطل بها الصلاة ما لم يظهر من الضحك حرفان أو حرف مفهم أو يتوالى مما بعده ثلاثة أفعال وما لم يتحول صدره عن القبلة ولا بطلت صلاته وتفقيع الأصابع فرقعتها وقد كرهه السلف كابن عباس وغيره وصرح النووي بكراهته لقاصد المسجد أيضا قياسا على التشبيك
(حم طب هق عن معاذ بن أنس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه ابن لهيعة يرويه عن زياد بن فائد ضعيف قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن زياد بن فائد وهو ضعيف(2/365)
[ص:366] 2057 - (إن الطير) بسائر أنواعها (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (سبحت ربها) بلسان القال كما يعلم من خطاب الطير لسليمان وفهمه وفهم غيره أيضا من بعض الأولياء لكلامهما {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} (وسألته قوت يومها) أي طلبت منه تيسير حصول ما يمسك رمقها ويقوم بأودها من الأكل ذلك اليوم لعلها بالإلهام الإلهي أن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وأنه لا رزاق غيره ومفهوم الحديث أنه إذا كانت الطير كذلك فالآدمي العاقل ينبغي أن يسأل الله تعالى ذلك في كل صباح ومساء وأن يبكر في طلب رزقه فإن الصبحة تمنع الرزق قال القاضي: والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب
(خط) في ترجمة عبيد بن الهيثم الأنماطي عن الحسين بن علوان عن ثابت بن أبي صفية عن علي بن الحسين عن أبيه (عن علي) أمير المؤمنين قال ثابت: كنا مع علي بن الحسين بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر بنا عصافير يصحن فقال أتدرون ما تقول قلنا لا قال أما إني لا أعلم الغيب لكن سمعت أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره والحسين بن علوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم متروك(2/366)
2058 - (إن الظلم) في الدنيا (ظلمات) بضم اللام وتفتح وتسكن وجمعها لكثرة أسبابها (يوم القيامة) حقيقة بحيث لا يهتدي صاحبه يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا وأن المؤمن يسعى بنوره المسبب عن إيمانه في الدنيا أو مجازا عما يناله في عرصاتها من الشدائد والكروب أو هو عبارة عن الأنكال والعقوبات بعد دخول النار ويدل على الأول قول المنافقين للمؤمنين {انظرونا نقتبس من نوركم} ووحد المبتدأ وجمع الخبر إيماء إلى تنوع الظلم وتكثر ضروبه كما سبق ثم هذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه وقد تطابقت الملل والنحل على تقيبح الظلم (1) ومن أحسن ما قيل:
إذا ظالم استحسن الظلم مذهبا. . . ولج عتوا في قبيح اكتسابه
فكله إلى ريب الزمان فإنه. . . ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متجبرا. . . يرى النجم تيها تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بظلمه. . . أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي. . . وصب عليه الله سوط عذابه
ويكفي في ذمه {وقد خاب من حمل ظلما}
(ق ت عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) قال العلقمي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا(2/366)
2059 - (إن العار) أي ما يتعير به الإنسان زاد في رواية والتخزية (1) (ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي) وفي نسخة لي والأول هو ما في خط المصنف (إلى النار) نار جهنم (أيسر علي مما ألقى) من الفضيحة والخزي مغروز في أسته (وإنه ليعلم ما فيها من شدة [ص:367] العذاب) لكنه يرى أن ما هو فيه أشد وأكثر إيلاما لكثرة ما يقاسيه من نشر فضائحه على رؤوس الأشهاد في ذلك الوقف الحافل الهائل الجامع للأولين والآخرين وهذا فيمن سبق عليه الكتاب بالشفاء والعذاب وأما من كتب في الأزل من أهل السعادة فيدنيه الله تعالى منه ويعرفه ذنوبه ويقول له ألست عملت كذا في يوم كذا وكذا في وقت كذا فيقول بلى يا رب حتى إذا قرره بها واعترف بجميعها يقول له فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم كما جاء في خبر آخر فلا يلحقه عار ولا فضيحة
(ك) في الأهوال من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن ابن المنكدر (عن جابر) وقال صحيح وتعقبه الذهبي بأن الفضل واه فأبى له الصحة؟ وفي الميزان عن بعضهم لو ولد الفضل أخرس لكان خيرا له ثم ساق الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وقال الهيثمي رواه أبو يعلى أيضا وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو مجمع على ضعفه
_________
(1) أي من القبائح التي فعلها في الدنيا كغادر ينصب له لواء غدره عند إسته والغال من الغنيمة نحو بقرة يأتي وهو حامل لها وغير ذلك(2/366)
2060 - (إن العبد) أي الإنسان حرا أو قنا (ليتكلم) في رواية يتكلم بحذف اللام (بالكلمة (1)) اللام للجنس حال كونها (من رضوان الله) أي من كلامه فيه رضى الله تعالى ككلمة يدفع بها مظلمة (لا يلقى) بضم الياء وكسر القاف حال من الضمير في يتكلم (لها بالا) أي لا يتأملها ولا يلتفت إليها ولا يعتد بها بل يظنها قليلة وهي عند الله عظيمة (يرفعه الله بها) أي بسببها (درجات) استئناف جواب عمن قال ماذا يستحق المتكلم بها (وإن العبد ليتكلم بالكلمة) الواحدة (من سخط الله) أي مما يغضبه ويوجب عقابه (لا يلقى) بضبط ما قبله (لها بالا يهوى بها) بفتح فسكون فكسر أي يسقط بتلك الكلمة (في جهنم) {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وهذا حث على التدبر والتفكر عند التكلم فإن الشيطان يزين الشر في صورة الخير <تنبيه> قال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر عند كل قول وفعل فقد يكون في جزع فتظنه تضرعا وابتهالا وتكون في رياء محض وتحسبه حمدا وشكرا ودعوة للناس إلى الخير فتعد على الله المعاصي بالطاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس الفرار
(حم خ) في الرقاق (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي ورواه الحاكم متعرضا لبيان السبب فقال كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم فإني سمعت بلال بن الحارث يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
_________
(1) أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة(2/367)
2061 - (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبن ما فيها) بمثناة تحتية مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة تحتية مشددة مكسورة فنون هكذا ضبطها الزمخشري قال وتبن دقق النظر من التبانة وهي الفطنة والمراد التعمق والإغماض في الجدل وأدى ذلك إلى التكلم بما ليس بحق ومنه حديث سالم كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها إنه يتفق عليها من كل المال حتى ما تبتنتم ما تبتنتم أي دققتم النظر حتى قلتم غير ذلك إلى هنا كلامه قال بعض المحققين أخذا من كلام القاضي وتبتن حال لأن الكلمة معرفة والجملة نكرة فلا تكون صفة للمعرفة انتهى وما ذكر من أن الرواية يتبين هو ما في كلام هؤلاء الأجلة الأكابر لكني وقفت على نسخة المصنف بخطه فوجدتها يتبين وكذا أوردها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يتبين ما فيها وقال معناه لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره حتى يثبته فيها فلا يقولها إلا إن [ص:368] ظهرت المصلحة في القول بعضهم ما يتثبتها بعبارة واضحة وفي رواية مسلم ما يتبين ما فيها قال وهذه أوضح وما الأولى نافية والثانية موصولة أو موصوفة (يزل) بفتح أوله وكسر الزاي يسقط وفي رواية مسلم بدل يزل يهوي (بها في النار) نار جهنم (أبعد ما) وفي رواية مما (بين المشرق والمغرب) يعني أبعد قعرا من البعد الذي بينهما والقصد به الحث على قلة الكلام وتأمل ما يراد النطق به فإن كثيرا من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يسيره الهوى وتحول بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان ويزينا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام وأن كلامه كله في نهاية التمام قال أهل السلوك: وطريق التوبة منها أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيعه أو ذنب ركبه ويتأمل في منطقه ولحظه واستماعه وبطشه وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره <تنبيه> قال ابن عربي: الحروف نوعان رقمية فإذا رقمت صحبتها أرواحها وحياتها وإذا محي الحرف انتقلت روحه إلى البرزخ مع الأرواح فموت الشكل زواله بالمحو ولفظية تتشكل في الهوى فإذا تشكلت قامت بها أرواحها ولا يزال الهوى يمسك عليها تشكلها وإن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول التشكل ثم تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها بتسبيح ربها ولو كانت كلمة كفر فوبالها يعود على المتكلم بها لا عليها وهذا معنى ما نطق به هذا الحديث فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها وما يعرض إليها فهذا القرآن يقرأ على جهة القربة إلى الله وفيه ما قالت اليهود والنصارى في حق الله تعالى من الكفر وهي كلمات يتعبد بتلاوتها وتتولى يوم القيامة عذاب أصحابها والحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بخلاف الرقمية لأن شكل الرقمي يقبل التغير والزوال لأنه بمحل يقبل ذلك واللفظي في محل لا يقبله فلهذا كان له البقاء فالجو كله مملوء من كلام العالم يراه صاحب الكشف صورا قائمة
(حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/367)
2062 - (إن العبد) أي الإنسان المؤمن (إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (أتي) بالبناء للمفعول أي جاءه الملك أو من شاء الله من خلقه بأمره (بذنوبه كلها) ظاهره يشمل الكبائر وقياس ما يجئ في نظائره استثناؤها (فوضعت على رأسه وعاتقيه) تثنية عاتق وهو ما بين المنكب والعنق وهو محل الرداء ويذكر ويؤنث ثم يحتمل أن الموضوع الصحف التي هي فيها ويحتمل أن تجسد ويحتمل أنه مجاز على التشبيه (فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) حتى لا يبقى عليه ذنب وذكر الركوع والسجود ليس للاختصاص بل تحقيقا لوجه التشبيه فإن من وضع شيء على رأسه لا يستقر إلا ما دام منتصبا فإذا انحنى تساقط فالمراد أنه كلما أتم ركنا من الصلاة سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن به لفظ العبد والقيام إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد حقير ذليل ومن لم يكن كذلك فصلاته التي هي أعظم الطاعات أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر
(طب حل هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه عبد لله بن صالح كاتب الليث ضعفه الجماعة أحمد وغيره(2/368)
2063 - (إن العبد) أي القن (إذا نصح لسيده) أي قام بمصالحه عن وجه الخلوص وامتثل أمره وتجنب نهيه ويقال نصحته ونصحت له قال الطيبي: واللام مزيدة للمبالغة. قال الكرماني: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح وهي إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفية الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها وواجباتها وما يمكنه من مندوباتها بأن لم يفوت حق السيد (كان له أجره مرتين) لقيامه بالحقير وانكساره بالرق قال البعض وليس الأجران متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوق ورده أبو زرعة بأن طاعة المخلوق هنا من طاعة الله ثم التضعيف يختص بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا يؤجر عليه [ص:369] باعتبارين أما العمل المختلف الجهة فلا يختص العبد بتضعيف الأجر فيه على الحر فالمراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأجرهما
(مالك) في الموطأ (حم ق د عن ابن عمر) بن الخطاب(2/368)
2064 - (إن العبد) أي الإنسان (ليذنب) أي يوقع ويفعل (الذنب فيدخل به) بسببه (الجنة) لأن الذنب مستجلب للنوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله {إن الله يحب التوابين} والله لا يدخل من يحبه النار (يكون نصب عينيه) أي مستحضرا استحضارا تاما كأنه يشاهده أبدا تائبا إلى الله تعالى فارا منه إليه حتى يدخل به الجنة لأنه كلما ذكره طار عقله حياء وحشمة من ربه حيث فعله وهو بمرأى منه ومسمع فيجد في توبته ويتضرع في إنابته بخاطر منكس وقلب حزين والله يحب كل قلب حزين كما مر في خبر ومن أحبه أدخله جنته ورفع منزلته قال الداراني: ما عمل داود عملا أنفع له من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى الله حتى اتصل بالله وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليوصله إلى هذه الدرجة ويحله هذه الرتبة فيجذبه إلى نفسه ويؤديه في كنفه ويصونه عمن سواه ولا يعارض ما تقرر خبر الذنب شؤم لأنه شؤم على من لم يوفق للتوبة والإنابة
(ابن المبارك) في الزهد عن المبارك بن فضالة (عن الحسن) يعني البصري (مرسلا) ولأبي نعيم نحوه(2/369)
2065 - (إن العبد إذا كان همه الآخرة) أي عزمه أي ما يقربه إليها (كف الله تعالى) أي جمع (عليه ضيعته) أي ما يكون منه معاشه كصنعة وتجارة وزراعة أو راد رد الله عليه ما ضاع له أي ما هو منزل منزلته (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيا) بالله (ولا يمسي إلا غنيا) به لأن من جعل غناه في قلبه صارت همته للآخرة وأتاه ما قدر له من الدنيا في راحة من بدنه وفراغ من سره والصباح والمساء كناية عن الدوام والاستمرار (وإذا كان همه الدنيا أفشى الله) أي يكثر تعالى (عليه ضيعته) ليشتغل عن الآخرة فيصير قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره فيبقى متحيرا ضائعا لا يدري ممن يطلب رزقه ولا ممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع (جعل فقره بين عينيه) يشاهده (فلا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا) خص المساء والصباح لأنهما وقت الحاجة للتقوت غالبا وإلا فالمراد أن غناه يكون حاضرا أبدا وفقره كذلك والدنيا فقر كلها لأن حاجة الراغب فيها لا تنقضي فهي كداء الظمأ كلما زاد صاحبه شربا ازداد ظمأ فمن كانت الدنيا نصب عينيه صار الفقر بين عينيه وتفرق سره وتشتت أمره وتعب بدنه وشرهت نفسه وازدادت الدنيا منه بعدا وهو لها أشد طلبا فمن رأى نفسه مائلة إلى الآخرة فليشكر ربه على ذلك ويسأله الازدياد من توفيقه ومن وجد نفسه طامحة إلى الدنيا فليتب إلى الله ويستغيث به في إزالة الفقر من بين عينيه والحرص من قلبه والتعب من بدنه. قال ابن القيم: ولولا سكرة عشاق الدنيا لاستغاثوا من هذا العذاب على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه ومن عذابهم اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة أهلها إياها ومقاساة معاداتهم ومن أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي
(حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن الحسن مرسلا) وهو البصري(2/369)
2066 - (إن العبد إذا صلى) فرضا أو نفلا (في العلانية) بالتخفيف كما في المصباح أي حيث يراه الناس وإعلان الشيء [ص:370] إظهاره وعلن ظهر وأمر علان ظاهر (فأحسن) صلاته (1) (وصلى في السر) أي حيث لا يراه الناس وهو ضد العلن (فأحسن قال الله تعالى) مظهرا لثنائه على ذلك العبد الملأ الأعلى ناشرا لفضله منوها برفع درجته إلى مقام العبودية الذي هو أفخر المقامات وأسنى الدرجات (2) (هذا عبدي حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا وأراد بالإحسان فيها أن يصليها محتملا لمشاقها محافظا على ما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوسواس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصب بين يدي جبار السماوات ليسأل فك الرقاب من سخطه
(هـ عن أبي هريرة) وفيه بقية وقد سبق عن ورقاء اليشكري وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال لينه ابن القطان
_________
(1) بأن أتى بما يطلب فيها من أركان وشروط ومستحبات من خشوع ونحوها كان وافقا عند حدود الله ممتثلا لأوامره مجتنبا لمناهيه
(2) أي فيحبونه ثم تقع محبته في قلوب أهل الأرض فهذا هو العبد الذي يوصف بأنه قائم على قدم الطاعة(2/369)
2067 - (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها) أي فيما ينفقه على نفسه وعلى من عليه مؤونته (إلا في البناء) الذي لا يحتاجه أو المزخرف أما بيت يقيه من نحو حر وبرد ولص أو جهة قريبة كمسجد ومدرسة ورباط وحوض ومصلى عيد ونحوها فمطلوب محبوب وفاعله على الوجه المطلوب شرعا محتسبا مأجورا لأن المسكن كالغذاء في الاحتياج إليه وفضل بناء المساجد ونحوها معروف وعلى الزائد على الحاجة ينزل خبر القبة السابق وما ذكر من أن اللفظ إلا في البناء هو ما في خط المصنف فمن زعم أنه إلا في البنيان لم يصب وإن كانت رواية
(هـ عن خبات) بن الأرت(2/370)
2068 - (إن العبد ليتصدق بالكسرة) من الخبز ابتغاء وجه الله (تربو) أي تزيد (عند الله حتى تكون) في العظم (مثل أحد) بضمتين الجبل المعروف قال في المطامح: المراد به كثرة جزائها والثواب المترتب عليها لا أنها تكون كالجبل حقيقة لأنها تفنى وتنقضي عند تناولها ويحتمل أن يخلق الله مثلها من جنسها على صفة خبز الجنة
(طب عن أبي برزة) قال الهيثمي فيه سوار بن مصعب وهو ضعيف(2/370)
2069 - (إن العبد إذا لعن شيئا) آدميا أو غيره بأن دعى عليه بالطرد والبعد عن رحمة الله تعالى (صعدت) بفتح فكسر (اللعنة إلى السماء) لتدخلها (فتغلق أبواب السماء دونها) لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} (ثم تهبط) أي تنزل (إلى الأرض) لتصل إلى سجين (فتغلق أبوابها دونها) أي تمنع من النزول (ثم تأخذ يمينا وشمالا) أي تتحير فلا تدري أين تذهب (فإذا لم تجد مساغا) أي مسلكا وسبيلا تنتهي إليه لمحل تستقر فيه (رجعت إلى الذي لعن) بالبناء للمفعول بضبط المصنف (فإن كان لذلك) أي اللعنة (أهلا) رجعت إليه فصار مطرودا مبعودا فإن لم يكن أهلا لها (رجعت) بإذن ربها (1) (إلى قائلها) لأن اللعن طرد عن رحمة الله فمن طرد ما هو أهل لرحمته [ص:371] عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
(هـ) في الأدب عن أبي الدرداء ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط وفيه عنده داود بن المحبر ضعيف ولما عزاه ابن حجر في الفتح إلى أبي داود وقال سنده جيد وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس ورواته ثقات لكنه أعل بالإرسال هكذا قال
_________
(1) قوله بإذن ربها: والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد بسند جيد عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وقعت عليه وإلا قالت يا رب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا فيقال ارجعي من حيث جئت يعني إلى قائلها(2/370)
2070 - (إن العبد) في رواية إن المؤمن (إذا أخطأ خطيئة) في رواية أذنب ذنبا (نكتت) بنون مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة (في قلبه) لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه (نكتة) أي أثر قليل كنقطة (سوداء) في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه قال الحرالي: وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر (فإن هو نزع) أي قلع عنه وتركه (واستغفر الله وتاب) إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما (صقل) وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي (قلبه) بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت (وإن عاد) إلى ذلك الذنب أو غيره (زيد) بالبناء للمفعول (فيها) نكتة أخرى وهكذا (حتى تعلو على قلبه) أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيرا قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان وليا من دون الله فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلا {ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا} (رهو الران) أي الطبع (1) (الذي ذكره الله) تعالى في كتابه بقوله عز قائلا (كلا بل ران) أي غلب واستولى (على قلوبهم) الصدأ والدنس (ما كانوا يكسبون) من الذنوب قال القاضي: المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحه هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعا وهو الران وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة. إلى هنا كلامه قال الطيبي: وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري: وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفا للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم: الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا [ص:372] أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم وقال الغزالي: القلب كالمرآة ومنه الآثار المذمومة كدخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب فلا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى حتى يسود ويظلم ويصير محجوبا عن الله تعالى وهو الطبع والرين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك يعمى عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويهتم بها وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وأخطارها دخل من أذن وخرج من أخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة {أولئك يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} <تنبيه> قيل لحكيم: لم لا تعظ فلانا قال ذاك على قلبه قفل ضاع مفتاحه فلا سبيل لمعالجة فتحه <فائدة> قال حجة الإسلام: لا يذنب العبد ذنبا إلا ويسود وجه قلبه فإن كان من السعداء ظهر السواد على ظاهره لينزجر وإلا أخفى عنه لينهمك ويستوجب النار
(حم ت ن) في التفسير (هـ) في الزهد (هب ك هب) كلهم (عن أبي هريرة) وصححه الترمذي وقال الذهبي في المهذب إسناده صالح
_________
(1) قال العلقمي هو شيء يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم(2/371)
2071 - (إن العبد) أي المؤمن (ليعمل الذنب) الصادق بالكبيرة والصغيرة (فإذا ذكره أحزنه) أي أسف على ما كان منه وندم (وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع) من الذنب (قبل أن يأخذ في كفارته) أي يشرع فيما يكفره (بلا صلاة ولا صيام) لأن العبد المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه والفاجر يرى ذنوبه كذباب يقع على أنفه قال به هكذا فطار ومن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يكون في غاية الحذر منها فإذا صدرت منه هفوة اشتعلت نار الخوف والحزن في قلبه ومع ذلك لا يرجو لغفرها سوى ربه فهذا عبد أواه مقبل على ربه متبريء مما سواه نازح عن المظالم فار من المآثم وهو الذي أراده الله من عباده ليغفر له قبل الاستغفار اللساني هكذا فافهم
(حل وابن عساكر) في التاريخ كلاهما عن عيسى بن خالد اليماني عن صالح المري عن هشام بن محمد (عن أبي هريرة) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث هشام وصالح لم يكتبه من حديث عيسى انتهى وقال الحافظ العراقي فيه صالح المري رجل صالح لكنه مضعف في الحديث(2/372)
2072 - (إن العبد) المؤمن المخلص (إذا وضع في قبره) بالبناء للمفعول (وتولى عنه) أي أعرض (أصحابه) المشيعون له من أهله وأصدقائه (حتى إنه) بكسر همزة إن لوقوعها بعد حتى الابتدائية (يسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند الرؤوس قال القاضي: يعني لو كان حيا فإن جسده قبل أن يأتيه الملك فيقعده ميت لا حس فيه انتهى وسيجيء ما ينازع فيه قال الطيبي: وقوله (أتاه) جواب الشرط والجملة خبر إن وقوله وإنه يسمع قرع نعالهم إما حال بحذف الواو أو كأحد الوجهين في قوله تعالى {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا} الآية (ملكان) بفتح اللام منكر ونكير بفتح كاف الأول وكلاهما ضد المعروف سميا به لأنهما لا يشبه خلقهما خلق آدمي ولا ملك ولا غيرهما وهما أسودان أزرقان (1) جعلهما الله نكرة للمؤمن ليبصره ويثبته وعذابا على غيره (فيعقدانه) (2) حقيقة بأن [ص:373] يوسع اللحد حتى يجلس فيه زاد في رواية فتعاد روحه في جسده وظاهره في كله ونقله المصنف في أرجوزته عن الجمهور لكن قال ابن حجر: ظاهر الخبر في النصف الأعلى وجمع بأن مقرها في النصف الأعلى ولها اتصال بباقيه وقيل وجزم به القاضي والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه أجرى الإقعاد مجرى الإجلاس وقد يقال أجلسه من نومه إذا أيقظه والحديث ورد بهما والظاهر أن لفظ الرسول فيجلسانه وبعض الرواة أبدله بيقعدانه فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع وهو في ذلك تابع للأثر حيث قال عقب قوله يقعدانه وفي حديث البراء فيجلسانه وهو أولى بالاختيار لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام فيقولون القيام والقعود ولا تسمعهم يقولون القيام والجلوس يقال قعد عن قيامه وجلس عن مضجعه واستلقائه وحكى أن نصر بن جميل دخل على المأمون فسلم فقال له اجلس فقال يا أمير المؤمنين لست بمضطجع فأجلس فقال كيف أقول قال اقعد فالمختار من الروايتين الإجلاس لموافقته لدقيق المعنى وتصحيح الكلام وهو الأجدر ببلاغة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل من روى فيقعدانه ظن أن اللفظين بمعنى ولهذا أنكروا رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة فيذهب عن المعنى المراد ورده الطيبي بأن الأقرب الترادف وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية ونحن نقول به إذا كانا مذكورين معا نحو {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} لا إذا لم يكن أحدهما مذكورا ألا ترى إلى حديث مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله إذ طلع علينا ولا خفاء أنه عليه الصلاة والسلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم وكذا لم يرد في نص الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس (فيقولان له) الظاهر أن أحدهما يقول (3) لحصول الاكتفاء به لكن لما كان كل منهما بصدد القول نسب إليهما جميعا (ما كنت) في حياتك (تقول) أي أي شيء تقوله (في هذا الرجل (4) لمحمد) أي في محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطيبي قوله لمحمد بيان من الراوي للرجل أي لأجل محمد ولم يقولا رسول الله أو النبي امتحانا له واغرابا على المسؤول لئلا يتلقى تعظيمه منهما فيقول تقليدا لا اعتقادا وفهم بعض من لفظ الإشارة أنه يكشف له عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه عيانا فيقال ما تقول في هذا وأبطله ابن جماعة بأن الإشارة تطلق في كلامهم على الحاضر والغائب كما يقول المرء لصاحبه ما تقول في هذا السلطان وهما لم يرياه (فأما المؤمن) أي الذي قبض على الإيمان (فيقول) بعزم وجزم من غير تلعثم ولا توقف (أشهد أنه عبد الله ورسوله) إلى كافة الثقلين (فيقال) أي فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما (انظر إلى مقعدك من النار) أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك (قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة) أي محل قعودك فيها (فيراهما جميعا) أي يرى مقعده من النار ومقعده من الجنة فيزداد فرحا إلى فرح ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار وإدخاله الجنة وأما الكافر فيزداد غما إلى غم وحسرة إلى حسرة بتفويت الجنة وحصول النار له (ويفسح له في قبره) أي يوسع له فيه (سبعون ذراعا) (5) يعني شيئا كثيرا جدا فالسبعين
[ص:374] للتكثير لا للتحديد كما في نظائره (ويملأ عليه خضرا) أي ريحانا ونحوه ويستمر كذلك (إلى يوم يبعثون) من القبور (وأما الكافر) أي المعلن بكفره (أو المنافق) الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر وهذا شك من الراوي أو بمعنى الواو قال ابن حجر: والروايات كلها مجمعة على أن كلا منهما يسأل انتهى وفيه رد لقول ابن عبد البر لا يسأل الكافر لكن رجحه المصنف في أرجوزته قيل والسؤال من خصائص هذه الأمة وقيل لا وقيل بالوقف وقيل والمؤمن يسأل سبعا والمنافق أربعين صباحا (فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له (6) لا دريت) بفتح الراء (ولا تليت) من الدراية والتلاوة أصله تلوت أبدلت الواو ياء لمزاوجة دريت ومجموع ذلك دعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا (7) أو أخبار له أي لا علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون ذكره ابن بطال وغيره وقال الخطابي: هكذا يرويه المحدثون وهو غلط وصوابه أتليت بوزن أفعلت من قولك أي ما أتلوته أي ما استطعته (ثم يضرب) بالبناء للمجهول يعني يضربه الملكان اللذان يليان فتنته (بمطراق) في رواية بمطرقة بكسر الميم أي بمرزبة كما عبر بها في سنن أبي داود (من حديد) (8) ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه) ظاهره الملكان فقط وليس مرادا بقرينة قوله (غير الثقلين) الجن والإنس وبقرينة خبر أحمد فيسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين والمنطوق مقدم على المفهوم وحكمة عدم سماع الثقلين الابتلاء فلو سمعا صار الإيمان ضروريا وأعرضوا عن نحو المعايش مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع فيبطل معاشهم (ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه) وأصل الثقل المتاع المحمول على الدابة وقيل لهما الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها ذكره الزمخشري قال القاضي: وظاهر الخبر أن السؤال إنما يكون فيمن قبر أما غيره فبمعزل عنه ويشهد له خبر لولا أن لا تدافنوا لدعوات الله أن يسمعكم من عذاب القبر قلت بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم حتى من أكله سبع أو طير وتفرق شرقا وغربا فإنه تعالى يعلق روحه الذي فارقه يجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول الذي تتعلق به الأرواح أولا فيحيى ويحيى بحياته سائر أجزاء البدن ليسأل فيثاب أو يعذب ولا يستبعد ذلك فإنه تعالى عالم بالجزئيات فيعلم الأجزاء انفصالها ومواقعها ومحالها ويميز بين الأصلي وغيره ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع فإن البينة عندنا ليست شرطا للحياة بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخص الواحد في آن واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول وفيه حل المشي بين القبور بنعل لكن يكره كذا قيل واستثنى من السؤال جماعة (9) ووردت أخبار بإعفائهم عنه <تنبيه> قال جدي نقلا عن شيخه العراقي
[ص:375] ظاهر الخبر أن الملكين يأتيان المؤمن والمنافق على صفة واحدة وهو اللائق بالامتحان والاختبار <تنبيه> قال ابن عربي: من أفسد شيئا بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه
(حم ق د ن عن أنس) بن مالك
_________
(1) أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها
(2) قوله فيقعدانه: زاد في حديث البراء. فتعاد روحه في جسده ظاهره في جميع الجسد لكن سئل الحافظ عن ذلك فأجاب بأن ظاهر الخبر أنها تحمل في النصف الأعلى انتهى قلت ويمكن أن يقال قوة حلولها في النصف الأعلى ولها اتصال بالنصف الأسفل لكن مقرها وقوتها في الأعلى
(3) أي مع حضور الآخر
(4) قوله " في هذا الرجل ": زاد أبو داود في أوله ما كنت تعبد فإن هداه الله قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فالاقتصار على البعض من بعض الرواة قال ابن مردويه فما يسأل عن شيء غيرهما من التكليفات ويؤيده ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا} الآية قال الشهادة يسألون عنها في قبورهم بعد موتهم قيل لعكرمة ما هو قال يسألون عن الإيمان بمحمد وأمر التوحيد انتهى
(5) زاد ابن حبان في سبعين أي توسعه عظيمة جدا
(6) أي يقول له الملكان أو غيرهما
(7) والمعنى لا فهمت ولا قرأت القرآن أو لا دريت ولا اتبعت من يدري
(8) أي متخذة منه وتقدم أنه لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها
(9) الأول الشهيد. الثاني المرابط. الثالث المطعون وكذا من مات في زمن الطاعون بغير الطعن إذا كان صابرا محتسبا الرابع الصديق. الخامس الأطفال. السادس الميت يوم الجمعة أو ليلتها. السابع القارئ كل ليلة تبارك الذي بيده الملك وبعضهم ضم إليها السجدة. الثامن من قرأ في مرضه الذي يموت فيه قل هو الله أحد(2/372)
2073 - (إن العبد) أي المؤمن ذا البصيرة (آخذ عن الله أدبا حسنا) وهو أنه (إذا وسع عليه) أي وسع الله عليه في رزقه (وسع) على نفسه وعياله (وإذا أمسك) الله (عليه) أي ضيق (أمسك) لعلمه بأن مشيئة الله في بسط الأرزاق وإضاقتها تابع للحكمة والمصلحة فهو يتلقى ما قسم له بالرضى ويجري على منواله في الاتساع والإنجماع قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد (1) أي في الإنفاق فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ما ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأولن {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن هذا في الآخرة
(حل) من حديث جعفر بن كزال بن إبراهيم بن بشير المكي عن معاوية بن عبد الكريم عن أبي حمزة (عن ابن عمر) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث معاوية مسندا متصلا مرفوعا وإنما يحفظ من قبل الحسن انتهى وجعفر بن محمد بن كزال قال الذهبي قال الدراقطني ليس بقوي وإبراهيم بن بشير المكي ضعيف ومعاوية قال أبو حاتم لا يحتج به ورواه البيهقي أيضا من هذا الوجه ثم قال هذا حديث منكر
_________
(1) أي ينبغي له أن ينفق بقدر ما رزقه الله من غير ضجر ولا قلق ويعلم أن مشيئة الله في بسط الرزق وضيقه لحكمة ومصلحة(2/375)
2074 - (إن العجب) بضم فسكون وهو نظر الإنسان إلى نفسه بعين الاستحسان (ليحط) بضم التحية أي يفسد ويهدم (عمل سبعين سنة) أي مدة طويلة جدا فالمراد بالسبعين التكثير على وزان ما قيل {في سسلسلة ذرعها سبعون ذراعا} وذلك لأن المعجب يستكثر فعله ويستحسن عمله فيكون كمن أصابه عين فأتلفته ولهذا قال الحكماء: العجب إصابة العمل بالعين وسيجيء خبر إن العين تدخل الرجل القبر فكما أن العين تميت الإنسان فكذا تميت أعماله وتبطل أفعاله وربما استحكمت الغفلة على الإنسان فرأى طاعته بحوله وقوته ولا يرى لله عليه منة في إحداث القوة لها وخلق الاستطاعة لكسبها فإن الذي يدخل عليه في اعتقاده أكثر مما يدخل عليه من العجب بأفعاله قال بعض العارفين: من أعجبته نفسه وأحوالها لا بثبت له قدم في العبودية لأنه مراء في أفعاله وأحواله فهو واقف مع وجوده وإيجاده وعزه في نفسه فهو لا ينتفع بعلم ولا ينفعه عمل قال الغزالي: والناس في العجب ثلاثة أصناف صنف هم المعجبون بكل حال وهم القدرية والمعتزلة الذين لا يرون لله عليهم منة في أحوالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص لشبه استولت عليهم وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشيء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به وصنف مخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله وتارة يغفلون فيعجبون لمكان الغفلة العارضة والقترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة إلى هنا كلام الغزالي ثم نقل بعد ذلك عن شيخه إمام الحرمين أن العجب يذهب إضعاف العمل فقط <تنبيه> قال في المناهج وعرف بعضهم العجب بأنه استعظام النعمة مع نسيان إضافتها للمنعم ويتولد الكبر منه ومن آفاته نسيان الذنوب لظنه الاستغناء بسبب إعجابه بنفسه والعمى عن آفات الأعمال فيضيع عمله لأنه إذا لم يفتقده لم يخرج من شوائب الإبطال فلذلك قال إنه يحبطه قالوا والمعجب يمنعه إعجابه من الاستفادة والاستشارة واستماع النصح ويجره إلى احتقار الخلق والعمى عن وجه الصواب في دينه ودنياه
(فر) عن الحسين بن علي أمير المؤمنين وفيه موسى بن إبراهيم المروزي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك(2/375)
[ص:376] 2075 - (إن العرافة) بالكسر وهي تدبر أمر القوم والقيام بسياستهم والعريف هو القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك وشهر (حق) أي أمر ينبغي أن يكون لما تدعو إليه المصلحة بل الضرورة (ولا بد للناس) في انتظام شملهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) ليتعرف الأمير من العريف حال من جعل فيما عليه من قبيلة أو أهل محلة ليرتب البعوث والأجناد (ولكن العرفاء في النار) أي عاملون فيما يقودهم إليها أو المراد الذين لم يعدلوا وعبر بصيغة العموم إجراء للغالب مجرى الكل ومقصوده التحذير من التعرض للرياسة والتأمر على الناس لما فيه من الفتنة التي قلما يسلم منها عريف ووضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن العرافة على خطر ومباشرها على شفا جرف هار
(د) في الخراج من حديث غالب القطان (عن رجل) من الصحابة وفيه قصة قال الصدر المناوي فيه مجاهيل(2/376)
2076 - (إن العرق) بالتحريك الرشح من البدن (يوم القيامة) في الموقف (ليذهب في الأرض سبعين باعا) أي ينزل فيها من كثرته شيء كثير جدا فالسبعين للتكثير لا للتحديد على ما مر (وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس) أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام فيمنعهم من الكلام (وإلى آذانهم) بأن يغطي الأفواه ويعلو عليها إذ الأذن أعلى من الفم فيكون الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يلجمه فقط ومنهم من يزيد فيبلغ إلى أذنيه ثم يحتمل أن المراد عرق نفسه خاصة ويحتمل غيره كما مر فيشدد على بعض ويخفف عن بعض وهذا كله لتزاحم الناس وانضمام بعضهم لبعض حتى صار العرق يجري كالسيل واستشكل بأن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة فتغطيهم على السواء وأجيب بأن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة وسبب كثرته تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم. قال الغزالي: وكل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة
(م عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/376)
2077 - (إن العين) أي عين العائن من الإنسان أو الجان (لتولع) بالبناء للمفعول أي تعلق (بالرجل) أي الكامل في الرجولية فالمرأة ومن هو في سن الطفولية أولى (بإذن الله تعالى) أي بتمكينه وإقداره (حتى يصعد حالقا) بحاء مهملة أي جبلا عاليا (ثم يتردى) أي يسقط (منه) لأن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل به فتضره وقد خلق الله تعالى في الأرواح خواص تؤثر في الأشباح لا ينكرها عاقل ألا ترى الوجه كيف يحمر لرؤية من يحتشمه ويصفر لرؤية من يخافه وذلك بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة بل التأثير للروح فحسب قال ابن القيم: ومن وجه بأن الله تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلا فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالف جميع العقلاء
(تتمة) قالوا قد تصيب الإنسان عين نفسه قال الغساني نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صديقا وعمر فاروقا وعثمان حبيبا ومعاوية حليما ويزيد صبورا وعبد الملك سائسا والوليد جبارا وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات
(حم ع عن أبي ذر) قال الهيثمي رجال أحمد ثقات [ص:377] ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما(2/376)
2078 - (إن الغادر) أي المغتال لذي عهد أو أمان (ينصب) في رواية يرفع (له لواء) أي علم (يوم القيامة) خلفه تشهيرا له بالغدر وإخزاء وتفضيحا على رؤوس الأشهاد (فيقال) أي ينادي عليه في ذلك المحفل العظيم (ألا) إن (هذه غدرة فلان) أي علامة على غدرة فلان (ابن فلان) ويرفع في نسبه حتى يتميز عن غيره تمييزا تاما وظاهره أن لكل غدرة لواء فيكون للواحد ألوية بعدد غدراته وحكمة نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب والعذر خفي فاشتهرت عقوبته بإشهار اللواء
(مالك) في الموطأ (ق د ت عن ابن عمر) بن الخطاب(2/377)
2079 - (إن الغسل يوم الجمعة) بنيتها لأجلها (لسيل) أي يخرج (الخطايا) أي ذنوب المغتسل لها (من أصول الشعر استلالا) أي يخرجها من منابتها خروجا وأكده بالمصدر إشارة إلى استقصائه جميع الذنوب بحيث لا يبقى منها شيئا إلا أنه سيمر بك ما تعلم منه أن هذا ومثاله منزل على الصغائر فلا تغفل والاستلال الإخراج قال في الصحاح وغيره انسل من الهم خرج وسل السيف من غمده واستله أخرجه
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي رجاله ثقات(2/377)
2080 - (إن الغضب من الشيطان) بمعنى أنه المحرك له الباعث إليه ليردي الآدمي ويغويه ويبعده عن نعمة الله ورحمته (وإن الشيطان خلق) بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم به (من النار) لأنه من الجان الذي قال الله تعالى فيهم {وخلق الجان من مارج من نار} وكانوا سكان الأرض قبل آدم عليه الصلاة والسلام وإبليس أعبدهم فلما عصى جعل شيطانا (وإنما تطفئ) أي تخمد (النار بالماء) لأنه ضدها (فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ندبا مؤكدا وضوءه للصلاة وإن كان متوضئا والغسل أفضل قال الطيبي: أراد أن يقول إذا غضب أحدكم فليستعذ من الشيطان فإن الغضب من الشيطان قصور حالة الغضب ومنشأه ثم أرشد إلى تسكينه فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع وللموانع أزجر وأردع وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية. قال ابن رسلان: وورد الأمر بالاغتسال فيحمل على الحالة التي يشتد الغضب فيها جدا وهذا تحذير شديد من الغضب ولا ينافيه قول إمامنا الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو جبار لأن القوة الغضبية محلها القلب ومعناها غليان دمه لطلب الانتقام فمن فرط فيها حتى انعدمت بالكلية أو ضعفت أو أفرط حتى جاوز حدها الشرعي ذم ذما شديدا ومحمل كلام الشافعي الأول والحديث الثاني وسبب ذم الأول استلزامه انعدام الغيرة والحمية والأنفة مما يؤلف منه
(حم د) في الأدب (عن عطية) بفتح أوله وكسر المهملة الثانية وشد المثناة تحت ابن عروة (العوفي) صحابي نزل الشام قال في التقريب له ثلاثة أحاديث وسكت عليه هو والمنذري(2/377)
2081 - (إن الفتنة) أي البلاء والشر والمحنة (تجيء فتنسف العباد نسفا) أي تهلكهم وتبيدهم واستعمال النسف في ذلك ونحوه مجاز قال الزمخشري: من المجاز نسفت الريح التراب ونسفوا البناء قلعوه من أصله (وينجو العالم منها بعمله) [ص:378] الفتنة الاختبار والعلم الذي ينجي من هذه الفتنة قد يكون بأنواع فتن النفوس بأسباب الدنيا كمال ونساء وجاه فهذه أصول الفتن فتن الدنيا وقد تكون فتنة القلوب بالبدع والأهواء فيتنوع إلى بضع وسبعين فرقة كل فرقة تدعو إلى هوى وكلها في النار إلا واحدة فتجيء فتن الدنيا إلى النفوس وفتن الدين إلى القلوب فكاد يستأصل إهلاكها والعالم الناجي بعلمه العالم بالله العامل بتقواه وعلمه الذي ينجو به العلم بعظمة الله علم وجد بالقلب لا علم عقيدة فحسب علامته دوام الهيئة والخشية وثمراته تقوى الله بالعمل بالكتاب والسنة وترك الهوى أي العالم بعلم طريق الآخرة فإن الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات فالأولى من ضعف البصيرة وقلة العلم سيما إذا قارنه نوع هوى ومن هذا القسم فتنة أهل البدع فإنما ابتدعوا لاشتباه الحق عليهم بالباطل والهوى بالضلال ولو أتقنوا العلم بما بعث الله به رسوله وتجردوا عن الهوى لما ابتدعوا. والثانية: من النفس فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات وأصل كل منهما من تقديم الرأي على الشرع فالأول أصل فتنة الشبهة والثاني أصل فتنة الشهوة ففتنة الشبهات إنما تدفع بكمال البصيرة واليقين وفتنة الشهوات إنما تدفع بكمال العقل والصبر والدين فمن ثم كان العالم من الناجين وما عداه من الهالكين
(حل) من حديث عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن إبراهيم بن أدهم عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة الأنصاري (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث أبي إسحاق لم يكتبه إلا من حديث عطية(2/377)
2082 - (إن الفحش والتفحش) أي تكلف إيجاد الفحش أي القبح شرعا (ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا) بالضم لأن الخلق شعار الدين وحلية المؤمنين فكلما ارتقى الإنسان في درجات حسن الخلق ارتقى في معارج الإيمان ولهذا قال التاج ابن عطاء الله رضي الله تعالى عنه: ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقرب الخلق إلى الله تعالى السالكون آثاره بحسن الخلق
(حم ع طب) وكذا ابن أبي الدنيا (عن جابر بن سمرة) قال: كنت في مجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال إن الفحش إلخ قال الحافظ العراقي إسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله ثقات وقال المنذري بعد عزوه لهم إسناد أحمد جيد(2/378)
2083 - (إن الفخذ عورة) أي من العورة سواء كان ذكر أو أنثى حرا أو قينا فيجب ستر ما بين السرة والركبة (1) ويحرم النظر إليه من ذكر أو أنثى إلا الحليل لكن يحل نظر العورة من صغير أو صغيرة لا تشتهى إلا الفرج عند الشافعية
(ك) في اللباس (عن جرهد) بضم الجيم وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه برد فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو عجيب فقد رواه أبو داود في الحمام عن جرهد المذكور وكان من أصاب الصفة قال جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا وفخذي مكشوفة قال أما علمت أن الفخذ عورة وخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في الاستئذان [ص:379] فإضراب المصنف عن ذا كله صفحا واقتصاره على الحاكم وحده قصور وتقصير مستبين فلا تكن من المتعصبين
_________
(1) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في حق الذكر والأمة في الصلاة وأما الحرة فيجب ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين في الصلاة ومطلقا خارجا وكذا الأمة والرجل أي عورة كل منهما جميع بدنه بالنسبة للأجانب في حق الأنثى والأجنبيات في حق الذكر وأما في الخلوة فعورة الأنثى ولو أمة ما بين السرة والركبة وعورة الذكر السوءتان(2/378)
2084 - (إن القاضي العدل) أي الذي يحكم بالحق (ليجاء به يوم القيامة) إلى الموقف (فيلقى من شدة الحساب ما) أي أمرا عظيما (يتمنى أن لا يكون قضى) أي حكم (بين اثنين) أي خصمين حتى ولا (في) شيء تافه جدا نحو (تمرة) أو حبة بر أو زبيب لما يرى من ذلك الهول لكن ذلك لا يدل على انحطاط درجة العادل فمنزلة الولاية منزلة شديدة المقاساة أولا والسلامة والغنيمة آخرا للعادل ومنزلة العطب لغيره
(قط) (1) (والشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى (عن عائشة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عمران بن حطان قال العقيلي لا يتابع على حديثه
_________
(1) قوله قط أي فيما مضى من عمره فهي ظرف لما مضى من الزمان وفيها لغات أشهرها فتح القاف وضم الطاء المشددة وإذا كان هذا في القاضي العدل وفي الشيء اليسير فما بالك بغير العدل والشيء الكثير وكون قط ظرفا هو ما في كثير من السنخ وظاهر ما في كلام المتن أنها رمز للدارقطني فإنه ذكر قط والشيرازي بواو العطف(2/379)
2085 - (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا) الميت (منه) أي من القبر أي من عذابه ونكاله (فما بعده) من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها (أيسر) عليه (منه وإن لم ينج منه) أي من عذابه (فما بعده) مما ذكر (أشد منه) عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى {وإنما توفون أجوركم} أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور ذكره في الكشاف
(ت هـ ك) في الجنائز عن عبد الله بن بجير عن هانئ مولى عثمان (عن عثمان بن عفان) صححه الحاكم فاعترضه الذهبي بأن ابن بجير ليس بعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عن جمع لكن لا ذكر له في الكتب الستة(2/379)
2086 - (إن القلوب) أي قلوب بني آدم جمع قلب وليس المراد بها هنا اللحم الصنوبري الشكل القار في الجانب الأيسر من الصدر فإنه موجود في البهائم بل لطيفة ربانية روحانية لها بذلك القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك والمخاطب والمطالب والمعاقب ولهذه اللطيفة علاقة بالقلب الجسداني وقد تحيرت عقول الأكثر في كيفية التعلق وأن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وتحقيق التعلق متعلق بعلوم المكاشفة لا بالعلوم النظرية (بين أصبعين من أصابع الله يقلبها) حيث شاء أي يصرفها إلى ما يريد بالعبد بحسب القدر الحاوي عليه المستند إلى العلم الأزلي بحسب خلق تلك الدواعي والصوارف فتصرفه سبحانه وتعالى في خلقه إما ظاهر بخلق يخرق العادات كالمعجزة أو بنصيب الأدلة كالأحكام التكليفية وإما باطن بتقدير الأسباب نحو {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أو يخلق الدواعي والصوارف نحو {كذلك زينا لكل أمة عملهم} {ونقلب أفئدتهم} " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " أي طاعتك وعبر بالتثنية دون الجمع إشارة إلى أن الأصبعين هما ظهور القدرة الربانية بمظهري الخير والشر في قلب العبد لا أن لله جارحة تعالى عن ذلك وعبر بالأصبعين دون اليدين لأن أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيرها فلما [ص:380] كان تقليب الله قلوب عباده أسرع شيء خاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم العرب بما تعقل قال الكمال ابن أبي شريف وقوله كيف يشاء نصب على المفعول المطلق من قوله يقلبها والتقدير تقليبا يريده وهذا من أحاديث الصفات وللناس في تلقيتها مذهبان أحدهما أن الإيمان بها وجب كالإيمان بمتشابه القرآن والبحث فيها بدعة وعليه أكثر السلف الثاني أن البحث عنها واجب وتأويلها بنحو ما تقرر متعين فرارا من التعطيل وإمام هذه الطائفة المرتضى والحبر ومن على قدمهما من فقهاء الصدر الأول لأن الله سبحانه لم ينزل من المتشابه ما أنزل إلا ليعلم ورسوله لم يقل ما قال إلا ليفهم وبمعرفة المتشابه يتميز الفاضل من المفضول والعالم من المتعلم والحكيم من المتعجرف ومن آمن بالأخبار على ما جاءت به حيث ألبس عليه كنه معرفتها لا تجب عليه أن يردها رد منكر لها بل يؤمن ويسلم ويكلها إلى الله ورد متشابه التنزيل والسنة طريق هين يستوي فيه العالم والجاهل والسفيه والعاقل وإنما يظهر الفضل بالبحث واستخراج الحكمة والحمل على ما يوافق الأصول والعقول
(حم ت ك عن أنس) بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله آمنا بذلك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم فذكره قال الصدر المناوي رجاله رجال مسلم في الصحيح(2/379)
2087 - (إن الكافر ليسحب لسانه) أي يجره وخص لتلفظه بكلمة الكفر (يوم القيامة وراءه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس) أي أهل الموقف فيكون ذلك من العذاب قبل دخوله دار العقاب والقصد بهذا الخبر بيان عظم جثة الكافر في الموقف وأن له من العذاب ألوانا والسحب الجر على الأرض يقال سحبته على الأرض سحبا من باب نفع جررته فانسحب وسمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وهو فارسي معرب والوطء الدوس بالرجل يقال وطئته برجلي أطؤه وطأ إذا علوته ووطئ زوجته جامعها لأنه استعلاء. قال الزمخشري: ومن المجاز وطئه العدو وطأة منكرة وفلان وطئ الخلق
(حم ت) في صفة جهنم (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال الترمذي غريب قال في المنار: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأنه من رواية الفضل بن يزيد وهو ثقة عن أبي المخارق عن ابن عمر وأبو المخارق هو معن العبدي وهو ضعيف انتهى وقال العراقي سنده ضعيف إذ أبو المخارق لا يعرف وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف(2/380)
2088 - (إن الكافر ليعظم) أي لتكبر جثته في الآخرة (حتى إن ضرسه لأعظم من أحد) أي حتى يصير ضرسه أكبر من جبل أحد (وفضيلة جسده) أي زيادته وعظمه (على ضرسه كفضيلة جبل أحد على ضرسه) (1) فإذا كان ضرسه مثل جبل أحد فجثته مثله سبعين مرة أو أكثر وقد استبعد هذا الخبر وما قبله قوم من الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ولا هدى إعجابا برأيهم وتحكما على السنة بعقول ضعيفة وأفهام سخيفة وما دروا أن الله سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول البشر بل أمر ونهى بحكمته ووعد وواعد بمشيئته ولو كان كل ما لا تدركه [ص:381] العقول غير مقبول لاستحالت أكثر واجبات الشرائع ألا ترى أنه تعالى أوجب غسل جميع البدن من المني وهو طاهر وأوجب غسل الأعضاء الأربعة من الغائط فقط وهو نجس منتن وأوجب بخروج يسير ما أوجب بخروج ريح يسير فبأي عقل يساوي ما لا عين له ما له عين قائمة بمحل واحد وأوجب قطع يد السارق في ربع دينار وقطعه في مئة ألف قنطار والقطع فيهما سواء وأوجب للأم الثلث فإذا كان للولد أخوة فالسدس من غير أن يرث الإخوة من ذلك شيئا فبأي عقل يدرك هذا إلا تسليما للشارع؟ وهذا باب واسع يطول تتبعه وإذا كان هذا في أمور الدنيا فما بالك بأمر الآخرة التي ليس معها شيء على نمط ما في الدنيا ولا يشبهه إلا في مجرد الاسم
(هـ عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) أي نسبة زيادة جسد الكافر على ضرسه كنسبة زيادة أحدكم على ضرسه وأمر الآخرة وراء طور العقول فتؤمن بذلك ولا نبحث عنه(2/380)
2089 - (إن) المرأة (التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب) هذه (الأمة) يعني المرأة إذا زنت وأتت بولد ونسبته إلى حليلها ليلحق به ويثبت بينهما التوارث وغيره من الأحكام عليها عذاب عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه وليس المراد أن عليها نصف عذاب هذه الأمة حقيقة بالتحديد بل المراد مزيد الزجر والتهويل ووصف عظيم عذابها وإلا فمعلوم أن إثم من قتل مئة مسلم ظلما أشد عذابا منها ومن دل الكفار على عقورات المسلمين فاستأصلوهم بالقتل والسبي والزنى بالنساء عالما بأن ذلك كله سيكون من دلالته كابن العلقمي وزير الخليفة المعتصم الذي أغرى التتار عليه وعلى أهل الإسلام حتى كان منهم ما كان في بغداد وما والاها أعظم عذابا منها
(هب عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم(2/381)
2090 - (إن الذي أنزل الداء) وهو الله تعالى (أنزل الشفاء) أي أنزل ما يحصل به الشفاء من الأدوية أو أنزل ما يستشفى به منه وما من شيء إلا وله ضد وشفاء الضد بضده وإنما يتعذر استعماله بالجهل بعينه أو بفقده أو قيام موانع أخر وكذا المرض والدواء ما يتداوى به كما مر والشفاء البرء من العلة
(ك عن أبي هريرة) وصححه(2/381)
2091 - (إن) الرجل (الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة) عند جلوسهم بمحلها لاستماع الخطبة والصلاة (ويفرق بين اثنين) قعدا لذلك بجلوسه بينهما (بعد خروج الإمام) ليصعد المنبر للخطبة (كالجار قصبه) بضم القاف أي أمعاءه والجمع أقصاب وقيل هو ما أسفل البطن من الأمعاء (في النار) أي له في الآخرة عذاب شديد مثل عذاب من يكون في النار وهو يجر أمعاءه فيها بمعنى أنه يستحق ذلك وقد يعفى عنه وهذا وعيد شديد يفيد تحريم التخطي والتفريق بين اثنين فإن رأى فرجة لا يبلغها إلا به جاز له أن يتخطى صفين لا أكثر فيحرم كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه واختار في الروضة خلاف ترجيحه في المجموع الكراهة (1) والتفريق صادق بأن يزحزح رجلين عن مكانهما [ص:382] ويجلس بينهما
(حم طب ك) في المناقب (عن الأرقم) بن أبي الأرقم قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن هشام بن زياد أحد رجاله واه وتعقب الهيثمي على أحمد والطبراني بأن فيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه اه وساقه في الميزان من مناكير رشدين
_________
(1) واعتمد الرملي في التفريق أنه مكروه ووافقه الخطيب الشربيني فقال يكره تخطي الرقاب إلا لإمام أو رجل صالح لأن الصالح يتبرك به ولا يتأذى بتخطيه وألحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا قال لأن الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به أو وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو أكثر وإن لم يرج سدها فلا يكره له وإن وجد غيره لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى فإن رجى سدها كأن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره(2/381)
2092 - (إن) المكلف (الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب) عبر بفي دون من لأن المحرم الأكل أو الشرب واضعا فاه فيه لا متباعدا منه (1) (إنما يجرجر) بضم التحتية وفتح الجيم (2) (في بطنه نار جهنم) أي يرددها فيه من جرجر الفحل إذ ردد صوته في حنجرته ذكره في الفائق وفي رواية نارا أي قطعة هائلة من نار جهنم جعل صوت شرب الإنسان الماء في هذه الآنية لكون استعمالها محرما موجبا لاستحقاق العقاب كجرجرة نار جهنم في بطنه وفي رواية نارا من جهنم وهي أبلغ بزيادة التنوين الذي للتهويل
<تنبيه> قال الغزالي: النقد ليس في عينه غرض وخلق وسيلة لكل غرض فمن اقتناه فقد أبطل الحكمة وكان كمن حبس الحاكم في سجن وأضاع الحكم وما خلق النقد لإنسان فقط بل لتعرف به المقادير فأخبر تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا حرف قبله ولا صوت له الذي لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه وفهموه من رسوله حتى وصلوا إليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذي عجزوا عن إدراكه فقال {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية وكل من اتخذ النقد آنية فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنزه فإنه كمن سخر الحاكم في نحو حياكة أو كنس فالحبس أهون فإن الخزف يقوم مقامه في حفظ الأطعمة والمائعات ففاعله كافر للنعمة بالنقد فمن لم ينكشف له هذا قيل له الذي يأكل أو يشرب فيه إنما يجرجر في بطنه نار جهنم وأفاد حرمة استعماله على الذكور والإناث وعلة التحريم العين مع الخيلاء
(م هـ عن أم سلمة) ورواه عنه البخاري في الأشربة بدون ذكر الأكل والذهب (زاد طب) في روايته (إلا أن يتوب) توبة صحيحة عن استعماله فإنه لا يجرجر حينئذ في نار جهنم
_________
(1) هذا التعليل فيه نظر فتدبر. اه
(2) أي الأولى وسكون الراء بعدها جيم مكسورة أي يردد أو يصيب في بطنه نار جهنم بنصب نار على أنه مفعول به والفاعل ضمير الشارب والجرجرة بمعنى الصب وجاء الرفع على أنه فاعل والجرجرة تصويت في البطن أي تصوت في بطنه نار جهنم وفي الحديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلا كان أو امرأة ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه بدون استعماله(2/382)
2093 - (إن) الإنسان (الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) قال الطيبي: أراد بالجوف هنا القلب إطلاقا لاسم المحل على الحال قال تعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} . <فائدة> ذكره تصحيح التشبيه بالبيت الخرب كجوف الإنسان الخالي عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله ومحبته
(حم ت ك عن ابن عباس) قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وفاتهما أن فيه قابوس ابن أبي ظبيان ضعيف كما بينه ابن القطان والراوي عن قابوس جرير وفيه مقال فالصحة له محال ومن ثم استدركه الذهبي على الحاكم وقال قابوس لين وقال النسائي غير قوي(2/382)
2094 - (إن) المصورين (الذين يصنعون هذه الصور) أي التماثيل ذوات الأرواح (يعذبون يوم القيامة) في نار جهنم [ص:383] (فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) أمر تعجيز أي اجعلوا ما صورتم حياته ذا روح (1) ونسب الخلق إليهم تهكما واستهزاء وهذا يؤذن بدوام تعذيب المصور لتكليفه نفخ الروح وليس بنافخ وهو على بابه إن استحل التصوير لكفره وإلا فهو زجر وتهديد إذ دوام التعذيب إنما للكفار
(ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق على أن غير الله ليس بخالق حقيقة وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخص(2/382)
2095 - (إن الماء طهور) أي طاهر في نفسه مطهر لغيره (لا ينجسه شيء) مما اتصل به من النجاسات قال الرافعي: أراد مثل الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة كانت واسعة كثيرة الماء وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيرها فإن فرض تغير الكثير بنجس نجسه إجماعا. وقال الولي العراقي رحمه الله تعالى: أل للاستغراق أو للعهد أي الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة ويعلم حكم غيره بالأولى أو لبيان الجنس أي أن هذا هو الأصل في الماء وطهور بفتح الطاء على المشهور لأن المراد به الماء وجاء في رواية ولا بإثبات الواو واستدل به المالكية على قولهم الماء لا ينجس إلا بالتغير وخصه الشافعية والحنابلة بخبر القلتين كما مر وأجمعوا على نجاسة المتغير
(حم 3 قط هق عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله إنا نتوضأ من بئر بضاعة (1) وهي تلقى فيها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن فذكره وحسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والبغوي وابن حزم وغيرهم من الجهابذة قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فنفي الدارقطني أي في العلل ثبوته باطل
_________
(1) بضم الباء وكسرها بثر معروفة بالمدينة والضاد معجمة والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وشدها أي خرق الحيض وفي رواية بالصاد المهملة أي الخرق التي يمسح بها دم الحيض وعذر الناس بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة وهي الغائط(2/383)
2096 - (إن الماء) في رواية طهور (لا ينجسه شيء) نجس وقع فيه (إلا ما) أي نجس (غلب على ريحه وطعمه ولونه) الواو مانعة خلو لا جمع وفيه كالذي قبله أن الماء يقبل التنجيس وأنه لا أثر لملاقاته حيث لا تغير أي إن كثر الماء والتمسك بالأصل حتى نتيقن بتحقق رافعه <تنبيه> هذا الحديث كالذي قبله قد مثل به من أصحابنا في الأصول إلى أن العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه عند الأكثر ولا يقصر على السبب لوروده فيه فإن سبب الحديث ما تقرر من أنه سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي يلقى فيها ما ذكر فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره
(هـ عن أبي أمامة) ورواه الدارقطني والبيهقي بدون ولونه وظاهر عدم رمز المصنف إليه بالضعف يوهم أنه لا ضعف فيه وليس كذلك بل جزم بضعفه جمع منهم الحافظ العراقي ومغلطاي في شرح ابن ماجه نفسه فقال ضعيف لضعف رواته الذين منهم رشدين بن سعد الذي قال فيه أحمد لا يبالي عمن روى وأبو حاتم منكر الحديث وقال النسائي متروك ويحيى واه وأشار الشافعي إلى ضعفه واستغنى عنه بالإجماع(2/383)
2097 - (إن الماء لا يجنب) بضم أوله (1) أي لا ينتقل له حكم الجنابة وهو المنع من استعماله باغتسال الغير منه وحقيقته لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل وأما تفسير لا يجنب بلا ينجس فرده ابن دقيق العبد بأنه تفسير للأعم [ص:384] بالأخص ويحتاج إلى دليل وأل في الماء للاستغراق خص منه المتغير بدليل وهو الإجماع أو للعهد أي الماء المعهود بالتطهر منه فإنه قال لميمونة لما اغتسلت في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت إني كنت جنبا (2) وفيه حذف أي كنت جنبا حالة استعمال الماء ثم حذف منه أيضا مقصود هذا الإخبار وهو أنه هل يمنع استعماله أم لا قال الولي العراقي: وقوله الماء لا يجنب نكرة في سياق النفي فيعم والقياس يخصصه بالجنابة أي لا تحصل له بسبب الجنابة منع من التطهير كما مر عن الخطابي ومع ذلك لا يختص الحكم بالجنابة بل بكل حدث وخبث كذلك لأن العبرة بعموم اللفظ قال: وقوله لا يجنب كالتصريح بالرد على من قال العلة في إفساد الماء باستعماله انتقال المنع إليه وفيه جواز العمل بالأصل وطرح الاحتمال فإنه ينبغي لمن علم حال شيء خفي على غيره بيانه له وإن عظم قيل وطهورية المستعمل وهو غير سديد إذ الاغتسال كما يحمل كونه فيها يحتمل كونه منها والدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال على أنه صرح في رواية البيهقي والدارقطني وغيرهما بأنه كان منها ونصه فضل من غسلها فضل فأراد أن يتوضأ به فقالت يا رسول الله إني اغتسلت منه فذكره وفيه صحة التطهير بفضل المرأة وإن حلت به وبه قال الأئمة الثلاثة وخالف أحمد وأن الشرط في الطهر الإسباغ فلا يقدر ماؤه إلا ندبا قال القشيري: والعام لا يخص بسببه على المختار فإذا حمل لا يجنب على أنه لا يعلق به منع بسبب الجنابة دل على حل استعماله في حدث وخبث معا وإن كان سبب الحكم طهر الحدث
(د ت هـ حب ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عباس) قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت إني كنت جنبا فذكره وقال الترمذي حسن صحيح وصححه النووي في شرح أبي داود وظاهر اقتصار المصنف على عزوه لهؤلاء أنه لم يره مخرجا لغيرهم وهو عجب فقد خرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه والدارمي وغيرهم كلهم عن الحبر
_________
(1) أي وكسر النون ويجوز فتحها مع ضم النون. قال النووي والأول أفصح وأشهر
(2) توهما منها أن الماء صار مستعملا وفي رواية أبي داود ونهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قال الخطابي وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت هذا أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال أو فضل عن أعضائها عند التطهير به دون الفضل الذي يستقر في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا فإذا كانت طاهرة فلا بأس به(2/383)
2098 - (إن المؤمن) وفي رواية إن العبد (ليدرك بحسن الخلق) أي ببسطة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى (درجة القائم الصائم) في أشد الحر والمتهجد ليلا وهو راقد على فراشه لأنه قد رفع عن قلبه الحجب فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه ويعد نفسه ضيقا في بيته وروحه عارية في بدنه لكن لا يكون حسن الخلق محمودا في كل حال ولا الغضب مذموما كذلك بل كل منهما محتاج إليه في حينه فمن رزق كمالا يضع كل شيء في محله فطوبى له وإلا فليعالج نفسه ويهذبها بالرياضة فمن جبل على قلة الغضب ورزانة الطبع والرأفة فلا يجفو ولا يغلظ وعلى البذل فلا يمسك وكذا سائر الأخلاق لزيادة بعض الأمشاج من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة على بعض فالرياضة محتاج إليها لتعديل الأخلاط فالمجبول على الرزانة وقلة الغضب عليه أن يروض نفسه على اكتساب الحركة والغضب كما كان على الطائش أن يروضها على اكتساب الحلم والرزانة فالواجب أن لا يستخف الرذائل فيميل إليها ولا يستثقل الفضائل فيحيد عنها بل يكون فيه حلم وغضب ورزانة وخفة وجد وهزل ولا يجري على طبعه وعادته
(د) في الأدب (حب) كلاهما (عن عائشة) ورواه عنها أيضا البغوي في شرح السنة وغيره وعزاه المنذري إلى أبي الشيخ عن علي وضعفه(2/384)
[ص:385] 2099 - (إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه) أي تزهق روحه من جسده فيموت (وهو) أي والحال أنه (يحمد الله تعالى) إنما حمده حال قبض أعز شيء منه لموت شهواته حالتئذ إذ هو إنما يحب الحياة بالشهوة المركبة فيه فيتلذذ بها فإذا انقطعت الشهوة وخلصت الروح من آفات النفس حمد الله على خلاصه من السجن
(هب عن ابن عباس) رضي الله عنه وفي الباب غيره(2/385)
2100 - (أن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير) هذا عبارة عن كثرة إيراد أنواع المصائب وضروب المحن والفتن فضرب الوجه هنا مجاز عن ذلك قال الزمخشري: ومن المجاز ضرب على يده إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه. ثم أعلم أنه تعالى إنما يصير المؤمن عرضة للبلاء لكرامته عليه لما في الابتلاء من تمحيص الذنوب ورفع الدرجات والحكيم لا يفعل شيئا إلا لغرض صحيح وحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل لإدراكها العاقلون
(خط) في ترجمة أبي القاسم الصفار (عن ابن عباس) وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي قال ابن حبان يضع ومطير الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة لين(2/385)
2101 - (إن المؤمن ينضي) بنون ساكنة وضاد معجمة مكسورة وفي رواية لينضي (شيطانه) أي يهزله ويجعله نضوا أي مهزولا لكثرة إذلاله له وجعله أسيرا تحت قهره وتصرفه ومن أعز سلطان الله أعزه الله وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور قلت ولم ذا؟ قال أذبتني بكتاب الله. وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة
(حم والحكيم) الترمذي (وابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (مكائد الشيطان) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي تبعا لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضا سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود(2/385)
2102 - (أن المؤمن إذا أصابه سقم) بضم فسكون وبفتحتين أي مرض (ثم أعفاه الله عنه) أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول (كان) مرضه (كفارة لما مضى من ذنوبه) فيه شمول للكبائر والصغائر (وموعظة له فيما [ص:386] يستقبل) لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيها على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق (1) المذكور في قوله (وإن المنافق) الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (إذا مرض ثم أعفي) من مرضه (كان كالبعير عقله أهله) أي أصحابه (ثم أرسلوه) أي أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم عقلوه) أي لأي شيء فعلوا به ذلك (ولم يدر لم أرسلوه) أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر حسرة الموت فلذا شبهه بالبعير المرسل بعد القيد في كونه لا يدري فيم قيد وفيم أرسل فحقه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ذنوبه فإذا عوفي لم يعد فلما لم يتنبه جعل كالبهيمة {أولئك كالأنعام بل هم أضل} ثم إن للحديث عند مخرجه أبي داود تتمة وهي: فقال رجل ممن حوله يا رسول الله وما الأسقام والله ما مرضت قط قال قم عنا فلست منا
(د) في الجنائز (عن عامر الرام) أخي الخضر قال محمد بن سلمة قال إني لببلادنا إذ رفعت لنا رايات وألوية فقلنا ما هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا وهو جالس تحت شجرة قد بسط له كساء وقد اجتمع إليه أصحابه فجلست إليهم فذكر الأسقام فقال إن المؤمن إلخ وفيه زيادة ذكره البغوي في الدعوات في المصابيح قال المنذري في إسناده راو لم يسم
_________
(1) أي النفاق في الحقيقة ويحتمل أن المراد العملي(2/385)
2103 - (إن المؤمن) في رواية المسلم (لا ينجس) زاد الحاكم حيا ولا ميتا (1) أما الحي فإجماعا قال الفاكهي حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها وأما الميت فعلي الصحيح عند الشافعية والمالكية انتهى وذكر المؤمن وصف طردي فالكافر كذلك خلافا لنعمان والمراد بنجاسة المشركين في الآية نجاسة الاعتقاد أو تجنبهم كالنجس ومفهوم الخبر متروك لمانع (2)
<تنبيه> قال القاضي يمكن أن يحتج بالحديث على من قال الحدث نجاسة حكمية وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما
(ق 4 عن أبي هريرة) قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى بعد فانسللت أي مضيت بتمهل فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت قلت لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك فذكره ولفظ رواية مسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وفيه حل مصافحة الجنب ومخالطته وطهارة عرقه وجواز تأخيره للغسل وأن يسعى في حوائجه. (حم د ن هـ عن حذيفة) بن اليمان (ن عن ابن مسعود طب عن أبي موسى) الأشعري واللفظ للبخاري
_________
(1) فيه رد على من قال إنه ينجس بالموت
(2) وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى {إنما المشركون نجس} وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة كما يجتنب النجس وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي ليس نجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء(2/386)
2104 - (إن المؤمن يجاهد بسيفه) الكفار (ولسانه) الكفار وغيرهم من الملحدين والفرق الزائغة بإقامة الحجة ونصب [ص:387] البراهين وغير ذلك أو أراد بالجهاد باللسان هجو الكفر وأهله وهذا إلى ظاهر الأخبار أقرب ومقصود الحديث أن المؤمن شأنه ذلك فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء الله بالسنان بل يضم إليه الجهاد باللسان
(حم طب عن كعب بن مالك) قال لما نزلت {والشعراء يتبعهم الغاوون} أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما ترى في الشعر فذكره قال الهيثمي رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح(2/386)
2105 - (إن المؤمنين يشدد) بضم أوله (عليهم) لفظ رواية الحاكم إن المؤمن يشدد عليه (لأنه لا يصيب المؤمن نكبة) بنون وكاف موحدة (من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة) في الجنة (وحط عنه) أي محى عنه بسببه (خطيئة) من خطاياه وسبق أنه لا مانع من كون الشيء الواحد رافعا وحاطا ومر أن النكبة ما يصيب الإنسان من المصائب والشوكة معروفة
(ابن سعد) في الطبقات (ك) في الجنائز (هب) كلهم (عن عائشة) قالت طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع فجعل يتقلب على فراشه فقلت يا رسول الله لو صنع هذا بعضنا لخشي أن تجد عليه فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(2/387)
2106 - (إن المتحابين في الله) يكونون (في ظل العرش) يوم القيامة زاد الحاكم في روايته يوم لا ظل إلا ظله ومعلوم أن الكلام في المؤمنين
(طب عن معاذ) بن جبل ورواه الحاكم أيضا وقال على شرطهما وقال العراقي وهو عند الترمذي عن معاذ بلفظ آخر(2/387)
2107 - (إن المتشدقين) بمثناة فوقية وشين معجمة أي المتوسعين في الكلام من غير احتياط وتحرز أو الذين يلوون أشداقهم به (في النار) أي سيكونون يوم القيامة في نار جهنم جزاء لهم بتفحصهم على ربهم وازدرائهم بخلقه أي أنهم يستحقون دخولها وقد يدركهم العفو
(طب عن آبى أمامة) قال الهيثمي فيه عفير بن معدان ضعيف(2/387)
2108 - (إن المجالس) أي أهلها (ثلاثة) أي ثلاثة أنواع (سالم وغانم وشاجب) بمعجمة وجيم أي هالك يقال شجب يشجب إذا هلك يعني إما سالم من الإثم وإما غانم للأجر وإما هالك آثم ذكره الزمخشري وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تتمته كما في الميزان واللسان وغيرهما فالغانم الذاكر والسالم الساكت والشاجب الذي يشغب بين الناس
(حم ع حب عن أبي سعيد) الخدري(2/387)
2109 - (إن) النساء (المختلعات) أي اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع ويبذلن لأجله المال بلا عذر (والمتنزعات) أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق يقال نزع الشيء من يده جذبه ويحتمل أن المراد النساء اللاتي يأبين التزوج من قومهن ويؤثرن عليهن الأجانب. قال الزمخشري: من المجاز نساء نزائع تزوجن في غير عشائرهن وعنده نزيع ونزيعة نجيب ونجيبة من غير بلادة اه (هن المنافقات) أطلق عليهن اسم النفاق لمزيد الزجر والتهويل والتحذير من الوقوع في ذلك فيكره للمرأة الخلع إلا لعذر كالشقاق وكراهتها للزوج لقبح خلق أو خلق دنيوي أو ديني أو [ص:388] خوف تقصيرها في بعض حقه أو قصدها سفرا أو نحو ذلك
(طب عن عقبة بن عامر) الجهني وفيه قيس بن الربيع وثقه النووي وضعفه شعبة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي(2/387)
2110 - (إن المرء كثير بأخيه وابن عمه) أي يتقوى بنصرتهما ويعتضد بمعونتهما فهو وإن كان قليلا في نفسه بانفراد فإنه يكثر بأخيه وابن عمه إذا ظاهراه على الأمر وساعداه عليه فكأنه كان قليلا حين انفراده كثيرا باجتماعه معهما وسيأتي لهذا مزيد بيان
(ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب المشهور بالجود الخارق للأجانب والأقارب(2/388)
2111 - (إن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول أي خلقها الله (من ضلع) بكسر ففتح واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى (لن تستقيم لك) أيها الرجل (على طريقة) واحدة (فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج) (1) ليس منه بد (وإن ذهبت تقيمها) أي قصدت أن تسوي اعوجاجها وأخذت في الشروع في ذلك (كسرتها) قال في المصباح ذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقته وذهب في الدين مذهبا رأى فيه رأيا قال الزمخشري: ومن المجاز ذهب فلان مذهبا حسنا وفلان يذهب إلى قول الحنفية أي يأخذ به ثم فسر كسرها بقوله (وكسرها) هو (طلاقها) إشعارا باستحالة تقويمها أي إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها وهذا حث على الرفق بالنساء والصبر على عوجهن وتحمل ضعف عقولهن وأنه لا مطمع في استقامتهن وفيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه على عوجه وإلى ذلك يشير قوله سبحانه وتعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فلا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو بترك الواجب بل المراد تركها على عوجها في الأمور المباحة فقط وفيه ندب المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر عليهن وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها <تنبيه> قال ابن عربي: لما خلق الله جسم آدم ولم يكن فيه شهوة نكاح وقد سبق في علم الحق إيجاد التناسل في هذه الدار لبقاء النوع استخرج من ضلعه القصير حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل {وللرجال عليهن درجة} فلا تلحق بهم أبدا وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو على ولدها وزوجها فحنو الرجل عليها حنوه على نفسه لأنها جزؤه وحنوها عليه لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعمر الله المحل من آدم الذي خرجت منه الشهوة إليها لئلا يبقى في الوجود خلاه فلما عمره بالهوى فلذلك حن إليها حنينه على نفسه لأنها جزء منه فحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه فحبها حب وطنها وحبه حب نفسه فلذلك ظهر حب الرجل لها لكونها عينه وأعطيت القوة المعبر عنها بالحياء في محبة الرجل فقويت على الإخفاء وصور في ذلك الضلع جميع ما صور في جسم آدم ونفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة محلا للحرث لوجود الإنبات فسكن إليها وسكنت إليه فكانت لباسا له وكان لباسا لها {فتبارك الله أحسن الخالقين}
(م) في النكاح (ت) كلاهما (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) وبها عوج: ضبط بالفتح وبالكسر وهو أرجح قال شيخنا قال أهل اللغة العوج بالفتح في الأجسام المرئية وبالكسر في المعاني غير المرئية كالرأي والكلام(2/388)
2112 - (إن المرأة خلقت من ضلع) بفتح اللام وقد تسكن (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) فإن ترد إقامة [ص:389] المرأة تكسرها وكسرها طلاقها (فدارها تعش بها) أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة
(حم حب ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه(2/388)
2113 - (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة فنسبتها للشيطان لكون الشهوة من جسده وأسبابه والعقل من جند الملائكة والكل جند الله والعقل حزب الله {ألا إن حزب الله هم المفلحون} فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي: جعل صورة الشيطان ظرفا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر (وتدبر في صورة شيطان) لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضا بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فسادا لحصول المواجهة به (فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته) أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه (فليأت أهله) أي فليجامع حليلته (فإن ذلك) أي جماعها (يرد ما في نفسه) بمثناة تحتية أي يعكسه ويغلبه ويقهره وقال في النهاية: وروي بموحدة من البر وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينا لها وجمعا لقلبه ودفعا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب رضي الله تعالى عنها فقضى حاجته منها وخرج فذكره قال ابن العربي: هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سرا لم يعلمه إلا الله تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما وقد كان آدميا وذا شهوة لكنه كان معصوما عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة قال ابن العربي: وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين
(حم م) كلهم في النكاح (عن جابر) ورواه عنه النسائي ولم يخرجه البخاري(2/389)
2114 - (إن المرأة تنكح لدينها) أي صلاحها (ومالها وجمالها فعليك بذات الدين) ولا تلتفت لدينك في جنبه لأنه الأهم الواجب التقديم (تربت يداك) أي افتقرتا إن لم تفعل قال الزمخشري: من المجاز تربت يداك أي خابت وخسرت انتهى قالوا وهذه الكلمات التي جاءت عن العرب صورتها دعاء ولا يراد بها الدعاء بل الحث والتحريض وأخذ منه المالكية أن المرأة تجبر على أن تجهز بقدر صداقها وزعموا أن عليا رضي الله تعالى عنه قضى بذلك
(حم م ت ن عن جابر) قال تزوجت امرأة ثيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك قلت إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال فذاك إذن ثم ذكره(2/389)
2115 - (إن المسألة) أي الطلب من الناس أن يعطوه من أموالهم شيئا [ص:390] (لا تحل) حلا مستوي الطرفين وقد تجب (إلا لأحد ثلاثة لذي دم موجع) اسم فاعل من أوجع يعني ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل (أو لذي غرم مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة مكسورة وعين مهملة: شديد شنيع والمراد به ما استدانه لنفسه وعياله (أو لذي فقر مدقع) بالقاف أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر وقيل هو سوء احتمال الفقر وهذا قاله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأخذ أعرابي بطرف رداءه فسأله إياه فأعطاه ثم ذكره قال النووي: اتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة وفي سؤال القادر على الكسب وجهان أصحهما يحرم والثاني يجوز بكراهة بشرط أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل السؤال ولا يؤذي فإن فقد شرط منها حرم
(حم 4 عن أنس) قال المناوي وغيره: فيه الأخضر بن عجلان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم يكتب حديثه(2/389)
2116 - (إن المسجد لا يحل) المكث فيه (لجنب ولا حائض) ومثلهما النفساء فيحرم مكث كل منهم فيه عند الأئمة الأربعة ويباح عبوره وهو حجة على المزني وداود وابن المنذر في زعمهم جوازه مطلقا أو بشرط الوضوء على الخلاف بينهم
(هـ عن أم سلمة) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلا صوته فذكره(2/390)
2117 - (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم) في مرضه أي زاره فيه وتعهد حاله (لم يزل في مخرقة (1) الجنة) أي بساتينها الزهية وروضاتها البهية شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر قال شمر: المخرقة سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء والخريف بفتح فكسر البستان من نخل (حتى يرجع) أي حتى يذهب إلى العيادة ثم يعود إلى محله وفيه إيذان بأنه كل ما كان محل المريض أبعد كانت العيادة أكثر ثوابا لكن ما يوهمه من فضل طول المكث عند المريض غير مراد كما بينته أخبار الأمر بالتخفيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم وغيره قيل يا رسول الله وما مخرقة الجنة قال جناها
(حم م) في الأدب (ت) في الجنائز (عن ثوبان) ولم يخرجه البخاري ولا خرج في صحيحه عن ثوبان
_________
(1) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وقيل المخرقة الطريق أي أنه على طريق يؤديه إلى طرق الجنة(2/390)
2118 - (إن المظلومين) في الدنيا (هم المفلحون) أي الفائزون (يوم القيامة) بالأجر الجزيل والنجاة من النار ورفع الدرجات في دار الاختيار والانتقام لهم ممن ظلمهم والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغضب) له (ورسته) بضم الراء بضبط المصنف (في) كتاب (الإيمان) له كلاهما (عن أبي صالح) عبد الرحمن بن قيس تابعي جليل (الحنفي) بفتح الحاء والنون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار ينسب إليها خلق كثير (مرسلا)(2/390)
2119 - (إن المعروف) قال في المصباح وهو الخير والرفق والإحسان (لا يصلح إلا لذي دين) بكسر الدال أي لصاحب قدم [ص:391] راسخ في الإسلام (أو لذي حسب) بفتحتين أي لصاحب مآثر حميدة ومناقب شريفة (أو لذي حلم) بكسر فسكون أي صاحب تثبت واحتمال وغفر وأناة والظاهر أن مقصود الحديث أن المعروف لا يصدر إلا ممن اتصف بهذه الأوصاف أو ببعضها ويحتمل أن المراد لا يليق فعله إلا مع من اتصف بذلك بخلاف نحو فاسق ودنيء ولئيم وأحمق
(طب وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الجنابري وهو متروك انتهى فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه واستيعاب مخرجه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة إذ منهم البيهقي رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال في إسناده من يجهل(2/390)
2120 - (إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة) يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة تلزمه مؤونته شرعا فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتحملها على قدر طاقته وقام بحقها وعاين من فنون الدنيا ما أمر به لأجلها أمده الله بمعونته ورزقه من حيث لا يحتسب بقدرها وعماد ذلك طلب المعونة من الله تعالى بصدق إخلاص فهو حينئذ مجاب فيما طلب من المعونة فمن كانت عليه مؤونة شيء فاستعان الله عليها جاءته المعونة على قدر المؤونة فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبدا وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول الله وقوته وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال (1) (وإن الصبر يأتي من الله) للعبد المصاب (على قدر المصيبة) فإن عظمت المصيبة أفرغ الله عليه صبرا كثيرا لئلا يهلك جزعا وإن خفت خفف بقدرها. أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما والمعونة كما في الصحاح وغيره الإعانة وفي المصباح كغيره العون الظهر والاسم المعونة والمعانة أيضا بالفتح ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية وقيل هي فعولة وقال الزمخشري: تقول أي العرب إذا قلت المعونة كثرت المؤونة وفي الصحاح المؤونة تهمز ولا تهمز ومانت القوم احتملت مؤونتهم وفي المصباح المؤونة الثقل وفيها لغات والمراد أن من احتاج إلى مؤونة كثيرة لكثرة عياله يفاض عليه من المعونة ما يقوم بهم ومن قلت عياله اقتصر عليه بقدر حاجياتهم
(الحكيم) الترمذي في النوادر (والبزار) في المسند (والحاكم في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب) كلهم (عن أبي هريرة) قال الهيثمي: وفيه طارق بن عمار قال البخاري لا يتابع على حديثه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك قال والحديث غريب
_________
(1) أي فلا يخشى الإنسان الفقر من كثرة العيال فإن الله يعينه على مؤونتهم بل يندب له أن يعمل على ما فيه تكثيرهم اعتمادا على الله(2/391)
2121 - (إن المقسطين) أي العادلين يقال قسط أي جار وهو أن يأخذ قسط غيره أي نصيبه وأقسط إذا عدل والهمزة للسلب (عند الله) عندية تعظيم وتكريم لا عندية مكان تعالى الله عما يقول الظالمون (يوم القيامة) يوم ظهور الجزاء ومحل التجلي (على منابر) جمع منبر سمي منبرا لارتفاعه (من نور) من أجسام نورانية حقيقة أو هو كناية عن الدرجات العلية الرفيعة (عن يمين الرحمن) شبههم في دنوهم من الله وعلو منزلتهم بمن يجلس على الكراسي عن يمين [ص:392] الملك فإنه يكون أعظم الناس قدرا وأرفعهم منزلة ثم نزهه سبحانه عما يسبق إلى فهم من لم يقدر الله حق قدره من مقابلة اليمين باليسار وكشف عن حقيقة المراد بقوله (وكلتا يديه يمين) أي ليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال وتثنية اليدين للاستيعاب كقوله {ثم ارجع البصر كرتين} لبيك وسعديك والخير كله بيديك. وقال القاضي: إنما قال وكلتا يديه يمين دفعا لتوهم من يتوهم أن له يمينا من جنس أيماننا التي يقابلها يسار وأن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من الله فاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلى محل من مجلس السلطان بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء (الذين يعدلون) صفة كاشفة للمقسطين أو صفة مادحة أو بدل منه أو استئناف كأنه قيل من هؤلاء الذين فازوا بالقدح المعلى قيل الذين يعدلون (في حكمهم) أي فيما قلدوا من خلافة أو إمارة أو قضاء (وأهلهم) أي وفي القيام بالواجب لأهلهم من الحقوق على أي تفسير فسر الأهل من أزواج وأولاد وأرقاء وأقارب وأصحاب أو المجموع قال البعض: والعدل عبارة عن التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وذلك واجب الرعاية في كل شيء (وما ولوا) بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية كنظر على وقف أو يتيم أو صدقة وأصله وليوا فاعل وروي ولوا بشد اللام على بناء المجهول أي جعلوا والين عليه فقدم قوله في حكمهم ليشمل من بيده أزمة الشرع ثم أردفه بالأهل لتناول كل من في مؤونته أقارب أو عيال وختم بقوله وما ولوا ليستوعب كل من تولى شيئا من الأمور فيشمل نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر به <تنبيه> قال الطيبي: قوله عند الله خبر إن أي المقسطين مقربون عند الله وعلى منابر يجوز كونه خبرا بعد خبر وحالا من الضمير المستقر في الظرف ومن نور صفة مخصصة لبيان الحقيقة وفي عن يمين الرحمن صفة أخرى لمنابر ويجوز كونه حالا بعد حال على التداخل
(حم م) في المغازي (ن) في القضاء (عن ابن عمرو بن العاص) ولم يخرجه البخاري(2/391)
2122 - (إن المكثرين) مالا (هم المقلون) ثوابا وفي رواية إن الأكثرين هم الأقلون (يوم القيامة) وحذف تمييز المكثرين والمقلين ليعم هذا المقدر وغيره مما يناسب المقام وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصدق كما دل عليه بقوله (إلا من أعطاه الله خيرا) أي مالا حلالا لقوله تعالى {إن ترك خيرا} (فنفح) بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بلا تكلف (فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) يعني ضرب يديه بالعطاء لفقر الجهات الأربع ولم يذكر ما بقي من الجهات وهو فوق وتحت لندرة الإعطاء من قبلهما وإن كان ممكنا وفسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل القصد الصحيح الإخفاء (وعمل فيه خيرا) أي حسنة بأن صرفه في وجوه البر وضروب القربات وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول المال والثاني القربة فمن وفق لذلك هو الذي يرجى له الفلاح والنجاح وأما من أعطى مالا ولم يلهم فيه ذلك فهو من الهالكين وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته وقليل ما هم
(ق عن أبي ذر) الغفاري(2/392)
2123 - (إن الملائكة) يحتمل أن المراد الكل ويحتمل من في الأرض منهم (لتضع أجنحتها) جمع جناح بالفتح وهو للطائر بمنزلة اليد للإنسان (1) قال الزمخشري: ومن المجاز خفض له جناحه (لطالب العلم) الشرعي للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه الله تعالى (رضى بما يطلب) وفي رواية بما يصنع ووضع أجنحتها عبارة عن حضورها مجلسه [ص:393] أو توقيره وتعظيمه. أو إعانته على بلوغ مقاصده أو قيامهم في كيد أعدائه وكفايته شرهم أو عن تواضعها ودعائها له يقال للرجل المتواضع خافض الجناح قال السيد السمهودي: والأقرب كونه بمعنى ما ينظم هذه المعاني كلها كما يرشد إليه الجمع بين ألفاظ الروايات وذلك لأنه سبحانه وتعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام لما أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة فسألته على جهة الاستعظام لخلقه أن خلقا يكون منهم الفساد وسفك الدماء كيف يكون خليفة فقال {إني أعلم ما لا تعلمون} وقال لآدم عليه السلام {أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم} تصاغرت الملائكة فرأت فضل آدم فألزمها الخضوع والسجود لفضل العلم فسجدت فتأدبت فكلما ظهر علم في بشر خضعت له وتواضعت إعظاما للعلم وأهله هذا في طلابه فكيف بأخباره
<فائدة> روى النووي في بستانه بإسناده عن زكريا الساجي كنا نمشي في أزقة البصرة إلى بعض المحدثين فأسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها - كالمستهزئ - فما زال عن موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين أو كرأي العين لأن رواتها أعلام وراويها إمام ثم قال النووي بالإسناد إلى الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن أبي داود قال كان في أصحاب الحديث خليع سمع بحديث إن الملائكة تضع أجنحتها إلخ فجعل في نعله ورجله مسامير حديد وقال: أريد أطؤ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله قال: وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي في شرح مسلم هذه الحكاية وقال فيها فشلت يداه ورجلاه وسائر أعضائه
(الطيالسي) أبو داود (عن صفوان بن عسال) بمهملتين مشدد: المرادي نزيل الكوفة روى عنه ابن مسعود مع جلالته وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لغير الطيالسي ممن هو أشهر وأحق بالعزو وهو تقصير أو قصور بل الصديق الثاني للإمام أحمد الشيباني وابن حبان والحاكم
_________
(1) لكن لا يلزم أن تكون أجنحة الملائكة كأجنحة الطائر(2/392)
2124 - (إن الملائكة لتصافح) أي بأيديها أيدي (ركاب) جمع راكب (الحجاج) حجا مبرورا وسبق أن المصافحة إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال بالوجه على الوجه (وتعتنق) أي تضم وتلتزم (المشاة) منهم مع وضع الأيدي على العنق والظاهر أن هذا كناية عن مزيد ابتهالهم لهم في الاستغفار والدعاء وأنهم للمشاة أكثر استغفارا ودعاء ولا مانع من كونه حقيقة ولا يقدح فيه عدم مشاهدتنا لأن الملائكة أنوار هفافة وفيه إيذان بأن الحج ماشيا أفضل وبه قال جمع وفضل آخرون الركوب ومقصود الحديث الترغيب في الحج والازدياد منه وهل مثل الحاج المعتمر؟ فيه تأمل
(هب عن عائشة) قضية صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا إسناد فيه ضعف هذه عبارته فحذفه لذلك من كلامه من سوء التصرف وسبب ضعفه أن فيه محمد بن يونس فإن كان الجمال فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي وإن كان المحاربي فمتروك الحديث كما قال الأزدي وإن كان القرشي فوضاع كذاب كما قال ابن حبان(2/393)
2125 - (إن الملائكة لتفرح) أي تسر وترضى من الفرح وهو لذة القلب بنيل مراده (بذهاب الشتاء) أي بانقضاء فصل الشتاء (رحمة) منهم (لما يدخل على فقراء المسلمين) وفي رواية رحمة للمساكين وفي رواية لما يدخل على فقراء أمتي (فيه من الشدة) أي من شدة مقاساة البرد لفقدهم ما يتقون به ولما يلحقهم من مشقة التطهر بالماء البارد فيه ولذلك قال الزمخشري عن بعض التابعين وضوء المؤمن في الشتاء يعدل عبادة الرهبان كلها وعن بعضهم البرد عدو الدين وتقول العرب الشتاء ذكر والصيف أنثى لقسوة الشتاء وشدة غلظته ولين الصيف وسهولة شكيمته قال الزمخشري: وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس والصيف وإن تلظى قيظه وحمى صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء لما يلقونه فيه من الترح والبؤس ولهذا قيل لبعضهم ما أعددت للبرد قال: [ص:394] طول الرعدة وفظاظة الشدة وقال الأصمعي رأيت أعرابيا قد حفر قربوصا وقعد فيه في أول الشتاء قلت ما صيرك كذلك قال شدة البرد ثم قال:
يا رب هذا البرد أصبح كالحا. . . وأنت بصير عالم ما نعلم
لئن كنت يوما في جهنم مدخلي. . . ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
وقال بعضهم:
شتاء تقلص الأشداق منه. . . وبرد يجعل الولدان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها. . . فما يمشي بها إلا الدبيبا
وقال أبو عوانة: الشتاء في أوله أضر منه في آخره قال علي كرم الله وجهه توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فإنه يفعل بالأبدان كفعله في الأشجار أوله يحرق وآخره يورق وأخرج المقريزي بسنده عن ابن عمر يرفعه خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم وأخرج أيضا عن قتادة لم ينزل عذاب قط من السماء على قوم إلا عند انسلاخ الشتاء وعن عمر بن العلاء إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الضعفاء. دخل أعرابي خرسان فلقيه الشتاء فأقام بسمرقند فلما طاب الزمان عاد إلى البصرة فسأله أميرها عن خراسان فقال جنة في الصيف جهنم في الشتاء فقال: صف لي الشتاء بها قال: تهب الرياح وتضجر الأرواح وتدوم الغيوم وتسقط الثلوج ويقل الخروج وتفور الأنهار وتجف الأشجار والشمس مريضة والعين غضيضة والوجوه عابسة والأغصان ناعسة والمياه جامدة والأرض هامدة وأهلها يفرشون اللبود ويلبسون الجلود نيرانهم تنور ومراجلهم تفور لحاهم صفر من الدخان وثيابهم سود من النيران فالمواشي من البرد كالفراش المبثوث والجبال من الثلج كالعهن المنفوش فأما من كثرت نيرانه وخفت ميزانه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية فقال الأمير: ما تركت عذابا في الآخرة إلا وصفته لنا في الدنيا. وقال كعب الأحبار: أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام أن تأهب للعدو وقد أضلك قال يا رب ومن عدوي وليس يحضرني قال الشتاء. وعن الأصمعي كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم: القيظ أم القر؟ فقالت يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى. ثم إن هذا الحديث لا يعارضه خبر الديلمي عن أنس إن الملائكة لتفرح للمتعبدين في أيام الشتاء نهار قصير للصائم وليل طويل للقائم. اه. لأن جهة الفرح والترح مختلفة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي في رجاله معلى بن ميمون متروك وفي الميزان معلى بن ميمون ضعيف الحديث قال النسائي والدارقطني متروك وأبو حاتم ضعيف الحديث وابن عدي أحاديثه مناكير ثم ساق منها هذا الحديث وفيه أيضا في ترجمة سعيد بن دهيم إنه خبر منكر وفي اللسان عن العقيلي غير محفوظ قال ولا يصح في متنه شيء(2/393)
2126 - (إن الملائكة) أي ملائكة الرحمة والبركة أو الطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر ونحوهم لا الكتبة فإنهم لا يفارقون المكلف طرفة عين وكذا ملائكة الموت لا تدخل بيتا يعني مكانا بينا أو غيره فيه تماثيل جمع تمثال وهي الصورة المصورة كما في الصحاح وغيره فالعطف للتفسير في قوله (أو صورة) أي صورة حيران تام الخلقة لحرمة التصوير ومشابهته بيت الأصنام وذلك لأن المصور يجعل نفسه شريكا لله في التصوير وهذا يفيد تحريم اتخاذ ذلك وتشديد النكير في شأنه وقد ورد في النهي أحاديث كثيرة
(حم ت حب عن أبي سعيد) الخدري(2/394)
2127 - (إن الملائكة لا تدخل بيتا) يعني محلا (فيه كلب) لنجاسته فأشبه المبرز وهم منزهون عن محل الأقذار إذ هم أشرف خلق الله وهم المكرمون المتمكنون في أعلى مراتب الطهارة ويبنهما تضاد ما بين النور والظلمة ومن سوى نفسه بالكلاب فحقيق أن تنفر منه الملائكة وتعليلهم بذلك يعرفك أنه لا اتجاه لزعم البعض أنه خاص بكلب يحرم [ص:395] اقتناؤه بخلاف كلب نحو صيد أو زرع والكلب في الأصل اسم لكل سبع عقور ومنه خبر أما يخاف أن يأكله كلب الله فجاء الأسد فاقتلع هامته ثم غلب على هذا النوع النابح (ولا صورة) لأن الصورة فيها منازعة لله تعالى وهو الخالق المصور وحده فعدم دخولهم مكانا هما فيه لأجل عصيان أهله <تنبيه> قال الغزالي: القلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط آثارهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأين تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب قال: ولست أقول المراد بلفظ البيت القلب وبالكلب الغضب والصفات المذمومة بل أقول هو تنبيه عليه ودخول من الظواهر إلى البواطن مع تقرير الظواهر فبهذه الدقيقة فارق الباطنية فإن هذا طريق الاعتبار ومسلك الأئمة الأبرار ومعنى الاعتبار أن تعبر مما ذكر إلى غيره فلا تقتصر عليه أي ما ذكر قال ولا تظن أن هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في دفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله {اخلع نعليك} وحاش لله فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين ولم يفهموا وجهه كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ولذلك ورد للقرآن ظاهر وباطن وحد ومفطع بل أقول فهم موسى عليه السلام من الأمر بخلع النعلين إطراح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا لخلع نعليه وباطنا بطرح العالمين فهذا هو الاعتبار أي العبور من الشيء إلى غيره ومن الظاهر إلى السر وفرق بين من يسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب فيقتنى الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول الكلب ليس كلبا لصورته بل لمعناه وهو السبعية والضراوة وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية أولى فأنا أجمع بين الظاهر والسر فهذا هو الكمال وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه انتهى كلام الغزالي وذكر الدخول والبيت غالبي وهذا اللفظ عام لكن خص بما هو غير منبوذ يوطأ ويداس فإن الرخصة وردت فيه
(هـ عن علي) أمير المءمنين رضي الله تعالى عنه وهو بمعناه في مسلم من حديث ابن عباس(2/394)
2128 - (إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر) الإنسان (بخير) (1) فعل معه فجحده (ولا المتمضخ) أي الإنسان المتلطخ (بالزعفران) لحرمة ذلك على الرجل لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء وقرن بالكافر لاتباعه هواه ومخالفته (ولا الجنب) الذي اعتاد ترك الغسل تهاونا به حتى يمر عليه وقت صلاة ولم يغتسل لاستخفافه بالشرع ومن امتنع عن عبادة ربه وتقاعد عنها فهو ملحق بمن عبد غير الله تغليظ لأن الخلق إنما خلقوا لعبادته فليس المراد أي جنب كان [ص:396] لما ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبا ويطوف على نسائه بغسل واحد وزعم أن المراد بالجنب من زنا: بعيد من السياق وتقييد للإطلاق بلا دليل. قال القاضي: والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر
(حم د عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة مكسورة (2)
_________
(1) قوله بخير أي ببشر بل يوعدونه بالعذاب الشديد والهوان الوبيل ويحتمل أن الباء في قوله بخير ظرفية بمعنى في كقوله تعالى {نجيناهم بسحر} أي في سحر أي لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حضور شر ونزول بؤس به وقال المناوي لا تحضر جنازة الكافر بخير فعل معه فستره وأنكره وقيل الذي لا تحضره الملائكة هو الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءا كاملا وقيل هو الذي يتهاون في غسل الجنابة فيمكث من الجمعة إلى الجمعة لا يغتسل إلا للجمعة ويحتمل أن يراد الجنب الذي لم يستعذ بالله من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة للهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن لم يقله يحضره الشيطان ومن حضرته الشيطان تباعدت عنه الملائكة
(2) قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي أي من كثرة العمل فخلقوني بزعفران فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت فلم يرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه درع - بالدال والعين المهملتين - أي لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كل الغسل فسلمت عليه فرد علي ولم يرحب بي وقال اذهب فاغسل هذا عنك فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وقال إن الملائكة: فذكره(2/395)
2129 - (إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم) أي تستغفر له (ما دامت مائدته موضوعة) أي مدة دوام وضعها للأضياف ونحوهم والمائدة ما يمد ويبسط عليه الطعام كمنديل وثوب وسفرة قال القاضي: المائدة الخوان إذا كان عليه طعام من ماد الماء يميد إذا تحرك أو ماده إذا أعطاه كأنه يميد من يقدم عليه ونظيره شجرة مطعمة انتهى وظاهر الخبر أن الأكل على المائدة محبوب لا مرهوب وكأني بك تقول يشكل بقولهم لم يأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم على خوان فنقول كلا لا إشكال إذ المائدة ما يمد للأكل عليه كما تقرر وأما الخوان فهو المرتفع من الأرض بقوائمه والسفرة ما أسفر عما في جوفه لأنها مضمونة بمعاليقها ثم إن سؤال الملائكة ربهم أن يغفر لعبده من الأسباب الموجبة للمغفرة له فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يشاء بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وإذ أشكل عليك فانظر إلى الأسباب الموجبة لمحبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب والكل منه وإليه وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد وفيه حث على الجود وكثرة الإطعام
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عائشة) ورواه عنه أيضا الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن عائشة فاقتصار المؤلف على الحكيم غير مرضي وجزم الحافظ العراقي كالمنذري بضعفه وقال البيهقي في الشعب بعد ما خرجه تفرد به بندار بن علي(2/396)
2130 - (إن الملائكة صلت على آدم) أي بعد موته صلاة الجنازة (فكبرت عليه أربعا) من التكبيرات وهذا يوضحه ما رواه الحاكم عن رفعة لما أحضر آدم قال لبنيه انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة وقالوا ارجعوا فقد كفيتم فرجعوا معهم فلما رأتهم حواء ذعرت وجعلت تدنو إلى آدم عليه الصلاة والسلام وتلتصق به فقال إليك عني فمن قبلك أتيت خلي بيني وبين ملائكة ربي فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فافعلوا وفيه أن صلاة الجنازة ليست من خصائصنا لكن حمله بعضهم على الأصل لا الكيفية
(الشيرازي) في الألقاب (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الخطيب باللفظ المذكور ورواه الطبراني بلفظ إن الملائكة غسلت آدم عليه الصلاة والسلام وكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم ورواه الدارقطني عن أبي بن كعب بلفظ إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم. قال الفرياني: وفيه داود بن المحبر وضاع عن رحمة بن مصعب قال ابن معين ليس بشيء وله طريق أخرى فيها خارجة(2/396)
2131 - (إن الموت فزع) بفتح الزاي قال البيضاوي: مصدر وصف به للمبالغة أو تقديره ذو فزع أي خوف قال [ص:397] ويؤيد الثاني رواية إن للموت فزعا أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس قال وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلل الأمل من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) ندبا لتهويل الموت قال القاضي: الباعث على القيام أحد أمرين إما ترجيب الميت وتعظيمه وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتا استشعارا منه ورعبا ويشهد للثاني قوله فإذا رأيتم إلخ لأن ترتب الحكم على الوصف سيما إذا كان بالغا يدل على أن الوصف علة للحكم انتهى وفي رواية إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قام لجنازة فقالوا: يا رسول الله يهودي قال أليس نفسا قال النووي في شرح مسلم ومشهور ومذهبنا أن القيام غير مستحب قالوا هو أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يقوم ثم تركه وبه أي بمذهب الشافعي قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يكره القعود حتى توضع وفي المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب
(حم م هـ) في الجنائز (عن جابر) قال مرت جنازة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه فقلنا يا رسول الله إنها يهودية فذكره ولم يخرجه البخاري بهذا اللفظ(2/396)
2132 - (إن الموتى ليعذبون) أي من يستحق العذاب منهم (في قبورهم) فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير (لتسمع أصواتهم) وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه الله: وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين وليس في آية {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله {لا يذوقون فيها} الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله {لا يذوقون فيها} الآية. وجوابه أن معنى قوله {لا يذوقون فيها الموت} أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح(2/397)
2133 - (إن الميت ليعذب ببكاء الحي) والمعنى هو البكاء المذموم بأن اقترن بنحو ندب أو نوح وكان متسببا عن وصيته (1) أو أراد بالميت المشرف على الموت والتعذيب أنه إذا احتضر والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت فيصير معذبا به قال العراقي: والأولى أن يقال سماع صوت البكاء هو نفس العذاب كما أنا نعذب ببكاء الأطفال فالحديث على ظاهره بغير تخصيص وصوبه الكرماني وقال في باقي الوجوه تكلف وقيل أراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يوصفه أهله به أو تألمه بما يقع من أهله قال بعض الأعاظم وبما تقرر عرف خطأ من حمد عندما سمع {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أو غلط رواة هذا الخبر وما هو على نحوه من صحاح الأخبار التي رواها الأعلام عن الأعلام إلى الفاروق وابنه وغيرهما قال ابن تيمية: وعائشة أم المؤمنين لها مثل هذا نظائر ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد واعتقادها بطلان معناه ولا يكون الأمر كذلك إلى هنا كلامه
(ق عن عمر) بن الخطاب لكنه في البخاري بعض حديث ولفظه " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ومسلم رواه مستقلا بهذا اللفظ فجعله في الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم سهو نشأ عن عدم تأمل ما في البخاري لكونه في ذيل حديث قال المصنف هذا متواتر
_________
(1) أي كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة بن العبد لزوجته: إذا مت فانعيني بما أنا أهله. . . وشقي علي الجيب يا أم معبد(2/397)
[ص:398] 2134 - (إن الميت) ولو أعمى (يعرف من يحمله) من محل موته إلى مغتسله (ومن يغسله) ومن يكفنه (ومن يدليه في قبره) ومن يلحده فيه وغير ذلك وإنما نبه بالمذكورات على ما سواها وذلك لأن الموت ليس بعدم محض والشعور باق حتى تمام الدفن حتى أنه يعرف زائره كما في عدة آثار بل في بعض الأخبار ونقل القرطبي عن ابن دينار أنه ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى بدنه كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به وكيف يقبر قال ويقال له على سريره اسمع ثناء الناس عليك ذكره أبو نعيم وحكى النووي في بستانه أن الفقيه محمدا النووي مات فقرأ له ختمة قرآن فرآه فقال له أنت في الجنة قال اليوم لا ندخلها بل نتنعم في غيرها أي وإنما ندخلها بعد الساعة فلا يدخلها اليوم إلا الأنبياء والشهداء قال فقلت له جاء أن الروح ترجع للبدن قبل سؤال منكر ونكير فهل رجوعها للبدن بعد الوضع في القبر أو قبله حال حمل الميت على النعش قال بعد الوضع في القبر فإن قلت هذا يناقضه خبر إن الروح إذا قبض صعد بها الملائكة حتى تجاوز السماوات السبع فتوقف بين يدي الله وتسجد له قلت لا تعارض لإمكان أن يصعد بها حتى يقضي الله فيها قضاءه ثم يهبط ليشهد غسله وحمله ودفنه وإنما يغلط أكثر الناس في هذا وأمثاله حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكانا لا يمكن أن تكون بغيره بل الروح لها اتصال بالبدن والقبر وجرمها في السماء كشعاع الشمس ساقط بالأرض وأصله متصل بالشمس <تنبيه> قال الغزالي: إنما يشاهد غسله ودفنه من كان على شريعتنا أما المشرك فلا يرى شيئا من ذلك لأنه قد هوى به وأخرج ابن أبي الدنيا عن امرأة أيوب بن عتبة قالت رأيت سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخي أيوب عني خيرا فإنه يزورني كثيرا وقد كان عندي اليوم فقال أيوب نعم حضرت اليوم جنازة فوهبت لقبره وأفتى الحافظ ابن حجر أن الميت يعلم من يزوره فإن الأرواح مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها في عليين أو سجين ومن يستبعد ذلك قياسه له على المشاهدة من أحوال الدنيا وأحوال البرزخ لا تقاس على ذلك
(حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي فيه رجل لم أجد من ترجمه اه وظاهر حاله أنه لم ير فيه ممن يحمل عليه إلا ذلك للمجهول وهو غير مقبول ففيه إسماعيل بن عمرو البجلي وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه عن فضيل بن مرزوق وقال أعني الذهبي وضعفه ابن معين عن عطية فإن كان العوفي فضعفوه أيضا وابن عارض فلا يعرف أو الطفاوي فضعفه الأزدي وغيره(2/398)
2135 - (إن الميت إذا دفن سمع حفق نعالهم) أي قعقعة نعالهم أي المشيعين له (إذا ولوا عنه منصرفين) في رواية مدبرين زاد أبو نعيم في روايته فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والصيام عن يمينه والزكاة عند يساره وفعل الخيرات عند رجليه انتهى قال ابن القيم: والحديث نص في أن الميت يسمع ويدرك وقد تواترت الأخبار عنهم بذلك وإذا كان يسمع قرع النعال فهو يسمع التلقين فيكون مطلوبا واتصال العمل به في سائر الأعصار والأمصار من غير إنكار كاف في طلبه وعورض بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} وأجيب بأن السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال فيه <تنبيه> أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعدا وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شيء به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر
(طب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال الهيثمي رجاله ثقات(2/398)
[ص:399] 2136 - (إن الناس) المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العافية (إذا رأوا الظالم) أي علموا بظلمه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول. قال ابن جرير: وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى {عليكم أنفسكم} فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل الله السلامة. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها
(د ت هـ) كلهم في الفتن (عن أبي بكر) الصديق قال أبو بكر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} الآية وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إلخ قال النووي رضي الله عنه في الأذكار والرياض أسانيده صحيحة رواه عنه أيضا النسائي في التفسير واللفظ لأبي داود
_________
(1) أي ومما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي(2/399)
2137 - (إن الناس دخلوا في دين الله) أي طاعته التي يستحقون بها الجزاء (أفواجا) جمع فوج وهو الجماعة من الناس وقيل زمرا أمة بعد أمة وقيل قبائل (وسيخرجون منه أفواجا) كما دخلوا فيه كذلك وهذا من جنس الخبر المار إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء
(حم) من حديث شداد بن أبي عمار قال: حدثني جار لجابر (عن جابر) قال: قدمت من سفر فجاءني جابر ليسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح(2/399)
2138 - (إن الناس لكم تبع (1)) أي تابعون فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو رجل عدل ذكره الطيبي وقال المظهر: لكم خطاب للصحب (وإن رجالا يأتونكم) عطف على إن الناس (من أقطار الأرض) أي جوانبها ونواحيها جمع قطر بالضم وهو الجانب والناحية (يتفقهون في الدين) جملة استئنافية لبيان على الإتيان أو حال من الضمير المرفوع في يأتوكم (فإذا أتوكم فاستوصوا بهم [ص:400] خيرا) أي اقبلوا وصيتي فيهم يعني الناس يأتوكم من أقطار الأرض وجوانبها يطلبون العلم منكم بعدي لأنكم أخذتم أفعالي وأقوالي واتبعتموني فيها فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا وأمروهم بالخير وعظوهم وعلموهم علوم الدين. والاستيصاء قبول الوصية وبمعنى التوصية أيضا وتعدى بالباء. قال البيضاوي: وحقيقة استوصوا اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم. وقال الطيبي: هذا من باب التجريد أي ليجرد كل واحد منكم شخصا من نفسه ويطلب منه الوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم والمراد حق على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها متابعتكم وحق عليهم أن يأتوكم جميعا ويأخذوا عنكم أمر دينهم فإذا لم يتمكنوا منه فعليهم أن يستنفروا رجالا يأتوكم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فالتعريف في الناس لاستغراق الجنس والتنكير في رجالا للنوع أي رجالا صفت نياتهم وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم وإرشاد الخلق وفي تصدير الجملة الشرطية بإذا التحقيقية تحقيق للوعد وإظهار للإخبار عن الغيب ولهذا قال العلائي: ذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد حفظ الله بذلك الدين وكان بعض الصحب إذا أتاه طالب قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون الطالب عنده أعز الناس عليه وأقرب من أهله إليه ولذلك كان علماء السلف يلقون شبك الإجتهاد لصيد طالب ينفع الناس في حياتهم وبعدهم وأن يتواضع مع طلبته ويرحب بهم عند إقبالهم عليه ويكرمهم ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم ويعاملهم بطلاقة وجه وظهور بشر وحسن ود ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ومن ظهرت أهليته من ذوي البيوت ونحوهم (2)
(ت هـ عن أبي سعيد) الخدري قال ابن القطان ضعيف فيه أبو هارون العبدي كذاب قال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون العبدي وقال الذهبي تابعي ضعيف وقال مغلطاي: ورد من طريق غير طريق الترمذي حسن بل صحيح انتهى وبذلك يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره هذا الطريق المعلول واقتصاره عليه
_________
(1) وأوله كما في الترمذي عت هارون قال كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الناس إلخ
(2) فائدة: روى البيهقي في الشعب والبخاري في التاريخ عن أيوب بن المتوكل قال: كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئا أراه أنه استفاد منه وإذا افاد غنسانا شيئا لم يره أنه أفاده وثيت ايضا عن الشافعي كان يقول: وددت أن يؤخذ هذا العلم عني ولا ينسب إلي
تنبيه: هذه الحاشية موجودة في أصل الكتاب (ص 400) ولم يذكر هناك رقمها ضمن الشرح فأبقينا الحاشية وجعلنا رقمها (2) في أنسب مكان وجدناه ملائما لهذه الفائدة ضمن شرح المناوي والله أعلم بالصواب. دار الحديث(2/399)
2139 - (إن الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات) أي على حسب غدوهم إليها والرواح يكون بمعنى الغدو كما هنا وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في آية {غدوها شهر ورواحها شهر} أي ذهابها ورجوعها ومن فهم أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار فقد وهم فالمبكرون إليها في أول الساعة أقربهم إلى الله تعالى ثم من يليهم على الترتيب المعروف وهذا حث عظيم على التبكير للجمعة ورد لقول من زعم عدم سن التبكير لها كمالك ونص على تفاوت مراتب الناس في الفضل بقدر أعمالهم (الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع) وهذا قال أبو زرعة فيه إن مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وهو من بات قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وهو صريح في رد ذهاب مالك إلى أن تأخير الذهاب إلى الزوال أفضل وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة منهم أحمد بل وبعض أتباعه كابن حبيب
(هـ) عن كثير عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (عن ابن مسعود) قال علقمة خرجت مع ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة نفر سبقوه فقال رابع أربعة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وعبد المجيد هذا خرج له مسلم والأربعة لكن أورده الذهبي في [ص:401] الضعفاء وقال قال ابن حبان يستحق الترك وقال أبو داود داعية إلى الإرجاء ثقة(2/400)
2140 - (إن الناس لا يرفعون شيئا) أي بغير حق أو فوق منزلته التي يستحقها (إلا وضعه الله تعالى) أي في الدنيا والآخرة هذا هو المتبادر من معنى الحديث مع قطع النظر عن ملاحظة سببه وهو أن ناقة المصطفى صلى الله عليه وسلم العضباء أو القصوى كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فذكره فالملائم للسبب أن يقال في قوله لا يرفعون شيئا أي من أمر الدنيا وبه جاء التصريح في رواية
(هب عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على المشهور وقيل بكسرها المخزومي أحد الأعلام (مرسلا) أرسل عن عمر وغيره وجلالته معروفة وإسناده صحيح(2/401)
2141 - (إن الناس لم يعطوا) بالبناء للمفعول (شيئا) من الخصال الحميدة (خيرا من خلق) بالضم (حسن) فإن حسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجات الأخيار في هذه الدار ودار القرار. قال حجة الإسلام: لا سبيل إلى السعادة الأخروية إلا بالإيمان وحسن الخلق فليس للإنسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا وأفضل زادها بعد الإيمان حسن الخلق وبحسن الخلق ينال الإنسان خير الدنيا والآخرة. وقال بعض الحكماء: لحسن الخلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة ولسيء الخلق من نفسه في عناء والناس منه في بلاء. وقال بعضهم: عاشر أهلك بحسن الأخلاق فإن السوء فيهم قليل وإذا حسنت أخلاق المرء كثر مصادقوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب وقال الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق قال الماوردي وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلام
(طب عن أسامة بن شريك) الثعلبي بالمثلثة والمهملة الذبياني الصحابي قال ابن حجر تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح(2/401)
2142 - (إن النبي) صلى الله عليه وسلم أل عهدية أو جنسية أراد به هنا الرسول بقرينة قوله (لا يموت حتى يؤمه بعض أمته) والنبي غير الرسول لا أمة له والمراد لا يموت حتى يصلي به بعض أمته إماما وقد أم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق بل وعبد الرحمن بن عوف في تبوك في الصبح
(حم ع عن أبي بكر) الصديق(2/401)
2143 - (إن النذر) (1) بمعجمة وهو كما قال الراغب إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر (لا يقرب) بالتشديد أي يدني (من ابن آدم) وفي رواية البخاري لا يقدم (شيئا لم يكن الله تعالى قدره له) هذا إشارة إلى تعليل النهي عن النذر (ولكن النذر يوافق القدر) أي قد يصادف ما قدره الله في الأزل (فيخرج ذلك من) مال (البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج) قال البيضاوي: عادة الناس النذر على تحصيل نفع أو دفع ضر فنهى عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد التقرب بادر والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا بعوض فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له فيعلقه على جلب نفع أو دفع ضر فلا يعطي إلا إذا لزمه النذر والنذر لا يغني من ذلك شيئا فلا يسوق له قدرا لم يكن مقدورا ولا يرد شيئا من القدر
(م هـ) في الأيمان والنذور (عن أبي هريرة) وخرجه [ص:402] البخاري بمعناه
_________
(1) النذر لغة الوعد بخير أو شر وشرعا قبل الوعد بخير خاصة وقبل التزام قربة لم تكن واجبة عينا(2/401)
2144 - (إن النذر) قال الحرالي: وهو إبرام العدة بخير مستقبل فعله أو يرتقب له ما يلتزم به وهو أدنى الإنفاق سيما إذا كان على وجه الإشتراط (لا يقدم شيئا ولا يؤخر (1)) شيئا من المقدور (وإنما يستخرج به من البخيل) بل مثاله في موافقة القدر الدعاء فإن الدعاء لا يرد القضاء لكن منه القدر لكن الدعاء منذور والنذر مندوب
(حم ك) في النذر (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
_________
(1) وقال النووي إنه منهي عنه قال المتولي إنه قربة وهو قضية قول الرافعي إنه قربة فلا يصح من الكافر وقول النووي النذر عمدا في الصلاة: لا يبطلها لأنه مناجاة لله كالدعاء وأجيب عن النهي بحمله على ما ظن أنه لا يلتزم بما التزمه وقال ابن الرفعة هو قربة في البر(2/402)
2145 - (إن النهبة) كفرقة اسم للمنهوب من الغنيمة أو غيرها لكن المراد هنا الغنيمة (لا تحل) لأن الناهب إنما يأخذ على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه ويبخس بعضهم حظه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم فإذا انتهبوا الغتيمة بطلت الغنيمة وفاتت التسوية واستثنى من ذم النهبة انتهاب النثار في العرس لخبر فيه (1)
(هـ حب ك عن ثعلبة) بفتح المثلثة بلفظ الحيوان المشهور (بن الحكم) الليثي صحابي شهد حنينا ونزل الكوفة قال أصبنا غنما للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم ذكره ورواه الطبراني بلفظه عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات
_________
(1) هو ما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك - أي نكاح - فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا أيدينا فقال ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فخذوا على اسم الله قال فجاذبنا وجاذبناه(2/402)
2146 - (إن النهبة) من القيامة ومثلها غيرها من كل حق للغير إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ليست بأحل من الميتة) أي ما يأخذه فوق حقه باختطافه من حق أخيه الضعيف عن مقاومته حرام كالميتة فليس بأحل منها أي أقل إثما منها في الأكل بل هما سيان ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره قدم الميتة
(د عن رجل) من الأنصار وسبق أن جهالة الصحابي لا تضر لأنهم عدول(2/402)
2147 - (إن الهجرة) أي النقلة من دار الكفر إلى دار الإسلام (لا تنقطع) أي لا ينتهي حكمها (ما دام الجهاد) باقيا كذا هو بخط المصنف ما دام والذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في افصابة معزوا لأحمد ما كان ولعله الصواب فيكره الإقامة بدار الكفر إلا لمصلحة دينية
(حم) من طريق يزيد عن أبي الخير عن حذيفة البارقي (عن جنادة) بضم الجيم وخفة النون بضبط المصنف كغيره وهو ابن أبي أمية الأزدي قال جنادة إن رجالا من الصحابة قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الهجرة إلخ قال في الكاشف: جنادة مختلف في صحبته وفي الإصابة بعد ما ساق له هذا الحديث وحديث آخر والخبران صحيحان دالان على صحة صحبته اه وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح(2/402)
2148 - (إن الهدى الصالح) بفتح الهاء وقد تكسر وسكون الدال الطريقة الصالحة قال الخطابي: وهدى الرجل حاله [ص:403] وسيرته (والسمت الصالح) الطريق المنقاد (والاقتصاد) أي سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق وعلى سبيل تمكن إدامته (جزء من خمسة وعشرين جزءا) وفي رواية أكثر وفي أخرى أقل وسيجيء (من النبوة) أي هذه الخصال منحها الله أنبيائه فهي من شمائلهم وفضائلهم فاقتدوا بهم فيها لا أن النبوة تتجزأ ولا أن جامعها يكون نبيا إذ النبوة غير مكتسبة (1) وتأنيث خمس على معنى الخصال
(حم د عن ابن عباس) قال في المنار: فيه قابوس بن ظبيان ضعيف محدود في القربة وفي المهذب فيه قابوس ضعيف
_________
(1) أي بالأسباب وإنما هي كرامة من الله تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد خنمت بمحمد صلى الله عليه وسلم وانقطعت بعده ويحتمل وجها آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه الله تعالى لباس التقوى الذي يلبسه أنبياءه فكأنها جزء من النبوة(2/402)
2149 - (إن الود) أي المودة يعني المحبة (يورث والعداوة تورث) أي يرثها الأبناء عن الآباء وهكذا ويستمر ذلك في السلالة جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وهذا شيء كالمحسوس وإطلاق الإرث على غير المال ونحوه من التركة التي يخلفها المورث مجاز كما يفيده قول الزمخشري: من المجاز أورثه كثرة الأكل التخم والأدواء وأورثته الحمى ضعفا وهو في إرث مجد والمجد متوارث بينهم
(طب عن عفير) بالتصغير رجل من العرب كان يغشى أبا بكر فقال له أبو بكر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الود فذكره ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك(2/403)
2150 - (إن الولد مبخلة مجبنة) بفتح الميم فيهما مفعلة أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه حتى يبخلا بالمال لأجله ويتركا الجهاد بسببه. قال الماوردي: أخبر بهذا الحديث أن الحذر على الولد يكسب هذه الأوصاف ويحدث هذه الأخلاق وقد كره قوم طلب الولد كراهة لهذه الحالة التي لا يقدر عليها دفعها من نفسه للزومها طبعا وحدوثها حتما. قيل ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ما لك تكره الولد قال: ما لي وللولد إن عاش كدني وإن مات هدني
(هـ عن يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (ابن مرة) بضم الميم وشد الراء ابن وهب بن جابر الثقفي ويقال العامري قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما وذكره قال الحافظ العراقي إسناده صحيح(2/403)
2151 - (إن الولد مبخلة) بالمال عن إنفاقه في وجوه القرب (مجبنة) عن الهجرة والجهاد (مجهلة) لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له (محزنة) يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا وإن طلب شيئا لا قدرة لهما عليه حزنا فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه فإن شب وعق فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي اللازم
(ك) في الفضائل (عن الأسود بن خلف) ابن عبد يغوث القرشي من مسلمة الفتح قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح (طب عن خولة) بفتح المعجمة ويقال لها أيضا خويلة بالتصغير (بنت حكيم) ابن أمية السلمية يقال لها أم شريك صحابية مشهورة يقال لها الواهبة نفسها وقيل بل غيرها قالت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حسنا فقبله ثم ذكره قال الذهبي إسناده قوي(2/403)
[ص:404] 2152 - (إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه) أي تخضع وتذل كما يخضع ويذل الوجه (فإذا وضع أحدكم وجهه) يعني جبهته على الأرض في السجود (فليضع يديه) على الأرض في سجوده (فإذا رفعه فليرفعهما) فوضع اليدين واجب في السجود وهو الأصح عند الشافعية وأراد باليدين بطون الراحتين والأصابع ويجب أيضا وضع الركبتين وأطراف القدمين كما مر
(د ن ك) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(2/404)
2153 - (إن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي أصله اليهوديين حذفت ياء النسبة (والنصارى) جمع نصراني بفتح النون قال الملوي: اليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام والنصارى من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام (لا يصبغون) لحاهم وشعورهم وهو بضم الباء وفتحها لغتان (فخالفوهم) بأن تصبغوها ندبا وقيل وجوبا بنحو حناء أو غيره مما لا سواد فيه ولا يعارضه النهي عن تغيير الشيب لأن الأمر بالتغيير لمن كان شيبه نقيا كأبي قحافة والد الصديق والنهي لمن شمط فقط وكان شعره بشعا وعليه نزل اختلاف السلف وفيه ندب خضب الشيب للرجل والمرأة لكن بحمرة أو صفرة لا بسواد فيحرم إلا للجهاد
(ق) في اللباس (د) في الترجل (ت) في الزينة (هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(2/404)
2154 - (إن آدم قبل أن يصيب الذنب) وهو أكله من الشجرة التي نهى عن قربها بقوله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة} (كان أجله) أي كان دنو أجله واستحضاره للموت (بين عينيه) وكان الموت نصب عينيه (وأمله خلفه) أي لا يشاهده ولا يستحضره (فلما أصاب الذنب جعل الله تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت) وهكذا حال بنيه وطول الأمل موقع في الزلل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده ضعيف(2/404)
2155 - (إن آدم خلق) بالبناء للمفعول أي خلقه الله (من ثلاث تربات) بضم فسكون جمع تربة (سوداء وبيضاء وحمراء) فمن ثم جاء بنوه كذلك فيهم الأسود والأحمر والأبيض يتبع كل منهم الطينة التي خلق منها
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي ذر) الغفاري(2/404)
2156 - (إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي) أي يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام وقد جاء البخيل ليس من يبخل بماله ولكن من بخل بمال غيره فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه فمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى فهل تجد أحدا أبخل من هذا؟
(الحارث) بن أبي أسامة [ص:405] وكذا الديلمي (عن عوف بن مالك) وفيه رجل مجهول وآخر مضعف رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضا(2/404)
2157 - (إن أبخل الناس من بخل بالسلام) ابتداءا أو جوابا لأنه لفظ قليل لا كلفة فيه وأجر جزيل فمن بخل به مع عدم كلفة فهو أبخل الناس ومن ثم قيل:
إذا ما بخلت برد السلام. . . فأنت ببذل الندا أبخل
(وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى حيث سمع قول ربه في كتابه {ادعوني} فلم يدعه مع حاجته وفاقته وعدم المشقة عليه فيه والله سبحانه وتعالى لا يخيب من سأله واعتمد عليه فمن ترك طلب حاجاته من الله تعالى مع ذلك فهو أعجز العاجزين
(ع) وكذا ابن حبان والإسماعيلي والبيهقي في الشعب كلهم (عن أبي هريرة) موقوفا وفيه إسماعيل بن زكريا أورده الذهبي في الضعفاء قال مختلف فيه وهو شيعي غال(2/405)
2158 - (إن أبر) وفي رواية من أبر (البر) أي الإحسان جعل البر بارا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازا والمراد منه أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة قال الأكمل: أبر البر من قبيل جل جلاله وجد جده بجعل الجد جادا وإسناد الفعل إليه (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة (بعد أن يولي الأب) بكسر اللام المشددة أي يدبر بموت أو سفر قال التوربشتي: وهذه الكلمة مما تخبط الناس فيها والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه أي بعد أن يموت أو يغيب أبوه من ولى يولي قال الطيبي: وفي جامع الأصول والمشارق: يولي بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم فإنه من تمام الإحسان إلى الأب قال الحافظ العراقي رحمه الله: جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته وكذا بعد غيبته فإنه إذا لم يظهر له شيء يوجب ترك المودة فكأنه حاضر فيبقى وده كما كان وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة وزوال الوحشة وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة فيكون من عموم المشترك أو من التواطىء أو بعضها فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ونبه بالأب على بقية الأصول وقياس تقديم الشارع الأم في البر كون وصل أهل ودها أقدم وأهم ومن البين أن الكلام في أصل مسلم أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام نعم إن كان حيا ورجا ببر أصدقائه تألفه للإسلام تأكد وصله وفي معنى الأصول الزوجة فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصل صويحبات خديجة بعد موتها قائلا حسن العهد من الإيمان وألحق بعضهم بالأب الشيخ ونحوه
(حم خد م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب مر به أعرابي وهو راكب على حمار فقال ألست ابن فلان قال بلى فأعطاه حماره وعمامته فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لمسلم أنه أعطاه حمارا كان يركبه وعمامة كانت على رأسه فقالوا له أصلحك الله إنه من الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لأبي داود عن أبي أسيد بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليها والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما(2/405)
[ص:406] 2159 - (إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم بيت الله) الكعبة وما حولها من الحرم كما بينه رواية مسلم بدله حرم مكة (وأمنه) بالتشديد أي صيره مأمنا يعني حرمها بإذن الله أي أظهر حرمتها بأمره فإسناد التحريم إليه من حيث التبليغ والإظهار لا من حيث الإيجاد فإن الله تعالى حرمها قبل ذلك كما يصرح به خبر الشيخين أو أنه دعى الله تعالى فحرمها بدعوته ولا ينافيه خبر إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لأنها كانت محرمة يومئذ فلما رفع البيت المعمور من الطوفان اندرست حرمتها ونسيت معاهدتها فأظهر الله إحياءها على يد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبدعوته (1) (وإني حرمت المدينة) فعيلة من مدن بالمكان أقام والمراد البلدة النبوية كما سبق (ما بين لابتيها) تثنية لابة وهي الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها حرقت بنار وأراد بهما هنا حرتان يكتنفانها (لا يقطع عضاهها) بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة جمع عضاهة شجرة أم غيلان أو كل شجر له شوك (ولا يضاد صيدها) في أبي داود ولا ينفر صيدها أي لا يزعج فإتلافه أولى لكن لا يضمن صيد المدينة ولا نباتها لأن حرمها غير محل للنسك (2)
(م) في الحج (عن جابر) ولم يخرجه البخاري
_________
(1) وحرم مكة من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق والطائف على سبعة ومن طريق الحعرانة على تسعة ومن طريق جدة على عشرة كما قال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة. . . ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه
وسبعة أميال عراق وطائف. . . وجدة عشر ثم تسع جعرانة
وزاد الدميري:
ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى. . . فلم يعد سبل الجل إذ جاء تبيانه
(2) وللمدينة لابتان شرقية وغربية فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها طولا وهما عير وثور(2/406)
2160 - (إن إبراهيم ابني) من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال: هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر (وإنه مات في الثدي) أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر قال القرطبي: هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن (وإن له ظئرين) بكسر الظاء مهمورا أي مرضعتين (1) (يكملان رضاعه في الجنة) بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين بإن واللام تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعددا إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلا وظئر نهارا والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية [ص:407] بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال {أحياء عند ربهم يرزقون} قال القرطبي: وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيدا ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارىء إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره
(حم م عن أنس) قال ما رأيت أحدا رحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره
_________
(1) أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا(2/406)
2161 - (إن أبغض الخلق إلى الله العالم) الذي (يزور العمال) عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك الله قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو لك وأيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك أنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك منه اتخذوك قطبا يدور عليك رحا باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقودون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا عليك في جنب ما خربوا عليك فدا ودينك فقد دخله سقم ولا يخفى على الله من شيء والسلام وقال حكيم: الذئاب على العذرة أحسن من عالم على أبواب هؤلاء <تنبيه> قال الغزالي: العالم المحتاج غليه في الدين محتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين أحدهما صبر طويل وحلم عظيم ونظر لطيف واستغاثة بالله دائمة الثاني أن يكون في هذا المعنى منفردا عنهم فإن كان بالشخص معهم وإن كلموه كلمهم أو زاروه وعظهم وشكرهم أو أعرضوا عنه اغتنتم ذلك فإن كانوا في خير وحق ساعدهم وإن صاروا إلى لغو وشر هاجرهم بل زجرهم إن رجى قبولهم ثم يقوم بحقهم من نحو زيارة وعيادة وقضاء حاجة ما أمكنه ولا يطالبهم بما فاته ولا يرجوها منهم ولا يريهم من نفسه استيحاشا لذلك ويباسطهم بالبذل إذا قدر وينقبض عنهم في الأخذ إن أعطى ويتحمل أذاهم ويظهر لهم البشر ويتجمل لهم بظاهره ويكتم حاجته عنهم فيقاسيها ويعالجها في سره ثم يحتاج مع ذلك أن ينظر لنفسه خاصة ويجعل لها حظا من العبادة وله في المعنى أبيات وهي:
فإن كنت في هدي الأئمة راغبا. . . فوطن على أن ترتكبك الوقائع
لسانك مخزون وطرفك ملجم. . . وسرك مكتوم لدى الرب ذائع
بنفس وقور عند كل كريهة. . . وقلب صبور وهو في الصدر قانع
وذكرك مغموم وبابك مغلق. . . وثغرك بسام وبطنك جائع
وقلبك مجروح وسوقك كاسد. . . وفضلك مدفون وطعنك شائع
وفي كل يوم أنت جارع غصة. . . من الدهر والإخوان والقلب طائع
نهارك شغل الناس من غير منة. . . وليلك سوق غاب عنه الطلائع
(ابن لال) أبو بكر أحمد بن علي الفقيه وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه قال الذهبي قال البرقاني سألت عنه الدارقطني فقال كذاب وعصام بن رواد العسقلاني قال في الميزان لينه الحاكم وبكير الدامعاني منكر الحديث(2/407)
2162 - (إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت) بكسر أوله أي الشرير الخبيث من بني آدم (النفريت) أي القوي في شيطنته. [ص:408] قال الزمخشري: العفر والعفرية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في العفريت والعفارية للإلحاق وحرف التأنيث فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق كقنديل (الذي لم يرزأ) أي لم يصب بالرزايا (في مال ولا ولد) بل لا يزال ماله موفورا وولده باقون وذلك لأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه قال كعب في بعض الكتب السماوية لولا أن يحزن عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبدا وخرج ابن أبي الدنيا وغيره أن رجلا قال يا رسول الله ما الأسقام قال أو ما سقمت قط قال لا قال قم عنا فلست منا قال ابن عربي: هذا إشارة إلى أنه ناقص المرتبة عند ربه وعلامة ذلك صحة بدنه على الدوام وهذا خرج مخرج الغالب أو علم من حال ذلك في نقصانه ما أخبر عنه وطلق خالد بن الوليد زوجته ثم أحسن عليها الثناء فقيل لم طلقتها قال ما فعلته لأمر رابني ولا ساءني لكن لم يصبها عندي بلاء والرزية كما في المصباح المصيبة. وقال الزمخشري: النقصان والضرر
(هب عن أبي عثمان النهدي مرسلا) واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشدة اللام ابن عمرو بن عدي والنهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة أسلم على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يجاهد ولم يره(2/407)
2163 - (إن إبليس) أي الشيطان من أبلس إذا أيس {فإذا هم مبلسون} (يضع عرشه) أي سرير ملكه يحتمل أن يكون سريرا حقيقة يضعه (على الماء) ويجلس عليه وكونه تمثيلا لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه وجيوشه (والمراد جنوده وأعوانه أي يرسلهم إلى إغواء بني آدم وافتتانهم وإيقاع البغضاء والشرور بينهم.) وأيا ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله عرشه تهكما وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب {وكان عرشه على الماء} والقصد أن إبليس مسكنه البحر (ثم يبعث سراياه) جمع سرية وهي القطعة من الجيش (فأدناهم منه) أي أقربهم (منزلة) وهو مبتدأ (أعظمهم فتنة) خبره (يجيء أحدهم) بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد (فيقول فعلت كذا وكذا) أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب (فيقول) له (ما صنعت شيئا) استخفافا بفعله فنكره في سياق النفي (ويجيء أحدهم فيقول) له (ما تركته) يعني الرجل (حتى فرقت بينه وبين أهله) أي زوجته (فيدنيه منه) أي يقربه منه وأوقعه مخبرا عنه وحذف الخبر وهو صنعت شيئا لإدعاء أنه هو المتعين لإسناد الصنع الععظيم المدلول بالتنوين عليه أيضا (ويقول) مادحا شاكرا له (نعم أنت) بكسر النون وسكون العين على أنه أفعال المدح كذا جرى عليه جمع. قال بعض المحققين: ولعله خطأ لأن الفاعل لا يحذف وإضماره في أفعال المدح لا ينفصل عن نكرة منصوبة مفسرة وإنما صوابه بفتح النون على أنه حرف إيجاب ثم إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله {يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}
(حم م) في أواخر صحيحه (عن جابر) زاد مسلم في روايته بعد قوله نعم أنت قال أراه قال فيلتزمه ولم يخرجه البخاري(2/408)
2164 - (إن إبليس) عدو آدم وبنيه (يبعث) أي يرسل (أشد أصحابه) في الإغواء والإضلال (وأقوى أصحابه) على الصد عن سبيل الهدى (إلى من يصنع المعروف) أي ما ارتضاه الشرع وندب إليه (في ماله) كأن يتصدق منه أو [ص:409] يصلح ذات البين أو يعين في نائبة أو يفك رقبة أو يبني مسجدا أو نحو ذلك من وجوه القرب فيوسوس إليه ويخوفه عاقبة الفقر ويمد له في الأمل ويحذره من عاقبة الحاجة إلى الناس حتى يصده عن الصرف منه في الطاعات
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك اه. وأورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم تركوه(2/408)
2165 - (إن ابن آدم لحريص على ما منع) أي شديد الحرص على تحصيل ما منع منه باذلا للجهد فيه لما جبل وطبع عليه من شدة محبته للممنوع وهذا شيء كالمحسوس معروف بالوجدان لا يحتاج إلى برهان
(فر) من حديث يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضا الطبراني وعبد الله بن أحمد ومن طريقهما أورده الديلمي مصرحا فكان عزوه إليهما لكونهما الأصل أولى ثم إن يوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة والدارقطني وهارون بن كثير مجهول كما ذكره أيضا ولهذا قال السخاوي سنده ضعيف قال وقوله ابن أسلم تحريف والصواب سالم والثلاثة مجهولون ولهذا قال أبو حاتم هذا باطل اه(2/409)
2166 - (إم ابن آدم إن أصابه حر قال حس) بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كاوه (وإن أصابه برد قال حس) يعني من قلقه وجزعه أنه إن أصابه الحر تألم وتشوش وتضجر وقلق وإن أصابه البرد فكذلك ومن ثم قال امرىء القيس:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء. . . فإذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد. . . قتل الإنسان ما أكفره
(حم طب عن خولة) بنت قيس الأنصارية تزوجها حمزة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور حمزة ببيتها قالت أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلغني أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضا قال نعم وأحب الناس إلي أن يروى منه قومك فقدمت إليه برمة فيها حزيرة فوضع يده فيها ليأكل فاحترقت أصابعه قال حس ثم ذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح(2/409)
2167 - (إن ابني هذا) يعني الحسن بن علي (سيد) في رواية السيد باللام أي حليم كريم محتمل قال في النهاية: السيد يطلق على الرب وعلى المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومحتمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم وهو من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي من الأشخاص العظيمة (ولعل الله) أي عساه واستعمال لعل في محل عسى مستفيض لاشتراكهما في الرجاء (أن يصلح به) يعني بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الخلافة وتركها كذلك لمعاوية (بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكا عضوضا ثم سار إلى معاوية بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفا على الموت فلما تراءى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل الفريق الآخر فنزل له عن الخلافة لا لقلة ولا لذلة بل رحمة للأمة واشترط على معاوية شروطا التزمها قال ابن بطال وغيره: لم يوف له بشيء منها فصار معاوية من يومئذ خليفة ولما خيف من طول عمر الحسن رضي الله تعالى عنه أرسل يزيد إلى زوجته جعدة إن هي سمته تزوجها ففعلت فأرسلت تستنجز فقال: إنا لم نرضك له فكيف نرضاك لنا وفيه منقبة للحسن رضي الله تبارك وتعالى عنه ورد على الخوارج [ص:410] الزاعمين كفر علي كرم الله وجهه وشيعته ومعاوية ومن معه لقوله من المسلمين وأخذ منه جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بمال وحل أخذ المال وإعطائه على ذلك مع توفر شروطه
(حم خ م) من حديث الحسن رضي الله عنه (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وقد تفتح وفي سماعه منه خلف والأصح أنه سمع(2/409)
2168 - (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف فيصير ظلها عليه وقال أبواب الجنة ولم يقل الجنة لأن المراد أن الجهاد طريق لذلك وهذا التعبير أدل عليه وفيه دلالة على فضل الجهاد
(حم م ت) عن أبي موسى(2/410)
2169 - (إن أبواب السماء) كذا بخط المصنف فمن قال الجنة لم يصب (تفتح عند زوال الشمس) أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء (فلا ترتج) بمثناة فوقية وجيم مخففة والبناء للمفعول لا تغلق قال الزمخشري وغيره: أرتج الباب أغلقه إغلاقا وثيقا ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام (حتى يصلي الظهر) ليصعد إليها عمل صلاته (فأحب أن يصعد لي) عمل (فيها) أي في تلك الساعة التي السماء فيها مفتحة الأبواب (خير) أي عمل صالح وتمامه عند مخرجه أحمد عن أبي أيوب قلت يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن قال نعم قلت ففيها سلام فاصل قال لا والمراد بالزوال هنا الميل كما تقرر فلا تعارض كراهة الصلاة حال الاستواء
(حم عن أبي أيوب) الأنصاري قال ابن الجوزي فيه عبيدة بن مغيث ضعفوه(2/410)
2170 - (إن أتقاكم) أي أكثركم تقوى (وأعلمكم) أي أكثركم علما (بالله أنا) لأن الله سبحانه وتعالى جمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره وكلما ازداد علم العبد بربه ازداد تقواه وخوفه منه ومن عرف الله صفا له العيش وهابه كل شيء فمعناه ما أنا عليه من التقوى والعلم أوفر وأكثر من تقواكم وعلمكم فلا ينبغي لأحد أن يتشبه بي ذكره القاضي. وقال القرطبي: إنما كان كذلك لما خص به في أصل خلقته من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل الله عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية ثم إنه تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم على ما لم يطلع عليه غيره وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشاهم لأن الخشية منبعثة عن العلم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال الكرماني: وقوله أتقاكم إشارة إلى كمال القوة العملية وأعلمكم إلى كمال القوة العلمية والتقوى على مراتب وقاية النفس عن الكفر وهو للعامة وعن المعاصي وهو للخاصة وعما سوى الله وهو لخاص الخواص والعلم بالله يشمل ما بصفاته وهو المسمى بأصول الدين وبأحكامه وهو فروع الدين وما بكلامه وهو علم القرآن وتعلقاته وما بأفعاله وهو معرفة حقائق الأشياء ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم جامعا لأنواع التقوى حاويا لأقسام العلوم ما خصص التقوى ولا العلم وقد يقصد بالحذف إفادة العلوم والاستغراق اه وقال بعضهم: ظاهر الحديث تمييزه في كل فرد فرد من أوصاف التقوى والعلم فأما التقوى فلا نزاع وأما العلم بالله فقد أخذ بعض شراح الشفا من قوله أعلمكم ولم يقل أعلم خلق الله أن ذلك يخرج علم جبريل بالله فإنه أمين الوحي وملازم الحضرة الأقدسية ثم إن المعرفة غير ممكنة بكنه الحقيقة لجميع الخلق وفي الخبر سبحانك ما عرفناك حق معرفتك
(خ عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:411] يأمرهم من الأعمال بما يطيقون فقالوا إنا لسنا كهيئتك إن الله غفر لك فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول هذا(2/410)
2171 - (إن أحب عباد الله إلى الله) أي من أحبهم إليه (أنصحهم لعباده) أي أكثرهم نصحا لهم فإن النصح هو الدين ولهذا قال بعض العارفين لبعض أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم وإضافة العباد إليه تلويح بأن المراد من آمن منهم
(عم في زوائد الزهد) أي فيما زاد على كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن) البصري (مرسلا)(2/411)
2172 - (إن أحب عباد الله إلى الله من حبب) أي إنسان حبب الله إليه (المعروف وحبب إليه فعاله) لأن المعروف من أخلاق الله وإنما يفيض من أخلاقه على أحب خلقه إليه فإذا ألهم العبد المعروف كان ذلك دلالة على حب الله له ناهيك بها رتبة والفعال ككتاب وشعاب جمع فعل وكسلام وكلام الوصف الحسن والقبيح هو قبيح الفعال كما يقال هو حسن الفعال ويكون مصدرا فيقال فعل فعالا كذهب ذهابا كما في المصباح والحب الأول للمعروف من حيث هو والثاني من حيث الإتيان به والثاني ينشأ عن الأول فالأول منبعه وأسه وأفاد بإضافة العباد إليه المؤذنة بالتشريف أن الكلام في أهل الإيمان لا الكفر إذ لا حب لهم فضلا عن الأحبية
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (قضاء الحوائح) للناس (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي سعيد) الخدري وفيه الوليد بن شجاع أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به(2/411)
2173 - (إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) وظاهر الحديث أن هذه الكلمات مطلوبة عند الاستيقاظ مطلقا قال الغزالي رحمه الله تعالى: هذا أول الأوراد النهارية وهي سبعة قال: ويلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر العورة امتثالا لأمر الله واستعانة على عبادته من غير قصد رياء ودعوته
(خط) من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنبع المصنف أن مخرجه الخطيب سكت عليه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه عقبه ببيان حاله ونقل عن ابن معين أن الوقاصي هذا لا يكتب حديثه كان يكذب انتهى وقال في الضعفاء تركوه(2/411)
2174 - (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة) أسعدهم بمحبته يومها (وأدناهم منه مجلسا) أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم منزلة (إمام) مؤمن (عادل) لامتثال قول ربه {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه إمام جائر) في حكمه على رعيته فإن الله يبغض الظلم ويبغض الظالمين ويعاقبهم والمراد بالإمام هنا ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه
(حم ت عن أبي سعيد) ثم قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه انتهى وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث كذبه حرزة وخولف وفضيل بن مرزوق الوقاصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره وعطية العوفي قال ابن القطان مضعف وقال الذهبي ضعفوه قال ابن القطان والحديث حسن لا صحيح(2/411)
[ص:412] 2175 - (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وذلك لأن لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع فالأصول أصول والأصول هي الصفات السبع وأصول الأصول ما ينتهي إليه الأصول وهي اسمان: الله الرحمن وكا منهما يشتمل على الأسماء كلها ولذلك حمت العزة أن يتسمى بأحدهما أحد غير الله وما ورد من رحمن اليمامة فذاك مضاف إلى اليمامة والمطلق منه عن الإضافة منزه عن القول بالإشتراك وهذيان شاعر بني حنيفة بقوله:
وأنت غيث الورى لازلت رحمنا. . . تعنت وتغال في الكفر لا يرد
لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحدا ابتداءا وإطلاقه لم يكن على غير من هو متسم به ويختص الاسم الرحمن لا باعتبار الأسماء الداخلة تحته بأنه المتحرك بحركة له أزلية أبدية ديمومية تعطي الصور المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية في أنواع غير متناهية للعدد وباعتبار دخولها تحته أقرب ما ينسب إليه حركة وجود متعين به ومنه وفيه الموجودات بأسرها فإذا انتهى موجود منها إلى حد طوره صار القهقرى إلى الاسم الأعظم {ألا إلى الله تصير الأمور} فعلى هذا التقدير اسم الباسط هو صاحب العطاء الصادر عن الرحمن واسم القابض هو صاحب الرد إلى اسم الله ويتبين من هذا دخول الأسماء تحت الاسمين العظيمين. قال المناوي: وتفضيل التسمية بهذين محمول على من أراد التسمي بالعبودية فتقديره أحب أسمائكم إلى الله إذا تسميتم بالعبودية عبد الله وعبد الرحمن لأنهم كانوا يسمون عبد شمس والدار ولا ينافي أن اسم أحمد ومحمد أحب إلى الله من جميع الأسماء فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو الأحب إليه هذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق إلى هنا كلامه <تنبيه> يلحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد
(م) في الأسماء (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا أبو داود والترمذي(2/412)
2176 - (إن أحدا) بضم الحاء وسكونها (جبل) معروف بالمدينة كما مر غير مرة (يحبنا ونحبه) حقيقة أو مجازا على ما مر قال الطيبي: الظاهر أنه أراد جميع أرض المدينة وخصه لأنه أول ما يبدو له
(ق عن أنس) بن مالك رضي الله عنه(2/412)
2177 - (إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة) أي على باب من أبوابها (وعير) أي وجبل عير وهو معروف هناك (على ترعة من ترع النار) أي على باب من أبوابها وقد سبق تقريره عن الشريف السمهودي بما فيه بلاغ فلا يغفل كما في الصحاح بوزن الجرعة الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة وقيل غير ذلك
(هـ) عن هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مكنف (عن أنس) بن مالك قال المؤلف وعبد الله بن مكنف ضعيف لكن يزيده هنا بيانا فيقول قال العارف ابن عربي: محققوا أهل النظر والأدلة المقصودة على الحواس والضروريات والبديهيات يقولون إنه إذا جاء عن نبي أن جبلا أو حجرا أو ذراعا أو جذع نخلة أو بهيمة كلمة فمعناه خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت بحيث يتكلم ويكلم ويفهم ما يخاطب به والأمر عندنا ليس كذلك بل العالم كله حي ناطق من جهة الكشف وسر الحياة في جميع العالم حتى أن كل من سمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له حقيقة بلا شبهة ومن أراد أن يقف على ذلك يسلك طريق الرجال ويلزم طريق الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على ذلك عينا فيعلم أن الناس في عماء عن إدراك هذه الحقائق انتهى(2/412)
[ص:413] 2178 - (إن أحدكم) أيها المؤمنون (إذا كان في صلاته) المفروضة أو النافلة (فإنه يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلا يبزقن) بنون التوكيد (بين يديه) أي لا يكون بزاقه إلى جهة القبلة لأنه استخفاف عادة فلا يليق بتعظيم الجهة وفي رواية للشيخين بدل بين يديه قبل القبلة وفي رواية أو تحت (ولا عن يمينه) أي لا يبزقن على ما في يمينه فعن بمعنى على تشريفا لها لأن فيها ملائكة الرحمة ولهم مزية على ملائكة العذاب ألا ترى أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات والنهي يعم المسجد وغيره (ولكن) يبصق (عن يساره وتحت) وفي رواية أو تحت (قدمه) أي اليسرى وتمام الحديث عند الشيخين ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه خاص بغير من بالمسجد أما من فيه فلا يبصق إلا في نحو ثوبه وفي الحديث إشارة إلى أن قلب المصلي ينبغي كونه فارغا من غير ذكر الله وفيه جواز الفعل القليل في الصلاة وطهارة البصاق
(ق عن أنس) بن مالك قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة فشق عليه ذلك حتى رؤي في وجهه ثم قام فحكه بيده ثم ذكره(2/413)
2179 - (إن أحدكم) معشر الآدميين (يجمع خلقه) أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم (1) وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن تلك لا تستعمل إلا في النفي ويجمع من الإجماع لا من الجمع يقال أجمعت الشيء أو جعلته جميعا والمراد يجوز ويقرر مادة خلقه (في بطن) يعني رحم (أمه) وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة جميعا (أربعين يوما) لتتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها (نطفة) وذلك بأن أودع في الرحم قوتين قوة انبساط ينبسط بها عند ورود مني الرجل عليه فيأخذه ويختلط مع منيها وقوة انقباض يقبضهما بها لئلا ينزل منه شيء فإن المني ثقيل بطبعه وفم الرحم منكوس وهل هذه الحركة إرادية فيكون الرحم حيوانا؟ الظاهر لا وأودع في مني الرجل وهو الثخين الأبيض قوة الفعل وفي منيها وهو الرقيق الأصفر قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة بلبن وما قيل إن في كل من مني الرجل والمرأة قوة فعل وانفعال فلا ينافيه لجواز كون قوة الفعل في مني الرجل وقوة الانفعال في مني المرأة أكثر فاعتبر الغالب وإن امتزجا ومضى عليه أربعون يوما لحكمة خفيت عن أكثر المدارك أفاض عليهما صورة خلاف صورة المني وهو المشار إليه بقوله (ثم) عقب هذه الأربعين (يكون علقة) قطعة دم غليظ جامد (مثل ذلك) فإذا مضى عليه أربعون يوما أفاض عليها صورة خلاف صورة العلقة وإليه الإشارة بقوله (ثم) عقب الأربعين الثانية (يكون) في ذلك المحل (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ (مثل ذلك) الزمن وهو أربعون (ثم) بعد انقضاء الأربعين الثالثة (يرسل الله الملك) المعهود الموكل بالمضغة أو بالرحم ويجوز كومه ملكا موكلا بهما أو كون لكل ملك ومعنى إرساله إياه أن يأمره بالتصرف فيه كذا ذكره الأكمل وقال بعض الشراح المراد ملك النفوخات كما جاء مصرحا به في خبر رواه ابن وهب فأل فيه عهدية فيبعث إليه حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فينفخ فيه الروح) وهي ما يحيى بها الإنسان وإسناد النفخ إليه مجاز عقلي لأنه من أفعال الله كالخلق وكذا ما ورد من قوله صوره أي الملك وخلق سمعه وبصره ونحو ذلك وفي الحديث
[ص:414] إيماء إلى أن التصوير في الأربعين الثالثة قال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قال الطبري: الصحابة أعلم بتغيير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطا للتوفي عن خلاف وقال ابن القيم: ما ذكر من تنقل الخلق في كل أربعين إلى طور هو ما دل عليه الوحي وما وقع في كلام أهل الطب والتشريح مما يخالفه لا يعول عليه إذ غاية أمرهم أنهم شرحوا الأموات فوجدوا الجنين في الرحم على صفة أخبروا بها على طريق الحدس والنظام الطبيعي ولا علم لهم بما وراء ذلك من مبدأ الحمل وتغير أحوال النطفة ثم الكلام في الروح طويل فمن ذاهب إلى أنه عرض إذ لو كان جوهرا والجواهر متساوية في الجوهرية لزوم للروح روح آخر وهو فاسد ومن ذاهب إلى أنه جوهر فرد متحين وزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الجوال وأنه حاصل للصفات المعنوية وهو كذلك لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لا كسرا ولا قطعا ولا وهما ولا فرضا وصدور المعاني الخارقة عن مثل ذلك مستحيل وقيل هو صورة لطيفة بصورة الجسم في داخل الجسم تقابل كل جزء منه وعضو نظيره وهو خيال وقيل جسم لطيف سار بالبدن سريان ماء الورد فيه وقال الغزالي: جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجا عنه ولا متصلا ولا منفصلا لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشيء عن الشيء وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجردا فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على الله محال وبأنه متناقض لأنه جعله الله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله {قل الروح من أمر ربي} وإذا لم يكن مخلوقا لم يكن محدثا وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشيء يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشيء من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقا بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك (ويؤمر) بالبناء للمفعول أي يأمر الله الملك (بأربع كلمات) أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مرادا كما يشير إليه خبر مسلم (ويقال له) أي يقول الله للملك (اكتب) أي بين عينيه كما في خبر البزار (أجله) أي مدة حياته (ورزقه) كما وكيفا حراما وحلالا (وعمله) كثيرا أو قليلا وصالحا أو فاسدا (وشقي) وهو من استوجب النار (أو سعيد) من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي: وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي: حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافيا قاسي القلب ضاريا بالطبع منائيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر
[ص:415] أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي: هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبدا لأن خبر الله يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله ولله أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبدا (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فوالذي) في رواية فوالله الذي (لا إله غيره) وهو شروع في بيان أن السعيد قد يشقى وعكسه وذلك مما لا يطلع عليه أحد أما التقدير الأزلي فلا تغيير فيه (وإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات الاعتقادية قولية أو فعلية (حتى ما يكون) حتى هي الناصبة وما نافية غير مانعة لها من العمل ذكره الطيبي وتعقب بأن الوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع عطفا على ما قبله وما ذكر من أن لفظ الخديث ما يكون هو ما في نسخ كثيرة لكن وقفت على نسخة المصتف فرأيت بخطه لم يكن هذا كتب ولعله سبق فلم (بينه وبينها إلا ذراع) تصوير لغاية قربه من الجنة (فيسبق عليه الكتاب) قال الطيبي: والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب سبقا بلا مهلة والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو بمعنى التقدير أي التقدير الأزلي واللام للعهد (فيعمل بعمل) الباء فيه وفيما قبله زائدة أي يعمل عمل (أهل النار فيدخل النار) تفريع على ما مهده من كتاب السعادة والشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتد بها من حيث كونها علامة (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني شيء قليل جدا (فيسبق عليه الكتاب) كتاب السعادة (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) بحكم القدر الجاري المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى خير يختم له به وعكسه عكسه وحينئذ فالعبرة بالخاتمة قال ابن عطاء الله: ربما يعطي الحق عبده والعطاء عين السلب والمنع وربما يمنع المنع عين العطاء إذ لا تبديل لما أراد في عالم القدم تمت الكلمة ونفذ القلم بما حكم ألا ترى إلى سحرة فرعون كان منعهم عين العطاء وحجابهم عين الوصول وإبليس أعطى العلم وقوة العبادة وكان العطاء عبن المنع والقطيعة وبلعام أعطي الاسم الأعظم وكان العطاء عين المنع وسبب الحجاب؟ {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالخاتمة مرتبطة بالسابقة فمن زعم أن الصوفية عولوا على السابقة والفقهاء على الخاتمة وأنهما متباينان فقد وهم وفيه أنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه الأصلح خلافا للمعتزلة وأنه يعلم الجزئيات خلافا للحكماء وأن الخير والشر بتقديره خلافا للقدرية وأن الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر وأن العمل السابق غير معتبر بل الذي ختم به وفيه حث على لزوم الطاعات ومراقبة الأوقات خشية أن يكون ذلك آخر عمره وزجر عن العجب والفرح بالأعمال فرب متكل مغرور فإن العبد لا يدري ما يصيبه في العاقبة وأنه ليس لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار وأنه تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء وكله عدل وصواب {لا يسأل عما يفعل}
(ق 4 عن ابن مسعود) حديث عظيم الفوائد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ترهاته وخرافاته وقول الخطيب الحافظ هو والله الذي لا إله إلا هو من كلام ابن مسعود تعقبوه
_________
(1) وهو المني بعد انتشاره في سائر البدن(2/413)
[ص:416] 2180 - (إن أحدكم إذا قام يصلي) فرضا أو نفلا (إنما) وفي رواية بدله فإنه (يناجي ربه) أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازا (فلينظر كيف يناجيه) أي فليتأمل في جواب ما يناجيه من القول على سبيل التعظيم والتبجيل ومواطأة القلب اللسان والإقبال على الله تعالى بشراشره والإخلاص في عبادته وتفريغ القلب للذكر والتلاوة والتدبر فلا يليق لعاقل أن يتلقى شكر هذه النعمة الخطيرة السنية التي هي مناجاة هاتيك الحضرة العلية بشغل القلب بشيء من الدنيا الدنية قال الطيبي: وقوله إنما يناجي ربه تعليل للنهي شبه العبد وتوجهه إلى الله تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال الرحمة مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه ومالكه فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر منه في تلك الجهات شيء وإن كان الله تعالى منزها عن الجهات لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض وفيه حث على إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لما في صلاته من ذكر وغيره وإن الصلاة أفضل الأعمال لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها
(ك عن أبي هريرة) ورواه أحمد والنسائي والبيهقي بلفظ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به(2/416)
2181 - (إن أحدكم مرآة أخيه) أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه (فإذا رأى به) أي علم بملبسه أو بنحوه (أذى) أي قذرا كمخاط وبصاق وتراب (فليمط عنه) أي فليزله عنه ندبا فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضا فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له إلى ذلك لكن يبعده زيادة ما في بعض الروايات وليره إياه إلا أن يقال أراد برؤياه ما يعم توقيفه عليه ليجتنبه وعلى الثاني اقتصر سلفنا الصوفية حيث قالوا معنى الحديث إن المؤمن في إزاء عيب أخيه كالمرآة المجلوة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراءه أقواله وأفعاله وأحواله تعريفات وتلويحات من الله تعالى فأي وقت ظهر من المؤمنين المجتمعين في عقد الأخوة عيب فادح نافروه لأن ذلك يظهر بظهور النفس وظهورها من تضييع حق الوقت فعلموا بذلك خروجه من دائرة الجمعية وعقد الأخوة فنافروه ليرجع قال رويم لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا فهو إشارة إلى تفقد بعضهم أحوال بعض فينبغي أن لا يسامح بعضهم بعضا في فعل ما يخالف الصواب أو إهمال دقيق الآداب فإن بذلك تصدأ مرآة القلوب ولا يرى فيها الخلل والعيوب قال عمر في مجلس فيه المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح فقال: أنتم إذن أنتم إذن
(ت عن أبي هريرة)(2/416)
2182 - (إن أحساب أهل الدنيا) جمع حسب بمعنى الكرم والشرف والمجد سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها وطمأنينتهم إليها كما يشغف الرجل بأهله ويأنس إليهم فصاروا أهلا لها وهي أهل وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين (الذين يذهبون إليه هذا المال) قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثا لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفا لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب [ص:417] النسب العالي هو الحسيب ولو فقيرا ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جدا وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه. إلى هنا كلامه. وقال ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له
(حم ن ك حب عن بريدة) قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان(2/416)
2183 - (إن أحسن الحسن الخلق الحسن) أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر <تنبيه> في المواهب: الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية: الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زروق في قواعد الشريعة والحقيقة: الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح وقال ابن سينا في كتاب نهذيب الأخلاق: الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شيء كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيرا من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شيء وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقا قال: وقال قوم ليس شيء من الأخلاق طبيعيا وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعا أو بطيئا وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك <تنبيه> قال الغزالي: جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: أن يكون كثير الحياء قليل الأذى كثير الصلاح صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل قليل الزلل قليل الفضول بر وصول وقور صبور شكور حليم رفيق عفيف شفيق لا لعان ولا سباب ولا نمام ولا مغتاب ولا عجول ولا حقود ولا بخيل ولا حسود
(المستغفري) أبو العباس (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة (وابن عساكر) في تاريخه كلاهما من حديث العلائي عن الحسن عن الحسن عن الحسن (عن الحسن) أمير المؤمنين (بن علي) أمير المؤمنين ثم قال أعني ابن عساكر الحسن الأول هو ابن حسان السمتي والثاني ابن دينار والثالث البصري اه وابن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال النسائي وغيره متروك(2/417)
2184 - (إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب) وهو بياض الشعر (الحناء) بكسر فتشديد فمد (والكتم) بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها
(حم 4 حب عن أبي ذر) قال الترمذي حسن صحيح(2/417)
2185 - (إن أحسن ما زرتم به الله) يعني ملائكته (في قبوركم) إذا صرتم إليها بعد الموت (ومساجدكم) ما دمتم باقين في الدنيا (البياض) أي الأبيض البالغ البياض من الثياب أي ونحوها من كل ملبوس فأفضل ما كفن به المسلم البياض وأفضل [ص:418] ما يلبس يوم الجمعة لصلاتها البياض وإنما لبس الأرفع منه يوم العيد ولو غير أبيض لأن القصد يومئذ إظهار الزينة وإيثار النعمة وهما بالأرفع أليق
(هـ عن أبي الدرداء)(2/417)
2186 - (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه) أي يقرؤه بحزن وتخشع وبكاء فإن لم يبك تباكى إذ بذلك يخشع القلب فتنزل الرحمة قال الزمخشري: ومن المجاز صوت حزين رخيم
(طب عن ابن عباس)(2/418)
2187 - (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فأخذ الأجرة على تعليمه جائز كالاستئجار لقراءته وأما خبر إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها أي الهدية على تعليمه فمنزل على أنه كان متبرعا بالتعليم ناويا الاحتساب فكره تضييع أجره وإبطال حسنته فلا حجة فيه للحنفية المانعين أخذ الأجر لتعليمه وقياسه على الصوم والصلاة فاسد لأنهما مختصان بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المتعلم ذكره القرطبي قال ابن حجر: في هذا الخبر إشعار بنسخ الخبر الآتي من أخذ على تعليم القرآن قوسا قلده الله قوسا من نار
(ح) في الطب بلفظه وفي الإجارة معناه (عن ابن عباس) قال: لما رقى بعض مسافرين على لديغ بالحمد فبرأ فأعطوه شيئا فكرهه أصحابه قائلين أخذت على تعليم القرآن أجرا فلما قدموا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حجر: وهم من عزاه للمتفق عليه وهذا المتن أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقعقع المؤلف عليه وأبرق وأرعد وما ضره ذلك شيئا فإنه أعني ابن الجوزي أورده بسند غير سند البخاري وقال إنه من ذلك الطريق موضوع وليس حكمه على المتن(2/418)
2188 - (إن أحق الشروط أن توفوا به) نصب على التمييز أي وفاء أو مجرور بحرف الجر أي بالوفاء (ما استحللتم به الفروج) خبره يعني الوفاء بالشروط حق وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج وهو المهر والنفقة ونحوهما فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره ولا يخفى حسنه قال الرافعي رحمه الله: وحمله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد كشرط المعاشرة بالمعروف ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته بخلاف ما يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها فلا يجب الوفاء به وأخذ أحمد رضي الله عنه بالعموم وأوجب الوفاء بكل شرط
(حم ق 4) في النكاح (عن عقبة بن عامر)(2/418)
2189 - (إن أخا صداء) أي الذي هم من قبيلة صداء بضم الصاد والتخفيف والمد حي من اليمن زياد بن الحارث بايع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مصر سماه أخا لكونه منهم تقول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحدا منهم ومن بيت الحماسة حيث قال فيهم واصفهم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم. . . في النائبات على ما قال برهانا
أفاده الزمخشري (هو أذن) للصلاة (ومن أذن) لها (فهو) الذي (يقيم) لا غيره أي هو أحق بالإقامة ممن لم يؤذن لكن لو تعدى غيره وأقام اعتد بها ولا تعاد وفيه أن نظر الإقامة إلى الإمام فلو أقام بغير إذنه أجزأ وأما الأذان فنظره إلى المؤذن وفيه جواز ذكر الإنسان بما يميزه ولو غير اسمه وكنيته إذا لم يوهم نفعا
(حم د ت هـ) في الأذان (عن زياد بن الحارث الصدائي) قال: أمرني المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت وأراد بلال أن يقيم فذكره واللفظ للترمذي وقضية صنيع المصنف أن مخرجيه رووه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل تعقبه الترمذي [ص:419] بأنه إنما يعرف من حديث الأفريقي وهو ضعيف عندهم اه قال المناوي: وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة اه. وقال الذهبي رواه أبو داود من حديث الأفريقي عن زياد بن نعيم الصدائي والأفريقي ضعيف وزياد لا يعرف لكن صرح ابن الأثير بأن زياد بن الحارث صحابي معروف وقال نزل مصر وبايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأذن بين يديه(2/418)
2190 - (إن أخوف ما أخاف) قال أبو البقاء: أخوف اسم إن وما نكرة موصوفة والعائد محذوف تقديره إن أخوف شيء أخافه (على أمتي) أمة الإجابة (الأئمة) جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد (المضلون) يعني إذا استقصيت الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال في المطامح: كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إصلاح أمته راغبا في دوام خيرتها فخاف عليهم فساد الأئمة لأن بفسادهم يفسد النظام لكونهم قادة الأنام فإذا فسدوا فسدت الرعية وكذا العلماء إذا فسدوا فسد الجمهور من حيث أنهم مصابيح الظلام انتهى وساق العلائي بسنده إلى ابن عمر أنه قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين ومن هذا الجنس ما في الكشاف عن الحجاج أنه قيل له إنك حسود فقال أحسد مني من قال " وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " وهذا من جرأته على الله وشيطنته كما حكى أنه قال طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال اتقوا الله ما استطعتم وأطلق طاعتنا فقال وأولي الأمر منكم ومن ضلالهم وضلالاتهم ما نقل عن بعض خلفاء بني مروان أنه قال لابن عبد العزيز أو الزهري بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب عليه معصية فقال يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أو الأنبياء قال تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ولما مات ابن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه حتى شهد له أربعون شيخا بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب
(حم طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا(2/419)
2191 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول (كل منافق عليم اللسان) أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها يدعو الناس إلى الله ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه. قال الزمخشري رحمه الله: والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشكر استهزاء وخداعا ولذلك أنزل فيهم {إن المنافقين في الدرك الأسفل} انتهى. وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب القصور قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأبوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين المحمدية والعالمية وأكثر علماء الزمان ضربان ضرب منكب على حطام الدنيا لا يمل من جمعه وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهج في المزابل يطير من عذرة إلى عذرة وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه ولزمه خوف الفقر وحب الإكثار واتخذ المال عدة للنوائب لا يتنكر عليه تغلب الدنيا وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام شحا على رئاستهم يلتقطون الرخص ويخادعون الله بالحيل ديدنهم المداهنة وساكن قلوبهم المنى طمأنينتهم إلى الدنيا [ص:420] وسكونهم إلى أسبابها اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال وسيكافئهم الجبار المتعال
(حم عن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وأبو يعلى. قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثوقون انتهى(2/419)
2192 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي) قال الطيبي: أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئا بعد شيء لم يجد أخوف من (عمل قوم لوط) عبر به تلويحا بكونهم الفاعلين لذلك ابتداء وأنه من أقبح القبيح لأن كل ما أوجده الله في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب فيهما الشهوة للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل الحكمة الربانية وقد تطابق على ذمه وقبحه شرعا وعقلا وطبعا أما شرعا فلآية {وأمطرنا عليهم حجارة} روي أن جبريل عليه السلام رفع قرى قوم لوط على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها وأمطر عليهم الحجارة وأما عقلا فلأنه تعالى خلق الإنسان أفضل الأنواع وركب فيه النفس الناطقة المسماة بالروح بلسان الشرع والقوة الحيوانية لمعرفته تعالى ومعرفة الأمور العالية التي منها معرفة وجه حكمته وفي ذلك إبطال حكمته كما تقرر وأما طبعا فلأن ذلك الفعل لا يحصل إلا بمباشرة فاعل ومفعول به والقبح الطبيعي هو ما لا يلائم الطبع وهذا الغعل لا يلائم المفعول به إلا لأحد أمرين إما فيضان صورة الأنوثة عليه وإما لتولد مادة المنفد فيحصل تآكل ورعدة بالمحل تسكن بالفعل به وذلك نقيصة لا يلائم طبع الفاعل إلا بجعل النفس الناطقة تابعة للقوة الحيوانية وهو نقص لا يكنته كنهه ثم هل اللواط أغلظ أم الزنا؟ أقوال ثالثها هما سواء وللخلاف فوائد منها ما لو رأى رجلا يلوط وآخر يزني وبدفع أحدهما يفوت الآخر فأيهما يقدمه؟
(حم ت ك) كلهم في الحدود (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وفيه عبد الله بن محمد احتج به أحمد وقال ابن خزيمة لا يحتج به ولينه أبو حاتم(2/420)
2193 - (إن أخوف ما أخاف على أمتي الاشراك بالله) قيل أتشرك أمتك من بعدك قال نعم (أما) بالتخفيف (إني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا) أي صنما (ولكن أعمالا لغير الله) أي رياء وسمعة (وشهوة خفية) قال الأزهري: أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع أي الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بتركه المعاصي والشهوة في قلبه وقيل الرياء ما ظهر من العمل والشهوة الخفية حب اطلاع الناس على العمل وسئل الحسن عن الرياء أهو شرك قال نعم أما تقرأ {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وقال العارف الجنيد: الذي يملك نفسه مالك والذي يملكه هواه مملوك ومن لم يكن الغالب على قلبه ربه فإنما يعبد هواه ونفسه ثم هذا الخبر لا يناقضه {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} لحمل هذا على المخاطبين المخصوصين بهذا الخطاب وأنه من قبيل الكشف له وذلك على الأعم وما قبل الكشف وفي الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمئة وستين كتابا في الحكمة حتى وصف بها فأوحى الله إلى نبيهم قل له قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني بشيء من ذلك ولا أقبل منه شيئا فندم وترك وخالط العامة وتواضع فأوحى الله إليه قل له الآن قد وافقت رضاي (تتمة) قال ابن عطاء الله: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجديد انحطاط عن الهمة العلية
(هـ) من رواية داود بن الجراح عن عامر بن عبد الله عن الحسن بن ذكوان عن عبادة (عن شداد بن أوس) ورواد ضعفه الدارقطني وعامر قال المنذري لا يعرف والحسن بن ذكوان قال أحمد أحاديثه بواطيل قال الحافظ العراقي ورواه أحمد عن شداد أيضا وزاد فيه قيل ما الشهوة الخفية قال يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيترك صومه ويفطر ثم قال أعني العراقي حديث لا يصح لعلة فيه خفية وعبد الوهاب بن زياد وهو ضعيف قال وبتقدير صحته فإبطال صومه [ص:421] لأجل شهوته مكروه بخلافه لأمر مشروع من زائر وعارض فلا تعارض بينه وبين حديث: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر(2/420)
2194 - (إن أدنى أهل الجنة منزلة) زاد في رواية وليس فيهم دنيء (لمن ينظر إلى جنانه) بكسر الجيم جمع جنة وبفتحها (وأزواجه ونعمه) بفتح النون والعين إبله وبقره وغنمه أو هو بكسر النون وفتح العين جمع نعمة كسدرة وسدر والنعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم (وخدمه) بالتحريك جمع خادم غلاما كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل (وسرره) بضمتين جمع سرير وجمعه أيضا أسرة وقد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة كما في الصحاح وغيره (مسيرة ألف سنة) ذكره الطيبي (وأكرمهم على الله) أي أعظمهم كرامة عنده وأوسعهم ملكا (من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية) تمامه ثم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} قال البعض: ولم يرد به التوقيت إذ لا غدوة ثم ولا عشية وإنما اختص الإكرام بكثرة النظر لأنه لا شيء يقاوم تجليه ولولا تقويته لهم لصاروا دكا كالجبال لكنه قواهم ليستوفوا لذة النظر فينسيهم ذلك كل نعيم كانوا فيه {ذلك هو الفوز العظيم} وفيه أنه تعالى يراه المؤمنون في الجنة بمعنى حصول الحالة الإدراكية الحاصلة عند النظر إلى القمر من غير جهة ولا مقابلة وفيه أن الرؤيا يرجى نيلها بالمحافظة على العبادة في هذين الوقتين أي طرفي النهار ذكره ابن حجر
(ت) في صفة الجنة (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المناوي وغيره وفيه وبر بن أبي فاختة قال الذهبي واه اه وأقول فيه أيضا لبابة بن سوار قال في الكاشف صدوق يرى الإرجاء وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حجر في الفتح في سنده ضعيف(2/421)
2195 - (إن أدنى أهل الجنة منزلا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها) جمع غرفة (وأبوابها) أي وجدرها وسائر أجزائها وليس ذلك ببعيد إذ هو القادر على كل شيء فيكرم أهل الجنة ما لا يخطر بقلب ولا يدرك بعقل وأحوال الجنة لا تقاس بأحوال الدنيا
(هناد) بن إبراهيم النسفي روى الكثير قال السمعاني الغالب على روايته المناكير ولعله ما روى في مجموعاته حديثا صحيحا إلا ما شاء الله وهو تلميذ المستغفري مات سنة خمس وستين وأربع مئة (في الزهد) أي في كتاب الزهد له (عن عبيد) بضم المهملة وفتح الموحدة (بن عمير) مصغر عمر بن قتادة الليثي مرادف الأسد قاضي مكة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل ابن عمير (مرسلا) أرسل عن عمر وأبي وطائفة وذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر واستبعده الذهبي(2/421)
2196 - (إن أرحم ما يكون الله بالعبد) أي أرحم حال يكون الله رحيما بالعبد فيها حال العبد (إذا وضع في حفرته) أي إذا ألحد لحده لأن أعظم فاقة يجدها العبد في ذلك الحال وأشد اضطرارا كان ويكون له الآن وفي الاستقبال ومن وصل إلى هذه الرتبة في الاضطرار وقطع النظر عما سوى الملك الغفار أفيض عليه من بحر الرحمة الزخار [ص:422] وظاهره أن المراد بالعبد المؤمن لا الكافر
(فر عن أنس) وفيه نوح بن سالم قال الذهبي قال ابن معين ليس بشيء(2/421)
2167 - (إن أرواح الشهداء في طير خضر) أي يكون الطائر ظرفا لها لقوله في خبر أبي داود في أجواف طير وليس هذا بحصر ولا بحبس لأنها إما أن توسع عليها كالفضاء أو يجعل في تلك الحواصل من النعيم ما لا يوجد في فضاء واسع والمراد أنها نفسها تكون طيرا بأن تمثل بصورته كتمثل الملك بشرا سويا وتحقيقه أن الأرواح بعد مفارقة البدن مجردة فهي في غاية اللطافة وما كان كذلك فظهوره وتعينه في حقيقة كل متعين ومرتية وعالم إنما يكون بحسب قابلية الأمر المعين والمرتبة المقتضية تعينه وظهوره فيها ويعرف بهذا سر تجسد الأرواح الملكية وكون جبريل يسعه أدنى جزء من الأرض كحجرة عائشة رضي الله عنها مع أن له ست مئة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم؟ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخا وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيرا شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية (تعلق) بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها (من ثمرة الجنة) فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول قال الطيبي: الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا اتصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة قال ابن القيم: وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن <تنبيه> قال العلم البلقيني قال السبكي رضي الله عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث " إن أرواح الشهداء إلخ " فحضر العلم العراقي فاستقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد حبس للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع (عجيبة) رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلا من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيرا فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غدا وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبدا
(ت عن كعب بم مالك) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح(2/422)
2198 - (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة) وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها [ص:423] أعداء الله شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في المطامح: الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر: الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي: وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه الله تعالى: الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه. وقال ابن الزملكاني: اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطرابا كثيرا ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قبض أرواحنا وقوله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحا حتى يكتب أخلاقا ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفسا وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقا بل يفصل كما ذكر
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك(2/422)
2199 - (إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور (ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى فما اقتضاه صنيع المصنف من أن ما ذكر هو الحديث بكماله غير جيد
(طس) وكذا في الصغير (عن ابن عمر) بن الخطاب قال المنذري والهيثمي ورجالهما رجال الصحيح(2/423)
2200 - (إن أشد) وفي رواية لمسلم إن من أشد بزيادة من (الناس عذابا) نصب على التمييز (يوم القيامة) الذي هو يوم وقوع الجزاء (المصورون) لصورة حيوان تام في نحو ورق أو قرطاس أو حجر أو مدر لأن الأصنام التي كانت تعبد [ص:424] كانت بصورة الحيوان وشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وظرف ونمط وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم وعجب من الإمام الطيبي مع كونه شافعيا وقع فيما ذهب إليه هذا القائل مع كون منقول مذهبه خلافه وخرج بالحيوان غيره كشجر وبالتام مقطوع نحو رأس مما لا يعيش بدونه وبتصويره على ما ذكر اسمه على نحو مائع أو هواء قال الحرالي: والتصوير إقامة الصورة وهي تمام المبادىء التي يقع عليها حسن الناظر لظهورها فصورة كل شيء تمام بدوه
(حم م) من حديث مسلم بن صبيح عن مسروق (عن ابن مسعود) قال مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق هذي تماثيل كسرى فقلت في هذا تماثيل مريم فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بواسطة ابن مسعود فذكره(2/423)
2201 - (إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف (باع آخرته بدنيا غيره) أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلا به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال:
أكلف نفسي كل يوم وليلة. . . هموم هوى من لا أفوز بخيره
كما سود القصار بالشمس وجهه. . . حريصا على تبييض أثواب غيره
(تخ عن أبي أمامة) وإسناده حسن(2/424)
2202 - (إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا وإن أشد الناس تكذيبا) للناس (أكذبهم حديثا) فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به (1)
(أبو الحسن القزويني) بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهدا عابدا من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب (في) كتاب (أماليه) الحديثية (عن أبي أمامة) الباهلي
_________
(1) قال الشيخ لأن الإنسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الإلماح بما في قصة آدم فيما ذكره الله بقوله {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وأنهما قبلا منه لظنهما أنه لا يحلف بالله كاذبا(2/424)
2203 - (إن أطيب طعامكم) أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان (ما) أي شيء مأكول (مسته النار) أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شيء أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره: مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مسا أصابه (1)
(ع طب عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه
_________
(1) قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره(2/424)
2204 - (إن أطيب الكسب) أي من أطيبه (كسب التجار) قال الحرالي: الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار [ص:425] على إحساس بمنة فيه وقوة عليه (الذين إذا حدثوا) أي أخبروا عن السلعة وشأنها (لم يكذبوا) في أخبارهم للمشتري بشيء من ذلك (وإذا ائتمنوا) أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله (لم يخونوا) فيما ائتمنوا عليه (وإذا وعدوا) بنحو وفاء ديون التجارة (لم يخلفوا) اختيارا (وإذا اشتروا) سلعة (لم يذمو) ها (وإذا باعوا) سلعة (لم يطروا) (1) أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شيء فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن (وإذا كان) عليهم ديون لم يمطلوا (2) أربابها أي يسوفوا وإذا كان (لهم) ديون وتقاضوها (لم يعسروا) أي يضيقوا أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود الله الذين أخذ الله عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} (3)
(هب عن معاذ) وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره
_________
(1) يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الإطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه
(2) قال في المصباح مطلت الحديدة مطلا من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطلة بدينه مطلا سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى
(3) قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والصناعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولأنها أعم نفعا ولأن الحاجة إليها أعم وفيها عمل البدن أيضا ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها(2/424)
2205 - (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله وأهنأه (من كسبكم) يعني إن أطيب أكلكم مما كسبتموه بغير واسطة لقربه للتوكل وتعدى نفعه كذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه ويسمى الولد كسبا مجازا وذلك لأن والده سعى في تحصيله والكسب الطلب والسعي في الرزق ونفقة الأصل الفقير واجبة على فرعه عند الشافعي رضي الله عنه قال وقوله من كسبكم خبر إن ومن ابتدائية يعني إن أطيب أكلكم مبتدئا بما كسبتموه بغير واسطة أو بواسطة من كسب أولادكم
(تخ ت ن هـ) في البيع إلا الترمذي ففي الأحكام (عن عائشة) لكن لفظ أبي داود وابن ماجه " ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " والحديث حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وهما لا يعرفان(2/425)
2206 - (إن أعظم الذنوب) أي من أعظمها على وزان قولهم فلان أعقل الناس أي من أعقلهم (عند الله أن يلقاه بها عبد) أي أن يلقى الله بها ملتبسا (بعد الكبائر التي نهى الله عنها) في القرآن والسنة (أن يموت الرجل وعليه دين) جملة حالية (لا يدع) أي لا يترك (له قضاء) (1) قال الطيبي: قوله أن يلقاه خبر وأن يموت بدل منه لأنك إذا [ص:426] قلت إن أعظم الذنوب عند الله موت الرجل وعليه دين استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ورجل مظهر أقيم مقام العبد أو لاستبعاد ملاقاته مالكه بهذا الشين ثم إعادته بلفظ رجل وتنكيره تحقيرا وتوهينا له وإنما جعله هنا دون الكبائر لأن الاستدانة لغير معصية غير معصية والقائم بعدم وفائه بسبب عارض من تضييع حق الآدميين وأما الكبائر فمنهية لذاتها
(حم د) في البيوع (عن أبي موسى) الأشعري ولم يضعفه فهو صالح وسنده جيد
_________
(1) وهذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية(2/425)
2207 - (إن أعظم الناس) أي من أعظمهم (خطايا) جمع خطيئة وهو الإثم والذنب (يوم القيامة) يوم وقوع الجزاء (أكثرهم خوضا في الباطل) أي مشيا فيه إذ {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وكم من كلمة لا يلقى لها الخائض بالا يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا كما سبق قال في المصباح: خاض الرجل في الماء مشى فيه وخاض في الأمر وخاض في الباطل دخل فيه. وقال الزمخشري: من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي بيطل مع المبطلين
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في الصمت) أي في كتابه الذي ألفه في فضل الصمت (عن قتادة) ابن دعامة (مرسلا)(2/426)
2208 - (إن أعمال العباد تعرض (1)) زاد في رواية على رب العالمين (يوم الإثنين ويوم الخميس) فليستح عبد أن يعرض على من أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه ولا يعارضه خبر رفع عمل الليل قبل النهار والنهار قبل الليل لأنها تعرض كل يوم ثم تعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم أعمال السنة في شعبان فيعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة استأثر بها الله أو أطلع عليها من شاء أو المراد تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو عكسه
(حم د عن أسامة بن زيد) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فذكره
_________
(1) ومعنى العرض هنا الظهور وذلك أن الملائكة تقرأ الصحف في هذين اليومين(2/426)
2209 - (إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل) يوم (خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) أي قريب بنحو إساءة أو هجر فعمله لا ثواب فيه وإن كان صحيحا وسبق أنه لا تلازم بين الصحة وعدم القبول وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة أي إن كان بما ذكر بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة كما قاله العلامة الولي العراقي ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال والعشية ما بين العشاءين أو آخر النهار أو من الزوال إلى الصباح أو أول ظلام الليل أو غير ذلك وهي مؤنثة وربما ذكرت على معنى العشي قال في الاتحاف: ذكر العرض في الوقت المذكور بفهم أنه لا يقع في غيره وليس مرادا لما ورد أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس وعليه فذكر العرض المتعلق بهذا في عشية الخميس لاحتمال التخصيص بهذا العمل بترك العشية ويحتمل وهو أقرب أن الحكم بعدم القبول يؤخر إلى ليلة الجمعة في العشية المذكورة فإن رجع إلى الحق وتاب قبل العمل عشية الخميس وإلا رد وفيه إشارة إلى أن الشخص ينبغي له تفقد نفسه في تلك العشية ليلقى ليلة الجمعة على وجه حسن
(حم خد عن أبي هريرة) قال الهيثمي كالمنذري رجاله ثقات(2/426)
[ص:427] 2210 - (إن أغبط الناس عندي) في رواية إن أغبط أوليائي أي أحسنهم حالا (لمؤمن خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي قليل المال خفيف الظهر من العيال (ذو حظ من الصلاة) أي ذو راحة من مناجاة الله فيها واستغراق في المشاهدة ومنه خبر أرحنا يا بلال بالصلاة (أحسن عبادة ربه) تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص وعليه فقوله (وأطاعه في السر) عطف تفسيري على أحسن (وكان غامضا في الناس) أي مغمورا غير مشهور (لا يشار إليه) أي لا يشير الناس إليه (بالأصابع) بيان وتقرير لمعنى الغموض (وكان رزقه كفافا) أي بقدر الكفاية لا يزيد ولا ينقص (فصبر على ذلك) بين به أن ملاك ذلك كله الصبر وبه يقوى على الطاعة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} (عجلت منيته) أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة (وقل تراثه (1)) وزاد في رواية وقلت بواكيه: أي لقلة عياله وهوانه على الناس وعدم احتفالهم به قال ابن عربي: هؤلاء هم الرجال الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها رجال اقتطعهم الله إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة وليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبهم فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة لا يعرفون بخرق عادة ولا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة فهم الأتقياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس والأولياء الأكابر إذا تركوا أنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلا لعلمهم بأنه تعالى إنما خلقهم له فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق بغير اختيار منهم بما يجعل في قلوب الخلق لهم فذلك إليه ما لهم فيه عمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدرا يعظمونهم من أجله فذلك إليه سبحانه فلا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم اختاروا الستر والانقطاع إليه (تتمة) قال ابن عطاء الله: لا تنسبن نفسك لعفاف ولا لتقلل وكفاف ولكن اشهد فضل الله عليك
(حم ت هـ ك) في الأطعمة وصححه (عن أبي أمامة) قال ابن القطان وأخطأ من عزاء لأبي هريرة قال في المنار: وهو ضعيف إذ يرويه عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم وهم ضعفاء اه قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له بل هو إلى الضعف ما هو قال الحافظ العراقي رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين وقال ابن الجوزي حديث لا يصح رواته ما بين مجاهيل وضعفاء ولا يبعد أن يكون معمولهم اه
_________
(1) أي المال الذي خلفه وهذا صفة أويس الفرني وأضرابه من أهل الظاهر وفي الأولياء من هو أرفع درجة من هؤلاء وهو عبد قد استعمله الله فهو في قبضته به ينطق وبه يبصر وبه يسمع وبه يبطش جعله صاحب لواء الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء وخاصة الله وموقع نظره ومعدن سره وسوطه يؤدب به خلقه ويحيي القلوب الميتة برؤيته وهو أمير الأولياء وقائدهم والقائم بالثناء على ربه بين يدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يباهي به الملائكة وهو القطب(2/427)
2211 - (إن أفضل الضحايا) جمع أضحية وضحية (أغلاها) بغين معجمة (وأسمنها) أكثرها شحما ولحما يعني التضحية بها أكثر ثوابا عند الله تعالى من الهزيلة كما سبق تقريره قال الشافعية والأسمن أفضل من العدد وكثير اللحم غير الرديء خير من كثير الشحم <تنبيه> قال في المصباح: الأضحية فيها لغات ضم الهمزة في الأكثر وهي في تقدير أفعولة وكسرها اتباعا لكسرة الحاء والجمع أضاحي والثالثة ضحية والجمع ضحايا كعطية وعطايا والرابعة أضحاه بفتح الهمزة [ص:428] والجمع أضحى ومنه عيد الأضحى وضحى تضحية ذبح الأضحية وقت الأضحى هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت شاء من أيام التشريق
(حم ك عن رجل) من الصحابة(2/427)
2212 - (إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) أي يقصد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يعني هو أكثر الأعمال ثوابا وسبق الجمع بينه وبين نحو خبر أفضل الأعمال الصلاة
(طب عن بلال) المؤذن(2/428)
2213 - (إن أفضل عباد الله يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وكشف الغطاء ونتيجة الأمر (الحمادون) لله أي الذين يكثرون حمد الله أي وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السراء والضراء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام حتى في حال الانتقام قال في الكشاف والتحميد في الجنة على وجه اللذة لا الكلفة
(طب عن عمران بن حصين) بالتصغير(2/428)
2214 - (إن أفواهكم طرق للقرآن) أي للنطق بحروف القرآن عند تلاوته (فطيبوها بالسواك) أي نظفوها لأجل ذلك باستعمال آلة السواك المعروفة إظهارا لشرف العبادة ولأن الملك يضع فمه على فم القارىء فيتأذى بالريح الكريه قال الغزالي: وينبغي أن ينوي بالسواك تطهير فمه للقراءة زذكر الله في الصلاة هذا لفظه <تنبيه> أخذ بعض الصوفية من هذا أنه كما شرع تنظيف الأفواه للقراءة من الدنس الحسي يشرع من القذر المعنوي فيتأكد لحملة القرآن صون اللسان عن نحو كذب وغيبة ونميمة وأكل حرام إجلالا لكلام الملك العلام ولهذا قال بعضهم: طهروا أفواهكم للقراءة فإن من يدنس فمه بطعام أو كلام حرام كمن يكتب القرآن على نجاسة والقوم يشهدون القذر الحكمي كالحسي فيرون تضمخ اللسان مثلا بدم اللثة أخف من تضمخه بغيبة ونميمة
(أبو نعيم) الحافظ (في كتاب) فضل (السواك) له (والسجزي في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير المؤمنين وهو عند أبي نعيم من حديث بحر بن كثير السقا قال الذهبي في الضعفاء اتفقوا على تركه عن عثمان بن عمر وابن ساج أورده أيضا في الضعفاء وقال: تكلم فيه عن سعيد بن جبير عن علي قال الديلمي: وسعيد ولم يدرك عليا اه. فعلم أن فيه ضعفا وانقطاعا ورواه ابن ماجه موقوفا على علي وهو أيضا ضعيف وقد بسط مغلطاي ضعفه ثم أفاد أنه وقف عليه من طرق سالمة من الضعفاء عن علي مرفوعا بلفظ إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شيء إلا دخل جوف الملك فطهروا أفواهكم بالسواك اه(2/428)
2215 - (إن أقل ساكني الجنة النساء) أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين: القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيرا فيكون سكناهن في الجنة قليلا بالنسبة لمن دخل قبلهن وإنما قلنا ذلك لأن السكنى في الجنة غير متناهية فلا توصف بقلة ولا كثرة
(حم م عن عمران بن حصين)(2/428)
2216 - (إن أكبر الإثم عند الله) أي أعظمه عقوبة عليه (أن يضيع الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد كل من تلزمه نفقة غيره (من [ص:429] يقوت) أي من عليه قوته أي تلزمه مؤونته من نحو زوجة وأصل وفرع وخادم بترك الإنفاق عليهن مع اليسار وفقد الأعذار والمراد أن ذلك من أكبر الآثام لا الأكبر مطلقا فقتلهم أكبر جرما من عدم إنفاقهم وتجويعهم وتقدم لذلك نظائر
(طب عن ابن عمرو) بن العاص(2/428)
2217 - (إن أكثر) بثاء مثلثة (الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) لفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه في الآخرة بدل القيامة فليحرر فإن بعض الناس يعذب يوم القيامة بالجوع وبعضهم يؤذن له في الأكل من أرض المحشر التي هي خبزة بيضاء ومقصود الحديث التنفير من الشبع لكونه مذموما فإن من كثر أكله كثر شربه فكثر نومه فتلبد ذهبه فقسا قلبه فكسل جسمه ومحقت بركة عمره ففتر عن عبادة الودود فطرد يوم القيامة عن مناهل الورود فإن لم يحفه لطف المعبود ورد النار وبئس الورد المورود وحكم عكسه عكس حكمه فمن اشتغل قلبه بما يصير إليه من الموت وما بعده منعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته فجاء يوم القيامة شبعان وفوائد الجوع العاجلة والآجلة المتكلفة بالرفعة في الدارين لا تحصى فإن أردت الوقوف عليها فعليك بنحو الإحياء ولا يعارضه خبر أنهم أكلوا عند أبي الهيثم حتى شبعوا لأن المنهي عنه الشبع المثقل للمعدة المبطىء بصاحبه عن العبادة كما تقرر والقسطاس المستقيم ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. <تنبيه> ذكروا أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة: الأول ما تقوم به الحياة والثاني يزيد حتى يصوم ويصلي من قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقدر على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مندوبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد عليه وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهو البطنة المنهي عنها وهذا حرام. قال ابن حجر: ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني
(خاتمة) قال العارف ابن عربي: أركان الطريق أربعة الصمت والجوع والعزلة والسهر وينشأ عن هذه الأربعة معرفة الله والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه وأعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة تبدلت بشريته ملكية وعبودية سيادة وعقله حسا وغيبته شهادة وباطنه ظاهرا وإذا رحل عن موضع وترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أهل ذلك الموطن فإن ظهر شوق من أناسي ذلك الموطن شديد لذلك الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تكسها بدله فكلمتهم وكلمته وهو غائب
(هـ ك عن سليمان) وفيه عند ابن ماجه محمد بن الصباح قال في الكاشف وثقه أبو زرعة وله حديث منكر وزيد بن وهب قال في ذيل الضعفاء ثقة مشهور وقال النسوي في حديثه خلل كبير وقال ابن حجر أخرجه ابن ماجه عن سليمان بسندين وخرجه عن ابن عمر بنحوه وفي سنده مقال وخرجه البزار عن أبي جحيفة بسند ضعيف(2/429)
2218 - (إن أكثر) بمثلثة بخط المؤلف (شهداء أمتي لأصحاب الفرش) أي الذين يألفون النوم على الفراش ولا يهاجرون الفراش ويتصدون للغزو. قال الحكيم هؤلاء قوم اطمأنت نفوسهم إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعا وبذلوها له إيثارا لمحبته على محبتها فهم ومن قتل في معركة الكفار سيان فينالون منازل الشهداء لأن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار وهؤلاء بذلوها طول الأعمار (ورب قتيل بين الصفين) في قتال الكفار بسببه (الله أعلم بنيته) هل هي نية إعلاء كلمة الله وإظهار دينه أو ليقال شجاع باسل أو لينال حظا وافرا من الغنائم أو يكثر ماله ليطلب الملك والرياسة وغير ذلك من المقاصد التي لا يطلع عليها إلا المطلع على الضمائر. [ص:430]
<تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة أنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله
(حم عن ابن مسعود) جزم المصنف بعزوه لأحمد عن ابن مسعود غير جيد وذلك لأن أحمد إنما قال عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمدا خبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الهيثمي: هكذا رواه أحمد ولم أره ذكر ابن مسعود والظاهر أنه مرسل وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات اه نعم قال ابن حجر في الفتح الضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد خرجه في مسند ابن مسعود قال ورجال سنده موثقون(2/429)
2219 - (إن أمامكم) في رواية ورائكم (عقبة) أي جبل (كؤود) بفتح الكاف أي شاقة المصعد (لا يجوزها المثقلون) من الذنوب المتضمخون بأدناس العيوب أي إلا بمشقة عظيمة وكرب شديد بل من طهر قلبه عن الأخلاق الذميمة وعمره بالخصال الحميدة وكلما غدا المطلب وشرف صعب مسلكه وطال منهجه وكثرت عقباته وشقت مقاساته وتلك العقبة هي الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي الله ثم الحساب ثم الجنة أو النار. قال ذو النون: حق لابن آدم أن تبكي السماوات والأرض لخفاء السابقة وإبهام العاقبة ومطالبة الشريعة وثقل التكليف وسقوط العذر وكثرة ما أمامه من العقبات وكما أن أمام ابن آدم عقبات أخروية فأمامه قبلها عقبات دنيوية. قال حجة الإسلام: وهي سبع مترتبة عقبة العلم وعقبة التوبة وعقبة العوائق وعقبة البواعث وعقبة الفوادح وعقبة الحمد والشكر وشرح ذلك مما لا يحتمل المقام بعضه
(هب ك) في الفتن عن أم الدرداء (عن أبي الدرداء) وقال صحيح وأقره الذهبي وسببه كما في الطبراني قالت أم الدرداء لأبي الدرداء ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فساقه ثم قال فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة قال الهيثمي رجاله ثقات(2/430)
2220 - (إن أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة والمراد المتوضئون منهم (يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون. قال الراغب: الدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل يا من غير أن ينضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان قد يستعمل كل منهما محل الآخر ويستعمل استعمال التسمية كدعوت ابني زيدا أي سميته (يوم القيامة) أي موقف الحساب أو الميزان أو الصراط والحوض أو غير ذلك (غرا) بضم فتشديد جمع أغر أي ذو غرة والغرة بالضم بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو حال أي أنهم إذا دعوا يوم التنادي على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف أو كانوا على هذا النعت. قال الطيبي: ولا تبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة الأحمر للمناسبة بين الاسم والمسمى (محجلين) من التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في غيره قل أو كثر بعد ما يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين (من آثار الوضوء) بضم الواو وجوز القشيري فتحها على أنه الماء ولا دلالة في هذا على أن الوضوء من خصائصنا بل الغرة والتحجيل خاصة بدليل ما رواه البخاري في قصة سارة (1) فقامت تتوضأ وقصة جريح الراهب قام فتوضأ وأما خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء مع قبلي مع احتمال أنه من خصائص الأنبياء لا أممهم كما مر بسطه فضعيف (فمن استطاع) أي قدر (منكم) أيها المؤمنون (أن يطيل غرته) أي وتحجيله على وزن {سرابيل تقيكم الحر} [ص:431] واقتصر على الغرة لشمولها للتحجيل على ما عليه كثير أو لأن محلها أشرف الأعضاء وأول ما يقع عليه النظر وزعم أنه كنى بالغرة عن التحجيل لعدم إمكان غسل زيادة في الوجه باستلزامه قلب اللغة وما نفاه ممنوع بإمكان غسله إلى صفحة العنق ومقدم الرأس ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على الغرة والتحجيل معا متوقف على ثبوت وروده وأنى به (فليفعل) أي فليفعل الإطالة بأن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائدا على الواجب وما فوق الواجب من يديه ورجليه واعلم أن الاستطاعة إذا أضيفت للعبد فهي والقدرة والقوة بمعنى عند أهل الأصول وهي نوعان أحدهما سلامة الأسباب والآلات وهي متقدمة على الفعل إجماعا وحدها التهيؤ لتنفيذ الفعل عن إرادة المختار والثاني حقيقة القدرة وهي نوع جدة يترتب على إرادة الفعل إرادة جازمة مؤثرة في وجوده والاستطاعة هنا من الطراز الأول ومعناه من قدر منكم أن يعرف ويشتهر في عرصات القيامة وينادى بذلك فليفعل تلك الإطالة فحذف المفعول اختصارا وفيه رد على منع ندب إطالتهما كالأئمة الثلاثة وتأويلهم الإطالة المطلوبة بإدامة الوضوء عورض بأن الراوي أدرى بما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع ونقل ابن تيمية وابن القيم وابن جماعة عن جمع من الحفاظ أن قوله فمن استطاع إلى آخره زيادة مدرجة من كلام أبي هريرة وقال ابن حجر: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير زيادة نعيم هذه
(ق) في الطهارة (عن أبي هريرة) لكن قال مسلم يأتون بدل يدعون وسببه كما في مسلم أن نعيم بن عبد الله رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى بلغ إلى الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره
_________
(1) أي مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا الوضوء(2/430)
2221 - (إن أمتي) أي أمة الإجابة (لن) وفي لفظ لا (تجتمع على ضلالة) ومن ثم كان إجماعهم حجة (فإذا رأيتم اختلافا) في أمر الدين كالعقائد والدنيا كالتنازع في شأن الإمامة العظمى أو نحو ذلك (فعليكم بالسواد الأعظم) من أهل الإسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه فمن خالف مات ميتة جاهلية
(هـ عن أنس) بن مالك ورواه عنه أيضا الدارقطني في الأفراد وابن أبي عاصم واللالكائي قال ابن حجر رحمه الله تعالى: حديث تفرد به معاذ بن رفاعة عن أبي خلف ومعاذ صدوق فيه لين وشيخه ضعيف(2/431)
2222 - (إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا) وفي رواية بدله مواتيا (حتى يتكلموا في الولدان والقدر) بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئا
(طب) وكذا البزار (عن ابن عباس) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اه وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أولى(2/431)
2223 - (إن أمين هذه الأمة) أي الثقة الرضي (أبو عبيدة) عامر (بن الجراح) قد شاركه غيره من الصحب في الأمانة لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليه وكان أخص بها وناهيك بمن قال عمر رضي الله [ص:432] عنه في حقه عند عهده بالخلافة: لو كان حيا (1) لاستخلفته (2) (وإن حبر هذه الأمة) بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح أي عالمها (عبد الله ابن عباس) ترجمان القرآن كيف لا وقد دعا له المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
(خط عن) عبد الله (ابن عمر) ابن الخطاب وفيه كوثر بن حكيم قال الذهبي في الضعفاء تركوه وضعفوه اه وساقه في الميزان في ترجمة الحسن بن محمد البغدادي وقال هذا باطل وقال في اللسان هذا لا ذنب فيه للحسين والحمل فيه على كوثر فإنه متهم بالكذب
_________
(1) أي لأنه توفي في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك سنة ثمان عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان رضي الله عنه يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن ولما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسين ورحلة فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل وقال عمر لأصحابه به تمنوا فقال رجل أتمنى أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح اه من صفة الصفوة لابن الجوزي
(2) تتمته كما في صفة الصفوة فإن سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح(2/431)
2224 - (إن أناسا من أمتي) أمة الإجابة (يأتون بعدي) أي بعد موتي (يود) أي يحب ويتمنى (أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله) هذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد وجد في كل عصر من يود ذلك ممن لا يحصى حتى قال بعض الأكابر: لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عشت ذلك اليوم
(ك) في المناقب (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي(2/432)
2225 - (إن أناسا من أمتي يستفقهون في الدين) أي يتفقهون في أحكامه فيصيرون فقهاء (ويقرأون القرآن ويقولون) أي يقول بعضهم لبعض (نأتي الأمراء) أي ولاة أمور الناس (فنصيب من دنياهم) حظا يعود نفعه علينا (ونعتزلهم بديننا) فلا نوافقهم على ارتكاب المعاصي (ولا يكون ذلك) أي السلامة من ارتكاب الآثام مع مخالطتهم والإصابة من دنياهم (كما لا يجتني من القتاد) شجر كثير الشوك ينبت بنجد وتهامة وفي المثل دونه خرط القتاد (إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا) لأن الدنيا خضرة وحلوة وزمامها بأيدي الأمراء ومخالطهم لا ينفك عن التكلف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم وتحسين حالهم لهم مع ما هم عليه من الظلم وذلك هو السم القاتل فمخالطتهم مفتاح لعدة شرور. قال الغزالي: إذا مالت قلوب العلماء إلى الدنيا وأهلها سلبها الله ينابيع الحكمة وأطفأ مصابيح الهدى من قلوبهم
(د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا(2/432)
[ص:433] 2226 - (إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل) أي نأمر بالمعروف ولا نأتمر وننهى عن المنكر ونأتيه والحديث ناع على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث فعله (1) ولهذا قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم ولا يعمل كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وروي أن رجلا كان يخدم موسى عليه السلام وكان يعظه فلم يتعظ فدعا عليه فخرج ففقده فلم يجد له أثر حتى جاء رجل وبيده خنزير بحبل في عنقه فقال أتعرف فلانا؟ هو ذا فسأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرده لحاله فيسأله فأوحى الله إليه لو دعوتني بما دعاني آدم فمن دونه ما أجبتك فيه لكن أخبرك أنه كان يطلب الدنيا بالدنيا قال العارف البسطامي: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم وخطره قال الغزالي رحمه الله: وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول إذا كان ورود هذا الخطر العظيم في العلم فتركه أولى فلا تظنن ذلك فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلعت ليلة المعراج على النار فرأيت أكثر أهلها الفقراء قالوا من المال؟ قال لا من العلم فمن لم يتعلم العلم لا يمكنه إحكام العبادة والقيام بحقوقها ولو أن رجلا عبد الله بعبادة ملائكة السماء بغير علم كان من الخاسرين فتشمر في طلب العلم والتلقين والتدريس واجتنب الكسل والملال وإلا فأنت في خطر الضلال
(طب عن الوليد بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وهو ابن أبي معيط الأموي أخو عثمان لأمه من الطلقاء استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وولى الكوفة ولما قتل أخوه اعتزل الفتنة بالرقة. قال الهيثمي: وفيه أبو بكر بن حكيم الداهري ضعيف جدا انتهى وسبقه الذهبي فقال: الداهري متهم
_________
(1) وفي قصة الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأناس تقرض شفاههم وألسنتهم بالمقاريض فقال صلى الله عليه وسلم من هؤلاء فقال له جبريل هؤلاء خطباء السوء من أمتك يقولون ما لا يفعلون(2/433)
2227 - (إن أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدعاء) أي الصلاة فهي أعظم أنواع البر بحيث بلغت لعظمتها أنه لو وضع ثوابها في كفة ووضع ثواب جميع أنواع العبادات في كفة لعادلتها وحدها واحتمال إجرائه على ظاهره من إرادة حقيقة الدعاء يحتاج إلى تعسف في التوجيه (1)
(ابن صصري في أماليه) الحديثية (عن أنس) بن مالك
_________
(1) وحمله العزيزي على ظاهره فإنه قال فلو وضع ثوابه في كفة ووضع ثواب جميع العبادات في كفة لعادلها وهذا خرج على منهج المبالغة في مدحه والحث عليه(2/433)
2228 - (إن أهل الجنة ياكلون فيها ويشربون) أي يتنعمون فيه بالأكل وغيره تنعما لا آخر له على هيئة نعيم الدنيا لكن لا نسبة بينهما في اللذة والنفاسة (و) لكن (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون) كما لأهل الدنيا (ولا يتمخطون) أي لا يكون لهم مخاط (ولكن طعامهم ذلك) أي رجيع طعامهم الذي يطعمونه (جثاء) كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (ورشح كرشح المسك) وعرق يخرج من أبدانهم رائحته كرائحة المسك في الذكاء يعني أن العرق الذي يترشح منهم ريحه كالمسك وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم لما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لا عجم لها ولا ثقل لم تكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب الدنيا. قال السمهودي: وهذه الصفات لا تختص بالزمرة الأولى التي اقتصر عليها في إحدى روايات [ص:434] الصحيح قال ونعيم أهل الجنة ولباسهم وطعامهم ليس عن دفع ألم يعتريهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة وحكمته أنه تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم عليه ما لم يعلمه إلا هو (يلهمون التسبيح والتحميد) أي يوفقون لهما والإلهام إلقاء شيء في النفوس يبعث على فعل أو ترك (كما تلهمون) بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم (النفس) بفتح الفاء بضبط المصنف وفي نسخة التنفس بزيادة تاء قبل النون وهي من زوائد النساخ إذ لا وجود لها في خط المصنف يعني يعني لا يتعبون من التسبيح والتهليل كما لا تتعبون أنتم من التنفس ولا يشغلهم شيء عن ذلك كالملائكة أو أراد أنها تصير صفة لازمة لا ينفكون عنها كالتنفس اللازم للحيوان وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم تنعمت برؤيته وغمرتهم سوابغ نعمته فامتلأت قلوبهم بمحبته وألسنتهم ملازمة لذكره رهينة لشكره ومن أحب شيئا أكثر من ذكره
(حم م د عن جابر) قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم قال إن الذي يشرب يكون له الحاجة الجنة مطهرة فذكره(2/433)
2229 - (إن أهل الجنة يتراءون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف) أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة (كما يتراءون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية (1) وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة (الكواكب في السماء) يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض. قال الزمخشري: والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم
(حم ق عن سهل بن سعد) الساعدي
_________
(1) وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين(2/434)
2230 - (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون) أنتم يا أهل الدنيا فيها (الكوكب الدري) بضم فكسر مشددا نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره (الغابر) بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والمراد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى (فائدتان) إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة: إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات [ص:435] (في) رواية لمسلم من (الأفق) متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا (من المشرق والمغرب) شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد (لتفاضل ما بينهم) يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار. ذكره الطيبي
(حم ق) في صفة الجنة (عن أبي سعيد) الخدري (ت هـ عن أبي هريرة) وحسنه وقضية صنيع المؤلف أن ما أورده هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح البخاري قالوا يا رسول الله تلم منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين انتهى بنصه(2/434)
2231 - (إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم) منزلة (كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء) أي طرفها (وإن أبا بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (منهم وأنعما) أي زادا في الرتبة وتجاوزا تلك المنزلة فقوله وأنعما عطف على المقدر في منهم أي أنهما استقرا منهم وأنعما وقيل أراد بأنعما صارا إلى النعيم (1) وسيلقاك لهذا تتمة على الأثر
(حم ت هـ حب عن أبي سعيد) الخدري (طب عن جابر بن سمرة) قال الهيثمي فيه الربيع بن سهل الواسطي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) بن العاص (وعن أبي هريرة) رضي الله عنهما وذكر الديلمي أن الشيخين خرجاه
_________
(1) أي ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال وفي بعض طرق الحديث قيل ما معنى وأنعما قال وأهل ذلك هما(2/435)
2232 - (إن أهل عليين يشرف) أي ينظر ويعلو (أحدهم على الجنة) أي لينظر إليها من محل عال قال في الصحاح وغيره: الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال وأشرف عليه اطلع من فوق (فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا) فأصل ألوان أهل الجنان البياض كما في الأوسط والصغير للطبراني بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعا في وصفهم جرد بيض جعد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين وعند الطبراني من حديث ابن عمر جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل واستفهم فقال فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام (وإن أبا بكر وعمر منهم) أي من أهل عليين (وأنعما) قال الزمخشري: كلمة نعم استعملت في حمد كل شيء واستجادته وتفضيله على جنسه ثم قيل إذا عملت عملا فأنعمه أي فأجده وجيء به على وجه [ص:436] يثني عليه بنعم العمل هذا ومنه دق الدواء دقا ناعما ودقه فأنعم دقه ومنه قوله هنا وأنعما أي فضلا وزادا على كونهما من جملة أهل عليين انتهى
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي سعيد) الخدري(2/435)
2233 - (إن أهل الجنة يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضا فيها (على النجائب) جمع نجيبة قال الأزهري: وهي عتاق الإبل التي يسابق عليها انتهى وبه يتبين سر تعبيره بالنجائب دون النوق (بيض) صفة النجائب (كأنهن الياقوت) أي الأبيض إذ هو أنواع (وليس في الجنة شيء من البهائم) جمع بهيمة (إلا الإبل والطير) أي بسائر أنواعها فإن قلت: سيجيء في خبر إن فيها الخيل أيضا وذلك يعارض الحصر المذكور هنا قلت: ويمكن التوفيق بأنها جنان متعددة فبعضها ليس فيها من البهائم إلا ذينك وبعضها فيه خيل فقط والبعض فيه الكل والبهيمة تطلق ويراد بها كل ذات أربع من دواب البر والبحر ويطلق ويراد كل حيوان لا يميز
(طب عن أبي أيوب) الأنصاري قال الهيثمي رحمه الله: وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف(2/436)
2234 - (إن أهل الجنة يدخلون على الجبار) سبحانه (كل يوم مرتين) أي في مقدار كل يوم من أيام الدنيا مرتين فإن قلت: ما حكمة تعبيره هنا بالجبار دون غيره من الأسماء والصفات قلت: لأن الجبار إما من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله وهو تلافي خلل المؤمنين بالعفو عن مسيئهم ورفع درجات مقصريهم في الأعمال وإما من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم فهو أعلى العباد فهو إشارة إلى أنهم يؤذن لهم في العروج إلى حضرة عالية المنار رفيعة المقدار وبذلك علم أن الدخول لا في مكان بل تجوز به على مشاكلة ما للملوك (فيقرأ عليهم القرآن) زاد في رواية فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك (وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه) أي الذي يستحق أن يكون مجلسا له على قدر درجته (على منابر) جمع منبر (الدر والياقوت والزمرد (1) والذهب والفضة) يحتمل أن المراد أن المنابر منها ما هو لؤلؤ ومنها ما هو ياقوت وهكذا وأن المراد كل منبر مركب من جميع المذكورات ولا مانع أن المراد أن منها ما هو بسيط ومنها ما هو مركب ثم إن جلوسهم عليها يكون (بالأعمال) أي بحسبها فمن يبلغ به عمله أن يكون كرسيه ذهبا جلس على الذهب ومن يقصر عنه يكون على الفضة وهكذا فرفع الدرجات في الجنة بالأعمال ونفس الدخول بالفضل (فلا تقر أعينهم قط) أي تسكن سكون سرور (كما تقر بذلك) أي بجلوسهم ذلك المجلس وسماعهم للقرآن. قال في الصحاح وغيره: قرت عينه تقر بكسر القاف وبفتحها ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا يطمح إلى ما فوقه ويقال حتى تبرد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة وفي المصباح: قرت العين قرة بالضم وقرورا بردت سرورا قال الزمخشري: ومن المجاز قرت عينه وأقر الله بها عينه ويقر عيني أن أراك انتهى. (ولم يسمعوا شيئا أعظم منه) في اللذة والسرور والطرب (ولا أحسن منه) في ذلك (ثم ينصرفون) راجعين (إلى رحالهم) جمع رحل وهو المنزل (وقرة أعينهم) أي سرورهم ولذتهم بما هم فيه من النعيم المقيم (ناعمين) أي منعمين [ص:437] (إلى مثلها) أي إلى مثل تلك الساعة (من الغد) فيدخلون على الجبار أيضا وهكذا إلى ما لا نهاية له فإن قلت: قوله هنا يدخلون عليه في كل يوم مرتين ويقرأ عليهم إلى آخره قد يعارضه ما في الخبر المار أنهم إنما يدخلون عليه في كل أسبوع مرة يوم الجمعة قلت: قد يمكن الجواب بأن الدخول اليومي للجلوس بالحضرة وسماع القراءة مع وجود الحجاب عن النظر والدخول الأسبوعي للرؤية فلا تعارض أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقامات قال ابن عطاء الله قال البسطامي إن في الجنة أناسا إذا حجب المولى عنهم طرفة عين استغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن بريدة) بن الحصيب الأسلمي
_________
(1) الزمرد بثقل الراء مضمومة والذال معجمة هو الزبرجد والدال المهملة تصحيف الواحدة زمردة(2/436)
2235 - (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) أراد علماء طريق الآخرة (وذلك أنهم يزورون الله في كل جمعة) أي مقدارها من الدنيا وهذه زيارة النظر كما نقرر وتلك زيارة سماع القرآن ولم أر من تعرض لذلك (فيقول لهم تمنوا علي ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء) أي يعطفون عليهم ويصرفون وجوههم إليهم قال في المصباح: التفت بوجهه ولفته صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال وقال الزمخشري: لفت رداءه على عنقه عطفه (فيقولون ماذا نتمنى فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا) الظاهر أن المراد أنهم يقولون لطائفة تمنوا عليه كذا وكذا فيأمرون كل طائفة بسؤال يليق بحالهم ويختلف ذلك باختلاف طبقاتهم ومقاماتهم (فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا) (1) قال حجة الإسلام رحمه الله تعالى: فيه إشارة إلى أن ما كل أحد يحسن أن يتمنى على الله ولا أن يدعوه في الدنيا والآخرة فالأولى أن لا يجاوز الإنسان في طلبه المأثور فإنه إذا جاوزه ربما اعتدى فسأل الله ما لا يقتضيه مصلحته
(ابن عساكر) في ترجمة صفوان الثقفي (عن جابر) وفيه مجاشع بن عمر قال ابن معين أحد الكذابين وقال البخاري منكر مجهول وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله موضوع انتهى وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر المذكور
_________
(1) قال الشيخ: وفي البدور للمؤلف بعد ذكر هذا وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن عبد الرحمن قال: بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا فتأتيهم الرسل من قبل ربهم فيقولون سلوا ربكم فيقولون ما ندري ما نسأل ثم يقول بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شيء أتيناهم فيأتون العلماء فيقولون إنه قد أتانا رسل ربنا تأمرنا أن نسأل فما ندري ما نسأل فيفتح الله على العلماء فيقولون لهم سلوا كذا سلوا كذا فيسألون فيعطون(2/437)
2236 - (إن أهل الفردوس) هو وسط الجنة وأعلاها (يسمعون أطيط) أي تصويت (لعرش) لأنه سقف الفردوس كما في خبر آخر والحديث مسوق لبيان غاية رفعة الفردوس وأهله وأنهم في أسنى المناصب وأرفع المراتب والأطيط صهيل نحو الخيل أو حنين أصوات الإبل والخيل يقولون شجاني أطيط الركاب وفي الحديث أيضا ليأتين على باب الجنة زمان وله أطيط قال الزمخشري: ومن المجاز أطت بكم الرحم أي رقت وحنت
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي أمامة) الباهلي(2/437)
2237 - (إن أهل البيت) من بيوت الدنيا (يتتابعون) أي يقع أثر بعضهم على بعض (في النار) أي في نار جهنم يوم القيامة [ص:438] (حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها (وإن أهل البيت يتتابعون في الجنة حتى ما) في رواية حتى لا (يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إلا دخلها وذلك لأن لكل مؤمن صالح يوم القيامة شفاعة فإذا كان في أهل البيت من هو موسوم بالصلاح شفع في أهل بيته فأدخلوا الجنة فإذا لم يكن فيهم من هو كذلك عمهم العقاب ولأنهم غالبا يتطابقون في الاعتقاد والأعمال وذلك الارتباط كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة والأول أوجه
(طب عن أبي جحيفة) بالتصغير واسمه وهب بن عبد الله قال أخبرت أن أهل الجنة إلى آخره هذا لفظ رواية الطبراني وظاهره أنه غير مرفوع خلاف ما جرى عليه المصنف من رفعه لكن هذا مما لا مجال للرأي فيه فالإخبار إما من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي عنه قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق كثير ولم ينسبه عن أبي جحيفة ولم أعرف كثيرا هذا وبقية رجاله ثقات(2/437)
2238 - (إن أهل النار) نار جهنم (ليبكون) أي بكاء الحزن (حتى لو أجريت) بالبناء للمجهول (السفن) جمع سفينة وهي معروفة (في دموعهم لجرت) لكثرتها ومصيرها كالبحر العجاج والجري إسراع حركة الشيء ودوامها (وإنهم ليبكون الدم) أي يبكون بدموع لونها لون الدم لكثرة حزنهم وطول عذابهم وهل هذا البكاء قبل دخولهم النار أو بعده ومن البين أن المراد بأهل النار بحيث أطلقوا الكفار الذين هم مخلدون لا من يدخلها من عصاة المؤمنين وبمثل هذا يقال في الخبر الآتي وما أشبهه
(ك) في الأهوال (عن أبي موسى) الأشعري وقال صحيح وأقره الذهبي(2/438)
2239 - (إن أهل النار يعظمون في النار) أي في جهنم (حتى يصير ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه) أي محل الرداء من منكبه يذكر ويؤنث في الصحاح (مسيرة سبع مئة عام) يظهر أن المراد التكثير لا التحديد وكم له من نظير (وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعا وضرسه) أي كل ضرس من أضراسه (أعظم) قدرا (من جبل أحد) أي أكبر منه وسبق أن أمور الآخرة لا تجول فيها العقول وإنما علينا التسليم والقبول
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه أحمد وغيره وكأنه أغفله ذهولا لقولهم إن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي وفي أسانيدهم يحيى القتات وهو ضعيف وبقية رجاله أوثق منه(2/438)
2240 - (إن أهل البيت ليقل طعمهم) بضم فسكون أي أكلهم للطعام والطعم بالضم الطعام والطعام اسم لما يؤكل (فتستنير بيوتهم) أي تشرق وتضيء والظاهر أن المراد بقلة الطعم الصيام ويحتمل الإطلاق وإن كان الأول أقرب ويحتمل أن المراد بالبيوت الأبدان ويحتمل حمله على ظاهره ويكون ذلك لإلف الأرواح النورانية لهم
(طس عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والعقيلي وفيه الحسن بن ذكوان قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد أحاديثه أباطيل وفيه عبد الله بن المطلب قال العقيلي مجهول وحديثه منكر غير محفوظ ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه على ذلك المؤلف في مختصرها فلم يتعقب الحكم بوضعه بشيء بل أقره(2/438)
[ص:439] 2241 - (إن أهل البيت إذا تواصلوا) أي وصل بعضهم بعضا بالإحسان والبر والتحابب والتواصل ضد التهاجر (أجرى الله تعالى عليها الرزق) أي يسره لهم ووسعه عليهم ببركة الصلة (وكانوا في كنف الله) أي حفظه ورعايته ولفظ رواية ابن لال كنف الرحمن ويظهر أن المراد بأهل البيت هنا القبائل وفيه حث عظيم على صلة الرحم وأنها توسعة للرزق وأنها عند الله بمكان والكنف بفتحتين الجانب والساتر قال الزمخشري: وتكنفوه واكتنفوه أحاطوا به من كل جانب وكنفته حفظته وكانفته عاونته ومن المجاز قولهم في حفظ الله وكنفه
(عد وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن لال والحاكم والديلمي فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد لإبهامه ثم إن فيه هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش وقد سبق ما فيهما من المقال(2/439)
2242 - (إن أهل السماء) أي جنسها الصادق بجميع السماوات (لا يسمعون شيئا من أهل الأرض) أي لا يسمعون شيئا من أصواتهم بالعبادة (إلا الأذان) للصلاة فإن صوت المؤذنين يبلغه الله إلى هنان السماء حتى يسمعه أهل الملأ الأعلى جميعا لكونه يحبه كثيرا فإن قلت: القرآن أفضل الكلام مطلقا فما بالهم لا يسمعونه؟ قلت: قد يجاب بأن عظم رتبته اقتضت أن لا يصعد إلا وملائكة يشيعونه فإن في بعض الأخبار إشعارا بأن الملائكة تشيعه لخبر إن القارىء إذا لم يقوم القراءة قومه الملك ثم رفعه
(أبو أمية) محمد بن إبراهيم بن مسلم (الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة وسكون الواو ونسبته إلى طرسوس مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي وأبو أمية بغدادي أكثر الإقامة بطرسوس فنسب إليها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (في مسنده عد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه يحيى بن عبيد الله الوصافي قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك(2/439)
2243 - (إن أهل الجنة) أي الرجال منهم (إذا جامعوا نساءهم) من الآدميين والحور أي طمثوهن (عادوا أبكارا) لفظ رواية الطبراني عدن أبكارا وهو القياس فقول المؤلف عادوا سبق قلم ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحما وأعذب فاها وأضيق مسلكا وأسخن فرجا وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم (عجيبة) ذكر العارف ابن العربي أن أهل الجنة ينكحون جميع نسائهم وجواريهم في آن واحد نكاحا حسيا بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر قال وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذا الحقيقة من حيث فكره وإنما يدركه بقوة إلهية في قلب من شاء من عباده والله على كل شيء قدير
(طص عن أبي سعيد) الخدري قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به يعلى. قال الهيثمي فيه يعلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب انتهى(2/439)
[ص:440] 2244 - (إن أهل المعروف في الدنيا) أي ما لا ينكره الشرع (هم أهل المعروف في الآخرة) التي مبدؤها ما بعد الموت قال العسكري: المعروف عند العرب ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل الفضل ثم كثر فصار اصطناع الخير معروفا يقال أنالني معروفه وقسم لي من معروفه قال حاتم. . . وأبذل معروفي له دون منكر. . . (وإن أهل المنكر في الدنيا) أي ما أنكره الشرع ونهى عنه هم (أهل المنكر في الآخرة) يقول إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه (1) وقال الحكماء: إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سببا لأعظم الآلام الروحانية
(طب عن سلمان الفارسي) قال ابن الجوزي حديث لا يصح قال أحمد تركت حديث هشام (2) بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي وبقية رجاله ثقات (وعن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة (بن برمة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن معاوية الأسدي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول فذكره قال أبو حاتم قبيصة هذا لا يصح له صحبة قال الذهبي يعني حديثه مرسل انتهى وفي التقريب مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قال الهيثمي وفيه علي بن أبي هاشم (وعن ابن عباس) وفيه عبد الله بن هارون القروي وهو ضعيف ذكره الهيثمي (حل عن أبي هريرة خط عن علي) أمير المؤمنين قال ابن الجوزي وهذا لا يصح إذ فيه محمد بن الحسين البغدادي كان يسمي نفسه لاحقا وقد وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى ذكره الخطيب وأبي الدرداء وفيه هند أم ابن قتيبة قال الجوزي مجهول
_________
(1) فالدنيا مزرعة للآخرة وما يفعله العبد من خير وشر تظهر نتيجته في دار البقاء
(2) أي أحد رجاله وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به انتهى وقال الهيثمي فيه هشام بن لاحق(2/440)
2245 - (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة (1)) قال ابن العربي حقيقة المعروف المعلوم لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب ومعنى تسميته بذلك أنه أمر لا يجهل ومعنى لا يختلف فيه كل أحد (وإن أول أهل الجنة دخولا) أي من أولهم دخولا الجنة (أهل المعروف) وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والآخرة أعواض ومكافآت روي أن أقواما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة؟ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر <تنبيه> قال القيصري: المنكر والمعروف ضدان كالليل والنهار إذا ظهر هذا غاب هذا وفي [ص:441] ذلك حكمة عظيمة لمن تفطن لها فإن المعروف مأخوذ من العرف الذي هو العادة التي عرفها الناس والمنكر هو الذي أنكرته العقول والقلوب عند رؤيته فالمنكر لا أصل له فإنه مجهول ومنكور في أصل الخلقة فإن المعروف الحق الذي لم يزل ولا يزال هو الله ومخلوقاته في الملك والملكوت والعرش والجبروت لم تعرف إلا إياه ربا ولم تعرف طاعة إلا طاعته فكان التعبد له والقيام بحقه هو المعروف فقط فلما خلق آدم عليه السلام وخلق وإبليس وذريتهما وحدثت المعاصي عن الثقلين صار العصيان منكرا أي أنكره العقل لأنه لم يألفه ولم يعهده ولا له أصل في العرف المتقدم ولهذا إذا كان المنكر مخفيا غير ظاهر لا يضر غير صاحبه الذي ظهر على قلبه وحوارحه فقط لأنه شبيه بأصله لم يعرفه أحد فإذا ظهر وفشى وجب تغييره ورده إلى أصله بإنكار النفس واللسان واليد حتى لا يبقى إلا المعروف الذي لم يزل معروفا قديما وحديثا
(طب عم أبي أمامة) الباهلي
_________
(1) يحتمل أن المراد أنهم يشفقون لغيرهم فيصدر عنهم المعروف في الآخرة كما صدر عنهم في الدنيا أو المراد هم أهل لفعل المعروف في الآخرة أي يجازيهم الله على معروفهم ولا مانع من الجمع(2/440)
2246 - (إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة) يعني في الزمن اللاحق بعد الموت وذلك لأن البطنة تذهب الفطنة وتنوم وتثبط عن الطاعات فيأتي يوم القيامة وهو جيعان عطشان وأهل الجوع في الدنيا ينهضون للعبادة فيتزودون منها للآخرة فيأتون يوم القيامة وقد قدموا زادهم فلقوه وأهل الشبع في الدنيا يقدمون ولا زاد لهم ولهذا قال الداراني: مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأمثل كل خير في الدارين الخوف
(طب عن ابن عباس) قال المنذري إسناده حسن وقال الهيثمي فيه يحيى بن سليمان القرشي الحضرمي وفيه مقال وبقية رجاله ثقات(2/441)
2247 - (إن أوثق) أي من أوثق (عرى الإسلام) أي أكثرها وثاقة أي قوة وثباتا (أن تحب في الله وتبغض في الله) (1) أي لأجله لا لعلة والوثيق كما في الصحاح الشيء المحكم وفي المصباح وثق الشيء وثاقة قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم والعرى جمع عروة وعروة القميص معروفة وعروة الكوز أذنه قال في المصباح: وقوله عرى الإسلام على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها وقال الزمخشري تستعار العروة لما يوثق به ويعول عليه
(حم ش هب عن البراء) ابن عازب قال الهيثمي فيه ليث بن سليم ضعفه الأكثر
_________
(1) فالمراد محبة الصالحين وبغض الكافرين والحالة الغير المرضية من المسلمين(2/441)
2248 - إن أولى الناس بالله) أي من أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من الولي القرب (من بدأهم بالسلام) أي أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته لأنه السابق إلى ذكر الله والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين قال في الأذكار: وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدىء بالسلام لهذا الحديث (1) اه
(د عن أبي أمامة) صدى بن عجلان الباهلي قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام فذكره قال في الأذكار والرياض: إسناده جيد وظاهر صنيع المصنف أن أبا داود قد تفرد به من الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي وابن ماجه
_________
(1) روى إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم بالسلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب(2/441)
2249 - (إن أولى الناس بي يوم القيامة) أقربهم مني يوم القيامة وأولاهم بشفاعتي وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات (أكثرهم علي صلاة) في الدنيا لأن كثرة الصلاة تدل على نصوح العقيدة وخلوص [ص:442] النية وصدق المحبة والمداومة على الطاعة والوفاء بحق الواسطة الكريمة ومن كان حظه من هذه الخصال أوفر كان بالقرب والولاية أحق وأجدر قالوا وهذه منقبة شريفة وفضيلة منيفة لأتباع الأثر وحملة السنة فيا لها من منة (1)
(تخ ت حب عن ابن مسعود) وقال الترمذي حسن غريب وقال ابن حبان صحيح وفيه موسى بن يعقوب الزمعي قال النسائي ليس بقوي لكن وثقه ابن معين وأبو داود وساق له ابن عدي عدة أحاديث استنكرها وعد هذا منها
_________
(1) إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال أبو نعيم هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الأثر ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا(2/441)
2250 - (إن أول ما يجازى به) العبد (المؤمن بعد موته) على عمله الصالح (أن يغفر) بالبناء للمفعول ويجوز للفاعل وهو الله تعالى (الجميع من تبع جنازته) أي شيعها من ابتداء خروجها إلى انتهاء دفنه وفي رواية بدل من تبع جنازته من شيعه وبه يعلم أن المراد بمن تبع من شيع وإن كان أمامه لا خلفه وفيه شمول للكبائر وفضل الله واسع لكن قياس نظائره الصغائر وإذا كان مما يجازى به الغفران لغيره لأجله فالغفران له هو من باب أولى وهل اللام للاستغراق أو الجنس فيشمل حتى الفاسق المصر أو هي للعهد والمعهود المؤمن الكامل أو التائب احتمالات ويظهر أن الكلام في الرجال لقوله للنساء في الخبر المار ارجعن مأزورات غير مأجورات
(عبد بن حميد والبزار) في مسنده (هب عن ابن عباس) وضعفه المنذري قال الهيثمي فيه مروان بن سالم الشامي ضعيف وفي الميزان مروان بن سالم قال الدارقطني متروك والشيخان وأبو حاتم منكر الحديث ثم ساق له مناكير ذا منها وقال عقبه هذا منكر اه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات(2/442)
2251 - (إن أول الآيات) أي علامات الساعة (خروجا) أي ظهورا تمييز (طلوع الشمس من مغربها) قال ابن كثير: أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج قبلها لأنها أمور مألوفة إذ هم مثلهم بشر (وخروج الدابة) (1) هذا غير مألوف أيضا فإنها تخرج (على الناس ضحى) بضم الضاد وفتحها على شكل غريب غير معهود وتخاطب الناس وتسمهم بالإيمان أو الكفر وذلك خارج من مجاري العادات (فأيتهما كانت قبل صاحبتيها فالأخرى على أثرها) بفتح الهمزة أي عقبها وقد بقي منها بقية (قريبا) صفة لمصدر محذوف تأكيدا لما قبله أي فالأخرى تحصل على أثرها حصولا قريبا فطلوع الشمس أول الآيات السماوية والدابة أول الآيات الأرضية بالمعنى المذكور وحكمة جعل طلوعها من مغربها آية مقاربة قيام الساعة الإيماء إلى قرب طلوع جميع الأرواح من الأشباح ذكره الحرالي
(حم م د هـ) في الفتن كلهم (عن ابن عمر) بن العاص لم يخرجه البخاري بهذا اللفظ
_________
(1) وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية وروى أنها جمعت من كل حيوان فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إبل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل اثني عشر ذراعا(2/442)
2252 - (إن أول هذه الأمة خيارهم وآخرها شرارهم مختلفين) أي في العقائد والمذاهب والآراء والأقوال والأفعال [ص:443] وهذا منصوب على الحال أو المعنى فإنهم لا يزالون كذلك (متفرقين) عطف تفسير وقد يدعى أن بينهما عموما وخصوصا (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي بكل ما بعد الموت (فلتأتيه منيته) أي فليجىء إليه الموت (وهو) أي والحال أنه (يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) أي يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه هم معه وبذلك تنتظم أحوال الجمهور ويرتفع الخلاف والتفور وتزول الضغائن من الصدور
(طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي فيه المفضل بن معروف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/442)
2253 - (إن أول) أي من أول (ما يسأل عنه العبد) قال الطيبي: ما مصدرية (يوم القيامة من النعيم أن يقال) أي أن سؤال العبد هو أن يقال (له) من قبل الله تعالى (ألم نصح لك جسمك) أي جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (ونرويك (1) من الماء البارد) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به وهذا هو المراد بقوله تعالى {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} وقيل هو شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وقيل الصحة والفراغ وقيل سلامة الحواس وقيل الغداء والعشاء وقيل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن وقيل ما سوى كن يأويه وكسرة تقويه وكسوة تغنيه يسأل عنها ويحاسب عليها وقيل وقيل
(ت) في التفسير (ك) في الأطعمة (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المناوي سند الترمذي جيد
_________
(1) هو بإثبات الياء فيحتمل أنه معطوف على المجزوم وفيه إثبات حرف العلة مع الجازم وهو لغة ويحتمل أنه منصوب بعد واو المعية(2/443)
2254 - (إن باب الرزق مفتوج من لدن العرش) أي من عنده (إلى قرار بطن الأرض) أي السابعة (يرزق الله كل عبد) من إنس وجن (على قدر همته ومهنته) في الإنفاق على من يمونه ووجوه القرب فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له كما في خبر آخر وفي رواية بدل يرزق إلخ ينزل الله تعالى إلى عباده أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن قلل قلل له ومن كثر كثر له وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته إن الله تعالى لا يحب السخاء ولو بفلق تمرة ويحب الشجاعة ولو بقتل الحية والعقرب اه بنصه ولدن ظرف بمعنى عند ذكره بعضهم وقال بعض المحققين ولدن من وعند الظروف المكانية لكن فرق النجاة بينهما بأن عند يجوز كونه بحضرته وفي ملكه ولدن مختص بالحضرة قال في المصباح وقرار الأرض المستقر الثابت والهمة بالكسر أول العزم وقد يطلق على العزم القوي فيقال له همة عالية والنهمة ولوع الهمة بالشيء والنهم بفتحتين إفراط الشهوة كما في الصحاح وغيره
(حل) وكذا ابن عدي كلاهما عن علي بن سعيد بن بشير عن أحمد بن عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر (عن الزبير) بن العوام قالت أسماء قال لي الزبير مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فجبذ عمامتي بيده فالتفت إليه فقال يا زبير إن باب الرزق إلخ أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال لي عبد الله يروي الموضوعات عن الأثبات اه وأقره على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات(2/443)
2255 - (إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب العبد المطيع ومعناه [ص:444] عبد الله فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو الله عبري غير مشتق (لما هلكوا قصوا) أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص وعولوا عليها واكتفوا بها وفي رواية لما قصوا هلكوا أي لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان ذلك سبب إهلاكهم وكيفما كان ففيه تحذير شديد من علم بلا عمل
(طب والضياء) المقدسي في المختارة (عن خباب) بالتشديد ابن الأرت بالمثناة ورواه بلفظ لما قصوا ضلوا ثم حسنه قال عبد الحق وليس مما يحتج به(2/443)
2256 - (إن بين يدي الساعة) أي أمامها مقدما على وقوعها (كذابين) قيل هم نقلة الأخبار الموضوعة وأهل العقائد الزائغة وغيرهم ممن ينسب نفسه إلى العلم وهو كالرجال في الجدال وإبليس في التلبيس (فاحذروهم) أي خافوا شر فتنتهم به واستعدوا وتأهبوا لكشف عوارهم وهتك أستارهم وتزييف أقوالهم وتقبيح أفعالهم ليحذرهم الناس ويبور ما جاؤوا به من الالباس والبأس وقيل أراد المسرعين للإمامة الموعودة الخاتمة لدائرة الولاية المدعين للنبوة وقيل غير ذلك والحمل على الأعم أفيد وأتم
(حم م) في الفتن (عن جابر بن سمرة) عزو المصنف ذلك بجملته لمسلم غير سديد فإن قوله فاحذروهم ليس في مسلم بل جاء في رواية غيره ونوزع فيه بأنه من قول جابر لا من تتمة الحديث(2/444)
2257 - (إن بين يدي الساعة) أي أمام قيامها (لأياما) نكرها لمزيد التهويل وقرنه باللام لمزيد التأكيد (ينزل فيها الجهل) يعني به الموانع المانعة عن الاشتغال بالعلم (ويرفع فيها العلم) بموت العلماء فكلما مات عالم يرفع العلم بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهرج) بسكون الراء (والهرج) هو (القتل) (1) وفي رواية والهرج بلسان الحبشة القتل وأصله لغة الفتنة والاختلاف والاختلاط كما في الصحاح (2) قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناه عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وعمت الفتن وكثر القتل قال ابن حجر: يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله والمراد من الحديث استعمال ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر والواقع أن هذه الصفات وجدت مبادئها من عصر الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر البعض الكثير في التي تليها وإليه يشير الحديث الآتي لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه وفيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الرديئة
(حم ق عن ابن مسعود) (وأبي موسى) الأشعري أيضا
_________
(1) ونسب التفسير لأبي موسى وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل وكثيرا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة
(2) وذكر صاحب المحكم معاني أخر أي الهرج ومجموعها سعة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الإتقان للشيء وقال الجوهري أصل الهرج الكثرة في الشيء يعني حتى لا ينتهي(2/444)