538 - (إذا توضأ أحدكم) أي أراد الوضوء (فلا يغسل) ندبا (أسفل رجليه بيده اليمنى) بل باليسرى تكريما لليمين لأنهم كانوا يمشون حفاة فقد يعلق نحو أذى أو زبل بأسفلهما فلا يباشر ذلك بيمناه تكرمة لها ذكره عبد الحق ويؤخذ منه أن الغسل كالوضوء فيندب فيهما دلك رجليه بيساره ويبالغ في العقب سيما في الشتاء ومثل غسل رجليه غسل رجلي غيره بالأولى
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (وهو) أي الحديث (مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه عليه رمز لضعفه وذلك لأن فيه سليمان بن أرقم متروك والحسن عن أبي هريرة وهو لم يصح سماعه منه وأبو إبراهيم محمد بن القاسم الكوفي كذبه أحمد(1/322)
539 - (إذا توضأتم) أي أردتم الوضوء (فابدأوا) ندبا (بميامنكم) وفي رواية بأيامنكم فأيامن جمع أيمن وميامن جمع ميمنة أي بغسل يمين اليدين والرجلين لأن اليمنى أشرف وتقديم الفاضل عن المفضول مما تطابق عليه المعقول والمنقول فإن عكس بلا عذر كره وصح وضوءه وصرف الأمر عن الوجوب. نقل ابن المنذر الإجماع على عدمه ولأنه لا يعقل [ص:323] في ذلك إلا تشريف اليمين ولا يقتضي عدمه العقاب وما نقل عن الشافعي في القديم من الوجوب لم يثبت وبفرض ثبوته فمراده تأكد الندب من قبيل غسل الجمعة واجب قال الراغب: والبدء والابتداء تقديم الشيء على غيره ضربا من التقديم
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي وغيرهم قال ابن دقيق العيد: وهو خليق بأن يصحح وصححه ابن خزيمة وارتضاه ابن حجر وقال ابن القطان: صحيح وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه صحيح فرمز المؤلف لضعفه لا معول عليه(1/322)
540 - (إذا توضأت) بتاء الخطاب أي فرغت من وضوئك (فانتضح) أي رش الماء ندبا على فرجك وما يليه من الإزار حتى إذا أحسست ببلل فقدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكرك ويتسلط عليك بالوسواس قال الغزالي: وبه يعرف أن الوسوسة تدل على قلة الفقه وقيل أراد بالنضح صب الماء على العضو ولا يقتصر على مسحه حكاه المنذر وفيه ما فيه
(هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي في شرح ابن ماجه سأل الترمذي عنه البخاري فقال الحسن بن علي الهاشمي أي أحد رجاله منكر الحديث وقال ابن حبان هذا حديث باطل وقال العقيلي لا يتابع عليه الهاشمي وقال الدارقطني له مناكير وعبد الحق سنده ضعيف فرمز المؤلف لحسنه غير صواب نعم قال مغلطاي له إسناد عند غير ابن ماجه صالح فلعل المؤلف أراد أنه حسن لشواهده(1/323)
541 - (إذا توفي أحدكم) أي قبضت روحه قال في الكشاف: التوفي استيفاء النفس وهي الروح وهو أن يقبض كله لا يترك منه شيء من توفيت حقي من فلان واستوفيته أخذته وافيا كاملا والتفعل من الاستفعال يلتقيان في مواضع (فوجد شيئا) أي خلف تركة لم يتعلق بعينها حق لازم وإسناد الوجدان إلى الميت مجاز والمراد وليه أو من يقوم مقامه في تجهيزه (فليكفن) جوازا (في ثوب حبرة) بالإضافة وعدمها كعنبة ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط وهذا قد يعارضه الأمر بالتكفين في البياض وقد يقال مراده هنا لبيان جنس ما يكفن فيه من كونه من نحو قطن لا مع رعاية الحبرة بسائر صفاتها التي منها التخطيط بدليل تعلقه على الوجدان وكأنه قال إن وجد في مخلف الميت ما يفي بثوب من نحو قطن فليكفن فيه ولا يعدل لتكفينه في نحو حصير أو جلد أو حشيش أو كرباس فإنه إزراء به أو أن الحبرة من التحبير وهو التحسين على أنه إنما يحتاج إلى الجمع بين حديثين إذا استويا صحة أو حسنا أو ضعفا وأحاديث البياض صحيحة وهذا الحديث ضعيف أو حسن ودعوى النسخ يحتاج إلى ثبوت تأخر الناسخ
(د) في الجنائز (والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال ابن القطان فيه إسماعيل بن عبد الكريم والحديث لا يصح من أجله(1/323)
542 - (إذا جاء أحدكم الجمعة) أي أراد المجيء إلى صلاتها وهو بضم الميم اتباعا لضم الجيم اسم من الاجتماع أضيف إليه اليوم أو الصلاة وجواز إسكانها على الأصل على المفعول وهي لغة تميم وبها قرئ وفتحها بمعنى فاعل أي اليوم الجامع وهو كهمزة ولم يقرأ بها واستشكاله بأنه أنث مع أنه صفة لليوم دفع بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة كهي في علامة أو هي صفة للساعة وحكى الكسر أيضا وسواء كان الجائي رجلا أو صبيا أو أنثى كما أفاده بإضافة أحد إلى ضمير الجمع ليعم وذكر المجيء غالبي فالحكم يعم المقيم بمحلها. قال الطيبي: والظاهر أن الجمعة فاعل كقوله {إذا جاءتهم الحسنة} وقوله {أن يأتي أحدكم الموت} (فليغتسل) ندبا عند الجمهور وقيل وجوبا وعليه الظاهرية وعزى لمالك ونص عليه الشافعي في القديم واختاره السبكي ويأتي فيه مزيد وخرج به من لم يحضرها فلا يطلب منه الغسل بناء على الأصح عند الشافعية والحنفية والمالكية أن الغسل للصلاة لا لليوم فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة وظاهر قوله فليغتسل أن الغسل يتصل بالمجيء فيقربه من ذهابه ويوصله به وبه قال مالك لكن أخذ الشافعية والحنفية بما اقتضاه حديث أبي هريرة من اغتسل [ص:324] يوم الجمعة ثم راح أن الرواح متأخر عن الغسل فلو اغتسل بعد الفجر أجزأ عند الشافعية والحنفية لا المالكية لكن تقريبه من ذهابه أفضل عند الشافعي
(مالك) في الموطأ (ق ت عن ابن عمر) ابن الخطاب قال كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب مغبرة فشكوا ذلك للنبي فذكره وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان فعرض به فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين مازدت حين سمعت الأذان أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره كذا في مسلم وظاهر صنيع المصنف أنه لم يروه من الستة إلا ثلاثة ولا كذلك بل رواه الجماعة إلا أبا داود ومن عزاه للكل كصاحب المنتقي فقد وهم وقد اعتنى بتخريج هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين راويا رووه عن نافع ثم جمع ابن حجر طرقه فبلغ أسماء من رووه عن نافع مئة وعشرين(1/323)
543 - (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة) يعني دخل المحل الذي تقام فيه الجمعة وهو بضم الميم وفتحها وسكونها فالأولان لكونها جامعة والثالثة لجمعهم فيها فإن فعله بالتحريك للفاعل كهمزة وفعله للمفعول ذكره الزركشي (والإمام يخطب) خطبتها جملة حالية (فليصل) ندبا قبل أن يقعد (ركعتين) فقط تحية المسجد فيكره الجلوس قبلها عند الشافعي ويحتاج من ذهب إلى كراهة التحية لداخله كأبي حنيفة ومالك إلى جواب شاف عن هذا الحديث وأجاب بعض الحنفية بأجوبة سبعة أطيل في ردها بما يشفي الغليل ويوضح السبيل (وليتجوز) أي يخفف فيهما بأن يقتصر على الواجب وجوبا فإن زاد على أقل مجزئ بطلت عند جمع شافعية
(حم ق د ن هـ عن جابر) ظاهره أن الكل أخرجوا الكل والأمر بخلافه بل اللفظ لمسلم والبخاري روى معناه وليس في حديثه وليتجوز فيهما فإطلاق العزو غير صواب(1/324)
544 - (إذا جاء أحدكم) زاد في رواية أبي أسامة إلى القوم إلى محل به جماعة يريد الجلوس معهم (فأوسع له أخوه) أي تفسح له أخوه في الدين محلا يجلس فيه فإنما هي أي الوسعة أو التوسعة أو الفعلة أو الخصلة (كرامة أكرمه الله بها) بواسطة أخيه حيث ألهمه ذلك ولو شاء لألهمه ضد ذلك إذ الفاعل حقيقة إنما هو الله تعالى والخلق ستائر على العقول فينبغي قبول تلك الكرامات مع شهود أنها من فضله تعالى ولا يأبى الكرامة إلا لئيم وبما تقرر علم أنه لا تعارض بين قوله هنا أكرمه الله بها وقوله في حديث الحجرات وإكرام القادم المسلم والاهتمام بشأنه وعدم التغافل عنه لأن التهاون به يفضي إلى الحقد والضغائن وكسر الخواطر وتغير البواطن والظواهر. وخرج بما إذا أوسع له ما لو لم يوسع له فينظر إلى موضع أوسع فيجلس فيه كما أفصح به في الحديث الآخر. ومن آداب الشريعة إيثار الجلوس في طرف المحافل دون صدورها سلوكا لطريق التواضع لكن لا يقصد أن يقال متواضعا بل لشهوده حقارة نفسه حقيقة وليحذر من الكذب في قوله صدر الحلقة وطرفها عندي سواء
(تخ هب عن مصعب) بضم الميم وسكون المهملة الثانية وبالموحدة (ابن شيبة) العبدي الحجبي خازن البيت قال الذهبي كابن الأثير مختلف في صحبته رمز لحسنه وفيه عبد الملك بن عمر أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد مضطرب الحديث وابن معين مختلط لكنه اعتضد فمراده أنه حسن لغيره(1/324)
545 - (إذا جاء الموت لطالب العلم) الشرعي العامل به وقال الغزالي: المراد به في هذا ونحوه علم طريق الآخرة والمراد بطالبه هنا ما يشمل من يطلب نشره ونفع عباد الله فيدخل فيه المعلم والمدرس والمفتي [ص:325] والمؤلف فليس المراد المتعلم فقط (وهو على هذه الحالة) أي حالة طلبه له لله خالصا (مات وهو شهيد) شهادة أخروية أي في حكم شهيد الآخرة فينال درجة شهيد الآخرة فذلك دليل حسن الخاتمة وفيه ترغيب عظيم في طلب العلم والدوام عليه وإن طعن في السن وأشرف على الهرم ليأتيه الموت على تلك الحالة فيكون من الشهداء
(البزار) في مسنده (عن أبي ذر) الغفاري (و) عن (أبي هريرة) معا وضعفه المنذري وقال الهيتمي وغيره فيه هلال بن عبد الرحمن الحنفي متروك وهذا من الأباطيل التي زعم حاتم المغافري أن مالكا حدثه بها عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى ولذلك قال المصنف في الأصل وضعفه(1/324)
546 - (إذا جاءكم الزائر) أي المسلم الذي قصد زيارتكم (فأكرموه) ندبا مؤكدا ببشر وطلاقة وجه ولين جانب وقضاء حاجة وضيافة بما يليق بحال الزائر والمزور
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق فر) وكذا ابن لال وعنه أورده الديلمي فعزوه إليه أولى (عن أنس) وفيه بقية ويحيى بن مسلم ضعيفان(1/325)
547 - (إذا جاءكم) أيها الأولياء (الأكفاء) طالبين نكاح من لكم عليه ولاية من النساء (فأنكحوهن) بهمزة قطع أي زوجوهن (ولا تربصوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا تنتظروا (بهن) يعني بتزويجهن (الحدثان) بالتحريك أو بكسر فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه والمراد أنه إذا خطب موليتكم كفؤ فأجيبوه ندبا ولا تمنعوه وتنتظروا بهن نوائب الدهر وعوائقه وحوادثه من موت الولي والمولية أو غيرهما من أقاربهما وربما أدى ذلك لطول التعزيب واختلال الحال فإذا دعت المرأة وليها إلى نكاحها من كفؤ لزمه إجابتها إعفافا لها فإن امتنع فهو عاضل فيزوجها الحاكم والكفؤ كقفل لغة المماثل وعرفا التساوي في السلامة من العيوب المثبتة للخيار وفي الحرية والنسب والدين والصلاح والحرفة
(فر عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه الحاكم ومن طريقه عنه أخرجه الديلمي فعزوه إليه كان أولى وفيه يعلى بن هلال قال الذهبي في الضعفاء يضع الحديث(1/325)
548 - (إذا جامع أحدكم أهله) أي حليلته قال الراغب: وأهل الرجل في الأصل يجمعه وإياهم سكن ثم عبر به عن امرأته (فليصدقها) بفتح المثناة وسكون المهملة وضم الدال من الصدق في الود والنصح أي فليجامعها بشدة وقوة وحسن فعل جماع ووداد ونصح ندبا (فإن سبقها) في الإنزال وهي ذات شهوة (فلا يعجلها) أي فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها فإن ذلك من حسن المباشرة والإعفاف والمعاملة بمكارم الأخلاق والألطاف زاد في رواية كما في الوشاح مع الستر ومص الشفة وتحريك الثديين ويؤخذ من هذا الحديث وما بعده أن الرجل إذا كان سريع الانزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته حتى تنزل أنه يندب له التداوي بما يبطئ الانزال فإنه وسيلة إلى مندوب وللوسائل حكم المقاصد
(ع عن أنس) وإسناده حسن(1/325)
549 - (إذا جامع أحدكم أهله) حليلته (فليصدقها ثم إذا قضى حاجته) منها بأن أنزل (قبل أن تقضي) هي (حاجتها) منه (فلا يعجلها) ندبا أي لا يحثها على مفارقته بل يستمر معها (حتى) أي إلى أن (تقضي حاجتها) بأن يتم إنزالها وتسكن غلمتها. قال الأزهري: القضاء لغة على وجوه مرجعها إلى إنقضاء الشيء وتمامه وكلما أحكم عمله أو أتم أو ختم أو أدى [ص:326] أو أوجب أو أعلم أو أنفذ فقد قضى
(عب) في الجامع (ع عن أنس) قال الهيتمي فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات(1/325)
550 - (إذا جامع أحدكم امرأته) يعني حليلته زوجة كانت أو أمة (فلا يتنحى) عنها حتى تقضي (حاجتها) منه (كما يحب أن يقضي) هو (حاجته) منها لأنه من العدل والمعاشرة بالمعروف كما تقرر وهذا بمعنى خبر أبي يعلى إذا خالط الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك وليثبت على بطنها حتى تصيب منه مثل ما أصاب منها انتهى. وفي هذه الأحاديث ونحوها أخذ أنه ينبغي للرجل تعهد حلائله بالجماع ولا يعطلهن واختلف فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك إن كان لغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند الشافعية عدم وجوبه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع ليلة وعن بعضهم في كل طهر مرة
(عد عن طلق) بفتح فسكون ابن علي وفيه عباد بن كثير وهو الرملي ضعيف أو متروك(1/326)
551 - (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر) بالجزم حال الجماع (إلى فرجها) ندبا وقيل وجوبا (فإن ذلك) أي النظر إليه حالتئذ يعني إدامته فيما يظهر (يورث العمى) للبصيرة أو للبصر للناظر أو الولد ومن ثم لم ينظر إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قط ولا رآه منه أحد من نسائه وخص حالة الجماع لأنه مظنة النظر وإذا نهى عنه في تلك الحالة ففي غيرها أولى فيكره النظر إلى الفرج وباطنه أشد كراهة ومحله إذا لم يمنع من التمتع بها وإلا كمعتدة عن شبهة أو أمة مرتدة أو مجوسية ووثنية ومزوجة ومكاتبة ومشتركة فيحرم نظره منهن لما بين السرة والركبة ومثل نظر الرجل إلى فرجها نظرها إلى فرجه بل أولى ويظهر أن الدبر كالقبل (بقي) بفتح الموحدة والقاف (ابن مخلد) عن هشام بن خالد عن عقبة بن الوليد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال المؤلف قال ابن حجر ذكر ابن القطان في كتاب أحكام النظر أن بقي بن مخلد رواه هكذا
(عد) عن ابن قتيبة عن هشام بن خالد عن عقبة بن الوليد عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن حبان بقية يروي عن الكذابين ويدلسهم وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه فهذا موضوع ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه قال المؤلف في مختصر الموضوعات وكذا نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه قال وقد قال الحافظ ابن حجر خالف ابن الجوزي ابن الصلاح فقال جيد الإسناد انتهى. وإليه أشار بقوله (قال) مفتي الأقطار الشامية شيخ الإسلام تقي الدين (ابن الصلاح) الشافعي العلم الفرد أنه (جيد الإسناد) مخالفا لابن الجوزي في زعمه وضعه انتهى وفي الميزان عن أبي حاتم أنه موضوع لا أصل له قال وقال ابن حبان هذا موضوع فكأن بقية سمعه من كذاب فأسقطه انتهى. ونقل ابن حجر عن أبي حاتم عن أبيه أنه موضوع وأقره عليه(1/326)
552 - (إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس) في المتكلم والولد على ما تقرر فيما قبله وتخصيصه في هذا الحديث وما قبله النهي بالنظر يشير إلى أن مسه غير منهي عنه ومن ثم قال بعضهم لا خلاف في حله وعدم كراهته مطلقا
(الأزدي) في كتاب الضعفاء في ترجمة إبراهيم الفرياني عن زكريا بن يحيى المقدسي عن إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرياتي عن محمد التستري عن مسعر بن كدام عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة) [ص:327] قال مخرجه الأزدي إبراهيم ساقط ونوزع (والخليلي في مشيخته) من هذا الوجه عن أبي هريرة ثم قال تفرد به محمد ابن عبد الرحمن التستري وهو شامي يأتي بمناكير (فر عن أبي هريرة) قال ابن حجر وفي مسنده من لا يقبل قوله لكن له شاهد عند ابن عساكر عن ابن أبي ذؤيب لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإنه يكون منه الخرس انتهى(1/326)
553 - (إذا جعلت) بكسر التاء خطابا لعائشة (إصبعيك (1) في أذنيك) يعني أنملة أصبعيك فوضع الأنملة في محل الأصبع للمبالغة وإنما أطلق الأصبع مع أن التي يسد بها الأذن أصبع خاصة لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتناب ذكرها أولى بآداب الشريعة. ألا ترى أنهم قد استقبحوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة ولم يذكر بعض هذه الكنايات لأنها ألفاظ محدثة لم تتعارف في ذلك العهد ذكره الزمخشري (سمعت خرير الكوثر) أي خرير نهر الكوثر أو تصويته في جريه قال ابن الأثير معناه من أحب أن يسمع خرير الكوثر أي نظيره أو ما يشبهه لا أنه يسمعه بعينه بل شبيه دويه بدوي ما يسمع إذا وضع أصبعيه في أذنيه. والكوثر نهر خاص بالمصطفى تتشعب منه جميع أنهار الجنة
(قط عن عائشة) رمز لضعفه ومن حكى أنه رمز لصحته أو حسنه فقد وهم وبين السخاوي وغيره أن فيه وقفا وانقطاعا لكن يعضده ما رواه الدارقطني أيضا عن عائشة إن الله اعطاني نهرا في الجنة لا يدخل أحد أصبعيه في أذنيه إلا سمع خريره قالت: قلت فكيف؟ قال: أدخلي أصبعيك وسدي أذنيك تسمعي منهما خريره
_________
(1) [يصح الفتح والكسر والضم في همزة " أصبع " ومع كل حركة تثلث الباء (أي يصح فيها كذلك الفتح والكسر والضم) فالمجموع تسع صور (أو " لغات ") والعاشرة " أصبوع " بالضم كما في " القاموس المحيط ". دار الحديث](1/327)
554 - (إذا جلستم) أي أردتم الجلوس لأكل أو غيره والتقييد بالأكل في رواية للغالب (فاخلعوا نعالكم) أي انزعوها من أرجلكم (تسترح) أي تستريح وإن فعلتم ذلك تستريح (أقدامكم) فالأمر إرشادي ومحله الندب حيث لا عذر وخرج بالنعل الخف فلا يطلب نزعه نعم مثله قبقاب وتاموسة ومداس
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف(1/327)
555 - (إذا جلست في صلاتك) أي في آخرها للتشهد الأخير (فلا تتركن الصلاة علي) بل أئت بها وجوبا وأقلها اللهم صل على محمد أو على رسوله أو النبي (فإنها) أي الصلاة عليه (زكاة الصلاة) أي صلاحها من زكى الرجل صلح فتفسد الصلاة بتركها إذ الصلاح ضد الفساد وفيه أنه تجب الصلاة عليه بعد التشهد الأخير وإن لم يكن للصلاة تشهد أول كما في صلاة الصبح والجمعة وبه قال عمر وابنه وابن مسعود وأبو مسعود والشعبي وهو مذهب الشافعي أما التشهد الأول فهي فيه سنة لا واجبة
(قط عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة ابن الخصيب بضم المهملة وفتح الثانية ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر(1/327)
556 - (إذا جمرتم الميت) المسلم أي بخرتموه يقال جمر ثوبه تجميرا أبخر والمجمرة بكسر الميم وفي المصباح عن بعضهم أن المجمر بحذف الهاء ما يتبخر به من نحو عود وهي لغة في المجمرة وقال الكمال ابن الهمام وكيفية تجميره أن يدور من بيده المجمرة حول سريره وترا كما قال (فأوتروا) أي بخروه وترا ثلاثا فإن الله وتر يحب الوتر قال: وجميع ما يتبخر به الميت ثلاثا عند خروج روحه لإزالة الريح الكربه وعند غسله وعند تكفينه ولا يبخر خلفه ولا في القبر لخبر لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار انتهى
(حم ك عن جابر) ورواه عنه أحمد أيضا والبزار بلفظ إذا أجمرتم الميت فاجمروه ثلاثا قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح(1/327)
[ص:328] 557 - (إذا جهل) بالبناء للمفعول أي إذا جهل أحدكم (على أحدكم) أي فعل به فعل الجاهلين من نحو سب وشتم قال في الكشاف: المراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الدعة من قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا
(وهو) أي والحال أنه (صائم) ولو نفلا (فليقل) ندبا باللسان والجنان (أعوذ بالله منك) أي أعتصم به من شرك أيها الشاتم (إني صائم) تذكيرا له بهذه الحالة ليكف عن جهله ولا يرد عليه بمثل قوله ولا يلزم منه الرياء وجاء في رواية تكريره ثلاثا قال الراغب: والجهل خلو النفس من العلم واعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل هبه اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم باطلا كترك الصلاة عمدا
(ابن السني) في عمل يوم وليلة وكذا الطيالسي والديلمي (عن أبي هريرة) رمز لصحته وأصله في الصحيح(1/328)
558 - (إذا حاك) بحاء مهملة وكاف مخففة اختلج والحيك أخذ بقول في القلب (في نفسك) وفي رواية في صدرك أي في قلبك (شيء) ولم يمازج نوره بل حصل عندك اضطراب وقلق ونفور منه وكراهة (فدعه) أي اتركه لأن الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وركز في الطباع محبته وخلافه يؤثر في القلب حزازة واضطرابا ويكون خطوره للبال على وجه شاذ وتأويل محتمل ومن ذلك قال زهير الستر دون الفاحشات لا يلقاك دون الخبر من ستر والكلام فيمن شرح الله بنور اليقين صدره وأعلى في المعارف قدره بحيث جعل له ملكه للإدراك القلبي وقوي على التفرقة بين الوارد الرحمني والوسواس الشيطاني {وقليل ما هم} أما غيره من كل متلطخ بأدناس الذنوب مدنس بأصناف العيوب بحيث غلظ طبعه وضعف إدراكه فلا عبرة بصدره ولا بما يخطر فيه بل هو أجنبي من هذا المقام وإنما يخاطب بذلك من وثق بنور قلبه وصفاء لبه وذلك من جميل عوائد المصطفى صلى الله عليه وسلم مع صحبه فإنه كان يخاطب كلا منهم على حسب حاله ثم إن قيل: يناقضه الخبر الآتي الحلال بين إلخ لاقتضاء المقام أن الشبهة إثم لأنه يتردد في النفس وذلك يقتضي أنه غير آثم قلنا: يحمل هذا على ما تردد في الصدر لقوة الشبهة ويكون من باب ترك أصل الحل الظاهر قوي وذلك على ما ضعفت فيه الشبهة فبقي على أصل الحل ووراء ذلك أجوبة لا تكاد تصح فاحذرها
(حم حب ك) وكذا الضياء (عن أبي أمامة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وزعم ابن معين بأن فيه انقطاعا عورض بأن ذلك في فرد من أفراد طرقه(1/328)
559 - (إذا حج الرجل) أو اعتمر وذكر الرجل غالبي فالأنثى والخنثى كذلك (بمال) اكتسبه (من غير حل) أي من وجه حرام نحو غصب وربا (فقال) أي فأحرم به قال (لبيك اللهم لبيك) أي دواما على طاعتك وإقامة عليها مرة بعد أخرى من ألب بالمكان أقام وسعديك ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير ولا يكون عامله إلا مضمرا والتلبية من لبيك بمنزلة التهليل من لا إله إلا الله ذكره الزمخشري (قال الله) رادا عليه مقاله ليسمع ذلك من أسمعه الله وأطلعه على أسرار غيبه في الملأ الأعلى (لا لبيك) أي لا إجابة لك (ولا سعديك هذا) أي نسكك الذي أنت فاعله (مردود عليك) أي غير مقبول منك فلا ثواب لك وإن حكم فيه بالصحة ظاهرا بل أنت مستحق للعذاب عليه لما اجترحت من إنفاق الحرام والطيب لا يقبل إلا الطيب وقابل القول بالقول إشارة إلى أن المعصية تكون سرية وجهرية والتوبة منها تكون كذلك كما في خبر يأتي فالسرية فعل القلب والجهرية فعل الجوارح ويظهر أنه لو حج عن غيره بمال حرام يقال للأصل حج أجيرك عنك مردود عليك
(عد فر عن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح وفيه وجيز بن ثابت قال ابن مهدي لا يعتد به وقال يحيى ليس بشيء والنسائي غير ثقة(1/328)
[ص:329] 560 - (إذا حج الرجل عن والديه) أي أصليه المسلمين وان عليا (تقبل) الله (منه ومنهما) أي أثابه وأثابهما عليه فيكتب له ثواب حجته مستقلة ويكتب لهما مثله (وابتشر) بسكون الموحدة فمثناة فوق مفتوحة (به) أي فرح به (أرواحهما) الكائنة (في السماء) فإن أرواح المؤمنين أي كثير منهم فيها يقال بشرت به وسررت به وبشر ويبشر بشرا وابتشارا فرح والكلام في الميتين بدليل ذكر الرواح فإن كانا حيين معضوبين جاز له أيضا كما هو مقرر في الفروع وفيه جواز الحج عن الأبوين. قال المحب الطبري لكن لا أعلم من قال بظاهره من إجزاء الحج عنهما بحج واحد فيحمل على من حج عن أبويه حجتين عن كل واحد حجة فيجزئ عنهما فرضا وعنه ثوابا وعليه يحمل القبول أي لم يسقط ثوابه بل يكتب له أجر حجة وسقط عنهما فرضهما ونظيره خبر إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما كسب وقال ابن العربي: هذا الحديث ونحوه مما فيه حج الولد عن أبيه أصل متفق عليه خارج عن القاعدة الممهدة في الشريعة أنه ليس للإنسان إلا ما سعى رفقا من الله تعالى في استدراك ما فرط للمرء بولده ونقل جمع أنه واجب للآباء على الأبناء وجملة الأمر وتفصيله أن الشافعي يقول إن المعضوب الموسر يلزمه أن يحج عنه وليس في هذا الحديث دليل عليه وإنما فيه الحث على بر الوالدين وصلة القرابة بإهداء الحسنات أما توجه الفرض على ذمته أو ماله فلا انتهى
(قط) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن زيد) بن أرقم الأنصاري وفيه خالد الأحمر قال مخرجه الدارقطني ثقة وقال ابن معين ليس بشيء وأبو سعيد البقال قال النسائي إنه غير ثقة والفلاس متروك وأبو زرعة صدوق مدلس(1/329)
561 - (إذا حدث الرجل) أي الإنسان فذكر الرجل غالبي (الحديث) وفي رواية أخا له بحديث وفي أخرى إذا حدث رجل رجلا بحديث (ثم التفت) أي غاب عن المجلس أو التفت يمينا وشمالا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه به (فهي) أي الكلمة التي حدثه بها (أمانة) عند المحدث أودعه إياها فإن حدث بها غيره فقد خالف أمر الله حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها إذ إلتفاته بمنزلة استكتامه بالنطق قالوا وهذا من جوامع الكلم لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة وحسن الصحبة وكتم السر وحفظ الود والتحذير من النميمة بين الإخوان المؤدية للشنآن ما لا يخفى قال في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا والنميمة إن كان مستخبرا فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم وقال الراغب: السر ضربان أحدهما ما يلقى الإنسان من حديث يستكتم وذلك إما لفظا كقولك لغيرك اكتم ما أقول لك وإما حالا وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده أو خفض صوته أو يخفيه عن مجالسه وهو المراد في هذا الحديث
(حم د) في الأدب (ت) في البر وحسنه (والضياء) وصححه (عن جابر) بن عبد الله قال المنذري عقب عزوه وفيه عبد الرحمن بن عطاء المدني ولا يمنع تحسين الإسناد (ع) عن أنس قال الهيتمي وفيه جبارة ابن المفلس ضعيف وبقية رجاله ثقات(1/329)
562 - (إذا حرم) بالبناء للمفعول (أحدكم) أي منع الزوجة والولد فلم يرزقهما (فعليه بالجهاد) أي فيلزمه الجهاد [ص:330] في سبيل الله لانقطاع عذره بخفة ظهره فإن ذا الولد يخشى أن ييتم ولده وذا الزوجة أن يرمل زوجته فالقصد أن الفرض يكون في حقه لانقطاع عذره بالكلية
(طب عن محمد بن حاطب) ابن الحارث القرشي الجمحي ولد بأرض الحبشة وهو أول من سمى في الإسلام محمدا وشهد المشاهد كلها ومات بمكة أو الكوفة. قال الهيتمي: فيه موسى بن محمد بن حاطب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(1/329)
563 - (إذا حسدتم) أي تمنيتم زوال نعمة الله على من أنعم عليه (فلا تبغوا) أي لا تعتدوا وتفعلوا بمقتضى التمني فمن خطر له ذلك فليبادر إلى استكراهه كما يكره ما طبع عليه من حب المنهيات نعم إن كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على المحرمات فلا (وإذا ظننتم) سوءا بمن ليس محلا لسوء الظن به (فلا تحققوا) ذلك باتباع موارده وتعملوا بمقتضاه {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} ومن أساء الظن بمن ليس محلا لسوء الظن به دل على عدم استقامته في نفسه كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم
والظن أكذب الحديث أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي: " الحزم سوء الظن " وخبر " من حسن ظنه بالناس طالت ندامته " (وإذا تطيرتم) تشاءمتم بشيء (فامضوا) لقصدكم ولا يلتفت خاطركم لذلك تتشاءموا بما هنالك (وعلى الله) لا على غيره (فتوكلوا) فوضوا إليه الأمر وسلموا له إنه يحب المتوكلين وقدم الإعلام بدواء الحسد على ما بعده اهتماما لشدة البلاء به لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله به على غيره حملته الغيرة والحسد على الكفران والعدوان <تنبيه> قد تضمن الحديث أن الخصال الرذائل مركوزة في جبلة الإنسان إما بالعقل أو بالشرع قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد. . . ذا عفة فلعلة لا يظلم
(عد عن أبي هريرة) قال عبد الحق إسناده غير قوي وقال ابن القطان فيه عبد الرحمن بن سعيد مدني ضعفه ابن معين وعبد الله المقبري متروك(1/330)
564 - (إذا حضرتم موتاكم) عند خروج أرواحهم (فأغمضوا البصر) أي أطبقوا الجفن الأعلى على الأسفل بعد تيقن خروج روحه كما قال القرطبي عن الداودي قال محمد بن المقري سمعت أبا ميسرة وكان رجلا عابدا يقول غمضت جعفرا المعلم وكان رجلا عابدا حال الموت فرأيته في النوم فقال أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت (فإن البصر يتبع الروح) هذا علة الأمر بالإغماض يعني أن ذهاب الباصرة في ذهاب الروح فهي تابعة لها فإذا ذهبت الروح ذهبت الباصرة فلم يبق لانفتاح البصر فائدة فلهذا ينبغي تغميضه كذا قرره الهروي تبعا للبيضاوي وجرى على نحوه في المطامح حيث قال: المراد بذلك أن الإدراك البصري المودع في جوهر العين يفارق البدن بفراق الروح فهو تابع لها بقاءا وذهابا فإن بقيت بقي وإن ذهبت ذهب انتهى ومشى على نحوه الأكمل وبه يعرف أن المؤلف من الغافلين حيث ذكر أنه أقام ثلاثين سنة يستشكل ذلك بأن البصر إنما يبصر ما دام الروح بالبدن فإن فارقه تعطل الإبصار ثم أجاب بأن المراد شرع في قبضه ولم ينته انتهى وما ذلك إلا لأنه ظن أن المراد أن البصر يتبع الروح حسا وما درى أنه تابع له في الحكم بقاءا وذهابا كما تقرر (وقولوا) حال التغميض وبعده (خيرا) أي قولوا خيرا: من الدعاء للميت بنحو مغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ولا يحملكم الجزع على الدعاء على أنفسكم وهذا كما قال القرطبي أمر [ص:331] ندب أو إرشاد وتعليم لما ينبغي أن يقال عند المصيبة (فإن الملائكة) الموكلين بقبض روحه أو من حضر منهم أو أعم (تؤمن على ما يقول أهل البيت) أي بيت الميت وفي نسخ أهل الميت أي تقول آمين يعني استجب يا ربنا فلا تقولوا شرا فتؤمن الملائكة فيستجاب ففيه إشارة إلى النهي عن نحو: واكهفاه واجسراه لا عشت بعده ونحو ذلك. والروح عند أكثر أهل السنة جسم لطيف مغاير للأجسام ماهية وصفة متصرف في البدن حال فيه حلول الدهن في الزيتون يعبر عنه بأنا وأنت وإذا فارق البدن مات وذهب جمع منهم الغزالي والإمام الرازي وفاقا للحكماء والصوفية إلى أنه مجرد غير حال بالبدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق يدبر أمره على وجه لا يعلم تفصيله إلا الله
(حم هـ ك عن شداد ابن أوس) قال ابن حجر فيه فرعة ابن سويد وروى الشطر الثاني من الجماعة جميعا إلا البخاري عن أم سليم بلفظ إذا حضرتم المريض والميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون(1/330)
565 - (إذا حكم الحاكم فاجتهد) يعني إذا أراد الحكم فاجتهد فحكم فهو من باب القلب على حد {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} قال عياض: والاجتهاد بذل الوسع في طلب الحق والصواب في النازلة وابن الحاجب: استفراغ الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي (فأصاب) أي طابق ما عند الله (فله أجران) أجر لاجتهاده وأجر لإصابته. فإن قيل: الإصابة مقارنة للحكم فما معنى الفاء المفيدة للترتيب والتعقيب؟ فالجواب أن فيه إشارة إلى علو رتبة الإصابة والتعجب من حصولها بالاجتهاد (وإذا حكم فاجتهد) فيه التأويل المار (فأخطأ) أي ظن أن الحق في نفس الأمر في جهة فكان خلافه (فله أجر واحد) (1) على اجتهاده لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة وفيه أن المجتهد يلزمه تحديد الاجتهاد لوقوع الحادثة ولا يعتمد على المتقدم فقد يظهر له خلاف ما لم يكن ذاكرا للدليل الأول وأن الحق عند الله واحد لكن وسع الله للأمة وجعل اختلاف المجتهدين رحمة وأن المجتهد يخطئ ويصيب وإلا لما كان لقوله فأخطأ معنى هذا ما عليه الشافعية وتأوله الحنفية فأبعدوا. قال الحراني: والحكم قصر المتصرف على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما يتشوف إليه والإصابة وقوع المسدد على حد ما سدد له من موافق لفرض النفس أو مخالف
(حم ق د ن هـ عن عمرو بن العاص السهمي حم ق 4 عن أبي هريرة) وفي الباب عندهما
_________
(1) [وينطبق هذا القول على من له أهلية الاجتهاد من العلماء كما هو واضح في شرح المناوي لهذا الحديث ولا يعلم له مخالف. دار الحديث](1/331)
566 - (إذا حكمتم فاعدلوا) إن الله يأمر بالعدل والإحسان (وإذا قتلتم) قودا أو حدا أو ما يحل قتله (فأحسنوا القتلة) بالكسر هيئة القتل بأن تختاروا أسهل الطرق وأسرعها إزهاقا كأن تراعى المثلية في القاتل في الهيئة والآلة إن أمكن ويجب في القتل بنحو سيف كونه حادا (فإن الله محسن يحب المحسنين) أي يرضى عنهم ويجزل مثوبتهم ويرفع درجتهم ويبغض المسيئين ومن ثم قال علي لما طعنه ابن ملجم أطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره فإن عشت فأنا ولي دمي فأعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن قتلتموه فلا تمثلوا به رواه البيهقي
(طس عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات(1/331)
567 - (إذا حلم أحدكم) بفتح اللام رأى في منامه رؤيا يقال حلم يحلم من باب قتل (حلما) بضمتين ويسكن الثاني تخفيفا واحتلم رأى في منامه رؤيا وأما حلم بضم اللام فمعناه صفح وعفا فالحلم والرؤيا مترادفان لكن غلبت في الخير وغلب الحلم في الشر [ص:332] ومنه {أضغاث أحلام} وهي الرؤيا التي لا يصح تأويلها لاختلاطها وهي المرادة هنا (فلا يحدث الناس بتلعب) كذا بخط المؤلف في هذا الكتاب لكنه قال في الكبير بتقلب وهي ملحقة بخطه فيه (الشيطان) به كذا هي في رواية ابن ماجه وألحقها المؤلف بخطه بالهامش (في المنام) كان الظاهر أن يقول فلا يخبر به أحدا لكن وضع ذلك موضعه إشارة إلى أنها رؤيا من الشيطان يريه إياها ليحزنه فيسيء ظنه بربه تعالى ويقل ذكره فينبغي أن لا يخبر ولا يلتفت إليه وقيل إنما نهى عنه لأنه لو أخبره ربما فسره غير عارف على ظاهر صورته فوقع ما فسر بتقدير الله وقد أرشد الشارع في خبر آخر إلى أن دواء ذلك أن يتفل ويتعوذ ويكتم فلا تضره
(م هـ عن جابر) ابن عبد الله(1/331)
568 - (إذا حم أحدكم) بالضم والتشديد أصابه الحمى وهي كما قال ابن القيم حرارة تشتعل بالقلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى كل البدن وهي أنواع كثيرة (فليسن) بسين مهملة مضمومة في خط المؤلف ونقطها من تحت بثلاث نقط لئلا تشتبه بمعجمة أو بشين معجمة وعليه اقتصر في النهاية وادعى الضياء أنه تحريف (عليه من الماء البارد) أي فليرش عليه منه رشا متفرقا قال في النهاية: والشن بالمعجمة الصب المنقطع والسن بالمهملة الصب المتصل وهو يؤيد رواية المعجمة وبما أيد به أيضا أن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها كانت ترش على المحموم قليلا من الماء بين ثدييه وثوبه وهي لملازمتها للمصطفى صلى الله عليه وسلم داخل بيته أعلم بمراده وقال العسكري بمهملة وقال بمعجمة (ثلاث ليال من) أي في (السحر) بفتحتين أي قبيل الصبح فإنه ينفع في فصل الصيف في القطر الحار في الحمى العرضية أو الغب الخالصة الخالية عن الورم والفتق والأعراض الرديئة والمواد الفاسدة فتطفئها بإذن الله تعالى إذا كان الفاعل لذلك من أهل الصدق واليقين فالخبر ورد على سؤال سائل حالة ذلك ولا يطرد في غيره
(ن) في الطب (ع ك والضياء) المقدسي وطب والطحاوي وأبو نعيم (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وسكت عليه عبد الحق فاقتضى تصحيحه وقال ابن القطان إسناده لا بأس به وقال في الفتح: سنده قوي وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات فما نسب للمؤلف من أنه رمز لضعفه لا يعول عليه(1/332)
569 - (إذا خاف الله العبد) قدم المفعول اهتماما بالخوف وحثا عليه (أخاف الله منه كل شيء) من المخلوقات (وإذا لم يخف العبد الله أخافه الله من كل شيء) لأن الجزاء من جنس العمل كما تدين تدان فكما شهد الحق بالتعظيم ولم يتعد حدود الحكيم ألبسه الهيبة فهابه الخلق بأسرهم وحكم عكسه عكس حكمه وقال بعض مشايخنا: وقد عملت على ذلك فلا أهاب سبعا ولا سفرا في ليل مظلم وإن وقع مني خوف من جهة الجزء البشري فلا يكاد يظهر وبت مرة في ضريح مهجور في ليلة مظلمة فصار كبار الثعابين تدور حولي إلى الصباح ولم يتغير مني شعرة لغلبة عسكر اليقين والتوكل. قال الطيبي: والمراد بالخوف كف جوارحه عن المعصية وتقييدها بالطاعة وإلا فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفا وذلك عند مشاهدة سبب هائل فإذا غاب ذلك السبب عن الحس عاد القلب إلى غفلته ولهذا قال الفضيل: إذا قيل لك هل تخاف الله فاسكت فإنك إذا قلت لا كفرت وإن قلت نعم كذبت وقال الحكيم: المراد بخوف الله خوف عظمته لا عقابه فإذا حل الخوف القلب غشاه بالمحبة فيكون بالخوف معتصما مما كره دق أو جل وبالمحبة منبسطا في كل أموره ولو ترك مع الخوف وحده لانقبض وعجز عن معاشه ولو ترك مع المحبة لاشتد وتعدى لاستيلاء الفرح على قلبه فلطف الحق به فجعل الخوف بطانته والمحبة ظهارته ليستقيم حاله ويرقى إلى مقام الهيبة والأنس فالهيبة من جلاله والأنس من جماله (تتمة) قال بعض العارفين: من أحب غير الله عذب به ومن خاف غير الله سلط عليه ومن آخى غير الله خذل منه
(عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال أبو زرعة عمرو بن زياد [ص:333] أي أحد رجاله كذاب وأحاديثه موضوعة وقال ابن عدي يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل قال الدارقطني يضع(1/332)
570 - (إذا ختم العبد القرآن) أي انتهى من قراءته في أي وقت كان من ليل أو نهار. قال الزمخشري: من المجاز ختم القرآن وكل عمل إذا أتمه وفرغ منه (صلى عليه) أي استغفر له (عند) بتثليث العين (ختمه) قراءته (ستون) كذا بخط المصنف فما في بعض النسخ من أنه سبعون تحريف (ألف ملك) يحتمل أن هذا العدد يحضرون عند ختمه ويحتمل أن الذين يحضرون لا يصلون والمصلي منهم ذلك القدر والظاهر أن المراد بالعدد المذكور التكثير لا التحديد على قياس نظائره في السبعين ونحوها وفي إفهامه حث على الإكثار من القراءة ويندب ختمه أول النهار وآخره وهو في الصلاة لمنفرد أفضل وأن يختم ليلة الجمعة أو يومها ويندب حضور الختم والدعاء عقبه والشروع في أخرى ويتأكد صوم يوم ختمه. قال الراغب: والختم الأثر الحاصل من شيء ويتجوز به تارة في الاستيثاق من الشيء والمنع اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل وتارة يعتبر من بلوغ الآخر ومنه ختمت القرآن أي انتهيت إلى آخره
(فر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) من طريق عبد الله بن سمعان وفيه شيبان بن فروخ قال الذهبي في ذيل الضعفاء ثقة يرى القدر اضطر إليه الناس آخرا عن يزيد ابن زياد اورده الذهبي في الضعفاء(1/333)
571 - (إذا ختم أحدكم) القرآن (فليقل) ندبا عند ختمه (اللهم آنس) بالمد وكسر النون مخففة بالقصر وشد النون (وحشتي) خوفي وغربتي (في قبري) إذا أنا مت وقبرت فإن القرآن يكون مؤنسا له فيه منورا له ظلمته وخص القبر لأنه أول منزل من منازل الآخرة
(فر عن أبي أمامة) ورواه عنه الحاكم في تاريخه ومن طريقه أورده الديلمي فكان ينبغي للمصنف عزوه له لكونه الأصل ثم إن فيه ليث بن محمد قال الذهبي في الضعفاء قال بن أبي شيبة متروك وسالم الخياط قال يحيى ليس بشيء(1/333)
572 - (إذا خرج أحدكم إلى سفر) طويل أو قصير يطيل به الغيبة والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه البروز (فليودع) ندبا مؤكدا (إخوانه) في الدين ويبدأ بأقاربه وذوي الصلاح ويسألهم الدعاء له (فإن الله جاعل له في دعائهم) له بالسلامة والظفر بالمراد (البركة) ويسن لهم الدعاء له بحضرته وفي غيبته بالمأثور وبغيره والمأثور أفضل
(ابن عساكر) في تاريخه (فر عن زيد بن أرقم) وفيه نافع بن الحارث قال الذهبي في الضعفاء قال البخاري لا يصح حديثه(1/333)
573 - (إذا خرج ثلاثة) فأكثر (في سفر) يحتمل تقييده بغير القصر لعدم الاحتياج فيه لما يجيء (فليؤمروا) ندبا وقيل وجوبا وفي حاوي الشافعية ما يقتضيه (أحدهم) أي فليتخذوه أميرا عليم يسمعون له ويطيعونه وعن رأيه يصدرون لأن ذلك أجمع لرأيهم وأدعى لاتفاقهم وأجمع لشملهم فالتأمير سنة مؤكدة لما تقرر من حصول الانتظام به لكن ليس للأمير إقامة حدود ولا تعزير وألحق بعضهم الاثنين بالثلاثة
(د) في الجهاد (والضياء) المقدسي (عن أبي هريرة وعن أبي سعيد) الخدري معا قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود حديث حسن ورواه عنه أيضا أبو يعلى والبيهقي(1/333)
[ص:334] 574 - (إذا خرج أحدكم من الخلاء) بالمد أي قضاء الحاجة والخلاء كل محل تقضي فيه الحاجة سمى به لأن المرء يخلو فيه بنفسه (فليقل) ندبا (الحمد لله) وفي رواية غفرانك الحمد لله (الذي أذهب عني ما يؤذيني) وفي رواية أخرج عني ما يؤذيني لو بقى ولما حمد على دفع الضر ناسب أن يحمد على جلب النفع فقال (وأمسك علي) وفي رواية أبقي في (ما ينفعني) مما جذبه الكبد وطبخه ثم دفعه إلى الأعضاء وهذا من أجل النعم وأعظمها ولهذا كان علي كرم الله وجهه إذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة لو يعلم العباد نفعها شكروها وقد ورد أشياء أخر يأتي بعضها فقال عند الخروج من الخلاء والسنة تحصل بكل منها لكن الأكمل الجمع
(ش قط) عن وكيع بن زمعة عن سلمة بن وهرام (عن طاوس مرسلا) هو ابن كيسان من أبناء فارس قيل اسمه ذكوان فلقب به قال ابن معين لأنه كان طاوس القراء وكان رأسا في العلم والعمل قال الولي العراقي: وهذا الحديث وغيره من أحاديث الذكر المقول عند الخروج من الخلاء لا يخلو عن ضعف ولا يعرف في الباب إلا حديث عائشة الآتي في حرف الكاف(1/334)
575 - (إذا خرجت المرأة) أي أرادت الخروج (إلى المسجد) أو غيره بالأولى (فلتغتسل) ندبا (من الطيب) إن كانت متطيبة (كما تغتسل من لجنابة) إن عم الطيب بدنها وإلا فمحله فقط لحصول المقصود وزوال المحذور بالاقتصار عليه ذكره المظهر وهذا بحسب الجليل من النظر وأدق منه قول الطيبي شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوة الرجال وفتح باب عيونهم التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا وحكم عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة مبالغة وتشديدا عليها ويعضد هذا التأويل خبر يأتي وإذا كان هذا حكم تطيبها للذهاب إلى المسجد فما بالك بتطيبها لغيره؟ وفيه جواز خروج المرأة إلى المسجد لكن بشروط مرت
(ن عن أبي هريرة) رمز لصحته(1/334)
576 - (إذا خرجت من منزلك) أي أردت الخروج وفي رواية من بيتك (فصل) ندبا (ركعتين) خفيفتين وتحصل بفرض أو نفل ثم ذكر حكمة ذلك وأظهرها في قالب العلة فقال (تمنعانك مخرج) بفتح الميم والراء (السوء) بالضم أي ما عساه خارج البيت من السوء (وإذا دخلت) إلى (منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء) وعبر بالفاء في الموضعين ليفيد أن السنة الفورية بذلك أي بحيث ينسب الصلاة إلى الدخول عرفا فتفوت بطول الفصل بلا عذر واستدل به الغزالي على ندب ركعتين عند الخروج من المنزل وركعتين عند دخوله قال وفي معنى هذا كل أمر يبتدئ به مما له وقع ويحصل فضلهما بصلاة فرض أو نفل نويا أو لا كالتحية
(البزار) في مسنده (هب) من رواية بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال بكر أحسبه عن أم سلمة (عن أبي هريرة) قال البزار لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال ابن حجر حديث حسن ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح وقال الهيتمي رجاله موثقون انتهى وبه يعرف استرواح ابن الجوزي في حكمه بوضعه(1/334)
577 - (إذا خرجتم من بيوتكم) أي مساكنكم بيوتا أو غيرها (بالليل) خصه لأنه زمن انتشار الشياطين وأهل الفساد [ص:335] (فأغلقوا) ندبا (أبوابها) أي مع التسمية لأن الشياطين لم يؤذن لهم أن يفتحوا بابا مغلقا كما في خبر آخر فيسن غلق الباب عند الخروج كالدخول ويطلب في النهار أيضا لكنه في الليل آكد لما ذكر
(طب عن وحشي) ابن حرب قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته من الليل فترك باب البيت مفتوحا ثم رجع فوجد إبليس قائما في وسط البيت فقال: اخسأ يا خبيث من بيتي ثم قال إذا خرجتم إلخ قال الهيتمي رجاله ثقات فاقتصار المؤلف على الرمز لحسنه تقصير. ووحشي هو العبد الحبشي مولى جبير بن مطعم أو غيره قاتل حمزة ومسيلمة الكذاب(1/334)
578 - (إذا خطب أحدكم) أي أراد أن يخطب بدليل قوله في الخبر المار إذا ألقى الله في قلب امرئ (المرأة) حرة أو أمة (فلا جناح) أي لا إثم ولا حرج (عليه) في (أن ينظر إليها) أي إلى وجهها وكفيها لا إلى غير ذلك لأن ذلك يدل على ما يريده منها فلا حاجة لما عداه وإنما يكون الجناح عنه مرفوعا (إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته) أي إذا كان محض قصده لذلك بخلاف ما إذا كان قصده برؤيتها لا يتزوجها بل ليعلم هل هي جميلة أم لا مثلا وجعل الخطبة وسيلة إلى ذلك فعليه الإثم فالمأذون فيه النظر بشرط قصد النكاح إن أعجبته وحينئذ ينظر إليها (وإن كانت لا تعلم) أي وإن كانت غير عالمة بأنه ينظر إليها كأن يطلع عليها من كوة وهي غافلة أو المراد لا تعلم أنه يريد خطبتها وفيه رد على من كره استغفالها كمالك وإبطال لمن اشترط إذنها وعلم مما تقرر من أن معنى خطب أراد أنه لا يندب النظر بعد الخطبة لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها لكنه مع ذلك سائغ لأن فيه مصلحة أيضا فما زعمه بعضهم من حرمته تمسكا بأن إذن الشرع لم يقع إلا فيما قبل الخطبة ممنوع <تنبيه> الخطبة بكسر الخاء ما يفعله الخاطب من الطلب والاستلطاف والاستعطاف قولا وفعلا فقيل هي من الخطب أي الشأن الذي له خطر لأنها شأن من الشؤون ونوع من الخطوب وقيل هو من الخطاب لأنها نوع مخاطبة تجري بين جانب الرجل والمرأة
(حم طب) من حديث زهير (عن أبي حميد) بالتصغير (الساعدي) بكسر العين المهملة عبد الرحمن وقيل المنذري رمز المؤلف لحسنه وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني شك زهير فقال عن أبي حميد أو أبي حميدة ورواه البزار بغير شك قال ابن حجر وله شاهد عند أبي داود والحاكم عن جابر رفعه وشاهد من حديث محمد بن سلمة عن ابن حبان وغيره انتهى وقضيته إقامة الشواهد عليه أنه لا يخلو عن ضعف ولا كذلك فقد قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح(1/335)
579 - (إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل) إرشادا (عن شعرها) أي جعودته أو سوطته أو لونه أو حسنه أو ضده وقيل إنما أراد شعر الرأس (كما يسأل عن جمالها) فإن الشعر أحد الجمالين فيتعين السؤال عنه كما يتعين السؤال عن الجمال وإنما قال يسأل دون ينظر لأنه إنما يجوز له نظر شعر الحاجبين دون شعر الرأس (في) عن محمد بن الحسين عن أبيه عن محمد بن علي الصوفي عن أبي بكر الراعي عن محمد الدينوري عن إسحاق بن بشر الكاهلي عن عبد الله بن إدريس المزني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أمير المؤمنين أورده المؤلف في مختصر الموضوعات ثم قال إسحاق ابن بشر الكاهلي كذاب انتهى(1/335)
580 - (إذا خطب أحدكم المرأة) أي والحال أنه (يخضب شعره) الأبيض (بالسواد) أي يغير لونه به وذلك جائز [ص:336] للجهاد ممنوع لغيره (فليعلمها) وجوبا (أنه) أي بأنه (يخضب) لأن النساء يكرهن الشعر الأبيض غالبا لدلالته على الشيخوخة الدالة على ضعف القوى فكتمه تدليس إذ لو علمت أنه غير شاب أولا ربما لم تدخل عليه وظاهر النهي أنه لا فرق بين أن يقصد إيهامها أنه شاب أو لا ويؤخذ من العلة أنه لو كان شعره أحمر فخضب بسواد أو أسود فخضب بغير سواد كصفرة لم يلزمه إعلامها لفقد المحذور وأنه لو كان شابا وشاب في غير أوانه مع توفر القوى لا يلزمه إعلامها لفقد المحذور لكن قد يقال رؤية الشيب منفرة في الجملة
(فر عن عائشة) ورواه عنها أيضا البيهقي وزاد بعد قوله فليعلمها لا يغرنها وفيه عيسى بن ميمون قال البيهقي ضعيف والذهبي تركوه(1/335)
581 - (إذا خفيت الخطيئة) أي استترت قال الزمخشري: خفي الشيء واختفى استتر وبرح الخفاء وزالت الخفية فظهر الأمر وفعل ذلك في خفية وهو أخفى من الخافية وإذا حسن من المرأة خفياها حسن الباقي وهما صوتها وأثر وطئها لأن رخامة صوتها تدل على خفرها وتمكن وطئها يدل على ثقل أردافها والخطيئة اسم للخطاه على الفعلة بالكسر وهي الذنب (لا تضر إلا صاحبها) أي فاعلها لأن غيره لا يتصور أن يغير ما لم يطلع عليه فلا تقصير منه فهو معذور وأما الآية {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث فهو فيمن لم يظلم ولم يشارك في فعل الخبائث لكنه اطلع ولم ينكر مع القدرة (وإذا ظهرت) أي برزت بعد الخفاء (فلم تغير) بالبناء للمجهول أي لم يغيرها الناس مع القدرة وسلامة العاقبة (ضرت العامة) أي عموم الناس فاستحقوا بذلك العقاب في هذه الدار ويوم المآب لأن إظهار المعاصي والسكوت عليها استهانة بالدين من جميع المسلمين فيستحقون العذاب لتركهم ما توجه عليهم من القيام بفرض الكفاية. قال الغزالي: فحق على من يسيء صلاته في الجامع أن ينكر عليه وأن يمنع المنفرد من الوقوف خارج الصف وينكر على من رفع رأسه قبل الإمام ويأمر بتسوية الصفوف وفيه حث عظيم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه من أهم الأمور وقد ذم الله تعالى قوما تركوا ذلك فقال {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية. يعني لا ينهى بعضهم بعضا
(طس عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو غير صواب فقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه مروان بن سالم الغفاري متروك(1/336)
582 - (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم) ندبا مؤكدا أو وجوبا (على النبي) صلى الله عليه وسلم لأن المساجد محل الذكر والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم منه (وليقل اللهم) أي يا الله (افتح لي أبواب رحمتك) زاد في رواية الديلمي وأغلق عني أبواب سخطك وغضبك واصرف عني الشيطان ووسوسته وابن السني بعد رحمتك وأدخلني فيها (وإذا خرج) منه (فليسلم) بعد التعوذ كما في رواية أبي داود (على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم أني أسألك من فضلك) أي من إحسانك مزيد إنعامك وسر تخصيص ذكر الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن الداخل اشتغل بما يزلفه إلى الله وإلى ثوابه وجنته من العبادة فناسب أن يذكر الرحمة فإذا خرج انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله من الرزق فناسب ذكر الفضل كما قال {فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} واعلم أن النووي نقل عن العلماء أن الصلاة والسلام يكره إفراد أحدهما عن الآخر وقد وقع إفراد السلام في هذا الحديث وورد إفراد الصلاة في حديث ابن السني عن أنس ولفظه كان إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صل على محمد وإذا خرج قال مثل ذلك [ص:337] فإفراد كل منهما في هذين الحديثين يعكر على القول بالكراهة والظاهر أن مرادهم أن محل كراهة الإفراد فيما لم يرد الإفراد فيه وأن أصل السنة تحصل بالإتيان بأحدهما وكمالها إنما يحصل بجمعهما كما ورد في حديث يأتي
(د) وكذا النسائي (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعيد الساعدي وابن ماجه عن أبي حميد أو عن أبي أسيد بن ثابت الأنصاري المدني قيل اسمه عبد الله وهو بضم الهمزة وفتح المهملة كما ضبطه المؤلف بخطه لكن في التقريب عن الدارقطني أن الصحيح فيه فتح الهمزة رمز لحسنه وعزوه لابن ماجه لا يخلو عن شوب شبهة لأن فيه حديثين لفظ أحدهما عن أبي حميد إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك انتهى. قال مغلطاي: حديث ضعيف لضعف إسماعيل بن عياش روايه الثاني عن أبي هريرة إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان انتهى فإن كان اللفظ الذي عزاه له المؤلف في بعض النسخ وإلا فهو وهم(1/336)
583 - (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس) ندبا مؤكدا إذا كان متطهرا أو تطهر عن قرب (حتى يصلي) فيه (ركعتين) تحية المسجد والصارف عن الوجوب خبر هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وأخذ بظاهره الظاهرية ثم هذا العدد لا مفهوم لأكثره اتفاقا وفي أفله خلف الصحيح اعتباره فلو قعد شرع تداركهما إن سها وقصر الزمن وكذا لو دخل زحفا أو حبوا فقوله فلا يجلس غالبي إذ القصد تعظيم المسجد ولذلك كره تركها بلا عذر ثم هذا عام خص منه داخل المسجد الحرام ومن اشتغل إمامه بفرض ومن دخل حال الإقامة وغير ذلك من الصور التي لا تشرع فيها التحية وظاهر الحديث تقديم نحية المسجد على تحية أهله وقد جاء صريحا من قوله وفعله فكان يصليها ثم يسلم على القوم. قال ابن القيم: وإنما قدم حق الحق على حق الخلق هنا عكس حقهم المالي لعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين فنظر لحاجة الآدمي وضعفه بخلاف السلام فعلى داخل المسجد ثلاث تحيات مرتبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالتحية فالسلام على من فيه <تنبيه> قال في الفتح: قولهم تحية البيت الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكون المصطفى لما دخل المسجد يوم الفتح جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت صلاته إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هي تحية المسجد العام
(حم ق 54 عن قتادة عن أبي هريرة)
وحديث أبي قتادة ورد على سبب هو أنه دخل المسجد فوجد المصطفى صلى الله عليه وسلم جالسا بين صحبه فجلس معهم فقال: ما منعك أن تركع قال: رأيتك جالسا والناس جلوس فذكره(1/337)
584 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم) لزيارة أو غيرها (فأطعمه) من (طعامه فليأكل) منه ندبا هكذا هو ثابت في الحديث وإن كان صائما نفلا جبرا لخاطره (ولا يسأل عنه) أي عن الطعام من أي وجه اكتسبه ليقف على حقيقة حله فإن ذلك غير مكلف به ما لم تقو الشبهة في طعامه والمراد لا يسأل منه ولا من غيره (وإن سقاه من شرابه فليشرب) منه أيضا (ولا يسأل عنه) كذلك لأن السؤال عن ذلك يورث الضغائن ويوجب التباغض والظاهر أن المسلم لا يطعمه ولا يسقيه إلا حلالا فينبغي إحسان الظن وسلوك طريق النوادر فيتجنب عن إيذائه بسؤاله وإنما نهى عن أكل طعام الفاسق زجرا له عن ارتكاب الفسق لطفا به في الحقيقة كما ورد " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ومن ثم قيد جمع ما ذكر هنا من النهي عن السؤال بما إذا غلب على ظنه توقيه للمحرمات وفيما إذا كان أكثر ماله حراما تقرير بديع وتفصيل حسن للغزالي. س
(طس ك هب عن أبي هريرة) قال عبد الحق أسنده جمع وأوقفه آخرون والوقف أصح وقال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني فيه مسلم بن خالد الزنجي تفرد به والجمهور ضعفوه وقد وثق وبقية [ص:338] رجال أحمد رجال الصحيح(1/337)
585 - (إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم) وهو صائم (فأراد) أخوه أي التمس منه (أن يفطر) أي يقطع صومه ويتغدى (فليفطر) ندبا جبرا لخاطره (إلا أن يكون صومه ذلك رمضان أو قضاء رمضان أو نذرا) أو كفارة أو نحو ذلك من كل صوم واجب فلا يحل له قطعه ولو موسعا لأن الواجب لا يجوز تركه لسنة وفيه جواز قطع النفل بل ندبه لنحو ذلك وأنه لا يلزم بالشروع
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس انتهى والمؤلف رمز لحسنه لاعتضاده(1/338)
586 - (إذا دخل أحدكم إلى القوم) جماعة الرجال ليس فيهم امرأة والواحد رجل أو امرؤ من غير لفظه سموا به لقيامهم بالعظائم والمهمات. قال الصغاني: وربما دخل النساء تبعا (فأوسع له) بالبناء للمجهول أي أوسع له بعض القوم مكانا يجلس فيه (فليجلس) فيه ندبا (فإنما هي) أي الفعلة أو الخصلة التي هي التفسح له (كرامة من الله تعالى أكرمه بها أخوه المسلم) يعني إكرام من الله أجراه على يد ذلك الأخ المسلم والتوسعة للقادم أمر محبوب مندوب وكان الأحنف إذا أتاه رجل أوسع له سعة وأراه أنه يوسع له (فإن لم يوسع له فلينظر أوسعها مكانا) أي مكانا هو أوسع أمكنة تلك البقعة (فليجلس فيه) وإن كان نازلا بالنسبة لغيره ولا يزاحم أحدا ولا يحرص على التصدر ويتهافت على تعظيم نفسه ويتهالك على الشموخ والترفع كما هو ديدن فقهاء الدنيا وعلماء السوء
(الحارث) ابن أبي أسامة ثم الديلمي (عن أبي شيبة الخدري) ويقال الحصري لأنه كان يبيع الحصر صحابي حجازي قيل هو أخو أبي سعيد قال الذهبي حديث جيد ورمز المؤلف لحسنه(1/338)
587 - (إذا دخل أحدكم المسجد) هو مفعول به لدخل لتعديه بنفسه إلى كل مكان مختص لا ظرف أي إذا دخل وأراد أن يجلس (فلا يجلس) ندبا (حتى يصلي ركعتين) بأن يحرم بهما قائما قيل أو مقارنا لأول جلوسه لأن النهي عن جلوس بغير صلاة وفيه كراهة ترك ركعتين لمن دخل المسجد وهي كراهة تنزيه عند الجمهور وصرفها عن الوجوب خبر هل علي غيرها قال لا والركعتان أقلها فلو صلاها أربعا بتسليمة كانت كذلك ولا يشترط أن ينوي بها التحية بل تحصل بفرض أو نفل آخر راتب أو مطلق ويستثنى من ذلك الخطيب وداخل المسجد الحرام ومن دخل والإمام في مكتوبة أو الصلاة تقام أو قربت إقامتها فتكره له التحية (وإذا دخل أحدكم بيته) يعني محل إقامته من نحو منزل أو خلوة أو مدرسة أو خيمة أو غار في جبل (فلا يجلس حتى يركع) أي يصلي من إطلاق الجزء على الكل (ركعتين) ندبا (فإن الله جاعل له من ركعتيه) اللتين يركعهما (في بيته خيرا) أخذ منه الغزالي كجمع شافعية ندب ركعتين لدخول المنزل كالخروج منه وقد مر <تنبيه> قال الطحاوي: الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها. قال ابن حجر: هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل داخل بغير تفصيل والنهي عن الصلاة في أوقات [ص:339] مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب الشافعية إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر وعكسه الحنفية والمالكية
(عق عد هب عن أبي هريرة) ثم قال مخرجه البيهقي أنكره البخاري بهذا الإسناد لكن له شواهد انتهى وقال العراقي قال البخاري لا أصل له(1/338)
588 - (إذا دخل أحدكم على أخيه) في الدين بإذنه لنحو زيارة أو ضيافة وهو في نحو بيته ولم يذكر قصدا للتعميم (فهو) أي صاحب المكان يعني المالك لمنفعته ولو مستأجرا ومستعيرا (أمير عليه) أي الداخل (حتى) أي إلى أن (يخرج من عنده) لأنه أمير بيته فلا يتقدم الداخل على الساكن بحق أو ولاية في صلاة ولا مشورة ولا غيرهما إلا بإذنه أو علم رضاه وفي حديث مسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته أي وهو ما يختص بالإنسان من فرش أو وسادة وقيل المائدة وفيه أن الضيف لا ينصرف حتى يأذن له رب الدار
(عد عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف لكن يقويه ما رواه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا إذا دخل قوم منزل رجل كان رب المنزل أميرهم حتى يخرجوا من منزله وطاعته عليهم واجبة انتهى أي متأكدة بحيث تقرب من الوجوب على حد قوله: غسل الجمعة واجب(1/339)
589 - (إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه) عليهم والباء للمصاحبة (وإذا) أضافوه وقاموا بحقه ثم (خرج) من عندهم (خرج بمغفرة ذنوبهم) أي قارن خروجه حصول المغفرة لهم إكراما منه تعالى وفضلا. وفيه من فخامة الضيافة وجزالة القرى ما يحمل من له أدنى عقل على المحافظة عليها والاهتمام بشأنها وناهيك بخصلة توسع الرزق وتنشر الغفران وتبعد عن النيران وقد مر غير مرة ما يعلم منه أن المراد غفران الصغائر وأن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة
(فر عن أنس) قال السخاوي: سنده ضعيف وله شاهد عند أبي الشيخ عن أبي قرصافة مرفوعا(1/339)
590 - (إذا دخل عليكم السائل) أي المستطعم (بغير إذن) منكم له في الدخول (فلا تطعموه) أي الأولى أن لا تطعموه شيئا من أكل أو غيره تأديبا له على جرأته وزجرا له عن تعدي المراسم الشرعية حيث خالف الشارع واقتحم ما حده له من تكرار الاستئذان. نعم ينبغي التلطف بالجاهل وتعليمه آداب الشريعة
(ابن النجار) في تاريخه (عن عائشة) وفي الأصل بدلها أنس (وهو مما بيض له) أبو منصور (- الديلمي) لعدم وقوفه على سنده وقد رمز المؤلف لضعفه(1/339)
591 - (إذا دخل العشر) عشر ذي الحجة فاللام للعهد كأنه لا عشر إلا هو (فأراد أحدكم) وهو غير محرم (أن يضحي) قال في المنضد الفاء للتعقيب كأن الإرادة كانت عقب دخول العشر مقارنة لأول جزء منه وكذا قوله (فلا يمس) لأن المنع من المس معقب للإرادة فإنه مع اتصاف كونه مريدا للتضحية ينبغي أن لا يمس (من شعره) أي شعر بدنه رأسا أو لحية أو شاربا أو إبطا أو عانة أو غيرها (ولا) من (بشره) كظفر وجلد بل قال الإسنوي أو دم لكن اعترض بأنه لا يصلح لعده من الأجزاء هنا وإنما المراد الأجزاء الظاهرة نحو جلدة لا يضر قطعها شيئا بل يبقيه ليشمل المغفرة والعتق من النار جميع أجزائه فإنه يغفر له بأول قطرة من دمها كما في أخبار تأتي وأما توجيه بعضهم بأنه يفعل ذلك تشبها بالمحرمين فلا يخفى فساده إذ لو كان كذلك كره نحو الطيب والمخيط ولا قائل به. ثم إن خالف وأزال شيئا من ذلك كره عند الشافعية وحرم عند أحمد وغيره ما لم يحتج بل قد يجب كقطع يد سارق وختان بالغ وقد يندب كتنظيف شعث لمريد إحرام أو حضور جمعة وقد يباح كقلع سن وجعة ولو تعددت أضحيته انتفت الكراهة بالأولى بناء على الأصح أن الحكم المعلق على معنى يكفي فيه أدنى المراتب لتحقق المسمى فيه والبشرة ظاهر [ص:340] الجلد والمس واللمس ههنا سواء وهو كناية عن حلق الشعر أو قصه أو نتفه وإزالة الظفر بقص أو غيره وهو المراد بالبشرة فكنى عنه بالمس لأنه مس مخصوص بزيادة فعل ثم إنه في هذا الخبر لم يتعرض لانقضاء مدة المنع وقد بينه في خبر آخر بقوله عقب ما ذكر حتى يضحي والأول اكتفى بدلالة اللفظ عليه لأن تقديم ذكر العشر والتضحية يدل على أن الأمد انقضاء العشر ووقوع التضحية ولأنه حكم قارنه ذكر العشر وإذا تعلق حكم الشيء بأمد له نهاية علم أن منتهاه منتهى ذلك الأمد ولهذا لما علق الحكم في خبر بهلال ذي الحجة احتاج أن يوضحه بقوله حتى يضحي ذكره في المنضد لكن بحث بعضهم أنه يضم لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق وفيه عدم وجوب الأضحية لتعلقها بالإرادة فهي سنة للموسر لا يأثم بتركها عند الشافعي ومالك وأحمد وأوجبها أبو حنيفة على مقيم ملك نصابا
(م ن هـ) في الأضاحي (عن أم سلمة) ولم يخرجه البخاري(1/339)
592 - (إذا دخل شهر) سمي به لاشتهاره (رمضان) من الرمض لأنه ترمض فيه الذنوب أي تحرق أو لموافقة ابتداء الصوم فيه وقتا حارا أو لغير ذلك وذكر الطلقاني في حظيرة القدس له ستين اسما (فتحت) بالتشديد والتخفيف أي تفتح (أبواب الجنة) وفي رواية أبواب السماء وهي كناية عن تواتر هبوط غيث الرحمة وتوالي صعود الطاعة بلا مانع ومعاوق ويشهد له قوله (وغلقت أبواب جهنم) كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام وكبائر الذنوب العظام وتكون صغائره مكفرة ببركة الصيام والحمل على الحقيقة يبعده ذكره في معرض الامتنان على الصوام بما أمروا به وبالحمل على الحقيقة لم تقع المنة موضعها بل تخلو عن الفائدة إذ المرء ما دام في هذه الدار لا يمكنه دخول إحدى الدارين فأي فائدة له في فتح أبوابها؟ ذكره القاضي أخذا من قول التوربشتي هذا كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد الأعمال تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول وغلق أبواب جهنم هنا كناية عن تنزه الصوام عن رجس الآثام بقمع الشهوات إلى آخر ما تقرر لكن نازعه الطيبي بأنه يمكنه أن يكون <فائدة> الفتح توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأن ذلك منه تعالى بمنزلة عظيمة وأيضا إذا علم المكلف المعتقد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية ويشهد له حديث عمر " إن الجنة تزخرف لرمضان " (وسلسلت) لفظ رواية مسلم صفدت (الشياطين) شدت بالأغلال لئلا يوسوسوا للصائم وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم إليه تعالى وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها وقيل خص من عموم قوله سلسلت زعيم زمرتهم وصاحب دعوتهم لمكان الأنظار الذي أجيب فيه حين سأله فيقع ما يقع من المعاصي بإغوائه <تنبيه> علم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيين إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصفت أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات عاكفين عليها معرضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان
(حم ق) في الصوم (عن أبي هريرة) قضية صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فالبخاري لم يذكر الشهر ولا مسلم هنا لكنها وردت عند غيرهما(1/340)
593 - (إذا دخلتم على المريض) تعودونه (فنفسوا له في الأجل) بالتحريك أي وسعوا له وأطمعوه في طول الحياة [ص:341] وأذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهور أو نحو ذلك فإن ذلك تنفيسا لما هو فيه من الكرب وطمأنينة لقلبه. قال الطيبي: وقوله في أجله متعلق بنفسوا معنى التطميع أي طمعوه في طول أجله واللام للتأكيد والتنفيس التفريج قال الراغب: والأجل المدة المضروبة للشيء ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان وأصله استيفاء الأجل إلى مدة الحياة (فإن ذلك) أي التنفيس (لا يرد شيئا) من المقدور (وهو يطيب بنفس) الباء زائدة أو للتعدية وفاعله ضمير عائد إلى اسم إن وفي رواية بإسقاط الباء (المريض) يعني لا بأس بتنفيسك له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطييب نفسه. قيل للرشيد وهو عليل هون عليك وطيب نفسك فإن الصحة لا تمنع الفناء والعلة لا تمنع من البقاء فارتاح لذلك. قال ابن القيم: وهذا نوع شريف من أنواع العلاج فإن تطييب نفس العليل يقوي الطبيعة وينعش القوى ويبعث الحار الغريزي فيساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب ولمسرة المريض تأثير مخصوص في تخفيف علته انتهى ولا يعارض ذلك ندب التنبيه على الوصية لأنه يقول مع ذلك الوصية لا تنقص الأجل بل العامل بالسنة يرجى له البركة في عمره وربما تكون الوصية بقصد امتثال أمر الشرع سببا لزيادة العمر ونحو ذلك
(ت) في الطب (هـ) في الجنائز من حديث موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن (أبي سعيد) الخدري قال الترمذي في العلل سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال موسى منكر الحديث انتهى وقال في الأذكار بعد عزوه لابن ماجه والترمذي إسناده ضعيف وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الفتح في سنده لين وفي الميزان حديث منكر(1/340)
594 - (إذا دخلتم بيتا) أي مكانا يعني إذا وصلتم إلى محل فيه مسلمون فالتعبير بالدخول وبالبيت غالبي وكذلك لفظ الجمع (فسلموا على أهله) أي سكانه بدلا للأمان وإقامة لشعار أهل الإيمان وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يواظب على ذلك (فإذا خرجتم منه) أي أردتم الخروج (فأودعوا أهله) أي فارقوهم واتركوهم (بسلام) أي سلموا عليهم عند مفارقتكم إياهم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الطيبي: قوله أودعوا من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا إليهم وتستردوا وديعتكم فإن الودائع تستعاد وتفاؤلا للسلامة والمعاودة مدة بعد أخرى وأنشد:
ولا بد لي من جهلة في وصاله. . . فمن لي بخل أودع الحلم عنده
اللطف فيه أنه لم يفارق على مفارقة الحلم لأن الودائع تستعاد وتسمى الثانية سلام توديع ومتاركة يقال ودعته أودعه ودعا تركته وابتداء السلام على من لقيه أو فارقه من المسلمين ولو صبيا سنة ومن الجماعة سنة كفاية ولا يترك خوفا من عدم الرد كما اقتضاه إطلاق الحديث وأفضل صيغه السلام عليكم أو سلام عليكم بالتنوين ولو على واحد
(هب عن قتادة) ابن دعامة السدوسي أي الخطاب البصري (مرسلا) ثم قال مخرجه البيهقي هكذا جاء مرسلا انتهى والبيهقي رواه عن أبي الحسين بن بشران عن إسماعيل الصفار عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن بشران وثق والصفار قال في اللسان ثقة مشهور وأخطأ ابن حزم حيث جهله وابن منصور ثبت وعبد الرزاق من الأعلام فهو مرسل جيد الإسناد(1/341)
595 - (إذا دخلت) بفتح التاء (على مريض) مسلم معصوم لنحو عيادة (فمره) أي اسأله (يدعو لك) قال الطيبي: مرة يدعو مفعول بإضمار أن أي مره بأن يدعو لك ويجوز جزمه جوابا للأمر على تأويل أن هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابي يبلغه إلى المريض فهو كقوله {قل للذين آمنوا يقيموا الصلاة} ثم علل طلب الدعاء منه بقوله (فإن دعاءه كدعاء الملائكة) في كونه مفضلا مسموعا وكونه دعاء من لا ذنب عليه لأن المرض يمحص الذنوب [ص:342] والملائكة لا ذنوب لهم لعصمتهم ومنه يؤخذ أن الكلام في مريض مسلم أما لو عاد نحو قريبه أو جاره الذمي فلا ينبغي طلب الدعاء منه فإن المرض لا يمحص ذنوب الكافر لفقد شرط ذلك وهو الإسلام <تنبيه> قال بعض العارفين: الله تعالى عند عبده إذا مرض ألا تراه ماله استغاثة إلا به ولا ذكر إلا له فلا يزال الحق في لسانه منطوقا به وفي قلبه إلتجأ إليه فالمريض لا يزال مع الله ولو تطيب وتناول الأسباب المعتادة لوجوده الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله ويأتي في حديث إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده فوجوده عنده هو ذكر المريض ربه في علته بحال انكسار واضطرار فلذلك كان دعاءه كدعاء الملائكة
(هـ) من حديث جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران (عن عمر) بن الخطاب وجعفر بن برقان أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن خزيمة لا يحتج به انتهى وميمون لم يدرك عمر فهو منقطع أيضا وقال ابن حجر في الفتح عنده حسن لكن فيه انقطاع وتقدمه لذلك النووي في الأذكار فقال صحيح أو حسن لكن ميمون لم يدرك عمر وقال المنذري رواته ثقات لكن ميمون لم يسمع من عمر فزعم الدميري صحته وهم(1/341)
596 - (إذا دخلت) بفتح التاء خطابا لمحجن الذي أقيمت الصلاة فصلى الناس ولم يصل معهم وقال صليت مع أهلي (مسجدا) يعني محل جماعة (فصل مع الناس) أي مع الجماعة (وإن كنت قد صليت) قبل ذلك تقرير لقوله كنت صليت أو تحسين للكلام كما في قوله {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} فإن قوله لغفور رحيم خبر قوله {إن ربك للذين عملوا السوء} وقوله {إن ربك من بعدها} تكرير وزعم بعضهم أن فيه صحة الصلاة بدون جماعة لأنه لم يأمره بالإعادة ممنوع لاحتمال قوله وإن كنت صليت أي في جماعة ويدل له صليت مع أهلي والاحتمال يسقط الاستدلال وفيه الأمر بالمعروف ولو في غير واجب والسؤال عن العذر قبل الإنكار وتعليم الجاهل وذكر العذر (والأمر) بالإعادة في جماعة حكمته الائتلاف وعدم المخالفة الموجبة لنفرة القلوب وندب إعادة الصلاة لمن صلى جماعة أو فرادى
(ص عن محجن) ابن أبي محجن (الديلمي) بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم المدني صحابي قليل الحديث قال الذهبي فيه بشر بن محجن ولا يكاد يعرف انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه إلا أن يكون اعتضد(1/342)
597 - (إذا دعا أحدكم) ربه (فليعزم) بلام الأمر (المسألة) لفظ رواية مسلم وليعزم في الدعاء أي فليطلب طلبا جازما من غير شك ويجتهد في عقد قلبه على الجزم بوقوع مطلوبه إحسانا للظن بكرم ربه تعالى ثم بين العزم بقوله (ولا) يعلق ذلك بنحو مشيئته (فلا يقل اللهم إن شئت فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة بعطائه لأن من اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء فلا معنى لذكر المشيئة بل فيه صورة استغناء عن المطلوب والإخلاص في العبودية يقتضي الجزم بالطلب فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار وفي رواية بدل فأعطني اغفر لي وفي أخرى ارحمني وفي أخرى ارزقني وفي رواية تقديم المشيئة كما هنا وفي رواية تأخيرها قال ابن حجر: وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به قال الزمخشري: والعزم التصميم والمضي على فعل شيء أو تركه بعقد القلب عليه وأن يتصلب فيه (فإن الله) يعطي ما يشاء لمن يشاء ومن هو كذلك (لا مستكره) بكسر الراء وفي رواية لا مكره (له) أي يستحيل أن يكرهه أحد على شيء لأن الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن وهو إذا أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء وليس في الوجود من يكرهه على خلاف مراده فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل العبث الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه فيكره ذلك تنزيها ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحمل المستوي الطرفين كما أشار إليه النووي [ص:343] فإطلاق التحريم بدون هذه الإرادة سقيم وفيه ندب إلى رجاء الإجابة. قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير فإنه تعالى أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال {أنظرني. . إلخ} وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال {وإلى ربك فارغب} والرهبة تكون منه كما قال {وإياي فارهبون}
(حم ق) في الدعوات (عن أنس) قال المناوي رواه الجماعة كلهم إلا النسائي(1/342)
598 - (إذا دعا أحدكم) لنفسه أو لغيره فليؤمن ندبا على دعاء نفسه فإنه إذا أمن أمنت الملائكة معه فاستجيب الدعاء وفيه خبر أنه سمع رجلا يدعو فقال أوجب إن ختم بآمين فختم الدعاء به يمنعه من الرد والخيبة كما مر وكما يندب أن يؤمن عقب دعائه يندب أن يؤمن على دعاء غيره إن كان الداعي مسلما لحديث الحاكم " لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله " أما الكافر فلا يجوز التأمين على دعائه على ما جرى عليه فخر الإسلام الروياني لكن الأرجح عند الشافعية جوازه إن دعا بجائز شرعا
(عد عن أبي هريرة) وهو مما بيض له الديلمي بإسناد ضعيف لكن يقويه رواية الديلمي له بلفظ: إذا أحرم أحدكم فليؤمن على دعائه إذا قال اللهم اغفر لنا فليقل آمين ولا يلعن بهيمة ولا إنسانا فإن دعاءه مستجاب وبيض لسنده(1/343)
599 - (إذا دعا الغائب لغائب) ظاهره يشمل الغائب عن البلد وهو المسافر وعن المجلس فمن قصره على الأول فقد قصر وفي رواية: إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب (قال له الملك) الموكل بنحو ذلك كما يرشد إليه تعريفه وبه جاء التصريح في أخبار وفي رواية: قالت الملائكة (ولك مثل ذلك) وفي رواية: ولك بمثل: بالتنوين بدون ذلك: أي أدعو الله أن يجعل لك بمثل ما دعوت به لأخيك وذلك يكاد يكون فيما بين أهل الكشف متعارفا بل محسوسا ولهذا كان بعضهم إذا أراد الدعاء لنفسه بشيء دعا به أولا لبعض إخوانه ثم يعقبه بالدعاء لنفسه وشمل الغائب ما إذا كان كافرا ودعا له بالهداية ونحوها
(عد عن أبي هريرة) ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء الصغرى وهي تابعية فهو عندها مرسل(1/343)
600 - (إذا دعا الرجل زوجته) أو أمته (لحاجته) كناية عن الجماع (فلتأته) أي فلتمكنه من نفسها وجوبا فورا حيث لا عذر (وإن كانت على) إيقاد (التنور) الذي يخبز فيه لتعجيل قضاء ما عرض له فيرتفع شغل باله ويتمخض تعلق قلبه فالمراد بذكر التنور حثها على تمكينه وإن كانت مشغولة بما لا بد منه كيف كان وهذا حيث لم يترتب على تقديم حظه منها إضاعة مال أو اختلاف حال كما مر. قال الراغب: والدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قال يا أو أيا ونحوه من غير أن ينضم له الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم كيا فلان وقد يستعمل كل محل الآخر: قيل فيه إن الأحب أن يبيت الرجل مع زوجته في فراش واحد وفي أخذه من ذلك بعد لا يكاد يصح
(ت) في النكاح (ن) في حسن عشرة النساء (عن مطلق) بفتح فسكون (ابن علي) بن مدرك الحنفي السحيمي بمهملتين مصغر اليماني صحابي له وفادة قال الترمذي حسن غريب ولم يبين لم لا يصح؟ والمؤلف رمز لصحته فليحرر(1/343)
601 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) ليجامعها فهو كناية عنه بذلك (فليجب) وجوبا فورا أي حيث لا عذر (وإن [ص:344] كانت على ظهر قتب) قال أبو عبيدة: كنا نرى أن معناه وهي تسير على ظهر بعير فجاء التفسير في حديث: إن المرأة كانت إذا حضر نفاسها أقعدت على قتب فيكون أسهل لولادتها نقله الزمخشري وأقره والقصد الحث على طاعة الزوج حتى في هذه الحالة فكيف غيرها؟ والفراش بالكسر فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش وهو فراش أيضا تسمية بالمصدر
(البزار) في مسنده (عن زيد بن أرقم) وصححه بعضهم فتبعه المؤلف ورمز لصحته(1/343)
602 - (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) ليطأها (فأبت) امتنعت بلا عذر وليس حقيقة الإباء هنا بمرادة إذ هو أشد الامتناع والشدة غير شرط كما تفيده أخبار أخر (فبات) أي فبسبب ذلك بات وهو (غضبان عليها) فقد ارتكبت جرما فظيعا ومن ثم (لعنتها الملائكة حتى تصبح) يعني ترجع كما في رواية أخرى قال ابن أبي حمزة: وظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك ليلا وسره تأكيد ذلك الشأن ليلا وقوة الباعث إليه فيه ولا يلزم منه حل امتناعها نهارا وإنما خص الليل لكونه المظنة وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة أه. قال العراقي: وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطا عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق
(حم ق د عن أبي هريرة) وروى عنه النسائي وفي رواية لمسلم إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها(1/344)
603 - (إذا دعا العبد) أي المسلم إذ هو الذي يكتب له حسنة (بدعوة) الباء للتأكيد (فلم يستجب له) أي لم يعط عين مطلوبه وإلا فالإجابة واقعة بوعده تعالى بقوله {ادعوني أستجب لكم} لكنها تارة تكون في الدنيا وتارة في الآخرة وتارة يحصل التعويض بأنفع كما يأتي في حديث فإذا اقتضت مصلحة عدم إجابته في عين المسؤول (كتبت له حسنة) أي أمر الله كاتب اليمين أن يكتب له بها بحسنة عظيمة مضاعفة كما يفيده التنكير فالمكتوب عشر حسنات لقوله في الحديث الآتي: إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا وذلك لرضاه بمراده تعالى فيه وذلك لأن الدعاء عبادة بل هو مخها كما يأتي في خبر وقد قال تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} <تنبيه> قال في الحكم: لا يكن تأخر أمد العطاء مع الالحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد ولا يشكك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخماد لنور سريرتك أه. ويكفي العبد عوضا من إجابته ما أقيم فيه من المناجاة وإظهار الافتقار والانكسار وقد يمنع العبد الإجابة لرفعة مقامه عند الله وقد يجاب كراهة لسماع صوته كما جاء في الحديث. فليحذر الداعي أن يكون حال دعائه ممن قضيت حاجته لكراهة الله له لا لمحبته
(خط) في ترجمة عمرو بن أيوب العابد (عن هلال بن يساف) بفتح التحتية وبمهملة خفيفة الأشجعي مولاهم الكوفي (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها قال في الكشاف ثقة(1/344)
604 - (إذا دعوت الله) أي سألته في جلب نفع (فادع الله ببطن كفيك) الباء للآلة أو للمصاحبة: أي اجعل بطنهما إلى وجهك وظهرهما إلى الأرض حال الدعاء لأن عادة من طلب من غيره شيئا أن يمد كفيه إليه متواضعا متذللا ليضع المسؤول فيها (ولا تدع) نهي تنزيه (بظهورهما) لأنه إشارة إلى الدفع فإن دعا بدفع بلاء أو قحط أو غلاء جعل ظهرهما [ص:345] إلى السماء كما في أخبار آخر إشارة إلى طلب دفعه وهو أحد ما فسر به قوله تعالى {يدعوننا رغبا ورهبا} (فإذا فرغت) من دعائك (فامسح بهما) ندبا وجهك لتعود البركة عليه ويسري إلى الباطن وحكمته كما ورد في حديث: الإفاضة عليه مما أعطاه الله تعالى تفاؤلا بتحقق الإجابة وأن كفيه قد ملئتا خيرا فأفاض منه عليه ففعل ذلك سنة كما جرى عليه في التحقيق وغيره تمسكا بعدة أخبار هذا منها وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالإجماع فقوله في المجموع لا يندب وسبقه إليه ابن عبد السلام وقال لا يفعله إلا جاهل: في حيز المنع
(هـ عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال ابن الجوزي لا يصح فيه صالح بن حسان متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات لكن له شاهد(1/344)
605 - (إذا دعوتم لأحد من اليهود) علم على قوم موسى سموا به من هادوا أي مالوا إما من عبادة العجل أو من دين إبراهيم أو موسى أو من هاد أي رجع من خير إلى شر أو عكسه أو لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة (والنصارى) جمع علم على قوم عيسى سموا به لأنهم نصروه أو كانوا معه في قرية تسمى نصران أو ناصرة: أي إذا أردتم الدعاء لأحد من أهل الذمة منهم (فقولوا) أي ادعوا بما نصه (أكثر الله مالك) لأن المال قد ينفع لجزيته أو موته بلا وارث أو بنقضه العهد ولحوقه بدار الحرب أو بغير ذلك (وولدك) بضم فسكون أو بالتحريك فإنهم ربما أسلموا أو نأخذ جزيتهم وإن ماتوا قبل البلوغ فهم خدمنا في الجنة أو بعده كفارا فهم فداؤنا من النار فاستشكال الدعاء به لهم بأن فيه الدعاء بدوام الكفر وهو لا يجوز: جمود. ويجوز الدعاء للكافر أيضا بنحو هداية وصحة وعافية لا بالمغفرة {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وقوله: مالك وولدك جرى على الغالب من حصول الخطاب به فلو دعا لغائب قال ماله وولده وخرج باليهود والنصارى الذميين أهل الحرب فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير المال والولد والصحة والعافية لأنهم يستعينون بذلك على قتالنا (فإن قلت) مالهم وأولادهم قد ينتفع بها بأن نغنمهم ونسترق أطفالهم (قلت) هذا مظنون وكثرة مالهم وعددهم مفسدة محققة ودرء المفسدة المحققة أولى من جلب المصلحة المتوهمة نعم يجوز بالهداية
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح متفق على ضعفه كما في الميزان وغيره وعد من مناكيره هذا الخبر(1/345)
606 - (إذا دعي) بالبناء للمجهول (أحدكم إلى وليمة العرس فليجب) وجوبا إن توفرت الشروط وهي عند الشافعة نحو عشرين فإن فقد بعضها سقط الوجوب ثم قد يخلفه الندب وقد لا بل يحرم كما لو كان ثم منكر وعجز عن إزالته [فإن قيل] الوليمة حيث أطلقت اختصت بوليمة العرس فإن أريد غيرها قيدت فما فائدة تقييدها بكونها للعرس [قلنا] هذا هو الأشهر لغة لكن منهم من جعلها شاملة للكل فلم يكتف في الحديث بإطلاقها دفعا لتوهم إرادته وأطلقت في خبر آخر جريا على الأكثر الأشهر (م هـ عن ابن عمر)(1/345)
607 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) كثر أو قل كما يفيده التنكير وصرح به في الخبر الآتي بقوله: إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا (فليجب) أي إلى الإتيان إليه وجوبا إن كان طعام عرس وندبا إن كان غيره وهذا في غير القاضي أما هو فلا يجب عليه في محل ولايته بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أن سيخاصم حرمت قال في الإحياء: وينبغي أن [ص:346] يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب وزيارة أخيه وإكرامه حتى يكونا من المتحابين والمتزاورين في الله تعالى (فإن كان مفطرا فليأكل) ندبا وتحصل السنة بلقمة (وإن كان صائما) فرضا (فليصل) أي فليدع لأهل الطعام بالبركة كذا فسره بعض رواته وجاء هكذا مبينا في رواية تأتي ونقله في الرياض عن العلماء فقال: قال العلماء ولم يذكر غيره لكن قال جمع الأولى إبقاؤه على ظاهره الشرعي تشريفا للمكان وأهله وأيده آخرون بأن في حديث أنس ما يصرح بأن المراد الصلاة الشرعية وغالب مخاطبات الشريعة إنما تحمل على عرفه الخاص لا المقاصد اللغوية والأولى ما ذهب إليه في المطامح من ندب الجمع بينهما عملا بمقتضى الروايات كلها ونقل عن جمع من السلف
(حم م د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه(1/345)
608 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو) أي والحال أنه (صائم فليقل إني صائم) اعتذارا للداعي فإن سمح ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذرا في التخلف. وإنما أمر المدعو حيث لا يجيب الداعي أن يعتذر له بقوله إني صائم وإن ندب إخفاء النفل لئلا يجر إلى عداوة أو تباغض بينه وبين الداعي
(م د ت هـ عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن صحيح(1/346)
609 - (إذا دعي أحدكم) إلى وليمة عرس (فليجب) إلى حضورها إن توفرت شروط الإجابة (وإن كان صائما) فإن الصوم غير عذر ولو فرضا فإن كان نفلا سن للمدعو الفطر إن شق على الداعي صومه عند أكثر الشافعية وبعض الحنابلة بناء على حل الخروج منه وينبغي أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة فتكون من عمل الدنيا بل يحسن القصد ليثاب كما مر فينوي الإقتداء وإكرام الداعي وإدخال السرور عليه وزيادة التحابب وصون نفسه عن ظن امتناعه تكبرا أو سوء ظن أو احتقار للداعي ونحو ذلك
(ابن منيع) في معجمه (عن أبي أيوب الأنصاري) رمز لصحته(1/346)
610 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام) أي مباح (فليجب) وجوبا إن كان وليمة عرس وإلا فندبا (فإن كان مفطرا فليأكل) ندبا كما في الروضة لا وجوبا خلافا لما وقع في شرح مسلم (وإن كان صائما فليدع بالبركة) لأهل الطعام ومن حضر قال في المطامح: وفيه دليل على أن الإجابة تجب بكل حال وأنه لا بأس بإظهار العبادة عند دعاء الحاجة وإرشاد إلى تألف القلوب بالأعذار الصادقة وندب الدعاء للمسلم سيما إذا فعل معروفا
(طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي رجاله ثقات ومن ثم رمز لصحته(1/346)
611 - (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب) أي إلى الإتيان إلى ذلك المكان عند الإمكان (فإن شاء طعم) كتعب: أي أكل وشرب (وإن شاء لم يطعم) لفظ رواية مسلم: وإن شاء ترك وفيه جواز الأكل وتركه ورد لما وقع للنووي في شرح مسلم من اختياره وجوبه الذي عليه أهل الظاهر والطعم بالفتح يقع على كل ما يساغ حتى الماء وذوق الشيء والطعم بالضم الطعام
(م د عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن ماجه وابن حبان(1/346)
[ص:347] 612 - (إذا دعي أحدكم) زاد في رواية أبي داود (إلى الطعام فجاء مع الرسول) أي رسول الداعي يعني نائبه ولو صبيا (فإن ذلك له إذن) أي قائم مقام إذنه اكتفاء بقرينة الطلب فلا يحتاج لتجديد إذن أي إن لم يطل عهد بين المجيء والطلب أو كان المستدعي بمحل لا يحتاج فيه إلى الإذن عادة وإلا وجب استئناف الاستئذان وعليه نزلوا الأخبار التي ظاهرها التعارض وتختلف بإختلاف الأحوال والأشخاص. ولهذا قال البيهقي: هذا إذا لم يكن في الدار حرمة ولا امرأة وإلا وجب الاستئذان مطلقا والدعاء النداء ودعاه سأله ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيدا أي سميته والمراد هنا الأول
(خد د هب) وكذا البخاري في الصحيح لكن معلقا (عن أبي هريرة) رمز لحسنه وبالغ بعضهم فقال صحيح ولعله لم ير قول ابن القيم فيه مقال ولا قول اللؤلؤي عن أبي داود فيه انقطاع(1/347)
613 - (إذا دعيتم إلى كراع) بالضم والتخفيف أي كراع شاة وهو يدها على ما قاله الجمهور أو كراع الغميم بمعجمة محل بين الحرمين أو جانب مستطيل من الحرم على ما قاله شرذمة وغلطهم الأولون (فأجيبوا) ندبا فالمعنى على الأول إذا دعيتم إلى طعام ولو قليلا كيد شاة فأجيبوا وعلى الثاني إذا دعيتم إلى محل ولو بعيدا كالموضع المذكور فأجيبوا وليست القلة أو البعد عذرا فأطلق ذلك على طريق المبالغة في الإجابة وإن بعد لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى الأول وفيه الحث على الإجابة ولو قل المدعو إليه أو بعد والحض على المواصلة والتحابب لكن إذا دعي إلى وليمة في مكان بعيد يشق عليه الذهاب مشقة تسقط الجمعة والجماعة لم يجب
(م عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا ابن حبان(1/347)
614 - (إذا ذبح أحدكم) حيوانا (فليجهز) أي يسرع بقطع جميع الحلقوم والمريء بسرعة ليكون أوجى وأسهل فنبه على أنه يندب للذابح إسراع القطع بقوة وتحلل ذهابا وإيابا وأن يتحرى أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها إزهاقا ويرفق بالبهيمة ما أمكنه فلا يصرعها ولا يجرها للمذبح بعنف ويحد السكين ويحرم الذبح بكالة لا تقطع إلا بشدة تحامل الذابح واعلم أن الحديث وإن ورد على سبب خاص في البهائم لكن العبرة بعموم اللفظ فإذا ذبح إنسان إنسانا كالبهيمة روعيت المماثلة فيذبح مثله ويؤمر الذابح بإجهاز ذبحه وعلى الإمام أن لا يقتص من إنسان إلا بسيف حاد ويحرم بكال. نعم إن قتل رجل رجلا بسيف كال قتل بمثله
(هـ عد هب عن ابن عمر) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار وإن توارى عن البهائم ثم قال إذا ذبح إلخ وفيه ابن لهيعة وقرة المغافري قال أحمد منكر الحديث جدا وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه(1/347)
615 - (إذا ذكر أصحابي) بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات (فأمسكوا) وجوبا عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة والقرون لما جرى بينهم محامل (وإذا ذكرت النجوم) أي أحكامها ودلالتها وتأثيراتها (فأمسكوا) عن الخوض فيها لما مر (وإذا ذكر القدر) بالفتح وبالسكون ما يقدره الله تعالى من القضاء وبالفتح اسم لما صدر مقدورا عن فعل القادر كالهدم لما صدر من فعل الهادم ذكره الطيبي. قال القاضي: بالتحريك تعلق الأشياء بالادارة في أوقاتها الخاصة (فأمسكوا) عن محاورة أهله ومقاولتهم لما في الخوض في الثلاثة من المفاسد التي لا تحصى كما مر قال البغوي: القدر سر الله لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لا يجوز الخوض فيه والبحث عنه من طريق [ص:348] العقل بل يعتقد أنه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلا وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلا. قال تعالى {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} وسأل عليا كرم الله وجهه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر. قال: طريق مظلم لا تسلكه فأعاد السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه فأعاد فقال: سر الله قد خفي عليك فلا تفشه. فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإمساك عن الخوض فيه لأن من يبحث فيه لا يأمن أن يصير قدريا أو جبريا ولذلك شدد فيه غاية التشديد فقال في حديث الترمذي: عزمت - أي أقسمت - عليكم أن لا تتنازعوا فيه إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر. فأشار إلى أن من تكلم من الأمم الماضية فيه عجل الله إهلاكهم <تنبيه> قال بعض العارفين: دخل ابن قانع على بلال بن أبي بردة في يوم حار وهو في روضة وعنده الثلج فقال بلال: كيف ترى بيتنا هذا؟ قال: إنه لطيب والجنة أطيب منه وذكر النار يلهي عنه قال: ما تقول في القدر؟ قال: جيرانك أهل القبور تفكر فيهم فإن فيهم شغلا عنه قال: ادع لي قال: ما تصنع بدعائي وببابك جمع كل منهم يقول إنك ظلمته يرتفع دعاؤهم قبل دعائي؟ لا تظلم فلا تحتاج لدعائي
(طب عن ابن مسعود وعن ثوبان) الهاشمي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم (عد عن عمر) قال الحافظ العراقي في سنده ضعيف وقال الهيتمي فيه يزيد بن ربيعة ضعيف وقال ابن رجب: روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه تبعا لابن صصرى ولعله اعتضد(1/347)
616 - (إذا ذكرتم بالله) بالبناء للمفعول مشددا أي إذا ذكركم أحد بوعيد الله وأليم عقابه وقد عزمتم على فعل شيء (فانتهوا) أي كفوا عنه إجلالا لذكره تعالى وإعظاما له وهذا كقول المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أقبل على أبي مسعود وهو يضرب غلاما له: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر منك عليك على هذا الغلام
(البزار عن أبي سعيد) واسمه كيسان بفتح وسكون (المقبري) بتثليث الموحدة مولى أم شريك العنبسية قيل له المقبري لأنه كان ينزل عند المقابر أو لأن عمر جعله على حفرها فالمقبري صفة لأبي سعيد وظاهر صنيع المؤلف أن البزار لم يخرجه إلا مرسلا ولا كذلك بل خرجه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال أحسبه يرفعه. أه. فالتردد إنما هو في وقفه ورفعه لا في إرساله وعدمه. وقال الهيتمي فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف(1/348)
617 - (إذا ذلت) بالتشديد بضبط المؤلف (العرب) المؤمنون المستعربة بنو إسماعيل: أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم (ذل الإسلام) أي أهله أو نفسه لأن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن والضعف وذلك لأن أصل الإسلام نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص لأن الإسلام لا يصلح وينتظم حاله إلا بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية أخلاقها لا ينكر ذلك إلا معاند ولا يجحده إلا مارد. فإذا كانوا في عز فالإسلام في عز وإذا ذلوا ذل. فبتلك الخلال فضلوا لا باللسان العربي فحسب
(ع عن جابر) قال العراقي في الغريب صحيح وقال الهيتمي فيه محمد بن خطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره ووثقه ابن حبان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح ورمز المصنف لضعفه باطل(1/348)
618 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا) هي بمعنى الرؤية لكنها خصت بما يرى في النوم دون اليقظة وفرق بينهما بحرفي التأنيث كقربة وقربى كذا في الكشاف (الحسنة) وهي ما فيه بشارة أو نذارة أو تنبيه على تقصير أو غفول أو نحو ذلك [ص:349] (فليفسرها) أي فليقصها ندبا (وليخبر بها) وادا أو عارفا كما يأتي في خبر ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر فقد يراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر لا لطلب التفسير (وإذا رأى) أحدكم (الرؤيا القبيحة) ضد الحسنة (فلا يفسرها) أي لا يقصها على أحد ليفسرها له (ولا يخبر بها) أحدا فيكره ذلك بل يستعيذ بالله من شرها وشر الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثا ويتحول لجنبه الآخر قيل ويقرأ آية الكرسي. قال الغزالي: الرؤيا من عجائب صنعه تعالى وبدائع فطرة الآدمي وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت والخلق غافلون عنها لغفلتهم عن سائر عجائب القلب وعجائب العالم والقول في حقيقتها من دقائق علوم المكاشفة ولا يمكن ذكره علاوة بل على عالم المعاملة لكن القدر الذي يمكن التعبير عنه وذكره في مثال يفهمك المقصود وهو أن القلب كالمرآة تتجلى فيها الحقائق وكل ما قدر من ابتداء خلق العالم إلى آخره منقوش في اللوح نقشا لا يشاهد لهذه العين وهو لوح لا يشبه لوح الخلق وكتابته واللوح كالمرآة ظهرت فيها الصور فلو وضع في مقابل المرآة مرآة وتراءت كل منهما في الأخرى حيث لا حجاب فالقلب مرآة تمثيل رسوم العلوم واللوح مرآة رسوم جميع العلوم واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب بينه وبين مطالعة اللوح فإن هبت ريح حولت الحجاب ورفعته تلألأ في مرآة القلب شيء من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم الشهادة وهي حجاب عن عالم الملكوت فإذا ركدت الحواس بالنوم تخلص منه ومن الخيال فكان صافيا في جوهره فارتفع الحجاب بينه وبين اللوح فيقع في قلبه شيء مما فيه كما تقع صورة من مرآة إذا ارتفع الحجاب بينهما غير أن النوم يمنع الحواس عن العمل ولا يمنع الخيال عن تحركه فيما يقع في القلب فيحاكيه بمثال يقاربه ويبقى الخيال في الحفظ فيحتاج المعبر أن ينظر هذا الخيال حكى أي معنى من المعاني فيرجع إلى المعاني المناسبة أه. وقد أكثر الناس من الكلام في حقيقة الرؤيا من الإسلاميين وغيرهم مما ينبو عن نطاق الحصر
(ت عن أبي هريرة) رمز لحسنه تبعا للترمذي وحقه الرمز لصحته وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة ولا كذلك فقد رواه ابن ماجه عن أبي هريرة باللفظ المزبور(1/348)
619 - (إذا رأى أحدكم) في منامه (الرؤيا يكرهها) الجملة صفة للرؤيا أو حال منها قال القاضي: والرؤيا انطباع الصورة المنحدرة عن أفق المتخيلة إلى الحس المشترك الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أو في فراغ فيتصور ما فيها مما يليق من المعاني الحاصلة هناك. ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة متناسبة فيرسلها إلى الحس المشتري فتصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة بذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت عن التعبير وإلا احتاجت (فليبصق) بالصاد ويقال بسين وبزاي (عن يساره) أي عن جانبه الأيسر (ثلاثا) كراهة لما رأى وتحقيرا للشيطان الذي حضرها واستقذارا له وخص اليسار لأنه محل الأقذار والمكروهات والتثليث للتأكيد (وليستعذ بالله) بجمع همة وحضور قلب وصفاء باطن وصحة توجه فلا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان كما أشار إليه بعض الأعيان (من الشيطان) الرجيم (ثلاثا) بأن يقول أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم ومن شرها لأنها بواسطته (وليتحول) أي ينتقل (عن جنبه الذي كان) مضطجعا (عليه) حين رأى ذلك تفاؤلا بتحول تلك الحالة ومجانبة لمكانه ولهذا أمر الناعس يوم الجمعة بالتحول والتحول التنقل من شيء إلى غيره والجنب ما تحت الإبط إلى الكشح. قال الراغب: وأصله الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال <تنبيه> قال ابن حجر: ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح [ص:350] أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن النخعي: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني ودنياي
(م د هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا النسائي(1/349)
620 - (إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول وليتفل عن يساره ثلاثا) أي وليبصق بصقا خفيفا بلا ريق من جهته اليسرى ثلاث مرات. قال في الصحاح: التفل شبيه بالبصق وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ قال الزركشي: جاء في رواية فليتفل وفي أخرى ينفث وفي أخرى: يبصق وبينهما تفاوت فينبغي فعل الكل لأنه زجر للشيطان فهو من باب رمي الجمار (وليسأل الله من خيرها) أي الرؤيا (وليتعوذ بالله من شرها) أمره في هذا الخبر وما قبله بأربعة أشياء: التحول والاستعاذة والتفل والكتم متى فعل ذلك لم تضره: بل ذلك دافع لشرها (فإن قلت) قدم في الخبر قبله البصق فالاستعاذة فالتحول وهنا قدم التحول وأخر التعوذ فهل من حكمة؟ (قلت) أجل وهي الإشارة إلى أنه كيف فعل كفى فإن عدم اقتضاء الواو للترتيب غير متفق عليه فدفع ما عساه يتوهم لتخالف النظم. وفي رواية لمسلم: إذا رأى أحدكم ما يكره فليصل: أي لتكمل الرغبة ويصح الطلب فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال القرطبي: وليس هذا مخالفا لقوله هنا: فليتحول وليتفل إلخ وإنما الأمر بالصلاة زيادة ينبغي إضافتها إلى ما في هذا الحديث فليفعل الكل وقد يقال اقتصر على الصلاة لتضمنها جميع تلك الأمور لأنه إذا قام للصلاة تحول عن جنبه وإذا توضأ تمضمض فنفث وبصق وإذا أحرم تعوذ ودعا وتضرع لله في حال هي أقرب إجابة أه ومتى فعل ما أمر به مما تقرر لم يضره ببركة الصدق والتصديق والامتثال: وفائدة ذلك أن لا يشغل الرائي نفسه برؤية ما يكره وأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه <تنبيه> قال الحكيم الترمذي: التفل الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم واصل إلى وجه الشيطان واقع عليه فالتفل مع تعوذ الرائي بالله يرد الذي جاء به من النزعة والوسوسة كالنار إلى وجهه فيحترق فيصير قروحا ورد عن الربيع بن خيثم أنه قص عليه رؤيا منكرة فأتاه رجل وقال رأيت في النوم رجلا يقول أخبر الربيع بأنه من أهل النار فتفل عن يساره وتعوذ فرأى ذلك الرجل في الليلة الثانية أن رجلا جاء بكلب فأقامه بين يديه وفي عنقه حبل وبجبهته قروح فقال هذا ذلك الشيطان وهذه القروح تلك النفثات التي نفثتها في وجهه الربيع
(هـ عن أبي هريرة) وهذا الحديث في نسخ لا تحصى ولم أره في نسخة المؤلف التي بخطه(1/350)
621 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها) بأن يقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحبه قال ذلك (وليحدث بها) غيره (وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي) أي الرؤيا (من الشيطان) ليحزنه ويشوش عليه فكره ليشغله عن العبادة فلا يخبر بها ولا يشتغل بها. قال النووي: جعل ما هو علامة عل ما يضر منتسبا للشيطان مع أن الله هو خالق للرؤيا مجازا لحضوره عندها لا على أن الشيطان يفعل ما يشاء. وقيل: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف وإضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه يرضاها (فليستعذ بالله) من شرها وشر الشيطان (ولا يذكرها لأحد) فإنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهر [ص:351] صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإنها لا تضره) فإنه تعالى جعل فعله من النعوذ والتفل وغيره سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء. قال ابن عربي: من حافظ على ما ذكره في هذا الحديث من الاستعاذة والكتم يرى برهانه فإن كثيرا من الناس وإن استعاذ يتحدث بما رآه فأوصيك أن لا تفعل. وقال بعضهم: محصل الحديث أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة: حمد الله وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لمن يحب لا لغيره وآداب الحلم الرديء أربعة: التعوذ من شره وشر الشيطان. ويتفل حين ينتبه ولا يذكرها لأحد. واستثنى الداودي من نوم ما يكره ما يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الإنذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع التعوذ إذا عرف أنها صادقة بدليل ما رآه المصطفى صلى الله عليه وسلم من البقر التي تنحر وثلم ذباب سيفه لكن لا يلزم من ترك التعوذ ترك التحول والصلاة فقد يكون سببا لدفع مكروه الإنذار مع حصول مقصوده على أن المنذرة قد ترجع لمعنى المبشرة <تنبيه> قال بعضهم: يسن لمن رأى رؤيا من المبشرات أن يقول ما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لما رأى في المنام أن جبريل لما أتاه بعائشة في سرقة حرير بيضاء وقال له هذه زوجتك فلما قصها على أصحابه قال إن يكن من الله يمضه فأتى بالشرط لسلطان الاحتمال الذي يعطيه مقام النوم وحضرة الخيال فكان كما رأى. قال بعض العارفين: الأدب يعطي أن يقول ذلك وما قلته قط إلا وخرجت كفلق الصبح
(حم خ ت عن أبي سعيد) وهذا الحديث في نسخ كثيرة وليس في خط المؤلف(1/350)
622 - (إذا رأى) أي علم (أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه) من النسب أو الإسلام (ما يعجبه) أي ما يستحسنه ويرضاه من أعجبه الشيء رضيه (فليدع له بالبركة) ندبا بأن يقول اللهم بارك فيه ولا تضره ويندب أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله لخبر رواه أبو داود (فإن العين) أي الإصابة بالعين (حق) أي كائن يقضي به في الوضع الإلهي لا شبهة في تأثيرها في النفوس فضلا عن الأموال وذلك لأن بعض النفوس الإنسانية يثبت لها قوة هي مبدأ الأفعال الغريبة ويكون ذلك إما حاصلا بالكسب كالرياضة وتجريد الباطن عن العلائق وتذكيته فإنه إذا اشتد الصفاء والذكاء حصلت القوة المذكورة كما يحصل للأولياء أو بالمزاج والإصابة بالعين يكون من الأول والثاني فالمبدأ فيها حالة نفسانية معجبة تهتك المتعجب منه بخاصية خلق الله في ذلك المزاج على ذلك الوجه ابتلاء من الله تعالى للعباد ليتميز المحق من غيره. <تنبيه> في تعليق القاضي حسين أن بعض الأنبياء نظر إلى قومه فأعجبوه فمات منهم في يوم سبعون ألفا فأوحي إليه إنك عنتهم وليتك إذ عنتهم حصنتهم يقول: حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(ع طب ك) في الطب (عن عامر بن ربيعة) حليف آل الخطاب أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه فما أوهمه صنيع المصنف من أنه لم يخرجه أحد من الستة غير جيد(1/351)
623 - (إذا رأى أحدكم مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني) أي نجاني وسلمني قال في الصحاح: العافية دفاع الله عن العبد (مما ابتلاك به) قال الطيبي: فيه إشعار بأن الكلام ليس في مبتلى بنحو مرض أو نقص خلقة بل لكونه عاصيا متخلفا خلع العذار ولذلك خاطبه بقوله مما ابتلاك به ولو كان المراد المريض لم يحسن الخطاب بقوله (وفضلني عليك) أي صيرني أفضل منك أي أكثر خيرا أو أحسن حالا وفي الصحاح فضله على غيره: حكم له بذلك أو صيره كذلك (وعلى كثير من عباده) مصدر مؤكد لما قبله (كان شكر تلك النعمة) أي كان قوله ما ذكر قياما بشكر [ص:352] تلك النعمة المنعم بها عليه وهي معافاته من ذلك البلاء والخطاب في قوله: ابتلاك وعليك: يؤذن بأن يظهر له ذلك ويسمعه إياه وموضعه ما إذا لم يخف فتنته <تنبيه> قال بعض العارفين: الحديث وارد في حق العامة أما الكامل فينظر فيما انطوى عليه ذلك الابتلاء فإن كان كفارة أو رفع درجات لم يسأل العافية منه والعارف يحمل كل حديث على حاله
(هب عن أبي هريرة) وفيه سهل بن صالح قال ابن معين غير قوي(1/351)
624 - (إذا رأى أحدكم امرأة حسناء) بالمد ذات حسن قيد به لأن الإعجاب إنما يكون بها فلو رأى قبيحة (فأعجبته) لخبث طباعه كما يقع لكثير أنهم يميلون إلى العجوز أكثر من الشابة كان حكمه ما ذكر وقوله فأعجبته: أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه قال الراغب: والحسن عبارة عن كل منهج مرغوب فيه (فليأت) ندبا فإن تعين طريقا لدفع المفسدة وجب (أهله) أي فليجامع حليلته ليسكن ما به من حر الشهوة خوفا من استحكام داعي فتنة النظر (فإن البضع) بالضم الفرج أو الجماع (واحد) يعني الفروج متحدة المذاق غير مختلفة عند الحذاق والبضع كما في المصباح وغيره يطلق على الفرج والجماع كلاهما سائغ هنا. قال الزمخشري: ومن الكناية بضع المرأة جامعها وباضعها بضاعا وملك بضعها إذا عقد عليها (ومعها مثل الذي معها) أي معها فرج مثل فرج الأجنبية ولا مزية لفرج الأجنبية والتمييز بينهما من فخوخ الشيطان وتزيينه. أرشد من ابتلى بذلك إلى أن يداويه بجماع حليلته فإن فيه تسلية عن المطلوب بجنسه ولأن النظر يثير قوة الشهوة فأمر بتنقيصها وذلك أن أول النظر الموافقة ثم الميل ثم المحبة ثم الود ثم الهوى ثم الوله فالموافقة للطبع والميل للنفس والود للقلب والمحبة للفؤاد والهوى غلبة الحب والوله زيادة الهوى. فمن مال قلبه إلى امرأة ولم يقدر على دفع ميله خيف عليه أن يزيد فيصير حبا ثم هوى موقعا في الفاحشة فأمر الشارع بإتيان حليلته ليتخلص عما في نفسه من الميل باندفاع الشهوة الداعية إليه. ويؤخذ منه ندب تكرير إتيانها إذا لم يندفع بأول مرة لاستيلاء الميل على قلبه وأنه يعجل ذلك ولا يمهل خوف المحذور. نقل ابن الحاج عن بعضهم أن هذا مستحب استحبابا مؤكدا فإنه يصون به دينه. لكن ينبغي أن يعلم أن المأمور به هنا الوطء بلا تفكر في محاسن تلك الأجنبية أما لو وطئ حليلته متفكرا في تلك حتى خيل لنفسه أنه يطؤها فهذا غير مراد بالحديث وفيه اختلاف ذهب بعض المالكية إلى حرمته فقال يحرم أن يجعل تلك الصورة بين عينيه فإنه نوع من الزنا كما قالوا فيما لو أخذ كوز ماء فصور في نفسه أنه خمر فشربه فإن الماء يصير حراما. وذهب جمع شافعية إلى حله لأنه لم يخطر بباله عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدماته فهو متناس للوصف الذاتي متذكر للوصف العرضي باعتبار تخيله ولا محذور فيه. فإن فرض أنه ضم له قصد الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها وصمم عليه حرم عليه <تنبيه> يؤخذ من التعليل أنه لو رأى امرأة فمالت نفسه للفعل بها ندب له إتيان حليلته وتكراره لتنقص شهوته وتنكسر حدته
(خط عن ابن عمر) قضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجيب فقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي في النكاح بمعناه من حديث جابر بألفاظ متقاربة ولفظ أكثرهم: إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه(1/352)
625 - (إذا رأى أحدكم بأخيه) في الدين (بلاء) أي محنة أو مصيبة في نحو دينه أو بدنه سمي بلاء لأنه يبلي الجسم ويخلقه [ص:353] وربما اشتد فأهلكه (فليحمد الله) على سلامته من مثله ويعتبر ويكف عن المناهي فإنها سببه ويدأب في العمل الصالح فإنه سبب كل خير (ولا يسمعه ذلك) أي حيث لم ينشأ ذلك البلاء عن محرم كمقطوع في سرقة لم يتسبب. ثم إن تقييد الرؤية بكونها في أخيه ليس لإخراج ندب الحمد لو رأى البلاء بنحو كافر وعدو ومجاهر بل إنما قيد به لأجل قوله ولا يسمعه فلو رأى البلاء بغيره حمد وأسمعه
(ابن النجار) الحافظ محب الدين محمد بن محمود البغدادي صاحب كتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وذيل تاريخ بغداد والمعجم أو غير ذلك (عن جابر) بن عبد الله(1/352)
626 - (إذا رأيت الناس) أي وجدتهم (قد مرجت) بميم وجيم مفتوحتين بينهما راء مكسورة (عهودهم) جملة حالية أي اختلفت وفسدت وقلت فيهم أسباب الديانات والأمانات. قال الزمخشري: مرج وخرج إخوان في معنى القلق والاضطراب يقال مرج الخاتم في يدي ومرجت العهود والأمانات: اضطربت وفسدت ومنه المرجان لأنه أخف الحب والخفة والقلق من واد واحد أه: والعهود جمع عهد وهو اليمين والأمان والذمة والحفاظ ورعاية الحرمة والوصية. قال ابن الأثير: ولا تخرج الأخبار الواردة فيه عن أحدهما (وخفت) بالتشديد قلت من قولهم خفت القوم قلوا (أماناتهم) جمع أمانة ضد الخيانة (وكانوا هكذا) وبين الراوي ما وقعت عليه الإشارة بقوله (وشبك) أي خلط (بين أنامله) أي أنامل أصابع يديه إشارة إلى تموج بعضهم في بعض وتلبيس أمر دينهم فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر (فالزم بيتك) يعني اعتزل الناس وانحجب عنهم في مكانك إلا لما لا بد فيه (وأملك) بقطع الهمزة وكسر اللام (عليك لسانك) أي احفظه وصنه ولا تجره إلا فيما لك لا عليك أو امسكه عما لا يعنيك. قال الزمخشري: من المجاز اخزن لسانك وسرك. وخصه لأن الأعضاء تبع له فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت كما مر (وخذ ما تعرف) من أمر الدين: أي الزم فعل ما تعرف كونه حقا من أحوالك التي تنتفع بها دنيا وأخرى (ودع ما تنكر) من أمر الناس المخالف للشرع وانظر إلى تدبير الله فيهم بقلبك فإنه قسم بينهم أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم ولو شاء لجمعهم على خلق واحد فلا تغفل عن النظر إلى تدبيره تعالى فيهم فإذا رأيت معصية فاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك وتلطف في الأمر والنهي في رفق وصبر وسكينة فإن قبل منك فاحمد الله وإلا فاستغفره لتفريطك {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (وعليك بخاصة نفسك) وفي رواية بخويصة مصغرا واستعملها في المشروع وكفها عن المنهي والزم أمر نفسك والزم دينك واترك الناس ولا تتبعهم. قال الزمخشري: الخويصة تصغير الخاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة وجوز إلتقاء الساكنين فيها أن الأول حرف لين والثاني مدغم والمراد حادثة الوقت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها في جنب جميع الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك ثم زاد الأمر بالانجماع تأكيدا دفعا لاحتمال التجوز بقوله (ودع عنك أمر العامة) أي كافة الناس فليس المراد العوام فقط فإذا غلب على ظنك أن المنكر لا يزول بإنكارك لغلبة الابتلاء لعمومه أو تسلط فاعله وتحيره أو خفت على نفسك أو محترم غيرك محذورا بسبب الإنكار فأنت في سعة من تركه والإنكار بالقلب مع الانجماع وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار <فائدة> أخرج في الحلية عن أنس مرفوعا " يأتي على الناس زمان يدعو فيه المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما العامة فإني عليهم ساخط "
(ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن(1/353)
[ص:354] 627 - (إذا رأيت) لفظ رواية البزار: رأيتم (أمتي) يعني صارت أمتي إلى حالة (تهاب) أي تخاف (الظالم) الجائر المتعدي لحدوده تعالى (أن تقول له إنك ظالم) أي تكفه عن الظلم وتشهد عليه به أو لا تنكر عليه مع القدرة (فقد تودع منهم) بضم أوله بضبط المؤلف والتشديد أي استوى وجودهم وعدمهم. أو تركوا وأسلموا (قوله وأسلموا: بضم الهمزة وكسر اللام بينهما سين ساكنة مبني لما لم يسم فاعله: أي خذلهم الله أه) ما استحقوه من النكير عليهم واستريح منهم وخذلوا وخلى بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي ليعاقبوا عليها وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح شخص إذا أيس من صلاحه تركه ونفض يده منه واستراح من معاناة النصب في إصلاحه. ويجوز كونه من قولهم تودعت الشيء أي صنته في ميدع أي ثوب لف فيه ليكون كالغلاف له: أي فقد صاروا بحيث يتصون منهم ويتحفظ كما يتوقى شرار الناس. ذكره كله الزمخشري وقال القاضي: أصله من التوديع وهو الترك وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرحمن. قال في الإحياء: لكن الأمر بالمعروف مع الولاة هو التعريف والوعظ. أما المنع بالقهر فليس للآحاد لأنه يحرك فتنة ويهيج شرا. وأما الفحش في القول: كيا ظالم يا من لا يخاف الله فإن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف إلا على نفسه جاز بل ندب فقد كانت عادة السلف التصريح بالإنكار والتعرض للأخطار
(حم طب ك هب) من حديث محمد بن مسلم (عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن تعقبه البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي ولم يسمع من ابن عمرو (طس عن جابر) وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني وقال الهيتمي رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه الترمذي(1/354)
628 - (إذا رأيت العالم) يعني وجدته (يخالط) أي يداخل (السلطان) الإمام الأعظم أو أحد نوابه (مخالطة كثيرة) أي مداخلة كثيرة عادة. قال المرزوقي: وأصل الخلطة تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض وقد توسع فيه حتى قيل رجل خليط إذا اختلط بالناس كثيرا (فاعلم أنه لص) بتثليث اللام: أي سارق: أي محتال على اقتناص الدنيا وجذبها إليه من حرام وغيره كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة الفانية وإيثارها على الآخرة السنية الباقية وعماه عن وبال ذلك في العقبى كما حكى أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز أراد الجري على منواله حتى شهد له أربعون شيخا أن الخليفة لا حساب عليه فترك. ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور فقضاها فقال: يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة فقال له بعض من حضر: إياك وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المآمن وأصل ذلك كله الطمع والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات الكثيرة مداخل الآفات منها على المخلوقات والحمية عنها أصل الدواء فمن لم يحتم من المنهيات لم ينفعه التداوي بالمأمورات فهؤلاء خدموا العلم دهرهم وصاموا نهارهم وقاموا ليلهم وأتوا بالحسنات كالجبال لكنهم تلطخوا بالأقذار لما لم يتجمعوا عن التردد على أبواب الظلمة لينالوا من دنياهم التي نهوا عن زهرتها فلم ينفعهم الدواء:. واحترز بقوله كثيرة عما لو خالطه أحيانا بأقل ممكن لنحو شفاعة أو نظر مظلوم أو وعظ
(فر عن أبي هريرة) إسناده جيد(1/354)
629 - (إذا رأيت الله تعالى) أي علمت أنه (يعطي العبد) عبر بالمضارع إشارة إلى تجدد الإعطاء وتكرره (من الدنيا) [ص:355] أي من زهرتها وزينتها (ما يحبه) أي العبد من نحو مال وولد وجاه (وهو مقيم) أي والحال أنه مقيم (على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها (فإنما ذلك) أي فاعلموا أنما إعطاؤه ما يحب من الدنيا (منه) أي من الله (استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلا قليلا ثم يصبه عليه صبا. قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا. والاستدراج الأخذ بالتدريج لا مباغتة. والمراد هنا تقريب الله العبد إلى العقوبة شيئا فشيئا واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنبا جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشرا وبطرا فيندرج في المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظانا أن تواترها تقريب من الله وإنما هو خذلان وتبعيد
(حم طب حب عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} زاد الطبراني: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} قال الهيتمي: رواه الطبراني عن شيخه الوليد ابن العباس المصري وهو ضعيف. وقال العراقي إسناده حسن وتبعه المؤلف فرمز لحسنه(1/354)
630 - (إذا رأيت من) أي في (أخيك) في الدين (ثلاث خصال) أي فعل ثلاث خصال (فارجه) أي فأمل أن ينتفع برأيه ومشورته أو فارج له الفلاح والفوز بالنجاح لما لاح فيه من مخايل الخير وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال وهي: (الحياء والأمانة والصدق) فإنها أمهات مكارم الأخلاق فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح. وقدم الحياء في الذكر لأنه أصل ما بعده وأسه وعنه يتفرع ومنه ينشأ (وإذا لم ترها) مجتمعة فيه (فلا ترجه) لشيء مما ذكر ولا يؤمل فلاحه لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة وجرأته على الله وعلى عباده. والغرض: الإيذان بأنه من أهل الخذلان فإنه يخلى وشأنه. فإن وجد فيه بعضها وفقد بعضها فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. فالمراد أن من اجتمعت فيه يرجى فلاحه رجاء يقرب من القطع ومن فقدت منه كلها يرجى عدمه كذلك
(عد فر عن ابن عباس) قال العلائي: فيه عبد الرحمن بن معين وثقه أبو زرعة وطعن فيه غيره وشيخه رشد بن كريب ضعيف(1/355)
631 - (إذا رأيت كلما) بالنصب على الظرفية (طلبت شيئا من أمر الآخرة) أي من الأمور المتعلقة بها (وابتغيته يسر) بضم المثناة تحت وكسر السين مشددة بضبط المؤلف (لك) أي تهيأ وحصل بسهولة (وإذا أردت شيئا من أمور الدنيا) أي من الأمور المتعلقة بها من نيل اللذات والتوسع في الشهوات ولا يدخل فيه طلب الكسب الحلال وتيسر حصوله (وابتغيته عسر عليك) أي صعب فلم يحصل إلا بتعب وكلفة (فاعلم [ص:356] أنك على حالة حسنة) أي دالة على كونك من السعداء لأنه تعالى إنما زوى عنك الدنيا وعرضك للبلاء لينقيك من دنسك ويريحك في الآخرة ويرفع درجتك. ألا ترى أن الدواء الكريه نعمة في حق المريض؟ وقد يكون المال والأهل سببا للهلاك وهو أعلم بما يصلح فيه عباده. وهذا كالذي بعده غالبي وقد يكون على حالة حسنة مع تيسير الدنيا وهذا يكون على حالة قبيحة مع عدمه. ثم إن قلت الابتغاء الطلب - كما في الصحاح - فكيف عطف عليه؟ (قلت) الطلب أعم والابتغاء أخص كما قال الراغب: الابتغاء بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب بشيء محمود فالابتغاء فيه محمود وكذا عكسه والعسر: الصعوبة الشديدة واليسر - بالضم - ضده والحال - كما قال الراغب - ما يخص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه وجسمه وصفاته والحال صفة شيء يذكر ويؤنث فيقال حال حسن وحسنة (وإذا رأيت كلما طلبت شيئا من أمر الآخرة وابتغيته عسر عليك وإذا طلبت شيئا من أمر الدنيا وابتغيته يسر لك فأنت على حال قبيحة) فإن النعم محن والله يبلو بالنعمة كما يبلو بالنقمة {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ومن ثم قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية ومن وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع. وفي تاريخ الخطيب عن الحصرمي: لا يغرنكم صفاء الأوقات فإن تحتها آفات ولا يغرنكم العطاء فإنه عند أهل الصفاء مقت. وفي تاريخ ابن عساكر: كان عيسى عليه السلام إذا أصابته شدة فرح واستبشر وإذا أصابه رخاء خاف وحزن. وفي الإحياء عن وهب: التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر: إلى أين؟ قال: أمرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي لعنه الله وقال الآخر: أمرت بإهراق زيت اشتهاه فلان العابد. قال الغزالي: فهذا تنبيه على أن تيسير أسباب الشهوة ليس من علامات الخير - (واعلم) أن القسمة رباعية: القسم الأول: إذا طلب شيئا من الآخرة تيسر له وإذا طلب شيئا من الدنيا تعسر عليه. الثاني عكسه والثالث إذا طلبهما تيسرا. والرابع إذا طلبهما تعسرا فذكر في الحديث الأولين وترك الآخرين لوضوحهما فالثالث من علامة السعادة والرابع من علامة الشقاوة وأشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة وعلم مما تقرر: إذا أراد الله هلاك عبد ضاعف عقابه من حيث لا يعلم ما يراد به وذلك بأن يرادف عليه النعم فيزداد أشرا وبطرا وانهماكا في الدنيا وحرصا عليهما فيظن أنه لطف من الله به وتقريب وإكرام وهو قهر وتبعيد وإذلال نعوذ بالله من ذلك الحال. قال في الحكم: من جهل المريد أن يسيء الأدب فيؤخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد وأوجب البعاد وقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منع المزيد وقد يقوم مقام البعد من حيث لا يدري ولو لم يكن إلا أن يخليه وما يريد
(ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (مرسلا) أرسله عن أبي هريرة وغيره. قال أحمد: لا بأس بك (هب عن عمر) ابن الخطاب ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بما نصه: هكذا جاء منقطعا. أه. فحذف ذلك من كلامه غير صواب ورمز لحسنه غير حسن إلا أن يريد أنه لغيره(1/355)
632 - (إذا رأيتم من) أي مكلفا (يبيع أو يبتاع) أي يشتري (في المسجد فقولوا) أي ادعوا عليه ندبا وقيل وجوبا بنحو (لا أربح الله تجارتك) فإن المسجد سوق الآخرة فمن عكس وجعله سوقا للدنيا فحري بأنه يدعى عليه بالخسران والحرمان وليس الوقف على قوله: لا كما يتوهمه بعض الجاهلين - بل المراد الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان كما صرح به مع وضوحه بعض الأعيان منهم النووي في الأذكار حيث قال: باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالته [ص:357] في المسجد أو يبيع فيه: ثم أورد فيه أحاديث هذا منها قال جمع من أئمتنا: يندب لمن راى من يبيع أو يشتري أو ينشد ضالته في المسجد أن يقول: لا أربح الله تجارتك ولا وجدت: ثم إن هذا وما بعده من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشترط له شروطه وإذا دعا عليه بذلك فإن انزجر وكف فذاك وإلا كرره وعليه حمل ما وقع في حديث ثوبان من أنه يكرره ثلاثا (وإذا رأيتم من ينشد) بفتح أوله يتطلب (فيه ضالة) بالتاء يقع على الذكر والأنثى يقال ضللت الشيء إذا أخطأته فلم تهتد له ويختص أصالة بالحيوان والمراد هنا شيء ضاع (فقولوا) له (لا ردها) الله (عليك) أو لا وجدت كما في رواية - زجرا له عن ترك تعظيم المسجد زاد مسلم: فإن المساجد لم تبن لهذا: أي وإنما بنيت لذكر الله تعالى والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحو ذلك ولما وضع الشيء في غير محله ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان معاقبة له بنقيض قصده وترهيبا وتنفيرا من مثل فعله فيكره ذلك بالمسجد تنزيها عند الشافعي إلا لضرورة وقيده الحنفية بما إذا أكثر ذلك فيه ونبه بذكر البيع والشراء على كل معاملة واقتضاء حق ورام زيادة التنبيه على ذلك بذكر النشد فإن صاحب الضالة معلق القلب بها وغيره مأمور بمعاونته فإذا منع فغيرة من كل أمر دنيوي أولى للكلام فيمن بلغه النهي فخالف إذا أمكنه التعلم ففرط أما غيره فمعذور فلا يدعى عليه بل يعلم وألحق جمع - منهم الحافظ العراقي بإنشاد الضالة تعريفها. ولذلك قال الشافعية: يعرفها على باب المسجد قال النووي: وفيه كراهة نشد الضالة ورفع الصوت فيه. قال القاضي: قال مالك وجمع من العلماء: يكره رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغيرهما
(ت ك) والنسائي والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(1/356)
633 - (إذا رأيتم الرج ليتعزى) أي ينتسب (بعزاء الجاهلية) أي بنسبها والانتماء إليها يقال: اعتزى إليه أي انتسب وانتمى وتعزى كذلك (فأعضوه) أي اشتموه (بهن أبيه) أي قولوا له: اعضض بهن أبيك أو بذكره وصرحوا بلفظ الذكر (1) (ولا تكنوا) عنه بالهن تنكيرا وزجرا وقيل معناه من انتسب وانتمى إلى الجاهلية بإحياء سنة أهلها واتباع سبيلهم في الشتم واللعن والتعبير ومواجهتكم بالمنكر فاذكروا له قبائح آبائه من عبادة الأصنام وشرب الخمر وغيرهما صريحا لا كناية ليرتدع به عن التعرض للأعراض. وقال ابن جرير: معنى الاعتراض هنا إنما هو دعوى القائل يا آل فلان: أي تعريضا بنجدتهم وتذكيرا بشجاعتهم. قال: وهذا مخصوص بغير الحرب فلا بأس بذكر القبائل فيه لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر في وقعة هوازن العباس أن ينادي بأعلى صوته: أين أصحاب الشجرة يا بني الحارث؟ أين الخزرج يا كذا يا كذا؟ فهو منهي عنه إلا في هذا الموضع. وخص الأب لأن هتك عورته أقبح
(حم ت عن أبي) بن كعب ورواه عنه أيضا الطبراني: قال الهيتمي رجاله ثقات
_________
(1) [وليتنبه هنا أنه في حالات خاصة جدا فقط يسمح باستعمال الألفاظ الشديدة للزجر تناسبا مع فحش خطأ المزجور مع مراعاة صيانة اللسان قدر الإمكان عن مثل تلك الألفاظ حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى في هذا الحديث لعدم ضرورة تصريحه بالكلام القاسي ولو في هذا الموضع بالذات. دار الحديث](1/357)
634 - (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد) أي الجلوس في المساجد التي هي جنات الدنيا لكونها أسبابا موصلة إلى الجنان التي هي مقر أهل الإيمان أو معناه وجدتم قلبه معلقا بها منذ يخرج منها إلى عوده إليها أو شديد الحب لها والملازمة لجماعتها وتعهدها بالصلاة فيها كلما حضرت أو يعمرها ويجدد ما درس منها ويسعى في مصالحها والأوجه حمله على الكل فمن لزمها لنحو اعتكاف أو اجتهاد أو تعلق قلبه بها أو عمرها بنحو ذكر وصلاة أو عمر ما تهدم منها وسعى في إقامة شعارها (فاشهدوا له بالإيمان) أي اقطعوا له بأنه مؤمن حقا في ظاهر الحال فإن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب اللسان على سبيل القطع ذكره الطيبي قال ابن أبي جمرة: وفيه أن التزكية بالقطع [ص:358] ممنوعة إلا بنص لأنه حكم على الغيب وهو على البشر مستحيل قال: ولا ينافيه النهي عن مدح الرجل في وجهه لأن هذه شهادة وقعت على شيء وجد حسا والفعل الحسي يظهر دليل على الإيمان وعلة النهي عن المدح في الوجه ممنوعة خوف الاغترار والإعجاب في هذا معدومة لأنها شهادة بالأصل وهو الإيمان انتهى ولا يخفى تكلفه قال ابن المسيب: ومن جلس في المسجد فإنما يجالس ربه فما حقه أن يقول إلا خيرا
(حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (حب ك هق عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم ترجمة صحيحة مصرية وتعقبه الذهبي بأن فيه دراج وهو كثير المناكير وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الترمذي والحاكم وغيره فإن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}(1/357)
635 - (إذا رأيتم الرجل) في رواية أبي نعيم بدله العبد (قد أعطي) بالبناء للمفعول أي أعطاه الله وفي رواية أبي نعيم بدله يعطى (زهدا في الدنيا) أي استصغارا لها واحتقارا لشأنها وأهلها (وقلة منطق) كمحمل أي عدم كلام في غير طاعة إلا بقدر الحاجة. قال في الكشاف: والمنطق كلما يصوت به من مفرد ومؤلف مفيد أو غيره (فاقتربوا منه فإنه يلقى) بقاف مشددة مفتوحة (الحكمة) أي يعلم دقائق الإشارات الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى والحكمة مثال الأمر الذي عسر بسبب فيه يسر فينال الحكيم بحكمته لاطلاعه على أقصى مجعول الأسباب بعضها لبعض مما بين أسباب عاجل الدنيا ومسببات أجل الآخرة ما لا يصل إليه جهد العاقل الكادح وللناس في تعريف الحكمة أقوال كثيرة منها الإصابة في القول وإتقان العمل وأصلها الإحكام وهو وضع الشيء في محله بحيث يمتنع فساده ومن اتصف بذلك فأعماله منقحة وأفعاله محكمة فإنه يرى الأشياء كما هي فإنه ينظر بنور الله ومن كان هذا وصفه أصاب في منطقه
(هـ حل هب عن أبي خلاد) الرعيني وله صحبة وفيه هشام بن عمار قال الذهبي عن أبي حاتم ثقة تغير فلقن كما تلقن عن الحكم بن هشام لا يحتج به (حل) من حديث حرملة بن يحيى عن وهب عن ابن عيينة عن عمرو بن الحارث عن ابن هبيرة عن ابن حجيرة عن أبي هريرة ثم قال غريب بهذا الإسناد (هب عن أبي هريرة) وفيه عنده عثمان بن صالح وفيه كلام معروف عن دراج منكر الحديث ومن ثم قال العراقي في الحديث ضعيف(1/358)
636 - (إذا رأيتم الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان المعصوم (يقتل صبرا) أي يمسك فيقتل في غير معركة قال في الكشاف: وقتل الصبر أن يأخذ بيده فيضرب عنقه (فلا تحضروا مكانه) أي لا تقصدوا حضور المحل الذي يقتل فيه حال القتل ويحتمل النهي عن الحضور في محل قتله وقته وبعده لالتحاق المحل بالأماكن المغضوب عليها كديار ثمود (فإنه لعله يقتل ظلما فتنزل السخطة) أي الغضب من الله (فتصيبكم) والمراد ما يترتب على الغضب من نزول العذاب ويؤخذ منه أنه لو علم أنه يقتل بحق لم يكن الحضور منهيا عنه نعم إن وقع التعدي في كيفية القتل نهى عن حضوره فيما يظهر والسخط بالضم الغضب وفي رواية للبيهقي بدل فتنزل إلى آخره فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره انتهى
(ابن سعد) في الطبقات (طب) كلاهما (عن خرشه) بخاء معجمة وراء وشين معجمة مقتوحات ابن الحارث المرادي من بني زبيد وفد على [ص:359] المصطفى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مصر وحديثه حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه(1/358)
637 - (إذا رأيتم) أي وجدتم (الذين يسبون) أي يشتمون (أصحابي) كلهم أو بعضهم (فقولوا) لهم (لعنة الله على شركم) قال الزمخشري: هذا من كلام المنصف الذي كل من يسمعه من موال أو منافر قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك فهو على وزان {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} وقول حسان: وشركما لخيركما الفداء والتعريض والتورية أوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم على القلب وأدعى إلى القبول وأبعث على الاستماع والامتثال ولو قال فالعنوهم لم يكن بتلك المثابة وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه حكي عن الشافعي أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال ما هو بيتي ولا بيتكم إلى هنا كلامه ولم يطلع عليه من عزاه للطيبي كالمؤلف
(ت عن ابن عمر) ظاهر صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره ولا كذلك بل عقبه بأنه منكر وعزو الحديث لمخرجه مع حذف ما أعقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ورواه الطبراني أيضا عن ابن عمر باللفظ المذكور قال الهيتمي وفيه سيف بن عمر متروك(1/359)
638 - (إذا رأيتم الجنازة) بفتح الجيم وكسرها أي الميت في النعش (فقوموا لها) هبها مسلمة أم ذمية ففي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنه يهودي فقال أليست نفسا؟ وذلك إكراما لقابض روحها أو لأجل ما معها من الملائكة والمراد في الكافر ملائكة العذاب أو لصعوبة الموت وتذكره لا لذات الميت فالقيام لتعظيم أمر الموت وإجلال حكم الله. وقال القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت أي المسلم وإما تهويل الموت والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى ميتا رعبا منه (حتى تخلفكم) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر اللام مشددة أي تترككم خلفها وفي نسبة ذلك إليها تجوز لأن المخلف حاملها لا هي (أو توضع) عن الأعناق على الأرض أو في اللحد وأو للتنويع والأمر بالقيام إنما هو للقاعد أما الراكب فيقف وفيه أن القيام للجنازة مشروع لما ذكر وبه أخذ جمع من السلف والخلف وتبعهم النووي في المجموع فاختار ندبه من حيث الدليل مخالفا لما جرى عليه في روضته من الكراهة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه أن الأمر بالقيام منسوخ لخبر مسلم عن علي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا وخبر أبي داود قام في الجنازة ثم قعد. قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين أحدهما أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا نجاوزت وبعدت عنه والثاني أنه كان يقوم أياما ثم لم يكن يقوم بعد ذلك وعليه يكون فعله الأخير قرينة وإمارة على أن الأمر الوارد في الخبر للندب ويحتمل أن يكون ناسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر وإن كان مخصوصا بنا دونه لأن الآمر لا يكون مأمورا بأمره والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث أنه يجب علينا الأخذ به عارضه فنسخه والأول أرحج لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ انتهى. ثم هذا كله في القاعد إذا مرت به أما مشيعها فيندب أن لا يقعد حتى توضع كما جزم به بعضهم لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا شيع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له إنا هكذا نصنع يا محمد فجلس وقال خالفوهم
(حم ق 4 عن عامر بن ربيعة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والشافعي(1/359)
639 - (إذا رأيتم آية) علامة تبدو بنزول بلاء ومحنة وانقشاع سحب الرحمة ومنه انقراض الأنبياء وأزواجهم الآخذات عنهم إذ هن ذوات البركة الناقلات لنا عنهم بواطن الشريعة ما لا يظهر عليه الرجال فبحياتهم يندفع العذاب عن الناس [ص:360] (فاسجدوا) لله التجاءا إليه ولياذا به في دفع ما عساه يحصل من العذاب عند انقطاع بركتهن فالسجود لدفع الخلل الحاصل وفي خبر: أنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأهل الأرض: وأزواجه ضممن شرف الزوجية إلى شرف الصحبة فهن أحق بهذا المعنى من غيرهن وزوال الأمنة توجب الخوف ذكره القاضي ومنه أخذ السجود للآيات قال الطيبي: وقوله إذا رأيتم آية فاسجدوا مطلق فإن أريد بالآية كسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها كمجيء نحو ريح شديد وزلزلة فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. إلى هنا كلامه. وما جرى عليه من مشروعية السجود وقد يقال إن هذا الحكم في اندفاع النقمة للذي يسن السجود له فإن موت من يدفع الله عنا بوجوده النقمة نقمة
(د ت) كلاهما من حديث إبراهيم بن الحكم ومسلم بن جعفر عن أبان عن عكرمة (عن ابن عباس) قال عكرمة: قيل له ماتت فلانة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي وهي صفية كما أفصح به المظهر فخر ساجدا فقيل له تسجد هذه الساعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره ثم قال: وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال الترمذي حسن غريب واغتر به المؤلف فرمز لحسنه غفولا عن تعقب الذهبي له في المهذب فإن إبراهيم واه وعن قول جمع: مسلم بن جعفر لا يحتج به(1/359)
640 - (إذا رأيتم) أي علمتم (الأمر) أي المنكر والحال أنكم (لا تستطيعون تغييره) بيد ولا لسان لعجزكم عن ذلك خوف فتنة أو وقوع محذور بمحترم (فاصبروا) كارهين له بقلوبكم طالبين من الله تعالى زواله (حتى) أي إلى أن (يكون الله هو) لا غيره (الذي يغيره) أي يزيله فلا إثم عليكم حالتئذ إذ {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقيد بقوله لا تستطيعون إيذانا بأن تغييره عند الاستطاعة واجب لكن لا يصلح لذلك كما في الكشاف إلا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر فإن الجاهل ربما رأى معروفا فظنه منكرا وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في غيره وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا
(عد هب عن أبي أمامة) وفيه كما قال الهيتمي عفير ين معدان ضعيف وفي الميزان حديث منكر(1/360)
641 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) أي قولوا الله أكبر الله أكبر وكرروا كثيرا وينبغي الجهر به مخلصا لله ممتثلا للأمر مستحضرا ما لله من عظيم القدرة (فإن التكبير يطفئه) حيث صدر عن كمال إخلاص وقوة إيقان وتخصيص التكبير للإيذان بأن من هو أكبر من كل شيء حري بأن يقهر النار ويطفئها. قال النووي: ويسن أن يدعو معه بدعاء الكرب وفي تفسير الطبري إذا كتبت أسماء أصحاب الكهف في شيء وألقى في النار طفئت وينبغي أن يقول بسم الله الرحمن الرحمن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يصرف عنه البلاء وأن يقول ما قال إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل
(ابن السني عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمرو) ابن العاص وهو من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحال ابن لهيعة معروف والكلام فيه مشهور ورواه عنه أيضا الطبراني في الدعاء باللفظ المذكور وإسناده ضعيف لكن له شواهد منها ما ذكره بقوله(1/360)
642 - (إذا رأيتم الحريق فكبروا) الله (فإنه) أي التكبير (يطفئ النار) سره أنه لما كان الحريق بالنار وهي مادة [ص:361] الشيطان التي خلق منها وكأن فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد والعلو في الأرض والفساد هما هدى الشيطان وإليهما يدعو وبهما يملك ابن آدم فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو والفساد وكبرياء الرب يقمع الشيطان وفعله فمن ثم كان التكبير له التأثير في إطفاء الحريق فإنه كبرياء الله لا يقوم له شيء فإذا كبر أثر تكبيره في خمودها قال بعض القدماء وقد جربناه فصح
(عد عن ابن عباس) وقد رمز لحسنه وذلك لاعتضاده بما قبله ولخبر الطبراني أطفئوا الحريق بالتكبير وخبر ابن السني إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يطفئ العجاج الأسود. وهذا الحديث في نسخ لا تكاد تحصى ولم أره في خط المؤلف(1/360)
643 - (إذا رأيتم العبد) المؤمن قد (ألم) بالتشديد أي أنزل (الله به الفقر والمرض) ظاهره أن المصافاة الآتية إنما تترتب على هذين معا فإن ألم به أحدهما لم يكن دليلا على المصافاة ولعل المراد خلافه وأن الواو بمعنى أو (فإن الله) أي فاعلموا أو فالشأن أن الله (يريد) أي أراد (أن يصافيه) أي يستخلصه لوداده ويجعله من جملة أحبابه لأن الفقر أشد البلاء فيفعله بعبده ليدعوه ويجأر إليه فيراه مفتقرا إليه فيجيبه إذا دعاه ويصبره إذا ابتلاه فيصير عنده من المقربين والأمراض والآلام تطهير من الآثام ويستوجب إفاضة صنوف الإنعام والإكرام
(فر عن علي) أمير المؤمنين(1/361)
644 - (إذا رأيتم) النسوة (اللاتي ألقين) بالقاف أي جعلن (على رؤوسهن مثل أسنمة البعير) بعين مهملة جمع بعير وفي رواية كأسنمة البخت أي اللائي يجعلن على رؤوسهن ما يكبرها وبعظمها من الخرق والعصائب والخمر حتى تصير تشبه العمائم وأسنمة الإبل وهي جمع سنام. قال ابن العربي: وهذا كناية عن تكبير رأسها بالخرق حتى يظن الرائي أنه كله شعر وهو حرام ولذلك قال (فأعلموهن) أي أخبروهن (أنه لا تقبل لهن) ما دام ذلك (صلاة) وإن حكم لها بالصحة كمن صلى في ثوب مغصوب بل أولى لأن فاعل ذلك ارتكب حراما واحدا وهو الغصب وهن ارتكبن عدة محرمات: التشبه بالرجال والاسراف والاعجاب وغيرها وهذا من علامات نبوته إذ هو إخبار عن غيب وقع ودام وفي رواية لا يدخلن الجنة قال القاضي: ومعناه أنهن لا يدخلنها ولا يجدن ريحها حتى يدخلها ويجد ريحها العفائف المتورعات لا أنهن لا يدخلن الجنة أبدا لقوله في الخبر المار وإن زنى وإن سرق قال ابن العربي: فعلى النساء أن يصغرن رؤوسهن سيما عند الخروج فإن كان شعرها كثيرا أرسلته ولا تعظمه فإن كان بها ألم في رأسها فأكثرت لأجله من الخمر لم تدخل في الوعيد ولم يكن عليها حرج وإنما الحرج على من نظر إليها وظن ذلك
(طب) وكذا البزار (عن أبي شقيرة) بفتح الشين المعجمة التميمي قال الهيتمي: فيه حماد بن يزيد عن مخلد بن عقبة ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في إسناده نظر(1/361)
645 - (إذا رأيتم) في نواحي السماء (عمودا أحمر) أي خطا يشبه العمود الأحمر يظهر (من قبل) بكسر ففتح أي من جهة (المشرق في شهر رمضان) فإن ذلك علامة الجدب والقحط (فادخروا) أمر إرشاد (طعام سنتكم) أي قوت عيالكم تلك السنة التي مبدؤها ظهور ذلك لتطمئن قلوبكم وذلك لا ينافي التوكل بدليل ادخار سيد المتوكلين المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قوت عياله سنة (فإنها سنة جوع) يجوز أن يكون ظهور ذلك علامة للقحط في تلك السنة [ص:362] ولا أثر لظهوره فيما بعدها وهو ما عليه ابن جرير ويحتمل أنه كلما ظهر في سنة كانت كذلك ثم هذا خطاب مشافهة فيحتمل أن يكون خاصا بأهل الحجاز وأن الجوع يكون في إقليمهم فقط ويحتمل العموم وحكمة التخصيص أنه لما كان نسخة لتقدير الأرزاق وتقديرها وإقرارها على ما اقتضاه القضاء الإلهي فيستنسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر التي هي في رمضان وتسلم إلى ميكائيل الذي هو الملك الموكل بذلك كما أخرجه محيي السنة وغيره ناسب أن يكون ظهور العلامة في الشهر الواقع فيه الاستنساخ وتسليم الصحف وحكمة كون ذلك على الصورة العمودية التي هيئتها الاستطالة دون التربيع والاستدارة وغيرها من الأشكال الإشارة إلى أنه عام يكون شره مستطيرا ويكون جدبه مستمدا عسيرا وحكمة كونه أحمر أن الحمرة لون مذموم فقد نهى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان وذلك أن الشيطان يتزين به ويؤثره على غيره من الألوان كما ورد في عدة أخبار حسان فجعل اللون المكروه المذموم علامة على حصول المكروه وموقع الهموم والغموم والعرب تسمي عام المحل السنة الحمراء وتصف سنة الجدب بالطول وعليه جرى العرف العام بين الأنام فيقال لليلة الشديدة كانت ليلة طويلة وتسمى نزع الروح من الجسد الذي هو أعظم العذاب بالحمرة فيقال هذا هو الموت الأحمر فلذلك جعل علامة سنة الجوع حمراء وفيه أنه لا بأس بادخار القوت خوف الغلاء وأنه لا ينافي التوكل لكن الكلام في ادخار غلة أرضه أو ما يشتريه لمؤنة عياله كما يأتي والإذخار بذال معجمة إعداد الطعام لوقت الحاجة والخطاب لأهل تلك الديار: أعني الأقطار الحجازية كما مر ويحتمل العموم
(طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي: فيه أم عبد الله بن خالد بن معدان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات انتهى وله شواهد منها ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث خالد بن معدان إذا رأيتم عمودا من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فاتخذوا من الطعام ما استطعتم فإنها سنة جوع وعن كثير بن مرة إني لأنتظر ليلة الحدثان في رمضان منذ سبعين سنة قال عبد الرحمن بن جرير هي علامة تكون في السماء يكون اختلاف بين الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت وعن عبد الوهاب بن نحت بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رمضان آية في السماء كعمود ساطع وفي شوال البلاء وفي القعدة الفناء وعن أبي هريرة مرفوعا تكون آية في شهر رمضان ومن حديث خالد بن معدان أنه سيبدو عمود من نار يطلع من قبل المشرق في شهر رمضان يراه أهل الأرض كلهم فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة وعن كثير بن مرة آية الحدثان في رمضان علامة في السماء بعدها اختلاف الناس فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت قال أبو جعفر ولا يكون ذلك إلا بعد انكساف الشمس والقمر وفي ذلك العام يغار على الحاج(1/361)
646 - (إذا رأيتم المداحين) أي الذين صناعتهم الثناء على الناس والمدح كما في الصحاح الثناء الحسن قال التبريزي من قولهم تمدحت الأرض إذا اتسعت فكان معنى مدحته وسعته شكرا (فاحثوا في وجوههم التراب) الحثو في التراب بمنزلة الصب في الماء والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لإيرائه الغرور والتكبر أو أنه يخيب ولا يعطي أو معناه أعطوهم قليلا يشبه التراب لقلته وخسته أو اقطعوا ألسنتهم بالمال فإنه شيء حقير كالتراب وهذا يؤذن بذم الاحتراف بالشعر وقيل لا تؤاخ شاعرا فإنه يمدحك بثمن ويهجوك مجانا قال بعضهم:
الكلب والشاعر في منزل. . . فليت أني لم أكن شاعرا
هل هو إلا باسط كفه. . . يستطعم الوارد والصادرا؟ [ص:363]
(حم خد م ت عن المقداد) بكسر الميم (ابن الأسود طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب (طب عن ابن عمرو) ابن العاص (الحاكم في الكنى) والألقاب (عن أنس) قال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح(1/362)
647 - (إذا رأيتم هلال ذي الحجة) بكسر الحاء أفصح من فتحها أي علمتم بدخوله (وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) أي فليجتنب المضحي إزالة شعر نفسه ليبقى كامل الجزاء فيعتق كله من النار. قال التوربيشي: كأن سر ذلك أن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب حيث رأى نفسه مستوجبة العقاب وهو القتل ولم يؤذن فيه ففداها وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه فلذلك نهى عن إزالة الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي لتتم له الفضائل وينزه عن النقائص والرذائل. وأخذ بظاهره أحمد فحرم إزالة ذلك حتى يضحي وخالفه الأئمة الثلاثة لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجتنب ذلك وهو متواتر وأما خبر أم سلمة هذا فقيل بوقفه وفيه حجة للشافعي أن الأضحية لا تجب إذ التعليق بالإرادة ينافي الوجوب وأوجبها الحنفية على من ملك نصابا كما مر
(م عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها(1/363)
648 - (إذا رأيتم) خطاب مشافهة وقع للصحابة والمراد به غيرهم من أمته ممن سيكون في آخر الزمان بدليل جعله في خبر آخر من أشراط الساعة (الرايات السود) جمع راية وهي علم الجيش (قد جاءت من قبل خراسان) أي من جهتها. قال ابن كثير: ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فأسلب بها دولة بني أمية بل رايات تأتي صحبة المهدي (فأتوها) للقتال معها والنصرة لأهلها وزاد في رواية ولو حبوا على الثلج (فإن فيها خليفة الله) محمد بن عبد الله (المهدي) الجائي قبل عيسى عليه الصلاة والسلام أو معه وقد ملئت الأرض ظلما وجورا فيملؤها قسطا وعدلا ويمكث في الخلافة خمسا أو سبعا أو تسعا ولا أصل كما قال المؤلف لقول القرطبي إن ظهوره يكون بالمغرب ولا حاجة للأصالة بإيراد ترجمته وأخباره لأن أعلام الأمة وحملة السنة المتقدمين اعتنوا بجمعها بما يتحصل منه في جملة مجلدات سيما ابن أبي شيبة وابن خزيمة وأبو داود وابن حبيب وابن دريد وجمع لا يحصون من علماء الرواية والدراسة وأفردت أخباره يتآليف عشرة أو تزيد وجاء ابن بريدة فجمع زبدها في مجلد حافل سماه العواصم عن الفتن القواصم فمن أكثر من أخباره في شرح هذا الحديث فما أراد إلا تكثير السواد لقلة الأمداد قال الحراني: والخليفة ذات قائم بما يقوم به المستخلف على حسب مرتبة ذلك الخليفة منه انتهى وكل من استخلفه الله في عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أمره فيهم فهو خليفة لكن لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتنفيذ أمره (فإن قلت) ما حكمة إضافته إلى الله وهلا قال الخليفة؟ قلت هو إشارة إلى أنه إنسان كامل قد تجلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل ومحل الاجتهاد والفتوة بحيث لم يفته إلا مقام النبوة وفيه رد على الطيبي كمتبوعه في ذهابهم إلى امتناع أن يقال خليفة الله لغير آدم وداود عليهما السلام
(حم ك عن ثوبان) مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم من حمير أو مذبح أو السراة اشتراه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولم يزل يخدمه سفرا وحضرا وفيه علي بن زيد بن جذعان نقل في الميزان عن أحمد وغيره تضعيفه ثم قال الذهبي أراه حديثا منكرا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات قال ابن حجر ولم يصب إذ ليس فيه متهم بالكذب انتهى وأما خبر ولا مهدي إلا عيسى بن مريم قال الذهبي واه والحاكم ورده متعجبا لا محتجا والنسائي منكر وبفرض صحته يحتمل أنه سقط منه لفظ زمن بعد إلا وهو مضمر [ص:364] فيه أو معناه لا مهدي كاملا معصوما(1/363)
649 - (إذا رأيتم الرجل) يعني الإنسان (أصفر الوجه من غير مرض ولا علة) أو مرض لازم أو حدث شاغل لصاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلا له منعه عن شغله الأول كما في الصحاح وغيره فبين المرض والعلة عموم وخصوص وليس هو من العطف التفسيري كما وهم (فذلك) أي الاصفرار المفهوم من أصفر (من غش) بالكسر عدم نصح (للإسلام في قلبه) أي من إضماره عدم النصح والغل والحقد والحسد للمسلمين يعني أن ذلك الاصفرار علامة تدل على ذلك الإضمار وقد مر أن ذلك يحتمل كونه في جماعة من أهل زمانه من المنافقين أو من اليهود. نعم يظهر أن المخاطب بقوله إذا رأيتم أرباب القلوب ذوو الإيمان الكامل فيهم الذين يدركون ذلك فقد قال الغزالي: حقيقة الكفر والإيمان وحدهما والحق والضلال وسرهما لا ينجلي للقلوب الدنسة بطلب المال والجاه وحبهما فكيف بقلوب امتلأت من سحت الدنيا أولا ثم صدئت بالخلاعة من أبنائها ثانيا ثم شحت بالغناء المكدر للأوقات ثالثا ثم زوجت بالسهو واللهو رابعا ثم شغلت بالانخلاع من حدود الشرع وملازمة خطوات الشيطان خامسا ففاضت منها حرارات الأدناس وعمارات الأوصال وصارت كأنها سراب الحمام في بواليع الحجام انتهى
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما (في) كتاب (الطب) النبوي (عن أنس) بن مالك (وهو مما بيض له) أبو المنصور (الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه على سنده وراويه عن أنس مجهول كما قاله بعض الفحول وقال ابن حجر لا أصل له إن أراد لا أصل له في صحة ولا حسن وإلا فمسلم وإلا فممنوع(1/364)
650 - (إذا رجف) تحرك واضطرب (قلب المؤمن في سبيل الله) أي عند قتال الكفار (تحاتت) تساقطت (خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عذق النخلة) بمهملة فمعجمتين كغلس النخلة بحملها وبكسر فسكون العرجون بما فيه من الشماريخ وهو المراد هنا وفي القاموس القنو وفي إفهامه ترغيب عظيم في الجهاد وإبانة لفضله على كثير من العبادات
(طب) وكذا في الأوسط (حل) كلاهما (عن) أبي عبد الله (سلمان) الفارسي رمز لحسنه وليس كما قال فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف انتهى وقال الذهبي عمرو متروك وقد تفرد به عن عبد العزيز بن مسلم وفيه جهالة(1/364)
651 - (إذا رددت على السائل) أي الطالب منك عطاءا (ثلاثا) من المرات معتذرا عن عدم إعطائه (فلم يذهب) لجاجا وعنادا (فلا بأس) أي لا كراهة وفي رواية فلا عليك (أن تزبره) أي تزجره وتنهره بنحو لا بارك الله فيك لتعديه بما لا يحل له وتخطيه ما هو واجب عليه من عدم الإلحاح في المسألة وظاهره أنه لا ينهر قبل ثلاث فعلى السائل أن يحمد الله ويجمل في الطلب ولا يلح في المسألة فإن خالف استحق النهر وقيل ليس المراد بالسائل هنا المستجدي بل طالب العلم إذا جاء لفقهه فلا تنهره فإن كرر السؤال أولا وثانيا فإن أجبته وعاد السؤال ثالثا دل على تعنته فازجره لتعديه الأدب واقتحامه النهي الوارد في الخبر الآتي: إذا قعد أحدكم إلي أخيه فليسأله تفقها ولا يسأله تعنتا
<تنبيه> أشعر قوله لا بأس أي لا كراهة أن الأولى عدم زبره لعموم قوله تعالى {وأما السائل فلا تنهر} ولهذا قال الحريري:
ولا تزجر ذوي سؤال. . . لبني أم في السؤال حتف [ص:365]
(قط في الأفراد) عن إسماعيل الوراق عن الوليد بن الفضل عن عبد الرحمن بن حسين عن ابن جريج عن عطاء (عن ابن عباس) ثم قال الدارقطني تفرد به الوليد وهو يروي المناكير التي لا يشك أنها موضوعة انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الديلمي رواه من طريق آخر (طس عن أبي هريرة) قال الهيتمي: فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به(1/364)
652 - (إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها) أي فليسيرها أو فليسر بها (على ملاذه) بفتح الميم وخفة اللام وشد المعجمة بضبط المؤلف جمع ملذة بفتح الميم وهي موضع اللذة أي على ما يشتهي من نحو السرعة بحيث لا يضرها وفي رواية ملاذها أي ليجرها في السهولة لا الحزونة وأصل اللذة سرعة المشي والذهاب (فإن الله تعالى يحمل على القوي والضعيف) أي اعتمد على الله وسير الدابة سيرا وسطا في سهولة ولا تغتر بقوتها فترتكب العسف والعنف في تسييرها فإنه لا قوة لمخلوق إلا بالله ولا ينظر إلى ضعفها فيقعد مع القاعدين ويترك الحج والجهاد إشفاقا من عدم طاقتها بل اعتمد على الله سبحانه وتعالى فهو الحامل وهو المعين
(قط في الأفراد عن عمرو بن العاص) بإسناد ضعيف(1/365)
653 - (إذا ركبتم هذه الدواب) وفي نسخة البهائم (العجم) بضم فسكون (فانجوا عليها) أي أسرعوا والنجاء بالمد والقصر السرعة أي اطلبوا النجاء من مفاوزكم بسرعة السير عليها سواء كانت سنة جدب أو لا إذ الطريق يطلب الإسراع في قطعه حيث المرعى موجود والقدرة حاصلة ثم فصل أحوال السير بقوله (فإذا كانت سنة) بالتحريك أي جدباء بحيث لم يكن في طريقكم ما ترعاه لو تأنيتم (فانجوا) أي أسرعوا أي زيدوا في الإسراع بحيث لا يضرها (وعليكم بالدلجة) بالضم والفتح أي الزموا سير الليل وأولج مخففا سار من أول الليل ومشددا من آخره ومنهم من جعل الإدلاج لليل كله ولعل المراد بقوله (فإنما يطويها الله) أي لا يطوي الأرض للمسافر فيها حينئذ إلا الله عز وجل إكراما له حيث أتى بهذا الأدب الشرعي (فإن قلت) قد أمر بالنجاء على الدابة والأمر مطلق فكيف خصه بعد ذلك بما إذا كانت سنة؟ (قلت) أمر أولا في شأنها بأمر واحد وهو السرعة عليها هبه في جدب أو خصب وأمر ثانيا فيما إذا كان جذب بأمرين السرعة والدلجة معا قال الزمخشري: ومن المجاز طوى الله عمره ويطوي الله لك البعيد وهو يطوي البلاد
(طب عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء مفتوحة قال الهيتمي رجاله ثقات(1/365)
654 - (إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها) أي نصيبها (من المنازل) التي اعتيد النزول فيها أي أريحوها فيها لتقوى على السير (ولا تكونوا عليها) أي على الدواب (شياطين) أي لا تركبوها ركوب الشياطين أو لا تستعملوها استعمال الشياطين الذين لا يراعون الشفقة على خلق الله وفيه حث على الرفق بالدواب والنهي عن مخالفة ما أمر به الشرع. والمنازل جمع منزل وهو موضع النزول
(قط في الأفراد عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه [ص:366] الدارقطني خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بأن خارجة بن مصعب أحد رواته ضعيف وقال الذهبي واه(1/365)
655 - (إذا زار) أي قصد (أحدكم أخاه) في الدين للزيارة إكراما له وإظهارا لمودته وشوقا للقائه (فجلس عنده) أي في محله والفاء سببية أو تعقيبية وفيها معنى الواو على وجه (فلا يقومن حتى يستأذنه) أي لا يقوم لينصرف إلا بإذنه لأنه أمير عليه كما في الخبر المار ولئلا يفوته ما عساه يشرع فيه من إكرامه بنحو ضيافة والأمر للندب وهذا من مكارم الأخلاق وحسن الإخاء والزيارة عرفا قصد المزور إكراما له وإيناسا به وآدابها بضعة عشر أن لا يقابل الباب عند الاستئذان وأن يدقه برفق وأدب وأن لا يبهم نفسه كأن يقول أنا وأن لا يحضر في وقت غير لائق كوقت الاستراحة مع الأهل والخلوة بهم ويخفف الجلوس ويغض البصر ويظهر الرقة ويدعو بإخلاص ويقبل إكرام المزور ويوسع للمريض في الأجل ويطمعه في الحياة ولا يتكلم عنده بما يزعجه ويشير إليه بالصبر ويحذره من الجزع ويطلب منه الدعاء وما اعتيد من ختم مجلس الزيارة بقراءة الفاتحة فهو حسن. قال بعضهم: لكن لم يرد بخصوصه خبر ولا أثر وورد في الأثر أن السلف كانوا يتفرقون عن قراءة سورة والعصر
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه من لا يعرف(1/366)
656 - (إذا زار أحدكم أخاه) في النسب أو الدين (فألقى) المزور للزائر يعني فرش (له شيئا يجلس عليه) يقيه (من التراب) ونحوه (وقاه الله) تعالى (عذاب النار) دعاء أو خبر أي فكما وقى أخاه عما يشينه من الأقذار في هذه الدار إكراما له يجازيه الله بالوقاية من النار جزاء وفاقا والجزاء من جنس العمل لكن هذا يجب تنزيله على إنسان امتثل المأمورات وتجنب المنهيات لكن فرط منه صغائر فهذه هي التي يكون إكرام الزائر وقاية منها من النار أما مرتكب الكبائر فهيهات هيهات وكما يستحب للمزور إكرام الزائر بنحو بسط الفراش يندب للزائر قبول ذلك لما رواه البيهقي وغيره عن علي مرفوعا لا يأبى الكرامة إلا حمار وصحح بعضهم وقفه
(طب عن سلمان) الفارسي رمز لضعفه وذلك لأن فيه سويد بن عبد العزيز متروك(1/366)
657 - (إذا زار أحدكم قوما) مثلا والمراد زار بعض إخوانه متعددا أو واحدا (فلا يصل بهم) أي لا يؤمهم في منزلهم بغير إذنهم لأن رب الدار أولى بالتقدم (وليصل بهم) ندبا (رجل منهم) لأن أصحاب المنزل أحق بالإقامة فإن قدموه فلا بأس والمراد بصاحب المنزل مالك منفعته ولا ينافيه خبر من زار قوما فليؤمهم لحمله على الإمام الأعظم
(حم 3 عن مالك بن الحويرث) مصغر الحارث الليثي من أهل البصرة له وفادة قال الترمذي حسن صحيح(1/366)
658 - (إذا زخرفتم مساجدكم) أي حسنتموها بالنقش والتزويق قال الراغب: الزخرف الزينة المزوقة ومنه قيل للذهب زخرف وفي الصحاح الزخرف الذهب ثم شبه به كل مموه مزوق (وحليتم) زينتم (مصاحفكم) بالذهب والفضة جمع مصحف مثلث الميم وأصله الضم كما في الصحاح لأنه مأخوذ من أصحف أي جمعت فيه الصحف أي الكتب (فالدمار) بفتح الدال المهملة مخففا الهلاك. قال الزمخشري: الدمار الهلاك المستأصل (عليكم) دعاء أو خبر فزخرفة المساجد وتحلية المصاحف منهي عنها لأن ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقا وبغيرهما مكروه ويحرم مما وقف عليه وأن تحلية [ص:367] المصحف بذهب يجوز للمرأة لا للرجل وبالفضة يجوز مطلقا
(الحكيم) الترمذي وكذا ابن المبارك في الزهد (عن أبي الدرداء) بإسناد ضعيف(1/366)
659 - (إذا زلزلت) أي سورتها (تعدل) تماثل وعدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو قدره وبالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه (نصف القرآن وقل يا أيها الكافرون) أي سورتها (تعدل ربع القرآن) لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فعادلت نصفه ذكره القاضي ولأن القرآن كله يشتمل على أحكام الشهادتين في التوحيد والنبوة وأحوال النشأتين وذلك أربعة أقسام والكافرون مقصورة على التوحيد فهي ربع لتضمنها البراءة من الشرك والتدين بدين الحق وهذا هو التوحيد الصرف (وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس والإخلاص تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو علم التوحيد والتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس وبين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع قال التوربشتي: ونحن وإن سلكنا هذه المسالك بمبلغ علمنا نعتقد أن شأن ذلك على الحقيقة وإنما يتلقى عن الرسل فإن ذلك ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم فأما القول الذي تحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال انتهى وأخذ بعضهم بظاهر الحديث فقال: معناه إن ثواب قراءتها مضاعفة بقدر ثواب قراءة نصفه وربعه وثلثه لكن قراءة جميع القرآن له بكل حرف عشر حسنات وهذا بغير تضعيف. قال ابن حجر: وقوله بغير تضعيف لا دلالة عليه وحديث مسلم يدل للإطلاق
(ت) واستغربه (ك هب عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن فيه يمان بن المغيرة ضعفوه وقد قال الترمذي لا يعرف إلا من حديثه وفي المغني هو واه بمرة وفي الميزان منكر وقال المناوي ليس الأمر كما زعم الحاكم بل ضعيف وفي الفتح فيه يمان وهو ضعيف عندهم(1/367)
660 - (إذا زنى العبد) أي أخذ في الزنا (خرج منه الإيمان) أي نوره أو كماله (فكان على رأسه كالظلة) بضم الظاء وشد اللام السحابة فلا يزول حكمه ولا يرتفع عنه اسمه ما دام فيه لأن للإيمان أنوارا في القلب وآثارا في الجوارح فيقبل عند مقارفة المعاصي ويظلم عند التلبس بالذنوب والمؤمن لا يزني إلا إذا استولى شبقه واشتعلت شهوته بحيث تغلب إيمانه وتشغله عنه فيصير في تلك الحالة كالفاقد للإيمان لا يرتفع عنه اسمه ولا يزول حكمه بل هو في كنف رعايته وظل عصمته والإيمان مظل عليه كالظلة وهي أول سحابة تظل على الأرض فإذا فرغ منه زال الشبق المعاوق عن الثبات على ما يأمره إيمانه والموجب لذهوله ونسيانه عاد الإيمان وأخذ في القوة والازدياد كما قال (فإذا أقلع) أي نزع عن المعصية وتاب منها توبة صحيحة بشروطها ومنها أن يستحل حليل المزني بها على ما قيل لكنه عليل بل القويم اغتفاره لما يترتب على أعماله به من المفاسد (رجع إليه) الإيمان أي نوره وكماله فالمسلوب اسم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ولا يلزم من ثبوت جزء من الإيمان أن يسمى مؤمنا كما أن من يكون معه جزء من الفقه لا يسمى فقيها فكذا يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا فالحديث على ظاهره ولا ملجئ لتأويله وأما ما هنا من المحامل كحمله على [ص:368] المستحل أو أنه خرج مخرج الزجر والتنفير أو على الحياء أو نزع اسم المدح فرخصة ووصف الإيمان بالخروج والدخول مجاز استعمل هنا على وجه الاستعارة والتشبيه
(هـ) في السنة (ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه صحيح(1/367)
661 - (إذا سأل أحدكم) ربه (الرزق) أي إذا أراد سؤال الرزق أي طلبه من الرزاق (فليسأل) ربه أن يعطيه الشيء (الحلال) أي القوت الجائز تناوله وأن يبعده عن الحرام فإنه يسمى رزقا عند الأشاعرة خلافا للمعتزلة فإذا أطلق سؤال الرزق شمله أو المراد إذا طلب أحدكم من الناس التصدق عليه فلا يطلب إلا ممن يغلب على ظنه أنه إنما يعطيه من الحلال أو المراد يسأل سؤالا فلا يلح في المسألة ولا يكلف المسؤول ما لا يقدر عليه ولا يؤذيه
(عد عن أبي سعيد) بإسناد ضعيف(1/368)
662 - (إذا سأل أحدكم ربه مسألة) مصدر ميمي بمعنى اسم المفعول أي طلب شيئا منه (فتعرف) بفتحتين ثم راء مشددة (الإجابة) أي تطلبها حتى عرف حصولها بأن ظهرت له أمارة الإجابة من نحو قشعريرة وبكاء وأنس (فليقل) ندبا شكرا لله عليها (الحمد لله الذي بنعمته) أي بكرمه وفضله ومنته (تتم) تكمل (الصالحات) أي النعم الحسان التي من جملتها حصول المسؤول أو قربه (ومن أبطأ) أي تأخر (عنه) فلم يسرع إليه (ذلك) أي تعرف عدم الإجابة (فليقل) ندبا (الحمد لله على كل حال) أي كل كيف من الكيفيات التي قدرها الله فإن أحوال المؤمن كلها خير وقضاء الله بالسراء والضراء رحمة ونعمة ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء وهو أعلم بما يصلح به عبده ونبه بهذا الحديث على أن على العبد أن يحمد الله على السراء والضراء وعلى أن للصابرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وأن للشاكرين حمدا يخصهم وهو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وهكذا كان هديه وعادته يحمد الله على السراء والضراء بما ذكر. والتأسي به أولى من أن يستنبط حمدا آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم الأكبر الأكمل الذي شهد له الحق تعالى بالعلم وأكرمه بختم النبوة وزعامة الرسالة
(هق) في الدعوات (عن أبي هريرة) وللحاكم نحوه من حديث عائشة قال الحافظ العراقي وإسناده ضعيف(1/368)
663 - (إذا سألتم الله تعالى) أي أردتم سؤاله (فاسألوه الفردوس) لفظ سرياني أو رومي أو قبطي (فإنه سر الجنة) بكسر السين وشد الراء: أفضل موضع فيها والسر جوف كل شيء ولبه خالصه والمراد أنه وسط الجنة وأوسعها وأعلاها وأفضلها والوسط أبعد من الخلل والآفات من الأطراف. قال ابن القيم: والجبة مقببة أعلاها أوسعها وكلما علت اتسعت وهذا الحديث ورد بألفاظ أخر منها ما في الصحيحين إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلا الجنة أي في الارتفاع وفوقه عرش الرحمن واستشكل بخبر أحمد عن أبي هريرة مرفوعا إذا صليتم علي فاسألوا الله لي الوسيلة أعلى درجة في الجبة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو وفي حديث آخر الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فاسألوا الله لي الوسيلة فقضيته أن الوسيلة أعلى درجات الجنة وهي خاصة به فهي أعلى الفردوس وجمع بأن الفردوس أعلى الجنة وفيه درجات أعلاها الوسيلة ولا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض ثم إن مما ذكر من الأمر بسؤال الفردوس لا يعارضه خبر إذا سألتم الله فاسألوه العفو والعافية لأن المراد السؤال لكل مطلوب لكن الأول أخروي والثاني عام
(طب) وكذا البزار (عن العرباض) [ص:369] بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها موحدة وأخرى معجمة ابن سارية السلمي أبي نجيح صحابي كوفي قال الهيتمي ورجاله وثقوا انتهى وبه يعلم أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وحق الرمز لصحته وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند مخرجه الطبراني عليك بسر الوادي فإنه أمرعه وأعشبه انتهى بلفظه. والحديث رواه البخاري أي بلفظ إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن(1/368)
664 - (إذا سألتم الله تعالى) جلب نعمة (فاسألوه ببطون) قال الطيبي: الباء للآلة ويجوز كونها للمصاحبة كما مر (أكفكم) لا بظهورها فإنه غير لائق بالأدب ولذلك زاد الأمر تأكيدا بتصريحه بالنهي عن ضده فقال (ولا تسألوه بظهورها) وذلك لأن من عادة من طلب شيئا من غيره أن يمد بطن كفه إليه ليضع النائل فيها كما مر ولأن أصل شرعية الدعاء إظهار الانكسار بين يدي الجبار والثناء عليه بمحامده والاعتراف بغاية الذلة والمسكنة وذلك ابتهال قولي ولا بد في كمال إظهار الانكسار والافتقار من ضم الابتهال الفعلي إليه وذلك بمد بطن الكف على سبيل الضراعة إليه ليصير كالسائل المتكفف لأن يملأ كفه بما يسد به حاجته ولا ينافيه خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفه إلى السماء لأن معناه رفعها رفعا تاما حتى ظهر بياض إبطيه وصارت كفاه محاذيتين لرأسه ملتمسا إلى أن يغمره برحمته وذلك لمساس الحاجة إلى الغيث عند الجدب {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} أما لو دعى بدفع نقمة فبظهورها كما في أخبار كثيرة
(د) في الدعاء (عن مالك بن يسار السكوني) بفتح المهملة وضم الكاف وسكون الواو آخره نون نسبة إلى السكون بطن من كندة نسب إليها خلق كثير منهم هذا وهو العوفي يعد في الشاميين. قال في المنار: ولا يعرف له غير هذا الحديث كما قال ابن السكن لكنه ثقة لكن فيه ضمضم الحضرمي ضعفه أبو زرعة ووثقه غيره (هـ هب ك) في الدعاء (عن ابن عباس وزاد) أي الحاكم في رواية عنه (فامسحوا بها وجوهكم) أي في غير القنوت فلا يمسح وجهه فيه كما في سنن البيهقي قال لأنه لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس وأما الصدر فلا يندب مسحه قطعا بل نص جمع على كراهته ذكره في الروضة وفيه رد على ابن عبد السلام في قوله لا يمسح وجهه إلا جاهل ومن ثم قيل هي هفوة من عظيم وقد رمز المؤلف لحسنه وإنما لم يصح لأن فيه من الطريق الأولى من ذكر ومن طريق الحاكم سعيد بن هبيرة اتهمه ابن حبان ولهذا رد الذهبي على الحاكم تصحيحه(1/369)
665 - (إذا سئل) بالبناء للمفعول بضبط المؤلف (أحدكم أمؤمن هو فلا يشك في إيمانه) أي فلا يقل مؤمن إن شاء الله لأنه إن كان للشك فهو كفر لا محالة أو للتبرك والتأدب وإحالة الأمور على مشيئته تعالى أو للشك في العاقبة والمآل لا في الآن والحال أو للتبرئ عن تزكية نفسه والاعجاب بحاله فالأولى تركه عند الجمهور ومنعه الحنفية لإيهامه الشك في التأخر. قال التفتازاني: والحق أنه لا خلاف في المعنى لأنه إن أريد بالإيمان مجرد حصول المعنى فهو حاصل حالا وما يترتب عليه النجاة والثمران فهو من مشيئة الله ولا قطع بحصوله حالا
(طب عن عبد الله بن زيد الأنصاري) الأوسي ثم الخطمي كوفي شهد الحديبية قال الهيتمي وفيه أحمد بن بديل وثقه النسائي وضعفه أبو حاتم أي فالحديث حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه(1/369)
666 - (إذا سافرتم) خص السفر لقضية السبب ةالحكم عام (فليؤمكم) ندبا والصارف عن الوجوب الاجماع (أقرؤكم) [ص:370] يعني أفقهكم والأقرأ من الصحب كان هو الأفقه فلا حجة فيه لأبي حنيفة وأحمد في تقديم الأقرأ على الأفقه (وإن كان أصغركم) سنا وفيه حث على الجماعة حتى للمسافر ولا يسقط طلبها بمشقة السفر وأن الإمامة أفضل من الأذان وعليه الرافعي قيل وصحة إمامة الصبي وهو في حيز المنع إذ الظاهر من الحديث المراد تقدم الأقرأ على الأسن على أن تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال (وإذا أمكم) بالتشديد أي كان أحق بإمامتكم فهو أميركم أي فهو أحق بالآمرية المأمور بها في السفر على بقية الرفقة لأن من ارتضى لأمر الدين أحق بالتقدم في أمر الدنيا بالأولى فمحصول ذلك أن الأقرأ أحق بالإمامة على غيره وإن كان أسن
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال في المطامح حديث حسن لا بأس برواته وقال الهيتمي في موضع إسناده حسن وفي آخر فيه من لم أعرفه انتهى وقد رمز المؤلف لحسنه(1/369)
667 - (إذا سافرتم في الخصب) بكسر الخاء المعجمة وسكون المهملة زمن كثرة النبت والعلف (فأعطوا الإبل) ونحوها من الخيل والبغال والحمير وخص الإبل لأنها غالب مراكب العرب (حظها) أي نصيبها (من الأرض) أي من نباتها بأن تمكنوها من الرعي في بعض النهار وفي أثناء السير جعله حظا لأن صاحبها إذا أحسن رعيها سمنت وحسنت في عينه فينفس بها ولم ينحرها ذكره الزمخشري وفي رواية بدل حظها حقها قال القاضي: حظها من الأرض رعيها فيها ساعة فساعة (وإذا سافرتم في السنة) بفتح المهملة الجدب والقحط وانعدام النبت أو قلته (فأسرعوا عليها السير) لتصل المقصد وبها بقية من قوتها لفقد ما يقويها على السير. قال القاضي: معناه إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها ولا تتعوقوا في الطريق لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف وقد صرح بهذا في رواية أخرى وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها وأسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقى وهو المخ (وإذا عرستم) بالتشديد نزلتم (بالليل) أي آخره لنحو نوم واستراحة والتعريس نزول المسافر للاستراحة آخر الليل (فاجتنبوا الطريق) أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو يسرة (فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام) أي محل ترددها (بالليل) لتأكل ما فيه من الرمة وتلتقط ما سقط من المارة من نحو مأكول فينبغي التعريج عنها حذرا من أذاها <تنبيه> ما جرى عليه المؤلف من سياقه الحديث هكذا هو ما وقع لبعضهم وقد سقط منه شيء فإما أن يكون سقط في بعض الروايات وإما من قلمه سهوا والذي عزاه النووي في رياضه إلى مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ما نصه إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام باللبل انتهى. قال النووي: قوله نقيها بكسر النون وسكون القاف فمثناة تحت أي مخها ومعناه أسرعوا حتى تصلوا قصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب وفيه حث على الرفق بالدواب ورعاية مصلحتها وحفظ المال وصيانة الروح والتحذير من المواضع التي هي مظنة الضرر والأذى ويكره النزول بالطريق نهارا أيضا وخص الليل لأنه أشد كراهة والهوام جمع هامة ما له سم يقتل كحية وقد يطلق على ما لا يقتل كالحشرات على الاستعارة بجامع الأذى
(م د ت عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه(1/370)
668 - (إذا سبب الله تعالى) أي أجرى وأوصل وأصل السبب حبل يتوصل به إلى الماء فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء (لأحدكم رزقا من وجه) أي حال من الأحوال (فلا يدعه) أي لا يتركه ويعدل لغيره (حتى يتغير) في [ص:371] رواية يتنكر (له) أي يتعسر عليه ويجد عليه موانع سماوية وحواجر إلهية فإذا صار كذلك فليتحول لغيره أي الرزق فإن أسباب الرزق كثيرة فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك الاعتراض على الحال فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار خلاف ما يختاره له {وربك يخلق ما يشاء ويختار} قال في الحكم: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية وسوابق الهمم لا تخرق سور الأقدار أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت شيئا غير ما أظهره الله لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئا وإن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت
(حم هـ) من حديث الزبير بن عبد الله عن نافع (عن عائشة) قال نافع كنت أتجهز إلى الشام ومصر فتجهزت إلى العراق فنهتني أم المؤمنين وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه والأمر بخلافه فالزبير قال الذهبي لا يعرف وقال العراقي إسناده فيه جهالة وقال السخاوي ضعيف(1/370)
669 - (إذا سبقت للعبد من الله منزلة) أي إذا منحه في الأزل مرتبة متعالية في الآخرة (لم ينلها بعمله) لقصوره عن إبلاغه إياها لضعفه وقلته وسموها ورفعتها (ابتلاه الله في جسده) بالأسقام والآلام (وفي أهله) بالفقد أو عدم الاستقامة وتلوينهم عليه والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو في حق البعض وعلى بابها في حق البعض (وماله) لفقد أو غيره وأعاد في الأهل لموازنته بالجسد وحذفه من المال لقصور رتبته عنهما لإمكان تعويضه (ثم صبره) بشد الموحدة بضبط المؤلف أي ألهمه الصبر (على ذلك) أي ما ابتلاه (حتى ينال) بسبب ذلك (تلك المنزلة) وفي رواية حتى يبلغه المنزلة قال الطيبي: حتى هنا يجوز أن تكون للغاية وأن تكون بمعنى كي وفيه إشعار بأن للبلاء خاصة في نيل الثواب ليس للطاعة وإن جعلت مثلها ولذلك كان ما يصيب الأنبياء أشد البلاء (التي سبقت له من الله عز وجل) أي التي استوجبها بالقضاء الأزلي واستحقها بالحكم القديم الإلهي وبالحقيقة التعويل إنما هو على ذلك السبق فمن سبق في علمه أنه سعيد فهو سعيد وعكسه بعكسه والخاتمة ناشئة عن السابقة روى البيهقي والحاكم أن موسى مر برجل في متعبد له ثم مر به بعد وقد مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال يا رب كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليته لأبلغه تلك الدرجة انتهى. والمقصد بالحديث الإعلام بفضل البلاء وأنه مظنة لرفع درجات العبد وإن قل عمله وإلا فقد يعطي الله من شاء ما شاء من رفيع المنازل وإن لم يعمل بالكلية بل له تعذيب الطائع وإثابة العاصي ولا يسأل عما يفعل وقد استدل بهذا في المفهم وغيره على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما يترتب عليه التكفير لا يكفي إلا إن انضم إليه الصبر ورد بأن الأحاديث الواردة بالتقييد إما ضعيفة فلا يحتج بها أو مقيدة بثواب مخصوص كما في هذا الحديث فاعتبار الصبر فيه إنما هو لحصول ذلك الثواب الخاص
(تخ د في رواية ابن داسة وابن سعد) في طبقاته (ع) وكذا البيهقي في الشعب (عن محمد بن خالد السلمي) البصري (عن أبيه) خالد البصري قال الذهبي صدوق مقل (عن جده) عبد الرحمن بن جناب السلمي الصحابي كذا في الكاشف وقد خفي على الصدر المناوي فقال لم أقف لجده على اسم ولا لهذا الحديث في نسخة سماعنا عن أبي داود وذكره في الأطراف انتهى وإلى رده أشار المؤلف بقوله في رواية ابن داسة فإنه ليس في سنن أبي داود في جميع الروايات [ص:372] بل في رواية ابن داسة فقط ولم يطلع عليها فنفاه ثم إن المؤلف رمز لحسنه وقال ابن حجر في الفتح: رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد وأبوه اختلف في اسمه لكن إبهام الصحابة لا يضر هذا كله في الفتح وقضيته تصحيح الحديث لكنه قال في التقريب محمد مجهول وخالد صدوق يخطئ فاقتضى كلامه تضعيفه والأوجه ما جرى عليه المؤلف من حسنه(1/371)
670 - (إذا سبك) أي شتمك (رجل) يعني إنسان (بما يعلم منك) من النقائص والمعايب معيرا لك بذلك قاصدا أذاك (فلا تسبه) أنت (بما تعلم منه) من ذلك يعني إذا شتمك وعيرك بما فيك فلا تكافئه بشتمه ولا تعيره بما فيه وعلله بقوله (فيكون أجر ذلك) السب (لك) بتركك لحقك وعدم انتصارك لنفسك وكف عن مقابلته بما يستحقه من إذاعة نقائصه ومواجهته بها واحتمل أذاه (و) دعه يكون (وباله) أي سوء عاقبته في الدنيا والآخرة (عليه) {وما الله بغافل عما تعملون} ولله در القائل:
لا تهتكن من مساوي الناس ما سترا. . . فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا. . . ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
(ابن منيع) في معجمه وكذا الديلمي (عن ابن عمر) رمز لحسنه وهو كما قال أو أعلى إذ ليس في روايته مجروح(1/372)
671 - (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب) بالمد بوزن أفعال جمع إرب بكسر فسكون العضو (وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه) وجهه بالرفع مع ما عطف عليه بدل من سبعة بدل كل من كل وفيه أن أعضاء السجود سبعة فلا بد لوجود صورته الشرعية في الوجود من وضع بعض الجبهة على مصلاه ويجب مع ذلك وضع بعض بطن كفيه من ركبتيه وقدميه فلو لم يفعل لم تصح صلاته كما اقتضاه هذا الحديث وهو المفتي به عند الشافعية والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وشرعا وضع الجبهة على قصد العبادة
(حم م 4 عن العباس) بن عبد المطلب (عبد) بغير إضافة (ابن حميد) مصغرا ابن نضر قيل اسمه عبد الحميد ثقة حافظ (عن سعد) ابن أبي وقاص(1/372)
672 - (إذا سجد العبد) أي الإنسان (طهر) بالتشديد أي نظف (سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين) بفتح الراء أي أزال عنها الأدناس والعيوب على ما اقتضاه هذا الحديث وظاهره من المشكلات والله أعلم بمراد رسوله وحمل الطهارة فيه على إفاضة الرحمة والبركة على ما وقع السجود عليه ينافيه ما ذكر في سبب الحديث عند مخرجه الطبراني وكذا ابن عدي وغيره أن عائشة قالت كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين فقلت ألا تخص لك مكانا من الحجرة أنظف من هذا؟ فقال يا حميراء ما علمت أن العبد إذا سجد فذكره بتمامه وقولها أنظف يدل على أن المراد الطهارة اللغوية وهي النظافة فالمراد أن تلك البقعة وإن كانت مستقذرة فالشرف الحاصل لها بالسجود يجبر ذلك الاستقذار والله أعلم بحقيقة الحال وفيه أن الأرضين سبعة كالسماوات
(طس) وكذا ابن عدي والديلمي والحاكم (عن عائشة) قال الحافظ الهيتمي وغيره فيه بزيغ متهم بالوضع وقال ابن الجوزي موضوع وفي الميزان يزيغ متهم قال ابن حبان يأتي عن الثقات بموضوعات كأنه المعتمد لها ثم ساق له هذا الحديث وجزم جمع آخرون بوضعه(1/372)
[ص:373] 673 - (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) أي لا يقع على ركبتيه كما يقع البعير عليهما حين يقعد (وليضع يديه) أي كفيه (قبل أن يضع ركبتيه) لأنه أحسن في الخضوع وأفخم في الوقار وبه أخذ مالك. وذهب الأئمة الثلاثة إلى عكسه تمسكا بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم له في حديث الترمذي عن وائل قال الخطابي: وهو أثبت من حديث تقديم اليدين وأرفق بالمصلي وأحسن شكلا بل قال ابن خزيمة أن حديث تقديم اليدين منسوخ بخبر سعد كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين
(د عن أبي هريرة) رمز المؤلف لصحته اغترارا بقول بعضهم سنده جيد وكأنه لم يطلع على قول ابن القيم وقع فيه وهم من بعض الرواة وأوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير إذ هو يضع ركبتيه أولا وزعم أن ركبتي البعير في يديه لا في رجليه لا يعقل لغة ولا عرفا على أن الحديث معلول بيحيى بن سلمة بن كهيل ولا يحتج به قال النسائي متروك وابن حبان منكر جدا وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بمحمد بن عبد الله بن حسن وغيره(1/373)
674 - (إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه) أي بباطنهما (لأرض) فيضعهما والأولى كونهما مكشوفتين على مصلاه (عسى الله تعالى) هي من المخلوق للترجي ومن الله واجب وأتى بها ترغيبا فيما ذكر (أن يفك) أي يخلص ويفصل ورأيت في معجم الطبراني بدله يكف والفك أنسب (عنه الغل) بالضم الطوق من حديد يجعل في العنق واليدين (يوم القيامة) أي من فعل ذلك يرجى أن يغفر الله له ما فرط من الذنوب الموجبة لجعل الغل في عنقه يوم القيامة لأنه لما أطلق يديه وبسطهما في السجود جوزي بإطلاقهما يوم المعاد جزاءا وفاقا والمباشرة الإفضاء بالبشرة والفك التخليص والإطلاق والإزالة ونبه بذلك على وجوب وضع جزء من بطن الكف في السجود وكذا يجب وضع شيء من الجبهة والركبتين وأصابع القدمين لقوله في الحديث الآتي أمرت أن أسجد على سبعة أعظم
(طس عن أبي هريرة) سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك فقد أعله جمع بعبيد بن محمد المحاربي قال ابن عدي له مناكير قال الهيتمي وهذا منها(1/373)
675 - (إذا سجد أحدكم فليعتدل) أي فليتوسط بين الافتراش والقبض في السجود بوضع كفيه على الأرض ورفع ذراعيه وجنبيه عنها لأنه أمكن وأشد اعتناء بالصلاة وفيه أنه يندب أن يجافي بطنه ومرفقيه عن فخذيه وجنبيه لكن الخطاب للرجال كما دل عليه تعبيره بأحدكم أما المرأة فتضم بعضها لبعض لأن المطلوب لها الستر (ولا يفترش) بالجزم على النهي أي المصلي (ذراعيه) بأن يجعلها كالفراش والبساط (افتراش الكلب) لما فيه من شوب استهانة بالعبادة التي هي أفضل العبادات فإن فعل كان مسيئا مرتكبا لنهي التنزيه والكلب كل سبع عقور وغلب على هذا النائح وصرف هذا عن الوجوب خبر أبي داود شكوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم مشقة السجود إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب أي بوضع المرفقين على الركبتين كما فسره ابن عجلان أحد رواته وخبر ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد
(حم ت هـ وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) في المختارة (عن جابر) ابن عبد الله قال الترمذي حسن صحيح(1/373)
676 - (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك) بكسر الميم عن جنبيك وعن الأرض لأنه أشبه بالتواضع وأبعد من هيئة الكسالى وهذا مندوب للرجال كما تقرر <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة السجود على الجبهة [ص:374] وكان من قبلهم يسجدون على حرف
(حم م عن البراء) بن عازب(1/373)
677 - (إذا سرتك) أي أفرحتك وأعجبتك وأصل السرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه (حسنتك) أي عبادتك لكونك جازما بصدق الشارع فيما جاء به عن الله تعالى من حصول الثواب عليها سميت حسنة لأن بها يحسن حال فاعلها وهي سبب إحسان الله تعالى وإضافتها له من حيث الكسب (وساءتك سيئتك) أي أحزنك ذنبك لكونك قاطعا بصدق الشارع فيما توعد به من العقاب عليها سميت سيئة لأن بها يسوء حال فاعلها وهي سبب كل سوء {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (فأنت مؤمن) أي فذلك علامة إيمانك بل ذلك هو حقيقة الإيمان وليس الإيمان إلا تصديق الشارع فيما جاء به وفي الحزن على السيئة إشعار بالندم الذي هو أعظم أركان التوبة فكأنه قال إذا أتيت بالطاعة المأمور بها وكلما أذنبت ذنبا تبت منه كان ذلك علامة حسن الخاتمة وأنك تموت على الإيمان حقا وقد أشار إلى ما قررته أولا قول الطيبي يعني إذا صدرت منك طاعة وفرحت بها متيقنا بأنك تثاب عليها وإذا أصابتك معصية وحزنت عليها فذلك علامة الإيمان
(حم حب طب ك هب والضياء عن أبي أمامة) قال قيل يا رسول الله ما الإيمان فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي قال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الهيتمي رجال الطبراني رجال الصحيح إلا أن فيه يحيى بن أبي كثير مدلس وإن كان من رجاله ورواه الإمام أحمد أيضا عن أبي موسى بإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع بلفظ من عمل حسنة فسر بها ومن عمل سيئة فساءته فهو مؤمن(1/374)
678 - (إذا سرتم في أرض خصبة) بكسر الخاء (فأعطوا الدواب حظها) من نبات الأرض وحظها الرعي منه (وإذا سرتم في أرض مجدبة) بدال مهملة ولم يكن معكم ولا في الطريق علف (فانجوا عليها) أي أسرعوا عليها السير لتبلغكم المنزل قبل ضعفها (وإذا عرستم فلا تعرسوا على قارعة الطريق) أعلاها أو أوسطها (فإنها مأوى كل دابة) أي مبيت كل دابة من الحشرات ونحوها التي تأوي إليها ليلا
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي رجاله ثقات فرمزه لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته
(هذا الحديث غير موجود في نسخ المتن وثبت في نسخ الشرح فتنبه)
(إذا سرتم في الخصب) بالكسر (فأمكنوا الركاب) أي الإبل ومنها كل مركوب (من أسنانها) أي من أكلها بها (ولا تجاوزوا المنازل) التي أعتيد النزول فيها للاستراحة (وإذا سرتم في الجدب) أي القحط وقلة المطر (فاستجدوا) أسرعوا (وعليكم بالدلج) بضم ففتح جمع دلجة (فإن الله يطوي) أي يطويها الله (باللبل) كله أو في السحر على ما مر (وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان) المعروف فإن فيه كفاية لشرها (وإياكم والصلاة على جواد الطريق) بالتخفيف أي معظم الطريق (والبراز) أي البول والغائط (عليها) أي فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع) فربما تؤذيكم أو تؤذوها (وإياكم وقضاء الحاجة عليها) أي الطريق المسلوك (فإنها الملاعن) جمع ملعنة كما مر
(حم د ن هـ ع وابن خزيمة والشاشي والضياء) المقدسي (عن جابر) ابن عبد الله(1/374)
679 - (إذا سرق المملوك) أي القن شيئا قل أو كثر لك أو لغيرك (فبعه) وفي رواية لأبي نعيم إذا سرق العبد فبيعوه [ص:375] (ولو) للتقليل هنا كما في القواطع لكن قال الزركشي: الحق أن التقليل مستفاد مما بعد لو من الصيغة (بنش) بكسر الموحدة وفتح النون وشين معجمة نصف أوقية وهو عشرون درهما كأنه سمي به لخفته وقلته من النشنشة وهي التحرك والخفة والحركة من واد واحد كذا ذكره الزمخشري جازما ورأيت في المطامح أنه القربة البالية ولم يذكر فيه سواه ولم أر فيه سلفا لكنه لم يذكره رجما بالغيب وأيا ما كان فهذا خرج مخرج التقليل والترهيب في القن السارق فكأنه قال لا تمسكه عندك ولا تتركه في بيتك بل بعه بما تيسر وإن كان تافها جدا ففيه دليل على إبعاد أهل الفساد والمعاصي واحتقارهم وأن السرقة عيب فاحش منقص للقيمة وإذا باعه وجب أن يعرف بسرقته لكونه من أقبح العيوب فلا يحل له كتمه ويظهر أن مثل البيع كل ما يزيل الملك عنه أو يحصل به مفارقته كهبته وكتابته ووقفه وعتقه لكن قد يتوقف في العتق من حيث أنه يرفع الرق عنه لكثرة إضراره للناس بالسرقة والظاهر أن المراد بالسرقة هنا معناها اللغوي وكما يطلب بيع القن إذا سرق يطلب بيعه إذا زنى لقوله من حديث مسلم إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليحدها ولا يثرب عليها أو لا يوبخ ولا يعير ولا يكثر من اللوم ثم قال إن زنت فبيعوها ولو بضفير أي بحبل مضفور فعيل بمعنى مفعول وفي رواية ولو بحبل من شعر فوصف الحبل بكونه من شعر لأنها أكثر حبالهم وهذا خارج مخرج التقليل والتزهيد كما تقرر فيما قبله فإن قيل إذا كان مقصوده إبعاد السارق والزاني وأنه يلزم البائع الإخبار بعيبه فلا ينبغي لأحد شراؤه لكونه مأمورا بإبعاده فالجواب أنه مال فلا مساغ للنهي عن إضاعة المال ولا يسيب ولا يحبس دائما إذ كل ذلك إضاعة مال ولو سيب كان إغراء له على السرقة والزنا وتمكينا له منها فلم يبق إلا بيعه ولعل السيد الثاني يبالغ في حفظه فيمنعه من ذلك وبالجملة فعند تبدل الأملاك تختلف الأحوال والجمهور حملوا الأمر ببيع السارق والزاني على الندب والارشاد إلا داود وأهل الظاهر فقالوا بوجوبه تمسكا بظاهر الأمر وصرفه الجمهور عن ظاهره عملا بالأصل الشرعي أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك أحد بغير الشفعة فلو وجب لأجير عليه ولم يجبر عليه فلم يجب واستنبط منه بعضهم جواز البيع بالغبن لأنه بيع خطير بثمن يسير ورد بأن الغبن المختلف فيه بيع جهالة من المغبون وأما مع العلم بقدر المبيع والثمن وحالهما فلا وإنما أمر في حديث مسلم بعدم توبيخه وتعييره لأن الإكثار من ذلك يزيك الحياء والحشمة ويجرئ على ذلك الفعل ولأن العبد غالبا لا ينفعه لوم ولا توبيخ بل ربما كان إغراءا وإنما يظهر أثره في الحر إن ظهر ألا ترى إلى قوله:
واللوم للحر مقيم رادع. . . والعبد لا يردعه إلا العصا
ولأنها عقوبة زائدة على الحد المشروع ولا يدخل فيه نحو وعظ وتخويف بعقاب الله وتهديد احتيج إليه لأنه ليس بتثريب وأفاد خبر مسلم أن للسيد أن يحده وبه قال الجمهور إلا أبا حنيفة فقال: لا يحده إلا الإمام وقال الشافعي: يقطعه في السرقة وقال مالك: أمنعه مخافة أن يمثل به قال الراغب: والسرقة أخذ ما ليس لك أخذه في خفاء ثم صار شرعا عبارة عن أخذ شيء مخصوص من محل مخصوص وقدر مخصوص واللائق منا إرادة اللغوي
(هـ) في السرقة وكذا ابن ماجه والنسائي (عن أبي هريرة) رمز لحسنه ولعله لتقويه بتعدد طرقه وإلا ففيه عمر بن أبي سلمة قال النسائي غير قوي وفي المنار سنده ضعيف(1/374)
680 - (إذا سقى الرجل امرأته الماء) أي قام بالواجب من إحضار الماء إليها للشرب (أجر) بالبناء للمفعول أي يثيبه الله تعالى عليه وإن كان إنما أتى بواجب ونبه بذكر الماء الذي لا قيمة له غالبا أو قيمته تافهة على حصول الثواب فيما فوق ذلك من الإطعام والكسوة والإخدام بالأولى والمقصود بالحديث بيان أن نفقة الزوجة وإن كانت لازمة للذمة فله في القيام بها أجر أي إن قصد الامتثال قال الراغب: والأجر والأجرة ما يعود من ثواب العمل دنيويا وأخرويا والأجرة في الثواب الدنيوي والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد أي اعتقاد وما يجري مجراه ولا يقال إلا في نفع لا ضر نحو أجره على الله والجزاء يقال فيما كان من عقد وغيره وفي النافع والضار
(تخ طب) من حديث خالد بن [ص:376] شريك (عن العرباض) بن سارية رمز لحسنه(1/375)
681 - (إذا سقطت) وفي رواية وقعت (لقمة أحدكم) عند إرادة أكلها قال ابن العربي: وذلك إما من منازعة الشيطان فيها حين لم يسم الله عليها أو بسبب آخر ويرجح الأول قوله الآتي ولا يدعها للشيطان إذ هو إنما يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه انتهى وهو صريح في أنه لم يذكر اسم الله عليه ثم سقطت لا يندب له أخذها وأكلها ويكاد يكون باطلا لمنافرته لإطلاق الحديث بلا موجب (فليمط) بلام الأمر (ما بها من الأذى) من تراب ونحوه مما يعاف وإن تنجست طهرها إن أمكن وإلا أطعمها حيوانا (وليأكلها) أو يطعمها غيره (ولا يدعها) أي يتركها ندبا (للشيطان) إبليس أو الجنس لما فيه من إضاعة نعمة الله واحتقارها والمانع من تناول تلك اللقمة الكبر غالبا وذلك مما يحبه الشيطان ويرضاه للإنسان ويدعو إليه إلا أنه يأخذها ويأكلها ولا بد. وقوله سقطت أي من يده أو من فمه بعد وضعها فيه وذلك لما فيه من استقذار الحاضرين. قال الولي العراقي: ويتأكد ذلك بالمضغ لأنها بعد رميها على هذه الحالة لا ينتفع بها لعيافة النفوس لها (ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها) بفتح أوله يلحسها هو (أو يلعقها) بضمه أي يلسحها لغيره من إنسان لا يستقذرها كزوجة وولد وخادم أو حيوان طاهر (فإنه لا يدري في أي طعامه) تكون (البركة) أي الخير الكثير والتغذية والقوة على الطاعة أو هو فيما بقي على الأصابع أو الإناء أو في اللقمة الساقطة؟ فإن كان فيها فيفوته بفوتها خير كثير وفيه حل التمندل بعد الطعام. قال ابن العربي: وقد كانوا يلعقون ويمسحون ثم يغسلون وقد لا وكذا تفعل العرب لا تغسل يدها حتى تمسح. وحكمته أن الماء إذا رد على اليد قبل مسحها ترك ما عليها من زفر ودسم وزاد قذرا وإذا مسحها لم يبق إلا أثر قليل يزيله الماء
(حم م ن هـ عن جابر) وعن أنس أيضا(1/376)
682 - (إذا سل) بالتشديد (أحدكم) أيها المؤمنون (سيفا) أي انتزعه من غمده (لينظر إليه) أي لأجل أن ينظر إليه لشراء أو نحو تعهد. ومثل السيف ما في معناه كخنجر وسكين (فإذا أراد أن يناوله أخاه) المسلم لينظر إليه الآخر مثلا وذكر الأخ غالبي فالذمي كذلك (فليغمده) ندبا: أي يدخله في قرابه قبل مناولته إياه. والغمد بالكسر جفر السيف وإغماده إدخاله فيه وذكر النظر تمثيل وتصوير فلو سله لا لغرض فالحكم كذلك (ثم يناوله) بالجزم (إياه) ليأمن منن إصابة ذبابه له وتباعدا عن صورة الإشارة به إلى أخيه التي ورد التعديد البليغ عليها والمناولة الإعطاء
(حم طب ك عن أبي بكرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يتعاطون سيفا مسلولا فقال: لعن الله من فعل هذا أوليس قد نهيت عنه؟ ثم ذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي: فيه عند أحمد والطبراني مبارك ابن فضالة ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لهما إسناد جيد(1/376)
683 - (إذا سلم عليكم) أيها المسلمون (أحد من أهل الكتاب) اليهود والنصارى ولفظ أهل الكتاب وإن كان أعم بحسب المفهوم من التوراة والإنجيل لكنه خص استعمال الشرع بهما لأن غير اليهود والنصارى لم يوجد زمان البعثة (فقولوا) وجوبا في الرد عليهم (وعليكم) فقط روي بالواو وبدونها. قال القرطبي: وحذفها أوضح معنى [ص:377] وأحسن وإثباتها أصح رواية وأشهر. قال الزركشي: الرواية الصحيحة عن مالك وابن عيينة بغير واو وهي أصوب وقال النووي إثباتها أجود فمعناه بدونها: عليكم ما تستحقونه وبها: أنهم إن لم يقصدوا دعاء علينا فهو دعاء لهم بالإسلام فإنه مناط السلامة في الدارين وإن قصدوا التعريض بالدعاء علينا فمعناه ونقول لكم وعليكم ما تريدون بها أو تستحقونه أو ندعو عليكم بما دعوتم به علينا ولا يكون عليكم عطفا على عليكم في كلامهم وإلا فتضمن ذلك تقرير دعائهم علينا وإنما اختار هذه الصيغة ليكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق المأمور به. قال النووي: اتفقوا على الرد على أهل الكتاب بما ذكر إذا سلموا وقال غيره: فيه أنه لا يشرع ابتداء الكافر بالسلام لأنه بين حكم الجواب ولم يذكر حكم الابتداء وأن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزي في الرد على مسلم لاشتهار الصيغة في الرد على غيره. وقيل بإجزائها في أصل الرد وإنما امتنع السلام على الكافر لأنه لا سلامة له إذ هو مخزي في الدنيا بالحرب والقتل والسبي وفي الآخرة بالعذاب الأبدي
(حم ق د ت هـ عن أنس) بن مالك(1/376)
684 - (إذا سلم الإمام) من الصلاة (فردوا عليه) ندبا بأن تنووا بسلامكم الرد عليه عند الالتفات إلى جهته فإن كان عن يمين المقتدي نوى الرد بالأولى أو عن يساره فبالثانية أو خلفه فبالأولى أولى
(هـ عن سمرة) بفتح فضم ابن جندب الغطفاني الفزاري قال مغلطاي في شرح ابن ماجه حديث ضعيف في سنده ضعيفان إسماعيل بن عياش وأبو بكر الهذلي(1/377)
685 - (إذا سلمت الجمعة) أي سلم يومها من وقوع الآثام فيه وقيل صلاتها من النقص من واجباتها ومكملاتها والأول أقرب (سلمت الأيام) أي أيام الأسبوع من المؤاخذة (وإذا سلم رمضان) كذلك (سلمت السنة) كلها من المؤاخذة فالكف عن المنهيات والإتيان بالطاعات في جميع يوم الجمعة مكفر لما يقع في ذلك الأسبوع من المخالفات والإمساك عن المنهيات والإكباب على الطاعات في جميع رمضان متكفل بما يكون في تلك السنة من الذنوب وذلك لأنه سبحانه جعل لأهل كل ملة يوما يتفرغون فيه لعبادته ويتخلون عن الشغل الدنيوي فيوم الجمعة يوم عبادة هذه الأمة وهو في الأيام كرمضان في الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان فلهذا من صح وسلم له يوم الجمعة سلمت له أيام أسبوعه كلها ومن صح وسلم له رمضان صحت له سائر سنته ومن صح له حجه سلم له عمره فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ورمضان ميزان العام والحج ميزان العمر ومن لم يسلم له يوم الجمعة أو رمضان فقد باء بعظيم الخسران ويظهر أن المراد تكفير الصغائر فقط
(قط في الأفراد) عن أبي محمد بن صاعد عن إبراهيم الجوهري عن عبد العزيز ابن أبان عن الثوري عن هشام عن أبيه عن عائشة قال ابن الجوزي: تفرد به عبد العزيز وهو كذاب فهو موضوع (حل عن عائشة) وقال تفرد به إبراهيم الجوهري عن أبي خالد القرشي (هب من طريق آخر) ثم قال في كلا الطريقين لا يصح وإنما يعرف من حديث عبد العزيز عن سفيان وهو ضعيف بمرة وهو عن النووي باطل لا أصل له ولما أورده ابن الجوزي في الموضوع تعقبه المؤلف بوروده من طرق ولا تخلو كلها عن كذاب أو متهم بالوضع(1/377)
686 - (إذا سمع أحدكم النداء) أي الأذان للصبح وهو يريد الصوم (والإناء) مبتدأ (على يده) خبره (فلا يضعه) نهي أو نفي بمعناه (حتى يقضي حاجته) بأن يشرب منه كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه وما ذكر من أن المراد به أذان الصبح هو ما جزم به الرافعي فقال: أراد أذان بلال الأول بدليل إن بلالا يؤذن بلبل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وقيل المراد أذان المغرب فإذا سمعه الصائم والإناء في يده فلا يضعه بل يفطر فورا محافظة [ص:378] على تعجيل الفطر وعليه قال الطيبي: دليل الخطاب في أحدكم يشعر بأنه لا يفطر إذا لم يكن الإناء في يده ويأتي أن تعجيل الفطر مسنون مطلقا لكن هذا مفهوم لقب فلا يعمل به
(حم د ك عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن قال في المنار مشكوك في رفعه(1/377)
687 - (إذا سمعت الرجل) يعني الإنسان (يقول هلك الناس) ودلت حاله على أنه يقول ذلك إعجابا بنفسه وتيها بعلمه أو عبادته واستصغارا لشأن الناس وازدراءا لما هو عليه (فهو أهلكهم) بضم الكاف أشدهم هلاكا وأحقهم بالهلاك أو أقربهم إليه لذمه الناس وذكره عيوبهم وتكبره وبفتحها فعل ماض أي فهو جعلهم هالكين إلا أنهم هلكوا حقيقة أو فهو أهلكهم لكونه أقنطهم عن رحمة الله وأيأسهم من غفرانه. قال النووي: والمشهور الرفع ويؤيده رواية أبي نعيم فهو من أهلكهم قال الغزالي: إنما قاله لأن هذا القول يدل على أنه مزدر لخلق الله مغتر بالله آمن من مكره غير خائف من سطوته وقهره حيث رأى الناس هالكين ورأى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا لما رأى ذلك ويكفيه شرا احتقار الغير فالخلق يدركون النجاة بتعظيمهم إياه لله فهم متقربون إلى الله بالدنو منه وهو متمقت إلى الله بالتنزه والتباعد منهم كأنه يترفع عن مجالستهم فما أجدره بالهلاك انتهى أما لو قاله تفجعا وإشفاقا عليهم فليس محل الذم
(مالك حم خد م د عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(1/378)
688 - (إذا سمعت جيرانك) بكسر الجيم أي الصلحاء منهم (يقولون قد أحسنت فقد أحسنت) أي كنت من المحسنين سترا من الله وتجاوزا عما عرف من المثني عليه مما انفرد بعلمه لأن العفو من صفاته وإذا تجاوز عمن يستحق العذاب في علمه وحكم بشهادة الشهود كان ذلك منه مغفرة وفضلا و {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} (وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت) أي كنت من المسيئين لأنهم إنما شهدوا بما ظهر من سيء عمله وهو به عاص فإذا عذبه الله بحق ما ظهر من عمله السيء الموافق للشهادة ولا يجوز أن يعذبه بما شهدوا عليه وهو عنده على عمل صالح كذا ذكره الكلاباذي ثم إن ما ذكره مما تقرر من أن لفظ الحديث ما ذكر هو ما وقفت عليه بخط المؤلف لكن سياقه عند أبي نعيم وابن منده وابن عبد البر من هذا الوجه عن كلثوم إذا قال جيرانك إنك قد أحسنت فقد أحسنت وإذا قال جيرانك إنك قد أسأت فقد أسأت
(حم هـ طب عن ابن مسعود) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت فذكره قال العراقي إسناده جيد (هـ عن كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة ابن علقمة ابن ناجية (الخزاعي) نسبة إلى قبيلة مشهورة قيل له وفادة والأصح لأبيه. ذكره الذهبي كأبي نعيم وقال ابن عبد البر لا يصح له صحبة وحديثه مرسل وقال ابن الأثير الصحيح أن الصحبة لابنيه قال المناوي رجال ابن ماجه رجال الصحيح إلا شيخه محمد بن يحيى فلم يخرج له مسلم ورواه أيضا البراء وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح فتحسين المؤلف له فقط تقصير(1/378)
689 - (إذا سمعت النداء) أي الأذان فاللام عهدية ويجوز أن يقدر نداء المؤذن (فأجب داعي الله) وهو المؤذن لأنه الداعي لعبادته لقوله الحيعلتين والمراد أن يقول مثله ثم يجئ إلى الجماعة حيث لا عذر فالمراد الإجابة بالقول وبالفعل والسمع محل القوة السامعة من الأذن
(طب عن كعب بن عجرة) بفتح المهملة (الصواب بضمها) وسكون الجيم: الأنصاري [ص:379] المدني من بني سالم بن عمرو أو غيرهم شهد الحديبية قال الهيتمي فيه يزيد بن سنان ضعفه أحمد وجمع وقال البخاري مقارب الحديث وقد رمز لحسنه(1/378)
690 - (إذا سمعت النداء فأجب) ندبا (وعليك) أي والحالة أن عليك في حال ذهابك (السكينة) أي الوقار أو أخص حتى تبلغ مصلاك (فإن أصبت) أي وجدت (فرجة) تسعك فأنت أحق بها فتقدم إليها ولو بالتخطي لتفريط القوم بإهمالها (وإلا) أي وإن لم تجدها (فلا تضيق على أخيك) المسلم يعني لا تزاحمه فتؤذيه بالتضييق عليه (و) إذا أحرمت (اقرأ ما تسمع أذنك) أي اقرأ سرا بحيث تسمع نفسك (ولا) ترفع صوتك بالقراءة فوق ذلك فإنك بذلك (تؤذ جارك) أي المجاور لك في المصلى (وصل صلاة مودع) بأن تترك القوم وحديثهم بقلبك وترمي بكل شغل دنيوي خلف ظهرك وتقبل على الله بتخشع وتدبر وتستحضر القدوم عليه
(أبو نصر السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (وابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) ورواه أيضا عنه ابن لال والديلمي باللفظ المذكور رمز لضعفه وذلك لأن فيه الربيع بن صبيح قال الذهبي ضعيف لكن قال أبو حاتم صدوق(1/379)
691 - (إذا سمعتم النداء) أي الأذان لأنه نداء دعاء (فقولوا) ندبا عند الشافعية ووجوبا عند الحنفية ووافقهم ابن وهب المالكي قال في فتح القدير ظاهر الأمر الوجوب إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكارا تركه لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وقال الشافعية الصارف عن الوجوب الإجماع على عدم وجوب الأصل وهو الأذان والإقامة وأما زعم أن الصارف قوله في خبر الصحيحين ثم صلوا علي ثم سلوا لي الوسيلة وهما مندوبان فالإجابة مندوبة فرد بأن دلالة الإقتران ضعيفة عند الجمهور (مثل ما يقول المؤذن) لم يقل مثلهما (قال) ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة بأن يقول سامعه عقب كل كلمة مثلها فإن لم يجبه حتى فرغ سن له التدارك إن قصر الفصل والمراد بالمماثلة المشابهة في مجرد القول لا صفته كرفع الصوت والمراد بما يقول المؤذن ذكر الله والشهادتين إلا الحيعلتين لما في خبر مسلم أن السامع يقول في كل منهما لاحول ولا قوة إلا بالله وإلا التثويب لما في خبر أنه يقول فيه صدقت وبررت وحكمة استثناء الحيلعة أنها دعاء لا ذكر فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة فلا يبقى مجيب فحسن من السامع الحوقلة لأن المؤذن لما دعا الناس إلى الحضور أجابوا بأنهم لا يقدرون عليه إلا بعون الله وتأييده: وحكمته استثناء التثويب أنه في معنى الدعاء للصلاة لا ذكر فحسن بأن يجاب بصدقت وبررت. وزعم ابن وضاح أن المؤذن مدرج ورد باتفاق الصحيحين والموطأ عليها قال ابن دقيق العيد: وفيه أن لفظ مثل لا يقتضي المساواة من كل وجه انتهى ولا يخالفه قوله مرة أخرى لفظ مثل يقتضي المساواة من كل وجه إلا من الوجه الذي يقتضي التغاير بين الحقيقتين بحيث يخرجهما عن الوحدة فإن مفهوم الكلام الأول يصدق بالوجه الذي اختلفت فيه الحقيقتان ذكره العراقي
(مالك) في الموطأ (حم ق 4 عن أبي سعيد) الخدري(1/379)
692 - (إذا سمعتم النداء) إلى الصلاة (فقوموا) إلى الصلاة واسعوا إليها (فإنها عزمة من الله) عز وجل أي أمر الله الذي أمرك أن تأتي به: والعزم هو الجد في الأمر ويحتمل أن المراد بالنداء هنا الإقامة أي إذا سمعتم المؤذن يقول [ص:380] قد قامت الصلاة فقوموا
(حل عن عثمان) بن عفان وفيه أحمد بن يعقوب الترمذي أورده في اللسان عن ذيل الميزان وقال الدارقطني في العلل لا أعرفه ويشبه كونه ضعيفا والوليد بن سلمة قال الذهبي كذبه دحيم وغيره(1/379)
693 - (إذا سمعتم الرعد) أي الصوت الذي يسمع من السحاب قال القاضي كالزمخشري من الارتعاد قال التفتازاني أي أن الرعد من الارتعاد كما أن البرق من البريق ولو قال من الرعدة كان أنسب وقال الطيبي: لم يرد أن أصله منه لأن أصله من الرعدة بل أراد أن فيه معنى الاضطراب والحركة (فاذكروا الله) بأن تقولوا سبحان من يسبح الرعد بحمده أو نحو ذلك من المأثور أو ما في معناه (فإنه) أي الرعد يعني ما ينشأ عنه من المخاوف (لا يصيب) يعني لا يضر (ذاكرا) لله فإن ذكره حص حصين مما يخاف ويحذر بحيث لا يبالي معه بسطوة مخلوق ومن أسرقت أنوار الذكر على قلبه هابه كل مخلوق وخضع له كل مهول ولو أراد قود الجبال فضلا عن الرعد لانقادت له قال القاضي كالزمخشري والمشهور أن سببه أي الرعد اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها كما إذا جذبتها الريح فتصوت عند ذلك وفي القاموس الرعد صوت السحاب أو الملك الذي يسوقه
(طب عن ابن عباس) قال ابن حجر فيه ضعف وقال الهيتمي فيه يحيى بن كثير أبو النصر وهو ضعيف(1/380)
694 - (إذا سمعتم الرعد فسبحوا) أي قولوا سبحان الله وبحمده ونحو ذلك كما تقرر ويظهر أنه لا يقوم مقام التسبيح نحوه كما لا يقوم غير التكبير مقامه في الحريق وقوفا مع الوارد وللشرع أسرار يختص بعلمها (ولا تكبروا) أي الأولى إيثار التسبيح والحمد هنا لأنه الأنسب الراجي المطر وحصول الغيث وفي خبر ما يفيد أن التسبيح إنما يطلب حال عدم اشتداده فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد الرعد قال " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " قال الراغب: أصل التسبيح من السبح وهو سرعة الذهاب في الماء ثم استعير لجري النجوم (د في مراسيله عن عبيد الله بن أبي جعفر) البصري أبي بكر الفقيه مولى بني كنانة قيل اسم أبيه يساف بتحتية فمهملة تابعي ثقة ونقل عن أحمد أنه لينه كان فقيها عابدا أخرج له الجماعة(1/380)
695 - (إذا سمعتم أصوات الديكة) بكسر ففتح جمع ديك ويجمع قليلا على أدياك وكثيرا على ديوك (فسلوا الله من فضله) أي زيادة إنعامه عليكم (فإنها رأت) أي الديكة (ملكا) بفتح اللام نكرة إفادة للتعميم ويحتمل أن المراد الملك الذي في صورة ديك تحت العرش ويبعده تنكير الملك وذلك لأن للدعاء بمحضر من الملائكة مزايا منها أنها تؤمن على الدعاء وتستغفر للداعي وحضورها مظنة تنزيلات الرحمة وفيض غيث النعمة ويستفاد منه طلب الدعاء عند حضور الصالحين وقال سليمان عليه السلام: الديك يقول اذكروا الله يا غافلين (وإذا سمعتم نهيق الحمير) أي أصواتها زاد النسائي ونباح الكلب والمراد سماع واحد مما ذكر (فتعوذوا) ندبا (بالله من الشيطان) بأي صيغة كانت والأولى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فإنها) أي الحمير والكلاب (رأت شيطانا) وحضور الشيطان مظنة الوسوسة والطغيان وعصيان الرحمن فناسب التعوذ لدفع ذلك. قال الطيبي: لعل السر فيه أن الديك أقرب الحيوان صوتا إلى الذاكرين الله لأنها تحفظ غالبا أوقات الصلوات وأنكر الأصوات صوت الحمير فهو أقربها صوتا إلى من هو أبعد من رحمة الله وفيه أن الله خلق للديكة إدراكا تدرك به النفوس القديسة كما خلق للكلاب والحمير إدراكا تدرك به النفوس الشريرة الخبيثة ونزول الرحمة عند حضور الصلحاء والغضب عند حضور أهل المعاصي. [ص:381]
<تنبيه> أطلق هنا الأمر بالتعوذ عند نهيق الحمر فاقتضى أنه لا فرق في طلبه بين الليل والنهار وخصه في الحديث الآتي في الليل فإما أن يحمل المطلق على المقيد أو يقال خص الليل لأنه انتشار الشياطين فيه أكثر فيكون نهيق الحمير فيه أكثر فلو وقع نهارا كان كذلك
(حم ق د ت عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي في عمل يوم وليلة(1/380)
696 - (إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه) أي إذا أخبرتم مخبر بأن جبلا من جبال الدنيا تحول وانتقل عن محله الذي هو فيه إلى محل آخر (فصدقوا) يعني لا تكذبوا فإنه لا يخرج عن دائرة الإمكان (وإذا سمعتم برجل) التنكير للتعظيم أي جليل كامل في الرجولية فغيره أولى (زال عن خلقه) بضمتين أو بضم فسكون طبعه وسجيته بأن فعل خلاف ما يقتضيه وثبت عليه (فلا تصدقوا) به كذا هي ثابتة في رواية أحمد أي لا تعتقدوا صحة ذلك بخروجه عن الإمكان إذ هو بخلاف ما تقتضيه جبلة الإنسان ولذلك قال (فإنه يصير إلى ما جبل) بالبناء للمجهول أي طبع (عليه) يعني وإن فرط منه على سبيل الندرة خلاف ما يقتضيه طبعه فما هو إلا كطيف منام أو برق لاح وما دام وتأتي الطباع على الناقل وحال المنطبع كالجرح يندمل على فساد فلا بد وأن ينبعث عن فتق ولو بعد حين وكما أن العضو المفلوج لا يطاوع صاحبه في تحريكه وإن جاهده فمتى يحركه إلى اليمين تحرك نحو الشمال فكذا المتطبع وإن جاهد نفسه فإن قواه تأبى مطاوعته وهذا الخبر صريح في أن حسن الخلق لا يمكن اكتسابه لكنه منزل على تعبير القوة نفسها التي هي السجية لا على أساسها. قال الراغب: الطبع أصله من طبع السيف وهو إيجاد الصورة المخصوصة في الحديد وكذا الطبيعة والغريزة لما غرز عليه وكل ذلك اسم للقوة التي لا سبيل إلى تغييرها والسجية اسم لما يسجى عليه الإنسان وأكثر ما يستعمل ذلك كله فيما لا يمكن تغييره لكن الخلق تارة يقال للقوة الغريزية وهو المراد هنا وتارة جعل اسما للحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء وتارة يجعل الخلق من الخلاقة أي الملابسة وكأنه اسم مأمون عليه الإنسان من العادة وهو الذي يقال باكتسابه فجعل الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل بلا فكر ومرة اسما للفعل الصادر عنه باسمه وعلى ذلك أسماء أنواعها من نحو عفة وعدالة وشجاعة فإن ذلك يقال للهيئة والفعل جميعا
(حم) من حديث الزهري (عن أبي الدرداء) قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الطيبي ما يكون الذي يحدث من الحوادث أهو شيء مقضي أو شيء يتجدد آنفا ومن قال فإنه يصير إلخ يعني الأمر على ما قدر وسبق حتى العجز والكيس فإذا سمعتم أن الرجل الكيس يصير بليدا أو بالعكس وأن العاجز يرجع قويا وعكسه فلا تصدقوا به وضرب بزوال الجبل مثلا تقريبا للأفهام فإن هذا ممكن الزوال بالخلق المقدر عما كان في القدر قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء وقال السخاوي: حديث منقطع وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته(1/381)
697 - (إذا سمعتم من يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه) أي قولوا له اعضض بظر أمك (ولا تكنوا) عن ذلك بما لا يستقبح فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر زجرا له عن فعله الشنيع وردعا له عن قوله الفظيع
(حم ن حب طب والضياء) المقدسي (عن أبي) ابن كعب وفي الباب وغيره أيضا(1/381)
698 - (إذا سمعتم نباح الكلاب) بضم النون وكسرها صياحه (ونهيق الحمير) صوتها جمع حمار والنهاق بضم النون (بالليل) [ص:382] خصه لأن انتشار الشياطين والجن فيه أكثر وكثرة فسادهم فيه أظهر فهو بذلك أجدر وإن كان النهار كذلك في طلب التعوذ (فتعوذوا بالله) ندبا (من الشيطان فإنهن يرين) من الجن والشياطين (ما لا ترون) أنتم يا بني آدم فإنهم مخصوصون بذلك دونكم (وأقلوا الخروج) من منازلكم (إذا هدأت) بالتحريك سكنت ففي القاموس هدأ كمنع: سكن (الرجل) بكسر فسكون أي سكن الخلق عن المشي بأرجلهم في الطرق (فإن الله عز وجل يبث) يفرق وينشر (في ليله من خلقه ما يشاء) من إنس وجن وشياطين وهوام وغيرها فمن أكثر الخروج حين ذاك لغير غرض شرعي أوشك أن يحصل له أذى لمخالفته للمشروع. قال الطيبي: وقوله ما يشاء مفعول لقوله يبث وهو عام في كل ذي شر ومن خلقه بيان مات (وأجيفوا الأبواب) أغلقوها (واذكروا اسم الله عليها فإن الشياطين لا تفتح بابا أجيف) أي أغلق (وذكر اسم الله عليه) يعني لم يؤذن لهم في ذلك من قبل مخالفتهم (وغطوا الجرار) جمع جرة وهو إناء الماء المعروف (وأوكثوا) بالقطع والوصل كما في القاموس وكذا ما بعده (القرب) جمع قربة وهو وعاء الماء (وأكفئوا الآنية) جمع إناء أي اقلبوها لئلا يدب عليها شيء أو تتنجس
(حم خد د حب ك عن جابر) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال البغوي حديث حسن(1/381)
699 - (إذا سمعتم) أيها المؤمنون الكاملون الإيمان الذي استضاءت قلوبهم من مشكاة النبوة (الحديث عني تعرفه قلوبكم) أي تقبله وتشهد بحسنه (وتلين له أشعاركم) جمع شعر (وأبشاركم) جمع بشرة (وترون) أي تعلمون (أنه منكم قريب) أي قريب إلى أفهامكم وأحكام دينكم ولا يأبى قواعد علومكم أيها المتشرعة (فأنا أولاكم به) أحق به في القبول المؤدي إلى العمل بمقتضاه لأن ما أفيض على قلبي من المعارف وأنوار اليقين أكثر من بقية الأنبياء فضلا عنكم (وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه) لما ذكر ولذلك جزم أئمتنا الشافعية بأن كل حديث أوهم باطلا ولم يقبل التأويل فمكذوب عليه لعصمته أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه وذلك أن الله بعث رسله إلى خلقه لبيان الأمور ومعرفة التدبير وكيف وكم وكنه الأمور عنده مكنون فأفشى منه إلى الرسل ما لا يحتمله عقول غيرهم ثم منهم إلى العلماء على قدر طاقتهم ثم إلى العامة على قدر حالهم فالعلم بحر يجري منه واد ثم من الوادي نهر ثم من النهر جدول فساقية فلو جرى إلى ذلك الجدول لغرقه ولو مال البحر على الوادي لأفسده فمن تكلم بشيء من الهدى فالرسول سابق له وإن لم يتكلم بذلك اللفظ فقد أتى بأمثلة مجملة فلهذا كان أولى فإذا كان الكلام غير منكر عند العلماء العاملين فهو قول الرسول وإذا كان منكرا عندهم فليس قوله وإن روى عنه فلخطأ أو سهو من بعض الجهلة أو وضع من بعض الزنادقة أو الجهلة وذلك لأنه إذا وقع ذكر الحق على القلب التقى نوره ونور اليقين فامتزجا واطمأن القلب فيعلم أنه حق وإذا وقع عليه باطل لاقت ظلمته القلب المشرق بنور اليقين فينفر النور ولم يمتزج معه فاضطرب القلب وجاش. ففرق ما بين كلام النبوة وكلام غيرهم لائح واضح عند العلماء بالله وبأحكامه العاملين عليها. وأخرج ابن سعد عن الربيع ابن خيثم قال: إن من الحديث [ص:383] حديثا له ضوء كضوء النهار تعرفه وإن منه حديثا له ظلمة كظلمة الليل تنكره أما المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عن الله بالظلمات والكدورات فأجنبي من هذا المقام
<تنبيه> أفاد الخبر أن بعض المنسوب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من المقطوع بكذبه وعلى ذلك جرى صحبنا في الأصول فقالوا: وما فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله من المقطوع بكذبه لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجوز العقل صدق ناقله
(حم ع) وكذا البزار (عن أبي أسيد بضم الهمزة بضبط المؤلف كذا وقفت عليه في مسودته والصواب خلافه ففي أسد الغابة أبو أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها قال والصواب الفتح قاله أبو عمر انتهى. وكان ينبغي للمؤلف تمييزه فإنه في الصحب متعدد منهم أبو أسيد بن ثابت الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري وهو المراد أو أبي حميد) شك الراوي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح انتهى وزعم أنه معلول خطأ فاحش ورواه الحكيم عن أبي هريرة بلفظ إذا حدثتم بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف قال الحكيم فمن تكلم بشيء بعد الرسول من الحر فالرسول سابق إلى ذلك القول وإن لم يكن تكلم لأنه جاء بالأصل والأصل مقدم على الفرع فجاء بالأصل وتكلم من بعده بالفرع قال وهذا في الكامل أما المخلط المكب على الشهوات المحجوب عن الله فليس هو المعني بهذا الحديث لأن صدره مظلم فكيف يعرف الحق فالمخاطب من كان طاهر القلب عارفا بالله حق معرفته الذي تزول بدعائه الجبال(1/382)
700 - (إذا سمعتم بالطاعون) فاعول قال في النهاية وهو المرض العام والوباء الذي يفسد به الهوى فتفسد به الأمزجة (بأرض) أي بلغكم وقوعه ببلد ومحلة. قال الطيبي: الباء الأولى زائدة على تضمن سمعتم معنى أخبرتم وبأرض حال (فلا تدخلوا عليه) أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه تهور وجرأة على خطر وإيقاع النفس في معرض التهلكة والعقل يمنعه والشرع يأباه قال القاضي: وفيه النهي عن استقبال البلاء لما ذكر (وإذا وقع وأنتم بأرض) أي والحال أنكم فيها (فلا تخرجوا منها فرارا) أي بقصد الفرار منه يعني يحرم عليكم ذلك لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه ولتظهر مزية هذه الأمة على من تقدمهم من الأمم الفارين منه بما يكون من قوة توكلهم وثبات عزمهم كما أظهر الله مزيتهم بما آتاهم من فضله ورحمته التي ينور بها قلوبهم فزعم أن النهي تعبدي قصور قال التاج السبكي مذهبنا وهو الذي عليه الأكثر أن النهي عن الفرار للتحريم أما لو لم يقصد الفرار كأن خرج لحاجة فصادف وقوعه فلا يحرم وكذا لو خرج لحاجة وله على ما بحثه بعض الشافعية واستدل البخاري به على بطلان الحيل قالوا: وهو من دقة فهمه فإنه إذا نهى عن الفرار من قدر الله إذا نزل رضي بحكمه فكيف الفرار من أمره ودينه إذا نزل
(حم ق ن عن عبد الرحمن بن عوف عن أسامة بن زيد) وفي الحديث قصة عند الشيخين وغيرهما وهي أن عمر خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرع لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء واقع بالشام فقال عمر لابن عباس ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر فلا نرى أن ترجع وقال بعضهم معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدم عليه قال ارتفعوا عني ثم دعا الأنصار فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين فقال ارتفعوا ثم قال ادع لي من هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم فلم يختلف عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس فنادى إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه [ص:384] فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قضاء الله فجاء ابن عوف وكان متغيبا فقال إن عندي من هذا علما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره(1/383)
701 - (إذا سمعتم بقوم) في رواية بركب وفي أخرى بجيش (قد خسف بهم) أي غارت بهم الأرض وذهبوا فيها ويحتمل أنهم جيش السفياني ويحتمل غيره (ههنا قريبا) أي بالبيداء اسم مكان بالمدينة (فقد أظلت الساعة) أي أقبلت عليكم ودنت منكم كأنها ألقت عليكم ظلة يقال أظلك فلان إذا دنا منك وكل شيء دنا منك فقد أظلك. قال الزمخشري: ومن المجاز أظل الشهر والشتاء وأظلكم فلان أقبل وفيه دليل للذاهبين إلى وقوع الخسف في هذه الأمة وتأويل المنكرين بأن المراد خسف القلوب يأباه ظاهر الحديث وإن أمكن في غيره
(حم ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (طب عن بقيرة) بضم الموحدة وفتح القاف بضبط المؤلف تصغير بقرة (الهلالية) امرأة القعقاع قالت إني جالسة في صفة النساء فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يشير بيده اليسرى ويقول يا أيها الناس إذا سمعتم إلخ وقد رمز لحسنه وهو كما قال إذ غاية ما فيه أن فيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس. قال الهيتمي: وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح(1/384)
702 - (إذا سمعتم المؤذن) أي أذانه بأن فسرتم اللفظ فلو رآه على المنارة في الوقت أو سمع صوتا وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع ألفاظه لنحو بعد أو صمم لم تشرع الإجابة كما مر (فقولوا) ندبا (مثل ما يقول) أي شبهه في مجرد القول لا الصفة كما مر (ثم) بعد فراغ الإجابة (صلوا علي) ندبا وصرفه عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة والعطف على ما ليس بواجب ليس بواجب على الصحيح ودلالة الاقتراب على مقابله (فإنه) أي الشأن (من صلى علي صلاة) أي مرة بقرينة المقام مع ما ورد مصرحا به (صلى الله عليه بها) أي بالصلاة (عشرا) رتبها على الأولى لأنها من أعظم الحسنات و {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وروى أحمد عن ابن عمر موقوفا: من صلى علي واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين وهذا في حكم الرفع ولعله أكبر أو لا بالقلبل ثم زيد فأخبر به (ثم سلوا الله لي الوسيلة) مر معناها لغة لكنه فسرها بقوله (فإنها منزلة في الجنة) سميت به لأن الواصل إليها يكون قريبا من الله (لا ينبغي) أي لا يليق إعطاؤها (إلا لعبد) أي عظيم كما يفيده التنكير (من عباد الله وأرجو) أي أؤمل (أن أكون أنا هو) أي أنا ذلك العبد وذكره على طريق الترجي تأدبا وتشريعا لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون ذلك المقام. قال الطيبي: قيل إن هو: خبر كان وضع بدل إياه ويحتمل أن لا يكون أنا للتأكيد بل مبتدأ وهو خبر والجملة خبر أكون ويمكن أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة: أي أن أكون أنا ذلك العبد (فمن سأل) الله (لي) من أمتي (الوسيلة) أي طلبها لي (حلت عليه الشفاعة) أي وجبت وجوبا واقعا عليه أو نالته ونزلت به سواء كان صالحا أو طالحا. فالشفاعة تكون لزيادة الثواب وإسقاط العقاب ففيه حجة على المعتزلة حيث خصوها بالصالح لزيادة الثواب وفي الإتحاف قوله حلت عليه الشفاعة أي غشيته وجللته وليس المراد أنها كانت حراما ثم حلت له
(حم م 3 عن ابن عمرو) بن العاص(1/384)
[ص:385] 703 - (إذا سميتم فعبدوا) بالتشديد بضبط المصنف: أي إذا أردتم تسمية نحو ولد أو خادم فسموه بما فيه عبودية لله تعالى كعبد الله وعبد الرحمن لأن التعليق بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة والاسم مقتض لمسماه فيكون عبد الله وقد عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل كونها لغيره
(الحسن بن سفيان) النسوي الحافظ صاحب المسند والأربعين ثقة تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه. قال ابن حجر: كان عديم النظير وهذا الحديث رواه في مسنده عن أبي زهير وفيه شيخ مجهول (والحاكم في) كتاب (الكنى) ومسدد وأبو نعيم وابن منده في الصحابة (طب عن أبي زهير) بن معاذ بن رباح (الثقفي) بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف كرغيف قبيلة مشهورة واسمه معاذ ويقال عمار قال الهيتمي وفيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف جدا أه وجزم شيخه العراقي بضعفه. وقال في الفتح في إسناده ضعف(1/385)
704 - (إذا سميتم فكبروا) ندبا قال في الفردوس (يعني) قولوا (على الذبيحة) عند الذبح باسم الله والله أكبر ثلاثا. وفيه طلب التسمية عند الذبح فيقول بسم الله ولا يزيد الرحمن الرحيم لعدم مناسبته للذبح وهي سنة مؤكدة عند الشافعي وأوجبها غيره تمسكا بظاهر آية {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} قلنا المراد به ما ذبح للأصنام بدليل {فإنه رجس} ثم إن ما ذكر من الأمر بالتكبير مع التسمية خاص بالأضحية دون غيرها لأن وقت الأضحية وقت التكبير بخلاف غيرها نص على ذلك الشافعي رضي الله تعالى عنه
(طس عن أنس) قال الهيتمي فيه عثمان القرشي وهو ضعيف ومحمد بن حمران وفيه مقالة(1/385)
705 - (إذا سميتم) الولد من أولادكم أو نحوهم (محمدا فلا تضربوه) في غير حد أو تأديب (ولا تحرموه) من البر والإحسان إكراما لمن تسمى باسمه <فائدة> نقل الأذرعي عن بعض حنابلة عصره أنه أفتى بمنع اليهود والنصارى من التسمية بمحمد أو أحمد أو أبي بكر أو عمر أو الحسن أو الحسين ونحوهما وأن بعض ضعفاء الشافعية تبعه ثم قال ولا أدري من أين لهم ذلك وإن كانت النفس تميل إلى المنع من الأولين خوف السب والسخرية وفيه شي فإن من اليهود من تسمى بعيسى والنصارى بموسى ولم ينكروا على ممر الزمان وأما غير ذلك - أي من الأسماء - فلا أدري له وجها نعم روي أن عمر نهى نصارى الشام أن لا يكتنوا بكنى المسلمين ويقوي ذلك فيما تضمن مدحا وشرفا كأبي الفضل والمحاسن والمكارم والمحبة أنهم إن سموا بمعظم عندنا دونهم فإن قامت قرينة على نحو استهزائهم أو استخفافهم بنا منعوا وإلا كأن سموا أولادهم فلا لاقتضاء العادة بأن الإنسان لا يسمي ولده إلا بما يحب
(البزار) في مسنده عن غسان بن عبيد عن يوسف بن نافع عن أبي الموال عن ابن أبي رافع (عن) أبيه (أبي رافع) إبراهيم أو أسلم أو صالح القبطي مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أولا للعباس. قال الهيتمي رواه البزار عن شيخه غسان بن عبيد وثقه ابن حبان وفيه ضعف(1/385)
706 - (إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه) أي وقروه وعظموه (وأوسعوا له في المجلس) عطف خاص على عام للاهتمام (ولا تقبحوا له وجها) أي لا تقولوا له قبح الله وجهك ولا تنسبوه إلى القبح في شيء من أقواله وأفعاله وكنى بالوجه عن الذات <فائدة> أخرج ابن عدي عن جابر مرفوعا: ما أطعم طعاما على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدموا كل يوم مرتين وأخرج الطرائفي وابن الجوزي عن علي مرفوعا: ما اجتمع قوم قط في مشورة فيهم رجل اسمه محمد [ص 386 [لم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم فيه
(خط) في ترجمة محمد العلوي (عن علي) ورواه عنه أيضا الحاكم في تاريخه والديلمي(1/385)
707 - (إذا شرب أحدكم) الماء كما يدل عليه قوله في حديث: إذا شربتم الماء ويلحق به غيره من المائع كلبن وعسل (فليتنفس) ندبا (في) داخل (الإناء) فيكره لأنه يقذره ويغير ريحه (وإذا أتى الخلاء) أي المحل الذي تقضى فيه الحاجة (فلا يمس) الرجل (ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى حال قضاء الحاجة ولا تمس المرأة فرجها بيمينها فيكره ولو خلق له ذكران أو فرجان تعلقت الكراهة بهما وإن تحققت زيادة أحدهما كما اقتضاه إطلاقه (ولا يتمسح بيمينه) أي لا يستنجي بها فيكره عند الجمهور كما مر أما التمسح بها بأن يجعلها مكان الحجر فيزيل بها النجاسة فحرام (فإن قلت) ما المناسبة بين تعليمه آداب الشرب وآداب قضاء الحاجة (قلت) وجهه أن الإنسان إذا شرب بال ما شربه فاحتاج إلى مس الفرج حال خروجه فلما ذكر حكم المدخل ناسب ذكر حكم المخرج
(خ ت عن أبي قتادة) ظاهره أنه لم يروه من الستة غيرهما ولا كذلك فقد قال المناوي رواه الجماعة كلهم عن أبي قتادة واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري(1/386)
708 - (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء) عام في كل إناء فإنه يقذره فتعافه النفس ولأنه من فعل البهائم فمن فعله فقد تمثل بهم قال العراقي: فالنهي محمول على الكراهة لا التحريم اتفاقا والمراد به أن يتنفس في أثناء شربه من الإناء من غير أن يرفع فمه عنه (فإذا أراد أن يعود) إلى الشرب (فلينح الإناء) أي يزيله ويبعده عن فيه ثم يتنفس (ثم ليعد) بعد تنحيته (إن كان يريد) المزيد ولا ينافيه خبر: كان إذا شرب تنفس ثلاثا لأنه كان يتنفس خارج الإناء
(هـ) من رواية الحارث بن أبي ذئاب عن عمه (عن أبي هريرة) رمز المؤلف لحسنه(1/386)
709 - (إذا شرب أحدكم فليمص) ندبا (الماء مصا) مصدر مؤكد لما قبله: أي ليأخذه في مهلة ويشربه شربا رفيقا (ولا يعب عبا) أي لا يشرب بكثرة من غير تنفس. قال الزمخشري: ومن المستعار قوله لمن مر في كلامه فأكثر قد عب عبابة (فإن الكباد) كغراب وجع الكبد وكسحاب الشدة والضيق والأول هو المراد ولا يصح إرادة الثاني إلا بتكلف (من العب) بفتح المهملة قال ابن القيم: المراد وجع الكبد وقد علم بالتجربة أن هجوم الماء دفعة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها بخلاف وروده بالتدريج ألا ترى أن صب الماء البارد على القدر وهي تفور يضر وبالتدريج لا؟ ومن آفات النهل دفعة أن في أول الشرب يتصاعد البخار الدخاني الذي يغشى الكبد والقلب لورود البارد عليه فإذا شرب دفعة وافق نزول الماء صعود البخار فيتصادمان ويتدافعان فيحدث منه أمراض رديئة
(ص وابن السني حل في) كتاب (الطب) النبوي (هب) كلهم (عن ابن أبي حسين مرسلا) هو عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحارث المكي النوفلي ثقة خرج له الجماعة(1/386)
710 - (إذا شربتم الماء فاشربوه مصا ولا تشربوه عبا فإن العب يورث الكباد) أي يتولد منه وجع الكبد لأن مجمع [ص:387] العروق عند الكبد ومنه ينقسم إلى العروق وإذا شربتم عبا في دفعة واحدة صبا لا مصا لم تحتمله العروق ويتولد منه السدد فيصير خاما فيقوي البلغم ويورث ذلك كسلا عن القيام بأعباء العبادة وهذا من محاسن حكته والمص شرب في مهلة والعب تتابع الشرب من غير تنفس
(فر عن علي) وفيه محمد بن خلف قال ابن المناوي فيه لين عن موسى المروزي قال الذهبي عن الدارقطني: مترروك لكن يتقوى بما قبله(1/386)
711 - (إذا شربتم فاشربوا مصا وإذا استكتم فاستاكوا عرضا) بفتح فسكون أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولا لأنه يدمي اللثة ويفسد عمود الأسنان لكنه يجزئ ولا يكره في اللسان لخبر أبي داود ولفقد العلة
(د في مراسيله عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وخفة الموحدة واسم أبي رباح أسد القرشي مولاهم المكي فقيه ثقة (مرسلا) رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان فيه محمد بن خالد لا يعرف وفاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمدا هذا وثقه ابن معين وابن حبان والحديث ورد من طريق للبغوي والعقيلي والطبراني وابن عدي وابن منده وغيرهم بأسانيد قال ابن عبد البر فيها اضطراب لكن اجتماعها أحدث قوة صيرته حسنا(1/387)
712 - (إذا شربتم اللبن) أي فرغتم من شربه (فتمضمضوا) إرشادا أو ندبا بالماء (منه) أي من أثره وفضلته وعلل ذلك بقوله (فإن له دسما) وقيس باللبن المضمضة من ذي دسم بل أخذ من مضمضته صلى الله عليه وسلم من السويق ندبها في غير ما له دسم أيضا إذا كان يعلق منه شيء بين الأسنان أو نواحي الفم وذكر بعض الأطباء أن بقايا اللبن يضر باللثة والأسنان وللمضمضة عند الأكل وشرب غير الماء فوائد دينية منها سلامة الأسنان من الحفر ونحوه إذ بقايا المأكول يورثه وسلامة الفم من البخر وغير ذلك والصارف للأمر بالمضمضة هنا عن الوجوب ما رواه الشافعي عن ابن عباس أنه شرب لبنا فمضمض فمه ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أنس أنه عليه السلام شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديثنا ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج لدعوى النسخ
(هـ عن أم سلمة) بفتح السين واللام وهي أم المؤمنين رمز لحسنه فأوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح فقد قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه إسناده صحيح وأطال في تقريره وبيان حال رجاله واحدا واحدا وأنهم موثقون ورواه مسلم من حديث ابن عباس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ثم دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسما(1/387)
713 - (إذا شهدت إحداكن العشاء) أي أرادت حضور صلاتها مع الجماعة بنحو مسجد. وفي رواية مسلم بدل العشاء المسجد (فلا تمس طيبا) من طيب النساء قبل الذهاب إلى شهودها أو معه لأنه سبب للافتتان بها بخلافه بعده في بيتها وفيه إشعار بأنهن كن يحضرن العشاء مع الجماعة ولجواز شهودهن العشاء مع الجماعة شروط مرت وتخصيص العشاء ليس لإخراج غيرها بل لأن تطيب النساء إنما يكون غالبا في أول الليل قال ابن دقيق العيد: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة (فإن قلت) فلم اقتصر في الحديث على الطيب (قلت) لأن الصورة أن الخروج ليلا والحلي وثياب الزينة مستورة بظلمته وليس لها ريح يظهر فإن فرض ظهوره كان كذلك (فإن قلت) فلم نكر الطيب (قلت) ليشمل كل نوع من الأطياب التي يظهر ريحها. فإن ظهر لونه وخفي ريحه فهو كثوب الزينة فإن فرض أنه لا يرى لكونها متلففة وهي في ظلمة الليل [ص:388] احتمل أن لا تدخل في النهي
(حم ن عن زينب) بنت معاوية أو أبي معاوية بن عثمان (الثقفية) امرأة عبد الله بن مسعود صحابية. قال الكلاباذي: اسمها رائطة المعروفة بزينب(1/387)
714 - (إذا شهدت أمة من الأمم وهم أربعون فصاعدا) أي فما فوق ذلك أي شهدوا للميت بالخير وأثنوا عليه وليس المراد الشهادة عند قاض ولا الإتيان بلفظ أشهد بخصوصه (أجاز الله تعالى شهادتهم) أي نفذها ومضاها وصيره مع أهل الخير وحشره معهم ولا يتجه أن يقال معنى شهدت حضرت من الشهود الحضور للصلاة عليه لأنه لا يلائمه قول أجاز شهادتهم إذ يصير المعنى أجاز حضورهم. قال النيسابوري: وحكمة الأربعين أن لم يجتمع أربعون إلا ولله فيهم عبد صالح ولا ينافي ذلك رواية مئة لاحتمال أنه أوحي إليه بقبول شهادة مئة فأخبر به ثم بأربعين على أنه لا يلزم من الأخبار بقبول شهادة المئة منع قبول ما دونها بناء على أن مفهوم العدد غير حجة. وهو رأي الجمهور (تتمة) روى ابن عساكر عن عمرو بن العلاء لما دلى الأحنف في حفرته أقبلت بنت لأوس بن مغراء على راحلتها وهي عجوز فوقفت عليه وقالت من الموافي به حفرته لوقت حمامه؟ قالوا الأحنف قالت ليت كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته ثم قالت لله درك من محسن في حنن مدرج في كفن نسأل الله الذي ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك ويغفر لك يوم حشرك ثم قالت أيها الناس: إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لحسن الثناء أما والذي رفع عملك عند انقضاء أجلك لقد عشت مودودا حميدا ومت سعيدا فقيدا ولقد كنت عظيم الحلم فاضل السلم رفيع العماد واري الزناد منيع الحريم سليم الأديم عظيم الرماد قريب البيت من الناد فرحمنا الله وإياك
(طب والضياء) المقدسي (عن والد أبي المليح) اسم الوالد أسامة بن عمير وهو صحابي واسم أبي المليح عامر. قال الهيتمي: وفيه صالح بن هلال مجهول على قاعدة أبي حاتم أي دون غيره ففي تجهيله خلف فالأوجه تحسين الحديث(1/388)
715 - (إذا شهر المسلم على أخيه) في النسب أو الدين (سلاحا) أي انتضاه من غمده وهوى إليه به لقتله ظلما (فلا تزال الملائكة تلعنه) أي تدعو عليه بالطرد والبعد عن الرحمة إن استحل ذلك وإلا فالمراد بلعنها إياه سبه وشتمه والدعاء عليه بالإبعاد عن منازل الأبرار (حتى) أي إلى أن (يشيمه) بفتح المثناة تحت وكسر المعجمة أي يغمده والشيم من الأضداد يكون سلا ويكون إغمادا (عنه) وهذا في غير العادل مع الباغي فللإمام وحزبه قتال البغاة بشرطه وفي غير دفع الصائل فللمصول عليه الدفع عن نفسه بالأخف وإن أفضى إلى قتل الصائل هدر والسلاح كل نافع في الحرب وتقييده بالأخ المسلم يؤذن بأن من له ذمة أو عهد وأمان ليس كذلك وهو غير مراد لكنه أخف
(البزار) في مسنده (عن أبي بكرة) بسكون الكاف وقد تفتح. قال الهيتمي: فيه سويد بن إبراهيم ضعفه النسائي ووثقه أبو زرعة وفيه لين. أه ومن ثم رمز المصنف لحسنه(1/388)
716 - (إذا صلى أحدكم فليصل صلاة مودع) أي إذا شرع في الصلاة فليقبل على الله بشراشيره ويدع غيره لمناجاته ربه ثم فسر صلاة المودع بقوله (صلاة من لا يظن أنه يرجع) أي يعود (إليها أبدا) أي دائما فإنه إذا استحضر [ص:389] ذلك كان باعثا على قطع العلائق والتلبس بالخشوع الذي هو روح الصلاة ومن أيقن بقدومه على عظيم شديد الانتقام ذي القدرة والكمال فجدير بأن يلازم غاية الأدب والصلاة صلة العبد بربه فمن تحقق بالصلة لمعت له طوالع التجلي فيخشع ويصلي صلاة مودع وقد شهد القرآن بفلاح الخاشعين {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} أي خائفون من الله متذللون يلزمون أبصارهم مساجدهم. وعلامة ذلك أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يجاوز بصره محل سجوده. وقد صلى بعضهم في جامع فسقطت ناحية منه فاجتمع الناس عليها ولم يشعر. فليقبل العبد على ربه ويستحضر بين يدي من هو واقف؟ وكان مكتوبا في محراب: أيها المصلي من أنت؟ ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت؟ ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك؟ ومن ينظر إليك؟
(فر عن أم سلمة) وفي إسناده ضعف لكن له شواهد واقتصاره على الديلمي يؤذن بأنه لم يخرجه أحد من الستة وهو عجب فقد خرجه ابن ماجه من حديث أبي أيوب ورواه الحاكم والبيهقي(1/388)
717 - (إذا صلى أحدكم) غير صلاة الجنازة (فليبدأ بتحميد الله تعالى) وفي رواية يبدأ بتحميد ربه سبحانه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله (والثناء عليه) أي بما يتضمن ذلك والحمد الثناء بالجميل على جهة التمجيد والتحميد حمدا لله مرة بعد أخرى والثناء بالفتح والمد: فعل ما يشعر بالتعظيم قال بعضهم: وأريد به بطلب المحامد هنا التشهد أي ابتداء التشهد بالتحيات (ثم ليصل على النبي) صلى الله عليه وسلم: يريد أن يجعله خاتمة تشهده (ثم ليدع) ندبا (بعد) أي بعد ما ذكر (بما شاء) من دين أو دنيا مما يجوز طلبه وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم إلخ وفيه تعليم الجاهل وذم العجلة والإسراع في الصلاة ووجوب التشهد الأخير والقعود له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كذا استدل به جمع منهم ابن خزيمة وابن حزم ومن ثم قطع به الشافعي مخالفا لأبي حنيفة ومالك في قولهما بعدم الوجوب ونزاع ابن عبد البر وغيره في الاستدلال بأن في سنده مقالا وبأنه لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته: رد الأول بأن أربعة من أعلام الحفاظ صححوه: الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد ورد من طريق آخر أخرجه الحاكم. قال الحافظ ابن حجر بإسناد قوي عن ابن مسعود قال يتشهد الرجل ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه والثاني باحتمال أن يكون ذلك وقع عند فراغه ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب. قال ابن حجر: وهذا أقوى شيء يحتج به الشافعي على وجوب الصلاة عليه في التشهد وفيه جواز الدعاء في الصلاة بديني أو دنيوي لقوله بما شاء
(ت حب ك هق عن فضالة) بفتح الفاء (ابن عبيد) بن نافل بن قيس الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله إلخ فذكره قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن صحيح(1/389)
718 - (إذا صلى أحكم) فرضا أو نفلا أي أراد الصلاة (فليصل إلى سترة) من نحو سارية أو عصى ولو أدق من رمح فإن فقد ما ينصبه بسط مصلى كسجادة فإن لم يجد خط خطا طولا وخص من إطلاق السترة ما نهى عن استقباله من آدمي ونحوه (وليدن من سترته) بحيث لا يزيد وأما بينه وبينها على ثلاثة أذرع وكذا بين الصفين (لا يقطع) بالرفع على الاستئناف والنصب بتقدير لئلا ثم حذفت لام الجر وأن الناصبة والكسر لالتقاء الساكنين على أنه جواب الأمر [ص:390] وهو: وليدن (الشيطان) أي المار: سمي شيطانا لأن فعله فعل الشيطان لإتيانه بما يشوش على المصلي أو لأن الحامل له على ذلك الشيطان وقيل الشيطان نفسه هو المار والشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي المار ومن تعقب ذلك لم يأت بطائل (عليه صلاته) يعني ينقصها بشغل قلبه بالمرور بين يديه وتشويشه فليس المراد بالقطع البطلان وفيه تحريم المرور بين يدي المصلي إذا جعل له سترة ومحله إن لم يقصر وإلا كأن وقف بالطريق فلا حرمة بل ولا كراهة كما في الكفاية ولو صلى بلا سترة أو تباعد عنها أو لم تكن السترة بالنعت المذكور فلا حرمة لتقصيره لكنه خلاف الأولى أو مكروه وفيه تنبيه على عظمة الصلاة واحترام المصلي لأنه مناج ربه <تنبيه> ثبت في الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الاسطوانة ووقع في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وراء الصندوق وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه قال ابن حجر: والاسطوانة المذكورة حقق بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة الكريمة وأنها تعرف باسطوانة المهاجرين. قال وروي عن عائشة أنها قالت: لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها
(حم د ن حب ك عن سهيل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة عبد الله وقيل عامر بن ساعدة الأوسي صحابي صغير قبض المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان لكنه حفظ عنه قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر اختلف في إسناده وهو حسن(1/389)
719 - (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر) أي سنته (فليضطجع) ندبا وقيل وجوبا (على جنبه الأيمن) أي يضع جنبه الأيمن على الأرض وحكمة الاضطجاع ألا يتوهم أن الصبح رباعية وكونه على اليمين أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة. قال العراقي: ولا تحصل أصل سنة الاضطجاع بكونه على اليسار بلا عذر ولو لم يمكن فصل بكلام أو تحول. وأوجب ابن حزم هذه الضجعة وأبطل الصلاة بتركها وانتصر له في مجلد ضخم وهو من تفرداته وعدها بعضهم بدعة وأنكرها ابن مسعود وقال النخعي ضجعة الشياطين وحمل على أنه لم يبلغهما الأمر بفعلها
(د ت حب عن أبي هريرة) قال الترمذي حسن غريب وقال ابن القيم باطل إنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي أسانيده صحيحة وقال غيره إسناد أبي داود على شرط الشيخين(1/390)
720 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلي) ندبا (بعدها شيئا) يعني لا يصلي سنتها البعدية (حتى يتكلم) بشيء من كلام الآدميين ويحتمل الإطلاق (أو يخرج) من محل الجمعة والمراد حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج من محل إقامتها إلى نحو بيته فيندب حينئذ أن يصلي ركعتين أو أربعا فإن حكمها في الراتبة كالظهر فيما قبلها وبعدها وكالجمعة غيرها من كل فرض ففي أبي داود بسند - قال ابن حجر - منقطع عن المغيرة مرفوعا: لا يصلي الإمام في الموضع الذي يصلي فيه حتى يتحول. وروى ابن أبي شيبة بإسناد - قال ابن حجر - عن علي: من السنة ألا يتطوع الإمام في الموضع حتى يتحول عن مكانه وروى ابن قدامة عن أحمد أنه كرهه والمعنى فيه خشية التباس النفل بالفرض فأرشد في الحديث إلى طريق الأمن من الالتباس (فإن قيل) إذا كان غير الجمعة مثلها فلم خصها؟ (قلت) هذا خرج جوابا تعليما لرجل رآه يصلي عقب الجمعة فليس للتخصيص
(طب عن عصمة) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية (ابن مالك) الأنصاري الخطمي قال الذهبي كابن الأثير وغلط ابن منده في جعله خثعميا رمز المؤلف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيتمي وغيره الفضل ابن المختار ضعيف جدا(1/390)
721 - (إذا صلى أحدكم) أي أراد أن يصلي (فليلبس نعليه) أي فليصل بهما بدليل رواية البخاري كان يصلي في نعليه [ص:391] وهو محمول عند الجمهور على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة قال ابن دقيق العيد: وهذا من الرخص لا من المستحبات وذهب بعض السلف إلى أن النعل المتنجسة تطهر بدلكها بالأرض وتصح الصلاة فيها وهو قول قديم للشافعي ومن يرى خلافه أوله بما ذكر (أو ليخلعهما) أي ينزعهما وليجعلهما ندبا (بين رجليه) إذا كانتا طاهرتين أو بعد دلكهما بالأرض على القول به (ولا يؤذي) ناهية وإثبات حرف العلة إما لغة أو الجزم مقدر وهو خبر بمعنى النهي بهما (وغيره) وضعهما أمام غيره أو عن يمينه أو يساره وما ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع نعليه عن يساره حمل على أنه كان منفردا وفيه المنع من أذى الآدمي وإن قل التأذي
(ك عن أبي هريرة) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه أيضا أبو داود(1/390)
722 - (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل) ندبا (بعدها أربعا) ولا يناقضه رواية الركعتين لأن النصين محمولان على الأقل والأكمل كما يصرح به قول التحقيق أنها في ذلك كالظهر وقوله في شرح مسلم: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم لها أربعا أكثر تعقبه العراقي بأنه لا دليل له ومذهب الشافعية أنها كالظهر يسن قبلها أربع وبعدها أربع والمؤكد من ذلك ركعتان قبل وركعتان بعد قال العراقي ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها
(حم م ن عن أبي هريرة) الدوسي(1/391)
723 - (إذا صلى أحدكم فأحدث) فيها بمبطل خفي يلحق صاحبه بظهوره خجل (فليمسك) ندبا (على أنفه) محدودبا ظهره موهما أنه رعف (ثم لينصرف) فيتطهر سترا على نفسه من الوقيعة فيه وليس ذلك من الكذب القبيح بل من التورية بما هو أحسن ويؤخذ منه لو كان حدثه ظاهرا كما لو لمسته أجنبية بحضرة المصلين أو أكره على وضع بطن كفه على فرج أو خرج خارجه بصوت تحقق الحاضرون أنه منه أنه لا يسن إمساك أنفه ولا إيهام أنه رعف وفيه دليل لمن قال بنقض الوضوء بالرعاف وذهب الشافعية إلى خلافه لأدلة أخرى (ليس في الحديث ما يدل على أن الرعاف ناقض للوضوء بل هو مبطل للصلاة فقط لأنه من طروء النجاسة وإنما يؤمر من رعف في الصلاة بالانصراف منها لغسل ما أصابه من دم الرعاف فقط ولا يجب عليه الوضوء أه)
(هـ عن عائشة) رمز لحسنه وإنما لم يصححه لأن فيه عمر بن علي المقدسي قال ابن عدي اختلط وقال الذهبي: ثقة مدلس(1/391)
724 - (إذا صلى أحدكم) مكتوبة (في بيته) أي في محل سكنه ولو نحو خلوة أو مدرسة أو حانوت (ثم دخل المسجد) يعني محل إقامة الجماعة (والقوم يصلون) المراد صلى منفردا في أي موضع كان ولو مسجدا ثم وجد جماعة تقام في أي محل كان (فليصل معهم) واحدة فإن ذلك مندوب (وتكون له نافلة) وفرضه الأولى. قال النووي: ولا يناقضه خبر لا تصلوا صلاة في يوم مرتين. لأن معناه لا تجب في يوم مرتين. قال أبو زرعة: وقضية الخبر لا فرق في الإعادة بين كونها مما تكره الصلاة بعدها بأن تكون صبحا أو عصرا أو لا وهو كذلك أه وما ذكر من أن قضية الخبر جاء مصرحا به في خبر أبي داود وغيره عن زيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه الصبح فلما قضى صلاته إذا برجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا: صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فصليا معهم فإنها لكما نافلة. فهذا تصريح بعدم الفرق بين وقت الكراهة وغيره وذهب الحنفية إلى استثناء وقت الكراهة وقالوا هذا الخبر معارض بخبر النهي عن النفل بعد الصبح والعصر وهو مقدم لزيادة قوته لأن المانع مقدم أو يحمل على ما قبل النهي جمعا بين الأدلة
(طب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم مدني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة. قال الهيتمي: فيه إبراهيم بن [ص:392] زكريا فإن كان العجلي الواسطي فضعيف وإلا فلم أعرفه أه وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه(1/391)
725 - (إذا صلت المرأة خمسها) المكتوبات الخمس (وصامت شهرها) رمضان غير أيام الحيض إن كان (وحفظت) وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق (وأطاعت زوجها) في غير معصية (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول (الجنة) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحا أو عفي عنها والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار (فإن قلت) فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها (قلت) لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم وغلبة الفساد فيهن وعصيان الحليل ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح. وأكثر استعماله عرفا في القبل
(البزار) في مسنده (عن أنس) باللفظ المذكور. قال الهيتمي: وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجمع وضعفه آخرون وقال ابن معين: وهم في هذا الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح (حم عن عبد الرحمن بن عوف) لكنه قال بدل: دخلت الجنة. قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت. قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال المنذري: رواة أحمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (طب عن عبد الرحمن بن حسنة) أخو شرحبيل وحسنة أمهما لكنه قال بدل وأطاعت زوجها: وأطاعت بعلها وحفظت فرجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. قال الهيتمي: وفيه أيضا ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح(1/392)
726 - (إذا صلوا) المؤمنون (على جنازة فأثنوا) عليها (خيرا يقول الرب أجزت شهادتهم فيما يعلمون) أي أجزتها فيما علموا به من عمله (وأغفر له ما لا يعلمون) فإن المؤمنين شهداء الله في أرضه كما أن الملائكة شهداء الله في السماء والصلاة على الميت توجع لفراقه وفزع إلى الدعاء والله لا يخيب من قصده ولهذا شرع تلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء رجاء القبول لأنه إذا تقبل القرآن والصلاة عليه أجاب الدعاء للميت كرما وفضلا فغفر له
(تخ عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وشد المثناة تحت كما في أسد الغابة وضبطه المؤلف في مسودته هكذا (بنت معوذ) بن عفراء الأنصارية الصحابية رمز لحسنه وليس ذا منه بحسن فإن البخاري خرجه من حديث عيسى بن يزيد عن معاذ عن خالد بن كيسان عن الربيع ثم قال البخاري خالد فيه نظر وفي اللسان ذكره العقيلي في الضعفاء وقال لا يحفظ هذا الخبر عن الربيع وعيسى بن يزيد هو ابن دانه متروك(1/392)
727 - (إذا صليت) أي دخلت في الصلاة (فلا تبزقن) بنون التوكيد وأنت فيها (بين يديك) وفي رواية أمامك: أي جهة القبلة (ولا) تبزقن (عن يمينك) زاد في رواية فإن عن يمينك ملكا. قال التوربشتي: يحتمل أن يراد الملك الذي يحضره عند الصلاة للتأييد والالهام والتأمين لأنه زائر والزائر يكرم فوق اللازم كالكاتبين ويحتمل تخصيص صاحب اليمين بالكرامة تنبيها على ما بين الملكين من المزية وتمييزا بين ملائكة الرحمة والعذاب قيل ويحتمل أن كاتب السيئات يتنحى عنه حال الصلاة لكونه لا دخل له فيها (ولكن ابزق تلقاء) بكسر الفوقية والمد (شمالك) أي جهته [ص:393] (إن كان فارغا) من آدمي محترم يتأذى به (وإلا) بأن لم يكن فارغا من ذلك (ف) ابزق تحت قدمك اليسرى (وادلكه) أي امرسه بيدك أو برجلك ليدفن في التراب أو الرمل ويغيب أثره وسواء فيما ذكر كله من بالمسجد وغيره لأن البصاق إنما يحرم فيه إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه سواء من به وخارجه لأن الملحظ التقذير وهو متفق عليه وزعم (قوله: زعم: مصدر مبتدأ) حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه: غير (قوله: غير: خبر المبتدأ) معول عليه وما ذكر من الاكتفاء بالدلك جار على ما كانت المساجد عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من كونها رملية أو ترابية فإن كان المسجد مبلطا أو مرخما تعين إخراجه لأن دلكه فيه تقذير له وتقذيره ولو بطاهر حرام
(حم عد حب ك عن طارق) بالقاف (ابن عبد الله المحاربي) الصحابي(1/392)
728 - (إذا صليت الصبح) أي فرغت من صلاته (فقل) ندبا عقبها (قبل أن تكلم أحدا من الناس اللهم أجرني) بكسر الجيم أي أعذني وأنقذني (من النار) أي من عذابها أو من دخولها قبل ذلك (سبع مرات فإنك إن) قلته و (مت من يومك ذلك كتب الله لك) أي قدر أو أمر الملائكة بالكتابة في اللوح أو الصحف (جوارا) بضم الجيم وكسرها أفصح كما في الصحاح أي أمانا (من النار) والمراد نار الآخرة (وإذا صليت المغرب) أي فرغت من صلاتها (فقل قبل أن تكلم أحدا من الناس: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن) قلت ذلك و (مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار) أي من دخولها إلا تحلة القسم ثم يحتمل أن ذلك باجتناب الكبائر أخذا من نصوص أخرى والجوار: الانقاذ والجار: الذي يجير غيره أي يؤمنه والمستجير: الذي يطلب الأمان <تنبيه> قال ابن حجر: يؤخذ من مجموع الأدلة أن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا فالأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور كالمذكور في هذا الخبر ثم يتطوع أو عكسه؟ ذهب الجمهور إلى الأول والحنفية إلى الثاني ويترجح تقديم الذكر المأثور لتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة وزعم بعض الحنابلة أن بعض المراد بدبرها ما قبل السلام ورد بعدة أخبار وأما التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاؤوا انصرفوا أو مكثوا وذكروا وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعظهم فليقبل عليهم جميعا وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ الثاني هو ما عليه أكثر الشافعية
(حم د ن حب عن الحارث) بن مسلم (التميمي) أنه حدث عن أبيه به كذا هو عند النسائي لكن ابن أبي حاتم قال: الحارث بن مسلم بن الحارث فمسلم هو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنده. قال أبو حاتم: والحارث بن مسلم تابعي ولم يذكر لمسلم هذا أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية وأما ابنه فلا يعرف حاله أه وبه يعلم ما في رمز المصنف لصحته(1/393)
729 - (إذا صليتم على الميت) صلاة الجنازة (فأخلصوا له الدعاء) أي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب لأن المقصود [ص:394] بهذه الصلاة إنما الاستغفار والشفاعة للميت وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي. قال ابن القيم: هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء
(د هـ حب عن أبي هريرة) أعله المناوي بمحمد بن إسحاق وتبعه ابن حجر فقال: فيه ابن اسحاق وقد عنعن لكن أخرجه ابن حبان من طريقين آخرين مصرحا بالسماع(1/393)
730 - (إذا صليتم خلف أئمتكم) أي أردتم الصلاة خلفهم (فأحسنوا طهوركم) بضم الطاء أي تطهيركم بأن تأتوا به على أكمل حالة من فرض وشرط وسنة وآداب (فإنما يرتج) بالبناء للمفعول مخففا: أي يستغلق ويصعب (على القارئ قراءته بسوء طهر المصلي خلفه) أي بقبحه بأن أخل بشيء من مطلوباتها الشرعية لأن شؤمه يعود إلى إمامه والرحمة خاصة والبلاء عام والأمر بإحسان الطهر عام لكنه للمقتدي آكد. وكذا الإمام. قال الزمخشري: ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام
(فر عن حذيفة) بن اليمان. قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ سورة الروم فأرتج عليه فلما قضى صلاته قال ذلك أه وفيه محمد بن الفرحان قال الخطيب: غير ثقة وفي الميزان: خبر كذب وعبد الله بن ميمون مجهول(1/394)
731 - (إذا صليتم) أي أردتم الصلاة (فاتزروا) أي البسوا الإزار (وارتدوا) أي اشتملوا بالرداء والرداء بالمد: ما يرتدي به مذكر. قال ابن الأنباري: ولا يجوز تأنيثه (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا (باليهود) فإنهم لا يتزرون ولا يرتدون بل يشتملون اشتمال الصماء. قال في المطامح: اللباس المأمور به في الصلاة له صفتان: صفة إجزاء وصفة كمال فصفة الإجزاء كونه مستور العورة والصفة الكمالية كونه مؤتزرا مرتديا في أحسن زي وأكمل هيئة
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وتعقبه عبد الحق بأن فيه نضر بن حماد متروك وإنما هو موقوف على ابن عمر قال ابن القطان وأنا أعرف له طريقا جيدا ذكره ابن المنذر(1/394)
732 - (إذا صليتم الفجر) أي فرغتم من صلاة الصبح (فلا تناموا عن طلب أزراقكم) فإن هذه الأمة قد بورك لها في بكورها وأحق ما طلب العبد رزقه في الوقت الذي بورك له فيه لكنه لا يذهب إلى طلبه إلا بعد الشمس وقبله يمكث ذاكرا مستغفرا حتى تطلع كما كان يفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الحراني: والنوم ما وصل من النعاس إلى القلب فغشاه أي ستره في حق من ينام قلبه وما استغرق الحواس في حق من لا ينام قلبه
(طب عن ابن عباس)(1/394)
733 - (إذا صليتم فارفعوا سبلكم) وفي رواية بن عدي: السبل بسين مهملة وموحدة تحتية أي ثيابكم المسبلة. قال الزمخشري: أسبل الإزار أو سبله والمرأة تسبل ذيلها والفرس ذنبه ومن المجاز: أسبل المطر أرسل دفعة ووقفت على الديار فأسبلت مني عبرتي (فإن كل شيء أصاب الأرض من سبلكم) بأن جاوز الكعبين (فهو في النار) أي فصاحبه في النار أن يكون على صاحبه في النار فتلتهب فيه فيعذب به والمراد نار الآخرة وهذا إذا قصد به الفخر والخيلاء
(تخ طب هب [ص:395] عن ابن عباس) قال الزين العراقي: فيه عيسى بن قرطاس قال النسائي: متروك وابن معين: غير ثقة وقال الهيتمي: فيه عيسى بن قرطاس ضعيف جدا ونحوه في المطامح. وفي الميزان عن النسائي متروك وعن العقيلي من غلاة الرفض. فرمز المؤلف لحسنه إنما هو لاعتضاده(1/394)
734 - (إذا صليتم صلاة الفرض) أي المكتوبات الخمس (فقولوا في عقب كل صلاة) أي في أثرها من غير فاصل أو بحيث ينسب إليها عرفا (عشر مرات) أي متواليات ويحتمل اغتفار الفصل والسكوت اليسيرين (لا إله إلا الله) أداة الحصر لقصر الصفة على الموصوف قصر إفراد لأن معناه الألوهية منحصرة في الله الواحد في مقابلة زاعم اشتراك غيره معه وليس قصر قلب إذ لم ينفها عن الله من الكفرة أحد إنما أشركوا معه (وحده) حال مؤكدة بمعنى منفرد في الألوهية (لا شريك) أي لا مشارك (له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لما قبلها: أي هو فعال لكل ما يشاء كما يشاء (يكتب له) أي فقائل ذلك يقدر الله له أو يأمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحف (من الأجر كأنما) كأجر من (أعتق رقبة) لما للكلمات المذكورة من مزيد المزية عنده تعالى وحسن القبول لديه والرقبة أصلها اسم للعضو المخصوص ثم عبر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما للمملوك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان رابط كذا رأسا وكذا ظهرا وفيه رد على من زعم أن الدعاء عقب الصلاة لا يشرع تمسكا بما يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لا يثبت إلا بقدر ما يقول ذلك فقد ورد أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه فلا تدافع. وقول (قوله وقول: مبتدأ) ابن القيم الدعاء بعد السلام مستقبلا منفردا أو إماما أو مأموما لم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن ولم يفعله الخلفاء بعده إلا أرشد إليه وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها وأمر بها فيها وهو اللائق بالمصلي فإنه يناجي ربه فإذا سلم انقطعت المناجاة والقرب منه: رده (قوله رده: جملة وقعت في خبر المبتدأ) جمع منهم ابن حجر بأن ما زعمه من النفي ممنوع بإطلاق فقد ثبت من طريق صحيحة الأمر بالأذكار دبر الصلاة وإنكاره مكابرة
(الرافعي) إمام الدين عبد الكريم (في تاريخه) تاريخ قزوين (عن البراء) بالتخفيف ابن عازب(1/395)
735 - (إذا صمت) يا أبا ذر (من الشهر) أي شهر كان (ثلاثا) أي أردت صوم ذلك تطوعا (فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) أي صم الثالث عشر من الشهر وتالييه إلا الحجة فصم منها الرابع عشر وتالييه وسمى هذه الثلاثة الأيام البيض أي أيام الليالي البيض لإضاءتها بالقمر وصومها من كل شهر مندوب وكما يسن صوم البيض يسن صوم السود. وهي ثلاثة من آخره
(حم ت ن عن أبي ذر) ولفظ الترمذي يا أبا ذر إذا صمت إلخ قال الترمذي حسن ورمز المصنف لصحته تبعا لابن حبان(1/395)
736 - (إذا صمتم) فرضا أو نفلا (فاستاكوا بالغداة) أي الضحوة وهي أول النهار وهي مؤنثة قال ابن الانباري: ولم [ص:396] يسمع تذكيرها ولو حملت على أول النهار جاز التذكير (ولا تستاكوا بالعشي) هو من الزوال إلى الغروب وقيل إلى الصباح (فإنه) أي الشأن (ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان) كذا فيما وقفت عليه من النسخ والذي رأيته بخط الحافظ العراقي وغيره كانتا (نورا بين عينيه يوم القيامة) يضئ له فيسعى فيه أو يكون سيمة وعلامة له يعرف بها في الموقف وأخذ منه أبو شامة تحديد كراهية السواك للصائم بالعصر خلاف ما عليه الشافعية من تحديدها بالزوال ورده أبو زرعة بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه بل قضيته التحديد بالزوال لأنه مبدأ العشي وفي المسألة سبعة مذاهب مبينة في المطولات
<فائدة> قال في الإنجيل: إذا صمتم فلا تكونوا كالمرائين لأنهم يعبسون وجوههم ويغيرونها ليظهروا للناس صيامهم الحق أقول لكم: لقد أخذوا أجورهم وأنت إذا صمت ادهن رأسك واغسل وجهك لئلا يظهر للناس صيامك
(طب قط) من حديث كيسان القصاب عن يزيد بن هلال (عن خباب) بفتح المعجمة وشد الموحدة (ابن الأرت) بفتح الهمزة وشد المثناة فوق تميمي النسب خزاعي الولاء من السابقين الأولين عذب في الله كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يألفه ويأمنه وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه الدارقطني بأن كيسان هو ابن عمرو القصاب غير قوي ويزيد غير معروف أه. وقال العراقي في شرح الترمذي حديث ضعيف جدا وفي تخريج الهداية فيه كيسان القصاب ضعيف جدا. وقال ابن حجر: فيه كيسان ضعيف عندهم(1/395)
737 - (إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته) ندبا لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} وأفهم قوله إنه لا يندب له أكل الكل بل لا يجوز فيجب التصدق بشيء منها فيملكه لفقراء المسلمين ولا يجوز تمليك الأغنياء ويجوز الإهداء إليهم والأحسن التصدق بالكل إلا لقمة أو لقما يأكلها فإنه سنة لهذا الخبر وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأكل من كبد أضحيته. ويستحب إذا أكل وأهدى وتصدق أن لا يزيد على كله على الثلث ولا تنقص صدقته عنه هذا كله في التطوع أما الأضحية الواجبة بنحو نذر أو بقوله جعلتها أضحية فيحرم أكله منها ولو ضحى عن غيره بإذنه كميت أوصى فليس له ولا لغيره من الأغنياء الأكل
(حم عن أبي هريرة) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح(1/396)
738 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) يعني مملوكه وكل من له ولاية عليه لتأديبه (فذكر الله) عطف على الشرط: أي ذكره مستغيثا أو مستشفعا. ذكره ابن العربي. ولو قيل: المراد مطلق التلفظ بالاسم والابتهال به إلى الله فيما هو فيه لم يبعد وجواب الشرط قوله (فارفعوا أيديكم) أي كفوا عن ضربه: أي إلا أن يكون في حد فإنه لا بد من إتمام عدده وإلا في تأديب نافع أو زاجر ولم يكن قد بلغ محله وذلك إجلالا لمن ذكر اسمه ومهابة لعظمته. هذا سياق الحديث على ما في نسخ هذا الجامع والذي رأيته في أصول صحيحة معزوا للترمذي: إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله تعالى فليرفع عنه أه. وقوله فليرفع: هو مقتضى السياق وعلى ما في نسخ هذا الكتاب إنما قال ارفعوا إشارة إلى أنه عام يتناول كل ضارب. قال في العارضة: إذا ضرب في حد أو تأديب فليذكر له ما يضربه عليه إن لم يعرفه
(ت) في البر (عن أبي سعيد) الخدري وقال هارون العبدي ضعيف أه فاقتصار المصنف على عزو الحديث وسكوته عما عقبه في بيان القادح غير صواب(1/396)
[ص:397] 739 - (إذا ضرب أحدكم خادمه) أو مواليه أو حليلته أو نحو ولده وذكر الخادم في بعض الروايات والعبد في بعضها ليس للتخصيص وإنما خص لأن سبب ذكره أن إنسانا ضرب خادمه وآخر عبده على وجهه فالسبب خاص والحكم عام فشمل الحكم إذا ضرب حدا أو تعزيرا لله أو لآدمي ونحو ولي وسيد وزوج (فليتق) في رواية لمسلم فليتجنب وهي مبينة لمعنى الإتقاء (الوجه) من كل مضروب معصوم وجوبا لأنه شين ومثله له للطافته وتشريفه على جميع الأعضاء الظاهرة لأنه الأصل في خلقة الإنسان وغيره من الأعضاء خادم لأنه الجامع للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد ولأنه مدخل الروح ومخرجه ومقر الجمال والحسن وبه قوام الحيوان كله ناطقه وصامته فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضرب أو إهانة أو تقبيح أو تشويه ومثل الوجه في عدم الضرب المقاتل لا الرأس كما قال بعض الشافعية وجاء في رواية لمسلم تعليله بأن الله خلق آدم على صورته أي على صورة المضروب وقيل الضمير لله بدليل رواية الطبراني بإسناد رجاله ثقات كما قال ابن حجر على صورة الرحمن وفي رواية لابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعا " من قاتل فليتجنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن ". فيتعين إجراء ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إيراده على ما جاء بغير إعتقاد تشبيه أو تأويله على ما يليق بالرحمن جل وعلا. وفيه أنه يحرم ضرب الوجه وما ألحق به في الحد والتعزير والتأديب. وألحق بالآدمي كل حيوان محترم أما الحربيون فالضرب في وجوههم أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود
(د) في الحدود (عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ بعينه. قال ابن حجر: رواه البخاري بلفظ آخر(1/397)
740 - (إذا ضن) بشد النون بضبط المصنف (الناس) أي بخلوا (بالدينار والدرهم) فلم ينفقوها في وجوه البر (وتبايعوا بالعينة) بالكسر وهي أن تبيع بثمن لأجل ثم يشتريه بأقل وقال البيهقي: هي أن يقول المشتري ذا بكذا وأنا أشتريه منك بكذا (وتبعوا أذناب البقر) كناية عن اشتغالهم بالزرع وإهمالهم القيام بوظائف العبادات (وتركوا الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله (أدخل الله عليهم ذلا) بالضم هوانا وضعفا (لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم) أي حتى يرجعوا عن ارتكاب هذه الخصال المذمومة وفي جعلها إياها من غير الدين وأن مرتكبها تارك للدين مزيد زجر وتهويل وتقريع لفاعله وهذا من أقوى أدلة من حرم بيع العينة خلافا لما عليه الشافعية من قولهم بالكراهة دون التحريم والبطلان. وظاهر صنيع المصنف أن لفظ الحديث عند جميع من عزاه له ما ذكر ولا كذلك بل لفظ رواية البيهقي في الشعب بدل أدخل أنزل الله عليهم البلاء لا يرفعه إلخ وإناطة إدخال الذل وإنزال البلاء بوقوع الثلاثة مؤذن بأنهم لو فعلوا بعضها فقط لا يلحقهم الوعيد
(حم طب هب عن ابن عمر) بن الخطاب. وفيه أبو بكر بن عياش مختلف فيه:(1/397)
741 - (إذا طبختم اللحم) أي نضجتموه بمرق وفي المصباح عن بعضهم لا يسمى طبيخا إلا إذا كان بمرق (فأكثروا المرق) بالتحريك (فإنه) أي إكثاره (أوسع وأبلغ للجيران) وفي رواية بالجيران وهي أوضح أي أكثر [ص:398] بلاغا في التوسعة عليهم وتعميمهم فلم ينص الأمر بالغرف للجيران منه كأنه أمر متعارف والأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند الظاهرية. قال العلائي: وفيه تنبيه لطيف على تسهيل الأمر على مزيد الخير حيث لم يقل فأكثروا لحمها أو طعامها إذ لا يسهل ذلك على كثير. وقال الحافظ العراقي: وفيه ندب إكثار مرق الطعام لقصد التوسعة على الجيران والفقراء وأن المرق فيه قوة اللحم فإنه يسمى أحد اللحمين لأنه يخرج خاصية اللحم فيه بالغليان. قال: وفيه أفضلية اللحم المطبوخ على المشوي لعموم الانتفاع لأنه لأهل البيت والجيران ولأنه يجعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام وفيه ندب الإحسان إلى الجار وفيه يندب أن يفرق لجاره من طعامه وأفرد في رواية الترمذي ذكر الجار فإنه أراد الواحد فينبغي أن يخص به أولا الأقرب وإن أريد الجنس وأمكن التعميم فهو أولى. وإلا فينبغي تقديم الأحوج والأولى
(ش عن جابر) قضية صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وأبعد النجعة وهو ذهول فقد أخرجه مسلم بلفظ: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ذكره في البر من حديث أبي هريرة ورواه عنه أيضا باللفظ الواقع هنا أحمد والبزار قال الهيتمي: ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن معراء وثقه أبو زرعة وجمع وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وإسناد أحمد منقطع. أه. والمؤلف رمز لحسنه(1/397)
742 - (إذا طلب أحدكم من أخيه) في النسب أو الدين (حاجة) أي أرادها وطلبها منه سواء كانت له أو لغيره (فلا يبدأه) في أول سؤاله له (بالمدح) أي الثناء عليه بما فيه من الصفات الجميلة (فيقطع) بنصيبه جواب النهي (ظهره) قال في المطامح: هذه إشارة إلى كراهة المدح. لأن الممدوح قد يغتر بذلك ويعجب به فيسقط من عين الله. أه. ولا يخفى بعده من السياق والأقرب أن المراد أنك إن بدأته بالمدح استحيا منك فيتحمل الضرورة ويعطيك ما طلبت متجشما للمشقة كأنه مقطوع الظهر فيكون المأخوذ حراما ولذلك صرح الغزالي بأن المأخوذ بالمحاباة حرام ويظهر أن المسؤول لو كان من المتقين بحيث لا يعيره المدح ولا يستحي من الرد لكونه من أولى الإعطاء أنه لا يكره أن يبدأه بالمدح لا من المحذور
(ابن لال في) كتاب فضل (مكارم الأخلاق عن ابن مسعود) وفيه محمد بن عيسى بن حبان ضعفه والدارقطني وقال الحاكم متروك عن يونس بن أبي إسحاق ضعفه أحمد ويحيى ورواه عنه أيضا البيهقي بزيادة ولفظه: إن من البيان لسحرا فإذا طلب أحدكم من أخيه حاجة فلا يبدأه بالمدحة فيقطع ظهره(1/398)
743 - (إذا طلع الفجر) الصادق (فلا صلاة إلا ركعتي الفجر) أي لا صلاة تندب حينئذ إلا ركعتي الفجر سنة الصبح لأن سلطان الليل أدبر وأقبل سلطان النهار فيصلي سنته ثم صلاته وبعده تحرم صلاة لا سبب لها حتى تطلع الشمس كرمح في رأي العين ويظهر أن مراده بالصلاة قيام الليل فلو تذكر فائتة بعذر عند طلوع الفجر قدمها
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف المتن لكن قال في الميزان له شواهد من حديث ابن عمر أخرجه الترمذي واستغربه وحسنه فمن أطلق ضعفه كالهيتمي أراد أنه ضعيف لذاته ومن أطلق حسنه كالمؤلف أراد أنه حسن لغيره(1/398)
744 - (إذا طلعت) وفي نسخ طلع على إرادة النجم (الثريا) أي ظهرت للناظرين عند طلوع الفجر وذلك في العشر [ص:399] الأوسط من أيار فليس المراد بطلوعها مجرد ظهورها في الأفق لأنها تطلع كل يوم وليلة ولكنها لا تظهر للأبصار لقربها من الشمس في نيف وخمسين ليلة من السنة (أمن الزرع من العاهة) أراد أن العاهة تنقطع والصلاح يبدو غالبا فعند ذلك ينبغي أن تباع الحبوب والثمار وتدخر فالعبرة في الحقيقة ببدو الصلاح واشتداد الحب لا بظهورها وإنما نيط بها الغالب فإن عاهة الحب والثمر تؤمن بأرض الحجاز عنده
(طص عن أبي هريرة) وفيه شعيب بن أيوب الصريفيني وأورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو داود: أخاف الله في الرواية عنه والنعمان بن ثابت إمام أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات وله أحاديث صالحة(1/398)
745 - (إذا طنت) بالتشديد أي صوتت من الطنين وهو صوت الأذن والطست ونحوه (أذن أحدكم فليذكرني) بأن يقول محمد رسول الله أو نحوه (وليصل علي) أي يقول صلى الله عليه وسلم. قال الزيلعي: فيه عدم الاكتفاء بالذكر حتى يصلي عليه (وليقل ذكر الله من ذكرني بخير) وذلك لأن الأرواح ذات طهارة ونزاهة ولها سمع وبصر وبصرها متصل ببصر العين ولها سطوع في الجو تجول وتحول. ثم تصعد إلى مقامها الذي منه بدأت فإذا تخلصت من شغل النفس أدركت من أمر الله ما يعجز عنه البشر فهما ولولا شغلها رأت العجائب. لكنها تدنست بما تلبست فتوسخت بما تقمصت من ثياب اللذات وتكدرت بما تشربت من كأس حب الخطيئات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له إلى أين؟ قال: إلى سدرة المنتهى. فهو مشتمل هناك يقول رب أمتي أمتي حتى ينفخ في الصور النفخة الأولى أو الثانية فطنين الأذن من قبل الروح تجده لخفتها وطهارتها وسطوعها وشوقها إلى المقام الذي فيه المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا طنت الأذن فانظر لما جاءت من الخير فلذلك قال فليصل علي لأنه ذكره عند الله في ذلك الوقت وطلب منه شيئا استوجب به الصلاة فيصلي عليه إذا لحقه فلذلك حكم بمشروعية الصلاة عليه عند طنين الأذن كما شرعت الصلاة عليه عند خدر الرجل لخبر ابن السني: إن رجلا خدرت رجله عند ابن عباس فقال له اذكر أحب الناس إليك فقال: محمد. فكأنما نشط من عقال
(الحكيم) الترمذي (وابن السني) في الطب (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عق عد) وكذا الخرائطي في المكارم (عن أبي رافع) أسلم أو إبراهيم أو صالح مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الهيتمي: إسناد الطبراني في الكبير حسن. أه. وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه بل أقول: المتن صحيح فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه باللفظ المذكور عن أبي رافع المزبور وهو ممن التزم تخريج الصحيح ولم يطلع عليه المصنف أو لم يستحضره وبه شنعوا على ابن الجوزي(1/399)
746 - (إذا ظلم أهل الذمة) بالبناء للمفعول - أو من في حكمهم كمعاهد ومستأمن: أي ظلمهم الإمام أو أحد نوابه أو جنده (كانت الدولة دولة العدو) أي كانت الكرة لأهل الكفر على أهل الإيمان أو كانت مدة ذلك الملك أمدا قصيرا والظلم لا يدوم وإن دام دمر والعدل لا يدوم وإن دام عمر. قال الزمخشري: دالت الأيام بكذا أو أدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم وفي المثل: يدال من البقاع كما يدال من الرجال (وإذا كثر الزنا) بزاي ونون وفي نسخة: الربا - براء فموحدة - والأول أنسب بقوله (كثر السباء) بكسر المهملة وخفة الموحدة: أي الأسر: يعني سلط العدو على المسلمين فيكثر من السبي منهم (وإذا كثر) أي وجد كثيرا (اللوطية) أي فعل قوم لوط الذين يأتون الذكور بشهوة من دون النساء: نسبة إلى قوم لوط (رفع الله يده عن الخلق) أي أعرض [ص:400] عن الناس ومنع عنهم مزيد رحمته وألطافه والمراد بالخلق: الناس وإنما عم إعراضه لأن الخطيئة إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ولم تغير ضرت الخاصة والعامة كما في حديث الطبراني (ولا يبالي في أي واد هلكوا) أي لم يكن لهم حظ من السلامة بحال لأن كلما أوجده الله في هذا العالم وجعله صالحا لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب الشهوة فيهما للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل حكمة الله وعارضه في تدبيره فلا يبالي في إهلاكه
(طب عن جابر) قال الهيتمي: فيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد ضعيف وقال المنذري: فيه عبد الخالق ضعيف ولم يترك(1/399)
747 - (إذا ظننتم فلا تحققوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا أي لا تجعلوا ما قام عندكم من الظن محققا في نفوسكم محكمين للظن ويجوز كونه بضم أوله وكسر القاف أي إذا ظننتم بأحد سوءا فلا تحققوه في نفوسكم بقول ولا فعل لا بالقلب ولا بالجوارح أما بالقلب فيصيره إلى النفرة والكراهة وفي الجوارح بعدم العمل بموجبه والشيطان يقرب على قلب الإنسان مساوىء الناس بأدنى مخيلة ويلقى إليه أن هذا من فطنته وسرعة ذكائه وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته نعم إن أخبره به عدل فظن صدقه عذر لأن تكذيبه سوء للظن به فلا ينبغي أن يحسن ظنه بواحد ويسيئه بآخر لكن يبحث عما قد يكون بينهما من عداوة وحقد مما تتطرق التهم بسببه ذكره الغزالي. قال: وسوء الظن حرام كسوء القول وكما يحرم أن تحدث غيرك بمساوىء إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك (وإذا حسدتم فلا تبغوا) أي إذا وسوس لكم الشيطان بحسد أحد فلا تطيعوه ولا تعلموا بمقتضى الحسد من البغي على الحسود وإيذائه بل خالفوا النفس والشيطان وداووا القلب من ذلك الداء العضال (وإذا تطيرتم فامضوا) أي إذا خرجتم لنحو سفر فرأيتم أو سمعتم ما فيه كراهة فلا ترجعوا عن مقصدكم فإنه لا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن نعيق غراب أو خوار بقرة يرد قضاء أو يدفع مقدورا أو يورث ضررا فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا إلا أنه قلما يخلو إنسان من الطيرة فإذا أصابكم ذلك فلا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلا (وعلى الله فتوكلوا) أي عليه لا على غيره وفوضوا أموركم والتجئوا إليه ليدفع عنكم ما تطيرتم به قال في الكشاف: والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره (وإذا وزنتم) شيئا لمن يشتري منكم مثلا (فأرجحوا) بقطع الهمزة وكسر الجيم لئلا تكون صفقتكم كصفقة المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون <تنبيه> جرت العادة الإلهية أن من تطير من شيء أصابه غالبا: وقع للسلطان خشقدم أن بنت زوجته خوند الأحمدية ماتت في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وثمان مئة فجلس كاتب السر البرهان الديري أخو العلامة قاضي القضاة سعد الدين بجانب جانبك الداودار الكبير لانتظار الجنازة فقال له البرهان: ما خرج ميت يوم السبت إلا وتبعه اثنان فقال له الداودار: أمها مريضة فقال وأكبر منها - وعنى به السلطان - فلما انقضى المجلس أخبر الداودار السلطان بما قال كاتب السر فلما صعد للخدمة على العادة قال له أنت قلت كذا؟ فأطرق فسل السيف وأراد ضرب عنقه فشفع فيه فعزله وصادره ففي رابع عشري الشهر المذكور مات للسلطان ولد وعمره عامين ثم في حادي عشر ذي الحجة من السنة المذكورة ابتدأ بالسلطان مرض فتعلل مدة ثم مات
(هـ عن جابر) ورواه عنه أيضا الديلمي وهو ضعيف لكن له شواهد(1/400)
748 - (إذا ظهر الزنا) بزاي ونون (والربا) بالراء والموحدة (في قرية) أي في أهل قرية أو نحوها كبلدة أو محلة (فقد [ص:401] أحلوا) بفتح الحاء وشد اللام من الحلول (بأنفسهم عذاب الله) أي تسببوا في وقوعه بهم لمخالفتهم ما اقتضته حكمة الله من حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه. وأن الناس شركاء في النقديين والمطعوم لا اختصاص لآحد به إلا بعقد لا تفاضل فيه
(طب ك عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هاشم بن مرزوق لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات(1/400)
749 - (إذا ظهرت الحية) أي برزت (في المسكن) أي محل سكن أحدكم من بيت أو غيره (فقولوا) لها ندبا وقيل وجوبا (إنا نسألك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (بعهد نوح وبعهد سليمان ابن داود أن لا تؤذينا فإن عادت) مرة أخرى (فاقتلوها) قالوا لأنها إن لم تذهب بالإنذار علم أنها ليست من العمار ولا ممن أسلم من الجان فلا حرمة لها فيجب قتلها. وظاهره أنه لا يجوز الهجوم على قتلها قبل الإنذار وفي بعض الحواشي أن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ بلأمر مطلقا. وقال الماوردي وعياض: الأمر بالإنذار خاص بحيات المدينة
(ت عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) الفقيه الكوفي قاضيها لا يحتج به وأبو ليلى له صحبة واسمه يسار. قال الترمذي: حسن غريب رمز المصنف لحسنه(1/401)
750 - (إذا ظهرت الفاحشة) قال في الكشاف: وهي الفعلة البالغة في القبح. وقال القاضي: ما ينفر عنه الطبع السليم ويبغضه العقل المستقيم (كانت الرجفة) أي الزلزلة أو الاضطراب وتفرق الكلمة وظهور الفتن (وإذا جار الحكام) أي ظلموا رعاياهم. والجائر من يمتنع أو يمنع من التزام ما أمر به الشرع (قل المطر) الذي به صلاح الأنفس وإذا قل جاء القحط ووقع الضرر (وإذا غدر) بضم الغين المعجمة (بأهل الذمة) أي نقض عهدهم أو عوملوا من قبل الإمام أو نوابه بخلاف ما يوجبه عقد الجزية لهم (ظهر العدو) أي كان ذلك سببا لظهور عدو الإمام أو الإسلام وغلبته عليه أو على المسلمين لأن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه يحيى بن يزيد النوفلي عن أبيه. قال أبو حاتم منكر الحديث. قال الذهبي: وأبوه مجمع على ضعفه لكن له شواهد(1/401)
751 - (وإذا ظهرت البدع) المذمومة كالوقيعة في الصحابة والطعن في السلف الصالح (ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم) بفضل الصدر الأول وما للسلف من المناقب الحميدة والمآثر الجميلة (فلينشره) أي يظهره بين الخاصة والعامة ليعلم الجاهل فضل المتقدم وينزجر عن قبيح قوله ويبين للناس ما أظهروه من الدين وأصلوه من الأحكام الذي استوجبوا به الإعظام ونهاية الإكرام (فإن كاتم العلم يومئذ) أي يوم ظهور البدع ولعن الآخر الأول (ككاتم ما أنزل الله على محمد) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما جاء في عدة أخبار. قال الغزالي: والعلماء أطباء الدين فعليهم أن يتكفل كل عالم منهم بقطره أو محلته فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلمهم أمر دينهم ويميز البدعة من السنة وما يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا يصبر حتى يسأل منه بل يتصدى للدعوة بنفسه لأنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا [ص:402] ينادونهم في مجامعهم ويدورون على دورهم فإن مرضاء القلوب لا يعرفون مرضهم فهذا فرض عين على كافة العلماء. اه وقال في موضع آخر: هذا الحديث فيما إذا كان العالم بينهم فسكت. قال: ولا يجوز له الخروج من بينهم حينئذ ولا العزلة (وحكى) أن الأستاذ ابن فورك قصد الانفراد للتعبد فبينما هو في بعض الجبال سمع صوتا ينادي: ياأبا بكر إذ قد صرت من حجج الله على خلقه تترك عباد الله فرجع وكان سبب صحبته للخلق. قال: وذكر لي مأمون بن أحمد أن الأستاذ أبا إسحاق قال لعباد جبل لبنان: يا أكلة الحشيش تركتم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أيد المبتدعة واشتغلتم ههنا بأكل الحشيش؟ قالوا إنا لا نقوى على صحبة الناس وإنما أعطاك الله قوة فلزم ذلك فصنف بعده كتابه الجامع بين الجلي والخفي
(ابن عساكر) في تاريخه (عن معاذ) بن جبل ورواه عنه أيضا الديلمي بلفظ " إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه فإن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله "(1/401)
752 - (إذا عاد أحدكم مريضا) أي زاره في مرضه والمراد المسلم المعصوم (فليقل) في ذهابه له ندبا (اللهم اشف عبدك ينكأ) بفتح الياء المثناة وآخره يهمز ولا يهمز: أي ليخرج ويولم من النكاية بالكسر: القتل والإثخان وهو مجزوم على أنه جواب الأمر ويجوز رفعه بتقدير فإنه ينكأ (لك عدوا) من الكفار وقدمه على ما بعده لعموم نفعه (أو يمشي لك إلى صلاة) وفي رواية إلى جنازة: جمع بين النكاية وتشييع الجنازة لأن الأول كدح في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعي في إنزال الرحمة. وعيادة المريض المسلم سنة مؤكدة وأوجبها الظاهرية ولو مرة في مرضه تمسكا بظاهر الأمر في الأخبار
(ك عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال على شرط مسلم وأفره الذهبي(1/402)
753 - (إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده شيئا) أي يكره له ذلك (فإنه) إن أكل عنده فهو (حظه من عيادته) (1) أي فلا ثواب له فيها أصلا أو كاملا إنما ثوابه ما أكل. ويطهر أن في معنى الأل ما عتيد من إتحاف الزائر بشرب السكر أو الشراب أو اللبن أو القهوة فينبغي تجنب ذلك للعائد وينقدح اختصاص المنع بغير الأصل في عيادة فرعه فقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يأتي: أنت ومالك لأبيك
(فر عن أمامة) وفيه موسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين
_________
(1) [" (حظه من عيادته ": أي فإن الطعام هو نصيبه من عيادته فليس له ثوابها. دار الحديث) ](1/402)
754 - (إذا عرف الغلام) اسم للمولود إلى أن يبلغ (يمينه من شماله) أي ميز هذه من هذه. وعرف ما يضره مما ينفعه فهو كناية عن التمييز بأن يصير يأكل ويشرب ويستنجي وحده (فمروه) أيها الأولياء: الأب فالجد فالأم فالوصي (بالصلاة) أي يفعلها ولو قضاء بجميع شروطها الظاهرة والباطنة ليتمرن عليها فيألفها إذا بلغ. وظاهر الخبر أن لا يضربه حينئذ وذلك لأن الضرب عقوبة فتؤخر لزمن احتمالها وهو بلوغه عشر سنين وفيه دليل لمن اكتفى بالتمييز وحده ولم يشترط معه بلوغ سبع سنين كابن الفركاح لكن النووي شرطه معه
(د هق عن رجل من الصحابة) قال في المنار: لا يعرف هذا الرجل ولا المرأة التي روت عنه وتعقب بأنه جاء عند الطبراني وغيره أنه عبد الله بن حبيب الجهني وله صحبة رمز المؤلف لحسنه لكن فيه عند مخرجه أبي داود: هشام بن سعد فال في الكاشف عن أبي حاتم لا يحتج به وعن أحمد لم يكن بالحافظ(1/402)
[ص:403] 756 - (إذا عطس أحدكم) بفتح الطاء (فحمد الله) وأسمع من بقربه حيث لا مانع وذلك شكرا لله على نعمته بالعطاس لأنه بخرات الرأس الذي هو معدن الحس وهو الفكر وبسلامته تسلم الأعضاء فهو جدير بأن يشكر عليه (فشمتوه) بشين معجمة من الشوامت وهي القوائم هذا هو الأشهر والذي عليه الأكثر وروي بمهملة من السمت وهو قصد الشيء وصفته: أي ادعوا الله بأن يرد شوامته أي قوائمه أو سمته على حاله لأن العطاس يحل مرابط البدن ويفصل معاقده فمعنى رحمك الله أعطاك رحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها كل عضو إلى سمته والأمر للندب عند الجمهور وقال ابن دقيق العبد: ظاهر الخبر الوجوب ومال إليه وأيده ابن القيم وعليه فقيل هو عيني وقيل كفاية وإذا لم يحمد فلا تشمتوه فيكره تنزيها لأن غير الشاكر لا يستحق الدعاء. ويسن لمن عنده ذكر الحمد ليحمده
وقال النووي: وأخطأ ابن العرب في قوله لا يفعله. قال النووي: وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه. وأخذ منه أنه لو أتى بلفظ عير الحمد لا يشمت <تنبيه> اعتيد في بعض الأقطار أنه إذا عطس كبير وحمد لا يشمت إعظاما له. وقد صرح جمع بأن من قال لمن شمت كبيرا يرحمك الله لاتقل له ذلك قاصدا أنه غني عن الرحمة أو أجل من أن يقال له ذلك كفر. قال ابن صورة في المرشد: وليكن التشميت بلفظ الخطاب لأنه الوارد. وقال في شرح الإلمام: المتأخرون إذا خاطبوا من يعظموه قالوا يرحم الله سيدنا - من غيرخطاب - وهو خلاف ما دل عليه الأمر في الحديث وبلغني عن بعض علماء زماننا أنه قيل له ذلك فقال: قل يرحمك الله يا سيدنا كأنه قصد الجمع بين لفظ الخطاب وما اعتادوه من التعظيم
(حم خد م عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه أيضا الطبراني(1/403)
755 - (إذا عطس أحدكم) أي هم بالعطاس (فليضع) ندبا (كفيه) أو كفه الواحدة إن كان أقطع أو أشل (على وجهه) فإنه لا يأمن أن يبدو من فضلات دماغه ما يكرهه الرائي فيتأذى برؤيته وهذا نوع من الأدب بين الجلساء (وليخفض) ندبا (صوته) بالعطاس فإن الله يكره رفع الصوت به والتثاؤب كما يأتي في خبر أبي داود في خبر. إن التثاؤب الرفيع والعطس الشديد من الشيطان. والحديث يفسر بعضه بعضا
(ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(1/403)
757 - (إذا عطس أحدكم فليقل) ندبا (الحمد لله رب العالمين) ولا أصل لما اعتيد من بقية قراءة الفاتحة. ويكره العدول عن الحمد إلى: أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد. فهو مكروه. كذا ذكره ابن حجر قال: وقد روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال أش فقال وما أش؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد. نعم روى النسائي عن علي: الحمد لله على كل حال: وأخذ به قوم واختار جمع الجمع فيقول الحمد لله رب العالمين على كل حال (وليقل له) بإسناد قال ابن حجر صحيح يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله (وليقل هو) أي العاطس مكأفأة لدعائه وتأليفا له (يغفر الله لنا) لفظ رواية الطبراني: لي (ولكم) وفي رواية البخاري يهديكم الله ويصلح بالكم: أي حالكم. واختير الجمع ورجح واعترض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل وهو محال ومنع بأنه ليس المراد بالدعاء وبالهداية ما متلبس به من الإيمان بل معرفة تفاصيل أجزائه وإعانته على أعماله وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل طرفة عين ومن ثم أمر الله أن نسأله الهداية في كل ركعة من الصلاة اهدنا الصراط المستقيم
(طب [ص:404] ك هب عن ابن مسعود) وفيه عند الطبراني أبيض بن أبان وفيه خلف. قال الحافظ العراقي: ورواه عنه أيضا النسائي في اليوم والليلة وقال حديث منكر (حم 3 ك هب عن سالم بن عبيد الأشجعي) نسبة إلى أشجع. قال العراقي: واختلف في إسناده. ورواه البخاري بأتم من هذا ولفظه في الأدب المفرد: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل له يهديكم الله ويصلح بالكم(1/403)
758 - (إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة) أي الحفظة أو من حضر منهم أو أعم (رب العالمين فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة رحمك الله) دعاء أو خبر على ما تقرر فيما قبله. ومحصوله أن العبد إذا أتى بصيغة الحمد الكاملة التي صدر بها أشرف الكتب السماوية استحق أن يقابل بالإجابة وإن قصر باقتصاره على لفظ الحمد تممت الملائكة له ما فاته التصريح بالربوبية والمالكية المستوجب لكل سبوحية وقدوسية. واعلم أن الملائكة تسر بما يحصل للمؤمن من محاب الله فإنه يحب العطاس فإذا ذكر العبد الله وحمده سر الملائكة وأحزن الشيطان لوجوده منها دعاء الملائكة والمؤمنين له بالرحمة والهداية وإصلاح الحال (تتمة) قال بعض العارفين: قال بعض السادة لعاطس قال الحمد لله أتمها كما قال الله رب العالمين فقال العاطس: ومن العاطس حتى يذكر مع الله؟ فقال له قلها ياأخي فإن المحدث إذا أقرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا مقام الوصلة وحالة زلة أهل الفناء عن أنفسهم أما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأنه إثبات للعبد ولو قال رب العالمين كان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط وأقول فيه أيضا أبو كريب. قال الذهبي مجهول(1/404)
759 - (إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه) أي الجالس معه ولو أجنبيا (فإن زاد) العاطس (على ثلاث) من العطسات (فهو مزكوم) أي به داء الزكام وهو مرض معروف (ولا يشمت بعد ثلاث) أي لا يدعى له بالدعاء المشروع للعاطس. بل بدعاء يناسبه من جنس دعاء المسلم للمسلم بنحو شفاء وعافية فمن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم ولذلك قال ابن القيم في قوله وهو مزكوم تنبيه على الدعاء له بالعافية لأن الزكمة علة. وأشار إلى الحث على تدارك هذه العلة ولا يهملها فبعظم أمرها وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة (تتمة) روى البخاري في الأدب المفرد عن علي: من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان: لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا
قال ابن حجر: هو موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع وأخرجه الطبراني عن علي مرفوعا: من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدا. وسنده ضعيف
(د عن أبي هريرة) رمز لحسنه كذا عزاه المصنف لأبي داود فيما وقفت عليه من النسخ وقد عزاه في الأذكار لابن السني وقال فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده غير صحيح وعزاه ابن حجر لأبي يعلى وقال فيه سليمان الحراني ضعيف ولم يتعرض إلى تخرجه لأبي داود(1/404)
760 - (إذا عظمت) بفتح المهملة وشد المعجمة (أمتي الدنيا) أراد بالدنيا: الدراهم والدنانير كما يصرح به لفظ رواية ابن أبي الدنيا إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم. وتعظيمها بالتهافت على تحصيلهما وادخارهما والضنة بهما عن الإنفاق [ص:405] في وجوه القرب (نزعت) بالبناء للمفعول أي نزع الله منها (هيبة الإسلام) لأن من شرط الإسلام تسليم النفس لله عبودية فمن عظم الدنيا أخذت بقلبه فسبته فصار عبدها فلم يقدر على بذل النفس لله لأنه عبد دنياه فلا يملك نفسه فيبذلها. وإذا فسد الباطن ذهبت الهيبة والبهاء لأن الهيبة إنما هي لمن هاب الله. قال في الاختيار: ولا يجتمع تعظيم الدنيا وتعظيم الحق في قلب واحد أبدا (وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع القدرة وغلبة ظن سلامة العافية (حرمت) بضم فكسر (بركة الوحي) يعني فهم القرآن وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير {إنما يتذكر أولو الألباب} ذكره الغزالي عن الفضيل. وذلك لأن في ترك الأمر والنهي خذلان الحق وجفوة الدين وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة وفي جفاء الدين فقد النور فيحجب القلب فيحرم بركته وحرمان بركته أن يقرأه فلا يفهم أسراره ولا يذوق حلاوته وهو من أعلم الناس العلوم العربية وأبصرهم بتفسيره وقد عمي عن زواجره وقوع وعده ووعيده وأمثاله (وإذا تسابت أمتي) أي شتم بعضها بعضا (سقطت من عين الله) أي حط قدرها وحقر أمرها. يقال هذا الفعل مسقط للإنسان من أعين الناس. وذلك لأن السباب بدؤه الكبر واحتقار الناس والحسد والبغي والتنافس في الدنيا وهو مسقط من عين الله. ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته ومن زالت عنه رعايته ذهبت عصمته فله في كل نائبة ورطة حتى تؤديه إلى الورطة الكبرى: سلب الدين والانتكاص على عقبيه. ومن سقط من عينه لم يبال في أي واد هلك وأي شيطان سباه. هذا في السباب فكيف بما فوقه؟
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معضلا من حديث الفضيل(1/404)
761 - (إذا علم العالم فلم يعمل) بعلمه (كان كالمصباح) من جهة أنه (يضيء للناس ويحرق نفسه) بضم التحتية أوله: من أحرق: يعني أن صلاح غيره في هلاكه كالدهن الذي يستصبح به. وهذا مثل بديع ضربه لمن يعمل بعلمه ولا يرى أحسن ولا ألطف ولا أوجز للمتأمل من كلام النبوة وبدائع آدابه. قال الجنيد: العلم مأمور باستعماله فإذا لم تستعمله حالا أهلكك مآلا. وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم وطغيان المال فالمنجي من طغيان العلم العمل ومن طغيان المال الزهد. وقال الراغب: من أصاب علما فانتفع به ونفع غيره من مستحقه كان كالشمس تضيء لغيرها من أفاد علمه لغيره ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها وكالمغزل يكسو غيره ولا يكتسي وكذبالة المصباح تضيء للناس وهي تحترق
(ابن قانع) عبد الباقي (في المعجم) معجم الصحابة (عن سليك) بن عمرو وقيل ابن هدية (الغطفاني) نسبة إلى غطفان(1/405)
762 - (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه) أي فليحكمه (فإنه) أي الإتقان المفهوم من يتقن (مما) أي الشيء الذي (يسلي) بضم الياء بضبط المؤلف من التسلية وهي تخفيف ما في النفس من الحزن (بنفس) بزيادة الباء للتأكيد (المصاب) أي يزيل عنه ما يجده من شدة الحزن وأصل السلو: التسلي فيقال سلوت عن كذا وسليت عنه وتسليت: إذا زالت عنك محبته والمصاب من أصابته مصيبة الموت. وأصل الحديث عند الطبراني وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنه ابراهيم عليه السلام فرأى فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد ثم ذكره فالمراد بالعمل هنا تهيئة اللحد [ص:406] وإحكام السد ومتعلقات الدفن لكن الحديث وإن ورد على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
(ابن سعد) في طبقاته (عن عطاء) الهلالي القاضي (مرسلا) هو تابعي كثير الإرسال ويشهد له الحديث الآتي: إن الله يحب من العمل إلخ(1/405)
763 - (إذا عملت سيئة) أي عملا من حقه أن يسوءك (فأحدث) بقطع الهمزة وكسر الدال (عندها توبة) تجالسها بحيث يكون (السر بالسر والعلانية) أي الباطن بالباطن والظاهر بالظاهر فإذا عصى ربه بسره تاب إليه بسره باكتساب ما يزيله وإذا عصاه بجوارحه الظاهرة تاب إليه بها مع رعاية المقابلة وتحقق المشاكلة هذا هو الأنسب وليس المراد أن السرية لا يكفرها توبة جهرية وعكسه كما وهم. والسر ما كان في الخلاء والعلانية ما كان في الملإ. والظاهر ما كان بالأركان والباطن ما كان بالجنان فمن أخلص في توبته بحيث استوت سريرته علانيته خمدت شهوته وذبلت حركته وهاب الله في كل مكان واستحيا منه في كل زمان. ومن صدق في ذلك فقد استقام وارتفع إلى أعلا مقام وإلا فتوبته لقلقة لسان وافتراء وبهتان <تنبيه> قال بعض العارفين: إذا عملت معصية بمحل فلا تبرح حتى تعمل فيه طاعة فكما تشهد عليك تشهد لك ثم تحول عنه لغيره لئلا تتذكر المعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنبك وكذا ثوبك الذي عصيت فيه ولا تحلق رأسك ولا تقص ظفرك إلا وأنت متطهر فإن أجزاءك مسؤولة عنك كيف تركتك
(حم في) كتاب (الزهد) الكبير (عن عطاء بن يسار) بتحيتة ومهملة: الهلالي مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وصاحب مواعظ وعبادة. قال العراقي: وقيه انقطاع(1/406)
764 - (إذا عملت) يا أبا ذر القائل يا رسول الله أوصني (سيئة فأتبعها) بقطع الهمزة (حسنة تمحها) أي فإنها تذهبها. قال القاضي: صغار الذنوب مكفرات بما يتبعها من الحسنات. وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله {إن الحسنات يذهبن السيئات} وقوله عليه السلام " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم فلا يسقط إلا بالتوبة. اه. وأقره الطيبي. قال الغزالي والأولى إتباعها بحسنة من جنسها لكي تضادها قال: فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر والقعود في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه. ومس المصحف بإكرامه وكثرة القراءة فيه وبأن يكتب مصحفا ويقفه. وشرب الخمر بالتصديق بكل شراب حلال طيب وقس عليه. والقصد سلوك طريق المضادة فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية لا يمحوها إلا نور يرتفع إليه بحسنة تضاده. والمتضادات هي المتناسات فإن البياض يزال بالسواد لا بالحرارة مثلا. وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند أحمد وغيره. قال أبو ذر قلت يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال هي أفضل الحسنات <تنبيه> قال القونوي: الطاعات كلها مطهرات فتارة بطريق المحو المشار إليه بقوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} وبقوله هنا: إذا عملت سيئة إلخ وتارة بطريق التبديل المشار إليه بآية {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} فالمحو المذكور عبارة عن حقيقة العفو والتبديل عن مقام المغفرة وإن تنبهت لذلك عرفت الفرق بين العفو والمغفرة. ثم اعلم أن لكل من المعاصي والطاعات خواص تتعدى من ظاهر الإنسان لباطنه وبالعكس ثم منها ما يقبل الزوال بسرعة وما لا يقبل إلا ببطء وكلفة ومنها ما يستمر حكمه إلى الموت ويزول في البرزخ ومنها ما لا يزول إلا في المحشر ومنها ما لا يزول إلا بعد دخول النار وقد نهت الشريعة على كل ذلك
(حم عن أبي ذر) رمز لصحته وهو غير صواب فقد قال الهيتمي رجاله ثقات إلا أن شهر [ص:407] ابن عطية حدث به عن أشياخه عند أبي ذر ولم يسم أحدا منهم(1/406)
765 - (إذا عملت عشر سيئات فاعمل) في مقابلتها ولو (حسنة) واحدة (تحدرهن) بفتح المثناة فوق وضم الدال أي تسقطهن بسرعة من الحدور ضد الصعود. قال الزمخشري: أحدر القراءة أسرع فيها فحطها عن حالة التمطيط والعين تحدر الدمع (بها) لأن السيئة سيئة واحدة والحسنة الواحدة بعشر أمثالها وفي إشعاره رمز إلى رد قول البعض إنما يكفر الذنوب الذي ارتكبه العاصي عشر مرات أن يتمكن منه عشر مرات مع صدق الشهوات ثم يصبر عنه ويكسر شهوته خوفا منه تعالى
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن الأسود مرسلا) هو العبسي الشامي(1/407)
766 - (إذا عملت) بالبناء للمجهول (الخطيئة) المعصية (في الأرض كان من شهدها) أي حضرها (فكرهها) بقلبه وفي رواية أنكرها (كمن غاب عنها) في عدم الإثم له والكلام فيمن عجز عن إزالتها بيده أو لسانه (ومن غاب عنها فرضيها) لفظ رواية ابن حبان فأحبها (كان كمن شهدها) أي حضرها في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. لأن الراضي بالمعصية في حكم العاصي والصورة الأولى فيها إعطاء الموجود حكم المعدوم والثانية عكسه. قال الراغب: والخطيئة والسيئة متقاربان لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لم يكن مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سبب ضد ذلك الفعل بخلاف السيئة
(د) في الفتن (عن العرس) بضم فسكون (ابن عميرة) بفتح أوله الكندي قال ابن حجر: قيل عميرة أمه واسم أبيه قيس بن سعيد بن الأرقم رمز لصحته(1/407)
767 - (إذا غربت الشمس) في كل يوم (فكفوا صبيانكم) أي أطفالكم عن الانتشار في الدخول والخروج (فإنها ساعة ينشر فيها الشيطان) لامه للجنس بدليل رواية الشياطين وليس فيه ذكر نهاية الكف وذكره في حديث آخر بقوله: حتى تذهب فوعة العشاء. وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية بل تمسك عن النصرفات ما دام ظاهرا في العالم السفلي فاذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس فتندفع دفعة رجل واحد فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك
(طب عن ابن عباس) رمز لحسنه(1/407)
768 - (إذا غضب أحدكم) لشيء نابه (فليسكت) عن النطق بغير الذكر المشروع لأن الغضب يصدر عنه من قبيح القول ما يوجب الندم عليه عند سكون سورة الغضب: ولأن الانفعال ما دام موجودا فنار الغضب تتأجج وتتزايد فإذا سكت أخذت في الهدوء والخمود وإن انضم إلى السكوت الوضوء كان أولى فليس شيء يطفىء النار كالماء
(حم عن ابن عباس) زاد في الأصل وحسن(1/407)
769 - (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس) ندبا (فإن ذهب عنه الغضب) فذاك (وإلا) بأن استمر (فليضطجع) [ص:408] على جنبه لأن القائم متهيء للانتقام والجالس دونه والمضطجع دونهما. والقصد أن يبتعد عن هيئة الوثوب والمبادرة للبطش ما أمكن حسما لمادة المبادرة. وحمل الطيبي (قوله وحمل: بفتح الحاء وسكون الميم مبتدأ) الاضطجاع هنا على التواضع والخفض لأن الغضب منشؤه الكبر والترفع: صرف (قوله صرف: خبر المبتدأ الماء وهو حمل اه.) للفظ عن ظاهره بلا ضرورة. قال اابن العربي: والغضب يهيج الأعضاء اللسان أولا ودواؤه السكوت. والجوارح بالإستطالة ثانيا ودواؤه الاضطجاع. وهذا إذا لم يكن الغضب لله وإلا فهو من الدين وقوة النفس في الحق: فبالغضب قوتل الكفار وأقيمت الحدود وذهبت الرحمة عن أعداء الله من القلوب وذلك يوجب أن يكون القلب عاقدا والبدن عاملا بمقتضى الشرع. وفي الحديث وما قبله أن الغضبان مكلف. لأنه كلفه بما يسكنه من القول والفعل وهذا عين تكليفه بقطع الغضب. وما نقل عن الفضيل وغيره أن من كان سبب غضبه مباحا كالسفر أو طاعة كالصوم فغير مكلف بما يصدر عنه: فمؤول
(حم د حب) من رواية أبي الأسود (عن أبي ذر) قال كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد ثم اضطجع. فقيل له فيه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح(1/407)
770 - (إذا غضب الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى (فقال أعوذ بالله) زاد في رواية الطبراني: من الشيطان الرجيم (سكن غضبه) لما يأتي في خبر: إن الغضب من الشيطان: أي من إغوائه ووسوسته والاستعاذة من أقوى سلاح المؤمن على دفع كيد اللعين إبليس ومكره. وإذا تأمل معنى الاستعاذة وهو الإلتجاء إلى الله تعالى والاعتصام به وضم له التفكر فيما ورد في كظم الغيظ وثوابه واستحضر أن الله أعظم قدرة من قدرته على من غضب عليه سكن غضبه لا محالة
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف. وورد من عدة طرق للطبراني الصغير والأوسط عن ابن مسعود رفعه بنحوه. قال الهيتمي: ورجاله تقات وفي بعضها اختلاف(1/408)
771 - (إذا فاءت الأفياء) جمع فيء وهو رجوع الظل الحاصل من حاجز بينك وبين الشمس عن المغرب إلى المشرق فلا يكون إلا بعد الزوال فالمعنى إذا رجعت ظلال الشواخص من جانب المغرب إلى المشرق (وهبت الأرواح) جمع ريح. لأن أصلها الواو وتجمع على أرياح قليلا ورياح كثيرا (فاذكروا حوائجكم) أي اطلبوها من الله تعالى في تلك الساعة (فإنها ساعة الأوابين) أي المكثرين الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والمطيعين أي المسبحين: يعني هو الوقت الذي يتوجه فيه الأبرار إلى الله تعالى أو الوقت الذي يتصدون فيه إلى إسعاف ذوي الحاجات وإعانتهم بالشفاعة إلى الله تعالى فهي مظنة لاستجابة الدعاء وقضاء الحوائج
(عب عن أبي سفيان مرسلا) أبو سفيان في التابعين متعدد فكان ينبغي تمييزه (حل) وكذا الديلمي (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو بألف مقصورا علقة ابن خالد المدني الأسلمي له ولأبيه ولأخيه صحبة(1/408)
772 - (إذا فتحت مصر) أرض جامعة كليتها وجملة أقليمها نازلة منزلة الأرض كلها فلها إحاطة بوجه ما فلذلك أعظم شأنها في القرآن: أي والسنة. وأن العالي منها من الفراعنة. ذكره الحراني. قال ابن زولاق: ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا. قال المصنف بل أكثر من ثلاثين وسردها (فاستوصوا بالقبط) كسبط أهل مصر [ص:409] وقد تضم القاف في النسبة (خيرا) أي اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيرا. أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية يعني إذا استوليتم عليهم وتمكنتم منهم فأحسنوا إليهم وقابلوهم بالعفو عما تنكرون ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم. فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة ثم علله بقوله (فإن لهم ذمة) ذماما وحرمة وأمانا من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن أمه مارية منهم (ورحما) بفتح فكسر: قرابة لأن هاجر أم إسماعيل منهم وفي رواية قرابة وصهرا فالذمة بإعتبار إبراهيم والرحمة بإعتبار هاجر. ذكره جمع. وقال الزركشي: المتجه أنه أراد بالذمة العهد الذي دخلوا به في الإسلام زمن عمر فإن مصر فتحت صلحا وهذا مما كوشف به من الغيب ومن معجزاته حيث أوقع الحال موقع الاستقبال ففتحت على أتم الأحوال في سنة عشرين من الهجرة ثم فيه معجزة أخرى هي إخباره بأن سيقع منهم ما يوجب العقاب بخروج المصريين على عثمان أولا وقتلهم محمد بن أبي بكر ثانيا وهو وال عليها من قبل علي الإمام الحق ومع ذلك ففيه إشعار بمحبته لأهل مصر وإن فرط منهم ما فرط. ومن فضائلهم أن أكثر المجددين على رأس كل قرن منهم
(طب ك عن كعب بن مالك) بن كعب الأنصاري السلمي الشاعر أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. قال الهيتمي: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. قال المصنف كالزركشي وأصله في مسلم: أي ولفظه: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القبط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما(1/408)
773 - (إذا فتح) بلبناء للمفعول: أي فتح الله (على العبد) أي الإنسان: الدعاء بأن أفيض على قلبه نورا فيشرح به صدره للدعاء واقبل بشراشره على النطق به (فليدع) ندبا مؤكد (ربه) بما أحب من مهماته الأخروية والدنيوية (فإن الله يستجيب له) أي يعطيه عن المسؤول وإلا فهو سبحانه أطلق الاستجابة للداعي ولم يخص ذلك بوقت {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وإنما أورد عليك الوارد لتكون عليه واردا متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك وعند الفتح تتوجه رحمة الله للعبد وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء وتخلف الإجابة كثيرا لتخلف بعض شروط الدعاه وأركانه وفيه حث أكيد على الدعاء ورد على من رأى أن ترك الدعاء أفضل لكنه من المقامات عندهم فلأجل ذلك لا ينكر فضله وإن فضلنا فعله فقد ابتلى بعض عظماء الأولياء بالجذام وكان يحفظ الاسم الأعظم فقيل له ألا تدعو؟ فقال ما كنت لأطلب الإقالة من أمر اختاره لي <تنبيه> قال في الحكم إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبالي معها إن قل عملك فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك والآعمال أنت تهديها إليه. وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك؟
(ت عن ابن عمر) ابن الخطاب (الحكيم) الترمذي (عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن أبي مليكة. قال في الكشف ضعيف(1/409)
774 - (إذا فعلت) في رواية عملت (أمتي خمس عشرة خصلة) بالفتح: أي خلة وخصها لأنها أمهات الخطايا وعنها تتفرع القبائح (فقد حل بها البلاء) أي نزل أو وجب. قيل وما هي؟ قال (إذا كان المغنم) كمقعد: الغنيمة (دولا) بكسر ففتح جمع دولة بالضم والفتح اسم لكل ما يتداول من المال: يعني: إذا كان الأغنياء وأهل الشرف والمناصب يتداولون أموال الفيء ويستأثرون بحقوق العجزة والفقراء ويمنعون الحق عن مستحقيه قهرا وغلبة كما هو صنيع أهل الجاهلية وذي العدوان (والأمانة مغنما) أي غنيمة يذهبون بها ويغنمونها فيرى أن من بيده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة غنمها (والزكاة مغرما) أي يشق عليهم أداؤها بحيث يعدون إخراجها غرامة يغرمونها ومصيبة يصابونها [ص:410] (وأطاع الرجل زوجته) يعني حليلته فيما تروم منه وإن خالف الشرع (وعق أمه) أي عصاها وأذاها. وفحوى الخبر دال على أن المراد أنه قدم رضا امرأته على رضا أمه فتغضب تلك لرضا هذه عند تباين غرضيهما. وخص الأم - مع كون عقوق الآباء كذلك - لأن عقوقها أقبح لضعفها (وبر صديقه) أي أحسن إليه وأدناه وتفضل عليه وجباه (وجفا أباه) أبعده وأقصاه وأعرض عنه وقلاه وترك صلته وأهمل مودته. قال الطيبي: وقوله أدنى صديقه وجفا أباه: كلاهما قرينة لقوله وأطاع امرأته وعق أمه لكن المذموم في الأول الجمع بينهما لأن إدناء الصديق محمود بخلاف الثانية فإن الإفراد والجمع بينهما مذمومان (وارتفعت الأصوات) أي علت أصوات الناس (في المساجد) بالخصومات ونحوها: كالبيع والشراء إلا بالذكر والدعاء (وكان زعيم القوم) أي رئيسهم أو أميرهم: يقال زعم القوم يزعم زعامة: تأمر (أرذلهم) أي أخسهم وأسفلهم (وأكرم الرجل) بالبناء للمفعول: أي أكرم الناس الإنسان (مخافة شره) أي خشية من تعدي شره إليهم وجنايته عليهم (وشربت الخمور) جميعها لاختلاف أنواعها: إذ كل مسكر خمر يعني أكثر الناس من شربها. والمراد تجاهروا به (ولبس الحرير) بالبناء للمفعول: أي لبس الرجال الحرير الخالص أو ما أكثره منه بلا ضرورة (واتخذت القينات) أي اتخذ الناس الإماء المغنيات (والمعازف) بمهملة وزاي مكسورة أي الدفوف (ولعن آخر هذه الأمة أولها) أي لعن أهل الزمن الآخر الصدر الأول من الصحابة والتابعين الذين مهدوا قواعد الدين وأصلوا أعلامه وأحكموا أحكامه. والمراد باللعن الطعن والذكر بالسوء وعدم الاقتداء بهم في الأعمال والاعتقاد (فليرتقبوا) أي فلينتظر الناس (عند ذلك ريحا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء. وأفردها لأن المفردة للعذاب والجمع للرحمة (أو خسفا) أي ذهابا وغورا في الأرض: يعني يقع لبعضهم ذلك وكذا يقال في قوله (أو مسخا) أي قلب الخلقة من صورة إلى صورة. وتمسك به الخطابي على أن الخسف والمسخ قد يكونان في هذه الأمة كما كانا في الأمم الماضية وزعم أن مسخها إنما يكون بالقلوب لا بالصور لا دليل عليه. قال ابن تيمية: وإنما يكون الخسف والمسخ إذا استحلوا هذه المحرمات بتأويل فاسد فإنهم لو يستحلوها مع اعتقاد أن الشارع حرمها كفروا ولم يكونوا من أمته ولو كانوا معترفين بحرمتها لما عوقبوا بالمسخ كسائر من يفعل هذه المعاصي مع اعترافهم بأنها معصية
(ت عن علي) قال الترمذي غريب تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف. وقال العراقي والمنذري ضغيف لضعف فرج بن فضالة. وقال الدارقطني حديث باطل وقال الذهبي منكر وقال ابن الجوزي مقطوع واه لا يحل الاحتجاج به(1/409)
775 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان (لأخيه) أي في الإسلام الذي فعل معه معروفا (جزاك الله خيرا) أي قضى لك خيرا وأثابك عليه: يعني أطلب من الله أن يفعل ذلك بك (فقد أبلغ في الثناء) أي بالغ فيه وبذل جهده في مكأفاته عليه بذكره بالجميل وطلبه له من الله تعالى الأجر الجزيل فإن ضم لذلك معروفا من جنس المفعول معه كان أكمل هذا ما يقتضيه هذا الخبر لكن يأتي في آخر ما يصرح بأن الاكتفاء بالدعاء إنما هو عند العجز عن مكافأته بمثل ما فعل معه من المعروف. ثم إن الدعاء المذكور إنما هو للمسلم كما تقرر أما لو فعل ذمي بمسلم معروفا فيدعو له بتكثير المال والولد والصحة والعافية
(ابن منيع) في معجمه (خط) في ترجمة ابن زرارة عن أبي هريرة وفيه عمر بن [ص:411] زرارة الطرطوسي شيخ مغفل وموسى بن عبيدة الرندي ضعفوه ورواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة. قال الهيتمي فيه: وفيه موسى الرندي ضعيف(1/410)
776 - (إذا قال الرجل لأخيه) المسلم (يا كافر فقد باء بها) أي رجع بتلك المقالة أحدهما ورجع بتلك الكلمة على ما مر بيانه موضحا
(خ عن أبي هريرة حم خ عن ابن عمر) ابن الخطاب(1/411)
777 - (إذا قال العبد يارب يارب قال) الله (لبيك عبدي) أي إجابة بعد إجابة. وأتى بلفظ التلبية لأنها في حكم التثنية المطابق لقوله في الدعاء يارب يا رب بتكراره ثنتين (سل) ما شئت (تعط) أي أعطيك إياه معجلا أو مؤجلا أو أعوضك خيرا من المسؤول وفي رواية: تعطه وذلك لأن من أسباب الإجابة بل من أعظمها الالحاح عليه تعالى والترامي على فضله وكرمه وعظيم ربوبيته ونواله. وإنما يقول الداعي في جؤره يا رب يا رب بأداة البعد مع كونه أقرب اليه من حبل الوريد احتقارا لنفسه واستبعادا لها من مظان الزلفى ومنازل المقربين هضما لنفسه وإقرارا عليها بالتفريط في جنب الله مع فرط التهالك على استجابة دعوته. ذكره الزمخشري. وقد احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن الاسم الأعظم هو الرب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي. وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن عائشة) مرفوعا وموقوفا أيا ما كان: ضعيف لأن فيه يعقوب الزهري لا يعرف عن الحكم الأموي مضعف: لكن يقويه خبر البزاز: إذا قال العبد يا رب يا رب - أربعا - قال الله: لبيك عبدي سل تعط(1/411)
778 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان (للمنافق) أي الذي يخفي الكفر ويظهر الإسلام (يا سيد) بغير إضافة وفي رواية يا سيدي (فقد أغضب ربه) أي فعل ما يستحق العقاب من مالك أمره المنعم بالإيجاد والتربية لأنه إن كان سيده وهو منافق فحاله دون حاله: وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك واستعمال اللفظ المهين المكروه فيمن ليس من أهله. وهذا من ذلك القبيل. قال الطيبي: ومولانا داخل في هذا الوعيد. بل أشد. وكذا قوله أستاذي. والكلام في حر قال ذلك عند أمن الفتنة. أما لو قال عبدا وأمة لمالكه أو مالكها أو قاله حر لخوف الفتنة لو لم يقله فلا يدخل في هذا الوعيد والغضب من الله إرادة الانتقام من المغضوب عليه. وفي الحديث إشعار بأنه لا يذم قول ذلك للمؤمن. ويدل له الخبر الآتي: قوموا إلى سيدكم
(ك هب عن بريدة) تصغير بردة وهو ابن الحصيب. قال الحاكم صحيح. ورده الذهبي بأن فيه عقبة الأصم ضعفوه اه. وظاهر صنيعه أن كلا من مخرجيه رواه هكذا. ولا كذلك. بل لفظ رواية البيهقي في شعب الإيمان بعد يا سيد: فقد باء بغضب ربه(1/411)
779 - (إذا قالت المرأة لزوجها) أو الأمة لسيدها (ما رأيت منك خيرا قط) أي فيما مضى من الزمان أو ما مضى من كوني في عصمتك (فقد حبط عملها) أي فسد وهدر وأبطل. والمراد أنكرت ما سيق من إحسان الله لها الذي أجراه على يده وجحدته فتجازى بإبطال عملها: أي بحرمانه ثوابه إلا أن تعود وتقر بإحسانه وجائز أن يراد به الزجر والتنفير. نعم إن كانت المقالة على حقيقتها فلا يلحقها هذا الوعيد. والحبط أصله أن تكثر الدابة الأكل حتى ينتفخ بطنها وتفسد. [ص:412] قال الزمخشري: ومن المجاز حبط عمله واستعير من حبط بطون الماشية إذا أكلت الخضر
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) وفيه يوسف التميمي. قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به(1/411)
780 - (إذا قام أحدكم يصلي من الليل) أي إذا أراد القيام للصلاة فيه كقوله تعالى {فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها للإيجاب. قال الزجاج: والقيام اسم لهذه الحركة المخصوصة من هذا المتحرك الذي بها يسمى قائما. فتلك الهيئة هي التي سميت قياما بالنظر لحال انفصالها ويقوم وقم بالنظر لتوهم وقوعها (فليستك) أي يستعمل السواك (فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه) يحتمل أن المراد به كاتب الحسنات ويحتمل غيره (فلا يخرج من فيه) أي القارىء (شيء) من القرآن (إلا دخل فم الملك) لأن الملائكة لم يعطوا فضيلة التلاوة كما في خبر آخر وأنهم حريصون على استماع القرآن من البشر وفي إطلاقه القراءة في الصلاة إشارة إلى أن ذلك يكون في أي صلاة كانت فرضا أو نفلا: ليلا أو نهارا فذكره الليل أولا لكون التهجد إنما هو ليلا وهو يزيد على صلاة النهار بالنسبة للكمال فوجه الكلام نحو الغالب. وإلا فالنهار كذلك بدليل ما رواه محمد بن نصر عن الزهري مرسلا: إذا قام الرجل يتوضأ ليلا أو نهارا فأحسن الوضوء واستن ثم قام يصلي أطاف به الملك ودنا منه حتى يضع فاه على فيه فما يقرأ إلا فيه. وإذا لم يستن أطلق به ولم يضع فاه على فيه. ثم قضية الحديث أن تلقف الملك القراءة إنما يكون فيما وقع في الصلاة بخلافه خارجها وقد يوجه بأن الصلاة مظنة الفيوض الرحمنية فاجتماع شرف القرآن وشرف الصلاة يزيد دنو الأرواح القدسية. وفيه ندب الإكثار من القراءة سيما في الصلاة وبيان فضيلة قراءة القرآن والسواك وإن كان الإنسان نقي الأسنان قويم المزاج واعتناء الملأ الأعلى بذلك وحرصهم عليه وفيه أن للملك جوفا فهو رد على ابن عبد الهادي في قوله: الملائكة صمد لا أجواف لهم
(هب وتمام) في فوائده (والضياء) المقدسي (عن جابر) ورواه أبو نعيم. قال ابن دقيق العيد: رواته ثقات(1/412)
781 - (إذا قام أحدكم من الليل) أي للتهجد في بعض الليل أو للقراءة فيه (فاستعجم) بفتح المثناة فوق: استغلق (القرآن) بالرفع فاعل استعجم (على لسانه) إي ثقلت عليه القراءة كالأعجمي لغلبة النعاس (فلم يدر ما يقول) أي صار لنعاسه لا يفهم ما ينطق به ولا يدري لشدة نعاسه ما بعد اللفظ المتلو ليأتي به أو لا يقدر على النطق أصلا (فليضطجع) للنوم ندبا إن خف النعاس بحيث يعقل المعقول ووجوبا إن غلبه بحيث يفضي إلى الإخلال ببعض الواجبات ذكره العراقي دافعا به التعارض: وقول ولده الولي لا وجه له لأن النعاس إذا اشتد قطع الصلاة فلا يحتاج لقطع. لا اتجاه له: كيف والمدرك في الوجوب خوف أن يغير كلام الله ويأتي بما لا يجوز من تحريف أو تغيير لمعنى أو وضع بعض أركان الصلاة في غير محل أو فعله على صورة غير مرضية فإذا اشتد النعاس بحيث غلب على ظنه الوقوع في ذلك فوجوب القطع في محل القطع. ثم قضية الخبر أن الكلام في الفرض لا في النفل لحل الخروج منه. وعبر بالاضطجاع لا لعدم حصول المقصود بحصول النوم قاعدا أو مستلقيا لأنه الهيئة المعهودة المحمودة. وخص الليل والصلاة لا لإخراج الغير بل لأنه الغالب فيمنع الناعس من القراءة ولو نهارا وفي غير الصلاة حذرا من تغير النظم القرآني وإن كان في الصلاة قدر زائد وهو أنه ما لم تتحقق قراءة الواجب لا صلاة
(حم م د هـ عن أبي هريرة)(1/412)
[ص:413] 782 - (إذا قام أحدكم من الليل) ليصلي (فليفتتح) ندبا (صلاته بركعتين) لينشط لما بعدها ويسن كونهما (خفيفتين) بأن يقتصر فيهما على أقل الكمال ولا يستوفي الأكمل. وحكمته - كما قال العراقي - استعجال حل عقد الشيطان وقال غيره في دليل لندبهما وهما مقدمة لصلاة الوتر ليدخل فيه بعد مزيد يقظته كما يسن تقديم السنة القبلية على الغرض لنحو ذلك فكذا ندب هنا لتأكد الوتر حتى اختلف في وجوبه <تنبيه> قال الطوسي: القيام هيئة عارضة للإنسان بحسب انتصابه وبحسب كون رأسه من فوق ورجليه من تحت ولولا هذا الاعتبار لكان الانتكاس قياما
(حم م عن أبي هريرة)(1/413)
783 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل فيها بدليل قوله الآتي في الصلاة (فليسكن أطرافه) أي يديه ورجليه يعني لا يحركهما (ولا يتميل كما تتميل اليهود) أي لا يعوج يديه يمينا وشمالا لا كما يفعلونه في صلاتهم وعند قراءتهم التوراة والميل بفتحتين: الاعوجاج (فإن تسكين) الثابت في أصول الحكيم الصحيحة فإن سكون (الأطراف من تمام الصلاة) أي من تمام هيئاتها ومكملانها بل إن كثر التحرك كثلاث متوالية أبطل عند الشافعي. وذلك لأن الوقوف في الصلاة وقوف ذل وتخشع وقد أثنى الله على الخاشع فيها والخشوع البالغ الموجب للثناء خشوع القلب ومن لازمه خشوع الجوارح وقد يصلي المصلي بجوارحه وليس بخاشع فخشوع القلب هو المطلوب. وتمايل اليهود غير ناشئ عن خشوع قلوبهم بل سببه فيما قيل أنه أوحي إلى موسى أن هذه التوراة صارت في حجر بني إسرائيل ولا تكاد تعظمها فحلها بذهب لم تمسه الأيدي فأنزلت عليه الكيميا فحلاها بها فكان إذا قرأها تلذذ بها وهاجت اللذة فيتمايل طربا على كلام ربه فاستعملها اليهود بعده على خراب القلوب وخلاء الباطن. فهذا هو المشار إلى النهي عنه في الحديث. وقيل أصله قول موسى يوم الوفادة {إنا هدنا إليك} فأخذوا هذا من قوله وجعلوا يتهادون: أي يتمايلون في صلاتهم فأخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأن فعلهم ذلك غير صحيح وإن كان الأصل صحيحا
(الحكيم) الترمذي (عد حل) وكذا ابن عساكر من حديث الهيتم بن خالد عن محمد بن المبارك الصوري عن يحيى عن معاوية بن يحيى عن الحكم بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان (عن أبي بكر) الصديق قال رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتمايل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف منها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومن لطائف إسناده أن فيه ثلاثة صحابيون وصحابية عن أمها عن أبيها ثم إن الهيتم بن خالد قال في الميزان: يروي الأباطيل ومعاوية هو إما الصدفي أو الطرابلسي وكلاهما ضعيف(1/413)
784 - (إذا قام الرجل) أي الجالس لنحو إفتاء أو قراءة أو إقراء علم شرعي (من مجلسه) زاد إمام الحرمين في النهاية وصححه وأقره في الروضة في المسجد (ثم رجع إليه فهو أحق به) أي من غيره إن كان قام منه ليعود إليه لأن له غرضا في لزوم ذلك المحل ليألفه الناس. قال النووي: قال أصحابنا هذا فيمن جلس بمحل من نحو مسجد أو غيره لنحو صلاة ثم فارقه ليعود كإرادة وضوء أو شغل يسير فلا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من قعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه وهل يجب؟ وجهان أصحهما الوجوب والثاني يستحب وهو مذهب مالك. قال - أعني النووي - وإنما [ص:414] يكون أحق في تلك الصلاة فقط. ومن ألف من مسجد محلا ليفتي أو يقرىء فله أن يقيم من قعد فيه ومثله من سبق إلى محل من الشارع ومقاعد الأسواق لمعاملة. وظاهر الحديث عدم اشتراط إذن الإمام
(حم خد م د هـ عن أبي هريرة حم عن وهب بن حذيفة) الغفاري ويقال المدني سكن المدينة ووهم في المطلب فعزاه للبخاري وليس فيه(1/413)
785 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يغمض) فيها (عينيه) ندبا. بل يديم النظر إلى محل سجوده فإن غمضهما بغير عذر كره تنزيها لأنه فعل اليهود. نعم إن اقتضت المصلحة التغميض كتوفر الخشوع وحضور القلب - لم يكره كما عليه أكثر الشافعية
(طب عد ابن عباس) وفيه مصعب المصيصي. قال مخرجه ابن عدي يحدث عن الثقات بالمناكير ثم ساق له هذا الخبر(1/414)
786 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل فيها (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل به وتقبل عليه (فلا يمسح) حال الصلاة ندبا (الحصا) ونحوه الذي بمحل سجوده لأن الشغل بذلك لعب لا يليق بمن شملته الرحمة ولأنه ينافي الخشوع والخضوع ويشغل المصلي عن مراقبة الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها ومن ثم حكى النووي الاتفاق على كراهته لكن نوزع بفعل مالك له. نعم له دفع ما يتأذى به بنحو تسوية محل السجود فلا يكره قبل الصلاة وبعدها وقيل المراد مسح الحصا والتراب الذي يعلق بجبهته فإن كثف فمنع مباشرة الجبهة للسجود وجبت الإزالة قال العراقي: وتقييد المسح بالحصى غالبي لكونه كان فرش مساجدهم وأيضا هو مفهوم لقب فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غيره من كل ما يصلي عليه من نحو رمل وتراب وطين وقدم التعليل زيادة في تأكد النهي وتنبيها على عظم ثواب ترك العبث في الصلاة وإعلاما للمصلي بعظمة ما يواجهه فيها فكأنه يقول: لا ينبغي لعاقل يلقي تلك النعم الخطيرة بهذه الفعلة الحقيرة
(حم عد حب عن أبي ذر)(1/414)
787 - (إذا قام العبد في صلاته ذر) بضم المعجمة وتشديد الراء فهو مبني للمفعول أو ذر الله أو الملك بأمره ويصح بناؤه للفاعل بفتح الذال والفاعل معروف (البر) بكسر الموحدة أي ألقي الإحسان (على رأسه) ونشره عليه ويستمر ذلك (حتى يركع فإذا ركع علته) بمثناة فوقية وما في نسخ عليه بمثناة تحتية تصحيف (رحمة الله) أي نزلت عليه وغمرته ويستمر ذلك (حتى يسجد والساجد يسجد على قدمي الله) تعالى استعارة تمثيلية. ومن حق إقبال الله عليه برحمته إقباله بقلبه على عظمته لتحصل المقابلة ومن ثمرات هذه المقابلة انقياد النفس. فإن العبد إذا لاحظ ببصر فؤاده جلالة عظمة من يسجد بين يديه خلص إلى النفس هول الجلالة والعظمة فخشعت وذلت وذهلت وخمد تلظى نار شهوتها وحينئذ (فليسأل) الله تعالى ما شاء لقربه منه (وليرغب) فيما أحب مما يسوغ شرعا ويليق به عرفا وإن عظم وجل فإن الله سبحانه كريم جواد لا يتعاظم عليه شيء ولا ينقص خزائنه العطاء وهو الغنى المطلق (فإن قلت) الرغبة: الضراعة والمسألة كما في القاموس فما فائدة عطفها عليها؟ (قلت) هو من عطف الخاص على العام إذا أقل الرغبة كما بينه الراغب الاتساع في الشيء. فإذا قيل رغب فيه وإليه: اقتضى الحرص على الشيء فكأنه قال فليطلب وليحرص على ذلك
(ص عن أبي عمار مرسلا) واسمه قيس الكوفي مولى الأنصاري [ص:415] تابعي قال في الكاشف: وفي التقريب فيه لين(1/414)
788 - (إذا قام صاحب القرآن) أي حافظه وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه (يقرأ) أي قارئا وفي نسخه فقرأ (بالليل والنهار) أي تعهد تلاوته ليلا ونهارا فلم يغفل عنه (ذكره) أي استمر ذاكرا حافظا له (وإن لم يقم به) أي بتلاوته (نسيه) فإنه شديد التفلت كالإبل المعلقة التي إذا انفلتت لا تكاد تلحق ونسيانه كبيرة كما يأتي. وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن. فتلاوته أفضل الذكر العام بأن لم يخص بوقت أو محل أما ما خص بأن ورد الشرع به فيه فهو أفضل
(محمد بن نصر) الشافعي (في) كتاب (الصلاة عن ابن عمر) بن الخطاب(1/415)
789 - (إذا قدم أحدكم على أهله من سفر) طال أو قصر لكن الطويل آكد (فليهد) ندبا (لأهله) هدية مما يجلب من ذلك القطر الذي سافر إليه. والمراد بأهله: عياله ومن في نفقته من زوجة وسرية وولد وخادم. ويحتمل أن المراد أقاربه. ويظهر أن يلحق بهم خواص أصدقائه عملا بالعرف في ذلك ثم أبدل من الإهداء قوله (فليطرفهم) بضم أوله وسكون الفاء: أي يتحفهم بشيء جديد لا ينقل لبلدهم للبيع بل للهدية. فإن لم يتيسر فليأت له بشيء (ولو كان) وفي رواية الدارقطني ولو كانت (حجارة) أي حجارة يستحسن منظرها أو ينتفع بها كحجارة الزناد ولا يقدم عليهم فارغا لكسر خاطرهم بتطلعهم نحو ما يصحبه. فالسنة المحافظة على جبر خواطرهم مهما أمكن والطرافة بالضم ما يستطرف: أي يستملح وأتحف الرجل: جاء بطرفة. قال الزمخشري: وهذا من طرائف مالي وهذه طرفة للمستحدث المعجب وأطرفه بكذا: أتحفه. ومن المجاز هو كريم الأطراف: الآباء والآجداد
(هب) من حديث عتيق بن يعقوب عن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال - أعني البيهقي - تفرد به عتيق عن يحيى. اه. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح(1/415)
790 - (إذا قدم أحدكم) على أهله (من سفر فليقدم معه بهدية) ندبا مؤكدا (ولو) كان شيئا تافها جدا كأن (يلقي) أي يطرح (في) نحو (مخلاته) بكسر الميم (حجرا) من نحو حجارة الزناد ولا يقدم متجردا فيتأكد ذلك سيما للحاج
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وإسناده ضعيف لكن يقوى بما قبله ولذلك أورده عقبه(1/415)
791 - (إذا قرأ ابن آدم السجدة) أي آيتها (فسجد) للتلاوة (اعتزل) أي تباعد وكل من عدل إلى جانب فهو معتزل ومنه سميت الفرقة العدلية معتزلة (الشيطان) إبليس فأل عهدية (يبكي يقول) حالان من فاعل اعتزل مترادفان أو متداخلان (يا ويله) في رواية مسلم: يا ويلتي وفي أخرى يا ويلي وفي أخرى يا ويلنا. وألفه للندبة والتفجع: أي يا هلاكي ويا حزني. احضر فهذا أوانك. جعل الويل منادى لكثرة حزنه وهو لما حصل له من الأمر الفظيع (أمر ابن آدم بالسجود) وهذا استئناف جواب عن من سأله عن حاله (فسجد فله الجنة) بطاعته (وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار) وفي رواية مسلم بدل فعصيت فأبيت. وفيه بيان فضيلة السجدة ودليل على كفر إبليس قال الحنفية: [ص:416] ووجوب سجدة التلاوة لأن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يتعقبه بالإنكار كان دليل صحته. وقال الشافعية سنة. وتسمية هذا أمرا من كلام إبليس وكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حكاه ولم ينكره لا يجديهم فقد حكى غيره من كلام الكفار ولم يبطله وهو باطل. قال الطيبي: ونداء الويل للتحسر على ما فاته من الكرامة وحصول اللعن والطرد والخيبة في الدارين وللحسد على ما حصل لآدم من القرب والكرامة والفوز
(حم م د عن أبي هريرة)(1/415)
792 - (إذا قرأ القارىء) القرآن (فأخطأ) فيه بالهمزة من الخطأ ضد الصواب بأن أبدل حرفا بحرف لفقد معلم أو عجز (أو لحن) فيه بأن حرفه أو غير إعرابه. واللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الإيحاء قيل للمخطىء لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. ذكره في الكشاف (أو كان أعجميا) لا يمكنه للكنة أن ينطق بالحروف مبينة (كتبه الملك كما أنزل) أي قومه الملك الموكل بذلك. ولا يرفع إلا قرآنا عربيا غير ذي عوج. قال في الكشاف الأعجم الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد ولما كان من يتكلم بغير لسانهم لا يفقهون حديثا قالوا له أعجم وأعجمي يشبهونه بمن لا يفصح ولا يبين. قالوا ولكل ذي صوت من البهائم والطير وغيرها. اه. وفيه أن القارىء يكتب له ثواب قراءته وإن أخطأ ولحن. لكن محله إذا لم يتعمد ولم يقصر في التعلم وإلا فلا يؤجر بل يؤزر <فائدة> أخرج البيهقي في الشعب أن الأصمعي مر برجل يقول في دعائه يا ذو الجلال فقال له ما اسمك؟ قال ليث فقال:
يناجي ربه بالحي ليث. . . لذاك إذا دعاه لا يجيب
(فر عن ابن عباس) وفيه هشيم بن بشير قال الذهبي حافظ حجة مدلس عن أبي بشر مجهول(1/416)
793 - (إذا قرأ الإمام) في الصلاة (فأنصتوا) لقراءته أيها المقتدون: أي استمعوا لها ندبا حيث بلغكم صوته بالقراءة فلا يسن لمقتد سمع قراءة إمامه سورة بعد الفاتحة بل يكره أما لو لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفسر حروفه فيقرأ سرا. وظاهر الحديث أنه لو جهر الإمام في سريته أو عكس: اعتبر فعله وهو الأصح عند الشافعية ففيه رد لمن ذهب منهم إلى اعتبار المشروع. ثم هذا الحديث مما استدل به على عدم القراءة خلف الإمام وعلى ما قدرناه لا دليل فيه
(م) وابن ماجه (عن أبي موسى) الأشعري. قال أبو داود وجمع: حديثه غير محفوظ وطعن فيه البخاري في جزء القراءة. قال البيهقي: واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفه مقدم على تصحيح مسلم(1/416)
794 - (إذا قرأ الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى (القرآن) أي تدبره وتفقهه وعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه وغير ذلك مما هو معلوم (واحتشى) أي امتلأ جوفه: من حشوت الوسادة حشوا وهذا بناء على أن الرواية بشين معجمة فإن كانت بمهملة فهو من خسا السويق أو المرق حسوا: ملأ فمه وهما متقاربان (من أحاديث رسول الله) صلى الله عليه وسلم حفظا ومعرفة ومعنى (وكانت هناك) أي في ذلك الإنسان وذكره بكاف البعد إشارة لبعد مناله على البعض (غريزة) بغين معجمة فراء مهملة فزاي: طبيعة عارفة بفقه الحديث وملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام منها ومعرفة الخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمجمل المبين وغير ذلك مما هو مشروط في الفقه (كان خليفة من خلفاء الأنبياء) لأن العلماء خلفاء الأنبياء وورثتهم وهذا فيمن عمل بما علم من ذلك. كما مر ويأتي
(الرافعي) إمام الدين القزويني نسبة إلى رافع أو رافعان في تاريخه تاريخ قزوين (عن أبي أمامة) الباهلي(1/416)
[ص:417] 795 - (إذا قرب) بضم أوله (إلى أحدكم طعامه) أي وضع بين يديه ليأكله وهكذا إن قرب تقديمه (وفي رجليه نعل فلينزع نعليه) ندبا قبل الأكل (فإنه أروح للقدمين) أي أكثر راحة لهما (وهو) أي نزعهما (من السنة) أي طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه فعليكم به والنزع: القلع كما مر
(ع عن أنس) وفيه معاذ بن سعد الذهبي قال مجهول وداود بن الزبرقان قال أبو داود متروك والبخاري مقارب(1/417)
796 - (إذا قصر) بالتشديد (العبد) أي الإنسان المكلف (في العمل) أي في القيام بما عليه من الواجب (ابتلاه الله) تعالى (بالهم) ليكون ما يقاسيه منه جابرا لتقصيره مكفرا لتهاونه ومن ثم قال في الحكم من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان. وروى الحكيم عن علي خلق الإنسان يغلب الريح ويتقيها بيده ثم خلق النوم يغلب الإنسان ثم خلق الهم يغلب النوم فأشد خلق ربك الهم فهذا إنسان يغلب الريح إذا قصر في عمله وكله الله إلى نفسه والذي يغلب الريح هو من يغلب هواه فلا يعمل إلا لله ويؤثر آخرته على دنياه
(حم) في كتاب الزهد الكبير (عن الحكم مرسلا) وفي الميزان معضل. ثم إنه مع إعضاده له فيه بيان بن الحكم لا يعرف. ذكره الديلمي وأبو بكر ابن عياش وفيه كلام(1/417)
797 - (إذا قضى الله تعالى) أي أراد وقدر في الأزل (لعبد) من عباده (أن يموت بأرض) وليس هو فيها (جعل له إليها حاجة) زاد في رواية الحاكم فإذا بلغ أقصى أثره توفاه الله بها فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني. قال القرطبي: قال العلماء وهذا تنبيه للعبد على التيقظ للموت والاستعداد له بالطاعة والخروج من المظالم وقضاء الدين والوصية بماله وعليه في الحضر فضلا عن الخروج إلى سفره فإنه لا يدري أين كتبت منيته من البقاع. وأنشد بعضهم يقول:
مشينا خطا كتبت علينا. . . ومن كتبت عليه خطا مشاها. . . وأرزاق لنا متفرقات
فمن لم تأته مشيا أتاها. . . ومن كتبت منيته بأرض. . . فليس يموت في أرض سواها
قال القاضي: وأصل القضاء إتمام الشيء قولا كقوله تعالى {وقضى ربك} أو فعلا كقوله {فقضاهن سبع سماوات في يومين} ويطلق على الإرادة الإلهية بوجوب الشيء من حيث إنه يوجبه
(ت) في القدر (ك) في الإيمان (عن مطر) بفتحتين (ابن عكامس) بضم المهملة وخفة الكاف وكسر الميم فمهملة السلمي صحابي سكن الكوفة الترمذي عن أبي عزة بفتح العين المهملة وشد الزاي بضبط المؤلف واسمه بشار وقيل سنان بن عمرو صحابي سكن البصرة قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمطر غيره. وظاهر صنيع المصنف أن الحاكم لم يروه إلا من الطريق الأول ولا كذلك بل رواه منهما معا وعبارته عن مطر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا قيض الله لرجل موتا ببلدة جعل له بها حاجة وقال على شرطهما وعزاه إلى أبي عزة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة ثم قال رواته ثقات وأبو عزة يسار له صحبة. اه. وبه يعرف أن الحديث يعين اللفظ الذي ذكره المصنف ليس للحاكم(1/417)
[ص:418] 798 - (إذا قضى أحدكم) أي أتم (حجه) أو نحوه من سفر طاعة كغزو (فليعجل) أي فليسرع ندبا (الرجوع إلى أهله) أي وطنه وإن لم يكن له أهل (فإنه أعظم لأجره) لما يدخله على أهله وأصحابه من السرور بقدومه لأن الإقامة بالوطن يسهل معها القيام بوظائف العبادات أكثر من غيرها وإذا كان هذا في الحج الذي هو أحد دعائم الإسلام فطلب ذلك في غيره من الأسفار المندوبة والمباحة أولى. ومنه أخذ أبو حنيفة كراهة المجاورة بمكة وخالفه صاحباه كالشافعي. وفيه ترجيح الإقامة على السفر غير الواجب
(ك هق) وكذا قط (عن عائشة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي(1/418)
799 - (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده) يعني أدى الفرض في محل الجماعة وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه (فليجعل لبيته) أي محل سكنه (نصيبا) أي قسما (من صلاته) أي فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال (فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته) أي من أجلها وبسببها (خيرا) أي كثيرا عظيما كما يؤذن به التنكير لعمارة البيت بذكر الله وطاعته وحضور الملائكة واستبشارهم وما يحصل لأهله من ثواب وبركة وفيه أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام: أي إلا ما سن جماعة وركعتا الإحرام والطواف وسنة الجمعة القبلية فبالمسجد أفضل عند الشافعية. قال العراقي: وفيه أيضا أن الصلاة جالبة للرزق كما قال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة وأصبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك} قال ابن الكمال: وفيه أن المكتوبة حقها أن تقضى في المسجد
(حم م هـ عن جابر) والدارقطني في الأفراد عن أنس بن مالك ورواه الترمذي في العلل عن جابر ثم قال الأصح عن جابر عن أبي سعيد(1/418)
800 - (إذا قعد أحدكم إلى أخيه) في الدين وإن لم يكن من النسب ليسأله عن شيء من المسائل الشرعية ونحوها (فليسأله تفقها) أي سؤال تفهم وتعلم للفقه (ولا يسأله تعنتا) أي سؤالا غير مستفيد بل ممتحن أو ليدخل المشقة عليه في تكليفه الجواب عما لا ضرورة إليه أو لا يتيسر له استحضاره ذلك الوقت فإن هذا بهذا القصد حرام شديد التحريم والتعنت بالتحريك الفساد ودخول المشقة على الإنسان
(فر عن علي) وفيه المسيب بن شريك. قال الذهبي متروك(1/418)
801 - (إذا قلت لصاحبك) أي جليسك سمي صاحبا لأنه صاحبه في الخطاب (والإمام يخطب) جملة حالية مشعرة بأن ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام خلافا لأبي حنيفة (يوم الجمعة) ظرف لقلت (أنصت) اسكت واستمع (فقد لغوت) من لغا يلغو لغوا إذا قال باطلا أي تركت الأدب أو تكلمت بما لا ينبغي أي خبت أو ملت عن الصواب أو عدلت عن اللائق لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين فكما لا ينبغي التكلم في المنوب فكذا النائب هذا في حق من أمر بمعروف فكيف بالمتكلم ابتداء؟ فخليق بمثله أن يلحق بالحمار الذي يحمل الأسفار. فالكلام منهي عنه عند الشافعية تنزيها وتحريما عند الثلاثة. قال في الكشاف: واللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته. وفي رواية لغيت. قال الكرماني: وظاهر القرآن يقتضيها إذ قال {والغوا فيه} وهو من لغى يلغي ولو [ص:419] كان يلغو قال الغو بضم الغين - وقد اختلفت الروايات في ألفاظ هذا الخبر. ففي رواية قدم الإنصات على الجمعة وفي أخرى عكس وفي أخرى قدم الإمام. وفي أخرى قدم المأموم قال ابن الأثير وكل من هذه له فائدة. فمن كانت عنايته بأخذ الأشياء الثلاثة قدمه في الذكر. والكل سواء. فإنه لابد من ذكر الإنصات والجمعة والإمام وبذكرها يحصل الغرض. وأيها قدم أصاب <تنبيه> أخذ الحنفية منه منع تحية المسجد حال الخطبة. لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة فمنعها أولى. وعارضهم الشافعية بأمر الداخل بالتحية في أخبار أخر
(مالك) في الموطأ (حم ق د ن هـ عن أبي هريرة) لكن قدم في مسلم يوم الجمعة ولم يذكر أبو داود لصاحبك يوم الجمعة(1/418)
802 - (إذا قمت في صلاتك) أي شرعت فيها (فصل صلاة مودع) أي إذا شرعت فيها فأقبل على الله وحده ودع غيره لمناجاة ربك (ولا تكلم) بحذف إحدى الناءين تخفيفا (بكلام تعتذر) بمثناه فوقية أوله بضبط المصنف (منه) أي لا تتكلم بشيء يوجب أن يطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه (وأجمع) بقطع الهمزة وجيم ساكنة وميم مكسورة لأنه من أجمع الذي هو متعلق بالمعاني دون الأعيان: لا من جمع. فإنه مشترك بينهما. قال في النهاية: الاجماع إحكام النية والعزيمة (الإياس) بكسر الهمزة وخفة المثناة تحت (مما في أيدي الناس) أي اعزم وصمم على قطع الأمل مما في يد غيرك من جميع الخلق فإنه يريح القلب والبدن. وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. قال الراغب: وأكثر ما يقال أجمع فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكر نحو {أجمعوا أمركم وشركاءكم} والإياس: القنوط وقطع الأمل <تنبيه> من البين أن كلا من الكلام المحوح للعذر والإياس مما في أيدي الناس مأمور به لا بقيد القيام إلى الصلاة
(حم هـ عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري رمز لصحته(1/419)
803 - (إذا كان يوم القيامة أتى بالموت كالكبش الأملح) أي الأبيض الذي يخالطه قليل سواد قال الزمخشري: والملحة في اللوان بياض تشقه شعرات سود هي من لون الملح (فيوقف بين الجنة والنار فيذبح) بينها وفي رواية ابن ماجه فيذبح على الصراط وأبي يعلى والبزاز يذبح كما تذبح الشاة والذابح جبريل أو يحيى بن زكريا أو غيرهما (وهم ينظرون) أي أهل الموقف وإن لم يتقدم لهم ذكر من قبل {حتى توارت بالحجاب} (فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة) لكن لم يقدر موت أحد من شدة الفرح (ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار) لكن الحزن لا يميت أحدا أي غالبا فلا يموتون. قال الغزالي: هذا مثل ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت فقد جبلت القلوب على التأثر بالأملة وثبوت المعاني فيها بواسطتها. والرسل إنما يكلمون الناس في الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم والنائم إنما يحتمل المثال فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله ولطفا بعباده وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل اه. وقال القرطبي: بل يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أنه الموت ويجعل ذبحه دليلا على الخلود في الدارين. وحكمة جعله كالكبش ما جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش وقد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح اه وتبعه عليه جمع فقالوا الذبح حقيقي والذابح متولي الموت وكلهم يعرفونه لأنه المتولي قبض أرواحهم. ورجح بأن ملك الموت لو استمر حيا تنغص عيش أهل الجنة ونوزع بأن الجنة لا حزن فيها. قال القرطبي: وفيه أن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية. ومن زعم [ص:420] أنهم يخرجون منها وتبقى خالية وتزول فخارج عما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة. اه. قال ابن حجر وجمع بعض المتأخرين منهم ابن القيم فيه سبعة أقوال: أحدها هذا نقل عليه الإجماع. والثاني يعذبون إلى أن تنقلب طبيعتهم فتصير نارية فيتلذذون لموافقة طبعهم وهو قول من ينسب إلى التصوف من الزنادقة. الثالث يدخلها قوم ويخرجون ويخلفهم آخرون. الرابع يخرجون وتستمر هي بحالها. الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفنى وهو قول الجهمية. السادس تفنى حركاتهم البتة. وهو قول العلائي. السابع يخرج أهلها منها ويزول عذابها. جاء عن بعض الصحب أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عمر من قوله وهو منقطع. ونصره بعض المتأخرين من جهة النظر وهو مذهب رديء أطنب السبكي في رده وقد مر ذلك بأبسط من هذا
(ت عن أبي سعيد) الخدري
(1) (إذا كان يوم القيامة أتى بصحف<1>) جمع صحيفة قال الزمخشري: وهو قطعة من جلد أو قرطاس يكتب فيه (مختتمة) أي مطبوع عليها بما يمنع من النظر إلى ما فيها (تنصب بين يدي الله) تعالى: أي تظهر وتقام ويقرأ ما فيها بين يديه (فيقول الله للملائكة اقبلوا هذا العمل) وهو عبارة عن الاعتداد وإثابة فاعله عليه (وألقوا هذا العمل) وهو عبارة عن رده وعدم الاعتداد به (فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول) نعم (ولكن كان) عمل (لغيري) أي عمل العامل قاصدا به رياء أو نحوه (ولا أقبل اليوم إلا ما ابتغى وبه وجهي) بين أن الرياء يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة مستوجبا للثواب بها لوعد من الله. لكن هذا في الرياء المض. فإن تبعض أثيب بالحصة عند كثير. واعتبر آخرون غلبة الباعث. واختار الإمام الغزالي الأخذ بالإطلاق: وأنه متى تطرق منه شعبة إلى العمل ارتفع القبول. وشرح ذلك يطول (سمويه) بشد الميم بوزن علويه وهو إسماعيل بن عبد الله (عن أنس) بن مالك
(2) (إذا كان يوم القيامة نودي: أين أبناء الستين) من السنين وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز {أولم نعمركم ما - مفعول مطلق أي تعميرا - يتذكر فيه من تذكر} أي أراد أن يتذكر؟ ومبدأ التذكر تمام العقل وهو بالبلوغ والستون نهاية زمن التذكر وما بعده هرم (طب هق عن ابن عباس)
(3) (إذا كان يوم القيامة عرف) بالبناء للمفعول (الكافر بعمله) أي عرفه الملائكة بما عمله من الذنوب في الدنيا وعددتها له (فجحد) أي أنكرصدورها منه (وخاصم) الملائكة (فيقال) له (هؤلاء جيرانك) في دار الدنيا يشهدون عليك) بما عملته (فيقول كذبوا فتقول) بمثناة فوقية أوله يعني الملائكة أو بمثناة تحتية أي الملك الموكل به (أهلك وعشيرتك) أي معاشروك الذين أيديهم وأيديك واحدة: والعشيرة - كما في الصحاح وغيره - القبيلة والمعاشر المخالط (فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون) أي فيشهد أهله وجيرانه فيكذبهم فتقول لهم الملائكة أو الملك: احلفوا أنه عمل ذلك فحلفون أنه فعله (ثم يصمتهم الله) أي يسكتهم والتصميت - كما في الصحاح وغيره - التسكيت (وتشهد عليهم ألسنتهم) شهادة حقيقية (فيدخلهم النار) أي يقضي عليهم بدخول نار جهنم خالدين فيها أبدا (ع ك عن أبي سعيد) الخدري
(4) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي ملك أو غيره من خلق الله تعالى بأمره (من بطنان العرش) أي من باطنه الذي لا تدركه الأبصار. قال في الصحاح: بطنان الجنة وسطها. وقال الزمخشري: تقول العرب هو في بطنان الشباب أي في وسطه. وقال الراغب: يقال لما تدركه الحواس ظاهرا ولما خفي باطنا ومنه بطنان القدر وظهرانها (يا أهل الجمع) أي الخلائق الذين اجتمعوا في الموقف. قال في الصحاح: الجمع اسم لجماعة الناس ويجمع على جموع والموضع مجمع بفتح الميم الثانية وكسرها. وفي المصباح: الجمع الجماعة تسمية بالمصدر والمجمع موضع الإجماع (نكسوا رؤوسكم) أي اخفضوها (وغضوا أبصاركم) كفوها واحبسوها (حتى تمر فاطمة) الزهراء (بنت محمد) خاتم الأنبياء حبيب الرحمن (على الصراط) لتذهب إلى الجنة (فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق) في السرعة والمضاء. ويظهر أن المراد بالسبعين ألفا التكثير لا خصوص العدد قياسا على نظائره. وهذا فضل لها فخيم من ذلك [ص:421] الموقف العظيم وفيه إشعار بأنها أفضل النساء مطلقا (أبو بكر) الشافعي (في) كتاب (الغيلانيات) عن محمد بن يونس عن حسين بن حسن الأشقر عن قيس بن الربيع عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال المصنف في مختصر الموضوءات: محمد بن يونس هو الكريمي وهو والثلاثة فوقه متروكون
(5) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أيها الناس) بحذف حرف النداء (اغضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة إلى الجنة) أي تسلك الصراط وتقطعه إلى الجنة قال في الصحاح: جاز الموضع سلكه فيه يجوز جوازا وإجازة خلفه وقطعه واجتاز سلك. ولا ينافي هذا وما قبله قوله تعالى {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} الجواز أن يقال باختلاف الأحوال في ذلك اليوم. وأن المراد إظهار شرف بنت خاتم الأنبياء على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف بإسماعهم ذلك وإن كانوا في شغل شاغل عن النظر (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات) عن سمائه بنت حمدان الأنبارية عن أبيها عن عمرو بن زياد النوباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء (عن أبي هريرة)
(6) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه) أي في الدين وإن لم يكن لأمه أو أبيه. والقصد بذلك التنبيه على فضل العفو وعظم منزلة العافين عن الناس والله يتولى إثابتهم إكراما لهم: وفيه عدم وجوب العفو لأنه تبرع أثنى الله ورسوله عليه والتبرع فضل لا واجب. ذكره الغزالي قال وفيه رد على من قال من السلف: الأولى عدم العفو. وقول سعيد بن المسيب: لا أحلل ممن ظلمني وابن سيرين لا أحرمها عليه: أي الغيبة فأحللها له إن الله حرمها عليه وما كنت لأحلل ما حرم الله: محمول على العفو قبل الوجوب فإذا عفا عن الغيبة مثلا قبل وقوعها فله المطالبة بها يوم القيامة (خط عن ابن عباس)
(7) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم خصماء الله) جمع خصم وهو مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كالعدل والصوم (وهم القدرية) أي النافون للقدر الزاعمون أن كل عبد خالق فعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته وهم المعتزلة فنسبوا إلى القدر لأن بدعتهم وضلالتهم من قبل ما قالوه في القدر من نفيه لا لإثباته وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر كما أن الجبرية هم الذين قالوا بالجبر قالوا لأن الشيء إنما ينسب للمثبت لا للنافي ومنع بأن قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وخبر القدرية مجوس هذه الأمة نص في أنهم المراد وبه ينسد باب التأويل في هذا الحديث وقد أحسن من قال هذا الحديث غل - بضم الغين وهو القيد وبالكسر: الغل في الصدر - في عنقهم. فإن المجوس قائلون بمبدأين مستقلين النور والظلمة أو يزدان وهرمن والمعتزلجعل الله والعبد سواء تنفي قدرته عن شأنه عما يقدر عليه عبده وعكسه. قال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله ولا كما قالت الملائكة ولا كما قال النبيون ولا كما قال أهل الجنة ولا كما قال أهل النار ولا كما قال أخوهم إبليس قال الله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وقالت الملائكة {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} وقال شعيب النبي {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله} وقال أهل الجنة {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} وقال أهل النار {ربنا غلبت علينا شقوتنا} وقال أخوهم إبليس {بما أغويتني} والحق أنه لا جبر ولا تفويص ولكن أمر بين أمرين وخير الأمور أوساطها فتقديره تعالى لا يخرج العبد إلى حيز الاضطرار ولا يسلب عنه الاختيار (طس عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية ابن الوليد وفيه كلام وحبيب بن عمر الأنصاري قال الدارقطني متروك وضعفه الذهبي
(8) (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع الواهب فيها) أي إذا أقبضه إياها. ومفهومه له الرجوع فيما وهبه لأجنبي وهو مذهب الحنفية ومذهب الشافعية أن للأصل لا لغيره الرجوع فيما وهبه لفرعه لا لغيره (قط ك هق عن سمرة) بن جندب بن هلال الفزاري
_________
<1> أثبت الشارح ثمان أحاديث ابتداء من هذا الحديث ولم توجد هذه الأحاديث بسائر نسخ المتن وحفظا لأصل الشارح أثبتنا الأحاديث وميزناها بأرقام من 1 إلى 8 فليتنبه القارىء. اه(1/419)
804 - (إذا كان) هي هنا تامة وفيما مر فلا تحتاج إلى خبر والمعنى إذا وجد (يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب [ص:422] المسجد) لامه للجنس أو للاستغراق. فالمراد جميع المساجد وخصها لأن الغالب إقامة الجمعة في مسجد (ملائكة) بالتنكير للتكثير لمناسبة المصلين أي جمع كثير من الملائكة وهم هنا غير الحفظة كما يفيده قوله الآتي طووا الصحف فوظيفة هؤلاء كتابة من يحضر الجمعة أولا فأولا واستماع الذكر (يكتبون الناس) أي أجور المجتمعين (على قدر منازلهم) أي مراتبهم في المجيء. ولهذا قال (الأول) أي ثواب من يأتي في الوقت الأول (فالأول) أي يكتبون ثواب من يجيء بعده في الوقت الثاني سماه أولا لأنه سابق على من يجيء في الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق وقال في شرح المصابيح: الأول فالأول نصب على الحال وجاءت معرفة وهو قليل وقال الزركشي: الأول فالأول نصب على الحال: أي مرتبين وجاز مجيئهما معرفة على الشذوذ فإذا جلس الإمام أي صعد المنبر وجلس عليه للخطبة (طووا) أي الملائكة (الصحف) صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة لا غيرها من أعمالها فإنه إنما يكتبها الحافظان وهي جمع صحيفة الورقة التي يكتب فيها وفي استماع الملائكة الخطبة حث على استماعها لنا وهو سنة وإن كان سماعها واجبا (وجاؤوا يستمعون الذكر) أي الخطبة فلا يكتبون ثواب من يجيء في ذلك الوقت (ومثل المهجر) أي وصلاة الآتي في أول ساعة وهو اسم فاعل من هجر يهجر: إذا بكر وأتى الأمر من أوله أو من هجر منزله إذا تركه أي وقت كان وكيفما كان ليس من الهاجرة التي هي شدة الحر كما زعمه المالكية (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الذي يهدي) بضم أوله: أي يقرب (بدنه) أي يتصدق ببعير ذكرا أو أنثى متقربا إلى الله: فالهاء للوحدة لا للتأنيث قال في الكشاف: سميت به لعظم بدنها وهي للإبل خاصة وقال غيره للتبدن وللبدانة: السمن وفي رواية ابن جريج عن عبد الرزاق فله من الأجر مثل الحزور وظاهره أن الثواب لو تجسد كان قدره (ثم كالذي يهدي بقرة) ذكرا أو أنثى فالهاء للوحدة سميت به لأنها تبقر الأرض: أي تشقها وهذا خبر مبتدأ محذوف تقديره ثم الثاني أي الآتي في الساعة الثانية كالذي يهدي بقرة وليس معطوفا على الخبر الأول لئلا يقعا معا مع عدم اجتماعهما خبرا عن واحد وهو ممتنع وكذا يقدر في الثلاثة الآتية وانحطاط رتبة البقرة هنا عن البدنة موافق لما في الأضحية من حيث الأفضلية المناسبة لما هنا ومخالف له من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ثم وفرق بأن المععتبر هنا كبر الجسم في البدنة مع كونها أحب أموال العرب وأنفسها عندهم وثم كثرة اللحم وأطيبته وهو في البدنة أكثر وفي البقرة أطيب فيعتدلان فسوى بينهما (ثم كالذي يهدي الكبش) فحل الضأن في أي سن كان أو إذا أربع أو إذا أثنى ووصفه في رواية بكونه أقرن لكماله وحسن صورته ولأن قرنه ينتفع به وفي صحيح ابن خزيمة شاة بدل كبش وهي محمولة عليه (ثم كالذي يهدي الدجاجة) بتثليث الدال والفتح أفصح وفي صحيح ابن خزيمة طائر بدل دجاجة وهي محمول عليها واستشكل التعبير بالهدي في دجاجة وبيضة بأنه لا يكون منهما وأوجيب بأنه من باب المشاكلة أي من تسمية الشيء باسم قرينه والمراد بالهدي هنا التصدق (ثم كالذي يهدي البيضة) بيضة دجاجة كما هو المتبادر وفي النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفورا ثم بيضة وإسنادهما صحيح وبذلك يتضح استيعاب الست ساعات التي هي نصف النهار وليس المراد بها الفلكية كما في الروضة تبعا للنص لئلا يستوي الإتيان في طرفي ساعة بل أوقات تترتب فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة لكن في المجموع وشرح مسلم المراد الفلكية لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير وبدنة المتوسط متوسطة وفي إعتناء الملائكة بكتابه السابق دلالة على ندب التبكير إليها وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أفضلية [ص:423] تأخير الذهاب إلى الزوال وأشعر قوله فإذا خرج الإمام طويت الصحف أنه مستثنى من ندب التبكير لدلالته على أنه لا يخرج إلا بعد انقضاء وقت التبكير فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعا للمصطفى وخلفائه
(ق ن هـ عن أبي هريرة)(1/421)
805 - (إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وكسرها أي أقبل ظلامه قال الطيبي جنح الليل طائفة منه وأراد به هنا الطائفة الأولى منه عند امتداد فحمة العشاء (فكفوا صبيانكم) ضموهم وامنعوهم من الخروج ندبا فيه وفيما يأتي وقال الظاهرية وجوبا (فإن الشيطان) يعني الجن وفي رواية للشيطان ولامه للجنس (تنتشر حينئذ) أي حين فحمة العشاء لأن حركتهم ليلا أمكن منها نهارا إذ الظلام أجمع لقوى الشيطان وعند ابتداء انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فخيف على الأطفال من إيذائهم (فإذا ذهب ساعة من الليل) وفي رواية من العشاء (فحلوهم) بحاء مهملة مضمومة في صحيح البخاري وفي رواية له أيضا بخاء معجمة مفتوحة وحكي ضمها أي فلا تمنعوهم من الخروج والدخول (وأغلقوا) بفتح الهمزة (الأبواب) أي ردوها وفي رواية البخاري لها وأغلق بابك بالإفراد خطاب لمفرد والمراد به كل واحد فهو عام من حيث المعنى (واذكروا اسم الله) عليها (فإن الشيطان) أي الجنس (لا يفتح بابا مغلقا) أي وقد ذكر اسم الله عليه ولا يناقضه ما ورد أنه يخطر بين المرء وقلبه وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فإن هذه أطوار وأحوال ولله أن يشكلها في أي صورة شاء وليس لها التصرف بذاتها وقد يجعل الله هذه الأسباب قيودا لها وتصديق من لا ينطق عن الهوى فيما جاء به واجب (وأوكثوا قربكم) سدوا أفواهها بنحو خيط (واذكروا اسم الله) على ذلك فإنه السور العظيم والحجاب المنيع الدافع للشيطان والوباء والحشرات والهوام والأولى أن يقال ما ورد بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء (وخمروا) غطوا (آنينكم) جمع قلة وجمع الكثرة أواني (واذكروا اسم الله) عليها فإن السور العريض والحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان ولو شاء ربك لكان الغطاء كافيا أو ذكر اسم الله كافيا لكنه قرن بينهما ليعلم كيفية فعل الأسباب في دارها وليبين أنها إنما تفعل بذكر الله عليها لا بذاتها (ولو أن تعرضوا) بفتح أوله وضم الراء وكسرها والأول كما قاله العيني أصح والمذكور بعد لو فاعل فعل مقدر أي ولو ثبت أن تعرضوا أي تضعوا (عليه) الإناء (شيئا) أي على رأسه قال الطيبي: جواب لو محذوف أي لو خمرتموها عرضا بشيء كعود وذكرتم اسم الله عليه كان كافيا والمقصود أن يجعل نحو عود على عرضه فإن كان مستدير الفم فهو كله عرض وإن كان مربعا فقد يكون له عرض وطول فيجعله عليه عرضا لا طولا والمراد وإن لم يغطه فلا أقل من ذلك أو إن فقدتم ما يغطيه فافعلوا المقدور ولو أن تجعل عليه عودا بالعرض وقيل المعنى اجعلوا بين الشيطان وبين آنيتكم حاجزا ولو من علامة تدل على القصد إليه وإن لم يستول الستر عليه فإنها كافية مع ذكره عاصمة بفضاء الله وأمره وقد عمل بعضهم بالسنة فأصبح والأفعى ملتفة على العود (وأطفئوا مصابيحكم) اذهبوا نورها ولا يكون مصباحا إلا بالنور وبدونه فتيلة والمراد إذا لم تضطروا إليه لنحو برد أو مرض أو تربية طفل أو نحو ذلك والأمر في الكل للإرشاد وجاء في حديث تعليل الأمر بالطفي بأن الفويسقة تجر الفتيلة فتحرق البيت وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشفق على أمته من الوالدة بولدها ولم يدع شفقته دينية ولا دنيوية إلا أرشد إليها قال النووي رحمه الله وفيه جمل من أنواع الخير وآداب جامعة جماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتصل السلامة من آفات الدارين. وقال القرطبي: تضمن هذا الحديث أن الله أطلع نبيه على ما يكون في هذه الأوقات [ص:424] من المضار من جهة الشياطين والفأر والوباء وقد أرشد إلى ما يتقي به ذلك فليبادر إلى فعل تلك الأمور ذاكرا لله ممتثلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم شاكرا لنصحه فمن فعل لم يصبه من ذلك ضرر بحول الله وقوته. وفيه رد علي من كره غلق الباب من الصوفية وقال الصوفية يفتحون ولا يغلقون
(حم ق دن عن جابر)(1/423)
806 - (إذا كان يوم صوم أحدكم) فرضا أو نفلا (فلا يرفث) مثلث الفاء أي لا يتكلم بفحش قال أبو زرعة ويطلق في غير هذا المحل على الجماع ومقدماته وعلى ذكره مع النساء ومطلقا (ولا يجهل) أي لا يفعل خلاف الصواب من قول أو فعل فهو أعم مما قبله أو لا يعمل بخلاف ما يقتضيه العلم أو لا يقل قول أهل الجهل والمراد أن ذلك في الصوم آكد وإن كان منهيا عنه في غيره أيضا (فإن امرؤ شاتمه) أي شتمه امرؤ متعرضا لمشاتمته (أو قاتله) أي دافعه ونازعه أو لاعنه متعرضا لمثل ذلك منه فالمفاعلة حاصلة في الجملة (فليقل) بلسانه (إني صائم) أي عن مكافأتك أو عن فعل مالا يرضاه من أصوم له بحيث يسمعه الصائم وجمعه بين اللسان والجنان أولى فيذكر نفسه بإحضاره صيامه بقلبه ليكف نفسه وينطق بلسانه لينكف عنه خصمه قال ابن القيم: أرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن على الصائم أن يحتمي من إفسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره
(مالك) في الموطأ (ق د هـ عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه(1/424)
807 - (إذا كان آخر) في رواية آخر (الزمان) عند نجوم الكذابين وظهور المبتدعين وانتشار الدجالين (واختلفت الأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس أي هوى أهل البدع (فعليكم بدين أهل البادية والنساء) أي الزموا اعتقادهم واجروا على مناهجهم من تلقي أصل الأيمان وظاهر الاعتقاد بطريق التقليد والإشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول عن ذلك كبير ذكره الغزالي ومن لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أهلها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع منها وهو حائم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ولهذا كان الإمام الرازي فيما نقله ابن حجر مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز. وقال السمعاني في الذيل عن الهمداني قال سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحق وهربا من التقليد والآن قد رجعت من العمل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على الحق وكلمة الإخلاص لا إله الا الله فالويل لابن الجويني
(حب في) كتاب (الضعفاء) في ترجمة محمد بن عبد الرحمن السلماني من حديثه (فر) من هذا الوجه (عن ابن عمر) رضي الله عنهما قال ابن طاهر في التذكرة وابن السلماني له عن أبيه عن ابن عمر شيخه متهم بوضعها ولا يجوز الاحتجاج بها ولا ذكرها إلا للتعجب انتهى وقال الصغاني موضوع وقال المؤلف في الدرر سنده واه(1/424)
808 - (إذا كان الجهاد على باب أحدكم) أي قريبا جدا ولو أنه على باب أحدكم مبالغة (فلا يخرج اليه إلا بإذن أبويه) أي أصليه الحيين أو بإذن الحي منهما وإن علا مع وجود أقرب أو كان قنا فيحرم عليه الخروج له بغير إذنه حيث كان مسلما وهذا حيث لم ينته الأمر إلى مصير الجهاد فرض عين وإلا فلا يتوقف على إذن أحد
(عد عن ابن عمر) في ترجمة أبي عبيد المصري من حديثه وقال رأيت شيوخ مصر مجتمعين على ضعفه والغرباء يمتنعون من الأخذ عنه وقد أنكروا عليه أحاديث هذا منها انتهى لكنه ورد بإسناد صحيح رواه الطبراني في الصغير بلفظ إذا كان الغزو على باب البيت [ص:425] فلا تذهب إلا باذن أبويك. قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أسامة بن زيد وهو ثقة ثبت كما هو في تاريخ مصر انتهى فاقتصار المصنف على هذه الرواية الضعيفة وعدوله عن الصحيحة غير صواب(1/424)
809 - (إذا كان لأحدكم شعر) بفتح العين أفصح (فليكرمه) ندبا بأن يصونه من نحو وسخ وقذر ويتعهده بالتنظيف فيفرق شعر الرأس ويمشطه بماء أو دهن أو غيره مما يلينه ويرسل سائره ويمد منقبضه إن أراد عدم إزالته ويسرح اللحية لكن إنما يسن غبا كما يأتي تركها شعثة إظهارا للزهد أو لقلة المبالاة بنفسه وتصفيفها طاقة فوق طاقة ولا بأس بحلق الرأس كما مر سيما إن شق تعهده
(د عن أبي هريرة) رمز لصحته ولا يوافق عليه ففيه سهيل بن أبي صالح قال في الكاشف عن ابن معين ليس بحجة وعن أبي حاتم لا يحتج به ووثقه ناس (هب عن عائشة) وفيه ابن إسحاق وعمارة بن غزية وفيهما خلف(1/425)
810 - (إذا كان أحدكم في الشمس) في رواية في الفيء (فقلص) بفتحات أي ارتفع وزال (عنه الظل وصار) أي بقي (بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم) أي فليتحول إلى الظل ندبا وإرشادا لأن الجلوس بين الظل والشمس مضر بالبدن إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كما هو مبين في نظائره من كتب الطب ذكره القاضي وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك ثم لما خفي هذا المعنى على التوربشتي قال الحق الأبلج التسليم للشارع فإنه يعلم مالا يعلمه غيره فإن قلت هذا ينافيه خبر البيهقي عن أبي هريرة رأيت رسول الله قاعدا في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس قلت محل النهي المداومة عليه واتخاذه عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيرا يتولد منه المحذور المذكور أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضار على أنه ليس فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول وبهذا التقرير انكشف أنه لا اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من قبيل استعمال العدل في البدن كالمنهي عن المثنى في نعل واحدة
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) قال المنذري وتابعيه مجهول وكذا ذكره المناوي فرمز المؤلف لحسنه فيه ما فيه(1/425)
811 - (إذا كان للرجل على رجل حق) أي دين (فأخره إلى أجله كان له صدقة) أي حسنة واحدة (فإن أخره بعد أجله كان بكل يوم صدقة) يعني إذا كان لإنسان على آخر دين وهو معسر فأنظره به مرة كان له أجر صدقة واحدة وإن أخر مطالبته بعد نوع يسار توقيعا ليساره الكامل فله بكل يوم صدقة هذا هو الملائم للتواعد وأما ما يوهمه ظاهر الحديث من أن الإنسان إذا كان له على غيره دين مؤجل أصالة أثيب على الصبر عليه إلى حلول أجله فلعله غير مراد وحمل الأول على أن من عليه الحق رضي بمطالبته قبل محله فأخره هو لا اتجاه له قال القاضي والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها ويقال لعمر الإنسان وللموت الذي ينتهي به
(طب عن عمران بن حصين) الخزاعي كانت الملائكة تسلم عليه وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ضعفه الدارقطني وكذبه ابن أحمد ووثقه حرزة وفيه ابن عياش ونقل عن المصنف أنه رمز لضعفه(1/425)
812 - (إذا كان في آخر الزمان لابد للناس فيها) يعني في تلك المدة أو تلك الأزمان (من الدراهم والدنانير) أي لا محيد [ص:426] لهم عنها يقال لابد من كذا أي لا محيد عنه ولا يعرف استعماله إلا مقرونا بالنفي ووجه ذلك بقوله (يقيم الرجل بها) أي بالدراهم والدنانير (دينه ودنياه) أي يكون بالمال قوامها فمن أحب المال لحب الدين فقد صدق الله في إيمانه والمال في الأصل قوام العباد في أمر دينهم فالحج ونحوه من الفروض لا يقوم إلا به وعيش الحياة في الأبدان كذلك وبه يتقي الأذى ويدفع الشدائد قال الماوردي وكان يقال الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح ويطيب بها كل صلح وأخرج الحليمي عن كعب أول من ضرب الدراهم والدنانير آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما وهما إحدى المسخرات التي قال الله تعالى {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} وجعل آخر الزمان بالاضطرار إليها لا لإخراج عدم الاحتياج في الصدر الأول بل لأن غلبة الخير واصطناع المعروف وإعانة الملهوف فيه أكثر حتى أن من تركها وتخلى للعبادة يجد من يمونه ويقوم بكفايته وأما في آخر الزمان فتقل الخيور وتكثر الشرور وتشح النفوس فيضطر إليها وقدم ذكر الدراهم لأنها أعم تداولا وإشارة إلى أنه إذا اندفعت الحاجة بها ينبغي الاقتصار عليها <فائدة> أخرج الخطيب عن علي أنه قيل له: لم سمي الدرهم درهما والدينار دينارا فقال أما الدرهم فسمي دارهم وأما الدينار فضربه المجوس فسميته دينارا
(طب) من حديث حبيب بن عبيد (عن المقدام) بن معد يكرب قال حبيب رأيت المقدام في السوق وجارية له تبيع لبنا وهو جالس يقبض الدراهم فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره هكذا ورد من عدة طرق قال الهيتمي ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط(1/425)
813 - (إذا كان اثنان يتناجيان) أي يتحادثان سرا (فلا تدخل) أنت وجوبا (بينهما) أي لا تشاركهما فيما أسرا به ولا تصغ إليهما زاد في رواية أحمد إلا بإذنهما وعلله في خبر أبي يعلى بأنه يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن
(ابن عساكر) تاريخه عن ابن عمر وله شواهد(1/426)
814 - (إذا كان أحدكم فقيرا) أي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من كفايته (فليبدأ بنفسه) أي يقدمها بالإنفاق عليها مما أتاه الله كما مر (فإن كان فضل) أي بسكون الضاد: أي شيء زائد بأن فضل بعد كفايته زيادة (فعلى عياله) أي الذين يعولهم وتلزمه نفقتهم (فإن كان فضل فعلى ذي قرابته) من أصوله وفروعه وذي رحمه يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج (فإن كان فضل فهاهنا وهاهنا) كناية عن الإنفاق في وجوه الخير المعبر عنه في رواية باليمين والشمال. قال النووي: إن الابتداء في النفقة على هذا الترتيب وأن الحقوق إذا تزاحمت قدم الآكد فالآكد وأن الأفضل في صدقة التطوع في تنويعها في جهات البر بالمصلحة
(حم م د ن عن جابر) ابن عبد الله(1/426)
815 - (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) أي لا يسقط البصاق (قبل وجهه) أي جهته بل يساره أو تحت قدمه لا عن يمينه للنهي عنه كما مر (فإن الله قبل وجهه) أي فإن قبلة الله أو عظمته أو ثوابه أو رضاه مقابل وجهه (إذا صلى) فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق سواء كان بمسجد أو خارجه لأنه يعد استخفافا بها وهذا من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه سبحانه وخص الإمام من بين الجهات الست إشعارا بشرف المقصد قال في المطامح وهذا تنبيه على وجوب الأدب [ص:427] والتزام شرط الجلوس على بساط الملوك فنبه علي أن المصلي واقف بين يدي ربه فحق عليه أن يلتزم الأدب في قوله وفعله وحركاته وخطراته قال ابن حجر: وفيه أن بصاق المصلي للقبلة حرام ولو في غير المسجد انتهى وليس هذا الحكم في مذهبه بمعمول به
(مالك) في الموطأ (ق ن عن ابن عمر) قال رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فذكره(1/426)
816 - (إذا كان يوم القيامة) خصه لكونه يوم ظهور سؤدده (كنت إمام النبيين) بكسر الهمزة قال القاضي: كالتوربشتي ولم يصب من فتحها ونصبه على الظرفية وذلك لأنه لما كان أفضل الأولين والأخريين كان إمامهم فهم به مقتدون وتحت لوائه داخلون (وخطيبهم) بما يفتح الله عليه من المحامد التي لم يحمده بها أحد قبله فهو المتكلم بين الناس إذا سكتوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند ربهم فيطلق اللسان بالثناء على الله بما هو أهله ولم يؤذن لأحد في التكلم غيره (وصاحب شفاعتهم) أي الشفاعة العامة بينهم أو صاحب الشفاعة لهم ذكره الرافعي في تاريخ قزوين (غير فخر) أي لا أقول ذلك تفاخرا به وادعاءا للعظمة بل اعتدادا بفضله وتحدثا بنعمته إذ المراد لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة ومنحني هذه المنحة فهو إعلام بما خفي من حاله على منوال قول يوسف {احعلني على خزائن الأرض} وكان في أول الحديث تامة بمعنى وجد ويوم القيامة بالرفع فاعلها وكان الثانية ناقصة والتاء اسمها وإمام خبرها وغير فخر منصوب على الحال
(حم ت ك هـ عن أبي) بن كعب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(1/427)
817 - (إذا كان يوم القيامة نودي) أي أمر الله مناديا ينادي (أين أبناء الستين) أي أبناء الستين الكائنون في أي مكان وفائدة السؤال عنهم أنهم بلغوا العمر الذي أعذرهم الله أي أقام عليهم الحجة فيه لبيان اللوم المأخوذ من قوله (وهو العمر الذي قال الله تعالى أولم) استفهام تقريع (نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرناكم عمرا اتعظ العاقل الذي شأنه أن يتعظ فيه وقد أحسن الله إلى عبد بلغه ستين ليتوب عن ذنبه ويقبل بالعمل الصالح على ربه وهو غاية الإمهال فعدم الإقبال حينئذ إهمال ومع ذلك لو بلغ ضعفها ثم أقبل على ربه قبله وإعذار الحكام ثلاثة أيام واعذار حاكم االحكام من الستين إلى مثلها
(الحكيم) الترمذي (طب هب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه إبراهيم بن الفضل المخزومي قال الذهبي في المهذب هو واه(1/427)
818 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) بأمر الله تعالى (لا يرفعن) بنون التوكيد الثقيلة أحد من هذه الأمة المحمدية (كتابه) أي كتاب حسناته (قبل أبي بكر وعمر) تنويها بفضلها على رؤوس الأشهاد وتشهيدا بالفخامة بين العباد وتنزيها لهما في طول الوقوف وقد ثبت في الصحيح أن هذه الأمة سابقة يومئذ في كل شيء ومنه رفع كتبها فيلزم أن كتابهما مقدم في الرفع على جميع الأمم غير الأنبياء
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الرحمن بن عوف) قال في الأصل وفيه [ص:428] الفضل بن جبير الوراق عن داود بن الزبير قال تركه أبو داود وقال الجوزقاني كذاب وقال البخاري مقارب(1/427)
819 - (إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده) يجوز أن يراد به واحد وأن يراد به المتعدد (فيقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله) من أي جهة اكتسبه وفي أي شيء أنفقه نبه به على أنه كما يجب على العبد رعاية حقوق الله في ماله بالإنفاق يلزمه رعاية حقوق الله في بدنه ببذله المعونة للخلق بالشفاعة وغيرها فكما يسأله الله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه يسأله عن تقصيره في جاهه وبخله به فإذا رأينا عالما أو صالحا يتردد للحكام لا يبادر بالإنكار بل يتأمل إن كان لمحض نفع العباد وكشف الضر عنهم مع الزهد واليأس فيما في أيديهم والتعزيز بعز الإيمان وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر فلا حرج عليه لأنه من المحسنين وما على المحسنين من سبيل قال الغزالي: والجاه معناه ملك القلوب بطلب محل فيها للتوصل إلى الاستعانة للفرض وكل من لم يقدر على القيام بنفسه في جميع حاجاته وافتقر لمن يخدمه افتقر إلى جاه في قلب خادمه إذ لو لم يكن له عنده قدر لم يقم بخدمته فقيام القدر في القلوب هو الجاه وهذا له أول قريب لكن يتمادى إلى هاوية لا عمق لها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإنما الحمل في القلوب لجلب نفع أو دفع ضر فالنفع يغني عنه المال والدفع يحتاج إلى الجاه وقدر الحاجة لا ينضبط والخائض في طلب الجاه سالك طريق الهلاك والاشتغال بالتدين والتعبد يمهد له في القلوب ما يدفع به الأذى فلا رخصة في طلبه لأن له ضراوة كضراوة الخمر بل أشد ولذلك يسأل الله تعالى عنه وقال في موضع آخر حقيقة الجاه ملك القلوب فمالكها يتوسل بها إلى المقاصد كمالك المال يتوسل به إليها بل المال أحدها والجاه قوت الأرواح الطالبة الاستعلاء ومن ابتلي بحب الجاه جره إلى الرياء والنفاق ولا يقوم بحق الجاه على الوجه الشرعي إلا الأفراد ولهذا كان مسؤولا عنه وعلاجه مركب من علم وعمل فالعلم أن يتأمل أن آخر أمره الموت ويجعله نصب عينه والعمل أن يتخذ العزلة إلا لضرورة المعيشة وما لا بد له منه كالقليل من المال لا محذور في طلبه فإذا في الجاه سم ودرياق فهو كالمال (تمام) في فوائده
(خط عن ابن عمر) قال مخرجه الخطيب حديث غريب جدا لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به أحمد بن خليد ولا يثبت عن النبي بوجه من الوجوه انتهى وقال ابن عدي حديث لا أصل له ورواه أيضا باللفظ المزبور عن ابن عمر والطبراني في الصغير قال الهيتمي وفيه يوسف بن يونس الأقطش ضعيف وحكم ابن الجوزي بوضعه(1/428)
820 - (إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل) يعني إنسان ولو أنثى أو خنثى (من هذه الأمة) أمة الإجابة (رجلا) يعني إنسانا (من الكفار فيقال له هذا فداؤك من النار) فيورث الكافر مقعد المؤمن من النار بكفره ويورث المؤمن مقعد الكافر من الجنة بايمانه إذ كل مكلف له مقعد في الجنة ومقعد في النار قال القرطبي: وظاهر هذه الأحاديث الإطلاق وليست كذلك وإنما هي في أناس مذنبين يتفضل الله عليهم بمغفرته فأعطى كل واحد منهم فكاكا من النار كما يدل له خبر مسلم يجئ يوم القيامة أناس من المؤمنين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى
(م عن أبي موسى) الأشعري(1/428)
821 - (إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى كل مؤمن ملكا معه كافر فيقول الملك للمؤمن يا مؤمن هاك هذا الكافر فهذا فداؤك من النار) أي فكاكك منها به يعني كان لك منزل في النار لو كنت استحقيته دخلت فيه فلما استحقه هذا الكافر [ص:429] صار كالفكاك لك من النار لأنك نجوت منه وتعين الكافر له فألقه في النار فداءك
(طب ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أبي هريرة) رمز لحسنه(1/428)
822 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي من الملائكة ونكره للتعظيم وزاده تبجيلا بقوله (من وراء الحجب) أي بحيث لا يبصره أهل الموقف (يا أهل الجمع) أي يا أهل الموقف الذي اجتمع فيه الأولون والآخرون (غضوا أبصاركم) نكسوها (عن فاطمة بنت محمد حتى تمر) أي تذهب وتجوز إلى الجنة فتمر في سبعين ألف جارية من الحور كمر البرق وأهل الجمع هم أهل المحشر الذي يجمع فيه الأولون والآخرون والقصد بذلك إظهار شرفها ونشر فضلها بين الخلائق فلا إيذان فيه بكونها سافرة كما قد يتوهم من الأمر بالغض ولا ينافيه {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} لأن القصد إسماعهم شرفها وإن كانوا في شاغل (تمام) في فوائده عن خيثمة بن سليمان عن إبراهيم بن عبد الله الكوفي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي عن بيان عن الشعبي عن أبي جحيفة عن علي قال ابن الجوزي موضوع العباس كذبه الدارقطني (ك) عن أبي بكر بن عياش وأبو بكر بن أبي دارم وأبي العباس بن يعقوب عن إبراهيم العبسي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي فمن فوقه ممن ذكر (عن علي) صححه الحاكم وقال على شرط مسلم فقال الذهبي لا والله بل موضوع والعباس راويه قال الدارقطني كذاب انتهى وأورده في الميزان في ترجمته وقال هذا من أباطيله ومصائبه وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف فلم يأت بشيء سوى أن له شاهدا(1/429)
823 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عمل عملا لغير الله فليطلب) أمر تهديد ووعيد (ثوابه ممن عمله له) أي يأمر الله بعض ملائكته أن ينادي في الموقف بذلك أو يجعلهم خلفاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل حقيقة أو يقوله رب العزة وتسمعه ملائكته فيتحدثون به أو يلهمهم ذلك فيحدثوا نفوسهم به وفيه حجة لمن ذهب إلى أن نحو الرياء يحبط العمل وإن قل ولا يعتبر غلبة الباعث
(ابن سعد) في طبقاته (عن أبي سعيد بن أبي فضالة) بفتح الفاء المعجمة الخفيفة الأنصاري قال في التقريب صحابي له حديث ورواه أيضا الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد بلفظ إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك انتهى(1/429)
824 - (إذا كانت الفتنة) أي الاختلاف والحروب واقعة (بين) طائفتين أو أكثر من (المسلمين فاتخذ سيفا من خشب) أي من شيء لا ينتفع به ولا يقطع فهو كناية عن العزلة والكف عن القتال والانجماع عن الفريقين. قال الطبري: هذا في فتنة نهينا عن القتال فيها وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها إذ لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين طائفتين من المسلمين الهرب منه وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ووجد أهل الشقاق والنفاق سبيلا إلى استحلال ما حرم من أموال الناس وسفك دمائهم بأن يتحزنوا عليهم ونكف أيدينا عنهم ونقول هذه فتنة فما نقاتل فيها وذلك مخالف لخبر خذوا على أيدي سفهائكم فتعين أن محل الأمر بالكف إذا كان القتال على الدنيا أو لإتباع الهوى أو عصبية
(هـ) وكذا الترمذي (عن أهبان) بضم فسكون ويقال وهمان بن صيفي الغفاري الصحابي روى حديثا واحدا وهو هذا وحسنه الترمذي وتبعه المصنف وسببه أنه دخل عليه علي بالبصرة وسأله الإعانة فقال لجاريته [ص:430] أخرجي سيفي فاذا هو خشب فقال إن ابن عمك عهد إلي فقال فذكره وهو الذي كلمه الذئب وقيل غيره وقال ابن حجر روى الطبراني أن أهبان لما احتضر أوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثالث على السرير(1/429)
825 - (إذا كانت أمراؤكم) أي ولاة أموركم (خياركم) أي أقومكم على الاستقامة وتحرى طريق العدل والبذل (وأغنياؤكم سمحاءكم) أي كرماءكم وأكثركم جودا وتوسعة على المحتاج ومساهلة في التعامل وعدم الالتفات إلى التافهات (وأموركم) أي شؤونكم (شورى بينكم) لا يستأثر أحد بشيء دون غيره ولا يستبد برأي (فظهر الأرض خير لكم من بطنها) يعني الحياة خير لكم من الموت لسهولة إقامة الأوامر واجتناب المناهي وفعل الخير فتزداد حسناتكم (وإذا كانت أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم) مفوضة (إلى نسائكم) فلا تصدرون إلا عن رأيهن (فبطن الأرض خير لكم من ظهرها) أي فالموت خير لكم من الحياة لأن الإخلال بالشريعة وإهمال إقامة نواميس العدل يخل بنظام العالم وحب الاستثار بالمال يفرق الكلمة ويشتت الآراء ويهيج الحروب والفتن وممالأة الكفار على المسلمين وإفشاء الأسرار إليهم وذلك يجر إلى فساد عريض فلا حرج في تمني الموت حينئذ
(ت عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مت فظهر الأرض خير لكم أم بطنها قالوا: الله ورسوله أعلم فذكره قال الترمذي غريب لانعرفه إلا من حديث صالح المري وله غرائب لا يتابع عليها(1/430)
826 - (إذا كانت عند رجل امرأتان) أي زوجتان أو أكثر (فلم يعدل بينهما) أو بينهن في القسم (جاء) أي حشر (يوم القيامة وشقه) بكسر أوله نصفه وجانبه (ساقط) أي ذاهب أو أشل ولفظ رواية الترمذي فيما وقفت عليه من النسخ مائل قال ابن العربي يعني به كفة الميزان فترجح كف الخسران على كفة الخير إلا أن يتداركه الله بلطفه انتهى وعلى ما هو المتبادر من الحمل على الحقيقة فحكمته أن النساء لما كانت شقائق الرجال وكانت الزوجة نفس الرجل ومسكنه ولباسه وعطل واحدة من بينهن جوزي بتعطيل نصفه وفيه مافيه للزوم تعطيل ربعه لواحدة من أربع وثلاثة أرباعه لثلاثة فالأول أظهر فعدم العدل بينهن حرام فيجب القسم للعدد ولو لنحو رتقاء وقرناء وحائض ونفساء ومجنونة لا يخافها ومحرمة وصغيرة لا تشتهى إلا لناشزة أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه وتمنعه التمتع بلا عذر أو تغلق الباب دونه ولا يلزمه التسوية في الاستمتاع كالجماع لتعلقه بالميل القهري
(ت ك عن أبي هريرة) بل رواه الأربعة جميعا قال عبد الحق خبر ثابت قال ابن حجر لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال كذا ذكره في تخريج الرافعي لكنه في تخريج الهداية قال رجاله ثقات(1/430)
827 - (إذا كانوا) أي المتصاحبون (ثلاثة) بنصبه خبر كان وبرفعه على لغة أكلوني البراغيث وكان تامة (فلا يتناجى) بألف مقصورة ثابتة خطا بصورة ياء أي لا يتكلم سرا والتناجي المكالمة سرا (اثنان دون الثالث) لأنه يوقع الرعب في قلبه وفيه مخالفة لما توجبه الصحبة من الألفة والأنس وعدم التنافر ومن ثم قيل إذا ساررت في مجلس فإنك في أهله متهم وتخصيص النهي بما كان في صدر الإسلام حين كان المنافقون يتناجون دون المؤمنين: وهم إذ لو كانوا [ص:431] كذلك لم يكن للتقيد بالعدد معنى وتقييده بالسفر والمواطن التي لا يأمن المرء فيها على نفسه لا دليل عليه ومخالف للسياق بلا موجوب ولا حجة لزاعمه في مشاورة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عند أزواجه لأن علة النهي إيقاع الرعب والمصطفى صلى الله عليه وسلم لا يتهمه أحد على نفسه والنهي للتحريم عند الجمهور فيحرم تناجي اثنين دون الثالث أي بغير إذنه إلا لحاجة. وقال في الرياض: وفي معناه ما لو تحدثا بلسان لا يفهمه
(مالك) في الموطأ (ق عن ابن عمر) ورواه أيضا عنه أبو داود وقال قال أبو صالح قلت لابن عمر فالأربعة قال لا يضر(1/430)
828 - (إذا كانوا ثلاثة) في سفر أو غيره (فليؤمهم أحدهم) أي يصلي بهم إماما (وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) أي أفقههم لأن الأقرأ إذ ذاك كان هو الأفقه بدليل تقديم المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مع نصه على أن غيره أقرأ منه هذا ما عليه الشافعية وأخذ الحنفية بظاهره فقدموا الأقرأ على الأفقه ثم هذا لا ينافي أن أقل الجماعة اثنان لأن ماهنا في أقل الكمال
(حم م عن أبي سعيد) الخدري(1/431)
829 - (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم) ندبا (أقرؤهم لكتاب الله) أي هو أحقهم بالإمامة (فإن كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنا) وفي رواية مسلم إسلاما قال النووي معناه إذا استويا في الفقه ورجح أحدهما بتقدم الإسلام أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها (فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها) أي صورة ويقدم عليه وعند الشافعية الأنسب فالأسبق هجرة فالأحسن ذكرا عند الناس فلأنظف بدنا ولباسا وصنعة فالأحسن صوتا وعند الاستواء في الكل يقرع
(هق عن أبي زيد) عمرو بن أحطب (الأنصاري) وفيه عبد العزيز بن معاوية غمزه الحاكم بهذا الحديث وقال هو خبر منكر ورده في المهذب بأن مسلم روى حديثا بهذا السند انتهى وبه يعرف أن رمز المصنف لضعفه غير صواب وأن حكم ابن الجوزي بوضعه تهور(1/431)
830 - (إذا كبر العبد) أي قال الله أكبر في الصلاة أو خارجها (سترت) أي ملأت (تكبيرته ما بين السماء والأرض) يعني لو كان فضلها وثوابها تجسم لملأ الجو وضاق به الفضاء وقوله (من شيء) بيان لما قاله الطيبي وغيره هذا تمثيل وتقريب والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية وإنما المراد تكثير العدد حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمة جسما تملأ الأماكن لبلغت من كبرها ما يملأ الجو وفيه فضل التكبير والحث على الإكثار منه
(خط عن أبي الدرداء) وفيه إسحاق الملطي قال الذهبي كذاب
(إذا كبر الإمام) (هذا الحديث غيرموجود بنسخ المتن فتنبه اه) أي فرغ من تكبير التحريم (فكبروا) أيها المأمومون (وإذا ركع فاركعوا) عقبه (وإذا سجد فاسجدوا) عقبه (وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا) يعني إذا جلس للتشهد فاجلسوا إذ المتشهد مصل وهو جالس أو المراد إذا جلس الإمام لعذر وافقه المقتدي لئلا يقوم على رأسه وهو قاعد كما يفعل الأعاجم بعضها مع بعض وهذا مندوب أو منسوخ كما ذكره البغوي كالحميدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى قاعدا والناس خلفه قياما ودندن ابن القيم على عدم نسخه بما لا ينجع وقوله (أجمعون) هذا هو في رواية البخاري بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا وفي رواية أجمعين بنصبه على الحال أي جلوسا مجتمعين قال الدماميني أو تأكيدا لجلوسا وكلاهما لا يقول به البصريون لأن ألفاظ التاكيد معارف أو على التأكيد بضمير مقدر منصوب [ص:432] أي أعنيكم أجمعين وأخذ منه منع قيام الخدم على المخدوم عبودية له لأن القيام على رأس الإمام إذا منع مع أنه قيام لله فغيره أولى
(طب عن أبي أمامة) ورواه الشيخان بلفظ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين(1/431)
831 - (إذا كتب أحدكم كتابا) أي كتاب مراسلة أو مبايعة أو مناكحة أو نحو ذلك واحتمال أن المراد ذلك وغيره حتى الكتب العلمية يبعده تعليله بأنه أنجح لقضاء الحاجة فدل على أن المراد المراسلة ونحوها (فليتربه) أي فليذر على المكتوب ما يسمى ترابا أو فليسقطه على التراب ندبا إشارة إلى اعتماده على ربه في إيصاله لمقصده أو نحو ذلك وزعم أن المراد فليخاطب المكتوب إليه خطاب تواضع مناف للسياق (فإنه أنجح لحاجته) أي لقضاء مطلوبه وفي رواية بدل هذا فإن التراب مبارك وقد نظم بعضهم معنى الحديث في قوله:
كتبت الكتاب وتربته. . . لعلي بتتريبه أنجح
لقول النبي لأصحابه. . . ألا تربوا كتبكم تنجحوا
وفيه رد على من كرهه من الكتاب حيث قال:
لا تشنه بما تذر عليه. . . فكفاه هبوب هذا الهواء
فكأن الذي تذر عليه. . . جدري بوجنة الحسناء
قيل: وحكمة الترتيب أن التراب مطهر وخلق منه الإنسان وإليه يعود فأمر بتتريبه ليتذكر ذلك
(ت) في الاستئذان من حديث حمزة عن أبي الزبير (عن جابر) وقال حديث منكر وحمزة هو ابن عمرو النصيبي متروك انتهى فعزو المصنف الحديث لمخرجه وحذفه ما تعقبه به من القادح غير صواب وقد جرى على سنن الصواب في الدرر فقال عقب تخريجه منكر وأفاد الزركشي أن أحمد رواه وقال أيضا منكر وقال المصنف ورواه الديلمي وابن عدي وابن عساكر بألفاظ متقاربة وأسانيدها ضعيفة(1/432)
832 - (إذا كتب أحدكم إلى أحد) من الناس كتابا (فليبدأ) فيه ندبا (بنفسه) أي يذكر اسمه مقدما على اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهينا حقيرا والمكتوب إليه فخما كبيرا فلا يجري على سنن العجم حيث يبدأون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب وإنما الأدب ما أمر به الشارع نعم إن خاف وقوع محذور بمحترم إن بدأ بنفسه بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله إلى معاوية وفيه أيضا عنه أنه كتب إلى عبد الملك ليبايعه لعبد الملك أمير المؤمنين من ابن عمر سلام عليك
(طب عن النعمان بن بشير) وفيه مجهول وضعيف(1/432)
833 - (إذا كتب أحدكم إلى إنسان كتابا) أي أراد أن يكتب له (فليبدأ) فيه (بنفسه) ثم بالمكتوب إليه لأنه من التواضع إذا العادة جرت بتقديم التابع على متبوعه في المشي فكذا في الذكر (وإذا كتب) أي أتم الكتابة (فليترب) كتابه (فهو) أي التتريب (أنجح) لحاجته أي أيسر وأحمد لقضائها
(طس عن أبي الدرداء) وفيه سليمان بن سلمة الجبائري متروك ذكره الهيتمي. وقال السخاوي: أحاديث التتريب كلها ضعيفة(1/432)
[ص:433] 834 - (إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم) أي أراد كتابتها (فليمد) حروف (الرحمن) بأن يبعد بين الميم والنون ويحقق الميم إشارة إلى أن بينهما محل الألف اللفظية وحذفها من الخط اتباعي ويجوف النون ويتأنق في ذلك فإنه سبب للمغفرة كما في خبر تأنق أي تجود. وبالغ رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له وفي خبر الديلمي عن أنس رفعه إذا كتبتم كتابا فجودوا بسم الله الرحمن الرحيم تقضى لكم الحوائج وفيه رضا الله انتهى وفيه عويد متروك وهذا إشارة إلى أن ما اصطلح من مشتق الخط في المكاتبات غير مستقبح في كتابة شيء من الكتاب والسنة وكذا العلوم الشرعية فإن القصد بها معرفة صنيع الألفاظ وكيفية مخارجها وإظهار حروفها وضبطها بالشكل والإعجام ومن ثم قالوا إعجام الخط يمنع من استعجامه وكله يؤمن من استشكاله وقالوا رب علم تعجم فصوله فاستعجم محصوله والكتاب أهملوا ذلك إشارة إلى أنهم لفرط إدلائهم بالصنعة وتقديمهم في الكتابة يكتفون بالإشارة ويقتصرون على التلويح ويتجه عدم جواز ذلك في القرآن. <تنبيه> قال ابن عربي هذه الحروف ليس لها خاصية من حيث كونها حروفا بل من حيث كونها أشكالا فلما كانت ذوات أشكال كانت الخاصية للشكل فلهذا أمر بتبينيها ومن ثم اختلف عملها باختلاف الأقلام لأن الأشكال تختلف وأما المرقمة فإذا وجدت أعيانها على أوضاعها صحبتها أرواحها وخواصها فكانت خاصية ذلك الحرف بشكله وتركيبه مع زوجه وكذا إن كان الشكل مركبا من حرفين أو أكثر كان للشكل روح ليس الروح الذي للحرف
(خط في الجامع) بين أدب الراوي والسامع (فر عن أنس) قال الذهبي فيه كذاب(1/433)
835 - (إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين) أي أوضحها وبين سننها إجلالا لاسم الله وإعظاما له وفي خبر رواه الخطيب عن أنس جودوا السين من بسم الله تقضى لكم الحوائج
(خط) في ترجمة ذي الرآستين الفضل بن سهل (وابن عساكر) في تاريخه (عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك كاتب الوحي (عن أنس)(1/433)
836 - (إذا كتبت) أي أردت أن تكتب (فضع قلمك على أذنك) حال الكتابة أي اجعله بأزائها مما يلي الصدغ (فإنه أذكر لك) أي أعون لك على تذكير ما تكتب وهذا أمر إرشادي
(ابن عساكر في تاريخه عن أنس) قال كان معاوية كاتب الوحي إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم غفلة وضع القلم في فيه فقال يا معاوية إذا كتبت فضع إلخ(1/433)
837 - (إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده) لأن في كتابته بدونه خلطا للصحيح بالضعيف بل والموضوع فيقع الزلل وينسب للرسول ما لم يقل فإذا كتب بإسناده فقد برىء الكاتب من عهدته كما قال (فإن يك) الحديث (حقا كنتم شركاء في الأجر) لمن رواه من الرجال (وإن يك باطلا كان وزره عليه) أي على من تعمد فيه الكذب ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: الذي يطلب العلم بلا سند كحاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري. وقال الثوري: السند سلاح المؤمن فإذا لم يكن معك سلاح فيم تقاتل. وقال ابن المبارك: طالب العلم بلا سند كراقي السطح بلا سلم وقد أكرم الله هذه الأمة بالإسناد وجعله من خصوصياتها من بين العباد وألهمهم شدة البحث عن [ص:434] ذلك حتى أن الواحد يكتب الحديث من ثلاثين وجها وأكثر وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي حاتم الرازي لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمة يحفظون آثار نبيهم غير هذه الأمة قيل له ربما روى أحدهم حديثا لا أصل له قال علماؤهم يعرفون الصحيح من غيره فروايتهم الحديث الواهي ليتبين لمن بعدهم
(ك في علوم الحديث وأبو نعيم) والديلمي (وابن عساكر عن علي) رمز لضعفه وليس بضعيف فقط بل قال في الميزان موضوع(1/433)
838 - (إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل) الصالح (ما يكفرها) لقلته وكثرتها (ابتلاه الله بالحزن) بالتحريك وفي رواية بالهم قال الحافظ العراقي والأول الصواب (ليكفرها عنه) به فالأحزان والأكدار في هذه الدار رحمة من العزيز الغفار ومن ثم قال الصوفية إنما يحصل الهم والغم من جهتين التقصير في الطاعة والحرص على الدنيا انتهى وأما حمل الحزن على الندم على المخالفة فغير صواب لأن ذلك ليس ابتلاءا
(حم عن عائشة) قال المنذري رواته ثقات إلا الليث بن أبي سليم وقال العراقي فيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه وقال الهيتمي فيه ليث وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وقد رمز المصنف لحسنه(1/434)
839 - (إذا كثرت ذنوبك) أي وأردت اتباعها بحسنات لها أثر بين وفعل فاعل في محوها والمراد الصغائر (فاسق الماء على الماء) أي اسق المستسقي ولو كنت بشط نحو نهر أو بحر بذكره ليس بقيد بل لنفي توهم أنه لو حازه بلا كلفة فلا أجر له في سقيه وأولى من ذلك أن يقال المراد موالاة السقي وتتابعه أي اسق الماء على أثر سقي الماء بلا فاصل بأن يكون متتابعا (تتناثر) بمثناتين فوقيتين فنون أي فإنك إن فعلت ذلك تتساقط (ذنوبك كما يتناثر الورق من الشجر في الريح العاصف) أي الشديد وفيه ترغيب عظيم في فضل سقي الماء وفخامة لشأنه واللظاهر أنه لا يتعين لذلك مباشرته بنفسه بل يكفي كون الماء ملكا له وتسبب في تسبيله بنحو أجرة وربح سيما إن كانت المباشرة لا تليق به
(خط عن أنس) وفيه هبة الله بن موسى الموصلي قال في الميزان لا يعرف وساق له هذا الخبر(1/434)
840 - (إذا كذب العبد كذبة) بفتح الكاف والنصب أي واحدة منهيا عنها (تباعد الملك) يحتمل أن أل جنسية ويحتمل أنها عهدية والمعهود الحافظ (عنه ميلا) وهو منتهى مد البصر أو هو أن ينظر إلى شخص بأرض مستوية فلا يدري أذكر أم أنثى ذاهب أم آت وفي اصطلاح أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف والخلف لفظي لأن مراده الأولين ذراع العمل والثاني ذراع اليد ويظهر أن المراد بالميل هنا التكثير (من نتن ما جاء به) أي من أجل نتن ريح ما نطق به ذلك الكاذب من الكذب وفي رواية لابن عدي من نتن ريحه فإن قيل كيف يكون للقول رائحة قلنا تعلق الروائح بالأجسام وخلقها فيها عادة لا طبيعة فإذا شاء الباري خلقها مقرونة بالأعراض فتنسب إليها نسبتها إلى الأجسام قال الطيبي: وإذا تباعد الملك من نتن نحو بصل وثوم وتأذى به فتباعده من الكذب أولى وأخذ من الخبر أن الملائكة تدرك من الآدمي ريحا خبيثا عند تلفظه بالمعصية وهل هذه الريح حسية أم معنوية احتمالان رجح بعضهم الأول ولا يقدح فيه عدم إدراكنا لها لأن لها كما قال ابن عربي حجابا على الأنف يمنعنا من إدراك نتنه بل أكابر المؤمنين يدركونه حسيا ألا ترى إلى خبر أحمد عن جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة فقال أتدرون ما هذه الريح هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين وأخذ منه جمع صوفية أنه يتعين على مريد نحو صلاة أو ذكر أن يطهر الظاهر والباطن لئلا يؤذي أحدا من أهل الحضرة الإلهية من أنبياء وملائكة وأولياء بنتن ريحه المتولد [ص:435] من الذنوب سيما الفم إذا نطق بما لا يحل فإن أهل الحضرة لرقة حجابهم وطهارة بواطنهم يشمون رائحة المخالفات ولهذا قال مالك بن دينار والله لو كان الناس يشمون روائح المعاصي كما أشمها ما استطاع أن يجالسني أحد من نتن ريحي. وقد تطابق على قبح الكذب جميع الملل والنحل قال في الكشاف في قوله سبحانه وتعالى {وما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع وواهية لا يخطر ببالهم ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم بكونهم كاذبين حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتخلصون بها عن الكذب انتهى <تنبيه> قال بعضهم: العالم كله مشحون بالملائكة وأذيتهم وأذية مواطنهم وهي مساجدهم التي يتعبدون فها محرمة علينا فليس في العالم موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك كما يأتي فالعالم كله مسجد لهم فأذيتهم بالمعاصي وريح الذنوب وإكرامهم بكف الأذى عنهم وترك الكذب وكشف العورة والقبائح فالكف عن ذلك إكرام للملأ الأعلى المجاورين للقلوب والأرواح والنفوس في عالم الملكوت والأجسام في عالم الملك
(ت) في الزهد (حل) في ترجمة ابن أبي داود (عن ابن عمر) قال الترمذي جيد غريب تفرد به عبد الرحيم بن هارون انتهى وعبد الرحيم قال الدارقطني متروك الحديث يكذب وذكر له ابن عدي مناكير وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه تبعا لتجويد الترمذي
(1) (إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها) <1> أي إذا أراد كل من المتداعيين في التحالف أو نحوه أن يبدأ صاحبه قبله أو عكسه أقرع بينهما فمن خرجت قرعته بتقديم أو تأخير قدم أو أخر ندبا وهذا محله عند الشافعية إذا تساويا كأن تبادلا عينا بعين وإلا بدىء بالبائع ومن في حكمه ندبا
(د عن أبي هريرة)
(2) (إذا كسفت الشمس) أو خسف القمر (فصلوا) للكسوف أو الخسوف (كآخر صلاة صليتموها من المكتوبة) فإن كان ذلك بعد الصبح مثلا فصلوا ركعتين أو الظهر فأربع وهكذا وهذا لم أر من أخذ به من المجتهدين
(طب عن النعمان بن بشير)
_________
<1> هذان الحديثان لم يوجدا في أكثر النسخ وهما في خط المؤلف(1/434)
841 - (إذا كنتم في سفر) طويل أو قصير (فأقلوا المكث) اللبث والانتظار (في المنازل) أي الأماكن التي اعتيد النزول فيها في السفر لنحو استراحة والإقلال من المكث فيها بأن يكون بقدر الحاجة فقط لأن في إطالة المكث فيها تطويلا للسفر الذي هو قطعة من العذاب وقد يقل الزاد أو تعرض قطاع الطريق للقافلة وأشار بقوله فأقلوا إلى تعين النزول للاستراحة فعلى أمير الجيش أو الحج أن يريحهم بالنزول فيها على الوجه المعتاد ولا يكلف العاجز ما لا يطيقه من العجلة
(أبو نعيم) والديلمي (عن ابن عباس) وفيه الحسن بن علي الأهوازي قال الذهبي اتهمه وكذبه ابن عساكر(1/435)
842 - (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى) قال القرطبي الرواية المشهور بألف مقصورة ثابتة في الخط ساقطة في اللفظ لالتقاء الساكنين فهو خبر بمعنى النهي وفي رواية مسلم بغير ألف وهي واضحة والتناجي التحادث سرا (رجلان) يعني اثنان كما في رواية (دون الآخر) بغير إذنه فيحرم فقد يظن أنهما يريدانه بقبيح أو أنهما لم يشاركاه في الحديث احتقارا له وظاهره عموم النهي في كل زمن حضرا أو سفرا وعليه الجمهور كما مر ثم بين غاية المنع. وهو أن يحدث الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يفعل حتى دعا رابعا بأن يتحدث مع الآخر وناجى الطالب للمناجاة فقال (حتى تختلطوا بالناس) أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض ثم علل ذكر النهي بقوله (فإن ذلك) أي التناجي مع انفراد واحد وفي رواية بدله من أجل أن ذلك قال الزركشي أي من أجل وقد يتكلم به مع حذف من (يحزنه) بضم المثناة تحت وكسر الزاي وبفتحها أي يوقع في نفسه ما يحزن لأجله أي بسببه لما تقرر من أنه يظن الحديث عنه بما يؤذيه وذلك كله ناشىء عن بقائه وحده فإذا كان معه [ص:436] غيره أمن ذلك وعليه يستوي في ذلك كله الأعداد كما ذكره القرطبي فلا يتناجى أربع دون واحد ولا عشرة ولا ألف لوجود المعنى في حقه بل وجوده في الكثير أقوى وإنما خص الثالث بالذكر لأنه أقل عدد يتأتى فيه ذلك المعنى ذكره القرطبي قال ابن عربي ومثله ما لو تكلم معه بلسان لا يعرفه الثالث ومحل النهي في غيره مهم ديني أو دنيوي يترتب على إظهاره مفسدة
(حم ق ت هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو داود ولعله أغفله سهوا(1/435)
843 - (إذا لبستم) أي أردتم لبس نحو ثوب فابدؤا بميامنكم (وإذا توضأتم) الوضوء الشرعي (فابدؤا) ندبا (بميامنكم) كذا في نسخ الكتاب وهو الموجود في خطه وفي رواية بأيامنكم قال التوريشتي والرواية الأولى هي المعتمد بها ولا فرق بين اللفظين من طريق العربية فإن الأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة غير أن الحديث تفرد أبو داود بإخراجه ولفظه بميامنكم انتهى. ورد الطيبي بأن الموجود في أبي داود في باب النعال وشرح السنن للبغوي وشرح مسلم والمصابيح بأيامنكم قال وقد أخرجه أحمد بروايته عن أبي هريرة كذلك انتهى وذلك لأن اللبس والتطهر من باب الإكرام واليمين أولى كما مر غير مرة قال الطيبي وخصا بالذكر وكرر أداة الشرط ليؤذن باستقلالهما وأنهما يستوعبان جميع ما يدخل في الباب أما التوضؤ فق مر أنه فتح لأبواب الطاعات كلها فبذكره يستغنى عنها كلها كما في قوله الطهور شطر الإيمان وأما اللباس فلأنه من النعم الممتن بها في آية {قد أنزلنا عليكم لباسا} إشعارا بأن الستر باب عظيم في التقوى وذلك لما عصى آدم ربه عاقبه بإبداء السوءة ونزع اللباس عنه واستدل به المالكية على أن لبس الخاتم في اليسار أولى لأنه من الأفعال التي تتناول باليمين فيجعله في شماله بيمينه إذ ليس من الأفعال الخسيسة فالحديث يتناوله
(د حب عن أبي هريرة) قال في الرياض حديث صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته لكن قال الذهبي في المهذب غريب فرده وقال المناوي حسن(1/436)
844 - (إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه) بأن أراه رؤيا تحزنه أو خلط عليه فيه (فلا يحدث به الناس) ندبا لئلا يستقيله المعبر في تفسيرها بما يزيده هما ويورثه غما مع أن ما من الشيطان أضغاث أحلام لا أثر له ولا عبره بتعبيرة بل يفعل ما مر من الاستعاذة والتفل والتحول
(م هـ عن جابر) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت أن عنقي ضربت فأخذته فأعدته فذكره قال الماوردي يحتمل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم علم أن هذا المنام من الأضغاث بوحي أو قرينة وأما المعبرون فيقولون قطع الرأس يدل على زوال نعمة وسلطان واختلاف أحواله وإن كان عبدا أو مريضا أو مديونا يدل على عنقه وشفائه ووفاء دينه(1/436)
845 - (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها) يعني السلف الصالح (فمن كتم) حينئذ (حديثا) بلغه عن الشارع بطريقه المعتبر عند أهل الأثر (فقد كتم ما أنزل الله عز وجل علي) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما في أخباره
(عن جابر) قال المنذري ضعيف(1/436)
846 - (إذا لقي أحدكم أخاه) في الدين (فليسلم عليه) من اللقاء وهو كما قال الحراني اجتماع بإقبال (فإن حالت بينهما شجرة أو حائط) لفظ أبي داود أو جدار (أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه) ندبا وإن تكرر عن قرب قال الطيبي فيه حث على السلام وإن تكرر عند كل تغير حال ولكل جاء وغاد وقال المناوي قضية الأمر بالسلام عليه وإن قربت مفارقته ثانيا وثالثا وأكثر وقيل بث السلام رفع للضغينة بأيسر مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية
(د هـ هب عن أبي هريرة) بإسناد حسن(1/436)
[ص:437] 847 - (إذا لقيت الحاج) بعد تمام حجه (فسلم عليه وصافحه) أي ضع يدك في يده (ومره) أي اسأله (أن يستغفر لك) بأن يقول أستغفر الله لي ولك والأولى كون ذلك (قبل أن يدخل بيته) أي محل سكنه فإنه إذا دخل انهمك غالبا في اللذات ونيل الشهوات (فإنه مغفور له) الصغائر والكبائر إلا التبعات إذا كان حجه مبرورا كما قيده في عدة أخبار فتلقي الحاج والسلام عليه وطلب الدعاء منه مندوب ولقاء الأحباب لقاح الألباب وأخبار تلك الديار أحلى من الأسمار وقدوم الحاج يذكر بالقدوم على الله تعالى وظاهر الحديث أن طلب الاستغفار منه مؤقت بما قبل الدخول فإن دخل فات لكن في الإحياء عن عمر أن ذلك يمتد بقية الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول انتهى وعليه فينزل الحديث على الأولوية فالأولى طلب ذلك منه حال دخوله فلعله يخلط أو يلهو
<تنبيه> قال الإمام الرازي: الحكمة في طلب السلام عند التلاقي والمكاتبة دون غيرهما أن تحية السلام طلبت عند ما ذكر لأنها أول أسباب الألفة ولا السلامة التي تضمنها السلام هي أقصى الأماني فتنبسط النفس عند الإطلاع عليه أي بسط وتتفاءل به أحسن فأل قال وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن مع تضمن تحية السلام للتواضع وتجنب الكبر مع التأنيس للوحشة واستمالة القلب وسكون النفس للآتي بها فنفتح أبواب المودة وتتألف القلوب (تتمة) قال العراقي: الخروج المندوب لتلقي الغائب وتشييع المسافر من نحو حاج وغاز لا يختص بحال ولا بمسافة بل هو بحسب العوائد واختصاص المتلقي والمشيع بمن يتلقاه أو يشيعه
(حم عن ابن عمر) رمز لحسنه وليس كما قال فقيه محمد بن عبد الرحمن السلماني ضعفوه وممن جزم بضعفه الحافظ الهيتمي(1/437)
848 - (إذا لم يبارك للرجل) يعني الإنسان (في ماله جعله في الماء والطين) أي في البنيان بهما وسبق أن هذا في غير ما فيه قربة وفيما عدا ما لا بد منه
(هب عن أبي هريرة) وفيه عبد الأعلى بن أبي المقاور تركه أبو داود(1/437)
849 - (إذا مات الميت) من باب المجاز باعتبار ما يؤول إليه. إذا الميت لا يموت بل الحي
قال الزمخشري في خبر " فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة " وسمي المشارف للمرض والضال مريضا وضالة تجوزا وعليه يسمى المشارف للموت ميتا (تقول الملائكة) الذين يمشون مع الجنازة أي يقول بعضهم لبعض (ما قدم) من الأعمال الصالحة أهو صالح فنستغفر له أم لا؟ أو هو تعجب لا استفهام أي ما أكثر ما لزمه من العمل الصالح أو غيره (ويقول الناس) بعضهم لبعض (ما خلف) بشد اللام من التركة الموروثة عنه فالقصد به بيان أن اهتمام الملائكة إنما هو بشأن الأعمال واهتمام الورثة بما تركه ليورث عنه وفيه رد على بعض الفرق الضالة الزاعمين أن الموت عدم محض وفناء صرف كذبوا والله بل هو انتقال من دار إلى دار وتغيير من حال إلى حال
(هب عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن سليمان الجعفي قال النسائي ليس بثقة وعبد الرحمن المحاربي له مناكير(1/437)
850 - (إذا مات الإنسان) وفي رواية: ابن آدم (انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه يعني لا تصل إليه فائدة شيء من عمله كصلاة وحج (إلا من ثلاث) أي ثلاثة أشياء فإن ثوابها لا ينقطع لكونه فعلا دائم الخير متصل النفع ولأنه لما كان السبب في اكتسابها كان له ثوابها (صدقة) لفظ رواية مسلم: إلا من صدقة وتبع المصنف في إسقاطها [ص:438] المصابيح مع ثبوتها في مسلم والحميدي وجامع الأصول والمشارق. قال الطيبي: وهو بدل من قوله: إلا من ثلاث وفائدة التكرير مزيد تقرير واعتناء بشأنها والاستثناء متصل تقديره ينقطع ثواب أعماله من كل شيء كصلاة وزكاة وحج ولا ينقطع ثواب عمله منهذه الثلاثة (جارية) دائمة متصلة كالوقوف المرصدة فيدوم ثوابها مدة دوامها (أو علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف. قال السبكي: والتصنيف أقوى لطول بقائه على ممر الزمان لكن شرط بعض شراح مسلم لدخول التصنيف فيه اشتماله على فوائد زائدة على ما في الكتب المتقدمة فإن لم يشتمل إلا على نقل ما فيها فهو تحبير للكاغد فلا يدخل في ذلك وكذا التدريس فإن لم يكن في الدرس زيادة تستفاد من الشيخ مزيدة على ما دونه الماضون لم يدخل. وما أحسن ما قيل:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة. . . بتقرير إيضاح لمشكل صورة. . . وعزو غريب النقل أو حل مغفل
أو إشكال أبدته فكرة. . . فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد. . . ولا تتركن فالترك أقبح خلة
قال المنذري: ونسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل ما يقي خطه وناسخ ما فيه إثم: عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه (أو ولد صالح) أي مسلم (يدعو له) لأنه هو السبب لوجوده وصلاحه وإرشاده إلى الهدى وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء للوالد. وقيد بالصالح أي المسلم لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلحق الأب من إثم ولده ثم إن هذا لا يعارضه خبر: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وخبر: أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: المرابط إلخ. وخبر: من مات يختم على عمله إلا المرابط لأن السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به. ومعنى خبر المرابط بوجه ما فإن ثواب عمله الذي قدمه في حياته ينمو له إلى يوم القيامة أما هذه الثلاثة فأعمال تجدد بعد موته لا تنقطع عنه لكونه سببا لها فإنه تعالى يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا ما على كسبه سواء فيه المباشرة والسبب وما يتجدد حالا فحالا من منافع الوقف ويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط إرشادهم وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل الوالد كان ذلك ثوابأ لاحقا بهم غير منقطع عنهم وبدأ بالصدفة لأن المال زينة الدنيا والنفوس متعلقة بحبه فايثار الخروج عنه لله آية صدق فاعله ونعني بالعلم لاشتراكه معها في عموم منافعه وجموم مناقبه وختم بدعاء الولد تنبيها على أن شرف الأعمال المتقدمة لا ينكر ولأنها أرجح من الأعمال القاصرة قال النووي: وفيه دليل على صحة الوقف وعظم ثوابه وبيان فضيلة العلم والحث على الإكثار منه والترغيب في توريثه بنحو تعليم وتصنيف وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذا الصدقة وهو إجماع وكذا قضاء الدين
(حم خد م) في الوصايا (3 عن أبي هريرة)(1/437)
851 - (إذا مات أحدكم) أيها المؤمنون الأبرار والكافرون الفجار وفي عصاة المؤمنين تردد (عرض عليه مقعده) أي محل قعوده من الجنة أو النار بأن تعاد الروح إلى بدنه أو إلى بعض منه يدرك به حال العرض ولا مانع منه وشاهده {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} وقيل العرض إنما هو على الأرواح لا الأشباح ورجح ابن حجر أن العرض يقع على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن (بالغداوة والعشي) أي وقتهما (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار) أي إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد [ص:439] أهل الجنة يعرض عليه وإن كان من أهل النار فمقعده من مقاعد أهل النار يعرض عليه فليس الجزاء والشرط متحدين معنى بل لفظا ولا ضير فيه بل يدل على الفخامة (ثم يقال له من قبل الله) أي يأمر الله الملك أو من شاء من خلقه يقول له ذلك (هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه) أي إلى ذلك المقعد (يوم القيامة) أي لا تصل إليه إلا بعد البعث ويحتمل رجوع الضمير إلى الله. كذا قرره التوربشتي وقال الطيبي: يجوز كون معناه فمن كان من أهل الجنة فيبشر بما لا يكنه كنهه ولا يقدر قدره وإن كان من أهل النار فبالعكس لأن هذا القول طليعة تباشير السعادة الكبرى. ومقدمة بتاريخ الشقاوة لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل الجزاء على الفخامة قال: والضمير في إليه يرجع إلى المقعد فالمعنى هذا مقعد يستقر فيه حتى يبعث إلى مثله من الجنة أو النار كقوله تعالى {هذا الذي رزقنا من قبل} أي مثل الذي أويرجع إلى الله أو إلى لقاء الله أو إلى المحشر أي هذا الآن مقعده إلى يوم المحشر فترى عند ذلك كرامة أو هوانا تنشىء عنده هذا المقعد وفيه إثبات عذاب القبر لأن عرض مقعده من النار عليه نوع عظيم من العذاب
(ق ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب(1/438)
852 - (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي كنتم تصاحبونه لقرابة أو صهارة أو جوار أو صدقة أو نحوها (فدعوه) اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حيا ولما كان الترك قد لا يستلزم ترك الوقيعة قال (ولا تقعوا فيه) أي لا تتكلموا في عرضه بسوء ولا تتكلموا بعده بشيء من أخلاقه الذميمة فإنه قد أفضى إلى ما قدم. وغيبة الميت أفظع من غيبة الحي لأنه يرجى استحلاله بخلافه وزعم أن المراد اتركوا محبته بعد موته ولا تقلقوا قلوبكم به بأن تجلوا المصيبة والبكاء عليه والتعزية بعيد من السياق وقد ورد في عدة أخبار الكف عن مساوىء الأموات مطلقا فتخصيص الصاحب للاهتمام وبيان أنه بذلك أحق <تنبيه> زعم بعض شراح المصابيح أنه أراد بالصاحب نفسه وعنى بقوله: فدعوه: أنه لا يؤذي في عشرته وأهل بيته وأن من تكلم فيهم بسوء فكأنه وقع فيه وفيه تكلف
(د عن عائشة) رمز لصحته وهو كما قال فقد قال العراقي: إسناده جيد(1/439)
853 - (إذا مات صاحب بدعة) أي مذمومة بأن لم يشهد لها أصل من أصول الشرع (فقد فتح في الإسلام فتح) أي أغلق باب الضرر عن الناس سيما إن كان داعية وفتح باب النفع فهو استعارة وذلك لأن موته راحة للعباد لإفتانه لهم وللبلاد والشجر والدواب لأن ظهور البدع سبب للقحط فإذا مات جاء الفتح للأنام والأنعام ومن ترك الاتباع وآثر الابتداع وعدل عن منهج جماعة الإيمان وآثر الإصرار على الطغيان وانهمك في غمرات الضلال وجانب أهل الكمال: فحقيق أن يكون موته فتحا من الفتوحات ورحمة من الرحمات فلذلك كان موته عند أهل الإسلام كفتح المدائن العظام والمبتدع يروم هدم قواعد الدين وإفساد عقائد المسلمين فضرره كضرر الكافر بل أشد لأن هذا يستر عدواته ويقاتل أهل الإسلام بخلاف الكافر. وأنشد جمال الإسلام أبو المظفر السمعاني:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى. . . ولا تك بدعيا لعلك تفلح. . . ولذ بكتاب الله والسنن التي
أتت عن رسول الله تنجو وتربح. . . ودع عنك آراء الرجال وقولهم. . . فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهوا بدينهم. . . فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه. . . فأنت على خير تبيت وتصبح
<تنبيه> المراد بالبدعة هنا اعتقاد مذهب القدرية أو الجبرية أو المرجئة أو المجسمة ونحوهم فإن البعة خمسة أنواع: محرمة وهي هذه وواجبة وهي نصب أدلة المتكلمين للرد على هؤلاء وتعلم النحو الذي به يفهم الكتاب والسنة ونحو ذلك ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يعهد في الصدر الأول ومكروهة كزخرفة [ص:440] مسجد وتزويق مصحف ومباحة كالمصافحة عقب صبح وعصر (قوله ومباحة: كالمصافحة إلخ: المصافحة المذكورة بدعة مكروهة لأنها مخالفة للسنة الصحيحة وهي ترك المصافحة عقب الصلوات. قال ابن الحاج في المدخل: وينبغي له - أي للإمام - أي يمنع محدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هي عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع فحيث وضعها للشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة اه من مدخل الشرع الشريف ص 219 ج 2 طبع مصر) وتوسع في لذيذ مأكل وملبس ومسكن ولبس طيلسان وتوسيع أكمام (قوله وتوسيع أكمام: هو من الاسراف المنهي عنه وحكمه الكراهة كتطويل الازار عن الكعبين إن كان من غير خيلاء والا فيحرم كما هو مقرر في الشرع الشريف) ذكره النووي في تهذيبه
(خط عن أنس) قال مخرجه الخطيب الإسناد صحيح والمتن منكر(1/439)
854 - (إذا مات ولد العبد) أي الإنسان ولو أثنى (قال الله لملائكته) الموكلين بقبض الأرواح (قبضتم ولد عبدي) أي روحه (فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة قؤاده) أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة (فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع) أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الطيبي: رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد اله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير وقال أولا: ولد عبدي: أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته فإن خلاصة المرء الفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه ولذلك قال (فيقول الله تعالى) لملائكته) أو لمن شاء من خلقه (ابنوا لعبدي بيتا في الجنة) يسكنه في الآخرة (وسموه بيت الحمد) أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن السلام وابن القيم قالا: فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه
<تنبيه> ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد. وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية (تتمة) قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لاجرم أن الله تعالى حث فيه على الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل
(ت) وكذا الطيالسي والطبراني والديلمي في مسند الفردوس (عن أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن غريب وهو مستند المؤلف في رمزه لحسنه ورواه أيضا ابن حبان والإمام أحمد والبيهقي وغيرهم(1/440)
855 - (إذا مدح المؤمن في وجهه ربى الإيمان في قلبه) أي زاد إيمانه لمعرفة نفسه وإذلاله لها فالمراد المؤمن الكامل الذي عرف نفسه وأمن عليها من نحو كبر وعجب بل يكون ذلك سببا لزيادته في العمل الصالح المؤدي لزيادة إيمانه ورسوخ إبقائه أما من ليس بهذه الصفة فالمدح عليه من أعظم الآفات المفضية بإيمانه إلى الخلل [ص:441] الذي ورد فيه خبر: إياكم والمدح (تتمة) قال في الحكم: المؤمن إذا مدح استحيا من الله أن يثني عليه بوصف لا يشهد من نفسه وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس والزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق
(طب ك عن أسامة بن زيد) قال العراقي: سنده ضعيف(1/440)
856 - (إذا مدح الفاسق) أي الخارج عن العدل والخبر وحسن زيادة الخلق والحق لأن الفسق خروج عن محيط كالكمام للثمرة والجحر للفأرة ذكره الحراني (غضب الرب) لأنه أمر بمجانبته وإبعاده فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل والإشعار باستحسان فسقه وإغرائه على إقامته. وظاهر الحديث يشمل ما لو مدحه بما فيه كسخاء وشجاعة ولعله غير مراد (واهتز) أي تحرك (لذلك) أي لغضب الرب (العرش) واهتزازه عبارة عن أمر عظيم وداهية دهياء وذلك لأن فيه رضا بما فيه سخط الله وغضبه بل يكاد يكون كفرا لأنه ربما يفضي إلى استحلال ما حرم الله وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا وإذا كان هذا حكم مدح الفاسق فكيف بمن يمدح الظالم ويركن إليه وقد قال تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} قال الزمخشري: النهي متناول للانخراط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم والرضا بأعمالهم والنسبة إليهم والتزيي بزيهم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب ذم الغيبة (هب)
من حديث أبي خلف (عن أنس) وأبو خلف هذا قال الذهبي قال يحيى كذاب وقال أبو حاتم منكر الحديث وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف (عد عن بريدة) قال العراقي: وسنده ضعيف وفي الميزان خبر منكر(1/441)
857 - (إذا مررت) من المرور (ببلدة) في حال سيرك (ليس فيها سلطان) أي حاكم وأصل السلطنة القوة ومنه السلاطة لحدة اللسان (فلا تدخلها) فإنها مظنة البغي والعدوان والتهارج ومن بغي عليه فيها لم يجد ناصرا وإذا نهى عن مجرد الدخول فالسكنى أولى وعلله بقوله (إنما السلطان) أي الحاكم (ظل الله) أي يدفع به الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس (ورمحه في الأرض) أي يدفع به ويمنع كما يدفع العدو بالرمح وقد استوعب بهاتين الكلمتين نوعي ما عليه الوالي لرعيته: أحدهما الانتصار من الظالم لأن الظل يلجأ إليه من الحر والشدة والثاني إرعاب العدو ليرتدع عن أذى الرعية فيأمنوا بمكانه من الشر والعرب تكنى بالرمح عن الدفع والمنع قال الماوردي: وبالسلطان حراسة الدين والذب عنه ودفع الأهواء عنه وروى الطبراني أن عمرو بن العاص قال لابنه: سلطان عادل خير من مطر وابل وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم وزلة الرجل عظم يجبر وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر يا بني: استراح من لا عقل له فأرسلها مثلا اه وفي قوله في الأرض: إشارة إلى أن الإمام الأعظم لا يكون في الأرض كلها إلا واحدا ولهذا قال في حديث آخر: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما
(هب عن أنس) بن مالك وفيه الربيع ابن صبيح قال الذهبي ضعيف ومن ثم أطلق السخاوي على الحديث الضعف(1/441)
858 - (إذا مررتم بأهل الشرة) بكسر المعجمة وشد الراء: أي بأهل النشاط في الشر (فسلموا عليهم) ندبا (تطفأ) بمثناة [ص:442] فوق أوله بضبط المؤلف أي فإنكم إن سلمتم عليهم تخمد (عنكم شرتهم وثائرتهم) أي عداوتهم وفتنتهم والنائرة العداوة والشحناء كما في الصحاح مشتقة من النار وفيه سعى في إطفاء النائرة. أي تسكين الفتنة: وذلك لأن السلام أمان فإذا سلمت وردوا فبردهم حصل الأمان منهم ولأن السلام عليهم يؤذن بعدم احتقارهم فيكون سببا لسكون شرتهم قال لقمان: يابني إذا مررت بقوم فارمهم بسهام السلام لكن ينبغي مع ذلك الحذر من مخالطتهم والتلطف في مجانبتهم. قال الجنيد: دخلت على السري وهو يجود بنفسه فجلست وبكيت فسقطت دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلي. فقلت: أوصني قال: لاتصحب الأشرار ولا تشتغل عن الله بمخالطة الأخيار
(هب عن أنس) قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقالوا: إن المنافقين يلحظوننا بأعينهم ويلفظوننا بألسنتهم فذكره. وفيه أبان ابن أبي عياش قال الكاشف: قال أحمد: متروك وفي الميزان عن شعبة: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عنه ما لا أصل له(1/441)
859 - (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها (فارتعوا) أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد (قالوا) أي الصحابة أي بعضهم (وما رياض الجنة) أي ما المراد بها (قال حلق الذكر) بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك قال الطيبي: أراد بالذكر التسبيح والتحميد وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه. فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بن يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة
(حم ت هب عن أنس) قال الترمذي حسن غريب اه وتبعه المصنف فرمز لحسنه(1/442)
860 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم) قال القرطبي أراد مجالس علم الحلال والحرام وقال الغزالي أراد مجالس علم الآخرة وهو العلم بالله وآياته وأفعاله في خلقه وقد تصرفوا فيه بالتخصيص فشهوده بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم فكان سببا مهلكا لخلق كثير ثم إنه فسر الرياض هنا بحلق العلم وفيما قبله بحلق الذكر وفيما يأتي بسبحان الله إلخ ولا مانع من إرادة الكل وإنه إنما ذكر في كل حديث بعضا لأنه خرج جوابا عن سؤال معين فرأى أن الأولى بحال السائل هنا حلق العلم وثم حلق الذكر
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه رجل لم يسم(1/442)
861 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة؟ قال المساجد قيل وما الرتع؟ قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أي ونحوها من الأذكار ونص عليها اهتماما بها لكونها الباقيات الصالحات وتنبيها بها [ص:443] على غيرها من الأذكار. قال الطيبي: وتلخيص الحديث إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول فلما وضع رياض الجنة موضع المساجد بناء على أن العبادة فيها سبب للحصول في رياض الجنة: روعيت المناسبة لفظا ومعنى فوضع الرتع موضع القول. لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل ووسيلة إلى الفوز النبيل
والرتع هنا كما في قول إخوة يوسف {نرتع ونلعب} وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى النزهة في الأرياف والمياه كعادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض والبساتين ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل وقال غيره شبه حلق الذكر والعلم برياض الجنة لأنه تعالى وصف أهلها بأنهم يؤتون ما يشتهون فكذا حلقها يؤتيهم الله أفضل ما يعطى السائلين ولأنه سمى الجنة رحمة وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم في مجالس الذكر: ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا غشيتهم الرحمة. الحديث. فكما أن مجالس الذكر أماكن الرحمة فالجنة مواضع الرحمة ولأن أهل الجنة تطيب حياتهم وقلوبهم بقرب الله فأهل مجالس الذكر تطيب قلوبهم بذكر الله وقال بعض العارفين في الدنيا جنة هي كالجنة في الآخرة فمن دخلها دخل تلك الجنة يريد هذه المجالس لما يدركون فيها من سرور القلب وفرحة بذكر الرب وابتهاجه وانشراحه ونوره حتى قال بعض من ذاق هاتيك اللذة: لو علم الملوك بعض ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات إن كان أهل الجنة في مثلها إنهم لفي عيش طيب. وكما حث الشارع على حضور حلق الذكر نفر عن مجالسة الكذابين ومجالس الخاطئين بقوله {والذين لا يشهدون الزور} فلا ينبغي حضورها ولا قريبها تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينه عما يشينه لأن مشاهدة الباطل فيه شركة
(ت) في الدعوات (عن أبي هريرة) وقال غريب(1/442)
862 - (إذا مر أحدكم في مسجدنا) أيها المسلمون فالمراد جميع مساجد الإسلام لا مسجده عليه السلام (أو في سوقنا) تنويع من الشارع لا شك من الراوي أي مسجد المسلمين أو سوقهم فأضاف إلى الضمير إيذانا بالشرف (ومعه نبل) بفتح فسكون سهام عربية وهي مؤنثة (فليمسك) بضم أوله أي المار (على نصالها) حمع نصل حديدة السهم وعداه بعلى للمبالغة (بكفه) متعلق بقوله يمسك (لا يعقر) بمثناة تحتية بخط المصنف بالرفع استئنافا وبالجزم جواب الأمر أي لئلا يجرح (مسلما) أو غيره كذمي أو حيوان محترم وإنما خص المسلم اهتماما بشأنه وقيل أراد بالكف اليد أي لا يعقر بيده أي باختياره مسلما أو المراد كف النفس أي لا يعقر بكفه نفسه عن إمساكها أي لا يجرح بسبب تركه إمساك نصالها مسلما. وليس المراد خصوص شيء من ذلك بل أن لا يصيب معصوما بأذى بوجه كما دل عليه التعليل وفي رواية البخاري فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء وفي رواية لمسلم: لئلا يصيب به أحدا من المسلمين وفيه تحريم قتال المسلم وقتله وتغليظ الأمر فيه وحجة للقول بسد الذرائع وإشارة إلى تعظيم قليل الذنب وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال المسجد السلاح وفي أوسط الطبراني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليد السلاح في المسجد والمعنى فيه ما مر ومحل النهي عن ذللك إن كان النصل غير مغمود ولا ينافي الحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد لأن التحفظ في صورة اللعب بالحراب يسهل بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ
(ق ده عن أبي موسى) الأشعري(1/443)
863 - (إذا مر رجال بقوم) أي بجماعة (فسلم رجل) أهل لابتداء السلام (من الذين مروا على الجلوس) أي على [ص:444] من لقوهم والجلوس غالبي (ورد من هؤلاء واحد) أهل للرد (أجزأ) البادىء (عن هؤلاء) المارين (و) أجزأ الراد (عن هؤلاء) الجالسين لأن ابتداء السلام من الجماعة سنة كفاية والجواب من الجماعة فرض كفاية. قال ابن بطال: اتفقوا على أن المبتدىء لا يشترط تكريره السلام بعدد من سلم عليهم وأنه لا يجب الرد على كل فرد. قال القاضي حسين: ولا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان سلم حين دخل وخالفه المستظهري فقال: السلام عند الانصراف سنة قال النووي وهو الصواب
(حل عن أبي سعيد) الخدري ثم قال غريب(1/443)
864 - (إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله ويستعمل مجازا في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كجهل وسوء عقيدة وحسد لأنها مانعة من الفضائل مؤدية إلى زرال الحياة الحقيقية الأبدية والمراد هنا الحقيقية: أي إذا مرض المؤمن وكان يعمل عملا قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته لولا المانع إدامته (أو سافر) سفرا مباحا ومنعه السفر مما قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه وخصه بعضهم بما فوق مسافة العدوى واعترض (كتب الله له) أي قدر أو أمر الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحيفة (من الأجر مثل ما كان) أي قدر ثواب الذي كان (يعمل) حال كونه (مقيما) وحال كونه (صحيحا) لعذره في فوت ذلك النفل والعبد مجزي بنيته. قال ابن تيمية: وهذه قاعدة الشريعة أن من صمم على فعل وفعل مقدوره منه بمنزلة الفاعل فيكتب له ثوابه. قال البلقيني وغيره: وهذا مقيد بما إذا اتفق له ذلك ولم يعتده وبأن لا يكون سفر معصية وأن لا يكون المرض بفعله وقوله مقيما هو ما في نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون قالوا فهما حالان مترادفان أو متداخلان ولف ونشر غير مرتب لأن مقيما يقابل أو مسافرا وصحيحا يقابل إذا مرض وحمله ابن بطال على النفل فقط وتعقبه ابن المنير بأنه حجر واسعا بل يدخل فرض شأنه أن يعمل وهو صحيح إ'ذا عجز عنه بالمرض فالقاعد في الفرض يكتب له أجر قائم. قال ابن حجر: واعتراضه غير جيد لأنهما لم يتوارد قال وفي الحديث رد على قول المجموع أعذار الجمعة والجماعة تسقط الكراهة أو الإثم ولا تحصل الفضيلة اه وحمله بعضهم على متعاطي السبب كأكل ثوم <تنبيه> أخذ من الحديث أن الحائض والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياسا على المريض والمسافر ورد بالفرق بإن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام مع أهليته لها والحائض غير ذلك بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها
(حم خ) في الجهاد (عن أبي موسى) الأشعري(1/444)
865 - (إذا مرض العبد) المؤمن (ثلاثة أيام) ولو مرضا خفيفا كحمى يسيرة وقليل صداع على ما اقتضاه إطلاقه لكن استبعد العراقي تكفير ذلك لجميع الصغائر (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي غفر له فصار لا ذنب عليه فهو كيوم ولادته في خلوه عن الآنام وذلك أن المريض كان توسخ وتدنست طينته والرحمة مع ذلك تكتنفه فداواه الله وشفاه بما سلط عليه كما تداوي الأم ولدها وظاهر الخبر وما أشبهه ترتب التكفير على مجرد المرض هبه انضم له صبر أم لا واشتراط القرطبي حصوله منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع التقييد بالصبر في أخبار غير ناقض لأن ما يصح منها مقيد بثواب مخصوص فيها فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن تجد حديثا صحيحا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر أفاده الحافظ العراقي قال: وقد اعتبرت الأحاديث في ذلك فتحرير لي ما ذكرته
(طس وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان في الثواب (عن [ص:445] أنس) قال العراقي: فيه إبراهيم بن الحكم متروك. وقال الهيتمي: حديث ضعيف جدا(1/444)
866 - (إذا مرض العبد) المسلم (يقال) بالبناء للمفعول والفاعل الله بواسطة أو بغيرها (لصاحب الشمال) أي الملك الموكل بكتابة المعاصي (ارفع عنه القلم) فلا تكتب عليه الصغائر أو ارفعه ست ساعات كما في خبر آخر أو ارفعه عنه تخفيفا (ويقال لصاحب اليمين) كاتب الحسنات (اكتب له) ما دام مريضا (أحسن ما كان يعمل) من العمل الصالح (فإني أعلم به) أي أعلم بحاله وأنه لو استمر صحيحا لم يزل على ما وظفه على نفسه من الطاعة (وأنا قيدته) بالمرض فلا تقصير منه. قال الطيبي: معنى كتابته أنه يقدر له من العمل ما كان يعمل صحيحا وإطلاق التكفير في هذا الخبر وما قبله مقيد بقول الخبر الآتي: ما اجتنبت الكبائر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن مكحول) ففيه الشام (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وغيره(1/445)
867 - (إذا مشت أمتي المطيطا) أي تبختروا في مشيتهم عجبا واستكبارا والمطيطا بضم الميم وفتح الطاء قال الزمخشري: ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر ومد اليدين. وأصل التمطي من نمطط بوزان تفعل وهو المد وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر وفي الإحياء عن ابن الأعرابي: المطيطا مشية فيها اختيال وقال القاضي: المطيطا بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة مشية فيها تبختر ومد اليدين من مطه أي مده وكذا التمطي (وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم) بدل مما قبله (سلط) بالبناء للمفعول (شرارها) أي الأمة (على خيارها) أي مكنهم الله منهم وأغراهم بهم ونكتة حذف الفاعل لاتخفى وإنما كان ذلك سببا للتسلط المذكور لما فيه من التكبر والعجب وما يترتب على استخدام أبنائهم من إتيانهم في أدبارهم قالوا وذا من دلائل نبوته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا مالهم واستخدموا أولادهم سلط عليهم قتلة عثمان فقتلوه ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما فعلوا
(ت) في الفتن (عن ابن عمر) وقال غريب وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف قد وهم وموسى بن عبيد ضعفوه وعبد الله بن دينار غير قوي رواه الطبراني عن أبي هريرة لكنه قال سلط بعضهم على بعض. قال الهيتمي وإسناده حسن(1/445)
868 - (إذا نادى المنادى) أي أذن المؤذن للصلاة أية صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) ما دام المؤذن فالفتح كناية عن رفع الحجب وإزالة الموانع وتلقي الدعاء بالقبول وللحديث تتمة وهي: فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي: أي ينتظر وقت أذانه فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة الحق المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله حاجته
(ع ك عن أبي أمامة) الباهلي رضي الله عنه زاد في الكبير وتعقب(1/445)
[ص:446] 869 - (إذا نزل الرجل بقوم) ضيفا أو مدعوا في وليمة (فلا يصم إلا بإذنهم) أي لا يشرع ندبا في الصوم نفلا إلا بإذنهم أو لا يتم ذلك اليوم الذي شرع فيه إلا إن أذنوا له ففيه أنه بندب للضيف أن يفطر من النفل ولو مؤكدا أي إن شق على المضيف أما الفرض ولو موسعا فيحرم الخروج منه
(هـ عن عائشة) رمز لضعفه وهو كذلك فقد قال البيهقي: إسناده مظلم(1/446)
870 - (إذا نزل أحدكم منزلا) في سفر أو غير ذلك لكن قرينة الارتحال الآتي يشير إلى أن الكلام في السفر وعليه فيقاس به الحضر (فقال فيه) أي نام نصف النهار والقائلة وقت القيلولة وقد يطلق على القيلولة (فلا يرحل) منه (حتى يصلي) فيه (ركعتين) أي يندب له أن يودعه بذلك لتشهد له البقاع وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل فكان لا يرتحل حتى يصلي ركعتين وظاهر الحديث أن ذلك خاص بالنزول للقيلولة وليس مرادا بل إذا نزل منزلا في أي وقت كان وأراد الرحيل فيودعه بركعتين
(عد عن أبي هريرة)(1/446)
871 - (إذا نزل بكم) يا بني عبد المطلب (كرب) أي أمر يملأ الصدر غيظا والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس (أو جهد) بفتح الجيم تضم مشقة (أو بلاء) أي هم تخدش به النفوس (فقولوا) ندبا (الله الله) بفتح الهمزة وضم هاء الجلالة مبتدأ والخبر قوله (ربنا) المحسن إلينا بصنوف الإحسان والإنعام (لا شريك) أي لا مشارك (له) في ربوبيته فإن ذلك يزيله بشرط الإخلاص وقوة الإيقان وتمكن الإيمان
(هب) وكذا الطبراني في الأوسط وفي الكبير (عن ابن عباس) قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال: يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم إلخ رمز لحسنه وليس كما قال إذ فيه كما قال الهيتمي: صالح بن عبد الله أبو يحيى وهو ضعيف(1/446)
872 - (إذا نزل أحدكم منزلا) مظنة للهوام والحشرات ونحوها مما يؤذي (فليقل) ندبا لدفع شرها (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) أي صفاته القائمة بذاته التي بها ظهر الوجود بعد العدم وبها يقول للشيء كن فيكون وقيل هي العلم لأنه أعم الصفات ذكره بعضهم وقال القاضي كلماته جميع ما أنزله على أنبيائه لأن الجميع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم وقال التوربشتي: الكلمة لغة تقع على جزء من الكلام اسما أو فعلا أو حرفا وعلى الألفاظ المنطوقة وعلى المعاني المجموعة والكلمات هنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة لأن المستفاد من الكلمات هنا إنما يصح ويستقيم أن يكون بمثلها ثم وصف الكلمات بقوله (التامات) أي التي لا يعتريها نقص ولا خلل تنبيها على عظمها وشرفها وخلوها عن كل نقص إذ لا شيء إلا وهو تابع لها يعرف بها فالوجود بها ظهر وعنها وجد ذكره القاضي. وقال التوربشتي وصفها بالتمام لخلوها عن العوائق والعوارض فإن الناس متفاوتون في كلامهم واللهجة وأساليب القول فما منهم من أحد إلا وفوقه آخر في معناه أو معان كثيرة ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو سهو أو عجز عن المراد وأعظم النقائص المقترنة بها أنها كامات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى أدوات ومخارج وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق وكلمات الله تعالى متعالية عن هذه القوادح فهي التي لا يتبعها نقص ولا يعتريها اختلال (من شر [ص:447] ما خلق فإنه) إذا قال ذاك مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع (لا يضره شيء) من الهوام والمخلوقات (حتى يرتحل عنه) أي عن ذلك المنزل. قال القرطبي: خبر صحيح وقول صادق فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء فتركته ليلة فلدغنتي عقرب. وقال ابن عربي: جربته في نفسي لدغتني عقرب مرارا في وقت وكنت استعذت بذلك فلم أجد ألما؟ لكن كان في حزامي بندقتان وكنت سمعت أن البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان للبندق أو للدعاء أولهما لكن تورم رجلي وبقي الورم أياما بلا ألم <تنبيه> قال بعض العارفين: جرت عادة العامة إقامة أمر ظاهر الدنيا يقتصرون في دفع عادية ذوات السموم على الأدوية والبازهرات والدرياق. أما من فوقهم ممن يملك من أمر الله ما لا يملكه هؤلاء فيتوصل لدفع المؤذين بإعداده ما هو أيسر من ذلك فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدفع ضره بما وراءه من الكلمات والتعويذات فنهاية الملوك إعداد درياق يدفع السم بعد وقوع العدوى ونهاية أمر المتلطف في حكمة الله إعداد الطلسم يدفع وقوعه ولا أنفع ولا أيسر من كلمات تحفظ لا تتوقف على إمساك تميمة يخاف ضياعها ولا صناعة نقش أو تصوير ولا على ارتقاب وقت وحكم طالع عساه لا يتحقق
(تتمة) في مختصر حياة الحيوان عن التورزي أن شيخا له بمكة كان يقرأ عليه فمرت عقرب فأخذها وقتلها فسأله عن ذلك فذكر له الحديث
(م عن خولة) بخاء معجمة (بنت حكيم) السلمية الفاضلة زرج الرجل الصالح عثمان بن مظعون(1/446)
873 - (إذا نسي أحدكم) أن يذكر (اسم الله على طعامه) أي جنس أكله (فليقل) ندبا (إذا ذكر) وهو في أثنائه (بسم الله أوله وآخره) فإن الشيطان يقيء ما أكله كما في خبر وإذا طلب ذلك عند السهو فالعمد أولى أما بعد فراغه فلا يسن الإتيان بها على ما عليه جمع شافعية وذهب بعضهم إلى أنه يقوله مطلقا
(ع عن امرأة) من الصحابة قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوظبة فأخذها أعرابي بثلاث لقم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو قال بسم الله لوسعكم ثم ذكره قال الهيتمي: ورجاله ثقات. وبه يعرف أن المصنف قصر حيث رمز لحسنه ورواه الطبراني في الأوسط بزيادة فائدة عزيزة ولفظه أن يذكر الله في أول طعامه وليقل حين يذكر بسم الله في أوله وآخره وليقرأ قل هو الله أحد. قال العراقي إسناده ضعيف(1/447)
874 - (إذا نصر القوم) أي أعان القوم أو الرجل فحذف المفعول للعلم به (بسلاحهم وأنفسهم) بأن بذلوها في مناصرتهم (فألسنتهم أحق) أن ينصروا بها فإن ذينك أشق فمن رضي بالأشد فهو بما دونه أرضى
(ابن سعد) في طبقاته (عن ابن عوف عن محمد مرسلا)(1/447)
875 - (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه) بالبناء للمفعول والضمير المجرور عائد على أحد (في المال والخلق) بفتح الخاء الصورة. والمراد به ما يتعلق بالدنيا من مال وولد وزينة وغيرها قال ابن حجر: ورأيت في نسخة معتمدة من الغرائب للدارقطني: الخلق بضم الدال والخاء واللام (فانظر إلى من هو من أسفل منه) أي دونه فيهما وفي رواية إلى من تحته. لأنه إذا نظر إلى من فوقه استصغر ما عنده وحرض على المزيد فيداويه النظر إلى من دونه فيرضى فيشكر ويقل حرصه إذ الإنسان حسود بطبعه فإذا ما قاده طبعه للنظر إلى أعلى حملته نفسه على الكفران والسخط [ص:448] فاذا رد النفس إلى النظر للدون حمله حبه للنعمة على الرضى والشكر. قال الغزالي: والشيطان أبدا يصرف وجهه بنظره إلى من فوقه في الدنيا فيقول: لم تفتر عن الطلب وذوو المال يتنعمون؟ ويصرف نظره في الدين إلى من دونه فيقول: ولم تضيق على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخافه والناس كلهم مشغولون بالنعم فلا تتميز عنهم بالشقاء؟ فعلى المكلف مجاهدة اللعين ورده
(حم ق عن أبي هريرة)(1/447)
876 - (إذا نظر الوالد إلى ولده نظرة) واحدة (كان للولد) المنظور إليه (عدل) بكسر العين وفتحها أي مثل (عتق نسمة) أي عتق ذي نسمة وهي النفس: يعني إذا نظر الوالد لولده نظر رضى عنه لفعله المأمور به وتجنبه المنهي عنه وبره لأبويه وتجافيه وتباعده عن عقوقهما كان للولد من الثواب ما لو أعتق رقبة لجمعه بين رضى مولاه وإدخال السرور على أبيه بإرادته إياه قائما بالطاعة بارا له حسب الاستطاعة وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته قيل يا رسول الله وإن نظر ثنتين وثلاثة ومئة نظرة؟ قال: الله أكبر من ذلك اه
(طب) وكذا في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان (عن ابن عباس) قال ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. قال الهيتمي: وإسناده حسن وفيه إبراهيم بن أعين وثقه ابن حبان وضعفه غيره وقال شيخه العراقي فيه إبراهيم بن أعين وهم ثلاثة فليحرر من هذا منهم(1/448)
877 - (إذا نعس أحدكم) بفتح العين وغلط من ضمها (وهو يصلي) فرضا أو نفلا (فليرقد) وفي رواية فلينم وفي أخرى فليضطجع والنعاس أول النوم والرقاد بالضم المستطاب من النوم ذكره الراغب (حتى يذهب عنه النوم) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن المعرفة بالأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأن النعاس إذا اشتد انقطعت الصلاة فلا يحتاج لوجوب قطع بحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفا لأبيه في تفصيله بين شدة النعاس وخفته (فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس) أي في أوائل النوم (لا يدري) أي لا يدرك ما يفعل فحذف المفعول للعلم به ثم استأنف قوله (لعله يذهب يستغفر) برفعهما أي يقصد أن يستغفر لنفسه كأن يريد أن يقول اللهم اغفر لي (فيسب) بالنصب جوابا لقوله لعله (نفسه) أي يدعو عليها كأن يقول: اعفر لي: بعين مهملة والعفر التراب فالمراد بالسب: قلب الدعاء لا الشتم إذ لا مجال له هنا وعلل الأمر بالرقاد هنا بما ذكر وقال في الخبر المار: فلم يدر ما يقول والقدر المشترك بين العلتين خوف التخليط فيما يقول أو يفعله والأمر في القراءة أشد لعظم المفسدة في تغيير القرآن قال الزين العراقي: وإنما أوخذ بما لم ينطق به أو بدعاءه على نفسه وهو ناعس لأن من عرض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه لعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود وإنما أمر بإبطال الصلاة بعد الشروع فيها عند طرو النعاس فعدم الدخول فيها أولى وقال ولده: دل الحديث على أن من لا يعلم ما يقول لا يدخل في الصلاة فمراده غلبة النوم إلى ذلك فهو منهي عن الدخول فيها وعن إتمامها بعد الشروع حتى يعلم ما يقول اه وعلم مما تقرر أن القصد أن لا تؤدى الصلاة مع تشاغل عنها أو حائل بينه وبين الاهتمام بها لكن لما كان النعاس أغلب وقوعا عبر به (مالك) في الموطأ
(ق د ت هـ عن عائشة)(1/448)
878 - (إذا نعس) بفتحتين (أحدكم) زاد في رواية الترمذي: يوم الجمعة (وهو في المسجد) أو نحوه مما تقام فيه الجمعة (فليتحول) ندبا (من مجلسه) أي محل جلوسه وذلك إلى غيره يعني ينتقل منه إلى غيره لأن الحركة تذهب الفتور [ص:449] الموجب للنوم فإن لم يكن في الصف محل يتحول له قام وجلس قال في الأم ولو ثبت في مجلسه وتحفظ من النعاس لم أكرهه والتحول الانتقال من موضع لآخر وهذا عام في جميع الأيام وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مكث المبكر بل أجراه بعضهم في كل من قعد ينتظر عبادة في أي يوم كان وفيه وما قبله حث على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع وفراغ قلب وتعقل لما يقرأه أو يدعو به والمحافظة على الإتيان بالأركان والسنن والآداب
(د ت عن ابن عمر) قال الترمذي حسن صحيح ورواه الحاكم وقال على شرط مسلم(1/448)
879 - (إذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفئوا) أخمدوا واسكتوا (المصباح) السراج (فإن الفأرة) بالهمز وتركه (تأخذ الفتيلة) تجرها من السراج (فتحرق) بضم الفوقية وسكون المهملة (أهل البيت) أي المحل الذي به السراج وعبر بالبيت لأنه الغالب (وأغلقوا الأبواب) فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا (وأوكؤ الأسقية) اربطوا أفواه القرب (وخمروا الشراب) غطوا الماء وغيره من المائعات ولو بعرض عود كما مر. قال ابن دقيق العيد كالنووي: وقضية العلة أن السراج لو لم تصل إليه الفأرة لا يكره بقاؤه وقد يجب الإطفاء لعارض. قال ابن حجر: وكذا لو كان على منارة من نحو نحاس أملس لا يمكن الفأرة صعودها لكن قد يتعلق به مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شرره على بعض متاع البيت فإن أمن زال المنع لزوال العلة. قال ابن دقيق العيد: وهذه الأوامر لا يحملها الأكثر على الوجوب ومذهب الظاهرية أولى بالالتزام به لأنهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات وهذه الأوامر تتنوع بحب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال ومنها ما يحمل على الإرشاد والندب كغلق الباب لتعليله بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقأ إذ الاحتراز من مخالطته مندوب وإن كان تحته مصالح دنيوية وكذا ربط السقاء وتخمير الإناء
(طب ك) وكذا أحمد (عن عبد الله بن سرجس قال جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة فأحرقت مثل الدرهم فذكره قال الهيتمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح(1/449)
880 - (إذا نهق الحمار) أي علمتم بنهيقه بسماع أو خبر (فتعوذوا) ندبا (بالله) أي اعتصموا به (من الشيطان الرجيم) فإنه رأى شيطانا كما جاء تعليله في عدة أخبار من بعضها وفي مكارم الأخلاق للخرائطي عن الحسن أنه كان يقول عند نهيقه: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
(طب عن صهيب) بضم المهملة وبفتح الهاء وسكون التحتية: ابن سنان النميري الرومي. قال الهيتمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك(1/449)
881 - (إذا نودي للصلاة) أي أذن مؤذن بأي صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) قال الحليمي: معناه أن الله يستجيب للذين يسمعون النداء للصلاة فيأتونها ويقيمونها كما أمروا به إذا دعوه ويسألون ليكون إجابته إياهم إلى ما سألوه ثوابا عاجلا - لمسارعتهم لما أمرهم به. اه. والدعاء أيضا عند ختمه مستجاب لخبر أبي داود وغيره أن رجلا قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه
(الطيالسي) أبو داود (تخ والضياء) المقدسي (عن أنس) وفيه سهل بن زياد. قال في اللسان كأصله تكلم فيه ولم يترك(1/449)
[ص:450] 882 - (إذا هممت بأمر) أي عزمت على فعل شيء لاتدري وجه الصواب فيه (فاستخر ربك) اطلب منه التوفيق والهداية إلى إصابة خير الأمرين (فيه) ندبا بعد أن تتوب وتفرغ قلبك من الشواغل الدنيوية والهواجس النفسانية فأعد الاستخارة (سبع مرات ثم انظر) أي تدبر وتأمل (إلى) الشيء (الذي يسبق إلى قلبك) من فعل أو ترك (فإن الخيرة) بكسر المعجمة (فيه) فلا تعدل عنه والاستخارة طلب الخير يقال استخار الله العبد فخار أي طلب منه الخير فأولاه والخيرة الحالة التي تحصل للمستخير وأضاف الاستخارة إلى الرب دون غيره من الصفات إشارة إلى أنه المربي له الفاعل به ما يصلحه يقال: رب الأمر أصلحه وساسه وقام بتدبيره ومن ثم لا يطلق معروفا إلا على الله المتكفل بمصلحة الموجودات بأسرها قال النووي: وفيه أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره لكنه لا يفعل ما ينشرح له صدره مما كان له فيه هوى قبل الاستخارة والأكمل الاستخارة عقب صلاة ركعتين بنيتها ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء
(ابن السني في عمل يوم وليلة فر عن أنس) وفيه إبراهيم بن البراء قال الذهبي في الضعفاء: اتهموه بالوضع عن أبيه وهو ضعيف. وقال النووي في الأذكار: إسناده غريب فيه من لم أعرفهم. وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لابن السني هذا الحديث لو ثبت كان هو المعتمد لكن إسناده واه جدا(1/450)
883 - (إذا وجد أحدكم ألما) أي وجعا في عضو ظاهر أو باطن (فليضع يده) ندبا والأولى كونها اليمين (حيث يجد ألمه) أي في المكان الذي يحس بالوجع فيه (وليقل) باللفظ ندبا (سبع مرات) أي متواليات كما يفيده السياق (أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء) ومنه هذا الألم (من شر ما أجد) زاد في روابة مرت وأحاذر وفيها أنه يرفع يده في كل مرة ثم يعيدها فيحمل المطلق على المقيد. وفي بعض الروايات ذكر التسمية مقدمة على الاستعاذة وورد في حديث آخر ما يدل على أنه يفعل مثل هذا بغيره أيضا
(حم طب عن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي أحد الثلاثة الذين خلفوا شهد العقبة وكان من شعراء المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه أبو معشر محتج به وقد وثق على أن جمعا كثيرا ضعفوه وتوثيقه بين وبقية رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز لحسنه(1/450)
884 - (إذا وجد أحدكم لأخيه) في الدين ونص عليه اهتماما بشأنه لا لإخراج غيره فالذمي كذلك (نصحا) بالضم قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبه فعل الناصح بما يتحراه من صلاح المنصوح بما يسده من خلل الثوب وقيل من نصح العسل صفاه شبهوا تخليصه القول من الغش بتخليص العسل من الخلط (في نفسه) أي حاك في صدره كذلك (فليذكره له) وجوبا فإن كتمه عنه فقد غشه وخانه فالنصيحة فرض كفاية على الجماعة وعين على الواحد وهي لازمة بقدر الطاقة إذا علم الناصح أن المنصوح يقبل وأمن على نفسه وماله قال بعضهم وإنما يكون الرجل ناصحا لغيره إذا بدأ بنصح نفسه واجتهد في معرفة ما يجب له وعليه ليعرف كيف ينصح
(عد عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن أبي ثابت واه قال مخرجه ابن عدي وعامة أحاديثه مناكير وفي اللسان عن ابن حبان هو الذي يقال له ابن أبي ثابت تفرد بأشياء لا تعرف حتى خرج عن حد الاحتجاج به وبه يعرف أن المؤلف لم يصب حيث عزى الحديث لمخرجه وحذف من كلامه بيان القادح(1/450)
[ص:451] 885 - (إذا وجد أحدكم عقربا وهو يصلي فليقتلها بنعله اليسرى) ولا تبطل صلاته به لأنه فعل واحد وهي إنما تبطل بثلاثة أفعال متوالية. كذا قرروه. وظاهره أن الخطاب للمصلي في نعليه ومثلهما الخفاف فإن صلى بغير نعل ولا خف فيحتمل أن يقال يأخذ نعله بيده اليسرى فيقتلها بضربة واحدة وذلك فعل لا ثلاثة. وقضية الحديث أنه لو قتلها بنعله اليمنى لا يكون آتيا بالمأمور ولعله غير مراد. والظاهر حصول الامتثال بقتلها باليمنى والنص على اليسرى للأولوية ولو لم يمكن قتلها إلا بثلاثة متوالية فهل بقتلها وإن بطلت الصلاة؟ يحتمل أن يقال نعم تقديما لدرء مفسدتها على مصلحة الصلاة سيما إن اتسع الوقت ويحتمل إلحاق الحية التي يمكن قتلها بضربة من غير لحوق ضرر كالعقرب بل أولى لأن قتلها آكد من قتل العقرب
(د في مراسيله) من حديث سليمان بن موسى (عن رجل من الصحابة) من بني عدي بن كعب. رمز المصنف لضعفه وهو غفلة عن قول علم الحفاظ ابن حجر رجاله ثقات لكنه منقطع(1/451)
886 - (إذا وجدت القملة) أو نحوها كبرغوث (في المسجد) حال من الفاعل: أي وجدتها في شيء من ملبوسك كثوبك (فلفها في ثوبك) ونحوه كطرف ردائك أو عمامتك أو منديلك (حتى تخرج منه) فألقها حينئذ خارجة فإن إلقاءها فيه حرام. وبهذا أخذ بعضهم وصرح به من الشافعية القمولي في جواهره لكن مفهوم قول النووي بحرم إلقاءها فيه مقتولة أنه لا يحرم وفصل بعض المالكية فقال يجوز إلقاء البراغيث لا القمل فإن البرغوث يأكل التراب بخلافها والحديث متكفل برد تفصيله إذا لو كان كذلك لما خص بالمسجد إذ على ما يزعمه هذا المفصل بحرم طرحه في المسجد وغيره أما إلقاؤها فيه ميتة فحرام شديد التحريم. وظاهر قوله في الخبر فلفها في ثوبك حتى تخرج أنه لا يكلف الخروج لإلقائها خارجة فورا لكن قد يقال إن فيه تعذيبا لها فإما أن يخرج فورا لطرحها أو يقتلها ويلفها مقتولة حتى يخرج لجواز قتلها فيه بشرط أمن التلويث
(طب عن رجل من بني خطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة بطن من الأنصار ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي(1/451)
887 - (إذا وسد) بالتشديد وفي رواية في البخاري للقابسي أوسد بهمزة مضمومة أوله وفي رواية له إذا أسند (الأمر) أي فوض الحكم المتعلق بالدين كالخلافة ومتعلقاتها من إمارة وقضاء وإفتاء وتدريس وغير ذلك (إلى غير أهله) أي إلى من ليس له بأهل. والمعنى إذا سود وشرف من لا يستحق السيادة والشرف أو هو من الوسادة: أي إذا وجدت وسادة الأمر والنهي لغير مستحقها وكان شأن الأمير عندهم إذا جلس أن يثني تحته وسادة فإلى بمعنى اللام وعبر بها ليدل على تضمين معنى أسند (فانتظروا الساعة) لأنه قد جاء أشراطها. والفاء للتفريع أو جواب الشرط. والتوسيد في الأصل أن يجعل للرجل وسادة ثم استعمل في تفويض الأمر وإسناده إلى غيره وإنما دل على دنو الساعة لإفضاءه إلى اختلال الأمر والنهي ووهن الدين وضعف الإسلام وغلبة الجهل ورفع العلم وعجز أهل الحق عن القيام به ونصرته. وللساعة أشراط كثيرة كبار وصغار وهذا منها
(خ) في العلم والرقائق وغيرهما (عن أبي هريرة) قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاء أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعضهم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة فقال هذا يارسول الله فقال إذا ضيعت (قوله ضيعت: بضم الضاد وتشديد الياء المكسورة فعل ماض مبني للمفعول: أي إذا ضيعت الأمة الأمانة) الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها؟ قال: فذكره(1/451)
[ص:452] 888 - (إذا وضع السيف) أي المقاتلة (في أمتي) أمة الإجابة (لم يرفع عنها) وفي رواية عنهم (إلى يوم القيامة) أي تسلسل فيهم وإن قل أحيانا أو كان في بعض الجهات دون بعض وذلك إجابة لدعوته أن يجعل بأسهم بينهم وأن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم. قال ابن العربي: وكانت هذه الأمة معصومة منه مدة من صدر زمانها مسدودا عنها باب الفتنة حتى فتحت بقتل إمامها عثمان فكان أول وضع السيف
(ت) في الفتن (عن ثوبان) بفتح المثلثة مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال صحيح اه. وتبعه المصنف رحمه الله فرمز لصحته ورواه أبو داود وابن ماجه مطولا وأحمد والبزاز وقال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح(1/452)
889 - (إذا وضع الطعام) بين أيديكم: أي قرب إليكم لتأكلوه (فاخلعوا نعالكم) أي انزعوا ما في أرجلكم مما وقيت به الدم كمداس وتاسومة ونحو ذلك (فإنه) أي النزع (أروح) أكثر راحة (لأقدامكم) فيه إشارة إلى أن الأمر إرشادي لمصلحة تعود على القدم. ويتردد النظر في الخف والظاهر أنه لا يلحق به (الدرامي) في مسنده
(ك عن أنس) وله شواهد كثيرة(1/452)
890 - (إذا وضع الطعام) بين أيدي الآكلين (فليبدأ) ندبا في الأكل (أمير القوم) لأن التقدم عليه ربما أورث فتنة وهو سوء أدب (أو صاحب الطعام) أي فإن لم يكن ثم أمير فليبدأ صاحب الطعام لأنه المالك فلا يتقدم عليه غيره في ملكه (أو خير القوم) أي فإن لم يحضر المالك أو حضر ولم يأكل لعذر فالأولى أن يبدأ أكثرهم علما وصلاحا فإن لم يكن فأرأسهم
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي إدريس الخولاني) السيد الجليل العابد الزاهد ذي الكرامات والخوارق (مرسلا) أرسل عن عدة من الصحابة(1/452)
891 - (إذا وضع الطعام فخذوا) أي تناولوا الأكل ندبا (من حافته) أي من جانب القصعة (وذروا وسطه) أي اتركوه ولا تأكلوا منه أولا (فإن البركة) أي الخير الإلهي والنمو تنزل في وسطه ثم تسري. قال الخطابي: يحتمل إطلاق النهي واختصاصه بمن أكل مع غيره لأن أفضل الطعام وأطيبه وجهه وإذا قصده بالأكل استأثر به. وهو ترك أدب وسوء عشرة. وأخذ بقضية الإطلاق في الإحياء فعد من آداب الأكل أن لا يأكل من ذروة القصعة ولا يأكل من وسط الطعام مطلقا
(عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته(1/452)
892 - (إذا وضعت جنبك) أي شقك (على الفراش) لتنام ليلا وكذا نهارا لكن الليل آكد (وقرأت فاتحة الكتاب) أي سورة الفاتحة (وقل هو الله أحد) أي سورتها (فقد أمنت) في نومك تلك الليلة (من كل شيء) يؤذيك (إلا الموت) فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر وهذا إذا قرأهما بحضور وجمع همة وصفاء قلب وقوة يقين بتصديق الرسول فيما يفعل [ص:453] ويقول وإلا فهيهات هيهات
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه عسال بن عبيد وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح(1/452)
893 - (إذا وضعتم موتاكم) أيها المسلمون (في القبور) وفي رواية في قبورهم (فقولوا) ندبا أي ليقل من يضجعه في لحده حال إلحاده ويحتمل أن غيره يقول ذلك أيضا لخبر البزار: إذا بلغت الجنازة وجلس الناس فلا تجلس ولكن ولكن قم على شفير قبره فإذا دلى في قبره فقل (بسم الله) ظاهره فقط فلا يزيد: الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد الآية بتمامها وهو الأقرب لكمال مناسبة ذكر الرحمة في ذلك المقام (وعلى ملة) وفي رواية بدله وعلى سنة (رسول الله) أي أضعه ليكون اسم الله وسنة رسوله زادا له وعدة يلقى بها الفتانين ونقل النووي عن النص أنه يندب بعد ذلك أن يقول من يدخله القبر: اللهم سلمه إليك الأشحاء من أهله وولده وقرابته وإخوانه وفارق من يحب قربه وخرج من سعة الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول إلخ. قال في المطامح: والتزاحم على النعش والميت بدعة مكروهة وكان الحسن إذا رآهم يزدحمون عليه يقول: إخوان الشياطين
(حم حب طب ك هق عن ابن عمر) قال الحاكم على شرطهما وقد وقفه شعبة اه. وصنيع المؤلف يشعر بأنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي وقد مر عن مغلطاي وغيره أنه ليس لحديثي عزو حديث فيها لغيرها إلا لزيادة فائدة ثم هو حديث معلول
قال الحافظ ابن حجر أعل بالوقف وتفرد برفعه همام عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر ووقفه سعيد وهشام ورجح الدارقطني وقفه وغيره رفعه(1/453)
894 - (إذا وعد) من الوعد قال الحراني وهو العهد بالخير (الرجل) يعني الإنسان (أخاه) في الدين بأن يفعل له شيئا يسوغ شرعا (ومن نيته أن يفيء) قال الأشرفي: هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الإنسان عليها وإن تخلف عنها المنوي (فلم) يف له (ولم يجيء) لعذر منعه من المجيء (للميعاد) أي لمكان الوعد ليفي له بما عاهده عليه. والواو بمعنى أو: أي وعده يوما بشيء أو بأن يحضر بمكان (فلا إثم عليه) لعذره ولفظ الترمذي فلا جناح عليه أما لو تخلف عن الوفاء بغير عذر فهو ملام بل التزم بعض الأئمة تأثيمه لمفهوم هذا الحديث ولأن الوفاء بالوعد مأمور به في جميع الأديان وحافظ عليه الرسل المتقدمون والسلف الصالحون وأثنى الله تعالى على خليله في التنزيل بقوله {وإبراهيم الذي وفى} ومدح ابنه إسماعيل بقوله {كان صادق الوعد} لكن أبو حنيفة والشافعي على أن الوفاء مستحب لا واجب ويؤول هذا الخبر بأنه لا يأثم حيث كان الوفاء بالوعد لازما له لذاته لا للوعد ومنعه عذر قال في شرح الرعاية: والوعد الذي هو محل الخلاف كل ما يدخل الشخص فيه بسبب مواعدتك في مضرة أو كلفة ومنه ما لو تكلف طعاما وجلس ينتظر موعدك. اه
(د) في الأدب (ت) في الإيمان (عن زيد بن أرقم) وقال غريب وليس سنده بالقوي. قال الذهبي في المهذب وفيه أبو نعمان مجهول كشيخه أبي الوقاص وقال المناوي: اشتمل سنده على مجهولين(1/453)
895 - (إذا وقع) أي سقط (الذباب) بذال معجمة واحده ذبابة (في شراب أحدكم) ماءا أو غيره من المائعات وفي رواية ابن ماجه: إذا وقع في الطعام وفي أخرى: وقع في إناء أحدكم والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب [ص:454] (فليغمسه) وفي رواية فليمقله زاد الطبراني: كله وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه. والأمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) وفي رواية البخاري: لينزعه - بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني: ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات: أنه يغمس ثلاثا مع قول بسم الله (فإن في إحدى) بكسر الهمزة وسكون الحاء (جناحيه) وهو الأيسر على ما قيل وإنما قال إحدى: لأن الجناح يذكر ويؤنث لقولهم في جمعه أجنحة وأجنح فأجنح جمع المذكر وأجنحة جمع المؤنث (داء) أي قوة سمية يدل عليها الورم. والحكة العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شيء تلقاه بها. قال الزركشي: وداء منصوب اسم إن (وفي الأخرى) بضم الهمزة قيل وهي اليمنى وفي رواية: الآخر بالتذكير (شفاء) (1) حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر من الشفاء؟ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازا كما وقع للبعض حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق وتقويم الطباع بإخراج فاسدها وتبقية صالحها. قال التوربشتي: ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها السم الناقع. والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك بجرمها. وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه. فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا تنبت وهي صحيحة. فتبارك الله
وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له سائلة فيه إذ غمسه يفضي لموته. فلو نجسه لم يأمر به لكن شرطه ألا يغير ولا يطرح وبهذا أخذ الشافعي ونوزع بأن المقل لا يوجب الموت فهو للمنع عن العيافة فإن سلم فإلحاق كل مالا نفس له سائلة به باطل إذ قد لا يعم وجوده ورد الأول بأن المقل سبب للموت فلو نجس لم يأمر به إذ مظنة النجاسة كالنجاسة والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن فيطرد في كل ما اتصف به
(خ هـ عن أبي هريرة)
_________
(1) [ (والأمر للندب كما ذكره في شرح الحديث 5941
وقد أثبت ذلك الطب الحديث بدون أدنى شك واختصاره أن في إحدى جناحيه نوع من الجراثيم وفي الآخر مضادات حيوية antibiotics. وسمعت في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق الأستاذ الشيخ رفيق السباعي رحمه الله يروي قصة أحد المسلمين في ألمانيا سأله أستاذه في علم الكيمياء عن وجود هذا الحديث فقال نعم. فقال أستاذه أن الأمر سهل وأنه يمكن التأكد من صحة الحديث علميا. وبعد التجارب اكتشف الأستاذ صحة الحديث فأرسل لجامعة الأزهر بمصر للتأكد من ورود الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما أتاه الخبر منهم بالإيجاب أعلن إسلامه. عرفان الرباط دار الحديث) ](1/453)
896 - (إذا وقعت في ورطة) أي بلية يعسر الخروج منها وأصل الورطة: الهلاك ثم استعمل في كل شدة وأمر شاق أي إذا وقعت في شدة وأردت الخلاص منها (فقل) عند ذلك ندبا (بسم الله الرحمن الرحيم) أستعين على التخلص من ذلك (ولاحول ولا قوة إلا بالله) قال الأكمل: الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله وقيل معناه لا حول في دفع الشر ولا استطاعة في جلب الخير إلا بالله
ويعبر أهل اللغة عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة (العلي) الذي لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته (العظيم) عظمة تتقاصر عنها الأفهام لما غلب عليها من الأوهام. قال الحراني ونظم الاسمين هكذا دال على أنه أريد بالعظم علو الرتبة وبعد المنازل عن إدراك العقول (فإن الله تعالى يصرف ما شاء من أنواع البلاء) إن تلفظ بها بصدق وقوة إيقان بما أخبر به الشارع من المضار والمنافع (ابن السني في عمل يوم وليلة عن علي) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي: ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة قلتها؟ قلت بلى جعلني الله فداءك. فذكره(1/454)
897 - (إذا وقعتم في الأمر العظيم) أي الصعب المهول (فقولوا) ندبا عند ذلك (حسبنا الله) أي كافينا (ونعم الوكيل) الموكل [ص:455] إليه لأن فيه رفضا للأسباب واستغناء بمسببها ومن اكتفى به لم يخيبه بل يكشف همه ويزيل غمه. ولو أن أحدا التجأ إلى ملك من ملوك الدنيا لهابه طالبه وكف عنه إعظاما للملتجيء إليه فكيف بمن يحتسب برب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين؟ ولا تدافع بين هذا وما قبله لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يختلف جوابه باختلاف السائلين والمخاطبين فيجيب كل واحد بما يناسبه
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بسند ضعيف(1/454)
898 - (إذا وقع في الرجل) بالبناء للمفعول والرجل غالبي: أي سب واغتيب (وأنت في ملأ) أي جماعة فيهم من وقع فيه وخص الوقوع في الملأ لأهمية الرد لا لإخراج غيره فلو كان مع واحد فكذلك (فكن للرجل ناصرا) أي مقويا مؤيدا رادا عليهم ما قالوه (وللقوم زاجرا) أي مانعا عن الوقيعة فيه (وقم عنهم) أي انصرف عن المحل الذي هم فيه إن لم ينتهوا عن ذلك المنكر فإن المقر على الغيبة بمنزلة الفاعل وقد ينزل عليهم سخط فيصيبك قال الغزالي: جوارحك عندك أمانة. فاحذر أن تصغي بها إلى خوض في باطل أو ذكر مساوىء الناس فإنما جعلت لك لتسمع بها كلام الله ورسوله وحكمه فإذا أصغيت بها إلى المكاره صار ما كان لك عليك
(ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أنس)(1/455)
899 - (إذا ولى) بفتح فكسر وفي رواية إذا كفن (أحدكم أخاه) في الدين أي تولى أمره وتجهيزه. وكل من تولى أمر واحد فهو وليه كما في الصحاح (فليحسن كفنه) بالتشديد وضبطه الأكثر بفتح الفاء وفي الديباج أنه الأشهر وحكىعياض سكونها: أي فعل التكفين منه إسباغ وعموم وتحسين وتعطير ونحوها وليس المراد المغالاة في ثمنه فإنه مكروه
(حم م د ن عن جابر ت هـ عن أبي قتادة)(1/455)
900 - (إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه) بأن يختار له من الثياب أنظفها وأسبغها. قال التوربشتي: وما يؤثره المبذرون من الثياب الرفيعة منهي عنه بأصل الشرع لإضاعة المال (فانهم) أي الموتى على حد {حتى توارت بالحجاب} (يبعثون من قبورهم في أكفانهم) التي يكفنون عند موتهم فيها
ولا ينافضه حشرهم عراة لأنهم يقومون من قبورهم بثيابهم ثم يجردون (ويتزاورون) في القبور (في أكفانهم) التي يكفنون عند موتهم فيها ولا ينافيه قول الصديق: الكفن إنما هو للصديد لأنه كذلك في رؤيتنا لا في نفس الأمر ولا خبر: لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا - لاختلاف أحوال الموتى فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه ومنهم من لم يبلغ ذلك فيستمر في كفنه ويتزاور فيه في البرزخ. وفيه رد على ابن الحاج حيث قبح قول الناس: الموتى يتفاخرون في أكفانهم في القبور وحسنها وجعله من البدع الشنيعة (سموية) في فوائده
(عق خط) في ترجمة سعيد العطار (عن أنس) ظاهر صنيعه أن الخطيب لم يخرجه إلا من حديث أنس ولا كذلك بل خرجه من حديثه ومن حديث جابر في موضع واحد وحديث جابر قال في اللسان عن العقيلي إسناده صالح بخلاف حديث أنس فاقتصر على المعلول وحذف المقبول (الحارث) ابن أبي أسامة عن روح عن زكريا عن أبي الزبير (عن جابر) وروح قال الذهبي وغيره متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع ونازعه المؤلف على عاداته(1/455)
901 - (اذبحوا لله) أي اذبحوا الحيوان الذي يحل أكله إن شئتم واجعلوا الذبح لله (في أي شهر كان) رجبا أو غيره (وبروا) [ص:456] بفتح الموحدة وشد الراء أي تعبدوا (لله وأطعموا) بهمزة قطع أي الفقراء وغيرهم كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مئة نحر بكرا في رجب لصنمه يسمونه الفرع فنهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الذبح للصنم وأمر بالذبح لله والصحيح عند الإمام الشافعي ندب الفرع والعتيرة وهي ما يذبح في رجب وخبر: ولا فرع ولا عتيرة: المراد به الوجوب أو نفي ما يذبح للصنم أما تفرقة اللحم للفقراء فبر وصدقة في أي وقت كان
(د ن ك عن نبيشة) بنون مضمومة وشين معجمة مصغر كما في التقريب وكذلك ضبطه المؤلف وهو ابن عبد الله الهذلي ويقال له الخير نبيشة سماه بذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صحابي قليل الحديث قال قيل يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ فذكره. قال الحاكم صحيح فقال الذهبي - مستدركا عليه - بل له علته(1/455)
902 - (اذكر الله) بالقلب فكرا وباللسان ذكرا بأن تقول لا إله إلا الله مع الإخلاص والذكر ثلاث نفي وإثبات بغير نفي وإشارة بغير تعرض لنفي ولا إثبات. فالأول قول لا إله إلا الله والذكر به قوام كل جسد وموافق لمزاج كل أحد الثاني ذكر اسمه الشريف الجامع وهو الله اسم جلال محرق ليس كل أحد يطيق الذكر به
والثالث ذكر الإشارة وهو: هو فدوام ذكر لاإله إلا الله سبب لليقظة من الغفلة وذكر اسم الله سبب للخروج عن اليقظة في الذكر إلى وجود الحضور مع المذكور وذكر هو هو سبب للخروج عن سوى المذكور اه وقال الفخر الرازي قال الأكثرون الأولى أن يكون الذكر في الابتداء قول لا إله إلا الله وفي الانتهاء الاختصار وفضل بعضهم الأول مطلقا لأن عالم القلب مشحون بغير الله فلابد من كلمة النفي لنفي الأغيار فإذا خلا موضع منبر التوحيد ليجلس عليه سلطان المعرفة وبعضهم الثاني مطلقا لأنه حين ذكر النفي قد لا يجد مهملة توصله إلى الإثبات فيبقى في النفي غير منتقل إلى الإقرار (فإنه) أي الذكر أو الله (عون لك على ما تطلب) أي لأنه مساعد لك على تحصيل مطلوبك لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو من فاسق فإذا ذكره ثم دعاه أعطاه ما تمناه ولهذا قال بعض الصوفية: الإعراض عن الذكر يشوش الرزق ويضيق المعيشة وأخرج ابن عساكر أن أبا مسلم الخولاني كان يكثر الذكر فرآه رجل فقال مجنون صاحبكم هذا فسمعه. فقال ليس هذا بجنون يا ابن أخي هذا دواء الجنون
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عطاء ابن أبي مسلم مرسلا) هو الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة أرسل عن مثل معاذ بن جبل(1/456)
903 - (اذكروا الله ذكرا) كثيرا جدا (حتى يقول المنافقون إنكم تراءون) بمثناة فوقية أي حتى يرميكم أهل النفاق بالرياء لما يرون من شدة محافظتكم عليه وهذا حث شديد على لزوم الذكر سرا وجهرا ولا يرائي أحدا به وأما ما قيل إن الشبلي قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا. فعذره أنه لا يرى ذاكرا إلا والغفلة مستولية على قلبه. فيغار لله أن يذكر بهذا الذكر لغلبة المحبة على قلبه ومع ذلك فهو من شطحانه التي تغفر له لصدق محبته فلا يقتدى به فيها إذ يلزمه أن راحته أن لا يرى لله مصليا ولا تاليا ولا ناطقا بالشهادتين ومعاذ الله أن يستريح لذلك قلب هذا العارف والله لا يضيع أجر ذكر اللسان المجرد بل يثيب الذاكر وإن غفل قلبه لكن ثواب دون ثواب. وهذا وأشباهه إذا وقع من أولئك الأجلة الأكابر إنما يصدر عنهم في حال السكر فلا يؤاخذون به كما نقل عن أبي يزيد البسطامي من نحو سبحاني وما في الجبة إلا الله
أما النار لأستعدن لها غدا وأقول اجعلني لأهلها الفدا. أما الجنة لعبة صبيان وقوله هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى تعذبهم - إلى ذلك من شطحاتهم المعروفة فنسلم لهم حالهم معتقدين لهم ونبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة
(طب عن ابن عباس) وفيه كما قال الهيتمي وغيره الحسن بن أبي جعفر ضعيف(1/456)
[ص:457] 904 - (اذكروا الله ذكرا خاملا) بمعجمة أي منخفضا بترقيق الجلالة (قيل) أي بعض الصحب (وما الذكر الخامل؟ قال الذكر الخفي) بمعجمة لسلامته من نحو رياء وقد أمر الله عباده أن يذكروه على جميع أحوالهم وإن كان ذكرهم إياه مراتب بعضها أحب إليه من بعض. قال الزمخشري: وأفضل الذكر ما كان بالليل لا اجتماع القلب وهدوء الرجل والخلوة بالرب
(ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن ضمره بن حبيب مرسلا) هو الزبيد بضم الزاي الحمصي وثقه ابن معين وله شواهد كثيرة سيجيء بعضها وعورض هذا بما قبله ونحوه من الأخبار الدالة على ندب الجهر بالذكر صريحا أو التزاما لحديث الحاكم عن شداد بن أوس قال إنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ارفعوا أيديكم فقولوا لا إله إلا الله ففعلنا فقال اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بهذا ووعدتني عليها الجنة إنك لاتخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله تعالى قد غفر لكم. وخبر البيهقي عن الأدرع قال: انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته بالذكر قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا قال ولكنه أواه وخبر ابن ماجه عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض من صوته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أواه - وأخيب بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به مصل أو نائم والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل به أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامع ولأنه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط. وأما قوله تعالى {واذكر ربك في نفسك} الآية فأجيب عنه بأن الآية مكية نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه الكفار فيسبون القرآن ومن أنزله فأمر بالترك سدا للذريعة وقد زال ذلك وبأن الآية محمولة على الذاكر حال القراءة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات وبأن الأمر في الآية خاص بالنبي الكامل المكمل والأرواح القدسية. وأما غيره ممن هو محل الوسواس والخواطر الرديئة فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وأما قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} فذلك في الدعاء لا في الذكر والدعاء الأفضل فيه الإسرار لأنه أقرب إلى الإجابة ولهذا قال الله تعالى {إذ نادى ربه نداء خفيا} وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت. وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد لأحمد عن شفيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسا قط إلا ذكر الله فيه وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البناني: إن أهل الذكر ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام مثل الجبال وغنهم ليقومون من ذكر الله ما عليهم منها شيء اه(1/457)
905 - (إذكروا محاسن) كمنابر (موتاكم) أيها المؤمنون (وكفوا) اصرفوا ألسنتكم وادفعوا وجهتكم (عن مساويهم) فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد التحريم والمساوى جمع مسوى بفتح الميم والواو وكل منهما إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي فيه الحسن والسوء فأطلق على المنعوت به مجازا: يعني لا تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يشير إليه أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الثملة التي غلها مدغم تلتهب عليه نارا. فإنه بيان لحكم الله والتحذير من الغلول قال النووي: قال أصحابنا وإذا رأى غاسل الميت ما يعجبه من نحو استنارة وجه وطيب ريح سن له أن يحدث الناس به وإن رأى ما يكره كسواد وجه ونتن ريح وتغير عضو حرم عليه أن يحدث به لهذا الحديث <تنبيه> قال الطيبي المأمور والمنهي بهذا الأمر إن كان من الصالحين فكما إن ذكرهم محاسن الموتى يؤثر منهم فذكرهم مساويهم ذلك فإنهم [ص:458] شهداء الله في الأرض فعليه أن لا يسعى في ضرر الغير وإن كان المأمور والمنهي غيرهم فأثر النفع والضرر راجع على الغاسل فعليه أن يجتنب عما يتضرر بذكره ويتحرى ما له نفع فيه
(د ت ك هق) وكذا الطبراني كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عمران أنس المكي قال الترمذي عن البخاري منكر الحديث وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في المهذب: قال البخاري عمران منكر الحديث(1/457)
906 - (أذن لي) بالبناء للمفعول والآذن له هو الله ولولا الإذن لم يجز له التحديث فهو تنبيه على أن من اطلعه الله على شيء من الأسرار ثم أفشاه بغير إذن عذب بالنار. وهذا محتمل لأن يكون رآه وأن يكون أوحى إليه به (أن أحدث أصحابي) أو أمتي (عن ملك) بفتح اللام: أي عن شأنه أو عظم خلقه (من ملائكة الله تعالى) قيل هو إسرافيل أضيف إليه لمزيد التفخيم والتعظيم (من حملة العرش) أي من الذين يحملون عرش الرحمن الذي هو أعظم المخلوقات المحيط بجميع العوامل
والعرش السرير (ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة سنة) وفي رواية سبعين عاما. أي بالفرس الجواد كما في خبر آخر فما ظنك بطوله وعظم جثته؟ قال الطيبي: والمراد بسبع مئة عام هنا التكثير لا التحديد لأنه أليق بالكلام وأدعى للمقام وقال اذن لي ليفيد أن علم الغيب مختص به تعالى لكنه يطلع منه من شاء على ما شاء. وليس على من أطلعه أن يحدث إلا بإذنه. وشحمة الآذن ما لان من أسفلها وهو معلق القرط والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء يذكر ويؤنث (فإن قلت) الملائكة أجسام نورانية والأنوار لا توصف بالأذن والعنق (قلت) لا مانع من تشكل النور على هيئة الإنسان وأن ضرب الأذن والعاتق مثلا مقربا للأفهام. <تنبيه> قال الإمام الرازي: اتفق المسلون على أن فوق السماء جسم عظيم هو العرش
(د) في السنة (والضياء) المقدسي في المختارة (عن جابر) وسكت عليه أبو داود ورواه عنه الطبراني في الأوسط وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني فيه أيضا عن أنس بزيادة ولفظه: أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبع مئة سنة يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت. وفيه عبد الله بن المنكدر ضعيف ورواه أبو يعلى عن أبي هريرة بلفظ: أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه من الأرض السابعة والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت وأين تكون. قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح(1/458)
907 - (أذيبوا) أي اسيلوا وفي المصباح ذاب الشيء سال والذائب خلاف الجامد (طعامكم) أي ما تناولتموه من عشائكم وغذائكم (بذكر الله) أي بملازمة الذكر عليه من نحو قراءة وتهليل وتكبير (والصلاة) الشرعية يعني اذكروا الله وصلوا عقب الأكل (ولا تناموا) عليه: أي بعد الطعام قبل انهضامه عن أعالي المعدة (فتقسو) أي فإنكم إن نمتم عليه تقسو وتقسو منصوب بفتحة على الواو لأنه جواب النهي ومن جعلها ضمير الجمع فإنما يتخرج على لغة أكلوني البراغيث (قلوبكم) أي تغلط وتشتد وتكتسب ظلمة وحجبا فلا تنجع فيها بعد ذلك المواعظ ولا تنزجر بالزواجر بل تصير كالحجر الصلب ومن قيل فيه:
وليس يزجركم ما توعظون به. . . وإليهم يزجرها الراعي فتنزجر
أبعد آدم ترجون الخلود وهل. . . تبقى فروع الأصل حين ينعقر؟ [ص:459]
لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا. . . والحبل في الحجر القاسي له أثر
والطعام ظلمة والذكر نور فيزال بنور الذكر ظلمة الطعام. قال الغزالي: وفيه أنه يستحب أن لا ينام على الشبع فيجمع بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن ليصل أو يجلس يذكر الله فإنه أقرب إلى الشكر وأقل ذلك أن يصلي أربع ركعات أو يسبح مئة تسبيحة عقب كل أكلة وكان الثوري إذا شبع ليلة أحياها وإذا شبع يوما واصله بالذكر. قال الحراني: والقسوة اشتداد التصلب والتحجر
(طس عد وابن السني) في اليوم والليلة (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (هب عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا منكر تفرد به بزيع وكان ضعيفا. اه. وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني: فيه بزيع وهو متروك وقال ابن محمود شارح أبي داود بعد ما عزاه لابن السني فيه بزيغ الخصاف متهم. وقال العراقي في الحديث سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي ف الموضوع وقال بزيغ متروك وهو تعسف لما أن الترك لا يوجب الحكم بالوضع. واعلم أن للحديث طريقين: الأول عن عبد الرحمن بن المبارك عن بزيغ عن هشام عن عروة عن عائشة والثاني عن أبي الأشعث عن أهرم بن حوشب عن عبد الله الشيباني عن هشام عن عروة عن عائشة فأخرجه من الطريق الأول الطبراني والأوسط وابن السني وأبو نعيم والبيهقي ومن الطريق الثاني ابن السني. فأما بزيغ فمتروك بل قال بعضهم متهم وأما أصرم ففي الميزان عن ابن معين كذاب خبيث وعن ابن حبان كان يضع على الثقات وقال ابن عدي هو معروف ببزيع فلعل أصرم سرقه منه ولهذا حكم الجوزي بأنه موضوع فقال موضوع بزيع متروك وأصرم كذاب وتعقبه المؤلف بأن العراقي اختصر في تخريج الإحياء على تضعيفه وأنت خبير بأن هذا التعقيب أوهن من بيت العنكبوت وبأن له عند الديلمي شاهدا من حديث أصرم هذا وعن علي مرفوعا: أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب هذا حاصل تعقبه(1/458)
908 - (أرأف) في رواية للطبراني وغيره: أرحم (أمتي بأمتي) أي أكثرهم رأفة: أي شدة رحمة (أبو بكر) لأن شأنه العطف والرحمة واللين والقيام برعاية تدبير الحق تعالى ومراقبة صنعه فكان يدور مع الله في التدبير ويستعمل اللين مع الكبير والصغير. والرأفة أرق الرحمة
كذا ذكره أهل المعاني. وقال الحراني هي عطف العاطف على من يجد عنده منة وصلة فهي رحمة ذي الصلة بالراحم (وأشدهم) ذكره نظيرا للمعنى: أقواهم صرامة وأصلبهم شكيمة (في دين الله عمر) لغلبة سلطان الجلال على قلبه فأبو بكر مع المبتدأ وهو الإيمان وعمر مع ما يتلوه وهو الشريعة لأن حق الله على عباده أن يوحدوه فإذا وحدوه فحقه أن يعبدوه بما أمر ونهى ولذا قبل لأبي بكر: الصديق لأنه صدق بالإيمان بكمال الصدق وعمر فاروق لأنه فرق بين الحق والباطل
وأسماؤهما تدل على مراتبهما بالقلوب وشأن درجتهما في الأخبار متواترة (وأصدقهم حياء) من الله ومن الخلق (عثمان) بن عفان فكان يستحي حتى من حلائله وفي خلوته. ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن وسيجيء في خبر: إن الحياء من الإيمان فكأنه قال أصدق الناس إيمانا عثمان وفي خبر: الحياء لا يأتي إلا بخير فكأنه قال عثمان لا يأتي منه إلا الخير أو لا يأتي إلا بالخير (وأقضاهم علي) أي أعرفهم بالقضاء بأحكام الشرع. قال السمهودي: ومعلوم أن العلم هو مادة القضاء. قال الزمخشري: سافر رجل مع صحب له فلم يرجع حين رجعوا فاتهمهم أهله فرفعوهم إلى شريح فسألهم البينة على قتله فارتفعوا إلى علي فأخبروه بقول شريح فقال:
أوردها سعد وسعد مشتمل. . . ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ثم قال إن أصل السقي التشريع ثم فرق بينهم وسألهم. فاختلفوا ثم أقروا بقتله فقتلهم به: وأخباره في هذا الباب مع عمر وغيره لا تكاد تحصى. قالوا وكما أنه أقضى الصحب في العلم الظاهر فهو أفقههم بالعلم الباطن: قال الحكيم [ص:460] الترمذي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي: البس الحلة التي خبأتها لك: هي عندنا حلة التوحيد فإن الغالب على علي التقدم في علم التوحيد وبه كان يبرز على عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم. إلى هنا كلامه. (وأفرضهم) أي أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث وهو علم الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه (وأقرؤهم) أي أعلمهم بقراءة القرآن (أبي) بن كعب بالنسبة لجماعة مخصوصين أو وقت من الأوقات فإن غيره كان أقرأ منه أو أكثرهم قراءة أو أنه أتقنهم للقرآن وأحفظهم له (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل) الأنصاري: يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض ذكره ابن عبد الهادي. قال ولم يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهورا بالفرائض أكثر من غيره ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده ولا عهد الصديق رضي الله عنهم. (ألا وإن لكل أمة أمينا) أي يأتمنونه ويثقون به ولا يخافون غائلته (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة عامر بن الجراح) أي أشدهم محافظة على الأمانة وتباعدا عن مواقع الخيانة. والأمين المأمون وهو مأمون الغائلة: أي ليس له غدر ولا مكر. وقال ابن حجر: الأمين الثقة الرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة وصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره. اه. وإنما قطع هذا الأخير عما قبله وعنونه بحرف التنبيه: إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا بجميع المآثر الحميدة بل لمن عداهم مناقب أخر فكأنه قال لا تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب بل ثم من اختص بمزايا منها عظم الأمانة كابي عبيدة
(ع) من طريق ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب وابن السلماني حاله معروف لكن في الباب أيضا عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف: أرحم وقال الترمذي حسن صحيح والحاكم على شرطهما. وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه بل رجح وضعه. اه. وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولا وأوله أرحم وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. اه(1/459)
909 - (أراكم) بفتح الهمزة (ستشرفون مساجدكم) أي تتخذون لها سيأتي شرفات (بعدي) أي بعد وفاتي (كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبدهم وتطلق على متعبد النصارى أيضا وهي معربة (وكما شرفت النصارى بيعها) جمع بيعة بالكسر متعبدهم. أي فأنا أنهاكم عن اتباعهم ولستم بسامعيه بل أنتم لا بد فاعلوه مع كونه مذموما مكروها. وأخذ بذلك الشافعية فكرهوا نقش المسجد وتزويقه واتخاذ شرفات له. قال الحراني: قوي في هذه الأمة حال تينك الملتين لما آتاهم الله من الكتاب والعلم والحكمة فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء وإيثار عرض الدنيا وزينتها وحللوا لهم ما حرم الله توصلا به إلى أغراضهم في الاعتداء على من حسدوه من أهل التقوى فاستقر حالهم على مثل حالهم حتى في مساجدهم. اه. وذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عن غيب وقع
(د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا(1/460)
[ص:461] 910 - (أربا الربا) أي أزيده إثما (شتم الأعراض) بالفتح جمع عرض بالكسر: أي سبها. قال الحراني: والربا هو الفضل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن رؤية الحق وعماية عنه والعرض محل المدح والذم من الإنسان (وأشد الشتم الهجاء) أي الوقيعة في أعراض الناس بالشعر والرجز (والراوية) أي الذي يروي الهجاء وينشده بزور ويصوره فهو (أحد الشاتمين) بفتح الميم بلفظ التثنية أو بكسرها بلفظ الجمع: أي حكمه حكمهم في الإثم والذم. وقد استفدنا من الخبر أن الهجو حرام: أي إذا كان لمعصوم ولو ذميا وإن صدق أو كان بتعريض كما صرح به الإمام الرافعي وترد به الشهادة أما غير معصوم كحربي ومرتد فلا وكذا مسلم متجاهل متهتك بمعصية فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط بقصد زجره. قال في الحماسة:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه. . . لا بارك الله بعد العرض في المال
(عب هب عن عمرو بن عثمان مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب إنه منقطع أيضا وعمرو هذا من التابعين كبير الشأن(1/461)
911 - (أربا الربا) أي أزيده إثما وأقبحه جرما (تفضيل المرء) أي زيادته (على أخيه) في الإسلام (بالشتم) أي السب والذم. قال الطيبي: أدخل العرض في جنس المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين: متعارفا وغير متعارف وهو - أي غير المتعارف - استطالة الرجل اللسان في عرض صاحبه بأكثر مما يستحقه ثم فضل أحد النوعين على الآخر ولما بين العرض والمال من المناسبة. وقال الغزالي: إن ذلك من الكبائر. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه جاء رجل يشكو جاره فقال: إنك إن سببت الناس سبوك وإن نافرتهم نافروك وإن تركتهم تركوك وعن سليم بن زياد: مكتوب في التوراة من لم يسالم الناس لم يسلم ومن شتم الناس شتم ومن طلب الفضل من غير أهله ندم. وقال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل عن الزلل قال: فما اللوم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد قال: فما الحياء؟ قال: الكف عن الخنا
(ابن أبي الدنيا) واسمه يحيى (في) كتاب فضل (الصمت عن أبي نجيح مرسلا) ورواه بمعناه مسند الطبراني عن يوسف بن عبد الله بن سلام يرفعه بلفظ: أربا الربا استطالة أحدكم في عرض أخيه المسلم. قال الهيتمي: وفيه محمد بن موسى الأملي عن عمر بن يحيى ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضا أبو يعلى عن عائشة مرفوعا بلفظ: أربا الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ثم قرأ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} قال الهيتمي: ورجاله رجال الصحيح(1/461)
912 - (أربع) من الخصال (إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا) أي لا بأس عليك وقت فوت الدنيا إن حصلت هذه الخصال (صدق الحديث) أي ضبط اللسان وعفته عن الكذب والبهتان (وحفظ الأمانة) بأن يحفظ جوارحه وما اؤتمن عليه فإن الكذوب والخائن لا قدر لهما عند لله (وحسن الخلق) بالضم بأن يكون حسن العشرة مع خلق الله (وعفة مطعم) بفتح الميم والعين: بأن لا يطعم حراما ولا ما قويت الشبهة فيه ولا يزيد عن الكفاية حتى من الحلال ولا يكثر من الأكل. وأطلق الأمانة لتشيع في جنسها فيراعى أمانة الله في التكاليف. وأمانة الخلق في الحفظ [ص:462] والأداء. ثم إن ما ذكر من أن سياق الحديث ذلك هو ما في رواية أحمد وغيره لكن لفظ رواية البيهقي بدل وحسن إلخ: وحسن خليقة وعفة طعمة
(حم طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي بعد ماعزاه لأحمد والطبراني فيه ابن لهيعة وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال العراقي: وفيه أيضا ابن لهيعة اه وقضية إفراد المصنف للطبراني بحديث ابن عمرو: تفرده به عن الأولين جميعا والأمر بخلافه بل رواه البيهقي في الشعب عنه أيضا عقب الأول ثم قال: هذا الإسناد أتم وأصح. اه فاقتصار المصنف على عزو الأول إليه وحذفه من الثاني مع كونه قال إنه الأصح: من ضيق العطن (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) قال الهيتمي: إسناد أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني حسن. اه. وقال المنذري: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة وفيه عند البيهقي شعيب بن يحيى. قال أبو حاتم ليس بمعروف. وقال الذهبي بل ثقة عن ابن لهيعة وفيه ضعف(1/461)
913 - (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) أي من أفعال أهلها: يعني أنها معاصي يأتونها مع اعتقاد حرمتها. والجاهلية: ما قبل البعثة سموا به لفرط جهلهم (لا يتركونهن) أي لا تترك أمتي شيئا من تلك الخصال الأربع. قال الطيبي: قوله في أمتي: خبر لأربع: أي خصال أربع كائنة في أمتي ومن أمر الجاهلية. ولا يتركونهن: حالان من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور وهذا خرج مخرج الذم والتعييب لها فأولها (الفخر في الأحساب) أي الشرف بالآباء والتعاظم بعد مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم وذلك جهل فلا فخر إلا بالطاعة ولا عز لأحد إلا بالله. والأحساب جمع حسب وهو ما يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة وفصاحة والثاني (الطعن في الأنساب) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب: بأن يقدح في نسب أحد من الناس فيقول ليس هو من ذرية فلان وذلك يحرم لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني والأنساب لا تعرف إلا من أهلها قال ابن عربي: وهذا أمر ينشأ من النفاسة في أنه لا يريد أن يرى أحدا كاملا وذلك لنقصانه في نفسه ولا يزال الناس يتطاعنون في الأنساب ويتلاعنون في الأديان ويتباينون في الأخلاق قسمة العليم الخلاق قال: ولا أعلم نسبا سلم من الطعن إلا نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم والثالث (الاستسقاء بالنجوم) أي اعتقاد أن نزول المطر بظهور كذا وهو حرام لأنه إشراك ظاهر إذ لا فاعل إلا الله بل متى اعتقد أن للنجم تأثيرا كفر قال الحراني: فالمتعلق خوفهم ورجاؤهم بالآثار الفلكية هم صابئة هذه الأمة كما أن المتعلق خوفهم ورجاؤهم بأنفسهم وغيرهم من الخلق مجوس هذه الأمة (و) الرابع (النياحة) أي رفع الصوت بالندب على الميت لأنها سخط لقضاء الله ومعارضة لأحكامه. قال ابن العربي: هذه من أخبار الغيب التي لا يعلمها إلا الأنبياء فإنهم أخبر بما يكون قبل كونه فظهر حقا فالأربع محرمات ومع حرمتها لا يتركونها هذه الأمة - أي أكثرهم - مع العلم بحرمتها
(م) في الجنائز (عن أبي مالك الأشعري) واسمه الحارث ولم يخرجه البخاري بلفظه(1/462)
914 - (أربع حق على الله) أي يستحقون عليه (عونهم) أي إعانتهم بالنصر والتأييد والنجاح والتسديد فضلا منه لكرامتهم عليه (الغازي) من خرج بقصد قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا (والمتزوج) بقصد عفة فرجه وتكثير النسل ليباهي به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة أو نحو ذلك (والمكاتب) الساعي في أداء النجوم لسيده (والحاج) أي من خرج حاجا حجا مبرورا وقد نظمهم المصنف فقال: [ص:463]
حق على الله عون جمع. . . وهو لهم في غد يجازي
مكاتب وناكح عفافا. . . ومن أتى بيته وغازي
وذيل عليه الفارضي من أحيا أرضا ميتة فقال:
وجا من للموات أحي. . . فهو لها خامس يوازي
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه(1/462)
915 - (أربع دعوات لا ترد) بالبناء للمفعول أي لا يرد الله واحدة منها (دعوة الحاج) ما دام في النسك (حتى يرجع) يعني يفرغ من أعماله ويصدر إلى أهله (ودعوة الغازي) للكفار لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (حتى يصدر إلى أهله) أي يرجع إليهم وغاير التعبير للتفنن وكراهة لتوالي الأمثال. وأصل الصدر الانصراف يقال صدر القوم وأصدرتهم إذا صرفنهم وصدرت عن المحل رجعت (ودعوة المريض) غير العاصي بمرضه (حتى يبرأ) من مرضه أي يسلم منه وبرىء كسلم وزنا ومعنى وعند أهل الحجاز برأ من المرض من باب قطع وفي الأساس فلان بارىء من علته وتقول العرب حق على البارىء من اعتلاله أن يؤدي شكر البارىء في إبلاله (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن كان حاضرا فيما يظهر (بظهر الغيب) أي وهو لا يشعر به لأنها أبلغ في الإخلاص ولأنه سبحانه يعينه في دعائه كما ينطق به خبر إن الله في عون العبد (وأسرع هؤلاء الدعوات) إجابة أو قبولا (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) والغيب ما غاب عنك وحتى في القرائن الأربع بمعنى إلى نحو سرت حتى تغيب الشمس وهذا وإن أوهم أن دعاء هؤلاء لا يستجاب بعد ذلك لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكور ولفظ الظهر مقحم ومحله نصب على الحال من المضاف إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ذكره الطيبي
(فر عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن زيد الحواري قال الذهبي قال البخاري تركوه(1/463)
916 - (أربع) من الخصال قال الكرماني مبتدأ بتقدير أربع خصال وإلا فهو نكرة صرفة والشرطية خبره ويحتمل كون الشرطية صفة وإذا حدث إلخ خبره وقال التفتازاني أربع مبتدأ والجملة بعده صفة له قال: والأحسن أن يجعل أربع خبرا مقدما أو مبتدأ لخبر وخصاله من إذا مفسر أي في الوجود أربع (من كن فيه كان منافقا خالصا) نفاق عمل لا نفاق إيمان (ومن كانت فيه خصلة) بفتح الخاء (منهن) أي من هؤلاء الأربع (كان فيه خصلة) بفتح الخاء أي خلة (من النفاق حتى يدعها) أي يتركها قال الحافظ ابن حجر النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد اإيمان فهو نفاق الكفر وإلا نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وستفاوت مراتبه وقوله خالصا أي شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال لغلبتها عليه ومصيرها خلقا وعادة وديدنا له (إذا حدث) أي أخبر عن ماضي الأحوال (كذب) لتمهيد معذورته في التقصير (وإذا وعد) بإيفاء عهد الله (أخلف) أي لم يف (وإذا عاهد غدر) أي نقص العهد (وإذا خاصم فجر) مال في الخصومة عن الحق وقال الباطل قال البيضاوي يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه فإنه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن صدقا ومن أذعن له نفاقا وأراد تعريف أصحابه بحالهم ليحذروهم [ص:464] ولم يصرح بأسمائهم لعلمه بأن منهم من يتوب فلم يفضحهم ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور والمخاصمة ويحتمل كونه عاما لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانا بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمج القبائح فإنه كفرتموه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسيب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويحتمل أن المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره عليه مطلقا ويشهد له قوله من كان فيه خصلة منهن إلخ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر والعلن لا يزيد على هذا فإن نقص منها خصلة نقص الكمال إلى هنا كلامه. قال الطيبي والكذب أقبحها لتعليله تعالى عذابهم به في قوله {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي للمؤمن المصدق اجتنابه لمنافاته لوصف الإيمان انتهى ويليه الخلف في الوعد قال الغزالي والخلف في الوعد قبيح فإياك أن تعد بشيء إلا وتفي به بل ينبغي أن يكون إحسانك للناس فعلا بلا قول فإن اضطررت إلى الوعد فاحذر أن تخلف إلا لعجز أو ضرورة فإن ذلك من أمارات النفاق وخبائث الأخلاق والفجور لغة الميل والشق فهو هنا إما ميل عن القصد المستقيم أو شق ستر الديانة ولا تناقض بين قوله هنا أربع وآنفا آية المنافق ثلاث إذ قد يكون لشيء واحد علامات كل منها يحصل بها صفته فتارة يذكر بعضها وأخرى أكثرها وطورا كلها قال النووي والقرطبي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردا على الكذب والخيانة وزاد الأول خلف الوعد والثاني الغدر والفجور في الخصومة
(حم ق 3 عن ابن عمرو) ابن العاص وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه من الستة إلا هؤلاء والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود والنسائي أيضا(1/463)
917 - (أربع من كن فيه حرمه الله) في الآخرة (على النار) أي منعه من دخولها إذا فعل مع ذلك المأمورات وتجنب المنهيات (وعصمه) في الدنيا (من الشيطان) أي منعه منه ووقاه بلطفه من كيده والعصمة المنع يقال عصمه الطعام أي منعه والحفظ كما في الصحاح (من ملك نفسه حين يرغب وحين يرهب) أي حين يريد ويشتهي وحين يخاف ويكره لأن لكل رغبة ورهبة وشهوة حرارة تثور في النفس في الباطن كاضطرام النار حرصا على أن تدرك مرادها فإذا أخمد تلك النار حرم الله عليه نار القيامة قال المولى التفتازاني والرغبة في الشيء الإرادة المقارنة للرضى من رغب في الشيء بالكسر وارتغب فيه مثله لا من رغبت عن الشيء إذا لم ترده. وقال الراغب: الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب (وحين يشتهي وحين يغضب) لأن الملك للقلب على النفس فمن كان قلبه مالكا لنفسه في هذه الأحايين لأربع فقد حرم على النار واختسأ شيطانه لأن الدنيا كلها في هذه الأربع فإذا ملك القلب النفس بقوة المعرفة والعلم بالله فقد دقت دنياه في عينه وتلاشت ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى فكل شعبة من شعب دنياه في عينه كالجبال فعظم عنده شأنها وصارت الآخرة في فلبه كالحلم فإذا انتبه ندم فإذا كان القلب أميرا أعطى النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع ومنعها ما سواها لئلا يتطاير شرورها وتشتعل نارها في العروق فتجاوز الحدود (وأربع من كن فيه نشر الله) تعالى (عليه رحمته) أي بثها عليه وأحيى قلبه بها في الدنيا (وأدخله جنته) في [ص:465] الأخرى (من آوى مسكينا) أي أمكنه عنده وكفاه المؤنة أو تسبب له في ذلك والمراد هنا ما يشمل الفقير لقول إمامنا الشافعي إذا اجتمعا افترقا وإذا افترفا اجتمعا (ورحم الضعيف) حسا ومعنى أي رق له وعطف عليه وأحسن إليه (ورفق بالمملوك) أي مملوكه بقرينة ما بعده بأن لم يحمله على الدوام ما لا يطيقه ويطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه (وأنفق على الوالدين) أي أبويه وإن عليا لأنه لما غلب عليه سلطان الرحمة في الدنيا فرحم هؤلاء فجوزي بشمول الرحمة في الآخرة وسبوغها له والجزاء من جنس العمل
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي هريرة) وإسناده ضعيف(1/464)
918 - (أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة لسان ذاكرا) لله تعالى لأن الذاكر جليس الله تعالى والذكر منشور الولاية فمن أعطيهن فقد أعطي المنشور وذلك أعظم الخيور (وقلب شاكر) له تعالى لأن الشكر يرتبط به العتيد ويستجلب به المزيد بنص {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وهو الاعتراف بالنعمة والقيام بحق الخدمة وأناط الأول باللسان إشارة إلى أنه آية الفلاح وإن لم يصحبه حضور وقد شكا رجل إلى بعض العارفين عدم حضور قلبه حال ذكره فقال له ياهذا يكفيك أنه استعمل جارحة من جوارحك في ذكره على أن دوام الذكر اللساني ينقلب قلبيا. قال في الحكم لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع غفلة إلى ذكر مع حضور يقظة ومن ذكر مع حضور يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (وبدن على البلاء) بفتح الموحدة (صابر) فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه كما في حديث مر ومن أحبه الله فاز بخير الدارين وأناط الثاني بالقلب لأنه المتفكر في مصنوعات الله وآلائه الباعثة على الاقرار بالنعم والقيام بالخدمة ومن جمع بين الذكر والفكر فقد فاز بالسعادة. أوحى الله إلى داود عليه السلام " تخلق بأخلاقي ومن أخلاقي أنني أنا الصبور " (وزوجة لا تبغيه خونا) أي لا تطلب خيانة وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو أن يأتمن الإنسان فلا ينصح وفي بعض النسخ حوبا بحاء مهملة مضمومة أي إثما وهو تصحيف (في نفسها) بأن لا تمكن غيره من الزنا بها أو من مقدماته (ولا ماله) بأن لا تتصرف فيه بما لا يرضيه قال القاضي المرأة الصالحة أنفع من الذهب فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب وهي ما دامت معك رفيقتك تنظر إليها تسرك وتقضي إليها عند الحاجة وطرك وتشاورهما فيما يعن لك فتحفظ سرك وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك وإذا غبت تحامى مالك وترعى عيالك ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك لكفى به فضلا
(طب) وفي الأوسط أيضا (هب) من حديث طلق بن حبيب (عن ابن عباس) قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير وفي الأوسط رجال الأوسط رجال الصحيح انتهى وقال المنذري بعد عزوه للكبير والأوسط إسناد أحدهما جيد يعني الأوسط وبذلك يعرف أن إهمال المؤلف الطريق الصحيح وإيثاره الضعيف من سوء التصرف هذا وقد رمز لحسنه(1/465)
919 - (أربع من سنن المرسلين) من الحق إلى الخلق والمراد الرسل من بني آدم بقرينة ذكر النكاح (الحياء) بحاء مهملة فمثناة بخط المصنف وقيل بنون قال ابن العربي هو أشبه بما قارنه من التعطر والسواك وقال البيضاوي روى الحنا بالنون والحياء بمثناة والختان فالأول على تقدير مضاف كالاستعمال والخضاب فإن الحناء نفسه لا يكون سنة وطريقة وهو أوفق للتعطر والثاني يؤول بما يقتضيه الحياء ويوجبه كالستر وتجنب الفواحش والرذائل فإن الحياء نفسه أمر جبلي ليس بالكسب حتى يعد من السنن والثالث ظاهر الحياء بمهملة وتحتية والختان بمعجمة ففوقية مثناة والحناء بمهملة فنون مشددة ما يخضب به قال وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها تصحيف لأنه يحرم على الرجل خضب يده ورجله وأما خضاب الشعر فلم يكن قبل نبينا فلا يصح إسناده للمرسلين وقال ابن حجر الحياء قيل بتحتية مخففة [ص:466] وقد ثبت أن الحياء من الإيمان وقيل بنون فعلى الأول هي خصلة معنوية تتعلق بتحسين الخلق وعلى الثاني حسية تتعلق بتحسين البدن وقال شيخه الزين العراقي بعد حكايته إنه بتحتية أو نون وكلاهما غلط والصواب الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت فاختلف في لفظه وهو أولى منهما إذ الحياء خلق والحنا ليس من السنن ولا ذكره المصطفى في خصال الفطرة بخلاف الختان فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر به واستمر بعده في الرسل وأتباعهم حتى المسيح عليه السلام فإنه اختتن انتهى وتقدمه لنحوه ابن القيم فنقل في الهدى عن المزي أن صوابه الختان وسقطت النون قال وهكذا رواه المحاملي عن شيخه الترمذي (والتعطر) استعمال العطر وهو الطيب فإنه يزكي الفؤاد ويقوي القلب والجوارح وهم محتاجون إلى ذلك لثقل الوحي {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} (والنكاح) الوطء لأن النور يملأ قلوبهم فيفيض في العروق فيكون ريح الشهوة فيحدث ريح القوة وشاهد ذلك من الكتاب {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} (والسواك) لأن الفم طريق لكتاب الله المنزل عليهم ومحل لمناجاة الملك فيتأكد في حقهم أكثر <تنبيه> هذا الحديث ظاهره مشكل فإن نوحا أول الرسل كما يأتي في خبر ولم يختتن إذ أول من اختتن إبراهيم كما مر في الخبر وعيسى لم يتزوج وكونه يتزوج بعد نزوله بفرض تسليم وروده غير دافع للشبهة فإنه إنما ينزل محمديا عالما بأحكام هذه الملة ولا مخلص من ذلك إلا بأن يقال المراد بالمرسلين أكثرهم
(حم ت هب) كلهم من حديث مكحول عن ابن السماك (عن أبي أيوب) الأنصاري قال الترمذي حسن غريب انتهى وتبعه المصنف فرمز لحسنه وقال المناوي وغيره فيه أبو الثمال مجهول الحال وقال ابن محمود شارح أبي داود في سنده ضعيف ومجهول وقال ابن العربي في شرح الترمذي فيه الحجاج ليس بحجة وعباد بن العوام(1/465)
920 - (أربع من سعادة المرء) أي من بركته ويمنه وعزه (أن تكون زوجته صالحة) أي دينه جميلة إذ المراد الصلاح لما يراد منها دينا ودنيا (وأولاده أبرارا) أي يبرونه ويتقون الله (وخلطاؤه) أي أصحابه وأهل حرفته الذين لا بد له من مخالطتهم (صالحين) أي قائمين بحقوق الله وحقوق خلقه (وأن يكون رزقه) أي ما يرتزق منه من حرفة أو صناعة أو تجارة (في بلده) أي في محل إقامته بلدا كان أو غيره وخص البلد لأن الغالب الإقامة فيه والمراد أنه ليحصل كد الأسفار الشاسعة واقتحام المفاوز النائية وهذه حالة فاضلة وأعلى منها أن يأتيه من حيث لا يحتسب كما مر في خبره ويقاس بالرجل المرأة فيقال أربع من سعادة المرأة أن يكون زوجها صالحا وهكذا
(ابن عساكر) في تاريخه (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه سهل بن عامر البجلي قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو حاتم (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم) ابن أبي زياد العطواني صدوق مات بالكوفة (عن أبيه) الحكم (عن جده) أبي زياد الكوفي المذكور رمز المصنف لضعفه(1/466)
921 - (أربع) وفي رواية أربعة (من) أي من علامات (الشقاء) ضد السعادة (جمود العين) قلة دمعها كناية عن قسوة القلب كذا قيل وعليه فالعطف في قوله (وقسوة القلب) تفسيري والأوجه أن يقال إنه إشارة إلى قلة دمع العين إنما يكون من علامة الشقاء إذا كان ناشئا عن قسوة القلب وأنه لا تلازم بينهما وقسوته غلطته وشدته وصلابته في غير الله (والحرص) أي الرغبة في الدنيا والانهماك في تحصيلها وطلب الازدياد منها والحرص يحتاجه الأنسان لكن بقدر [ص:467] معلوم فإذا تعدى الحد المحدود فقد أفسد دينه فكان بهذا الوجه من علامات الشقاء (وطول الأمل) بالتحريك رجاء الإكثار من الإقامة في الدنيا وزيادة الغنى. قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس مذموما. وأناط الحكم بطوله ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم إذ لولاه لما أرضعت والدة ولدا ولا غرس غارس شجرا فهو رحمة من الله على عباده كما يأتي في حديث قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس بلبس العباءة ولا بأكل الخشن وقال الفضيل ما أطال رجل الأمل إلا أساء العمل وكتب ابن أدهم إلى سفيان من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ومن أطلق بصره طال أسفه ومن أطلق أمله ساء عمله ومن أطلق لسانه قتل نفسه وقال ابن الوردي ومن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله عظيم بطشه قليل فهمه عالم بدنياه جاهل بآخرته فويل له ويل له. <فائدة> شكى رجل إلى الحسن البصري قسوة قلبه فقال عليك بمجالسة الذكر والإحسان
(عد حل عن أنس) من حديث الحسن بن علي عن أبي سعيد المازني عن الحجاج بن منهال عن صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس ثم قال مخرجه أبو نعيم تفرد برفعه متصلا عن صالح الحجاج انتهى وقال الهيتمي صالح المري ضعيف وفي الميزان هذا حديث منكر انتهى والحسن بن عثمان قال الذهبي في الضعفاء كذيه ابن عدي ويزيد الرقاشي متروك ورواه البزار من طريق فيها هانىء المتوكل فقال الهيتمي هو ضعيف جدا ولذا حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات(1/466)
922 - (أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر) إلى ما يستحسن ويستلذ به الطبع (وأرض من مطر) فكل مطر وقع عليها شربته وطلبت غيره (وأنثى من ذكر) فإنها فضلت على الرجل في قوة شبقها بأضعاف لكن الله ألقى عليها الحياء ولم يقل امرأة من رجل إشارة إلى شمول الحيوانات وهذا حكم على النوع لا على كل فرد فرد فقد يختلف في بعضهن لكن نادر جدا (وعالم من علم) فإنه إذا ذاق أسراره وخاض بحاره وفهم معناه وفقه مغزاه صار عنده أعظم اللذات وأشرف الأمنيات فدأب ليله ونهاره يرعى وإن وقف ذهنه الأنجم السارة. وعبر بعالم دون إنسان أو رجل لأن العلم صعب على المبتدىء فلا يلتذ به ولا يرغب في الزيادة منه
(عد خط) كلاهما من طريق عباس بن الوليد الخلال عن عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال ابن عدي حديث منكر وعباس يروي العجائب وعبد السلام يروي الموضوعات وقال ابن طاهر رواه عن هشام بن حسين بن علوان وكان يضع الحديث ولعل عبد السلام سرقه منه انتهى وقال في الميزان الحسين بن علوان قال يحيى كذاب والدارقطني متروك الحديث وابن حبان كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعا لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ثم ساق له هذا الحديث وقال عقب قوله وعالم من علم وكذاب من كذب ورواه من هذا الوجه الطبراني فتعقبه الهيتمي وقال عبد السلام لا يحتج به وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات(1/467)
923 - (أربع) من الركعات يصليهن الإنسان (قبل الظهر) أي قبل صلاته أو قبل دخول وقته ويؤيد الأول ما في رواية أخرى للترمذي بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وهو عند الزوال (ليس فيهن تسليم) أي ليس بعد كل ركعتين منها قصل بسلام فالمعنى فيه كما قال البغوي التشهد قال الطيبي سمى التشهد بالتسليم لاشتماله عليه (تفتح لهن أبواب السماء) كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول. وقال بعضهم: هذا الفتح نظير النزول المنزه عن الحركة [ص:468] والانتقال بعد نصف الليل إذ كل منهما وقت قرب ورحمة وتسمى هذه سنة الزوال وهي غير سنة الظهر نص عليه في الإحياء وقال بعضهم هذه الأربع ورد مستقل سببه انتصاف وزوال الشمس
(د ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (وابن خزيمة) في الصلاة من صحيحه (عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه كما قال جمع عبيدة بن مغيث الضبي الكوفي ضعفه أبو داود وقال المنذري لا يحتج بحديثه وقال يحيى القطان وغيره الحديث ضعيف وقال المنذري في موضع آخر في إسناد أبي داود احتمال للتحسين والمؤلف رمز لصحته(1/467)
924 - (أربع قبل الظهر كعدلهن) أي كنظيرهن ووزانهن في الثواب (بعد العشاء) وأربع بعد العشاء (كعدلهن من ليلة القدر) فنتج أن أربعا قبل الطهر يعدلن أربعا في ليلة القدر من حيث مزيد الفضل أي في مطلقه ولا يلزم منه التساوي في القدر وهذه سنة الزوال كما تقرر والقصد الحث على فعلها والترغيب في إدامتها
(طس عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الهيتمي بأن فيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جدا(1/468)
925 - (أربع لا يصبن) بالبناء للمفعول قال المؤلف ولا نافية (إلا بعجب) بعين مهملة محركا أي لا توجد وتجتمع في إنسان في آن واحد إلا على وجه عجيب عظيم يتعجب منه لعظم موقعه لكونها قل أن تجتمع (الصمت) أي السكوت عما لا ينبغي أو ما لا يعني المتكلم (وهو أول العبادة) أي مبناها وأساسها لأن اللسان هو الذي يكب الناس على مناخرهم في النار (والتواضع) أي لين الجانب للخلق على اختلاف طبقاتهم وطبائعهم ورؤية الإنسان نفسه حقيرا صغيرا (وذكر الله) أي لزومه والدوام عليه علامة حب الله (وقلة الشيء) الذي ينفق منه على نفسه وممونه فإن هذا لا يجامع السكون والوقار ولزوم الذكر بل الغالب على حال المقل الشكوى للناس وإظهار التضجر والتألم وشغل الفكر بالعيش الضنك بمنع صرف الهمة إلى الذكر فاجتماعهما شيء عجيب لا يحصل إلا بتوفيق إلهي وإمداد سماوي
(طب ك هب عن أنس) سكت المصنف عليه فأواهم أنه لا علة فيه وهو اغترار بقول الحاكم صحيح وغفل عن تشنيع الذهبي في التلخيص والمنذري والحافظ العراقي عليه بأن فيه العوام بن جويرية قال ابن حبان وغيره يروي الموضوعات ثم ذكر له هذا الحديث. اه
وأورده في الميزان في ترجمة العوام وتعجب من إخراج الحاكم له
وقال ابن عدي: الأصل في هذا أنه موقوف على أنس وقد رفعه بعض الضعفاء عن أبي معاوية حميد بن الربيع وقد قال يحيى حميد كذاب. اه. ومن ثم أورد ابن الجوزي في الموضوع وقال العوام يروي الموضوعات عن الثقات. وتعقبه المصنف فلم يأت بطائل كعادته(1/468)
926 - (أربع لا يقبلن) حال كونها (في أربع) يعني لا يثاب من أنفق منهن ولا يقبل عمله فيهن (نفقة من خيانة أو سرقة أو غلول) من غنيمة (أو مال يتيم) فلا يقبل الانفاق من هؤلاء الأربع (في حج) بأن حج بمال خانه أو سرقه أو غله أو غصبه من مال يتيم تحت حجره أو غيره (ولا في عمرة) هبهما حجة الإسلام وعمرته أم تطوعا (ولا) في (جهاد) هبه فرض عين أو كفاية (ولا) في (صدقة) مفروضة أو مندوبة كوقف أو غيره. والفرق بين الخائن والسارق أن الخائن هو الذي خان فيما ائتمن عليه وجعل تحت يده والسارق من أخذ خفية من موضع كان تنوعا من توصله. [ص:469] وكما تقبل تلك الأربع في هذه الأربع لا تقبل في غيرها أيضا
وإنما خصها اهتماما بشأنها لكونه أمهات الفروض التي فيها الانفاق وكررها لدفع توهم إرادة الجمع
(ص عن مكحول مرسلا عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه وفي المسند كوثر بن حكيم قال الذهبي تركوه وضعفوه(1/468)
927 - (أربع) أي أربع جمل من القرآن (أنزلت) أي أنزلهن الله بواسطة أو بغيرها (من كنز تحت العرش) عرش الرحمن (أم الكتاب وآية الكرسي وخواتيم البقرة والكوثر) أي السورة التي فيها الكوثر وهي {إنا أعطيناك الكوثر} والكنز النفائس المدفونة المدخرة فهو إشارة إلى ذكر أنها ادخرت لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تنزل على من قبله. قال الطيبي: هذا من إدخال الشيء في جنس وجعل أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان متعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ وغير متعارف وهو هذه الآيات الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية
(طب وأبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر (والضياء) المقدسي (عن أبي أمامة) الباهلي. قيل إن المصنف رمز لصحته وفيه عبد الرحمن بن الحسن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به والوليد بن جميل عن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم روى عن القاسم أحاديث منكرة وقال في الكاشف لينه أبو زرعة(1/469)
928 - (أربع حق على الله أن لا يدخلهن الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر) أي مداوم على شربها (وآكل الربا) ويلحق به فيما يظهر: موكله أخذا من تسويته بينهما في اللعن في الحديث المار أول الكتاب بقوله: آكل الربا وموكله - إلى أن قال - ملعونون ولم يقيده كما قيد ما بعده لأن آكله لا يكون إلا بغير حق. والمراد بالأكل هنا التناول بأي وجه كان (وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه) أي لأصليه المسلمين وإن عليا وكذا العاق لأحدهما: أي إذا استحل كل منهم ذلك أو المراد مع السابقين الأولين أو حتى يطهرهم بالنار وعلى ماعدا الأول فهو وعيد فيه جائز لا مبرم بخلاف الوعد. وخص الأربعة لا لإخراج غيرها بل لغلبة وقوعها في الجاهلية
(ك هب عب) من حديث إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن جده (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح فتعقبه الذهبي بأن إبراهيم قال ابن أبي شيبة متروك والمنذري فقال صححه وفيه إبراهيم بن خيثم متروك(1/469)
929 - (أربع أفضل الكلام) أي كلام الآدميين (لا يضرك) في حيازة ثواب الإتيان بهن (بأيهن بدأت) وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أما كلام الله فهو أفضل من التسبيح والتهليل المطلق والاشتغال بالمأثور في وقت أو حال مخصوص أفضل منه بالقرآن
قال البغوي: وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى من حلف لا يتكلم فسبح او هلل أو كبر يحنث لأنه كلام وذهب قوم إلى خلافه
(هـ عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا - ابن جندب رمز المؤلف لصحته(1/469)
[ص:470] 930 - (أربع دعوتهم مستجابة) أي مرجوة القبول (الإمام العادل) أي الحاكم الذي لا يجور في أحكامه. والعدل القصد في الأمور وهو ضد الجور (والرجل) يعني الإنسان (يدعو لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) أي في غيبته ولفظ الظهر مقحم كما سبق قريبا (ودعوة المظلوم) على ظالمه (ورجل) وصف طردي والمراد إنسان ولو أنثى أو خنثى أو طفلا (يدعو لوالديه) يعني لأصليه وإن عليا أو لأحدهما بالمغفرة والهداية ونحوهما. وكلامه شامل للحيين والميتين وورد من يستجاب دعاؤه أيضا جماعة وذكر العدد لا ينفي الزائد
(حل عن واثلة) بن الأسقع وفيه مخلد بن جعفر جزم الذهبي بضعفه وفيه محمد بن حنيفة الواسطي قال في الميزان قال الدارقطني غير قوي وأحمد ابن الفرج أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه أبو عوف(1/470)
931 - (أربعة لا ينظر الله إليهم) نظر رضى ومثوبة. والنظر تقليب الحدقة والله تعالى منزه عنه فالنظر في حقه بمعنى الإحسان وعدمه هو المقت والخذلان (يوم القيامة) إشارة إلى أن محل الرحمة والنعمة المستمرتين بخلاف رحمة الدنيا وعذابها فإنهما ينقطعان بتجرد الحوادث (عاق) لوالديه أو أحدهما (ومنان) زاد في رواية: الذي لا يعطى شيئا إلا منه (ومدمن خمر) أي معاقر لها ملازم على شربها (ومكذب بالقدر) بالتحريك: بأن أسند أفعال العباد إلى قدرهم. ولكون العقوق والمنة في كل منهما حق للآدمي وحق الله قدمهما على ما بعدهما لأنهما محض حق الله وفيه أن الأربعة المذكورة من الكبائر لهذا الوعيد
(طب عد عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف(1/470)
932 - (أربعة يبغضهم) أي ممن يبغضهم (الله) تعالى يعذبهم ويحيلهم دار الهوان (البياع الحلاف) بالتشديد. صيغة مبالغة: أي الذي يكثر الحلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر من كذا (والفقير المختال) بخاء معجمة: أي المتكبر المعجب بنفسه (والشيخ الزاني) أي الرجل الذي قد أمسى وهو مصر على الوطء بغير عقد شرعي ومثله الشيخة الزانية (والإمام الجائر) أي الحاكم الظالم المائل عن الحق إلى الباطل يقال جار في حكمه يجور جورا وظلم عن الطريق مال. وإنما أبغضهم لأن الحلاف الكثير الحلف انتهك ما عظم الله من أسمائه وجعله سببا وحيلة لدرك ما حقره من الدنيا لعظمها في قلبه. فبغضه ومقته هذا في الحلف الصادق فما بالك بالكاذب؟ والفقير المختال: أي المتكبر قد زوى الله عنه أسباب الكبر بحمايته له عن الدنيا فأبى لؤم طبعه إلا التكبر ولم يشكر نعمة الفقر فإن المصطفى صلى الله عليه وآله سلم يقول: الفقر على المؤمن أزين من العذار الجيد على خد الفرس. والشيخ الزاني عمر عمرا يحصل به الإنزجار واستولت أسباب الضعف وكلها حاجزة عن الزنا فأبى سوء طبعه إلا التهافت في معصية ربه. والإمام الجائر أنعم الله عليه بالسيادة والقدرة فأبى شؤم شح طبعه إلا الجور وكفر النعمة. وتعبيره بالبغض في هذه الأربعة وبعدم النظر في الأربعة قبلها يؤذن بأن هذه أقبح من تلك: فإن البغض أشد. ألا ترى أن الشخص [ص:471] قد لا ينظر إلى الشيء ويعرض عنه احتقارا وعدم مبالاة به ولا يبغضه؟
(ن هب) وكذا الخطيب في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده جيد وقال الذهبي في الكبائر عقب عزوه للنسائي إسناده صحيح ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/470)
933 - (أربعة) أي أربعة أشخاص (تجري) بفتح أوله (عليهم أجورهم بعد الموت) أي لا ينقطع ثواب أعمالهم بموتهم بل يستمر (من مات مرابطا في سبيل الله) أي إنسان مات حال كونه ملازما ثغر العدو بقصد الذب عن المسلمين (و) الثاني (من علم علما أجرى له عمله ما عمل به) أي وأي إنسان علم علما وعمله غيره ثم مات فيجري عليه ثوابه مدة دوام العمل به من بعده (و) الثالث (من) أي إنسان (تصدق بصدقة) جارية مستمرة من بعده كوقف (فأجرها يجري له ما وجدت) أي فيجري له أجره مدة بقاء العين المتصدق بها وزاد بيان الجزاء في هذين لخفاء النفع فيه أو إيماء إلى تفضيلهما على الأول والأخير (و) الرابع (رجل) وصف طردي والمراد إنسان مات (ترك ولدا صالحا) أي فرعا مسلما
هبه ذكرا أو أنثى أو ولد ولد كذلك وإن سفل (فهو يدعو له) بالرحمة والمغفرة فإن دعاءه أرجى إجابة وأسرع قبولا من دعاء الأجنبي
ومر أنه لا تعارض بين قوله هنا أربعة وقوله في الحديث المتقدم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لأن أعمال الثلاثة متجددة وعمل المرابط ينمو له. وفرق بين إيجاد العدوم وتكثير الموجود
(حم طب) وكذا البزار (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه وأعله الهيتمي وغيره بأن فيه ابن لهبعة ورجل لم يسم لكن قال المنذري هو صحيح من حديث غير واحد من الصحابة(1/471)
934 - (أربعة يؤتون أجورهم مرتين) أي يضاعف الله لهم ثواب ما عملوا مرتين (أزواج) جمع زوج والرجل زوج المرأة وهي زوجة ولم يقل زوجاته جمع زوجة لأن الأولى هي اللغة العالية الكثيرة وبها جاء القرآن نحو {اسكن أنت وزوجك الجنة} وإنما اقتصر الفقهاء في الاستعمال على اللغة القليلة وهي التي بها خوف لبس الذكر بالأنثى إذ لو قيل تركة فيها زوج وابن لم يعلم أذكر أم أنثى (النبي صلى الله عليه وسلم) فلهم أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على القيام بخدمة رسوله ونقلهن ما بطن من الشريعة مما لا يطلع عليه غيرهن وحفظه على الأمة ومن ثم اتجه عدم دخول غير المدخولة في ذلك نعم فيه شمول لمن مات قبله منهن ولمن تأخرت وفاته والظاهر إلحاق سرائره بهن ويشبه أن هذا اللفظ مما رواه الصحابي بالمعنى وإلا لقال زوجاتي (ومن أسلم من أهل الكتاب) يعني الفرقة الناجية من النصارى إذ من كفر بعيسى من أهل الكتاب لا أجر له على عمله كما يجيء. وذلك لإيمانهم بالكتابين فلهم أجر على الإيمان بالإنجيل وأجر على الإيمان بالفرقان (ورجل كانت عنده أمة) يملكها وهي تحل له (فأعجبته فأعتقها) أي أزال عنها الرق لله تعالى (ثم تزوجها وعبد مملوك) قيد به للتمييز بينه وبين الحر فإنه أيضا عبد الله (أدى حق الله تعالى وحق سادته) فله أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على أداء حق مواليه كما سبق موضحا ومن البين أن ذكر الإعجاب للتصوير لا للتقيد فكأنه خرج جوابا لسؤال وقد يقال إنما خصه لأنه إذا كان معجبا بها فعتقها صعب عسير على النفس لمصير [ص:472] أمرها بيدها فلما قهر نفسه بعتقها رجاء للثواب دل على قوة إيمانه وكمال إيقانه فيجازى بعظم الأجر. وظاهر الحديث أن العامل قد يؤجر على عمل واحد مرتين ولا بدع فيه وإن كان عملا واحدا لكنه في الحقيقة عملان مختلفان طاعة الله وطاعة المخلوق فيؤجر على كل من العملين مرة لا مرتين وقد ورد أن جماعة أخرى يؤتون أجرهم مرتين وألف فيه المصنف مؤلفا حافلا جمع فيه نيفا وأربعين وذكر العدد لا ينفي الزائد إذ مفهومه غيرحجة عند الأكثر
(طب عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه. قال الهيتمي: فيه علي بن يزيد الالهاني وهو ضعيف وقد وثق(1/471)
935 - (أربعة من كنز الجنة) أي ثوابهن مدخر في الجنة التي هي دار الثواب وهو ثواب نفيس جدا (إخفاء صدقة) أي عدم إعلانها والمبالغة في كتمانها بحيث لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله كما بينه هكذا في خبر آخر والخفاء يقابل به الإبداء والإعلان {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها} والمراد صدفة النفل (وكتمان المصيبة) أي عدم إشاعتها وإذاعتها على جهة التضجر والشكوى مما حل به من البلوى (وصلة الرحم) أي الإحسان إلى القريب ومواساته بما يحتاجه (وقول) الإنسان (لا حول) أي لا تحول عن المعصية (ولا قوة) على الطاعة (إلا بالله) أي إلا بإقداره وتوفيقه وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي: هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ولا حيلة له في دفع شر ولا قوة له في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى قال: ومعنى كونها من كنز الجنة أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة
(خط) في ترجمة محمد بن قاسم الأزدي (عن علي) أمير المؤمنين وأشار إلى تفرده باستحسان(1/472)
936 - (أربعون) مبتدأ (خصلة) تمييز وعند الإمام أحمد أربعون حسنة بدل خصلة (أعلاهن) أي أعظمهن ثوابا وهذا مبتدأ ثان خبره (منحة) بكسر فسكون وفي رواية منيحة (العنز) بفتح فسكون أنثى المعز والجملة خبر الأول والمنيحة كالعطية لفظا ومعنى والمراد ما يعطى من المعز رجلا لينتفع بلبنه وصوفه زمنا ثم يعيده وإنما كانت أعلى لشدة الحاجة إليها (لا يعمل عبد) لفظ رواية البخاري ما من عامل يعمل (بخصلة منها رجاء ثوابها) بالنصب مفعول له (وتصديق موعودها) بميم أوله بخط المصنف أي مما وعد لفاعلها من الثواب على وجه الإجمال (إلا أدخله الله تعالى بها) أي بسبب قبوله لها تفضلا (الجنة) فالدخول بالفضل لا بالعمل ونبه بالأدنى على الأعلى. فمنحة البقرة والبدنة كذلك بل أفضل ولم يفصل الأربعين بالتعيين خوفا من اقتصار العاملين عليها وزهدهم في غيرها من أبواب الخير وتطلبها بعضهم في الأحاديث فزادت عن الأربعين منها السعي على دي رحم قاطع وإطعام جائع وسقي ظمآن ونصر مظلوم. ونوزع بأن بعض هذه أعلى من المنحة وبأنه رجم بالغيب فالأحسن أن لا يعد لأن حكمة الإبهام أن لا يحتقر شيء من وجوه البر وإن قل كما أبهم ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة
(خ د عن ابن عمرو) ابن العاص ووهم الحاكم فاستدركه(1/472)
937 - (أربعون رجلا أمة) أي جماعة مستقلة لا تخلو من عبد صالح غالبا (ولم يخلص أربعون رجلا في الدعاء لميتهم) أي في صلاتهم عليه صلاة الجنازة (إلا وهبه الله تعالى لهم وغفر له) ذنوبه المتعلقة بالله تعالى إكراما لهم ويكرمه هو بالمغفرة له [ص:473] فإن ذلك أول ما يكرم به الميت المؤمن من قبل ربه تعالى كما يجيء في غير ما حديث وفيه أنه يندب تحري كون المصلين على الجنازة لا ينقصون عن أربعين وبين جعلهم ثلاث صفوف فأكثر
(الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود) والخليل نسبة إلى جده الأعلى لأنه أبو يعلى الخليلي ابن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني رمز المؤلف لضعفه(1/472)
938 - (أربعون دارا) من كل جهة من الجهات الأربع (جار) فيه حجة لمذهب الإمام الشافعي أنه لو أوصى لحيرانه صرف لأربعين دارا من كل جانب من الجوانب الأربعة ورد على أبي حنيفة في قوله الجار الملاصق فقط
(في مراسيله عن) ابن شهاب (الزهري مرسلا) قال أبو داود قلت له يعني الزهري وكيف أربعون دارا جار قال أربعون عن يمينه وعن بساره وخلفه وبين يديه قال الزركشي سنده صحيح وقال ابن حجر رجاله ثقات(1/473)
939 - (ارجعن) أيها النساء اللاتي جلسن ينتظرن جنازة ليذهبن معها (مأزورات) أي آثمات والقياس موزورات لأنه من الوزر ضد الأجر وإنما قصد الازدواج لقوله (غير مأجورات) والمشاكلة بين الألفاظ من مطلوبهم كما ذكره ابن يعيش والعسكري وغيرهما ألا ترى إلى أن وضحاها من قوله {والشمس وضحاها} أميل للازدواج ولو انفرد لم يمل لأنه من ذوات الواو وفيه نهى النساء عن اتباع الجنائز لكن الأصح عند الشافعية أنه مكروه لهن تنزيها نعم إن اقترن به ما يقتضي التحريم حرم وعليه حمل الحديث وقول من قال كأني نصر المقدسي لا يجوز لهن اتباع الجنائز
(هـ عن علي) أمير المؤمنين قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة ينتظرنها فقال هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدفن قلن لا فذكره قال ابن الجوزي جيد الإسناد بخلاف طريق أنس أي المشار إليه بقوله (ع عن أنس) قال اتبع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فإذا بنسوة خلفها فنظر إليهن فذكره ضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف وقال الدميري حديث ضعيف تفرد به ابن ماجه وفيه إسماعيل بن سليمان الأزرق ضعفوه انتهى وبهذا التقرير انكشف أن رمز المصنف لصحته صحيح في حديث على لا في حديث أنس فخذه منقحا ورواه الخطيب من حديث أبي هريرة وزاد في آخره مفتنات للأحياء مؤذيات للأموات(1/473)
940 - (أرحامكم) أي أقاربكم من الذكور والإناث (أرحامكم) أي صلوهم واستوصوا بهم خيرا واحذروا من التفريط في حقهم والتكرير للتأكيد. قال في الإتحاف: هذا أعز من المخاطب بلزوم ما يحمد أي صلوا أرحامكم أي أكرموها وفيه من المبالغة في طلب ذلك ما لا يخفى ويصح أن يكون تحذيرا من القطيعة ويلوح به قوله تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}
(حب هن أنس) بن مالك(1/473)
941 - (أرحم من في الأرض) بصيغة العموم يشمل جميع أصناف الخلائق فيرحم البر والفاجر والناطق والمبهم والوحش والطير (يرحمك من في السماء) اختلف بالمراد بمن في السماء فقيل هو الله أي ارحموا من في الأرض شفقة يرحمكم الله تفضلا والتقدير يرحمكم من أمره نافذ في السماء أو من فيها ملكه وقدرته وساطانه أو الذي في العلو والجلال والرفعة لأنه تعالى لا يحل في مكان فكيف يكون فيه محيطا فهو من قبيل رضاه من السوداء بأن تقول في جواب أين الله فأشارت إلى السماء معبرة عن الجلال والعظمة لا عن المكان وإنما ينسب إلى السماء لأنها أعظم وأوسع من الأرض أو لعلوها وارتفاعها أو لأنها قبلة الدعاء ومكان الأرواح الطاهرة الفدسية وقيل المراد منه الملائكة أي تحفظكم [ص:474] الملائكة من الأعداء والمؤذيات بأمر الله ويستغفر لكم ويطلبوا الرحمة من الله الكريم قال الطيبي ويمكن الجمع بأن يقال يرحمك بأمره الملائكة أن تحفظك قال تعالى {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} وأخرج الروياني في مسنده عن ابن عمر يرفعه: إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطول وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول يا رب ارحمني اليوم فيقول له هل رحمت شيئا من خلقي من أجلي فأرحمك. قال الحراني: والرحمة تحلة ما يوافي المرحوم في ظاهره وباطنه أدناه كشف الضر وكشف الأذى وأعلاه الاختصاص رفع الحجاب وفيه ندب إلى العطف على جميع أنواع الحيوان وأهمها وأشرفها الآدمي المسلم والكافر المعصوم فيعطف عليهم بالمواساة والمعونة والمواصلة فيوافق عموم رحمة الله للكل بالإرقاق وإدرار الأرزاق وقال وهب: من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطىء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن يكره الشر يعصم وقال عيسى عليه السلام: لا تنظروا في عيوب الناس كأنكم أرباب. انظروا فيها كأنكم عبيد إنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية وهنا دقيقة وهي أن العارف المرصفي قال: يجب على الفقير إذا تخلق بالرحمة على العالم أن لا يتعدى بالرحمة موطنها فيطلب أن يكون العالم كله سعيدا فإنه تعالى يقول {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} وقال {ما يبدل القول لدي} ورؤي الغزالي في النوم فقيل له مافعل الله بك فقال أوقفني بين يديه وقال بم جئتني فذكرت أنواعا من الطاعات فقال ما قبلت منها شيء لكنك جلست تكتب فوقعت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك انتهى. والرحمة في حقنا رحمة وحنو يقتضي الإحسان وذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تقدس عن ذلك وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلطة فهو راجع في حقه إلى ثمرة تلك الرقة وفائدتها وهو اللطف بالمبتلى والضعيف وكشف ضره والإحسان إليه ذكره القرطبي وغيره وقال ابن عطاء الله من اطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية فاطلاعه فتنة عليه وسبب لجر الوبال إليه وإليه أشار ابن الفارض بقوله:
وإياك والإعراض عن كل صورة. . . مموهة أو حالة مستحيلة
فمن تخلق بالرحمة الإلهية وهي العامة لجميع الخلق الطائع والعاصي بواسطة شهادة فعل الله عذر الخلق ورحمهم لكونه لم يشهد لهم فعلا بل يشهد أفعال الحق تتصرف فيهم وتجري مجرى القدر وهو محجوبون عن ذلك بواسطة أفعال النفس وظلمتها فيرحمهم الله من غير اعتراض عليه ويعذرهم من غير أن يقف مع شيء من ذلك
(طب عن جرير) البجلي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح (طب ك) من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن قابوس (عن ابن مسعود) رواه من هذا الطريق البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر رواته ثقات واقتفاه المصنف فرمز لصحته قال السخاوي وكان تصحيح الحاكم باعتبار ما له من المتابعات والشواهد وإلا فأبو قابوس لم يروه عنه سوى ابن دينار ولم يوثقه سوى ابن حبان على قاعدته في توثيق من لم يجرح ومن شواهد ما عقبه به المصنف بقوله:(1/473)
942 - (ارحموا ترحموا) لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلاما اتصف بها البشر فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك (واغفروا يغفر لكم) لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها (ويل لأقماع القول) أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه والأقماع بفتح الهمزة جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجتازا كما يمر الشراب في القمع كذلك قال الزمخشري: من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يستمعون ولا يعون انتهى (ويل للمصرين) على الذنوب أي العازمين [ص:475] على المداومة عليها (الذين يصرون على ما فعلوا) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا (وهم يعلمون) حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب
(حم خد هب عن ابن عمرو) ابن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره ذلك قال الزين العراقي كالمنذري إسناده جيد وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعي وثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك انتهى. والمصنف رمز لصحته وفيه ما ترى(1/474)
943 - (أردية الغزاة السيوف) أي هي بمنزلة أرديتها فليس الإرتداء في حقهم بمطلوب كما هو مطلوب لغيرهم لأن الرداء يغطيها واللائق المناسب إظهارها وإشهارها إرهابا للعدو ولئلا يكون بينه وبين السيف حائل إن احتاج إلى سله من غمده
(عب عن الحسن مرسلا) وهو البصري(1/475)
944 - (إ رضخى) بهمزة مكسورة إذا لم توصل وبراء: من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف (ما استطعت) ما دامت قادرة مستطيعة للإعطاء فما مصدرية. قال الكرماني: لكن الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه (ولا توعى) تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء (فيوعى الله عليك) أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد فإسناد الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر ومن علم أن الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب
(م ن عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت قلت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ منه؟ فذكره. ورواه عنها أيضا البخاري بلفظ لا توعى فيوعى الله عليك أرضخى ما استطعت(1/475)
945 - (ارضوا) أيها المزكون (مصدقيكم) السعاة ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقهم. وسبب الحديث أنه جاء ناس من الأعراب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا إن ناسا من المصدقين يأتونا فيظلمونا فقال ارضوا مصدقيكم قالوا وإن ظلمونا؟ قال ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم. ولا ريب أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يستعمل ظالما قط بل كانت سعاته على غاية من تحري العدل كيف ومنهم علي وعمر ومعاذ؟ ومعاذ الله أن يولي المصطفى صلى الله عليه وسلم ظالما. فالمعنى سيأتيكم عمالي يطلبون منكم الزكاة والنفس مجبولة على حب المال فتبغضوهم وتزعمون أنهم ظالمون وليسوا بذلك. فقوله وإن ظلمتم مني على هذا الزعم ويدل على ذلك لفظة إن الشرطية وهي تدل على الفرض والتقدير لا على الحقيقة. وقال المظهري: لما عم الحكم جميع الأزمنة قال كيف ما يأخذون الزكاة لا تمنعوهم وإن ظلموكم فإن مخالفتهم مخالفة للسلطان لأنهم مأمورون من جهته ومخالفة السلطان تؤدي إلى الفتنة وثورانها. رد بأن العلة لو كانت هي المخالفة جاز كتمان المال لكنه لم يجز لقوله في حديث أنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون؟ قال لا. أما سعاة غيرنا فإغضاب ظالمهم واجب وإرضاؤه فيما يرمونه بالجور حرام
(حم م د ن عن جرير) ابن عبد الله قال جاء ناس فقالوا يا رسول الله إن ناسا من المصدقين إلى آخره(1/475)
946 - (إرفع إزارك) إلى أنصاف الساقين يا من أسبله حتى وصل إلى الأرض (واثق الله) أي خفف عقابه على تعاطي [ص:476] ما حرمه عليك من جر إزارك تيها وخيلاء وفيه كالذي بعده حرمة إنزال الرجل إزاره ونحوه عن الكعبين بقصد الخيلاء ويكره بدونه كما مر ويأتي والسنة جعله إلى نصف الساقين
(طب عن الشريد) بوزن الطويل (ابن سويد) بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحتية الثقفي قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فذكره والشريد اسمه مالك قتل قتيلا من قومه فلحق بمكة ثم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وبايع بيعة الرضوان وسماه الشريد وهذا الحديث رواه مسلم عن ابن عمر بزيادة ونقص ولفظه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتزرها بعد. فقال بعض القوم فأين؟ قال أنصاف الساقين وقد رمز المصنف لصحته(1/475)
947 - (ارفع إزارك) أي شمره عن الإسبال (فإنه) أي الرفع (أنقى لثوبك) بالنون من النقاء أي أنزه له عن القاذورات وروي بموحدة تحتية من النقاء أي أكثر بقاءا ودواما له (وأتقى) بمثناة فوقية (لربك) أي أقرب إلى سلوك التقوى أو أوفق للتقوى لبعده عن الكبر والخيلاء ثم إن ما تقرر في هذا الخبر وما قبله من أن الرفع والإزار حقيقة هو ما عليه المحدثون والفقهاء وقال أهل الحقيقة رفع الثوب وتطهيره كناية عن طهارة النفس من الدنس والأغيار قال الشاذلي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر يقول يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس قلت وما ثيابي يا رسول الله قال قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام فمن أحب الله هان عليه كل شيء ففهمت حينئذ قوله {وثيابك فطهر}
(ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن الأشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وبالمثلثة (ابن سليم) المحاربي بضم الميم (عن عمته عن عمها) رمز المصنف لصحته(1/476)
948 - (ارفع) أيها الباني (البنيان إلى السماء) يعني إلى جهة العلو والصعود ولم يرد المظلة كقوله في الجبل طويل في السماء يريد ارتفاعه وشموخه ذكره الزمخشري ثم إن ما تقرر من كون الحديث ارفع البنيان هو ما في خط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من نسخ المعجم ارفع يديك إلى السماء (واسأل الله السعة) أي اطلب منه أن يوسع عليك. وزعم حجة الإسلام أن المراد بالسماء هنا الجنة وأنت خبير بمنافرته للسياق وفيه إلماح بكراهة ضيق المنزل ومن ثم قال الحكيم: المنازل الضيقة العمى الأصغر لكن لا يبالغ في السعة بل يقتصر على ما لا بد منه مما يليق به وبعياله لخبر: كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه
(طب عن) سيف الله أبي سليمان (خالد بن الوليد) قال شكيت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الضيق في المسكن فذكره. قال الهيتمي ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن اه وبه تعرف أن رمز المصنف لضعفه غير سديد. نعم قال العراقي في سنده لين وكان كلامه في الطريق الثاني(1/476)
949 - (إرفعوا ألسنتكم عن المسلمين) أي كفوها عن الوقيعة في أعراضهم. والرفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام (وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا) يعني لا تذكروه إلا بخير وكفوا عن مساوئه فإن غيبة الميت أشد من غيبة الحي. نعم إن ترتب على ذكره بسوء مصلحة كالتحذير من [ص:477] بدعته جاز بل قد يجب كما مر
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال: لما قدم النبي صلى الله عليه سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس - فذكره - فما ذكر من أنه عن سهل بن سعد هو ما رأيته في عدة نسخ من هذا الجامع فإن لم تكن النسخ التي وقفت عليها محرفة من النساخ وإلا فهو سهو من المؤلف وإنما هو سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده وكذا ذكره ابن عبد البر في ترجمة سهل بن مالك فإن الطبراني وكذا الضياء في المختارة إنما خرجاه من حديث سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ثم ضعفه وقال سهل وأبوه مجهولان وتبعه على ذلك في اللسان وليس في الصحابة سهل بن مالك غيره ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد وبما تقرر يعرف ما في رمز المصنف لحسنه(1/476)
950 - (أرقاءكم أرقاءكم) بالنصب أي الزموا الوصية بهم والإحسان إليهم وكرره لمزيد التأكيد (فأطعموهم مما تأكلون) أي من جنسه (وألبسوهم) بقطع همزته وهمزة أطعموهم وكسر الموحدة (مما تلبسون) كذلك. فالواجب على السيد لرفيقه إطعامه ما يكفيه وكسوته وجنس ذلك من غالب القوت والأدم لرقيق البلد وكسوتهم لائقا بالسيد ويستحب أن يطعمه من عين ما يأكل ويكسوه كذلك ولا يجب ويسن إجلاسه معه للأكل فإن لم يفعل ندب ترويغ لقمة كبيرة أو لقمتين في دسم طعامه ودفعه إليه كما مر (وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه) كتقصير في خدمته أو افتتان بين أهل المنزل ومعاشرة أهل السوء (فبيعوا عباد الله) أي أزيلوا الملك عنهم بنحو بيع أو كتابة أو هبة أو عتق (ولاتعذبوهم) بضرب أو تهديد أو تقريع فظيع يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه ووضع الظاهر موضع المضمر فلم يقل فبيعوهم زيادة في الزجر عن التعذيب وإيماء إلى أن السادة ليسوا بمالكين لهم حقيقة وإنما لهم بهم نوع اختصاص والمالك الحقيقي لجميع العباد هو الله سبحانه وتعالى
(حم وابن سعد) في الطبقات. وكذا الطبراني ولعله أغفله ذهولا فإن الوجه المخرج منه واحد (عن زيد بن الخطاب) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أرقاءكم إلخ وقال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وزيد هذا هو ابن الخطاب أخو عمر قتل شهيدا يوم اليمامة(1/477)
951 - (أرقاؤكم إخوانكم) أي هم إخوانكم في الدين (فأحسنوا إليهم) بالقول والفعل كما يحسن الأخ إلى أخيه (استعينوهم على ما غلبكم) يعني استعينوا بهم فيما غلبكم: أي فيما لا يمكنكم مباشرته من الأعمال (وأعينوهم على ما غلبهم) من الخدمة اللازمة لهم ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام وما ذكر من أن الرواية غلبكم وغلبهم بغين معجمة وموحدة تحتية فيهما هو ما في خط المؤلف وغيره فما في نسخ من أنه بمهملة تصحيف وإن كان معناه صحيحا لكن خلاف الرواية
(حم خد عن رجل) من الصحابة رمز المؤلف لحسنه(1/477)
952 - (ارقى) خطابا بالمؤنث وهي دايته الشفاء فالحكم عام أي لا حرج عليك في الرقيا لشيء من العوارض: كلدغ عقرب بأي نوع من الرقى التي اعتيدت في الجاهلية (ما لم يكن شرك بالله) أي ما لم تشتمل الرقيا على ما فيه شيء من [ص:478] أنواع الكفر كالشرك أو ما يومىء إلى ذلك فإنها حينئذ محظورة ممنوعة وكذا إن اشتملت على لفظ جهلنا معناه
(ك) وكذا الطبراني (عن الشفاء) داية النبي صلى الله عليه وسلم (بنت عبد الله) بن عبد شمس العدوية من المهاجرات الأول وإسناده صحيح(1/477)
953 - (اركبوا هذه الدواب سالمة) أي خالصة عن الكد والإتعاب (واتدعوها سالمة) ولفظ رواية الطبراني بدله ودعوها أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها وهو افتعل من ودع بالضم وداعة: أي سكن وترفه وابتدع على القلب فهو مبتدع أي صاحب بدعة أو من ودع إذا ترك يقال إيدع وابتدع على القلب والإدغام والإظهار ذكره ابن الأثير (ولا تتخذوها كراسي) وفي رواية: منابر (لأحاديثكم في الطرق والأسواق) أي لا تجلسوا على ظهورها ليتحدث كل منكم مع صاحبه وهي موقوفة كجلوسكم على الكراسي للتحدث. والمنهي عنه الوقوف الطويل لغير حاجة فيجوز حال القتال والوقوف بعرفة ونحو ذلك. وعلل النهي عن ذلك بقوله (فرب) دابة (مركوبة خير من راكبها) عند الله تعالى (وأكثر ذكرا لله منه) فيه أن الدواب منها ماهو صالح ومنها ما هو طالح: وأنها تذكر الله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وأن بعضها أفضل من بعض الآدميين ولا ينافيه {ولقد كرمنا بني آدم} لأنه في الجنس والفقير المعذب في الدنيا إذا ختم له بالكفر أخس من الدابة فإنه أشقى الأشقياء كما في الخبر
(حم) بأسانيد عديدة (ع طب ك عن معاذ) بضم الميم (ابن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فذكره. قال الهيتمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ وثقه ابن حبان وفيه ضعف اه وقال الذهبي في المهذب: فيه سهل وفيه لين. وفيه إشعار بطلب الذكر للراكب. وقد ذكر أهل الحقيقة أنه يخفف الثقل عن الدابة فإن أخلص الذاكر ودوام على الذكر لم تحس الدابة بثقل أصلا. وقد أخبروا بذلك عن تجربة
وبعضهم كلمته الدابة وأخبرته بذلك وهذا من كرامات الأولياء التي لا ينكرها إلا محروم(1/478)
954 - (اركعوا) ندبا (هاتين الركعتين في بيوتكم) أي صلوها في منازلكم لا في المسجد. لأن صلاتهما في البيت أبعد عن الرياء ثم بينهما بقوله (السبحة) بضم السين وسكون الموحدة (بعد المغرب) أي النافلة بعد المغرب سميت النافلة سبحة لاشتمالها على التسبيح واتفقوا على ندب ركعتين بعد المغرب وهما من الرواتب واتفق الشافعية والحنفية على ندب جعلهما في البيت وصرح الحنفية بكراهة فعلها في المسجد. قال في فتح القدير: ووقوعها سنة لا ينافي كراهة فعلها فيه وذهب بعض العلماء إلى أنه يعصي. وحكي عن أبي ثور ثم إنه لا اختصاص لذلك بسنة المغرب بل جميع الرواتب يندب جعلها في البيت بدليل خبر النسائي الآتي: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما خصها لأنه رأى رجلا يصليها في المسجد
(هـ عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأنصاري الأوسي الذي أصابه يوم أحد سهم فنزعه وبقي نصله إلى أن مات. رمز المصنف لحسنه(1/478)
955 - (ارموا) بالسهام ونحوها ندبا لترتاضوا وتتمرنوا على الرمي قبل لقاء العدو ويصير لكم به خبرة وقوة (واركبوا) الخيل ونحوها مما يركب للجهاد ولتروضوه للقتال. قال الطيبي: عطفه يدل على المغايرة وأن الرامي يكون راجلا والراكب رامحا (وأن ترموا) بفتح الهمزة أي والرمي بالسهام وخبره (أحب إلي من أن تركبوا) أي من ركوبكم [ص:479] نحو الخيل للطعن بالرمح فإنه لا شيء أنفع من الرمي ولا أنكى للعدو ولا أسرع ظفرا منه كما يعلمه من باشر الحروب وخالط الخطوب ومن ثم أفتى ابن الصلاح أن الرمي أفضل من الضرب بالسيف (كل شيء يلهو به الرجل باطل) أي لا اعتبار به يقال للمشتغل بما لا يعود عليه من نفع دنيوي أو أخروي بطال وهو ذو بطالة. ذكره الراغب. قال ابن العربي: ولا يريد أنه حرام بل إنه عار من الثواب (إلا رمي الرجل بقوسه) أي العربية وهو قوس النبل أو الفارسية وهو قوس النشاب (أو تأديبه فرسه) أي ركوبها وركضها والجولان عليها بنية الغزو وتعليمها ما يحتاج مما يطلب في مثلها. وفي معنى الفرس: كل ما يقاتل عليه (أو ملاعبته امرأته) أي مزاحه حليلته بالنزول لدرجات عقلها لطيب القلب وحسن العشرة ولذا قال لقمان: ينبغي للعاقل كونه كالصبي مع أهله ومثلها نحو ولد وخادم لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته
بل يراعي الاعتدال (فإنهن) أي الخصال المذكورات (من الحق) أي من الأمور المعتبرة في نظر الشرع إذا قصد بالأولين الجهاد وبالثالث حسن العشرة صار اللهو مطلوبا مندوبا فهو من الحق المأمور به ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس إذا خلا بأهله وسبق عائشة مرارا فسبقها وسبقته (ومن ترك) أي أهمل (الرمي) بلا عذر (بعد ما علمه) بفتح العين وكسر اللام مخففة. لا بفتحها مشددة كما وهم يعني بعد علمه إياه بالتعليم ويجوز بناؤه للمفعول (فقد كفر الذي علمه) أي ستره فيكره ترك الرمي بعد علمه لأن من تعلمه حصل أهلية الدفع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد فتركه تفريط في القيام بما تعين عليه. قال الماوردي: وهذا إن قصد بتعلمه الجهاد وإلا مباح مالم يقصد به محرما. اه. وأقول الذي يتضمنه التحقيق أن الرمي وتعلم الفروسية وتعليم الفرس تجري فيه الأحكام الخمسة فأصله مباح ثم قد يجب إن تعين ذلك طريقا للجهاد الواجب عينا أو كفاية وقد يندب بقصد الغزو عند عدم تعينه وقد يكره إن قصد به مجرد اللهو واللعب وقد يحرم إن قصد به نحو قطع الطريق أو قتال أهل العدل وعلى حالة الندب أو الوجوب ينزل الحديث
(حم ت هب) وكذا رواه الطيالسي والإمام الشافعي كلهم (عن عقبة بن عامر) ونوزع المصنف بأن الذي في الترمذي إنما هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ولعل نسخه مختلفة. قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر وغيره ورمز المصنف لحسنه(1/478)
956 - (ارموا الجمرة) في الحج (بمثل حصى الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: أي بقدر الحصا الصغار الذي يحذف: أي يرمى بها ففي القاموس وغيره: المحذف كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما بأخذها بين سبابتيك فتحذف به. اه. وفي المصباح خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب: رميتها بطرفي الإبهام والسبابة وقولهم يأخذ حصى الخذف معناه حصى الرمي والمراد الحصى الصغار لكنه أطلق مجازا. اه. والمراد هنا دون الأنملة طولا وعرضا وهو بقدر الباقلا فيكره تنزيها بدونه وفوقه لكنه يجزىء وفيه رد على الإمام مالك في قوله الأكبر من حصى الخذف أحب إلي ومن ثم تعجب منه ابن المنذر ومما يرده أيضا الخبر الصحيح بأمثال هؤلاء أي حصى الخذف فارموا وإياكم والغلو في الدين
(حم وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) المقدسي (عن رجل من الصحابة) قال الهيتمي رجاله ثقات. اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/479)
957 - (أرهقوا) بفتح الهمزة وقال العسكري بكسرها (القبلة) بالكسر: أي ادنوا من السترة التي تصلون إليها [ص:480] بحيث يكون بينكم وبينها ثلاثة أذرع فأقل. والمراد بالقبلة: السترة هنا وأصلها كل ما يستقبل فيندب أن يصلي إلى سترة لا تبعد عنه أكثر من ذلك والأولى إلى شاخص كجدار ولا يعمد له بل بسامت أحد جانبيه فإن فقد الشاخص فإلى عصى مغروز أو متاع موضوع ارتفاعهما ثلثا ذراع ثم يفرش مصلى ثم يخط خطا من قدميه طولا إلى القبلة وحينئذ يحرم المرور بينه وببن السترة فإن صلى لا إلى شيء مما مر أو بعد عنه فوق ثلاثة أذرع كره المرور. ذكره الإمام الشافعي
(البزار) في مسنده (هب وابن عساكر) وكذا أبو يعلى والديلمي كلهم (عن عائشة) وفيه بشر بن السري أورده الذهبي في الضعفاء وقال تكلم فيه من جهة تجهمه عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه ومن ثم رمز لضعفه(1/479)
958 - (أريت) بالبناء للمفعول بضبط المصنف من الرؤيا العلمية لا البصرية لما يجيء ونكتة حذف الفاعل هنا التعظيم (ما تلقى أمتي من بعدي) أي أطلعني الله بالوحي أو بالعرض التمثيلي على ما ينوبها من نوائب ونواكب وحذف كيفية الأداة لتذهب النفس كل مذهب ممكن والتقييد بالظرف لا مفهوم له فإنه عرضت عليه أمته وما تلقاه في حياته وبعد وفاته لكن لما كان المقصود الإعلام بوقوع الفتن والقتال بينهم بعده وأنه مع ذلك شافع مشفع فيهم ذكر البعدية (وسفك بعضهم) مصدر مضاف لفاعله: أي أراني ما وقع بينهم من الفتن والحروب حتى أهرق بعضهم (دماء بعض) أي قتل بعضهم بعضا (وكان ذلك سابقا من الله) تعالى في الأزل (كما سبق في الأمم قبلهم) أي من أن كل نبي تعرض عليه أمته أو من أن سفك بعضهم دم بعض سبق به قضاؤه كما وقع لمن قبلهم (فسألته أن يوليني) بفتح الواو وشد اللام أو سكون الواو من الولاية (شفاعة فيهم يوم القيامة) ليفوز بخلاصهم مما أرهقهم عسرا وعراهم من الشدائد نكرا (ففعل) أي أعطاني ما سألته وتنكير شفاعة للتعظيم: أي شفاعة عظيمة. قال بعض المحققين: وهذه الرؤيا ليست بصرية بل قلبية كشفية لأن علم الأنبياء مستمد من علم الحق تقدس وكما أن علمه سبحانه لا يختلف بحسب اختلاف التسب الزمانية فكذا علم النبيين بل الزمان تابع لعلم الله وتعلقه بالماضي والمستقبل والحاضر من جهة الكشف واحد وإنما يختلف بهذه الاختلافات العلم المحدث ولما كان علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومكاشفاته من ذلك القبيل اندرجت له الأكوان والمسافات والأزمان والجهات في بعض الأوقات حتى رأى أمته الحادثين بعده وما وقع منهم من الحروب والخطوب ورأى الجنة والنار مثلين رأى العين في عرض الحائط إشعارا بقرب الأمر وإيناسا لمن قصر فهمه عن درك علوم المكاشفات والتجليات. ذكره في المطامح
(حم طس ك) عن أبي اليماني عن شعيب عن الزهري عن أنس (عن أم حبيبة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم بنت شيخ قريش وحبيبها عظيمها أبي سفيان بن حرب الأموية رملة ماتت سنة أربع وأربعين قال الحاكم على شرطهما والعلة عندهما فيه أن أبا اليماني رواه مرة عن شعيب ومرة عن غيره ولا ينكر أن يكون الحديث عند إمام عن شيخين. اه. وقال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح. اه. فرمز المصنف لصحته متجه(1/480)
959 - (إزرة المؤمن) بالكسر الحالة وهيئة الانزار كالجلسة يعني الحالة التي ترتضي منه في الإتزار وتحسن في نظر الشرع أن يكون الإزار (إلى أنصاف ساقيه) فقط لقوله في عدة أخبار: وأن ما أسفل من ذلك ففي النار زاد في رواية الطبراني من حديث ابن معقل وليس عنده حرج فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك في النار قال الطيبي: وجميعها يشعر بالتوسعة فإذا قصد الخيلاء بما زاد على ذلك حرم وألحق بذلك القسطلاني كم [ص:481] القميص فمتى زاد فيه على المعتاد بقصد الخيلاء حرم. وقال الفاكهي: فيه رد لما يفعله فقهاء العصر من تكبير العمائم وتوسيع الثياب والأكمام وإطالتها وترفيعها وصقالتها حتى خرجوا إلى مجاوزة الكعبين ونسوا هذا الخبر ونحوه وهذا من أكبر دليل على أنهم لم يقصدوا بالعلم وجه الله <تنبيه> قوله أي أنصاف ساقيه: كقولهم قطعت رؤوس الكبشين
(ن) في اللباس (عن أبي هريرة والضياء) المقدسي (عن أنس) والنسائي أيضا وأبو داود وابن ماجه كلهم من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه (عن أبي سعيد) الخدري قال عبد الرحمن سألت أبا سعيد عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج أو ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل الكعبين فهو في النار ومن جر ثوبه بطرا لم ينظر الله إليه هكذا ساقه عنهم جمع منهم النووي في الرياض والزين العراقي في شرح الترمذي وهو مخالف - كما ترى - لسياق المؤلف. قال النووي وإسناده صحيح وعن ابن عمر وقال سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي(1/480)
960 - (ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقارا وشرعا الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله
وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود (في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها فإنك إن فعلت ذلك (يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه وتعالى يحب من أطاعه ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها (يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا
(طب ك هب عن سهل بن سعد) الساعدي قال قال رجل يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فذكره
وحسنه الترمذي وتبعه النووي وصححه الحاكم واغتر به المصنف فرمز لصحته وكأنه ما شعر بتشنيع الذهبي عليه بأن فيه خالد بن عمر وضاع ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد وقال المنذري عقب عزوه لابن ماجه: وقد حسن بعض مشايخنا إسناده وفيه بعد لأنه من رواية خالد القرشي وقد ترك واتهم قال لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة ولا يمنع كونه رواه الضعفاء أن يكون النبي قاله اه. قال السخاوي: فيه خالد هذا مجمع على تركه بل نسبوه إلى الوضع. قال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالموضوعات وقال ابن عدي: خالد وضع هذا الحديث وقال العقيلي: لا أصل له اه. ثم قضية صنيع المصنف أيضا أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه بقوله خالد بن عمر ضعيف(1/481)
961 - (أزهد الناس) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء: أي أكثر الناس زهدا (في العالم) بعلم طريق الآخرة أو بالعلوم الشرعية أو العقلية (أهله وجيرانه) زاد في رواية حق يفارقهم وذلك سنة الله في الماضين وعادته في النبيين والعلماء ورثتهم ومن ثم قال بعض العارفين: كل مقدور عليه مزهود فيه وكل ممنوع منه مرغوب فيه. قال الماوردي: فإذا قرب منك العالم فلا تطلب ما بعد وربما انبعثت نفس الإنسان إلى من بعد عنه استهانة بمن قرب منه وطلب ما صعب [ص:482] احتقارا لما سهل عليه وانتقل إلى من لم يخبره مللا من خبره فلا يدرك مطلوبا ولا يظفر بطائل. وأنشد بعضهم يقول:
لا ترى عالما يحل بقوم. . . فيحلوه غير دار هوان
هذه مكة المنيفة بيت الل. . . هـ يسعى لحجها الثقلان
وترى ازهد البرية في الح. . . ج لها أهلها لقرب مكان
وروى البيهقي في المدخل أن كعبا قال لأبي مسلم الخولاني: كيف تجد قومك لك؟ قال مكرمين مطيعين قال ما صدقتني التوراة. إذ فيها ما كان رجل حكيم في قوم قط إلا بغوا عليه وحسدوه وقال المصنف رأيت في كراسة لأبي حيان: أوحى الله في الإنجيل إلى عيسى: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده
(حل) عن محمد بن المظفر عن أحمد بن عمير عن حبشي عن عمرو بن الربيع عن أبيه عن إسماعيل بن اليسع عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي (عن أبي الدرداء) قال عبد الواحد: رأيت أبا الدرداء قيل له ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومحمد بن المظفر أورده في الميزان وقال ثقة حجة إلا أن الباجي قال كان يتشيع قال في اللسان كان يشير إلى الجزء الذي جمعه ابن المظفر في فضائل العباس فكان ما به ذا وعبد الواحد ضعفه الأزدي (عد) عن موسى بن عيسى الخوارزمي عن عباد بن محمد بن صهيب عن يزيد بن النضر المجاشعي عن المنذر بن زياد عن محمد بن المنذر (عن جابر) بن عبد الله قال ابن الجوزي موضوع والمنذر كذاب
ومن كلامهم زامر الحي لا يطرب وذكر كعب أن هذا في التوراة
وقال سليمان الأحول لقيت عكرمة ومعه ابنه. فقلت أيحفظ هذا من حديثك شيئا؟ قال أزهد الناس في العالم أهله. وقال العارف المرسي: ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق ليرفع مقدارهم ويكمل أنوارهم ويحقق لهم الميراث ليؤذوا كما أوذي من قبلهم فصبروا كما صبر من قبلهم ولو كان إطباق الخلق على تصديق العالم هو الكمال لكان الأحق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بل صدقه قوم هداهم الله بفضله وكذبه آخرون فحجبهم الله بعدله فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد ومنتقد ومصدق ومكذب وإنما يصدق بعلومهم من أراد الحق إلحاقه بهم وقليل ما هم لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة وكراهة الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف منزلة واختصار عنه والعامة إذا رأوا إنسانا ينسب إلى علم أو عرفان جاؤوا من القفار وأقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم وكلوا من واحد بين أظهرهم لا يلقون إليه بالا وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم فما هو إلا كحمار الوحش يدجل به البلد فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم لا يلتفتون إليها أولئك قوم لاخلاق لهم(1/481)
962 - (أزهد الناس الأنبياء) أي الرسل ومثلهم خلفاؤهم العلماء العاملون (وأشدهم عليهم) في إيصال الأذى والإيلام بالبذاء (الأقربون) منهم بنسب أو مصاهرة أو جوار أو مصاحبة أو اشتراك في حرفة أو نحو ذلك ولهذا نص الله سبحانه وتعالى على تخصيصهم بالإنذار بقوله {وأنذر عشيرتك الأقربين} أي أنذرهم وإن لم يسمعوا قولك أو لم يقبلوا نصحك لكونهم أزهد الناس فإن ذلك ليس عذرا مسقطا للتبليغ عنك. قال ابن عساكر: وقلما كان كبيرا في عصر قط إلا وله عدو من السفلة: فلآدم إبليس ولإبراهيم نمروذ ولموسى فرعون وللمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو جهل. قال المصنف: وللحسن مروان بن الحكم ولابن عباس نافع بن الأزرق. وهكذا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وعزاه ابن الجوزي لجابر ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن له عدة طرق منها حديث أبي الدرداء(1/482)
963 - (أزهد الناس من لم ينس القبر) أي موته ونزوله القبر ووحدته ووحشته (والبلاء) أي الفناء والاضمحلال (وترك [ص:483] أفضل زينة) الحياة (الدنيا) مع إمكان تحليه بها (وآثر ما يبقى على ما يفنى) أي آثر الآخرة وما يقرب منها من قول وعمل على الدنيا وما فيها. قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فإن والآخرة من خزف باق لاختار العاقل الباقي على الفاني. وقال: ترك أفضل زينة الدنيا ولم يقل ترك زينة توسعة في الأمر وإشارة إلى أن القليل من ذلك مع عدم شغل القلب به لا يخرج عن الزهد (ولم يعد غدا من أيامه) لجعله الموت نصب عينيه على توالي الأنفاس (وعد نفسه في الموتى) لأن التخلي عن زينة الدنيا والتحلي بقصر الأمل يوجب محبة لقاء الله ومحبة لقائه توجب محبة الخروج من الدنيا وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها
ثم إن من اشتراطه الزهد به ترك زينة الدنيا يشمل النساء إذ هي أعلى اللذات وأعظمها باتفاق العقلاء وليس مراد افتعين جعل الخبر من قبيل العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحا في الأزهدية كيف وهو أعظم المحبوبات لخير البرية مع أمره لأمته بإكثار التناكح لإكثار التناسل؟ وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد ولم يتركوا الإكثار منهن مع ما هم عليه من ضيق العيش وقلة الرفاهية والجهادين الأصغر والأكبر (فإن قلت) لم لم ينبه على استثنائه في هذا الخبر؟ (قلت) اتكالا على ما ظهر واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية التي هي شعار النصارى فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه. فتدبر
(هب عن الضحاك مرسلا) قال قيل يا رسول الله من أزهد الناس؟ فذكره. رمز لضعفه(1/482)
964 - (أسامة) بالضم: ابن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه (أحب الناس) من الموالي. أو المراد من أحب الناس (إلي) ولا يعارضه أن غيره أفضل منه كما مر وسيجيء وكان اسامة يدعى الحب بن الحب وقد عرف ذلك له عمر وقام بالحق لأهله وذلك أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين فقال له لم فضلت علي أسامة وقد شهدت مالم يشهد؟ فقال إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منك وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أبيك ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على محبوبه وهكذا يجب أن يحب ما أحب ويبغض ما يبغض. قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب بنقيضه وذلك أنه مر بأسامة وهو يصلي بباب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان إنما أردت أن ترى الناس مكانك؟ فقد رأينا مكانك فعل الله بك وفعل وقال قولا قبيحا فقال له أسامة: آذيتني وإنك فاحش متفحش وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه
(حم طب) وكذا الطيالسي (عن ابن عمر) بن الخطاب رواه عنه أيضا الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/483)
965 - (إسباغ الوضوء) بالضم: أي الشرعي (في المكاره) جمع مكرهة: أي إتمامه وتكميله وتعميم الأعضاء حال ما يكره استعمال الماء لنحو شدة برد والمكرهة بفتح الميم الكره أي المشقة (وإعمال الأقدام) بفتح أوله: أي استعمالها في المشي بالتكرار أو لبعد الدار هو أفضل كما يأتي (إلى المساجد) أي مواضع الجماعة (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها. وتخصيص الباجي ذلك [ص:484] بانتظار العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب لا دليل عليه (تغسل الخطايا غسلا) أي تمحها فلا تبقي شيئا من الذنوب كما لا يبقي الغسل شيئا من وسخ الثوب ودنسه: فكما أن الثوب يغسل بماء حار ونحو صابون لإزالة الدنس فكذا السيئات تغسل بالحسنات فالمحو كناية عن الغفران أو المراد محوها من صحف الملائكة التي يكون فيها المحو والإثبات لا في أم الكتاب التي هي علم الله الباقية على ما هي عليه فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا
ثم قضية ذلك وقفه على مجموع الخصال الثلاثة لكن في أخبار أخر ما يدل على استقلالها كل منها في ذلك والمراد الصغائر بدليل قوله في الحديث الآتي: ما اجتنبت الكبائر. وأخذ بعض أهل القرن السابع بالتعميم رده مغلطاي بأنه جهل بين وموافقة للرجبية وكيف يجوز حمله على العموم مع قوله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} و {توبوا إلى الله جميعا} في آي كثيرة؟ فلو كانت أعمال البر مكفرة للكبائر لم يكن لأمره بالتوبة معنى وكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة وإن ارتكب كل كبيرة <تنبيه> قال بعض العارفين: احذر من التلذذ بالماء البارد زمن الحر فتسبغ الوضوء لا لتذاذك به فتتخيل أنك ممن أسبغه عبادة وأنت ما أسبغته إلا لتلذذك به لما أعطاه الحال والزمن من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد وصار لك عادة فاستصحب تلك النية في الحر
(ع ك هب على) أمير المؤمنين قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد ما عزاه لأبي يعلى رواته ثقات وقال المنذري بغير عزوه لأبي يعلى والبزاز إسناده صحيح وقال الهيتمي رجال أبي يعلى رجال الصحيح وأقول فيه من طريق البيهقي عبد الرحمن بن الحرث بن عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة قال أحمد متروك الحديث وقال أبو حاتم رحمه الله يتشيع(1/483)
966 - (إسباغ الوضوء) أي إكماله بإيصال الماء فوق الغرة إلى تحت الحنك طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا مع المبالغة في الاستنشاق والمضمضة وإيصال الماء إلى فوق المرفق والكعب مع كل من أصابع اليدين والرجلين والدلك والتثليث. ذكره الطيبي ثم قال: فتأمل في بلاغة هذا اللفظ الموجز (شطر الإيمان) يعني جزؤه واستعمال الشطر في مطلق الجزء تجوز أخف من إخراج الوضوء والإيمان عن معناهما الشرعي الذي عليه الأكثر ولا ينافيه رواية أحمد: الطهور نصف الإيمان لأن النصف قد يطلق ويراد به أحد قسمي الشيء على وزن إذا مت كان الناس نصفين. نعم مما يقرب إرادته هنا قول ابن الأثير: الإيمان يطهر خبث الباطن والوصف يطهر الظاهر فكان نصفا وترجيح النووي أن المراد بالإيمان الصلاة {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أطيل في رده. قال مغلطاي: والحديث حجة على من يرى أن الوضوء لا يفتقر إلى نية (والحمد لله) أي هذا اللفظ وحده أو هذه الكلمة وحدها خلافا لزاعم أن المراد الفاتحة (تملأ) بفوقية: أي هذه الكلمة وقيل تطلق على الجمل المفيدة أو بتحتية: أي هذا اللفظ. كذا ذكره بعضهم
لكن قال النووي ضبطناه بالفوقية وظاهره أنه الرواية (الميزان) أي ثواب النطق بذلك مع الإذعان لمدلوله يملأ كفة الحسنات التي هي كطباق السماوات بل أوسع وذلك لاشتمال الحمد على التفويض والافتقار إليه تعالى وفيه إثبات الميزان ذي كفتين ولسان ووزن الأعمال فيها بعد أن تجسم أو توزن الصحائف قيل ولكل إنسان ميزان والأصح الاتحاد (والتسبيح) أي تنزيه الله عما لا يليق به بنحو سبحان الله (والتكبير) أي تعظيم الله بنحو الله أكبر (تملأ) بالفوقية أو بالتحتية على ما تقرر (السماوات) السبع (والأرضين) لو قدر ثوابها جسما لأن العبد إذا سبح وكبر امتلأ ميزانه من الحسنات والميزان أوسع من السماوات والأرض فما يملؤه أكثر مما يملؤها: ويظهر أن المراد بذلك التعظيم ومزيد التكثير لا التحديد بدليل قوله في رواية مسلم الآتية بدل ما هنا يملأ ما بين السماء والأرض (والصلاة) الجامعة لمصححاتها ومكملاتها (نور) أي ذات نور أو منورة: إذ هي سبب [ص:485] لإشراق نور المعارف ومكاشفات الحقائق مانعة من المعاصي ناهية عن الفحشاء والمنكر هادية للصواب أو ذاتها نور مبالغة في التشبيه (والزكاة) كذا هو بخط المؤلف. ولفظ رواية مسلم الآتية: الصدقة بدل الزكاة: أي الصدقة المفروضة بدليل هذه الرواية ولأن الصدقة إذا أطلقت في التنزيل مقترنة بالصلاة فالمراد بها الزكاة لكن يؤخذ من تعليلهم الآتي ذكرها للتصوير لا للتقيد (برهان) حجة ودليل قوي إلى إيمان المتصدق وحبه لربه ورغبته في ثوابه فإن النقس مجبولة على حب المال والشيطان يعد الإنسان الفقر ويزين له الشح والنفس تساعده فمخالفة النفس والشيطان من أقوى البراهين على حب الرحمن {ويطعمون الطعام على حبه} وهنا تكلفات يمجها السمع فاحذرها (والصبر) أي حبس النفس على مشاق الطاعة والنوائب والمكاره (ضياء) أي لا يزال صاحبه مستضيئا بنور الحق على سلوك سبيل الهداية والتوفيق ليتحلى بضياء المعارف والتحقيق فيظفر بمطوبه ويفوز بمرغوبه. وخص الصلاة بالنور والصبر بالضياء: مع أن الضياء أعظم بشهادة {هو الذي جعل لكم الشمس ضياء والقمر نورا} لأن الصبر أس جميع الأعمال ولولاه لم تكن صلاة ولا غيرها ولأن الضوء فيه إحراق والنور محض إشراق والصبر شاق مر المذاق (والقرآن) أي اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه (حجة لك) في تلك المواقف التي تسأل فيها عنه كالقبر والميزان وعقبات الصراط إن عملت بما فيه من امتثال المأمور وتجنب المنهي (أو عليك) في تلك المواطن إن لم تعمل به وزعم أن المراد لك أو عليك في المباحث الشرعية والقضايا الحكمية مما يمجه السمع ولما كان هذا مظنة سؤال سائل يقول قد تبين من هذا التقدير الرشد من الغي فما في حال الناس بعد ذلك حتم لذلك بجملة استئنافية فقال (كل الناس يغدو) أي كل منهم يبكر ساعيا في تحصيل أغراضه (فبائع نفسه) من ربها ببذلها فيما يرضاه (فمعتقها) من أليم العذاب {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} (أو) بائع نفسه من الشيطان بذلها فيما يؤذيها فهو (موبقها) أي مهلكها بسبب ما أوقعها فيه من استحقاق العذاب وكشف الحجاب والإبعاد عن حضرات رب الأرباب والفاء في فبائع نفسه تفصيلية وفي فمعتقها سببة (واعلم) أن جميع ما مر تقريره هو حاضر ما ذكره النووي ثم القاضي. وقال الطيبي بعد إيراده: ولعل المعنى بالإيمان هنا شعبته كما في حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة والطهور والحمد وسبحان الله والصلاة والصدقة والصبر والقرآن أعظم شعبها التي تخص وتخصيصها ليان فائدتها وفخامة شأنها فبدأ بالطهور وجعله شطر الإيمان أي شعبة منه وتقريره بوجوه: أحدها أن طهارة الظاهر أمارة لطهارة الباطن إذ الظاهر عنوانه فكما أن طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث فكذا طهارة الباطن في التوبة تفتح باب السلوك للسائرين إليه تعالى ولهذا جمعها في قوله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} الثاني أنه اشتهر أن من أراد الوفود إلى العظماء يتحرى تطهير ظاهره من الدنس ولبس الثياب النقية الفاخرة فوافد مالك الملوك ذو العزة والجبروت أولى. قال: وخص الصلاة بالنور والصبر بالضياء لأن فرط الانارة والصبر تثبت عليه أركان الإسلام وبه أحكمت قواعد الإيمان وختم تلك الشعب بقوله والقرآن حجة لك أو عليك وسلك به مسلكا غير مسلكها دلالة على كونه سلطانا قاهرا وحاكما فيصلا يفرق بين الحق والباطل حجة الله في الخلق به السعادة والشقاوة وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام لاشتماله على مهمات قواعد الدين فكن له من المتدبرين
(حم ن هـ حب عن أبي مالك الأشعري) الحارث أبو عبيد أو عمرو أو كعب وخرجه مسلم بلفظ: الطهور شطر الإيمان إلخ(1/484)
967 - (استاكوا وتنظفوا) أي نقوا أبدانكم وملابسكم من الوسخ والدنس الحسي والمعنوي (وأوتروا) أي افعلوا ذلك وترا: ثلاثا أو خمسا أو غير ذلك (فإن الله عز وجل وتر) أي فرد ليس من جهة العدد ولكن من حيث إنه فرد ليس [ص:486] مزدوج بشيء كما أنه واحد ليس من جهة العدد ولكن من جهة أنه {ليس كمثله شيء} (يحب الوتر) أي يرضاه ويقبله ويثبت عليه قال القاضي: الوتر نقيض الشفع وهو ما لا ينقسم بمتساويين وقد يتجوز به لما لا نظير له كالفرد ويصح إطلاقه على الله بالمعنيين فإن مالا ينقسم لا ينقسم بمتساويين وفيه أن السواك سنة. قال أبو شامة: فإذا ثبت أنه سنة فهو سبب من أسباب النظافة فمتى احتيج إليه فعل سواء قل السبب المقتضي له أو كثر فهو كغسل الثوب والإناء والأعضاء للنظافة في غير العبادة وقد كان السواك من أخلاق العرب وشمائلها قبل الإسلام على ما نطقت به أشعارهم ثم جاء الإسلام بتأكيد طلبه ومزيد تأكيده في مواضع مبينة في الفروع
(ش طس عن سليمان بن صرد) بمهملة مضمومة وفتح الراء وبالمهملة: أي مطرف الخزاعي الكوفي له صحبة ورواية نزل الكوفة وهو أول من نزل من المسلمين بها وكان زاهدا متعبدا ذا قدر وشرف في قومه خرج أميرا في أربعة آلاف يطلبون دم الحسين فقتل قال الهيتمي فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي ووثقه ابن حبان اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره(1/485)
968 - (استتروا في) جميع (صلاتكم) أي صلوا إلى سترة ندبا لجدار أو عمود أو سجادة فإن فقد ذلك كفى الستر بغيره (ولو) كان (بسهم) أو عصى مغروزة. ويشترط كون الساتر ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر وبينه وبين قدم المصلي ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي كما مر وإن صلى إلى سترة كذلك حرم المرور بين يديه كما يأتي وعبر بفي دون اللام إشارة إلى طلب الستر في جميع الصلاة
(حم ك هق عن الربيع) ضد الخريف (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالراء ابن معبد بفتح الميم وسكون المهملة وبالموحدة الجهني قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن سبرة صحابي والربيع تابعي فالحديث مرسل إن لم يكن صرح بأبيه(1/486)
969 - (استتمام المعروف) أي تمام فعله: والسين للتأكيد والمبالغة كاستحجر الطين والمعروف ما عرفه الشرع بالحسن (أفضل) في رواية خير (من ابتدائه) بدون استتمام لأن ابتداءه نافلة وتمامه فريضة كذا قرره ابن قتيبة ولعل مراده أنه بعد الشروع متأكد بحيث يقرب من الوجوب ومن تمامه أن لا يخلف الميعاد ولا يمطل ولا يسوف ولا يتبعه بمن ولا أذى
(طس) وكذا في الصغير عن جابر بن عبد الله قال الهيتمي: فيه عبد الرحمن بن قيس الضبي متروك اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه(1/486)
970 - (استحلوا فروج النساء بأطيب أموالكم) أي استمتعوا بها حلالا بأن يكون بعقد شرعي على صداق شرعي واجعلوا ذلك الصداق من مال حلال لا شبهة فيه بقدر الإمكان فإن ذلك يبعث على دوام العشرة وله في صلاح النسل أثر بين وهو جمع فرج وأصله كل فرجة بين شيئين وأطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج إلى منفتح وأكثر استعماله في العرف في القبل
(د في مراسيله عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما مهملة البصري تزيل مرو وقاضيها قال في الكاشف: ثقة مقرىء مفوه وفي التقريب ثقة فصيح (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها(1/486)
971 - (استحي من الله) أمر بإجلال الله وتعظيمه في ذلك وتنبيه على عجز الإنسان وتقصيره (استحياءك) أي مثل [ص:487] استحيائك (من رجلين) جليلين كاملين في الرجولية (من صالحي عشيرتك) أي احذر من أن يراك حيث نهاك ويفقدك حيث أمرك كما تستحي أن تفعل ما تعاب به بحضرة جمع من قومك فذكر الرجلين لأنهما أقل الجمع والإنسان يستحي من فعل القبيح بحضرة الجماعة أكثر وخص عشيرته أي قبيلته لأن الحياء من المعارف أعظم وهذا مثل به تقريبا للأفهام والمقصود أن حق الحياء منه أن لا يذكر العبد معه غيره ولا يثني على أحد سواه ولا يشكو إلا إليه ويكون أبدا بين يديه ماثلا وبالحق له قائما وقائلا وله معظما وهو في نظره إليه مشفق وفي إقباله عليه مطرق إجلالا وحياء لأنه يعلم سره ونجواه وهو أقرب إليه من حبل الوريد. قال في الكشاف كغيره: والحياء تغيير وانكسار لخوف ما يعاب به
قال في الكشف: ولم يرد به التعريف فقد يكون الاحتشام ممن يستحى منه بل هو أكثر في النفوس الطاهرة لكنه لما كان أمرا وجدانيا غنيا عن التعريف من حيث المهنة محتاجا إلى التنبيه لدفع ما عسى أن يعرض له من الالتباس بغيره من الوجدانيات: نبه عليه بأن الأمر الذي يوجد في تلك الحالة وأمثالها وكذا الحكم في تعريف سائر الوجدانيات كعلم وإدراك وغيرهما. قال القرطبي: وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأحذ نفسه بالحياء ويأمر به ويحث عليه ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من حق يقوله أو أمر ديني يفعله تمسكا بقوله في الحديث الآتي: إن الله لا يستحيي من الحق وهذا هو نهاية الحياء وكماله وحسنه واعتداله فإن من فرط عليه الحياء حتى منعه من الحق فقد ترك الحياء من الخالق واستحيى من الخلق ومن كان هكذا حرم منافع الحياء واتصف بالنفاق والرياء. والحياء من الله هو الأصل والأساس فإن الله أحق أن يستحيى منه. فليحفظ هذا الأصل فإنه نافع
(عد عن أبي أمامة) الباهلي وإسناده ضعيف(1/486)
972 - (استحيوا من الله) بترك القبائح والسيئات وفعل المحاسن والخيرات (حق الحياء) أي حياء ثابتا لازما. بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب ثم علله بما يفيده تفاوت الناس في الأخلاق الفضلة من الحياء وغيره (فإن الله) إلى آخره فكأنه يقول: استحيوا من الله جهدكم فإنكم إذا استقرغتم وسعكم في التلبس بالحياء منه لا يكلفكم إلا ذلك فإنه تعالى (قسم بينكم أخلاقكم) قبل أن يخلق الخلق بزمن طويل (كما قسم بينكم ارزاقكم) أي قدر أخلاقا لخلقه فيما يتخلفون فيها يتخلفون كل على حسب ما قدر له كما قدر الأرزاق فأعطى كلا من عباده ما يليق به في الحكمة. وكما قدر فيهم رحمة واحدة فقسمها بينهم على التفاوت فيها يتراحمون
(تخ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه أحمد في حديث طويل من حديث ابن مسعود أيضا قال الهيتمي ورجاله وثقوا وفيهم ضعف(1/487)
973 - (استحيوا من الله حق الحياء) بترك الشهوات والنهمات وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة فعندها تطهر الأخلاق وتشرق أنوار الأسماء في صدر العبد ويقرر علمه فيعيش غنيا بالله ما عاش
قال البيضاوي: ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول. وقال سفيان بن عيينة: الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى يستحي وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء؟ (من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس) أي رأسه (وما وعى) ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا [ص:488] فيما يحل (وليحفظ البطن وما حوى) أي وما جمعه باتصاله من القلب والفرج واليدين والرجلين فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيئا في معصية الله فإن الله ناظر في الأحوال كلها إلى العبد لا يوازيه شيء وعبر في الأول بوعي وفي الثاني يحوي للتفنن
قال الطيبي: جعل الرأس وعاء وظرفا لكل مالا ينبغي من رزائل الأخلاق كالفم والعين والأذن وما يتصل بها وأمر أن يصونها كأنه قيل كف عنك لسانك فلا تنطق به إلا خيرا. ولعمري أنه شطر الإنسان قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
ولهذا سيجيء في خبر من صمت نجا. ولم يصرح بذكر اللسان ليشمل ما يتعلق بالفم من أكل الحرام والشبهات وكأنه قيل: وسد سمعك أيضا عن الإصغاء إلى ما لا يعنيك من الأباطيل والشواغل واغضض عينك عن المحرمات والشبهات ولا تمدن عينيك إلى ما تمتع به الكفار كيف لا وهو رائد القلب الذي هو سلطان الجسد ومضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله؟ وهنا نكتة وهي عطف ما وعى على الرأس فحفظ الرأس مجملا عبارة عن التنزه عن الشرك فلا يضع رأسه لغير الله ساجدا ولا يرفعه تكبرا على عبادة الله وجعل البطن قطبا يدور على سرية الأعضاء من القلب والفرج واليدين والرجلين. وفي عطف وما حوى على البطن إشارة إلى حفظه من الحرام والاحتراز من أن يملأ من المباح وقد تضمن ذلك كله قوله (وليذكر الموت والبلى) لأن من ذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاؤه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يلزمه من طلب الآجلة وعمل على إجلال الله وتعظيمه وهذا معنى قوله (ومن أراد الآخرة) أي الفوز بنعيمها (ترك زينة الدنيا) لأن الآخرة خلقت لحظوظ الأرواح وقرة عين الإنسان والدنيا خلقت لمرافق النفوس وهما ضرتان: إذا أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى فمن أراد الآخرة وتشبث بالدنيا كان كمن أراد أن يدخل دار ملك دعاه لضيافته وعلى عاتقه جيفة والملك بينه وبين الدار عليه طريقه وبين يديه ممره وسلوكه فكيف يكون حياؤه منه؟ فكذا مريد الآخرة مع تمسكه بالدنيا فإذا كان هذا حال من أراد الآخرة فكيف بمن أراد من ليس كمثله شيء؟ فمن أراد الله فليرفض جميع ما سواه استحياء منه بحيث لا يرى إلا إياه (فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء) قال الطيبي: المشار إليه بقوله ذلك جميع ما مر فمن أهمل من ذلك شيئا لم يخرج من عهدة الاستحياء وظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي وأنه تعالى هو العالم بها
فحق الحياء أن يستحيى منه ويصونها عما يعاب فيها. وأصل ذلك ورأسه ترك المرء ما لا يعنيه في الإسلام وشغله بما يعينه عليه فمن فعل ذلك أورثه الاستحياء من الله. والحياء مراتب: أعلاها الاستحياء من الله تعالى ظاهرا وباطنا وهو مقام المراقبة الموصل إلى مقام المشاهدة. قال في المجموع عن الشيخ أبي حامد: يستحب لكل أحد صحيح أو مريض الإكثار من ذكر هذا الحديث بحيث يصير نصب عينيه والمريض أولى
(حم ت ك هب عن ابن مسعود) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه استحيوا من الله قالوا إنا نستحي من الله يا نبي الله والحمد لله قال ليس كذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ إلخ. صححه المؤلف اغترارا بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي له في التصحيح وليس هو منه بسديد مع تعقبه هو وغيره كالصدر المناوي له بأن فيه أبان بن إسحاق. قال الأزدي تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة. قال في الميزان: والصباح واه وقال المنذري رواه الترمذي وقال غريب فعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح قال - أعني المنذري - وأبان فيه مقال والصباح مختلف فيه وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث وقالوا: الصواب موقوف والترمذي قال لا يعرف إلا من هذا الوجه(1/487)
974 - (استذكروا القرآن) أي استحضروه في قلوبكم وعلى ألسنتكم واطلبوا من أنفسكم المذاكرة والسين للمبالغة [ص:489] (فلهو أشد نقيصا) بفاء وصاد مهملة ومثناة تحتية خفيفة: أي تفلتا أو تخلصا
قال الزمخشري: تقول قضى الله بالتفصي من هذا الأمر وليتني أتفصى من فلان: أي أتخلص منه وأباينه. قال الزركشي: وانتصاب تفيصا على التمييز كقوله تعالى {وأحسن مقيلا} (من صدور الرجال) أي من قلوبهم التي في صدورهم (من النعم) أي الإبل (من عقلها) أي أشد نفارا من الإبل إذا انفلتت من العقال فإن من شأن الإبل طلب التفلت مهما أمكنها فمتى لم يتعاهد صاحبها رباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهد تفلت بل هو أشد من ذلك وفي نص القرآن إشارة إلى ذلك حيث قال {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} وقال {ولقد يسرنا القرآن للذكر} فمن حافظ على تلاوته بشراشره يسره له ومن أعرض عنه تفلت منه. وروي بعقلها والباء فيه بمعنى من. والعقل جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلا وهو أن تنثني وظيفه على ذراعه فيشدان بحبل وذلك الحبل هو العقال. قال التوربشتي: ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجميع مثل كتب وكتب. قال والرواية فيه من غير تخفيف. ونسيان القرآن كبيرة. وفيه ندب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد
(حم ق ن عن ابن مسعود) وفي الباب عن ابن عمر وغيره(1/488)
975 - (استرشدوا) بكسر المعجمة (العاقل) أي الكامل العقل قال للكمال لا للحقيقة (ترشدوا) بفتح أوله وضم ثالثه كما ضبطه جمع
أي اطلبوا منه ندبا مؤكدا الإرشاد وإلى إصابة الصواب يحصل لكم الإتصاف بالرشد والسداد ولكن يختلف الحال باختلاف الأمر المطلوب فتشاور في أمور الدين وشؤون الآخرة الذين عقلوا الأمر والنهي عن الله وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد الهوى وكفوها بالخوف عن موارد الردى وألزموها طرق سبل الهدى. وفي أمور الدنيا من جرب الأمور ومارس المحبوب والمحذور ولا تعكس ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مر بقوم يلقحون نخلا فقال لو لم تفعلوا كان لصلح قتركوا فخرج شيصا فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم وروى أحمد عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون نخلا فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نضعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطىء ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله. اه. وقد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس عقلا. فقال تعالى {وشاورهم في الأمر} وأثنى تعالى على فاعليها في قوله {وأمرهم شورى بينهم} (ولا تعصوه) بفتح أوله (فتندموا) أي لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. والفاء لقوة ارتباط الطلب وتأكد طلب المنع من المخالفة والتحذير منها. وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم وفيه تنويه عظيم على شرف العقل. قال بعض الحكماء من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول. وقال بعضهم لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب. والرحى لا تدور إلا على الأقطاب. قال البيهقي قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم فقال نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم. وقال علي كرم الله وجهه: نعم الموازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد. قال الماوردي: فيتعين على العاقل أن يسترشد إخوان الصدق الذين هم ضياء القلوب ومزايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفه حسن الظن عنها فإنهم أمكن نظرا وأسلم فكرا ويجعل ما ينبهونه عليه من مساويه عوضا عن تصديق المدح فيه. وقال بعض الكاملين حكمة الأمر بالاستشارة أن صاحب الواقعة لا ينفك عن هوى يحجبه عن [ص:490] الرشد فيسترشد عاقلا كامل العقل حازم الرأي لا هوى عنده. واعتبر فيمن يستشار كمال العقل ومن لازمه الدين فلا ثقة برأي من ليس كذلك
وعلم من ذلك أنه لا يستشير امرأة كيف وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بنقص عقلها وفي خبر سيأتي طاعة النساء ندامة فإن لم يجد من يستشيره شاورها وخالفها فقد روى العسكري عن عمر رضي الله عنه خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة وفي إفهام الحديث تحذير عظيم من العمل برأي من لم تكمل رتبته في العقل وعدم التعويل على ما يقول أو يفعل
(خط) في كتاب (رواة مالك) ابن أنس وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) وفيه سلمان بن عيسى السجزي قال في الميزان هالك وقال الجوزقاني وأبو حامد كذاب صراح وقال ابن عدي وضاع ثم سرد له احاديث هذا منها وقال أعني الذهبي عقب إيراده المتن هذا غير صحيح قال في اللسان وأورده الدارقطني من رواية محمد بن منصور البلخي عن سليمان وقال هذا منكر وسليمان متروك وقال الحاكم الغالب على أحاديثه المناكير والموضوعات وأعاده في موضع آخر وقال أورده الدارقطني في غرائب مالك وقال حديث منكر وأورده في اللسان في ترجمة عمر بن أحمد وقال من مناكيره هذا الخبر وساقه ثم قال المتهم به عمر قاله ابن النجار في ترجمته انتهى لكن يكسبه بعض قوة ما رواه الحارث ابن أبي أسامة والديلمي بسند واه استشيروا ذوي العقول ترشدوا به يصير ضعيفا متماسكا ولا يرتقي إلى الحسن لأن الضعيف وإن كان لكذب أو إتهام بوضع أو لنحو سوء حفظ الراوي وجهالته وقلة الشواهد والمتابعات فلا يرقيه إلى الحسن لكن يصيره بحيث يعمل به في الفضائل(1/489)
976 - (استرقوا) بسكون الراء من الرقية وهي العوذة كما في القاموس قال الطيبي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء (لها) أي اطلبوا لها من يرقيها والمراد بها من في وجهها سفعة بفتح المهملة وسكون الفاء ثم عين مهملة أي آثر سواد أو غبرة أو صفرة (فإن بها النظرة) بسكون الظاء المعجمة ولفظ رواية بعض مخرجيه نظرة بالتنكير أي بها إصابة عين من بعض شياطين الجن أو الإنس قالوا عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح والشياطين تقتل بيديها وعيونها كبني آدم كما تجعل الحائض يدها في اللبن فيفسد. وللعين نظر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمنظور ضرر وفيه مشروعية الرقيا فلا يعارضه النهي عن الرقيا في عدة أحاديث كقوله في الحديث الآتي الذين لا يسترقون ولا يكتوون لأن الرقية المأذون فيها هي ما كانت بما يفهم معناه ويجوز شرعا مع اعتقاد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى والمنهي عنها ما فقد فيها شرط من ذلك
(ق عن أم سلمة) واللفظ للبخاري ولفظ رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت أم سلمة ورأى في وجهها سفعة فقال بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها صفرة انتهت عبارة صحيح مسلم بنصه(1/490)
977 - (استشفوا) أي اطلبوا الشفاء من الأمراض الحسية والمعنوية (بما) أي بقراءة أو كتابة الذي (حمد الله تعالى به نفسه) أي وضعها وأثنى عليها به (قبل أن يحمده خلفه) أي في الأزل (و) استشفوا (بما مدح الله به نفسه) قبل أن يمدحه خلقه فحذفه من الثاني لدلالة الأول عليه (الحمد لله وقل هو الله أحد) أي سورة الحمد وسورة الإخلاص بكمالهما والمدح والحمد مترادفان على ما في الفائق لكن الجمهور على أن الحمد النعت بالجميل على الجميل الاختياري والمدح النعت بالجميل وإن لم يكن اختياريا وعلى القول بالترادف فمغايرة التعبير للتفنن ولكراهة توالي الأمثال وعلى الثاني فإنما ذكر الحمد في الأول لتضمن السورة الثناء عليه تعالى بالرحمنية والرحيمية والربوبية وغير ذلك من الصفات المتعدية وذكر المدح في الثاني لتضمن السورة الثناء على الصفات الذاتية وهي غير مسبوقة بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما مر وجوز جمع من السلف كتابة القرآن في إناء وغسله وشربه. ومقتضى مذهب الشافعي كما في المجموع الجواز والمراد أن ذلك مما يستشفى به فلا ينافي ما ورد من الاستشقاء بآيات أخر منه والمراد أن لهاتين مزية وإن كان لغيرهما في ذلك أثر بين أيضا (فمن [ص:491] لم يشفه القرآن فلا شفاه الله) دعاء أو خبر. قال ابن التين: الرقية بأسماء الله من الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن الغفار ولما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني
(ابن قانع) في معجم الصحابة (عن رجاء الغنوي) بفتخح المعجمة والنون نسبة إلى غنى بن أعصر واسمه منبه بن سعد بن قيس غيلان ينسب إليه خلق كثير وقد أشار الذهبي في تاريخ الصحابة إلى عدم صحة هذا الخبر فقال في ترجمة رجاء هذا له صحبة نزل البصرة وله حديث لا يصح في فضل القرآن انتهى بنصه(1/490)
978 - (استعتبوا) وفي رواية عاتبوا (الخيل) هي جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه وقيل واحده خائل لأنه يختال: أي روضوها وأدبوها للركوب والحرب فإنها (تعتب) بالبناء للمفعول أي تقبل العتاب أي التأديب وهذا أمر مشاهد والأمر إرشادي وتخصيصه الخيل ليس لإخراج غيرها من الحيوانات فإن منها ما يقبل التأديب والتعليم أكثر من الخيل كالقرد والنسناس. وقد صح أن جمعا رأوا قردا خياطا وآخرون رأوا قردا يحرس الحوانيت بالأجرة والحكايات في مثل ذلك كثيرة بل لأن الخيل أكثر ملازمة للناس فنص على ما تمس الحاجة بل الضرورة إليه
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف(1/491)
979 - (استعد للموت) أي تأهب للقائه بالتوبة المتوفرة والشروط: كرد المظالم بأن يبادر إلى ردها لأهلها وقضاء نحو صلاة وصوم واستحلال من نحو غيبة وقذف (قبل نزول الموت) أي قبل أن تفجأك المنية ويهجم عليك هادم اللذات المفوت لذلك وطلب ذلك للصحيح فالمريض أولى وآكد لأنه أقرب إلى الموت وحقيق بالمسافر أن يأخذ أهبة الرحيل وحوائج السفر وما يصلح لمنزل الإقامة ويبادر خوف الفجأة ومن احتدت عين بصيرته زاد في الجد وحسن الزاد ومن زرع خيرا حصد مسرة ومن زرع شرا حصد ندامة وحسرة ووضع الظاهر موضع المضمر لتصدع القلوب بتكرار إيراد ذكر اسمه عليها ومن وجوه الاستعداد تغطية السيئة بالحسنة فكما أن الماشطة تستر ما شان من العروس بالزينة للقدوم بها على زوجها فكذا المؤمن يستر ما شانه من الذنوب بالقربات بقدومه على ربه والأمر للندب ومحله إذا لم يتيقن أن عليه شيئا من ذلك وأيما تردد فيه فيندب له حينئذ بذل الجهد في الاستعداد ورد ما يتوهمه باقيا عنده من المظالم وبرأته مما عساه يكون بذمته من حقوق الله وحقوق الآدميين أما مع تحقق دلك فيجب عليه ما ذكر فورا وإجماعا ولو تحقق أن عليه شيئا ونسيه فالورع كما قال المحاسبي أن يعين كل ذنب ويندم عليه بخصوصه فإن لم يعلم ذلك فهو غير مخاطب بالتوبة لتعذرها لكنه يلقى الله تعالى بذلك الذنب كما لو نسي دائنه كذلك وتسامح القاضي الباقلاني فقال يقول إن كان لي ذنب لم أعلمه فأنا تائب إلى الله منه
(طب ك) في الرقائق (عن طارق) بمهملة وقاف (المحاربي) بضم الميم الكوفي صحابي له حديثان أو ثلاثة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا طارق استعد 'لى آخره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وهو مستند المؤلف في رمزه لصحته لكن قال الهيتمي فيه عند الطبراني اسحاق بن ناصح قال أحمد كان من أكذب الناس(1/491)
980 - (استعن بيمينك) أي بالكتابة بيدك اليمين وخصها لأن الكتابة إنما هي بها غالبا وذلك بأن نكتب ما تخشى نسيانه إعانة لحفظك والحروف علائم تدل على المعاني المرادة فإنها إن كانت محفوظة أغنت عن الكتابة وإن عرض شك أو سهو فالكتاب نعم المستودع ومن ألطاف الله لعباده الكتابة حيث شرع لهم ما يعينهم على ما ائتمنوا عليه وأرشدهم إلى ما يزيل الريب ومنافع الكتابة لا يحيط بها إلا الله تعالى فما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين [ص:492] والآخرين ومقالاتهم إلا بها ولولاها ما استقام أمر الدين
(ت) في العلم من حديث الخليل بن مرة عن يحيى عن أبي صالح (عن أبي هريرة) قال شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء الحفظ فذكره قال أعني الترمذي إسناده ليس بالقائم ثم نقل عن البخاري أن الخليل منكر الحديث مع أنه اختلف عليه فيه انتهى ورواه عنه ابن عدي وفيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف كما بينه الهيتمي وعد في الميزان هذا الخبرمن المناكير لكن له شواهد منها: قيدوا العلم بالكتابة وفيه الأمر بتعليم الكتابة لأن ما توقف عليه المطلوب مطلوب بل قيل بوجوبه كفاية لم يبعد بناء على ما ذهب إليه جمع من أن الكتابة للعلم واجبة وقال إنها للنساء مكروهة ومن ثم قيل: ما للنساء والكتابة والعمالة والخطابة هذا لنا ولهن منا أن يبيتن على جنابة وظاهر صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل سقطت منه لفظة وهي قوله على حفظك
(استعينوا على إنجاح حواءجكم) من جلب نفع ودفع ضر (بالكتمان) عن الخلق اكتفاء بعلم وصيانة للقلب عما سواه (فإن كل ذي نعمة محسود) فتكتم النعمة عن الحاسد إشفاقا عليه وعليك منه (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن ابن عباس)(1/491)
981 - (استعيذوا) أي تعوذوا أي اطلبوا الإعاذة (بالله من طمع) أي حرص شديد يهدي أي يدني ويقرب أو يجر (إلى طبع) بفتح الطاء والموحدة أي يؤدي إلى دنس وشين (ومن طمع يهدي إلى غير مطمع) أي إلى تأميل ما يبعد حصوله والتعلق به قال في المصباح ومن كلامهم فلان طمع في غير مطمع إذا أمل ما يبعد حصوله (ومن طمع حيث لا مطمع) أي ومن طمع في شيء حيث لا مطمع فيه بالكلية لتعذره حسا أو شرعا فاستعمل الهدى فيه على الاستعارة تهكما ذكره الطيبي وهذه الثالثة أحط مراتب الدناءة في مطمع وأقبحها فإن حيث من صيغ العموم في الأحوال والأمكنة والأزمنة وقال يحيى بن كثير: لا يعجبك حلم امرىء حتى يغضب ولا أمانته حتى يطمع قال القاضي: والهداية الإرشاد إلى الشيء والدلالة عليه ثم اتسع فيه فاستعمل بمعنى الأذن فيه والإيصال إليه والطبع محركا العيب وأصله الدنس ولو معنويا كالعيب والعار وأصله من صيغ العموم في الأمكنة لكنه استعمل هنا فيها وفي كل حال وزمان وأصله الذي يعرض للسيف والمعنى تعوذوا بالله من طمع يسوقكم إلى شين في الدين وازدراء بالمروءة واحذروا التهافت على جمع الحطام وتجنبوا الحرص والتكالب على الدنيا
(حم طب عن معاذ بن جبل) ضد السهل قال الحاكم مستقيم الإسناد وأقره الذهبي لكن قال الهيتمي: إن في رواية أحمد والطبراني عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف(1/492)
982 - (اسعيذوا بالله من شر جار المقام) بالضم أي الإقامة فإنه ضرر دائم وأذى ملازم ووجهه بقوله (فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل) بالزاي فيهما أي أن يفارق جاره ويتحول من جواره فارقه فيستريح منه. وشمل جار المقام الحليلة والخادم والصديق الملازم وفيه إيماء إلى أنه ينبغي تجنب جار السوء والتباعد عنه بالانتقال عنه إن وجد لذلك سبيلا بمفارقة الزوجة وبيع الخادم وأن المسافر إذا وجد من أحد من رفقته ما يذم شرعا فارقه
(ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي(1/492)
983 - (استعيذوا بالله من العين) أي التجئوا إليه من شر العين التي هي آفة تصيب الإنسان والحيوان من نظر العائن إليه فيؤثر فيه فيمرض أو يهلك بسببه (فإن العين حق) أي بقضاء الله وقدره لا بفعل العائن بل يحدث الله في المنظور [ص:493] علة يكون النظر بسببها فيؤاخذه الله بجنايته عليه بالنظر منها وينبغي التعوذ بما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعوذ به الحسن والحسين وهو " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شبطان وهامة ومن كل عين لامة " رواه البخاري
(هـ ك عن عائشة) قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي(1/492)
984 - (استعيذوا بالله من الفقر والعيلة) من أعال كثرت عياله والواو بمعنى مع أي الفقر مع كثرة العيال فإن ذلك هو البلاء الأعظم والموت الأحمر ولما كان الفقر قد يلجىء إلى أخذ مال الغير عدوانا ويجر إلى التظالم عقبه بقوله (ومن أن تظلموا) أنتم أحدا من الناس (أو تظلموا) أي أو يظلمكم أحد بمنع الحق الواجب فالأول مبني للفاعل والثاني للمفعول وذلك لأن الظالم هالك في الدارين والمظلوم قد يسخط ولا يصبر لقضاء الله فيهلك وقد كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم
(طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لحسنه لكن فيه انقطاع فقد قال الهيتمي فيه يحيى بن إسحاق بن عبادة ولم يسمع من عبادة وبقية رجاله رجال الصحيح(1/493)
985 - (استعينوا على إنجاح الحوائج) لفظ رواية الطبراني استعينوا على قضاء حوائجكم (بالكتمان) بالكسر أي كونوا لها كاتمين عن الناس واستعينوا بالله على الظفر بها ثم علل طلب الكتمان لها بقوله (فإن كل ذي نعمة محسود) يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة ما بعد وقوعها وأمن الحسد وأخذ منه أن على العقلاء إذا أرادوا التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه ويجتهدوا في طي سرهم قال بعض الحكماء من كتم سره كان الخيار إليه ومن أفشاه كان الخيارعليه وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنع من بلوغ مأربه ولو كتمه كان من سطوته آمنا ومن عواقبه سالما وبنجاح حوئجه فائزا وقال بعضهم سرك من دمك فإذا تكلمت فقد أرقته وقال أنو شروان من حصن سره فله بتحصينه خصلتان الظفر بحاجته والسلامة من السطوات. وفي منثور الحكم انفرد بسرك ولا تودعه حازما فيزول ولا جاهلا فيحول لكن من الأسرار ما لا يستغني فيه عن مطالعة صديق ومشورة ناصح فيتحرى له من يأتمنه عليه ويستودعه إياه فليس كل من كان على الأموال أمينا كان على الأسرار أمينا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار قال الراغب: وإذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدور ويوصف به ضعف الرجال والنساء والصبيان والسبب في صعوبة كتمان السر أن للإنسان قوتين آخذة ومعطية وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها ولولا أن الله وكل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده فصارت هذه القوة تتشوف إلى فعلها الخاص بها فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها
(عق عد طب) بل في معاجيمه الثلاثة (حل هب) عن محمد بن خزيمة عن سعيد بن سلام العطار عن ثور بن يزيدعن ابن معدان (عن معاذ) ابن جبل أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال سعيد كذاب قال البخاري يذكر بوضع الحديث (عد طب حل هب) كلهم من طريق العقيلي (عن معاذ) أيضا قال أبو نعيم غريب من حديث خالد تفرد به عنه ثور حدث به عمر بن يحيى البصري عن شعبة عن ثور انتهى وأورده ابن الجوزي من هذه الطرق ثم حكم بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى أن العراقي اقتصر على تضعيفه ورواه العسكري عن معاذ أيضا وزاد ولو أن امرءا كان أقوم من قدح لكان له من الناس غامزا وفيه سعيد المزبور وقال ابن أبي شيبة بصري ضعيف وقال أحمد بن طاهر كذاب قال في الميزان ومن منكراته هذا الخبر وقال ابن حبان سعيد يضع الحديث وقال العقيلي لا يعرف إلا بسميد ولا يتابع عليه وقال الهيتمي في كلامه على أحاديث الطبراني فيه سعيد العطار كذبه أحمد وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ فهو منقطع (الخرائطي [ص:494] في) كتاب (اعتلال القلوب) عن علي بن حرب عن حابس بن محمود عن أبي جريج عن عطاء (عن عمر) بن الخطاب وضعفوه (خط) عن ابراهيم بن مخلد عن اسماعيل بن علي الخطي عن الحسين بن عبد الله الأبزاري عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن أبيه عن جده عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: هذا من عمل الأبزاري وسئل أحمد وابن معين عنه فقال هو موضوع وقال ابن أبي حاتم منكر لا يعرف. قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا ابن أبي الدنيا عن معاذ بسند ضعيف جدا بلفظ استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث معاذ أيضا وقال فيه سعيد بن سلام العطار متروك وتابعه حسين بن علوان وضاع ومن حديث ابن عباس وقال فيه الحسين الأبزاري يضع (الخلعي في فوائده) عن أحمد بن محمد بن الحجاج عن محمد بن أحمد القرستاني العطار عن أحمد بن عبد الله عن غندر عن شعبة عن مروان الأصفر عن النزال بن سيرة (عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: ويستأنس له بخبر الطبراني عن الحبر إن لأهل النعمة حسادا فاحذروهم انتهى. ولما ساق الحافظ العراقي الخبر المشروح جزم بضعفه واقتصر عليه(1/493)
986 - (استعينوا) ندبا (بطعام السحر) بالتحريك أي المأكول وق السحر وهو السحور (على صيام النهار) فإنه يعين عليه كما هو محسوس (وبالقيلولة) النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد (على قيام الليل) يعني الصلاة فيه وهو التهجد وما في معناه من ذكر وقراءة فإن النفس إذا أخذت حظها من نوم النهار استقبلت السهر بنشاط وقوة انبساط فأفاد ندب التسحر والنوم وسط النهار وبقصد التقوى على الطاعة
(هـ ك) وكذا البزاز (طب هب) كلهم من حديث زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الحاكم زمعة وسلمة ليسا بمتروكين وأقره الذهبي في التلخيص لكنه أورد زمعة في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني ونقل في الكاشف عن أبي داود أنه ضعف سلمة هذا وقال ابن حجر في مسنده زمعة بن صالح وفيه ضعف وقال السخاوي زمعة كان مع صدقه ضعيفا لخطئه ووهمه ولذا لم يخرج له مسلم إلا مقرونا بغيره وسلمة ضعيف مطلقا أو في خصوص ما يرويه عن زمعة انتهى(1/494)
987 - (استعينوا على الرزق) أي على إدراده وسعته وتيسيره (بالصدقة) لأن المال محبوب عند الخلق ومن قهر نفسه بمفارقة محبوبه إيثارا لرضا الكريم الوهاب الذي خزائن الرزق بيده فحري بأن يفاض عليه منها غاية مطلوبه {وما أنفقتم من شيء فهو يخلقه وهو خير الرازقين}
(فر عن عبد الله بن عمرو) ابن عون بفتح المهملة (المزني) بضم وفتح الزاي صحابي موثق وفيه محمد بن الحسين الصوفي قال الذهبي عن الخطيب عن القطان يضع الحديث ومحمد بن خالد المخزومي قال في الميزان قال ابن الجوزي مجروح(1/494)
988 - (استعينوا على النساء) اللاتي في مؤنتكم بزوجية أو قرابة أو ملك (بالعري) أي استعينوا على تسترهن في البيوت وعدم تطرق القالة في حقهن بعدم التوسعة عليهن في اللباس والاقتصار على ما يقيهن الحر والبرد على الوجه اللائق وعلل ذلك بقوله (فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها) أي زادت على قدر الحاجة كعادة أمثالها بالمعروف (وأحسنت زينتها) أي ما تتزين به (أعجبها) أي حسن في نفسها (الخروج) أي إلى الشوارع والمجامع للمباهات بحسن زيها ولباسها [ص:495] فترى الرجال منها ذلك وتنشأ عنه الفتن ما لا يخفى على أهل الفطن فبإغرائهن تنحسم هذه المفاسد والشرور التي لا يمكن تداركها بعد وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما بالك به الآن؟ وفي رواية لابن عدي أيضا عن أنس مرفوعا أجيعوا النساء جوعا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح لأنهن إذا سمن واكتسين فليس شيء أحب إليهن من الخروج وليس شيء شرا لهن من الخروج وإنهن إذا أصابهن طرف من العري والجوع فليس شيء أحب إليهن من البيوت وليس شيء خيرا لهن من البيوت انتهى وفيه متروك
(عد) عن الحسن بن سفيان عن زكريا بن يحيى الجزار عن إسماعيل بن عباد الكوفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (عن أنس) بن مالك أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث ابن عدي وحكم عليه بالوضع وقال إسماعيل وزكريا متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا ورواه الهيتمي والطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا قال الهيتمي وهو ضعيف(1/494)
989 - (استعينوا) وفي بعض النسخ استعينوا (بغناء الله) بفتح الغين والمد: أي اسألوه من فضله ولا تسألوا غيره فإن خزائن الوجود بيده وأزمنها إليه ولا معطيي ولا منعم غيره قال بعض العارفين: من لزم الباب أثبت في الخدم ومن أكثر الذنوب أكثر الندم ومن استغنى بالله أمن العدم. وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي الرضى العابد: العيش في ثلاثة أشياء الاستغناء عن الناس - العدو والصديق - وصحة البدن والأمن من الدين. وزعم أن المراد من الحديث التزويج لخبر تزوجوا فإنهن يأتين بالمال بعيد
(عد عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس لكن بيض له ولده لسنده ثم إن ظاهر كلام المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عشاء ليلة وغداء يوم(1/495)
990 - (استغنوا عن الناس) أي تعففوا عن مسألتهم والمراد أن العبد يشعر قلبه فقر الخلق إلى ربهم وعجزهم وأنهم تحت قهر قدرة موجدهم ويكف همم نفسه عن التطلع إليهم وإلى ما في أيديهم وجوارحه عن الإقبال عليهم ويقنع بما قسم له (ولو بشواص السواك) بضم الشين المعجمة وفتحها أي بغسالته أو بما تفتت منه عند التسوك يعني اقنعوا بأدنى ما يسد الرمق حتى لو فرض أنه يسده غسالة السواك أو ما تفتت منه فاقنعوا به وألزموا أنفسكم الاستغناء عنهم وكفوها عن الطمع فيهم والنظر إلى ما في أيديهم وقيل المراد لا تطلبوا منهم غسل السواك مبالغة. قال العسكري: وقد روي بضم الشين وبفتحها (البزار) الحافظ أحمد في مسنده
(طب هب عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للبزار والطبراني إسناده صحيح. وقال تلميذه الحافظ الهيتمي رجاله ثقات وقال السخاوي رجال هذا الخبر ثقات وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب(1/495)
991 - (استفت نفسك) المطمئنة الموهوبة نورا يفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب إذ الخطاب لوابصة وهو يتصف بذلك وفي رواية قلبك أي عول على ما فيه لأن للنفس شعورا بما تحمد عاقبته أو تذم (وإن) غاية لمقدر دل عليه ما قبله أي فالتزم العمل بما في نفسك ولو (أفتاك المفتون) بخلافه لأنهم إنما يطلعون على الظواهر وهم بضم الميم جمع مفتي وفي بعض الحواشي بالفتح من الفتنة بمعنى الاختبار والضلال لكن كل من رأيناه شرح الحديث إنما يبني كلامه على معنى الضم وعليه قال حجة الإسلام: ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه وإنما ذلك لوابصة في واقعة تخصه انتهى قال البعض: وبفرض العموم فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرد حدس أو ميل من غير دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره انتهى وبما بحثه صرح حجة الإسلام لكن بزيادة بيان وإحسان فقال ما محصوله ليس للمجتهد أو المقلب إلا الحكم بما يقع له أو لمقلده ثم يقال للورع استفت [ص:496] قلبك وإن أفتوك إذ للإثم حزازات في القلوب فإذا وجد قابض مال مثلا في نفسه شيئا منه فليتق الله ولا يترخص تعللا بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتاويهم قيودا من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة
(تتمة) قال العارف سهل التستري خرج العلماء والزهاد والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطني حاكم على علم الظاهر لما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم استفت قلبك فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر والفكر وتخلو عنها زبر التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين ولا محققو الفقهاء المعتبرين
(تخ عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة بن معبد الأزدي وفد سنة تسع وكان بكاءا وقبره بالرقة ورمز المصنف لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما قال النووي في رياضه إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضا الطبراني قال الحافظ العراقي وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول(1/495)
992 - (استفرهوا) ندبا (ضحاياكم) أي استكرموها فضحوا بالكريمة الشابة المليحة الحسنة المنظر والسير الفارهة المليحة والفتية ويقال هو يستفره الأفراس يستكرمها كما في القاموس وفي مختار الصحاح عن الأزهري الفاره من الناس المليح الحسن ومن الدواب الجيد السير انتهى
هذا هو المراد هنا وأما ما فسروا به الفاره من أنه الحاذق بالشيء فلا يتأنى هنا ثم علل ذلك بقوله (فإنها مطاياكم) جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها (على الصراط) أي فإن المضحي يركبها ويمر بها على الصراط ويستمر عليها حتى توصله إلى الجنة فإذا كانت سريعة مرت على الصراط بخفة ونشاط وسرعة. وحكمة جعلها مطايا في ذلك اليوم دون غيرها من الخيل وغيرها أن ذلك علامة في ذلك الموقف على أن من امتطاها قد امتثل أمر الشارع الندبي بالتضحية وأنه من الفائزين بالجزاء الموعود على ذلك وفيه أن الأفضل في الأضحية كونها جيدة السير ولم أر من قال به من أصحابنا
(فر) من طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) قال المصنف في الدرر ويحيى ضعيف وقال السخاوي يحيى ضعيف جدا ووقع في نهاية إمام الحرمين ثم الوسيط عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم قال ابن الصلاح وهو غير معروف ولا ثابت وقال ابن العربي ليس في فضل الأضحية حديث صحيح(1/496)
993 - (استقم) (قال الدقاق: كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك تطلب منك الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة قال السهروردي وهذا أصل كبير غفل عنه كثيرون) أي الزم فعل الطاعات وترك المنهيات وقال القاضي المراد بالاستقامة اتباع الحق والقيام بالعدل وملازمة المنهج المستقيم وذلك خطب جسيم لا يتصدى لإحصائه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية وتخلص من كدورات البشرية والظلمات الأنسية الطبيعية وأيده الله بتأييد من عنده واسلم شيطانه بيده وقليل ما هم انتهى وقال الطيبي: الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى وهي رتبة الأنبياء (وليحسن) بفتح المثناة تحت (خلفك) بضمتين (للناس) بأن تلقاهم ببشر وطلاقة وجه وتتحمل أذاهم وتفعل بهم ما تحب أن يفعلوا معك وبين به أن الاستقامة نوعان استقامة مع الحق بفعل طاعته عقدا وفعلا وقولا واستقامة مع الخلق بمخالقتهم بخلق حسن وبذلك تحصل الاستقامة الجامعة التي هي الدرجة القصوى التي بها كمال المعارف والأحوال وصفاء القلوب في الأعمال وتنزيه العقائد عن سفاسف البدع والضلال. قال الجنيد ولا يطيقها إلا فحول الرجال لأنها الخروج عن المألوفات ومفارقة الرسوم والعادات وهذا الحديث من جوامع الكلم وأصول الإسلام
(طب ك هب عن ابن عمرو) [ص:497] ابن العاص قال قال معاذ يا رسول الله أوصني فذكره قال الهيتمي فيه أي عند الطبراني عبد الله بن صالح ضعفه جماعة وأبو السمط معبد بن أبي سعيد مولى المهدي لم أعرفه(1/496)
994 - (استقيموا) أي الزموا الاستقامة والزموا المنهج المستقيم بالمحافظة على إيفاء حقوق الحق ورعاية حدوده والرضى بالقضاء (ولن تحصوا) ثواب الاستقامة {وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها} أو لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها أو لن تطيقوها بقوتكم وحولكم وإن بذلتم جهدكم بل بالله أو استقيموا على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال ولابد للمخلوق من تقصير وملال وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد لئلا يتكل على عمله ولهذا قال القاضي: أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته لئلا يغفلوا عنه فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزا وقصورا لا تقصيرا وقال الطيبي: قوله ولن تحصوا إخبار وإعراض بين المعطوف والمعطوف عليه كما اعترض ولن تفعلوا بين الشرط والجزاء لما أمرهم بالاستقامة وهي شاقة جدا تدارك بقوله ولن تحصوا رأفة ورحمة منه على هذه الأمة المرحومة كما قال تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} بعد ما نزل {اتقوا الله حق تقاته} أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به على ما يتيسر لهم من ذلك ولا يشق عليهم بقوله (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة من قراءة وتسبيح وتكبير وتهليل وإمساك عن كلام البشر والمفطرات وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس فالزموها وأقيموا حدودها سيما مقدمتها التي هي شطر الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى كما قال (ولا) وفي رواية ولن (يحافظ على الوضوء) الظاهري والباطني (إلا مؤمن) كامل الإيمان فالظاهري ظاهر والباطني طهارة السر عن الأغيار والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالبا وتارة مغلوبا أي لن تطيقوا الاستقامة في تطهير سركم ولكن جاهدوا في تطهيره مرة بعد أخرى كتطهير الحدث مرة بعد أخرى فأنتم في الاستقامة بين عجز البشرية وبين استظهار الربوبية فتكونون بين رعاية وإهمال وتقصير وإكمال ومراقبة وإغفال وبين جد وفتور كما أنكم بين حدث وطهور وفيه ندب إدامة الوضوء وبه أخذ أصحابنا أنه يسن تجديده إذا صلى به صلاة
(حم هـ ك) عن ثوبان وقال الحاكم على شرطهما ولا علة له سوى وهم بلال الأشعري (هق عن ثوبان) قال المنذري إسناد ابن ماجه صحيح وقال الذهبي في المهذب خرجه ابن ماجه من حديث منصور عن سالم وهو لم يدرك ثوبان وقال الحافظ العراقي في أماليه حديث حسن رواته ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين سالم وثوبان كما قال ابن حبان (هب طب عن ابن عمرو) بن العاص قال مغلطاي إسناده لا بأس به (طب عن سلمة بن الأكوع) قال الدميري ذكره الرافعي في مجلس العشرين في أماليه وقال ما ملخصه إنه حديث ثابت انتهى. وقد عد جمع هذا الخبر من جوامع الكلم وله طرق صحاح وبه استدل ابن الصلاح على صلاة الرغائب ونوزع في سنيتها بما محله كتب الفروع(1/497)
995 - (استقيموا ونعما إن استقمتم) فإن شأن الاستقامة عظيم وخطبها جسيم ومن ثم قال الحبر ما نزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم آية آشق من هذه الآية ولا أعظم وهي {فاستقم كما أمرت} وفي خبر رواه ابن أبي حاتم أنه لم ير بعد نزولها ضاحكا أبدا وفي خبر الترمذي ما يفيد أن أعظم ما يراعى استقامة بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه الترجمان قال الحراني: وقد جمع لمن استقام الأمداح المبهمة لأن نعم كلمة مبالغة تجمع المدح كله وما كلمة مبهمة تجمع [ص:498] الممدوح فتطابقا في الإبهام قال ابن الأثير أصله نعم ما فأدغم وشدد ثم نبه على أن أعظم أركان الاستقامة الصلاة بقوله (وخير أعمالكم الصلاة ولن) وفي رواية ولا (يحافظ على الوضوء) بإسباغه وإدامته واستيفاء سننه وآدابه (إلا مؤمن) كامل الإيمان وفيه بيان شرف الصلاة وكونها أشرف الطاعات والمحافظة على الوضوء بمراقبة أوقاته وإدامته وإسباغه والاعتناء بآدابه
(هـ عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه ابن عساكر أيضا (طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته فإن أراد أنه صحيح لغيره فقد يسلم وإلا فليس فقد قال مغلطاي فيه إسحاق بن أسيد وهو وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد وصفه بالخطأ وقال ابن عدي هو مجهول أي جهالة حال لا جهالة عين وقد عيب على مسلم إخراج حديثه والبخاري لم يخرج حديثه محتجا به بل تعليقا وليس هو ممن يقوم به حجة وروايته عن أبي أمامة منقطعة مع ضعفها انتهى وقال الهيتمي في سند الطبراني محمد بن عبادة عن أبيه ولم أجد من ترجمه(1/497)
996 - (استقيموا لقريش) أي للأئمة من قريش (ما استقاموا لكم) أي دوموا على طاعتهم وأثبتوا عليها ما داموا قائمين على الشريعة لم يبدلوها (فإن لم يستقيموا لكم) وفي رواية بدله لأحمد أيضا فإن لم يفعلوا (فضعوا سيوفكم على عواتقكم) متأهبين للقتال (ثم أبيدوا) أهلكوا (خضراءهم) أي سوادهم ودهماءهم ذكره الزمخشري وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه كما في الفردوس وغيره فإن لم تفعلوا فكونوا حرائين أشقياء تأكلون من كد أيديكم قال ابن حجر: وقد تضمن هذا الحديث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم وبه يقوى مفهوم حديث الأئمة من قريش ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد اتباع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم عليهم بحيث صاروا محجورا عليهم ثم اشتد الأمر فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقاليم والأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار
إلى هنا كلام الحافظ. قال الخطابي الخوارج يتأولونه على الخروج على الأئمة ويحملون قوله ما استقاموا لكم على العدل في السيرة وإنما الاستقامة هنا الإقامة على الإسلام انتهى
(حم عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا لأن سالم ابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان (طب عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه شعيب ابن بيان الصفار قال الجوزجاني يروي المناكير. ذكره الهيتمي(1/498)
997 - (استكثر من الناس) أي المؤمنين لاسيما صلحاؤهم وعبادهم وزهادهم خصوصا الشعثة رؤوسهم المغبرة ألوانهم وأطمارهم فمحصول الحديث طلب الدعاء من كل مؤمن. قال القيشيري: مر معروف الكرخي بسقاء يقول رحم الله من يشرب فتقدم فشرب فقيل له ألم تك صائما قال بلى ولكن رجوت دعاءه (من دعاء الخير لك) أي اطلب منهم أن يدعو لك كثيرا بالخير. ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية أو تبعيضية (فإن العبد لا يدري على لسان من يستجاب له) من الناس (أو يرحم) ورب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره
(خط في رواية مالك) بن [ص:499] أنس الإمام المشهور (عن أبي هريرة) سكت عليه المؤلف ووهم من زعم أنه رمز لضعفه(1/498)
998 - (استكثروا من) قول (الباقيات) عند الله لقائلها بمعنى أنها محفوظة عنده ليثاب عليها ولذلك وصفها بقوله (الصالحات) قيل وما هي قال (التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي هي قول سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولاقوة إلا بالله وبهذا أخذ ابن عباس والجمهور فقالوا الباقيات الصالحات المذكورة في قوله تعالى {والباقيات الصالحات} الآية هي هذه الكلمات والحديث حجة على من ذهب من المفسرين إلى أنها غيرها
(حم حب) وأبو يعلى (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي إسناد أحمد حسن(1/499)
999 - (استكثروا من النعال) أمر إرشاد والمراد الإكثار من إعدادها في السفر وكلما وهت نعل وتخرقت وجد في رجليه غيرها فليس المراد باستكثارها لبس أكثر من نعل في حالة واحدة كما قد يظن ثم علل ذلك بقوله (فإن الرجل) وصف طردي وإنما خصه لأنه يكثر المشي فيحتاج للنعل (لا يزال راكبا ما دام منتعلا) لفظ رواية مسلم ما انتعل: أي هو شبيه بالراكب مدة دوامه لابسا للنعل في خفة المشقة وقلة النصب وسلامة رجله من نحو أذى أو شوك وفيه إشارة إلى ندب الاستعداد لأهبة السفر وخص الرجل لأن السفر غالبا إنما يكون للرجال فإن سافرت أثنى أو خنثى فهي كالرجال قال القرطبي: هذا كلام بليغ ولفظ فصيح لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن الحافي المديم للحفا يلقي من الألم والمشقة بالعثار وغيره ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول لمقصده والمنتقل يمكنه إدامة المشي فيصل لمقصوده كالراكب فلذلك شبه به
(حم تخ م ن عن جابر) بن عبد الله قال سمعت المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها يقول فذكره (طب عن عمران بن حصين)
قال الهيتمي: فيه مجاعة بن الزبير لا بأس به في نفسه وضعفه الدارقطني وبقية رجاله ثقات
(طس عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف(1/499)
1000 - (استكثروا من) قول (لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها) أي هذه الكلمة (تدفع) عن قائلها (تسعة وتسعين بابا) أي وجها إذ كل باب وجه (من) وجوه (الضر أدناها الهم) أو قال الهرم هكذا هو على الشك عند مخرجه لخاصية فيها علمها الشارع والظاهر أن المراد بهذا العدد التكثير لا التحديد قياسا على نظائره. والضر بالضم الهزال وسوء الحال والفاقة والفقر وبالفتح مصدر ضره يضره إذا فعل به مكروها
(عق عن جابر) بن عبد الله قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا وقال استكثروا إلى آخره وفيه بلفظ ابن عباد عن ابن المنكدر لا يعرف قال في الميزان والخبر منكر قال في اللسان وخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبيه عن ابن ناضية عن ابن أبي عمر به [ص:500] والطبراني في الصغير وقال بلهط عندي ثقة انتهى وبه يعرف أن إيثار المصنف للعقيلي واقتصاره عليه غير صواب(1/499)
1001 - (استكثروا من الإخوان) أي من مؤاخاة المسلمين الأخيار (فإن لكل مؤمن شفاعة) عند الله تعالى ذلك إكراما لهم (يوم القيامة) فكلما كثرت إخوانكم كثرت شفعاؤكم وذلك أرجى للفلاح وأقرب للصلاح والنجاح وخرج بقولنا من الأخيار إخوان هذا الزمان فينبغي الإقلال منهم. قال ابن الرومي:
عدوك من صديقك مستفاد. . . فلا تكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه. . . يكون من الطعام أو الشراب
وقيل الناس إخوان طمع وأعداء نعم. قال الغزالي: سمعت أن ابن عيينة قال للثوري أوصني قال أقلل من معرفة الناس قلت أليس في الخبر أكثروا من معرفة الناس فإن لكل مؤمن شفاعة قال لا أحسبك رأيت قط ما تكره إلا ممن تعرف قلت أجل ثم مات فرأيته في النوم فقلت أوصني قال أقلل من معرفة الناس ما استطعت فإن التخلص منهم شديد
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لضعفه(1/500)
1002 - (استمتعوا من) هي بمعنى الباء (هذا البيت) الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا والمراد من الاستمتاع به إكثار الطواف والحج والاعتمار والاعتكاف ودوام النظر إليه (فإنه قد هدم مرتين) قال في الكشاف أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبنته قريش انتهى وقال ابن حجر وغيره اختلف في عدد بناء الكعبة والتي تحصل أنها بنيت عشر مرات: بناء الملائكة قبل خلق آدم لما قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} ذكره مجاهد ثم آدم رواه البيهقي في الدلائل ثم بنوه من بعده ثم نوح ثم إبراهيم وزعم ابن كثير أنه أول من بناه وأنكر ما عداه ورد ثم العمالقة رواه الفاكهي عن علي (ويرفع في الثالثة) بهدم ذي السوبقتين له والمراد رفع بركنه وقال في الإتحاف اقتصاره في الحديث عدم على مرتين أراد به هدمها عند مجىء للطوفان إلى أن بناها إبراهيم وهدمها في أيام قريش لما أجحف بها السيل وكان ذلك مع إعادة بنائها في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم وله من العمر خمس وثلاثون سنة
والأمر بالاستمتاع به يشمل النظر إليه والطواف به والصلاة فيه
(طب ك) وكذا ابن لال والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم في مستدركه صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني ثقات(1/500)
1003 - (استنثروا) بهمزة وصل أمر من النثر بفتح النون وسكون المثلثة وهو جذب ماء الاستنشاق بريح الأنف أو نحوه ثم طرحه. وقال العراقي: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق وذكر أن الأول قول الخطابي والثاني قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثين (مرتين بالغتين) أي إلى أعلا درجات الاستنثار (أو) قيل بمعنى الواو (ثلاثا) قيل لم يذكر في الثالثة المبالغة دلالة على أن المبالغة في الثنتين قائمة مقام الثالثة والمراد أن ذلك يشرع في الوضوء كما بينه في حديث أبي داود الطيالسي وهو إذا توضأ أحدكم وانتثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا قال ابن حجر: وإسناده حسن لكن قوله في الحديث المار إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان إلخ يقتضي عدم اختصاص الأمر بالوضوء وعليه فالمراد الاستنثار في الوضوء للتنظيف وللمتيقظ لطرد الشيطان ذكره ابن حجر وظاهر الأمر الوجوب فليزم من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد القول بوجوبه واستدل الذاهبون للندب بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم للأعرابي في خبر الترمذي وغيره توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية ولا ذكر للاستنشاق ولا للانتثار فيها ونوزع باحتمال أن يراد [ص:501] بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وبه رد على من لم يوجب المضمضة أيضا ذكره ابن حجر ويسن كونه بيده اليسرى كما بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها
(حم د هـ ك عن ابن عباس) قال في المنار فيه قارظ بن شيبة لا بأس به وبقية رواته لا يسأل عنهم فإنهم أئمة(1/500)
1004 - (استنجوا الماء البارد فإنه مصحة للبواسير) بفتح الميم المهملة مع شد الحاء المهملة أي ذهاب لمرض الباسور وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى محل في البدن يقبل الرطوبة كالمعدة والأنثيين والدبر وتبدل سينه صادا والأمر بخصوص البارد إرشادأ وهو لمصالح يعود نفعها على البدن
(طس عن عائشة عب عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو وبالراء (ابن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء ابن أبي مالك (القرظي) تابعي مقبول مات سنة ثمان وثلاثين ومئة والحديث مرسل انتهى قال الهيتمي فيه عمار بن هارون وهو متروك انتهى وعمار هذا أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي يسرق الحديث وفيه أيضا أبو الربيع السمان وقد ضعفوه(1/501)
1005 - (استنزلوا الرزق بالصدقة) أي اطلبوا إدراده عليكم من خزائن الرزاق بالتصدق على عياله المحتاجين فإن الله يحب من أحسن إليهم وإذا أحب عبدا أجاب دعاءه. وأعطاه ماتمناه والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله
(هب عن علي) أمير المؤمنين (عد عن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين المهملة (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن عمرو النخعي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء كذاب مشهور وفي الميزان عن يحيى كان أكذب الناس(1/501)
1006 - (استهلال الصبي) المولود (العطاس) أي علامة حياة الولد عند خروجه من بطن أمه حالتئذ العطاس قال ابن الكمال: الاستهلال أن يكون من الولد ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عين أو عضو انتهى فمراد الحديث أن العطاس أظهر العلامات التي يستدل بها على كمال حياته وأنه خرج تاما وحياته مستقرة فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه والمراد بالصبي ما يشمل الصبية قال الراغب أول ما ينال غمه عند سقوطه لما يضغطه من مضيق خروجه ويصيبه من ألم الهوى فيتوجع والوجع يورث الغم والغم يحمله على البكاء وذلك لأن للصبي كل ما يكون للحيوان من غير النطق من لذة وألم وجوع وعطش ومنه أخذ ابن الرومي قوله:
لما تؤذن الدنيا بها من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأفسح مما كان فيه وأرغد
(البزار عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس بمسلم فقد قال الهيتمي فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو ضعيف عندهم وتقدمه لإعلاله به عبد الحق(1/501)
1007 - (أستودع الله) أي استحفظ (دينك) جاطب به من جاء يودعه للسفر من الوداع بفتح الواو وهو الاستحفاظ وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات التي يزيد الدين بزيادتها وينقص بنقصانها وقوله أستودع بقرينة السبب والسياق خبر لا أمر وإن كان معناه صحيحا ويأتي حديث في باب كان أنه كان يقول ذلك وهو واضع يده في يده [ص:502] فيتأكد ذلك (وأمانتك) أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ومالك التي تودعه وتستحفظ أمينك وقدم الدين لأن حفظه أهم (وخواتيم عملك) أي عملك الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة فإنه يسن للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح كتوبة وقربة وخروج عن المظالم وصلاة وصدقة وصلة رحم وقراءة آية الكرسي ووصية واستبراء ذمة ونحوها فيندب لكل من يودع أحدا من المؤمنين أن يفارقه على هذه الكلمات وأن يكررها بإخلاص وتوجه تام فإذا ولى المسافر قال المقيم اللهم اطو له البعيد وهون عليه السفر كما يأتي
(د ت عن ابن عمر) بن الخطاب أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا وقال الترمذي صحيح غريب وتبعه المصنف فرمز لصحته ورواه عنه النسائي أيضا فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد هذين عن الستة غير سديد(1/501)
1008 - (أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) أي الذي إذا استحفظ وديعة لا تضيع فإنه تعالى إذا استودع شيئا حفظه كما في الحديث الآتي عن لقمان قال الحكيم أصل الوديعة التخلي عن الشيء وتركه وإذا تخلى العبد عن الشيء وتركه لله واستحفظه إياه فقد تبرأ من الحول والقوة ورفض الأسباب فحصل له الحفظ والعصمة ويندب لكل من المتوادعين أن يقول للآخر ذلك وأن يزيد المقيم زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما كنت
(عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وفيه هشام بن عمار وقد سبق بيانه وابن لهيعة وقد ضعفوه لكنه متماسك وحديثه حسن وموسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين(1/502)
1009 - (استوصوا) قال البيضاوي الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم (بالأسارى) بضم الهمزة (خيرا) أي افعلوا بهم معروفا ولا تعذبوهم بشد الوثاق فوق الحاجة وأطعموهم واسقوهم وهذا قاله في غزوة بدر لما سمع العباس يئن في وثاقه فلم ينم تلك الليلة ثم ذكره فقام رجل من الأنصار فآرخى من وثاقهم ونفس عنهم قال الطيبي: ويجوز كونه من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حقهن
(طب عن أبي عزيز) بفتح العين وكسر الزاي ابن عمير أخي مصعب بن عمير قال كنت في الأسارى يوم بدر فقال استوصوا إلى آخره قال الهيتمي إسناده حسن(1/502)
1010 - (استوصوا) قال الطيبي الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهم بخير (بالأنصار خيرا) زاد في رواية فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم وأخذ منه أن الخلافة ليست فيهم وإلا لأوصاهم ولم يوص لهم وقول ابن حجر لا دلالة فيه إذ لامانع من ذلك فيه تحامل لا يخفى قال القاضي: والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة وأصلها الوصلة يقال وصاه إذا وصله وقصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي
(حم عن أنس) بن مالك قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر أي في مرضه ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكره وفي طريق آخر لأحمد بلغ مصعب بن الزبير عن عريق للأنصار شيء فهم به فدخل عليه أنس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين انتهى وفيه علي بن زيد بن جدعان(1/502)
1011 - (استوصوا بالعباس) أبي الفضل ذي الرأس الجزل والقول الفصل (خيرا فإنه عمي وصنو) بكسر فسكون (أبي) [ص:503] فهو أب مجازا وهو شقيق والده عبد الله بن شيبة الحمد ووصي عمه من بعده كان رئيسا في قريش قبل الإسلام إليه عمارة المسجد الحرام والسقاية
أسر ببدر لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من لقيه فلا يقتله فإنه خرج مستكرها وفادى نفسه بعد أن قال ليس معي شيء فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وأين المال قلت لأم الفضل حين خرجت إذا مت فافعلي به كذا؟ فأسلم لكونه لم يطلع عليه أحد وكتم إسلامه ليوم الفتح
(عد عن علي) أمير المؤمنين وإسناده ضعيف لكن يعضده ما جاء عن ابن عباس بلفظ استوصوا بعمي العباس خيرا فإنه بقية آبائي وإنما عم الرجل صنو أبيه ورواه الطبراني وفيه كما قال الهيتمي عبد الله بن خراش ضعيف وبقية رجاله وثقوا(1/502)
1012 - (استوصوا بالنساء خيرا) أي اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن (أو اقبلوا) وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن والأول للطيبي والأخير للقاضي قال ابن حجر: وهو أوجه الأوجه والخير الموصى به لها أن يداريها ويلاطفها ويوفيها حقوقها المشار إليها بنحو خبر الحاكم وغيره: حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجرها (فإن المرأة خلقت) أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة (من ضلع) بكسر ففتح أو فسكون. قال القاضي: والضلع بكسر فسكون واحد الأضلاع استعير للمعوج صورة ومعنى وقيل أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع فإن حواء خرجت من ضلع آدم قيل الأيسر وقيل القصرى كما تخرج النخلة من النواة ثم جعل محلها لحم (فإن ذهبت نفييمه كسرته) أي إن أرادت منها تسوية اعوجاجها أدى إلى فراقها فهو ضرب مثل للطلاق (وإن تركته) أي لم تقمه (لم يزل أعوج) فلا يطمع في استقامتهن البتة (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكر تأكيد لمعنى الكسر وإشارة إلى أنها خلقت من أعوج آخر الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن أوضربه مثلا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل به الأذى وأعاد الضمير مذكرا على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنثة وقول الزركشي تأنيثه غير حقيقي فلذلك ذكر رده الدماميني بأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس وأما مضمره فكالمؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث (فاستوصوا) أيها الرجال (بالنساء خيرا) ختم بما به بدأ إشعارا بكمال طلب الوصية بهن وزاد التأكيد بالإظهار في محل الإضمار وفيه رمز إلى أن التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه ولا يترك فيستمر أعوج فالمبالغة ممنوعة وتركها على العوج ممنوع وخير الأمور أوسطها <فائدة> أخرج أبو بكر ابن السراج أن إبراهيم الخليل شكى إلى ربه سوء خلق سارة فأوحى الله إليه: إنما هي من ضلع فارفق بها أما ترضى أن تكون نصيبك من المكروه؟
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها. . . ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى. . . أليس عجبا ضعفها واقتدارها
وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال
(ق عن أبي هريرة) ورواه النسائي أيضا(1/503)
1013 - (استووا) أي اعتدلوا في الصلاة بأن تقوموا على سمت واحد لأن التسوية للصفوف من شأن الملائكة ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية صدوركم. قال الطيبي: وقوله فتختلف بالنصب من قبيل لا تدن من الأسد [ص:504] فيأكلك وفيه أن القلب تابع للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها (وليليني منكم) أي ليقرب مني: من ولي إذا قرب والولي القرب والدنو وقوله ليليني بكسر اللامين وياء مفتوحة بعد اللام وشدة النون وبحذف الياء وخفة النون: روايتان ذكرهما النووي في عدة كتب وغيره وبه رد قول الطيبي: وحق هذا اللفظ أن تحذف منه الياء لأنه صيغة أمر وقد ورد بإثباتها وسكونها في سائر الكتب والظاهر أنه غلط (أولو الأحلام) أذوو التثبت (والنهى) جمع نهية بالضم وهي العقل ذكره في المجموع وفي شرح مسلم النهى العقول وأولو الأحلام العقلاء وقيل البالغون وفي الرياض: أهل الفضل. فعلى الأول يكون اللفظان بمعنى ولاختلاف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا. وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء وعلى الثالث البالغون (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم في ذلك الوصف كالصبيان المراهقين ثم المميزين (ثم الذين يلونهم) كالخناثي ثم النساء فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق وزاد في رواية بعد ما ذكر: وإياكم وهيشات الأسواق: أي احذروا أن يكون حالكم وصفتكم كهيشات الأسواق أي مختلطاتها وجماعتها من الهيش وهو الخلط وفيه أنه يندب تقديم الرجال لفضلهم وشرفهم وليحفظوا صلاته إن نسيها فيجبرها أو يجعل أحدهم خليفة إن احتيج إليه ثم الصبيان لأنهم من جنسهم ثم الخناثى لاحتمال ذكورتهم وهذا كله مستحب لا شرط فلو خالفوا صحت صلاتهم مع الكراهة
(حم م ن عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري(1/503)
1014 - (استوا) ندبا مؤكدا: أي عدلوا صفوفكم في الصلاة فإنكم إن استويتم فيها (تستو قلوبكم) لأن القلب تابع للأعضاء استقامة واعوجاجا فإذا اختلف اختلفت (وتماسوا) أي تلاصقوا حتى لا يكون خلل يسع واقفا (تراحموا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي فإنكم إذا فعلتم ذلك يعطف بعضكم على بعض والأمر للندب
(طس حل عن أبي مسعود) البدري قال الديلمي: وفي الباب عن أنس وعلي(1/504)
1015 - (أسد) بمهملتين (الأعمال) أي من أكثرها صوابا والسداد بفتح المهملة الصواب من القول والفعل. وأسد الرجل بالألف جاء بالسداد وذكر بعضهم أن الرواية عن علي أشد بمعجمة ولعله تصحيف (ثلاثة) أي خصال ثلاثة (ذكر الله) باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وأفضله لا إله إلا الله كما يأتي في خبر (على كل حال) أي قياما وقعودا ورقودا وسرا وعلانية وفي السراء والضراء وغير ذلك (والإنصاف من نفسك) أي معاملة غيرك بالعدل والقسط بحيث تحكم له على نفسك بما يجب له عليك (ومواساة الأخ في المال) أي إصلاح حال الأخ في الإسلام من مال نفسك عند اتساع الحال وكفاية ممونك فإن مواساة الإخوان من أخلاق أهل الإيمان وهذا العدد لا مفهوم له
(ابن المبارك) في الزهد (وهناد والحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي جعفر مرسلا) والمواساة محبوبة مطلقا للقريب والبعيد لكنها للأقرباء والأصدقاء آكد وقدم الذكر لأنه أفضل الأعمال مطلقا كما قاله الغزالي ثم الإنصاف من النفس الذي هو الإنصاف بالعدل لأمره به في القرآن بقوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وقد تكون مندوبة وقد تكون واجبة كما في المضطر
(حل عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه لا مرفوعا وفيه إبراهيم بن ناصح عده الذهبي في الضعفاء قال أبو نعيم متروك الحديث ومن ثم رمز لضعفه(1/504)
[ص:505] 1016 - (أسرع الأرض خرابا) في رواية الأرضين بالجمع (يسراها ثم يمناها) أي ما هو من الأقطار عن يسار الكعبة ثم ما هو عن يمينها فاليسار الجنوب واليمين الشمال والمراد أن الخراب يبدو في الأقطار الجنوبية أولا بجفاف نيل مصر ثم يتابع الخراب ويستولي على البلاد الجنوبية ثم يبدأ في الأقطار الشمالية بعد ذلك وفي خبر ضعيف أن مبدأ ذلك كله خراب الكعبة
(طس حل عن جرير) قال الهيتمي: وفيه حفص بن عمر بن الصباح الرقي وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح اه وقال ابن الجوزي عن الدارقطني الصواب وقفه على جرير(1/505)
1017 - (أسرع الخير ثوابا) أي أعجل أنواع الطاعة إثابة من الله تعالى (البر) بالكسر: الاتساع في الإحسان إلى خلق الله تعالى من كل آدمي وحيوان محترم (وصلة الرحم) أي الأقارب وإن بعدوا (وأسرع الشر) أي الفساد والظلم (عقوبة البغي وقطيعة الرحم) لأن فاعل ذلك لما افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكتب السماوية والإشارات الحكمية وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه أسرع إليه الوبال في الدنيا مع ما ادخر له من العقاب في العقبى والمراد بالسرعة هنا أنه تعالى يعجل ثواب ذلك وعقابه في الدنيا ولا يؤخره للآخرة بدليل الخبر المار: اثنان يعجل الله عقوبتهما في الدنيا وذكر هنا البغي وقطيعة الرحم وفي حديث آخر: البغي واليمين الفاجرة وفي آخر: البغي وعقوق الوالدين فدل على عدم الانحصار في عدد وإنما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله وبما هو ملتبس به أو يريد العزم عليه فلذلك اختلفت الأجوبة
(ت هـ) وكذا أبو يعلى (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد ضعفه المنذري وغيره(1/505)
1018 - (أسرع الدعاء إجابة دعاء الغائب لغائب) أي في غيبة المدعو له ومن وراء معرفته ومعرفة الناس له وذلك أبعده من الرياء والأغراض الفاسدة المنقصة للأجر فتوافقه الملائكة أو تؤمن عليه ولأنه تعالى يعينه في دعائه لما ورد أنه تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والمراد الغائب عن المجلس ولو بالبلد بل بالغ البعض فجعل الحاضر فيه وهو لا يسمع كالغائب
(خد د) في الصلاة. وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه اقتصاره على أبي داود قال في الأذكار: وقد ضعفه الترمذي (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه فقد قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف. وقال العلامة المناوي: فيه عبد الرحمن ابن زياد الأقريقي ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء ضعفه ابن معين والنسائي وقال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا(1/505)
1019 - (أسرعوا) إسراعا خفيفا بين المشي المعتاد والخبب الذي هو العدو لأن ما فوق ذلك يؤدي إلى انقطاع الضعفاء أو مشقة الحامل أو انتشار أكفان الميت ونحو ذلك فيكره (بالجنازة) أي بحمل الميت بنعشه إلى المصلى ثم إلى القبر والأمر للندب اتفاقا ولا عبرة بمن شذ نعم إن خيف التغير لولا الإسراع وجب أو التغير بالإسراع وجب التأني (فإن تك) أي الجثة المحمولة وأصله تكون سكنت نونه للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون تخفيفا لكثرة دور ذلك في الكلام فصار تك (صالحة) بنصبه خبر كان (فخير) أي فهو خير أو فلها [ص:506] خير أو فهناك خير (تقدمونها إليه) أي إلى الخير باعتبار الثواب: أي تقدمونها إلى جزاء عملها الصالح والإكرام الحاصل لها في القبر وفي رواية إليها قال ابن مالك: القياس إليه لكن المذكور يجوز تأنيثه إذا أول بمؤنث كتأويل الخير بالرحمة أو بالحسنى أو بالبشرى (وإن تك سوى ذلك) أي غير صالحة (فشر) أي فهو شر أو هو مبتدأ وصح الابتداء به مع كونه نكرة لاعتماده على صفة مقدرة أي شر عظيم. وكذا يقال فيما سبق وقوله (تضعونه) والضمير للميت: أي تستريحون منه لبعده من الرحمة. فلا حظ لكم في مصاحبته (عن رقابكم) أي أكتافكم قال الطيبي: الجنازة بالكسر: الميت وبالفتح السرير جعل الجنازة عين الميت ووصفها بأعماله الصالحة ثم عبر عن الأعمال الصالحة بالخير وجعل الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى ذلك الخير فكنى بالجنازة عن العمل الصالح مبالغة في كمال هذا المعنى كما في قوله:
ما درى نعشه ولا حاملوه. . . ما على النعش من عقاب ورد
ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا قابل قرنيتها بوضع الشر عن الرقاب ومعنى الحديث ينظر إلى قوله في الحديث الآخر مستريح أو مستراح منه: أي مستريح إلى رحمة الله. أو تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. وفيه ترك صحبة أهل البطالة وغير الصلحاء وأن حمل الجنازة مختص بالرجال لكونه أتى فيه بضمير المذكر لكنه وإن كان الحكم متفقا عليه غير حاسم ففي هذا قد يدعى أنه خرج مخرج الغالب
(حم ق هد عن أبي هريرة)(1/505)
1020 - (أست السماوات السبع) أي بنيت (والأرضون السبع على قل هو الله أحد) أي لم تخلق إلا لتدل على توحيد الحق ومعرفة صفاته ومن أين لأحد من البشر أن يتخذ على مثالها أو ينسج على منوالها وقيل المراد أن التوحيد أصل لكل شيء في عالم الغيب والشهادة {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ولولا الوحدانية لما تكونت السماوات والأرض على هذا الوجه المحكم المتقن ولكانت فاسدة كبناء بغير أساس
<فائدة> قال العماد بن كثير في البداية والنهاية حكى ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن السماوات كرية مستديرة واستدل عليه بآية {وكل في فلك يسبحون} قال الحسن يدورون. قال ابن عباس: في فلكه مثل فلكة المغزل. قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق قال أمية بن أبي الصلت:
والشمس تبدو كل آخر ليلة. . . حمراء يصبح لونها يتوقد
وقال ابن حجر: حكى الإجماع على أن السماوات مستديرة جمع وأقاموا الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل <تنبيه> زعم التاج الفاكهي أن الأرض أفضل من السماء لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها قال النووي: والجمهور على أن السماء أفضل اه. وإليه ذهب الإمام الرازي وأيده بما منه أنه تعالى زينها بسبعة أشياء: النجوم والشمس والقمر والعرش والكرسي واللوح والقلم وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر مبدأها وغاية أمرها واستقصى استقصاء شديدا في كيفية حدوثها وبنائها وجعلها قبلة الدعاء فالأيدي ترفع اليها والوجوه تنصب نحوها وهي محل الصفاء والطهارة والعصمة والعباد المكرمين وهي مؤثرة والأرضين متأثرة والمؤثر أشرف من القابل للتأثير ومن ثم قدم ذكرها في أكثر الآيات قال ولونها أخضر فهو أوفق الألوان للبصر ومما يقويه كما قاله الأطباء لذلك أمر من به وجع العين أن ينظر إلى الورقة الخضراء وهي مستديرة والاستدارة أفضل الأشكال <فائدة> قال ابن عربي: السماوات ساكنة لا حراك فيها جعلها ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ولهذا سماها السقف المرفوع إلا أنه في كل سماء فلك وذلك الفلك هو الذي يدور له الحركة مع ثبوت السماء والكواكب تسبح في أفلاكها لكل صورة كوكب فلك فعدد الأفلاك بعدد الكواكب وأجرام السماوات أجرام شفافة وهي مسكن الملائكة والأفلاك لولا سباحات الكواكب ما ظهرت ولا تكونت
هي في السماوات كالطرق في الأرض حدثت بحدوث المواشي فيها ولولا المواشي ما ظهر طريق فهي أرض من حيث ذاتها [ص:507] طريق من حيث المواشي فيها فكذا وجود الأفلاك تظهرها سباحات الكواكب (تتمة) قال ابن حجر: أخرج الدارمي عن ابن عباس أن أفضل السماوات التي فيها العرش وسيد الأرضين التي نحن فيها
(تمام) في فوائده (عن أنس ابن مالك) وفيه موسى بن محمد الدمياطي البلعاري قال في الميزان: كذبه أبو زرعة وأبو حاتم قال الدارقطني وغيره: متروك. ثم أورد له أخبار هذا منها ومن ثم رمز لضعفه(1/506)
1021 - (أسعد الناس) أي أحظاهم (بشفاعتي) من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشقوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه والشفاعة الضم إلى آخره معاونا له وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى إلى الأدنى (يوم القيامة) يوم الجزاء الأعظم (من قال لا إله إلا الله) أي مع محمد رسول الله فجعل الجزاء من كلمة الشهادة شعارا لمجموعها فالمراد الكلمة بتمامها كما تقول قرأت {آلم ذلك الكتاب} أي السورة بتمامها والمراد من قال ذلك من إنس وجن وملك ولا ينافيه التقيد بالناس لأنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند الجمهور (خالصا) عن شوب شرك أو نفاق فالمراد بالقول النفساني لا الكلامي فقط أو ذكر تغليبا إذ الغالب أن من صدق بالقلب قال باللسان (مخلصا من قلبه) أو نفسه هكذا هو على الشك عند البخاري وقوله مخلصا تأكيد لخالصا فالمراد الإخلاص المؤكد البالغ غايته ويدل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد كما في {فإنه آثم قلبه} قال في الكشاف: لمن كان آثم مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناده الفعل إلى الجارحة التي يعمل فيها أبلغ ألا تراك إذا أردت التأكيد تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني وقوله من قلبه متعلق بمخلصا أو يقال والأولى كما قاله الكرماني الثاني ثم إن تعلق يقال فالظرف لغو وإلا فمستقر إذ تقديره ناشئا عن قلبه. قال البيضاوي. وأسعد بمعنى سعيد إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد أو المراد بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة ويستوجب به الخلاص من النار لأن احتياجه للشفاعة أكثر والشفاعة بها أوفر قال الكرماني: أفعل بمعنى فعيل يعني سعيد الناس كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان أو هو بمعناه الحقيقي المشهور والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة وقال ابن حجر: أراد بالشفاعة بعض أنواعها وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من إيمان أما العظمى فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة وهم من يدخل بغير حساب ثم الذين يلونهم وأشار بأسعد إلى اختلاف مراتبهم في السبق فهي على بابها لا بمعنى سعيد. والأولى أن يقال كل أحد يحصل له سعادة بسبب شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لاراحتهم من هول الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كأبي طالب ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار بعد دخولها وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب وفي بعضهم برفع الدرجات فاستبان الإشراك في السعادة بالشفاعة فإن أسعدهم بها المؤمن الخالص المخلص
(خ) في كتاب الإيمان (عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك: أي أقدم منك لما رأيت من حرصك على الحديث ثم ذكره(1/507)
1022 - (أسعد الناس) أي من أعظمهم سعادة (يوم القيامة) بعد الأنبياء والخلفاء الأربعة (العباس) كيف لا وهو أصل العز والشرف ورأس الدين والحسب وأقرب الناس نسبا من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمسهم به رحما وأوصلهم به نسبا وأدناهم من قرابة والآخذ له البيعة على أهل العقبة ليلتها والثابت معه بحنين إذ ولت المهاجرة والأنصار الأدبار
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب(1/507)
[ص:508] 1023 - (أسفر بصلاة الصبح) أي أخرها إلى الإسفار أي الإضاءة (حتى يرى القوم مواقع نبلهم) أي مواضع سهامهم إذا رموا بها فالباء للتعدية عند الحنفية وجعلها الشافعية للملابسة والمعنى ادخلوا في وقت الإضاءة متلبسين بصلاة الصبح بأن تمد يقال أسفر إذا دخل في ابيضاض النهار كما يقال أسحر إذا دخل في السحر ذكره في المغرب وفيه تقرير آخر يجيء فيما بعده
(الطيالسي) أبو داود (عن رافع بن خديج) الحارثي شهد أحدا ومات سنة أربع وسبعين عن ست وثمانين سنة ورواه الطبراني لكنه قال: نوروا وهو من رواية هرمز بن عبد الرحمن عن رافع بن خديج وقد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا ولعل المصنف اطلع على من لهما حيث رمز لحسنه(1/508)
1024 - (أسفروا) بهمزة قطع مفتوحة وفاء مكسورة (بالفجر) أي بصلاته (فإنه أعظم للأجر) أي أخرجوها إلى تحقق طلوع الفجر الثاني وإضاءته من سفر تبين وانكشف أو أسفروا بالخروج منها بأن تطيلوا القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين كذا قرره الشافعية مجيبين عن تمسك الحنفية به في ذهابهم إلى ندب التأخير إلى الإضاءة. قال ابن حجر: وفي التأويل ينظر لقوله في حديث الطبراني بسند ضعيف نوروا بصلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع سبلهم من الإسفار لكن يعارضه حديث الشيخين أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس فأخذ الشافعية بذلك لصحته وقول الطحاوي حديث الإسفار ناسخ لحديث الغلس: وهمه الحازمي وغيره بل الأمر بالعكس لخبر أبي داود: أنه صلى الصبح فأسفر ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى فارق الدنيا لم يعد إلى أن يسفر. رواته كلهم ثقات وخبر الإسفار مختلف في إسناده ومتنه كما في خلافيات البيهقي
(ت ن حب عن رافع) بن خديج واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح فمن نقل عنه تحسينه فقط كالمصنف في الأصل لم يصب غير أنك قد علمت توهين البيهقي له وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا ذينك وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الأربعة جميعا وذكر أن هذا الحديث متواتر وعزاه ابن حجر في الفتح إلى الأربعة وقال صححه غير واحد(1/508)
1025 - (أسلم) بفتح الهمزة وكسر اللام (ثم قاتل) قاله لرجل جاء مقنعا بالحديد يريد قتال الكفار وهو كافر فأسلم فقاتل فقتل فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا وسيجيء تعليله في خبر آخر بأنه لا يستعين بالمشركين
(خ عن البراء) بن عازب(1/508)
1026 - (أسلم) بضبط ما قبله (وإن كنت كارها) قاله لرجل وقال إني أجدني كارها للإسلام
(حم غ والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اه. رمز المصنف لحسنه(1/508)
1027 - (أسلم) بفتح الهمزة واللام: قبيلة من خزاعة وهو مبتدأ والخبر قوله (سالمها الله) وفي رواية: سلمها الله: أي صالحها من المسالمة وهي ترك الحرب أو معنى سلمها (وغفار) بكسر المعجمة والتخفيف: قبيلة من كنانة وهو مبتدأ والخبر قوله (غفر الله لها) خبر أراد به الدعاء أو هو خبر على بابه وخصها بالدعاء لأن غفارا أسلموا [ص:509] قديما وأسلم: سالموه عليه الصلاة والسلام (أما) بالتخفيف (والله ما أنا قلته) أي ما قلت ما ذكر من مناقب هاتين القبيلتين (ولكن الله قاله) وأمرني بتبليغه إليكم فاعرفوا إليهم حقهم وأنزلوا الناس منازلهم
(حم طب ك عن سلمة بن الأكوع م عن أبي هريرة) وفيه أنه ينبغي الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقال لأحمد أحمد الله عافيتك ولعلي علاك الله وهو من جناس الاشتقاق المستعذب المستحسن عندهم ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر ومنه قوله تعالى {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} قال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني خاصة: وفيه عندهما عمر بن راشد اليماني وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح(1/508)
1028 - (أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وتجيب) بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون التحتية وموحدة (أجابوا الله) بانقيادهم إلى دين الإسلام اختيارا. وتمامه عند مخرجه الطبراني فقال له - أي لرواية ابن سندر الآتي - يا أبا الأسود أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر تجيب فقال نعم قال ابن حجر: وهذه قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك وأسلم يفتح الهمزة واللام قبيلة منسوبة إلى أسلم بن أفضى بفتح الهمزة وسكون الفاء فمهملة مقصور ابن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ماري بن الأزد بطن من قحطان ومنهم خلق كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والشعراء وأما أسلم بن الحاف بن قضاعة وأسلم بن القيانة وأسلم بن بدول فالثلاثة بضم اللام وليسوا بمرادين هنا وغفار بكسر المعجمة وخفة الفاء وهو بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف ومزينة - بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية فنون - وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طانجة بن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وجهينة بالتصغير هم بنو جهينة بن زيد بن ليث قبيلة من قضاعة ينسب إليها خلق كثير من الصحابة والتابعين وتجيب بضم التاء وكسر الجيم فمثناة فموحدة هم ولد عدي وسعد ابن أشرس بن شيب بن السكن بطن من مذحج وهم خلق كثير وعامتهم بمضر منهم معاوية بن خديج والحاصل أن هذه الخمسة أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع قبائل من مضر أما مزينة وغفار وأشجع فاتفاقا وأما أسلم وجهينة فعلى الأرجح وعصية بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغرا ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخففتين امرؤ القيس وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم ذلك لأنهم عاهدوا فغدروا كما هو مذكور في غزوة بئر معونة. وحكى ابن السني أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا ليمحو عنهم ذلك العار وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم وهذا إن سلم يحمل على الغالب وفي هذا الحديث وما قبله من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لعذوبته وانسجامه وهو من الاتفاقيات اللطيفة
(طب عن عبد الرحمن بن سندر) أي الأسود الرومي أبي روح زنباع الجذامي قال الهيتمي: إسناده حسن اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه(1/509)
1029 - (أسلمت) أي دخلت في الإسلام (على ما) أي مع أو مستعليا على ما (أسفلت) وفي رواية بدله على ما سلف لك وفي رواية للبخاري على ما سلف أي على وجدان ثواب ما قدمته (من خير) أي على قبوله فتثاب عليه ويضاف لما تعمله في الإسلام فضلا منه تعالى وإن كان الكافر لا يصح عمله لفقد شرط النية أو المعنى أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادىء عنوان الغايات أو أن فعل ذلك أورثك طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام [ص:510] لما حصل لك من التدرب على فعل القرب فلم تحتج لمجاهدة جديدة بعد الإسلام والفضل للمتقدم ومن أطلق عدم إثابة الكافر فكلامه منزل على ما إذا لم يسلم وعلى الإثابة في الآخرة بل قد يثاب وإن لم يسلم لكن في الدنيا خاصة لخبر مسلم: إن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة
(حم ق عن حكيم بن حزام) قال قلت يا رسول الله صلى الله عليك وآلك وسلم أرأيت أشياء كنت بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل لي فيها من أجر؟ فذكره وبالوقوف على السبب يعرف أنه لا ظهور لزعم البعض أن معناه أسلمت ببركة ذلك الخير السابق(1/509)
1030 - (أسلمت عبد القيس) قبيلة مشهورة عظيمة من قبائل العرب ومضر في مقابلتهم ذكره القاضي (طوعا) أي دخلوا في الإسلام غير مكرهين (وأسلم الناس) أي أكثرهم (كرها) أي مكرهين خوفا من السيف (فبارك الله في عبد القيس) خبر بمعنى الدعاء أو هو على بابه وقد ظهر فلاحهم بعد ذلك وصلاحهم ببركة دعائه وفي خبر للطبراني أيضا أسلمت الملائكة طوعا وأسلمت عبد القيس طوعا وفيه أنه يصح إكراه الكافر على الإسلام ومحله في الحربي لا الذمي
(طب عن نافع العبدي) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قدم وفد عبد القيس ليأتين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام فذكره فقدم وفدهم أربعون رجلا فأضافهم وأكرمهم. رمز لضعفه(1/510)
1031 - (اسم الله الأعظم) قيل الأعظم بمعنى العظيم وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض وقيل هو للتفضيل لأن كل اسم فيه أكثر تعطيما لله فهو أعظم فالله أعظم من الرب فإنه لاشريك له في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها وأما الرب فيضاف للمخلوق (الذي إذا دعى به أجاب) بمعنى أنه يعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا يرد لكونه بين إحدى ثلاث: إعطاء المسؤول في الدنيا أو تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن (في ثلاث سور من القرآن: في البقرة وآل عمران وطه) قال أبو شامة: فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي آل عمران: الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي طه: وعنت الوجوه للحي القيوم كذا في الفردوس وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا أفردها المصنف وغيره بالتأليف: قال ابن حجر: وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وفي الحديث رد علي أبي الحسين بن سمعون في زعمه أن الاسم الأعظم سبعة وثلاثون حرفا من حروف المعجم نقله عنه في الملل والنحل
(هـ ك طب عن أبي أمامة) الباهلي وفيه هشام بن عمار مختلف فيه كما سبق(1/510)
1032 - (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين) وهما (وإلهكم إله واحد) خطاب عام أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له فصح أن يعبد ويسمى إلها (لا إله إلا هو) تقرير للوحدانية (الرحمن الرحيم) كالحجة عليها فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره (وفاتحة) سورة (آل عمران الم الله لا إله إلا هو الحي) الحياة الحقيقية التي لا موت معها (القيوم) الذي به قيام كل شيء وهو قائم على كل شيء. قال ابن عربي: وقد جعل أهل الله هو من ذكر خصوص الخصوص لأنها أعرف من اسم الله في أصل الوضع لأنها لا تدل إلا على الذات المضمرة من غير اشتقاق وإنما غلبوها على سائر المضمرات والإشارات نحو أنت وذا [ص:511] لكونها ضمير غيب فرأوا أن الحق لا يعلم فهو غيب مطلق من تعلق العلم بحقيقته فقالوا حقيقة هو ترجع إلى هويته التي لا يعلمها إلا هو قال أعني ابن عربي والرحمن الرحيم اسم مركب كبعلبك وقال حجة الإسلام في الجواهر: وهذا الخبر يشهد بأن الاسم الأعظم هو الحي القيوم وتحته سر مكنون اه وقال ابن عربي: الاسم الأعظم في آية الكرسي وأول آية آل عمران وجاء في خبر آخر أن أعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو قال القاضي: وذلك لأن شرف الآيات لشرف مدلولاتها ورفعة قدرها واشتمالها على الفوائد العظيمة والعوائد الخطيرة ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته وأشرف العلوم وأعلامها قدرا وأرفعها منارا وأبقاها ذخرا هو العلم الإلهي الباحث عن ذاته تقدس وصفاته الذاتية السلبية والثبوتية وما يدل عليها من صنائعه وأفعاله وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عليه لا مرد لحكمه ولا مانع من عذابه وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد من مفهومها وفحواها اشتمل على جملة ذلك مفصلا أو مجملا على طريقة التقدير والتحقيق لا على منهج الدعوى ومحض التقليد. ومن حيث أن اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن النظم والترتيب موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ وتتشعشع في معارضته فصاحة كل فصيح وفي الاشتغال بذلك خروج عن المقصود فمن أراد فليراجع كتب التفسير. اه. وقال الإمام الرازي في لوامع البينات منهم من قال الاسم الأعظم الحي القيوم ويدل عليه وجهان: أحدهما أن أبي بن كعب طلب من المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعلمه الاسم الأعظم فقال هو في قوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} قالوا وليس ذلك في قولنا: الله لا إله إلا هو لأن هذه الكلمة موجودة في آيات كثيرة فلما خص الاسم الأعظم بهاتين الآيتين علمنا أنه الحي القيوم. الثاني: أن الحي يدل على كونه سبحانه عالما متكلما قادرا سميعا بصيرا والقيوم يدل على أنه قائم بذاته مقوم لغيره ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد ففي هذين الاسمين من صفات العظمة والكبرياء والإلهية ما ليس في غيرهما وذلك يقتضي أنهما أعظم الأسماء وقال النابلسي في كفاية ذوي الألباب: إن الحي القيوم دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق وأن بني إسرائيل سألوا موسى الكليم عن الاسم الأعظم فأوحى الله إليه أن مرهم أن يدعوني بآهيا شراهيا ومعناه الحي القيوم. قال: وكان عيسى عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يحيي الموتى: قال يا حي يا قيوم
(حم د ت هـ عن أسماء) بفتح الهمزة (بنت يزيد) بن السكن أم سلمة الأنصارية صحابية جليلة تأخرت وفاتها. حسنة الترمذي ورمز المصنف لصحته مع أن فيه كما قال المناوي وغيره عبد الله بن أبي الزناد القداح فيه لين وقال أبو داود أحاديثه مناكير وضعفه ابن معين(1/510)
1033 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب في هذه الآية) من آل عمران هكذا هو في متن حديث الطبراني عن الحبر (قل اللهم مالك الملك) أي الذي لا يملك منه أحد شيئا غيره (الآية) بالنصب على إضمار اقرأ. قال ابن الهمام: وهو الوجه الظاهر لتبادره ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ أو خبر: أي المتلو وهو على تقدير إلى آخر الآية إذ العادة عند الفصحاء أنه إذا كانت الأية أو الحديث أو البيت محفوظا معروفا يذكر أوله ويقال الآية أو الحديث أو البيت اختصارا أي التي هي مستهلها أو مبدؤها فعلى العاقل المتأمل فيها إسلام الملك كله الذي منه شرف الدنيا لله ولذلك لم يكن المصطفى صلى الله عليه وسلم يتظاهر بالملك ولا يأخذ مأخذه وتبعه خلفاؤه فلبسوا الخلقات والمرقعات واقتصروا على شظف العيش. قال الطيبي: والفرق بين قوله: إذا سئل به أعطى وبين قوله: إذا دعى به أجاب: أن الثاني أبلغ فإن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب فتتضمن أيضا قضاء حاجته بخلاف السؤال فقد يكون مذموما ولذلك ذم السائل في كثير من الأحاديث ومدح المتعفف على أن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على [ص:512] السؤال
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه جسر بن فرقد وهو ضعيف وأقول فيه أيضأ محمد بن زكريا الغلابي أورده الذهبي في الضعفاء أيضا وقال وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي والنسائي والطبراني والدارقطني: ضعيف وأبو الجوزاء قال البخاري فيه نظر فتعصيب الهيتمي الجناية برأس جسر وحده لا يرتضى(1/511)
1034 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس بن متى) ابن جرير - الطبري الإمام المجتهد
(عن سعد) بن أبي وقاص(1/512)
1035 - (إسماع الأصم) أي إسماع الكلام للأصم (صدقة) عن المسمع أي يثاب على الصدقة
(خط في) كتاب (الجامع) في آداب الشيخ والسامع (عن سهل بن سعد) رمز المصنف لضعفه(1/512)
1036 - (أسمح أمتي جعفر) أي من أكثرهم جودا وأكرمهم نفسا جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين وكان يسمى بحر الجود فعوتب في ذلك فقال إن الله عودني بعادة وعودت الناس عادة فأخشى إن قطعتها قطعت عني وأخباره في الجود عجيبة؟ كيف لا وقد جاهد بنفسه في الله حتى قتل شهيدا يوم مؤتة والظاهر أنه المراد من أسمح فقد جاد الصديق بجميع ماله لله لكن جعفر زاد عليه بجوده بالحياة. قال الزمخشري: أسمح من أسمحت فروته أي نفسه إذا سهلت وانقادت. وعرف بعضهم السماح أخذا من كلام الغزالي بأنه بذل ما لا يجب بذله تفضلا أي بلا توقع مجازاة والمسامحة بأنها ترك ما لا يجب تركه تنزيها أي بلا توقع مجازاة كحط البائع بعض الثمن (المحاملي في أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة) رمز لضعفه ولم يقف له الديلمي على سند فبيض له(1/512)
1037 - (أسمح) أمر من السماح (يسمح لك) بالبناء للمفعول
والفاعل الله: أي عامل الخلق الذين هم عيال الله وعبيده بالمسامحة والمساهلة يعاملك سيدهم بمثله في الدنيا والآخرة. وفي الإنجيل: إن غفرتم للناس خطاياهم غفر لكم أبوكم السماوي خطاياكم وإن لم تغفروا للناس خطاياهم لم يغفر لكم وفيه لا تحبوا الحكم على أحد لئلا يحكم عليكم اغفروا يغفر لكم أعطوا تعطوا وقال بعض الحكماء: أحسن إن أحببت أن يحسن إليك ومن قل وفاؤه كثر أعداؤه. وهذا من الإحسان المأمور به في القرآن المتعلق بالمعاملات وهو حث على المساهلة في المعاملة وحسن الانقياد وهو من سخاوة الطبع وحقارة الدنيا في القلب فمن لم يجده من طبعه فليتخلق به فعسى أن يسمح له الحق بما قصر فيه من طاعته وعسر عليه في الانقياد إليه في معاملته إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته
(طب هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وقال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وقال تلميذه الهيتمي: رواه أحمد عن شيخه مهدي بن جعفر الرملي وقد وثقه غير واحد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر: فيه مهدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح اه فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير وإيهام(1/512)
1038 - (اسمحوا يسمح لكم) أي يسمح الله لكم في الدنيا بالإنعام وفي العقبى بعدم المناقشة في الحساب وغير ذلك ولا يخفى كمال السماح على ذي لب فجمع بهذا اللفظ الموجز المضبوط بضابط العقل الذي أقامه الحق حجة على الخلق ما لا يكاد [ص:513] يحصى من المصالح والمطالب العالية وما ذكر من أن الرواية: يسمح لكم: باللام هو ما في نسخ لا تكاد تحصى ثم رأيت المصنف كتب بخطه في نسخته من هذا الكتاب بكم بباء موحدة وضبطها
(عب عن عطاء مرسلا) عطاء في التابعين المرسلين جماعة فكان ينبغي تمييزه(1/512)
1039 - (اسمعوا) أي استمعوا كلام من تجب طاعته من ولاة أموركم وجوبا (وأطيعوا) أمرهم وجوبا فيما لا معصية فيه لأنهم نواب الشرع (فإن قلت) ذكر الأمر بالطاعة كاف فما فائدة الأمر بالسمع معه (قلت) فائدته وجوب استماع كلامه ليتمكن بالإصغاء إليه من طاعة أمره على الوجه الأكمل ولذلك أمر بالإنصات عند تلاوة القرآن وفي خطبة الجمعة ونهى عن رفع الصوت على صوت صاحب الشرع ليفهم كلامه ويتدبر ما في طيه ويطاع أمره جملة وتفصيلا (وإن استعمل) بالبناء للمجهول (عليكم عبد) أعرب بالرفع نائب الفاعل (حبشي) أي وإن استعمله الإمام الأعظم أميرا إمارة خاصة أو عامة ليس من شرطها الحرية وإرادة العتيق فسماه عبدا باعتبار ما كان والمراد اسمعوا ولو لحبشي سواء كان ذلك الحبشي مفتونا أو مبتدعا كما اقتضاه تبويب البخاري عليه بباب إمامة المفتون والمبتدع ثم زاد في المبالغة بوصف العبد بقوله (كأن رأسه زبيبة) بزاي مفتوحة حبة عنب سوداء: حالا أو صفة لعبد: أي مشبها رأسه بالزبيبة في السواد والحقارة وقباحة الصورة أو في الصغر يعني وإن كان صغير الجثة حتى كأن رأسه زبيبة وقد يضرب المثل بما لا يكاد يوجد تحقيرا لشأن الممثل والمراد وشعر رأسه مقطقط إشارة إلى بشاعة صورته وأجمعوا على عدم صحة تولية العبد الإمامة لكن لو تغلب عبد بالشوكة وجبت طاعته خوف الفتنة. وفي رواية بدل كان إلخ مجدع الأطراف: أي مقطوع الأعضاء والتشديد للتنكير ذكره ابن الأثير. وهذا حث على السمع والطاعة للإمام ولو جائرا. وذلك لما يترتب عليه من اجتماع الكلمة وعز الإسلام وقمع العدو وإقامة الحدود وغير ذلك وفيه التسوية في وجوب الطاعة بين ما يشق على النفس وغيره وقد بين ذلك في رواية بقوله فيما أحب وكره
ووجوب الاستماع لكل من تجب طاعته كالزوج والسيد والوالد واستدل به على أن الإمام إذا أمر بعض رعيته بالقيام ببعض الحرف والصنائع من زراعة وتجارة وعمل أنه يتعين على من عينه لذلك وينتقل من فرض الكفاية إلى فرض العين عليه بتعيين الإمام. قال جدنا الأعلى من جهة الأم الزين العراقي حتى قاله بعض شيوخنا في الفلاحين المفردين لزراعة البلدان أنه أمر شرعي بتقرير الإمام ذلك عليم. نعم إن تعدى عليهم وألزموا بما لا يلزمهم من إيجار الأرض بغير رضاهم لم يجر لكن يكونون كالعمال يعملون ويستحقون أجر المثل
(حم خ) في الصلاة وفي الأحكام (هـ عن أنس) بن مالك ورواه عن أنس أيضا البخاري بلفظ: اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة. وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد رواه مسلم من حديث أم حصين(1/513)
1040 - (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) قال الطيبي: أسوأ مبتدأ والذي: خبره على حذف مضاف: أي سرقة الذي يسرق
ويجوز أن تكون السرقة جمع سارق كفاجر وفجرة. اه. قالوا وكيف يسرق منها يا رسول الله؟ قال (لا يتم) وفي رواية الذي لا يتم (ركوعها ولا سجودها) وأعاد - لا - في السجود دفعا لتوهم الاكتفاء بالطمأنينة في أحدهما (ولا خشوعها) الذي هو روح الصلاة بأن لم يستحضر عظمة الله. قال الطيبي: جعل جنس السرقة نوعين: متعارفا وغير متعارف وهو ما ينقص من الطمأنينة والخشوع ثم جعل غير المتعارف أسوأ من المتعارف ووجه كونه أسوأ أن السارق إذا وجد مال الغير قد ينتفع به في الدنيا ويستحل صاحبه أو يحد فينجو من عذاب الآخرة [ص:514] بخلاف هذا فإنه سرق حق نفسه من الثواب وأبدل منه العقاب في العقبى. قال الحراني: وأكثر ما يفسد صلاة العامة تهاونهم بعلم الطمأنينة والعمل بها في أركان الصلاة وأصلها سكون على عمل لركن من ركوع أو سجود أو جلوس زمنا ما وإجماع من النفس على البقاء على تلك الحالة ليوافق بذلك المقدار من الزمان حال الداعين في آحاد تلك الأحوال من الملائكة الصافين وفيه أن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وأجله في الفرض وكذا في النفل عند الشافعي فعده ركنا وأن الخشوع واجب وبه قال الغزالي منهم فعده شرطا لكن المفتى به عندهم خلافه (نكتة) صلى رجل صلاة ولم يتم أركانها وقال اللهم زوجني الحور العين فقال له أعرابي: بئس الخاطب أنت: أعظمت الخطبة وأسأت النقد
(حم ك) وصحح إسناده (عن أبي قتادة) الأنصاري أبو داود (الطيالسي حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي فيه علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به. وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الذهبي في الكبائر: إسناده صالح. وقال المنذري: رواه الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مغفل بإسناد جيد لكنه قال في أوله: أسرق الناس وهذا الحديث أخرجه في الموطأ فكان ينبغي للمؤلف أن يضمه لهؤلاء في العزو جريا على عادته فإن دأبه أن الحديث إذا كان فيه مالك بدأ يعترف له مقدما على الشيخين ولفظ مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟ قال: وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق من صلاته قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم إلخ(1/513)
1041 - (أشبه ما رأيت بجبريل) اسم سرياني معناه عبد الله (دحية) بفتح المهملة وكسرها: ابن خليفة بن فروة (الكلبي) بفتح فسكون: صحابي جليل مشهور أي أقرب الناس شبها إذا تصور بصورة إنسان هو. قال الزمخشري: دحية رئيس الجند وبه سمى دحية الكلبي وكأنه من دحاه يدحوه إذا بسطه ومهده فإن الرئيس له التمهيد والبسطة وقلب الواو ياء فيه نظير قلبها في قنية. قال أبو حاتم عن الأصمعي بفتح داله ولا تكسر ولعله من تغيرات الأعلام كالحجاج على الإمالة. إلى هنا كلامه. وكان جبريل يأتيه على صورته بغير أجنحة وهو خلاف صورته التي خلق عليها وهو إذ ذاك جبريل. قال تعالى {نزل به الروح الأمين} فالنازل بالوحي جبريل. والصورة صورة دحية فجبريل هو جبريل والصورة غيره وإن كان الملك فيها. ذكره الكلاباذي واحتج به الحلولية والاتحادية على زعمهم الفاسد من جهة أنه روحاني وقد خلع صورة الروحانية وظهر بمظهر البشرية فكان يظهر بصورة دحية فيعلمه النبي ملكا ويظنه الناس بشرا قالوا فإذا قدر على ذلك وهو مخلوق فالله أقدر على الظهور في صورة الوجود الكلي أو بعضه وأجيب بأن جبريل جسم نوراني لطيف فقبلت ذاته التشكل والانخلاع من طور إلى طور والله منزه عن الجسمية ولوازمها وكونه يرى ولا يرى وأقرب من حبل الوريد وبين المصلي وقبلته لا يدل لكونه ماهية إذ القرب والبينية أمر معنوي لا حسي
(ابن سعد) واسمه يحيى في الطبقات (عن ابن شهاب) كذا هو بخط المصنف فما في نسخ شهاب لا أصل له وهو الزهري(1/514)
1042 - (اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك) أي من تسمى بذلك ودعي به وإن لم يعتقده فإنه (لا ملك) في الحقيقة (إلا الله) وغيره وإن سمى ملكا أو مالكا فإنما هو بطريق التجوز وإنما اشتد غضبه عليه لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته فهو حقيق بأن يمقته عليه فيهينه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تجت أقدام خلقه لجرأته وعدم حياته في تشبهه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له فهو ملك الملوك وحده حاكم الحكام وحده فهو الذي [ص:515] يحكم عليهم كلهم لاغيره (خاتمة) لما أمر الخليفة في القرن الخامس أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه ملك الملوك وخطب له بذلك أفتى بعض الفقهاء بالمنع وتبعهم العوام ورموا بالآجر الخطباء. وأفتى القاضي أبو الطيب الشافعي والصيمري الحنفي بالجواز إذ معناه ملك ملوك الأرض وأفتى الماوردي بالمنع وكان من خواص أصحاب جلال الدولة فانقطع عنه فطلبه الجلال فمضى إليه على وجل شديد فقال له أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني وما حملك على ذلك إلا الدين فزاد بذلك محله عنده ولم يعش جلال الدولة بعد هذا إلا أشهرا قليلة
(تتمة) قال القرطبي: مما يجري هذا المجرى في المنع نعتهم أنفسهم بالنعوت المقتضية للتزكية: كزكي الدين ومحيي الدين لكن لما كثرت قبائح المسمين بها ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا من أصل موضوعاتها
(حم ق عن أبي هريرة الحارث عن ابن عباس)(1/514)
1043 - (اشتد غضب الله على الزناة) لتعريضهم لإفساد الحكمة الإلهية باختلاط المياه والجهل بالأنساب والزنا يفسد القلب ويفسد توحيده وأحظى الناس به أكثرهم شركا لأن عشق الصورة المحرمة نوع تعبد لها بل هو من أعلى أنواع التعبد لاسيما إذا استولى على القلب وتمكن منه فيصير العاشق عابدا لمعشوقه ساعيا في مرضاته مؤثرا محابه على حب الله والسعي في مرضاته حتى ينفق في مرضاته ما لا ينفق في رضا ربه ويتجنب من سخطه مالا يتجنب من سخط الله فلذلك كان بغيضا لله ومن ثم لم يبح في ملة من الملل
(أبو سعيد الجرباذقاني) بفتح الجيم وسكون الراء وخفة الموحدة وبعد الألف ذال معجمة مفتوحة وقاف مخففة وآخره نون: نسبة لبلدة بين جرجان واستراباذان وبين أصبهان والكرخ (في جزئه) المشهور (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حيان (في عواليه) أي الأحاديث التي وقعت له بعلوه عن أقرانه (فر) كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه بقية وحاله مشهور عن عباد بن كثير فإن كان الثقفي فقد تركوه أو الرملي فضعفوه كما سبق وعمران القصير عن أنس قال الذهبي في الضعفاء فقد روي عن أنس حديث الطيرة ومن ثم رمز المصنف لضعفه(1/515)
1044 - (اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم ولدا ليس منهم يطلع على عوراتهم ويشركهم في أموالهم) المراد أنها حملت من زنا أو نحوه فأتت بولد فنسبته لصاحب الفراش فصار ولده في الظاهر يطلع على باطن أمره ويعوله ما دام حيا ويرثه إذا مات وإنما اشتد غضبه عليها لأن هذه الخيانة منها تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله بين الناس لتمام مصالحهم وعده من جملة نعمه عليهم
فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فهي جديرة بغضب رب الأرباب <تنبيه> قال الإمام الرازي: يصح وصفه تعالى بالغضب وأن غضبه يتزايد ويكثر فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة كغضبه على من كفر بخصال كثيرة
(البزار) وكذا الطبراني في الأوسط وكأن المصنف ذهل عنه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وفيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف وأما المصنف فرمز لحسنه(1/515)
1045 - (اشتد غضب الله على من) أي إنسان (آذاني في عترتي) بوجه من وجوه الإيذاء كسب أو لعن أو طعن في نسب أو تعرض لنقصهم أو جفاء لبعضهم. والعترة بكسر العين وسكون الفوقية: نسل الرجل وأقاربه. وعشيرته الأدنون [ص:516] وأخرج المحب الطبري في كتاب ذخائر العقبى من حديث علي بن موسى الرضي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا: اشتد غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من أهرق دم نبي أو آذاه في عترته اه. قال المحب: وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي
(فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو إسرائيل الملائي. قال الذهبي ضعفوه ومن ثم رمز لضعفه(1/515)
1046 - (اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غير الله) فإن ظلمه أقبح من ظلم من له حمية أو شوكة أو ملجأ من الخلائق يعتمد عليه ويفزع في مهماته إليه
(فر) من جهة شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي أمير المؤمنين قال السخاوي: والأعور كذاب أه وأقول أيضا فيه مسعر الهندي قال في الميزان: لا أعرفه(1/516)
1047 - (اشتدي أزمة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وخفة الميم (تنفرجي) يعني ياأزمة وهي سنة القحط: أي ابلغي النهاية في الشدة حتى تنفرجي فإن الشدة إذا تناهت انفرجت بشهادة الاستقراء فليس المراد حقيقة أمر الشدة بالاشتداد بل طلب الفرج {إن مع العسر يسرا} وناداها إقامة للسبب مقام المسبب وفيه نوع تسلية وتأنيس بأن الشدة المتناهية نوع من النعمة لما يترتب عليها. ومن كلام العرب: الشدة إذا تناهت انفرجت. وفيه مخاطبة من لا يعقل تنزيلا له منزلة العاقل بنحو {يا أرض ابلعي ماءك} وأما ما في حاشية أسد الغابة لمغلطاي عن الذيل أن أصل هذا المثل أن امرأة اسمها أزمة أخذها الطلق فقيل لها ذلك: فرد بأنه ليس فيه وأنه لا أصل له (القضاعي) وكذا العسكري في الأمالي
(فر) كلهم من حديث أمية بن خالد عن الحسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده (عن علي) أمير المؤمنين قال في الميزان والحسين كذبه مالك وأبو حاتم وتركه أبو زرعة وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ثم ساق من مناكيره هذا الحديث وفي اللسان عن التاريخ الأوسط للبخاري تركه علي وأحمد وقال ابن أبي أويس كان يتهم بالزندقة وقال النسائي لا يكتب حديثه وقال ابن الجارود كذاب ومن ثم رمز لضعفه(1/516)
1048 - (اشتروا الرقيق) أمر إرشاد (وشاركوهم في أرزاقهم) بمخارجتهم وضرب الخراج عليهم وإخدامهم لغيركم بالأجرة ونحو ذلك والرق عجز حكمي بقوم بالإنسان بسبب الكفر (وإياكم والزنج) بفتح الزاي وتكسر: أي احذروا شراءهم (فإنهم قصيرة أعمارهم قليلة أرزاقهم) وهو جيل من السودان مسكنهم تحت خط الاستواء جنوبية ولا عمارة وراءهم (قيل) وتمتد بلادهم إلى قرب الحبشة وبعضهم على نيل مصر وإنما كانوا كذلك لأن الأسود إنما هو لبطنه وفرجه كما في خبر سيجيء وإن جاع سرق وإن شبع فسق كما في خبر وهذه الأوصاف تمحق البركة من العمر والرزق كما هو بين
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه من لم أعرفه ومن ثم رمز لضعفه(1/516)
1049 - (أشد الناس) أي من أشدهم (عذابا للناس في الدنيا) أي بغير حق (أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة) فكما تدين تدان. وفي الإنجيل: بالكيل الذي تكتال به يكال لك. وقضيته أن لا يكون في النار أحد يزيد [ص:517] عذابه عليه. ويعارضه الأخبار الآتية عقبه وآية {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وأجيب بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل نوع بل من يشاركهم في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد الناس الزاعمين للإلهية عذابا ومن يقتدى به في ضلالة كفر أشد عذابا ممن يقتدى به في ضلالة بدعة والإمام الجائر الذي ولايته محيطة أشد عذابا من حاكم بلدة أو قاضيها. ومن صور صورة تعبد - كما كانت تفعل الجاهلية وكما يفعل النصارى - أشد عذابا ممن صورها لغير ذلك كالزينة. وهكذا ذكره القرطبي وغيره. وقوله عند الله: يجوز كونه تلويحا إلى معنى الاستحقاق: يعني أنه أشد من يستحق العذاب عنده لكنه في محل العفو. ذكره بعض الكاملين
(حم هب عن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي سيف الله من كبار الصحابة وأشرافهم أسلم بين الحديبية والفتح وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح (ك عن عياض) بكسر العين المهملة وفتح المثناة التحتية المخففة (ابن غنيم) بفتح المعجمة وسمون النون ابن زهير بن أبي شداد بن ربيعة الفهري قريب أبي عبيدة وابن امرأته والذي افتتح الجزيرة وجاز درب الروم غازيا وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك (وهشام بن حكيم) بن حزام الأسدي أسلم يوم الفتح ومات قبل أبيه. قال الزاهدي: ووهم ابن منده حيث قال هو هشام بن حكيم المخزومي(1/516)
1050 - (أشد الناس يوم القيامة عذابا) قد علم وجه التلفيق بينه وبين ما قبله وما بعده وبين قوله {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وجمع أيضا بأنه ليس في الآية ما يقتضي أن آل فرعون يختص بأشد العذاب بل هم في العذاب الأشد مع غيرهم وبأن المعنى من أشدهم وإلا فإبليس أشد عذابا من هؤلاء ومن غيرهم وكذا قابيل ومن قتل نبيا أو قتله نبي ونحو ذلك (إمام) أي خليفة أو سلطان ومثله القاضي (جائر) لأن الله ائتمنه على عباده وأمواله ليحفظها ويراقب أمره في صرفها في وجوهها ووضع كل شيء في محله فإذا تعدى في شيء من ذلك فهو خليق بأن يشتد الغضب عليه ويحاسب أشد الحساب ثم يعاقب أفظع العقاب
قال سقراط: ينبوع فرج العالم الإمام العادل وينبوع خرابهم الملك الجائر
وقد أفاد هذا الوعيد أن جور الإمام من الكبائر
(ع طس حل عن أبي سعيد) الخدري. رمز المصنف لحسنه ولم يصححه لأن فيه محمد بن جحادة. قال الذهبي في الضعفاء كان يغلو في التشيع. وقال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني فيه عطية وهو متروك
وقد ورد بسند صحيح بأتم من هذا. وروى أحمد والبزار من حديث ابن مسعود موقوفا: أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي وإمام جائر. قال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح
فلو آثر المؤلف هذه الرواية كان أولى(1/517)
1051 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرى) بضم فكسر ويجوز فتح أوله: أي وثانيه (الناس) مفعول على الأول وفاعل على الثاني (أن فيه خيرا ولا خير فيه) في باطن الأمر. فلما تخلق بأخلاق الأخيار وهو في الباطن من الفجار: جوزي بتشديد العذاب عليه يوم القرار ومن ذلك ما لو أظهر العبادة رياء للناظرين وتصنعا للمخلوقين حتى يستعطف به القلوب النافرة ويخدع به العقول الواهية فيتبهرج بالصلحاء وليس منهم ويتدلس بالأخبار وهو ضدهم. والأشدية في هذا الخبر وما قبله بمعنى من كما تقرر
(أبو عبد الرحمن السلمي) محمد بن الحسين الصوفي (في الأربعين) أي في الأحاديث الأربعين التي جمعها للصوفية (فر) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الربيع بن بدر. قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره متروك ومن ثم رمز لضعفه(1/517)
[ص:518] 1052 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) أي يشبهون عملهم التصوير بخلق الله من ذوات الأرواح فمن صور الحيوان ليعبد أو قصد به المضاهاة لخلق ربه واعتقد ذلك فهو أشد الناس عذابا لكفره ومن لم يقصد ذلك فهو فاسق فتصوير الحيوان كبيرة ولو على ما يمتهن كثوب وبساط ونقد وإناء وحائط. ولا يحرم تصوير غير ذي روح ولا ذي روح لامثل له كفرس أو إنسان بجناحين. ويستثنى من تحريم التصوير لعب البنات لهن فيجوز عند المالكية والشافعية لورود الترخيص فيه وشذ بعضهم فمنعها ورأى أن حلها منسوخ بهذا الخبر ونحوه وهو كما قال القرطبي ممنوع منه مطالب بتحقيق التعارض والتاريخ <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة حرمة التصوير
(حم ق ن عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكة وتلون وجهه ثم ذكره(1/518)
1053 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه) لأن عصيانه عن علم ولذا كان المنافقون في الدرك الأسفل لكونهم جحدوا بعد العلم وكان اليهود شرا من النصارى لكونهم أنكروا بعد المعرفة. قال عبد الحق: ومفهوم الحديث أن أعظمهم ثوابا عالم ينفعه علمه. قال الغزالي: فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد فمن لم ينفعه علمه لا ينجو منه رأسا برأس. هيهات فخطره عظيم وطالبه طالب النعيم المؤبد أو العذاب السرمد لا ينفك عن الملك أو الهلك فهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم تتفق له الإصابة لم يطمع في السلامة أه. وزعم بعض الصوفية أنه إنما كان أشد الناس عذابا لأن عذابه مضاعف فوق عذاب مفارقة الجسد بقطعه عن اللذات الحسية المألوفة وعدم وصوله إلى ما هو أكمل منها لعدم انفتاح عين بصيرته مع عذاب الحجيم عن مشاهدة الحق تعالى فعذاب الحجاب إنما يحصل للعلماء الذين تنبهوا للذة لقاء الله في الجملة ولم يتوجهوا إلى تحصيل ذلك واتبعوا الشهوات الحسية المانعة لذلك وأما غيرهم فلا يعذب هذا العذاب الحجابي الذي هو أعظم من عذاب الجحيم لعدم تصورهم له بالكلية وعدم ذوقهم له رأسا
(طس عد هب عن أبي هريرة) وضعفه المنذري قال ابن حجر: غريب الإسناد والمتن. وجزم الزين العراقي بأن سنده ضعيف. أه. وسببه أن فيه عثمان بن مقسم. قال الذهبي في الضعفاء كذبه غير واحد وأورد الحديث في الميزان في ترجمة عثمان وقال عن الجوزجاني كذاب وعن غيره متروك. وعن ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه إسنادا ومتنا لكن للحديث أصل أصيل فقد روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي والمصورون وعالم لا ينتفع بعلمه فلو عزاه المؤلف إليه كان أحسن(1/518)
1054 - (أشد الناس بلاء) أي محنة. ويطلق على المنحة لكن المراد هنا بقرينة السياق المحنة فإن أصله الاختبار لكن لما كان اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمحنة وتارة بالمنحة أطلق عليهما (الأنبياء) المراد بهم ما يشمل الرسل وذلك لتتضاعف أجورهم وتتكامل فضائلهم ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم ولئلا يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم (ثم الأمثل فالأمثل) أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى لأن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه أشد ولهذا ضوعف حد الحر على العبد فهم معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع} وقال بعضهم جعل مقام المبتلى يلي مقام النبوة ولم يفصل بين [ص:519] بلاء الأبدان وبلاء الأعراض. فيشمل كل ما يتأذى به الإنسان. قال الطيبي: وثم للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلا من الأعلى إلى الأسفل. وقوله (يبتلى الرجل) بيان للجملة الأولى والتعريف في الأمثل للجنس وفي الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية (على حسب دينه) أي بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه وضعف ذلك (فإن كان في دينه صلبا) أي قويا (اشتد بلاؤه) أي عظم للغاية (وإن كان في دينه رقة) أي ضعف ولين (ابتلي على قدر دينه) أي ببلاء هين لين والبلاء في مقابلة النعمة كما مر ومن ثم قيل لأمهات المؤمنين {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا} (فما يبرح البلاء بالعبد) أي الإنسان (حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) كناية عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوسا فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى. ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحيى بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير وابن جبير وقد ضرب أبو حنيفة وحبس ومات بالسجن. وجرد مالك وضرب بالسياط وجذبت يده حتى انخلعت من كتفه. وضرب أحمد حتى أغمي عليه وقطع من لحمه وهو حي وأمر بصلب سفيان فاختفى ومات البويطي مسجونا في قيوده ونفي البخاري من بلده إلى غير ذلك مما يطول
(حم خ ت هـ) وكذا النسائي (عن سعد) بن أبي وقاص وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس قيل ولم يوجد فيه(1/518)
1055 - (أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي) ولهذا قيل في حديث آخر: إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم. وسر ذلك قال الحراني إن من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص من الشوائب ويصفو عن الكدر إلا بعد معاناة شديدة. ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلص عن غش ما ولا يعرى عن مخالطة الدنس بالكلية إلا بالإمتحان بشدة النيران؟ قال القرطبي: أحب الله أن يبتلي أصفياءه تكملا لفضائلهم ورفعة لدرجاتهم عنده وليس ذلك نقصا في حقهم ولا عذابا. بل كمال رفعة مع رضاهم بجميل ما يجريه الله عليم وقال الجيلاني: إنما كان الحق يديم على أصفيائه البلايا والمحن ليكونوا دائما بقلوبهم في حضرته لا يغفلوا عنه لأنه يحبهم ويحبونه فلا يختارون الرخاء لأنه فيه بعدا عن محبوبهم وأما البلاء فقيد للنفوس يمنعها من الميل لغير المطلوب فإذا دام ذابت الأهوية وانكسرت القلوب فوجدوا الله أقرب إليهم من حبل الوريد كما قال تعالى في بعض الكتب الإلهية: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي: أي على الكشف منهم والشهود وإلا فهو عند كل عبد انكسر قلبه أم لا
(تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي عن بعضهم رمز المصنف لحسنه(1/519)
1056 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من؟ قال (ثم الصالحون) أي القائمون بما عليهم من حقوق الحق والخلق قالوا ثم من؟ قال (ثم الأمثل فالأمثل) قال الراغب: الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم كناية عن خيارهم. وقال الأمثل أفعل من التماثل والجمع أماثل وهم الفضلاء قال ابن عطاء الله: خرجت زوجة القرشي من عنده وهو وحده فسمعت رجلا يكلمه ثم انقطع كلامه فدخلت عليه. فقالت ما عندك أحد والآن سمعت كلاما عندك. قال: الخضر أتاني بزيتونة من أرض نجد فقال كل هذه ففيها شفاؤك. قلت اذهب [ص:520] أنت وزيتونتك لا حاجة لي فيها وكان به داء الجذام <تنبيه> قال ابن عربي: هنا مسألة يجب بيانها: إن الله أحب أنبياءه وأولياءه والمحب لا يؤلم محبوبه. ولا أحد أشد ألما ولا بلاء منهم فمن أين استحقوا هذا مع كونهم محبوبين؟ قلنا إن الله قال {يحبهم ويحبونه} والبلاء لا يكون أبدا إلا مع الدعوى فمن ادعى فعليه الدليل على صدق دعواه فولا الدعوى ما وقع البلاء ولما أحب الله من عباده من أحب رزقهم محبته من حيث لا يعلمون فوجدوا في نفوسهم حبه فادعوه فابتلاهم من حيث كونهم محبوبين فإنعامه دليل على صدق محبته فيهم وابتلاهم لما ادعوه من صدق حبهم إياه. فافهم. قال الطيبي: وثم فيه للتراخي والفاء للتعاقب على التوالي كما سبق وإنما ألحق الصالحون بالأنبياء لقربهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم وسره أن البلاء في مقابل النعمة فمن كانت نعمة الله عليهم أكثر كان بلاؤهم عليه أشد ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد وفيه دليل على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به لكن كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان البلاء ومنهم من ينظر إلى أهل البلاء فيهون عليه وأعلى منه من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض وأرفع منه من يشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يلتذ به
(طب عن أخت حذيفة) بن اليماني فاطمة أو خولة رمز المصنف لحسنه(1/519)
1057 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم الصالحون) لأن أعظم البلاء سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها ومن أحب شيئا شغل به والمكروه مهروب منه ومن هرب من شيء أدبر عنه والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في العاجل ليرفع درجتهم في الأجل (لقد) بلام التأكيد (كان أحدهم يبتلى بالفقر) الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم المرافق (حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها) بجيم وواو فموحدة: أي يخرقها ويقطعها وكل شيء قطع وسطه فهو مجبوب (فيلبسها) ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه علما منه بأن المال ظل زائل وعارية مسترجعة وليس في كثرته فضيلة ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه لرسالته واجتباه لوحيه وقد كان أكثر الأنبياء مع ما خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه فقراء لا يجدون بلغة ولا يقدرون على شيء حتى صاروا في الفقر مثلا. قال البحتري:
فقر كفقر الأنبياء وغربة. . . وصبابة ليس البلاء بواحد
(ويبتلى بالقمل) فيأكل من بدنه (حتى يقتله) حقيقة أو مبالغة عن شدة الضنا ومزيد النحول والأذى (ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) لأن المعرفة كلما قويت بالمبتلى هان عليه البلاء وكلما نظر إلى الأجر الناشىء عنه سهل فلا يسألون رفعة بل يحصل الترقي لبعضهم حتى يتلذذ بالضراء فوق تلذذ أحدنا بالسراء ويعد عدمه مصيبة. وفي تاريخ ابن عساكر: سبب قطع العارف أبي الخير المغربي الأقطع أنه عاهد الله أن لا يتناول لشهوة نفسه شيئا يشتهى فرأى يوما كمام شجرة زعرور فأعجبته فقطع غصنا فذكر عهده فترك فرآه صاحب الشرطة فظنه لصا فقطعه فكان يقول قطعت عضوا فقطعت مني عضوا
(هـ ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(1/520)
1058 - (أشد الناس حسرة) أي تلهفا (يوم القيامة: رجل أمكنه طلب العلم) الشرعي (فلم يطلبه) لما يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين ومزيد رفعه لدرجاتهم ولأن المصالح قسمان: روحانية وجسمانية وأشرف المصالح [ص:521] الروحانية العلم الذي هو غذاء للروح كالغذاء للبدن وأشرف المصالح الجسمانية تعديل المزاج وتسوية البنية فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من هذا العالم اشتدت ندامته وتضاعفت حسرته حيث آثر تعديل الفاني وأهمل معاناة النافع الباقي قال الماوردي: ربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة وشغله بالاكتساب ولا يكون ذلك إلا لذي شره رغيب وشهوة مستعبدة. فينبغي أن يصرف للعلم حظا من زمانه فليس كل الزمن زمن اكتساب ولا بد للمكتسب من أوقات راحة وأيام عطلة ومن صرف كل نفس منه إلى الكسب حتى لم يترك له فراغا لغيره فهو من عبيد الدنيا وأسراء الحرص وربما منعه من العلم ما يظنه من صعوبته وبعد غايته ومخافة من قلة ذهنه وبعد فطنته. وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخشية أولي العجز. لأن الإخبار قبل الاختبار جهل. والخشية قبل الابتلاء عجز (ورجل علم علما فانتفع به من سمعه منه دونه) لكون من سمعه عمل به ففاز بسببه وهلك هو بعدم العمل به. والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيرا وإهمالا ومن علم ولم يعمل أو وعظ ولم يتعظ فمن سوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعل فعل الجاهل بالشرع والأحمق الخالي عن العقل <تنبيه> خرج بكونه أمكنه طلب العلم: ما إذا لم يمكنه لنحو بلادة خلقية فإنه معذور ولهذا قال حكيم: صقلك سيفا ليس له جوهر من سنخه خطأ وحملك الصعب المشق على الرياضة غباوة. قال أبو تمام:
السيف ما لم يكن منه مصاقلة. . . من سنخه لم ينتفع بصقالي
(ابن عساكر عن أنس) بن مالك وقال إنه منكر(1/520)
1059 - (أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم) بالتحريك (مع الساعة) أي مع قيامها ولذلك حذر منهم وأمر بمتاركتهم في الحديث الماضي بقوله اتركوا الترك ما تركوكم ثم هذا إخبار عن غيب وقع ولما يرى من إذلال الروم للعرب واستيلائهم على الربع المعمور وهذا علم من أعلام نبوته وهو غلبة الروم على أقطار الأرض شرقا وغربا ما بين مسلم وكافر والخطاب للعرب خاصة أو لجميع أمة الاجابة والأول أقرب
(حم عن المستورد) ابن شداد بن عمرو القرشي الصحابي ترك الكوفة ثم مصر. رمز المصنف لحسنه(1/521)
1060 - (أشد أمتي لي حبا) تمييز لنسبة أشد (قوم يكونون بعدي يود أحدهم) بيان لشدة حبهم له على طريق الاستئناف (أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) حكاية لودادهم مع إفادة معنى التمني وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب. وقد وقع والكلام فيمن لم يتأهل لرتبة الاجتماع به صلى الله عليه وسلم وقد وقع لكثير من عظماء الصوفية أنه ارتقى إلى دوام مشاهدته قال العارف المرسي: والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين وقال له رجل ياسيدي صافحني فقد لقيت عبادا وبلادا فلما خرج قال ما الذي أراد بعبادا وبلادا قالوا يريد أنك صافحت عبادا وسلكت بلادا اكتسبت بركاتها وإذا صافحته حصل له منك بركة فضحك الشيخ وقال والله ما صافحت بهذه اليد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(حم) من حديث رجل من بني أسد (عن أبي ذر) قال الهيتمي ولم يسم التابعي وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه(1/521)
1061 - (أشد الحرب النساء) أي أشد الجهاد مكابدة عشرة النساء اللاتي لا يستغنى عنهن لأنهن ضعيفات الأبدان بذيئات اللسان عظيمات الكيد والفتن فإذا خادعهن الرجل والحرب خدعة وصبر على حيلهن وخفي مكرهن كان أشد من [ص:522] ملاقاة الأبطال ومقاساة قتال الرجال {إن كيدكن عظيم} وهذا التقرير بناء على أن الرواية حرب براء مهملة وباء موحدة وهو ما وقع لكثير وهو الذي في مسودة المصنف بخطه والذي رأيته في عدة نسخ من تاريخ الخطيب وجرى عليه ابن الجوزي وغيره بزاي معجمة ونون قال ابن الجوزي يعني أشد الحزن حزن النساء. اه. وأنت إذا تأملت السياق ونظم الكلام وتناسبه ترى أن هذا أقعد وهذا كله بناء على أن النساء بكسر النون وأن المراد إناث بني آدم ولكن رأيت في أصل صحيح مقروء على عدة من المحدثين ومن تاريخ بغداد أنه بفتح النون وعليه فيكون المراد أشد الحزن الحزن المتأخر وهو ما بعد الموت (وأبعد اللقاء) بكسر اللام (الموت) لأن طول الأمل وغلبته على الجبلة الإنسانية يبعد عن لقاء الموت ويمنيه طول الحياة بل ينسيه ذكر الموت رأسا في كثير من الأحيان (وأشد منهما الحاجة إلى الناس) لما في السؤال من الهوان إلى الذل وأعظم منه رده بلا إجابة فهو البلاء العظيم الذي لا يصبر عليه إلا البهيم
(خط) في ترجمة مكي الزنجاني (عن أنس) بن مالك وفيه عبد الله بن ضرار. قال الذهبي وغيره قال يحيى ليس بشيء لا هو ولا أبوه ولا يكتب حديثهما ويزيد الرقاشي متروك ومن ثم قال ابن الجوزي وغيره حديث لا يصح(1/521)
1062 - (أشدكم من غلب نفسه) أي ملكها أو قهرها وفي نسخة على نفسه ولا وجود للفظة على في خط المؤلف (عند الغضب) بأن لم يمكنها من العمل بغضبه بل يجاهدها على ترك تنفيذه وذلك صعب في أوله فإذا تمرنت النفس عليه وتعودته سهل (وأحملكم من عفى بعد القدرة) أي أثبتكم عقلا وأرحجكم أناة ونبلا من عفى عمن جنى عليه بعد ظفره به وتمكنه من معاقبته ومن الأدوية النافعة في ذلك تأمل ما ورد في كظم الغيظ والحلم من الآيات القرآنية والأخبار النبوية ومن ثم لما غضب عمر على من قال له ما تقضي بالحق فاحمر وجهه قيل له يا أمير المؤمنين ألم تسمع الله يقول {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وهذا من الجاهلين؟ فقال صدقت فكأنما كان نارا فأطفئت
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذم الغضب) وكذا الديلمي والشيرازي في الألقاب (عن علي) أمير المؤمنين قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرفعون حجرا فقال ما هذا؟ قالوا حجر الأشداء فقال ذلك قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف وللبيهقي في الشعب الشطر الأول مرسلا بسند جيد(1/522)
1063 - (أشراف أمتي حملة القرآن) أي حفاظه الحاملون له في صدورهم العاملون بمقتضاه وإلا كان في زمرة من قال تعالى في حقه {كمثل الحمار يحمل أسفارا} (وأصحاب الليل) أي اللذين يحيونه بنوع أو أنواع من العبادة كالصلاة والذكر والقرآن والاستغفار والتضرع والابتهال والدعاء لأن هذا مناجاة لله تقدس وتعالى ولا شرف كهذا الشرف. قال الطيبي: إضافة الأصحاب إلى الليل لكثرة مباشرة القيام والصلاة فيه كما يقال ابن السبيل لمن يواظب على السلوك فيه <تنبيه> عدوا من خصائص أل المصطفى صلى الله عليه وسلم إطلاق الأشراف عليهم والواحد شريف قال المؤلف في الخصائص: وهم - يعني الأشراف. ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذا مصطلح السلف وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر خاصة من عهد الخلفاء الفاطميين. أه
(طب هب) وكذا الخطيب والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه سعد بن سعيد الجرجاني ضعيف. اه. وأورده في اللسان كأصله في ترجمة سعد هذا وقال قال البخاري لا يصح حديثه هذا(1/522)
1064 - (أشربوا) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء (أعينكم من الماء) يعني اعطوها حظها منه بأن توصلوا [ص:523] الماء إلى جميع ظاهرها مع تعهد مؤخرها ومقدمها (عند الوضوء) أي عند غسل الواجب فيه والمراد الاحتياط في غسلها لئلا يكون بالموق رمص أو نحوه فيمنع وصول الماء. لكن لا يبالغ في ذلك حتى يدخل الماء في باطنها فإنه يورث العمى (ولا تنفضوا أيديكم) من ماء الوضوء (فإنها) أي الأيدي يعني هيئة نفضها بعد غسلها (مراوح الشيطان) أي تشبه مراوحه التي يروح بها على نفسه جمع مروحة وهي بالكسر كما في الصحاح ونحوه ما يروح بها تقول روح عليه بالمروحة وتروح بنفسه وقعد بالمروحة وهو مهب الريح ومقصود التشبيه استقباح النفض والتنفير عن فعله والحث على تركه ومن ثم ذهب إلى كراهة النفض في الوضوء والغسل الإمام الرافعي من الشافعية ووجهه بأنه كالتبرى من العبادة لكن ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله. وروى الشيخان عن ميمونة أنها أتته بعد غسله بمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده ولذلك صحح النووي في روضته ومجموعه أنه مباح فعله وتركه سواء وضعف الخبر المشروح لكن المفتي به ما في تحقيقه ومنهاجه كأصله من أن تركه سنة وفعله خلاف الأولى
(ع عد) من حديث البحتري بن عبيد عن أبيه (عن أبي هريرة) والبحتري ضعفه أبو حاتم وتركه غيره وقال ابن عدي روى عن أبيه قدر عشرين حديثا عامتها مناكير هذا منها. أه. ومن ثم قال العراقي سنده ضعيف. قال النووي كابن الصلاح لم نجد له أصلا(1/522)
1065 - (أشرف المجالس) أي الجلسات التي يجلسها الإنسان لفعل نحو عبادة ويحتمل إرادة المجالس نفسها (ما استقبل به القبلة) أي الذي يستقبل الإنسان فيه الكعبة بأن يصير وجهه ومقدم بدنه تجاهها فاستقبال القبلة مطلقا مطلوب لكنه في الصلاة واجب وخارجها مندوب. قال الحليمي: وإذا ندب استقبال القبلة في كل مجلس فاستقبالها حال الدعاء أحق وآكد. قال العراقي: الجهات الأربع قد خص منها جهة القبلة بالتشريف فالعدل أن يستقبل في الذكر والعبادة والوضوء وأن ينحرف عنها حال قضاء قضاء الحاجة وكشف العورة إظهارا لفضل ما ظهر فضله
(طب عن ابن عباس) وسنده ضعيف. قال النووي كابن الصلاح لم نجد له أصلا(1/523)
1066 - (أشرف الإيمان) أي من أرفع خصال الإيمان وكذا يقال فيما بعده (أن يأمنك الناس) أي يأمن منك الناس المعصومون على دمائهم وأموالهم ونسائهم وأعراضهم فلا تتعرض لهم بمكروه يخالف الشرع وكل المسلم على المسلم حرام (وأشراف الإسلام أن يسلم الناس من لسانك) فلا تطلقه بما يضرهم (ويدك) فلا تبسطهما بما يؤذيهم (وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات) أي تترك فعلها لأن ذلك هو الجهاد الأكبر فإذا جاهد المكلف نفسه وأذلها وأكرهها على ترك ما ركز فيها وجبلت عليه من إتيان المعاصي حتى انقادت ومرنها على ذلك حتى اطمأنت وصارت بعد ما كانت أمارة مطمئنة تاركة باختيارها للسيئات داعية إلى لزوم الطاعات فقد حصل على رتبة هي أشرف من الهجرة الظاهرة التي هي الانتقال من دار الكفر إلى دار السلام (وأشرف الجهاد أن تقتل وتعقر فرسك) في سبيل الله: أي تعرضه بالمبالغة في القتال عليه لأن يجرحه العدو عدة جرحات وتضرب قوائمه السيوف. ففي الصحاح عقره: جرحه وعقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه فهو عقير. وفي المصباح عقره جرحه وعقر البعير بالسيف عقرا ضرب قوائمه. ولا يطلق العقر في غير القوائم وربما قيل عقره إذا نحره
(طص) وكذا أبو نعيم [ص:524] والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال الطبراني تفرد به منبه عن أنس (ورواه ابن النجار في تاريخه) تاريخ بغداد عن ابن عمر أيضا (وزاد) في روايته على ما ذكر (وأشرف الزهد أن يسكن قلبك على ما رزقت) أي لا يضطرب ولا يتحرك لطلب الزيادة لعلمه بأن حصول ما فوق ذلك من المحال (وأن أشرف ما تسأل من الله عز وجل العافية في الدين والدنيا) فإن ذلك قد انتهت إليه الأماني وهذا الحديث أصلا وزيادة ضعيف: وسببه أن فيه عند الطبراني ومن على قدمه صدقة بن عبد الله السمين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد والبخاري ضعيف جدا عن الوضين ابن عطاء. قال أبو حاتم يعرف وينكر(1/523)
1067 - (أشعر كلمة) أي قطعة من الكلام من تسمية الشيء باسم جزئه اتساعا (تكلمت بها العرب) وفي رواية أصدق كلمة قالها شاعر وفي أخرى أصدق بيت قاله الشاعر وفي أخرى أصدق بيت قالته الشعراء وفي أخرى أصدق كلمة قالتها العرب (كلمة لبيد) بن ربيعة بن عامر الصحابي المشهور كان شريفا في الجاهلية والإسلام. قالوا يا رسول الله وما كلمته؟ قال (ألا) كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها ويقال حرف افتتاح غير مركب (كل) المشهور أنه لا يخلو استعماله عن الإضافة لفظا فإن لم يكن اللفظ فهو مضاف في المعنى وهو هنا مبتدأ وخبره قوله الآتي باطل (شيء) اسم للموجود ولا يقال للمعدوم شيء (ما خلا) كلمة يستثنى وينصب ويجر بها فإن نصبت فهي فعل أو جرت فحرف لكن إن تقدمها ما المصدرية فناصبة كما هنا (الله) أي ما عدا ذاته وصفاته الذاتية والفعلية من رحمته وعذابه وغيرهما وهو منصوب بخلا (باطل) أي فإن أو غير ثابت أو خارج عن حد الانتفاع أو آيل إلى البطلان أو كان باطلا لكونه ين العدمين مشكل بصفات الباري لأن بقاءها معلوم من ذكر الذات لكونها غير قابلة للانفكاك وهذا قريب من قوله سبحانه {كل شيء هالك إلا وجهه} وإنما كان ذلك أصدق كلمة لتطابق العقل والنقل على حقيقتها والشهادة بها. قال في الكشاف: والشعر كلام مقفى موزون يدل على معنى. أه. وقد قدم الإجماع على حل قوله الشعر إذا قل وخلا عن هجو وكذب وإغراق في مدح وتغزل فيما لا يحل. وهذا البيت من قصيدة مدح بها النعمان أولها:
ألا تسألن المرء ماذا يحاول. . . أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة. . . وعيشك في الدنيا محال وباطل
أرى الناس لا يدرون ما قد رماهم. . . بلى كل ذي روح إلى الله واصل
ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . . وكل نعيم لا محالة زائل
وروى السلفي في مشيخته البغدادية عن يعلى بن جراد قال أنشد لبيد النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال صدقت فقال: وكل نعيم لا محالة زائل فقال كذبت فنعيم الآخرة لا يزول. وبقية الحديث عند مخرجه الترمذي وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم أي لكنه لم يوفق بالإسلام مع قرب مشربه
(م ت عن أبي هريرة)(1/524)
1068 - (اشفع) بهمزة وصل مكسورة فمعجمة ساكنة ففاء مفتوحة فعين مهملة والأمر للندب (الأذان) أي ائت بمعظمه مثنى إذ التكبير في أوله أربع والتهليل في آخره فرد والشفع ضد الوتر يقال شفعت الشيء شفعا ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة جعلتها ثنتين والخطاب لبلال لكن الحكم عام (وأوتر) بقطع الهمزة (الإقامة) بكسرها: [ص:525] أي ائت بمعظم في ألفاظها مفردا إذ التنكير في أولها اثنتان ولفظ الإقامة في أثنائها كذلك وكرر لفظها لأنه المقصود فيها وأما التكبير فتثنيته صورية وهو مفرد حكما ولذا ندب أن يقال اللفظان بنفس واحد وإنما ثنى الأذان لأنه لإعلام الغائبين وأفردت لكونها للحاضرين وبهذا الحديث أخذ الشافعي كالجمهور وفيه خلاف لما ذهب إليه الحنفية من أن الإقامة كالأذان
(خط عن أنس) بن مالك (قط في) كتاب (الأفراد عن جابر) ابن عبد الله رمز المصنف لحسنه وله شواهد كثيرة(1/524)
1069 - (اشفعوا) أمر من الشفاعة وهي الطلب والسؤال بوسيلة أو ذمام (تؤجروا) أي يثيبكم الله على الشفاعة وإن لم تقبل والكلام فيما لا حد فيه من حدود الله لورود النهي عن الشفاعة في الحدود. قال القرطبي: وقوله تؤجروا بالجزم جواب الأمر المتضمن لمعنى الشرط وفيه الحث على الخير بالفعل وبالتسبب. قال في الأذكار: يستحب الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من ذي الحقوق ما لم تكن في حد أو في أمر لا يجوز تركه كالشفاعة إلى ناظر طفل أو مجنون أو وقف في ترك بعض حق من في ولايته فهذه شفاعة محرمة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الخرائطي وغيره وإسناده ضعيف لكن يجبره قوله:(1/525)
1070 - (اشفعوا) أي ليشفع بعضكم في بعض (تؤجروا) أي يثبكم الله تعالى (ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء) وفي رواية ما أحب: أي يظهر الله تعالى على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما قدره في علمه أنه سيكون من إعطاء وحرمان أو يجري الله على لسانه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها فإذا عرض صاحب حاجة حاجته علي فاشفعوا له يحصل لكم أجر الشفاعة أي ثوابها وإن لم تقبل فإن قضيت حاجة من شفعتم له فبتقدير الله وإن لم تقض فبتقدير الله. وهذا من مكارم أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم ليصلوا جناح السائل وطالب الحاجة وهو تخلق بأخلاقه تعالى حيث يقول لنبيه: اشفع تشفع وإذا أمر بالشفاعة عنده مع استغنائه عنها لأن عنده شافعا من نفسه وباعثا من وجوده فالشفاعة عند غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية الخير أولى ففيه حث على الشفاعة ودلالة على عظيم ثوابها والأمر للندب وربما يعرض له ما يصير الشفاعة واجبة
(ق) في الزكاة (3) كلهم في الأدب (عن أبي موسى) الأشعري قال كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فذكره وفي رواية كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة ذكره ولفظ رواية مسلم: اشفعوا فلتؤجروا وليقضي الله إلخ(1/525)
1071 - (أشقى الأشقياء) أي أسوأهم عاقبة (من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) لكونه مقلا في الدنيا وعادما للمال وهو مع ذلك كافر أو مصر على الكبائر حتى لقي ربه ولم يعف عنه فلا هو على لذة الدنيا حصل ولا هو إلى ما يوصله إلى النعيم السرمدي فعل ولا ينافيه قوله في الحديث الآتي: الدنيا جنة الكافر لأن معناه كما يأتي أنه بالنسبة لما أعد له من العذاب في الآخرة كأنه في الدنيا في الجنة والقصد التحذير. قال بعض الصوفيه: إذا ابتلي عبد بالفقر ولم يمن الله عليه بالصبر وابتهل وتضرع فلم يكشف عنه فربما وقع في السخط فانقطع عنه مدد إيمانه باعتراضه على المقدور فمات ساخطا على تقديره عليه فيكون من أشد الناس عذابا في الدارين
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي رواه بإسنادين في أحدهما خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات وفي الآخر أحمد بن طاهر بن حرملة وهو كذاب. أه. ومن العجب العجاب أنه رمز لصحته لكن الحديث كله مضروب عليه في مسودة المصنف(1/525)
[ص:526] 1072 - (أشقى الناس) أي أشدهم عذابا ولفظ رواية الطبراني أشقى الناس ثلاثة (عاقر ناقة ثمود) أي قاتلها وهو قدار بن سالف (وابن آدم) لصلبه وهو قابيل (الذي قتل أخاه) هابيل كان آدم أراد أن يزوج ليود التي ولدت مع هابيل لقابيل فأبى قابيل لكون اقليما أجمل وزعم أنه أحق بها لأن حواء حملته في الجنة فولدته في الأرض فقال آدم من قبل قربانه فاقليما له تقربا فأكلت النار قربان هابيل فحسده أخوه فقتله فباء بإثم عظيم بحيث إنه (ما سفك) أي أريق (على الأرض) بعد ذلك (من دم) بالقتل ظلما (إلا لحقه منه) أي من إثمه نصيب ففي الكلام حذف وعلل ذلك بقوله (لأنه أول من سن القتل) أي جعله طريقة متبعة وسيرة سيئة ولم يقتل قبله أحد أحدا كما أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة هكذا جاء في عدة أخبار. وفي خبر آخر: ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل والسفك والسبك والسفح والسن والشن أنواع من الصب كما ذكره الإخوان. قال الحافظ الهيتمي سقط من الأصل الثالث والظاهر أنه قاتل علي كرم الله وجهه كما ورد في خبر رواه الطبراني أيضا. أه. وأقول يجوز أن يكون طوى ذكره دلالة على شهرته بينهم ونحوه في الطى قول جرير
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم. . . من العبيد وثلث من مواليها
والمراد أن هؤلاء الثلاثة من الأشقى بل قد يكون غيرهم أشقى كمن قتل نبيا
(طب ك حل عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي وغيره فيه ابن إسحاق مدلس وحكيم بين جبير وهو متروك(1/526)
1073 - (أشكر الناس لله) تعالى أي من أكثرهم شكرا له (أشكرهم للناس) لأنه سبحانه جعل للنعم وسائط منهم وأوجب شكر من جعله سببا لإفاضتها كالأنبياء والصحابة والعلماء فزيادة العبد في شكرهم زيادة في شكر ربه إذ هو المنعم بالحقيقة فشكرهم شكره ونعم الله منها بغير واسطة كأصل خلقته ومنها بواسطة وهي ما على أيدي الناس فتتقيد بشكرهم ومكافأتهم فإذا شكر الوسائط ففي الحقيقة قد شكر المنعم بإيجاد أصل النعمة ثم بتسخير الوسائط <فائدة> قال بعض العارفين: لو علم الشيطان أن طريقا توصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف فيها. ألا تراه قال {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} ولم يقل لا تجد أكثرهم صابرين أو نحوه؟
(حم طب هب والضياء) المقدسي (عن الأشعث بن قيس) بن معد يكرب أبي محمد الكندي أحد الأشراف له رؤية ورواية وهو أول من مشى معه الرجال. وفيه محمد بن طلحة. قال الذهبي في الضعفاء مختلف فيه وقال النسائي ليس بقوي وعبد الله بن شريك وفيه خلف (طب هب عن أسامة بن زيد) وفيه عندهما أبو نعيم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره. أه. وبه أعل الهيتمي خبر الطبراني (عد عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته ولعله من الصحيح لغيره(1/526)
1074 - (أشهد بالله وأشهد لله (قوله أشهد بفتح الهمزة مضارع: أي أشهد والله فهو قسم وقوله أشهد لله أي لأجله. اه.) لقد قال لي جبريل يا محمد إن مدمن الخمر) أي الملازم لها المداوم على شربها (كعابد وثن) [ص:527] أي إن استحل والوثن ما له جثة كصورة الآدمي. قال الغزالي: قيل إن تلميذا للفضيل احتضر فجلس عند رأسه وقرأ يس. فقال يا أستاذ لا تقرأ هذه فسكت ثم لقنه الشهادة فقال لا أقولها لأني منها بريء ومات فرآه الفضيل في النوم وهو يسحب إلى النار. فقال بأي شيء هذا وكنت أعلم تلامذتي فقال بثلاثة أشياء: أولها النميمة والثاني الحسد والثالث كان بي علة فوصف لي الطبيب قدحا من خمر كل سنة فكنت أشربه. نعوذ بالله من سخطه
(الشيرازي في الألقاب) والرافعي (وأبو نعيم في مسلسلاته) وكذا رواه عنه الرافعي وغيره (وقال صحيح ثابت) من طرق كثيرة بألفاظ متغايرة (عن علي) أمير المؤمنين(1/526)
1075 - (أشهدوا) بفتح الهمزة وكسر الهاء بضبط المصنف (هذا الحجر) بفتحات: أي اجعلوا الحجر الأسود شهيدا لكم على خير: أي عمل صالح تفعلونه عنده كتقبيل واستلام له أو دعاء أو ذكر (فإنه يوم القيامة شافع) فيمن أشهده خيرا (مشفع) أي مقبول الشفاعة فيه (له لسان) ناطق (وشفتان يشهد لمن استلمه) أي لمسه: إما بالقبلة أو باليد: قال ابن السكيت: همزته العرب على غير قياس فقالوا استلأمت الحجر والأصل استلمت لأنه من السلام وهي الحجارة. وقال ابن الاعرابي الاستلام أصله مهموز من الملأمة وهي الاجتماع. وحكى الجوهري القولين فأفاد الحديث ندب استلام الحجر وتأكده ومن ثم قالت الشافعية يندب للطائف أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ويقبله بلا ظهور صوت ويضع جبهته عليه ويفعل كلا من ذلك في كل طوفة فإن كثرت الزحمة استلمه بيده ثم قبلها فإن عجز وضع عليه نحو عود ثم قبل طرفه فإن عجز أشار إليه بيده أو بشيء فيها ثم يقبل ذلك ولا يسن تقبيل غيره من البيت ولا استلامه فإن فعله فحسن غير أنا نؤمر بالاتباع
(طب عن عائشة) وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه الوليد بن عباد وهو مجهول وبقية رجاله ثقات. أه. فرمز المؤلف لحسنه لعله لاعتضاده(1/527)
1076 - (أشيدوا النكاح) أي أعلموه وأشهروا أمره ندبا وسببه أن حبار بن الأسود زوج بنته فكان عنده كبر وغرابيل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا؟ فقيل زواج حبار فذكره ثم قال هذا لنكاح لا لسفاح. أه. فهذا الحديث سقط من قلم المؤلف وقد ذكره في الكبير
(طب عن السائب) بالمهملة وبالتحتية وبالموحدة (ابن يزيد) من الزيادة ابن سعيد بن ثمامة الكندي رمز المصنف لحسنه(1/527)
1077 - (أشيدوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة من الإشادة وهي رفع الصوت بالشيء (النكاح وأعلنوه) أظهروه والنكاح في هذا الخبر وما قبله متعين للعقد ولا مجال لجريان أصل الخلاف هنا في كونه حقيقة في العقد مجازا في الوطء أو عكسه. كذا قرره وذلك أن تقول لو تباعد ما بين العقد والدخول كما هو عادة أكثر الناس ووقعت الوليمة ليلته كما هو عادة الناس فالاشارة إما تقع للدخول وهذا نهي عن نكاح السر. واختلف في كيفيته فقال الشافعي كل نكاح حضره رجلان عدلان. وقال أبو حنيفة رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه فالإشارة والإعلان المأمور به عندهم هو الإشهاد وقالت المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه وهو باطل. فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الاشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد [ص:528] بالإشادة والاعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وأن الأمر ندب
(الحسن بن سفيان) في جزئه (طب عن هبار بن الأسود) القرشي الأسدي أسلم في الفتح وحسن إسلامه وهو الذي نخس راحلة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسقطت ولم تزل عليلة وكان يسب فتأذى بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سب من يسبك فكفوا عنه قال البغوي هذا حديث لا أصل له وفيه علي بن قريش كذاب وتعقبه بعضهم بتعدد طرقه(1/527)
1078 - (أصابتكم) أي جاءتكم (فتنة الضراء) بالمد وهي الحالة التي تضر. قال الطيبي: الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من الشدة والرخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا (فصبرتم) عليها: أي اختبرتم بالفقر والشدة والعدم فصبرتم (وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء) بالمد إقبال الدنيا والسعة والراحة فإنها أشد من فتنة الضراء والصبر عليها أشق لأنه مقرون بالقدرة ومن العصمة أن لا تجد ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والأهل: معنى الصبر عليها ألا يركن إليها ويعلم أن كل ذلك مستودع عنده ولا ينهمك في التوسع ويرعى حق الحق فيها: وأعظم الفتن الافتتان بالنساء ومن ثم قصر التحذير في هذا المقام عليهن اهتماما به فقال (من قبل) بكسر ففتح (النساء) أي من جهتها وذلك (إذا تسورن الذهب) أي لبسن الأساور من ذهب (ولبسن ربط الشام) جمع ربطة براء مفتوحة كل ثوب لين رقيق أو كل ملاءة لبست بلفقين (وعصب اليمن) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض أو هي برود مخططة (وأتعبن) كذا بخط المؤلف فما في نسخ من أنه بتقديم الموحدة على العين تحريف (الغنى) بكثرة السؤال له في اتخاذ الحلي والحلل (وكلفن الفقير ما لا يجد) أي حملنه على تحصيل ما ليس عنده من الدنيا فيضطر إلى التساهل في الاكتساب ويتجاوز الحلال إلى الحرام ثم يألفه بعد ذلك فيقع في المهالك
(قط) في ترجمة محمد ابن قيس البغدادي (عن معاذ بن جبل) وفيه عبد الله بن محمد بن اليسع الأنطاكي. قال الذهبي ضعفوه وتقوية بعضهم له بكلام لبعض الصحابة ذلك إذ لا يصلح لتقوية المرفوع إلا مرفوعا مثله(1/528)
1079 - (أصب) بصاد مهملة وموحدة وفي رواية أضف بمعجمة وفاء (بطعامك) أي اقصد به إطعامه والصواب كالإصابة القصد والإرادة كما في الصحاح وغيره والطعام كل ما يساغ حتى الماء (من تحب في الله) فإن إطعامه آكد من إطعام غيره فلا تعارض إطعام الطعام لكل أحد من بر وفاجر وصديق وعدو من تبغضه ويبغضك لأنه بر للنفس يطفئ حرارة الحقد والحسد وينفي مكامن الغل
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي في كتاب زيارة الإخوان في الله (عن الضحاك) بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال (مرسلا) ورواه عنه أيضا ابن المبارك لكن بلفظ: أصب بطعامك من يحبك في الله(1/528)
1080 - (أصحاب البدع) بكسر ففتح جمع بدعة: أي أهل الأهواء (كلاب النار) أي أنهم يتعاوون فيها عواء الكلاب أو أنهم أخس أهلها وأحقرهم كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها فالمبتدعة أعظم جرما من الفساق وأشد ضررا ففتنة المبتدع في أصل الدين وفتنة المذنب في الشهوات والمبتدع قصد للناس على الصراط المستقيم يصد عنه والمذنب [ص:529] ليس كذلك والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله والمذنب ليس كذلك والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول والعاصي ليس كذلك والمبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة. والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه. والمراد بأهل البدع هنا: الذين نكفرهم ببدعتهم. ولا مانع من إرادة من لا يكفر بها أيضا إذ ليس في الخبر إلا أنهم في النار على وجه الحسرة والوبال والهوان وسوء الحال وليس فيه تعرض لخلود ولا عدمه. وأنشد جمال الدين والأئمة أبو المظفر السمعاني:
يا طالب العلم صادم كل بطال. . . وكل غاو إلى الأهواء ميال. . . واعمل لعلمك سرا أو علانية
ينفعك يوما على حال من الحال. . . خذ ما أتاك من الأخبار من أثر. . . شبها بشبه وأمثالا بأمثال
ولا تميلن يا هذا إلى بدع. . . تضل أصحابها بالقيل والقال. . . ألا فكن أثريا خالصا فهما
تعش حميدا ودع آراء ضلال
(أبو حاتم) محمد بن عبد الواحد بن زكريا (الخزاعي في جزئه) المشهور (عن أبي أمامة) الباهلي(1/528)
1081 - (أصدق كلمة) بفتح فكسر أفصح من كسر فسكون: أي قطعة من الكلام. قال الزمخشري: المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض. وقال ابن حجر: المراد بالكلمة القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت (قالها الشاعر) وفي رواية لمسلم: شاعر وفي رواية للبخاري أصدق بيت. قال ابن حجر: أطلق البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه (كلمة لبيد) وفي نسخ قالها شاعر وهو خلاف ما في خط المصنف (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى {كل من عليها فان} ولا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مر استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه. وفيه جواز الشعر وإنشاده ما لم يخل بأمر ديني أو يزيل الوقار أو يحصل منه إطراء أو إكثار وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم للشاعر الذي عرض له بالعرج خذوا وأمسكوا الشيطان فلعله علم من حاله أنه اتخذ الشعر حرفة فيفرط في المدح إذا أعطي وفي الذم إذا منع فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم. قال الراغب: الشعر معروف ومنه استعير شعرت بكذا: أي علمت علما في الدقة كإصابة الشعر وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق من قولهم: ليت شعري فصار في التعارف اسما للموزون المقفى
(ق هـ عن أبي هريرة) زاد مسلم في إحدى رواياته عقب قوله باطل وكاد أمية بن الصلت أن يسلم ورواه عنه أيضا الترمذي(1/529)
1082 - (أصدق الحديث ما عطس) بالبناء للمفعول وليس المراد بالفاعل المحدث فحسب بل الإنسان. وقصره على ذلك لا دليل عليه ولا ملجئ وجعله مبنيا للمفعول فيه أن نائب الفاعل لا يكون ظرفا (عنده) لأن العطسة تنفس الروح وتحببه إلى الله لأنها من الملكوت. فإذا تحرك العاطس عند حديث فهو شاهد على صدقه وحقيقته والمتبادر من كونه عنده مقارنته للنطق إن كان العاطس غير المحدث فإن كان هو فالمراد عروضه في أثناء النطق. ويحتمل أن المراد بالعندية ما يشمل القبلية والبعدية مع الاتصال
(طس) وكذا أبو يعلى والحكيم الترمذي (عن أنس) رمز المصنف لحسنه لكن قال في النكت البديعات أصله لين وقال الهيتمي رواه يعني الطبراني عن شيخه جعفر بن محمد بن ماجد ولم أعرفه وعمارة بن زاذان وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. أه. وفي فتاوى النووي أن له أصلا أصيلا(1/529)
[ص:530] 1083 - (أصدق الرؤيا) الواقعة في المنام (بالأسحار) أي ما رآه في الأسحار لفضل الوقت بانتشار الرحمة فيه ولراحة القلب والبدن بالنوم وخروجها عن تعب الخواطر وتواتر الشغوب والتصرفات. ومتى كان القلب أفرغ كان الوعي لما يلقى إليه أكثر لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر والدواعي مجتمعة ولأن المعدة خالية فلا تتصاعد منها الأبخرة المشوشة ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة والاسحار جمع سحر وهو ما بين الفجرين. وقال القونوي السحر زمان أواخر الليل واستقبال أوائل النهار والليل مظهر للغيب والظلمة والنهار زمن الكشف والوضوح ومنتهى سعيد المغيبات والمقدرات والغيبة في العلم الإلهي. ومن ثم قال علماء التعبير رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار وأصدق الساعات كلها الرؤيا وقت السحر. ولما كان زمان السحر مبتدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقيق لزم أن يكون الذي يرى إذ ذاك قريب الظهور والتحقيق وإليه أشار يوسف الصديق بقوله لأبيه {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} وقوله {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} أي ما كملت حقيقة الرؤيا إلا بظهورها في الحس فإن بهذه ظهر المقصود من تلك الصورة الممثلة وأينعت ثمراتها. وقال الحراني: الاسحار جمع سحر وأصل معناه التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه توجه ما (فإن قلت) هذا يعارضه خبر الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن جابر: أصدق الرؤيا ما كان نهارا لأن الله عز وجل خصني بالوحي نهارا؟ (قلت) قد يقال الرؤيا النهارية أصدق من الرؤيا الليلية ما عدا وقت السحر جمعا بين الحديثين
(حم ت حب ك هب) كلهم من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم (عن أبي سعيد) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص
(أصدق الحديث) أي الكلام (كتاب الله) أي القرآن أو جميع الكتب الإلهية المنزلة {ومن أصدق من الله حديثا} (وأحسن الهدى) بضم ففتح. أو بفتح فسكون: السيرة والطريقة والتيمن (هدى محمد) صلى الله عليه وسلم فهدى جميع الأنبياء حسن وهديه أحسن لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من الكمالات وبعث لتتميم مكارم الأخلاق التي اتصفوا بها (وشر الأمور محدثاتها) التي لم يشهد لها أصل من أصول الشرع
(حم عن ابن مسعود)(1/530)
1084 - (اصرف) بكسر همزة الوصل وبالفاء وفي رواية اطرق بالقاف (بصرك) أي اقلبه إلى جهة أخرى إذا وقع على أجنبية أو نحوها بلا قصد فإن صرفته حالا لم تأثم وإن استندمت أثمت. {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} والغض عن المحارم يوجب حلاوة الإيمان ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ومن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد المحبة في القلب ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته فيصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم ثم يقوى فيصير عشقا. وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي وصل إلى شغاف للقلب ودواخله ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم التعبد: فيصير المتتيم عبدا إلى من لا يصلح أن يكون هو عبدا له فيقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد ما كان أميرا ومسجونا بعد ما كان طليقا قيل وفيه أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في الطريق وعلى الرجال غض البصر إلا لحاجة كشهادة وتطيب ومعاملة. ولا ينافي نقل الإمام الاتفاق على منعهن من الخروج سافرات لأنه ليس لوجوب الستر عليها لاحتمال أنها كشفته لعذر
(حم م 3 عن جرير) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة وهو بضم ففتح ممدودا أو بفتح فسكون مقصورا - فذكره(1/530)
1085 - (اصرم) بهمزة وصل مكسورة وصاد مهملة وراء مكسورة (الأحمق) أي اقطع وده وهو واضع الشيء في غير [ص:531] محله مع العلم بقبحه وفي رواية أصرم الأصرم. قال الطيبي: مأخوذ من الصرم وهو القطع والأمر للإرشاد وقد يندب وقد يجب. وقال غيره: وهو بفتح الراء مصدر صرم إذا قطع. وبضمها اسم للقطيعة <تنبيه> قال الراغب: الجنون عارض يغمر العقل والحمق قلة التنبيه لطريق وكلاهما يكون تارة خلقة وتارة عارضا وقد عظم الحمق بما لم يعظم الجنون
ونقل عن عيسى عليه السلام أنه أتى بأحمق ليداويه فقال أعيتني مداواة الأحمق ولم تعيني مداواة الأكمه والأبرص. والفرق بينه وبين الجنون أن المجنون غرضه الذي يريده ويقصده فاسد أو يكون سلوكه إلى غرضه صوابا والأحمق يكون غرضه الذي يريده صحيحا وسلوكه إليه خطأ. ومحصول الخبر أن الأحمق ينبغي تجنبه وأن تفر منه فرارك من الأسد لأن الطباع سراقة وقد يسرق طبعك منه ومن ثم قيل:
فارغب بنفسك لا تصادق أحمقا. . . إن الصديق على الصديق مصدق
ولأن يعادي عاقلا خيرا له. . . من أن يكون له صديق أحمق
وقال وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وإذا سكت فضحه عيه وإذا عمل أفسد وإذا ترك أضاع لا علمه يعينه ولا علم غيره ينفعه تود أمه أنها ثكلته وتود امرأته أنها عدمته ويتمنى جاره منه الوحدة ويأخذ جليسه منه الوحشة وقيل للفرزدق وهو صبي: أيسرك أنك لك مئة ألف وأنك أحمق؟ قال لا لئلا يجني علي حمقي جناية فتذهب بمالي ويبقى حمقي علي. وقال الماوردي: الأحمق ضال مضل إن أونس تكبر وإن أنس تكبر وإن أوحش تكدر وإن استنطق تخلف وإن ترك تكلف مجالسته مهنة ومعاتبته محنة ومجاورته تغر وموالاته تضر ومقارنته غم ومفارقته شفاء يسيء على غيره وهو يظن أنه قد أحسن إليه فيطالبه بالشكر ويحسن إليه غيره فيظن أنه قد أساء إليه فيرميه بالوزر فمساويه لا تنقضي وعيوبه لاتتناهى ولا يقف النظر منها على غاية إلا لوحت بما وراءها بما هو أدنى منها وأردى. وأمر وأدهى. ومن أمثالهم: الأحمق لا يجد لذة الحكمة كما لا ينتفع بالورد صاحب الزكمة. واعلم أن صرم المسلم حرام أصالة فلا يحل لمسلم أن يصارم مسلما: أي يترك مكالمته إلا لسبب كوصف مذموم فيه كالحمق والبدعة. قال النووي في شرح مسلم: يجوز هجر أهل البدع والفسق دائما. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام محله فيمن هجر لحظ نفسه ومعاش الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الهجر فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضررا في دينه أو دنياه. ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال عمار: مصارمة جميلة أحب إلي من مودة على دغل
(هب) من طريق محمد بن إسحاق البلخي عن عمر بن قيس بن بشير (عن بشير) بفتح الموحدة أوله وزيادة ياء: وهو ابن زيد (الأنصاري) ذكره الحاكم وقال مسانيده عزيزة قال البيهقي: وهم فيه الحاكم من ثلاثة أوجه أو أربعة: قوله عمر بن قيس وإنما هو عمرو. وقوله بشير بموحدة مفتوحة بعدها معجمة مكسورة وإنما هو بضم التحتية بعدها مهملة مضغرا: وفي رفع الحديث وصوابه موقوف وفي جعله صحابيا وإنما له إدراك. أه. قال ابن حجر: وبقي عليه أنه وهم في قوله بشير بن زيد وإنما هو ابن عمر وفي كونه أنصاريا وإنما هو عبدي وقيل كندي. أه. وفيه عمرو بن قيس الكندي قال في الميزان عن ابن معين لا شيء ووثقه أبو حاتم(1/530)
1086 - (اصطفوا) أي قوموا في صلاتكم صفوفا خلف الإمام (وليتقدمكم) ندبا مؤكدا (في الصلاة أفضلكم) بنحو فقه أو قرآن أو غير ذلك مما هو مترتب في الفروع (فإن الله عز وجل يصطفي) أي يختار (من الملائكة رسلا ومن الناس) قال المصنف: ومن خصائص هذه الأمة الصف في الصلاة كصفوف الملائكة والركوع فيما ذكره جمع مفسرون <تنبيه> قال بعضهم: حكمة الأمر بتسوية الصفوف أن المصلين دعوا إلى حالة واحدة مع الحق وهي الصلاة فساوى في هذه الدعوة بين عباده فلتكن صفتهم فبها إذا أقبلوا إلى ما دعاهم إليه تسوية الصفوف. لأن الداعي [ص:532] ما دعى الجماعة إلا ليناجيهم من حيث إنهم جماعة على السواء لا يختص واحد دون آخر فلا يتأخر واحد عن الصف ولا يتقدم بشيء منه يؤدي إلى اعوجاجه
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيتمي وغيره فيه أيوب بن مدرك وهو منسوب إلى الكذب. أه. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب(1/531)
1087 - (أصل كل داء البردة) أي التخمة وهي بفتح الراء على الصواب خلاف ما عليه المحدثون من السكون. ذكره الدارقطني في كتاب التحيف لكن صرح القاموس بجوازه بل جعله أصلا حيث قال: البردة وتحرك: التخمة وذلك لأنها تبرد حرارة الشهوة وتثقل الطعام على المعدة من برد ثبت وسكن كما يفيده قول ابن الأثير كغيره: سميت به لأنها تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام. وذلك بمعنى تفسير بعض الأطباء بأنها إدخال الطعام على الطعام قبل هضم الأول فإن بطء الهضم أصله البرد الذي بردت منه المعدة قال بعض شعراء الأطباء في ذلك:
ثلاث مهلكات للأنام. . . وداعية السقام إلى السقام
دوام مدامة ودوام وطء. . . وإدخال الطعام على الطعام
والقصد ذم الإكثار من الطعام (قيل) لو سئل أهل القبور ما سبب قصر آجالكم؟ لقالوا التخمة. ذكره الزمخشري. قال الراغب: وأصل الشيء قاعدته التي لو توهمت مرتفعة لارتفع بارتفاعها سائره
(قط) في العلل من حديث محمد ابن جابر عن تمام بن نجيح عن الحسن البصري (عن أنس) بن مالك. وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه ساكتا عليه. والأمر بخلافه بل تعقبه بتضعيفه كما حكاه المصنف نفسه عنه في الدرر تبعا للزركشي وقال روي عن الحسن من قوله وهو أشبه بالصواب. أه. وقال ابن الجوزي قال ابن حبان تمام منكر الحديث يروي أشياء موضوعة عن الثقات كان يتعمدها. أه. وقال ابن عدي والعقيلي حديثه منكر وعامة ما يرويه لا يتابع عليه وفي الميزان محمد هذا حلبي ولعل البلاء منه (ابن السني وأبو نعيم) وكذا المستغفري كلهم (في الطب) النبوي (عن علي) أمير المؤمنين وفيه إسحاق بن نجيح الملطي كان يضع الحديث (وعن أبي سعيد) الخدري (وعن الزهري مرسلا) رمز المصنف لضعفه قال بعضهم: ولا يصح شيء من طرقه وقال ابن عدي باطل بهذا الإسناد وجعله في الفائق من كلام ابن مسعود(1/532)
1088 - (أصلح) يا أبا كاهل (بين الناس) أي أزل ما بينهم من الشحنة والتباغض (ولو) أنك (تعني الكذب) قال في الفردوس يريد ولو أنك تقصد الكذب. يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته والمراد أن ذلك جائز بل مندوب وليس من الكذب المنهي عنه بل قد يجب الكذب. ولفظ رواية الطبراني: أصلح بين الناس ولو بكذا وكذا: كلمة لم أفهمها. قلت ما عنى بها؟ قال عنى الكذب. أه. بلفظه
(طب عن أبي كاهل) الأحمس يقال اسمه قيس بن عائذ وقيل عبد الله بن مالك صحابي رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته. وقال وقع بين رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما حتى تصارما فلقيت أحدهما فقلت مالك ولفلان سمعته يحسن عليك الثناء ويكثر لك من الدعاء ولقيت الآخر فقلت نحوه فما زلت حتى اصطلحا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فذكره. قال الهيتمي فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب. أه. فكان الأولى للمصنف حذفه من الكتاب(1/532)
1089 - (أصلحوا دنياكم) أي أصلحوا معاش دنياكم بنعهد ما في أيديكم بتنميته بحلال المكاسب لمعونته على دينكم ومكارم [ص:533] أخلاق الإسلام التي فيها عمارة آخرتكم. والخطاب للمقتصدين الذين لم يبلغوا ذروة التوكل ومعهم علقة الأسباب ليبوؤا بملابستها والاستعانة بها على الآخرة (واعملوا) صالحا (لآخرتكم) بجد واجتهاد وإخلاص مع قصر أمل (كأنكم تموتون غدا) كنى به عن قرب الزمن جدا والمراد اجعلوا الموت نصب أعينكم واعملوا على ذلك لما أمرهم بإصلاح المعاش خشي من تعلقهم به والتقصير في الأعمال الأخروية فأردفه بما يبين أن عليهم مع ذلك بذل الجهد في العمل الأخروي وأنه لا رخصة في تركه ألبتة
(فر عن أنس) بن مالك وفيه زاهر بن ظاهر الشحامي قال في الميزان كان يخل بالصلوات فترك الرواية عنه جمع وعبد الله بن محمد البغوي الحافظ تكلم فيه ابن عدي وراويه عن أنس مجهول(1/532)
1090 - (اصنع المعروف) قال البيضاوي: هو ما عرف حسنه من الشارع (إلى من هو أهله وإلى غير أهله) أي افعل مع أهل المعروف ومع غيرهم قال ابن الأثير الاصطناع اتخاذ الصنيع (فإن أصبت أهله أصبت أهله) قال ابن مالك قد يقصد بالخير المفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا وقد يفعل هذ بجواب الشرط نحو من قصدني فقد قصدني أي قصد من عرف بالنجاح واتحاد ذلك يؤذن بالمبالغة في تعظيم أو تحقير (وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله) لأنه تعالى يقول {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} والأسير في دارنا: الكافر فأثنى على من صنع معه معروفا بإطعامه فكيف بمن أطعم موحدا؟ ولهذا قال الحبر لا يزهدنك في المعروف كفران من كفره فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه معه <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصنع والفعل والعمل أن الصنع إنما يكون من الإنسان دون الحيوان ولا يقال إلا لما كان بإجادة والصنع قد يكون بلا فكر لشرف فاعله والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله والصنع أخص الثلاثة والعمل أوسطها والفعل أعمها وكل صنع عمل ولا عكس: وكل عمل فعل ولا عكس وهكذا لا يعارضه ما مر من أن المعروف إنما ينبغي أن يفعل مع أهل الحفاظ وأن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل معروفه فيهم لأن ما هناك عند وجود الأهل وغير الأهل فيعدل عن الأهل لغيرهم وما ههنا فيما إذ لم يوجد إلا غير أهل وهو محتاج. قال بعض الشراح هذا الحديث أبلغ حث على استدامة صنائع المعروف حتى يصير طبعا لا يميز بين أهله وهو من يعترف فيجازى ويشكر ويثنى وبين من لا يعترف فلا يجازى ولا يثنى فإنه أكمل في المكارم وأجزل في الثواب (تتمة) قال بعضهم: وقع لوالي بخارى وكان ظالما طاغيا أنه رأى كلبا أجرب في يوم برد يرتعد فأمر بعض خدمه بحمله لبيته وجعله بمحل حار وأطعمه وسقاه فقيل له في نومه كنت كلبا فوهبناك لكلب فأصبح فمات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب. وأين المسلم من الكلب؟ فافعل خيرا ولا تبال فيمن لم يكن أهلا له واطلب الفضائل لأعيانها وارفض الرذائل لأعيانها واجعل الخلق تبعا ولا تقف مع ذمهم ولا حمدهم. لكن قدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون من الحكماء المتأدبين بآداب الله
(خط في رواية مالك) ابن أنس (عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين. قال الحافظ العراقي في المغني وذكره الدارقطني أيضا في العلل وهو ضعيف أه. وذلك لأن فيه بشر بن يزيد الأزدي قال في اللسان عن ذيل الميزان له عن مالك مناكير ثم ساق منها هذا الخبر ثم عقبه بقوله قال الدارقطني إسناده ضعيف ورجاله مجهولون وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن بشير هذا من حديثه عن أبيه عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال إسناده مظلم وخبر باطل أطلق الدارقطني على روايته الضعف والجهالة(1/533)
1091 - (اصنعوا لآل جعفر) بن أبي طالب الذي جاء نعيه (طعاما) يشبعهم يومهم وليلتهم (فإنه قد أتاهم ما يشغلهم) عن [ص:534] صنع الطعام لأنفسهم في ذلك اليوم لذهولهم عن حالهم بحزنهم على ميتهم وهذا قاله لنسائهم لما قتل جعفر وجاء الخبر بموته فطحنت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعيرا ثم أدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا ثم أرسلوه إليهم. قال ابن الأثير: أراد اطبخوا واخبزوا لهم فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك ويحلفون عليهم في الأكل: ولا يندب فعل ذلك لأهله الأقربين لأنه شرع في السرور لا في الشرور فهو بدعة قبيحة كما قاله النووي وغيره قال في المطامح: وجرت العادة بالمكافأة فيه وربما وقع التحاكم فيه بين الأجلاف. قال ابن الحاج: وينبغي لأهل الميت التصدق بالفاضل أو إهداؤه <تنبيه> قال القرطبي: الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام والمبيت عندهم كل ذلك من فعل الجاهلية قال ونحو منه الطعام الذي يصطنعه أهل الميت في اليوم السابع ويجتمع له الناس يريدون به القربة للميت والترحم عليه وهذا لم يكن فيما تقدم ولا ينبغي للمسلمين أن يقتدوا بأهل الكفر وينهي كل إنسان أهله عن الحضور لمثل هذا وشبهه من لطم الخدود وشق الجيوب واستماع النوح وذلك الطعام الذي يصنعه أهل الميت كما ذكر فيجتمع عليه الرجال والنساء من فعل قوم لاخلاق لهم. قال وقال أحمد هو من فعل الجاهلية. قيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما إلى آخره فإن لم يكونوا اتخذوا إنما اتخذ لهم فهذا كله واجب على أن الرجل له أن يمنع أهله منه فمن أباحه فقد عصى الله وأعانهم على الإثم والعدوان. إلى هنا كلامه قال ابن العربي: وإنما يسن ذلك في يوم الموت فقط قال وهذا الحديث أصل في المشاركات عند الحاجة. وقد كان عند العرب مشاركات ومواصلات في باب الأطعمة باختلاف أسباب وحالات
(حم د ت هـ ك) وكذا الطيالسي والشافعي وابن مقنع والطبراني والديلمي وغيرهم كلهم (عن عبد الله بن جعفر) قال لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. قال الحاكم صحيح وقال الترمذي حسن وقال عبد الحق كذا قال الترمذي ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه خالد بن سارة لا يعرف حاله. أه. وفي الميزان إسناده غريب ومنته فتصحيح الحاكم ثم البيهقي له منتقد(1/533)
1092 - (اصنعوا ما بدا لكم) في جماع السبايا من عزل أو غيره (فما قضى الله تعالى) بكونه (فهو كائن) لا محالة عزلتم أم لا ففعل العزل وعدمه سواء (وليس من كل الماء) أي المني هذا المراق في الوحم (يكون الولد) وهذا قاله لما قالوا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل؟ فذكره وفيه جواز العزل لكنه في الحرة مكروه تنزيها إلا بإذنها عند الشافعي كما يأتي. وذهب ابن حزم إلى تحريم العزل مطلقا تمسكا بقوله في خبر ذلك الوأد الخفي. ورد بأنه لا يلزم من تسميته وأدا على طريق التشبيه كونه حراما وأما بأنه مخصوص بالعزل عن المرضع لإضرار الحبل بالولد بالتجرية
(حم عن أبي سعيد) الخدري. قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فذكره رمز المصنف لحسنه وهو كذلك وأهلا(1/534)
1093 - (اضربوهن) أي اضربوا نساءكم اللاتي تخافون نشوزهن (ولا يضرب إلا شراركم) أما الأخيار فيرون اللائق سلوك سبيل العفو والحلم والصبر عليهن وملاينتهن بالتي هي أحسن واستجلاب خواطرهن بالإحسان بقدر الإمكان وفيه جواز ضرب المرأة للنشوز أي إن ظن إفادته
(ابن سعد) في طبقاته (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق المدني أحد الأئمة الأعلام (مرسلا) أرسل عن أبي هريرة وغيره. وسبب هذا الحديث أن رجالا شكوا النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم في ضربهن فطاف تلك الليلة منهن نساء كثير يذكرن ما لقي نساء المسلمين. فنهى عن ضربهن فقال الرجال يا رسول الله زاد النساء على الرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اضربوهن [ص:535] ولا يضرب إلخ. وقضية تصرف المؤلف لم ير هذا الحديث مسندا وإلا لما عدل رواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه البزار عن عائشة مرفوعا وغاية ما يعتذر به للمؤلف أن رواية الإرسال أصح: وبفرض تسليمه فهذا لا يجدي نفعا لأنه كان الأولى ذكرهما معا(1/534)
1094 - (اضمنوا لي ست خصال) أي التزموا بالمحافظة على فعل ست خصال (أضمن) بالجزم جواب الأمر (لكم الجنة) أي العزم لكم في مقابل ذلك بدخولها مع السابقين الأولين أو من غير تعذيب وليس المراد بالضمان هنا معناه الشرعي بل اللغوي وعبر عنه بذلك تحقيقا لحصول الوعد إن حوفظ على المأمور به قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال (لا تظالموا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا أي لا يظلم بعضكم بعضا (عند قسمة مواريثكم) بل اقسموها على ما أمر الله به وأعطوا كل ذي حق حقه من فرض أو تعصيب ما وجب له فحرمان بعض الورثة أو تنقيصه مما يستحقه حرام شديد التحريم حتى على المورث (وأنصفوا الناس من أنفسكم) بأن تفعلوا معهم ما تحبون أن يفعلوه معكم (ولا تجبنوا) بضم المثناة فوق وسكون الجيم (عند قتال عدوكم) أي لا تهابوهم فتولوا الأدبار با احملوا عليهم واصدقوا اللقاء واثبتوا حيث كانوا مثليكم أو أقل. والجبن بالضم: ضعف القلب عما يجب أن يقوى فيه. ذكره الراغب وغيره (ولا تغلوا) بفتح المثناة فوق وضم الغين المعجمة (غنائمكم) أي لا تخونوا فيها فإن الغلول كبيرة (فأنصفوا) لفظ جامعه الكبير وامنعوا (ظالمكم من مظلومكم) أي خذوا للمظلوم حقه ممن يظلمه بالعدل والقسط فإن إهمال ذلك مع القدرة عليه من قبيل ترك الأمر بالمعروف وإهمال النهي عن المنكر والخطاب للحكام أو عام ويدخلون فيه دخولا أوليا أولويا ومقصود الحديث أن الإنسان إذا حافظ على هذه الخصال مع القيام بالفروض العينية يتكفل له المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بإدخاله الجنة مع الأولين أو بغير عذاب
: (طب عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي فيه العلاء بن سليمان الرقي وهو ضعيف وقال ابن عدي منكر الحديث اه والعلاء رواه عن خليل بن مرة وقد ضعفه ابن معين وغيره فحينئذ رمز المؤلف لحسنه إن سلم فهو من قبيل الحسن لغيره(1/535)
1095 - (اضمنوا لي ستا) من الخصال (من أنفسكم) بأن تداوموا على فعلها (أضمن لكم الجنة) أي دخولها (اصدقوا إذا حدثتم) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق في أمر مخصوص كحفظ معصوم (وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم) {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} قال البيهقي ودخل فيه ما تقلد المؤمن بإيمانه من العبادات والأحكام وما عليه من رعاية حق نفسه وزوجه وأصله وفرعه وأخيه المسلم من نصحه وحق مملوكه أو مالكه أو موليه فأداء الأمانة في كل ذلك واجب (واحفظوا) أيها الرجال والنساء (فروجكم) عن فعل الحرام لثنائه تعالى على فاعليه بقوله {والحافظين فروجهم والحافظات} (وغضوا أبصاركم) كفوها عما لا يجوز النظر إليه (وكفوا أيديكم) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعا فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه ولا تناولوا بها مأكولا أو مشروبا حراما ونحو ذلك فمن فعل ذلك فقد حصل على رتبة الاستقامة المأمور بها في القرآن وتخلقوا بأخلاق أهل الإيمان. وهذه الستة غير الستة الأولى فهو إما خاطب بتلك من لا يعلمها ويعلم هذه. وبهذه من لا يعلمها ويعلم تلك أو أنه تفرس من المخاطبين عدم الصدق والوفاء بالعهد والخيانة والرياء والنظر لما لا يحل وبسط اليد بالعدوان [ص:536] فنهاهم وهكذا يقال فيما قبله. وأخرج البيهقي عن الفضيل قال أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد وللنبي بالبلاغ وأداء الفرائض: صدق الحديث وحفظ الأمانة وترك الخيانة والوفاء بالعهد وصلة الرحم والنصح للمسلمين قال سمعته وتعلمته من أهل الثقة ولو لم أجده ما قلته
(حم حب ك هب) من حديث المطلب (عن عبادة بن الصامت) قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة. وقال المنذري بعد عزوه لأحمد والحاكم وأنه صححه: المطلب لم يسمع من عبادة وقال الذهبي في اختصاره للبيهقي إسناده صالح وقال العلائي في أماليه سنده جيد وله طرق هذه أمثلها وفي كلامهما إشارة إلى أنه لم يرتق عن درجة الحسن(1/535)
1096 - (أطب) بفتح الهمزة وكسر الطاء من أطاب (الكلام) أي تكلم بكلام طيب: يعني قل لا إله إلا الله خالصا أو حافظ على قول الباقيات الصالحات أو خاطب الناس بالملاينة والملاطفة وتجنب الغلظة والفظاظة وخالق الناس بخلق حسن. وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصلح بين الناس وعلم الجاهل وأرشد الضال وقل الحق وإن كان مرا وانصح ونحو ذلك (وأفش السلام) انشره بين من تعرفه ومن لا تعرفه من المسلمين الذين يندب عليهم السلام شرعا (وصل) بكسر الصاد: أمر من الصلة (الأرحام) أي أحسن إلى أقاربك بالقول والفعل (وصل بالليل والناس نيام) أي تهجد حال نيام غالب الناس (ثم) إذا فعلت ذلك (ادخل الجنة بسلام) أي مع سلامة من الآفات وأمن من المخوفات
والمراد أن فعل المذكورات من الأسباب الموصلة إلى الجنة وهذا قاله قبل دخوله المدينة
(حب حل عن أبي هريرة) وفيه عند أبي نعيم عبد الله بن صالح بن عبد الجبار قال في اللسان عن العقيلي شيخ مجهول(1/536)
1097 - (أطت السماء) بفتح الهمزة وشد الطاء: صاحت وأنت وصوتت من ثقل ما عليها من ازدحام الملائكة وكثرة الساجدين فيها منهم من الأطيط وهو صوت الرحل والإبل من حمل أثقالها. وأل للجنس (وحق لها) وفي رواية ويحقها (أن تئط) بفتح المثناة فوق وكسر الهمزة وشد الطاء: أي صوتت وحق لها أن تصوت لأن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. قال ابن الأثير: وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة كثرة لا يسعها عقل البشر وإن لم يكن ثم أطيط وإنما هو تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. قال ابن حجر: وقوله تئط بفتح أوله وكسر الهمزة والأطيط صوت البعير المثقل (والذي) أي والله الذي (نفس محمد بيده) أي بقدرته وإرادته وتصريفه (ما فيها موضع بشر) ولا أقل منه بدليل رواية ما فيها موضع أربع أصابع (إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله ويحمده) أي يقول حال سجوده سبحان الله وبحمده فهذا هو الذكر المأثور للملائكة فيه والذكر المأثور للبشر سبحان ربي الأعلى وهذا على طريق الاستعارة بالكناية شبه السماء بذي صوت من الإبل المقتوبة فأطلق المشبه وهو السماء وأراد المشبه به وهو الإبل ثم ذكر شيئا من لوازم الإبل والأقتاب وهو الصوت المعبر عنه بقوله أطت السماء ينتقل الذهن منه. روى ابن عساكر أن في السماء ملائكة قياما لا يجلسون أبدا وسجودا لا يرفعون أبدا وركوعا لا يقومون أبدا يقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك. أه. وقال ابن الزملكاني: وقد دل هذا الخبر ونحوه على أن الملائكة أكثر المخلوقات عددا وأصنافهم كثيرة. وقد ورد في القرآن من ذلك ما يوضحه ومعرفة قدر كثرتهم [ص:537] وتفصيل أصنافهم موكول إليه سبحانه وتعالى {وما يعلم جنود ربك إلا هو} وقيل إن المكلفين أربعة أصناف: الإنسان والملك والجن والشياطين وبنو آدم عشر الجن والجن عشر حيوان البحر والطير والكل عشر ملائكة سماء الدنيا وكلهم عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا إلى ملائكة الكرسي ثم العرش. وفي كتاب الزاهر وغيره عن الأوزاعي وغيره أن في مناجاة موسى قال يا رب من عبدك قبل آدم؟ قال الملائكة قال يا رب كم هم؟ قال اثني عشر ألف سبط قال كم السبط؟ قال مثل الجن والإنس والطير والبهائم اثني عشر ألف مرة. وفي رواية: كم عدد كل سبط؟ قال عدد التراب. وفي تذكرة الإمام الرازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء رأى ملائكة في محل عال مشرف ورأى بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل جبريل: أين تذهبون؟ فقال والذي بعثك بالحق لا أدري إلا أني أراهم هكذا منذ خلقت ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك. وفي الفتوحات: لا يزال الحق يخلق من أنفاس العالم ملائكة ما داموا متنفسين. والأخبار والآثار الدالة على أكثريتهم لاتكاد تحصى
(ابن مردويه) في التفسير (عن أنس) بن مالك. رمز المؤلف لضعفه ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر مرفوعا بلفظ: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها أربع أصابع إلا وعليه ملك واضع جبهته وفي رواية الترمذي ساجدا لله تعالى وهذا الحديث حسن أو صحيح(1/536)
1098 - (أطع كل أمير) ولو جائرا فيما لا إثم فيه وجوبا (وصل خلف كل إمام) ولو فاسقا ومن ثم كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج
قال الشافعي: وكفى به فاسقا (ولا تسبن) بفتح الفوقية وضم المهملة وفتح الموحدة ونون التوكيد: أي لا تشتمن (أحدا من أصحابي) لما لهم من الفضائل وحسن الشمائل التي منها نصرة الإسلام والذب عن الدين ولما وقع بينهم من الحروب محامل
(طب) من حديث مكحول (عن معاذ بن جبل) قال الهيتمي: ومكحول لم يسمع من معاذ فهو منقطع ورواه البيهقي باللفظ المزبور من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد اللخمي عن مكحول عن معاذ قال الذهبي: هذا منقطع(1/537)
1099 - (أطعموا الطعام) للبر والفاجر (وأطيبوا الكلام) لهما فإنه سبحانه أطعم الكفار واصطنع للبر والفاجر وأمر بذلك وكان الحسن بن واصل يقاتل العدو فإذا جن الليل وضع الطعام ولم يمنع من يقاتله من الكفار فيل له فيه فقال إن شئلت عنه قلت منك أخذت وبأمرك ائتمرت أطعمت من أطعمت وقاتلت من أمرت. وقيل المراد بإطعام الطعام السماح بالمال وبطيب الكلام لا إله إلا الله
(طب) وكذا الضياء في المختارة (عن الحسن بن علي) قال الهيتمي فيه القاسم بن محمد الدلال وهو ضعيف(1/537)
1100 - (أطعموا الطعام وأفشوا السلام) بقطع الهمزة فيهما: أي أعلنوه بين المسلمين (تورثوا الجنان) أي فعلكم ذلك وإدامتكم له يورثكم دخول الجنان مع السابقين برحمة الرحمن
(طب عن عبد الله بن الحارث) صحابي شهد فتح مصر ومات سنة ست وثمانين رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي رواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله ثقات(1/537)
1101 - (أطعموا طعامكم الأتقياء) لأن التقي يستعين به على التقوى فتكونون شركاء له في طاعته بالإعانة عليها {وتعاونوا على البر والتقوى} لكن المراد حرمان غير التقي بل أن يكون القصد به للمتقين أصالة فلا يقصد [ص:538] فاجرا يتقوى به على الفجور فيكون إعانة على معصية أو أن المراد إذا لم يتسع حاله للتعميم فيقدم الاتقياء (وأولوا معروفكم المؤمنين) يعني خالطوا الذين حسنت أخلاقهم وأحوالهم في معاملة ربهم بأداء فروضه واتقاء نواهيه وتحمل المشقة في القيام بأنفاقهم وفعل صنوف المعروف معهم وأولئك الصالحون الذين قال الله تعالى عنهم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي فضل زيارة الإخوان (ع) والديلمي (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا ابن المبارك في البر والصلة: قال ابن طاهر غريب وفيه مجهول(1/537)
1102 - (أطفال المؤمنين) أي أولادهم وذراريهم الذين لم يبلغوا الحلم (في جبل في الجنة) يعني أرواحهم فيه (يكفلهم) أي يحضنهم ويقوم بمصالحهم (إبراهيم) الخليل (و) زوجته (سارة) فنعم الوالدان ونعم الكاملان هما وهنيئا مريئا لولد فارق أبويه وأمسى عندهما. وسارة بسين مهملة وراء مشددة لأنها كانت لبراعة جملها تسر كل من يراها وقيل إنها أعطيت سدس الحسن وهي بنت عمه وقيل بنت أخيه وكان جائزا في شرعه (حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة) أي ويرد ولد الزنا إلى أمه: وأسند الكفالة لهما والرد إلى إبراهيم خاصة لأن المخاطب بمثله الرجال ولا ينافي ما ذكر هنا من كفالة إبراهيم لهم ما في خبر آخر من كفالة جبريل وميكائيل وغيرهما لهم لأن طائفة منهم في كفالة إبراهيم وطائفة في كفالة غيره فلا تدافع كما بينه القرطبي وغيره. قال في الإفصاح وغيره: أما مقر الروح فمختلف فيه بحسب المصاحب ومتنوع على قدر المراتب فأرواح في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش إذا باتت وأرواح في قبة خضراء سندسية وعلى بارق نهر بباب الجنة العلية وأرواح الأطفال عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح وأرواح في السماء الدنيا أيضا وأرواح في السماء السابعة في دار يقال لها البيضاء وأرواح في كفالة إبراهيم وأرواح في كفالة جبريل وأرواح في كفالة إسرافيل وأرواح في خزانة رفائيل وأرواح في بيت ممدود بين السماء والأرض وأرواح في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت وأرواح في بئر زمزم ولكل روح اتصال معنوي ببدنها وتعلق قوي بجسدها بحيث يصلح أن يسلم عليها ويفهم ما يقع من الخطاب لديها وترد السلام كالشمس المنيرة فإنها في السماء وأشعتها في الأرض اه. وحينئذ فالمراد بالأطفال في هذا الحديث بعضهم وفيه أن أطفال المؤمنين في الجنة
وقد حكى جمع عليه الإجماع ومراده كما قال النووي إجماع من يعتد به
وأما خبر مسلم عن عائشة توفي صبي من الأنصار فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا الحديث. فأجيب بأنه إنما نهاها عن التسارع إلى القطع بغير دليل أو أنه قبل علمه بأنهم في الجنة وفيه أن الجنة موجودة الآن وهو ما عليه أهل الحق وأنها ذات جبال ولا ينافيه خبر أنها قيعان لأن المراد أن أعظمها كذلك
(حم ك والبيهقي في) كتاب (البعث عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح(1/538)
1103 - (أطفال المشركين) أي أولاد الكفار الصغار (خدم أهل الجنة) يعني يدخلونها فيجعلون خدما لمن فيها وبهذا أخذ الجمهور قال النووي: وهو الصحيح المختار كمن لم تبلغه الدعوة وأولى وأما خبر الله أعلم ما كانوا عاملين فلا تصريح فيه فإنهم ليسوا في الجنة وخبر أحمد عن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد [ص:539] المشركين فقال في النار فضعيف وقيل بالوقف وقيل تحت المشيئة وقيل من علم الله كفره لو عاش في النار وخلافه في الجنة وقيل يصيرون ترابا وقيل غير ذلك والمعول عليه الأول
(طس عن أنس) وسكت عليه ورواه في الكبير عن سمرة (ص عن سلمان) الفارسي (موقوفا) عليه ورواه البخاري في تاريخه الأوسط عن سمرة مرفوعا فإهمال المصنف له واقتصاره على من ذكر من ضيق الفطن(1/538)
1104 - (أطفئوا المصابيح) من بيوتكم (إذا رقدتم) أي نمتم لئلا تجر الفويسقة الفتيلة فتحرق البيت (وأغلقوا الأبواب) أبواب بيوتكم (وأوكؤا الأسقية) اربطوا أفواه القرب (وخمروا الطعام والشراب) أي استروه وغطوه (ولو بعود تعرضه عليه) مع ذكر الله فإنه السر الدافع وقد سبق تقرير ذلك مبينا
(خ عن جابر) بن عبد الله في عدة مواضع(1/539)
1105 - (اطلب) ممن بيده الضر والنفع والإعطاء والمنع والصحة والسقم (العافية) أي السلامة في الدين والبدن والمال والأهل (ترزقها) بالبناء للمفعول (في نفسك) فإنك كما تدين تدان وبالكيل الذي تكتال يكال لك فإن طلبت لغيرك السلامة في دينه جوزيت بمثله أو في بدنه أو أهله أو ماله جوزيت بمثله وهناك ملك موكل يقول ولك بمثل ذلك كما يأتي وقيل سبب تسمية أبي إسحاق الشيرازي بين الفقهاء بالشيخ المطلق أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال علمني كلمات أنجو بها غدا فقال يا شيخ اطلب السلامة في غيرك تجدها في نفسك. وآثر في الحديث التعبير بالرزق دون الإعطاء وغيره إشارة إلى أن العافية أعظم المواهب بعد الإيمان وإيماء إلى تحقق الإعطاء إذا صحب الطلب إخلاص سيما إذا كان بظهر الغيب
(الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمرو) بن العاص(1/539)
1106 - (اطلبوا) بهمزة وصل مضمومة إرشادا (الحوائج) أي حوائجكم إلى ذوي الرحمة من أمتي أي إلى الرقيقة قلوبهم السهلة عريكتهم اللينة شكيمتهم. وجواب الأمر قوله (ترزقوا وتنجحوا) بفتح المثناة فوق وسكون النون وفتح الجيم أي تصيبوا حوائجكم وتبلغوا مقاصدكم ثم علل بقوله (فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي " رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي ") أي اسكنت المزيد منها فيهم ومن لان قلبه وترطب بماء الرحمة فهو أهل للإحسان والنعمة (ولا تطلبوا) نهي إرشاد (الحوائج عند القاسية قلوبهم) أي الغليظة أفئدتهم (فلا ترزقوا ولا تنجحوا) وقاسي القلب لا يستحيي من الرد بل هو حرج الصدر جافي الطبع (فإن الله تعالى يقول إن سخطي) أي كراهتي وشدة غضبي (فيهم) أي جعلته فيهم لأن الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير وكل من رحمته رق فلبك له فأحسنت إليه ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظا لا يرق لأحد ولا لنفسه فالشديد يشد على نفسه ويعسر ويضيق فهو من نفسه في تعب والخلق منه في نصب مكدوح الروح مظلم الصدر عابس الوجه منكر الطلعة ذاهبا بنفسه تيها وعظمة سمين الكلام عظيم النفاق قليل الذكر لله وللدار الآخرة فهو أهل لأن يسخط عليه ويغاضبه ليعاقبه <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الوعيد أن قسوة القلب من الكبائر وحمل على ما إذا حملت صاحبها على نحو منع طعام المضطر
(عق) من طريق محمد ابن أيوب بن الضريس عن جندل بن والق عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند عن [ص:540] أبي نضرة عن أبي سعيد قال العقيلي وعبد الرحمن مجهول لا يتابع على حديثه وداود لا يعرف وخبره باطل. (طس عن أبي سعيد) الخدري قال في اللسان وأظن محمد بن مروان يكنى أبا عبد الرحمن فوقع في رواية العقيلي أن أبا عبد الرحمن سقط من عنده أبي فبقي عبد الرحمن على أن محمد بن مروان لم ينفرد به بل فيه متابع وشاهد من حديث علي في المستدرك وغيره انتهى وأشار بذلك إلى الرد على ابن الجوزي في إيراده في الموضوعات(1/539)
1107 - (اطلبوا الخير) بهمزة وصل مضمومة (عند حسان الوجوه) وفي رواية للخطيب صباح الوجوه أي الطلقة المستبشرة وجوههم فإن الوجه الجميل مظنة لفعل الجميل وبين الخلق والخلق تناسب قريب غالبا فإنه قل صورة حسنة يتبعها نفس رديئة وطلاقة الوجه عنوان ما في النفس وليس في الأرض من قبيح إلا ووجهه أحسن ما فيه وأنشد بعضهم:
دل على معروفه حسن وجهه. . . بورك هذا هاديا من دليل
وأنشد بعضهم:
سيدي أنت أحسن الناس وجها. . . كن شفيعي في هول يوم كريه
قد روى صحبك الكرام حديثا. . . اطلبوا الخير من حسان الوجوه
وقيل أراد حسن الوجه عند طلب الحاجة بدليل أنه قيل للحبر: كم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال إنما نعني حسن الوجه عند طلب الحاجة أي بشاشته عند سؤاله وحسن الاعتذار عند نواله ويشهد له خبر الخطيب عن جابر مرفوعا اطلبوا حوائجكم عند حسان الوجوه إن قضاها قضاها بوجه طليق فرب حسن الوجه ذميم عند طلب الحاجة ورب ذميم الوجه حسن عند طلب الحاجة انتهى ولا يعارضه ما سبق من أن حسن الوجه والسمت يدل على حياء صاحبه ومروءته لأنه غالبي وغيره نادر كما يشير إليه لفظ رب وقيل عبر بالوجه عن الجملة وعن أنفس القوم وأشرفهم يقال فلان وجه القوم وعينهم قال تعالى {كل شيء هالك إلا وجهه} وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال:
يدل على معرفة وحسن وجه. . . وما زال حسن الوجه إحدى الشواهد
(تخ) عن إبراهيم عن معن عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن امرأته صبرة عن أبيها عن عائشة وأورده ابن الجوزي عنه من طريقه ثم قال موضوع والمليكي متروك وتعقبه المؤلف بأنه ممن يكتب حديثه وبأنه لم ينفرد به (وابن أبي الدنيا في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) أي في كتابه المؤلف في ثواب قضاء حوائج الناس عن مجاهد بن موسى عن معن عن يزيد بن عبد الملك النوقلي عن إبراهيم عن أبي أنس (ع) عن داود بن رشيد عن إسماعيل بن عياش عن صبرة بنت محمد بن ثابت عن سباع عن أمها عن عائشة قال الحافظ الزين العراقي وصبرة وأمها وأبوها لا أعرف حالهم (طب عن عائشة) قال الهيتمي فيه من لم أعرفهم (طب عن ابن عباس) بلفظ اطلبوا الخير إلى حسان الوجوه قال الهيتمي فيه عند الطبراني عبد الله بن خراش بن حوشب وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات (عد عن ابن عمر) ابن الخطاب قال ابن عبد الهادي في تذكرته بخطه قال أحمد محمد بن عبد الرحمن بن بجير راويه عن نافع عن ابن عمر ثقة وهذا الحديث كذب انتهى بلفظه (ابن عساكر عن أنس) بن مالك (طس عن جابر) قال الهيتمي وفيه عمر بن صهبان وهو متروك (تمام) في فوائده (قط في رواية مالك) بن أنس الإمام (عن أبي هريرة) قال أعني الهيتمي وفيه طلحة بن عمرو وهو متروك (تمام) في فوائده (عن أبي بكرة) قال الحافظ العراقي وطرقه كلها ضعيفة وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم يصب في قوله في اللآلئ هذا الحديث في نقدي حسن صحيح لم يصب ابن الجوزي [ص:541] حيث حكم بوضعه ولا ابن القيم كشيخه ابن تيمية حيث قال هذا الحديث باطل لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى بل ذاك تفريط وهذا إفراط والقول العدل ما أفاده زين الحفاظ العراقي(1/540)
1108 - (اطلبوا الخير) أمر بمعنى الخبر كقوله تعالى {افعلوا الخير} وقوله في خواص عباده {أولئك يسارعون في الخيرات} والخير هنا جميع أنواع البر (دهركم كله) أي مدة حياتكم جميعها لأن الإنسان لا يعلم نجاته في أي محل ولا في أي وقت تحصل ولهذا قال دهركم كله وفي المصباح يطلق الدهر على الأبد والزمان قل أو كثر لكنه في القليل مجاز على الاتساع (وتعرضوا) أي اقصدوا أو من التعرض وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه (لنفحات رحمة الله) أي اسلكوا طرقها حتى تصير عادة وطبيعة وسجية وتعاطوا أسبابها وهو فعل الأوامر وتجنب المناهي وعدم الانهماك في اللذات والاسترسال في الشهوات رجاء أن يهب من رياح رحمته نفحة تسعدكم أو المعنى اطلبوا الخير متعرضين لنفحات رحمة ربكم بطلبكم منه قال الصوفية التعرض للنفحات الترقب لورودها بدوام اليقظة والانتباه من سنة الغفلة حتى إذا مرت نزلت بفناء القلوب وفي الصحاح نفح الطيب فاح ونفحت الريح هبت ونفحة من عذاب قطعة وفي المصباح نفحه بالمال أعطاه والنفحة العطية وقيل مبتدأ شيء قليل من كثير (فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) المؤمنين فداوموا على الطلب فعسى أن تصادفوا نفحة من تلك النفحات فتكونوا من أهل السعادات. ومقصود الحديث أن لله فيوضا ومواهب تبدو لوامعها من فتحات أبواب خزائتن الكرم والمنن في بعض أوقات فنهب فورتها ومقدماتها كالأنموذج لما رواءها من مدد الرحمة فمن تعرض لها مع الطهارة الظاهرة والباطنة بجمع همة وحضور قلب حصل له منها دفعة واحدة ما يزيد على هذه النعم الدائرة في الأزمنة الطويلة على طول الأعمار فإن خزائن الثواب بمقدار على طريق الجزاء وخزائن المنن النفحة منها تفرق فما تعطي على الجزاء له مقدار ووقت معلوم ووقت النفحة غير معلوم بل مبهم في الأزمنة والساعات وإنما غيب علمه لتداوم على الطلب بالسؤال المتداول كما في ليلة القدر وساعة الجمعة فقصد أن يكونوا متعرضين له في كل وقت قياما وقعودا وعلى جنوبهم وفي وقت التصرف في أشغال الدنيا فإنه إذا داوم أوشك أن يوافق الوقت الذي يفتح فيه فيظفر بالفناء الأكبر ويسعد بسعادة الأبد (وسلوا الله) وفي رواية واسألوا الله (تعالى) أي اطلبوا منه (أن يستر) أي يخفي عن خلقه (عوراتكم) جمع عورة وهي ما يستحى منه إذا ظهر والعوار بالفتح العيب وقد يضم (وأن يؤمن) بضم التحتية وفتح الهمزة والتشديد (روعاتكم) أي فزعاتكم قال الراغب: الروع إصابة الروع واستعمل فيما ألقى فيه من الفزع يقال رعته وروعته وريع فلان وناقة روعاء فزعة والأروع الذي يروع بحسنه كأنه يفزع قال: يروعك أن تلقاه في وسط محفل
ولقد أبدع المصطفى وأملح حيث أتى بجناس الاشتقاق بين عورات وروعات
(ابن أبي الدنيا في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (والحكيم) الترمذي في النوادر
- (هب حل)
والقضاعي كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه حرملة بن يحيى التجيبي قال أبو حاتم لا يحتج به وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين (هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وقول البغدادي حسن صحيح غير صحيح(1/541)
1109 - (اطلبوا الرزق في خبايا الأرض) جمع خبيئة كخطيئة وخطايا أي التمسوه في الحرث لنحو زرع وغرس فإن [ص:542] الأرض تخرج ما فيها من النبات الذي به قوام الحيوان وقيل أراد استخراج الجواهر والمعادن من الأرض وإنما أرشد لطلب الرزق منها لأنه أقرب الأشياء إلى التوكل وأبعدها من الحول والقوة فإن الزارع إذا كرب الأرض ونقاها وقام عليها ودفن فيها الحب تبرأ من حوله وقوته ونفدت حيلته فلا يرى لنفسه حيلة في إنباته وخروجه بل ينظر إلى القضاء والقدر ويرجو ربه دون غيره في إرسال السماء ودفع الآفة مما لا حيلة لمخلوق فيه ولا يقدر عليه إلا الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض. ومن شعر ابن شهاب الزهري قوله في المعنى:
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها. . . لعلك يوما أن تجاب وترزقا
(ع طب) في الأوسط (هب عن عائشة) قال الهيتمي فيه هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي ضعفه ابن حبان انتهى وقال النسائي ذا حديث منكر وقال ابن الجوزي قال ابن طاهر حديث لا أصل له وإنما هو من كلام عروة بل أشار مخرجه البيهقي إلى ضعفه بقوله عقبة هذا إن صح فإنما أراد الحرث وإثارة الأرض للزروع انتهى وفي الميزان عن ابن حبان مصعب بن الزبير ينفرد بما لا أصل له من حديث هشام لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ثم ساق له هذا الخبر(1/541)
1110 - (اطلبوا العلم) الآتي بيانه (ولو بالصين) أي ولو كان إنما يمكن تحصيله بالرحلة إلى مكان بعيد جدا كمدينة الصين فإن من لم يصبر على مشقة التعلم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليها آل عمره إلى عز الدنيا والآخرة وقال علي كرم الله وجهه العلم خير من المال وقال وهب يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيا والقرب وإن كان قصيا والغنى وإن كان فقيرا والنبل وإن كان حقيرا قال الرضي قد تدخل على الواو لو تدل على أن المدلول على جوابها بما تقدم ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدم الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط قال وكذا قوله اطلبوا العلم ولو بالصين والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية ونفي بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقا به معنى مستأنفا لفظيا على طريق الالتفات كقوله. . . فأنت طلاق والطلاق ألية. . . وقوله:. . . ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا
وقد يجيء بعد تمام الكلام كقوله عليه الصلاة والسلام: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم) مكلف وهو العلم الذي لا يقدر المكلف بالجهل يه كمعرفة الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه ومعرفة رسله وكيفية الفروض العينية والمراد بالمعرفة الاعتقاد الجازم لا على طريق المتكلمين من أحكام الحج والاستعداد لدفع الشبه فإنه فرض كفاية وكذا القيام بعلوم الشرع من تفسير وحديث وفقه وأصول وعلوم العربية فتعلم ذلك على كل مسلم مكلف حر ذكر غير بليد فرض كفاية وتعلم الزائد مندوب كتعلم النوافل للعبادة
(هـ هب عن أنس) بن مالك ثم قال أعني البيهقي متنه مشهور وإسناده ضعيف وقد روي من أوجه كلها ضعيفة. إلى هنا كلامه (وابن عبد البر في) كتاب فضل (العلم عق) عن جعفر بن محمد الزعفراني عن أحمد بن أبي سريج الرازي عن حماد بن خالد الخياط عن طريف بن سلمان بن عاتكة عن أنس (عد) عن محمد بن حسن ابن قتيبة عن عباس ابن أبي إسماعيل عن الحسن بن عطية الكوفي عن أبي عاتكة (عن أنس) قال ابن حبان باطل لا أصل له والحسن ضعيف وأبو عاتكة منكر الحديث وفي الميزان أبو عاتكة عن أنس مختلف في اسمه مجمع على ضعفه من طريق البيهقي هذا المذكور عن أنس بن مالك قال السخاوي وغيره وهو ضعيف من الوجهين بل قال ابن حبان باطل لا أصل له وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع بقول المزي له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن ويقول الذهبي في تلخيص الواهيات روي من عدة طرق واهية وبعضها صالح(1/542)
[ص:543] 1111 - (اطلبوا العلم ولو بالصين) أي فيها مبالغة في البعد (فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم) ثم بين ما في طلبه من الفضل ومزيد الشرف بقوله (إن الملائكة تضع أجنحتها) جمع جناح (لطالب العلم) تبسطها له وتفرشها تحت قدميه أو تتواضع له تعظيما لحقه أو تنزل عنده وتترك الطيران أو تعينه وتيسر له السعي في طلب العلم أو تظل لأجله ولا مانع من اجتماعها (رضى بما يطلب) أي رضى له بسبب العلم الذي يطلبه أو رضى بالعلم الذي هو طالبه وفيه كالذي قبله ندب الرحلة في طلب العلم وطلب العلو فيه (تتمة) أخرج الرهاوي والطبراني وغيرهما عن زكريا الساجي قال كنا نمشي في بعض أزقة البصرة لبعض المحدثين فأسرعنا فقال رجل ارفعوا أرجلكم عني أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ فما زال من محله حتى جفت رجلاه وسقط قال الرهاوي هذا كرأي عين لأن رواته أعلام
(ابن عبد البر) في كتاب العلم عن أحمد بن عبد الله بن محمد عن مسلمة بن القاسم عن يعقوب بن إسحاق العسقلاني عن عبيد الله الفرياني عن أبي محمد الزهري (عن أنس) بن مالك قال في الميزان يعقوب كذاب انتهى وقال النيسابوري وابن الجوزي ثم الذهبي لم يصح فيه إسناد(1/543)
1112 - (اطلبوا العلم يوم الاثنين) لفظ رواية أبي الشيخ والديلمي فيما وقفت عليه من نسخة مصححة بخط الحافظ ابن حجر في كل يوم اثنين فكأن المصنف ذهل عنه أو تبع بعض النسخ السقيمة (فإنه ميسر لطالبه) فيه أي يتيسر له أسباب تحصيله بدفع الموانع وتهيئة الأسباب إذا طلبه فيه وذلك لأنه اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وجاء الوحي فيه ويشاركه في ندب الطلب فيه الخميس كحديث ابن عدي عن جابر اطلبوا العلم لكل اثنين وخميس فإنه ميسر لمن طلب وينبغي طلبه في أول النهار لخبر يأتي (أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب
(فر) وكذا ابن عساكر (عن أنس) وفيه مغيرة عن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين ليس بشيء ووقفه طائفة(1/543)
1113 - (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري) أي تمر (بالمقادير) يعني لا تذلوا أنفسكم في الجد بالطلب والتهافت على التحصيل بل اطلبوا طلبا رفيقا بعزة نفس وعدم تذلل للميول فإن ما قدر سيكون وما لم يقدر لم يكن فلا فائدة في الانهماك إلا إذاية الجسم وكثرة الهم
(تمام) في فوائده (وابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني ولأبويه صحبة زارهم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأكل عندهم ودعى لهم رمز لضعفه(1/543)
1114 - (اطلبوا الفضل) أي الزيادة من الإحسان والتوسعة عليكم (عند) وفي نسخة إلى وهي بمعنى من (الرحماء من أمتي) أمة الإجابة (تعيشوا) بالجزم جواب الأمر (في أكنافهم) جمع كنف بفتحتين وهو الجانب (فإن فيهم رحمتي) كذا وجدته في النسخ المتداولة والظاهر أنه سقط قبله من الحديث فإن الله يقول أو نحو ذلك ثم رأيت الحافظ الذهبي وغيره ساق الخبر من هذا الوجه من حديث أبي سعيد مصرحا بكونه قدسيا فقال أوله يقول الله اطلبوا الخير إلى آخر ما هنا وقال من عبادي بدل من أمتي وهكذا ساقه ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه المؤلف في مختصرها فقال يقول الله عز وجل اطلبوا إلخ والمعنى إذا احتجتم إلى فضل غيركم من مال أو جاه أو معونة فاطلبوه عند رحماء هذه [ص:544] الأمة وهم أهل الدين والشرف وطهارة العنصر فإن من توفر حظه من ذلك عظمت شفقته فرحم السائلين وبذل لهم فضل ما عنده طلبا للثواب من غير من ولا أذى ولا مطل بل في ستر وعفاف وإغضاء فيعيش في ظله مع سلامة الدين والعرض ولا يسترقه ببره (ولا تطلبوا) الفضل (من القاسية قلوبهم) أي الفظة الغليظة قلوبهم (فإنهم ينتظرون سخطي) {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} وإنما قست بالتباعد عن الله من أجل نقض الميثاق وفي خبر سيجيء لا يدخل الجنة إلا رحيم قالوا كلنا رحيم قال ليس رحمة أحدكم خويصته يعني أهله لكن حتى يرحم العامة فرحمة الخويصة هي رحمة العطف من الرحمة المقسومة بين الخلق ورحمتك للعامة من رحمة المعرفة بالله تعالى وقيل لحكيم لم صارت الملوك أقسى قلوبا قال تباعدت منها الفكرة وتمكنت منها القسوة والشهوة فاسودت وصلبت
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق) عن محمد بن أيوب بن الضريس عن جندل بن واثق عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن ابن السدي عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة (عن أبي سعيد) الخدري قال في اللسان ورواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن مروان السدي عن داود وكذا رواه ابن حبان في الضعفاء من هذا الوجه قال العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول لا ينابع على حديثه ولا يعرف من وجه يصح وفي الميزان عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند لا يعرف وأتى بخبر باطل ثم ساق هذا الخبر وقال خرجه العقيلي قال في اللسان ولفظ العقيلي عبد الرحمن السدي مجهول لا يتابع ولا يعرف حديثه من وجه يصح انتهى وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني وفيه محمد ابن مروان السدي ضعيف جدا وقال تلميذه الهيتمي متروك انتهى ورواه الحاكم من حديث علي وقال صحيح قال العراقي وليس كما قال وأورده ابن الجوزي في الموضوعات(1/543)
1115 - (اطلبوا المعروف) أي الإحسان قال الحراني المعروف ما أقره الشرع وقبله العقل ووافقه كرم الطبع قال ابن الأثير النصفة وحسن الصحبة مع الناس (من) وفي نسخة إلى وهي بمعنى من (رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم) يعني الأمر بالطرد والابعاد عن منازل أهل الرشاد قال ابن تيمية والمراد بهم هنا اليهود بقرينة تصريحهم بأن المراد هم في آية {ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} وقسوة القلب من ثمرات المعاصي وقد وصف الله اليهود بها في غير موضع منها {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة. . . الآية} {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} ثم قال أعني ابن تيمية وأن قوما ممن قد ينسب إلى علم ودين قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب نعوذ بالله مما يكرهه الله ورسوله (يا علي) بن أبي طالب (إن الله تعالى خلق المعروف) وهو كل ما عرفه الشرع بالحسن وقبل ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل النقل ثم غلب على اصطناع الخير (وخلق له أهلا فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه) بالتشديد (كما وجه الماء في الأرض الجدبة) بفتح الجيم وسكون المهملة أي المتقطعة الغيث من الجدب وهو المحل وزنا ومعنى (لتحيا به ويحيا به أهلها إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) يعني من بذل معروفه [ص:545] للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الأخرة والمراد من بذل جاهه لأهل الجرائم فشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ومفهوم الحديث أن أهل الشر في الدنيا هم أهل الشر في الآخرة <فائدة> في مستدرك الحاكم بسند عن أبي جعفر من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس والقرآن السورة في جام بزعفران ثم يشربه
(ك هـ) في الرقاق (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه قال الحاكم في مستدركه صحيح ورده الذهبي بأن فيه الأصبغ بن نباتة واه جدا وحبان بن على ضعفوه انتهى(1/544)
1116 - (اطلع) بهمزة وصل مكسورة بصيغة الأمر (في القبور) أي أشرف عليها وانظر إليها وتأمل ما صار إليه أهلها من ذهاب الأموال وفناء الآمال وأكل الدود والتراب وانقطاع عن الأهل والأحباب والمصير إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار قال ابن كمال أصل تعدية اطلع بعلى لما فيه من معنى الإشراف كما في الصحاح وعداه هنا بقي باعتبار تضمنه معنى النظر والتأمل والقبر الدفن يقال قبرت الميت أقبره بضم أو كسر قبرا دفنته وأقبرته أمرت بأن يقير والمراد هنا محل الدفن وقد شاع استعماله فيه والمقابر جمع مقبرة ولم يأت في القرآن إلا في {ألهاكم} (واعتبر) أي انعظ (بالنشور) أي انظر وتأمل في قيام الموتى من قبورهم للعرض والحساب والاعتبار من العبرة بمعنى النظر في حال الأموات فأمره بالنظر في القبور على وجه يترتب عليه الاعتبار المذكور وتتبعه العبرة في أحوال النشور ليقل أمل الناظر وبصدق زهده وفي الصحاح نشر الميت ينشر نشورا عاش بعد الموت ومنه يوم النشور وفي الأساس إنه من المجاز أصله نشر بمعنى بسط
أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن من أعظم أدوية قسوة القلوب زيارة القبور وتأمل حال المقبور وما بعده من البعث والنشور الباعث على ذكر هازم اللذات ومفرق الجماعات وكذا مشاهدة المحتضرين وتغسيل الموتى والصلاة على الجنائز فإن في ذلك موعظة بليغة كما يأتي في خبر
(هب) وكذا الديلمي (عن أنس) قال شكى رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قال عقبة هذا متن منكر فحذف ذلك من كلامه غير صواب وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن يونس الكديمي من مناكيره وقال هذا أحد المتروكين واتهمه ابن عدي وابن حبان بالوضع(1/545)
1117 - (اطلعت) بهمزة وصل فطاء مفتوحة مشدودة فلام مفتوحة أي تأملت ليلة الأسراء أو في النوم أو في الوحي أو بالكشف لعين الرأس أو لعين القلب لا في صلاة الكسوف كما قيل (في الجنة) أي عليها (فرأيت أكثر أهلها الفقراء) أي فقراء المدينة. ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت معنى علمت وكذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطلاع بمعناه الحقيقي كفاه مفعول واحد ذكره الطيبي. وهذا من أقوى حجج من فضل الفقر على الغنى والذاهبون لمقابله أجابوا بأن الفقر ليس هو الذي أدخلهم الجنة بل الصلاح (واطلعت في النار) أي عليها والمراد نار جهنم (فرأيت أكثر أهلها النساء) لأن كفران العطاء وترك الصبر عند البلاء وغلبة الهوى والميل إلى زخرف الدنيا والإعراض عن مفاخر الآخرة فيهن أغلب لضعف عقلهن وسرعة انخداعهن - وعورض هذا بأن هذا في وقت كون النساء في النار أما بعد خروجهن بالشفاعة والرحمة حتى لا يبقى فيها أحد من قال لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر وحينئذ يكون لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا وسبعون من الحور العين ذكره القرطبي وغيره ولفظ أحمد الأغنياء والنساء - وعورض أيضا بخبر: رأيتكن أكثر أهل الجنة وأجيب بأن المراد بكونهن أكثر أهل النار نساء الدنيا وبكونهن أكثر أهل الجنة نساء الآخرة. وفيه حث على التقلل من الدنيا وتحريض النساء على التقوى والمحافظة من الدين على [ص:456] السبب الأقوى وأن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا لبعض المتزلة
(حم م) في الدعوات (ت) في صفة جهنم (عن أنس) بن مالك (تخ) في صفة الجنة وغيره (ت) وكذا النسائي في عشرة النساء والرقائق فما أوهمه صنيع المؤلف من أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة غير صواب (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الخزاعي كانت تسلم عليه الملائكة ورواه أحمد عن ابن عمرو باللفظ المذكور لكنه أبدل النساء بالأغنياء قال العراقي كالمنذري وسنده جيد(1/545)
1118 - (أطوعكم لله) أي أكثركم طاعة أي انقيادا له من طاع يطيع ويطوع انقاد: أي أفضلكم بدين أو علم (الذي يبدأ صاحبه بالسلام) أي هو الأحمق بأن يبدأ صاحبه بالسلام عند التلاقي فإذا تلاقى اثنان فأكثر ندب أن يبدأ به الأفضل هذا إذا كانا مارين أما لو كان أحدهما واردا فهو الذي يبدأ بالسلام فاضلا أو مفضولا صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا كما ذكره النووي قال الماوردي ومن مشى في الشارع المطروق كالسوق لا يسلم إلا على البعض لأنه إن سلم على كل من لقي تشاغل به عن المهم الخارج لأجله وخرج به عن العرف
(طب عن أبي الدرداء) قال قلنا يا رسول الله إنا لنلتقي فأينا يبدأ بالسلام؟ فذكره قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم. انتهى(1/456)
1119 - (أطول الناس أعناقا) بفتح الهمزة جمع عنق بالضم أي من أكثرهم رجاءا وتشوقا إلى رحمة الله تعالى لأن المتشوق إلى الشيء يتطاول بعنقه إلى التطلع والناس يومئذ في الكرب (يوم القيامة المؤذنون) للصلوات فهم يتطلعون لأن يؤذن لهم في دخول الجنة أو المراد أكثرهم أعمالا يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه وروي بكسرها أي أكثرهم إسراعا إلى الجنة والعنق بفتحتين السير بسرعة وأما ما نقله البيهقي عن الظاهري أن معناه أن المرء يعطش في الموفف فتنطوي عنقه والمؤذن لا يعطش فعنقه قائم فلا سياق يعضده ولا دليل يؤيده ثم إنه لا يلزم من تمييز المؤذنين بهذا النعت أن لا يكون غيرهم أرفع درجة منهم لأسباب أخر نعم أخذ منه النووي أنه أفضل من الإمامة وإنما لم يؤذن المصطفى صلى الله عليه وسلم لشغله بأمر الرسالة على أنه أذن مرة في السفر كما في المجموع وغيره
(حم عن أنس) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح اه ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/456)
1120 - (اطووا) إرشادا (ثيابكم) يعني لفوها إذا نزعتموها لإرادة نحو نوم أو مهنة ولا تتركوها منشورة فإنكم إذا طويتموها (ترجع إليها أرواحها) يعني تبقى فيها قوتها والأرواح جمع روح شبهها بالحيوانات ذوات الأرواح على الاستعارة وليست هي جمع ريح كما وهم (فإن الشيطان) أي إبليس أو المراد الجنس (إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه) أي لم يسلط على لبسه بل يمنع منه من قبل خالقه إن اقترن طيه بالتسمية (وإن وجده منشورا لبسه) فيسرع إليه البلى وتذهب منه البركة ويورث من لبسه بعد ذلك الغفلة عن ذكر الله والفتور عن العبادة والمراد بالثياب هنا ما يلبس من نحو قميص وجبة وإزار وسراويل ورداء وخف. ويؤخذ من العلة أن العمامة كذلك فيحلها إذا أراد نحو النوم ثم يكورها إذا أراد الخروج وأما ما لا يمكن طيه كقلنسوة ونعل فيكفي في حرمان الشيطان منه التسمية المقارنة للوضع
(طس عن جابر) بن عبد الله وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد انتهى قال الهيتمي وفيه عمر بن موسى بن وجيه وهو وضاع وقال السخاوي إسناده واه وأما خبر اطووا ثيابكم بالليل لا تلبسها الجن فتتوسخ [ص:547] فلم أره وفي كلام بعضهم أنها تقول اطووني ليلا أحملكم نهارا(1/456)
1121 - (أطيب الطيب) أي أفضله وأشرفه (المسك) بكسر الميم فهو أفخر أنواعه وسيدها قال ابن القيم وأخطأ من قدم عليه العنبر كيف وهو طيب الجنة والكثبان التي هي مقاعد الصديقين فيها منه لا من العنبر والذي غر قائله أنه لا يتغير على مر الزمان كالذهب وهذه خصيصة واحدة لا تقاوم ما في المسك من الخواص وقال المصنف أطيب الطيب المسك والعنبر والزعفران وللمسك من بينهم مزيد خصوصية وله عليهم الفضل والمزية حيث جاء ذكره في التنزيل وذلك غاية التشريف والتبجيل قال الله تعالى {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} ومن منافعه أنه يطيب العرق ويسخن الأعضاء ويمنع الأرياح الغليظة المتولدة في الأمعاء ويقوي القلب ويشجع أصحاب المرة السوداء وفيه من التوحش تفريح ومن السدد تفتيح ويصلح الأفكار ويذهب بحديث النفس ويقوي الأعضاء الظاهرة والباطنة شربا ويعين على الباه وينفع من باد الصداع ويقوي الدماغ وينفع من جميع علله الباردة ويبطل عمل السموم وغير ذلك <تنبيه> المشهور أنه غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في الأسفل والمسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن تسقط منه وفي مشكل الوسيط لابن الصلاح أن النافجة في جوفه كالانفحة في جوف الجدي يلقيها كما تلقى الدجاجة البيضاء وجمع بأنها تلقينها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تنحك بشيء فتسقط قال النووي وأجمعوا على طهارة المسك وجواز بيعه ونقل عن الشيعة فيه مذهب باطل وقال الزمخشري قال الحافظ سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن المسك فقال لولا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تطيب به ما تطيبت به وأما الزباد فليس يقرب ثيابي. فقلت قد يرتضع الجدي من خنزيرة ولا يحرم لحمه لأن اللبن استحال لحما وخرج من تلك الطبيعة وتلك الصورة وذلك الاسم فالمسك غير الدم والخل غير الخمر والجوهر لا يحرم لعينه وإنما للأعراض والعلل فلا تنفر منه عند تذكرك الدم فليس منه
(حم م د ن عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه أيضا الطيالسي وغيره(1/547)
1122 - (أطيب الكسب) أي أفضل طرق الاكتساب قال ابن الأثير الكسب السعي في طلب الرزق والمعيشة (عمل الرجل بيده) في صناعته وزراعته ونحو ذلك من الحرف الجائرة غير الدنيئة التي لا تليق به وذكر اليد بعد العمل من قبيل قولهم رأيت بعيني وأخذت بيدي والمقصود منه تحقيق العمل وتقريره والتكسب بالعمل سنة الأنبياء كان داود عليه السلام يعمل الزرد فيبيعه بقوته وكان زكريا نجارا (وكل بيع مبرور) أي مقبول عند الله بأن يكون مثابا به أو في الشرع بأن لا يكون فاسدا ولا غش فيه ولا خيانة لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه ونبه بالبيع على بقية العقود المقصود بها التجارة واعلم أن أصول المكاسب ثلاثة زراعة وصناعة وتجارة والحديث يقتضي تساوي الصناعة باليد والتجارة وفضل أبو حنيفة التجارة ومال الماوردي إلى أن الزراعة أطيب الكل والأصح كما اختاره النووي أن العمل باليد أفضل قال فإن كان زراعا بيده فهو أطيب مطلقا لجمعه بين هذه الفضيلة وفضيلة الزراعة
(حم ط) وكذا في الأوسط (ك) وكذا البزار (عن رافع بن خديج) قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب فذكره قال الهيتمي فيه المسعودي وهو ثقة لكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وقال ابن حجر رجاله لا بأس بهم (طب) وكذا في الأوسط
(عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيتمي رجاله ثقات
انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/547)
[ص:548] 1123 - (أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله) أي ما يكسبه من غنيمة وفيء وسلب قتيل ونحوها لأن ما حصل بسبب الحرص على نصرة دين الله ونيل درجة الشهادة لا شيء أطيب منه فهو أفضل من البيع وغيره مما مر لأنه كسب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرفته؟ ألا ترى إلى قوله جعل رزقي تحت ظل رمحي فأفضل الكسب مطلقا سهم الغازي لما ذكر ثم ما حصل بالاحتراف من عمل اليد لأنه كسب كثير من الأنبياء
(الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس)(1/548)
1124 - (أطيب اللحم) المأكول أي ألذه وأحسنه كذا جرى عليه جمع وجعله بعضهم من الطيب بمعنى الظاهر (لحم الظهر) هو على حذف من أو التفضيل فيه نسبي أو إضافي إذ لحم الذراع أطيب منه لأنه أخف على المعدة وأسرع انهضاما وأنفع ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحبه ويقدمه على غيره بل ذهب البعض إلى تقديم كل مقدم فقال لحم الرقبة يقدم فالذراع لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الرقبة هادية الشاة وأقربها إلى الخير وأبعدها عن الأذى فالعضد فالظهر لكن الأصح تفضيل الذراع
(حم هـ ك هب عن عبد الله بن جعفر) قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي(1/548)
1125 - (أطيب الشراب) أي أفضله وأحسنه (الحلو البارد) فإنه موافق للمعدة ملائم للبدن لذيذ للشارب ولهذا كان أحب الأشربة إليه عليه الصلاة والسلام كما يجيء وهو سيد الأشربة كما في خبر آخر لأنه إطفاء للحرارة وأدفع للقلة وأبعث للشكر قال ابن القيم إذا جمع الماء الحلاوة والبرد كان أنفع للبدن وأحفظ للصحة وأكثر تغذية وتنفيذ للطعام إلى الأعضاء والفاتر ينفخ ويفعل ضد ذلك
(ت عن الزهري مرسلا حم عن ابن عباس) قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن تابعه لم يسم(1/548)
1126 - (أطيعوني ما كنت) وفي رواية ما دمت (بين أظهركم) أي مدة كوني بينكم حيا فإني لا آمر ولا أنهى إلا بما أمر الله ونهى عنه لأن دعوتي إنما هي لطاعة الله فطاعتي طاعة الله ومن خصائصه أن الله فرض طاعته على العالم فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وبين قوله ما دمت أو كنت بين أظهركم المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه من غير نظر فيه ولا عرضه على الكتاب لأنه لا ينطق عن الهوى ويخاطب كل قوم وشخص بما يليق بالحال والمكان والزمان وأما بعده فيجب عند التعارض ونحوه على الصحيح ويراجع الكتاب وينظر في الترجيح كما أشار إليه قوله (وعليكم بكتاب الله) أي الزموه ثم بين وجه لزومه على طريق الاستئناف بقوله (أحلوا حلاله وحرموا حرامه) يعني ما أحله افعلوه جازمين بحله وما حرمه دعوه ولا تقربوه فكأنه يقول ما دمت بين أظهركم فعليكم باتباع ما أقول وأفعل فإن الكتاب علي نزل وأنا أعلم الخلق وأما بعدي فالزموا الكتاب فما أذن في فعله فخذوا به وما نهى عنه فانتهوا به وعلم من التقرير المار أن لفظ الظهر مقحم للتأكيد <تنبيه> قال العارف ابن عربي قد صح عندنا بالتواتر أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وأنه جاء من عند الله بما يدل على صدقه وهو القرآن المعجز وأنه ما استطاع أحد معارضته فثبت العلم بأنه البناء الحق والقول الفصل والأدلة سمعية وعقلية وإذا حكما بأمر فلا شك أنه يجب العمل بمضمونه فلزمنا أن نلتزم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه وهو بمنزلة الدليل [ص:549] العقلي في الدلالة فلا يحتاج مع ثبوت هذا الأصل إلى دلالة
(طب عن عوف) بفتح المهملة أوله وآخره فاء (ابن مالك الأشجعي) قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب أو قال موعوك فذكره قال الهيتمي رجاله ثقات موثقون وقال المنذري رجاله ثقات(1/548)
1127 - (أظهروا النكاح) أي أعلنوا عقده واضربوا عليه بالدفوف (وأخفوا الخطبة) بكسر الخاء أسروها ندبا وهي الخطاب في غرض التزوج قال الحراني هي هيئة الحال فيما بين الخاطب والمخطوبة الذي النطق بها هو الخطبة بضم الخاء وألحق بعضهم بطلب إعلان النكاح ونوزع والأوجه حمل الإظهار على ختان الذكر والإخفاء على ختان الأنثى وسيأتي لذلك مزيد توضيح
(فر عن أم سلمة) وفيه من لا يعرف لكن له شواهد تجبره(1/549)
1128 - (أعبد الناس) من هذه الأمة أي أكثرهم عبادة (أكثرهم تلاوة للقرآن) لأنه أفضل الذكر العام والعبادة الطاعة مع خضوع وتذلل لله وحده وقيل لغة الخضوع وعرفا فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه
(فر عن أبي هريرة) وفيه ضعف(1/549)
1129 - (أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن وأفضل العبادة الدعاء) أي الطلب من الله تعالى وإظهار التذلل والافتقار بين يديه والمراد أن كلا منهما من الأفضل فلا يلزم منه أن الدعاء أفضل من القراءة هذا والأوجه حمل الدعاء على الصلاة فهي أفضل العبادات مطلقا بعد الإيمان وهي مشتملة على الدعاء والقرآن
(المرهبي) بضم الميم وبموحدة نور الهدى حسين بن علي (في) كتاب فضل (العلم له عن يحيى بن أبي كثير مرسلا) هو أبو نصر اليماني مولى طيء أحد الأعلام والعلماء العباد وأردف المؤلف المسند بهذا المرسل إشارة إلى تقويته به(1/549)
1130 - (اعبد) بهمزة وصل مضمومة (الله) أي أطعه فيما أمر ونهى والعبادة الطاعة كما تقرر ولما كان أحد قسمي الكفار يأتون بصورة عبادة لكن يشركون معه غيره تعالى عقب العبادة بنفي الشرك صريحا وإن كان ذلك من لوازم العبادة الصحيحة فقال (لا تشرك به شيئا) حال من ضمير اعبد أي اعبد الله غير مشرك به شيئا صنما ولا غيره أو شيئا من الإشراك جليا أو خفيا وأعم من ذلك البراءة من الشرك العظيم بأن لا يتخذ مع الله إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا يصح معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا يرى لله فيه شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة لأن الشرك في سائر أسمائه الظاهرة لا يصح معه القبول ذكره الحراني (وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة) إلى مستحقيها قيد الزكاة به مع أنها لا تكون إلا مفروضة حثا عليها لأن المال محبوب والطبيعة تشح به أو لأن الزكاة تطلق على إعطاء المال تبرعا والتقرب بالفرض أفضل من التقرب بالنفل (وحج) البيت (واعتمر) أي ائت بالحج والعمرة المفروضتين وهي مرة في العمر إن استطعت إليهما سبيلا ومن تطوع فهو خير له (وصم) كل سنة (رمضان) حيث لا عذر (وانظر) أي تأمل وتدبر فهو من الرأي لا الرؤية (ما تحب للناس أن يؤتوه إليك) أي يعاملوك به (فافعله بهم) أي عاملهم به (وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم) أي اتركهم (منه) أي من فعله بهم فإنك إن فعلت ذلك [ص:550] استقام لك الحال ونظروا إليك بعين الكمال والإجلال واستجلبت ودهم وأمنت شرهم والأمر في الخمسة الأول للفرضية وفي الأخيرة للندب في المندوب والوجوب في الواجب والقصد به الحث على مكارم الأخلاق والمحافظة على معالي الأمور والتحذير من سفسافها وأدانيها والخطاب وإن وقع لواحد لكن المراد به كل مكلف ممن في زمنه ومن بعده
(طب عن أبي المنتفق) العنبري صحابي روى عن أبيه رمز المصنف لحسنه(1/549)
1131 - (اعبد الله) مقصوده كما قال الحراني حمل الخلق على صدق التذلل أثر التطهير من رجسهم ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب ولما ظهر لهم خوف الزجر من زجر عبادة إله آخر أثبت لهم الأمر بالتفريد حيث قال (ولا تشرك به شيئا) أي لا تشرك معه في التذلل له شيئا أي كان وهذا أول ما أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما لأن الكفار كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاؤه (واعمل لله كأنك تراه) رؤية معنوية يعني كن عالما متيقظا لا ساهيا ولا غافلا وكن مجدا في العبودية مخلصا في النية آخذا أهبة الحذر فإن من علم أن له حافظا رقيبا شاهدا لحركاته وسكناته فلا يسيء الأدب طرفة عين ولا لمحة خاطر وهذا من جوامع الكلم وقال هنا اعمل لله وقال في حديث الصحيحين اعبد الله لأن العمل أعم فيشمل (واعدد نفسك في الموتى) وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى تبقى من أهلها وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر وقد قال علي كرم الله وجهه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل انتهى فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة فصرت من عسكر الموتى فنزل نفسك منزلة من قضى نحبه واترك الحرص واغتنم العمل وقصر الأمل ومن تصور في نفسه أنه يعيش غدا لا يهتم له ولا يسعى لكفايته فيصير حرا من رق الحرص والطمع والذل لأهل الدنيا قال ابن الجوزي إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحا (واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر) أي عند مرورك على كل شيء من ذلك فالمراد ذكره على كل حال قال العارفون: ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره ولما كان ذلك كله يرجح إلى الأمر بالتقوى والاستقامة وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف بالعصمة وحفظ عن كل وصمة وأما غيره فلا بد له من سقطة أو هفوة: أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله (وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة) تمحها لأن الحسنات يذهبن السيئات (السر بالسر والعلانية بالعلانية) أي إن عملت سيئة فقابلها بحسنة سرية وإن عملت سيئة علانية فقابلها بحسة علانية هذا هو الأنسب وليس المراد أن الخطيئة السرية لا يكفرها إلا توبة جهرية وعكسه كما ظن وقيل أراد بتوبة السر الكفارة التي تكون للصغيرة بالعمل الصالح والقسم الثاني بالتوبة كما سبق موضحا
(طب هب) من حديث أبي سلمة (عن معاذ) بن جبل قال أردت سفرا فقلت يا رسول الله أوصني فذكره قال المنذري ورواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ وقال الحافظ العراقي رجاله ثقات وفيه انقطاع انتهى وقال تلميذه الهيتمي أبو سلمة لم يدرك معاذا ورجاله ثقات وقد رمز المصنف لحسنه(1/550)
[ص:551] 1132 - (اعبد الله) وحده حال كونك (كأنك تراه) فإن العبد إذا علم أن الله مطلع على عبادته وسره وعلنه فيها اجتهد في إخلاصه وإتقانها على أكمل ما أمكنه وليس في هذا ونحوه ما يدل على جواز رؤيته تعالى في الدنيا كما وهم (وعد نفسك في الموتى) أي اقطع أطماعك في الدنيا وأهلها واخمل ذكرك واخف شأنك كما أن الموتى قد انقطعت أطماعهم من الدنيا وأهلها واشهد مشاهد القيامة وعد نفسك ضيفا في بيتك وروحك عارية في بدنك خاشع القلب متواضع النفس بريء من الكبر تنظر إلى الليل والنهار فتعلم أنها في هدم عمرك ومن عقد قلبه على ذلك استراح من الهموم وانزاحت عنه الغموم (وإياك ودعوات المظلوم) أي احذرها واجتنب ما يؤدي إليها وفي رواية دعوة المظلوم بالإفراد (فإنهن مجابات) بلا شك لما مر أنها ليس بينها وبين الله حجاب وأنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة (وعليك بصلاة الغداة) أي الصبح (وصلاة العشاء فاشهدهما) أي احضر جماعتهما ودوام عليهما (فلو تعلمون) جمع بعد الإفراد إشارة إلى أن الخطاب وإن وقع لمفرد معين فالقصد التعميم (ما فيهما) من مزيد الفضل ومضاعفة الأجر وكثرة الثواب وقمع النفس والشيطان وقهر أهل النفاق والطغيان (لأتيتموهما) أي أتيتم محل جماعتهما (ولو) كان إتيانكم له إنما هو (حبوا) أي زحفا على الإست أو على الأيدي والأرجل يعني لجئتم إلى محل الجماعة لفعليهما معهم ولو بغاية المشقة والجهد والكلفة فكنى بالزحف عن ذلك ووجه تخصيصهما بذلك ما فيهما من المشقة كما مر
(طب) عن رجل من النخع (عن أبي الدرداء) قال الرجل سمعت بالدرداء حين حضرته الوفاة يقول أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وضعفه المنذري وقال الهيتمي الرجل الذي من النخع لم أعرفه ولم أجد من ذكره والمصنف رمز لحسنه وفيه ما ترى(1/551)
1133 - (اعبد الله كأنك تراه) ومحال أن تراه وتشهد معه سواه وهذا يسمى مقام المشاهدة والمراقبة وهو أن لا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده فإن لم يحصل له هذا المقام هبط إلى مقام المراقبة المشار إليه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي أنك بمرأى من ربك لا يخفاه شيء من أمرك ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} وفيه حث على كمال الإخلاص ولزوم المراقبة. قيل راود رجل امرأة فقالت ألا تستحي فقال لا يرانا إلا الكواكب قالت فأين أنت من مكوكبها؟ وقال العارف ابن عربي لو لم يبصرك ولم يسمعك لجهل كثيرا منك ونسبة الجهل إليه محال فلا سبيل إلى نفي هاتين الصفتين عنه بحال (واحسب نفسك مع الموتى) أي عد نفسك من أهل القبور وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (واتق دعوة المظلوم) أي دعواته إذ هو مفرد مضاف (فإنها مستجابة) ولو بعد حين كما سبق
(حل عن زيد بن أرقم) ابن زيد بن قيس الأنصاري صحابي مشهور أول مشاهده الخندق رمز المصنف لحسنه(1/551)
1134 - (اعبد الله ولا تشرك به شيئا وزل) بضم الزاي وسكون اللام من الزوال وهو الذهاب (مع القرآن أينما زال) [ص:552] أي ارتحل معه أينما ارتحل فأحل حلاله وحرم حرامه وراع أحكامه ودر معه كيفما دار فإنه المزيل لأمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك كفيل برد النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة على أحسن الوجوه وأقربها إلى العقول وأفصحها وأنجحها وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن (واقبل الحق) أي قوله وفعله (ممن جاء به من صغير أو كبير) أي من مسن أو حديث السن أو جليل العذر أو وضيع فالمراد الصغير والكبير حسا ومعنى (وإن كان بغيضا) لك (بعيدا) منك بعدا حسيا أو معنويا (واردد الباطل) بشرط سلامة العاقبة (ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبا) لك (أو قريبا) منك حسا أو معنى نسيبا أو غيره والخطاب وإن كان ورد جوابا لسؤال طالب للتعليم لكن المراد به العموم وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الوجوب لا يسقط لكون الآتي بالباطل حبيبا أو قريبا كالأصل والفرع والشيخ والسيد والحاكم والقاضي بشرطه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فذكره ورواه عن الديلمي أيضا باللفظ المذكور وفيه عبد القدوس بن حبيب الدمشقي قال الذهبي في الضعفاء تركوه(1/551)
1135 - (اعبدوا الرحمن) أي أفردوه بالعبادة فإنه المنعم بجلائل النعم ودقائقها أصولها وفروعها فخص اسم الرحمن للتنبيه على ذلك ولمناسبته لقوله (وأطعموا) بهمزة قطع (الطعام) للخاص والعام البر والفاجر (وأفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) أظهروه وعموا به المؤمنين ولا تخصوا به المعارف إحياء للسنة ونشرا للأمان بين الأمة وقصدا إلى التحابب والتوادد واستكثارا للإخوان لأن كلمته إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها وهي أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة (تدخلوا) بالجزم جواب الأمر (الجنة بسلام) أي إذا فعلتم ذلك ودمتم عليه وشملتكم الرحمة يقال لكم {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} آمنين {لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} قال الزين العراقي فيه أن هذه الأعمال موصلة إلى الجنة وهو موافق لقوله تعالى {تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ولا يشكل بخبر " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " لما قال ابن عباس إنهم يدخلونها بالرحمة ويقتسمون المنازل بالأعمال الصالحة فعليه تكون وراثتهم للمنازل بهذه الأعمال الصالحة بفضل الله فهو الموفق لها والمجازي عليها فضلا منه لا وجوبا كما تقوله المعتزلة (خاتمة) قال المحققون: للعبادة درجات ثلاث الأولى أن يعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب وهي نازلة جدا لأن معبوده بالحقيقة ذلك الثواب الثانية أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه وهي أعلى لكنها غير خالصة إذ القصد بالذات غير الله والثالثة أن تعبده لكونه إلها وأنت عبده وهذه أعلاها
(ت) وقال حسن صحيح (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء قال كل شيء يخلق من ماء قلت أنبئني بشيء إذا فعلته دخلت الجنة فذكره(1/552)
1136 - (اعتبروا) إرشادا (الأرض بأسمائها) أي تدبروها من قولهم عبرت الكتاب إذا تدبرته فإذا وجدتم اسم بقعة من البقاع مكروها فاستدلوا به على أن تلك البقعة مكروهة فاعدلوا عنها إن أمكن أو غيروا اسمها فإن معاني الأسماء مرتبطة بها مأخوذة منها حتى كأنها منها اشتقت ولذلك لما مر المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيره بين جبلين فقيل ما اسمهما؟ [ص:553] فقيل فاضح وفجر فعدل عنهما. ولما نزل الحسين رضي الله عنه بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فكان ما كان. ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب قال من أين أنت؟ قالت من بني سعد: قال ما اسمك؟ قالت حليمة: قال بخ بخ سعد وحلم خصلتان فيهما غنى الدهر. وليس هذا من الطيرة المنهي عنها. ولما نزل الأشعث دير الجماجم ونزل الحجاج دير قرة قال استقر الأمر بيدي وتجمجم أمره والله لأقتلنه ونظيره في أسماء الآدميين ما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل ما اسمك؟ قال: جمرة قال ابن من؟ قال ابن شهاب قال ممن؟ قال من الحرقة قال أين مسكنك؟ قال بحرة النار قال بأيها؟ قال بذات لظى. قال أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كذلك (واعتبروا الصاحب بالصاحب) فإن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والتعارف هو التشاكل المعنوي الموجب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه فذلك علة الائتلاف كما أن التناكر ضده ولذلك قيل فيه:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره. . . وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد
وقيل: انظر من تصاحب فقل من نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها ولهذا قال الإمام الغزالي تبعا لبعض الحكماء لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر حتى الطير ورأى بعضهم مرة غرابا مع حمامة فاستبعد المناسبة بينهما ثم تأمل فوجدهما أعرجين فإذا أردت أن تعرف من غابت عنك خلاله بموت أو غيبة أو عدم عشرة امتحن أخلاق صاحبه وجليسه بذلك وذلك يدل على كماله أو نقصه كما يدل الدخان على النار ولهذا قيل فيه:
إذا أردت ترى فضيلة صاحب. . . فانظر بعين البحث من ندمائه
فالمرء مطوي على علاته. . . طي الكتاب وتحته عنوانه
وإذا صاحب الرجل غير شكله لم تدم صحبته
(عد عن ابن مسعود) عبد الله مرفوعا (هب عنه) موقوفا. قال بعضهم: طرقه كلها ضعيفة لكن له شواهد كخبر الطبراني: اعتبروا الناس بإخوانهم(1/552)
1137 - (اعتدلوا في السجود) أي كونوا فيه متوسطين وأوقعوه على الهيئة المأمور بها من وضع أكفكم فيه على الأرض ورفع مرافقكم عنها وعن أجنابكم ورفع بطونكم عن أفخاذكم لأنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة بالأرض (ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي (ذراعيه) أي لا يبسطهما فينبسط (انبساط الكلب) يعني لا يفرشهما على الأرض في الصلاة فإنه مكروه لإشعاره بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة ومن ذلك التقرير علم أن المراد بالاعتدال هنا إيقاع السجود على وفق الأمر وجوبا وندبا كما تقرر لا الاعتدال الجبلي المطلوب في الركوع فإنه استواء الظهر والعنق والواجب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي وتمكين الجبهة مكشوفة بالأرض والتحامل عليها مع الطمأنينة فإذا حصل ذلك صحت صلاته وإن بسط ذراعيه ولم يجاف مرفقيه لكنه مكروه لهذا النهي والكلام من حيث التفريق في الذكر أما الأنثى فيسن لها الضم لأنه أستر لها كما مر. وقوله يبسط بمثناة فموحدة هو ما وقع في خط المؤلف تبعا للعمدة وغيرها وفي رواية يبتسط بزيادة مثناة فوقية بعد الموحدة وفيه إيماء إلى النهي عن التشبه بالحيوانات الخسيسة في الأخلاق والصفات وهيئة القعود ونحو ذلك
(حم ق 4 عن أنس) بن مالك(1/553)
1138 - (أعتق) فعل ماض (أم إبراهيم) مارية القبطية سريته صلى الله عليه وسلم وهي بالنصب مفعول أعتق (ولدها) إبراهيم: أي أثبت لها حرمة الحرية وأطلق الولد لعدم الالتباس فإنها لم تلد غيره وأجمعوا على أن ولد الرجل من أمته ينعقد حرا. وما كان فيه من الخلاف بين الصدر الأول فقد انقرض فإذا أحبل الرجل الحر ولو كافرا أو محجورا عليه بسفه أو فلس أمته ولو محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو من يملك بعضها وهو موسر فوضعت ولدا [ص:554] أو بعضه وإن لم تضع باقيه أو وضعت مضغة ظهر خلقها ولو للنساء عتقت بموته من رأس المال وإن قتلته أو أحبلها في مرض موته عند الشافعي
(هـ قط ك هق عن ابن عباس) قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال الذهبي في المهذب: فيه حسين بن عبد الله ضعفوه. وقال ابن حجر: فيه حسين ضعيف لكن له طريق عند قاسم بن أصبغ سندها جيد أه فلو عدل المصنف الطريق لكان أجود(1/553)
1139 - (أعتقوا) بفتح الهمزة (عنه) أي عمن وجبت عليه كفارة القتل (رقبة) أي عبدا أو أمة موصوفة بصفات الإجزاء في الكفارة (يعتق الله) بكسر القاف لالتقاء الساكنين فإنه مجزوم جواب الأمر (بكل عضو منها عضوا منه من النار) أي إن استحق دخولها زاد في رواية الترمذي: حتى الفرج بالفرج
(د ك) في الكفارة وكذا ابن حبان والطبراني (عن وائلة) بن الأسقع. قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب (قوله أوجب: أي يعني النار بالعمل: أي ارتكب خطيئة استوجب بها دخول النار لقتله المؤمن عمدا عدوانا. لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} أه) بالقتل أي استحقه به فذكره أه قال الحاكم صحيح على شرطهما (قوله على شرطهما: أعني على شرط البخاري ومسلم) وأقره الذهبي وفيه وجوب العتق في كفارة القتل فإن عدم رقبة مؤمنة كاملة مجزئة أو احتاجها للخدمة لزمه صوم شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام أو عن تتابعه ترتبت الكفارة في ذمته وفيه أن الرقبة لا بد من كونها مؤمنة لأن الكفارة منقذة من النار فلا تحصل إلا بمنقذة من النار وأشار بقوله حتى الفرج بالفرج: إلى غفران الكبائر المتعلقة بأعضائها كلها ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون العبد المعتق غير خصي(1/554)
1140 - (اعتكاف عشر) من الأيام: أي لبثها بنية في مسجد (في رمضان كحجتين وعمرتين) أي يعدل ثواب حجتين وعمرتين غير مفروضتين ولذلك اعتكف المصطفى صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط ثم كان الأخير وواظبه حتى مات والأوجه حمل العشر هنا على الأخير فإنه إذا اعتكفه متحريا ليلة القدر وقام لياليه كلها كأنه قد قام ليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر وذلك أكثر ثوابا من ثواب حجتين وعمرتين بلا ريب وفيه جواز ذكر رمضان بغير شهر
(طب عن الحسين بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنهما رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيتمي: فيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك أه(1/554)
1141 - (اعتموا) بفتح الهمزة وكسر المثناة فوق (بهذه الصلاة) صلاة العشاء. والباء للتعدية: أي ادخلوها في العتمة وهي ما بعد غيبوبة الشفق أو للمصاحبة: أي ادخلوها في العتمة ملتبسين بها. قال البيضاوي: أعتم الرجل: دخل في العتمة وهي ظلمة الليل أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير ويحتمل أنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل إذا أخر أه (فإنكم قد فضلتم) بالبناء للمفعول (بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم) والمناسبة بين تأخيرها واختصاصها بنا المجوز لجعل الثاني علة للأول أنهم إذا أخروها منتظرين خروج النبي كانوا في صلاة وكتب لهم ثواب المصلي وفيه أن تأخير العشاء أفضل وإليه ذهب جمع منا فقالوا تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل لكن المفتى به خلافه لأدلة أخرى قال المؤلف وفي خبر أحمد والطبراني ما يدل على نسخ التأخير بالتعجيل. قال المصنف: وقوله فضلتم بها إلخ [ص:555] يبطل نقل الإسنوي عن شرح مسند الشافعي للرافعي أن العشاء ليونس وقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن محمد ابن عائشة أن أول من صلى العشاء الأخرة نبينا أه وهو زلل فاحش أما أولا فلأن الرافعي لم يقل ذلك من عنده بل أورد فيه حديثا وبفرض أنه لم يرد به خبر فما الذي يصنعه بقول جبريل حين صلى به الخمس: هذا وقت الأنبياء من قبلك؟ فهل يسعه أن يقول أثر الطحاوي هذا الضعيف الذي صرح بعض الأئمة بعدم ثبوته يبطل خبر الصحيحين أيضا على أنه قد روى ابن سعد في: استمتعوا بهذا البيت: المار أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وأما ثانيا فإن تعبيره بقوله يبطل نقل الاسنوي ركيك بل سقيم فاسد فإنه إنما يبطل على زعمه منقوله لا نقله فإن ما نقله الاسنوي عن شرح المسند موجود فيه وجلالة الإمام الرافعي ورفعة محله أشهر من أن تذكر فالأدب معه متعين على كل من انتسب إلى مذهب الإمام الشافعي وأما ثالثا فلأن ظاهر حاله أنه يزعم أن هذا من عندياته وبنات أفكاره التي لم يسبق إليها ولم يعرج أحد عليها وهو قصور أو تقصير فقد تقدمه للكلام فيه العلامة الهروي وجمع صاروا إلى التوفيق بما حاصله أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من صلاها مؤخرا لها إلى ثلث الليل أو نحوه وأما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب الشفق ويدل لذلك بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه العشاء الآخرة وبأن الرسل كانت تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم ومن صرح بذلك القاضي البيضاوي في شرح المصابيح فقال التوفيق بين قوله لم تصلها أمة قبلكم وقوله في حديث جبريل: هذا وقت الأنبياء من قبلك أن يقال إن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب علينا أو يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة بخلاف سائر الأوقات
إلى هنا كلامه
(د) في الصلاة وكذا البيهقي وأحمد والطبراني (عن معاذ) ابن جبل قال: استبطأنا النبي - أي انتظرناه - العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل ما يقول صلى فإنا لكذلك حتى خرج فقالوا له كما قالوا فذكره رمز المؤلف لحسنه(1/554)
1142 - (اعتموا) بكسر الهمزة وشد الميم: أي البسوا العمائم ندبا (تزدادوا حلما) بكسر فسكون: أي يكثر حلمكم ويتسع صدركم لأن تحسين الهيئة يبعث على الوقار والاحتشام وعدم الخفة والطيش والسفه وفي حديث أنه يسن إذا اعتم أن يرخى لها عذبة بين كتفيه
(طب عن أسامة بن عمير) مصغر بن عامر الهذلي صحابي كوفي (طب) من حديث محمد ابن صالح بن الوليد عن بلال بن بشر عن عمران بن تمام عن أبي حمزة عن ابن عباس (ك) في اللباس من حديث عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن ابن عباس) وقال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبيد الله هذا تركه أحمد وغيره اه. قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني عن ابن عباس: فيه عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وأورده ابن الجوزي في الموضوع اه. وتعقبه المصنف فلم يأت يطائل وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة. أما طريق الطبراني فقد علمت قول الهيتمي فيهما وأما حديث الحاكم فقال الترمذي في العلل: سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال عبيد الله بن أبي حميد ضعيف ذاهب الحديث لا أروي عنه شيئا اه. وأما وضعه فممنوع(1/555)
1143 - (اعتموا) ندبا (تزدادوا حلما والعمائم تيجان العرب) أي العمائم لهم بمنزلة التيجان للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفة رؤوسهم أو بالقلانس والعمائم فيهم قليلة وفيه كالذي قبله ندب لبس العمائم ويتأكد للصلاة ولا يعارضه قوله في الحديث المار: ائتوا المساجد حسرا ومعصبين لأن القصد به الحث على إتيان المساجد للصلاة كيف كان وأنه لاعذر في التخلف عنها بفقد العمامة وإن كان التعميم عند إمكانه أفضل كما مر وينبغي ضبط طولها [ص:556] وعرضها بما يليق بحال لابسها عادة في زمانه ومكانه فإن زاد على ذلك كره وتتقيد كيفيتها بعادة أمثاله أيضا ولذلك انخرمت مروءة فقيه يلبس عمامة سوقي وعكسه وخرمها مكروه بل حرام على من تحمل شهادة لأن فيه إبطالا لحق الغير ولو اطردت عادة محل بعدمها أصلا لم ينخرم به المروءة على الأصح خلافا لبعضهم والأفضل في لونها البياض وصحة لبس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لعمامة سوداء ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بها وقائع محتملة فلا ينافي عموم الإخبار بالأمر بلبس البياض
(عد هب) كلاهما من حديث إسماعيل بن عمر أبي المنذر عن يونس بن أبي إسحاق عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن أسامة بن عمير) ثم قال - أعني البيهقي - لم يحدث به إلا إسماعيل بن عمر عن يونس بن أبي إسحاق اه وإسماعيل هذا ضعفوه ويونس أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثقة قال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه وقال ابن خراش: في حديثه لين وقال ابن حزم: ضعفه يحيى القطان وأحمد ابن حنبل جدا اه ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن له شاهدا وأصله قول ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني والترمذي في العلل المفردة وضعفه عن البخاري وقد صححه الحاكم فلم يصب. قال وله شاهد عند البزار عن ابن عباس ضعيف أيضا(1/555)
1144 - (اعتموا) بكسر المثناة وخفة الميم: أي صلوا العشاء في العتمة يقال أعتم الرجل إذا دخل في العتمة كما يقال أصبح إذا دخل في الصباح والعتمة ظلمة الليل وقال الخليل: العتمة من الليل ما بعد غيبوبة الشفق: أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعلى هذا لم يدل على أن التأخير فيه أفضل ويحتمل أن يقال إنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل قراه إذا أخره ذكره كله القاضي البيضاوي وقيل إنما هو اعتموا: أي البسوا العمائم ويؤيده السبب الآتي وعليه ففيه أن التعمم من خصائص هذه الأمة وفيه الأمر بمخالفة من قبلنا من الأمم فيما لم يرد في شرعنا تقريره (خالفوا على الأمم قبلكم فإنهم وإن كانوا يصلون العشاء لكنهم كانوا لا يعتمون بها بل يقارنون مغيب الشفق وهذا مما يوهم ما قاله الجلال كما لا يخفى على أهل الكمال
(هب عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف تابعي جليل (مرسلا) قال أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بثياب من الصدقة فقسمها بين أصحابه ثم ذكره(1/556)
1145 - (أعجز الناس) أي من أضعفهم رأيا وأعماهم بصيرة (من عجز عن الدعاء) أي الطلب من الله تعالى لاسيما عند الشدائد لتركه ما أمره الله به وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه وفيه قيل:
لاتسألن بني آدم حاجة. . . وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله. . . وبني آدم حين يسأل يغضب
وفيه رد على من زعم أن الأولى عدم الدعاء (وأبخل الناس) أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل (من بخل بالسلام) على من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم فإنه خفيف المؤنة عظيم المثوبة فلا يهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات وتهاون بمراسم الشريعة أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام وحعله أبخل لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة ففي بذله قهر للنفس وأما السلام فليس فيه بذل مال فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق فهو أبخل من كل بخيل
(طس عن أبي هريرة) قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد قال المنذري وهو إسناد جيد قوي وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثفة اه وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته(1/556)
[ص:557] 1146 - (اعدلوا بين أولادكم في النحل) أي سووا بينهم في العطايا والمواهب. والنحل بضم النون وسكون المهملة: العطية بغير عوض مصدر نحلته من العطية أنحله كما في الصحاح والاسم النحلة بتثليث النون (كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر) لكم بالكسر الإحسان (واللطف) بضم فسكون الرفق بكم. فإن انتظام المعاش والمعاد إنما يدور مع العدل والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه وينشأ عن ذلك العقوق ومنع الحقوق
(طب) وكذا ابن حبان (عن النعمان بن بشير) وإسناده حسن(1/557)
1147 - (اعدى عدوك) يعني من أشد أعدائك عداوة لك والعدو يكون للواحد والجمع والمؤنث والمذكر وقد يثنى ويجمع ويؤنث (زوجتك التي تضاجعك) في الفراش (وما ملكت يمينك) من الأرقاء لأنهم يوقعونك في الاثم والعقوبة ولا عداوة أعظم من ذلك ولذلك حذر الله منهم بقوله {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم الآية} وليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من أنها عداوة البغضاء بل هي عداوة المحبة الصادة عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم واكتساب المال من غير حله وإنفاقه في اللذات والشهوات وأكثر ما يفوت من الكمالات الدينية فبسببهم ولا يعارضه ما مر من الأمر بالاحسان إليهن والحث على الوصية بهن وإخباره صلى الله عليه وسلم أنه يحب فاطمة والحسنين لأن المراد أنه يحسن إليهم ويتلطف بهم ويعاملهم بحسن الخلق ويحبهم ويحترس مع ذلك من إيقاعهم إياه فيما لا يسوغ شرعا. والعداوة من الحليلة والولد للرجل أعظم وأكثر وقوعا لنقص عقل المرأة والصغير وعدم إلتفاتهم إلى ما ينجي في الآخرة وقطع نظرهم على تحصيل اللذات والمشتهيات وقد يتفق أن يحمل الرجل زوجته أو ولده على تحصيل المال من غير حله وإنفاقه في شهوات النفوس فيكون عدوا لهما وقد يشتد شغف المرأة بالرجل فتكسب المال من غير حله لترضيه به وذلك كله نادر فلم ينظر إليه <تنبيه> قال الغزالي: لا تعلم ولدك وأهلك فضلا عن غيرهم مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن رأوه كثيرا لم تبلغ قط رضاهم وادفعهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا تهازلهم فيسقط وقارك
(فر عن أبي مالك الأشعري) الصحابي المشهور(1/557)
1148 - (أعذر الله إلى امرئ) أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذرا يعتذر به كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به فالهمزة للسلب أو بالغ في العذر إليه عن تعذيبه حيث (أخر أجله) يعني أطاله (حتى بلغ ستين سنة) لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئا في الاعتذار يتمسك به وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال دنو أجل وسوء عمل. قال القشيري: كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علما فخرج يوما قاصدا مدرسته فسمع قائلا يقول:
إذا العشرون من شعبان ولت. . . فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار. . . فقد ضاق الزمان على الصغار
فخرج هائما على وجهه حتى أتى مكة فمات بها
(خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا(1/557)
[ص:558] 1149 - (أعربوا) بفتح همزة القطع وسكون المهملة وكسر الراء من أعرب بمهملتين فموحدة (القرآن) أي تعرفوا ما فيه من بدائع العربية ودقائقها وأسرارها وليس المراد الإعراب المصطلح عليه عند النحاة لأن القراءة مع اللحن ليست قراءة ولا ثواب له فيها (والتمسوا) اطلبوا وفي رواية للبيهقي: واتبعوا بدل التمسوا (غرائبه) أي معنى ألفاظه التي يحتاج البحث عنها في اللغة أو فرائضه وحدوده وقصصه وأمثاله ففيه علم الأولين والآخرين. قال الغزالي: ولا يعرفه إلا من طال في تدبر كلماته فكره وصفا له فهمه حتى تشهد له كل كلمة منه بأنه كلام جبار قهار وأنه خارج عن حد استطاعة البشر. وأسرار القرآن مخبأة في طي القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها ليكشف لك ما فيه من العجائب أه. وفيه أنه يجب أن يتعلم من النحو ما يفهم به القرآن والسنة لتوقف ما ذكر عليه
(ش ك هب عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح عند جماعة. فرده الذهبي فقال: مجمع على ضعفه وتبعه العراقي فقال سنده ضعيف وقال الهيتمي: فيه متروك وقال المناوي: فيه ضعيفان(1/558)
1150 - (أعربوا الكلام) أي تعلموا إعرابه قيل: والمراد به هنا من يقابل اللحن (كي تعربوا القرآن) أي لأجل أن تنطقوا به سليما من غير لحن وروى المرهبي أن عمر مر بقوم رموا رشقا فأخطأوا فقال: ما أسوا رميكم فقالوا نحن متعلمين فقال: لحنكم علي أشد من سوء رميكم وهذا الحديث وما قبله لا يعارضه الحديث المار: إذا قرأ القارئ فأخطأ أو لحن إلخ لأنه فيمن عجز أو فقد معلما كما مر (ابن الأنباري) أبو بكر (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والمرهبي في) كتاب (فضل العلم) كلاهما (عن أبي جعفر معضلا) هو أبو جعفر الأنصاري الذي قال: رأيت أبا بكر ورأسه ولحيته كأنهما جمر الغضا(1/558)
1151 - (أعرضوا) بفتح الهمزة وكسر الراء (الصواب بكسر فسكون فكسر أه) من العرض (حديثي على كتاب الله) أي قابلوا ما في حديثي من المأمورات والمنهيات وجميع الأحكام وجوبا أو ندبا على أحكام القرآن (فإن وافقه فهو) دليل على أنه (مني) أي ناشئ عني (وأنا قلته) أي وهو دليل على أنه مني وأني قلته: أي إذا لم يكن ذلك الخبر نسخا للكتاب وهذا لا يتأتى إلا لمن له منصب الاجتهاد في الأحكام
(طب عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأصل: وضعف(1/558)
1152 - (اعرضوا علي رقاكم) جمع رقية بالضم وهي العوذة والمراد ما كان يرقى به في الجاهلية استأذنوه في فعله فقال اعرضوها علي أي لأني العالم الأكبر المتلقي عن معلم العلماء ومفهم الحكماء فلما عرضوا عليه قال (لا بأس بالرقى) أي هي جائزة (ما لم يكن فيه) أي فيما رقى به (شرك) أي شيء يوجب اعتقاد الكفر أو شيء من كلام أهل الشرك الذي لا يوافق الأصول الإسلامية فإن ذلك محرم ومن ثم منعوا الرقى بالعبراني والسرياني ونحو ذلك مما جهل معناه خوف الوقوع في ذلك قال ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الرقى بشروط ثلاثة: أن يكون بكلامه تعالى أو أسمائه أو صفاته وأن يكون بالعربي أو بما يعرف معناه وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى وفيه أن على المفتي أن يسأل المستفتي عما أبهمه في السؤال قبل الجواب
(م د عن عوف بن مالك) قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فذكره وهذا استدركه الحاكم فوهم(1/558)
[ص:559] 1153 - (أعرضوا) بهمزة مقطوعة مفتوحة وراء مكسورة من الإعراض يقال أعرضت عنه أضربت ووليت: أي ولوا (عن الناس) أي لا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم (ألم تر) استفهام إنكاري: أي ألم تعلم (أنك إن ابتغيت) بهمزة وصل فموحدة ساكنة فمثناة فوق المعجمة كذا بخط المصنف في الصغير وجعله في الكبير: اتبعت بفوقية فموحدة فمهملة من الاتباع والمعنى واحد ولعلهما روايتان (الريبة) بكسر الراء وسكون المثناة التحتية (في الناس) أي التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها (أفسدتهم) أي أوقعتهم في الفساد (أو كدت) أي قاربت أن (تفسدهم) لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم بدليل الخبر الآتي: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس الحديث. قال الحراني: والإعراض صرف الشيء إلى العرض التي هي الناحية
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان الأموي من مسلمة الفتح مات سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة وإسناده حسن ورواه عنه أيضا أبو داود بإسناد صحيح بلفظ: إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم. قال النووي: حديث صحيح(1/559)
1154 - (اعرفوا) بهمزة مفتوحة (الصواب بهمزة وصل مكسورة) من عرف الشيء إذا تحققه وتعلمه: أي اعرفوا أيها الناس ندبا (أنسابكم) جمع نسب وهو القرابة: أي تعرفوها وافحصوا عنها وتعلموها (تصلوا أرحامكم) أي لتصلوا أرحامكم أو لأن ذلك يبعث على صلة أرحامكم بالإحسان وبذل الود ونحو ذلك من صنوف البر (فإنه) أي الشأن (لاقرب) بضم القاف (بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة) في نفس الأمر (ولا بعد بها وإن كانت بعيدة) في نفس الأمر فالقطع يوجب النكران والإحسان يوجب العرفان قال البلقيني: أمر بمعرفة الأنساب وإنما تعرف بتظاهر الأخبار ولا يمكن في أكثرها العيان (الطيالسي) أبو داود
(ك) في البر والصلة من حديث ابن عمرو الأموي (عن ابن عباس) قال ابن عمرو كنت عند ابن عباس فمت إليه رجل برحم بعيدة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم على شرط البخاري قال الذهبي: لكنه لم يخرج لأبي داود الطيالسي كذا في التلخيص وقال في المهذب إسناده جيد(1/559)
1155 - (أعروا) بفتح الهمزة وسكون المهملة وضم الراء (النساء) أي جردوهن من ثياب الزينة والخيلاء والتفاخر والتباهي ومن الحلي كذلك واقتصروا على ما يقيهن الحر والبرد فإنكم إن فعلتم ذلك (يلزمن الحجال) أي قعر بيوتهن وهو بمهملة وجيم ككتاب جمع حجلة بيت كالقبة يستر بالثياب له أزرار كبار: يعني إن فعلتم ذلك بهن لا تعجبهن أنفسهن فيطلبن البروز بل يخترن عليه المكث في داخل البيوت وأما إن وجدن الثياب الفاخرة والحلي الحسن فيعجبهن أنفسهن ويطلبن الخروج متبرجات بزينة ليراهن الرجال في الطرقات والنساء فيصفوهن لأزواجهن ويترتب على ذلك من المفاسد ما هو محسوس بل كثيرا ما يجر إلى الزنا وفيه حث على منع النساء من الخروج إلا لعذر وعلى عدم إكثار ثياب الزينة لهن والمبالغة في سترهن وفي رواية بدل الحجال: الحجاب - بالباء - والمعنى متقارب. [ص:560]
(طب) عن بكر بن سهل الدمياطي عن شعيب بن يحيى عن يحيى عن أيوب عن عمرو بن الحارث عن مجمع بن كعب (عن مسلمة بن مخلد) بفتح اللام الأنصاري الزرقي سكن مصر ووليها مدة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال شعيب غير معروف وقال إبراهيم: لا أصل لهذا الحديث أه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه غير متعقب له فلعله لم يقف على تعقيب الحافظ ابن حجر بأن ابن عساكر خرجه من وجه آخر في أماليه وحسنه وقال بكر بن سهل. وإن ضعفه جمع لكنه لم ينفرد به كما ادعاه ابن الجوزي فالحديث إلى الحسن أقرب وأيا ما كان فلا اتجاه لحكم ابن الجوزي عليه بالوضع(1/559)
1156 - (أعز) بفتح فكسر (أمر الله) أي عظم طاعة الله وشدد في امتثال أمره واجتناب نهيه وأقم حدود الله في الكبير والصغير ولا تخش في الله لومة لائم بل تخلق بالإخلاص (يعزك الله) بضم أوله يقويك ويشدك ويكسوك جلالة تصير بها مهابا في القلوب مبجلا في العيون
(فر عن أبي أمامة) وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي سبق عن الخطيب أنه وضاع والمأمون بن أحمد قال الذهبي: كذاب أه(1/560)
1157 - (أعزل) بفتح فسكون فكسر (الصواب بكسر فسكون: أمر من عزل) وفي رواية لمسلم: أخر (الأذى) بالمعجمة (عن طريق المسلمين) أي أزل من طريقهم ما يؤذيهم كشوك وحجر فإن تنحية ذلك من شعب الإيمان كما في عدة أخبار صحاح وحسان والأمر للندب وقد يجب ونبه بذلك على طلب إزالة كل مؤذ من إنسان أو حيوان وفيه تنبيه على فضل فعل ما ينفع المسلمين أو يزيل ضررهم وإن كان يسيرا حقيرا ويظهر أن المراد الطريق المسلوك لا المهجور وإن مر فيه على ندور وخرج بطريق المسلمين طريق أهل الحرب ونحوهم فلا يندب عزل الأذى عنها بل يندب وضعه فيها ويظهر أنه يلحق بهم طريق القطاع وإن كانوا مسلمين حيث اختصت بهم وقد يشمل الأذى قطاع الطريق والظلمة. لكن ذلك ليس إلا للإمام والحكام
(م هـ) في البر (عن أبي هريرة) قال قلت يا رسول الله علمني شيئا أنتفع به فذكره ولم يخرجه البخاري(1/560)
1158 - (اعزل) أيها المجامع (عنها) عن أمتك ماءك بأن تنزع عند الإنزال فتنزل خارج الفرج دفعا لحصول الولد المانع للبيع. قال الحراني: والعزل في الأصل طلب الانفراد عما من شأنه الاشتراك (إن شئت) أن لا تحبل وذلك لا ينفعك (فإنه سيأتيها ما قدر لها) فإن قدر لها حمل حصل وإن عزلت أو عدمه لم يقع وإن لم تعزل والضمير للشأن وفيه مؤكدات: إن وضمير الشأن وسين الاستقبال. ومذهب الشافعي حل العزل عن الأمة مطلقا والحرة بإذنها بلا كراهة. وقال الثلاثة: له العزل عن الأمة لا الزوجة إلا بإذنها لما فيه من تفويت لذتها وهذا قاله لمن قال: لي جارية هي خادمتنا وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فذكره واختلف في علة النهي عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر. قال ابن حجر: والثاني هو الذي يقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك. وقال إمام الحرمين: موضع المنع أن ينزع بقصد الإنزال خارج الفرج خوف العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع: أي فلو نزع لا بقصده فاتفق إنزاله خارج الفرج لم يتعلق به كراهة
(م) في النكاح (عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري(1/560)
1159 - (اعزلوا أو لا تعزلوا) يعني لا فائدة في العزل ولا في تركه إذ (ما كتب الله تعالى) أي قدر (من نسمة) أي نفس (هي [ص:561] كائنة) في علم الله (إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج فلا فائدة لعزلكم ولا لعدمه لأنه إن كان قدر الله خلقها سبقكم الماء من حيث لا تشعرون فلا ينفعكم العزل ولا خلاف بين أهل السنة أن الأمور تجري على قضاء وقدر وعلم سابق وكتاب متقدم وإن كان علقها بالأسباب فلاحظ الأسباب فيها لكنها علامات على وجود ما قدر أما إنه ينسب إليها تأثير وعمل فلا فمقصود الحديث السكوت تحت جريان المقادير والثقة بصنع الله فيما يريد
(طب عن صرمة) بكسر فسكون (العذري) بعين مهملة مضمومة وذال معجمة: صحابي جليل. قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا كرائم العرب فرغبنا في البيع وقد اشتدت علينا العزوبة فأردنا أن نستمتع ونعزل فقال بعضنا لبعض ما ينبغي لنا أن نصنع لك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا حتى نسأله فسألناه فذكره. قال الهيتمي: فيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف وظاهر تخصيصه الطبراني بالعزو أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما بدأ بالعزو إليه مع أن الإمام في هذا الفن البخاري خرجه بمعناه في عدة مواضيع كالتوحيد والقدر والمحرمات. ومسلم وأبو داود في النكاح. والنسائي في العتق عن أبي سعيد قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ما عليكم ألا تفعلوا. ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أه والقانون أنه إذا كان في الصحيحين أو أحدهما ما يفي بمعنى حديث فالسكوت عنه والاقتصار على عزوه لغيره غير لائق لإيهامه(1/560)
1160 - (اعط) بفتح أوله من أعطى وفي رواية أبي العالية أعطوا (كل سورة) من القرآن (حظها) نصيبها (من الركوع والسجود) ويحتمل أن المراد إذا قرأتم سورة فصلوا عقبها صلاة قبل الشروع في أخرى. ويحتمل أن المراد أوفوا القراءة حقها من الخشوع والخضوع اللذين هما بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا
(ش) من حديث أبي العالية (عن بعض الصحابة) وسكت عليه عبد الحق مصححا له قال ابن القطان وهو كما ذكر وزعم ضعفه باطل(1/561)
1161 - (أعطوا أعينكم حظها من العبادة) قالوا يا رسول الله وما حظها منها قال (النظر في المصحف) يعني قراءة القرآن نظرا في المصحف فقراءته في المصحف أفضل من قراءته من حفظه وبهذا أخذ أكثر السلف. قال النووي: وهكذا قاله أصحابنا وليس على إطلاقه بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر من الحاصل من القراءة الحاصلة من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل. فإن استويا فمن المصحف أفضل. قال وهذا مراد الحديث (والتفكر فيه) أي تدبر آيات القرآن وتأمل معانيه والتفكر كما في القاموس وغيره: إعمال النظر في الشيء (والاعتبار عند عجائبه) من أوامره وزواجره ومواعظه وأحكامه وقصصه ووجوه بلاغته وبديع رموزه وإشاراته وعطف الاعتبار على التفكر لأنه نتيجته والعجائب جمع عجيبة والتعجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره واعلم أن الناس يتفاوتون في التدبر بحسب المعرفة والتقوى والفهم بالله والعارفون بالله لهم الحظ الأوفر من ذلك وتتفاوت التجليات والتنزلات على أسطحة قلوبهم حال تدبرهم بحسب مقاماتهم فالتدبر والخشوع مشرعة الأفكار السليمة فيشرب كل أحد منهم بحسب مشربه وهو منتهى الخشوع والخير كله حتى أن النحوي يأخذ منه أدلته وأمثلته. وقال ابن عربي: استنبطت منه بضعا وسبعين ألف علم (الحكيم) الترمذي في النوادر
(هب عن أبي سعيد) الخدري وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل قالوا سنده ضعيف(1/561)
[ص:562] 1162 - (أعطوا السائل) الذي يسأل التصدق عليه بصدقة غير مفروضة (وإن) لفظ رواية الموطأ ولو (جاء على فرس) يعني لا تردوه وإن جاء على حالة تدل على غناه كأن كان على فرس فإنه لو لم تدعه الحاجة إلى السؤال لما بذل وجهه وزعم أن المراد لا تردوه وإن جاء على فرس يطلب علفه وطعامه ركيك متعسف. قال الحراني: ولو في مثل هذا السياق تجيء منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها فكونه جاء على فرس يؤذن بغناه فلا يليق أن يعطى فنص عليه دفعا للتوهم وقال ابن حبان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السياق والمعنى أعطوه كائنا من كان ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته. ألا ترى أنه لا يحسن: أعطوا السائل ولو كان فقيرا أه ومقصود الحديث الحث على إعطاء السائل وإن جل ولو ما قل لكن إذا وجده ولم يعارضه ما هو أهم وإلا فلا ضير في رده كما يفيده قوله في الحديث المار؟ إذا رددت على السائل إلخ وقال في المطامح: قد تدخل لو في التعظيم كما هنا <فائدة> قال في العنوان قال بعض الأعيان ألزمني أحمد بن طولون صدقاته فقلت ربما مدت إلي اليد المطوقة بالذهب والسوار والمعصم والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة قال: هؤلا المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التفف احذر أن ترد يدا امتدت وأعط من استعطاك وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار
(عد) في الكامل (عن أبي هريرة) قضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة عمر بن يزيد الأزدي من حديثه وقال منكر الحديث وتبعه في الميزان. وقال السخاوي: سنده ضعيف. ورواه في الموطأ مرسلا عن زيد بن أسلم. قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرساله خلافا عن مالك. وقد روي من حديث الحسين بن علي مرفوعا وإسناده غير قوي(1/562)
1163 - (أعطوا المساجد) ندبا مؤكدا (حقها) قال بعض الصحب: وما حقها يا رسول الله؟ قال (ركعتان) تحية المسجد إذا دخلته (قبل أن تجلس) فيه فإن جلست عمدا فاتتك لتقصيرك مع عدم الحاجة إلى الجلوس ويحصلان بفرض أو نفل وإن لم تنو وهذا في غير المسجد الحرام وأما المسجد الحرام فتحيته الطواف وقابل الجمع بالجمع في قوله أعطوا المساجد وأفرد تجلس لأنه خاطب به فردا وهو السائل الذي سأل ما حقها وفي بعض الروايات تجلسوا على الأصل
(ش عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان السلمي بفتحتين ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي ورمز المصنف لصحته(1/562)
1164 - (أعطوا الأجير أجره) أي كراء عمله (قبل أن يجف عرقه) أي ينشف لأن أجره عمالة جسده وقد عجل منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى. إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف وفيه مشروعية الإجارة والعرق بفتح المهملة والراء الرطوبة تترشح من مسام البدن
(هـ) في الأحكام (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الرحمن بن يزيد ضعفوه وقال ابن طاهر أحد الضعفاء (ع عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه عبد الله بن جعفر المدني وهو ضعيف وقال الذهبي: ضعيف بمرة (طس عن جابر) قال الهيتمي: وفيه شرفي بن قطامي ومحمد بن زياد الراوي عنه ضعيفان (الحكيم) [ص:563] الترمذي (عن أنس) بن مالك وهو عند الحكيم من رواية محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عنه ذكر ذلك ابن حجر قال وأخطأ من عزاه للبخاري أه. وقال الذهبي: هذا حديث منكر وأقول: محمد ابن زياد الكلبي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال يحيى لا شيء وفي الميزان أخباري ليس بذاك وفي اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم وبشر بن الحسين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك. وفي اللسان كأصله عن ابن عدي عامة حديثه غير محفوظ وقال أبو حاتم: يكذب على ابن الزبير أه وبالجملة فطرقه كلها لا تخلو من ضعيف أو متروك لكن بمجموعها يصير حسنا(1/562)
1165 - (أعطي) بإثبات الياء خطابا لأسماء بنت أبي بكر (ولا توكي) بسكون الياء أي لا تدخري ولا تربطي الوكاء وهو الخيط يربط به (فيوكى عليك) بسكون الألف قال ابن حجر: هو عند البخاري بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل وفي رواية له: لا تحصي فيحصي الله عليك فأبرز الفاعل قال: وكلاهما بالنصب لكون جواب النهي بالفاء والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو هنا مجاز عن الإمساك فالمعنى لا تمسكي المال في الوعاء وتوكي عليه فيمسك الله فضله عنك كما أمسكت فضل ما أعطاك الله فإن الجزاء من جنس العمل ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب وفيه النهي عن منع الصدقة خشية النفاد وأنه أعظم الأسباب لقطع مادة البركة وأنه تعالى يثيب على العطاء بغير حساب
(د عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت يا رسول الله ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه؟ فذكره. سكت عليه أبو داود فهو صالح(1/563)
1166 - (أعطيت جوامع الكلم) أي ملكة أقتدر بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى بنظم لطيف لا تعقيد فيه يعثر الفكر في طلبه ولا التواء يحار الذهن في فهمه فما من لفظة يسبق فهمها إلى الذهن إلا ومعناها أسبق إليه وقيل أراد القرآن وقيل أراد أن الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الأمور المتقدمة جمعت له في الأمر الواحد والأمرين (واختصر) أي أوجز (لي الكلام) حتى صار ما أتكلم به كثير المعاني قليل الألفاظ وقوله (اختصارا) مصدر مؤكد لما قبله فهو الجامع لما تفرق قبله في الرسل من الكمال المخصوص بما لم يعطه أحد منهم من المزايا والإفضال فمما اختص به عليهم الفصاحة والبلاغة
(ع عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب والدارقطني عن ابن عباس(1/563)
1167 - (أعطيت سورة البقرة) أي إلا خواتيمها كما يشير إليه بل يعنيه قوله الآتي: وخواتيم سورة البقرة إلخ وفيه رد على من استكره أن يقال سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة (من الذكر الأول) أي عوضا من الذكر الأول قال الكلاباذي في بحره: هو الصحف العشرة والكتب الثلاثة ولم يطلع عليه من أكثر الترديد والاضطراب وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل أي فالبقرة جامعة لما في تلك الصحف والكتب من العلوم متضمنة لما فيها من المعارف (وأعطت) سورة (طه و) سور (الطوسين والحواميم من ألواح) الكليم (موسى) بن عمران أي عوضا منها كما تقرر فهي متضمنة لا فيها من الأحكام والمواعظ وغيرها. قال ابن حجر: وخص موسى لأن كتابه أوسع من الإنجيل حكما وغيره (وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة) وهي من قوله: آمن الرسول - إلى آخرها (من تحت العرش) أي [ص:564] عرش الرحمن تقدس (والمفصل) سمى مفصلا لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام قيل طواله إلى سورة عم وأوساطه إلى الضحى. وقوله (نافلة) أي زيادة راجع للفاتحة والخواتيم والمفصل أي فما تضمنته الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ولم ينزل مثلهن على أحد من الأنبياء وليس عائدا للمفصل وحده لما يأتي من التصريح بأن إعطاء الفاتحة وخواتيم البقرة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجزم به كثيرون وأما قوله في الحديث الآتي وفضلت بالمفصل فلا ينافي أنه فضل بغيره أيضا. وفيه أن من القرآن ما نزل نحوه على من قبله وفي بعض الآثار أن أول التوراة أول الأنعام وآخرها آخر هود وأن بعض القرآن أفضل من بعض. قال بعضهم: القرآن جامع لنبأ الأولين والآخرين فعلم الأمم الماضية علم خاص وعلم هذه الأمة علم عام وعلم أهل الكتاب قليل {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قرأ الحبر: وما أوتوا وعلم هذه الأمة كثير {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
(ك) في فضائل القرآن من حديث عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح (عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي أحد من بايع تحت الشجرة قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن عبيد الله قال أحمد تركوا حديثه(1/563)
1168 - (اعطيت آية الكرسي من تحت العرش) أي من كنز تحت العرش كما جاء مصرحا به هكذا في رواية وبقية الحديث: ولم يؤتها نبي قبلي أه ومن ثم قال المؤلف من خصائصه أنه أعطي من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل
(تخ وابن الضريس) بضم الضاد المعجمة وشد الراء (عن الحسن) البصري (مرسلا) قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مسندا وهو عجيب فقد رواه الديلمي مسلسلا بقوله ما تركتها منذ سمعتها من حديث أبي أمامة عن علي كرم الله وجهه قال أبو أمامة: سمعت عليا يقول: ما أرى رجلا أدرك عقله في الإسلام يبيت حتى يقرأ هذه الآية {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} إلى {وهو العلي العظيم} فلو تعلمون ما هي أو ما فيها لما تركتموها على حال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت إلخ قال علي كرم الله وجهه: فما بت ليلة قط منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقرأها. قال أبو أمامة: وما تركتها منذ سمعتها من علي كرم الله وجهه ثم سلسله الباقون(1/564)
1169 - (أعطيت ما لم) نكرة موصوفة في محل المفعول الثاني (يعط) بالضم (أحد من الأنبياء قبلي) ظاهره أن كل واحدة مما ذكر لم تكن لأحد قبله (نصرت بالرعب) أي بخوف العدو مني يعني بسببه وهو الذي قطع قلوب أعدائه وأخمد شوكتهم وبدد جموعهم وزاد في رواية مسيرة شهر وفي أخرى شهرين (وأعطيت مفاتيح) جمع مفتاح بكسر أوله اسم للآلة التي يفتح بها وهو في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها بها ذكره ابن الأثير (خزائن الأرض) استعارة لوعد الله له بفتح البلاد. وهي جمع خزانة ما يخزن فيه الأموال مخزونة عند أهل البلاد قبل فتحها أو المراد خزائن العالم بأسره ليخرج لهم بقدر ما يستحقون فكلما ظهر في ذلك العالم فإنما يعطيه الذي بيده المفتاح بإذن الفتاح وكما اختص سبحانه بمفاتيح علم الغيب الكلي فلا يعلمها إلا هو خص حبيبه بإعطاء مفاتيح خزائن المواهب فلا يخرج منها شيء إلا على يده (وسميت أحمد) فلم يسم به أحد قبله حماية من الله لئلا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك في كونه هو المنعوت بأحمد في الكتب السابقة (وجعل لي التراب طهورا) أي مطهرا عند تعذر الماء حسا أو شرعا. قال ابن حجر: وذا ينصر القول بأن التيمم خاص بالتراب إذ لو جاز بغيره لما اقتصر عليه (وجعلت أمتي خير الأمم) بنص {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وشرف أمته من شرفه وليس المراد حصر [ص:565] خصائصه في الخمسة المذكورة بدليل خبر مسلم: فضلنا على الأنبياء بست وفي رواية بسبع وفي أخرى أكثر ولا تعارض لاحتمال أنه اطلع أولا على بعض ما خص به ثم على الباقي أو أن البعض كان معروفا للمخاطب على أن مفهوم العدد غير حجة على الأصح واستدل به القرطبي على أن التيمم يرفع الحدث لتسويته بين التراب والماء في قوله طهورا وهو من أبنية المبالغة وهو قول لمالك ومشهور مذهبه أنه مبيح كمذهب الشافعي لا رافع <تنبيه> قال الحكيم الترمذي: إنما جعل تراب الأرض طهورا لهذه الأمة لأنها لما أحست بمولد نبيها انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت وافتخرت على السماء وسائر الخلق بأنه مني خلق وعلى ظهري تأتيه كرامة الله وعلى بقاعي يسجد بجبهته وفي بطني مدفنه فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لأمته فالتيمم هدية من الله لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان
(حم عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وهو غير صواب كيف وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل سيء الحفظ وإن كان صدوقا فالحديث حسن لا صحيح(1/564)
1170 - (أعطيت فواتح الكلام) أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره وفي رواية مفاتح الكلم. قال الكرماني: أي لفظ قليل يفيد معنى كثيرا وهذا معنى البلاغة وشبه في الخبر المار ذلك القليل بمفاتيح الخزائن التي هي آلة الوصول إلى مخزونات متكاثرة (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعا كالقرآن في كونه جامعا فإنه خلقه (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه
(ش ع طب عن أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي ورمز المصنف لحسنه(1/565)
1171 - (أعطيت مكان التوراة) أي بدل ما فيها وكذا يقال فيما بعده وهي فوعلة لو صرفت من الورى وهو قدح الزناد من الزند استثقل اجتماع الواوين فقلبت أولاهما تاء قال الحراني: فهي تورية بما هي نور أعقب ظلام ما وردت عليه من كفر من دعى إليها من الفراعنة فكان فيها هدى ونور (السبع الطوال) بكسر الطاء جمع طويلة وأما بضمها فمفرد كرجل طوال وقال ابن الأثير: جمع طولى مثل الكبار في الكبرى وهذا البناء يلزمه الألف واللام والإضافة وأولها البقرة وآخرها براءة - بجعل الأنفال وبراءة واحدة - وغير ذلك (وأعطيت مكان الزبور المئين) بفتح الميم وكسر الهمزة فمثناة تحت ساكنة أي السور التي أولها ما يلي الكهف لزيادة كل منها على مئة آية أو التي فيها القصص أو غير ذلك (وأعطيت مكان الانجيل) من النجل وضع على زيادة إفعيل المزيد معنى ما وضعت له هذه الصيغة وزيادة يائها مبالغة في المعنى وأصل النجل استخراج خلاصة الشيء ومنه قيل للولد نجل أبيه كأن الانجيل استخلص خلاصة نور التوراة فأظهر باطن ما شرع في التوراة ظاهره فإن التوراة كتاب إحاطة الأمر الظاهر الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من عاقبة يوم الآخرة فهو جامع إحاطة الأمر الظواهر والانجيل كتاب إحاطة الأمر الباطن يحيط بالأحوال النفسانية التي بها يقع لمح موجود الآخرة مع الاعراض عن إصلاح الدنيا بل مع هدمها والفرقان هو الكتاب الجامع المحيط بالظاهر والباطن (والمثاني) وهي السور التي آيها مئة أو أقل أو ماعدا السبع الطوال إلى المفصل: سمي مثاني لأنها أثنت السبع أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل أو لأن المئين جعلت مبادئ والتي تليها مثاني ثم المفصل وقيل غير ذلك (وفضلت بالمفصل) بضم الميم وفتح الفاء ومهملة مشددة ويسمى المحكم وآخره سورة الناس اتفاقا وهل أوله الحجرات أو الجاثية أو القتال أو ق أو الصافات [ص:566] أو الصف. أقوال رجح النووي وتبعه القاموس: الأول وله طوال وأوساط وقصار مفصلة في الفروع وغيرها
(طب هب) وكذا أحمد وكأن المصنف ذهل عنه وإلا لقدمه في العزو إليه على عادته (عن واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع قال الهيتمي: وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وضعفه النسائي وغيره أه وأقول فيه أيضا عمرو بن مرزوق أورده الذهبي في الضعفاء وقال كان يحيى بن سعيد لا يرضاه فنصيب الهيتمي لا يرضاه الجناية برأس عمران وحده خلاف الأنصار(1/565)
1172 - (أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة) أولها: آمن الرسول (من كنز تحت العرش) قال الحافظ العراقي معناه أنها ادخرت له وكنزت له فلم يؤتها أحد قبله وكثير من آي القرآن منزل من الكتب السابقة باللفظ أو بالمعنى وهذه لم يؤتها أحد وإن كان فيه أيضا ما لم يؤت غيره لكن هذه خصوصية لهذه الأمة وهي وضع الأمر الذي على من قبل فلهذا قال (لم يعطها نبي قبلي) قال في المطامح: الله أعلم ما هذا الكنز ويجوز كونه كنز اليقين فهو كنز مخبوء تحت العرش أخرج منه سبحانه ثمانية مثاقيل من نور اليقين فأعطى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وزيد ذخيرة خصوصية للرسالة فلذلك وزن إيمانه بإيمان الخلق فرجح. إلى هنا كلامه وهو غريب
(حم طب) وكذا الأوسط (هب عن حذيفة) بن اليماني (حم عن أبي ذر) قال الحافظ الهيتمي ورجال أحمد رجال الصحيح أه(1/566)
1173 - (أعطيت ثلاث خصال) جمع خصلة ومر تعريفها ولا ينافيه خبر: أعطيت خمسا الآتي ولا خبر ستا ولا تبديل بعض الخصال ببعض في الروايات لاحتمال أنه أعطي الأقل فأخبر به ثم زيد فأخبر به وهكذا أو أنه أعطي أولا الأكثر فأخبر به ثم أخبر ببعضه بناء على المشهور من أن ذكر الأعداد لا يدل على الحصر (أعطيت صلاة في الصفوف) كما تصف الملائكة عند ربها وكانت الأمم المتقدمة يصلون منفردين وجوه بعضهم إلى بعض وقبلتهم إلى الصخرة (وأعطيت السلام وهي تحية أهل الجنة) أي يحيي بعضهم بعضا به {تحيتهم فيها سلام} وكانت الأمم السابقة إذا لقي بعضهم بعضا انحنى له بدل السلام وفيه مؤنة فأعطينا تحية أهل الجنة فيا لها من منة (وأعطيت آمين) أي ختم الداعي قراءته أو دعاءه بلفظ آمين (ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم) أي لم يعط هذه الخصلة الثالثة كما يدل له قوله (إلا أن يكون الله) تعالى (أعطاها) نبيه (هارون) ثم بين وجهه بقوله (فإن موسى) أخاه (كان يدعو الله) تعالى (ويؤمن) على دعائه أخوه (هارون) كما دل عليه لفظ التنزيل حيث قال تعالى {قد أجيبت دعوتكما} وقال في مبتدأ الآية {وقال موسى ربنا} فدل على أن موسى هو الداعي وهارون يؤمن وسماه داعيا لأنه لتأمينه عليه مشارك له في الدعاء فالخصلتان الأولتان من خصوصيات هذه الأمة مطلقا والثالثة من خصوصياتها على غير هذين الأخوين
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) بن مالك(1/566)
1174 - (أعطيت خمسا) أي من الخصال قاله في تبوك آخر غزواته (لم يعطهن) الفعلان مبينان للمفعول والفاعل الله (أحد [ص:567] من الأنبياء) أي لم تجتمع لأحد منهم أو كل واحدة لم تكن لأحد منهم (قبلي) فهي من الخصائص وليست خصائصه منحصرة في الخمس بل هي تزيد على ثلاث مئة كما بينه الأئمة والتخصيص بالعدد لا ينفي الزيادة ولا مانع من كونه اطلع أولا على البعض ثم على البقية كما مر (فإن قيل) ذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة قلنا إن ثبت فذاك والأكمل أنه إخبار عن زيادة مستقبلا عبر عنه بالماضي تحققا لوقوعه (نصرت) أي أعنت (بالرعب) بسكون العين المهملة وضمها الفرع أو الخوف مما يتوقع نزوله زاد أحمد: يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر) أي نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعدائي من مسيرة شهر بيني وبينهم من سائر نواحي المدينة وجعل الغاية شهرا إشارة إلى أنه لم يكن بين بلده وبين أحد من اعدائه مسافة أكثر من شهر إذ ذاك فلا ينافي أن ملك أمته يزيد على ذلك بكثير وهذا من خصوصية له ولو بلا عسكر ولا يشكل بخوف الجن وغيرهم من سليمان لأن المراد على الوجه المخصوص الذي كان عليه المصطفى من عدم العلم بالتسخير بل بمجرد الشجاعة والإقدام البشري وسليمان علم كل أحد أنها قوة تسخير وفي اختصاص أمته بذلك احتمالات رجح بعضهم منها أنهم قد رزقوا منه حظا وافرا. لكن ذكر ابن جماعة أنه جاء في رواية أنهم مثله (واعلم) أنه ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو كما ذكروه (وجعلت لي الأرض) زاد أحمد ولأمتي أي ما لم يمنع مانع (مسجدا) أي محل سجود ولو بغير مسجد وقف للصلاة فلا يختص بمحل بخلاف الأمم السابقة فإن الصلاة لا تصح منهم إلا في مواضع مخصوصة من نحو بيعة أو كنيسة فأبيحت الصلاة لنا بأي محل كان ثم خص منه نحو حمام ومقبرة ومحل نجس على اختلاف المذاهب تحريما وكراهة (وطهورا) أي مطهرا. وإن كان بمعنى الطاهر في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} إذ لا تطهر في الجنة فالخصوصية ههنا في التطهير لا في الطاهرية والمراد تراب الأرض كما جاء في رواية بلفظ وترابها طهورا وفي أخرى تربتها لنا طهورا بفتح الطاء فالتراب مطهر وإن لم يرفع وتقديم المشروط على شرطه لفظا لا يستلزم تقديمه حكما والواو لا تقتضي ترتيبا وفسر المسجد بقوله (فأينما) أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد (رجل) بالجر بالإضافة (من أمتي) بيان لرجل وفائدة بشارتهم بهذا الحكم التيسيري (أدركته) أي الصلاة في محل من الأرض (الصلاة) أية صلاة كانت. قال الزركشي: وجملة أدركته في محل خفض صفة لرجل وجواب الشرط قوله (فليصل) بوضوء أو تيمم ذكر ذلك لدفع توهم أنه خاص به وقدم النصر الذي هو الظفر بالأعداء لأهميته إذ به قيام الدين وثنى بجعل الأرض ذلك لأن الصلاة وشرطها أعظم المهمات الدينية وفي قوله فأيما إلى آخره إيماء إلى رد قول المهلب في شرح البخاري: المخصوص بنا جعل الأرض طهورا وأما كونها مسجدا فلم يأت في أثر أنها منعت منهم وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة. (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة بمعنى مغنومة والمراد بها هنا ما أخذ من الكفار بقهر وغيره. فيعم الفيء إذ كل منهما إذا انفرد عم الآخر والمراد بإحلالها له أنه جعل له التصرف فيها كما يشاء وقسمتها كما أراد {قل الأنفال لله والرسول} أو المراد اختصاصه بها هو وأمته دون الأنبياء فإن منهم من لم يؤذن له بالجهاد فلم يكن له غنائم ومنهم المأذون الممنوع منها فتجئ نار فتحرقه إلا الذرية ويرجح الثانية قوله (ولم تحل) يجوز بناؤه للفاعل وللمفعول (لأحد) من الأمم السابقة وفائدة التقييد بقوله (قبلي) التنبيه على المخصوص عليه من الأنبياء وأنه أفضلهم حيث خص بما لم يخصوا (وأعطيت الشفاعة) العامة والخاصة الخاصتان به فاللام للعهد: أي عهد اختصاص وإلا فللجنس والمراد المختصة بي. قال النووي: له شفاعات خمس: الشفاعة العظمى للفصل وفي جماعة يدخلون الجنة بغير حساب وفي ناس استحقوا النار فلا يدخلونها وفي ناس دخلوا النار فيخرجون منها. وفي رفع درجات ناس في الجنة والمختص به من ذلك الأولى
[ص:568] والثانية ويجوز الثالثة والخامسة (وكان النبي يبعث إلى قومه) بعثة (خاصة) بهم فكان إذا بعث في عصر واحد نبي واحد دعى إلى شريعته قومه فقط ولا ينسخ بها شريعة غيره أو نبيان دعى كل منهما إلى شريعته فقط ولا ينسخ بها شريعة الآخر. وقال بعض المحققين: واللام هنا للاستغراق بدليل رواية وكان كل نبي فاندفع ما جوزه الإمام من أن يكون الخاصة مجموع الخمسة ولا يلزم اختصاص عموم البعثة لأن قوله وكل نبي صريح في الاختصاص واستشكل بآدم فإنه بعث لجميع بنيه وكذا نوح بعد خروجه من السفينة وأجيب بأجوبة أوضحها أن المراد البعثة إلى الأصناف والأقوام وأهل الملل المختلفة وآدم ونوح ليسا كذلك لأن بني آدم لم يكن ثم غيرهم ونوح لم يكن عند الإرسال إلا قومه فالبعثة خاصة بهم وعامة في الصورة لضرورة الانحصار في الموجودين حتى لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا لهم (وبعثت إلى الناس) أي أرسلت إليهم رسالة (عامة) فهو نعت لمصدر محذوف أو حال من الناس أي معممين بها أو من ضمير الفاعل: أي بعثت معمما للناس وفي رواية لمسلم بدل عامة كافة قال الكرماني أي جميعا وهو مما يلزمه النصب على الحالية والمراد ناس زمنه فمن بعدهم إلى يوم القيامة وقول السبكي من أولهم إلى آخرهم قال محقق غريب لا يوافقه من يعتد به ولم يذكر الجن لأن الإنس أصل ومقصود بالذات أو المتنازع فيه أو أكثر اعتناء أو الناس يشمل الثقلين بل خبر وأرسلت إلى الخلق يفيد إرساله للملائكة كما عليه السبكي وختم بالبعث العام كلامه في الخصائص ليتحقق لأمته الجمع بين خيري الدنيا والآخرة وفيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والرسل لما ذكر من أن كل نبي أرسل إلى قوم مخصوصين وهو إلى الكافة وذلك لأن الرسل إنما بعثوا لإرشاد الخلق إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام وكل من كان في هذا الأمر أكثر تأثيرا كان أفضل فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه القدح المعلي إذ لم يختص بقوم دون قوم وزمان دون زمان بل دينه انتشر في المشارق والمغارب وتغلغل في كل مكان واستمر استمداده على وجه كل زمان زاده الله شرفا على شرف وعزا على عز ما در شارق ولمع بارق فله الفضل بحذافيره سابقا ولاحقا
(ق) في الصلاة وغيرها (ن) في الطهارة (عن جابر) بن عبد الله قال المصنف والحديث متواتر(1/566)
1175 - (أعطيت سبعين ألفا من أمتي) أمة الإجابة (يدخلون الجنة بغير حساب) أي ولا عقاب (وجوههم) أي والحال أن ضياء وجوههم (كالقمر ليلة البدر) أي كضيائه ليلة كماله وهي ليلة أربعة عشر (قلوبهم على قلب رجل واحد) أي متوافقة متطابقة في الصفاء والجلاء (فاستزدت ربي عز وجل) أي طلبت منه أن يدخل من أمتي بغير حساب زيادة على السبعين (فزادني مع كل واحد) من السبعين ألفا (سبعين ألفا) قال المظهر: يحتمل أن يراد به خصوص العدد وأن يراد به الكثرة ورجحه بعضهم قال ابن عبد السلام: وهذا من خصائصه ولم يثبت ذلك لغيره من الأنبياء
(حم) وكذا أبو يعلى كلاهما (عن أبي بكر) الصديق قال الهيتمي: وفيهما المسعودي وقد اختلط وتابعيه لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح(1/568)
[تابع حرف الهمزة](2/1)
1176 -[ص:2] (أعطيت أمتي) أي أمة الإجابة (شيئا) نكره للتعظيم (لم يعطه أحد من الأمم) السابقة وذلك (أن يقولوا) يعني يقول المصاب (عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون) وهذا صريح في أن الاسترجاع من خصائص هذه الأمة وفيه أنه يسن لمن أصيب بميت أو في نفسه أو أهله أو ماله أن يقول ذلك وزاد الفقهاء أخذا من حديث آخر اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف علي خيرا منها
(طب وابن مردويه) في تفسيره عن (ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن محمد الطحان وهو ضعيف. اه. لكن يعضده ما رواه ابن جرير والبيهقي في الشعب وغيرهما عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم يعطه الأنبياء قبلهم ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول يا أسفي على يوسف - إنا لله وإنا إليه راجعون(2/2)
1177 - (أعطيت قريش) القبيلة المعروفة ومر وجه تسميتها بذلك (ما لم يعط الناس) أي القبائل غيرهم قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أعطوا ما أمطرت السماء) أي النبات الذي ينبت بالمطر (وما جرت به الأنهار وما سالت به السيول) يحتمل أن المراد أن الله تعالى خفف عنهم التعب والنصب في معايشهم فلم يجعل زرعهم يسقى بمؤنة كالسوقي بل يسقى بماء المطر والأنهار والسيول من غير كلفة ويحتمل أن المراد أن الشارع أقطعهم ذلك في بلادهم وفي الحديث إيماء إلى أن الخلافة فيهم لتمييزهم على غيرهم بما أعطوا
الحسن بن سفيان) في جزئه (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من حديث أبي الزاهرية (عن حلبس) بحاء مهملة مفتوحة ولام ساكنة وموحدة مفتوحة وسين مهملة: وزن جعفر وقيل هو بمثناة تحتية مصغرا صحابي قال أبو نعيم: يعد في الحمصيين وهذا هو المراد هنا ولهم أيضا حلبس بن زيد الضبي صحابي(2/2)
1187 - (أعطي) بالبناء للمجهول (يوسف) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (شطر الحسن) أي حظا عظيما من حسن أهل الدنيا ولفظ رواية الحاكم: أعطي يوسف وأمه شطر الحسن. قال في الميزان متصلا بالحديث يعني سارة اه. فلا أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسير الراوي. ثم إن قلت هذا يخالفه ما في خبر الحاكم: إن الله قسم له من الجمال الثلثين وقسم بين عباده الثلث وكان يشبه آدم يوم خلقه الله فلما عصى آدم نزع منه النور والبهاء والحسن ووهب له الثلث من الجمال بالتوبة (1) فأعطى الله يوسف الثلثين. اه. قلت كلا لا منافاة لأن الشطر قد يطلق ويراد به الجزء من الشيء لا النصف وكم من نظير وبتأمل حديث الحاكم المذكور يعلم اندفاع قول ابن المنير والزركشي في حديث: أعطي يوسف شطر الحسن يتبادر إلى إفهام بعض الناس أن الناس يشتركون في الشطر الثاني وليس كذلك بل المراد أنه أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا فإنه بلغ النهاية ويوسف بلغ شطرها
(ش حم ع ك عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي. وقال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح وظاهر [ص:3] صنيع المؤلف أنه لا يوجد مخرجا لأحد الشيخين وإلا لما عدل عنه والأمر بخلافه فقد رواه مسلم في قصة الإسراء ولفظه فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن. ومن ثم عزا حديث الترجمة بنصه جمع لمسلم منهم السخاوي ثم رأيت المصنف نفسه قال في الدرر إنه في الصحيح من حديث الإسراء
_________
(1) هذا لا يتفق مع قوله تعالى إن الله اصطفى آدم الآية فتدبر(2/2)
1179 - (أعظم الأيام) أي أعظمها (عند الله يوم النحر) لأنه يوم الحج الأكبر وفيه معظم أعمال النسك (ثم يوم القر) ثاني يوم النحر لأنهم يقرون فيه أي يقيمون ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة ذكره الزمخشري. وقال البغوي: سمي به لأن أهل الموسم يوم التروية وعرفة والنحر في تعب من الحج فكان الغد من النحر قرأ اه. وفضلهما لذاتهما أو فيما يخصهما من وظائف العبادة والجمهور على أن يوم عرفة أفضل ثم النحر فمعنى قوله أفضل أي من أفضل كما يقال فلان أعقل الناس أي وأعلمهم
(حم د ك) في الأضاحي (عن عبد الله بن قرط) بضم القاف الأزدي الثمامي بضم المثلثة وخفة الميم كان اسمه شيطانا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله شهد اليرموك وغيره واستعمله معاوية على حمص قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/3)
1180 - (أعظم) رواية ابن عدي إن أعظم (الخطايا) أي الذنوب الصادرة عن عمد يقال خطى إذا أذنب معتمدا. ذكره الزمخشري (اللسان الكذوب) أي الكثير الكذب لأن اللسان أكثر الأعضاء عملا وما من معصية إلا وله فيها مجال فمن أهمله مرخى العنان ينطق بما شاء من البهتان سلك به في ميدان الخطايا والطغيان وما ينجى من شره إلا أن يقيده بلجام الشرع
(ابن لال) أبو بكر في حديث طويل جامع ثم الديلمي (عن ابن مسعود) وفيه الحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء متروك باتفاق
(عد) عن يعقوب بن إسحاق عن أحمد بن الفرج عن أيوب بن سويد عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن طاوس عن ابن عباس قال كان من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ثم قال ابن عدي: ولا أعلم يرويه عن الثوري غير أيوب. ورواه أيضا عن محمد بن إسحاق الوراق عن موسى بن سهل النسائي عن أيوب بن سويد عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس ثم قال ابن عدي وهذا إنما يرويه أيوب بهذا الإسناد اه(2/3)
1181 - (أعظم العيادة أجرا) أي أكثرها ثوابا (أخفها) بأن يخفف القعود عند المريض فتطويل القعود عنده خلاف الأولى لأنه قد يتضرر به لاحتياجه إلى تعهد أهله له ويحتمل أن المراد بتخفيفها كونها غبا لا كل يوم فعلم أن العيادة - بالمثناة التحتية - كما ضبطه بعضهم لا بالموحدة وإن صح اعتباره بدليل تعقيبه ذلك في هذا الحديث نفسه بقوله والتعزية مرة هكذا هو بهذا اللفظ عند مخرجه البزار ومثله البيهقي في الشعب وكأن المصنف أغفله ذهولا فالعيادة بالمثناة والتعزية أخوان فلذلك فرق بينهما. وأما العبادة بالموحدة فلا مناسبة بينها وبين التعزية فمن جرى عليه فقد صحف وحرف جهلا أو غباوة
(البزار) من حديث ابن أبي فديك (عن علي) أمير المؤمنين ثم قال - أعني البزار - وأحسب أن ابن فديك لم يسمع من علي أه وقد أشار المصنف بضعفه فإما أن يكون لانقطاعه ولكونه مع الانقطاع فيه علة أخرى(2/3)
1182 - (أعظم الغلول) بضم المعجمة: أي الخيانة وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل يغل غلولا كما في الصحاح وتبعوه فتفسير البعض له هنا بأنه الخيانة في الغنيمة غفلة عن تأمل الحديث (عند الله يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء [ص:4] وكشف الغطاء (ذراع) أو دونه كما يفيده خبر: من غصب قيد شبر من أرض (من الأرض) أي إثم غصبه ذراع من الأرض كما بينه بقوله (تجدون الرجلين جارين) أي متجاورين (في الأرض أو الدار) أو نحوها (فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه) أي من حق جاره المسلم ومثله الذمي: أي مما يستحقه بملك أو وقف أو غيرهما (ذراعا) مثلا (فإذا اقتطعه) منه (طوقه) بالبناء للمجهول: أي يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق (من سبع أرضين) يعني يعاقب بالخسف فيصير ما اقتطعه وما تحته من كل أرض من السبع طوقا له ويعظم عنقه حتى يسع ذلك أو يتكلف أن يجعل له ذلك طوقا ولا يستطيع فيعذب به كما في خبر: من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة والتطويق تطويق الإثم أو المراد أن الظلم المذكور لازم له لزوم الطرق للعنق من قبيل {ألزمناه طائره في عنقه} (يوم القيامة) زاد في رواية في الكبير: إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الذي خلفها وهذا وعيد شديد يفيد أن الغصب كبيرة بل يكفر مستحله لكونه مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة وفيه إمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر وأن غصبها أعظم من غصب غيرها إذ لم يرد فيه مثل هذا الوعيد وأن من ملك أرضا ملك سفلها إلى منتهى الأرضين وله منع غيره من حفر بئر أو سرداب تحتها وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجر ومدر ومعدن وغيرها وله أن ينزل في الحفر ما شاء ما لم يضر ببناء جاره وأن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض إذ لو فتقت لاكتفى في حق الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها وأن الأرضين السبع طباق كالسماوات وغير ذلك
(حم طب) وكذا ابن أبي شيبة عن أبي مالك الأشجعي التابعي قال ابن حجر: سقط الصحابي أو هو الأشعري فليحرر كذا رأيته بخطه ثم قال إسناده حسن انتهى والظاهر من احتماليه: الأول فإن أحمد خرجه عن أبي مالك الأشعري ثم خرجه بالإسناد نفسه عن أبي مالك الأشجعي فلعله أسقط الصحابي سهوا. قال الهيثمي: وإسناده حسن وذكر المؤلف أن تطويق الأرض المغصوبة رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وغيرها متواترا وليس مراده هذا الحديث كما وهم بدليل أنه لما سرد من رواه من الصحابة لم يذكروا الأشجعي(2/3)
1183 - (أعظم الظلم ذراع) أي ظلم أي غصب ذراع (من الأرض) أو نحوها (ينتقصه المرء من حق أخيه) في الإسلام وإن لم يكن من النسب وذكر الأخ للغالب فالذمي كذلك وشمل الحق ملك الرقبة وملك المنفعة (ليست حصاة أخذها) منه (إلا طوقها يوم القيامة) على ما تقرر وذكر الذراع والحصاة لينبه على أن ما فوق ذلك أبلغ في الإثم وأعظم في الجرم والصعوبة والعقوبة والقصد بذكر الحصاة ونحوها مزيد الزجر والتنفير من الغصب ولو لشيء قليل جدا وأنه من الكبائر
(طب) عن ابن مسعود رمز المصنف لحسنه(2/4)
1184 - (أعظم) لفظ رواية الشيخين فيما وقفت عليه إن أعظم (الناس أجرا) أي ثوابا وهو نصب على التمييز (في الصلاة أبعده) بالرفع خبر أعظم الناس (إليها ممشى) بفتح فسكون تمييز أي أبعدهم مسافة إلى المسجد لكثرة الخطا فيه المتضمنة للمشقة (فأبعدهم) أي أبعدهم ثم أبعدهم فالفاء هنا بمعنى ثم وأما قول الكرماني للاستمرار كلأمثل فالأمثل فمنعه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحات أنها تجيء بمعناه واستثنى من أفضليته بعد الدار عن المسجد الإمام ومن [ص:5] تعطل القريب لغيبته ولا يعارض هذا الحديث خبر فضل البيت القريب من المسجد على البعيد كفضل المجاهد على القاعد لأن هذا راجع لتعيين البقعة والأول للفعل (والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام) ولو في آخر الوقت (أعظم أجرا من الذي يصليها) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام بغير انتظار (ثم ينام) فكما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر فكذا طول الزمن للمشقة (وفائدة) ثم ينام الإشارة إلى الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار ذكره جمع وقال الطيبي في قوله ثم ينام جعل عدم انتظاره نوما فيكون المنتظر وإن نام يقظان لأنه مراقب للوقت كمرابط منتهز فرصة المجاهدة وهذا بتضييع تلك الأوقات كالنائم فهو كأجير أدى ما عليه من العمل ثم مضى لسبيله
(ق) في الصلاة (عن أبي موسى) الأشعري (هـ عن أبي هريرة) قال أبو موسى أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فذكره(2/4)
1185 - (أعظم الناس هما) أي حزنا وغما وعزما وقوة (المؤمن) أي الكامل إذ هو الذي (يهتم بأمر دنياه) أي بتحصيل ما يقوم بمؤنته ومؤنة ممونه (وبأمر آخرته) من القيام بالطاعات وتجنب الحرام والشبهات فإن راعى دنياه أضر بآخرته وإن راعى آخرته أضر بأمر دنياه إذ هما ضرتان فاهتمامه بأموره الدنيوية بحيث لا يخل بشيء من المطلوبات الأخروية صعب عسير إلا على من سهله الله عليه ولا يعارضه الأخبار الواردة بذم الدنيا ولعنها وإن الدراهم والدنانير مهلكة لأن الكلام هنا في الاهتمام لما لابد منه في مؤنة نفسه ومن يعوله وذلك محبوب بل واجب فهو في الحقيقة من أمر الآخرة وإن كان من الدنيا صورة
(هـ عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي قال في الميزان عن النسائي وغيره متروك وعن شعبة لأن أزني أحب إلي من أحدث عنه انتهى ورواه باللفظ المزبور عن أنس أيضا البخاري في الضعفاء وكان ينبغي للمصنف ذكره للتقوية وبه يصير حسنا لغيره(2/5)
1186 - (أعظم الناس حقا على المرأة زوجها) حتى لو كان به قرحة فلحستها ما قامت بحقه ولو أمر أحد أن يسجد لأحد لأمرت بالسجود له فيجب أن لا تخونه في نفسها ومالها وأن لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب وأن لا تخرج إلا بإذنه ولو لجنازة أبويها (وأعظم الناس حقا على الرجل) يعني الإنسان ولو أنثى فذكر الرجل وصف طردي (أمه) فحقها في الآكدية فوق حق الأب لما قاسته من المتاعب والشدائد في الحمل والولادة والحضانة ولأنها أشفق وأرأف من الأب فهي بمزيد البر أحق <تنبيه> قال بلال الخواص كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فألهمت أنه الخضر فقلت بحق الحق من أنت قال الخضر قلت ما تقول في مالك بن أنس قال إمام الأئمة قلت فالشافعي قال من الأوتاد قلت فأحمد قال صديق قلت فبشر قال لم يخلف بعده مثله قلت بأي وسيلة رأيتك قال ببرك لأمك وفيه أنه يلزم الرجل عند ضيق النفقة تقديم أمه على أبيه
(ك عن عائشة) وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا البزار وغيره(2/5)
1187 - (أعظم الناس بركة) على زوجها (أيسرهن) وفي رواية أقلهن (مؤنة) قال العامري: أراد المرأة التي قنعت بالقليل من الحلال عن الشهوات وزينة الحياة الدنيا فخفت عنه كلفتها ولم يلتجئ بسببها إلى ما فيه حرمة أو شبهة فيستريح قلبه وبدنه من التعنت والتكلف فتعظم البركة لذلك وفي رواية بدله مهورا وفي أخرى صداقا وأقلهن بركة من هي بضد ذلك وذلك لأنه داع إلى عدم الرفق والله سبحانه وتعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله قال عروة أول شؤم المرأة [ص:6] كثرة صداقها وفي خبر للديلمي تياسروا في الصداق إن الرجل ليعطى المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة <فائدة> روي أن عمر حمد الله ثم قال أن لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد أنه ساق أكثر من شيء ساقه نبي الله أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال فعرضت له امرأة فقالت يا أمير المؤمنين كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك قال كتاب الله قالت قال تعالى {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} فقال عمر كل أحد أفقه من عمر ثم رجع المنبر فقال كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء فليفعل رجل في ماله ما أحب فرجع عمر عن اجتهاده إلى ما قامت عليه الحجة
(حم ك) في الصداق (هب) كذا البزار (عن عائشة) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الزين العراقي إسناده جيد انتهى وقال الهيثمي فيه ابن سخيرة وقال اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك انتهى والمؤلف رمز لصحته فليحرر(2/5)
1188 - (أعظم آية في القرآن) أي أكثرها ثوابا كما أشار إليه بعضهم بقوله أراد بالعظم عظم القدر بالثواب المترتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول (آية الكرسي) (1) لما اشتملت عليه من أسماء الذات والصفات والأفعال ونفي النقص وإثبات الكمال ووقت به من أدلة التوحيد على أتم وجه في أحكم نظام وأبدع أسلوب وفضل الذكر والعلم يتبع المعلوم والمذكور وقد احتوت على الصفات صريحا وضمنا وكررت فيها الأسماء الشريفة ظاهرة ومضمرة تسع عشرة مرة ولم يتضمن هذا المجموع آية غيرها وهي خمسون كلمة على عدد الصلوات المأمور بها أولا في حضرة العرش والكرسي فكأنها مراقي لروح قاريها إلى ذلك المحل الأسمى الذي يعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ولعل هذا سر ما ثبت أنه لا يقرب من قرأها عند النوم شيطان لأن من كان في حضرة الرحمن عار عن وسوسة الشيطان (وأعدل آية في القرآن) قوله سبحانه وتعالى: (إن الله يأمر) مستقبل بمعنى الدوام (العدل) بالتوسط في الاعتقاد كالتوحيد لا التعطيل والتشريك وفي العمل كالتعبد لا البطالة والترهب وفي الخلق كالجود لا البخل والتبذير (والإحسان) إلى الخلق أو المراد الأمر بالعدل في الفعل والإحسان في القول أو هما الإنصاف والتفضل أو التوحيد والعفو أو العدل استواء السر والعلانية والإحسان كون البر أحسن. ولابن عبد السلام كتاب سماه الشجرة رد فيه جميع الأحكام الشرعية إلى هذه الآية وأجراه في سائر الأبواب الفقهية (وأخوف آية في القرآن) قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة) أي زنة أصغر نملة أو هباء قيل كل مئة ذرة تزن حبة (خيرا يره) أي جزاءه أو في كتابه يسره أو يسوؤه أو عند المعاينة أو يعرف المؤمن عقاب شره بالبلايا والكافر ثواب خيره بالعطايا التي أوجدها في الدنيا (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) بشرط عدم الإحباط والمغفرة قال الصديق رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم إني راء يا رسول الله ما عملت من خير وشر قال ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة وجاء صعصعة بن ناجية جد الفرزدق للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية فقال حسبي حسبي وهي أحكم آية في القرآن وتسمى الجامعة الفاذة (وأرجى آية في القرآن: قوله تعالى (قل يا عبادي) [ص:7] أفهم بالإضافة تخصيص المؤمنين كما هو عرف التنزيل (الذين أسرفوا) أي جاوزوا الحد (على أنفسهم) بالانهماك في المعاصي (لا تقنطوا) تيأسوا (من رحمة الله) مغفرته أولا وتفضله ثانيا (إن الله يغفر الذنوب جميعا) يسترها بعفوه ولو بلا توبة إذا شاء إلا الشرك. {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وما تقرر من أن الأولى أعدل والثانية أخوف والثالثة أرجى هو ما في هذا الخبر وأخذ به جمع من السلف والخلف وذهب آخرون إلى أن الأعدل والأخوف والأرجى آيات أخر وتمسكوا بموقوفات وآثار أخر وفي الإتقان في أرجى آية في القرآن بضعة عشر قولا وليس في ذلك ما يقاوم الحديث المشروح على ضعفه فهو أحسن شيء في هذا الباب ولذلك أثره في الكتاب وفيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض ومنع منه الأشعري والباقلاني وجماعة محتجين بأن تفضيل بعضهم على بعض يقتضي نقص المفضول ولا نقص في كلامه تعالى وأجازه قوم وقالوا هو راجع إلى أعظم أجر قارئ ذلك وتوسط ابن عبد السلام وقال كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره {قل هو الله أحد} أفضل من {تبت} وعليه بنى الغزالي كتابه المسمى بجواهر القرآن
(الشيرازي) في الألقاب (وابن مردويه) في تفسيريه (والهروي) في فضائله أي فضائل القرآن كلهم (عن ابن مسعود) مرفوعا رمز المصنف لضعفه
_________
(1) قال البيضاوي وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الإلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته مقوم لغيره إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ولذلك قال عليه الصلاة والسلام إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة وقال من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله(2/6)
1189 - (أعظم الناس فرية) بالكسر أي كذبا (اثنان) أحدهما (شاعر يهجو) من الهجو (القبيلة) المسلمة (بأسرها) أي كلها لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه لأن القبيلة لا تخلو من عبد صالح فهاجي الكل قد تورط في الكذب على التحقيق فلذلك قال أعظم فرية (و) الثاني (رجل انتفى من أبيه) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الولد ولو أنثى وأراد بالأب من ولادة وإن علا ويظهر أن مثله الأم إذ لا فارق ويؤخذ منه أن ذلك كبيرة وبه صرحوا أما من هجا واحدا من قبيلة فإنه ليس أعظم الناس فرية وإن كان مفتريا أيضا إذ يحرم هجو المسلم ولو تعريضا وكذبا وصدقا أما الكافر فيجوز هجوه وكذا مسلم مبتدع ومتظاهر بفسقه ذكره أصحابنا ثم إن ما ذكر من سياق الحديث هو ما رأيته في نسخ الكتاب والذي وقفت عليه في سنن ابن ماجه اعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجى القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه وزنى أمه أي جعلها زانية
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتابه الذي صنفه في (ذم الغضب هـ عن عائشة) وفيه عمرو بن مرة قال في الكاشف ثقة يرى الإرجاء ورواه عنها أيضا البيهقي في الشعب والديلمي بل رواه البخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولعل المؤلف لم يستحضره قال ابن حجر في الفتح بعد ما عزاه للبخاري في الأدب المفرد ولابن ماجه وسنده حسن(2/7)
1190 - (أعف الناس قتلة) بكسر القاف (أهل الإيمان) أي هم أرحم الناس بخلق الله وأشدهم تحريا عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه إجلالا لخالقهم وامتثالا لما صدر عن صدر النبوة من قوله إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان واكتفوا من مسماه بلقلقة اللسان وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن وأبعد القلوب من الله القلب القاسي ومن لا يرحم لا يرحم والقتلة بالكسر هيئة القتل وهذا تهديد شديد في المثلة وتشويه الخلق
(د هـ عن ابن مسعود) ورجاله ثقات(2/7)
1191 - (اعقلها) أي شد ركبة ناقتك مع ذراعها بحبل (وتوكل) أي اعتمد على الله قاله لمن قال يا رسول الله أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها [ص:8] وأتوكل وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل الذي هو الاعتماد على الله وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها وفيه بيان فضل الاحتياط والأخذ بالحزم
(ت عن أنس) واستغربه ثم حكى عن الفلاس أنه منكر وقال يحيى القطان حديث منكر وقال غيره فيه المغيرة بن أبي قرة السدوسي مجهول فهو معلول فعزو المصنف لمخرجه وسكوته عما عقبه به من القدح في سنده من سوء التصرف لكن قال الزركشي إنما أنكره القطان من حديث أنس وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عمرو بن أمية الضمري قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ناقتي وأتوكل قال اعقلها وتوكل وإسناده صحيح وقال الزين العراقي رواه ابن خزيمة والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ قيدها وتوكل وبه يتقوى(2/7)
1192 - (أعلم الناس) أي أكثرهم علما (من) أي عالم (يجمع علم الناس إلى علمه) أي يحرص على تعلم ما عندهم مضافا إلى ماعنده (وكل صاحب علم) نكره لمزيد التعميم (غرثان) أي جائع بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة فمثلثة يعني متلهف متعطش منهمك على استفادة ما عند غيره مما ليس عنده والمراد أنه لشدة حبه في العلم وحلاوته عنده وتلذذه بفهمه لا يزال طالبا تحصيله لا يشبع ولا يقنع ومن هذا دأبه يصير من أعلم الناس لشدة تحصيله للفوائد وضبطه للشوارد <تنبيه> قال الغزالي قال أبو يزيد ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا أنسى ما حفظ صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى {وقد آتيناه من لدنا علما} مع أن كل علم من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدني الذي ينفتح في سر العالم من غير سبب مألوف من خارج انتهى
(ع جابر) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعلم فذكره قال الهيثمي: فيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف جدا(2/8)
1193 - (اعلم أنك) خطاب لكل من يتأتى توجيه الكلام إليه أو لمعين وهو ثوبان أو المراد العموم وإنما صدر بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمير إلى الإكثار من السجود الرافع للدرجات (لا تسجد لله سجدة) أي في صلاة منفردة كسجدة تلاوة أو شكر (إلا رفع الله لك بها درجة) أي منزلة عالية المقدار (وحط عنك بها خطيئة) يعني فأكثر من الصلاة لترفع درجاتك وتمحى عنك سيئاتك قال الجنبد: ليس من طلب الله يبذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يشفع له وأن يكون معه في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا وضع وجهي لخالقي في الليل والنهار وظمأ الهواجر ومقاعد أقوام ينتفون الكلام كما تنتقى الفاكهة
(حم ع طب) عن أبي أمامة رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح(2/8)
1194 - (اعلم) بصيغة الأمر أي اعرف قال في الصحاح علمت الشيء أعلمه علما عرفته فظاهره أن العلم هو المعرفة لكن فرق بأن المعرفة إدراك الجزيئات والعلم إدراك الكليات ولذلك لا يقال الله عارف كما يقال عالم (يا أبا مسعود) لفظ رواية مسلم وأبا داود بحذف حرف النداء (أن الله) وفي رواية أبا تمام والله إن الله (أقدر عليك منك على هذا الغلام) الذي تضربه أي أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تقدر على الحلم إذا غضبت
(م) عن أبي مسعود عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا خلفي اعلم [ص:9] يا أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره فقلت يا رسول هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار وفي رواية كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يقول اعلم إلى آخره فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية فسقط السوط من يدي هيبة له قال النووي رواه مسلم بهذه الروايات <تنبيه> قد اختلف الناس في حد العلم على أقاويل لا تكاد تحصى وذلك مشهور ومعروف وهنا ألفاظ تظن أنها مرادفة للعلم ينبغي بيانها الأول الشعور وهو أول مراتب وصول العلم إلى القوة العاقلة فهو إدراك من غير تثبت الثاني الإدراك وهو لغة الوصول واللحاق بالشيء وملاقاته ويسمى وصول العقل إلى المعقول إدراكا الثالث التصور وهو حصول صورة الشيء في العقل الرابع الحفظ وهو تأكد ذلك واستحكامه أو يصير بحيث لو زال لتمكنت القوة من استرجاعه. الخامس التذكر وهو محاولة القوة لاسترجاع ما زال من المعلومات السادس الذكر وهو فائدة التذكر السابع الفهم وهو يتعلق بلفظ المخاطب غالبا. الثامن الفقه وقال الإمام الرازي هو العلم بغرض المخاطب ولهذا قال تعالى في الكفار {لا يكادون يفقهون حديثا} أي لا يفقهون الغرض من الخطاب التاسع الدراية وهي المعرفة التي تحصل بعد رؤية وتقديم مقدمات. العاشر اليقين وهو أن يعلم الشيء وامتناع خلافه الحادي عشر الذهن وهو قوة النفس واستعدادها لاكتساب العلوم التي ليست بحاصلة. الثاني عشر الفكر وهو الانتقال من التصديقات الحاضرة والتصديقات المحضرة. الثالث عشر الحدس وهو الذي يميز به عمل الفكر وهو استعداد النفس لوجود المتوسط بين الطرفين المصير للنسبة المجهولة معلومة لأن كل مجهول لا يعلم إلا بواسطة مقدمتين معلومتين تنتج المطلوب الرابع عشر الذكاء وهو قوة الحدس وبلوغه الغاية الخامس عشر الفطنة وهو التنبه للشيء الذي قصد تعريفه. السادس عشر الكيس وهو استنباط الأنفع والأولى. السابع عشر الرأي وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها وفيما يعارضها وطلب استنتاجها علي الوجه المصيب وهو دلالة الفكر
(م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما فسمعت صوتا خلفي اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار(2/8)
1195 - (اعلم يا بلال) ابن الحارث قال ما أعلم يا رسول الله قال اعلم (أنه) أي الشأن (من أحيا سنة من سنتي) أي علمها وعمل بها ونشرها بين الناس وحث على متابعتها وحذر من مخالفتها والسنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام فقد تكون فرصا كزكاة الفطر وقد تكون غيره كعيد وجماعة وقال الأشرفي الظاهر يقتضي من سنتي بصيغة الجمع لكن الرواية بالإفراد وقال الطيبي: هو جنس شائع في أفراده وأحيا استعير للعمل بها وقوله (قد أميتت بعدي) أي تركت وهجرت استعارة أخرى وهي كالترشيح للاستعارة الأولى (كان له من الأجر مثل) أجر (من) أي كل إنسان مؤمن (عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا) لما كانت الجهة استوجبت بها المسبب الأجر والجزاء غير التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره (ومن ابتدع بدعة ضلالة) قال الأشرفي روي بالإضافة ويصح نصبه تعتا ومنعوتا وفيه إشارة إلى أن بعض البدع (1) غير ضلالة (لا يرضاها الله ورسوله) صفة شارحة لما قبلها (كان عليه مثل آثام من عمل بها) من الناس (لا ينقص ذلك من أوزار) جمع وزر وهو الإثم (الناس شيئا) قال البيضاوي: أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية لثواب ولا لعقاب بذاتها لكنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب [ص:10] والعقاب بها ارتباط المسببات بأسبابها وفعل ما له تأثير في صدوره يوجه
(ت) وكذا ابن ماجه (عن ابن عمرو بن عوف) الأنصاري البدري حسنه الترمذي ورواه المنذري بأن فيه الكثير بن عبد الله بن عمرو وهو متروك واه لكن للحديث شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن
_________
(1) أي في العادات وأما في العبادات فهي ضلالة قطعا للجمع بين النصوص(2/9)
1196 - (اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله) قال بعض المخاطبين وكيف ذلك يا رسول الله قال (مالك ما قدمت) أي صرفته في وجوه القرب فصار أمامك تجازى عليه بعد موتك في الآخرة (ومال وارثك ما أخرت) أي ما خلفته بعدك فالذي تخلفه بعدك إنما هو لوارثك لهذا قال بعض العارفين قدموا بعضا ليكون لكم ولا تخلفوا كلا ليكون عليكم. قال الماوردي: وروي عن عائشة قالت ذبحنا شاة فتصدقنا بها فقلت يا رسول الله ما بقي منها إلا كتفها قال كلها بقي إلا كتفها فالحازم من عمد إلى ما زاد عن كفايته فيرى انتهاز الفرصة فيها فيضعها بحيث تكون له ذخرا معدا وغما مستجدا ومن يدخر المال لولده ونحوه من ورثته إشفاقا عليه من كد الطلب وسوء المنقلب استحق الذم واللوم من وجوه منها سوء الظن بخالقه في أنه لا يرزقهم إلا من جهته والثقة ببقاء ذلك على ولده مع غدر الزمان ومحنه ومنها ما حرم من منافع ماله وسلب من وفور حاله وقد قيل إنما مالك لك أو لوارثك أو للجانحة فلا تكن أشقى الثلاثة ومنها ما لحقه من شقاء حمقه وناله من عناء كده حتى صار ساعيا محروما وجاهدا مذموما ومن ثم قالوا رب مغبوط بمسرة هي داؤه ومحزون من سقم هو شفاؤه ومنها ما يؤخذ به من وزره وآثامه ويحاسب عليه من شقائه وإجرامه وكما حكي أن هشام بن عبد الملك لما ثقل بكى عليه ولده فقال جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء وترك لكم ما كسب وتركتم عليه ما اكتسب فعلم من هذا التقرير أن الحديث مسوق لذم من قتر على نفسه وعياله وشح بالمال أن ينفق منه في وجوه القرب وادخره لورثته. أما من وسع على عياله وتصدق قصدا بالمعروف ثم فضل بعد ذلك شيء فادخره لعياله فلا يدخل في الذنب بدليل خبر لأن تترك ورثتك أغنياء خير إلخ وقضيته أن من مات وخلف دينا لوارثه فلم يقبضه ثم مات الكل كان المطالب به في الآخرة الوارث لكن صرح أئمتنا بأن المطالب فيها صاحب الحق أولا
(ن عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله اعلموا إلخ وهو في الصحيحين بنحوه(2/10)
1197 - (أعلنوا النكاح) أي أظهروه إظهارا وفرقا بينه وبين غيره من المآدب وهذا نهي عن نكاح السر وقد اختلف في كيفيته فقال الشافعي: كل نكاح حضره رجلان عدلان وقال أبو حنيفة: رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن تواصوا بكتمانه وذهبوا إلى أن الإعلان المأمور به هو الإشهاد وقال المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع الشهود على كتمانه وهو باطل فالإعلان عندهم فرض ولا يغني عنه الإشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد بالإعلان إذاعته وإشاعته بين الناس وإن الأمر للندب وأخذ منه ابن قتيبة وغيره أنه لا بأس بإظهار الملاعب في المآدب وساق سنده عن الخبر أنه لما ختن بنيه أرسل عكرمة ودعا الملاعبين وأعطاهم دراهم
(حم حب طب حل ك) من حديث عامر بن عبد الله (عن) عبد الله (بن الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة (ابن العوام) بفتح المهملة وشد الواو الصحابي ابن الصحابي أمير المؤمنين أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة وأول شيء دخل جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان أطلس لا لحية له وكان صواما قواما عظيم المجاهدة بويع بالخلافة بمكة فحصره الحجاج وقتل مظلوما ورواه عنه هكذا البيهقي وقال تفرد به عامر هذا انتهى قال الذهبي: ولم يضعف ولا هو من رجال الكتب الستة. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته(2/10)
[ص:11] 1198 - (أعلنوا هذا النكاح) أشيعوا عقده وأذيعوه ندبا ولا تكتموه وليس المراد هنا الوطء بدليل تعقيبه بقوله (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره واشتهاره فإنه أعظم محافل أهل الخير والفضل (واضربوا عليه بالدفوف) جمع دف بالضم ويفتح ما يضرب به لحادث سرور (فإن قلت) المسجد يصان عن ضرب الدفوف فيه فكيف أمر به (قلت) ليس المراد أنه يضرب به فيه بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد العقد فحسب وقد أفاد الخبر حل ضرب الدف في العرس ومثله كل حادث سرور ومذهب الشافعية أن الضرب به مباح مطلقا ولو بجلاجل وقد وقع الضرب به بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة وأقره قال ابن حجر: واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن انتهى وما ذكره تقدمه إليه الحليمي فخص حله بالنساء وقد أطال السبكي في رده فلا فرق بين ضربه من امرأة أو رجل على الأصح الذي اقتضاه قول الحديث اضربوا
(ت) في النكاح من حديث عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة)
قال أعني الترمذي وعيسى هذا ضعيف انتهى وجزم البيهقي بصحته وقال ابن الجوزي ضعيف جدا وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف وقال الديلمي في تخريج أحاديث الهداية ضعيف لكن توبع ابن ماجه(2/11)
1199 - (أعمار أمتي) أمة الدعوة لا أمة الإجابة كما هو بين ولكل مقام مقال (ما بين الستين) من السنين (إلى السبعين) أي ما بين الستين والسبعين وإنما عبر بإلى التي للانتهاء ولم يقل والسبعين الذي هي حق التعبير ليبين أنها لا تدخل إلا على متعدد لأن التقدير ما بين الستين وفوقها إلى السبعين فإلى غاية الفوقية لدلالة الكلام عليه وقال بعضهم معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين وانتهاؤه سبعين (وأقلهم من يجوز ذلك) قال الطيبي: هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم يبلغ ستين وهذا من رحمة الله بهذه الأمة ورفقه بهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاد الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا فإن القرون السالفة كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك كان أحدهم يعمر ألف سنة وطوله ثمانون ذراعا وأكثر وأقل وحبة القمح ككلوة البقرة والرمانة يحملها عشرة فكانوا يتناولون الدنيا بمثل تلك الأجساد وفي تلك الأعمار فبطروا واستكبروا وأعرضوا عن الله {فصب عليهم ربك سوط عذاب} فلم يزل الخلق ينقصون خلقا ورزقا وأجلا إلى أن صارت هذه الأمة آخر الأمم يأخذون أرزاقا قليلة بأبدان ضعيفة في مدة قصيرة كيلا يبطروا فذلك رحمة بهم قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر بالنقص ضعف القوة والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة لاستحالة رجوعه للحالة الأولى من القوة والنشاط
(ت) عن أبي هريرة وقال حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه قال ابن حجر وهو عجيب منه فقد رواه في الزهد أيضا من طريق أخرى عن أبي هريرة وإليه أشار المصنف بقوله (ع عن أنس) قال وفيه عنده عبد الأعلى شيخ هشيم. وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان والحاكم بسند الترمذي الأول ومتنه وقال في الفتح سنده حسن(2/11)
1200 - (اعمل لوجه واحد يكفيك) من الكفاية والفاعل المعمول له المدلول عليه بالفعل (الوجوه كلها) أي اعمل لله تعالى وحده خالصا لوجهه يكفيك جميع مهماتك في حياتك وبعد مماتك قال الغزالي اعمل لأجل من إذا عملت لأجله ووحدته بقصدك وطلبت رضاه بعملك أحبك وأكرمك وأغناك عن الكل ولا تشرك بعبادته عبدا حقيرا مهينا [ص:12] لا يغني عنك شيء
(عد فر عن أنس) وفيه أبو عبد الرحمن السلمي سبق أنه وضاع للصوفية ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبي في الضعفاء متهم بالوضع ونافع بن هرمز أبو هرمز قال في الميزان كذبه ابن معين وتركه أبو حاتم وضعفه أحمد انتهى وبه يعرف أن سنده هلهل بالمرة فكان ينبغي للمصنف حذفه(2/11)
1201 - (اعمل عمل من) وفي نسخة امرىء (يظن أن لا يموت أبدا واحذر حذر امرىء يخشى أن يموت غدا) أي قريبا جدا ولم يرد حقيقة الغد والمراد تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذر الموت بالفوت على عمل الدنيا وتأخير أمر الدنيا كراهة الاشتغال بها على عمل الآخرة وأما ما فهمه البعض أن المراد اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ويكون المراد الحث على عمارة الدنيا لينتفع من يجيء بعد والحث على عمل الآخرة فغير مرضي لأن الغالب على أوامر الشارع ونواهيه الندب إلى الزهد في الدنيا والتقليل من متعلقاتها والوعيد على البناء وغيره وإنما مراده أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قل حرصه وعلم أن ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه فإنه إن فاتني اليوم أدركته غدا فإني أعيش أبدا فقال النبي اعمل بعمل من يظن أنه يخلد فلا يحرص على العمل فيكون حثا على التقليل بطريق أنيق ولفظ رشيق ويكون أمره بعمل الآخرة على ظاهره فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقلل لكن بلفظين مختلفين أفاده بعض المحققين لكن يعضد الأول خبر إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها وفيه تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزال عن ذهنه أن عليه من الله عينا كالئة ورقيبا مهيمنا وأجلا قريبا حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاما وأوفر تحفظا منه مع الملأ
(هق عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه الديلمي أيضا ورمز لضعفه وذلك لأن فيه مجهولا وضعفا(2/12)
1202 - (اعملوا) بظاهر ما أمرتم ولا تتكلوا على ما كتب لكم من خير وشر (فكل) أي كل من خلق (ميسر) أي مهيئ ومصروف (لما خلق له) أي لأمر خلق ذلك المرء له فلا يقدر البتة على عمل غيره فذو السعادة ميسر لعمل أهلها بحكم القدر الجاري عليه وإذا غلبت مادة الحكم واستحكمت في إنسان فإنما تيسر له عمل الخبث فكان مظهرا للأفعال الخبيثة التي هي عنوان الشقاء وحكم عكسه عكس حكمه
<تنبيه> قال الغزالي بين بهذا الخبر أن الخلق مجاري قدر الله ومحل أفعاله وإن كانوا هم أيضا من أفعاله لكن بعض أفعاله محل لبعض وقوله اعملوا وإن جرى على لسان الرسول فهو فعل من أفعاله تعالى وهو سبب لعلم الخلق بأن العلم نافع وعلمهم من أفعال الله وهو سبب لحركة الأعضاء وهي أيضا من أفعاله تعالى لكن بعض أفعاله مسبب للبعض أي الأول شرط للثاني كخلق الحياة شرط لخلق العلم والعلم للإرادة بمعنى أو لا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ولا للإرادة إلا ذو علم فيكون بعض أفعاله سببا للبعض لا موجبا لغيره وهذا القول من الله سبب لوجود الاعتقاد والاعتقاد سبب للخوف والخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وهو سبب الوصول إلى جوار الرحمن وهو مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له الأسباب التي تقوده بسلاسلها إلى الجنة ومن لا يبعد عن سماع كلام الله ورسوله والعلماء فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا وإذا لم يتركه صار من حزب الشيطان {وإن جهنم لموعدهم أجمعين}
(طب عن ابن عباس وعن عمران بن حصين) قال قال رجل يا رسول الله أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شيء نستأنفه قال بل بما جرت به المقادير وجف به القلم قال ففيم العمل قال اعملوا إلخ قال الهيثمي رجاله تقات انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته وظاهر [ص:13] عدوله للطبراني واقتصاره عليه أنه لا يوجد مخرجا لأحد من السنة والأمر بخلافه فقد رواه الشيخان من حديث علي قال كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكث وجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال اعملوا كل ميسر لما خلق له قال الطيبي: قوله مقعده أي محل قعوده وكنى عن كونه من أهل الجنة أو النار باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة وإن ورد في حديث آخر هذا المعنى لأن التفصيل الآتي يأبى حمله على ذلك فيجب أن تكون الواو بمعنى أو قال: وقوله أفلا نتكل أي أفلا نعتمد على ما كتب لنا في الأزل ونترك العمل يعني إذا سبق القضاء لكل واحد منا بجنة أو نار فأي فائدة في السعي فإنه لا يرد القضاء والقدر فأجاب بقوله اعملوا وهو من أسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال والترك وأمرهم بامتثال ما يجب على العبد من امتثال أمر ربه وعبوديته عاجلا وتفويض الأمر إليه آجلا يعني أنتم عبيد ولابد لكم من العبودية بما أمرتم وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية لآية {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي أمارات وعلامات ولا بد في الإيجاب من لطف الله أو خذلانه(2/12)
1203 - (اعملوا فكل ميسر لما يهدى) يرشد (له من القول) الذي اقتضاه الله تعالى وقدره في الأزل وهو قوله تعالى {فريق في الجنة وفريق في السعير} فالعمل بحسب ما سبق في الأزل من التقدير كما دل عليه خبر القبضتين وقد سبق أن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد والخذلان ضده ولله كلية الخلق هدى وإضلالا وإظهارا لكلمته الجامعة الشاملة لمتقابلات الازدواج التي منتهاها قسمة إلى الدارين دار نور رحمني من اسمه العزيز الحليم ودار نار انتقامي من اسمه الجبار المنتقم {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون}
(طب عن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه(2/13)
1204 - (اعملي) يا أم سلمة (ولا تتكلي) أي تتركي العمل وتعتمدي على ما في الذكر أو اعملي ولا تعتمدي على العمل فقد لا يقبل أو اعملي صالحا بجد واجتهاد لله وحده خالصا من شوب رياء أو إشراك فإنك لا تحتاجين مع ذلك إلى شفاعتي بدليل تعليله بقوله (فإن شفاعتي للهالكين من أمتي) أي أهل الكبائر المصرين عليها المفرطين في الأعمال من أمة الإجابة وفي رواية للاهين من أمتي قالوا حقيقة الإنسان لا تقتضي لذاتها سعادة ولا ضدها بل هي بأمور خارجية باقتضاء الحكمة الربانية فتلك الأمور معروضاتها حاصلة في القضاء إجمالا فما يقع من الأفراد تفصيل لذلك خيرا كان أو شرا ولا يمكن مخالفة التفصيل للإجمال (تتمة) قال في الحكم إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رهونات النفوس لا تتطلب منه أن يخرجك من حالة يستعملك فيما سواها فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج ما أرادت همة سالك أن تقف إلا ودناتها هواتف الحقيقة الذي تطلبه أمامك
(عد) وكذا الطبراني (عن أم سلمة) واسمها هند أورده ابن عدي في ترجمة عمرو بن مخرم وقال له بواطيل منها هذا الخبر أخرجه الطبراني من هذا الوجه بهذا اللفظ فقال الهيثمي فيه عمرو بن المخرم وهو ضعيف وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذفه ما عقب به من بيان حاله من سوء التصرف وبتأمل ما تقرر يعرف أن من جعل حديث الطبراني شاهدا لحديث لابن عدي فقد أخطأ لأن الطريق واحد والمتن واحد(2/13)
1205 - (أعينوا) ندبا (أولادكم على البر) على بركم بالإحسان وعدم التضييق عليهم والتسوية بينهم في العطية (من [ص:14] شاء استخرج العقوق من ولده) أي نفاه عنه بأن يفعل معه من معاملته باللطف والانصاف والإكرام ما يوجب عوده للطاعة ومن استعطافه بالإنعام ما يحمله على عدم المخالفة
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم انتهى(2/13)
1206 - (أغبط) لفظ رواية الترمذي إن أغبط (الناس) اسم تفضيل مبني للمفعول من غبط أي أحقهم (عندي) بأن يغبط أي يتمنى مثل حاله ونص على العندية تأكيدا لاستحسان ذلك وجزما بأغبطية من هذا حاله (مؤمن) لفظ رواية الترمذي لمؤمن بزيادة اللام أي موصوف بأنه (خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي خفيف الظهر من العيال والمال بأن يكون قليلهما والغبطة تمني أن يكون لك مثل ماله ويدوم عليه ما هو فيه. قال الزركشي في اللآلىء: وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من متن الفرس ضرب به المصطفى صلى الله عليه وسلم المثل لقلة ماله وعياله انتهى (ذو حظ من صلاة) أي ذو نصيب وافر منها من مزيد النوافل والتجهد (وكان رزقه كفافا) أي كافا عن الحاجة يعني بقدر حاجته لا ينقص ولا يزيد بل يكفيه على وجه التقنع والتقشف لا التبسط والتوسع كما يفيده قوله (فصبر عليه) أي حبس نفسه على الفناعة به غير ناظر إلى توسع أبناء الدنيا في المطاعم والملابس ونحوها (حتى يلقى الله) أي إلى أن يموت فيلقاه (وأحسن عبادة ربه) بأن أتى بها بكمال الواجبات والمندوبات ونص على الصلاة مع دخولها فيها اهتماما بها لكونها أفضلها وخص الرب إشارة إلى أنه إذا أحسنها أحسن إليه بالقبول والتربية. ألا ترى إلى قوله في الحديث الآتي إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره حتى أن اللقمة لتصير مثل أحدا (وكان غامضا) بغين وضاد معجمتين أي خاملا لا يعرفه كل أحد وروي بصاد مهملة وهو فاعل بمعنى مفعول أي محتقرا (في أعين الناس عجلت منيته) أي كان قبض روحه سهلا لأن من كثر ماله وعياله شق عليه الموت لالتفاته إلى ما خلف وطموحه إلى طيب العيش ولذة الدنيا والمنية الموت وسمي منية لأنه مقدر بوقت مخصوص (وقل ترابه) بمثناة فوقية مضمومة مبدلة من أو ثم مثلثة أي ميراثه (وقلت) وفي رواية فقلت (بواكيه) لقلة عياله وهوانه عليهم وهو جمع باكية ومنه حديث " اللهم غبطا لا هبطا " أي أسألك منزلة أغبط عليها لا ما يهبطني فمن قلت بواكيه وشكرت مساعيه وأنطق الله الألسنة بالثناء فيه فخليق بأن يغبط وإنما كان قليل العيال والمال أغبط من غيره لأن الأولاد من أعدى أعداء الإنسان وكثرة المال تحمله على الطغيان فإن فرض عدمه فذلك ضار له بطول وقوفه للحساب عليه حتى يسبقه الفقير إلى الجنة بخمس مئة عام وإن فرض وجود عيال تحمل الرجل على فعل ممنوع شرعا وقد كفاه غيره مؤنتهم لكن ما يعرض من حادث سرور أو شرور يشغله الالتفات له عن التفرغ لعبادة ربه وفيه حث على الخفاء وعدم الشهرة قال في الحكم ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه وقيل لأعرابي من أنعم الناس عيشا قال أنا؟ قيل فما بال الخليفة فقال:
وما العيش إلا في الخمول مع الغنى. . . وعافية تغدو بها وتروح
والخمول واجب في ابتداء السلوك عند الصوفية محبوب في غيره وتختلف باختلاف المقامات فخمول المريد عزلته عن الناس وخروجه عن أوصافه النفسانية بحيث لم يبق له ملكا ولا سلكا ولا علما ولا عملا ولا جاها ولا وجهة ولا قولا ولا فعلا وعلى أساس هذا الخمول تبنى قلعة التحصن من جند عدو النفس الشيطانية وخمول السالك إخفاء أفعاله الحسنة المتقرب بها إلى الحق فإظهار ما يناقضها حرصا على الرقي والخلاص إلى مقام الصدق بالإخلاص وهذا التستر محمود عند ذوي الحقيقة معظم بين أهل الطريقة حتى قالوا الخمول نعمة وكل الناس تأباه والظهور نقمة وكل الناس [ص:15] تتمناه والظهور يقطع الظهور وفيه حجة لمن فضل الفقير على الغني
(حم ت) في الزهد (ك هب) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) قال الزركشي في اللآلىء بعد عزوه للترمذي: إسناده ضعيف وقال الصدر المناوي فيه على بن زيد وهو ضعيف(2/14)
1207 - (أغبوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة وضم الموحدة المشددة (في العيادة) بمثناة تحتية أي في عيادة المريض قال الزمخشري: الإغباب أن تعوده يوما وتتركه يوما أي فلا تلازموا المريض كل يوم لما يجد من الثقل ومنه خير زر غبا تزدد حبا (وأربعوا) هو بقطع الهمزة مفتوحة وسكون المهملة وكسر الموحدة أي دعوه يومين بعد يوم الزيارة وعودوه في الرابع أصله من الربع في أوراد الإبل وهو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى ثم تورد في الرابع هذا إذا كان صحيح العقل وإلا فلا يعاد وفي غير متعهده ومن يأنس به أو يشق عليه انقطاعه أما هو فيلازمه لفقد العلة وهي الثقل وفيه أنه تسن العيادة وكونها غبا أو ربعا بلا إطالة إن كان المريض مسلما وكذا ذمي لقرابة أو جوار ورجاء إسلام وإلا جازت ويحصل أصل سنة العيادة بمرة ولأكمل في كل ثالث أو رابع وما ذكر في سياق الخبر هو ما في نسخ الكتاب لكن رواه البيهقي في الشعب وغيره من حديث جابر أيضا بلفظ أغبوا في العيادة وأربعوا العيادة وخير العيادة أخفها إلا أن يكون مغلوبا فلا يعاد والتعزية مرة انتهى بنصه
(ع) وكذا ابن أبي الدنيا والخطيب (عن جابر) قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف(2/15)
1208 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (ولو) كان الماء (كأسا) أي ملء كأس منه يباع (بدينار) يعني حافظوا على الغسل يومها ولو عز الماء فلم يمكن تحصيله للاغتسال إلا بثمن غال جدا لكون ملء كل كأس منه إنما يباع بدينار لأن ذلك يكفر ما بين الجمعتين ومن أبدل كأسا بكانت فقد صحف كما بينه عبد الحق وجعل في رواية الدرهم مكان الدينار قال الطيبي: وهذه الواو للمبالغة وقال أبو حيان: لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها الحال المتقدم تقديره اغتسلوا على كل حال وفيه ندب الغسل للجمعة فيكره تركه ووقته من الفجر عند الشافعية وتقريبه من ذهابه أفضل
(عد) عن إبراهيم بن مرزوق عن حفص بن عمر بن إسماعيل الأبلي عن عبد الله بن المثنى عن عميه النضر وموسى عن أبيهما (عن أنس) ثم قال مخرجه ابن عدي أحاديث حفص عن أنس كلها إما منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعيف أقرب وفي الميزان عن أبي هاشم كان كذابا ثم ساق له أحاديث هذا منها ومثله في اللسان (عن أبي هريرة) لكن (موقوفا) على أنس وهو شاهد للأول وبه رد المصنف على ابن الجوزي جعله الحديث موضوعا(2/15)
1209 - (اغتسلوا يوم الجمعة) بنيتها (فإنه) أي الشأن (من اغتسل يوم الجمعة) أي ولو مع نحو جنابة (فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة) أي من الساعة التي صلى فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى وهذا يحتمل كونه جزاء الشرط وكونه دعاء (وزيادة) على ذلك (ثلاثة أيام) من التي بعدها هكذا جاء به مصرحا في رواية وذلك لتكون الحسنة بعشر أمثالها قال بعض الكاملين وفيه مناقشة لأن ظاهر حال المسلم الصحيح المقيم حضوره إلى الجمعة فلم يفضل له ثلاثة أيام لاستغراق الجمعة إذ ذاك إلا إذا حصل الفضل من أيام نحو سفر أو مرض انتهى وجاء في رواية لمسلم وابن ماجه زيادة ما لم تغش الكبائر قالوا: دل التقيد بعدم غشيانها على أن الذي يكفر هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا القيد وذلك لأن معنى ما لم تغش الكبائر أي فإنها إذ غشيت لا تكفر وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه [ص:16] اجتناب الكبائر إذ اجتنابها بمجرده يكفر الصغائر كما نطق به القرآن ولا يلزم منه أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر ومن لا صغائر له يرجى أن يكفر عنه بقدر ذلك من الكبائر وإلا أعطي من الثواب بقدره وهو جار في جميع نظائره
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما(2/15)
1210 - (اغتنم خمسا قبل خمس) أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك فإن من مات انقطع عمله وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك (وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم العمل حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد (وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله (وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها ولهذا جاء في خبر سيجيء نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ <تنبيه> قال حجة الإسلام الدنيا منزل من منازل السائرين إلى الله تعالى والبدن مركب ومن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى الله الذي هو السلوك
(ك) في الرقاق (هب) عن ابن عباس قال الحاكم في مستدركه على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص واغتر به المصنف فرمز لصحته وهو عجيب ففيه جعفر بن برقان أورده الذهبي نفسه في الضعفاء والمتروكين وقال قال أحمد يخطئ في حديث الزهري وقال ابن خزيمة لا يحتج به. (حم في الزهد) قال الزين العراقي إسناد حسن (حل هب عن عمرو بن ميمون) ابن مهران الجوزي سبط سعيد بن جبير تابعي ثقة فاضل (مرسلا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم إلى آخره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه لقول مغلطاي وغيره لا يجوز لحديثي عزو حديث في أحدها لغيره إلا لزيادة فائدة فيه أو بيان مافيه وليس كذلك فقد خرجه النسائي في المواعظ عن عمرو هذا باللفظ المزبور(2/16)
1211 - (اغتنموا الدعاء) أي اجتهدوا في تحصيله وفوزوا به فإنه غنيمة (عند الرقة) بكسر الراء وشدة القاف أي عند لين القلب وخشوعه وقشعرير البدن بمشاهدة عظمة الله أو خوفا من عذابه أو حبا من كرمه أو غير ذلك مما يحدث الرقة وهو ضد القسوة التي هي علامة البعد عن الرب {فويل للقاسية قلوبهم} (فإنها رحمة) أي فإن تلك الحالة ساعة رحمة فإذا دعى العبد فيها كان أرجى للإجابة والدعاء عند الرقة يصدر عن القلب حالة رغبة ورهبة فتسرع الإجابة قال تعالى {يدعوننا رغبا ورهبا} أي عن قلب راغب راهب خاشع {وكانوا لنا خاشعين}
(فر) وكذا القضاعي (عن أبي) بن كعب وفيه عمر بن أحمد أبو حفص ابن شاهين قال الذهبي قال الدارقطني: يخطىء وهو ثقة وشبابة بن سوار قال في الكاشف مرجيء صدوق وقال أبو حاتم لا يحتج به(2/16)
1212 - (اغتنموا دعوة المؤمن المبتلى) أي في نفسه أو أهله أو ماله فإن دعاءه أقرب للقبول وأرجى للإجابة لكسر قلبه وقربه [ص:17] من ربه لأنه تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه وفي ضمنه حث على التصدق عليه والإحسان إليه فإنه سبب إلى دعائه والكلام في غير المبتلى العاصي ببلائه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب الثواب (عن أبي الدرداء) وفيه الحسين بن الفرج قال الذهبي قال ابن معين كذاب يسرق الحديث وفرات بن سليم ضعيف جدا(2/16)
1213 - (اغد) أي اذهب وتوجه والمراد كن (عالما) معلما للعلم الشرعي واحرص على نشر العلم ونفع الناس به وبقولي كن يعلم أنه ليس المراد حقيقة الذهاب كما وهم (أو متعلما) للعلم الشرعي ولو بأن ترحل لمن يعلمه وإن بعد محله وجوبا للواجب وندبا للمندوب فقد رحل الكليم عليه السلام للخضر لمزيد علم لا يجب لأنه كتب {له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} (أو مستمعا) له (أو محبا) لواحد من هؤلاء (ولا تكن الخامسة فتهلك) قال عطاء وقال لي مسعر زدتنا خامسة لم تكن عندنا والخامسة أن تبغض العلم وأهله فتكون من الهالكين وقال ابن عبد الله البر: هي معاداة العلماء أو بغضهم ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب وفيه الهلاك وقال الماوردي: من اعتقد أن العلم شين وأن تركه زين وإن للجهل إقبالا مجديا وللعلم إدبارا مكديا كان ضلاله مستحكما ورشاده مستبعدا وكان هو الخامس الهالك ومن هذا حاله فليس له في العدل نفع ولا في الاستصلاح مطعم ومن ثم قيل لبزرجمهر ما لكم لا تعاقبون الجهال قال إنا لا نكلف العمي أن يبصروا ولا الصم أن يسمعوا إلى هنا كلامه وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا أخبرنا الشيخ الوالد تاج العارفين عن الشيخ الصالح معاذ عن قاضي القضاة شيخ الإسلام يحيى المناوي عن الحافظ الكبير شيخ الإسلام ولي الدين العراقي عن أبي الفرج عبد الرحمن أحمد القربي عن علي بن إسماعيل بن قريش عن إسماعيل بن غزوان عن فاطمة بنت سعد الخير عن أبي القاسم الطبراني عن محمد بن الحسين الأنماطي عن عبد الله بن جناد الحلبي عن عطاء بن مسلم عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه يرفعه وفيه بيان شرف العلم وفضل أهله والحث على تعلمه وتعليمه
(والبزار) في مسنده (طس عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وبفتحها أيضا نفيع بضم النون وفتح الفاء وظاهر تخصيص الأوسط بالعزو أن الطبراني لم يخرجه إلا فيه والأمر بخلافه بل خرجه في معاجيمه الثلاثة قال الهيثمي ورجاله موثقون وتبعه السمهودي وهو غير مسلم فقد قال الحافظ أبو زرعة العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمس مئة من إملائه هذا حديث فيه ضعف ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وعطاء بن مسلم وهو الخفاف مختلف فيه وقال أبو عبيد عن أبي داود إنه ضعيف وقال غيره ليس بشيء(2/17)
1214 - (اغدوا) اذهبوا وقت الغداة وهي أول النهار فليس معنى الغدو هنا معناه فيما قبله كما ظن (في طلب العلم) أي في طلب تحصيله بكرة النهار أي أوله (فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) أي فيما تفعله في أول النهار أي سألته فأعطاني ذلك وفي القاموس الغدوة بالضم البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس (ويجعل) ربي (ذلك) أي حصول البركة (يوم الخميس) أي يجعل مزيد البركة في البكور في يوم الخميس فالبكور مبارك وهو يوم الخميس أكثر بركة وفيه أنه يندب أن يكون الجلوس لتعلم العلم أول النهار وأنه يندب الشروع في يوم تعلمه الخميس أو الإثنين خلاف ما عليه العرف العام الآن بيوم الأحد لكونه أول الأسبوع أو الأربعاء لكونه يوم النور وكان بعض من جمع بين العلم والولاية يوصي بالتأليف والقراءة يوم الإثنين والخميس والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ومعناه [ص:18] هنا حصول الفهم وسهولة التحصيل ومصير ما يتعلم في أول النهار سيما يوم الخميس نافعا
(طس عن عائشة) قال الهيثمي فيه أيوب بن سويد وهو يسرق الحديث(2/17)
1215 - (اغدوا في طلب العلم فإن الغدو بركة ونجاح) قال حجة الإسلام المراد بالعلم في هذه الأخبار كلها العلم النافع المعروف للصانع والدال على طريق الآخرة فهو الذي نفعه عظيم وأجره عميم أوحى الله إلى داود تعلم العلم النافع قال ما العلم النافع قال أن تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي وكمال قدرتي على كل شيء فهذا الذي يقربك إلي وقال علي كرم الله وجهه ما يسرني لو مت طفلا وأدخلت الجنة ولم أكبر فأعرف ربي فإن أعلم الناس بالله أشدهم خشية وأكثرهم عبادة وأحسنهم في الله نصيحة فمن طلب العلم ليصرف به الوجوه إليه ويجالس به الأمراء ويباهي النظراء ويتصيد الحطام فتجارته بائرة وصفقته خاسرة
(خط عن عائشة) رمز المصنف لضعفه وهو كما قال ففيه ضعفا(2/18)
1216 - (اغزوا) أمر من الغزو وهو الجهاد (قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون التحتية مدينة عظيمة مشهورة خرج منها جماعة من العلماء في كل فن (فإنه) أي الغزو أو ذلك البعد المسمى بهذا الاسم (من أعلا أبواب الجنة) قال الرافعي يجوز رد الكناية إلى الغزو ويجوز ردها إلى قزوين والتذكير على تقدير الصرف إلى البلد والموضع بمعنى أن تلك البقعة مباركة مقدسة وأنها تصير في الآخرة من أشرف بقاع الجنة فلا يليق أن يكون مسكنا للكفار وأما علة جعل الضمير للغزو فالمراد أن غزو أهل ذلك البلد فاضل جدا يربو على فضل غزو غيرها من البلدان بحيث يوصل إلى استحقاق الدخول من أعلا أبواب الجنة وقد وقع غزوها وفتحت في زمن الصحابة وما ذكر من أنه الرواية فإنه هو الثابت الموجود في خط المؤلف لما في نسخ من إبدالها بأنها أصل له
(ابن أبي حاتم والخليلي معا في) كتاب (فضائل قزوين عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن سلمان الكوفي عن رجل) من التابعين (مرسلا خط في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان عن أبي السري عن رجل نسي أبو السري اسمه وأسند عن أبي زرعة) الرازي عبيد الله بن عبد الكريم الحافظ (قال ليس قي قزوين حديث أصح من هذا) أي ليس في الأخبار الواردة في فضل قزوين خبر أصح منه ولا يلزم من هذا كونه صحيحا ولا حسنا(2/18)
1217 - (اغسلوا أيديكم) عند إرادة الشراب وإن كانت طاهرة (ثم اشربوا فيها) ندبا (فليس من إناء أطيب من اليد) وفي رواية بدله فإنها أنظف آنيتكم فيندب فعل ذلك ولو مع وجود الآنية ولا نظر لاستكراه المترفين المتكبرين لذلك وما استطابه الشارع فهو الطيب وهذا الفعل مأثور عن الأنبياء في الزمن الأول فقد روي أن عيسى عليه السلام كان له إناء يشرب فيه فرأى رجلا يشرب بيديه فما زال يشرب كذلك حتى رفع
(هب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تكرعوا أي لا تتناولوا الماء بالفم كالبهائم ولكن اغسلوا أيديكم فذكره وقال الحافظ ابن حجر إسناده ضعيف ولا ينافي النهي عن الكرع هنا ما في البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل على أنصاري وهو يحول الماء في حائطه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان عندك ماء بات الليلة في شنة وإلا كرعنا الحديث لأن النهي عن الكرع للتنزيه والفعل لبيان الجواز أو قصة الأنصاري قبل النهي أو النهي في حال الضرورة والفعل فيها(2/18)
[ص:19] 1218 - (اغسلوا ثيابكم) أي أزيلوا أوساخها (وخذوا من شعوركم) أي أزيلوا شعر الإبط والعانة وما طال من نحو شارب ولحية بقص أو غيره (واستاكوا) بما يزيل القلح في كل حال إلا بعد الزوال للصائم (وتزينوا) بالادهان وتحسين الهيئة ولبس ما لا خشونة فيه ولا يخل بالمروءة (وتنظفوا) بإزالة الروائح الكريهة واستعملوا الطيب ووقت ذلك عند الحاجة وهو مرة في كل أسبوع غالبا ويكره تأخيره عن أربعين يوما ثم علل ذلك بقوله (فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك) بل يهملون أنفسهم شعثا غبرا دنسة ثيابهم وسخة أبدانهم (فزنت نساؤهم) أي استقذرتهم فزهدت قربهم ورغبوا في أناس على ضد ذلك من الطهارة والنزاهة والتزين ومالت إليهم نفوسهن وطمحت لهم شهواتهن فسارعوا إلى الخنا فكان الزنا. وعلم منه أنه يسن للرجل أن ينظف ثوبه وبدنه ويدهن غبا ويكتحل وترا ويقلم أظفاره وينتف شعر إبطه إن أطاقه ويحلق عانته وينتف شعر أنفه ويقص من الشارب ما يبين به طرف الشفة بيانا ظاهرا والمرأة كالرجل ويتأكد للمتزوجة ما اقتضاه ظاهر الخبر من أن الندب في الرجل خاص بالمتزوج غير مراد
(ابن عساكر) في ترجمة عبد الرحيم التميمي (عن علي) أمير المؤمنين قال المؤلف في الأصل وفيه عبد الله ابن ميمون القداح ذاهب الحديث انتهى وللأمر بالتنظيف شواهد والمنكر قوله فإن إلى آخره(2/19)
1219 - (اغفر) أمر من الغفر وهو ستر الذنب أي اعف عمن لك عليه ولاية وقد صدر منه شيء يوجب التأديب ولم يكن حدا (فإن عاقبت فعاقب بقدر الذنب) أي إن لم تعف وكنت معاقبا فلا تتجاوز قدر الجرم ولا تتعدى حدود الشرع ولا تضرب ضربا مبرحا وإن لم يفد إلا هو (واتق الوجه) فلا تجعله محلا للمعاقبة بضرب ولا غيره لأنه تشوبه له فيحرم ضرب الوجه من كل آدمي وحيوان محترم كما مر وصدر بالعفو إشارة إلى الحث عليه وأن الحزم قهر النفس بقودها إليه لما هو مركوز في جبلة الإنسان من حب الانتقام والتكبر على جميع الأنام قال بعض العارفين ما من نفس إلا وهي مضمرة ما ظهره فرعون من قوله {أنا ربكم الأعلى} لكن فرعون وجد مجالا فأظهر حين استخف قومه وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع خدمه وأتباعه ومن هو تحت قهره فإن غيظه عند تقصيرهم في حقه لا يصدر إلا عن إظهار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء
(طب وأبو نعيم في المعرفة) أي كتابه معرفة الصحابة (عن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي وهمزة وهو ابن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن أحد الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وكان من جلساء عمر قال قلت يا رسول الله إن أهلي عصوني فيم أعاقبهم قال تعفو ثلاثا فإن عاقبت إلخ كذا في رواية الطبراني وسبب تحديث جزء به أن عمه عيينة دخل على عمر فقال ها ابن الخطاب والله ما تعطينا الجذل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الجزء يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ثم ذكر هذا الخبر(2/19)
1220 - (أغنى الناس) أي أكثرهم غنى (حملة القرآن) أي حفظة القرآن عن ظهر قلب العاملون بما فيه الواقفون عند حدوده ورسومه الآمرون بما أمر به الناهون هما نهى عنه ثم هذا الغنى يحتمل غنى النفس بمعنى أنهم يرون أن ما منحوه من تيسر حفظه هو الغنى الحقيقي وأن غني بالمال في جنب ذلك لا عبرة به لأنه غاد ورائح ويحتمل أن حفظه والعمل به يجلب الغنى بالمال
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس)(2/19)
[ص:20] 1221 - (أغنى الناس حفظة القرآن) والمراد بهم (من جعله الله تعالى في جوفه) أي سهل له حفظه عن ظهر قلب مع العمل به كما تقرر قال أبو إسحاق الدمشقي كنت أمشي بالبادية وحدي فإذا أعييت رفعت صوتي بالقرآن فحمل عني ألم الجوع حتى قطعت مراحل كثيرة
(ابن عساكر) في تاريخه أيضا (عن أبي ذر) الغفاري(2/20)
1222 - (افتتحت) وفي رواية لعلي فتتحت بلا ألف (القرى بالسيف) أي بالقتال به (وافتتحت المدينة) طيبة (بالقرآن) لأن الجهاد كما يكون تكلف الأسباب والعدد والآلات المتعبة الشاقة يكون بتعلق القلوب بكلام علام الغيوب فجمع الله لرسوله بين الأمرين وخصه بالجمع بين الجهادين الظاهر والباطن دعاء الأنصار إلى الله ليلة العقبة وتلى عليهم القرآن تلاوة بجمع همة وتوجه تام فانجذبت قلوبهم وانصدعت لهيبته فدخلوا في الدين طوعا بل قهرا فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة سرى ذلك السر إليهم فآمنوا قبل أن يعاينوه فأعظم بها من منقبة للأنصار
(هب) من حديث الحسن بن محمد ابن زبالة عن مالك عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد قال الذهبي قال أحمد هذا حديث منكر إنما هذا من قول مالك وقد رأيت هذا الشيخ يعني ابن زبالة وكان كذابا انتهى وقال في الضعفاء قال ابن معين وأبو داود هو كذاب وفي الميزان هذا منكر وقال ابن حجر في اللسان إن هذا حديث معروف بمحمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك متهم وفي المطالب العالية تفرد برفعه محمد بن الحسن بن زبالة وكان ضعيفا جدا وإنما هو قول مالك فجعله ابن الحسن مرفوعا وأبرز له إسنادا انتهى والحديث أورده ابن الجوزي من حديث أبي يعلى عن عائشة وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الخطيب رواه بسند هو أصلح طرقه فكان عليه أن يؤثره هنا(2/20)
1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة) بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة) زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد وغيره والجماعة أي أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة
حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل وقال المحقق الدواني وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات. واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلا فلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقا الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء (فإن قيل) ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة [ص:21] هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيرا ثم بعد النقل ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما عليه الجماعة
(4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر(2/20)
1224 - (افرشوا) بضم فسكون فضم ويجوز كسر الهمزة والراء وهي بصيغة الأمر من الفراش قال الحرائي وهو بساط يضطجع عليه للراحة (لي قطيفتي) بالقاف كساء له خمل وجمعه قطاف وقطف كصحاف وصحف وكانت قطيفته حمراء نجرانية يتعظى بها (في لحدي) إذا دفتموني قد فعل شقران مولاه ذلك إشارة إلى أنه كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم في بعض أحكام مماته التي منها ما أشار إليه بقوله (فإن الأرض) أي بطنها (لم تسلط على) أكل (أجساد الأنبياء) وحق لجسد عصمه الله عن البلى والتغير والاستحالة أن يفرش له في قبره لأن المعي الذي يفرش للحي لأجله لم يزل عنه الموت وليس الأمر في غيره على هذا النمط ومنه يعلم أن هذا لا يعارض مذهب الشافعي في كراهة وضع فرش تحت الميت لأن كلامهم في غير الأنبياء ممن يتغير ويلي وما في الاستيعاب من أنها أخرجت قبل إهالة التراب لم يثبت وعد المصنف الفرش له فيه من الخصائص ومراده أنه من خصائصه على أمته لا على الأنبياء بقرينة قوله فإن الأرض إلى أخره <تنبيه> قال أبو الحسن المالكي في شرح الترغيب حكمة عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ومن ألحق بهم أن التراب يمر على الجسد فيطهره والأنبياء لا ذنب لهم فلم يحتج إلى تطهيره بالتراب
(ابن سعد) محمد في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا) وإسناده حسن وله شواهد(2/21)
1225 - (أفرض أمتي) أي أعرفهم بعلم الفرائض (زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري البخاري المدني أبو سعيد أو أبو خارجة روى عنه ابن عمر وأنس بن مالك وعروة وخلق وهو كاتب الوحي قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره إحدى عشرة سنة وكان حفظ قبل الهجرة سبع عشرة سورة فأعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال يا زيد تعلم لي كتاب اليهود فما مضى نصف شهر حتى حذق به وتعلم العبرانية والسريانية في سبع عشرة ليلة وكان من الراسخين في العلم وندبه الصديق لجمع الفرائض وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة وعده مسروق من الستة الذين هم أهل الفتوى من الصحابة وقد أخذ الشافعي بقوله في الفرائض لهذا الحديث ووافق اجتهاده اجتهاده قال القفال ما تكلم أحد في الفرائض إلا ووجد له القول في بعض المسائل هجره الناس إلا زيدا فإنه لم ينفرد بقول وما قال قولا إلا تبعه عليه جمع من الصحابة وذلك يقتضي الترجيح قال الماوردي وفي معنى الحديث أقوال أحدها أنه قاله حثا للصحب على منافسته والرغبة في تعليمه كرغبته لأنه كان منقطعا إلى تعلم الفرائض بخلاف غيره الثاني قاله تشريفا له وإن شاركه غيره فيه كما قال أقرؤكم أبي. الثالث خاطب به جمعا من الصحب كان زيد أفرضهم الرابع أراد به أن زيدا كان أشدهم عناية وحرصا عليه الخامس قاله لأنه كان أصحهم حسابا وأسرعهم جوابا وقد كان الصحب يعترفون له بالتقدم في ذلك وناهيك بتلميذه ترجمان القرآن فإنه أخذ عنه وبلغ من تعظيمه له أن زيدا صلى على جنازة أمه فقربت له بغلته ليركب فأخذ ابن عباس بركابه فقال زيد خلي عنها يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [ص:22] هكذا نفعل بعلمائنا فقبل زيد يده وقال هكذا نفعل بأهل بيت نبينا قال ابن الأثير كان زيد عثمانيا ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه وكان يعظمه جدا ويظهر فضله. مات سنة اثنين أو ثلاث أو ثمان وأربعين أو إحدى أو خمس أو ست وخمسين ولما مات قال أبو هريرة مات حبر الأمة
(ك) في الفرائض من حديث أبي قلابة (عن أنس) وصححه فاغتر به المصنف فرمز لصحته وفيه ما فيه فقد قال الحافظ ابن حجر قد أعل بالإرسال قال وضاع أبي قلابة من أنس صحيح إلا أنه قيل لم يسمع منه هذا وقد ذكر الدارقطني الإختلاف فيه على أبي قلابة في العلل ورجح هو وغيره إرساله انتهى لكن ذكر ابن الصلاح أن الترمذي والنسائي وابن ماجه رووه بإسناد جيد يلفظ أفرضكم زيد قال وهو حديث حسن(2/21)
1226 - (أفش) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) ندبا أي أظهره برفع الصوت أو بإشاعته بأن تسلم على من تراه تعرفه أم لا تعرفه فإنه أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب التودد مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع واعظام حرمات المسلمين ورفع التقاطع والتهاجر وهذا العموم خصه الجمهور بغير أهل الكفر والفجور قال ابن حجر وعكس أبو أمامة فأخرج عن الطبراني بسند جيد أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له فقال أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص (وابذل) بموحدة فمعجمة (الطعام) أي أعطه وجد به للخاص والعام من كل محترم (واستحي من الله كما تستحي رجلا) أي من رجل (من رهطك ذي هيئة (1) وليحسن) بلام الأمر فمثناة تحت مفتوحة فحاء ساكنة فسين مضمومة (خلقك) قرنه بلام الأمر دون غيره مما ذكر معه إيماءا إلى أنه أس ما ذكر قبله وبعده وعماد الكل (وإذا أسأت) إلى أحد بقول أو فعل (فأحسن) إليه كذلك (فإن الحسنات يذهبن السيئات) أرشد إلى إيصال النفع بالقول والفعل فالقول كإفشاء السلام وفي معناه كل قول كشفاعة وتعليم خير وهداية ضال وإنذار مشرف ونحوها والفعل كالإطعام وفي معناه كل فعل ككسوة عار وسقي ظمآن ونحوها وختم بالأمر بالإحسان لما أنه اللفظ الجامع الكلي وفيه الحث على الجود والسخاء ومكارم الأخلاق وخفض الجناح للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم واحتماع كلمتهم وتواددهم واستجلاب ما يحصل ذلك والحديث يشتمل على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها أو بدنية والسلام إشارة إليها
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله ثقات
_________
(1) قوله ذي هيئة: كذا المصنف فلعل الراوية كذلك فتأمل في إعرابه ولعله جر للمجاورة: اه(2/22)
1227 - (أفشوا) بهمزة قطع مفتوحة (السلام) بينكم (تسلموا) من التنافر والتقاطع وتدوم لكم المودة وتجمع القلوب وتزول الضغائن والحروب فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن السلام يبعث على التحابب وينفي التقاطع قال الماوردي وقد جاء في كتاب الله تعالى ما يفيده قال الله تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فحكى عن مجاهد أن معناه ادفع بالسلام إساءة المسيء قال بعضهم وإفشاء السلام ابتداء يستلزم إفشاءه جوابا وقال ابن دقيق العيد استدل بالأمر بالإفشاء من قال بوجوب الابتداء بالسلام وفيه نظر إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين وهو أن يجب على كل أحد أن يسلم على كل من لقيه لما فيه من الحرج والمشقة فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين إذ لا قائل بأنه يجب على واحد دون الباقين وإذا سقط على هذه الصورة لم يسقط الاستحباب لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن انتهى قال ابن حجر: وهذا البحث [ص:23] ظاهر في حق من قال إن ابتداء السلام فرض عين لا كفاية إذا قلنا إنه واجب على واحد لا بعينه
(خد ع هب حب) كلهم عن (البراء) بن عاوب قال ابن حبان صحيح وقال الهيثمي رواه عنه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات(2/22)
1228 - (أفشوا السلام بينكم تحابوا) يحذف إحدى التائين للتخفيف أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ولهذا قال بعضهم إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية وصدر هذا الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا إلى آخره وإفشاؤه نشره لكافة المسلمين من عرف ومن لم يعرف قال النووي الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته وأقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه
(ك عن أبي موسى) قال الحاكم صحيح وتبعه المصنف فرمز لصحته(2/23)
1229 - (أفشوا السلام فإنه) أي إفشاؤه المفهوم من أفشوا (لله تعالى رضى) أي هو مما يرضى الله به عن العبد بمعنى أنه يقبله ويثيبه عليه قال القيصري ومعنى سلام عليكم سلمت مني أن أضرك أو آذيك بظاهري وباطني والإفشاء الإظهار قال ابن العربي من فوائد إفشاء السلام حصول الألفة فتتآلف الكلمة وتعم المصلحة وتقع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها غير الحقود إلى الإقبال على قائلها
(طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض متروك فرمز المصنف لحسنه غير مرضي(2/23)
1230 - (أفشوا السلام) قال القاضي إفشاء السلام رفع الصوت به وإشاعته قال ويستثنى من ندب رفع الصوت بالسلام ما لو دخل مكانا فيه نيام فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان (كي تعلوا) أي يرتفع شأنكم فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه وأراد الرفعة عند الله
(طب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وليس كما زعم فقد قال الحافظ المنذري إسناده جيد والهيثمي وغيره: إسناده حسن(2/23)
1231 - (أفشوا السلام) أظهروه ودخل في عموم إفشائه من دخل مكانا ليس فيه أحد لقوله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} ذكره ابن حجر وفي الأدب بسند حسن عن ابن عمر يستحب إذا لم يكن بالبيت أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (وأطعموا الطعام) قال العراقي المراد به هنا قدر زائد على الواجب في الزكاة سواء فيه الصدقة والهدية والضيافة والأمر للندب وقد يجب (واضربوا الهام) أي رؤوس الكفار جمع هامة بالتخفيف الرأس قال الزين العراقي اقتصر فيه على ضرب الهام لأن ضرب الرؤوس مفض للهلاك بخلاف بقية البدن قإنه تقع فيه الجراح ويبرأ صاحبها فإذا فسد الدماغ هلك صاحبه (تورثوا الجنان) التي وعد بها المتقون لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم الجنان فكإنهم ورثوها قال الطيبي: والحديث من باب التكميل كقوله تعالى {أشداء على الكفار رحماء بينهم} إذ تخصيص الهام بالضرب يدل على بطالتهم وشدة ضربتهم وقال بعضهم جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم بين هذه القرائن المتعددة إشارة إلى جواز التسجيع لكن شرطه عدم التكلف والتصلف بدليل قوله في خبر آخر: أسجع كسجع الكهان. وذم المستشريق بإظهار فصاحتهم لصرف الوجوه إليهم وحاشى المصطفى صلى الله عليه [ص:24] وسلم عن قصد ذلك بل إذا قصد البيان لدين الله سمح طبعه الزكي وعنصره العربي بترادف قرائن لكمال فصاحته بغير تكلف في استخراجها وهذا الحديث رواه أيضا العسكري عن عبد الله بن سلام بنحوه وزاد بيان السبب فقال لما قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله فقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر فلما رأيته عرفت أنه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال يا أيها الناس أفشوا السلام إلخ
(ت عن أبي هريرة) وقال حسن غريب انتهى(2/23)
1232 - (أفشوا السلام) قال بعضهم والحكمة فيه أن ابتداء التلاقي وما ألحق به من مواطن مشروعية السلام ربما نشأ عنه خوف أو كبر من إحدى الجانبين فشرع نفيهما بالبداءة بتحية السلام إزالة للخوف وتحليا بالتواضع واستثنى بعضهم من طلب إفشاء السلام ما لو علم من إنسان أنه لا يرد عليه فلا يسلم عليه لئلا يوقعه في المعصية وتعقبه النووي بأن المأمورات الشرعيه لا تترك لمثل ذلك ولو نظرنا لذلك بطل إنكار كثير من المنكرات ورده ابن دقيق العيد بأن مفسدة توريط المسلم أشد من ترك مصلحة السلام سيما وامتثال الإفشاء يحصل مع غيره (وأطعموا الطعام) فإن فيه قوام البدن قال البيهقي يحتمل إطعام المحاويج ويحتمل الضيافة أو هما معا وللضيافة في التآلف والتحابب أثر عظيم (وكونوا إخوانا كما أمركم الله) بها من الإخاء في الله والحب فيه قال سبحانه وتعالى {إنما المؤمنون إخوة} قال أبو الدرداء فيما أخرجه الحكيم الترمذي عنه ما لكم عباد الله لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بأمر الدنيا لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فنبرأ منكم
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه النسائي(2/24)
1233 - (أفضل الأعمال) بعد الإيمان أي أكثرها ثوابا (الصلاة لوقتها) في رواية على وقتها واللام بمعنى في أو للإستقبال نحو {فطلقوهن لعدتهن} وأما خبر أسفروا بالفجر فمؤول كما مر (وبر الوالدين) في رواية ثم بدل الواو ووجهه ظاهر والصلاة أول وقتها أي المحافظة عليها المأمور به في آية {حافظوا على الصلوات} والمحافظة تكون بأدائها أول وقتها خوف فوت فضيلها وهذا حث على ندب المبادرة وخبر فصلى بي جبريل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله بيان للجواز واعلم أن الله تعالى قد عظم شأن الوالدين وقرن حقهما بحقه وشركه بواو العطف في قوله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} لأن الله تعالى خلق الولد وصوره وأخرجه إلى الدنيا ضعيفا لا حيلة له ثم قيض له أبويه فتكفلا بتربيته لأنه لا قوام له بنفسه فلم يزالا يربيانه حتى أوصلاه إلى حد يقوم بنفسه ولو تركاه ونفسه هلك فكانا سبب تمام خلقه ونشأته فالله هو الخالق المصور حقيقة وهما المنشآن له مجازا فلذلك لا يقدر أحد أن يقوم أحد بحق أبويه فإن من كان سبب نشأتك كيف تفي بحقه أو تفي بشكره ولذلك قرن تعالى عقوقهما بالشرك به كما قرن طاعتهما بطاعته ولما كان الشرك لا يغفر عظم قدر العقوق لاقترانه به فمن بر والديه فقد بر ربه لان في برهما بره للإشتراك المتقدم ومن عقهما فقد عقه
(م عن ابن مسعود) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل فقال الصلاة لوقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله(2/24)
1234 - (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها) لأنها أعظم الوصل بين العبد وربه وهي عماد الدين وعصام النبيين مشتملة [ص:25] على ما لم يشتمل عليه غيرها من الكمالات ولهذا قال بعض أهل الكمال الصلاة طهرة للقلب واستفتاح لأبواب الغيوب تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار ثم ما أحسن تركيبها وما أبدع ترتيبها فكما أن الجنة قصورها لبنة من ذهب وأخرى من فضة وملاطها المسك فالصلاة بناؤها لبنة من قراءة ولبنة من ركوع ولبنة من سجود وملاطها التسبيح والتحميد
(د ت عن أم فروة) الأنصارية صحابية لها حديث ويقال هي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق رمز المصنف لصحته وكأنه ذهل عن قول الصدر المناوي وغيره فيه عبد الله بن عمر العمري غير قوي وقد تكلم فيه يحيى من جهة حفظه وعن قول الحافظ ابن حجر رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده اضطراب(2/24)
1235 - (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها) <تنبيه> قال ابن الزملكاني: أطلق جمع أن الفضل في الأعمال الصالحة باعتبار كثرة الثواب وليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف أو هذا العمل أشرف وأعلا فهو أفضل وقد يخص الله بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبا فيه إما لنفرة النفس عنه أو لمشقته غالبا فرغب فيه بمزيد الثواب أو لأن غيره مما يكتفى فيه بداعي النفس والثواب عليه فضل فالإنصاف أن المفاضلة تارة تكون بكثرة الثواب وتارة بحسب الوصفين بالنظر إليهما وتارة بحسب متعلقاتهما وتارة بحسب ثمراتهما وتارة بأمر عرضي لهما ويجمع ذلك أنه قد يكون لأمر ذاتي وقد يكون لأمر عرضي فإذا حاولنا الكلام في التفضيل فلا بد من استحضار هذه المقدمة فتدبرها فلا بد من ملاحظتها فيما مر وفيما يأتي انتهى وتحصل المبادرة باشتغاله بأسبابها كطهارة وغيرها أول الوقت ثم يصليها ولا تشترط السرعة خلاف العادة ولا يضر التأخير لقليل أكل وكلامه شامل للعشاء وهو الأصح عند جمهور الشافعية وذهب كثير منهم إلى ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لحديث آخر ومحل ندب التعجيل ما لم يعارضه معارض مما هو مقرر في الفروع (وبر الوالدين) أي طاعتهما والإحسان إليهما فيما لا يخالف الشرع قال العراقي أخبر أن أفضل حقوق الله الصلاة لوقتها وأفضل حقوق العباد بعضهم على بعض بر الوالدين فهما أحق بالبر من جميع الأقارب (والجهاد في سبيل الله) بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله وإظهار شعائر دينه وقدم بر الوالدين لا لكونه أفضل من الجهاد لأن الجهاد وسيلة لإعلاء أعلام الإيمان وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه بل لتوقف حله على إذنهما وتوقفه عليه لا يوجب كونه أفضل منه وكم له من نظير أما طاعتهما فيما يخالف الشرع فليست من البر بل من الإثم فيجب على الإنسان أن يقاطع في دينه من كان به برا وعليه مشفقا
هذا أبو عبيدة بن الجراح له المنزلة العالية في الفضل والأثر المشهور في الإسلام قتل أباه يوم بدر وأتى برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لله ورسوله حين بقي على ضلاله وانهمك في طغيانه ولم يعطفه عليه رحم ولا كفه عنه إشفاق وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لكونها عنوان على ما سواها من الطاعات فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع فمن أهمل الصلاة مع كونها عماد الدين فهو لغيرها أهمل ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدوانهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك
(خط عن أنس) رمز المصنف لضعفه(2/25)
1236 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه (أن تدخل) أي إدخالك (على أخيك المؤمن) أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب (سرورا) أي سببا لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا (أو تقضي) تؤدي (عنه دينا) لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل (أو تطعمه) ولو (خبزا) فما فوقه من نحو اللحم أفضل وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الأخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه لقوله في الحديث الآتي من أطعم أخاه المسلم [ص:26] شهوته والمراد بالمؤمن المعصوم الذي يستحب إطعامه فإن كان مضطرا وجب إطعامه ولا يخفى أن قضاء الدين وإطعام الجائع من جملة إدخال السرور على المديون والجائع فهو عطف خاص على عام اللاهتمام. قيل لابن المنكدر ما بقي مما يستلذ قال الإفضال على الإخوان (ابن أبي الدنيا) أبو بكر واسمه يحيى (في) كتاب (قضاء الحوائج) أي في الكتاب الذي ألفه في فضل قضاء حوائج الإخوان
(هب عن أبي هريرة) فقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الوليدة بن شجاع قال أبو حاتم لا يحتج به وعمار بن محمد مضعف (عد عن ابن عمر)
ابن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عمار فيه نظر وللحديث شاهد مرسل ثم ذكره والحاصل أنه حسن لشواهده(2/25)
1237 - (أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد) أي التحبب (إلى الناس) حبا لله وفي الله كما يشير إليه خبر أفضل الأعمال الحب في الله والبغض فيه ولأنه بذلك تحصل الألفة الجامعة التي تنعطف القلوب عليها ويندفع المكروه بها والألفة تجمع الشمل وتمنع الذل ومن أمثالهم من قل ذل والجمع بينه وبين ما قبله من الأخبار أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كل أحد بما يوافقه ويليق به أو بحسب الحال أو الوقت أو السؤال وفيه إيماء إلى أن مخالطة الناس أفضل من العزلة <تنبيه> قال ابن حزم الفضل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله تعالى بلا عمل وفضل مجازاة بعمل أما فضل الاختصاص من دون العمل فيشترك به جميع الخلق من ناطق وغيره وجماد وعرض كفضل الملائكة وفضل الأنبياء وفضل إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأطفال وناقة صالح وذبيح إبراهيم وفضل مكة والمدينة والمساجد على البقاع والحجر الأسود على الحجارة وشهر رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر وأما فضل المجازاة فلا يكون إلا للحي الناطق وهم الملائكة والإنس والجن والأقسام المستحق بها التفضيل في هذا القسم سبعة ماهية العمل وكميته وهي الفرض منه وكيفيته والكم والزمان والمكان والإضافة فالماهية أن يكون أحدهما في العمل يوفي فروضه والآخر لا يوفيها والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية والكيفية أن يوفي أحدهما بجميع حقوق العمل أو رتبه والآخر يأتي به لكن ينقص من رتبته والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النفل والزمان كصدر الإسلام أو وقت الحاجة والمكان كالصلوات بالمسجد الحرام والإضافة كعمل من نبي ونتيجة الفضل بهذه الوجوه شيئان أحدهما تعظيم الفاضل على المفضول فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل وما كان يعمل والثاني علو الدرجة في الجنة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو الدرجة بها على الفاضل وإلا لبطل الفضل وهذا القسم يختص به الفاضل بفضل عمله. إلى هنا كلامه
(الطبراني) في كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي هريرة)(2/26)
1238 - (أفضل الأعمال) أي من أفضلها والمراد أفضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعا (الكسب من الحلال) اللائق لأن طلب الحلال فريضة بعد الفريضة كما سيجيء في خبر ويجيء في آخر إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال قال حجة الإسلام إذا كان الرجل معيلا محترفا للقيام بحق العيال فكسب الحلال أفضل من العبادة البدنية لكنه لا ينبغي أن يخلو وينفك عن ذكر الله تعالى
(ابن لال) أحمد بن علي وكذا الديلمي (عن أبي سعيد) الخدري وفيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه(2/26)
1239 - (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده) لأن به فضلت الأنبياء على غيرهم وهم إنما تفاضلوا فيما بينهم بالعلم به لا بغيره [ص:27] من الأعمال (ثم الجهاد ثم حجة مبرورة) أي مقبولة أو لم يخالطها إثم من الإحرام إلى التحلل الثاني أو لا رياء فيها أقوال رجح النووي ثانيها والحجة المبرورة (تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) عبارة عن المبالغة في سموها على جميع أعمال البر قال النووي وذكر هنا الحج بعد الإيمان وفي خبر آخر بدل الحج العتق في آخر بدأ بالصلاة فالبر فالجهاد وفي آخر السلامة من نحو يد ولسان واختلاف الأجوبة باختلاف الأحوال والأشخاص كما تقدم وقدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن لقصور نفع الحج غالبا وتعدي نفع الجهاد أو كان حيث كان الجهاد فرض عين وكان أهم منه حالتئذ وهذا الحديث له تتمة عند أحمد من حديث عمرو ابن العاص سياقه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله وحج مبرور قال أكثرت يا رسول الله قال فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن خلق قال الرجل أريد كلمة واحدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب لا تتهم الله على نفسك انتهى
(طب عن ماعز) في الصحابة متعدد فكان اللائق تمييزه وقيل إن هذا غير منسوب وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد إلا عند الطبراني وهو عجيب فقد خرجه أحمد في المسند قال الهيثمي بعد ما عزاه له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فكان ينبغي للمصنف عزوه إليه لكن الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل ادعى بعضهم تواتره فمنها ما رواه أحمد عن عبادة أن رجلا أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أي العمل أفضل قال إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله قال أريد أهون من ذلك قال السماحة والصبر قال أريد أهون من ذلك قال لا تتهم الله في شيء قضى لك به(2/26)
1240 - (أفضل الأعمال العلم بالله) أي معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة الله تعالى والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا مطلقا أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعا بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر. وسبب الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أي الأعمال أفضل قال العلم بالله ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال يا رسول الله إنما أسألك عن العمل فقال (إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره) لأن العبادة المعول عليها إنما هي ما كانت عن العلم به فأجل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم بالله فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة والرياضة والمجاهدة أو الجذب الإلهي (وأن [ص:28] الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذا عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها. وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى قال ابن حجر وفيه أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي وسنده ضعيف انتهى فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءا إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره(2/27)
1241 - (أفضل الأعمال الحب في الله) أي في ذات الله لا لشوب رياء ولا هوى (والبغض في الله) قال الطيبي في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب لله إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} أي في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا فمن أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان لا لحظ نفساني كإحسان وأن يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون معاملته مع الخلق إلا لله ومن البغض في الله بغض النفس الأمارة بالسوء وأعداء الدين وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمر ونهى ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق الله وفناء السالك في الله. ثم إن قيل كيف يكون الحب في الله والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد؟ قلنا من أحب في الله يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه. . . هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته. . . إن المحب لمن يحب مطيع
وكذا من أبغض في الله أبغض أعداءه وبذل جهده في مجاهدتهم بالبنان واللسان. قال ابن رسلان: وفيه أنه يجب أن يكون للإنسان أعداء يبغضهم في الله كما له أصدقاء يحبهم في الله تعالى
(د عن أبي ذر) قال الصدر المناوي: وفيه رجل مجهول(2/28)
1242 - (أفضل الأيام) أي أيام الأسبوع. قال أبو البقاء: أصل أيام أيوام اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها (عند الله) العندية للتشريف (يوم الجمعة) لما له من الفضائل التي لم تجتمع لغيره فمنها أن فيه ساعة محققة الإجابة وموافقته يوم وقفة المصطفى صلى الله عليه وسلم واجتماع الخلائق فيه في الأقطار للخطبة والصلاة ولأنه يوم عيد كما في الخبر لموافقته يوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم يوم القيامة ومن ثم شرع الاجتماع فيه والخطبة ليذكروا المبدأ والمعاد والجنة والنار ولهذا سن في فجره قراءة سورتي السجدة وهل أتى لاشتمالهما على ما كان ويكون في ذلك اليوم من خلق آدم والمبدأ والمعاد ولأن الطاعة الواقعة فيه أفضل منها في سائر الأيام حتى أن أهل الفجور يحترمون يومه وليلته ولموافقته يوم المزيد في الجنة وهو اليوم الذي يجتمع فيه أهلها على كثبان المسك فلهذه الوجوه فضلت وقفة الجمعة على غيرها لكن ما استفاض أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة باطل لا أصل له كما بينه بعض الحفاظ ثم الكلام في أفضل أيام الأسبوع أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر وأفضلهما عند الشافعي عرفة لأن صيامه يكفر سنتين وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه فيه ولأن الحق سبحانه يباهي ملائكته بأهل الموقف وقيل الأفضل يوم النحر ففيه التضرع والتوبة وفي النحر الوفادة والزيادة
(هب عن أبي هريرة) إسناده حسن(2/28)
[ص:29] 1243 - (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت) فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره الله سرا وجهرا وبطنا وظهرا فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته وتذل وتخمد شهواتها وتقل حركاتها فإذا كان من الله لعبده تأييد بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب لا علم اللسان فقد علم الموحدون أن الله معهم بالنص القرآني {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية لأن الإيمان شهادة القلب لأنه سبحانه حي قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن ثم لشهود القلب مراتب ومن أفضلها شهوده لله في كل مكان يكون فيه العبد على أي حال كان من خلاء وملاء وسراء وضراء. ونعيم وبؤس وطاعة وعصيان فيكون في حال الخلاء مستحيا وفي هذا الملاء متوكلا وفي السراء حامدا وفي الضراء راضيا وفي الغنى بالإفضال وفي الإفلال بالصبر وفي الطاعة بالإخلاص وفي المعصية بطلب الخلاص
(طب حل) من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن مهاجر عن عمرة عن ابن غنم (عن عباده بن الصامت) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر أه ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال وثقه أحمد وجمع وقال النسائي: غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع وقال أبو داود: عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها أه ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري لا يتلبع على حديثه أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه(2/29)
1244 - (أفضل الإيمان) أي من أفضل خصاله (الصبر) أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه وهو ممدوح مطلوب (والمسامحة) يعني المساهلة في رواية السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا الله وذلك من أعلى خصال الإيمان وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق صعب إلا على من وثق بما عند الله واعتقد أن ما أنفقه هو الباقي فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان قال الزركشي: والسماحة تيسير الأمر على المسامح. وروى نحو ذلك عن الحسن وأنه قيل له ما الصبر والسماحة؟ فقال: الصبر عن محارم الله والسماحة بفرائض الله وفي الحديث وما قبله وما بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل أزيد وفي خبر: من سامح سومح له
(فر عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي وفيه زيد العمى قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف متماسك (تخ عن عمير) مصغر عمر بن قتادة بن سعد (الليثي) صحابي من مسلمة الفتح وفي مسند أبي يعلى أنه استشهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله ما أفضل الإيمان؟ فذكره وفيه شهر بن حوشب ورواه البيهقي في الزهد بلفظ: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصبر والسماحة قال الحافظ العراقي: ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ: سئل عن الإيمان فذكره وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ: ما الإيمان؟ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق. وإسناده صحيح. إلى هنا كلام الحافظ وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد(2/29)
1245 - (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله) لا لغيره فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به فإن الذكر [ص:30] مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش ومنشور الولاية قال وهب: أوحى الله إلى داود: أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكري. والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير جدوى لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لتفسك) من المكاره الدنيوية والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس على أن الأكمل بخلاف ذلك فقد قال الفضيل لابن عيينة: إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا الآية} وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد
(طب عن معاذ بن أنس) قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف(2/29)
1246 - (أفضل الجهاد) أي من أفضل أنواع الجهاد بالمعنى اللغوي العام (كلمة حق) بالإضافة ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي: عدل: بدل حق وأراد بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط (عند سلطان جائر) أي ظالم لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود: أو أمير جائر
(تتمة) أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب <فائدة> قال الدميري: دخل النور البكري على محمد بن قلاوون فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد وذكر الحديث. ثم قال له: وأنت ظالم فأمر بقطع لسانه فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء. فقال السلطان: ما أردت إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه
(هـ عن أبي سعيد) الخدري وكذا رواه أبو داود والترمذي باللفظ المذكور من الوجه المزبور ولعل المصنف ذهل عن ذلك ثم إن فيه عند الكل عطية العوفي قال في الكاشف: ضعفوه (حم طب هب عن أبي أمامة الباهلي) قال عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال: أي الجهاد أفضل؟ فسكت فلما رمى الثانية سأله فسكت ثم سأله عند العقبة فوضع رجله في الغرز: أي الركاب ثم ذكره ثم قال أعني البيهقي: وإسناده لين قال: وله شاهد مرسل بإسناد جيد ثم ساقه عن الزهري بلفظ: أفضل الجهاد كلمة عدل عند [ص:31] إمام جائر (حم ن هب) والضياء أيضا كلهم (عن طارق) بالمهملة والقاف (ابن شهاب) ابن عبد شمس البجلي الأحمسي له رؤية ورواية قال في الرياض: رواه النسائي بإسناد صحيح وكذا قال المنذري فالمتن صحيح(2/30)
1247 - (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل) ذكر الرجل وصف طردي (نفسه) في ذات الله (وهواه) بأن يكفهما عن الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل الأوامر وتجنب المناهي فإنه الجهاد الأكبر والهوى اكبر أعدائك وهو ونفسك أقرب الأعداء إليك لما أن ذلك بين جنبيك والله يقول {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين بلونكم من الكفار} ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها وإذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك جهاد الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت شهيدا من الأحياء الذين عند ربهم يرزقون ولعمري إن جهاد النفس لشديد بل لا شيء أشد منه فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب فكيف إذا دعيت إلى محبوب فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد أعداء الدين والدنيا ولهذا قال الغزالي: وأشد أنواع الجهاد الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه إذ العادة طبيعة خامسة فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله ولا يقوى باعث الدين على قمعهما. فلذا كان أفضل الجهاد وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك. <تنبيه> قال ابن عربي: العلل في طريق السالكين ليس لها محل إلا النفوس فقط لا حظ فيها للعقول ولا للبدن فإن دواء علل العقول اتخاذ الميزان الطبيعي وإزالة الفكر ومداومة الذكر ليس إلا وعلل البدن الأدوية الطبية وأما أمراض النفس فثلاثة: مرض في الأقوال كالتزام قول الحق فإن الغيبة حق وقد نهى عنها والنصيحة في الملاحق وهي نصيحة مذمومة وكالمن والتحدث بما لا يعني ونحو ذلك ومرض في الأفعال كالرياء والعجب ومرض في الأحوال كصحبة للأولياء ليشيع أنه منهم وهو في نفسه مع شهوته فمن عرف هذه العلل وأدواءها وخلص نفسه منها فقد نفعها وذلك أفضل الجهاد مطلقا فإنه فرض عين مطلقا
(ابن النجار) في تاريخه (عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو ذهول عجب وقد خرجه الحافظ أبو نعيم والديلمي من حديث أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله(2/31)
1248 - (أفضل الحج العج) بفتح العين المهملة (والثج) أي أفضل أعمال الحج رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي كذا في الكشاف. قال الطيبي: أراد بهما الاستيعاب فبدأ بالإحرام الذي هو الإهلال وانتهى بالتحلل الذي هو إهراق دم الهدي فاكتفى بالمبتدأ والمنتهى عن سائر أعماله: يعني أفضل الحج ما استوعب جميع أعماله من أركان وشروط ومندوبات. قال ابن عبد السلام: وأفضل أركان الحج الطواف فهو أفضل من الوقوف لشبهه بالصلاة والعج رعف الصوت بالتلبية والثج إراقة الدم وكل سائل لكن سائل الحج هو الدم كما في العارضة
(ت) في التفسير (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الضحاك بن عثمان قال أبو زرعة: ليس بقوي ووثقه ابن معين (هـ ك) في الحج (هق) كلهم (عن أبي بكر) الصديق وصححه الحاكم وأقره الذهبي في التلخيص وإنه لشيء عجاب مع أن فيه يعقوب بن محمد الزهري أورده هو - أعني الذهبي - في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة وغير واحد وفيه أيضا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة مشهور. قال ابن سعيد: ليس بحجة (ع عن ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي الحج أفضل؟ فذكره واستغربه الترمذي وهو معلول من طرقه الثلاثة. قال ابن حجر: حديث ابن ماجه عن ابن عمر فيه إبراهيم بن يزيد الجوزي وحديث الحاكم عن أبي بكر فيه [ص:32] انقطاع بين المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع نبه عليه الترمذي وحديث أبي يعلى عن ابن مسعود فيه الواقدي اه(2/31)
1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة ومن جملتها بسط الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت امتثال الأمر الموالاة لله وفي الله فإنها من أوثق عرى الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح كان إذا حدثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم يسمعه قط لئلا يخجل جليسه. قال حجة الإسلام: فيندب إكرام الصاحب والجليس ندبا مؤكدا وفيه إشارة إلى وصية آداب الصحبة فمنها كتمان السر وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره على صنيعه في حقه ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احيج. ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسره والحزن بما يضره ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقا في وده سرا وعلنا ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس ويخرج له من مكانه ويشيعه عند قيامه ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه. وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اه. وقال غيره: المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث بلحيته ولا خاتمه ولا يسبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات
(القضاعي عن ابن مسعود)(2/32)
1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة ذكره بعض الأعاظم وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى وقد تجتمع الجهات كلها
(هـ ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه. نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد فلو عزاه المصنف له لكان أولى(2/32)
1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو عن الذنوب والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص وهي مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه وقال الحكيم: العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا وذكرهما في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شيء واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه وفي محل [ص:33] الابتلاء عافاه ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت لن لكل نعمة تبعة ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات تخلص هذا في العفو وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا الله بكرمه ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من النعيم فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين: أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغي أن يسأل الله تعالى تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر قاله حجة الإسلام <تنبيه> قال شيخنا العارف الشعراني: قال لي البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول عمره أن يسأل الله الرضا وإنما يسأله العفو فإذا حصل حصل الرضا كما أنه لا ينبغي أن يسأل الله أن يكون من الصالحين الكمل ورثة الأنبياء
(حم وهناد) في الزهد (ت هـ عن أنس) وقال الترمذي حسن إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد(2/32)
1252 - (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثوابا إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي من يعوله وتلزمه مؤنته من نحو ولد وزوجة وخادم (ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله) أي التي أعدها للغزو عليها (ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل) يعني على رفقته الغزاة وقيل المراد بسبيله كل طاعة وقدم العيال لأن نفقتهم أهم ما يجب عليه تقديمه ثم دابة الجهاد لمزيد فضل النفقة عليها كما سيجيء بيانه في عدة أخبار ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك وخص دابة الغزو وأصحابه الغزاة لأن النفقة عليهم أهم مما ينفق في الجهاد وأعظمه أجرا غالبا
(حم م ت ن هـ عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الرياض ولم يخرجه البخاري ولا أخرج عن ثوبان شيئا(2/33)
1253 - (أفضل الذكر لا إله إلا الله) إذ لا يصح الإيمان إلا به ولأن فيه إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه وليس ذا في سواه من الأذكار ولأن للتهليل تأثيرا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في الظاهر {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} فيفيد نفي عموم الإلهية بقوله " لا إله " ويثبت الواحد بقوله " إلا الله " ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن ويتولى على جوارحه ويجد حلاوة هذا من ذاق وقال بعض العارفين: إنما كانت أفضل لأنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيء إذ لو ماثله شيء ما كان واحدا بل اثنين فصاعدا فما ثم ما يزنه إلا المعادل والمماثل ولا معادل ولا مماثل فذلك هو المانع للا إله إلا الله أن تدخل الميزان يوم القيامة فإن الشرك الذي يقابل التوحيد لا يصح وجوده من العبد مع وجود التوحيد فإن الإنسان إما مشرك وإما موحد فلا يزن التوحيد إلا الشرك ولا يجتمعان في ميزان أبدا فعليك بالذكر بها فإنه الذكر [ص:34] الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه وحكمه (وأفضل الدعاء الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملها فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه والحمد على النعم طلب المزيد وفي الحديث القدسي إن الله يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وسيجيء حديث: الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده فنبه به على وجه تسمية الحمد دعاء وهو كونه محصلا لمقصود الدعاء فأطلق عليه دعاء مجازا لذلك فإن حقيقة الدعاء طلب الإنعام والشكر كفيل بحصول الإنعام للوعد الصادق بقوله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وقال الطيبي: لعله جعل أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه. قال: وقد يكون قوله الحمد لله: تلميح وإشارة إلى {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} وأي دعاء أفضل وأجمع وأكمل منه. قال المؤلف: دل هذا الحديث بمنطوقه على أن كلا من الكلمتين أفضل نوعه ودل بمفهومه على أن لا إله إلا الله أفضل من الحمد لله فإن نوع الذكر أفضل من نوعه. <تنبيه> قال الغزالي: ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله فإن النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس ثم إذا عرف ذاتا مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار مطلقا <تنبيه> قال البدر الدماميني: لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وإن ورد: أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال وأيضا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة
(تنبيه آخر) قال بعض العارفين: سميت كلمة الشهادة تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ولذلك كانت أفضل ما قاله النبييون كما في الخبر الآتي فأرفع الكلمات " لا إله إلا الله " وهي أربع كلمات نفي ومنفي وإيجاب وموجوب والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود العالم والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان فالأربعة الإلهية: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والأربعة الطبيعية: الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة والأربعة العناصر: ركن النار والهواء والماء والتراب والأربعة الأخلاط: المرتان والدم والبلغم والأربعة الحقائق: الجسم والتغذي والحس والنطق فإذا قال عبده لا إله إلا الله على هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئون والألوف ومن واحد إلى تسعة ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى ما لا يتناهى وهو ما يتركب منها فلا إله إلا الله وإن انحصرت في هذا القدر في الوجود فجزاؤها لا يتناهى
(ت) في الدعوات (ن) في اليوم والليلة في ثواب التسبيح (حب ك) في الدعوات (عن جابر) قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/33)
1254 - (أفضل الرباط) هو في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب ثم شبه به الأفعال الصالحة (الصلاة) لأنها أفضل عبادة البدن بعد الإيمان ولفظ رواية الطيالسي: الصلاة بعد الصلاة فكأنه سقط من قلم المصنف (ولزوم [ص:35] مجالس الذكر وما من عبد) أي مسلم (يصلي) فرضا أو نفلا (ثم يقعد في مصلاه) أي المحل الذي صلى فيه (إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه) أي تستغفر له (حتى يحدث) أي ينتقض طهره بأي ناقض كان أو يحدث أمرا من أمور الدنيا وشواغلها (أو يقوم) من مصلاه ذلك متى قام
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن أبي حميد فإن كان المدني فضعفوه أو الزهري فشبه المجهول كما في الضعفاء للذهبي(2/34)
1255 - (أفضل الرقاب) أي للعتق (أغلاها ثمنا) بغين معجمة عند الجمهور وروي بمهملة أيضا ومعناها متقارب. قال النووي: هذا فيمن يعتق واحدة فلو أراد الشراء بألف للعتق فالعدد أولى وفارق السمينة في الأضحية: بأن القصد هنا فك الرقاب وثم طيب اللحم اه. قال ابن حجر: ويظهر اختلافه باختلاف الأشخاص والضابط أن الأفضل أيهما أكثر نفعا قل أو كثر وأخذ منه مالك ندب عتق كافرة هي أغلى ثمنا من مسلمة قلنا قد قيد في حديث آخر بالمسلمة (وأنفسها) بفتح الفاء أحبها وأكرمها (عند أهلها) أي ما اغتباطهم به أشد فإن عتق مثله إنما يقع غالبا خالصا {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وفيه أن من حق المتقرب إلى ربه أن يتفوق في اختيار ما يتقرب به بأن يكون بريئا من العيب يونق الناظرين وأن يتغالى بثمنه فقد ضحى عمر بنجيبة بثلاث مئة دينار
(حم ق ن هـ عن أبي ذر) الغفاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الرقاب افضل؟ قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. قلت فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لآخر قلت فإن لم أفعل قال فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك اه (حم طب عن أبي أمامة) الباهلي. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات(2/35)
1256 - (أفضل الساعات) أي ساعات التهجد والدعاء فيه (جوف الليل الآخر) روي بالنصب على الظرف أي الدعاء جوف الليل: أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل كما في النهاية وفي القاموس: جوف الليل الآخر ثلثه الأخير ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه وليس مرادا. قال بعض العارفين: فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله
(طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي بكر وبلال وكان يقال هو ربع الإسلام سكن المدينة ثم نزل الشام(2/35)
1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف وفي الصحاح: عقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب قوائمه. وقال الزمخشري: تقول إن بني فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها والجواد الفرس الجيد. قال الزمخشري: تقول فرس جواد من خيل جياد وأجاد فلان صار له فرس جواد والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا وقتلا معا فيكون له أجر نفسه وجواده وأما إن قتل ثم عقر جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه فلذلك كان الأول أفضل وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد البحر وعكسه البعض تمسكا بخير: من لم يدرك الغزو معنا [ص:36] فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين في البر
(طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه ورواه ابن حبان عن أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد ترقيه إلى الصحة(2/35)
1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجرا قال الحراني: الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف (شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع كذا هو في جامع الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي ورواية البخاري: الغنى: بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنيا وقد أعمر طويلا (وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرا فمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل لأن المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم نهي وبالرفع نفي فيكون مستأنفا وبالنصب عطف على تصدق وكلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت) الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم تبلغه بالفعل إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له: أي إذا وصلت هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا فلانا من مالي كذا واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقا بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث وقيل كناية عن المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف فليس له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجرا وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاءه في مرضه لا يمحو عنه سمة البخل ومعنى شحه بالمال أن يجد له وقعا في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر {الشيطان يعدكم الفقر} وفيه التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية
(حم ق د ن عن أبي هريرة)(2/36)
1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها: وكذا يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع والطاقة وهو الأنسب هنا وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية (المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال: يعني قدرته واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله والزهد فصدقته أفضل الصدقة وهو أفضل الناس بشهادة خبر: أفضل الناس رجل يعطي جهده والمراد بالمقل الغني القلب ليوافق قوله الآتي: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى أو يقال الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلا متوكلا على الله فأجابه بما يقتضيه حاله والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك مؤنته وجوبا فقدمه على التصدق تقديما للواجب على المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع
(د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري [ص:37] (ك) فيها (عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي(2/36)
1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب: ما يخرج من المال تقربا كالزكاة لكن الصدقة في الأصل للمتطوع به والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في فعله (ما كان عن ظهر غنى) أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى فزاد لفظ ظهرا إشباعا للكلام وتمكينا وقيل هذا عبارة عن تمكن المتصدق عن غنى ما كقولهم هو على ظهر سير أي متمكن منه وتنكير غنى ليفيد أنه لا بد للمتصدق من غنى ما إما غنى النفس وهو الاستغناء عما بذل بسخاء نفس ثقة بالله كما كان للصديق وإما غنى مال حاصل في يده والأول أفضل اليسارين للخبر الآتي: ليس الغنى عن كثرة المال والعرض وإلا لما ندب له التصدق بجميع ماله ويترك نفسه وعياله في الجوع والشدة (واليد العليا) المعطية وقيل المتعففة (خير من السفلى) أي الآخذة ومحصول ما في الآثار إعلاء الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي المانعة والسائلة وقد تقرر أنه لا تدافع بين ذا وما قبله لأن في الصابرين على الإضافة المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة والثاني فيمن ليس كذلك (وابدأ بمن تعول) قال الطيبي: يشمل النفقة على العيال وصدقتي الواجب والتطوع وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعليه كان الظاهر أن يؤتى بألف فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضا للترتيب إلى الذهن واهتماما بشأن الانفاق وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله ليرجع كلا على الناس إلا لأهل اليقين كالصديق وأضرابه ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين كما مر <تنبيه> قال الزمخشري: أصل العليا اسم لمكان مرتفع وليست بتأنيث الأعلى بدليل انقلاب الواو ياء ولو كانت صفة لقيل العلوى كالعشوى والقنوى والحذرى في تأنيث أفعالها ولأنها استعملت منكرة وأفعل التفضيل ومؤنثه ليسا كذلك
(حم م ن عن حكيم بن حزام) ولد في جوف الكعبة وعاش مئة وعشرين سنة: ستين في الجاهلية وستين في الإسلام القرشي الشريف جاهلية وإسلاما(2/37)
1261 - (أفضل الصدقة سقي الماء) لمعصوم محتاج وفسره في رواية الطبراني بأن يحمله إليهم إذا غابوا ويكفيهم إياه إذا حضروا وقال الهيثمي: إن رجال هذه الرواية رجال الصحيح ولا عطر بعد عروس وزاد أعني الطبراني في رواية أخرى سندها مجهول بعد قوله سقي الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة {أفيضوا علينا من الماء} قال الطيبي: وإنما كان أفضل لأنه أعم نفعا في الأجور الدينية والدنيوية ولذك امتن الله علينا بقوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتة ونسقيه} الآية. وإنما وصف الماء بالطهور ليشير إلى أن الغرض أنه أصل في الأثر أي إزالة الموانع من العبادة وباقي الأغراض تابعة اه. وأقول محل أفضليته التصدق به على غيره إذا عظمت الحاجة إليه كما هو الغالب في قطر الحجاز لقلة المياه فيه ومثله الطريق إليه للحجاج ونحو ذلك وإلا فالتصدق بنحو الخبز أفضل منه سيما زمن الغلاء والمجاعة
(حم ن ده حب ك عن سعد بن عبادة) بضم المهملة السيد الجواد الرئيس قال للمصطفى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الصدقة أعجب إليك؟ فذكره (ع عن ابن عباس) قال: قال سعد يا رسول الله: ماتت أم سعد فأي الصدقة أفضل؟ فذكره فحفر بئرا فقال هذه لأم سعد(2/37)
1262 - (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما) أي شرعيا أو ما كان آلة له (ثم يعلمه أخاه المسلم) فتعليمك العلم لغيرك صدقة منك عليه بل هو من أفضل أنواع الصدقة لأن الانتفاع به فوق الانتفاع بالمال لأن المال ينفد والعلم باق [ص:38] إلا أن إطلاق الصدقة على نحو هذا من قبل المجاز كما يشير إليه كلام العلامة الزمخشري في الفائق. وتعلم العلوم الشرعية وتعليمها من تفسير وحديث وفقه وآلة ذكر: فرض كفاية
(هـ) من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال المنذري: إسناده حسن لو صح سماع الحسن منه اه وبه يعرف أن رمز المصنف لصحته غير حسن(2/37)
1263 - (أفضل الصدقة الصدقة على ذي رحم الكاشح) بشين معجمة فمهملة قال الزمخشري: هو الذي يضمر العداوة ويطوي عليها كشحه. أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك اه: يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجرا منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف
(حم طب عن أبي أيوب) قال الزين العراقي في شرح الترمذي وفيه الحجاج بن أرطاة ضعيف وقال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وحاله معروف وروياه أيضا (عن حكيم بن حزام) قال الهيثمي: وسنده حسن اه. ونقل ابن حجر في التخريج عن ابن طاهر أن سنده صحيح وأقره وما ذكر من أن الرواية عن أبي أيوب هو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع لكن ذكر ابن شاهين وابن منده وابن الأثير وغيرهم أنه عن أيوب بن بشير الأنصاري عن حكيم بن حزام وذكر ابن حجر في الإصابة أن رواية الطبراني في الكبير هكذا قال هذا الحديث خرجه ابن أحمد في زيادته والطبراني في الكبير من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن أيوب بن بشير عن حكيم بن حزام وذكر أنه معلول فلينظر (خد د ت عن أبي سعيد) الخدري (طب) عن أم كلثوم بنت عقبة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (ك عن أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة (بنت عقبة) بضم المهملة وسكون القاف ابن أبي معيط الأموية أخت عثمان لأمه وهي أول صحابية هاجرت من مكة فتزوجها زيد ثم الزبير ثم عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي(2/38)
1264 - (أفضل الصدقة) أي من أفضل الصدقة على المماليك (ما تصدق به) يجوز كونه ماضيا مبنيا للفاعل أو المفعول ويجوز كونه مضارعا مخففا على حذف إحدى التاءين ومشددا على إدغامها (على مملوك) آدمي أو غيره من كل معصوم (عند مالك) بالتنوين (سوء) لأنه مضطر وتحت قهر غيره والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة إذ المتصدق عليهم ثلاثة فقير مستغني عن الصدقة في ذلك الوقت وفقير محتاج مضطر فالصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة والصدقة على المحتاج مضاعفة وعلى المضطر أضعاف مضاعفة فالمملوك عند مليك السوء انتظمت فيه ثلاث حالات: فهو فقير ومحتاج ومضطر فلذلك صار أفضل الكل ولا تدافع بين هذا الحديث وما قبله لاختلاف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان فقد يغرض من الحالات ما يعرض فيه بأفضلية تقديم المملوك على ذي الرحم بل قد يجب وشمل ذلك كل حيوان محترم محتاج إلى مؤنة أو دفع مؤذ من نحو حر أو برد
(طس عن أبي هريرة) الذي وقفت عليه في معجمه الأوسط: ما من صدقة تصدق بها على مملوك عند ملك سوء اه ثم المصنف رمز لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيثمي: فيه بشير بن ميمون وهو ضعيف(2/38)
1265 - (أفضل الصدقة) الصدقة التي تقع (في رمضان) لأن التوسعة فيه على عيال الله محبوبة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان وذلك لأنه تعالى وضع رمضان لإفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما يفيضها [ص:39] في غيره فكانت الصدقة فيه أفضل ثوابا منها في غيره وفيه ندب إكثار الصدقة فيه ومزيد الإنفاق على المحتاجين والتوسعة على عياله وأقاربه ومحبيه فيه وهو اسم لشهر معروف لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوالق شدة الحر ورمضه فيه فسمي
(سليم) بالتصغير (الرازي) بفتح الراء وسكون الألف وآخره زاي نسبة إلى الري مدينة كبيرة مشهورة من بلاد الديلم وألحقوا الزاي بالنسب (في جزئه عن أنس) بن مالك قال ابن الجوزي: هذا لا يثبت فيه صدقة بن موسى قال ابن معين: ليس بشيء اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو ذهول فقد خرجه البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس بل خرجه الترمذي عن أنس المذكور كما في الفردوس وغيره عنه ولفظه: أفضل الصدقة صدقة رمضان(2/38)
1266 - (أفضل صدقة اللسان الشفاعة) الموجود في أصل الشعب للبيهقي المقروء المتقنة: أفضل الصدقة صدقة اللسان قالوا يا رسول الله وما صدقة اللسان قال الشفاعة (تفك بها الأسير) أي يتخلص بسببها المأسور من العذاب أو الشدة كأنه قيل: أفضل صدقة اللسان الشفاعة لماذا: قال ليخلص بها الإنسان من الضيق (وتحقن) بفتح فسكون فكسر (بها الدم) أي تمنعه أن يسفك. قال الزمخشري: من المجاز حقنت دمه إذا حل به القتل فأنقذته (وتجر) أي تسحب (بها المعروف والإحسان إلى أخيك) في الإسلام أو توصل إليه بها الجميل (وتدفع عنه) بها (الكريهة) أي ما يكرهه ويشق عليه من النوازل الدنيوية {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} والواو بمعنى أو
(طب هب عن سمرة) بضم الميم ابن جندب قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهذلي ضعيف ضعفه أحمد وغيره وقال البخاري: ليس بالحافظ ثم أورد له هذا الخبر وأقول: فيه أيضا عند البيهقي مروان بن جعفر السمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الأزدي يتكلمون فيه(2/39)
1267 - (أفضل الصدقة أن تشبع كبدا) بفتح فكسر أو فسكون (جائعا) أي أن تشبع ذا كبد جائع فوصف الكبد بوصف صاحبه على الإسناد المجازي وهو من جعل الوصف المناسب علة للحكم وفائدة العموم تتناول أنواع الحيوان والمؤمن والكافر أي المعصوم والناطق والصامت ونبه بالإشباع على جميع وجوه الإحسان من سقي الماء وغيره مما تشتد حاجته إليه
(هب عن أنس) بن مالك رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه هشام بن حسان وأورده الذهبي في الضعفاء وقال قال شعيب عن شعبة لم يكن يحفظ(2/39)
1268 - (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) بالفتح أي العداوة والبغضاء والفرقة: يعني إصلاح الفساد بين القوم وإزالة الفتنة وإسكان الثائرة والنائرة والمستلزم إحياء النفوس غالبا وهي من حيث عموم نفعها أفضل من صدقة نفعها قاصر ومن ذلك ما لو كانت بين طائفتين فتنة فتحمل رجل مالا ليصلح بينهم أو أخذ من المياسير لذلك. قال ابن عربي: وإذا كان الله قد رغب بل أمر المسلمين إذا جنح الكفار إلى السلم فأجرى الصلح بين المتهاجرين من المسلمين فأعظم به من صدقة
(طب) وكذا البزار (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال العراقي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف وقال المنذري: فيه ابن أنعم وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم(2/39)
[ص:40] 1269 - (أفضل الصدقة اللسان) أي صدقة اللسان يعني كل خير وبر يصدر من الأعضاء صدقة وصدقة اللسان أفضلها كما خصه بقوله في الحيث الآتي: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه فأفضل الصدقة الشفاعة والهداية إلى ما ينجي في الآخرة وتعليم الجاهل ونصرة الدين بإقامة الحجج والبراهين وغير ذلك وقيل أراد أفضل صدقة المرء على نفسه أن يحفظ لسانه لأنه لما كان هو الذي يوقع الإنسان في الهلاك كان حفظه عن الزلل المؤدي للعقاب كأنه صدقة منه عليه وهل يكب الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم وما ذكر من أن الرواية أفضل الصدقة اللسان هو ما وقفت عليه في خط المؤلف وفي عامة النسخ أفضل الصدقة حفظ اللسان فليحرر ثم راحعت مسند الفردوس الذي عزا المصنف الحديث إليه فوجدته: حفظ اللسان
(فر) وكذا القضاعي (عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه حصيب بن جحدر. قال الذهبي كذبه شعبة والقطان(2/40)
1270 - (أفضل الصدقة سر إلى فقير) أي إسرار بها إليه فهي أفضل من العلانية لبعدها عن الرياء {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (وجهد من مقل) أي بذل من فقير لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله وهو صعب شديد على من حاله الإقلال ومن ثم قال بشر: أشد الأعمال ثلاثة: الجود في القلة والورع في الخلوة وكلمة حق عند ما يخاف ويرجى
(طب عن أبي أمامة) قال قلت يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ فذكره ورواه أحمد في حديث طويل قال الهيثمي وفيه علي بن زيد وهو ضعيف اه لكن له شواهد منها ما رواه أحمد في حديث طويل عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله الصدقة ما هي؟ قال أضعاف مضاعفة قلت فأيها أفضل؟ قال جهد من مقل أو سر إلى فقير. اه. وفيه أبو عمر الدمشقي متروك(2/40)
1171 - (أفضل الصدقة المنيح) كأمير وأصله المنيحة فحذفت الهاء والمنيحة المنحة وهي العطاء هبة أو قرضا أو نحو ذلك قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال (أن تمنح الدراهم) أو الدنانير أي تقرضه أو تتصدق به أو تهبه (أو ظهر الدابة) أي أن تعير أخاك دابة ليركبها ثم يردها أو تجعل له درها ونسلها وصوفها
(طب) وكذا أحمد (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو يعلى وزاد الدينار أو البقرة والبزار. قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح اه وظاهره أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف له لكان أولى(2/40)
1272 - (أفضل الصدقات ظل فسطاط) بضم الفاء وتكسر: أي خيمة يستظل بها المجاهد (في سبيل الله عز وجل) أي أن ينصب خباء للغزاة يستظلون فيه (أو منحة) بكسر الميم (خادم في سبيل الله) أي هبة خادم للمجاهد أو قرضه أو إعارته والخادم يقع على الذكر والأنثى كما سلف (أو طروقة فحل في سبيل الله) بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة أي مركوبة يعني ناقة أو فرس بلغت أن يطرفها الفحل يعطيه إياها ليركبها إعارة أو هبة. قال الطيبي وهذا عطف على منحة خادم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي منحة ناقة وكان الظاهر أن يقال منحة فسطاس كما في القرينتين فوضع الظل موضعها لأن غاية منفعتها الاستظلال بها
(حم ت) في الجهاد (عن أبي أمامة) الباهلي (ت عن عدي بن حاتم) صححه الترمذي وتبعه عبد الحق واعترضه ابن القطان بأن فيه القاسم بن أبي عبد الرحمن مختلف فيه قال [ص:41] فحق الحديث أن يقال فيه حسن لا صحيح وأقول فيه أيضا الوليد بن جميل قال الذهبي قال أبو حاتم: روى عن الحسن أحاديث منكرة(2/40)
1273 - (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) لأن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع والصبح أفضل الخمس على ما اقتضاه هذا الحديث ونص عليه الشافعي لكن الأصح عند أصحابه أن أفضل الصلوات العصر إذ هي الوسطى على المعمول به الذي صح به الحديث من غير معارض ثم الصبح ثم العشاء ثم المغرب ثم الظهر على الأوجه للحديث الآتي وأفضل الجماعات جماعة الجمعة ثم الصبح ثم العشاء لامتياز الجمعة بخصائص ليست لغيرها وعظم المشقة في جماعة الصبح والعشاء ويعارضه خبر الطبراني عن عائشة: أفضل الصلاة عند الله صلاة المغرب ومن صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتا في الجنة والحديثان ضعيفان ويمكن تأويل الثاني بأنه بمعنى من
(حل هب عن ابن عمر) بن الخطاب أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه الوليد بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن معين ليس بشيء(2/41)
1274 - (أفضل الصلوات بعد المكتوبة) أي ولواحقها من الرواتب وما أشبهها مما يسن فعله جماعة إذ هي أفضل من مطلق النفل على الأصح (الصلاة في جوف الليل) فهي فيه أفضل منها في النهار لأن الخشوع فيه أوفر لاجتماع القلب والخلو بالرب {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ} {أمن هو قانت آناء الليل} ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله ذكره الزمخشري وبالصلاة ليلا يتوصل إلى صفاء السرور ودوام الشكر وهي بعد نوم أفضل والمراد بالجوف هنا السدس الرابع والخامس فهما أكمل من بقيته لأنه الذي واظب عليه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنه أشق الأوقات استيقاظا وأحبها راحة وأولاها لصفاء القلوب: وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في الأحاديث بالنزول (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان) المضاف محذوف أي أفضل شهور الصيام (شهر الله) قال الزمخشري: أضافه إليه عز اسمه تعظيما له وتفخيما كقولهم بيت الله وآل الله لقريش وخص بهذه الإضافة دون بقية الشهور مع أن فيها أفضل منه إجماعا لأنه اسم إسلامي فإن اسمه في الجاهلية صفر الأول وبقية الشهور متحدة الأسماء جاهيلة وإسلاما (المحرم) أي هو أفضل شهر يتطوع بصومه كاملا بعد رمضان فأما التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصوم عرفة وعشر الحجة ذكره الحافظ ابن رجب وذلك لأنه أول السنة المستأنفة وافتتاحها بالصوم الذي هو ضياء أفضل الأعمال وقال الزمخشري: خصه من بين الأشهر الحرم لمكان عاشوراء فأفضل الأشهر لصوم التطوع المحرم ثم رجب ثم بقية الأشهر الحرم ثم شعبان ولا يعارضه إكثار النبي صلى الله عليه وسلم صوم شهر شعبان دونه لأنه إنما علم فضل صوم المحرم آخرا ولعله لعارض وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا باعتبار الزمن فطريقة داود في المحرم أفضل من طريقته في غيره كذا وفق جمع وضعف والظاهر أن التطوع المطلق بالصوم أفضله المحرم كما أن أفضل النفل المطلق صلاة الليل وما صيامه تبع كصوم ما قبل رمضان وما بعده فليس من المطلق بل صومه تبع لرمضان ولذا قيل إن صوم ست شوال يلحق رمضان ويكتب معه بصيام الدهر فرضا فهذا النوع صومه أفضل التطوع مطلقا والمطلق أفضله المحرم اه
(م عد) كلهم في الصوم (عن أبي هريرة) يرفعه (الروياني) بضم الراء وسكون الواو وفتح المثناة التحتية وبعد الألف نون نسبة إلى مدينة بناحية طبرستان واسمه محمد بن هارون الحافظ (في مسنده) المشهور قال ابن حجر: مسند الروياني ليس دون الست في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة كان أولى [ص:42] من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير. إلى هنا كلامه (طب عن جندب) هو في الصحابة متعدد فكان ينبغي تمييزه ولم يخرجه البخاري قال المناوي: ووهم الطبراني في عزوه له(2/41)
1275 - (أفضل الصلاة طول القنوت) أي أفضل الصلاة صلاة فيها طول القنوت: أي القيام أو أفضل أحوال الصلاة طول القيام: أي لأنه محل القراءة المفروضة وللقنوت أحد عشر معنى. قال النووي: والمراد هنا القيام اتفاقا بدليل رواية أبي داود " أي الأعمال أفضل قال طول القيام " وأخذ به أبو حنيفة والشافعية ففضلا تطويل القيام على تطويل السجود وعكس آخرون تمسكا بخبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وتوسط قوم فقالوا بالأول ليلا وبالثاني نهارا. قال الزين العراقي: وهذا في نفل لا يشرع جماعة وفي صلاة الفذ. أما إمام غير المحصورين فالمأمور بالنخفيف المشروع لخبر إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف. ثم إن ما ذكر من تفسير القنوت بالقيام هو ما عليه أهل النظر وذهب جمع من الصوفية إلى أن المراد به مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه والعبد إذا لاحظ العظمة بعين قلبه خشع لا محالة فيكون المراد أفضل الصلاة أكثرها خشوعا. وقالوا ولو كان المراد القيام لاستحال {قوموا لله قانتين} ألا ترى أنه أمر بالقيام ثم القنوت فالقنوت صفة فعل يحدث عن القيام وذهب آخرون منهم إلى ما عليه أهل النظر وعليه ابن عربي قال ولما كان المعقول من إطلاق لفظ القرآن على الكلام الإلهي الجامع والصلاة حالة جامعة بين العبد وربه وقعت المناسبة بين القرآن والصلاة فلا يقرأ فيها غير القرآن ولما كان القيام يشبه الألف من الحروف وعنه ظهرت جميع الحروف فهي الجامع لأعيانها كان القيام جامعا لأعيان الجزئيات من ركوع وسجود وقنوت فكانت القراءة من حيث كونها جمعا في القيام أنسب فإن القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة مأمور بها
(حم م ت هـ) كلهم في الصلاة (عن جابر) بن عبد الله (طب عن أبي موسى) الأشعري (وعن عمرو بن عبسة) بن عامر أبو ابن خالد السلمي (وعن عمير) تصغير عمر (ابن قتادة) بفتح القاف ابن سعد (الليثي) روى عن ابنه سكن مكة ولم يخرج البخاري هذا الحديث(2/42)
1276 - (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته) لأنه كما قال النووي أبعد عن الرياء وليتبرك البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة ويخرج الشيطان وعليه يمكن أن يخرج بقوله في بيته ببيت غيره ولو أمن من الرياء كذا في الفتح (إلا المكتوبة) أي المفروضة فإنها ليست في بيته أفضل بل في المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي في محلها أولى إلا في صورة مبينة في الفروع وظاهره بشمل كل نفل لكنه محمول عليه ما لا يشرع له التجميع وما لا يخص المسجد كالتحية كذا قرروه. قال ابن حجر: ويحتمل أنه أراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا تدخل التحية أو أنه لم يرد بالمكتوبة المفروضة بل ما تشرع فيه الجماعة وفيما وجب لعارض كمنذورة احتمال وأراد بالمرء جنس الرجل فخرج النساء بقرينة خبر مسلم وبيوتهن خير لهن
(ن طب عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك الأنصاري البخاري كاتب الوحي قضية صنيع المصنف أن هذا مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما ساغ له العدول عنه لغيره على قانون الصناعي وهي ذهول فاحش فقد خرجاه معا باللفظ المذكور(2/42)
1277 - (أفضل الصوم بعد رمضان شعبان) لأن أعمال العباد ترفع فيه في سنتهم (لتعظيم رمضان) أي لأجل تعظيمه [ص:43] لكونه يليه فصومه كالمقدمة لصومه وهذا لعله قاله قبل أن يعلم فضل صوم محرم أو أن ذلك أفضل شهر يصام كاملا وهذا أفضل شهر يصام أكثره كما يشير إليه رواية صوم في شعبان أو أن ذاك أفضل شهر يصام مستقلا وهذا أفضل شهر يصام تبعا (وأفضل الصدقة صدقة رمضان) لأنه موسم الخيرات والعبادات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبرائيل فيعارضه القرآن
(ت) واستغربه (هب) كلاهما من حديث صدقة بن موسى عن ثابت (عن أنس) قال الذهبي في المهذب صدقة ضعفوه(2/42)
1278 - (أفضل الصوم صوم أخي) في النبوة والرسالة (داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس كما مر وربما فوت بعض الحقوق هذا مع ما في فطر يوم من الرفق بالبدن وعدم إنهاكه وذكر بعض الشافعية أن من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالإثنين والخميس يكون فطره فيه أفضل ليتم له فطر يوم وصوم يوم (و) كان (لا يفر إذا لاقى) أي ولأجل تقويه بالفطر كان لا يفر من عدوه إذا لاقاه للقتال فلو أنه سرد الصوم فربما أضعف قوته وأنهك جسمه ولم يقو على قتال الأبطال فصوم يوم وفطر يوم جمع بين القربتين والقيام بالوظيفتين فإن الله لم يتعبد عبده بالصوم خاصة فلو استفرغ جهده قصر في غيره فالأولى الإقتصار ليبقى بعض قوة لغيره كالجهاد
(د ت ن عن ابن عمرو) ابن العاص قال الترمذي حسن صحيح(2/43)
1279 - (أفضل العباد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله) أي درجة الذاكرين الله (كثيرا) بالإخلاص قال الحبر: هم الذين يذكرونه دبر كل صلاة وغدوا وعشيا وفي المضاجع وعقب النوم وعقب الغدو والرواح وقال ابن الصلاح: من واظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساءا وفي الأوقات المختلفة لكن في الأماكن المستفذرة يذكر بالقلب وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة ورأس كل سعادة بل هو كالحياة للأبدان والروح للإنسان وهل للإنسان غنى عن الحياة وهل له من الروح معدل وإن شئت قلت به لقاء الدنيا وقيام السماوات والأرض روينا عن مسلم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله والعبادة كما في الأساليب لغة التذلل والخضوع بالتقرب إلى المعبود وعرفا قال المتولي: فعل يكلف الله به عباده مخالف لما يميل إليه الطبع على سبيل الاستيلاء وقال الماوردي: ما ورد التعبد به قربة لله وقال صاحب التنبيه هنا تعبدنا به على وجه القربة والطاعة
(حم ت عن ابن سعيد)(2/43)
1280 - (أفضل العباد الفقه) قال الحكيم الترمذي الفقه الفهم وانكشاف الغطاء فإذا عبد الله بما أمر ونهى بعد أن فهمه انكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى فهي العبادة الخالصة المحضة وذلك لأن الذي يؤمر بشيء فلا يرى شيئه والذي ينهى عن شيء فلا يرى شيئا فهو في عمى فإذا رأى ذلك عمل على بصيرة وكان أقوى ونفسه بها أسخى ومن عمي عن ذلك فهو جامد القلب كسلان الجوارح ثقيل النفس بطيء التصرف وقوم غفلوا عن هذا فتراهم الشهر والدهر يقولون يجوز لا يجوز ولا تدري أصواب أم خطأ ثم تراه في حاجة أمره ونهيه في عوج فإقباله على نفسه حتى يكف عما لا يجوز خير له من إهماله وإقباله على إصلاح الناس (وأفضل الدين الورع) الذي هو كما قيل الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس مع كل طرفة والورع يكون في خواطر القلوب وسائر أعمال الجوارح وإنما كان أفضل [ص:44] لما فيه من التخلي عن الشبهات وتجنب المحتملات وعبر في الفقه بالعبادة لأنه فعل من أفعال الجوارح الظاهرة كالعبادة وفي الورع بالدين لأن مرجعه إلى اليقين القلبي الذي به يدان الله تعالى
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب وظاهر تخصيصه بالكبير يوهم أنه لا يوجد للطبراني إلا فيه وليس كذلك بل خرجه في معاجيمه الثلاثة وقد أشار المصنف لضعفه وذلك لأن فيه كما قال المنذري ثم الهيثمي محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه(2/43)
1281 - (أفضل العبادة الدعاء) لأنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود وترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك فهو من أفضل العبادات وأتمها
وأكملها ذكره القاضي وهو ذهاب منه إلى حمل العبادة على المعنى الشرعي قال الطيبي: ولكن حملها على اللغوي لأن الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة وما شرعت العبادة إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه وفيه رد على من كره الدعاء وقال تركه أفضل
(ك) في الدعاء (عن ابن عباس) وقال مسلم {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي (عد عن أبي هريرة) و (ابن سعد) في الطبقات (عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لصحته(2/44)
1282 - (أفضل العبادة) وفي رواية للبيهقي أفضل عبادة أمتي (قراءة القرآن) لأنه أفضل العلوم وأمها وأهمها ولهذا صرحوا بأن الإنسان يبدأ أولا بحفظه ثم بإتقان تفسيره ثم يحفظ من كل فن مختصرا ولا يشتغل بذلك عن تعهد دراسة القرآن فإنه أفضل الأذكار فالاشتغال بالقراءة أفضل من الاشتغال بسائر الأذكار إلا ما ورد فيه شيء مخصوص في وقت أو زمن مخصوص (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق يونس بن عبيد عن بعض أصحابه (عن أسير) بضم الهمزة وفتح السين وآخره راء كما ضبطه في أسد الغابة (ابن جابر) التميمي يعد في البصريين قال ابن الأثير في صحبته نظر قال في الإصابة وهو غير أسير بن جابر التابعي (السجزي في الإبانة عن أنس) ورواه أيضا أبو نعيم في فضائل القرآن عن النعمان بن بشير وأنس معا بلفظ أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن قال الحافظ العراقي وإسنادهما ضعيف(2/44)
1283 - (أفضل العبادة انتظار الفرج) زاد في رواية من الله تعالى قال المظهري يعني إذا نزل بأحد بلاء فترك الشكايا صبرا وانتظر الفرج فذلك أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك لأن أشرف العبادات ولب الطاعات أن يتوجه القلب بهمومه كلها إلى مولاه فإذا نزل به ضيق انتظر فرجه منه لا من سواه وفي بعض الكتب الإلهية لأقطعن أمل من أمل سواي وألبسه ثوب المذلة بين الناس أتقرع بالفقر باب غيري وبابي خير لك؟
(طب) عن أنس قال الهيثمي وفيه من لم أعرفه (القضاعي عن أنس) قال ابن الجوزي: حديث لا يثبت وهذا الحديث لم يخرجه المؤلف في جامعه الكبير بل هنا وفي درر البحار عن البزار والبيهقي وضعفه قال الديلمي وفي الباب ابن مسعود وغيره(2/44)
1284 - (أفضل العمل النية الصادقة) لأن النية لا يدخلها الرياء فيبطلها قال مالك بن دينار: رأيت رجلا في الطواف يقول اللهم قبلت حجاتي الأربع فاقبل هذه الحجة فقلت كيف عرفت أن الله قبلها قال أربع سنين كنت أنوي كل سنة أن أحج وعلم مني نيتي وحججت من عامي فأنا خائف أن لا يقبل مني فعلمت أن النية أفضل من العمل لأن العمل منقطع والنية دائمة وتصديقه أن أعمال السر مضاعفة والعمل سعي الأركان ألى الله والقلب ملك والأركان جنوده فلا يستوي سعي الملك وسعي جنوده والعمل يوضع في الخزائن والنية عنده لأنه الذكر الخقي والعمل موقوف على نهايته والنية [ص:45] لا تحصى نهاياتها والعمل تحقيق الإيمان وإظهاره والنية فرع الإيمان بمنزلة ثمرة الشجرة والعمل موكل به الحفظة والنية لا يطلع عليها الحفظة والعمل في ديوان الملائكة والنية في ديوان الله والعمل ثوابه من الجنة والنية ثوابها من منازل القربة والعمل أجناس لا يشبه بعضها بعضا والنية تشمل جميع الأشياء وذلك إذا نوى بلوغ رضاه فرضاه لجميع الطاعات فهو في ذلك الوقت كالعامل بجميع الطاعات وهذه النية كلها للصادقين من عمال الله وقضية الحديث أن النية قسم من العمل وقضية قوله في الحديث الآتي نية المؤمن خير من عمله أنه قسيمه ولعله أراد هنا جميع الأعمال وهناك أعمال الجوارح الظاهرة <تنبيه> قال ابن الزملكاني الفضل هو الزيادة وإذا كان نسبة بين أمرين اقتضى اشتراكهما في العادة وليس للعقل في التفضيل الشرعي استقلال إذ ليس لقاعدة الحسن والقبح عندنا مجال بل الفضل يؤخذ من نص الشارع عليه والاستنباط من دليل يرجع إليه أو إجماع المعتبرين من الأمة فإن الشرع قد أوجب لاجماعهم العصمة فما لم يحكم الشرع بفضله لا يثبت تفضيله وكذا كل حكم شرعي لا يثبت إلا إذا كان في الشرع دليل له
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس)(2/44)
1285 - (أفضل العيادة) بمثناة تحتية أي زيارة المريض (أجرا سرعة القيام من عند المريض) أي أفضل ما يفعله العائد في العيادة أن يقوم سريعا فلا يمكث إلا بقدر فراق ناقة وذلك لأنه قد يبدو للمريض حاجة فيستحي من جلسائه وأخرج البيهقي عن سلمة بن عاصم قال دخلت على الفراء أعوده فأطلت وألحفت في السؤال فقال لي ادن فدنوت فأنشدني:
حق العيادة يوم بعد يومين. . . ولحظة مثل لحظ الطرف بالعين
لا تبرمن مريضا في مسائله. . . يكفيك من ذاك تسأل ما بحرفين
والكلام في غير متعهده ومن يشق عليه مفارقته
(فر عن جابر) وفيه علي بن أحمد بن النضر قال الذهبي في الضعفاء قال الدارقطني ضعيف ومحمد بن يوسف الرقي قال الذهبي كذبه الخطيب وكان حافظا رحالا(2/45)
1286 - (أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم) أي الذي يتولى خدمتهم في الغزاة مع كونه خرج بنية الغزو وهو من أهله ومثله في الأفضلية المخذل عنهم كنعيم الأشجعي الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحزاب خذل عنا فإن الحرب خدعة (ثم) بعده في الفضل الإنسان (الذي يأتيهم بالأخبار) أي بما كان من أمر العدو وما يتعلق بشأن الحرب (وأخصهم عند الله منزلة) أي أرفعهم درجة (الصائم) فرضا أو نفلا أو في الغزو كما يشير إليه السياق والكلام فيمن لم يضعفه الصوم عن نحو القتال وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الطبراني ومن استقى لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى الجنة بسبعين درجة انتهى
(طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه كما قال الهيثمي عنبسة بن مهران الحداد وهو ضعيف وأقول فيه أيضا يحيى بن المتوكل قال الذهبي وغيره ضعفوه فتعصيبه الجناية برأس عنبسة وحده ليس من الانصاف في شيء(2/45)
1287 - (أفضل الفضائل) جمع فضيلة قال الراغب: وهي اسم لما يحصل به للإنسان مزية على الغير وهي أيضا اسم لما يتوصل به إلى السعادة ويضادها الرذيلة وقال في المفهم الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل لصاحبها بسببها شرف [ص:46] وعلو منزلة عند الحق أو الخلق والثاني لا عبرة به إلا إن أوصل إلى الأول وقال الغزالي في الميزان: أمهات الفضائل كثيرة تجمعها أربعة تشمل شعبها وأنواعها والأربعة الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة فالحكمة فضيلة القوة العقلية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية والعفة فضيلة القوة الشهوية والعدالة وقوع هذه القوى على الترتيب الواجب فيها وبها تتم جميع الأمور (أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك) لما فيه من المشقة ومجاهدة النفس وإرغامها ومكايدة الطبع لمياه إلى المؤاخذة والإنتقام (وتصفح عمن ظلمك) لأن ذلك أشق على النفس من سائر العبادات الشاقة فكان أفضل قال الراغب: فالعفو عمن ظلمك نهاية الحلم والشجاعة وإعطاء من حرمك غاية الجود ووصل من قطعك نهاية الإحسان وقال بعضهم من قابل الإساءة بالإحسان فهو أكمل أفراد الإنسان وهو المستحق لقصر وصف الإنسانية عليه حقيقة أو ادعاءا ومبالغة ومن ثمرات هذا الخلق صيرورة العدو خليلا أو صيرورته قتيلا وتنتكل بها سهام القدرة الإلهية تنقلا قال حجة الإسلام: رأيت في الإنجيل قال عيسى لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف والأذن بالأذن والآن أقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك <تنبيه> قال بعضهم: رأى ابن الخطاب - شيخ ابن عربي - ربه في النوم فقال يا رب علمني شيئا آخذه عنك بلا واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد بدل نعمة الله كفرا فقال يارب حسبي فقال حسبك (تنبيه آخر) قال ابن الزملكاني: الفضل لغة عبارة عن الزيادة وكلما زاد عن الإقتصاد فهو فضل لكنه يشمل المحمود والمذموم في أصل وضعه فإن الفضل منه محمود كفضل العلم على الجهل ومذموم كالإفراط في الصفات المحمودة حتى تخرج إلى صفة الذم كالسرف في العطاء وقد كثر استعمال الفضل عرفا في المحمود والفضول في المذموم والغالب استعماله في زيادة أحد أمرين على الآخر بعد اشتراكهما في أصل ما وقعت به المفاضلة إذا كانت تلك الزيادة فيما هو صفة كمال لذلك الشيء فقد تحصل الزيادة في الجسم وهي نقصان في المعنى ثم الفضيلة تارة تكون باعتبار ذاتي وتارة تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في آية {الرجال قوامون على النساء} والذي بالاعتبار العرضي فيما يمكن اكتسابه وقد يطلق الفضل على كل عطية لا تلزم المعطي
(حم طب عن معاذ بن أنس) قال العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وتبعه المنذري فقال فيه زبان بن فايد ضعيف وأقول فيه أيضا ابن لهيعة وحاله معروف وسهل بن معاذ أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين(2/45)
1288 - (أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين) أي أعظم القرآن أجرا وأكثره مضاعفة للثواب قراءة سورة الحمد لله رب العالمين وهي الفاتحة بمعنى أن الله سبحانه جعل قراءتها في الثواب كقراءة أضعافها من سورة أخرى قال التوربشتي: وإنما كانت أفضل اعتبارا لعظم قدرها وتعريفا بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها ولاشتمالها على معان وفوائد كثيرة مع وجازة ألفاظها ولذلك سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء عليه والتعبد بالأمر وانهي والوعد والوعيد وغير ذلك وهذا ينبئك بتأويل ما عليه حجة الإسلام ومن على قدمه من أن بعض القرآن أفضل من بعض وردوا على من ذهب إلى المنع ولا حجة له عند التأمل في قوله التفضيل يوهم نقص المفضل عليه قال الغزالي: وإنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لأن الجامع بين فنون الفضل وأنواعه يسمى أفضل إذ الفضل الزيادة والأفضل هو الأزيد والسؤدد رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى المتنوعة التي يتبعها سلئر المعارف فاسم السيادة بها أليق
(ك هب عن أنس) ابن مالك(2/46)
1289 - (أفضل القرآن سورة البقرة) أي السورة التي ذكرت فيها البقرة ولا يناقضه ما قبله أن الفاتحة أفضل لأن المراد [ص:47] أن البقرة أفضل السور التي فصلت فيها الأحكام. ضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه من ذلك (أو أعظم آية منها آية الكرسي) لاحتوائها على أمهات المسائل ودلالتها على أنه سبحانه واحد متصف بالحياة قائم بنفسه مقوم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح مالك الملك والملكوت ذو العظمة والجبروت مبدع الأصول والفروع ذا البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلا لمن أذن له العالم بالأشياء كلها واسع الملك والقدرة متعال عن أن يدركه وهم عظيم لا يحيط به فهم. والإخلاص أفضل لأن السورة لوقوع التحدي بها أفضل من الآية ولأن الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا وآية الكرسي اقتضته في خمسين (إن الشيطان) إبليس أو أعم (ليخرج من البيت) يعني المكان بيتا كان أو غيره من أجل (أن يسمع تقرأ فيه سورة البقرة) يعني بيأس من إغواء أهله لما يرى من جدهم واجتهادهم في الدين وخص سورة البقرة لكثرة أحكامها وأسماء الله فيها أو لسر علمه الشارع والسورة الطائفة من القرآن وأقلها ثلاث وواوها أصلية من سور البلد لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرزة على حيالها أو محتوية على فنون رائعة من العلوم احتواء سور المدينة على ما فيها
(الحارث) ابن أبي أسامة (وابن الضريس) بمعجمة فمهملتين مصغرا (ومحمد ابن نصر) المروزي بفتح الميم في كتاب الصلاة (عن الحسن) البصري مرسلا(2/46)
1290 - (أفضل الكسب بيع مبرور) أي لا غش فيه ولا خيانة أو معناه مقبول في الشرع بأن لا يكون فاسدا أو مقبول عند الله بأن يكون مثابا عليه (عمل الرجل بيده) من نحو صناعة أو زراعة وقيد العمل باليد لكون أكثر مزاولته بها وخص الرجل لأنه المحترف غالبا لا لإخراج غيره وظاهر الحديث تساويهما في الأفضلية قال بعضهم وقد قيل له لا تتبع التكسب فيدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها
(حم طب) من حديث جميع بن عمير (عن) خاله (أبي بردة بن نيار) ككتاب - الأنصاري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب فذكره وجميع هو ابن عمير التيمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء صدوق رموه بالكذب وفي الكاشف شيعي واه وقال البخاري فيه نظر فقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير باختصار وقال عن خاله أبي بردة والبزار كأحمد لكنه قال عن جميع بن عمير وجميع وثقه أبو حاتم وقال البخاري فيه نظر ورواه الطبراني في الكبير والأوسط باللفظ المزبور عن ابن عمرو وقال أعني الهيثمي ورجاله ثقات(2/47)
1291 - (أفضل) وفي رواية أحب (الكلام) بعد القرآن كما في الهدي زاد في الرواية أربع أي أربع كلمات وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) إذ هي أفضل الكلام الآدميين ذكره النووي وقال القاضي المراد كلام البشر لأن الثلاث الأول وإن وجدت قي القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما فيه ولأنه روى في خبر أفضل الذكر بعد كتاب الله تعالى سبحان الله إلى آخره وقدم أبو حنيفة المقدم وفضل مالك الثاني ومر أنه المختار عند أصحابنا والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من تنزيه وتحميد وتوحيد وتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالا وقيل ما يعم القبيلين والرابعة وإن لم توجد في القرآن بهذه الصيغة لكن فيه ما يفيد فائدتها وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود في استقلال كل من الجمل الأربعة لكنه حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة (1) أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي الثبوتية التي يستحق بها الحمد وأخرج الحكيم عن معاذ مرفوعا ألا أخبركم عن وصية نوح لابنه حين حضره الموت؟ قال: إني واهب [ص:48] لك أربع كلمات هن قيام السماوات والأرض وهن أول كلمات دخولا على الله سبحانه وتعالى خروجا من عنده فاعمل بهن واستمسك حتى يلقاك وهي أن تقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله اكبر والذي نفس نوح بيده لو أن السماوات والأرضين وما فيهن وزن بها لوزنتهن قال الحكيم فنعم الواهب ونعم الموهوب له ونعمت المواهب فمن قام بها كان من الأولياء فإنها عماد الأعمال فبالتسبيح تطهر الأعمال وبالتقديس والتحميد تحط الأثقال وبالتهليل تقبل الطاعات وبالتكبير ترفع وتنال المثوبات وهذه الكلمات تطرق إلى مالك الملك وتسهل السبيل إليه وتشفع وتزبن وبهن يقرع الباب إذا وعت القلوب معانيها في الصدور وزينتها العقول لأفئدة القلوب وأشرقت أنوارها في الرؤيات من بين أودية الأفكار وعلى بصائر أسماع هواجس الإخلاص ثم يعلم من شأنه هنا لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وقال ابن القيم: الثناء أفضل من الدعاء ولهذا عدلت الإخلاص ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه وفلذا كان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أفضل الكلام بعد القرآن
(حم عن رجل) قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث سمرة أيضا بلفظ أفضل الكلام أربع سبحان الله إلى آخر ما هنا بل رواه مسلم في الأسماء والصفات والنسائي في يوم وليلة عن سمرة أيضا بلفظ أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت انتهى وقد مر ويجيء أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما فليس لحديثي عزوه لغيره
_________
(1) [في الأصل حرفان غير مطبوعان: " عما يوجب؟ ؟ جة أو نقصا "
وإن للمناوي عبارة طويلة مشابهة قبل هذا في شرح الحديث 215 - (أحب الكلام إلى الله) [ص:173]
فصححنا الحرفين هنا من تلك العبارة. دار الحديث](2/47)
1292 - (أفضل المؤمنين) أي المسلمين لأنه الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيمانا (إسلاما من سلم المسلمون) والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد معتبر (من لسانه ويده) أي من التعدي بأحدهما أي المسلم الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق الله حق المسلمين ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى إذ من أحسن معاملة الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون منه من لم يؤذ مسلما بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد واللسان أكثر وقوعا فاعتبر الغالب قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا كان يمكن فيه المباشرة باليد وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لحسان أهج المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل قال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام. . . ولا يلتام ما جرح اللسان
قال البيضاوي: من لم يراع حكم الله في زمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي ما بينه وبين الله فيخل بإيمانه وعلم ما تقرر أنه أراد باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة لهم ولو في الاستقبال واعلم أن الإسلام في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم (وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف [ص:49] الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه والهجرة ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشيء إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال {وجاهدوا في الله حق جهاده} فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}
(طب عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف(2/173)
1293 - (أفضل المؤمنين) أي أكثرهم ثوابا أو أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك (أحسنهم خلقا) بالضم لأن الله يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن فمن عدم حسنه أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محمودا أو كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه متبعض <تنبيه> قال الإمام الرازي من العلماء من قال إنما يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة
(هـ ك عن ابن عمر) بن الخطاب(2/49)
1294 - (أفضل المؤمنين إيمانا) عام مخصوص أي من أفضلهم لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وذبوا عن الدين أفضل إيمانا من هذا ومن المجاهدين ونحوهم ممن مر ويجيء وكذا يقال فيما قبله وبعده (الذي إذا سأل) بالبناء للفاعل (أعطى) بالبناء للمفعول أي أعطاه الناس ما طلبه بيسر وسهولة محبة له واعتقادا فيه هذا هو المتبادر وأما ما في نسخ من بناء سئل للمفعول وأعطى للفاعل فلا يلائم ما بعده لأن المحدث بالأفضلية واحد وعلى النسخ الثانية يصير اثنين (وإذا لم يعط) بالبناء للمفعول (استغنى) بالله تعالى ولا يلح في السؤال ولا يبرم في المقال ولا يذل نفسه بإظهار الفاقة ويدنس عرضه بالتخلق بأخلاق المسكنة
(خط عن ابن عمرو) بن العاص وكلام المصنف يؤذن بأن هذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما أبدى النجعة عازيا للخطيب وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه في الزهد من حديث ابن عمرو هذا بلفظ أفضل المؤمنين المقل الذي إذا سأل أعطي وإذا لم يعط استغنى(2/49)
1295 - (أفضل المؤمنين رجل) مؤمن (سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء) أي سهل إذا باع أحدا شيئا [ص:50] سهل إذا اشترى من غيره شيئا وسهل إذا قضى ما عليه سهل في مطالبته غيره بماله عليه ولا يمطل غريمه مع قدرته على الوفاء ولا يضيق على المقل ولا يلجئه لبيع متاعه بدون ثمن المثل ونحو ذلك والترغيب في المساهلة في التبايع قد يعارض خبر الديلمي ماكس عن درهمك وهذا صحيح وذاك منكر
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي رجاله ثقات(2/49)
1296 - (أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله) قال ابن حجر أراد بالمؤمن هنا من قام بما تعين عليه ثم حصل هذه الفضيلة لا أن المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الفروض العينية (بنفسه وماله) لما فيه من بذلهما لله مع النفع المتعدي قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم) يلي المجاهد في الفضل (مؤمن) منقطع للتعبد (في شعب من الشعاب) بالكسر فرجة بين جبلين وليس بقيد بل مثال إذ الغالب على الشعاب الخلو من الناس فلذلك مثل به للعزلة والإنفراد (يتقي الله) أي يخافه فيما أمر ونهى (ويدع) أي يترك (الناس من شره) فلا يشاورهم ولا يخاصمهم بل ينفرد بمحل بعيد عنهم لأن من خالط الأنام قلما يسلم من ارتكاب الآثام وهذا صريح في تفضيل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو وغير ذلك وأما اعتزال الناس بالكلية فجعله الجمهور ومنهم النووي محله في زمن الفتنة أو فيمن لا يصبر على أذى الناس
(حم ق ت ن هـ عن أبي سعيد) الخدري قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فذكره(2/50)
1297 - (أفضل الناس مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي وفتح الهاء قليل المال لأن ما عنده يزهد فيه لقلته
فلم يطلبوا أسرها للغنى. . . ولم يسلموها لازدهادها
أفاده الزمخشري فعلى هذا هو اسم مفعول أي مزهود فيه لقلة ماله فهو لفقره ورثائته لا يؤبه به ولا يلتفت إليه لكن نقل بعضهم عن المشارق أنه اسم فاعل من أزهد في الدنيا إذا تخلى عنها للتعبد وزهد المؤمن في الدنيا يبلغه أقصى المراتب في العقبى ومن ثم لما سئل عيسى عليه السلام عن رجلين مرا بكنز فتخاطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر أيهما أفضل قال الذي تركه
(فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم يكن في دبنه بذاك(2/50)
1298 - (أفضل الناس رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان أي إنسان (يعطي جهده) بالضم أي وسعه بحسب ما يقدر عليه ومقصود الحديث أن صدقة المقل أفضل أي أكثر أجرا من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يظهر أثر نقصانه عليه وإن كثر والأعمال عند الله تتفاضل بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورتها بل بقوة الداعي وصدق الفاعل وإخلاصه وإيثارا لله على نفسه فأين صدقة من آثر الله على نفسه برغيف هو قوته من صدقة من أخرج مئة ألف من ماله غيضا من فيض؟ فرغيف هذا ودرهمه في الميزان أفضل من مئة ألف من ذاك
(الطيالسي) أبو داود (عن ابن عمر) بن الخطاب(2/50)
[ص:51] 1299 - (أفضل الناس مؤمن بين كريمين) أي بين أبوين مؤمنين سخيين فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم وفيه وفي أبويه فلحيازته شرف الإيمان والكرم وفي أبويه من جهة نفسه ومن جهة أبويه صار أفضل أو بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما طرفاه وهو مؤمن أو بين فرسين يغزو عليهما أو بين بعيرين يستقي عليهما ويعتزل الناس؟ أقوال وأصل الكرم من كرم نفسه أي نزهها وباعدها عن الدنس بشيء من مخالفة ربه
(طب عن كعب بن مالك) قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل فذكره قال الهيثمي وفيه معاوية بن يحيى أحاديثه مناكير وأخرجه العسكري في الأمثال عن أبي ذر بأبسط من هذا ولفظه يوشك أن يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع أي عبد بن عبد وأفضل الناس مؤمن بين كريمين(2/51)
1300 - (أفضل أمتي) أي من أفضلهم (الذين يعملون بالرخص) جمع رخصة وهي التسهيل في الأمر كالقصر والجمع في السفر ومسح الخف فالعمل بالرخص مطلوب لكن بشرط أن لا يتتبعها من المذاهب بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم بل قيل فسق كما مر فالمراد بها هنا من يعمل بها أحيانا تارة وتارة فلا تعارض بين هذا وبين الحديث الآتي إن الله يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه
(ابن لال) أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا الديلمي (عن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان منكر الحديث(2/51)
1301 - (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي الله لأهل الجنة فيرونه (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم الله بها في التنزيل بقوله {والفجر وليال عشر} ولهذا سن الإكثار من التهليل والتكبير والتجميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكا بأن اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام. وقال ابن القيم: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض
(البزار عن جابر) قال الهيثمي في موضع إسناده حسن وفي آخر رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب(2/51)
1302 - (أفضل سور القرآن) سورة (البقرة وأفضل آي القرآن آية الكرسي) لما اجتمع فيها من التقديس والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في آية سواها وحيث كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية هنا وبالسيدية في أخبار أخر
(البغوي) أبو القاسم عبد الله وهو غير صاحب التفسير (في معجمه) أي معجم الصحابة له (عن ربيعة) ابن عمرو وقيل ابن الحارث الدمشقي وهو ربيعة بن القار (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي مختلف في صحبته وهو جد هشام بن القار وكان يفتي الناس زمن معاوية وقتل بمرج راهط وكان فقيها وثقه الدارقطني وغيره(2/51)
[ص:52] 1303 - (أفضل) أي أطيب (طعام الدنيا والآخرة اللحم) لأنه يقوي البدن ويزيده نضارة ويكثر الدم ويسخنه وأول شيء يأكله أهل الجنة إذا دخلوها زيادة كبد الحوت وأخذ بهذا بعضهم ففضله على اللبن وعكس آخرون وفيه رد على بعض الفرق الزائغة حيث حظر أكل اللحم كأبي العلاء المعري وكبعض الحكماء حيث قال يا أبناء الحكمة لا تجعلوا بطونكم قبورا للحيوان وكقول بعضهم تعذيب الحيوان ظلم ولا أفعله واللحم هو ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط عظمه وما انتهى إلى ظاهره من سطح جلده وغلب استعماله عرفا على رطبه الأحمر وهو هنا على أصل لغة لجميع اللحم الأحمر والشحم والأعصاب إلى الجلد وما اشتمل عليه بين الطرفين من أجزاء الرطوبات المأكولة ذكره الحراني
(عق حل عن ربيعة بن كعب) بن مالك أبي فراس الأسلمي حجازي قال السخاوي أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي وهو ضعيف جدا قال العقيلي ولا يعرف هذا الحديث إلا به وهو غير محفوظ ولا يصح فيه شيء. وقال ابن حبان: عمرو يروي عن الثقات الطامات وأدخله ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بما حاصله أن له شواهدا وقد مر ويأتي أن الشاهد إنما يفيد في الضعيف لا الموضوع(2/52)
1304 - (أفضل عبادة أمتي) أي من أفضلها (تلاوة القرآن) لأن لقارئه بكل حرف مئة عشر حسنات وبذلك يسمو على سائر العبادات قال الزركشي وهذا أي ما ذكر من كون الحرف منه بعشر حسنات من خصائصه على سائر الكتب المنزلة وظاهر الحديث أنه أفضل العبادات وإن كانت قراءته بغير فهم وأيد بأن أحمد بن حنبل رأى ربه في النوم فقال يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ قال بكلامي يا أحمد قال بفهم أو بغير فهم؟ قال بفهم وبغير فهم لكن رده بعضهم بأن المراد بتلاوته بغير فهم تلاوة العارفين فإن معاني القرآن تنزل عليهم حال التلاوة بغير فهم ولا فكر فيكون عين تلاوته عين تلك المعاني وإلا فشرط من يتقرب إلى الله بشيء فهم معناه ولو كان المراد بعدم الفهم ما يتبادر للذهن لصح أن يتقرب إلى الله بالجهل ولا قائل به
(هب) وكذا أبو نعيم في فضائل القرآن (عن النعمان بن بشير) ورواه عنه أيضا الحاكم في التاريخ ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن المصنف رمز لضعفه وهو فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال سندهما ضعيف انتهى وسببه أن فيه العباس بن الفضيل الموصلي أورده الذهبي في الضعفاء قال قال ابن معين ومسكين بن بكير قال الذهبي قال الحاكم له مناكير كثيرة وعباد بن كثير فإن كان الثقفي فقال الذهبي قال البخاري تركوه أو الرملي فقال ضعفوه ومنهم من تركه(2/52)
1305 - (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظرا) أي في نحو مصحف أي فهي أفضل من قراءة عن ظهر قلب لأنها ذكر الله بالباطن تفكرا وبالظاهر تلاوة لكلامه الأزلي وبقراءته قوام جميع عباداته ومفترضاته وكأنه بتلاوته يخاطب ربه بأمره ونهيه ومواعظه وجميع العبادات تراد لإقامة ذكر الله وهو لبها قال بعض الصوفية كنت أكثر القراءة ثم اشتغلت بكتابة الأحاديث والعلم فقلت تلاوتي فنمت ليلة فرأيت قائلا يقول إن كنت تزعم حبي فلم جفوت كتابي؟ أما تدبرت ما فيه من لذيذ خطابي؟ فانتبهت فزعا وعدت إليه
(الحكيم) الترمذي (عن عبادة) بن الصامت(2/52)
1306 - (أفضل كسب الرجل ولده) أي الذي ينسب إليه ولو بواسطة (وكل بيع مبرور) أي سالم من نحو غش وخيانة
(طب) من حديث وائل بن داود عن جميع بن عمير عن عمير وقال سعيد بن عمير (عن) خاله (أبي برزة بن نيار) [ص:53] الأنصاري الصحابي وجميع بن عمير هو التميمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء رموه بالكذب انتهى وقال الهيثمي فيه جميع بن عمير ضعفه ابن عدي(2/52)
1307 - (أفضل نساء أهل الجنة) <فائدة> ذكره الإيذان بأن هؤلاء الأربعة أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط (خديجة بنت خويلد) تصغير خالد (وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم) قال الشارح العلقمي هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب لما فيهما من البضعة الشريفة أي وإن كان الخلفاء الأربعة أفضل من حيث جموع العلوم وكثرة المعارف ونصرة الدين (ومريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن قال القرطبي ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل <تنبيه> سئل السبكي هل قال أحد إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل
(حم طب) عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم فقال أفضل إلخ. قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (ك) في أخبار الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا الحديث مما لم يخرج في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عن عزوه لغيره والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح بلفظ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية(2/53)
1308 - (أفضلكم الذين إذا رؤا) أي بالبصر أو البصيرة (ذكر الله تعالى لرؤيتهم) أي عندها يعني أنهم في الاختصاص بالله بحيث إذا رؤا خطر الله تعالى ببال من رآهم لما فيهم من سيما العبادة وظهور المراقبة والفقر على شمائلهم أو أن من رآهم يذكر الله كما في خير سيجيء النظر إلي عبادة
(الحكيم) الترمذي (عن أنس)(2/53)
1309 - (أفطر الحاجم والمحجوم) الصائمان أي تعرضا للفطر إذ الحاجم عند المص لا يأمن وصول شيء من الدم جوفه والمحجوم يضعف قواه بخروج الدم فيؤول الحال لإفطاره. قال القاضي البيضاوي: ذهب إلى ظاهر الخبر جمع فقالوا بفطرهما منهم أحمد وذهب الأكثر للكراهة وصحة الصوم وحملوا الخبر على التشديد وذهب قوم إلى أنه منسوخ
(حم د ن هـ حب ك) وكذا البيهقي كلهم في الصوم (عن ثوبان) وصححه ابن راهويه وابن المديني (و) قال المصنف (هو متواتر) قال الذهبي كابن الجوزي رواه بضعة عشر صحابيا وأكثرها ضعاف وأخذ به أحمد وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على عزوه لمن ذكر أنه مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه مع أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى البخاري عن الحسن عن غير واحد [ص:54] من الصحابة هذه عبارته فيه وهي غير جيدة فإن البخاري إنما ذكره تعليقا(2/53)
1310 - (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم) أي وشرب شرابكم (الأبرار) صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة أعم مما قبلها (وصلت عليكم الملائكة) أي استغفرت لكم وهذا قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان وقيل بل إنه سعد بن عبادة ولا مانع من التعدد وأراد بالملائكة الموكلين بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك وفيه أنه يندب بمن أفطر عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه
(هـ حب) عن أمير المؤمنين عبد الله (ابن الزبير) ابن العوام قال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد فذكره(2/54)
1311 - (أف) قال الزمخشري: صوت إذا صوت به أعلم أن صاحبه متضجر كأنه أضجره ما رأى فيه من كشف العورات وتنجس المياه والقذارة فتأفف به وقال الراغب: أصل الأف كل مستقذر من نحو وسخ وقلامة ظفر ويقال لكل مستخف به استقذارا له وقال ابن حجر: أف بشد الفاء وضم أوله يستعمل جوابا عما يستقذر وفيه عشر لغات بل في الارتشاف فيها أربعون (للحمام) أي لدخوله كيف لا وهو (حجاب لا يستر) داخله (و) ماؤه (ماء لا يطهر) بضم أوله وفتح الطاء وشد الهاء وكسرها لكونه مستعملا غالبا إذ غالب من يدخله لا يعرف الاغتراف وحمله على المعنى اللغوي غير جيد (لا يحل لرجل أن يدخله) عند الحاجة إلى دخوله (إلا) مستترا (بمنديل) يستر جميع عورته عمن يحرم عليه النظر إليها (مر) بصيغة الأمر (المسلمين لا يفتنون نساؤهم) أي يفعلوا ما يؤدي إلى الافتتان بنسائهم وذلك بتمكينهن من الدخول إلى الحمام ونظر بعضهن إلى عورة بعض وربما وصف بعضهن بعضا للأجانب فتقع المراسلة فيقع الزنا (الرجال قوامون) أي أهل قيام (على النساء) قيام الولاة على الرعايا فيؤدبوهن ويأخذون على أيديهن فيما يجب عليهن وفي أنفسهن فحق عليهم أن يمنعوهن مما فيه فتنة منهن أو عليهن (علموهن) الأحكام الشرعية والآداب المرعية التي منها قصرهن في البيوت وعدم دخولهن الحمامات أفرد الخطاب أولا لأنه وقع لمعين ثم جمعه إشارة إلى عدم اختصاص الحكم بالمعين (ومروهن بالتسبيح) أي بلزوم قول سبحان الله أو بالصلاة لأنها تسمى سبحة ثم هذا سياق ما رأيته في نسخ هذا الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ صحيحة من الشعب بعد قوله لا يظهر بنيان المشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان ثم قال لا يحل إلخ فسقط من قلم المصنف هذه الجملة الوسطى
(هب) عن عائشة ثم قال أعني البيهقي عقبة هذا منقطع انتهى بلفظه فاقتصار المصنف على الرمز لضعفه غير كاف ووجه الانقطاع أن عبيد الله بن جعفر رواه عن عائشة بلاغا ثم إن فيه مع الانقطاع ابن لهيعة وغيره(2/54)
1312 - (أفلح) بصيغة الماضي (من رزق) بالبناء للمفعول (لبا) بضم اللام وبالباء الموحدة المشددة يعني فاز وظفر من رزقه الله عقلا راجحا اهتدى به إلى الإسلام وفعل المأمور وتجنب المنهي وكلما كان العقل في العبد أوفر فسلطان الدلالة فيه على الرشد والنهي عن الغي أنفذ وأظهر ولذلك كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عن رجل شدة اجتهاده وعبادته سأل عن عقله لأنه مناط الفلاح والعقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب الله ومكروهه [ص:55] والعقل نور خلقه الله وقسمه بين عباده على قدر مشيئته فيهم وعلمه بهم وأول ما فات ابن آدم من دينه العقل فإن كان ثابت العقل يكون خاشع القلب لله متواضعا بريئا من الكبر قائما على قدميه ينظر إلى الليل والنهار يعلم أنهما في هدم عمره لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل لعلمه أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان قال بعض العارفين ما قسم الله لخلقه أفضل من العقل واليقين قال الراغب: والفلاح الظفر وإدراك البغية أربعة أشياء بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل وقال الزمخشري: المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله انتهى وقال بعضهم ليس شيء أجمع لخصال الخير من خصال الفلاح واللب العقل الخالص من الشوائب سمي به لأنه خالص بما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس
(تخ طب عن قرة) بضم القاف وشد الراء (ابن هبيرة) ابن عامر القشيري من وجوه الوفود قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا إنه كان لنا أرباب نعبدهن فودعناهن فذكره قال الهيثمي فيه راو لم بسم وبقية رجاله ثقات(2/54)
1313 - (أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا) أي قدر الكفاية بغير زيادة ولا نقص يقال ليتني أنجو منك كفافا أي رأسا برأس لا أرزا منك ولا تزرأ مني وحقيقته أكف عنك وتكف عني وقد يبنى على الكسر فيقال دعني كفاف قال:
فليت حظي من يداك الصافي. . . والنفع أن تتركني كفاف
ذكره كله الزمخشري (وقنع به) أي رضى باليسير من ذلك والفلاح الظفر وإدراك البغية مما يطلب به الحياة الدنيوية أو مما يفوز به في الآخرة قال النووي: قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى واعترض بأنه ليس فيه ما يقتضي تفضيل صاحب الكفاف وإنما وصفه بالفلاح وهو معلق على القناعة والرضا والمعلق على المجموع لا يوجد بدون وجود ذلك المجموع لكن ينضم لهذا ما يترجح به
(طب ك) في الأطعمة (عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الأوسي وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(2/55)
1314 - (أفلحت يا قديم) بالقاف تصغير مقدام وهو المقدام بن معد يكرب تصغير ترخيم (إن مت ولم تكن أميرا) أي والحال أنك لست أميرا على قوم فإن خطب الولاية شديد وعاقبتها في الآخرة وخيمة بالنسبة لمن لم يثق بأمانة نفسه وخاف عدم القيام بحقها أما المقسطون فعلى منابر من نور يوم القيامة (ولا كاتبا) على نحو جزية أو صدقة أو خراج أو إرث أو وقف وهو منزل على نحو ما قبله (ولا عريفا) أي قيما على نحو قبيلة تلي أمرهم وتعرف الأمير حالهم فعيل بمعنى فاعل ويسمى نقيبا وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما قبله
(د) من حديث صالح بن يحيى (عن المقدام) بكسر الميم (ابن معد يكرب) قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على منكبي ثم قال أفلحت إلى آخره قال البخاري صالح بن يحيى فيه نظر وقال الذهبي قال موسى بن هارون صالح لا يعرف ولا أبوه ولا جده لكن قال المنذري عقب تخريجه الحديث فيه كلام لا يقدح(2/55)
1315 - (أفلا استرقيتم له) أي طلبتم له رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة (فإن ثلث منايا أمتي من العين) أي كثيرا من مناياها يكون من تأثير عين العائن فإن العين حق ولم يرد الثلث حقيقة بل التكثير والمبالغة وهذا نص على حل الرقية ولو بغير أسماء الله وكلامه وصفاته لإطلاق الخبر بشرط معرفة معناها وخلوها عما يخالف الشرع وعلى خلافه تحمل أخبار النهي كما مر
(الحكيم عن أنس)(2/55)
[ص:56] 1316 - (إقامة حد من حدود الله) على من فعل موجبه وثبت عليه (خير من مطر أربعين) وفي رواية ثلاثين (ليلة) في بلاد الله تعالى لأن في إقامتها زجرا للخلق عن المعاصي وسببا لفتح أبواب السماوات للمطر وفي العفو عنها والتهاون بها انهماكا لهم في الإثم وسببا لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل وخير من المطر أو المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد يفسد وإقامتها صلاح محقق وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا بالمطر {وفي السماء رزفكم وما توعدون}
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن سنان الحمصي ضعفوه وقال البخاري منكر الحديث وساق له في الميزان من مناكيره هذا الخبر وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه القزويني تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن جرير مرفوعا بلفظ ثلاثين ورواه ابن حبان بلفظ أربعين(2/56)
1317 - (اقبلوا الكرامة) هي ما يفعل بالإنسان أو يعطاه على وجه الإكرام ومنه خبر أنه أكرم جرير بن عبد الله لما قدم عليه فبسط له رداءه وعممه بيده وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (وأفضل الكرامة) التي يكرم بها أخاه الزائر مثلا (الطيب) بأن يعرضه عليه ليتطيب منه أو يهديه له (أخفه محملا وأطيبه رائحة) أي هو أخف الأشياء حملا فلا كلفة في حمله وأطيب الأشياء ريحا عند الآدميين وعند الملائكة فيتأكد إتحاف الإخوان به وقبول المهدي إليه إياه ومن ثم كره العلماء رده
(قط في الأفراد طس عن زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة أم المؤمنين الأسدية وأمها أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد أن قضى زيدا منها وطرا وهي أول أزواجه لحوقا به ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي(2/56)
1318 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال: أي الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي: أبو بكر وعمر) أمره بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ليكونهما أهلا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده وسبب الحث على الإقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخيور السنية فكأنهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيبة في نفسها لكنها معطلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة فلما أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتا حسنا فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان (فإن قلت) حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة؟ (قلت) كان لعذر ثم بايع وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيين وميتين (فإن قلت) هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافه أحد (قلت) مرادهم لم ينص نصا صريحا وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الإقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك
(حم ت) في المناقب وحسنه (هـ) من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان قال ابن حجر: اختلف فيه على عبد الملك وأعله أبو حاتم وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن عبد الله لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة لكن له شاهد. اه. وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال:(2/56)
1319 - (اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار) بن ياسر: أي سيروا بسيرته [ص:57] واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما كما ياتي في حديث (وتمسكوا بعهد ابن مسعود) عبد الله أي ما يوصيكم به قال التوربشتي: أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها قائلا: ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا نبيينا كما يومىء إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه
(ت) وحسنه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لا أدري ما قدر بقائي فيكم ثم ذكره (عد عن أنس) ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي وسنده واه(2/56)
1320 - (اقتربت الساعة) أي دنا وقت قيامها وإذا اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك ونحوه {واقترب الوعد الحق} الساعة واقترابها إقبالها إلينا في كل لحظة بتقريب الآجال ونحن نقرب منها بقطع مسافة الأعمار وإنما يدرك قربها بتكامل أنوار الإيمان ومن ضعف إيمانه بحب الدنيا قربت منه بصورتها فازداد حرصا عليها لعماه عن عاقبتها والساعة في الأصل تقال على جزء قليل من نهار أو ليل ثم استعيرت ليوم القيامة: أعني الوقت التي تقوم فيه وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم ولقلته سمي ساعة (ولا تزداد منهم) يعني من الناس الحريصين على الاستكثار من الدنيا كما يفيده الخبر الآتي (إلا قربا) الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من معجم الطبراني والحلية إلا بعدا وكلاهما له وجه صحيح. فالمعنى على الوجه الأول أنهم كلما مر بهم زمن وهم متمادون في غفلتهم ازداد قربها منهم وعلى الثاني أنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها وعملوا عمل من الساعة أخذت في البعد عنه لما على قلوبهم من الأكنة والأغطية وعلى أبصارهم وبصائرهم من الأغشية بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون عنه لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أن الجزاء كائن للمحسن والمسيء وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا من سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم وما تزيدهم فنون الموعظة التي أحق الحق وأحد الحد إلا لهوا ولعبا وشحا وحرصا وتناسيا للساعة كأنها ولت عنهم دبارا وتناءت عنهم فرارا
(طب عن ابن مسعود) قال المنذري: رواته يحتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. اه. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه قصور أو تقصير وإنما كان حقه الرمز لصحته(2/57)
1321 - (اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا) شحا وإمساكا لعماهم عن عاقبتها (ولا يزدادون من الله إلا بعدا) أي من رحمته لأن الدنيا مبعدة عن الآخرة لأنه يكرهها ولم ينظر إليها منذ خلقها والبخيل مبغوض إلى الله مبعود عنه لا يقال كيف وصف الساعة بالاقتراب وقد عددون هذا القول أكثر من ألف عام لأنا نقول هي مقتربة عند الله {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} ولأن كل آت آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود ببعثه آخر الزمان. وبالجملة فهذه الأخبار الشافية الكافية مسوقة للبيان أنه لابد من طي البساط ورفع السماط وتبديل الأرض في الطول والعرض وتخريب العامر وتحريك الزاهر وشق الأثواب وطرق الأبواب وسفك الدماء وهتك النساء وشقاق العلماء وخلاف الأمراء أو قيام السيف في الشتاء والصيف وسوء الحال ورفض المال وارتفاع الصبيان ثم الصلبان وسقوط الفرسان وهبوط العربان لنفوذ القضاء والقدر كما جاء في الخبر: إذا نزل القضاء عمي البصر
(ك) في الرقائق (عن ابن مسعود) وقال [ص:58] صحيح وشنع عليه الذهبي بأنه خبر منكر وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني وأبهمه ابن الجوزي. فأنى له الصحة؟(2/57)
1322 - (اقتلوا الحية) قال في الكشاف اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير (والعقرب وإن كنتم في الصلاة) أي وترتب على القتل بطلانها. قال الزين العراقي: وهذا محمله على الندب أو الإباحة وصرفه عن الوجوب خبر أبي يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأسا قال الحكيم لأن الحية أظهرت العداوة لنا وكانت وكلت بخدمة آدم في الجنة فخانته وأمكنت عدو الله من نفسها حتى صيرته سببا لدخول الجنة في إغوائه فلما أهبطوا إلى الأرض تأكدت العداوة منها لآدم وولده والعقرب من لواحقها وأتباعها
(طب عن ابن عباس) فيه أمران: الأول أنه يوهم أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف فقد خرجه أبو داود وكذا الحاكم بلفظ: اقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم. الثاني أنه لم يرمز له بتضعيف ولا غيره فاقتضى سلامته من العلل وليس كما أوهم فقد جزم خاتمة الحفاظ ابن حجر بضعف سنده في تخريج الهداية(2/58)
1323 - (اقتلوا الأسودين) سماهما بالأسودين تغليبا كالعمرين. قال الجوهري: الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد وضم العقرب إليها تغليبا كإطلاقه الأسودين على التمر والماء والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معا باسم الأشهر والأمر للندب أو الإباحة لا للوجوب ما لم يتعرض ولم يخفها على نفسه ولا على غيره (وإلا فللوجوب) حتى (في الصلاة) قالوا: وما الأسودان؟ قال (الحية والعقرب) ويلحق بهما كل ضار كزنبور وفيه حل العمل القليل في الصلاة وأن ولاء الفعل مرتين في آن لا يفسدها إذ قتلهما إنما يكون غالبا بضربة أو ضربتين فإن تتابع وكثر أبطل كذا قيل وأنت خبير بأن الحديث لا يفيد ذلك لجواز أن يكون أمر بالقتل في الصلاة وإن أبطلها؟ وكم له نظير؟ ثم رأيت بعض المحققين قال الحق فيما يظهر الفساد إذا تتابع وكثر والأمر بالقتل لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوا في إنقاذ الغريق ونحوه بل أثره في دفع لإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما
(د ت) وكذا النسائي وكأنه أغفله ذهولا (حب ك عن أبي هريرة) حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود ولكن قال الحافط ابن حجر إسناده ضعيف وفي مسلم له شواهد(2/58)
1324 - (اقتلوا الحيات كلهن) أي بسائر أنواعهن في كل حال وزمان ومكان وظاهره ولو غير مؤذيات: أي ولو في حال الإحرام كما يؤذن به كلمة التعميم لكن نهى في حديث عن قتل ذات البيوت التي لا تضر (فمن خاف) من قتلهن (ثأرهن) بمثلثة وهمزة ساكنة (فليس منا) أي من جملة ديننا أو العاملين بأمرنا يعني ليس من أهل طريقنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن خوفا من أن يطلب بثأرهن أو يؤذي من قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينون به. ذكره الزمخشري والمراد الخوف المتوهم. أما لو غلب على ظنه حصول ضرر منهن فلا ملام عليه بل يلزمه ترك قتلهن ووهم شارح وهنا <تنبيه> قال المنذري: ذهب قوم إلى قتل الحيات أجمع في الصحراء والبيوت في المدينة وغيرها ولم يستثنوا نوعا ولا جنسا ولا موضعا تمسكا بهذا الحديث. وقال قوم إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه وقال قوم تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه فإن بدين - أي ظهرن - بعد الإنذار قتلهن وقال مالك يقتل ما وجد منها بالمساجد وقال قوم لا تنذر إلا حيات المدينة فقط ويقتل ما عداها مطلقا وقال قوم [ص:59] يقتل الأبتر ذو الطفيتين بغير إنذار بالمدينة وغيرها. قال: ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر
(د) في الأدب (ن) في الجهاد (عن ابن مسعود) عبد الله (طب عن جرير) بن عبد الله (وعن عثمان بن أبي العاص) الثقفي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف مات سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: رواته ثقات لكن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه(2/58)
1325 - (اقتلوا) وجوبا (الحيات) بسائر أنواعها حتى في الحرم وحال الإحرام (اقتلوا ذا الطفيتين) تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء: ما بظهره خطان أسودان وقيل: أبيضان. والطفية في الأصل خوصة المقل فشبه الخطين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) الذي يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه (فإنهما يطمسان) يعميان (البصر) أي بصر الناظر إليهما أو من نهشته والطمس استئصال أثر الشيء وفي رواية لمسلم بدل يطمسان يلتمسان: أي يطلبان يعني يخطفان (ويسقطان) كذا رأيته في نسخ والذي وقفت عليه في الصحيحين ويستسقطان بسينين ونص على هذين مع دخولهما في الحيات اهتماما بقتلهما لكونهما يطمسان ويسقطان أو لأن الشيطان لا يتمثل بهما قالوا ومن الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على إنسان مات فورا وآخر إذا سمع صوته مات وذكروا في خواص بعض الأفعى أن الجنين يسقط عند موافقة النظرين (الحبل) أي الحمل عند نظر الحامل إليهما بالخاصية لبعض الأشخاص جعل ما يفعلانه بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وفي رواية لمسلم الحبالى بدل الحبل
(حم ق د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب يقول اقتلوا الحيات والكلاب. إلى آخر ما هنا. هكذا ذكر الكلاب في صحيح مسلم وفي رواية للشيخين قال عبد الله بينا أنا طارد حية لأقتلها فناداني لا تقتلها فقلت رسول الله أمر بقتل الحيات. قال نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر(2/59)
1326 - (اقتلوا الوزغ) بفتح الواو والزاي معروف سمي به لخفته وسرعة حركته (ولو) كان (في جوف الكعبة) لأنه من الحشرات المؤذيات ولاستقذاره ونفرة الطبع عنه ولما قيل أنه يسقي الحيات ويمج في الإناء. وفي البخاري في باب {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الأمر بقتله وقال: كان ينفخ النار على إبراهيم وفي عائشة عن أحمد وابن ماجه لما ألقي إبراهيم في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ النار عليه فأمر المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلها قال البيضاوي: قوله كان ينفخ على إبراهيم بيان لخبث هذا النوع وفساده وأنه بلغ في ذلك مبلغا استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية وفي الصحيح أن من قتله في أول ضربة له كذا وكذا حسنة ومن قتله في الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتله في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية. قال ابن عبد السلام: وكثرة الحسنات في الأولى لأنه إحسان في القتل فدخل في خبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة أو لأنه مبادرة إلى الخير فدخل في {فاستبقوا الخيرات} وروى الحاكم وصححه عن ابن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون (تتمة) ذكر بعض الحكماء أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه أصم وأنه يبيض ويقال لكبارها سام أبرص بتشديد الميم
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عمرو بن قيس المكي وهو ضعيف(2/59)
[ص:60] 1327 - (اقتلوا شيوخ المشركين) أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس ولم يرد الهرم الذي لا قوة له ولا رأي فإن فرض بقاء الرأي قتل لأن ضرر رأيه أشد من ضرر مقاتلته وعلى خلافه يحمل حديث أنس لا تقتلوا شيخا فانيا (واستبقوا) وفي رواية واستحيوا (شرخهم) أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم جمع شارخ بشين وخاء معجمتين كصحب أو مصدر نعت به ومعناه بدو الشباب ونضرته فيستوي فيه الواحد والجمع كالصوم والعدل وإطلاق الحديث شامل للراهب فيقتل وإن لم يقاتل وعليه الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك لا ويحرم قتل الصبيان وكذا النساء إذا لم يقاتلوا بل يسبيهم الإمام ويسترقهم
(حم هـ ت) في الجهاد (عن سمرة) بن جندب قال الترمذي حسن صحيح غريب(2/60)
1328 - (اقرأ القرآن على كل حال) قائما وقاعدا وراقدا وماشيا وغيرها (إلا وأنت جنب) أي أو حائض أو نفساء بالأولى فإنك لا تقرأ وأنت كذلك فتحرم قراءتك شيئا منه وأنت كذلك بقصدها قال الغزالي: فيه إشارة إلى طلب استغراق الأوقات بالقرآن فإنك إذا وفيت القراءة ولزمتها وجدت لذة المناجاة واستأنست بكلام الله واستوحشت من كلام الخلق كان موسى إذا رجع من المناجاة استوحش من الناس ويجعل إصبعيه في أذنيه لئلا يسمع كلامهم وكأن كلامهم عنده في ذلك الوقت كأصوات الحمير وعليه قال شيخنا:
اتخذ الله صاحبا. . . وذر الناس جانبا
(أبو الحسن بن صخر في فوائده) الحديثية (عن علي) أمير المؤمنين: قال في المطامح: غريب ضعيف(2/60)
1329 - (اقرأ القرآن) اسم علم خاص بكلام الله (في كل شهر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة جزءا من ثلاثين (اقرأه في) كل (عشرين ليلة) في كل يوم وليلة ثلاثة أحزاب (اقرأه في عشر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة ستة أحزاب (اقرأه في سبع) أي في كل أسبوع (ولا تزد على ذلك) فإن قارئه ينبغي أن يتفكر في معانيه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وتدبر ذلك لا يحصل في أقل من أسبوع: وأنى به؟ ومن ثم رأى جمع قراءته في الأسبوع من الورد الحسن. قال في الأذكار: وهذا فعل الأكثر من السلف. قال الدماميني: ولهذا الحديث منع كثير من العلماء الزيادة على السبع. اه واختار النووي اختلاف القدر باختلاف الأشخاص بالنسبة لسريع الفهم وغيره قال فمن كان من ذوي الفهم وتدقيق الفكر يندب له الاقتصار على القدر الذي لا يخل به المقصود من التدبر واستنباط المعاني وكذا من له شغل بعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يندب له الاقتصار على قدر لا يخل بما هو فيه ومن يكن كذلك فالأولى له الإكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. اه. وإنما اختلفت الأحاديث لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يأمر كل إنسان بما يناسب حاله <تنبيه> المراد بالقرآن هنا كله ولا يعارضه أن القصة وقعت قبل موت المصطفى صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل نزول بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنه العبرة بما دل عليه الإطلاق. ذكره ابن حجر وغيره
(ق د عن ابن عمر) بن الخطاب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن؟ قلت بلى ولم أرد به إلا الخير قال فصم صوم داود فإنه كان أعبد الناس واقرأ القرآن في كل شهر. قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: اقرأه في كل عشرين قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل عشر قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك قال ابن عمر فشددت فشد علي(2/60)
[ص:61] 1230 - (اقرأ القرآن في كل أربعين ليلة) ليكون حصة كل يوم نحو مائتي وخمسين آية وذلك لأن تأخيره أكثر منها يعرضه للنسيان والتهاون به وقد عهد ورد الأربعين أشياء كثيرة كخلق النطفة لأربعين فعلقة فمضغة لمثلها وبين النفختين أربعين ومكث آدم في طينته وميعاد موسى وسلطان الدجال وغالب النفاس وتمام الرباط وبلوغ الأشد إلى غير ذلك إلا أن قراءته في أربعين: مدة الضعفاء ثم يرتقي الحال بسبب القوة إلى ثلاث
(ت عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه(2/61)
1332 - (اقرأ القرآن في ثلاث) أي بأن تقرأ في كل يوم وليلة ثلثه (إن استطعت) قراءته في الثلاث مع ترتيل وتدبر وإلا فاقرأه في أكثر ومن ثم قال ابن مسعود: من قرأه في أقل من ثلاث فهو راجز وكره ذلك معاذ. وقال القسطلاني: وأخبرني شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف أنه كان يقرأ خمسة عشر ختمة في اليوم والليلة. وفي الإرشاد أنه النجم الأصبهاني رأى رجلا من اليمن ختم في شوط أو أسبوع وهذا لا يتسهل إلا بفيض رباني ومدد رحمني. اه. وأخبرني بعض الثقات أن شيخنا العارف عبد الوهاب الشعراني ختم بين المغرب والعشاء ختمتين ثم رأيته ذكر في كتاب الأخلاق ما نصه ومنها عمل أحدهم على تحصيل مقام غلبة الروحانية على الجسمانية حتى يصير يقرأ في اليوم والليلة كذا وكذا ختما ويقرأ مع من غلبت روحانيته على جسمانيته فلا يتخلف عنه ويحتاج صاحب هذا المقام إلى ورع شديد وطاعة كثيرة ليحصل له تلطيف الكشائف وإلا فلا يقدر يستعجل في القراءة مع من ذكر بل يصير كأنه يسحب صخرا على الأرض خلف طائر فمن فهم هذا عرف سر أمره تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن فإن روحانيته تغلب جسمانيته فإذا قرأ لا يلحقه أحد لانطواء الألفاظ في نطق الأرواح وأخبر الشيخ علي المرصفي أنه قرأ في أيام سلوكه في يوم وليلة ثلاث مئة ألف ختم وستين ألف ختم كل درجة ألف ختم اه. ومن على هذا المقام شيخنا شيخ الإسلام زكريا فكان إذا قرأنا معه لا نلحقه وكذا الشيخ نور الدين الشوني لغلبة روحانيتهما على جسمانيتهما. إلى هنا كلامه
(حم طب عن سعد بن المنذر) له صحبة وهو أنصاري عقبي بدري كان يقرأ القرآن في ثلاث(2/61)
1331 - (اقرأ القرآن في خمس) أخذ به جمع من السلف فاستحبوا الختم في كل خمس ومنهم علقمة بن قيس ولو تعارض الإسراع والترتيل روعي الترتيل عند الجمهور. قال ابن حجر: والتحقيق أن لكل منهما جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكنات الواجبات. ولا يمنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة ثمينة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات وقد يكون بالعكس
(طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لضعفه(2/61)
1333 - (اقرأ القرآن ما نهاك) عن المعصية وأمرك بالطاعة: أي ما دمت مؤتمرا بأمره منتهيا بنهيه ورجزه (ف) إنك (إذا لم ينهك فلست) في الحقيقة (بقارئ) وفي نسخ فلست تقرأه أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده وعوائده فيعود حجة عليك أو خصما غدا فقراءته بدون ذلك لقلقة لسان بل جارة إلى النيران إذ من لم ينته بنهيه وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة فلا بد لقارئه من الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه وكما أن أمور الدنيا لا تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد [ص:62] عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة} {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} فشرط على قارئه اهتمام القلب بتفهمه وإقبال الحس على استماعه وتدبره. قال بعضهم: القارئ يلعن نفسه ولا يدري يقرأ {ألا لعنة الله على الظالمين} وهو ظالم {ألا لعنة الله على الكاذبين} وهو منهم <فائدة> سئل جدي شيخ الإسلام يحيى المناوي رحمه الله: هل الاهتزاز في القرآن مكروه أو خلاف الأولى؟ فأجاب بأنه في غير الصلاة غير مكروه ولكن خلاف الأولى ومحله إذا لم يغلب الحال واحتاج إلى نحو النفي في الذكر إلى جهة اليمين والإثبات إلى جهة القلب وأما في الصلاة فمكروه إذا قل من غير حاجة. وينهى إذا كثر أن يكون كتحريك الحنك كثيرا من غير أكل وأن الصلاة تبطل به والله أعلم انتهى بنصه
(فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الزين العراقي: وسنده ضعيف وظاهره أنه لم يره لأقدم من الديلمي ولا أحق بالعزو إليه منه وهو عجب فقد خرجه أبو نعيم والطبراني وعنهما أورده الديلمي مصرحا فإهماله لذينك واقتصاره على ذا غير سديد ثم إن فيه إسماعيل بن عياش. قال الذهبي في الضعفاء ليس بقوي عن عبد العزيز بن عبد الله. قال الذهبي روى عنه ابن عياش فقط وقد قال الدارقطني متروك عن شهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج به(2/61)
1334 - (اقرأ المعوذات) الفلق والناس ذهابا إلى أن أفل الجمع اثنان أو والإخلاص تغليبا (في دبر) بضم الدال والموحدة (كل صلاة) من الخمس فيه ندب قراءتها بعد التسليم من كل صلاة لأنه لم يتعوذ بمثلها. فإذا تعوذ المصلي بها كان في حراستها حتى تأتي صلاة أخرى
(د حب عن عقبة بن عامر) وصححه ابن حبان ورواه عنه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به من بين الستة غير جيد(2/62)
1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك: أي بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي وذلك إنما ينشأ عن تأمل قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني: وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا. اه. قال أهل اللغة: حدرها درجها وعدم تمطيطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد قال ابن حجر: حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي نزل ناعيا على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال والبهتان وقولهم على الله ما لا يعلمونه ولا يليق به من الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم وأول ما نزل من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي {يا أيها المدثر قم فأنذر} وكما أنه نزل بالحزن على المشركين نزل بالرحمة على المؤمنين وتصح إرادته هنا لكن يكون استعماله الحزن ليس على الحقيقة بل من قبيل المجاز. قال العلامة الزمخشري: صوت حزين رخيم وقال بعض المحققين: قد يطلقون الحزين ويريدون به ضد القاسي مجازا. قال الغزالي: وجه اختيار الحزن مع القراءة أن يتأمل فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ثم يتأمل القارىء ما فيه تقصيره من أوامره وزواجره فيحزن لذلك لا محالة فيبكي ويخشع فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد الحزن فإن ذلك من أعظم المصائب. اه. <تنبيه> أفاد هذا التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم وقد شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق تعالى فإنه يرى ثم كل [ص:63] ملك لو وضع قدمه في الأرض ما وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع ذلك فهو يرعد من هيبة الله تعالى كالقصبة في الريح العاصف: فسبحان من حجبنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا فإنه لو كشف لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا ولو استحضر القارىء عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل ذلك
(ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف. اه. وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث وفي اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضا غون بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شيء وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه فمن خرجه العقيلي في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم(2/62)
1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم
(حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ(2/63)
1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين. سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضيء الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا وكما جعل علما في الكرم والفضل جعلا علما في الإنارة وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها [ص:64] متصلا بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لاتساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة إذ الأول عام في كل أحد والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه
(اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص عم أولا بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة وأفرد ثالثا البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطالة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحرا أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه <تنبيه> قال القونوي: قوله في الحديث يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ: كناية عن أرواح صور الحروف والكلمات فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة لأكثر الناس وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة مكررة
(حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي(2/63)
1338 - (اقرأوا القرآن واعملوا به) بامتثال أمره وتجنب نهيه (ولا تجفوا عنه) أي لا تبعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه بأن تتأولوه بباطل أو المراد لا تبذلوا جهدكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات فالجفاء عنه التقصير والغلو التعمق فيه وكلاهما شنيع وقد أمر الله بالتوسط في الأمور فقال {لم يسرفوا ولم يقتروا} (ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا ومن الآداب المأمور بها: القصد في الأمور وكلا في طرفي قصد الأمور ذميم. وقال الطيبي: يريد لا تجفوا عنه بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا [ص:65] بتأويله وتفسيره. ولا تغلوا فيه بأن تبذلوا جهدكم في قراءته وتجويده من غير تفكر كما قال في الحديث الآخر لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث
(حم ع طب) عن (عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عمرو بن يزيد الأنصاري أحد النقباء فقيه حمصي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات. وقال ابن حجر في الفتح سنده قوي(2/64)
1339 - (اقرأوا القرآن بلحون العرب) أي تطريبها (وأصواتها) أي ترنماتها الحسنة التي لا يختل معها شيء من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارىء لكنه إذا قرىء بالألحان التي تخرجه عن وضعه تضاعف فيه النشاط وزاد به الإنبساط وحنت إليه القلوب القاسية وكشف عن البصائر غشاوة الغاشية (وإياكم ولحون أهل الكتابين) أي احذروا لحون اليهود والنصارى (وأهل الفسق) من المسلمين يخرجون القرآن عن موضعه بالتمطيط بحيث يزاد حرف أو ينقص حرف فإنه حرام إجماعا كما ذكره النووي في التبيان بدليل قوله (فإنه) أي الشأن (سيجيء بعدي قومي يرجعون) بالتشديد. أي يرددون (بالقرآن) ومنه ترجيع الأذان وهو تفاوت ضروب الحركات في الصوت وهو المراد بقوله (ترجيع الغناء) أي أهل الغناء (والرهبانية) يعني رهبانية النصارى (والنوح) أي أهل النوح (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الغلصمة وهي مجرى النفس (مفتونة قلوبهم) بنحو محبة الشبان والنساء (وقلوب من يعجبه شأنهم) فإن من أعجبه شأنهم فمآل مصيره منهم. وفي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأ في يوم الفتح - فتح مكة - سورة الفتح فرجع فيها. وقال العارف المرسي: دخل بعض الصحب على اليهود فسمعهم يقرؤون التوراة فتخشعوا - أي بعض الصحب - فأنزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهي كلام الله فما الظن بمن أعرض عن كتابه وتخشع بالملاهي والغناء؟ . اه. وعلم مما تقرر انه لا تلازم بين التلحين المذموم وتحسين الصوت المطلوب وأن التلحين المذموم والأنغام المنهي عنها هو إخراج الحروف عما يجوز له في الأداء كما يصرح به كلام جمهور الأئمة ومنهم الإمام أحمد فإنه سئل عنه في القرآن فمنعه فقيل له: لم؟ فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: أيعجبك أن يقال لك يا محآمد؟ <تنبيه> قال ابن عربي: من لم يطربه سماع القرآن بغير ألحان فليس على شيء وقد كان أؤلئك الرجال لا يقولون بالسماع المقيد بالنغمات لعلو هممهم ويقولون بالسماع المطلق فإنه لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر والسماع المقيد إنما يؤثر في أصحاب النغم وهو السماع الطبيعي فإذا ادعى مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب المحرك فيتأمل في أمره. وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم اسستدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن احساسه فقل له ما حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما عرفتني فأسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل [ص:66] له هذا المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن احساسه ولا تصدر منه حركة أصلا هبه من الكبار والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه فإذا جاءه الوارد الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم وما سمع من نبي قط انه تخبط عند نزول الوحي. ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن إحساسه وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه
(طس هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم أه قال الهيثمي فيه راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر. اه. ومثله في اللسان(2/65)
1340 - (اقرأوا القرآن) أي ما تيسر منه (فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) أي حفظه وتدبره وعمل بما فيه فمن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له. قال سهل: علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي حب السنة وعلامة حبها حب الآخرة وعلامة حبها بغض الدنيا وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة
(تمام) في فوائده (عن أبي أمامة) الباهلي(2/66)
1341 - (اقرأوا القرآن وابتغوا به الله تعالى) على الكيفية التي يسهل على ألسنتكم النطق بها مع اختلافها فصاحة ولكنة ولثغة بلا تكلف ولا مشقة ولا مبالغة (من قبل أن يأتي قوم) أي قرون متتالية (يقيمونه إقامة القدح) بكسر القاف: السهم الذي يرمي به (يتعجلونه) أي يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيه ولفظ رواية أحمد يتعجلان أجره (ولا يتأجلونه) أي لا يريدون به الآجلة وهو جزاء الآخرة فمن أراد بها الدنيا فهو متعجل وإن ترسل في قراءته ومن أراد به الآخرة فهو متأجل ومن أسرع في قراءته بعد إعطاء الحروف حقها. ومن قال أن المراد يتعجلون العمل بالقرآن ولا يؤخرونه فكأنه لم يتأمل السوق إذ الخبر مسوق لذم أؤلئك الآتين وأما إرادة مدحهم فبعيد عن المقام وهذه معجزة لوقوع ما أخبر به
(حم د عن جابر) بن عبد الله قال الديلمي وفي الباب سهل بن سعد وأنس(2/66)
1342 - (اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم) أي في أماكنكم التي تسكنوها: بيتا أو خلوة أو خباء أو غيرها (ولا تجعلوها قبورا) أي كالمقابر الخالية عن الذكر والقراءة بل اجعلوا لها نصيبا من الطاعة (ومن قرأ سورة البقرة) بكاملها أي في أي محل كان أو في بيته وهو ظاهر السياق لكن لعل المراد الإطلاق (توج بتاج) أي في القيامة أو في الجنة حقيقة أو توضع عليه علامة الرضا يوم فصل القضاء أو بعد دخولها. والتاج ما يصنع للملوك من ذهب وجوهر. [ص:67] قال الطيبي: ذكر التاج كناية عن الملك والسيادة كما يقال قعد فلان على السرير كناية عنه
(هب عن الصلصال) بمهملتين بينهما لام: أبي الغضنفر (بن الدهلمس) بدال مهملة ثم لام ثم ميم مفتوحات قال الذهبي: صحابي له حديث عجيب المتن والإسناد. اه. وأشار به إلى هذا الحديث ثم أن فيه أيضا أحمد بن عبيد قال ابن عدي صدوق له مناكير(2/66)
1343 - (اقرأوا سورة هود يوم الجمعة) فإنها من أفضل سور القرآن فيناسب قراءتها في أفضل أيام الأسبوع. قال الغزالي عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من تدبرها
(هب عن كعب) الأحبار (مرسلا) رمز المصنف لضعفه ولعله من قبيل الرجم بالغيب فقد قال الحافظ ابن حجر حديث مرسل وسنده صحيح هكذا جزم به في أماليه ثم قال وأخرجه ابن مردويه في التفسير من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم فكأنه ظن أن كعبا صحابي وليس كذلك بل كعب الأحبار. إلى هنا كلام ذلك الإمام. إذا قالت حذامي فصدقوها(2/67)
1344 - (اقرأوا على موتاكم) أي من شارفه الموت منكم إذ الميت لا يقرأ عليه (يس) ليسمعها فيجريها على قلبه لأن الإنسان حينئذ ضعيف القوى والأعضاء ساقط المنعة والقلب أقبل على الله بكليته فيقرأ عليه ما يزيده قوة ويشد تصديقه ويقوى يقينه: يس مشتملة على أحوال البعث والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمتهم وإثبات القدر وإن أفعال العباد مستندة إليه تعالى وإثبات التوحيد ونفي الضد والند وإمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور في العرصات والحساب والجزاء والمرجع والمآل بعد الحساب وغير ذلك فبقراءتها يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتنبه على أمهات أصول الدين ويتذكر ما أشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة. واخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر فصحح أنها تقرأ عليه بعد موته والأولى الجمع. وتمام الحديث كما بينه الديلمي: ونزل مع كل آية ثمانون ملكا واستدل به بعض الحنفية على أن للمرء أن يجعل ثواب عمله لغيره قراءة وصلاة وصدقة وحجا قال وخالف المعتزلة وبعض منا لأن الثواب هو الجنة وليس له جعلها لغيره ولآية {وإن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال ولنا ظاهر الحديث وتضحيته عليه الصلاة والسلام عن أمته وإخباره عن استغفار الملائكة للمؤمنين وأولت الآية بأنها نسخت بآية {ألحقنا بهم ذريتهم} وأنها خاصة بقول إبراهيم وموسى أو المراد الكافر. قال ابن الهمام: وأولى من النسخ تقييده بما يهبه العامل أما أولا فلأنه لم يبطل بعد الإرادة وإما ثانيا فلأنها من قبيل الإخبار ولا نسخ فيها وما يتوهم من أنه أخبر في شرع أنه لا ثواب لغير عامل ثم جعله لمن بعدهم من أهل شرعنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا النسخ وجعل اللام بمعنى على بعيد. أه: قال بعضهم أعني الحنفية وكون الإنسان يجعل ما وعد به من الثواب لغيره جائز بلا مراء قال ولو دفع الحي أو وارث ميت شيئا من الدنيا لمن يجعل ذلك له ينبغي أن يصح وأما جعل ثواب فرضه لغيره فيحتاج إلى نقل
(حم د هـ) في الجنائز (حب ك عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف (بن يسار) ضد اليمين المزني قال النووي في الأذكار: إسناده ضعيف فيه مجهولان لكن لم يضعفه أبو داود. وقال ابن حجر: أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه ويسمى بالنهدي. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن وقال لا يصح في الباب حديث. اه <فائدة> قال ابن العربي: تتأكد قراءة يس. وإذا حضرت موت أحد فأقرأ عنده يس فقد مرضت وغشي على وعددت من الموتى فرأيت قوما كرش المطر يريدون أذيتي ورأيت شخصا جميلا طيب الرائحة شديدا دفعهم عني حتى قهرهم فقلت من أنت قال سورة يس فأفقت: فإذا بأبي عند رأسي وهو يبكي ويقرأ يس وقد ختمها(2/67)
[ص:68] 1345 - (اقرأوا على من لقيتم من أمتي) أمة الإجابة لا الدعوة كما هو بين (بعدي السلام الأول فالأول إلى يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر هذا طرف من حديث أخرجه البزار وابن منيع والحاكم وغيرهم. قال البعض يقال في الرد عليه وعليه الصلاة والسلام أو وعليه السلام لأنه رد سلام التحية لا إنشاء السلام المقول فيه بكراهة إفراده
(الشيرازي) أبو بكر (في الألقاب عن أبي سعيد) الخدري قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ونحن ثلاثون رجلا فودعنا وسلم علينا ودعى لنا ووعظنا وقال اقرأوا فذكره(2/68)
1346 - (اقرأني جبريل القرآن على حرف) أي لغة أو وجه من الإعراب (فراجعته) أي فقلت له إن ذلك تضييق قأقرأني إياه على حرفين (فلم أزل أستزيده) أي أطلب منه أن يطلب لي من الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفا ويسأل جبريل ربه ويزيده في الحروف (فيزيدني) حرفا حرفا (حتى انتهى إلى سبعة أحرف) أي سبعة أوجه أو لغات تجوز القراءة بكل منها وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه والإختلاف اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتنافر وتناقض. إذ هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى سبعة وذلك إما في الحركات من غير تغيير في المعنى والصورة نحو النحل أو بتغيير في المعنى فقط نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات} وأما في الحروف بتغيير في المعنى لا في الصورة أو عكسه وإما بتغييرهما وإما في التقديم والتأخير نحو {فيقتلون ويقتلون} أو في الزيادة والنقص نحو أوصى ووصى وفي المراد بالسبعة في هذا الحديث وما أشبهه نحو أربعين قولا قال البعض أقربها أن المراد سبعة لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة وقال الطيبي: أصحها أن المراد كيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وهمز وتليين لأن العرب مختلفة اللغات فيسر عليهم ليقرأ كل بموافقة لغته
(حم ق عن ابن عباس)(2/68)
1347 - (أقرب العمل) من القرب وهو مطالعة الشيء حسا أو معنى (إلى الله عز وجل) أي إلى عظيم رحمته وجزيل ثوابه (الجهاد في سبيل الله) أي قتال العدو لإعلاء كلمة الله وقد يراد الأصغر أيضا (ولا يقاربه شيء) لما فيه من الصبر على بذل الروح في رضى الرب: وأي شيء يضاهي ذلك أو يقاربه؟
(تخ عن فضالة بن عبيد) الأنصاري(2/68)
1348 - (أقرب ما) مبتدأ حذف خبره لسد الحال مسده (يكون العبد من ربه وهو ساجد) أي أقرب ما يكون من رحمة ربه حاصل في كونه ساجدا كذا قرره بعضهم. وقال الطيبي: التركيب من الإسناد المجازي أسند القرب إلى الوقت وهو للعبد مبالغة والمفضل عليه محذوف تقديره أن للعبد حالتين في العبادة حالة كونه ساجدا وحالة كونه متلبسا بغير السجود فهو حالة سجوده أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة (فأكثروا الدعاء) أي في السجود لأنها حالة غاية التذلل وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والإفتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار فالسجود لذلك مظنة الإجابة ومن ثم حث على الدعاء فيه بقوله فأكثروا إلخ. وفي تعميم الدعاء وعدم تخصيصه بنوع ولا غيره رد على من منعه في المكتوبة بغير قرآن كطاوس وجاء في رواية بدل قوله فأكثروا الدعاء واجتهدوا فيه في الدعاء فقمن [ص:69] أن يستجاب لكم وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق والأمر بالإكثار من الدعاء في السجود ويشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في خبر الترمذي: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله <تنبيه> قال ابن عربي: لما جعل الله الأرض لنا ذلولا نمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا تطؤها بها وذلك غاية الذلة فأمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا وهو الوجه وأن نمرغه عليها جبرا لانكسارها بوضع الذليل عليها الذي هو العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها وقد قال الله تعالى " أنا عند المنكسرة قلوبهم " فلذلك كان العبد في تلك الحالة أقرب إلى الله تعالى من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها
(م د ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري(2/68)
1349 - (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر) قال الطيبي: يحتمل أن يكون قوله في جوف الليل حالا من الرب أي قائلا في جوف الليل من يدعوني فأستجب له سدت مسد الخير أو من العبد أي قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا على نحو قولك ضربي زيدا قائما ويحتمل أن يكون خبرا لأقرب وقوله الآخر: صفة لجوف على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف والقرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداؤه يكون من الثلث الأخير أه وقال هنا أقرب ما يكون الرب من العبد وفيما قبله أقرب ما يكون العبد من ربه: لأن قرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله) ينخرط في زمرة الذاكرين لله ويكون له مساهمة معهم (في تلك الساعة فكن) وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرا فكن إذ الأولى فيها صيغة عموم شاملة للأنبياء والأولياء فيكون داخلا فيهم <تنبيه> قال حجة الإسلام في الجواهر عمدة الطريق الملازمة والمخالفة فالملازمة لذكر الله والمخالفة لما يشغل عنه وهذا هو السفر إلى الله وليس في هذا السفر حركة من جانب المسافر ولا المسافر إليه ولا هما معا أما سمعت {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} بل الطالب والمطلوب كصورة حاضرة مع مرآة لكن لا تنجلى على المرآة لصدأ في وجهها فمتى صقلت تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إلى المرآة ولا بحركة المرآة إلى الصورة بل بزوال الحجاب فالله سبحانه متجل بذاته لا يخفى إذ يستحيل اختفاء النور وبالنور يظهر كل خفي {الله نور السماوات والأرض} وإنما خفي النور على الحدقة لكدورة في الحدقة أو لضعف فيها لا تطيق احتمال النور العظيم الباهر كما لا تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش فما عليك إلا أن تشفي عن قلبك كدورته وتقوي حدقته فإذا هو فيها كالصورة في المرآة حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك الله بالقول الثابت فتعرف أن الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها وهيهات فإنه تعالى يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا أصح وأظهر وأقوم وأوضح وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة استدارتها واستقامة بسط وجهها ولذا قال في الخبر إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ومعرفة السلوك والوصول إليه بحر عميق
(ت ن ك عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين. قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي(2/69)
1350 - (أقروا الطير على مكناتها) بفتح الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة: أي أقروها في أوكارها [ص:70] فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه ولا تتعرضوا لها فالمراد: أماكنها من قولهم: الناس على مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم أو جمع مكنة بضم الميم والكاف بمعنى التمكن: أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها كان أحدهم إذا سافر نفر طيرا فإن طار يمينا تفاءل وإن طار شمالا تشاءم ورجع
(د) في العقيقة (ك) في الذبائح من حديث سباع بن ثابت (عن أم كرز) بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر(2/69)
1351 - (أقسم الخوف) أي حلف. والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة (والرجاء) ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك (أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا) بتساو أو تفاوت (فيربح) بالفتح في القاموس راحت الريح الشيء تراحه أصابته (ريح النار) لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجا فجزاؤه النعيم الدائم والسعد القائم (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح ريح الجنة) حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل: الخوف والرجاء كالجناحين للسير إلى الله تعالى فلا يمكن السير إلا بهما. قال الغزالي: وإذا كان مدار العبودية على أمرين القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها وسائق يسوقها وإذا وقفت في مهواة ربما تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا فالخوف سوطها وسائقها والرجاء شعيرها وقائدها فلذا يلزم العبد أن يشعر النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على الطاعة فعليك بالتزام هذين معا يسهل عليك احتمال المشقة ولكن ينبغي غلبة الخوف على الرجاء في الصحة ليكثر العمل وفي المرض عكسه لأن الوفادة إلى ملك كريم ورب رؤوف رحيم
(هب) عن واثلة بكسر المثلثة (بن الأسقع) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح القاف. وروى نحوه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ولفظهم: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك؟ فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب مؤمن في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف(2/70)
1352 - (اقضوا الله) حقه اللازم لكم من الفروض وغيرها (فالله أحق بالوفاء) له بالإيمان والطاعة وأداء الواجبات وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه الإتيان بكلمتي الشهادة وآخرها الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره وهذا التقدير لا يعكر عليه خصوص السبب الآتي لما عرف أن العبرة بعموم اللفظ
(خ عن ابن عباس) قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ ثم ذكره(2/70)
1353 - (أقطف القوم دابة أميرهم) أي هم يسيرون بسير دابته فيتبعونه كما يتبع الأمير أو المراد أن الأمير كثير الرفقة [ص:71] المقدم فيهم أن يقارب خطو دابته فيكون بين البطء والإسراع لئلا ينقطع الضعيف والعاجز في السير. في النهاية القطاف: تقارب الخطى في سرعة من القطف وهو القطع. وفي المصباح: قطف الدابة أعجل مسيره مع تفاوت الخطى وفيه تنبيه على الإرشاد إلى رفق التابع بالمتبوع ورعاية حاله في السير وغيره
(خط معاوية بن قرة) بضم القاف وشد الراء: ابن إياس - بكسر الهمزة وفتح التحتية مخففة - ابن هلال المزني البصري (مرسلا) كان عالما عاملا ولد يوم الجمل ومات سنة ثلاث عشرة ومئة(2/70)
1354 - (أقل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان درهم حلال وأخ) يعني صديق وفي رواية أو أخ (يوثق به) وقد وجد ذلك في هذا الزمان وقبله بعصور. قال الزمخشري: والصديق هو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك وهو أعز من بيض الأنوق. وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال اسم لا معنى له حيوان غير موجود وقال:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه. . . ومن أين للبحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم. . . ذئابا على أجسادهن ثياب
وقال الماوردي: قال الكندي: الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك. وقال بعضهم: جربت الإخوان فرأيت بعضهم كعقرب وبعضهم كحية وبعضهم كسبع وبعضهم كذئب وغيرها من أضاف القواتل فمن لادغ أي قاتل مع لين ملمسه كالحية ومن لاسع كعقرب. ومن مراوغ كثعلب ومن مهارش ككلب ومن مختال كذئب ومن مختال كفهد ومن غبي كدب ومن شديد الغضب والبأس كأسد ومن بليد كحمار ومن حقود كجمل وما أمثل نفسي بينهم إلا كفرخ بلا ريش أو كطير بلا جناح وهم يتساقطون علي بالأذى كتساقط الذباب على العسل والكلاب على الجيفة. وما أحسن قول الطغرائي في لاميته عفي عنه:
أعدي عدوك أدنى من وثقت به. . . فحاذر الناس واصحبهم على دخل
فإنما رجل الدنيا وواحدها. . . من لا يعول في الدنيا على رجل
إلى آخر ما قال ولله در الواسطى حيث يقول:
دع الناس طرا واصرف الود عنهم. . . إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
ولا تبغ من دهر تكاثف زيغه. . . صفاء بنيه فالطباع جوامح
وشيئآن معدومان في الأرض درهم. . . حلال وخل في الحقيقة ناصح
ولهذا قال هشام بن عبد الملك ما بقي علي شيء من لذات الدنيا إلا نلته إلا شيئا واحدا: أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه. أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجاء بن حيوة: من لا يؤاخ إلا من لا عيب قيه قل صديقه ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: هذا لا يصح قال يحيى: يزيد بن سنان أحد رجاله غير ثقة وقال النسائي متروك الحديث. اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه(2/71)
1355 - (أقل أمتي أبناء السبعين) أي البالغين من أمتي هذا القدر من العمر هم أقلهم فإن معترك المنايا ما بين الستين والسبعين فمن جاوز السبعين كان من الأقلين. قال الحكيم: هذا من جملة رحمة الله على هذه الأمة وعطفه عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاذ الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلا ولا يتندسوا فإن القرون الماضية كانت أعمارهم وأجسادهم على الضعف منا كان أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثمانون باعا فيتناولون الدنيا [ص:72] بمثل هذه الصفة على مثل تلك الأجساد وفي مثل تلك الأعمار فأشروا وبطروا واستكبروا فصب الله عليهم سوط عذاب {إن ربك لبالمرصاد}
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) وفيه محمد بن ربيعة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال لا يعرف وكامل أبو العلاء خرجه ابن حبان(2/71)
1356 - (أقل أمتي الذين يبلغون السبعين) كذا هو في النسخ المتداولة بتقديم السين. قال الهيثمي ولعله التسعين بتقديم التاء
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه سعيد بن راشد السماك قال الذهبي في الضعفاء قال النسائي متروك(2/72)
1357 - (أقل الحيض ثلاث) بغير تاء لحذف المعدود (وأكثره عشرة) وبهذا قال سفيان الثوري قال الحراني: الحيض معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في البدن بمنزلة القول والعذرة في فضلة الطعام والشراب من الفرج
(طب عن أبي أمامة) وفيه أحمد بن بشير الطيالسي قال في الميزان لينه الدارقطني والفضل بن غانم قال الذهبي قال يحيى ليس بشيء ومشاه غيره والعلاء بن الحارث قال البخاري منكر الحديث(2/72)
1358 - (أقل) وفي رواية أقلل أمر بالتقليل قل الشيء يقل قلة: إذا صار قليلا وأقله غيره يقله: إذا جعله قليلا (من الذنوب) أي من فعلها (يهن عليك الموت) فإن شدائد الموت قد تكون بكثرة الذنوب وأنت إذا أقللت منها استنار قلبك ودعيت إلى الخدمة وصلحت للمناجاة فتذوق لذة العبادة فتبلغ مرتبة القرب وتفاض عليك الخلع والكرامات فتصير بشخصك في الدنيا وقلبك في العقبى فتنظر البريد يوما فيوما حتى تمل الخلق وتستقذر الدنيا وتحن إلى الموت وفي التعبير بأقل إشارة إلى أن الترك وظيفة المعصوم ومن على قدمه ثم لا يعارض عموم هذا ما سيأتي لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون الحديث. لعدم دلالته على عدم إتيانه مع قصد ترك القنوط (وأقل من الدين) بقرض أو غيره (تعش حرا) أي لا ولاء عليك لأحد وتنجو من رق صاحب الحق والتذلل له فإن له مقالا وتحكما أو حرا من الطبع في مواساة الناس بما يقضي عنك أو بما يشفع في إمهالك والطمع رق عاجل سيما إن كان في غير مطمع وعبر بالإقلال دون الترك لأنه لا يمكن غالبا التحرز عن الاستدانة بالكلية قال الراغب: والحرية ضربان الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو الحر بالحر والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره على الأمور الدنيوية وإلى العبودية التي تضاد ذلك ومن ثم قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق
(هب) وكذا القضاعي (عن ابن عمر) ابن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلا وهو يقول أقل إلى آخره. وظاهر صنيعه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه. في إسناده ضعيف. اه. فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علته غير مرضي وإنما ضعفوا إسناده لأن فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه وقد ضعفهما الدارقطني وغيره. وقال ابن حبان يروي عن أبيه نسخة كلها موضوعة. اه. ومن ثم رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي بلفظ: أقل من الدين تعش حرا وأقل من الذنوب يهن عليك الموت وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس وقال حديث لا يصح(2/72)
1359 - (أقل) ندبا وإرشادا (الخروج) أي من الخروج من محلك (بعد هدأة) بفتح فسكون (الرجل) بكسر فسكون: أي بعد سكون الناس عن المشي في الطريق ليلا والهدوء السكون (فإن لله تعالى دواب ينبثهن) أي يفرقهن وينشرهن [ص:73] (في الأرض تلك الساعة) أي بالليل فإذا خرجتم تلك الساعة فإما أن تؤذوهم أو يؤذوكم: أي يؤذي بعضكم بعضهم وبعضهم بعضكم فالأحوط الأسلم الكف عن الانتشار ساعتئذ. وعبر بقوله أقل دون لا تخرج إشارة إلى أن الخروج لما لابد منه مأذون فيه فالمأمور بالكف عنه ما عنه بد فحسب
(ك) في الأدب (عن جابر) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود(2/72)
1360 - (أقل الدخول على الأغنياء) بالمال (فإنه) أي إقلال الدخول عليهم (أحرى) أي أجدر وأليق (أن لا تزدروا) وتحتقروا وتنتقصوا (نعم الله عز وجل) التي أنعم بها عليكم لأن الإنسان حسود غيور بالطبع فإذا نظر إلى ما من الله به على غيره حملته الغيرة والحسد والكفران والسخط وعبر بأفلوا دون لا تدخلوا لأنه قد تدعو إلى الدخول حاجة ولهذا قال ابن عون: صحبت الأغنياء فلم أر أحدا أكثرهما مني. أرى دابة خيرا من دابتي وثوبا خيرا من ثوبي وصحبت الفقراء فاسترحت. وفي الحديث ندب التقليل من الدنيا والاكتفاء بالقليل كما كان عليه السلف ومن مفاسد مخالطة الأغنياء الاستكثار من الدنيا والتشبه بهم في جمع الحطام والاشتغال بذلك عن عبادة الرب المالك
(حم د ن عن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين: ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح ورواه عنه أيضا باللفظ المذكور الحاكم وصححه وأقره الذهبي لكن جابر بن يزيد أحد رجاله قال أبو زرعة: لا أعرفه(2/73)
1361 - (أقلي) خطاب لعائشة والحكم عام (من المعاذير) أي لا تكثري من إبداء الأعذار لمن تعتذرين إليه لأنه قد يورث ريبة أو تهمة أو يجدد حادثا كما أن المعتذر إليه لا ينبغي أن يكثر من العتاب كما قيل:
إلى كم يكون العتب في كل ساعة. . . ولم لا تملين القطيعة والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية. . . لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا
(فإن قلت) لم قال أقلي ولم يقل لا تعتذري (قلت) لما أن ترك الاعتذار بالكلية غير لائق لما فيه من الاستهانة بشأن الصديق وقلة المبالاة به ومن ثم قالت الحكماء: ترك الاعتذار دليل على قلة الاكتراث بالصديق فأشار إلى أن الأولى التوسط بين حالتي تركه وفعله
(فر عن عائشة) رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه محمد بن عمار بن حفص قال الذهبي لينه البخاري وحارثة بن محمد تركوه(2/73)
1362 - (أقم الصلاة) عدل أركانها واحفظها عن وقوع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه وقامت السوق (وأد الزكاة) إلى مستحقيها (وصم رمضان) حيث لا عذر من مرض أو سفر (وحج البيت) الكعبة (واعتمر) أي ائت بالعمرة إن استطعت إلى ذلك سبيلا (وبر والديك) أي أحسن إليهما وأمك آكد (وصل رحمك) أي قرابتك وإن بعدت (وأقر (1) الضيف) الذي نزل بك (وأمر بالمعروف) أي بما عرف من الطاعة والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل (وانه عن المنكر) [ص:74] أي ما أنكره الشرع من المعاصي والفواحش (وزل مع الحق حيث زال) أي در معه كيفما دار وفيه حجة لمن ذهب لوجوب العمرة
(تخ ك) في البر والصلة (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته وما درى أن الذهبي رد على الحاكم تصحيحه بأن فيه محمد بن سليمان بن مسمول ضعيف
_________
(1) في المصباح قريت الضيف أقريه من باب رمي قرى بالكسر والقصر اه(2/73)
1363 - (أقيلوا) أيها الأئمة: من الإقالة وهي الترك (ذوي الهيئات) جمع هيئة قال القاضي: وهي في الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة فتصير بسببها مقول عليها أنها واحدة ثم أطلق على الخصلة فيقال لفلان هيئات أي خصال والمراد هنا أهل المروءة والخصال الحميدة التي تأتي عليهم الطباع وتجمع بهم الإنسانية والألفة أن يرضوا لأنفسهم بنسبة الفساد والشر إليها (عثراتهم) زلاتهم: أي ذنوبهم. وهل هي الصغائر أو أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع؟ وجهان للشافعية وكلام ابن عبد السلام مصرح بترجيح الأول فإنه عبر بالصغائر ويقال لا يجوز تعزير الأولياء على الصغائر وزعم سقوط الولاية بها جهل قبيح ونازعه الأذرعي بما ليس بصحيح (إلا الحدود) أي إلا ما يوجب الحدود إذا بلغت الإمام وإلا الحقوق البشرية فإن كلا منهما يقام فالمأمور بالعفو عنه هفوة أو زلة لا حد فيها وهي من حقوق الحق فلا يعزر عليها وإن رفعت إليه. نعم يندب لمن جاءه نادم أقر بموجب حد أن يأمره بستر نفسه ويشير إليه بالكتم كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكما لم يستفصل من قال: أصبت حدا فأقمه علي. قال البيضاوي: وقوله إلا الحدود إن أريد بالعثرات صغائر الذنوب وما يندر عنهم من الخطايا فالاستثناء منقطع أو الذنوب مطلقا وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل. وخرج بذوي الهيئات من عرف بالأذى والعناد بين العباد فلا يقال له عثار بل تضرم عليه النار
(حم خدد) وكذا النسائي كلهم (عن عائشة) قال المنذري: وفيه عبد الملك بن زيد العدوي ضعيف وقال ابن عدي: الحديث منكر بهذا الإسناد. قال أعني المنذري: وروي من أوجه أخر ليس منها شيء يثبت. وقال في المنار في إسناد أبي داود انقطاع وأطال في بيانه. والحاصل أنه ضعيف وله شواهد ترقيه إلى الحسن ومن زعم وضعه كالقزويني أفرط أو حسنه كالعلائي فرط(2/74)
1364 - (أقيلوا) أيها الحكام وأصحاب الحقوق ندبا (السخي) أي الكريم الذي لا يعرف الشر كما أشار إليه نص الشافعي رضي الله عنه (زلته) الواقعة منه على سبيل الندور (فإن الله آخذ بيده) أي ملاحظ له بالرحمة والعطف (كلما عثر) بعين مهملة ومثلثة زل يقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم. وفي إفهامه أن البخيل لا تقال عثرته وأن الظالم بوضع المنع موضع البر لا يأخذ الكريم بيده إذا عثر بل يرديه في النار {وما للظالمين من أنصار} (الخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف في ذلك (عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي: ليث بن سليم مختلف فيه ورواه الطبراني وأبو نعيم من حديث ابن مسعود بنحوه بسند ضعيف رواه ابن الجوزي في الموضوع من طريق الدارقطني اه. وفي الميزان لا يصح في هذا شيء(2/74)
1365 - (أقيموا) وجوبا (حدود الله) أيها الحكام إذا بلغتكم وثبت مقتضيها لديكم (في البعيد والقريب) في القوي والضعيف وأبعد من قال البعد والقرب في النسب (ولا تأخذكم في الله لومة لائم) عطف على أقيموا تأكيدا للأمر ويجوز كونه خبرا بمعنى النهي سواء كان في الغزو أم غيره ويكفي العموم حجة ومن خص الغزو طولب بحجة فالواجب علينا أن نتصلب في دين الله ونستعمل الجد والمتانة فيه ولا يأخذنا اللين والهوان في دين الله في استيفاء حدوده بل نسوي بين البعيد والقريب والبغيض والحبيب وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حيث قال لو سرقت [ص:75] فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لقطعتها. قال ابن حجر كالقرطبي: يندب الستر على المسلم ما لم يبلغ الإمام
(هـ عن عبادة) ابن الصامت قال الذهبي: إسناده واه جدا وقال المنذري: رواته ثقات إلا أن ربيعة بن ماجد لم يروه عنه إلا أبو صادق(2/74)
1366 - (أقيموا الصفوف) أي سووها في الصلاة (وحاذوا بالمناكب) أي اجعلوا بعضها في محاذاة بعض بحيث يصير منكب كل من المصلين مسامتا لمنكب الآخر فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد (وأنصتوا) لقراءة إمامكم ندبا وإن كنتم لا تسمعون قراءته لكون الصلاة سرية أو جهرية وثم مانع كبعد أو لغط على ما يقتضيه هذا اللفظ ووجهه بقوله (فإن أجر المنصت الذي لا يسمع) قراءة الإمام (كأجر المنصت الذي يسمع) قراءته ولا أدري من أخذ بقضية هذا من المجتهدين فأما مذهب الشافعية فهو إن سمع المأموم قراءة إمامه أنصت له وإلا فلا
<تنبيه> قال ابن عربي: إنما شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر الإنسان بها وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة في ذلك الموطن المهول والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند الله وقد أمرنا الحق تعالى أن نصطف في الصلاة كما تصف الملائكة وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل صفها - لو اتفق أن يدخلها خلل: أعني ملائكة السماء - دخول الشياطين لأن السماء ليست بمحل لهم وإنما يتراصون لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض فتنزل متصلة إلى صفوف المصلين فتعمهم تلك الأنوار فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار
(عب عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلا) الفقيه العمري. قال ابن عجلان: ما هبت أحدا مثله وقال الأعرج لا يريني الله يومه (وعن عثمان بن عفان موقوفا) عليه(2/75)
1367 - (أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة) جاء بيانه في خبر كيف تصف الملائكة؟ قال: يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون (وحاذوا) قابلوا (بين المناكب) أي اجعلوا منكب كل مسامتا لمنكب الآخر (وسدوا الخلل) بفتحتين: الفرج التي في الصفوف (ولينوا) بكسر فسكون من لان يلين لينا فهو لين. ومنه خبر: خياركم ألينكم مناكب فأفعل التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي (بأيدي إخوانكم) أي إذا جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لان وأوسع له ليدخل. ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد أبعد (ولا تذروا) لا تتركوا (فرجات) بالتنوين جمع فرجة وهي كل فرجة بين شيئين (للشيطان) إبليس أو أعم. وفيه إيماء إلى منع كل سبب يؤدي لدخوله كما أمر بوضع يده على فيه عند التثاؤب (ومن وصل صفا) بوقوفه فيه (وصله الله) برحمته ورفع درجته وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار (ومن قطع صفا) بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة (قطعه الله) أي أبعده من ثوابه ومزيد رحمته إذ الجزاء من جنس العمل فيسن انضمام المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كأنهم بنيان مرصوص
<تنبيه> قال ابن حجر: قد ورد الأمر بتعديل الصف وسد خلله والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة أجمعها هذا [ص:76] الحديث
(حم د طب عن ابن عمر) بن الخطاب وصححه ابن خزيمة والحاكم(2/75)
1368 - (أقيموا الصفوف في الصلاة) عدلوها وسووها باعتدال القائمين بها: من أقام العود إذا قومه. ذكره القاضي قال أبو زرعة: والأمر للندب بدليل قوله (فإن إقامة الصف من حسن) تمام إقامة (الصلاة) إذ لو كان فرضا لم يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشيء وتمامه أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وثبت قوله تمام في رواية البخاري لأبي الوقت وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم. والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول
(م عن أبي هريرة) ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره(2/76)
1369 - (أقيموا صفوفكم) سووها (فو الله لتقيمن) بضم الميم أصله لتقيمون (صفوفكم أو ليخالفن الله) أي ليوقعن الله المخالفة (بين قلوبكم) قال البيضاوي: اللام فيه التي يتلقى بها القسم وهنا القسم مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة وأو للعطف. ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب فإن تقدم الخارج عن الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف قلوبهم واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به في خبر سيجيء بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها. وقال النووي: الظاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اه: وقال الطيبي: الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف الكلمة وتهييج الفتن ولعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة اه. وتسوية الصفوف سنة مؤكدة وصرفه عن الوجوب الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ والتشديد تأكيدا أو تحريضا على فعلها وفيه جواز الحلف بالله لغير ضرورة
(د عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه(2/76)
1370 - (أقيموا) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم المهملة المشددة: أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني) الفاء للسببية (أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفي بأن خلق الله له إدراكا من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن الابتدائية فمبدأ الرؤية من خلف. قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى سبب الأمر: أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه. والقول بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب متعقب بالرد. قال ابن حجر: وفي حديث النعمان عند مسلم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر. قال القونوي: وفي الأحاديث إشعار بأن هذا الحال كان مخصوصا بالصلاة فإن لم يرد أن هذا الحال كان مستصحبا وذلك لأن حضرة الحق التامة والمحاذاة الكاملة المستلزمة لعموم نور الحق جميع جهاته في الصلاة وأذاعت المقابلة وصححت المحاذاة كمال اكتساب النور
(خ ن عن أنس) بن مالك قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ثم ذكره وفي رواية للبخاري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه(2/76)
[ص:77] 1371 - (أقيموا صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها (وتراصوا) بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل. قال ابن حجر: ويحتمل كونه تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا (فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وفي قبضته (إني لأرى) بلام الابتداء لتأكيد مضمون الجملة (الشياطين) أي جنسهم (بين صفوفكم) يتخللونها (كأنهم غنم عفر) أي بيض ليس بياضها بناصع قالوا: ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم الصف في الصلاة كصفوف الملائكة وفيه جواز القسم بما ذكر أو نحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى ويكون يمينا أطلق أو نوى الله. قال الشافعية: ولو قال قصدت غيره لم يدين
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) بن مالك(2/77)
1372 - (أقيموا الركوع والسجود) أي أكملوهما وفي رواية أتموا (فو الله إني لأراكم) بقوة إبصار أدرك بها ولا يلزم رؤيتنا ذلك وإنما خص نفسه بالذكر ولم يسنده للحق لبعثه شهيدا عليهم وحضا لهم على مقام الإحسان (من بعدي) وفي نسخ من بعد ظهري كما يفسره ما قبله: يعني بخلق حاسة باصرة فيه وقد انخرقت له العادة بأعظم من ذلك فلا مانع له من جهة العقل وقد ورد به الشرع فوجب قبوله ومن حمله على بعد موتي فقد خالف الظاهر (إذا ركعتم وإذا سجدتم) حث على الإقامة ومنع عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف على الرسول فكيف يخفى على من أرسله وكشف له وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة وحثهم على طاعته
(ق عن أنس) بن مالك(2/77)
1373 - (أقيموا الصلاة) أخبر بأقيموا دون صلوا إشارة إلى أن المطلوب أن يكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم (وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا) إن استطعتم إلى ذلك سبيلا (واستقيموا) دوموا على تلك الطاعة واثبتوا على الإيمان (يستقم بكم) بالبناء للمفعول: أي فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى الله عن مجرى النظر
(طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان استشهد به البخاري وضعفه آخرون(2/77)
1374 - (أكبر الكبائر الإشراك بالله) يعني الكفر. وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف (وقتل النفس) المحترمة بغير حق (وعقوق الوالدين) أو أحدهما بقطع صلتهما أو مخالفتهما في غير معصية قال ابن العربي: جعل بر الأصل ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق الله في حديث رضى الرب في رضى الوالد وناهيك بذلك (وشهادة الزور) أي الشهادة بالكذب يتوصل بها إلى باطل وإن قل وظاهر التركيب يقتضي حصر الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض الذي هو أكبر كما سبق. والكفر أكبر مطلقا ثم القتل والباقي على معنى من
(خ عن أنس) بن مالك(2/77)
1375 - (أكبر الكبائر حب الدنيا) لأن حبها رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة الآخرة [ص:78] فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما مملوءا فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر قال الحسن البصري: ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة قليل الفطنة همه بطنه وفرجه فهو يقول في النهار متى يدخل الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم
(فر عن ابن مسعود) رمز لضعفه ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده(2/77)
1376 - (أكبر الكبائر سوء الظن بالله) فهو أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} والله تعالى عند ظن عبده به لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف عقابه ويخشى عذابه فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل بينهما فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت الخوف وقعت في طريق الأمن {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} فطريق الاستقامة ممتد بينهما فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت فيجب أن تنظر إليهما جميعا وتركب منهما طريقا دقيقا وتسلكه. نسأل الله السلامة (واعلم) أن النفس إذا كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر مظلما وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك وهذا من سوء الظن بالله وصل إلى حال اليأس من الرحمة ووقع في القنوط كفر
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لضعفه وظاهر صنيعه أن الديلمي أسنده والأمر بخلافه بل بيض له ولم يذكر سندا وقال ابن حجر في الفتح خرجه ابن مردويه عن ابن عمر يرفعه بسند ضعيف(2/78)
1377 - (أكبر أمتي) أي من أعظمهم قدرا (الذين لم يعطوا فيبطروا) أي يطغوا عند النعمة (ولم يقتر) أي يضيق (عليهم) في الرزق (فيسألوا) الناس: يعني الذين ليسوا بأغنياء إلى الغاية ولا فقراء إلى الغاية وهم أهل الكفاف والمراد من أكبرهم أجرا لشكرهم على ما أعطوا وصبرهم على الكفاف
(تخ والبغوي) أبو القاسم (وابن شاهين) الأنصاري كلاهما في الصحابة من طريق شريك بن أبي عز (عن الجذع) ويقال ابن الجزع (الأنصاري) قال أبو موسى لا أدري هو ثعلبة بن زيد أو آخر. قال ابن حجر: قلت بل هو غيره(2/78)
1378 - (اكتحلوا بالإثمد) الحجر المعدني المعروف وقيل كحل أصبهاني أسود (المروح) بالبناء للمفعول: أي المطيب بنحو مسك كأنه جعل له رائحة بعد أن لم تكن (فإنه يجلو البصر) أي يزيد نور العين (وينبت الشعر) أي شعر الأهداب جمع هدب وإنبات شعرها مرمة للعين لأن الإشعار ستر الناظر ولولاها لم يقو الناظر على النظر فإنما يعمل ناظر العين من تحت الشعر فالكحل ينبته وهو مرمته وأما جلاء البصر فإنه يذهب بغشاوته وما يتحلب من الماق ومن فضول الدموع والبلة طبيعية ينشفه الإثمد ويمنع الغشاء والغين عن الحدقة. قال ابن محمود شارح أبي داود وتحصل سنة الإكتحال بتوليه بنفسه وفعل غيره بأمره وينشأ عنه جواز الوكالة في العبادة. اه. وأقول القياس الحصول ولو بلا أمر حيث قارنت نيته فعل غيره كما لو وضأه غيره بغير إذنه أولى
(حم عن أبي النعمان الأنصاري) [ص:79] لم أره في أسد الغابة ولا في التجريد والذي فيهما أبو النعمان الأزدي وأبو النعمان غير منسوب. فليحرر(2/78)
1379 - (أكثر أهل الجنة البله) بضم فسكون: أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر وهم عقلاء قال الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول وقال:
ولقد لهوت بطفلة ميالة. . . بلهاء تطلعني على أسرارها
قال الزمخشري في صفة الصلحاء: هينون لينون غير أن لا هوادة في الحق ولا دهانة بله خلان غوصهم على الحقائق يعمر الألباب والأذهان وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها فأقبلوا على آخرتهم فشغلوا بها فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهلها. وقال الغزالي: الأبله البليد في أمور الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعا وهما علمان متنافيان. فمن صرف عنايته إلى أحدهما قصرت بصيرته عن الأخرى على الأكثر ولذلك ضرب علي كرم الله وجهه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما كفتي ميزان وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى ولذلك ترى الأكياس في علم الدنيا وفي علم الطب والهندسة والحساب والفلسفة جهالا في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالا بعلوم الدنيا غالبا لعدم وفاء قوة العقل بهما فيكون أحدهما مانعا من الكمال في الثاني (1) ولذلك قال الحسن: أدركنا أقواما لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم لقالوا شياطين فمهما سمعت أمرا غريبا من أمور الدين الذين جحده أهل الكياسة أو في سائر العلوم فلا ينفرنك جحودهم عن قبولها إذ من المحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب فكذا مجرى أمر الدنيا والآخرة فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن سخره الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس أما قلوب غيرهم فإذا اشتغلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وعكسه اه
(البزار) في مسنده (عن أنس) وظاهر صنيع المصنف أن البزار خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل ضعفه فعزوه له مع حذف ما عقبه به من تضعيفه غير سديد ووجه ضعفه ما قال الهيثمي إن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره. وقال الزين العراقي في هذا الحديث قد صححه الدارقطني في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي إنه منكر وسبقه له ابن الجوزي: حديث لا يصح وقال ابن عدي حديث منكر وقال الدارقطني تفرد به سلامة عن عقيل وهو ضعيف
_________
(1) [إلا في النادر القليل ممن وهبه الله عقلا خارقا ودينا صافيا وقلبا منيرا والنادر لا حكم له. وذلك كله كما قال الغزالي في الغالب فقط وهو أيضا بشأن من طلب النبوغ في هذه العلوم فيضطر لتكريس ذهنه وجميع قواه لذلك أما بشأن غيره فالأمر بالعكس حيث يتصف المتمسك بالشريعة والمحب للآخرة بما لا يتصف به غيره من مقومات النجاح الباهر كالإخلاص في القصد وفي النصح وكقوة الهمة وتأييد المولى العزيز كما هو مشاهد بين الصغار والكبار من المدارس إلى المهن على اختلافها فليتنبه
(وانظر شرح الحديث 4187) دار الحديث](2/79)
1380 - (أكثر خرز الدنيا) لفظ رواية أبي نعيم: أكثر خرز أهل الجنة وهو كذلك في نسخ (العقيق) بفتح العين المهملة وقافين أولهما مكسورة بينهما مثناة تحتية: أي هو أكثر حليهم الذين يحلون به ويحتمل أن المراد أنه أكثر خرزها الملقى في عرصاتها بمنزلة الحصى والرمال في الدنيا
(حل) من حديث محمد بن الحسن بن قتيبة عن عبيد بن الغازي عن مسلم بن عبد الله الزاهد عن القاسم بن معين عن أخته أمينة عن عائشة بنت سعد (عن عائشة) أم المؤمنين هكذا رواه في نسخ ابن الحلية وفي بعضها بدل سالم مسلم بن ميمون الخواص الزاهد فأما مسلم بن عبد الله فقال في الميزان وهاه ابن حبان قال وله بلايا منها هذا الحديث وقال ابن الجوزي: هو كذاب وأما مسلم بن ميمون فعده الذهبي من الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن حبان بطل الاحتجاج به وقال أبو حاتم لا يكتب حديثه وقال غيره له مناكير ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السخاوي طرق العقيق كلها ضعيفة واهية(2/79)
1381 - (أكثر خطايا ابن آدم من) وفي رواية في (لسانه) لأنه أكثر أعضائه عملا وهو صغير جرمه عظيم جرمه فمن [ص:80] أطلق عذبة لسانه مرخى العنان ملك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع
(طب هب) من حديث أبي وائل (عن ابن مسعود) قال ارتقى ابن مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره. قال المنذري: رواة الطبراني رواة الصحيح وإسناد البيهقي حسن وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده حسن وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لضعفه(2/79)
1382 - (أكثر عذاب القبر من) وفي رواية في (البول) أي من عدم التنزه منه لأن عدم التنزه منه يفسد الصلاة وهي عماد الدين وأفضل الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد فعذاب القبر حق عند أهل السنة وهو ما نقل متواترا فيجب اعتقاده ويكفر منكره. وقال الولي العراقي: وإنما كان أكثر عذاب القبر منه دون غيره من النجاسات لأن وقوع التقصير فيه أكثر لتكرره في اليوم والليلة ويحتمل أن يقال نبه بالبول على ما سواه فجميع النجاسات في معناه. اه. وفيه وجوب إزالة النجاسة لأن الوعيد لا يكون إلا على الواجب بل على كبيرة
(حم هـ ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) قال الضياء المقدسي سنده حسن. قال مغلطاي: وما علم أن الترمذي سأل عنه البخاري فقال حديث صحيح. اه. وقال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة. قال المنذري وهو كما قال وأقره الذهبي(2/80)
1383 - (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل) أي الافتتان برجل زائغ (يتأول القرآن) أي شيئا من أحكامه أو غيرهما بتأويل باطل بحيث (يضعه على غير مواضعه) كتأويل الرافضة {مرج البحرين يلتقيان} أنهما علي وفاطمة {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين وكتأويل بعض المتصوفة {من ذا الذي يشفع عنده} أن المراد من ذي يعني النفس وتأويل المبتدعة مسطورة مشهورة فليراجعه من أراد (ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره) يعني الخلافة وهناك من هو مستجمع لشروطها وليس بمستجمع لها فإن فتنته شديدة لما يسفك بسببه من الدماء وينهب من الأموال ويستباح من الفروج والمحارم
(طس عن عمر) ابن الخطاب وكلامه يوهم أنه غير معلول وليس بمقبول فقد أعله الهيثمي بأن فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو متروك(2/80)
1384 - (أكثر منافقي أمتي قراؤها) أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه فكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة. ذكره ابن الأثير. وقال الزمخشري: أراد بالنفاق الرياء لأن كلا منهما إرادة ما في الظاهر خلاف ما في الباطن. اه. وبسطه بعضهم فقال: أراد نفاق العمل لا الاعتقاد ولأن المنافق أظهر الإيمان بالله لله وأضمر عصمة دمه وماله. والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا والقارئ أظهر أنه يريد الله وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب ويرى نفسه أهلا له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن <تنبيه> قال الغزالي: أحذر من خصال القراء الأربعة: الأمل والعجلة والكبر والحسد قال وهي علل تعتري سائر الناس عموما والقراء خصوصا ترى القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير فيقطع عنه وتراه [ص:81] يحسد نظراءه على ما أتاهم الله من فضله فربما يبلغ به مبلغا يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي: ما أخاف على ذمي إلا القراء والعلماء فاستنكروا منه ذلك فقال ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي. وقال عطاء: احذروا القراء واحذروني معهم فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول أنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر. وقال الفضيل لابنه: اشتروا دارا بعيدة عن القراء. ما لي والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني وإن ظهرت علي حسنة حسدوني ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبسا وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما جاءه من الله منشور بالجنة والبراءة من النار أو كأنه استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس ثم مع ذلك يلبس لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر
(حم طب هب عن ابن عمرو) بن العاص قال في الميزان إسناده صالح (حم طب عن عقبة بن عامر طب عد عن عصمة بن مالك) قال الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وقال الهيثمي أحد أسانيد أحمد ثقات سند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف(2/80)
1385 - (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) وفي رواية بالنفس وفسر بالعين وذلك لأن هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم بالشهوات فعوقبوا بآفة العين فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة كانت عينه أعظم والذم له ألزم {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} فلما فضلهم الله باليقين لم يرض منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة الله عليهم وتفضيله لهم. ذكره الحكيم
(الطيالسي) أبو داود (تخ والحكيم) الترمذي (والبزار) في مسنده والضياء في المختارة كلهم عن جابر بن عبد الله قال الحافظ في الفتح سنده حسن وتبعه السخاوي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للبزار رجاله رجال الصحيح خلا طلب ابن حبيب ابن عمرو وهو ثقة(2/81)
1386 - (أكثر الناس ذنوبا) وفي رواية أكثرهم خطايا (يوم القيامة) خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف الحقائق (أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه) أي شغله بما لا يعود عليه نفع أخروي لأن من كثر كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ: وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي مات رجل فقيل له أبشر بالجنة فقال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يخل بما يعنيه والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض العينية. وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض والمصائب
(ابن لال) أبو بكر (وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه (السجزي في) كتابه (الإبانة) عن أصول الديانة (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (عن سلمان) الفارسي الأسلمي عظيم الشأن من أهل بيعة الرضوان (موقوفا) عليه رمز المصنف لضعفه وفيه كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى وذلك يرقيه إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث هذا الكتاب أوهى إسنادا [ص:82] من هذا بمراحل لاعتضاده بما دون ذلك الثاني أن له طريقا جيدة أغفلها فلو ذكرها واقتصر عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب وهي ما رواه الطبراني بلفظ: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل. اه. قال الهيثمي ورجاله ثقات. اه والخلف لفظي بين الحديثين عند التدقيق فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي الفطن(2/81)
1387 - (أكثر من أكلة كل يوم سرف) تمامه عند مخرجه البيهقي: والله لا يحب المسرفين. اه. وذلك لأن الأكلة فيه كافية لما دون الشبع وذلك أحسن لاعتدال البدن وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة. ومن علامات الساعة ظهور السمن في الرجال وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه وما دخلت الحكمة معدة ملئت طعاما والمؤمن يأكل في معاء واحد والكافر في سبعة. وقال الحسن البصري: وددت أني أكلت أكلة من حلال فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاث مئة سنة. وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم الحكمين: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطينا <تنبيه> قال ابن العربي: للجوع حال ومقام فحاله الخشوع والخضوع والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الرديئة. هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة الإلهية والسلطان الرباني ومقامه المقام الصمداني وهو مقام عال له أسرار وتجليات فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط. والجوع يورث معرفة الشيطان. اه
(هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة(2/82)
1388 - (أكثرت عليكم) في استعمال (السواك) أي في شأنه وأمره وبالغت في تكرير طلبه منكم. وحقيق أن أفعل أو في إيراد الأخبار بالترغيب فيه وحقيق أن تطيعوا أو أطلت الكلام فيه وحق له ذلك لكثرة فوائده وجموم فضائله فمنها كما في الرونق: أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق ويذكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ بالشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت وغير ذلك قالوا: والحث عليه بتناول الفعل عند كل الصلوات والجمعة أولاها لأنه يوم ازدحام فشرع فيه تنظيف الفم تطيبا للنكهة الذي هو أقرب من الغسل <تنبيه> حكى الكرماني أنه روى بصيغة المجهول قال الطيبي: وفائدة هذا الأخبار مع كونهم عالمين إظهار الاهتمام بشأنه وتوخي ملازمتهم إياه لكونه مطهرة للفم مرضاة للرب
(خ ن عن أنس) بن مالك(2/82)
1389 - (أكثر أن تقول سبحان الملك القدوس) المنزه عن سمات النقص وصفات الحدوث (رب الملائكة والروح) عطف خاص على عام وهو جبريل أو ملك أعظم خلقا أو حاجب الله الذي يقوم بين يديه أو ملك له سبعون ألف وجه ولكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله بها يخلق مع كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة أخرجه ابن جرير عن علي بسند ضعيف (جللت) أي عممت وطبقت (السماوات والأرض بالعزة) أي بالقوة والغلبة (والجبروت) فعلوت من الجبر وهو القهر وهذا الحديث قد بوب عليه في الأذكار: باب ما يقوله من بلي بالوحشة
(ابن [ص:83] السني والخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف فيها (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن البراء) بن عازب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو إليه الوحشة فقال أكثر. إلخ فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب(2/82)
1390 - (أكثر من الدعاء فإنه يرد القضاء المبرم) أي المحكم: يعني بالنسبة لما في لوح المحو والإثبات أو لما في صحف الملائكة لا للعلم الأزلي فإنه لا زيادة فيه ولا نقص. قال القاضي: والقضاء هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدر تعلق تلك الأشياء بالإرادة في أوقاتها. اه. وابرام الشيء إحكامه. قال في الصحاح: أبرم الشيء أحكمه قال الزمخشري: ومن المجاز أبرم الأمر وأمر مبرم
(أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس) وفيه عبد الله بن عبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء. وقال قال ابن معين ليس بشيء ورقم علامة الشيخين ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لأبي الشيخ مع وجود لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس المذكور(2/83)
1391 - (أكثر من السجود) أي من تعدده بالإكثار من الركعات أو من إطالته والأول هو الملائم لقوله (فإنه) أي الشأن (وليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة) صحيحة (إلا رفعه الله بها درجة في الجنة) التي هي دار الثواب (وحط عنه بها خطيئة) أي محا عنه بها ذنبا من ذنوبه فلا يعاقبه عليه ولا بدع في كون الشيء الواحد يكون رافعا ومكفرا كما سبق ويجيء
(ابن سعد) في الطبقات (حم) كلاهما (عن أبي فاطمة)(2/83)
1392 - (أكثر) يا عباس (الدعاء بالعافية) أي بدوامها واستمرارها عليك فإن من كملت له العافية علق قلبه بملاحظة مولاه وعوفي من التعلق بسواه. قال الديلمي وهذا قاله لعمه حين قال يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله
(ك عن ابن عباس) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: يا عم أكثر إلخ ورواه عنه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي وفيه عند هلال بن جناب وهو ثقة وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات(2/83)
1393 - (أكثر الصلاة) النافلة التي لا تشرع لها جماعة (في بيتك) أي في محل سكنك بيتا أو غيره (يكثر خير بيتك) لعود بركتها عليك (وسلم على من لقيت من أمتي) أمتي الإجابة (تكثر حسناتك) بقدر إكثارك السلام على من لقيته منهم عرفته أم لم تعرفه فالسلام سنة مؤكدة محثوث عليها
(هب عن ابن عباس) الذي وقفت عليه في الشعب إنما هو عن أنس ثم إن فيه محمد بن يعقوب الذي أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير وعلي بن الجند قال في الذيل قال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم خبره موضوع وفي اللسان كأصله نحوه وعمرو بن دينار متفق على ضعفه(2/83)
1394 - (أكثر من) قول (لا حول) أي تحويل للعبد عن معصية الله (ولا قوة) على طاعته (إلا بالله) أي إلا بأقداره وتوقيفه [ص:84] (فإنها) أي الحوقلة (من كنز الجنة) يعني لقائلها ثواب نفيس مدخر في الجنة فهو كالكنز في كونه نفيسا مدخرا لاحتوائها على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة عنه وأثبت لله وحده على سبيل الحصر لم يخرج عن ملكه وملكوته
(ع طب عن أبي أيوب) الأنصاري(2/83)
1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك) من السلو وهو الترك بلا ندامة وفي تذكرة القرطبي قيل يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة. وقال السدي في قوله تعالى {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا (عما سواه) لأن من يذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاءه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة. قال الراغب: والذكر وجود الشيء في القلب أو في اللسان: وذلك أن الشيء له أربع وجودات: وجوده في ذاته ووجوده في قلب الإنسان ووجوده في لفظه ووجوده في كتابته فوجوده في ذاته سبب لوجوده في القلب ووجوده في القلب سبب لوجوده في اللسان ولوجوده في الكتابة. وقد يقال للوجودين أي الوجود في القلب والوجود في اللسان الذكر ولا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن عن ذكر في القلب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلا) ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعليا فهو تابعي(2/84)
1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع أما بمهملة فمعناه مزيل الشيء من أصله (اللذات الموت) بجره عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني. قال الطيبي: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه أزجر للمعصية وأدعى للطاعة
(ت ن هـ ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل) عن عمر بن الخطاب(2/84)
1397 - (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا) يعني المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ فرحا وسرورا وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع لشرف المعلوم وشرف الشيء بسبب الحاجة إليه وليست حاجة الأرواح بشيء أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به <تنبيه> قال في الأذكار لا إله إلا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة الأجلة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول إلا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمرهم بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال على ذكر الله وإكثاره وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل [ص:85] لا كراهة فيه (1) ذكره في فتاويه الحديثية وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها
(حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه على كونه حسنا وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات
_________
(1) هذا مردود بقوله صلى الله عليه وسلم جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم. الحديث(2/84)
1398 - (أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصا يعني أكثروا ذكره وإن رموكم بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئا والله مع الصابرين الذاكرين
(ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة وسكون الواو ابن عبد الله الربعي بفتح الراء المشددة والموحدة تابعي كبير(2/85)
1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من الأمل والدنيا (إلا قلله) أي صيره قليلا (ولا في قليل) من العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلا عظيما كثيرا فإن العبد إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها أجلا وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى آخره مع قوله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} ما يكف السامع له ويشف الناظر فيه ومن ثم قال معبد الجهيني نعم مصلحة القلب ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني ويهون المصائب ويحول بين القلب والطغيان وقال الحكماء من ذكر المنية نسي الأمنية وقال الحافظ وجد مكتوبا على حجر لو رأيت يسير ما بقي من عمرك لزهدت في ما ترجو من أملك ولرغبت في الزيادة من عملك وأقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك غدا ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وتبرأ منك القريب وانصرف عنك الحبيب وقال التميمي: شيئان قطعا عني لذة النوم ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل وكان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقراء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة وكان النووي إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياما فإن سئل عن شيء قال لا أدري لا أدري وذكر عند المصطفى صلى الله عليه وسلم رجل فأثنى عليه فقال كيف ذكره للموت فلم يذكر ذلك منه فقال ما هو كما تقولون وقال اللفاف: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته فيا للموت من وعد ما أصدقه ومن حاكم ما أعدله فكفى بالموت مفرحا للقلوب ومبكيا للعيون ومفرقا للجماعة وهاذما للذات وقاطعا للأمنيات
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مر النبي صلى الله وسلم بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون فذكره رمز المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال ابن الجوزي حديث لا يثبت(2/85)
[ص:86] 1400 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع وبمهملة مزيل وليس مرادا هنا كذا في روض السهيلي قال ابن حجر وفي ذا النفي نظر (اللذات) الموت (فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه) قال العسكري لو فكر البلغاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لعلموا أنه أتى بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووصف به نظما ونثرا ولهذا كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الموت يقطر جلده دما قيل ولا يدخل ذكر الموت بيتا إلا رضي أهله بما قسم لهم وقال أبو نواس
ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا. . . أما والله ما ماتوا لتبقى
وقال أبو حمزة الخراساني: من أكثر ذكر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان. وقال القرطبي: ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين ضيق وسعة ونعمة ومحنة فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها. وقال الغزالي: الموت خطر هائل وخطب عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل مشغول بالشهوات فلا ينجع ذكره فيه فالطريق أن يفرغ قلبه عن كل شيء إلا ذكر الموت الذي هو بين يديه كمن يريد السفر فإذا باشر ذكر الموت قلبه أثر فيه فيقل حركته وفرحه بالدنيا وينكسر قلبه وأنفع طريق فيه أن يذكر أشكاله فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في أحوالهم ومناصبهم التي كانوا عليها في الدنيا ويتأمل كيف محى التراب حسن صورهم وتبددت أجزاؤهم في قبورهم ويتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وخلت مجالسهم وانقطعت آثارهم
(حب هب عن أبي هريرة) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس وهم يضحكون فذكره وفيه عبد العزيز بن مسلم أي المدني أورده الدارقطني والذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال لا يعرف ومحمد بن عمرو بن علقمة ساقه فيهم أيضا وقال قال الجرجاني غير قوي وقواه غيره (البزار عن أنس) قال الهيثمي كالمنذري وإسناده حسن انتهى وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لصحته(2/86)
1401 - (أكثروا ذكر الموت فإنه) أي ذكره (يمحص الذنوب) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم) وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته فزهد في أمنيته ورضي بأدنى عيشته <تنبيه> قد أخذ بعض الشعراء هذا الحديث فقال:
ماذا تقول وليس عندك حجة. . . لو قد أتاك منغص اللذات
ماذا تقول إذا حللت محلة. . . ليس الثقات من أهلها بثقات
وقال آخر:
اذكر الموت هاذم اللذات. . . وتجهز لمصرع سوف يأتي
(ابن أبي الدنيا) في ذكر الموت (عن أنس) قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف جدا وفي الباب عن أبي سعيد عند [ص:87] العسكري وغيره قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوجد الناس يكثرون فذكره(2/86)
1402 - (أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر) أي ليلة الجمعة ويومها قدم الليلة على اليوم لسبقها في الوجود ووصفها بالغراء لكثرة الملائكة فيها وهم أنوار لخصوصيتها بتجل خاص واليوم بالأزهر لأنه أفضل أيام الأسبوع هذا قصارى ما قيل في توجيهه وأقول إنما سمي أزهر لأنه يضيء لأهله لأجل أن يمشوا في ضوئه يوم القيامة يرشد إلى ذلك ما قال الحاكم عن أبي موسى مرفوعا إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيأتها وتبعث الجمعة زهراء منيرة لأهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم يسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجبا حتى يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون قال الحاكم خبر شاذ صحيح السند وأقره الذهبي (فإن حلاتكم تعرض علي) وكفى بالعبد شرفا ونبلا وفخرا ورقعة وقدرا أن يذكر اسمه بالخير بين يديه صلى الله عليه وسلم وتتمته كما في شرح مسند الشافعي للرافعي وغيره قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أي لأن أجسادهم نور والنور لا يتغير بل ينتقل من حالة إلى حالة
(هب عن أبي هريرة عد عن أنس) بن مالك (ص) في سننه (عن الحسن) البصري (وخالد بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف (مرسلا) فقيه كبير ثبت مهاب مخلص يسبح في اليوم والليلة أربعين ألف تسبيحة ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال الحاقظ العراقي وفيه عبد المنعم بن بشير ضعفه ابني معين وحبان وقال إبن حجر: متفق على ضعفه(2/87)
1403 - (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها) وذكر أبو طالب أن أقل الأكثرية ثلاث مئة مرة والوارد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ألفاظ كثيرة أشهرها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
(هـ عن أبي الدرداء) تتمته قلت وبعد الموت قال وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال الدميري رجاله ثقات(2/87)
1404 - (أكثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي) والمراد أمة الإجابة (تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة) فإن قلت هذا العرض مقيد بكل جمعة وما سبق مطلق فكيف الجمع قلنا إما أن يحمل المطلق على المقيد إن صحت الطرق أو يقال العرض يوم الجمعة على وجه خاص وقبول خاص لأنه أفضل الأيام بالنسبة لأيام الأسبوع
(هب) من حديث مكحول (عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المهذب بأن مكحولا لم يلق أبا أمامة فهو منقطع(2/87)
1405 - (أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا) أي بأعماله التي منها الصلاة باستحقاق رفعة [ص:88] درجته وعلو منزلته (أو شافعا) شفاعة خاصة اعتناءا به (يوم القيامة) ووجه مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها أن يوم الجمعة سيد الأيام والمصطفى سيد الأنام فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير تناله أمة في الدارين فإنما هو بواسطته وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة وهي بعثهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة وكما أن لهم عيد في الدنيا فكذا في الآخرة فإنه يوم المزيد الذي يتجلى لهم الحق تعالى فيه وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى صلى الله عليه وسلم فمن شكره إكثار الصلاة عليه فيه
(هب عن أنس) رمز المصننف لحسنه وليس كما قال فقد قال الذهبي: الأحاديث في هذا الباب عن أنس طرقها ضعيفة وفي هذا السند بخصوصه درست بن زياد وهاه أبو زرعة وغيره ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره متروك(2/87)
1406 - (أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم) أي هي سبب لمغفرتها وعدم المواخذة بجرائمها (واطلبوا لي الدرجة الوسيلة فإن وسيلتي عند ربي شفاعتي) وفي نسخ شفاعته فليحرر. (لكم) أي لأهل النار من عصاة المؤمنين بمنع العذاب أو منع دوامه ولأهل الجنة برفع الدرجات وإجزال المثوبات
(ابن عساكر) في تاريخه (عن الحسن ابن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنهما(2/88)
1407 - (أكثروا من الصلاة على موسى) كليم الله وعلل ذلك بقوله (فما رأيت) أي علمت (أحدا من الأنبياء أحوط على أمتي) أي أكثر ذبا (منه) عنهم وأجلب لمصالحهم وأشفق عليهم وقد اهتم شأن هذه الأمة وأمر ليلة الإسراء لما فرض الله الصلاة عليهم خمسين بمراجعته المرة بعد المرة حتى صارت خمسا قال الفخر الرازي السبب في هذه الصلاة أن روح الإنسان ضعيفة لا تستعد لقبول الأنوار الإلهية فإذا استحكمت العلاقة بين روحه وأرواح الأنبياء فالأنوار الفائضة من عالم الغيب على أرواح الأنبياء تنعكس على أرواح المصلين عليهم بسبب إنعكاس مثال الشمس والطست المملوء ماء
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك(2/88)
1408 - (أكثروا في الجنازة قول لا إله إلا الله) أي أكثروا حال تشييعكم للموتى من قولها سرا فإن بركة كلمة الشهادة تعود على الميت والمشيعين وهذا بظاهره يعارضه ما ذكره الشافعية من أفضلية السكوت والتفكير في شأن الموت وأهوال الآخرة
(فرعن أنس) بن مالك بسند فيه مقال(2/88)
1409 - (أكثروا من قول القرينتين) وهما (سبحان الله وبحمده) فإنهما يحطان الخطايا ويرفعان الدرجات كما يجىء في خبر والقرين الذي لا يفارق
(ك في تاريخه عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لضعفه ووجهه أن فيه جماعة من رجال الشيعة كلهم متكلم فيهم(2/88)
[ص:89] 1410 - (أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله) أي أكثروا النطق بها على مطابقة القلب (قبل أن يحال بينكم وبينها) بالموت فلا تسطيعون الإتيان بها وما للعمر إذا ذهب مسترجع ولا للوقت إذا ضاع مستدرك (ولقنوها موتاكم) أي لا إله إلا الله فقط يعني من حضره الموت فيندب تلقينه لا إله إلا الله ولا يلقن محمد رسول الله خلافا لجمع ويلقن كلمة الشهادة مرة فقط بلا إلحاح ولا يقال له قل بل يذكرها عنده
(ع عد) وكذا الخطيب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وتقدمه الحافظ العراقي مبينا لعلته فقال فيه موسى بن وردان مختلف فيه انتهى ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي. أما طريق أبي يعلى فقد قال الحافظ الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير ضمام بن إسماعيل وهو ثقة انتهى وبذلك يعرف أن إطلاق رمز المصنف لضعفه غير جيد(2/89)
1411 - (أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة) أي ثوابها نفيس مدخر في الجنة كما يدخر الكنز ويحفظ في الدنيا قال الأكمل إنما طريقه التشبيه شبه أنفس ثواب مدخر في الجنة بأنفس مال مدخر تحت الأرض في أن كل واحد منهما معد للانتفاع به بأبلغ انتفاع
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف(2/89)
1412 - (أكثروا من تلاوة القرآن في بيوتكم) أي أماكنكم التي تسكنوها بيتا أو غيره (فإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره ويكثر شره ويضيق على أهله) أي يضيق رزقه عليهم لأن البركة والنماء وزيادة الخير تابعة لكتاب الله فحيثما كان كانت وذلك بين العارفين كالمحسوس
(خط في الأفراد عن أنس) ابن مالك (وجابر) ابن عبد الله ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه فإنه أورده من حديث عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسلم عن سعيد بن يزيع وضعفه فرمز لحسنه غير حسن(2/89)
1413 - (أكثروا من غرس الجنة فإنه عذب ماؤها طيب ترابها) بل هو أطيب الطيب إذ هو المسك والزعفران (فأكثروا من غراسها) وهو قول (لا حول ولا قوة) أي لا حركة ولا حيلة (إلا بالله) أي إلا بمشيئته وأقداره وتمكينه
(طب عن ابن عمر) ابن الخطاب قال الهيثمي وفيه عقبة بن علي وهو ضعيف(2/89)
1414 - (أكذب الناس) أي من أكثرهم كذبا (الصباغون والصواغون) صباغوا الثياب وصاغة الحلي لأنهم يمطلون بالمواعيد الكاذبة أو الذين يصبغون الكلام ويصوغونه أي يغيرونه ويزينونه بلا أصل وإرادة الحقيقة أقرب
(حم عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في المهذب فيه فرقد السنجي وثقه ابن معين وقال أحمد ليس بقوي وقال الدارقطني وغيره ضعيف انتهى وقال السخاوي سنده مضطرب ولهذا أورده ابن الجوزي في العلل وقال [ص:90] لا يصح وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه ابن ماجه من هذا الوجه(2/89)
1416 - (أكرم الناس) عند الله (أتقاهم) لأن أصل الكرم كثرة الخير فلما كان المتقي كثير الخير والفائدة في الدنيا وله الدرجات العليا في الآخرة كان أعم الناس كرما فهو أتقاهم فلا عبرة بظاهر الصور {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فرب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا
(خ عن أبي هريرة) قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم وظاهر إفراد المصنف للبخاري بالعزو تفرد به عن صاحبه وهو عجيب فقد خرجه مسلم في المناقب عن أبي هريرة المذكور باللفظ المسطور ولفظه قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الإسلام إذا فقهوا(2/90)
1415 - (أكرم المجالس) أي أشرفها (ما استقبل به القبلة) فيسن استقبالها في الجلوس للعبادات سيما الدعاء وأخذ منه النووي وغيره أن يسن للمدرس ونحوه أن يستقبل عند التدريس القبلة إن أمكن قال الواحدي القبلة الوجهة وهي الفعلة من المقابلة وأصل القبلة لغة الحالة التي يقابل الشخص غيره عليها لكنها الآن صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة وقال الهروي سميت قبلة لأن المصلي يقابلها وتقابله
(طس عد عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه المنذري ورواه عنه أيضا أبو يعلى قال السمهودي وفي إسناد كل منهما متروك انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه(2/90)
1417 - (أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) أي أكرمهم أصلا يوسف فإنه جمع شرف النبوة وشرف النسب وكونه ابن ثلاثة أنبياء متناسقة فهو رابع نبي في نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره وضم له أشرف علم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرغبة وشفقته عليهم وقد يوجد في المفضول مزايا لا توجد في الفاضل فلا ينافي كون غيره أكرم على ربه منه وقول القاضي المراد أكرم الناس الذين هم أهل زمانه غير سديد لأن ما أطبقوا عليه منه التوجيه المذكور أعني قولهم لأنه جمع إلى آخره لا يلائمه
(ق عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس فذكره قال الهيثمي وفيه عنده بقية مدلس وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ورواه الطبراني عن أبي الأحوص وزاد بعد إسحاق ذبيح الله وبعد إبراهيم خليل الله(2/90)
1418 - (أكرم شعرك) بصونه من نحو وسخ وقذر وإزالة ما اجتمع فيه من نحو قمل (وأحسن إليه) بترجيله ودهنه افعل ذلك عند الحاجة أو غبا ومن إكرامه دفن ما انفصل منه. قال في الفردوس كان لأبي قتادة جمة خشنة جعدة فكان يدهن في اليوم مرتين
(ن عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي وابن منيع(2/90)
1419 - (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) بأن تعلموهم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وتخرجوهم في الفضائل وتمرنوهم على المطلوبات الشرعية ولم يرد إكرامهم بزينة الدنيا وشهواتها والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا واجتماع خصال الخير أو وضع الأشياء موضعها أو الأخذ بمكارم الأخلاق أو الوقوف مع كل مستحسن أو تعظيم من فوقك والرفق [ص:91] بمن دونك أو الظرف وحسن التنازل أو مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطالعة الحقائق بقطع العلائق قال بعض العارفين: الأدب طبقات فأكثر طبقات أدب أهل الدنيا في الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأشعار العرب وأدب أهل الدين رياضة النفس وترك الشهوات وأدب الخواص طهارة القلوب
(هـ) وكذا القضاعي (عن أنس) وفيه سعيد ابن عمارة قال الذهبي قال الأزدي متروك عن الحارث بن النعمان قال في الميزان قال البخاري منكر الحديث ثم ساق له من مناكيره هذا الخبر(2/90)
1420 - (أكرموا حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب بالإجلال والإحسان (فمن أكرمهم فقد أكرمني) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي ومن أكرمني فقد أكرم الله ألا فلا تنقصوا حملة القرآن حقوقهم فإنهم من الله بمكانة كاد حملة القرآن أن يكونوا أنبياء إلا أنهم لا يوحى إليهم انتهى بحروفه فحذفه غير جيد
(فر) وكذا الدارقطني وعنه من طريقه خرجه الديلمي مصرحا فإهماله الأصل وعزوه للفرع غير لائق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أعني الديلمي غريب جدا من رواية الأكابر عن الأصاغر انتهى قال السخاوي وفيه من لا يعرف وأحسبه غير صحيح انتهى وأقول فيه خلف الضرير أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن الجوزي روى حديثا منكرا كأنه يشير إلى هذا(2/91)
1421 - (أكرموا المعزى) بكسر الميم وتفتح بالقصر والمد من الغنم خلاف الفنان (وامسحوا برغامها) بفتح الراء وبغين معجمة والأشهر مهملة فعلى الأول المراد مسح التراب عنها إذ الرغام بالفتح التراب وعلى الثاني ما يسيل من أنفها من نحو مخاط والأمر فيه للإصلاح والإرشاد (فإنها من دواب الجنة) أي نزلت منها أو تدخلها بعد الحشر أو من نوع ما في الجنة بمعنى أن في الجنة أشباهها وشبيه الشيء يكرم لأجله
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيثمي فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو متروك انتهى ورواه عنه أيضا الديلمي بنحوه(2/91)
1422 - (أكرموا المعزى وامسحوا الرغم عنها) رعاية وإصلاحا لها (وصلوا في مراحها) بضم الميم مأواها ليلا والأمر للإباحة (فإنها من دواب الجنة) على ما تقرر فيما قبله وجاء في أخبار أن الضأن كذلك وإنما أفرد المعزى هنا لأنه سئل عنها فذكره
(عبد بن حميد) بغير إضافة كما مر (عن أبي سعيد) الخدري(2/91)
1423 - (أكرموا الخبز) بسائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة وقول غالب القطان من كرامته أن لا ينتظر به الأدم غير جيد لما سبق أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة ومن كلام الحكماء الخبز يباس ولا يداس قال بعضهم ومن إكرامه أن لا يوضع الرغيف تحت القصعة ومن ثم أخرج الترمذي عن سفيان الثوري أنه كان يكره ذلك وكره بعض السلف أيضا وضع اللحم والآدام فوق الخبز قال زين الحفاظ العراقي وفيه نظر ففي الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وضع ثمرة على كسرة وقال هذه أدام هذه وقد يقال المكروه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته كالسمك واللحم وأما التمر فلا يلوث ولا يغير
(ك هب عن عائشة) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وفيه قصة ورواه البغوي في معجمه وابن قتيبة في غريبه عن ابن عباس ورواه ابن الصلاح [ص:92] في طبقاته عن ابن عبدان بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ أكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر(2/91)
1424 - (أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله) لفظ رواية الطبراني فيما ذكره المؤلف عنه في الموضوعات فمن أكرم الخبز فقد أكرم الله فليحرر وإكرامه أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار قال الغزالي: وروى أن عابدا قرب إلى بعض إخوانه رغفانا فجعل يقلبها ليختار أجودها فقال له العابد: مه أي شيء تصنع أما علمت أن في الرغيف الذي رغبت عنه كذا وكذا حكمة وعمل فيه كذا وكذا صانع حتى استدار من السحاب الذي يحمل الماء والماء الذي يسقي الأرض والرياح وبني آدم والبهائم حتى صار إليك ثم بعد ذلك تقلبه أنت ولا ترضى به قال الغزالي: وفي الخبر لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل به ثلاث مئة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملائكة الهواء وداوب الأرض وآخر ذلك الخباز {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وروى الدارقطني عن أبي هريرة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقطع الخبز بالسكين وقال أكرموه فإن الله تعالى قد أكرمه قال الدارقطني تفرد به نوح بن مريم وهو متروك
(طب عن أبي سكينة) نزيل حمص أو حماه ويقال اسمه محلم بن سوار قال الذهبي والأظهر أن حديثه مرسل انتهى وقال الهيثمي فيه خلف بن يحيى قاضي السربي وهو ضعيف وأبو سكينة قال ابن المدائني لا صحبة له وقال غيره فيه خلف بن يحيى قاضي الري قال الذهبي في الضعفاء قال أبو حاتم كذاب انتهى وأورده المصنف في الموضوعات كابن الجوزي(2/92)
1425 - (أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء) يعني المطر (وأخرجه من بركات الأرض) أي من نباتها وذلك لأن الخبز غذاء البدن والغذاء قوام الأرواح وقد شرفه الله وجعله من أشرف الأرزاق وأنزله من بركات السماء نعمة منه فمن رمى به أو طرحه مطرح الرفض والهوان فقد سخط النعمة وكفرها وإذا جفا العبد نعمة نفرت منه وإذا نفرت منه لم تكد ترجع قال بعض العارفين: الدنيا ظئر والآخرة أم ولكل بنون يتبعونها فإذا جفوت الظئر نفرت وأعرضت وإذا جفوت الأم عطفت لأن الظئر ليس لها عطف الأمهات وهذه النعمة تخرج من هذه الأرض المسخرة فهي كالظئر تربيك
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن الحجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم (ابن عكاظ) ابن خالد بن نويرة (السلمي) النهري له بالمدينة مسجد ودار وهو والد نصر الذي نفاه عمر لحسنه (ابن منده) في تاريخ الصحابة وكذا المخلص والبغوي كلهم (عن عبد الله بن بريدة) تصغير بردة وهو أبو سهل الأسلمي قاضي مرو وعالمها (عن أبيه) بريدة بن الحصيب ورواه أبو نعيم في المعرفة والحلية قال السخاوي وكل هذه الطرق ضعيفة مضطربة وبعضها أشد في الضعف من بعض وقال الغلابي عن ابن معين أول هذا الحديث حق وآخره باطل وأورد المؤلف الحديث في الموضوعات تبعا لابن الجوزي(2/92)
1426 - (أكرموا الخبز فإنه من بركات السماء) أي مطرها (والأرض) أي نباتها (من أكل ما سقط من السفرة) أي من فتات الخبز (غفر له) يعني محى الله عنه الصغائر فلا يعذبه عليها أما الكبائر فلا دخل لها هنا كما سيجيء له نظائر والسفرة [ص:93] بالضم طعام يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة كذا ذكره في الصحاح وفى المصباح السفر طعام يصنع للمسافر وسميت الجلدة التي يوضع عليها سفرة مجازا وفي الأساس أكلوا السفرة وهي طعام السفر انتهى. وهذا يفهم أن ما يبسط ليوضع عليه الطعام لا يسمى سفرة إلا إذا كان طعام السفر ولكن الظاهر أنهم توسعوا فيه فأطلقوه على ما يبسط ليوضع فوقه مطلق الطعام وبذلك يتبين أن المغفرة الموعودة ليست مقصورة على لفظ ساقط سفرة السفر بل يشمل طعام الحاضر فتدبر (فائدة مهمة) أخرج أبو يعلى عن الحسن بن علي أنه دخل المتوضأ فأصاب لقمة أو قال كسرة في مجرى الغائط والبول فأخذها فأماط عنها الأذى ثم غسلها نعما ثم دفعها لغلامه فقال له ذكرني بها إذا توضأت فلما توضأ قال ناولنيها قال أكلتها قال اذهب فأنت حر قال لأي شيء قال سمعت فاطمة تذكر عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخذ لقمة أو كسرة من مجرى الغائط والبول فأماط عنها الأذى وغسلها نعما أي جيدا ثم أكلها لم تستقر في بطنه حتى يغفر له فما كنت لاستخدم رجلا من أهل الجنة قال الهيثمي رجاله ثقات
(طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن أم حرام) بحاء وراء مهملتين الأنصاري صحابي جليل ممن صلى إلى القبلتين قال الهيثمي فيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي لم أعرفه قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه غياث بن إبراهيم وضاع وتابعه عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي وهو كذاب انتهى وأقره على وضعه المؤلف في مختصر الموضوعات وفي الميزان عن ابن حبان أن عبد الملك هذا يسرق الحديث ثم أورد له هذا الخبر انتهى ورواه عنه أيضا البزار وابن قانع وغيرهم وطرق الحديث كلها مطعون فيها لكن صنيع الحافظ العراقي يؤذن بأنه شديد الضعف لا موضوع وأمثل طرقه الأول(2/92)
1427 - (أكرموا العلماء) لعلمهم بأن تعاملوهم بالإجلال والإعظام وتوفوهم حقهم من التوقير والاحترام (فإنهم) حقيقيون بالإكرام إذ هم (ورثة الأنبياء) أراد به ما يشمل الرسل كما هو بين والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم قال بعض العارفين إنما يرث الإنسان أقرب الناس له رحما ونسبا وعملا فلما كان العلماء أقرب الناس إليهم وأجرأهم على عملهم ورثوهم حالا وفعلا وقولا وعملا ظاهرا وباطنا فعلم أنه إنما ينال هذا المنصب من عمل بعلمه فالعاملون به يستحقون الإكرام والإعظام لأنهم من الخلق أسراره وعلى الأرض أنواره وللدين أوتاد وعلى أعداء الله أجناد فهم لله أولياء وللأنبياء خلفاء {أولئك حزب الله} (تتمة) قال بعض العارفين: العلوم منحصرة في ثلاث علم يتعلق بالدنيا وأسبابها وما يصلح فيها وعلم يتعلق بالآخرة وما يوصل إليها وعلم يتعلق بالحق علم أذواق وشرب فالأنبياء جمعوا هذه العلوم ثم ورثها عنهم من تأهل لرتبة الوراثة وما عداهم فإنما يتعلق بالبعض
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس)(2/93)
1427 - (أكرموا العلماء) العاملين (فإنهم ورثة الأنبياء فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله) وجه أمره بإكرامهم في هذا وما قبله أن ما من أحد نال مقام الوراثة إلا وتعظم عداوة الجهال له لعلمهم بقبيح فعلهم وإنكارهم لما وافق الهوى منه ومن الجهال من يبعثه على عداوة العالم الحسد والبغي فيكره أن يكون لأحد عليه شفوف منزلة واختصاص بمزية
(خط) في ترجمة أحمد البلخي من رواية ابن المكندر (عن جابر) قال الزيلعي كابن الجوزي حديث لا يصح فيه الحجاج بن حجرة قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال الدارقطني يضع الحديث انتهى ومن ثم رمز المصنف لضعفه(2/93)
1429 - (أكرموا بيوتكم) أي منازلكم التي تسكنوها وتأوون إليها (ببعض صلاتكم) أي بشيء من صلاتكم الناقلة فيها [ص:94] (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تجعلوها كالقبور في كونها خالية من الصلاة فيها معطلة عن الذكر والعبادة كالقبر المعطل عنها
(عب وابن خزيمة) في صحيحه (ك) في صلاة التطوع عن عبد الله بن فروخ عن ابن جريج (عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته وليس كما زعم وغره قول الحاكم ابن فروخ صدوق وما درى أن الذهبي تعقبه بقول ابن عدي إن أحاديثه غير محفوظة(2/93)
1430 - (أكرموا الشعر) ندبا بترجيله ودهنه من نحو رأس ولحية وإزالته من نحو إبط وعانة
(البزار) في مسنده (عن عائشة) رضي الله عنها قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس وهو متروك ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وفيه خالد بن إياس قال الذهبي في الضعفاء ترك وليس بالساقط(2/94)
1431 - (أكرموا الشهود) العدول بالملاطفة وإلانة القول لهم (فإن الله يستخرج بهم الحقوق) لأربابها (ويدفع بهم الظلم) إذ لولاهم لتم للجاحد ما أراده من ظلم صاحب الحق وأكله ماله بالباطل قال بعضهم لما صانوا دينهم ومروءتهم بكف أذى من شهدوا عليه بالحق حق توقيرهم وإكرامهم وحرمت إهانتهم ووجب احترامهم وفي رواية فإن الله يجيء بدل يستخرج والحديث وارد فيمن ظهرت عدالته منهم وقد غلب على أكثر أهل هذه الطائفة الفساد والإفساد حتى قال سفيان الثوري الناس عدول إلا العدول وقال ابن المبارك هم السفلة وأنشد:
قوم إذا غضوا كانت رماحهم. . . بث الشهادة بين الناس بالزور
هم السلاطين إلا أن حكمهم. . . على السجلات والأملاك والدور
وقال آخر:
احذر حوانيت الشهود. . . الأخسرين الأرذلينا
قوم لئام يسرقون. . . ويحلفون ويكذبونا
وقال آخر:
إياك أحفاد الشهود فإنما. . . أحكامهم تجري على الحكام
قوم إذا خافوا عداوة قادر. . . سفكوا الدما بأسنة الأقلام
فالحديث وارد فيمن ملك منهم ما أمر به وتجنب ما نهى عنه وقليل ما هم وقد غلب على شهود المحاكم في زماننا الآن التنازع إلى التحمل وذلك مذموم يأخذ الأجرة على الأداء وذلك حرام وقسمة ما يحصل لهم بينهم كل يوم وذلك منهم كما قال السبكي شركة أبدان وهي غير جائزة مع الجهل المفرط تجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام وأما شهود القسمة فمن قسم النار نسأل الله العافية (البانياسي) بفتح الموحدة التحتية وكسر النون ومثناة تحتية وآخره سين مهملة نسبة إلى بانياس بلدة من بلاد فلسطين (في جزئه) المشهور
(خط) في ترجمة عبد الرحمن بن عبيد الهاشمي (وابن عساكر) في تاريخه في ترجمة عبد الصمد العباسي كلهم من حديث عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس (عن) جده (ابن عباس) ثم قال أعني الخطيب فيما حكاه ابن الجوزي تفرد به عبيد الله بن موسى وقد ضعفوه انتهى وقال ابن عساكر قال العقيلي حديث غير محفوظ وفي الميزان عنه حديث منكر ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة انتهى وجزم الصغاني بوضعه ولم يستدركه عليه العراقي وحكم المؤلف في الدرر بأنه منكر(2/94)
1432 - (أكرموا عمتكم النخلة) قال الولي العراقي المراد بإكرامها سقيها وتلقيحها والقيام عليها وتعهدها ثم بين وجه [ص:95] تسميتها عمة بقوله (فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم) التي خلق منها آدم فهي بهذا الاعتبار عمة الإنسان من نسبه وهذا كما ترى نص صريح يبطل قول فخر الإسلام في البحر المراد عمتكم بخيرها انتهى قال ابن عربي: لما خلق الله آدم وفضلت من خميرة طينته فضلة خلق الله منها النخلة فهي لآدم أخت ولنا عمة وسماها الشرع عمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطيبة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفاء فمد الله من تلك السمسمة أرضا واسعة الفضاء فيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره قال بعضهم والنخلة أقرب الأشجار إلى الآدمي ولهذا اختصت بأنها لا تحمل قيستقيم ثمرها حتى تلقح من الفحول كمني الرجال لا ينعقد الولد إلا بوجوده مع ماء الإناث ورائحته أشبه شيء برائحة المني (وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة) أي من جنس شجرة (ولدت تحتها مريم بنت عمران) الصديقة بنص القرآن وهي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أبا ولهذا أعلم الله بمزيتها في التنزيل على سائر الأشجار في قوله {في جنات وعيون وزروع} ونخل والجنة تتناول النخل تناولا أوليا كما تتناول النعم الإبل كذلك من بين الأنعام فلم يكنف بذلك بل خصها تنبيها على تفرده عنها بمزيد فضل عليها (فأطعموا نساءكم الولد) بضم الواو وتشديد اللام (الرطب) ندبا أو إرشادا (فإن لم يكن) أي فإن لم يتيسر (رطب) لفقد أو عزة وجود (فتمر) أي فيقوم مقامه تمر فإنه كاف فإنه كاف فإنه كان طعام مريم لما ولدت عيسى عليه السلام ولو علم الله طعاما خيرا لها من التمر لأطعمها إياه أخرجه ابن عساكر وفي خبر من كان طعامها في نفاسها تمرا جاء ولدها حليما
(ع) عن شيبان بن فروخ عن مسرور بن سعيد التميمي الأوزاعي عن عروة بن دويم اللخمي عن علي (وابن حاتم) في العلل (عق) بالسند المذكور ثم قال هو غير محفوظ لا يعرف إلا بمسرور (عد) من الوجه المذكور وقال هذا منكر عن الأوزاعي وعزوه عن علي مرسل ومسرور غير معروف لم نسمع به إلا في هذا الحديث (وابن السني) أبو بكر (وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) النبوي عن أبي بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني عن شيبان عن مشروق الأوزاعي عن عروة بن دويم عن علي ثم قال أبو نعيم غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن سعيد انتهى. وظاهر كلام المؤلف أن أبا نعيم لم يخرجه في الحلية وإلا لما عزاه له في الطب وليس كذلك بل خرجه فيه باللفظ المذكور من هذا الوجه (وابن مردويه) في التفسير من هذا الوجه كلهم (عن علي) أمير المؤمنين. قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه مسرور بن سعيد وهو ضعيف أورده ابن الجوزي في الموضوع ويقال مسرور منكر الحديث وأورده من حديث ابن عمر قال فيه جعفر بن أحمد وضاع اه. ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن لأوله ولآخره شاهدا فالحديث في سنده ضعف وانقطاع(2/94)
1433 - (اكفلوا) قال الزمخشري: الكفالة من الكفل وهي حياطة الشيء من جميع جهاته حتى يصير عليه كالفلك الدائر (لي) أي لأجل أمري الذي أمرتكم به عند الله (ست خصال) أي فعلها والدوام عليها (أكفل لكم الجنة) أي دخولها قيل وما هي قال (الصلاة والزكاة والأمانة) أي أداء الثلاثة لوقتها وتوفيتها لمستحقها (والفرج) بأنه تصونوه عن الوطء المحرم (والبطن) بأنه تحترزوا عن أن تدخلوا فيه مأكولا أو مشروبا لا يحل تناوله شرعا (واللسان) بأنه تكفوه عن النطق بما حرمه الشارع وكأنه لم يذكر باقي أركان الإسلام لدخولها في [ص:96] الأمانة أو أن المخاطبين بذلك قوم مخصوصون تفرس فيهم التساهل في هذه الخصال بخصوصها وجاء في أحاديث أخرى زيادة على الست ونقصان باعتبار حال المأمور
(طس) وكذا في الصغير (عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أمته: اكفلوا لي إلخ. قال المنذري: إسناده لا بأس به وقال الهيثمي: فيه حماد الطائي لم أعرفه وبقية رجاله ثقات(2/95)
1434 - (أكل اللحم) أي لصحيح البدن قويم المزاج (يحسن الوجه) أي يكسبه نضارة وإشراقا وحسنا (ويحسن الخلق) بالضم لزيادته في اعتدال المزاج وكلما اعتدل ومال عن طرفي الإفراط والتفريط توفر حسن الخلق وانحراف الأمزجة مما يسوء الخلق ويضيق الصدر وفي رواية زيادة على ذلك: ويطيب النفس وهل أل في اللحم للجنس أو للعهد والمعهود ما لا ضرر فيه كلحم الغنم والطير والإبل والبقر؟ الظاهر الأول لقول الأطباء: اللحوم كلها حارة رطبة كثيرة الغذاء مولدة للدم محسنة للون ولا غذاء أشبه بها لبدن الإنسان اه. وضرر لحم نحو الإبل والبقر يندفع بتعديلها ببعض المصلحات نعم ينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم لما جاء في بعض الأخبار أن له ضراوة كضراوة الخمر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس)(2/96)
1435 - (أكل كل ذي ناب) يعدو به ويصول (من السباع) كأسد ونمر وذئب ومثله كل ذي مخلب من الطير (حرام) بخلاف غير العادي كثعلب فمن للتبعيض ويصح جعلها للجنس إذ المراد بأن يعدو به كما تقرر بقرينة تعبيره بقوله كل ذي ناب ولم يقل كل سبع تنبيها على الافتراس والتعدي وإلا فلا فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذو أنياب ثم هذا لا ينافيه آية {قل لا أجد فيما أوحى إلي} لأنها مكية وخبر التحريم بعد الهجرة. قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن
(هـ عن أبي هريرة) قضية عدول المصنف واقتصاره عليه أنه لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول عجيب فقد خرجه سلطان الفن باللفظ المزبور من حديث أبي ثعلبة ونقله عنه جمع منهم الديلمي وغيره(2/96)
1436 - (أكل الليل أمانة) أي الأكل فيه للصائم أمانة في حقه إذ لا يطلع عليه إلا الله فعليه بذل الجهد في تحري الإمساك من الفجر الصادق فإن ظن بقاء الليل بالاجتهاد جاز له الأكل وكذا إن لم يجتهد بل هجم لكن يكره له ذلك فإن بان أكله نهارا لزمه القضاء وإن أشكل فلا. ذكره الشافعية
(أبو بكر بن داود (1) في جزء من حديثه فر) كلاهما (عن أبي الدرداء) وفيه بقية بن الوليد وقد سبق ويزيد بن حجر مجهول
_________
(1) [في شرح المناوي: " أبو بكر بن داود " بدل " أبو بكر بن أبي داود " فليراجع. دار الحديث](2/96)
1437 - (أكل السفرجل) مربى وغير مربى وهي ثمر شجرته معروفة يشبه التفاح (يذهب بطخاء القلب) أي يزيل الثقل والغثيان والغيم الذي على القلب كغيم السماء قال ابن الأنباري وغيره: الطخاء الثقل والظلمة أو ثقل وغشى أو ظلمة وغيم وفي الأساس: ليلة طخياء مظلمة. قال الأطباء: وهو يقوي المعدة ويمنعها من قبول الفضلات ويعيد الشهوة المفقودة ويقوي القلب والدماغ ويطفئ غلبة الدم في الوجه ويمنع الغثيان ويسكن وهج المعدة ويطيب النكهة لكنه يضر العصب
(القالي) بالقاف أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (في أماليه) الأدبية الشعرية (عن أنس) وهو مما بيض له الديلمي لعدم وقوفه على سنده كما بيض لخبر: أكل التين أمان من القولنج(2/96)
[ص:97] 1438 - (أكل الشمر) بالتحريك هو معروف (أمان من) حدوث (القولنج) بضم القاف وفتح اللام وهو تعقد الطعام في الأمعاء فلا ينزل فيصعد بسببه بخار إلى الدماغ فقد يفضي إلى الهلاك. قال الأطباء: وهو محلل للرياح الغليظة شديد النفع من وجع الجنبين نافع من الأخلاط التي في المعدة ويدفع حرقة المعدة من البلغم الحامض ويشفي وجع الكلى والمثانة وينفع من نهش الهوام وهو بستاني وبري والظاهر إرادتهما في الحديث معا
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة)(2/97)
1439 - (أكلفوا) أي أولعوا وأحبوا (من العمل ما تطيقون) الدوام عليه من الطوق وهو ما يوضع في العنق حلية فيكون ما يستطيعون من الأفعال طوقا لهم في المعنى (فان الله لا يمل حتى تملوا) يعني لا يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عنه باسم الملال من تسمية الشيء باسم سببه أو المراد لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه (وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فالقليل الدائم أحب إليه من الكثير المنقطع فأمرهم بالاقتصاد في الطاعة لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحملوا أنفسهم فوق ما يطيقون فيؤدي لعجزهم عن الطاعة أو قيامهم بها بتكلف
(حم د ن عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أنه ليس في أحد الصحيحين وليس كذلك فقد قال الحافظ العراقي متفق عليه(2/97)
1440 - (أكمل المؤمنين) أي من أتمهم (إيمانا) تمييز (أحسنهم خلقا) بالضم لأن هذا الدين مبني على السخاء وحسن الخلق ولا يصلح إلا بهما فكمال إيمان الإنسان ونقصه على قدر ذلك ولا يناقضه ما سلف أنه جبلي غريزي لأنه وإن كان سجية أصالة لكن يمكن اكتساب تحسينه بنحو نظر في أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والحكماء ثم بتصفية النفس عن ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها إلى تحليها بالكمال ومعالي الأحوال وحينئذ فيثاب على تلك الأخلاق لكونها من كسبه
(حم د حب ك) وصححه (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي في أماليه حديث صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الأحاديث المتواترة إلى البخاري وعده من المتواتر ورواه البزار من حديث أنس بسند رجاله ثقات وزاد فيه: وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بسند فيه مجهول وزاد: الموطئون أكنافا الذين يألفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف(2/97)
1441 - (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم قال الحليمي: دل على أن حسن الخلق إيمان وعدمه نقصان إيمان وأن المؤمنين يتفاوتون في إيمانهم فبعضهم أكمل إيمانا من بعض. ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا لكونه أكملهم إيمانا (وخياركم خياركم لنسائهم) أي من يعاملهن بالصبر على أخلاقهن ونقصان عقلهن وطلاقة الوجه والإحسان. وكف الأذى وبذل الندى وحفظهن من مواقع الريب ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاشرة لعياله وهل المراد بهن حلائل الرجل من زوجة وسرية أو أصوله وفروعه وأقاربه أو من في نفقته منهن أو الكل؟ والحمل على الأعم أتم
(ت حب عن أبي هريرة) [ص:98] قال الترمذي حسن صحيح وقال ابن حبان صحيح وكذا الحاكم(2/97)
1442 - (الله الله في) حق (أصحابي) أي اتقوا الله فيهم ولا تلمزوهم بسوء: أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص (لا تتخذوهم غرضا) بمعجمة هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ (بعدي) أي بعد وفاتي. قال في الصحاح: الغرض الهدف الذي يرمى إليه (فمن أحبهم فبحبي أحبهم) أي فبسبب حبهم إياي أو حبي إياهم أي إنما أحبهم لحبهم إياي أو لحبي إياهم (ومن أبغضهم فببغضي) أي فبسبب بغضه إياي (أبغضهم) يعني إنما أبغضهم لبغضه إياي ومن ثم قال المالكية يقتل سابهم (ومن آذاهم) بما يسوءهم (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) ولا يضره ذلك بشهادة: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني (ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) أي يسرع انتزاع روحه أخذة غضبان منتقم عزيز مقتدر جبار قهار {إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} ووجه الوصية نحو البعدية وخص الوعيد بها لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم زعما منهم الحب لبعض آخر وهذا من باهر معجزاته وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم. أخرج البيهقي عن ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. وإن تعرض إليهم ملحد وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم فجهل منه وحرمان وسوء فهم وقلة إيمان إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا فإذا جرح النقلة دخل في الآيات والأحاديث التي بها ذهاب الأنام وخراب الإسلام إذ لا وحي بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ (تتمة) اختلف في ساب الصحابي فقال عياض: قال الجمهور يعزر وبعض الماليكة يقتل وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين وجهين وقواه السبكي فيمن كفر الشيخين ومن كفر من صرح المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر به وأطلق الجمهور التعزير
(ت) في المناقب (هـ عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء واستغربه. قال الصدر المناوي: وفيه عبد الرحمن بن زياد قال الذهبي لا بعرف وفي الميزان: في الحديث اضطراب(2/98)