[مقدمة المؤلف](1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
[ص:2] الحمد لله الذي جعل الإنسان هو الجامع الصغير فطوى فيه ما تضمنه العالم الأكبر الذي هو الجامع الكبير وشرف من شاء من نوعه في القديم والحديث بالهداية إلى خدمة علم الحديث. وأوتد له من مشكاة السنة لاقتباس أنوارها مصباحا وضاحا ومنحه من مقاليد الأثر مفتاحا فتاحا. والصلاة والسلام على أهل العالمين منصبا وأنفسهم نفسا وحسا المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا حتى أشرق الوجود برسالته ضياءا وابتهاجا ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ثم على من التزم العمل بقضية هديه العظيم المقدار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم إلى يوم القرار الذين تناقلوا الخبر والأخبار ونوروا مناهج الأقطار بأنوار المآثر والآثار صلاة وسلاما دائمين ما ظهرت بوازغ شموس الأخبار ساطعة من آفاق عبارات من أوتي جوامع الكلم والاختصار
(وبعد) فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم بل وكل مدرس ومعلم من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير الإمام الجلال الشهير بنشر جواهره ويبرز ضمائره ويفصح عن لغاته ويفصح القناع عن إشاراته ويميط عن وجود خرائده اللثام (1) ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام ويخدمه بفوائد تقر بها العين وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذها من أين وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين لا يعقلها إلا العالمون ولا يجحدها إلا الظالمون ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فما له من هاد ومع ذلك فلم آل جهدا في الاختصار والتجافي عن منهج الإكثار فالمؤلفات تتفاضل بالزهر والثمر لا بالهذر وبالملح لا بالكبر وبجموم اللطائف لا بتكثير الصحائف وبفخامة الأسرار لا بضخامة الأسفار وبرقة الحواشي لا بكثرة الغواشي ومؤلف الإنسان على فضله أو نقصه عنوان وهو بأصغريه اللفظ اللطيف والمعنى الشريف لا بأكبريه اللفظ الكثير والمعنى الكثيف. وهنالك يعرف الفرض من النافلة وتعرض الإبل فرب مئة لا تجد فيها راحلة. ثم إني بعون أرحم الراحمين لم أدخل بتأليفه في زمرة الناسخين ولم أسكن بتصنيفه في سوق الغث والسمين بل أتيت بحمد الله بشوارد فرائد باشرت اقتناصها وعجائب غرائب استخرجت من قاموس الفكر وعباب القريحة مغاصها فمن استلحق بعض أبكاره الحسان لم ترده عن المطالبة بالبرهان. ولم أعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيا فقد قال الصدر القونوي: غالب ممن يتكلم على الأحاديث إنما يتكلم عليها من حيث إعرابها والمفهوم من ظاهرها بما لا يخفى على من له أدنى مسكة في العربية وليس في ذلك كبير فضيلة ولا مزيد فائدة إنما الشأن في معرفة مقصوده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار بيانا تعضده أصول الشريعة وتشهد بصحته العقول السليمة. وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء. قال ابن السكيت خذ من النحو ما تقيم به الكلام فقط ودع الغوامض. ولم أكثر من نقل الأقاويل والاختلافات لما أن ذلك على الطالب من أعظم الآفات إذ هو كما قال حجة الإسلام يدهش عقله ويحير ذهنه. قال: وليحذر من أستاذ عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فإن إضلاله أكثر من إرشاده كيقما كان ولا يصلح الأعمى لقود العميان. ومن كان دأبه ليس إلا إعادة ما ذكره الماضون وجمع ما دونه السابقون فهو منحاز عن مراتب التحقيق معرج عن ذلك الطريق بل هو كحاطب ليل وغريق في سيل إنما الحبر من عول على سليقته القويمة وقريحته السليمة مشيرا إلى ما يستند الكلام [ص:3] إليه من المعقول والمنقول رامزا إلى ذلك رمز المفروغ منه المقرر في العقول. قال حجة الإسلام في الإحياء: ينبغي أن يكون اعتماد العلماء في العلوم على بصيرتهم وإدراكهم وبصفاء قلوبهم لا على الصحف والكتب ولا على ما سمعوه من غيرهم فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم لا عالما اه. فياأيها الناظر اعمل فيه بشرط الواقف من استيفاء النظر بعين العناية وكمال الدراية لا يحملك احتقار مؤلفه على التعسف ولا الحظ النفساني على أن يكون لك عن الحق تخلف فإن عثرت منه على هفوة أو هفوات أو صدرت فيه عن كبوة أو كبوات فما أنا بالمتحاشي عن الخلل ولا بالمعصوم عن الزلل ولا هو بأول قارورة كسرت ولا شبهة مدفوعة زبرت ومن تفرد في سلوك السبيل لا يأمن من أن يناله أمر وبيل ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار. وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك. ولا يسلم من الخطأ إلا من جعل التوفيق دليله في مفترقات السبل وهم الأنبياء والرسل على أني علقته باستعجال في مدة الحمل والفصال والخواطر كسيرة وعين الفؤاد غير قريرة والقرائح قريحة. والجوارح جريحة من جنايات الأيام والأنام تأديبا من الله عن الركون إلى من سواه واللياذ بمن لا تؤمن غلسة هواه فرحم الله امرءا قهر هواه وأطاع الإنصاف وقواه ولم يعتمد العنت ولا قصد قصد من إذا رأى حسنا ستره وعيبا أظهره ونشره. وليتأمله بعين الإنصاف لا بعين الحسد والانحراف. فمن طلب عيبا وجد وجد ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقد والكمال محال لغير ذي الجلال
ولما من الله تعالى بإتمام هذا التقريب وجاء بحمد الله آخذا من كل مطلب بنصيب نافذا في الغرض بسهمه المصيب كامدا قلوب الحاسدين بمفهومه ومنطوقه راغما أنوف المتصلفين لما استوى على سوقه سميته: فيض القدير بشرح الجامع الصغير. ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير على الجامع الصغير ويليق أن يدعى: بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير ويناسب أن يترجم: بالروض النضير في شرح الجامع الصغير. هذا: وحيث أقول القاضي فالمراد البيضاوي. أو العراقي فجدنا من قبل الأمهات الحافظ الكبير زين الدين العراقي أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني رحمهم الله تعالى سبحانه. وأنا أحقر الورى خويدم الفقهاء: محمد المدعو عبد الرؤوف المناوي حفه الله بلطف سماوي وكفاه شر المعادي والمناوي ونور قبره حين إليه يأوي وعلى الله الإتكال وإليه المرجع والمآل لا ملجأ إلا لإياه ولا قوة إلا بالله وها أنا أفيض في المقصود مستفيضا من ولي الطول والجود:
قال المصنف (بسم الله) أي بكل اسم للذات الأقدس لا بغيره ملتبسا للتبرك أؤلف فالباء للملابسة كما هو مختار الزمخشري. وهو أحسن وأفصح من جعلها للاستعانة الذي هو مقتضى صنيع القاضي ترجيحه لأن الملابسة أبلغ في التعظيم وأدخل في التأدب بخلاف جعل اسم الله آلة غير مقصودة لذاتها ولأنها أدل منها على ملابسة جميع أجزاء الفعل ولأن التبرك باسمه ظاهر لكل أحد وتأويل الأولية بأن المراد أن الفعل لا يتم شرعا ما لم يصدر باسمه لايدرك إلا بدقة النظر ولأن ابتداء المشركين كان بأسماء آلهتهم للتبرك بها ولأن كون اسم الله تعالى آلة الفعل [ص:4] ليس إلا باعتبار أنه يتوسل إليه ببركته فعاد للتبرك ذكره الشريف وغيره وتعقب المولى حسن الرومي الأول بأن تلك الجهة غير ملحوظة بل الملحوظ جهة كون الفعل غير معتبر شرعا ما لم يصدر به. كما تقرر وهو يعارض التبرك بل أرجح والثاني يمنع الآلية المذكورة فهيهات إثباتها وبفرضه فباء الاستعانة في جميع أجزاء الفعل فيها الدلالة على تلك الملابسة مع زيادة لا تقاومها الآلية والثالث بأن العبرة بالخواص فالعوام كالهوام والدقة من أسباب الترجيح لا الرد والرابع بأن جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل ويشتمل على جعل الموجود لفوات كماله بمنزلة المعدوم وذا يعد من المحسنات انتهى ونوزع بما فيه طول لايسعه المقام. وحذف متعلق الباء لئلا يقع في الابتداء غير اسم الله تعالى وهو لابد منه في إظهار المبدئية ليشاكل اللفظ المعنى ومن ثم التزم حذفه في كلام الحكيم تقدس أما ما لابد منه لإظهاره كتقديم الباء ولفظ اسم فلا يفوت البداءة بذكر الله تعالى كما بينه الشريف إذ المطلوب المبدئية على وجه يدل عليها وعلى الاختصاص والباء وسيلة لذلك والابتداء لا يتعين كونه باسم خاص من أسمائه بل يحصل بأي لفظ دل على اسمه
فاستبان أن الابتداء بلفظ الاسم ابتداء بالاسم حقيقة والباء وسيلة لذكره وأن التبرك يحصل بجميع أسمائه والتعريف الإضافي قد يحمل على معاني التعريف باللام فيراد جنس الأسماء أو جميع أفرادها. وقدر متعلق الباء فعلا لأصالته في العمل وقلة الإضمار ومؤخرا ليفيد الحصر والاهتمام. وقول أبي حيان: تقديم الظرف لا يوجب الاختصاص أطنب المحقق أبو زرعة في رده في حاشية الكشاف ولا يرد {اقرأ باسم ربك} لأن الأهم فعل القراءة لكونها أهم منزل. وخامسا لأنه أنسب بالمقام وأوفى بتأدية المرام وأتم فائدة وأعم عائدة وتقدير أبتدئ مخل بالغرض من شمول البركة للكل وقول المولى الخسرولي: هو أولى امتثالا للفظ الخبر منعه الإمام حسن الرومي بأن مناط الامتثال البدء بالتسمية لا تقدير فعله إذ لم يقل فيه كل أمر ذي بال لم يقل فيه أو لم يضمر فيه ابتدئ أو افتتح مفوت للمعنى المناسب لفعل الشروع إذ القصد تلبس جميع أجزاء الفعل بالتبرك فلما تعذر تحقيقا ولا حرج في الدين جعل طريقه كون الشروع فيه ملتبسا بها كما في النية حيث اعتبرت في ابتداء العبادات تحقيقا وفي كلها تقديرا. وحذف الألف من بسم الله لكثرة الاستعمال وطولت الباء للدلالة عليه وإشارة إلى أنها وإن كانت في الأصل حرفا منخفضا لكن لما اتصلت باسم الله ارتفعت وسمت ويجعل مناط الحذف كثرة الاستعمال عرف وجه إثباتها عند اتصالها بلفظ آخر نحو: لذكر اسم الله حلاوة أو مضاف إلى اسم آخر نحو: باسم ربك. والباء للجر فكسرت لتشابه حركتها عملها
ثم إن كون المتعلق به مقدما على الرحمن الرحيم هو ما درج عليه المحققون لكن قال البلقيني: قضية البداءة بالاسم وإفادة الاختصاص التي علي ادعاها الزمخشري كون المقدر مؤخرا عن البسملة بكمالها لئلا يقع الفصل بين الموصوف والصفة بما لم يتعين تقديره في هذا الموضع والاسم ما يجمع اشتقاقين من السمة أو السمو وهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من الذات سمو قاله الحراني. والله اسم عربي لا سرياني معرب وهو علم مختص بمبدع العالم لم يطلق على غيره فيما بين المسلمين وغيرهم ولا عنادا وغلوا في العتو مطلقا وعلاقة الاشتقاق فيما بينه وبين غيره إنما تنافي علميته لو ثبت أصالة ذلك الغير ولم تثبت واستظهار القاضي أنه وصف غلب عليه بحيث لم يستعمل في غيره فصار كالعلم لا علما لأن ذاته غير معقول لنا فلا يمكن الدلالة عليه بلفظ ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوص لما أفاد وهو الله في السماوات معنى صحيحا تصدى جمع من أرباب الحواشي لدفعه أما الأول فلأن علم الواضع عند الوضع بكنه حقيقة الموضوع له وملاحظة لشخصه لا ضرورة للزومه بل يكفي ملاحظة انحصار ذلك الوجود في الخارج فيه بدليل أن الأب يضع علما لولده قبل رؤيته ولو سلم فلا مانع من كون الواضع هو الله تعالى ثم عرفنا إياه وأما الثاني فلأن الاسمية لا تقتضي الدلالة على مجرد الذات فإن أسماء الزمان والمكان والآلة مثلا أسماء باتفاق مع دلالتها على معنى زائد على الذات ولو سلم فليكن تعلقه به باعتبار ملاحظة المعنى الوضعي الخارج عن الاسم كذا حققه المولى حسن بعد ما رد على جميع ما لهم هنا من الأقاويل المتعسفة. والإله أصله أله فلما دخلت أل حذفت الهمزة تخفيفا وعوض عنها حرف التعربف وإنما كانا عوضا عنها مع أن
[ص:5] دخولهما قبل حذفها لأن دخولهما قبل الحذف لا بطريق اللزوم وبعده يكونان لازمين فيها فباعتبار اللزوم يكونان عوضا وهو اسم جنس لكل معبود حق أو باطل ثم غلب منكرا على المعبود بحق ثم خص بذاته بعد التعريف مشتق من أله كعبد وزنا ومعنى أو من أله بمعنى فزع وسكن أو من وله أي تحير ودهش أو طرب أو من لاه احتجب أو ارتفع أو استتار أو غير. والحاصل أن إلها بمعنى مألوه أي معبود أو مألوه فيه أي متحير فيه وقس الباقي. فمجموع الأقاويل هو المعبود للخواص والعوام المفروغ إليه في الأمور العظام المرتفع عن الأوهام المحتجب عن الأفهام الظاهر بصفاته العظام الذي سكنت إلى عبادته الأجسام وولعت به نفوس الأنام وطربت إليه قلوب الكرام. ثم تفخم لامه إذا انفتح ما قبلها أوصم طريقة مطردة لغة أو مطلقا وحذف ألفه لحن يبطل الصلاة لانتفاء بعض لفظ الموضوع ولا ينعقد به اليمين مطلقا لابتنائه على وجود الاسم ولم يوجد والبلة إنما هي الرطوبة وما أفهمه كلام القاضي من كونه كناية وجه صحيح محرر ومذهب النووي خلافه. ثم أعقب اسم الذات اسمين بصفتي المبالغة في الرحمة رمزا إلى سبقها وغلبتها على الأضداد وعدم انقطاعها فقال (الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإحسان بجميع النعم أصولها وفروعها عظائمها ودقائقها أو بإرادة ذلك فمرجعهما صفة فعل أو صفة ذات قال في البحر: وهو أقرب إلى الحقيقة إذ الإرادة متقدمة على الفعل وأصلهما واحد لكونهما من الرحمة والرحمن عربي ونفور العرب منه لتوهمهم التعدد وأتم مبالغة من الرحيم كما وكيفا لأن فعيلا لمن وجد منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وحق الأبلغ التأخير قضاء لحق الترقي لكنه قدم لمناسبة اسم الذات في اختصاصه به إذ لم يطلقا على غيره مطلقا إلا أن الله اسم وهو قسم من العلم كما تقرر. والرحمن وصف أريد به الثناء فأجري مجري الأعلام وليس بعلم حقيقة ومجيئه غير تابع للعلم بحذف موصوفه. ووصفه تعالى بالرحمة التي هي العطف من إطلاق السبب على المسبب وهو الإنعام والإحسان إذ الملك إذا عطف رق فأحسن إطلاقه عليه مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية بل حول بعض المحققين جعله حقيقة شرعية وعرفية لكثرة الإطلاق بدون قرينة أو قصد تشبيه وتعقيبه بالرحيم من قبل التتميم فإنه لما دل على جلائل النعم أولى الرحيم دفعا لتوهم عدم التعميم وخطور أن الدقائق مما لا يلتفت إليه فلا يتطفل فيها عليه ووفاقا لترتيب الوجود لإيجاد النعم العامة قبل الخاصة وكلاهما صفة مشبهة. أو الرحيم اسم فاعل فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ حيث لم يستعمل في غيره تقدس ولم يوصف به أحد سواه بين جميع الملل والنحل إلا تعنتا وغلوا في الكفر كرحمن اليمامة والرحيم بالعكس وآثرهما من بين سائر الصفات لتضمنهما الدلالة على سائر الأسماء الحسنى إذ من عمت رحمته وتمت نعمته انتفت عنه شوائب النقص وطويت النقمة في أفهام اختصاص الثاني رمزا إلى أن من شروط كمال حسن الترغيب الإشارة منه إلى مقام الترهيب كما هو الاسلوب في كتب علام الغيوب ليكون باعث الرجاء والخوف في قرن. قال بعض الحكماء: والأحسن بيانية إضافة البسملة. قال صاحب القاموس: وإنما حذفت الألف من لفظ رحمن تخفيفا ولم تحذف الياء من الرحيم خوفا من اللبس
ولما افتتح كتابه بالبسملة التي الافتتاح بها أجل افتتاح باسم الحق تقدس وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال من القول الدال على أنه سبحانه مالك لجميع المحامد بالاستقلال فأعقبها به في جملة أوقعها مقول القول فانتصب به تاركا للعطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية في أصل الابتداء فقال (الحمد لله) أي الوصف بالجميل مملوك أو مستحق لله تعالى فلا فرد منه لغيره بالحقيقة ولم يكتف بالتسمية لما تقرر أن المقام مقام تعظيم فاللائق به التصريح بالحمد وقصره عليه ولأنها وإن تضمنت جهة الحمد لكن من اقتصر عليها لا يسمى حامدا عرفا ومن ثم وقع التدافع ظاهرا بين حديثي الابتداء واحتيج للتوفيق بأن البداءة إما حقيقية وهي ذكر الشيء أولا على الإطلاق أو إضافية وهي ذكره أولا بالإضافة إلى شيء دون شيء وهذه صادقة بذكر الحمد قبل المقصود بالذات وخص الحقيقي بالبسملة لأنها ذكر الذات والحمد ذكر االوصف فوجب تقديمها بقدر ما تندفع به ضرورة امتناع الجمع في المبدأ كذا قرره جمع. وقد انتهبه البعض فعزاه لنفسه بعد ما أتى بترديدات بعيدة واحتمالات
[ص:6] غير سديدة أو أن المراد في كل رواية الابتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمدلة وطورا بغيرهما فاللازم في دفع الاجذمية الابتداء بأحد الأمور لا بها كلها أو بأن رواية البسملة والحمدلة تعارضتا فسقط قيداهما كما في غسلات الكلب ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر والحمد يطلق على أعم من خصوصه. ألا ترى أن غالب الأعمال الشرعية لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه كالصلاة والأذان والحج فدل على أنه ليس المراد إلا إظهار صفة الكمال وهو حاصل في نحو الصلاة بالتكبير وفي الحج بالذكر المطلوب عند الإحرام فلايتوجه ما قيل عموم الأخذ منه مشكل بظاهر الصلاة والأذان. هذا محصول ما هنا من الأجوبة المرضية للعظماء وثم أجوبة شهيرة وتوجيهات كثيرة كلها مدخولة وقد بينت ما عليها من نقل ورد في شرح البهجة بما لم يجمعه قبله كتاب
_________
(1) [أي: ويزيح عن وجوه المتسترات النقاب. ماجد الحموي](1/2)
ثم الحمد النعت بالجميل على الجميل أي الفعل الحسن الصادر من المحمود باختياره حقيقة أو حكما على وجه يشعر بتوجيهه إلى المنعوت للتعظيم ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إنشاء التعظيم على وجه التعميم فلابد لتحقق ماهيته في الوجود من أمور خمسة: محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على إنصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر اتصاف شيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال يدرك العاقل السليم القابل لدرك الحقائق حسنها ولو بدقة نظر أو تعلم. والمراد بالجميل أعم مما في الواقع أو عند الحامد أو المحمود بزعم الحامد فشمل النعت بنحو ظلم ادعى أحدهما حسنه إذ المناط التعظيم وقد وجد ولا فرق بين كون المحمود ثبوتيا أو سليبا كما صرح به الإمام الرازي ولا بين كونه من الكمالات المتعدية كإنعام وتعليم وتسمى فواضل وغيرها كعلم وقدرة وحسن وتسمى فضائل ولا بين كونه صدر عن المحمود باختياره أولا فالوصف بكمال نحو حسن أو ذات حمد كما قرره النحرير الدواني والعلامة صدر الأفاضل في حواشي التجريد والمطالع وقال المولى حسن الرومي إنه الأشهر وظاهره نقل ذلك عن قدماء القوم وشهرته بينهم وجزم به المحقق خسرو الرومي حيث قال: الحمد يقتضي محمودا به أعم من كونه اختيارا أولا وبه يمتاز عن الأشهر ومحمودا عليه اختياريا وبه يمتاز عن المدح أعم من كونه إنعاما أو غيره وبه يمتاز عن الشكر انتهى لكن نقل الدواني في شرح التهذيب عن البعض وجوب كون المحمود به اختياريا ثم اختاره موجها بأن الجميل صفة الفعل وهو بالاختيار كما ذكره التفتازاني وأيد بأنه لم يثبت لغة عموم المحمود به اختيارا حتى يصرف ذلك للمحمود عليه فالأصل كون المحمود به اختياريا مثله وكما لم يسمع الحمد على صباحة الخد ورشاقة القد لم يسمع الحمد بهما فما لا اختيار فيه لا يحمد به ولا عليه وعدم حمد اللؤلؤ كما يمكن كونه من جهة اشتراط أن المحمود عليه يجب كونه اختياريا فكذا من جهة اشتراط المحمود به فعلا فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكم والثاني ما يقع الوصف الجميل بإزائه ومقابله بمعنى أن المنعوت لما اتصف به ذكر جميله وأظهر كماله فهو لأجل حصوله له ولولاه لم يتحقق ذلك الوصف فهو كالعلة الباعثة للواصف على الوصف أو هو علته وقد يكون الشيء الواحد محمودا به وعليه معا كأن رأى من ينعم أو يصلي فأظهر اتصافه بذلك فتلك الصفة من حيث بعثها على إظهار اتصافه بها محمود عليها ومن حيث اتصافه وإظهار كونها من صفاته محمود بها ويجب في المحمود عليه كمالا فغيره لا يصلح سببا لإظهار الكمال والمراد أعم مما في ظن الحامد أو المحمود على قياس ما سبق في المحمود به وظاهر كلام الجمهور أن المحمود عليه أعم من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفية قائمة به لكن في شرح الكشاف للسعد تبعا للرازي أن المراد فعل جميل فلا يكفي أن يكون للمحمود دخل في صدوره عن غيره لا على وجه الفاعلية لانتفاء الفعل المشترط إذ التعظيم حينئذ من حيث تعلق الصفة به لا من حيث كونه فعلا فمعنى قول الشريف يختص الحمد بالفاعل المختار أنه فاعل للمحمود عليه ثم المشهور بين الجمهور أن المحمود عليه يشترط حصوله من المحمود باختياره حقيقة أو حكما فالثناء على صفاء اللؤلؤ ورشاقة القد وصباحة الخد مدح لا حمد ولا يشكل بقوله سبحانه {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} لأنه من وصف الشيء بوصف صاحبه أو أن الحمد فيه مجاز عن المدح ولا بقول الشاعر:
أرى الصبر محمودا عواقبه. . . وقوله: والصبر يحمد في المواطن كلها
لأنه كما قال خسرو بمعنى الرضا لمجيئه في اللغة لذلك أيضا وبتعميم الاختيار وقع الإشكال بثنائه سبحانه على صفاته الذاتية لأنها غير مسبوقة بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما قرر في محله وما ذاك إلا لأن الذات لما كانت مستقلة في تحققها [ص:7] من غير مدخلية شيء من الأغيار بمعنى إذا شاء ترك نزل منزلة الاختياري لتكون في حكمه أو أنها لما ترتبت عليها أمور اختيارية جعلت في حكمه فالمراد ماكان اختياريا نفسه أو أثره وها هنا تنبيه وهو أن ما تقرر من اشتراط الاختيار إنما هو بالنظر إلى الحقيقة أما المجاز فلا كما يصرح به كلام الزمخشري حيث قال: ومن المجاز حمدت الأرض رضيت سكناها والرعاة يتحامدون الكلأ وجاورته فما حمدت جواره وأفعاله حميدة وهذا طعام ليست عنده محمدة أي لا يحمده آكله والثالث وهو من يتحقق منه الحمد وشرطه أن يكون معظما بذاته للمحمود في سائر أقواله وجميع أفعاله ظاهرا وباطنا بأن يقصد به إظهار التعظيم على جهة التعميم فلو اقترن بما دل عليه الوصف بالكمال من التعظيم والعظمة من جميع الوجوه إلا جهة واحدة فاقترن منها بتحقير أو استهزاء أو تهكم كما لو صدر بفعل أكبر الجوارح مع مخالفته جارحة واحدة لم يكن حمدا لأن التعظيم الظاهري والباطني إنما يتحقق تفاوتهما باعتبار قيد زائد هو اعتبار العموم في الأفراد وإذا كان بعض أفراده صارفا عن التعظيم كذا حققه صدر الأفاضل وأيد بأن التعظيم والتحقير من شخص واحد في آن واحد لا يجتمعان فإن فرض اجتماعهما لم يتبادر منه إلا التحقير فكأنه نص في التحقير فحمل المحتمل عليه والتحقير في القبيح والذم أتم وأشد من التعظيم في الحسن والكمال ألا ترى أن أدنى ما يوهم الاستهزاء أو التهكم يوجب الذم والعقوبة وقل ما يترتب على صريح التعظيم ما يناسبه إذا قل لكن لا يلزم اعتقاد اتصاف المحمود بالجميل المذكور عند المحققين بل الشرط عدم اقترانه يشوب تحقير فدخل الوصف بما قطع بانتفائه كما مر. قال الدواني: ولا يناقضه توجيه الشريف لاشتراط التعظيمين بأنه إذا عرى عن مطابقة الاعتقاد لم يكن حمدا بل سخرية لأنه أراد بالاعتقاد لازمه وهو إنشاء التعظيم لا معناه الحقيقي فإن الحمد قد يكون إنشائيا ولا معنى لمطابقة الاعتقاد فيه لأن ما لا يتعلق به الاعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقة الاعتقاد إذ المتبادر من مطابقة الاعتقاد الاتحاد في الإيجاب والسلب أو ما يستلزمه أو يؤول إليه وهذا لا يوجد إلا في القضايا ولذلك لا تسمع من أحد من أهل الاصطلاح أن التصوير يطابق الاعتقاد بل لو قال أحد إن تصور مفهوم نحو اضرب يطابق الاعتقاد نسبه أهل العرف الخاص لما يكره وحمل المطابقة على هذا المعنى أقرب من التزام اتصاف التصورات بالمطابقة وإلا مطابقة إذ ليس في هذا المعنى إلا ذكر الملزوم وإرادة اللازم مع أن أهل العرف العام قد يطلقون الاعتقاد بهذا المعنى يقال فلان له اعتقاد في فلان ويراد مثل ذلك ولا بعد فيه لأنهم يعدون الوصف بالجميل المعلوم الانتفاء إذا كان كذلك مدحا وحمدا كالقصائد المشتملة على وصف الممدوح بما هو محقق الانتفاء إلى هنا كلام الدواني. قال: وأما الجواب بأن الواصف يعتقد اتصاف الممدوح بما ذكر وأنهم أرادوا معاني مجازية واعتقدوا اتصاف المنعوت بها فيرده أن الأول خلاف البديهة والثاني خلاف الواقع اه. واعترضه صدر الأفاضل بأن الأول لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته ولم يكن اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي والثاني لو كان خلاف الواقع لما كان الكلام مستعملا في معناه المجازي فيلزم أن لا يكون الكلام المذكور حقيقة ولا مجازا انتهى. وأجابه الدواني بما نصه: هذا السيد الفاضل لم يتذكر أنه لا يلزم من عدم اعتقاد مدلول الكلام أن لا يكون الكلام مستعملا فيه فإن الأخبار التي مضمونها خلاف اعتقاد المتكلم كقول السني المخفي عن حاله عن المعتزلي: العبد خالق لأفعال نفسه الاختيارية مستعملا في معناه الحقيقي مع أنه لا يعتقده بل جميع الأكاذيب التي يتعمدها أهلها كذلك. ثم إنه حمل قوله والأول خلاف البديهة على أن مضمون تلك الأخبار خلاف البديهة وفرع عليه أنه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته ويرد عليه منع الملازمة فإن الأكاذيب التي يعتمدها المتكلم العاقل قد تخالف البديهة مع قصد المتكلم إفادتها لغرض من الأغراض كتغليط المخاطب أو تبكيته أو امتحانه أو للتخييل فلا يلزم أن لا يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا كما توهمه والأخبار قد يقصد بها إفادة التصديق بمضمونها إما جزما أو ظنا وقد يقصد بها إفادة التخييل كما في القضايا الشعرية انتهى. الرابع المحمود وقد سبق اشتراط كونه فاعلا مختارا أو في حكمه ثم إن المحققين التفتازاني والجرجاني والمفسرين الأفضلين الزمخشري والقاضي صرحوا في عدة مواضع بأن الحد مختص به تعالى منحصر فيه وعليه إشكال قضوا له بالصعوبة لأن أفعال العباد كما ترجع إلى الله من
[ص:8] جهة الخلق والاقتدار وتهيئة الأسباب والتوفيق ترجع إلى العبد من جهة المباشرة بعد الإرادة وهذه الجهة وإن رجعت إلى الله لأنه المحصل للأسباب الدافع للمواقع ترجع للعبد قطعا لخلق الجميل فيه وتمكنه من مباشرته فيحمد باعتبارها فرجوعه إلى الله لا يقتضي الحصر والناس فيه فريقان فريق تجرأوا على أولئك المحققين وحكموا على كلامهم بالتوهين ومنهم المولى ابن الكمال فرماهم بالوهم في هذا المجال حيث قال: لا اختصاص بالحمد بالله كما يفصح عنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها نحمد الله لا نحمدك وقول علي رضي الله تعالى عنه:. . . لاتحمدن امرءا حتى تجربه. . . بل اختصاصه بذي علم وشعور كما يرشد إليه قولهم في المثل السائر: عند الصباح يحمد القوم السري. قال: ومن هنا تبين أن المحمود عليه لا يلزم كونه فعلا لمن حمد به فضلا عن كونه مختارا فيه كما توهم وأن من وهم قيام الفرق بين الحمد والمدح لصحة تعلق الثاني بالجماد دون الأول فقد وهم واتضح به أنه لا مدخل لمسألة خلق العباد لأفعالهم هنا لأن الكلام في الحمد اللغوي ومرجعه إلى من وثق بعربيتهم بالنقل الصحيح والاستعمال الصريح وقد صح عنهم عدم الاختصاص وأما حمل التعريف على الجنس دون الاستغراق فمنشؤه أمر وراء ذلك وهو أن مقتضى مقام الخطاب تخصيص حقيقة الحمد به تعالى تنزيلا لأفراد الحمد الثابتة لغيره منزلة العدم والقصد إلى هذا المعنى ظاهر عند كون التعريف للجنس لا للاستغراق إذ قد يكون جزئيا كجمع الأمير الصاغة فلا يوجب استيعاب جميع الأفراد. إلى هنا كلامه. وفريق سلكوا سبيل الأدب مع أولئك العظماء وسيد هذا الفريق سيد المحققين الدواني فنزل الحصر على الحقيقة لأن الحمد يختص بالفعل الاختياري ولا اختيار لغيره تقدس على قاعدة أهل الحق والعبد مضطر في صورة مختار انتهى. والحاصل أنهم نزلوا حمد غير الله منزلة العدم أو منزلة حمده الله تعالى لأنه مبدأ كل جميل فحمد غيره كالعارية لأن الكل منه وإليه خلقا وتمكينا وتيسيرا وليس لغيره غير مجرد مظهرية لما بين يديه وكل جمال وكمال مضمحل في جماله وكماله وراجع إليه وكل اختيار لغيره يعود إلى اضطرار. الخامس وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان والمراد منه أن يكون مجارحة النطق فلما كان الواقع كون آلة التكلم هي تلك الجارحة خص بها فلو فقد لسان إنسان فأثنى بحروفه الشفوية على جميل أو خلق النطق في بعض جوارحه كما ذكر بعض الثقات أنه شاهده فأثنى به فهو حمد وقضية التقييد به أيضا أن لا يكون الصادر عن المنزه عن الجارحة حمدا وقد قال تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد أو أمر بالحمد أو منقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية المطلوبة من الحمد وميل السيد إلى الأخير لكن النحرير الدواني قال: كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام قال: فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي في مقابلة الجنان والأركان والمراد الفعل الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد أغلى يسوغ الاستعمال فيه. وتوضيحه أن اللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لأمر عام اشتهر في بعض أفراده بخصوصه بحيث يصير حقيقة عرفية في ذلك الفرد وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك اللفظ كما في لفظ الدابة فإنه موضوع في الأصل لما يدب على الأرض ثم اشتهر به في العرف العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية فيه وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ذلك ولم يطلعوا على إطلاقه على فرد آخر ظنوا أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن ثم من لم يطلع على تلك الآلة إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع لهذا حتى أن من لم ير موازين المياه وغيرها من موازين الحكمة ربما يظن أنها ليست ميزانا وكما أن من لم يشاهد من الخبز إلا ما هو من الحنطة لا ينساق ذهنه عند سماع لفظ الخبز إلا إليه وربما لم يصدق بأن غير من أفراد الخبز حقيقة ومثل ذلك يجري في كثير من الألفاظ ثم الأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق أما في غيره فربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة إذا تمهد ذلك فقس عليه الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال ولما كان الإظهار القولي أظهر أفرادا وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه حقيقة فيه مجاز في غيره مع أنه بحسب
[ص:9] أصل الواقع أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك انتهى. وشمل التعريف حمد الملائكة لنطق النصوص بنطقهم باللسان وتشكلهم كالإنسان وأخرج حمد الطير والبهيمة والنائم لفقد القصد المعتبر. ثم إنه قد عرف بما قد سلف أن الحمد لله وأحمد الله حمد لدلالته على الاتصاف بالكمال وبه جزم الشريف وأورد الدواني أنا لا نسلم دلالة نصفك على الانصاف لصدقه مع كذب الاتصاف فلا يكون وصفا بالجميل بخلاف أنت نتصف ثم أجاب بأن التعظيم الباطني المشترك يدل على اعتقاد كمال ما بدأ به وهو يدل عرفا على معنى أنت متصف إذ الإنسان لا يكذب نفسه وبأن العبارة تطلق عرفا بمعنى أنت متصف وبأن نحمد دال على صدور القول والقول دال على الإتصاف فهو دال على الانصاف انتهى(1/6)
قال الصفوي: وما ذكره من أن الشخص لا يكذب نفسه إنما يجيء في نحو حمدت وأحمد لا أنت محمود أو لك الحمد ونحوه مما لم يتضمن دعوى اعتقاد المتكلم. ثم إن الإشكال من أصله إنما يتجه إذا لم يلاحظ معنى اللامين فإن لوحظ اختصاص الجنس أو الأفراد أو الفرد الكامل أو الأكمل فدلالته على الكمال التام في كمال التمام. وقد أتينا على بيان أركان الحمد الخمسة على جهة الاقتصار والاختصار ولم يبق إلا التتميم بإيراد ما اشتهر من أن الجملة خبرية أو إنشائية وجوزهما الشريف فقال: إخبار كما هو أصله إو إنشاء وذلك لأن الخبر بثبوت الحمد يستلزم الوصف بالجميل فإذا تحقق باقي الأركان فهو حمد وكلامه مشير إلى ترجيح مطلق الخبرية بالأصالة وجرى عليه جمع منهم المولى حسن الرومي حيث قال ما محصوله: وإنما ترجح الإخبار بالأصالة مع أن قصد القائل إحداث الحمد لأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله هو عين الحمد كما أن قولك الله واحد عين التوحيد انتهى. وقد ألف العلامة البخاري في الانتصار لكونها خبرية مطلقا مؤلفا حافلا. ووهم من زعم أنها إنشائية فقال: الحق الذي لا محيد عنه أنها خبرية مطلقا وما يسبق إلى بعض الأوهام من أنها إنشائية فعلى نقيض ما تقتضيه صناعة العربية وخلاف ما عليه أساطين الفنون الأدبية واستظهر على ذلك بأمور يطول ذكرها. ورده الكمال ابن الهمام فقال: بالغ بعضهم في انكار كون الحمد لله إنشاء لما يلزم عليه من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود قال: ويبطل من قضيتين إحداهما أن الحمد ثابت قطعا قبل الحامد والأخرى أنه لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخباره اسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يكن القائل الحمد لله حامدا فهما باطلان فبطل ملزومهما واللازم من المقارنة أي مقارنة معنى الإنشاء لفظه انتفاء وصف الواصف المعين لا الاتصاف وهذا لأن الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها. نعم يتراءى لزوم كون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحامد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه ابتداء التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان إلى هنا كلامه(1/9)
والقول بأن جملة الحمد من صيغ الإنشاء شرعا أو مشتركة بين الإخبار والإنشاء كصيغ العقود زيفه المولى حسن بأن تلك إخبارات لغوية نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام وإثبات النقل في مثل ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع فقول البعض هو غير بعيد ناشئ عن عدم الإهتمام بتحرير المقام وبذلك نجز الكلام على الحمد. وكأني بك تقول قد أبهمت في مقام التعيين وأجملت في محل التبيين حيث عرفت الحمد بأنه " النعت بالجميل " إلى آخره ولم تبين أن ذلك هو تعريفه اللغوي ولم تتعرض لما تطابقوا عليه من تعريفه عرفا بأنه " فعل ينبئ عن تعظيم المنعم " فأقول لم أغفله من ذهول بل لأن جعلهم ذلك لغويا وذا عرفيا قد تعقبه العلامة البخاري بالرد وأطنب بما منه أن هذا إنما هو اصطلاح لبعض المتكلمين وأن أهل اللغة والشرع قد تطابقوا على أن حقيقة الحمد الوصف بالجميل قال: فليس الحمد لغة أعم منه شرعا على أن إطباق المفسرين على تفسير الحمد الواقع في القرآن بما فسره به أئمة اللغة دليل على تطابق الشرع واللغة وإلا لما صح تفسير الحمد الواقع في كلام الشارع به لما أن الألفاظ الواقعة في كلامه إذا كان لها معنى شرعي مغاير للمعنى اللغوي يجب حملها على المعنى الشرعي ولا يجوز حملها على المعنى اللغوي انتهى. ثم لما كان الحمد من المصادر التي تنصب بأفعال مضرة والأحداث المتعلقة بالمحل المقتضية لانتسابها إليه والفعل أصل في بيان النسب كان حقه أن يلاحظ معه الفعل لكنه عدل إلى اختيار الإسمية إفادة الإنسان هو الجامع الصغير. . . [ص:10] للدوام والثبوت إجابة لمناسبة المقام كذا قرره التفتازاني قيل وهو على حسنه لا يخلو كدر بالنسبة لخصوص المقام إذ لا تخفى حسن المناسبة بين القول المتجدد والحادث والفعل الدال على التجدد والحدوث فالتعبير بالفعلية أنسب وآثر المصنف الحمد على الشكر تحسينا للبيان ببديع الاقتباس ولكونه أشبع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في أعمال الجوارح من الاحتمال ومن ثم كان رأس الشكر ولفظ الجلالة على سائر الأسماء لتكون المحامد كلها مقرونة بمعانيها المستدعية لها فإنه اسم ينبئ عن جميع صفات الكمال لما أخبر بأنه تعالى حقيق بالحمد اعتبار ذاته المستجمع لجميع صفات الكمال وعامة نعوت الجلال حمد أم لم يحمد ونبه على استحقاقه له باعتبار أفعاله العظام وآثاره الجسام من ربوبيته للكل وشمول رحمته الظاهرة للجميع وخصوص رحمته الباطنة للمؤمنين وذلك لأن ترتب الحكم على الوصف كما يشعر بالعلية فكذا يشعر بها تعقيب الحكم بالوصف فكأنه قال حقيقة الحمد مخصوصة بذاته الواجبة الكاملة الشاملة. وقدم الحمد لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهم ذكره التفتازاني واعترض ورد وإنما قدم فلله الحمد له الحمد لأنه ليس المقام مقام حمد. ولما كان صدور هذا الجامع البديع الوضع المتكاثر الجمع الغريب الترتيب العجيب التبويب لا يحصله إلا من ارتقى إلى منازل الشرف وحل من طبقات الإجتهاد بأعلى الغرف افتتح غرة ذلك الكتاب الشريف وأومأ في طرة مطلعه المنيف إلى أنه هو ذاك القرم المبعوث على رأس القرن فقال (الذي) لكثرة جوده على هذه الأمة وإغزار إفضاله عليهم (بعث) أي أرسل يقال بعثت رسولا أي أرسلته وبعثت العسكر وجهتهم للقتال قال الراغب: أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال بعثته فانبعث ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به. فإن قلت: كان الأولى أن يقول: الباعث ليكون آتيا بلفظ اسم من الأسماء الحسنى صريحا وما صح وصفه تعالى به لا يحتاج معه إلى الإتيان بالذي وإنما يتوصل به إلى إجراء وصف لم يرد به توقيف
قلت اعتذر البعض عن نحوه بأن ذكر الموصول أدخل في التعظيم وأبلغ في الثناء على الله لدلالة جملة الصلة على الاستقرار في النفوس وإذعانها له (على رأس) أي أول ورأس الشيء أعلاه ورأس الشهر أوله قال في المصباح وهو مهموز في أكثر لغاتهم إلا بني تميم (كل مئة سنة) يحتمل من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث وأصل سنة سنو لقولهم سنوات وقيل سنهة كجبهة لقولهم سانهته وفرق بعضهم بين السنة والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابلة ذكره ابن الخباز في شرح اللمع. قال الراغب: والمئة هي المرتبة الثالثة من أصول الأعداد لأن أصولها أربعة آحاد وعشرات ومئات وألوف (من) أي مجتهدا واحدا أو متعددا قائما بالحجة ناصرا للسنة له ملكة رد المتشابهات إلى المحكمات وقوة استنباط الحقائق والدقائق النظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته واقتضاآته من قلب حاضر وفؤاد يقظان
قال الحراني: ومن اسم مبهم يشمل الذوات العاقلة آحادا وجموعا واستغراقا (يجدد لهذه الأمة) أي الجماعة المحمدية وأصل الأمة الجماعة مفرد لفظا جمع معنى وقد يختص بالجماعة الذين بعث فيهم نبي وهم باعتبار البعثة فيهم ودعائهم إلا الله يسمون أمة الدعوة فإن آمنوا كلا أو بعضا سمى المؤمنون أمة إجابة وهم المراد هنا بدليل إضافة الدين إليهم في قوله (أمر دينها) أي ما اندرس من أحكام الشريعة وما ذهب من معالم السنن وخفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة حسبما نطق به الخبر الآتي وهو: " إن الله يبعث " إلى آخره وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفى خاتمة الأنبياء والرسل وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد ولم تف ظواهر النصوص ببيانها بل لا بد من طريق واف بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قرم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراء لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم فكان في المئة الأولى عمر بن عبد العزيز. والثانية الشافعي. والثالثة الأشعري أو ابن شريح. والرابعة الاسفراييني أو الصعلوكي أو الباقلاني. والخامسة حجة الإسلام الغزالي. والسادسة الإمام الرازي أو الرافعي. والسابعة ابن دقيق العيد ذكره السبكي وجعل الزين العراقي في الثامنة الأسنوي بعد نقله عن بعضهم أنه
[ص:11] جعل في الرابعة أبا إسحاق الشيرازي. والخامسة السلفي. والسادسة النووي انتهى. وجعل غيره في الثامنة البلقيني. ولا مانع من الجمع فقد يكون المجدد أكثر من واحد. قال الذهبي: من هنا للجمع لا للمفرد فنقول مثلا على رأس الثلاث مئة ابن شريح في الفقه والأشعري في الأصول والنسائي في الحديث وعلى الست مئة مثلا الفخر الرازي في الكلام والحافظ عبد الغني في الحديث وهكذا. وقال في جامع الأصول: قد تكلموا في تأويل هذا الحديث وكل \ أشار إلى القائم الذي هو من مذهبه وحملوا الحديث عليه. والأولى العموم فإن من تقع على الواحد والجمع ولا يختص أيضا بالفقهاء فإن انتفاع الأمة يكون أيضا بأولي الأمر وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ لكن المبعوث ينبغي كونه مشارا إليه في كل هذه الفنون ففي رأس الأولى من أولي الأمر عمر بن عبد العزيز. ومن الفقهاء محمد الباقر والقاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين وغيرهم من طبقتهم. ومن القراء ابن كثير ومن المحدثين الزهري. وفي رأس الثانية من أولي الأمر المأمون. ومن الفقهاء الشافعي واللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة وأشهب من أصحاب مالك. ومن الإمامية علي بن موسى الرضي ومن القراء الحضرمي ومن المحدثين ابن معين ومن الزهاد الكرخي. وفي الثالثة من أولي الأمر المقتدر ومن المحدثين النسائي. وفي الرابعة من أولي الأمر القادر. ومن الفقهاء الاسفراييني الشافعي والخوارزمي الحنفي وعبد الوهاب المالكي والحسين الحنبلي ومن المتكلمين الباقلاني وابن فورك ومن المحدثين الحاكم ومن الزهاد الثوري وهكذا يقال في بقية القرون. وقال في الفتح: نبه بعض الأئمة على أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل قرن واحد فقط بل الأمر فيه كما ذكره النووي في حديث: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " من أنه يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم اجتماعهم ببلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وتفرقهم في الأقطار ويجوز تفرقهم في بلد وأن يكونوا في بعض دون بعض ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا أتى أمر الله قال الحافظ ابن حجر: وهذ متجه فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا تنحصر في نوع من الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلا أن يدعى ذلك في ابن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المئة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم ذكر أحمد أنهم كانوا يحملون عنه الحديث وأما من بعده فالشافعي وإن اتصف بالصفات الجميلة والفضائل الجمة لكنه لم يكن القائم بشأن الجهاد والحكم بالعدل فعلى هذا كل من اتصف بشيء من ذلك عند رأس المئة هو المراد تعدد أم لا. انتهى. وأؤما المصنف هنا وصرح في عدة تآليفه بأن المجدد على رأس المئة التاسعة. قال في بعضها: " قد أقامنا الله في منصب الاجتهاد لنبين للناس ما أدى إليه اجتهادنا تجديدا للدين " هذه عبارة. وقال في موضع آخر: " ما جاء بعد السبكي مثلي وفي آخر الناس يدعون اجتهادا واحدا وأنا أدعي ثلاثا " إلى غير ذلك وقد قامت عليه في ومنه بذلك القيامة ولم تسلم له في عصره هامة وطلبوا أن يناظروه فامتنع وقال: لا أناظر إلا من هو مجتهد مثلي وليس في العصر مجتهد إلا أنا كما حكاه هو عن نفسه وكتبوا له حيث تدعى الاجتهاد فعليك الإثبات ليكون الجواب على قدر الدعوى فتكون صاحب مذهب خامس فلم يجبهم. قال العلامة الشهاب بن حجر الهيتمي: لما ادعى الجلال ذلك قام عليه معاصروه ورموه عن قوس واحد وكتبوا له سؤالا فيه مسائل أطلق الأصحاب فيها وجهين وطلبوا منه إن كان عنده أدنى مراتب الاجتهاد وهو اجتهاد الفتوى فليتكلم على الراجح من تلك الأوجه بدليل على قواعد المجتهدين فرد السؤال من غير كتابة عليه واعتذر بأن له اشتغالا يمنعه في النظر في ذلك. قال الشهاب الرملي: فتأمل صعوبة هذه المرتبة أعني اجتهاد الفتوى الذي هو أدنى مراتب الاجتهاد يظهر لك أن مدعيها فضلا عن مدعي الاجتهاد المطلق في حيرة من أمره فساد في فكره وأنه ممن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء. قال: من تصور مرتبة الاجتهاد المطلق استحيا من الله تعالى أن ينسبها لأحد من أهل هذه الأزمنة بل قال ابن الصلاح ومن تبعه إنها انقطعت من نحو ثلثمئة
[ص:12] سنة ولابن الصلاح نحو ثلثمئة سنة فتكون قد انقطعت من نحو ست مئة سنة بل نقل ابن الصلاح عن بعض الأصوليين أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل. إلى هنا كلام الشهاب. ثم قال: وإذا كان بين الأئمة نزاع طويل في أن إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي وناهيك بهما هل هما من أصحاب الوجوه أم لا كما هو الأصح عند جماعة فما ظنك بغيرهما بل قال الأئمة في الروياني صاحب البحر أنه لم يكن من أصحاب الوجوه هذا مع قوله " لو ضاعت نصوص الشافعي لأمليتها من صدري " فإذا لم يتأهل هؤلاء الأكابر لمرتبة الاجتهاد المذهبي فكيف يسوغ لمن لم يفهم أكثر عباراتهم على وجهها أن يدعى ما هو أعلى من ذلك وهو الاجتهاد المطلق؟ سبحانك هذا بهتان عظيم انتهى إلى هنا كلام الشهاب. وفي الأنوار عن الإمام الرافعي: " الناس اليوم كالمجمعين على أنه لا مجتهد اليوم " وقال عالم الأقطار الشامية ابن أبي الدم بعد سرده شروط الاجتهاد المطلق: " هذه الشرائط يعز وجودها في زماننا في شخص من العلماء بل لا يوجد في البسيطة اليوم مجتهد مطلق " هذا مع تدوين العلماء كتب التفسير والسنن والأصول والفروع حتى ملأوا الأرض من المؤلفات صنفوها ومع هذا فلا يوجد في صقع من الأصقاع مجتهد مطلق بل ولا مجتهد في مذهب إمام تعبر أقواله وجوها مخرجة على مذهب إمامه ما ذاك إلا أن الله تعالى أعجز الخلائق عن هذا إعلاما لعباده بتصرم الزمان وقرب الساعة وأن ذلك من أشراطها وقد قا شيخ الأصحاب القفار: مجتهد الفتوى قسمان أحدهما من جمع شرائط الاجتهاد وهذا لا يوجد والثاني من ينتحل مذهبا واحدا من الأئمة كالشافعي وعرف مذهبه وصار حاذقا فيه بحيث لا يشذ عنه شيء من أصوله فإذا سئل في حادثة فإن عرف لصاحبه نصا أجاب عليه وإلا يجتهد فيها على مذهبه ويخرجها على أصوله وهذا أعز من الكبريت الأحمر فإذا كان هذا القفار مع جلالة قدره وكون تلامذته وغلمانه أصحاب وجوه كل مذهب فكيف بعلماء عصرنا؟ ومن جملة غلمانه القاضي حسين والفوراني والد إمام الحرمين والصدلاني والسنجي وغيرهم وبموتهم وموت أصحاب أبي حامد انقطع الاجتهاد وتخريج الوجوه من مذهب الشافعي وإنما هم نقلة وحفظة فأما في هذا الزمان فقد خلت الدنيا منهم وشغر الزمان عنهم. إلى هنا كلام ابن أبي الدم. وقال فقيه العصر شيخ الإفتاء والتدريس في القرن العاشر شيخنا الشمس الرملي عن والده شيخ الإسلام أبي العباس الرملي أنه وقف على ثمانية عشر سؤالا فقهية سأل عنها الجلال من مسائل الخلاف المنقولة فأجاب عن نحو شطرها من كلام قوم من المتأخرين كالزركشي واعتذر عن الباقي بأن الترجيح لا يقدم عليه إلا جاهل أو فاسق قال الشمس فتأملت فإذا أكثرها من المنقول المفروغ منه فقلت سبحان الله رجل ادعى الاجتهاد وخفى عليه ذلك؟ فأجبت عن ثلاثة عشر منها في مجلس واحد بكلام متين من كلام المتقدمين وبت على عزم إكمالها فضعفت تلك الليلة فعددت ذلك كرامة للمؤلف وليس حكايتي لذلك من قبل الغض منه ولا الطعن عليه بل حذرا أن يقلده بعض الأغبياء فيما اختاره وجعله مذهبه سيما ماخالف فيه الأئمة الأربعة اغترارا بدعواه هذا مع اعتقادي مزيد جلالته وفرض سعة إطلاعه ورسوخ قدمه وتمكنه من العلوم الشرعية وآلاتها وأما الاجتهاد فدونه خرط القتاد وقد صرح حجة الإسلام بخلو عصره عن مجتهد حيث قال في الإحياء في تقسيمه للمناظرات ما نصه: " أما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل العصر فإنما يفتي فيه ناقلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يتركه " انتهى وقال في الوسيط: هذه الشروط يعني شروط الاجتهاد المعتبرة في القاضي قد تعذرت في عصرنا. وهنا تنبيه ينبغي التفطن له وهو أن كل من تكلم على حديث " إن الله يبعث " إلخ إنما يقرره بناء على أن المبعوث على رأس القرن يكون موته على رأسه وأنت خبير بأن المتبادر من الحديث إنما هو أن البعث وهو الارسال يكون على رأس القرن أي أوله ومعنى إرسال العالم تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر الأحكام وموته على رأس القرن أخذ لا بعث فتدبر بانصاف. ثم رأيت الطيبي قال: المراد بالبعث من انقضت المئة وهو حي عالم مشهور مشار إليه. والكرماني قال: قد كان قبيل كل مئة أيضا من يصحح ويقوم بأمر الدين وإنما المراد من انقضت المئة وهو حي عالم مشار إليه. ولما كان ربما يتوهم من تخصيص البعث برأس القرن أن القائم بالحجة لا يوجد إلا عنده أردف ذلك بما يبين أنه قد يكون في أثناء المئة من هو كذلك بل قد يكون أفضل من المبعوث على الرأس وأن تخصيص الرأس إنما هو لكونه مظنة انخرام علمائه غالباوظهور البدع ونجوم
[ص:13] الدجالين فقال (وأقام) أي نصب وسخر. قال الراغب: القيام على أضرب: قيام بالشخص إما بتسخير أو باختيار وقيام هو المراعاة للدين والحفظ له وقيام هو العزم على الشيء ومنه: {كونوا قوامين لله} {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} أي حافظ وقوله {إلا ما دمت عليه قائما} أي على طلبه (في كل عصر) بفتح أو ضم فسكون وبضمتين أي زمن والعصر الدهر كما في الصحاح والوقت كما في الأساس يقال: ما فعلته عصرا أو بعصر أي في وقت (من يحوط) بضم الحاء الحيطة وهو المراعاة والصيانة والحفظ (هذه الملة) أي يصون ويحفظ هذه الطريقة المحمدية والسنن الإسلامية ويهتم بالذب عنها ويبالغ في الاحتياط غير مقصر ولا متوان. ففي الصحاح حاطه كلأه ورعاه وفي الأساس تعاهد واهتم بأمره. ومن المجاز أحاط به علما أتى على أقصى معرفته كقولك علمه علم إحاطة إذا علمه من جميع وجوهه ولم يفته شيء منه ومنه فلان يحوط بيضة الإسلام وبيضة قومه. وفي المفردات الإحاطة تستعمل في الأجسام نحو أحطت بمكان كذا وفي الحفظ نحو: {إلا إنه بكل شيء محيط} أي حافظ لجميع جهاته. والملة قال الزمخشري: الطريقة المسلوكة ومنه ملة إبراهيم خير الملل وامتل فلان ملة الإسلام. وقال القاضي هي ما شرع الله لعباده على لسان أنبياءه من أمللت الكتاب إذا مليته وقال الحراني: ما يدعو إليه العقل المبلغ عن الله توحيده من ذوات الحنفيين والدين الإسلام والإسلام إلقاء ما باليد ظاهرا وباطنا وذلك إنما يكون عن بادئ عين التوحيد اه. وقال الراغب: الدين والملة اسمان بمعنى يتفقان من وجه ويختلفان من وجه فاتفاقهما أنهما اسم لاعتقادات وأقوال وأفعال تأثرها أمم من الأمم عن نبيهم يرفعها إلى الله واختلافهما من وجهين أحدهما أن الدين إذا اعتبر بمبدئه فهو الطاعة والانقياد نحو {في دين المللك} وإذا اعتبر بمغزاه ومنتهاه فهو الجزاء كخبر: " كما تدين تدان " والدين تارة يضاف إلى الله تعالى وأخرى إلى العبد والملة من أمللت الكتاب أي أمليته وتضاف إلى الإمام الذي تسند إليه نحو ملة إبراهيم ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد أمة النبي لا يقال ملة الله ولا ملتي ولا ملة زيد كما يقال دين الله وديني ودين زيد الثاني أن الدين يقال لكا من الاعتقاد والقول والفعل أنه دين الله ولا يقال ملة إلا باجتماع ذلك كله وأما الشريعة فالطريقة المتوصل بها إلى صلاح الدارين تشبيها بشريعة المار بالطريق الشارع انتهى. وبه يعلم أن من فسر الملة هنا بالدين أو الشريعة لم يصب " بتشييد أركانها " أي بإعلاء أعلامها ورفع منارها وإحكام أحكامها وتشييد الرفع والتأييد أو الإحكام والاتقان. قال الزمخشري: شاد القصر وأشاده شيده ورفعه وقصر مشيد وقيل مشيد المعمول بالشيد وهو الجص بكسر الجيم ومن المجاز أشاد بذكره رفعه بالثناء عليه وأشاد عليه أثنى عليه مكروها وأركان الشيء جوانبه التي عليها مبناه وبتركها بطلانه ذكره الراغب. فإثبات الأركان للملة مجاز قال الزمخشري: ومن المجاز فلان يأوي من عز قومه إلى ركن شديد (تأييد سننها) تقويتها من الأيد وهو القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد والسنن جمع سنة وهو لغة الطريقة وقال الزمخشري: سن سنة حسنة طرق طريقة حسنة واستسن سنة وفلان مستسن عامل بالسنة وعرفا قول المصطفى وفعله وتقريره قال ابن الكمال المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلا كان أو قولا بخلاف الحديث فإنه مخصوص بالأول (وتبيينها) أي توضيحها للناس من أبان الشيء أوضحه ومنه بان أي اتضح واستبان ظهر واستبينته عرفته. قال الحراني: والتبيين اقتطاع الشيء بما يلابسه ويداخله والمراد المبالغة في البيان بما تفهمه صيغة التفعيل. وقال الراغب: البيان الكشف عن الشيء وهو أعم من النطق وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود. وقال المولى خسرو: التبين أعم من أن ينص بالمقصود أو يرشد لما يدل عليه كالقياس ودليل الفعل ولما أقام البراهين على استحقاقه تعالى وتقدس لمجامع المحامد وصفات الكمال شهد له باستقاق الألوهية وإثباتها ونفيها عما سواه إشارة إلى أن تلك الشهادة الشريفة داخلة فما أقيمت البراهين على استحقاقه تعالى إياه بل استحقاق الألوهية أجل ظهورا ومن ثم عطفه على الحمد فصرح بما علم التزاما من سياق التنزيه قبله فقال (وأشهد) إلخ ومن مرسومه أنه التصريح بدلالة مفهوم المنطوق لدفع احتمال توهم غيره أو لحديث أبي داود كل خطبة
[ص:14] ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء بذال معجمة. وأصل الشهادة لغة مأخوذة من المشاهدة والمعاينة ثم نقلت شرعا إلى الإخبار بحق الغير عن عيان ثم نقلت إلى العلم بكثرة كما هنا وكذا حيث أطلقت في سائر الكتب فتلك ثلاث انتقالات إذ معناها هنا أعلم ذلك بقلبي وأبينه بلساني قاصدا به الإنشاء حال تلفظه وكذا سائر الأذكار والتنزيهات (أن لا إله) أي لا معبود بحق (إلا الله) جمع في الشهادتين بين النفي والإثبات مع تنزيه الإله الحق المثبت له ذلك عما لا يليق بكمال جلال وحدانيته (وحده) نصب على الحال بمعنى منفردا وكذا حيث وقع إلا ما استنثى منه كقولهم في المدح للعلامة نسيح وحده بكسر الحاء وفي الذم لضعف الرأي عبير وحده وجيحش وحده ووجيه وحده محتمل للمدح والذم (لا شريك) أي لا مشارك (له) إذ الشريك من المشاركة وهي المعاونة والمساعدة في الشيء أو عليه وذلك ينافي الألوهية وهو تأكيد لتوحيد الذات والمتوحد ذو الوحدانية وزاد مقام الخطاب بالثناء توضيحا وتقريرا بقوله ضرورة احتياجه إلى الغير فانتفائه ضروري قطعا وهو توكيد لتوحيد الأفعال ردا على المعتزلة ثم قيد الشهادة بما يفيد إثبات جزمه وقوة قطعه وعدم تزلزله فقال (شهادة يزيح ظلام الشكوك صبح يقينها) أي أشهد به شهادة ثابتة جازمة يزيل نورا اعتقادها ظلمة كل شك فهو استعارة بالكناية لكونه نطقه بالشهادة نشأ عن جزم قلبه وعقد لبه عليها لأن نور اليقين لما كان واقعا لظلمات تشكيكات العدو اللعين شبه بضوء الصبح المنتشر المرتفع عند تنحيته لظلام الليل بجامع أن كلا منهما مزيل للظلمات ومحصوله الإخبار عن قوة إيقانه وغلبة سلطان إيمانه على جنانه بحيث بلغ من مقامات القوة مبلغا عظيما إلى اليقين وإن كان اعتقادا جازما مطابقا للواقع لا يزول بالتشكيكات لكنه متفاوت قوة وضعفا عند المحققين بشهادة الوجدان إذ الجزم بطلوع الشمس عند الرؤية أقوى من الجزم بالعاديات. ثم عطف الشهادة الثانية على الأولى فقال (وأشهد) إلى آخره إذ الإتيان بالشهادتين على الترتيب شرط كما هو مذكور في شروط الإسلام الخمسة وهي العقل والتكليف والإتيان بالشهادتين وكونهما مرتبتين وكون ذلك بالاختيار في حق غير الحربي والكلام على هذه الشهادة كالذي قبلها وكانتا بالعطف دونه في الأذان لأنهما فيه تأكيد هنا تعبد (أن سيدنا) معشر الآدميين أي أشرفنا وأكرمنا على ربه والسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة ويضاف 'لى ذلك فيقال سيد القوم ولا يقال سيد النوب وسيد الفرس ويقال ساد القوم يسودهم. ولما كان من شرط المتولي للجماعة الكثيرة كونه مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه وإطلاق السيد على النبي صلى الله عليه وسلم موافق لحديث " أنا سيد ولد آدم " ولكن هذا مقام الإخبار بنفسه عن مرتبته ليعتقد أنه كذلك وأما في ذكره والصلاة عليه فقد علمهم الصلاة عليه لما سألوه عن كيفيتها بقوله " قولوا اللهم صل على محمد " فلم يذكر لفظ السيد وقد تردد ابن عبد السلام في أن الأفضل ذكر السيد رعاية للأدب أو عدم ذكره رعاية للوارد (محمدا) عطف بيان لا صفة لتصريحهم بأن العلم ينعت ولا ينعت به ذكره بعض علماء الروم قال وما ذكره الكشاف في {ذلكم الله ربكم} أنه يجوز إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان وربكم خبر إنما يصح بناء على تأويله والمعرف باللام وإلا فتجويز نعت اسم الإشارة بما ليس معرفا بها وما ليس بموصول مجمع على بطلانه ولا بدل لأن البدلية وإن جوزت في {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} لكن القصد الأصلي هنا إيضاح الصفة السابقة وتقرير النسبة تبع والبدلية تستدعي العكس وهو اسم مفعول من التحميد وهو المبالغة في الحمد يقال حمدت فلانا أحمده إذا أثنيت على جميل خصاله ويقال فلان محمود فإذا بلغ النهاية وتكاملت فيه المحاسن فهو محمد لكن ذكر بعض المحققين أنه إنما هو من صيغ المبالغة باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثرة وبخصوصه لا من جهة الصفة إذ لا يلزم من زيد مفضل على عمرو المبالغة في تفضيله عليه إذ معناه له جهة تفضيل عليه وبفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغة لأنها تجاوز حد الكثرة ولحصرهم صيغ المبالغة في عدد مخصوص وكونه أجل من حمد وأفضل من حمد لا يستلزم وضع الاسم للمبالغة لأن ذلك ثابت له لذاته وإن لم يسم به نعم المناسبة قائمة به مع ما مر من دلالة البناء عرفا على بلوغ النهاية في ذلك الوصف (عبده) قدمه لكون العبودية مفتاحا لكل باب كمال ففي ذكره من استحقاق الرحمة واستجلاب الرفعة
[ص:15] وترتب الشفقة ما ليس من غيره ولما فيه من الإيماء إلى أن مرتبة النبوة وهبية لا كسبية ولأن العبودية في الرسول لكونها انصرافا من الخلق إلى الحق أجل من رسالته لكونها بالعكس ولأن الكمال المستفاد من العبودية بما تستنزل به الكمالات وتستمطر به البركات بحكم " من تواضع لله رفعه الله " ولأن العبد يتكفل مولانا بإصلاح شأنه والرسول يتكفل بمولاه بإصلاح شأن الأمة وكم بينهما وإضافته إليه تعالى تشريفا للمضاف أي تشريف وتنبيها على أن لهذا اللفظ الخاص كمال الاختصاص والعبد لغة الإنسان حرا أو قنا وعرفا المكلف يعني من هو جنس المكلفين ولو صبيا أو جنينا (ورسوله) إلى كافة الثقلين والملائكة أو إلى الأولين خاصة؟ وعليه الحليمي والبيهقي بل حكى الرازي والنسفي الإجماع عليه لكن انتصر محققون منهم السبكي بالتعميم بآية {ليكون للعالمين نذيرا} أو خبر " أرسلت إلى الخلق كافة " ونازعوا فيما حكى بأن البيهقي نقله عن الحليمي وتبرأ منه والحليمي وإن كان سنيا لكن وافق المعتزلة في تفضيل الملك على البشر فظاهر حاله بناؤه عليه وبأن الاعتماد على تفسيرهما في حكاية الإجماع انفرادها لحكايته لا ينهض حجة عند أئمة النقل لأن مدارك نقل الإجماع إنما تتلقى من كلام حفاظ الأمة وأصحاب المذهب المتبوعة ومن يلحق بهم في سعة دائرة الإطلاع والحفظ والإتقان والشهرة عند علماء النقل والرسول والنبي طال فيما بينهما من النسبة الكلام والمحققون كما قال ابن الهمام كالزمخشري والعضد والتفتازاني والشريف الجرجاني على تراد فهما وأنه لا فارق إلا الكتاب قال الزمخشري: الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شرع من قبله انتهى وقال في المقاصد: النبي إنسان بعثه اللهلتبليغ ما أوحى إليه قال وكذا الرسول. قال الكمال ابن أبي شريف: هذا ينبئ عن اختياره للقول بترادفهما. وفي شرح العقائد بعد ما ذكر أنه لا يقتصر على عدد في تسمية الأنبياء ما نصه: وكلهم كانوا مبلغين عن الله تعالى لأن هذا معنى النبوة والرسالة قال الكمال ابن أبي شريف هذا مبني على أن الرسول والنبي واحد وقال الإمام الرازي في تفسيره ولا معنى للنبوة والرسالة إلا أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم. وفي المواقف وشرحه في السمعيات: النبي من قال له الله تعالى أرسلتك إلى قوم كذا أو إلى الناس جميعا أو بلغهم عني أو نحوه ولا يشترط في الإرسال شرط وفيه في شرح الديباجة: الرسول نبي معه كتاب والنبي غير الرسول من لا كتاب معه بل أمر بمتابعة شرع من فبله كيوشع. قال المولى خسرو تبع - يعني الشريف - صاحب الكشاف في تفسير الرسول واعتراضه بأنه لا يوافق المنقول في عدد الرسل والكتب إذ الكتب نحو مئة والرسل أكثر من ثلاث مئة مدفوع بأن مراده بمن معه كتاب أن يكون مأمورا بالدعوة إلى شريعة كتاب سواء أنزل على نفسه أو على نبي آخر. قال: والأقرب أن الرسول من أنزل عليه كتاب أو أمر بحكم لم يكن قبله وإن لم ينزل كتاب والنبي أعم لما في ذلك من النقص عما أورد على الأول من أنه يلزم عليه أن يكون من بعث بدون كتاب ولا متابعة من قبله خارجا عن النبي والرسول معا اللهم إلا أن يقال إنه لا وجود لمثله انتهى. وقال الشيباني في شرح اللفه الأكبر: الرسول من بعث بشرع مجدد والنبي يعمه ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين بين موسى وعيسى ومن ثم شبه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم. قال: فإن قيل كيف يصح هذا وقد قال تعالى {ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل} وقد بين ذلك في الكشاف بالأنبياء بين موسى وعيسى. قلت: لعل المراد بالرسل في الآية المعنى اللغوي. وقال ابن عطاء الله من الناس من ظن أن النبي الذي هو نبي في نفسه والرسول هو الذي أرسل لغيره وليس كما ظن ولو كان كذلك فلماذا خص الأنبياء بالذكر دون الرسل في قوله " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ومما يدل على بطلان هذا المذهب قوله تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} الآية فدل على أن حكم الإرسال يعمهما وإنما الفرق أن النبي لا يأتي بشريعة جديدة وإنما يجيء مقررا لشرع من قبله ولهذا قال المصطفى " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (الحديث متكلم فيه والصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم " العلماء أمناء الرسل " الحديث " والعلماء أمناء الله على خلقه ") أي يأتون مقررين ومؤكدين وآمرين بما جئت به لا بشرع جديد. وقال الصفوي: اختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه الملك - وقيل جبريل - بوحي لا نوم ولا إلهام والنبي أعم
[ص:16] واعترض بعدم شموله لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ورفعه بأنه يصدق عليه أنه أتاه في وقت لا ينجع إذ يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولا حقيقة ولا قائل به. وقد أفاد ما قرره المحققان التفتازاني والجرجاني أن مجرد الإيحاء لا يقتضي نبوة إنما المقتضي لها إيحاء بشرع وتكليف خاص فخرج من بعث لتكميل نفسه كزيد بن نفيل ومن ثم قيل ونعم ما قيل يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي وهو باطل وإلا لزم نبوة نحو مريم وآسية والتزامه شاذ. وما أورد على التقتازاني من أن قوله: النبي من بعث لتبليغ ما أوحي إليه أو أن شرع غيره المشير إليه فيما أوحي إليه في الجملة. ومن هذه النقول اللامعة والمباحث الجامعة عرف صحة عزو العلامة ابن الهمام القول بالترادف إلى المحققين وأن الإمام الشهاب ابن حجر قد انحرف هنا عن صوب الصواب حيث حكم على من زعم الاتحاد بالغلط. ونسب الكمال ابن الهمام إلى الاسترواح في نقله والسقط ثم قال: إن الذي في كلام أئمة الأصوليين خلاف الاتحاد قال رأي المحققين خلاف هؤلاء فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحققين فهذا شيء لا يقوله محصل وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك ولسنا ننازعه في أن المشهور بين الفقهاء ما ذكره الحليمي من التغاير وأن الفارق الأمر بالتبليغ إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته 'لى الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم (تتمة) قال بعض الأكابر لم يشتغل الأكثر بتعريف النبوة والرسالة بل بالنبي والرسول وقد عرفهما الأسد بن الأسد إمام الحرمين في قوله النبوة لا تكون عن قوة في النفس كما قاله الحكماء ولا عن رياضة يحصل بها الصفاء فيحصل التجلي في النفس كما قاله بعض الصوفية ولا عن قربان الهياكل السبعة كما قاله المنجمون ولا هي بالإرث كما قاله بعض أهل البيت ولا هي علم المرء بربه لأنه عام ولا علم النبي بكونه نبيا لتأخره بالذات عنها بل هي صفة كلامية هي قول الله تعالى هو رسولي وتصديقه بالأمر الخارق(1/9)
إلى هنا كلامه. وقال الراغب: النبوة قيل سفارة العبد بين الله وبين خلقه وقيل إزاحة علل ذوي العقول فيما تقصر عنه عقولهم من مصالح المعاش والمعاد. وجمع بعض المحققين بينهما فقال: سفارة بين الله وبين ذوي الألباب لإزاحة عللهم فيما يحتاجون من مصالح الدارين وهذا حد كامل جامع بين المبدأ في المقصود بالنبوة وهي الخصوصية وبين منتهاها وهي إزاحة عللهم انتهى <تنبيه> إن قلت: لم عدل المؤلف عن النبي إلى الرسول؟ قلت: لما كان المقام مقام بيان الأحكام وتبليغ الأوامر والنواهي كان حقه أن يذكر فيه وصف الرسالة. ثم عقب ذلك بالرسالة. ثم عقب ذلك بالإشارة إلى ما يفيد مقصود البعثة ويتفرع على النبوة وهو غايتها فقال (المبعوث لرفع) أي لأجل إعلاء (كلمة الإسلام) أي تنفيذ أحكامها من الكلم وهو التأثير سمي بها اللفظ لأنه يورث في النفس فرحا وانبساطا إن كان طيبا وهما إن لم يكن والمراد بالكلمة الكلام التام أعني كلمة الشهادة أو القرآن كله على ما عليه المتقدمون من عدم الفرق بين الكلمة والكلام نقله القناوي عن شرح اللب قال: وإعلاء كلمته تنفيد أحكامه (وتشييدها) أي إحكامها ورفع منارها وتوثيق عراها. والرفع الإعلاء. قال الزمخشري: رفعه فارتفع ورفع فهو رفيع ومن المجاز رفعه على صاحبه في الجنس ويقال للداخل ارتفع أي تقدم ورفعت الرجل سميته والسند ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه
قال الراغب: الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في المنزلة إذا شرفتها أمثلتها كل ما في النصوص والإسلام الخضوع والإنقياد الظاهر لما أخبر به الرسول. قال في الكشاف: كلما يكون من الإقرار باللسان من غير مؤاطأة القلب فهو إسلام وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ومنه أخذ الدواني قوله: الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وقد ينفك الإسلام الظاهر عن الإيمان {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ويصح أن يكون الشخص مسلما في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمنا حقيقة
[ص:17] والإسلام الحقيقي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس انتهى (وخفض) أي ولأجل إهانة وإذلال (كلمة الكفر) من دعوى الند والشريك لله أو الصاحبة أو الولد أو غير ذلك من صنوف الكفر وضروب الضلال (وتوهينها) أي إضعافها وتحقيرها والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه سمي الزارع كافرا لستره البذر وقيل الليل كافر لذلك ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنب أو تستره ومنه في ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه أي المغطي به بدنه ثم نقل شرعا إلى عدم الإذعان لما علم مجيء الرسول به ضرورة قولا أو فعلا لما فيه من ستر نور الفطرة الأصلية الذي هو بدر الكمال ومحاولته الإبداع بذكر الخفض والرفع لا يحسن هنا إذ لا يليق إلا بكتب النحو والمناسب هنا ذكر المسند والمرسل والصحيح والضعيف والحسن ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث. ثم لما نعته بعلو الشأن وظهور السطان ووصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال تحرك قلبه إلى إنشاء الصلاة والسلام عليه فقال (صلى الله وسلم عليه) من الصلاة وهي من الله الرحمة ومنا الدعاء ومن الملك استغفار كذا أثر عن الخبر قال المحقق الدواني: ومنها من زعم أنها ثنائية المعنى بالحقيقة نظرا إلى أن الأخيرين يجمعهما طلب الرحمة فإنها لم توضع للقدر المشترك بل تارة لهذا الفرد وتارة لذاك وابن عباس أعرف منا بوضع اللغة ولو صح ذاك أمكن إرجاعه إلى معنى واحد مشترك بين الأمور الثلاثة كالإمداد بالرحمة فلم يكن مشتركا لفظيا بل معنويا وكذا جميع الألفاظ المشتركة يمكن جكع معانيها المتعددة في أمر واحد فيبقى المشترك رأسا وهو باطل قطعا ثم تعلق لفظ على بهما للتضمن معنى النزول وقد أحسن من عبر عن معناه باستنزال الرحمة إلى هنا كلامه والسلام التسليم من الآفات المنافية لغاية الكمال وجمع بينهما لكراهة إفراد أحدهما أي لفظا لا خطأ أو مطلقا والجملة لإنشاء طلب الرحمة والسلام وإن كانت بصورة الخبر وجعلها خبرا معنى لإنشاء الدعاء قياسا على الحمد أبطل بأن الأخبار بثبوت الحمد يستلزم حمدا والأخبار بثبوت الدعاء لا يستلزم الدعاء. ولما كان لآله وصحبه نوع مشاركة في التوسط لمعاونتهم في التبليغ أشركهم معه فقال (وعلى آله) أصله عند سيبويه والبصريين وعليه اقتصر الكشاف وإليه مال الشاطبي إهل بدليل أهيل إذ التصغير يرد الأشياء إلى أصولها قلبت هاؤها همزة وهي ألفا وعند الكسائي أول بدليل أويل وأيده الجوهري ونصره أبو شامة زاعما أن الأول مجرد دعوى وأن لغة العرب تأباه وصححه في الإرتشاف فإن قلت في الكشاف: الهاء أبدلت ألفا وظاهره أنه مذهب ثالث؟ قلت: كلا إذ مراده كما قال بعض العظماء أبدلت الهاء همزة وهي ألفا وبدل البدل بدل فرجع إلى الأول وخص استعماله بعد القلب أو مطلقا بمن له شرف ورفعة من ذوي العقول أي ما نزل منزلتهم للإهتمام بشأنه فلا يرد النقض بنحو: وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك دينا كآل النبي أو دينا كآل فرعون أشار إليه المحققون منهم البيضاوي وبه عرف أن قول البعض إنما قيل آل فرعون لتصورهم بصورة الأشراف أو لشرفه في قومه تكلف مستفنى عنه نعم هو في التنزيل وارد على منهج التهكم كما بينه صاحب القاموس في شرح خطبة الكشاف على حد: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} على أن الاختصاص المذكور غالبي فقد سمع استعماله في غير ذي عقل لشرفه في جنسه كقوله في فرس ليس في العرب أفحل منه ولا أكثر نسلا. . . صوت حصانا كان من آل أعوجا(1/16)
واختصاصه للإضافة لذي الشرف لا ينافي التصغير لأن التصغير يرد للتعظيم وبفرض سواه فالتصغير في اللغة مع أن مراتب الحظر متفاوتة فيقبل التصغير وآل النبي من حرمت عليهم الزكاة وهو بنو هاشم عند الحنفية والمطلب أيضا عند الشافعية قال البعض: والمؤمنون وبنو تغلب فيشمل إناثهم لكن استدلالهم بخبر " إن لكم في خمس الخمس " يقتضي خلافه وقيل بنو غالب وقيل ذريته أو أزواجه وقيل أتباعه وقيل أتقياء أمته واختاره النووي كجمع في مقام الدعاء وجرى عليه الدواني فقال إذا أطلق في المتعارف شمل الصحب والتابعين لهم بإحسان. فإن قلت: هل لإتيانه بلفظ على هنا من فائدة؟ قلت: نعم وهي الإشارة 'لى مخالفة الرافضة والشيعة فإنهم مطبقون على كراهة الفصل بين [ص:18] النبي وآله بلفظ على وينقلون في ذلك حديثا كما بينه المحقق الدواني وصدر الأفاضل الشيرازي وغيرهما (وصحبه) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو لغة من صحب غيره بما ينطلق عليه اسم الصحبة واصطلاحا من لقي المصطفى يقظة بعد النبوة وقبل وفاته مسلما وإن لم يره لعارض كعمى وإن لم يره المصطفى ولو بلا مكالمة ولا مجالسة ككونه مارا ولو بغير جهته ولو لم يشعر كل بالآخر أو تباعدوا أو كان أحدهما بشاهق والآخر بوهدة أو بئر أو حال بينهما مانع مرور كنهر يحوج إلى سباحة أو ستر رقيق لا يمنع الرؤية أو ماء صاف كذلك إن عده العرف لقاء في الكل على الأقرب من تردد وإسهاب فيه وكذا لو تلاقيا نائمين أو كان غير النبي مجنونا محكوما بإسلامه على ما بحث وقيل لا وقيل إلا زمن إفاقته وذلك لشرف منزلة النبي فيظهر أثر نوره في قلب ملاقيه وعلى جوارحه فشمل التعريف غير المميز وهو ما جرى عليه جمع منهم البرماوي لكن اختير اشتراط التمييز وعلى عدمه دخل من حنكه النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن الحارثأو مسح وجهه كعبد الله بن ثعلبة أو رآه في مهده كمحمد بن أبي بكر والجن كوفد نصيبين واستشكال ابن الأثير بأنه لا تعبد لنا بالرواية عنهم رده الحافظ ابن حجر والأنبياء الذين اجتمعوا به ليلة الإسراء والملائكة الذين اجتمعوا به فيها أو غيرها وبه جزم بعضهم لكن جزم البلقيني بخروج النبي والملك ككل من رآه تلك الليلة ممن لم يبرز لعالم الدنيا وتبعه الكمال المقدسي موجها بأن المراد الاجتماع المتعارف لا ما وقع خرقا للعادة وأيده بعض المحققين بأنه المتبادر عرفا من لفظ اجتمع أو لقي ومن هذا البيان انكشف ضعف جزم الذهبي باستثناء عيسى وإدخاله في التعريف وما احتج به من اختصاصه عن بقية الأنبياء برفعه حيا ونزوله الأرض وحكمه بشرعه لا ينهض حجة له عند التأمل وعدم الاعتداد بالرؤية الواقعة خرقا للعادة يفيد أنه رأى بدنه الشريف فقط كرامة له بفرض وقوعه غير صحابي وإثبات ابن عبد البر الصحبة لمن أسلم في حياته ولم يره شاذ ودخل من رآه بعد البعثة وقبل الأمر بالدعوة كورقة بخلاف من رآه قبل البعثة وإن آمن بأنه سيبعث كما في شرح العباب وغيره ومن لقيه مؤمنا بغيره من أهل الكتاب كما صرح به الحافظ ابن حجر في الإصابة تبعا لما نقله ابن الأثير وغيره عن الإمام البخاري وغيره وعبارته في " أسد الغابة " قال البخاري من صحب رسول الله أو رآه من المؤمنين فهو من أصحابه ووقع لبعضهم في هذا المقام من الخيالات والأوهام ما كنا أومأنا أولا إلى شيء مما يدفعه فغضب لذلك بعض من تمكن من قلبه داء الحسد والحمية وبلية المعصية للعصبية وانتصب لدفع الإيراد بما هو قادح في أصل مطلوبه ورام ترميمه وتتميمه بما عسى الفطرة السليمة المبرأة عن العصبية تكفي مؤونة رده لكنا مع ذلك تعرضنا لكشف حاله وتزييف مقاله في مؤلف مستقل. ثم إن المؤلف أورد من صفاتهم ما يدل على حيازتهم قصب السبق في مضمار المآثر وتبرزهم على من سواهم في اقتناء المناقب والمفاخر فقال (ليوث الغابة) استعارة لفرط شجاعتهم يعني أنهم أدحضوا الباطل بالبأس الساحق والسيف الماحق فكانوا كالأسود الضارية التي ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم. قال ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب: روى ابن القاسم عن مالك أن الصحب لما دخلوا الشام نظر إليهم رجل من أهل الكتاب فقال: ما كان أصحاب عيسى ابن مريم الذين قطعوا بالسيوف والمناشير وصلبوا على الجذوع بأشد اجتهادا من هؤلاء ومع ذلك كان عندهم للسلم والعفو موضع فلم يكن الواحد منهم ضرارا قهارا دائما بل كانوا كمتبوعهم حسبما يقتضيه المقام في مكان القهر على العفو وفي وقت السلم محض اللطف أشداء على الكفار رحماء بينهم يعفون عمن ظلمهم ويصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعينون على نوائب الدهر بطلاقة وجه وسماحة نفس وكف أذى وبذل ندى فهم كما قيل فيهم:
جبال الحجى أسد الوغا غصص العدا شموس العلا سحب الندا بالمواهب
والليوث جمع ليث وهو الأسد وخصه لأنه بمنزلة ملك الوحش وأشده شكيمة وأقواه نفسا وعزيمة وأعظمه شجاعة وبطشا. والغابة الأجمة من نحو قصب أو شجر ملتف تأوي إليه الأسود سميت غابة لأنها تغيب ما فيها يقال إنه ليث غابة وهو من ليوث الغابة قال الزمخشري: ومن المجاز أننا في غابة أي رماح كثيرة كالشجر وزاد قوله (وأسد عرينها) دفعا لتوهم عدم احتمال إرادة الحيوان المفترس بلفظ الليث إذ الليث أيضا نوع من العنكبوت والأسد بضمتين [ص:19] أو بضم فسكون جمع أسد بفتحهما. قال الزمخشري: ومن المجاز استأسد عليه أي صار كالأسد في جراءته والعرين والعرينة مأواه الذي يألفه يقال ليث غابة وليث عرينة. ومن كلامهم: أشم العرين كالأسد في عرينه لا كالجمل الأنف الأنف في عرانه وهو العود الذي يجعل في برة أنف البختي ذكره الزمخشري. وعلم مما تقرر أن تشبيهم بالأسد استعارة بالكناية وإثبات الغابة لهم استعارة تخييلية رشحها بذكر العرين (هذا) أي المؤلف الحاضر في العقل استحضر المعاني التي جمعها فيه على وجه الإجمال وأورد اسم الإشارة لبيانها وأسماء الإشارة قد تستعمل في الأمور المعقولة وإن كان وضعها للأمور المحسوسة المبصرة الحاضرة في مرأى المخاطب لكن لا بد من نكتة وهي هنا الإشارة إلى إتقانه هذه المعاني حتى صارت لكمال علمه بها كأنها مبصرة عنده ويقدر على الإشارة إليها ذكره العصام تلخيصا من كلام الدواني وغيره (كتاب) أي مكتوب وتنوينه للتعظيم وهو في الأصل مصدر سمي به المكتوب على التوسع ثم غلب في العرف على حمع من الكلمات المستقلة بالتعيين المفردة بالتدوين. وقال الحراني: الكتاب من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفيفة من أصله كالخرز في الجلد يقد منه والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله للأول فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام (أودعت) أي صنت وحفظت (فيه) أي جعلته ظرفا لصون الحديث وحفظه من أودعته مالا دفعته إليه ليكون وديعة محفوظة عنده من الدعة وهي الراحة كأن به تحصل الراحة لطالب الفن بجمع ما هو مشتت في الأقطار متفرق في الكتب الكبار. قال الزمخشري: ومن المجاز أودعته سرا وأودع الوعاء مناعه وأودع كتابه كذا وأودع كلامه معنى حسنا قال:
استودع العلم قرطاسا فضيعه. . . فبئس مستودع العلم القراطيس
(من الكلم) بفتح فكسر جمع كلمة كذلك من الكلم بفتح فسكون وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر سمي به اللفظ لما مر. قال الحراني: والكلام إظهار ما في الباطن على الظاهر لمن يشهد ذلك الظاهر بكل نحو من أنحاء الإظهار انتهى. وآثر الكلم على الكلمات لأنها جمع قلة والموضع موضع التكثير لا التقليل وعلى الكلام لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير وعرف بعض أهل الأصول الكلام بأنه المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة وقال السيد وقد يزاد قيدان آخران فيقال المتواضع عليها إذا صدرت من قادر واحد (النبوية) أي المنسوبة إلى النبي (ألوفا) بضم أوله جمع ألف وهو العدد المخصوص المعروف. قال الراغب: سمي به لكون الأعداد فيه مؤلفة فإن الأعداد آحاد وعشرات ومئات وألوف فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت وما بعده يكون مكررا قبل وعدته عشرة آلاف وتسع مئة وأربعة وثلاثون والمراد بالكلم الأحاديث المعروفة بالنبي المنسوبة إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ومن الحكم) جمع حكمة وهي اسم لكل علم وعمل صالح وفي الكشاف هي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة وفي المفردات اسم لكل علم حسن وعمل صالح وهي بالعلم العملي أخص منها بالعلم النظري والحكمة من الله إظهار الفضائل المعقولة والمحسوسة ومن العباد معرفة ذلك بقدر طاقة البشر وعرفت أيضا أنها العلم المشتمل على معرفته تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك ولا يبلغ الحكمة إلا أحد رجلين مهذب في فهمه موفق في نظمه ساعده معلم ناصح وكفاية وعمر. وأما الذي يصطفيه الله ففتح عليه أبواب الحكمة بفيض إلهي ويلقي إليه مقاليد جوده فيبلغه ذروة السعادة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (المصطفوية) نسبة إلى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي المختار والإصطفاء افتعال من الصفوة وهي ما خلص اللطيف عن كثيفه ومكدره ذكره الحراني (صنوفا) أي أنواعا من الأحاديث فإنها متنوعة إلى أنواع كثيرة فمنها مواعظ وآداب ورقائق وأحكام وترغيب وترهيب وغير ذلك وفي الكتاب من كل منها لكنه لم يكثر من أحاديث الأحكام إكتفاء بكون معظم تأليف القوم فيها وتعبيره بالمصطفوية بالواو إنما يتخرج على خلاف ما عليه الجمهور فإن عندهم أن ألف
[ص:20] المقصور إذا كان خامسة فصاعدا تحذف مطلقا ولا تقلب سواء كانت أصلية نحو مصطفى أو للتأنيث نحو حباري أو لغير ذلك (اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة) أي القصيرة فلم أتجاوزها إلى إيراد الطويلة أي غالبا. قال في الصحاح: قصر الشيء على الشيء لم يتجاوزه لغيره والإقتصار على الشيء الاكتفاء به. وفي الأساس: اقتصر على الشيء كف عنه وهو يقدر عليه وقصر عنه قصورا عجز عنه يقال أقصر عن الصبا وأقصر عن الباطل. والأحاديث قال في الكشاف: يكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون جمعا للأحدوثة التي هي مثل الأضحوكة هي ما يتحدث به الناس تلهيا والمراد هنا الأول قال: سميت أحاديث لأنه محدث بها عن الله ورسوله فيقال قال رسول الله كذا انتهى. قال الكرماني: والمراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي وكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن لأنه قديم وهذا حديث انتهى وفي شرح الألفية الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح ما أضيف إلى النبي أو إلى الصحابي أو إلى دونه قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة. ويعبر عن هذا بعلم الحديث رواية. ويحد بأنه علم يشتمل على نقل ذلك وموضوعه ذات النبي صلى الله عليه وسلم من حيث كونه نبيا وغايته الفوز بسعادة الدارين وأما علم الحديث دراية وهو المراد عند الإطلاق كما في الألفية فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد اه. والمراد هنا ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولا مجال لإرادة غيره والوجيز القليل اللفظ الكثير المعنى ووجز اللفظ وجازة فهو وجيز وموجز أي قصير (ولخصت فيه) من التلخيص وهو تهذيب الشيء وتصفيته مما يمازجه في خلقته مما هو دونه وفي الصحاح هو التبين والشرح وفي النهاية هو التقريب والاقتصار يقال لخصت القول أي اقتصرت فيه واختصرت منه ما يحتاج إليه (من معادن) جمع معدن بفتح فسكون فكسر اسم مكان ويراد به الحال فيه أيضا (الأثر) بالتحريك أي المأثور أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال أثرت الحديث أثرا أي نقلته والأثر بفتحين اسم منه وحديث مأثور أي نقله خلف عن سلف وسنن النبي آثاره كذا في مختار الصحاح. وقال الزمخشري: يقال وجدت ذلك في الأثر أي في السنة وفلان من جملة الآثار وحديث مأثور يأثره أي يرويه قرن عن قرن ومنه التليد المأثور للقديم المتوارث كابرا عن كابر وفي شرح الألفية: الأثر بفتح الهمزة والمثلثة هو الأحاديث مرفوعة أو موقوفة. وقصره بعض الفقهاء على الموقوف (إبريزه) أي خالصه وأحسنه والإبريز كما في التهذيب بكسر الهمزة والراء وسكون الموحدة التحتية بينهما: الذهب الخالص يقال ذهب إبريز وإبريزي بكسرهما خالص شبه أصول الحديث بالمعادن وما أخذه منها بالذهب الخالص وجمعه لها بالتلخيص فهو كناية عن كونه غاص على الأحاديث العزيزة البليغة المعدودة من جوامع الكلم واستخرجها من أماكنها ومكامنها وهذبها ورتبها بكلفة ومشقة كما يقاسيه من يستخرج الذهب من معدنه الذي خلق فيه فشبه ما لخصه مما انتزعه من بطون الدفاتر الحديثية المتشعبة المنتشرة بالذهب المعدني المستخرج من البقاع التي خلق فيها بجامع أن كلا منهما قد ارتقى في النفاسة إلى الغابة التي لا ترتقي وبرز تبريزا فاق أصحابه عقلا وشجاعة. كذا في القاموس وفي الأساس: ذهب إبريز خالص وتقول ميز الخبيث من الإبريز والناكصين من أولى التبريز (وبالغت) أي تناهيت في الإجتهاد. قال الزمخشري: تبالغ فيه المرض والهم إذا تناهى (في تحرير التخريج) أي تهذيب المروي وتخليصه. قال الزمخشري: ومن المجاز حرر الكتاب حسنه وخلصه بإقامة حروفه وإصلاح سقطه والتخريج من خرج العمل تخريجا واخترجه بمعنى استخرجه. قال الزمخشري: ومن المجاز خرج فلان في العلم والصناعة خروجا إذا نبغ وخرجه واخترجه بمعنى استخرجه وخرج الغلام لوجه ترك بعضه غير مكتوب وإذا كتبت الكتاب فتركت مواضع الفصول والأبواب فهو كتاب مخرج وخرج الكتاب جعله ضروبا مختلفة والإخراج والاستخراج الاستنباط بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين. قال ابن الكمال: كتب التفسير
[ص:21] مشحونة بالأحاديث الموضوعة وكأكابر الفقهاء في الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج وتمييز الصحيح من غيره فوقعوا في الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبي وفرعوا عليها كثيرا من الأحكام مع ضعفها بل ربما دخل عليهم الموضوع وممن عدت عليه في هذا الباب هفوات وحفظت عليه غلطات الأسد بن الأسد الكرار الفرار الذي أجمع على على جلالته الموافق والمخالف وطار صيته في المشرقين والمغربين الأستاذ الأعظم إمام الحرمين وتبعه عليها معمار القواعد دهقان المعاقل والمعاقد الذي اعترف بإمته العام والخاص مولانا حجة الإسلام في كثير من عظماء المذاهب الأربعة وهذا لا يقدح في جلالتهم بل ولا في اجتهاد المجتهدين إذ ليس من شرط المجتهد الإحاطة بحال كل حديث في الدنيا. قال الحافظ الزين العراقي في خطبة تخريجه الكبير للإحياء: عادة المتقدمين السكوت عما أوردوا من الأحاديث في تصانيفهم وعدم بيان من خرجه وبيان الصحيح من الضعيف إلا نادرا وإن كانوا من أئمة الحديث حتى جاء النووي فبين. وقصد الأولين أن لا يغفل الناس النظر في كل علم في مظنته ولهذا مشى الرافعي على طريقة الفقهاء مع كونه أعلم بالحديث من النووي. إلى هنا كلامه (فتركت القشر) بكسر القاف (وأخذت اللباب) أي تجنبت الأخبار التي حكم عليها النقاد بالوضع أو ما قاربه بما اشتدت نكارته وقويت الريبة فيه المكنى عنه بالقشر وأتيت بالصحيح والحسن لذاته أو لغيره وما لم يشتد ضعفه المكنى عنه باللباب. والترك: أن لا يتعرض للأمر حسا أو معنى والقشر واحد القشور والقشرة أخص منه ومنه قشر العود وغيره نزعه عنه قشره والأخذ حوز الشي وتحصيله. قال الزمخشري: ومن المجاز جاء بالجواب المقشر. واللباب بالضم الخالص ولب كل شيء خالصه وأخذ لبابه خالصه ورأيته بلب اللوز بكسره ويستخرج لبه (وصنته) أي هذا الجامع يعني حفظته يقال صان الرجل عرضه من الدنس فهو صين والتصاون خلاف الابتذال وفلان يصون عرضه صون الربط وحب مصون وصنت الثوب من الدنس والثوب في صوانة والترس في صوانها ومصوانها ومصانيها وهذا ثوب صينة لا ثوب بذلة وهو يتصون من العجائب ومن المجاز فرس ذو صون وابتذال وهو يصون خبزه إذا ادخر منه ذخيرة. ذكره الزمخشري (عما) أي عن إيراد حديث (تفرد به) أي بروايته راو (وضاع) للحدبث على النبي صلى الله عليه وسلم (أو كذاب) وإن لم يثبت عنه خصوص الوضع أي اتهمه جهابذة الأثر بوضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أو الكذب وصيغة المبالغة هنا غير مرادة إذ غرضه صونه حتى عمن لم يعهد عليه سوى وضع حديث واحد أو كذب ولو في لفظة واحدة أما إذا لم ينفرد بأن شاركه في روايته غيره فلا يتحاشى المؤلف عن إيراده لاعتضاده. ثم إن ما ذكره من صونه عن ذلك غالبي أو ادعائي وإلا فكثيرا ما وقع له أنهلم يصرف إلى النقد الإهتمام فسقط فما التزم الصون عنه في هذا المقام كما ستراه موضحا في مواضعه لكن العصمة لغير الأنبياء متعذرة والغفلة على البشر شاملة منتشرة وقد أعطى الحفظ حقه وأدى من تأدية الفرض مستحقه فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. والكتاب مع ذلك من أشرف الكتب مرتبة وأسماها منقبة والذنب الواحد إو المتعدد مع القلة لايهجر لأجله الحبيب والروض النضير لا يترك بمحل قبر. قال الراغب وغيره: ليس يجب أن نحكم بفساد كتاب لخطأ ما وقع فيه من صاحبه كصنع العامي إذا وجدوا من أخطأ في مسألة حكموا على صنعته بالفساد ودأبهم أن يعتبروا الصناعة بالصانع خلاف ما قال علي كرم الله وجهه: " الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله " وليس يدرون أن الصناعة على شيء روحاني والمتعاطي لها يباشرها بمجسم وطبع لا يفارقهما العجز فهو خليق بوقوع الخطأ منه اه. قال المؤلف كغيره: والموضوع ليس في الحقيقة بحديث اصطلاحا بل بزعم واضعه وسبب الوضع نسيان الراوي لما رواه فيذكر غيره ظانا أنه المروي أو غلطة بأن سبق لسانه إلى غير ما رواه أو يضع مكانه مما يظن أنه يؤدي معناه أو افتراء كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة أو للترغيب في أعمال البر جهلا كبعض الصوفية أو غير ذلك ممن هو مبين في علوم الحدث (ففاق بذلك) أي بسبب صونه عما ذكر مع تحرير
[ص:22] تخريجه (الكتب المؤلفة في هذا النوع) أي علاهم في الحسن لتميزه علها بجودة التهذيب والرصانة وكمال التنقيح والصيانة قال الزمخشري: يقال فاق قومه فضلهم ورجحهم. وقال الراغب: يقال فاق فلان غيره يفوقه علاه وهو من لفظ فوق المستعملة للفضيلة فإنه يقال باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو {ورفعن بعضهم فوق بعض درجات} والأخروية نحو {والذين اتقوا فوقهم} ويقال باعتبار القهر والغلبة قال السيد: " والتأليف جمع أشياء متناسبة كما يرشد إليه اشتقاقه من الألف وأصله قول الراغب: المؤلف ما جمع من أجزاء مختلفة وترتب ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم وأخر ما حقه أن يؤخر والألفة اجتماع مع الئتام اه " والنوع من الشيء الصنف وتنوع صار أنواعا ونوعه تنويعا جعله أنواعا متنوعة والكتب المؤلفة في هذا النوع (كالفائق) كما يأتي ذكره (والشهاب) بكسر أوله للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المصري قال السلفي كان من الثقات الأثبات شافعي المذهب والاعتقاد والظاهر أن مراده بالفائق كتاب: " الفائق في اللفظ الرائق تأليف ابن غنام " جمع فيه أحاديث من الرقائق على هذا النحو. وأما ما يتبادر إلى بعض إلى بعض الأذهان من إرادة فاق الزمخشري فلا يستقيم إذ المشار إليه بهذا النوع هو إيراد متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مرتبة على الحروف وفائق الزمخشري ليس إلا في شرح الألفاظ اللغوية والكلمات العربية الواقعة في الحديث ولسان الصدر الأول من الصحب والتابعين الموثوق بعربيتهم المحتج باستعمالهم وبينه وبين هذا الكتاب بون (وحوى) أي جمع وضم يقال حويت الشيء أجوبة جمعته وضممته وتحوي الشيء تجمع قال الزمخشري: ومن المجاز احتوى على الشيء استولى عليه (من نفائس الصناعة الحديثية) أي المنسوبة للمحدثين (ما لم يودع) بالبناء للمفعول (قبله) أي قبل تأليفه (في كتاب) فإن ذينك وإن كانا أوردا المتون كما ذكر لكنهما لم يعقبا بالرموز للمخرجين ولا رتبا على الحروف وها من قبيل المبالغة في المدحة على من الترغيبات في التأليفات فإن الديلمي رتب الفردوس على حروف المعجم كهذا الترتيب ويأتي بمتن الحديث أولا مجرداثم يضع عليه علامة مخرجه بجانبه بالحروف على نحو من اصطلاح المصنف رحمه الله تعالى في رموزه من كون خ للبخاري وم لمسلم وهكذا لكن بينهما تخالف في البعض فالحروف التي رمز بها الديلمي عشرون والمؤلف ثلاثون وهو إنما رسم كتابه على ذلك فخفت المؤنة عليه في تأليفه هذا الكتاب فانتهب منه ما اختار واغترف اغتراف الظمان من اليم الزخار وأعانه على ذلك أيضا سديد القوس للحافظ ابن حجر والنفائس جمع نفيسة لا نفيس لأن فعائل إنما يكون جمعا لفعيلة والصناعة في عرف الخاصة علم يتعلق بكيفية العمل ويكون المقصود منه ذلك العمل سواء حصل بمزوالة عمل أم لا وفي عرف العامة يخص بما لم يحصل إلا بمزاولة والوجه في التسمية على التعريفين أن حقيقة الصناعة صفة نفسانية راسخة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على وجه البصيرة بحسب الإمكان والظاهر أن المراد بالصناعة هنا متعارف العامة وأن ذكر الصناعات لمشابهتها العلوم في أن تفاضل أصحابها بحسب الدقائق دون الأصول ذكره كله الشريف الجرجاني قال وقد يقال كل علم مارسه رجل وصار حرفة له سمي صناعة له تعلق بعمل أم لا انتهى. قال في الكشاف: كل عامل لا يسمى صانعا ولا كل عمل صناعة حتى يتكرر من ويتدرب وينسب إليه وقال الأكمل الحق أن كل علم مارسه الإنسان سواء كان استدلاليا أو غيره حتى صار كالحرفة له يسمى صنعة ووصفها بالنفاسة إيذانا بخطر قدرها وعلو شأنها وههنا نكتة سرية وهو أنه مدح الجامع أولا بتهذيب تخريجه وصونه عن الأخبار الموضوعة. ثم وصفه ثانيا بتفرده بحسن الصنعة ونفاسة الأسلوب في بابه إشعارا بأنه قد أحاط به الشرف من كل جهة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء والقبل كل ما يتقدم الإنسان بالذات أو الزمان (ورتبته) أي الكتاب من الترتيب. قال الشريف: وهو جعل الأشياء بحيث يطلق عليها اسم الواحد ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر في الرتبة العقلية فهو أخص من التأليف: إذ هو ضم الأشياء مؤتلفة سواء كانت مترتبة الوضع أم لا (على حروف المعجم) أي حروف الخط المعجم كمسجد الجامع وهي الحروف المقطعة التي يختص أكثرها بالنقط سميت
[ص:23] معجمة لأنها أعجمية لا بيان لها أو لأنها أعجمت على الناظر في معناها ذكره ابن عربي. وقال غيره: المعجم إما اسم مفعول صفة لمحذوف: أي حروف الخط الذي وقع عليه الإعجام وهو النقط أو مصدر ميمي كالإعجام وعليهما فإطلاق حروف المعجم على الكل من قبيل التغليب وجوز التفتازاني أن يكون معنى الإعجام إزالة العجمة بالنقط واعترضه الدماميني بأنه إنما يتم إذا كان جعل الهمزة للسلب مقيسا أو مسموعا في هذه الكلمة وقيل معناه حروف الإعجام أي إزالة العجمة وذلك أن ينقط أكثرها والحرف يذكر ويؤنث وأصله طرف الشيء الذي لا يوجد منفردا وطرف القول الذي لا يفهم وحده. وأحق ما يسمى حروفاإذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم ولم فهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزءا من كلمة مفهومة فتسمى عند ذلك حروفا وعند النطق بها كهذا ألف لام ميم يقال فيها أسماء وإن كانت غير معلومة الدلالة كحروف اب ت ث فإنها كلها أسماء على ما فهمه الخليل وأنها إنما تسمى حروفا عندما تكون أجزاء كلمة محركة للإبتداء أو مسكنة للوقف والانتهاء ذكره الحراني <فائدة> قال العارف ابن عربي الحروف أمة من الأمم مخاطبون مكلفون وفيهم رسل من جنسهم قال ولا يعرف ذلك إلا أهل الكشف (مراعيا) أي ملاحظا في الترتيب (أول الحديث فما بعده) أي محافظا على الابتداء بالحرف الأول والثاني من كل كلمة أولى من الحديث واتباعهما بالحرف الثالث منهما وهكذا فيما بعده على سياق الحروف كما لو اشترك حديثان في الحرف الأول واختلفا في الثاني من الكلمة نحو أبى وأتى فيوضع على هذا الترتيب فإن اشتركا في حرفين روعي الثالث وهكذا وإن اشتركا في الثالث روعي كذلك كقوله: " آخر قرية " و " آخر من يحشر " وهكذا إن اشتركا في كلمات كقوله: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة " وقوله: " من رآني في المنام فقد رآني " هذا هو قضية التزامه الدال عليه كلامه هنا. فإن قلت هو لم يف بما التزمه بل خالفه من أول وهلة فقال: " آخر من يدخل " ثم قال: " آخر قرية " وحق الترتيب عكسه؟ قلت: إنما يخالف الترتيب أحيانا لنكتة ككون الحديث شاهدا لما قبله أو فيه تتمة له أو مرتبط المعنى به أو نحو ذلك من المقاصد الصناعية المقتضية لتعقيبه به. وإنما رتبه على هذا النحو (تسهيلا على الطلاب) لعلم الحديث أي تيسيرا عليهم عند إرادة الكشف عن حديث يراد مراجعته للعلم أو للعمل به فإن الكتاب إذا كان جنسا واحدا غير مبوب عسر التتبع منه وإذا جعلت له تقاسيم وأنواع واشتملت أقسامه على أصناف كان أسهل على الكاشف وأنشط للقارئ سيما إذا تلاحقت الأشكال بغرابة الانتظام وتجاذبت النظائر بحسن الالئتام وتعانقت الأمثال بالتشابه في تمام الأحكام وكمال الإحكام والتسهيل التيسير. قال الزمخشري: ومن المجاز كلام فيه سهولة وهو سهل المأخذ (وسميته الجامع الصغير) قال النحرير الدواني: يعني سميته بمجموع الموصوف والصفة وما أضيف إليهما (من حديث البشير النذير) أي البالغ في كل من الوصفين غاية الكمال فهو بشير للمؤمنين بالجنة ونذير للكافرين من النار وفيه من أنواع البديع الطباق وهو إيراد المتضادين وهما البشارة والنذارة وقدم الوصف بالبشارة على الوصف بالنذارة إما رعاية للسجع أو إشارة إلى سبق الرحمة وغلبة وصف الكرم وكثرة المسامحة وإجزال المواهب ولا مانع من كون الوصف في الأصل يصير علما بالشخص أو بالغلبة أو بهما. قال الحراني: والجامع من الجمع وهو ضم ما شأنه الافتراق والتنافر لطفا أو قهرا. ثم بين وجه مناسبة تسميته بخصوص ذلك الاسم بقوله (لأنه مقتضب) أي مقتطع من اقتضب الشيء اقتطعه ومنه الغصن المقطوع قضيب فعيل بمعنى مفعول قال الزمخشري ومن المجاز اقتضب الكلام ارتجله واقتضب الناقة ركبه قبل أن تراض ورجل قضابة قطاع للأمور مقتدر عليها (من الكتاب الكبير) حجما وعلما (الذي) صفته في الحديث و (سميته بجمع الجوامع) لجمعه كل مؤلف جامع فتسميته بذلك إيماء إلى ما ذكر ومن ثم قال (وقصدت) أي طلبت يقال قصدت الشيء وله وإليه قصدا طلبته بعينه (فيه) أي في الكتاب الكبير (جمع الأحاديث النبوية بأسرها) أي بجميعها والأسر القد الذي يشد به الأسير فإذا ذهب الأسير بأسره فقد ذهب بجميعه
[ص:24] فقال هذا لك بأسره أي بقده يعني بجميعه كما يقال برمته ذكره في الصحاح وهذا بحسب ما اطلع عليه المؤلف لا باعتبار ما في نفس الأمر لتعذر الإحاطة بها وإنافتها على ما جمعه الجامع المذكور لو تم وقد اخترمته المنية قبل إتمامه. وفي تاريخ ابن عساكر عن أحمد: صح من الحديث سبع مئة ألف وكسر. وقال أبو زرعة: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث. وقال البخاري: احفظ مئة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال مسلم صنفت الصحيح من ثلاث مئة ألف حديث إلى غير ذلك: ثم شرع في بيان رموز اصطلح عليها فقال (وهذه رموزه) أي إشاراته الدالة على من خرج الحديث من أهل الأثر جمع رمز وهو الإشارة بعين أو حاجب أو غيرهما قال في الكشاف وأصله التحرك ومنه الراموز للبحر وفي الأساس رمز إليه وكلمه رمزا بشفتيه وحاجبه ويقال جارة غمازة بيدها همازة بعينها لمازة بفمها رمازة بحاجبها ودخلت عليهم فتغامزوا وتغامزوا انتهى. وقال الحراني الرمز تلطف في الإفهام بإشارة تحرك طرف كيد ولحظ والغمز أشد منه. وقال الراغب يعبر عن كل كلام كإشارة بالرمز كما عبر عن السعاية بالغمز انتهى. ثم توسع فيه المصنف فاستعمله في الإشارة بالحروف التي اصطلع عليها في العزو إلى المخرجين (خ للبخاري) زين الأمة وافتخار الأئمة صاحب أصح الكتب بعد القرآن ساحب ذيل الفضل على مر الزمان الذي قال فيه إمام الأئمة ابن خزيمة " ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه " وقال بعضهم إنه من آيات الله التي يمشي على وجه الأرض. وقال الذهبي: " كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة " هذه عبارته في الكاشف ومع ذلك غلب عليه الغض من أهل السنة فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: " ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ تركه لأجلها الراويان " هذه عبارته وأستغفر الله نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان. قال التاج السبكي: " شيخنا الذهبي عنده على أهل السنة تحامل مفرط وإذا واقع بأشعري لا يبقى ولا يذر فلا يجوز اعتماد عليه في ذم أشعري ولا شكر حنبلي " تفقه البخاري على الحميدي وغيره من أصحاب الشافعي وكتب عن أحمد زهاء ألف حديث وكتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة وكان يحضر مجلسه زهاء عشرين ألفا وسمع منه الصحيح نحو تسعين ألفا. وقال إنه ألفه من زهاء ست مئة ألف وأنه ما وضع فيه حديثا إلا اغتسل بماء زمزم وصلى خلف المقام ركعتين وصنفه في ستة عشر سنة. وروى عنه مسلم خارج الصحيح. وكان يقول له: دعني أقبل رجلك يا طيب الحديث يا أستاذ الأستاذين. ولد بعد الجمعة ثالث عشر شوال سنة أربع وتسعين ومئة ومات عشاء ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين. وما أحسن قول ابن الكمال ابن أبي شريف ولد في صدق ومات في نور ومناقبه مفردة بالتأليف فلا نطيل فيها منها. إن كتابه لم يقرأ في كرب إلا فرج ولا ركب به في مركب فغرق وإنما رمز له المؤلف بحرف من حروف بلده دون اسمه لأن نسبته إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته ورمز إليه بالخاء دون غيرها من حروف بلده لأنها أشهر حروفه وليس في حروف بقية الأسماء خاء. (م لمسلم) أبو الحسين ابن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الصحيح المشهود له بالترجيح صنفه من ثلاث مئة ألف حديث كما في تاريخ ابن عساكر أخذ عن أحمد وخلق وعنه خلق روى له الترمذي حديثا واحدا. وسبب موته أنه ذمر له حديث فلم يعرفه فأوقد السراج وقال لمن في الدار: لا يدخل أحد علي فقالوا أهديت لنا سلة تمر وقدموها فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة فأصبح وقد فنى التمر ووجد الحديث فمات سنة واحد وستين ومائتين. وإنما رمز له بالميم لأن اسمه أشهر من نسبته وكنيته عكس البخاري والميم أول حروف اسمه. (ق لهما) في الصحيحين واتفقت الأمة على أنهما أصح الكتب وقول الإمام الشافهي رضي الله عنه: " الأصح الموطأ " كان قبل وجودهما والجمهور على أن ما في البخاري دون التعاليق والتراجم وأقوال الصحب والتابعين أصح مما في مسلم وعكسه أطيل في رده وجميع ما أسند في الصحيحين محتوم بصحته قطعا أو ظنا على الخلاف المعروف سوى مائتين وعشرة أحاديث انتقدها عليهم الدارقطني وأجابوا عنها. (د لأبي داود) سليمان بن الأشعث السجستاني الشافعي أخذ عن أحمد وخلق عنه الترمذي
[ص:25] ومن لا يحصى. ولد سنة ثنتين ومائتين ومات سنة خمس وسبعين ومائتين قالوا: " ألين له الحديث كما ألين لداود الحديد وقال بعض الأعلام: سننه أم الأحكام. ولما صنفه صار لأهل الحديث كالمصحف. قال: " كتبت خمس مئة ألف حديث انتخبت منها السنن أربعة آلاف وثمان مئة ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما فيه لين شديد بينته ". قال الذهبي: قد وفى فإنه بين الضعيف الظاهر وسكت عن المحتمل فما سكت عنه لا يكون حسنا عنده ولا بد كما زعمه ابن الصلاح وغيره بل قد يكون فيه ضعف وهذا قد سبقه إليه ابن منبه حيث قال كان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجده في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال. قال ابن عبد الهادي هذا رد علي من يقول إن ما سكت عليه أبو داود يحتج به ومحكوم عليه بأنه حسن عنده والذي يظهر أن ما سكت عنه وليس في الصحيحين ينقسم إلى صحيح محتج به وضعيف غير محتج به بمفرده ومتوسط بينهما فما في سننه ستة أقسام أو ثمانية صحيح لذاته صيحي لغيره بلا وهن فيهما ما به وهن شديد ما به وهن غير شديد وهذان قسمان: ماله جابر وما لا جابر له وما قبلهما قسمان: ما بين وهنه وما لم يبينه ورمز له المؤلف بالدال لأن كنيته أشهر من اسمه ونسبه والدال أشهر حروف كنيته وأبعدها عن الاشتباه ببقية العلائم انتهى. (ت للترمذي) بكسر الفوقية والميم أو بضمهما وبفتح فكسر كلها مع إعجام الذال نسبة لبلدة قديمة بطرف جيحون وهو الإمام أبو الحسن محمد بن عيسى بن سورة من أوعية العلم وكبار الأعلام ولد سنة تسع ومائتين ومات سنة تسع وسبعين ومائتين. وقول الخليلي: بعد الثمانين ردوه وصنيع المؤلف قاض بأن جامع الترمذي بين أبي داود والنسائي في الرتبة لكن قال الذهبي انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما. وقال في الميزان في ترجمة يحيى بن اليمان لا تغتر بتحسين الترمذي فعند المحاققة غالبا ضعاف ورمز له بالتاء لأن شهرته بنسبته لبلده أكثر منها باسمه وكنيته. (ن للنسائي) الأمام أحمد بن شعيب الخراساني الشافعي ولد سنة أربع أو خمسة عشر ومائتين واجتهد ورحل إلى أن انفرد فقها وحديثا وحفظا وإتقانا. قال الزنجاني له شرط في الرجال أشد من الشيخين. وقال التاج السبكي عن أبيه والذهبي: النسائي أحفظ من مسلم. وقال أبو جعفر ابن الزبير لأبي داود في استعياب أحاديث الأحكام ما ليس لغيره وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه فيه غيره. وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها وكان شهما منبسطا في المأكل كثير الجماع للنساء مع كثرة التعبد دخل دمشق فذكر فضائل علي رضي الله عنه فقيل له فمعاوية فقال ما كفاه أن يذهب رأسا برأس حتى نذكر له فضائل فدفع في خصيتيه حتى أشرف على الموت فأخرج فمات بالرملة أو فلسطين سنة ثلاث وثلاث مئة وحمل للمقدس أو مكة فدفن بين الصفا والمروة ورمز له بالنون لأن نسبته أشهر من اسمه وكنيته ولم يرمز له بالسين لئلا يتصحف بابن أبي شيبة. (هـ لابن ماجه) الحافظ الكبير محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني وماجه لقب لأبيه كان من أكابر الحفاظ مجمع على توثيقه. ولما عرض سننه على أبي زرعة قال: أطن أن هذا الكتاب إن وقع بأيدي الناس تعطلت الجوامع أو أكثرها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين. قال المزني: كل ما انفرد به ابن ماجه عن الخمسة ضعيف واعترض ثم حمل تارة على الأحكام وطورا على الرجال ورمز له بالهاء لأن اشتهاره بلقب أبيه أكثر منه باسمه وبلده. (4 لهؤلاء الأربعة) أي أصحاب السنن الأربعة أبي داود ومن بعده. (3 لهم إلا ابن ماجه) وهذه السنن الأربعة فيها الصحيح والحسن والضعيف فليس كل ما فيها حسنا ولهذا عابوا على محي السنة في تقسيمه المصابيح إلى الصحاح والحسان جانجا إلى أن الحسن ما رواه أصحاب السنن والصحاح ما في الصحيحين أو أحدهما. وقول لسلفي اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في الكتب الخمسة زلل فاحش. (حم لأحمد في مسنده) بفتح النون يقال لكتاب جمع فيه ما أسنده الصحابة أي روره وللإسناد كمسند الشهاب ومسند الفردوس أي إسناد حديثهما ولم يكتف في الرمز إليه بحرف واحد كما فعل في أولئك لئلا يتصحف بعلامة البخاري والإمام أحمد هو ابن محمد حنبل الناصر للسنة الصابر على المحنة
[ص:26] الذي قال فيه الشافعي ما ببغداد أفقه ولا أزهد منه. وقال إمام الحرمين: غسل وجه السنة من غبار البدعة وكشف الغمة عن عقيدة الأمة. ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومئة وروى عن الشافعي وابن مهدي وخلق وعنه الشيخان وغيرهما ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين وارتجت الدنيا لموته. قال ابن المديني: مسنده وهو نحو أربعين ألفا أصل من أصول الإسلام. وقال ابن الصلاح مسند أحمد ونحوه من المسانيد كأبي يعلى والبزار والدارمي وابن راهويه وعبد بن حميد لا يلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها أي كسنن ابن ماجه في الاحتجاج بها والركون إليها. وقال العراقي: وجود الضعيف في مسند أحمد محقق. بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء وتعقبه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنه ليس فيه حديث ولا أصل له إلا أربعة منها خبر ابن عوف أنه يدخل الجنة زحفا قال أعني ابن حجر في تجريد زوائد البزار وإذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره من المسانيد. (عم لابنه) عبد الله روى عن أبيه وابن معين وخلق وعنه النسائي والطبراني وغيرهما روى علما كثيرا. قال الخطابي: ثقة ثبت ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين ومات سنة تسعين ومائتين. (في زوائده) أي زوائد مسند أبيه جمع فيه نحو عشرة آلاف حديث. (ك للحاكم) محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي الشافعي الإمام الرحال المعروف بابن البيع. قال أبو حاتم وغيره: قام الإجماع على ثقته ونسب إلى التشيع وقال الذهبي: ثقة ثبت لكنه يتشيع ويحط على معاوية والله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي كما زعمه ابن طاهر أما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فمجمع عليه. وقال السبكي: اتفق العلماء على أنه من أعظم الأئمة الذين حفظ الله بهم الدين. ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمئة وأكثر الرحلة والسماع حتى سمع من نيسابور من نحو ألف شيخ ومن غيرها أكثر ولا تعجب من ذلك فإن ابن النجار ذكر أن أبا سعيد السمعاني له سبعة آلاف شيخ واستملي على ابن حبان وتفقه على ابن أبي هريرة وغيره روى عنه الأئمة: الدارقطني والقفال الشاشي وهما من شيوخه والبيهقي وأكثر عنه وبكتبه تقفه الأستاذ أبو القاسم القشيري ورحل الناس إليه من الآفاق وحدثوا عنه في حياته وأفرد المديني ترجمته وذكر أنه دخل الحمام فاغتسل وقال: آه فخرجت روحه وهو مستور لم يلبس القميص (فإن كان في مستدركه) على الصحيحين ما فاتهما الذي قصد فيه ضبط الزائد عليهما مما على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح (أطلقت) العزواليه عاريا عن التقييد بأن أذكر صورة حرف " ك " يقال أطلقت القول أرسلته من غير قيد ولا شرط وأطلقت البينة شهدت من غير تقييد بتاريخ ذكره الزمخشري (وإلا) بأن كان في تاريخه أو المدخل أو الإكليل أو غيرها من كتبه التي بلغت كما قال السبكي وغيره نحو خمس مئة بل قال عبد الغافر والفارسي: ألفا بل قيل أكثر (بينته) قالوا وقد تساهل الحاكم فيما استدركه على الشيخين لموته قبل تنقيحه أو لكونه ألفه آخر عمره وقد تغير حاله أو لغير ذلك ومن ثم تعقب الذهبي كثيرا منه بالضعف والنكارة وقال: ما أدري هل خفيت عليه فما هو ممن يجهل وإن علم فهذه خيانة عظيمة وجملة ما فيه مما على شرطهما أو أحدهما نحو نصفه وما صح بسنده نحو ربعه وأما قول الماليني: لم أر فيه حديثا واحدا علي شرطهما فأبطله الذهبي بأنه غلو وإسراف قال وما انفرد بنصحيحه ولم يكن مردودا بعلة فهو دائر بين الصحة والحسن وظاهر تصرف الحاكم أنه ممن يرى اندراج الحسن في الصحيح. قال ابن أبي شريف بنحو الاعتراض بتساهله في الصحيح. (خد للبخاري في الأدب) أي في كتاب الأدب المفرد وهو مشهور. (تخ له في التاريخ) أي الكبير فال فيه للعهد إذ هو المعهود المشهور فيما بين القوم وأطلقه لغلبة اشتهاره وتبادر الأذهان إليه ويحتمل أن المراد واحد من الكتب التي صنفها في التاريخ وهي ثلاثة وهي: كبير وأوسط وصغير. والكبير صنفه وعمره ثمانية عشر سنة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن منده: لو كتب الرجل ثلاثين ألفا ما استغنى عن تاريخ البخاري. وقال السبكي تاريخه لم يسبق إليه ومن ألف بعده في التاريخ أو الأسماء أو الكنى عيال عليه فمنهم مننسبه لنفسه كمسلم وأبي زرعة وأبي حاتم ومنهم من حكاه عنه(1/17)
(حب لابن [ص:27] حبان) بكسر الحاء وتشديد الموحدة. وهو محمد بن حبان أبو حاتم التميمي الفقيه الشافعي البستي أحد الحفاظ الكبار. روى عن النسائي وأبي يعلى وابن خزيمة وخلق وعنه الحاكم وغيره وصنف كتبا نفيسة منها تاريخ الثقات وتاريخ الضعفاء. ولي قضاء سمرقند وكان رأسا في الحديث عالما بالفقه والكلام والطب والفلسفة والنجوم ولهذا امتحن ونسب للزندقة وأمر بقتله ثم مات بسمرقند سنة أربع وخمسين وثلثمئة في عشر الثمانين (في صحيحه) المسمى بالتقاسيم والأنواع المقدم عندهم على مستدرك الحاكم. قال الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم أشد تساهلا منه غايته أن ابن حبان يسمى الحسن صحيحا اه وما اقتضاه كلام التقريب كأصله مما يخالف ذلك رده الزين العراقي بأن ابن حبان شرط تخريج مراويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه وسمع منه الأخذ عنه ووفى بالتزامه ولم يعرف للحاكم. قال وصحيح ابن خزيمة أعلى رتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه فأصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان فالحاكم. قال ابن حجر. وذكر ابن حبان في كتابه أنه إنما لم يرتبه ليحفظ لأنه لو رتبه ترتيبا سهلا لاتكل على كل من يكون عنده على سهولة الكشف فلا يحفظه. وإذا توعر طريق الكشف كان أدعى لحفظه ليكون على ذكر من جمعه. (طب للطبراني) سليمان اللخمي أبو القاسم أحدالحفاظ المكثرين الجوالين صاحب التصانيف الكثيرة أخذ عن أكثر من ألف شيخ منهم أبو زرعة وطبقته وعنه أبو نعيم وغيره قال الذهبي: ثقة صدوق واسع الحفظ بصير بالعلل والرجال والأبواب كثير التصانيف إليه المنتهى في كثرة الحديث وعلومه تكلم ابن مردويه في أخيه فأوهم أنه فيه وليس به بل هو حافظ ثبت مات بأصبهان سنة ستين وثلاث مئة عن مئة سنة وعشرة أشهر (في الكبير) أي معجمه الكبير المصنف في أسماء الصحابة قيل أورد فيه ستين ألف حديث (طس له في الأوسط) أي معجمه الأوسط الذي ألفه في غرائب شيوخه يقال ضمنه نحو ثلاثين ألفا وفي تاريخ ابن عساكر أن الطبراني كان يقول: هذا الكتاب روحي. (طص له في الصغير) أي أصغر معاجيمه فيه نحو عشرين ألفا ومما يستغرب أني وقفت على تذكرة المقريزي بخطه فوجدته ذكر في ترجمة الحافظ ابن حجر أنه كان سريع الكتابة سريع القراءة بحيث قرأ المعجم الصغير للطبراني في مجلس واحد بصالحية دمشق. قال في اللسان وقد عاب عليه أبو الفضل جمعه الأحاديث الأفراد مع ما فيها من النكارة والشذوذ والموضوعات وفي بعضها القدح في كثير من قدماء الصحابة وغيرهم. وهذا أمر لا يختص به الطبراني فلا معنى لإفراده باللوم بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته انتهى
(ص لسعيد بن منصور في سننه) هو أبو عثمان الخراساني ويقال الطالقاني ثقة ثبت صاحب السنن روى عن مالك والليث وعنه أحمد وأبو داود وغيرهم. مات بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين في عشر التسعين وسننه قال المصنف في شرح التقريب ومن مظان المعضل والمنقطع والمرسل سنن سعيد بن منصور السنن جمع سنة. قال الحافظ العراقي والتعبير بها أدنى من التعبير بالحديث لأنه لا يختص عندهم وصفه بالمرفوع بل يشمل الموقوف بخلاف السنة قال الزين زكريا وبما قاله علم أن بينهما عموما مطلقا قال والحديث الضعيف لا يسمى سنة هكذا جزم به في شرح الألفية. (ش لابن أبي شيبة) الحافظ الثبت العديم النظير عبد الله محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي صاحب المسند والأحكام والتفسير وغيرها سمع من ابن المبارك وابن عيينة وتلك الطبقة وعنه الشيخان وأبو داود وابن ماجه وخلق. قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. (عب لعبد الرزاق في الجامع) هو ابن همام بن نافع أبو بكر أحد الأعلام روى عن ابن جريج ومعمر وعنه أحمد وإسحاق مات عن خمس وثمانين ببغداد سنة إحدى عشرة ومائتين وكان يتشيع. (ع لأبي يعلى في مسنده) الحافظ الثبت محدث الجزيرة أحمد بن علي بن المثنى التميمي سمع ابن معين وطبقته وعنه ابن حبان والإسماعيلي وغيرهما أهل صدق وأمانة وعلم وحلم وثقه ابن حبان والحاكم ولد [ص:28] سنة عشر ومائتين ومات سنة سبع وثلاث مئة. (قط للدارقطني) نسبة إلى الدار والقطن ركب الأسمان وجعلا واحدا ونسب إليه كما نبه عليه في المصباح (فإن كانت في السنن أطلقت) العزو إليه عاريا عن التقييد (وإلا) بأن كان في غيرها من تصانيفه كالععل في (بينته) أي عينت الكتاب الذي فيه وهو جهبذ العلل الحافظ الجبل على ابن عمر البغدادي الشافعي إمام زمانه وسيد أهل عصره تفقه على الإصطخري وروى عن البغوي وابن صاعد والمحاملي وعنه القاضي أبو الطيب والبرقاني والصابوني وغيرهم. قيل للحاكم: هل رأيت مثله؟ قال هو ما رأى مثل نفسه فكيف أنا وله مصنفات يطول سردها قال أبو الطيب: هو أمير المؤمنين في الحديث ومن تأمل سننه عرف قدر علمه بمذاهب العلماء. قال الخطيب: رفيع دهره وإمام وقته صحيح الاعتقاد عارف بمذاهب الفقهاء واسع الاطلاع لكن رأيت في كلام الذهبي ما يشير إلى أنه كان يتساها في الرجال فإنه قال مرة: الدارقطني مجمع الحشرات وقال أخرى لما نقل عن ابن الجوزي في حديث أعله الدارقطني: إنه لا يقبل تصنيفه حتى يبين سببه ما نصه: هذا يدل على هوى ابن الجوزي وقلة علمه بالدارقطني فإنه لا يضعف إلا من من لاطب فيه انتهى ولد سنة ست وثلاث مئة ومات سنة خمس وثمانين عن نحو ثمانين سنة وصلى عليه الشيخ أبو حامد ودفن بقرب معروف الكرخي. (فر للديلمي في مسند الفردوس) المسمى: " بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب " والفردوس للإمام عماد الإسلام أبي شجاع الديلمي ألفه محذوف الأسانيد مرتبا على الحروف ليسهل حفظه وأعلم بإزائها بالحروف للمخرجين كما مر ومسنده لولده سيد الحفاظ أبي منصور ابن شبرويه خرج سند كل حديث تحته وسماه إبانة الشبه في معرفة كيفية الوقوف على ما في كتاب الفردوس من علامات الحروف. (حل لأبي نعيم) أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني الصوفي الفقيه الشافعي الحافظ المكثر أخذ عن الطبراني وغيره وعنه الخطيب وغيره هو من أخص تلامذته وعجب عدم ذكره له في كتاب تاريخ بغداد مع كونه دخلها. قال الذهبي: صندوق تكلم فيه بلا حجة لكنه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى وكلام ابن منده فيه فظيع لا أحب حكاياته ولا أقبل قول كل منهما في الآخر بل هما مقبولان ولا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عليها وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به وما علمت عصرا سلم من ذلك أهله سوى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. مات بأصبهان سنة ثلاثين وأربع مئة عن أربع وتسعين سنة. هذا كلام الذهبي (في الحلية) أي كتاب: " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " قالوا: لما صنفه بيع في حياته بأربع مئة دينار واشتهرت بركته وعلت في الخافقين درجته وناهيك بقول الإمام أبي عثمان الصابوني كما نقله عنه في الوضوء وغيره كل بيت فيه جلية الأولياء لأبي نعيم لا يدخله الشيطان. (هب للبيهقي) نسبة إلى بيهق قرى مجتمعة بنواحي نيسابور وهو الإمام الجليل الحافظ الكبير أحد أئمة الشافعية الموصوف بالفصاحة والبراعة سمع من الحاكم وغيره وبلغت تصانيفه نحو الألف قال السبكي: ولم يتفق ذلك لأحد قال الذهبي ودائرته في الحديث ليست كبيرة بل بورك في مروياته وحسن تصرفه فيها لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال واعتنى بجمع نصوص الشافعي وتخريج أحاديثها حتى قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة إلا البيهقي فله عليه المنة (في شعب الإيمان) بكسر أوله كتاب نفسي غزير الفوائد في ستة أسفار كبار (هق له في السنن) الكبرى الذي قال لاسبكي: لم يصنف أحد مثله تهذيبا وترتيبا وجودة
ولد سنة أربع وثمانين وثلاث مئة ومات سنة ثمان وخمسين وأربع مئة بنيسابور وحمل لبيهق فدفن بها. (عد لابن عدي) الحافظ عبد الله بن عدي بن القطان أبو أحمد عبد الله الجرجاني أحد الحفاظ الأعيان وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد وهجروا الوساد وواصلوا السهاد وقطعوا المعتاد طالبين للعلم لا يعترى هممهم قصور ولا يثني عزمهم عظائم الأمور وقواطع الدهور روى عن الجمحي وغيره وعنه أبو حامد الاسفرايني وأبو سعيد الماليني قال البيهقي حافظ متقن لم يكن في زمنه مثله. وقال ابن عساكر: ثقة على لحن فيه مات سنة خمس وستين وثلاث مئة عن ثمان وثمانين سنة (في) كتاب (الكامل) أي في كتابه المسمى بالكامل الذي ألفه في معرفة
[ص:29] الضعفاء وهو أصل من الأصول المعول عليها والمرجوع إليها طابق اسمه معناه ووافق لفظه فحواه من عينه انتجع المنتجعون وبشهادته حكم الحاكمون وإلى ما قاله رجع المتقدمون والمتأخرون. (عق للعقيلي) في كتابه الذي صنفه (في الضعفاء) أي في بيان حال رجال الحديث الضعفاء جمع ضعيف والضعيف بفتح الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة. (خط للخطيب) الحافظ أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأعلام الحفاظ ومهرة الحديث له نحو خمسين مؤلفا ولد سنة ثنتين وتسعين وثلائمئة وسمع خلائق لا يحصون وأخذ الفقه عن المحاملي وأبي الطيب. وقال ابن السمعاني: كان مهابا موقرا ثقة حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ له ثروة ظاهرة وصدقات طائلة مات سنة ثلاث وستين وأربع مئة ببغداد وحمل جنازته صاحب المهذب ودفن بجانب بشر الحافي. وكان شرب ماء زمزم لذلك وأن يحدث بتاريخه بجامع بغداد وأن يملي بجامع المنصور فاستجيب له وكان سريع القراءة جدا قرأ البخاري على كريمة المروزية في خمسة أيام وسمع علي إسماعيل الضرير البخاري في ثلاث مجالس وله نظم حسن منه:
الشمس تشبهه والبدر يحكيه. . . والدر يضحك والمرجان من فيه
ومن سرى وظلام الليل معتكر. . . فوجهه عن ضياء البدر يغنيه
(فإن كان) الحديث الذي أعزوه إليه (في التاريخ) بغداد المشهور (أطلقت) العزو إليه (وإلا) بأن كان في غيره من تآليفه المشتهرة المنتشرة (بينته) بأن أعين الكتاب الذي هو فيه وقال الحضرمي وغيره: ولعمري إن تاريخه من المصنفات التي سارت ألقابها بخلاف مضمونها سماه: " تاريخ بغداد " وهو تاريخ العالم كالأغاني للأصبهاني سماه: " الأغاني " وفيه من كل شيء و (أسأل الله) لا غيره كما يؤذن به تقديم المعمول كما في: " إياك نعبد " (أن يمن) أي ينعم علي (بقبوله) مني بأن يثيبني عليه في الآخرة إذ لامعول إلا علي نفعها (وأن يجعلنا) أتى بنون العظمة مع أن المقام مقام تعجيز وإظهار افتقار إظهارا لملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله تعالى له بتأهليه للعلم امتثالا لقوله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " أولا للتواضع والإشارة إلى أن ذلك الجعل لا يكون له وحده بل مع إخوانه من الأفاضل أشار إليه التفتازاني ونازعه الشريف (عنده) عندية إعظام وإكرام لا عندية مكان تعالى الله عن ذلك (من حزبه) بكسر الحاء أي من خاصته وجنده يقال حزب قومه فتحزبوا أي صاروا طرائف وفلانا يحازب فلانا ينصره ويعاضده ذكره الزمخشري (المفلحين) أي الكاملين في الفلاح الفائزين بكل خير المدركين لما طلبوا الناجين عما رهبوا. الفلاح درك البغية أو الفوز والنجاة (وحزب رسوله) أي اتباع الله واتباع رسوله المقربين لديه وكان ينبغي تأخير المفلحين عنه لكنه قدموا رعاية للفاضلة والتسجيع. وحزب الله هم المفلحون الغالبون " ألا إن حزب الله هم المفلحون " فإن حزب الله هم الغالبون. قال القاضي: وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم. وقال الراغب: جماعة فيها غلط
إلى هنا تمام الكلام على شرح الخطبة وقد ختمها المؤلف كأكابر المحدثين بحديث النية وصيره جزءا منها ولأمر ما بديع تطابقوا على هذا الصنيع وهو أن الخلفاء الأربعة خطبوا به. فلما صلح للخطبة على المنابر صلح أن يجعل في خطب الدفاتر فكأنه قال: قصدت بجمع هذا الجامع جمع حديث المصطفى القائل: " إنما الأعمال بالنيات " فإن كنت قصدت وجه الله فسيجزيني عليه وينفع به أو عرضا دنيويا فسيكافئني بنيتي ولما صح فيه النية وأخلص الطوية نشره الله في الإسلام ونفع به الخاص والعام. قال النووي في بستانه وغيره: استحب العلماء أن تفتتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به البخاري في صحيحه ثم روى أعني النووي بإسناد عن ابن مهدي: من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ به ورواه عنه أيضا العراقي في أماليه. قال ابن الكمال: ولما كان عالم الملك تحت قهر الملكوت وتسخيره لزم أن [ص:30] يكون لنيات النفوس وهيئتها تأثير فيما تباشره أبدانها من الأعمال فكل عمل بنية صادقة رحمنية عن هيئة نورانية صحبته بركة ويمن وجمعية وصفاء وكل عمل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة غاسقة ظلمانية صحبة محق وشؤم وتفرقة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم(1/27)
1 - (إنما الأعمال بالنيات) أي إنما هي مرتبطة بها ارتباط الأشياء العلوية الملكية بالأسرار المكنونية. قال النووي في بستانه: قال العلماء من أهل اللغة والفقه والأصول: " إنما " لفظة موضوعة للحصر تفيد إثبات المذكور وتنفي ما سواه. وقال الكرماني والبرماوي وأبو زرعة: التركيب مفيد للحصر باتفاق المحققين وإنما اختلف في وجه الحصر فقيل دلالة إنما عليه بالمنطوق أو المفهوم على الخلاف المعروف. وقيل عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره أي كل الأعمال بالنيات فلو صح عمل بغير نية لم تصدق هذه الكلية. " والأعمال " جمع عمل وهو حركة البدن فيشمل القول ويتجوز به عن حركة النفس والمراد هنا عمل الجوارح وإلا لشمل النية إذ هي عمل القلب فتفتقر لنية فيتسلسل. وأل للعهد الذهني أي غير العادية إذ لا تتوقف صحتها على نية وجعلها جمع متقدمون للاستغراق وعليه فلا يرد العادي أيضا فإنه وإن كان القصد وجود صورته لكن بالنسبة لمزيد الثواب يحتاجها. " والنيات " بشد المثناة تحت: جمع نية. قال النووي: وهي القصد وهي عزيمة القلب ورده الكرماني بأنه ليس عزيمة للقلب لقول المتكلمين: القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به. وقال القاضي البيضاوي: هي انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصها بالإرادة والتوجه نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه. والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه إلى من كانت هجرته إلى كذا وكذا فإنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله. قال: وهذا اللفظ متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ تقدير إنما الأعمال بالنيات لا عمل إلا بنية. والغرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجود فالمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء بنفسه ولأن اللفظ يدل بالصريح على نفي الذوات وبالتبع على نفي جميع الصفات انتهى. قال ابن حجر: وهو في غاية الجودة والتحقيق ولا شك أن الصحة أكثر لزوما للحقيقة فلا يصح عمل بلا نية كالوضوء عند الثلاثة خلافا للحنفية ولا نسلم أن الماء يطهر بطبعه والتيمم خلافا للأوزاعي إلا بنية
قال بعض الحنفية: الحق أن الدليل قائم على اعتبار النية في جميع العبادات لقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} والإخلاص هو النية وهو جعله بنفسه متلبسا بحال من أحوال العابدين والأحوال شروط انتهى. على أن تقديرهم الكمال لا يخلو من مقال لأنهم يشترطون النية في المقاصد ومحل عدم اعتبارها عندهم إنما هو في الوسائل فحسب وإنما لم تشترط النية في إزالة الخبث لأنه من قبيل التروك كالزنا فتارك الزنا من حيث إسقاط العقاب لا يحتاجها ومن حيث تحصيل الثواب على الترك يحتاجها وكذا إزالة النجس لا يحتاج فيه إليها من حيث التطهير ويحتاجها من حيث الثواب على امتثال أمر الشرع وأعمال الكفار خارجة عن الحكم لإرادة العبادة وهي لا تصح منهم مع خطابهم بها وعقابهم بتركها وصحة نحو عتق وصدقة ووقف بدليل خاص. وتقييد بعض شراح البخاري بالمكلفين هلهل بالمرة كيف وعبادة الصبي المميز كذلك فلا تصح صلاته إلا بنية معتبرة اتفاقا. والباء للاستعانة أو للمصاحبة أو للسببية لأنها مقوية للعمل فكأنها سبب في إيجاده ثم التقدير الأعمال بنياتها فيدل على اعتبار نية العمل من الصلاة وغيرها الفرضية والنفلية والتعيين من ظهر أو عصر مقصورة أو غير ذلك وإنما لم يجب تعيين العدد لأن تعيين العبادة لا ينفك عنه وشرعت تمييزا للعبادة عن العادة ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض
(وإنما لكل امرئ) أي إنسان قال في القاموس: المرء الإنسان أو الرجل وفيه لغتان امرء كزبرج ومرء كفلس ولا جمع له من لفظه وهو من الغرائب لأن عين فعله تابعة للام في الحركات الثلاث دائما. وفي مؤنثه أيضا لغتان امرأة ومرأة وفي الحديث استعمل اللغة الأولى منهما في كل من النوعين [ص:31] إذ قال لكل امرئ امرأة ذكره الكرماني. والمراد أن ليس من عمله الاختياري القصدي إلا (ما) أي جزاء الذي (نوى) من خير وشر نفيا وإثباتا فالإثبات له ما نواه والنفي لا يحصل له غير ما نواه فحظ العامل من عمله ما نواه لا صورته فهذه الجملة أيضا مفيدة للحصر وهي تذييل. قال القاضي: وهاتان قاعدتان عظيمتان فالجملة الأولى تضمنت أن العمل الاختياري لا يحصل بغير نية بل لا بد للعامل من نية الفعل والتعيين فيما يتلبس به والثانية تضمنت أنه يعود عليه من نفع عمله وضرره بحسب المنوي ومنع الاستنابة في النية إلا في مسائل لمدرك يخصها وقيل الثانية تدل على أن من نوى شيئا يحصل له وإن لم يعمل لمانع شرعي كمريض تخلف عن الجماعة وما لم ينوه لم يحصل له أي ما لم ينوه مطلقا لا خصوصا ولا عموما إذ لو لم ينو مخصوصا وله نية عامة كفاه أحيانا كداخل مسجد أحرم بالفرض أو غيره تحصل التحية وإن لم ينو وعدم حصول غسل الجمعة بجنابة لمدرك يخصه. ثم كشفه عما في تينك القاعدتين لما فيهما من نوع إجمال قد يخفى روما للإيضاح ونصا على صورة السبب الباعث على الحديث وهو كما في معجم الطبراني وغيره وذهل عنه ابن رجب فأنكره بإسناده. قال الحافظ العراقي في موضع جيد وفي آخر رجاله ثقات أن رجلا خطب امرأة تسمى أم قيس. قال ابن دحية واسمها قيله فأبت حتى يهاجر فهاجر لأجلها فعرض به تنفيرا من مثل قصده فقال: (فمن كانت هجرته) إلى آخر ما يأتي فتأمل ارتباط هذه الجمل الثلاث وتقرير كل جملة منها بالتي بعدها وإيقاعها كالشرح لها تجده بديعا وتعلم اختصاص المصطفى صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم التي لا يهتدي إليها إلا الفحول. الهجر الترك قال الكرماني: وهنا أراد ترك الوطن ومفارقة الأهل ويسمى الذين تركوا الوطن وتحولوا إلى المدينة بالمهاجرين لذلك والمعنى من كانت هجرته (إلى الله ورسوله) قصدا ونية وعزما (فهجرته) ببدنه وجوارحه (إلى الله ورسوله) ثوابا وأجرا وتقديره فمن كانت نيته في الهجرة التقرب إلى الله فهجرته إلى الله ورسوله أي مقبولة إذ الشرط والجزاء وكذا المبتدأ والخبر إذا اتحدا صورة يعلم منه تعظيم كما في هذه الجملة أو تحقير كما في التي بعدها فالجزاء هنا كناية عن قبول هجرته. وقال بعضهم: الجزاء محذوف وتقديره فله ثواب الهجرة عند الله والمذكور مستلزم له دال عليه أي فهجرته عظيمة شريفة أو مقبولة صحيحة. والتصريح باسم الله تعالى ورسوله للتبرك والتلذذ وبما تقرر من التقدير اتضح أنه ليس الجزاء عين الشرط حقيقة على أنه قد يقصد بجواب الشرط بيان الشهرة وعدم التنفير فيتحد بالجزاء لفظا نحو من قصدني فقد قصدني هذا محصول ما دفعوا به توهم الاتحاد الذي شهد العقل الصحيح والنقل الصريح بأنه غير صحيح. قال الصفوي: وبالحقيقة الإشكال مدفوع من أصله لأن الهجرة هي الانتقال وهو أمر يقتضي ما ينتقل إليه ويسمى مهاجرا إليه وما يبعث على الانتقال هو المهاجر له. والفقرتان لبيان أن العبرة بالباعث وذلك إنما يظهر إذا كانت " إلى " في جملتي الشرط بمعنى اللام فإذا تركت في الجزاء على معناها الوضعي الحقيقي فلا اتحاد. والمعنى من هاجر لله ولرسوله أي لاتباع أمرهما وابتغاء مرضاتهما فقد هاجر إليهما حقيقة وإن كان ظاهرا منتقلا إلى الدنيا ونعيمها ومن هاجر لغيرهما فالمهاجر إليه ذلك وإن انتقل إلى النبي ظاهرا. ثم أصل الهجرة الانتقال من محل إلى محل كما تقرر لكن كثيرا ما تستعمل في الأشخاص والأعيان والمعاني وذلك في حقه تعالى إما على التشبيه البليغ أي كأنه هاجر إليه أو الاستعارة المكنية أو هو على حذف مضاف أي محل رضاه وثوابه وأمره ورحمته أو يقال الانتقال إلى الشيء عبارة عن الانتقال إلى محل يجده فيه ووجدان كل أحد ونيله على ما يليق به وكذا محل النيل أعم من المحال المعنوية والمراتب العلية والأمكنة الصورية ولهذا تراهم ينتقلون من مرتبة إلى مرتبة ومن مقام إلى مقام فالمراد الانتقال إلى محل قربه المعنوي وما يليق به ألا ترى ما اشتهر على ألسنة القوم من السير إلى الله تعالى ونحو ذلك أو يقال: إن ذكر الله للتعظيم والتبرك ومثله غير عزيز أرأيت ما ذكروه في {أن لله خمسه وللرسول} أو الإيماء إلى الاتحاد على ما قرروه في {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} إن المعاملة مع حبيب الله كالمعاملة مع الله فيده يده وبيعته بيعته والهجرة إليه هجرة إليه وأمثال هذه المسامحات في كلام الشارع كثيرة: {وأينما [ص:32] تولوا فثم وجه الله} والحاصل أنه أريد بالهجرة هنا مطلق الانتقال والتجاوز من شيء إلى شيء صوريا أو معنويا فالحديث من جوامع الكلم التي لا يخرج عنها عمل أصلا فإن كل عمل فيه انتقال من حال إلى حال
(ومن كانت هجرته إلى دنيا) بضم أوله وحكي كسره وبقصره بلا تنوين إذ هو غير منصرف للزوم ألف التأنيث فيه وحكي تنوينه من الدنو لسبقها الآخرة أو لدنوها إلى الزوال أو من الدناءة أي الخسة وموصوفها محذوف أي الحياة الدنيا وحقيقتها جميع المخلوقات الموجودة قيل الآخرة أو الأرض والجو والهواء والأول كما قاله ابن حجر أرجح لكن المراد هنا كما قال الخلخالي متاع من متاعها (يصيبها) أي يحصلها شبه تحصيلها عند امتداد الأطماع نحوها بإصابة السهم الغرض بجامع سرعة الوصول وحصول المراد (أو امرأة) في رواية أو إلى امرأة (ينكحها) أي يتزوجها خصص بعد ما عمم تنبيها على زيادة التحذير من النساء إيذانا بأنهن أعظم زينة الدنيا خطرا وأشدها تبعة وضررا ومن ثم جعلت في التنزيل عين الشهوات {زين للناس حب الشهوات من النساء} وقول بعضهم لفظ: (دنيا) نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها منع بأنها تعم في سياق الشرط نعم يعكر عليه قول ابن مالك في شرح العمدة إن عطف الخاص على العام يختص بالواو ولذلك ذهب بعضهم إلى أن الأجود جعل أو للتقسيم وجعلها قسما مقابلا للدنيا إيذانا بشدة فتنتها (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة وإن كانت صورتها صورة الهجرة لله ولرسوله. وأورد الظاهر في الجملة الأولى تبركا والتذاذا بذكر الحق جل وعز ورسوله عليه السلام تعظيما لهما بالتكرار وتركه هنا حثا على الإعراض عن الدنيا والنساء وعدم الاحتفال بشأنهما وتنبيها على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصدهما. فكأنه قال إلى ما هاجر إليه وهو حقير لا يجدي ولأن ذكرهما يحلو عند العامة فلو كرر ربما علق بقلب بعضهم فرضي به وظنه العيش الكامل فضرب عنهما صفحا لذلك وذم قاصد أحدهما وإن قصد مباحا لكونه خرج لطلب فضيلة الهجرة ظاهرا وأبطن غيره فالمراد بقرينة السياق ذم من هاجر لطلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فمن طلب الدنيا أو التزوج مع الهجرة بدون ذلك التمويه أو طلبهما لا على صورة الهجرة فلا يذم بل قد يمدح إذا كان قصده نحو إعفاف وقد نبه بالدنيا والمرأة على ذم الوقوف مع حظ النفس والعمل عليه فمعنى " هجرته إلى الله ورسوله " الارتحال من الأكوان إلى المكون ومعنى: " هجرته إلى ما هاجر إليه " البقاء مع الأكوان والشغل بها ففيه تلويح بأنه ينبغي للسالك كونه عالي الهمة والنية فلا يلتفت إلى غير المكون كما أفصح عنه في الحكم حيث قال: العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ويطلب ما لا بقاء له معه فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل عنه ولكن ارحل من الأكوان
(قال بعض المحققين: الأكوان كلها متساوية في كونها أغيار وإن كان بعضها أنوار وتمثيله بحمار الرحى مبالغة في تقبيح حال العاملين على رؤية الأغيار اه) إلى المكون كما أفصح عنه قوله تعالى {وأن إلى ربك المنتهى} . وانظر إلى قوله " فمن كانت هجرته " إلى آخره. وهذا الحديث أصل في الإخلاص ومن جوامع الكلم التي لا يخرج عنها عمل أصلا ولهذا تواتر النقل عن الأعلام بعموم نفعه وعظم وقعه. قال أبو عبيد: ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدة منه واتفق الشافعي وأحمد وابن المديني وابن مهدي وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ومنهم من قال ربعه. ووجه البيهقي كونه ثلثه بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها محتاج إليها ومن ثم يأتي في حديث: " نية المؤمن خير من عمله " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث يرد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث " الأعمال بالنية ". و " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ". و " الحلال بين والحرام بين ". وقال أبو داود: مدار السنة على أربعة أحاديث حديث " الأعمال بالنية ". وحديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وحديث " الحلال بين والحرام بين ". وحديث " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ". وفي رواية عنه يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث فذكرها وذكر بدل الأخير حديث: " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ". وقال الشافعي: " حديث النية يدخل في سبعين بابا من الفقه وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال حجة إلى لقاء الله ". وحمل بعضهم قوله " سبعين بابا " على إرادة التكثير أو نظرا للجمل لا للجزئيات. وهو كلام من لم يمارس الفقه أدنى ممارسة بل يدخل في زيادة عليها حقيقة [ص:33] فمما يدخل فيه الوضوء والغسل ومسح الخفين في مسألة الجرموق والتيمم وإزالة النجس على رأي وغسل الميت على وجه وفي مسألة الضبة بقصد الزينة ودونه والصلاة بأنواعها والقصر والجمع والإمامة والإقتداء وسجود التلاوة والشكر وخطبة الجمعة على وجه والأذان على رأي وأداء الزكاة واستعمال الحلي أو كنزه والتجارة والقبية والخلطة على قول وبيع المال الزكوي وصدقة النفل والصوم والاعتكاف والحج والطواف وتحلل المحصر والتمتع على رأى ومجاوزة الميقات والسعي والوقوف على رأى والفداء والهدايا والضحايا والنذر والكفارة والجهاد والعتق والتدبير والكتابة والوصية والنكاح والوقف وجميع القرب بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها وكذا نشر العلم تعليما وإفتاء وتأليفا والحكم بين الناس وإقامة الحدود وتحمل الشهادة وأداؤها وكنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء والإقرار والإجارة والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار واللعان والأيمان والقذف والأمان
ويدخل في غير الكنايات في مسائل كقصد لفظ الصريح لمعناه ونية المعقود عليه في البيع والثمن وعوض الخلع والمنكوحة وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به بطل وفي القصاص في مسائل شتى منها تمييز العمد وشبهه من الخطأ ومنها إذا قتل الوكيل في القود إن قصد قتله عن الموكل أو قتله لشهوة نفسه وفي الردة والسرقة فيما لو أخذ آلة اللهو بقصد كسرها أو سرقتها وفيما لو أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة فيقطع في الثاني دون الأول وفي أداء الدين فيما لو كان عليه دينان لرجل بأحدهما رهن وفي اللقيطة بقصد الحفظ أو التملك وفيما لو أسلم على أكثر من أربع فقال فسخت نكاح هذه فإن نوى به الطلاق كان تعيينا لاختيار المنكوحة أو الفراق أو أطلق حمل على اختيار الفراق وفيما لو وطئ أمة بشبهة يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينعقد حرا وفيما لو تعاطى فعل شيء له وهو يعتقد حرمته كوطئه من يعتقد أنها أجنبية فإذا هي حليلته أو قتل من ظنه معصوما فبان مستحق دمه أو أتلف مالا يظنه لغيره فبان ملكه وعكسه من وطئ أجنبية يظنها حليلته لا يترتب عليه عقوبة الزاني اعتبارا بنيته وتدخل النية أيضا في عصير العنب بقصد الخلية أو الخمرية وفي الهجر فوق ثلاث فإنه حرام إن قصده وإلا فلا ونظيره ترك التطيب والزينة فوق ثلاث لموت غير الزوج فإنه إن كان يقصد الإحداد حرم وإلا فلا ويدخل في نية قطع السفر وقطع القراءة في الصلاة وقراءة الجنب بقصده أو بقصد الذكر وفي الصلاة بقصد الإفهام وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته فله كل الجعل وإن قصد العمل للمالك فله قسطه ولا شيء للمشارك وفي الذبائح كذا قرر هذه الأحكام بعض أئمتنا إجمالا
وقد فصل شيخ الإسلام الولي العراقي كثيرا منها فقال في الحديث فوائد منها أن النية تجب في الوضوء وفي الغسل وهو قول الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية والتيمم خلافا للأوزاعي وأن الكافر إذا أجنب فاغتسل ثم أسلم لا تلزمه إعادة الغسل وهو قول أبي حنيفة وخالفه الشافعي وأنه يلزم الزوج النية إذا غسل حليلته المجنونة أو الممتنعة وهو الأصح عند الشافعية وأن النية لسجود التلاوة واجبة وهو قول الجمهور وأنه لا يصح وضوء المرتد ولا غسله ولا تيممه لأنه غير أهل للنية وأن النية على الغاسل في غسل الميت واجبة وهو وجه عند الشافعية وأن المتوضئ إذا لم ينو إلا عند غسل وجهه لا يحصل له ثواب ما قبله من السنن وأنه كما يتشرط وجود النية أول العبادة يشترط استمرارها حكما إلى آخرها وأنه إذا نوى الجمعة فخرج وقتها لا يتمها ظهرا وهو قول أبي حنيفة وخالف الشافعي وأن المسبوق إذا أدرك الإمام في الجمعة بعد ركوع الثانية ينوي الظهر لا الجمعة والأصح عند الشافعية خلافه وأن المتطوع بالصوم إذا نوى نهارا قبل الزوال لا يحسب له الصوم إلا من حين النية وهو وجه والأصح عند الشافعية خلافه وأنه لا يكفي نية واحدة في أول رمضان لجميع الشهر خلافا لمالك وأنه لو أحرم بالحج في غير أشهره لا ينعقد وعليه الثلاثة وخالف الشافعي وأن الضرورة يصح حجه عن غيره وخالف الشافعي وأنه تشترط النية في الكناية التي ينعقد بها البيع ويصح بها الطلاق وأن اللفظ يخصص بالنية زمانا ومكانا وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضيه فمن حلف لا يدخل دار فلان وأراد في يوم كذا ألا يكلمه وأراد بمصر مثلا دون غيرها فله ما نواه وأنه لو طلق بصريح ونوى عددا وقع ما نواه وبه قال الشافعي وأن الطلاق يقع بمجرد الكلام النفسي وإن لم يتلفظ به وبه قال بعض أصحاب مالك وأنه لو أقر بمجمل [ص:34] رجع إلى نيته وقبل تفسيره بأقل متمول وأنه لا يؤاخذ ناس ومخطئ في نحو طلاق وعتق وأن من تلفظ بمكفر وادعى سبق لسانه دين وعليه الجمهور خلافا لبعض المالكية وأن الحيل باطلة كمن باع ماله قبل الحول فرارا من الزكاة وعليه مالك وخالف الجمهور وأنه لا تصح عبادة المجنون لأنه غير أهل للنية ولا عقوده وطلاقه ولا قود عليه ولا حد وأنه لا يجب القود في شبه العمد عند الثلاثة وأنكره مالك. وبذلك ظهر فساد قول من زعم أن مراد الشافعي بالسبعين المبالغة وإذا عدت مسائل هذه الأبواب التي للنية فيها مدخل لم تقصر عن أن تكون ثلث الفقه. بل قال بعضهم: إن الحديث يجري في العربية أيضا فأول ما اعتبروا ذلك في الكلام فقال سيبويه باشتراط القصد فيه فلا يسمى ما نطق به النائم والساهي وما يحكيه الحيوان المعلم كالببغاء كلاما ومن ذلك المنادى النكرة إذا نوى نداء واحد بعينه تعرف ووجب بناؤه على الضم وإن لم يقصد لم يتعرف وأعرب بالنصب ومن ذلك المنادى المنون للضرورة يجوز تنوينه بالنصب والضم فإن نون بالضم جاز نصب نعته وضمه أو بالنصب تعين نصبه لأنه تابع لمنصوب لفظا ومحلا فإن نون مقصورا نحو يا فتى بنى النعت على ما نوى في المضاف فإن نوى فيه الضم جاز الأمران أو النصب تعين ذكره أبو حيان ومن ذلك قالوا ما جاز بيانا جاز إعرابه بدلا واعترض بأن البدل في نية سقوط الأول والبيان بخلافه فكيف تجتمع نية سقوطه وتركها في تركيب واحد وأجاب الرضي بأن المراد أنه مبني على قصد المتكلم فإن قصد سقوطه وإحلال التابع محله أعرب بدلا وإن لم يقصده أعرب بيانا
<فائدة> قال الطيبي: قال بعض أهل الحقيقة: العمل سعي الأركان إلى الله تعالى والنية سعي القلوب إليه والقلب ملك والأركان جنوده ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك. وقال بعضهم: النية جمع الهمة ليتعبد العامل للمعمول له وأن لا يبيح بالسر ذكر غيره. وقال بعضهم: نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفضل ونية الجهال التحصن عن سوء القضاء ونزول البلاء ونية أهل النفاق التزين عند الله وعند الناس ونية العلماء إقامة الطاعة لحرمة ناصبها لا لحرمتها ونية أهل التصوف ترك الاعتماد على ما يظهر منهم من الطاعات
(تتمة) قال في الإحياء: النية إنما مبدؤها من الإيمان فالمؤمنون يبدأ لهم من إيمانهم ذكر الطاعة فتنهض قلوبهم إلى الله من مستقر النفس فإن قلوبهم مع نفوسهم وذلك النهوض هو النية وأهل اليقين جاوزوا هذه المنزلة وصارت قلوبهم مع الله مزايلة لنفوسهم بالكلية ففرغوا من أمر النية إذ هي النهوض فنهوض القلب من معدن الشهوات والعادات إلى الله تعالى بأن بعمل طاعة وهو بنية والذي صار قلبه في الحضرة الأحدية مستغرقا محال أن يقال نهض إلى الله في كذا وهو ناهض بجملته مستغرق في جزيل عظمته قد رفض ذلك الوطن الذي كان موطئه وارتحل إلى الله فالمخاطبون بالنية يحتاجون أن يخلصوا إرادتهم عن أهوائهم ويميزوا عادتهم من عاداتهم
(ق 4) البخاري في سبعة مواضع من صحيحه لكنه أسقط أحد وجهي التقسيم وهو قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " في رواية الحميدي قال ابن العربي: ولا عذر له في إسقاطها لكن أبدى له ابن حجر اعتذارا ومسلم والترمذي في الجهاد وأبو داود في الطلاق والنسائي في الأيمان وابن ماجه في الزهد: قال ابن حجر: لم يبق من أصول أصحاب الكتب المعتبرة من لم يخرجه إلا الموطأ كلهم (عن) أمير المؤمنين الحاكم العادل أبي حفص (عمر بن الخطاب) العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة وزير المصطفى ثاني الخلفاء أسلم بعد أربعين رجلا وكان عز الإسلام بدعوة المصطفى ولي الخلافة بعد الصديق فأقام عشر سنين ونصفا ثم قتل سنة ثلاث وعشرين عن ثلاث وستين سنة على الأصح. (حل قط) وكذا ابن عساكر (في) كتاب (غرائب) الإمام المشهور صدر الصدور حجة الله على خلقه (مالك) بن أنس الأصبحي ولد سنة ثلاث وتسعين وحملت به أمه ثلاث سنين ومات سنة تسع وسبعين ومئة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري من علماء الصحابة وأصحاب الشجرة مات سنة أربع وسبعين ورواه عنه أيضا الخطابي في المعالم (وابن عساكر) حافظ الشام أبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الدمشقي الشافعي صاحب تاريخ دمشق ولد [ص:35] سنة تسع وتسعين وأربع مئة ورحل إلى بغداد وغيرها وسمع من نحو ألف وثلاث مئة شيخ وثمانين امرأة وروى عنه من لا يحصى وأثنى عليه الأئمة بما يطول ذكره. مات سنة إحدى وسبعين وخمس مئة (في أماليه) الحديثية من رواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم (عن) أبي حمزة (أنس) بن مالك الأنصاري خادم المصطفى عشر سنين دعا له بالبركة في المال والولد وطول العمر فدفن من صلبه نحو مئة وصارت نخله تحمل في العام مرتين وعاش حتى سئم الحياة مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وتسعين. ثم قال ابن عساكر: حديث غريب جدا والمحفوظ حديث عمر (الرشيد) ابن (العطار) أي الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي الأموي المصري المالكي المنعوت بالرشيد العطار ولد بمصر سنة أربع وثمانين وخمس مئة ومات بها سنة اثنتين وستين وست مئة ودرس بالكاملية من القاهرة (في جزء من تخريجه) ولعله معجمه فإني لم أر في كلام من ترجمه إلا أنه خرج لنفسه معجما ولم يذكروا غيره (عن أبي هريرة) الدوسي عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا حمل هرة في كمه فسمي به فلزمه. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه هو أحفظ من روى الحديث في الدنيا مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة أو بالعقيق قال الزين العراقي: وهذه الرواية وهم انتهى. لا يقال سياق المؤلف لحديث عمر والثلاثة بعده أنه أراد به أن الكل في مرتبة واحدة فممنوع لقول الزين العراقي لم يصح إلا من حديث عمر وقول ولده الولي هو منحصر في رواية عمر وما عداه ضعيف أو في مطلق النية وإن أراد استيعاب الطرق فلم يستوعب فقد رواه ثلاث وثلاثون صحابيا كما بينه العراقي لأنا نقول: الحديث بهذا اللفظ لم يرد إلا من حديث هؤلاء الأربعة فقط وما عداهم فأخبارهم في مطلق النية. قال ابن حجر والنووي والعراقي: حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار. قال الثلاثة: وهو من أفراد الصحيح لم يصح عن النبي إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من رواية علقمة ولا عن علقمة إلا من رواية التيمي ولا عن التيمي إلا من رواية يحيى بن سعيد ومداره عليه. وأما من بعد يحيى فقد رواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة. بل ذكر ابن المديني وعبد الغني المقدسي أنه رواه عن يحيى سبع مئة رجل فمن أطلق عليه التواتر أو الشهرة فمراده في آخر السند من عند يحيى. قال النووي: وفي إسناده شيء يستحسن ويستغرب وهو أنه اجتمع فيه ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: يحيى بن سعيد والتيمي وعلقمة وهذا وإن كان مستظرفا لكنه وقع في نيف وثلاثين حديثا. قال: وهو حديث مجمع على عظمته وجلالته وهو أحد قواعد الدين وأول دعائمه وأشد أركانه وهو أعظم الأحاديث التي عليها مدار الإسلام انتهى(1/30)
حرف الهمزة(1/35)
أي هذا باب الأحاديث المبدوءة بحرف الهمزة وابتدأه بحرف الهمزة مع الألف وجعل مطلعه حديث إتيان باب الجنة إشارة إلى أن الغاية المطلوبة من تأليفه هذا الكتاب التقرب إلى الله الموصل إلى الفوز بإتيان باب الجنة تفاؤلا بكون أول ما يقرع الأسماع منه ذكر الجنة وإتيانها ولأن جميع ما يأتي بعده في أحكام العبادة ومتعلقاتها ودخول الجنة أفضل من جميع العبادات كما أفتى به السبكي أي أشرف وأرفع. ووجهه الولي العراقي بأن ثواب الله تعالى أشرف من أفعالنا فقال:(1/35)
2 - (آتي) بالمد (باب الجنة) أي أجيء بعد الانصراف من الحشر للحساب إلى أعظم المنافذ التي يتوصل منها إلى دار الثواب وهو باب الرحمة أو هو باب التوبة كما في النوادر: فإن قلت هل لتعبيره بالإتيان دون المجيء من [ص:36] نكتة؟ قلت: نعم وهي الإشارة إلى أن مجيئه يكون بصفة من ألبس خلع الرضوان فجاء على تمهل وأمان من غير نصب في الإتيان إذ الإتيان كما قال الراغب مجيء بسهولة. قال: والمجيء أعم ففي إيثاره عليه مزية زهية. وفي الكشاف وغيره: إن أهل الجنة لا يذهب بهم إليها إلا راكبين فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فما بالك بإمام المرسلين؟ قال الراغب: والباب يقال لمدخل الشيء وأصله مداخل الأمكنة كباب الدار والمدينة ومنه يقال في العلم باب كذا وهذا العلم باب إلى كذا أي منه يتوصل إليه ومنه خبر: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " أي به يتوصل وقد يقال أبواب الجنة وأبواب جهنم للأسباب الموصلة إليها انتهى. والجنة في الأصل المرة من الجن مصدر جنه ستره ومدار التركيب على ذلك سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه وسترها ما تحته ثم البستان لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة ثم دار الثواب لما فيها من الجنان مع أن فيها ما لا يوصف من القصور لأنها مناط نعيمها ومعظم ملاذها. وقال الزمخشري: الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاق العاملين لكل طبقة منهم جنة منها قال ابن القيم: ولها سبعة عشر اسما وكثرة الأسماء آية شرف المسمى أولها هذا اللفظ العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم والبهجة والسرور وقرة العين ثم دار السلام: أي السلامة من كل بلية ودار الله ودار الخلد ودار الإقامة وجنة المأوى وجنة عدن والفردوس وهو يطلق تارة على جميع الجنان وأخرى على أعلاها وجنة النعيم والمقام الأمين ومقعد صدق وقدم صدق وغير ذلك مما ورد به القرآن (يوم القيامة) فعالة تقحم فيها التاء للمبالغة والغلبة وهي قيام مستعظم والقيام هو الاستقلال بأعباء ثقيلة ذكره الحراني (فأستفتح) السين للطلب وآثر التعبير بها إيماء إلى القطع بوقوع مدخولها وتحققه أي أطلب انفراجه وإزالة غلقه يعني بالقرع لا بالصوت كما يرشد إليه خبر أحمد: " آخذ بحلقة الباب فأقرع " وخبر البخاري عن أنس: " أنا أول من يقرع باب الجنة " والفاء سببية أي يتسبب عن الإتيان الاستفتاح ويحتمل جعلها للتعقيب بل هو القريب. فإن قلت ما وجهه؟ قلت: الإشارة إلى أنه قد أذن له من ربه بغير واسطة أحد لا خازن ولا غيره وذلك أن من ورد باب كبير فالعادة أن يقف حتى ينتهي خبره إليه ويستأمر فإن أذن في إدخاله فتح له. فالتعقيب إشارة إلى أنه قد صانه ربه عن ذل الوقوف وأذن له في الدخول قبل الوصول بحيث صار الخازن مأموره منتظرا لقدومه (فيقول الخازن) أي الحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي استحفظه والخزن حفظ الشيء في الخزانة ثم عبر به عن كل حفظ ذكره الراغب سمي الموكل بحفظ الجنة خازنا لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده وأل فيه عهدية والمعهود رضوان وظاهره أن الخازن واحد وهو غير مراد بدليل خبر أبي هريرة: " من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب هلم " فهو صريح في تعدد الخزنة إلا أن رضوان أعظمهم ومقدمهم وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة (من أنت) أجاب بالاستفهام وأكده بالخطاب تلذذا بمناجاته وإلا فأبواب الجنة شفافة وهو العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس وقد رآه رضوان قبل ذلك وعرفه ومن ثم اكتفى بقوله
(فأقول محمد) وإن كان المسمى به كثيرا. فإن قلت ينافي كون أبواب الجنة شفافة خبر أبي يعلى عن أنس " أقرع باب الجنة فيفتح لي باب من ذهب وحلقه من فضة " قلت: ما في الجنة لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم كما في خبر يأتي فلا مانع من كون ذهب الجنة شفافا فتدبر. ثم إنه لم يقل أنا لإيهامه مع ما فيه من الإشعار بتعظيم المرء نفسه وهو سيد المتواضعين وهذه الكلمة جارية على ألسنة الطغاة المتجبرين إذا ذكروا مفاخرهم وزهوا بأنفسهم قال في المطامح: وعادة العارفين المتقين أن يذكر أحدهم اسمه بدل قوله: " أنا " إلا في نحو إقرار بحق فالضمير أولى
وقال ابن الجوزي: أنا لا يخلو عن نوع تكبر كأنه يقول أنا لا أحتاج إلى ذكر اسمي ولا نسبي لسمو مقامي. وقال بعض المحققين: ذهب طائفة من العلماء وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الرجل عن نفسه بقوله أنا تمسكا بظاهر الحديث حتى قالوا كلمة أنا لم تزل مشئومة على أصحابها وأرادوا أن إبليس اللعين إنما لعن [ص:37] بقولها وليس كما أطلقوا بل المنهي عنه ما صحبه النظر إلى نفسه بالخيرية كما نقرر. ولا ننكر إصابة الصوفية في دقائق علومهم وإشاراتهم في التبرئ من الدعاوى الوجودية لكنا نقول إن الذي أشاروا إليه بهذا راجع إلى معان تتعلق بأحوالهم دون ما فيه التعلق بالقول كيف وقد ناقض قولهم نصوص كثيرة وهم أشد الناس فرارا عن مخالفتها كقوله تعالى حكاية عنه عليه الصلاة والسلام: " إنما أنا بشر مثلكم " " وأنا أول المسلمين " " وما أنا من المتكلفين " وخبر " أنا سيد ولد آدم ": قال بعض العارفين والحاصل أن ذلك يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال فالمتردد في الأحوال المتجول في الفناء والتكوين ينافي حاله أن يقول أنا ومن رقى إلى مقام البقاء بالله وتصاعد إلى درجات التمكين فلا يضره. انتهى. وأما من ليس من هذه الطائفة فقد قال النووي: لا بأس بقوله أنا الشيخ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا به وخلا عن الخيلاء والكبر والزهو والقول عبارة عن جملة ما يتكلم به المتكلم على وجه الحكاية. ذكره جمع. وقال القاضي: هو التلفظ بما يفيد ويقال للمعنى المتصور في النفس المعبر عنه باللفظ ويقال للمذهب والرأي مجازا وأصله قول الزمخشري من المجاز هذا قول فلان أي ورأيه ومذهبه
(فيقول بك) قيل الباء متعلقة بالفعل بعدها ثم هي سببية قدمت للتخصيص أي بسببك (أمرت) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله (أن لا أفتح) كذا في نسخة المؤلف بخطه وهكذا ذكره في جامعه الكبير والذي وقفت عليه في نسخ مسلم الصحيحة المقروءة " لا أفتح " بإسقاط أن (لأحد) من الخلائق (قبلك) لا بسبب آخر وقبل الباء صلة للفعل: " وأن لا أفتح " بدل من الضمير المجرور أي أمرت بفتح الباب لك قبل غيرك من الأنبياء وفي رواية: " ولا أقوم لأحد بعدك " وذلك لآن قيامه إليه خاصة إظهارا لمرتبته ومزيته ولا يقوم في خدمة أحد غيره بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمته صلى الله عليه وسلم حتى مشى إليه وفتح له " وأحد " يستعمل في النفي فيكون لاستغراق جنس الناطقين وتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق. وعلم من السياق أن طلب الفتح إنما هو من الخازن وإلا لما كان هو المجيب. فإن قلت ورد عن الحسن وقتادة وغيرهما أن أبواب الجنة يرى ظاهرها من باطنها وعكسه وتتكلم وتعقل ما يقال لها انفتحي انغلقي كما نقله ابن القيم وغيره فلم طلب الفتح من الخازن ولم يطلبه منها بلا واسطة؟ قلت: الظاهر أنها مأمورة بعدم الاستقلال بالفتح والغلق وأنها لا تستطيع ذلك إلا بأمر عريفها المالك لأمرها بإذن ربها وإنما يطالب بما يراد من القوم عرفاؤهم. فإن قلت: ما فائدة جعل الخازن للجنات مع أن الخزن إنما يكون في المتعارف حفظا لما يخاف ضياعه أو تلفه أو تطرق النقص إليه فيفوت كله أو بعضه على صاحبه والجنة لا يمكن فيها ذلك؟ قلت: إن خزن ملائكة الجنة نعيمها إنما يكون لأهلها فكل منهم يجعل إليه مراعاة قسط معلوم من تلك النعم لمن أعد له حتى إذا وافى الجنة كان الخازن هو الممكن له منه فخزنه إياه قبل التسليم هو مقامه على ملاحظة ما جعل سبيله وانتظار من أهل له وإيصاله إليه فهذا هو المراد لا حفظها من أحد يخاف منه عليها ذكره الحليمي
فإن قلت: ما ذكر من أن رضوان هو متولي الفتح يعارضه خبر أبي نعيم والديلمي: " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها الله عز وجل لي " قلت: لا معارضة فإن الله تعالى هو الفاتح الحقيقي وتولي رضوان ذلك إنما هو بإقداره وتمكينه. ثم إن ظاهر الحديث استشكل بأن الزمخشري والقاضي ذكرا أن أبواب الجنة تفتح لأهلها قبل مجيئهم بدليل: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} ووجهه الإمام الرازي بأنه يوجب السرور والفرح حيث نظروا الأبواب مفتحة من بعد وبأنه يوجب الخلاص من ذل الوقوف للاستفتاح. وأجيب أولا بخروج المصطفى ومن تبعه عن سياق الآية. واعترض بأنه خلاف الظاهر بلا ضرورة وثانيا بأن الجملة الحالية قيد لمجيء المجموع فيكون مقتضاها تحقق الفتح قبل مجيء الكل فلا ينافي تأخره عن مجيء إنسان واحد أو زمرة واحدة. ونوزع بأن فعل الجمع إذا قيد بزمن فالمفهوم المتبادر منه أنه زمن لصدور الفعل عنهم فإنا إذا قلنا زيد وعمرو وبكر ضربوا بعد الطلوع لم يفهم منه إلا صدور الضرب عنهم في ذلك الزمن حتى لو ضرب واحد منهم قبله رمى بالكذب وثالثا بأن المراد بالأبواب في الآية أبواب المنازل التي في الجنة لا أبواب الجنة المحيطة بالكل والمراد في الحديث باب نفس الجنة المحيطة ونوقش بأن الجنة والنار حيث وقعا في القرآن معا مفردين أو متقابلين فالمراد منهما أصلهما ورابعا بأنا لا نسلم دلالة الآية على تقدم الفتح إذ لو فتح عند إتيانهم صح. إذ [ص:38] الجنان مفتحة لهم أبوابها غايته أن المدح في الأول أبلغ وبأن اسم المفعول العامل إذ كان بمعنى الاستقبال فعدم الدلالة ظاهر إذ المعنى ستفتح لهم وكذا إن كان هو بمعنى الحال مريدا به حال الدخول وإن أريد به حال التكلم ففيه بعد. وخامسا قال بعض المحققين وهو أحسنها إن أبوابها تفتح أولا بعد الاستفتاح من جمع ويكون مقدما بالنسبة إلى البعض كما يقتضيه خبر: " إن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمس مئة عام " والظاهر أنها بعد الفتح للفقراء لا تغلق وسادسا بأن الجنة لكونها دار الله ومحل كرامته ومعدن خواصه إذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى مالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم فكلهم يحجم حتى تقع الدلالة على أفضلهم فيأتي إلى العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في الرفع وأن يسأل حاجته فيشفع في فتحها فيشفعه تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلته عنده ودفعا لتوهم الغبي أنها كالجنان التي يدخلها من شاء ولا يعارضه: " مفتحة لهم الأبواب " لدلالة السياق على أن المعنى أنهم إذا دخلوها لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم ودخول الملائكة عليهم من كل باب بالتحف والألطاف من ربهم وإلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا في الدنيا فلا تدافع بين الآية والخبر
ثم إن الأولية في الحديث لا تشكل بإدريس حيث أدخل الجنة بعد موته وهو فيها كما ورد لآن المراد الدخول التام يوم القيامة وإدريس يحضر الموقف للسؤال عن التبليغ ولا بأن السبعين ألفا الداخلين بغير حساب يدخلون قبله لأن دخولهم بشفاعته فينسب إليه واعترض بأن التعبير بسبعين ألفا فيه قصور لثبوت الزيادة هو القصور لأن العرب تريد به المبالغة في التكثير ومثله غير كثير ألا ترى إلى ما ذكره المفسرون: {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا} ولا بخبر أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " بم سبقتني فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي " لأنها رؤية منام ولا يقدح فيه أن رؤيا الأنبياء حق إذ معناه أنها ليست من الشيطان وبلال مثل له ماشيا أمامه إشارة إلى أنه استوجب الدخول لسبقه للإسلام وتعذيبه في الله وأن ذلك صار أمرا محققا وقد أشار إلى ذلك السمهودي فقال في حديث بلال إنه يدخل الجنة قبل المصطفى وإنما رآه أمامه في منامه والمراد منه سريان الروح في حالة النوم في تلك الحالة تنبيها على فضيلة عمله وأما الجواب بأن دخوله كالحاجب به إظهارا لشرفه فلا يلائم السياق إذ لو كان كذلك لما قال له " بم سبقتني " وليت شعري ما يصنع من أجاب به بخبر أبي يعلى وغيره: " أول من يفتح له باب الجنة أنا إلا أن امرأة تبادرني فأقول مالك أو من أنت؟ فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى " وخبر البيهقي " أول من يقرع باب الجنة عبد أدى حق الله وحق مواليه " وأقول هذه أجوبة كلها لا ظهور لها ولا حاجة إليها إذ ليس في هذا الخبر إلا أنه أول من يفتح له الباب وليس فيه أنه أول داخل بل يحتمل أنه يستفتح لهم ويقدم من شاء من أمته في الدخول كما هو المتعارف في الدنيا فإن أبيت إلا جوابا على فرض أنه أول داخل وهو ما ورد في أحاديث أخرى فدونك جوابا يثلج الفؤاد بعون الرؤوف الجواد وهو أنه قد ثبت في خبر مسدد أن دخول المصطفى يتعدد فالدخول الأول لا يتقدم ولا يشاركه فيه أحد ويتخلل بينه وبين ما بعده دخول غيره فقد روى الحافظ ابن منده بسنده عن أنس رفعه: " أنا أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر أجيء باب الجنة فآخذ بحلقتها فيقولون من؟ فأقول أنا محمد فيفتحون لي فأجد الجبار مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: أمتي أمتي فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنة فإذا الجبار مستقبلي فأسجد له " الحديث وكرر فيه الدخول أربعا وفي البخاري نحوه وبه تندفع الاشكالات ويستغنى عن تلك التكلفات وفي أبي داود أن أبا بكر أول من يدخل من هذه الأمة ولعله أول داخل من الرجال بعده وإلا فقد جزم المؤلف وغيره بأن أول من يدخل بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنته فاطمة لخبر أبي نعيم: " أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر وأول من يدخل علي الجنة ابنتي فاطمة " وقد انبسط الكلام في هذا الخبر وما كان لنا باختيار لكن تضمن أسرارا جرنا حبها إلى إبداء بعضها وبعد ففي الزوايا خبايا
(حم م) في كتاب الإيمان (عن أنس) بن مالك(1/35)
[ص:39] 3 - (آخر من يدخل الجنة) أي من الموحدين لأن الكفار مخلدون لا يخرجون من النار أبدا ولم يصب من قال من أمة محمد إذ الموحدون الذين يعذبون ثم يدخلونها لا ينحصرون في أمة محمد. وفي عدة أخبار إن هذه الأمة يخفف عن عصاتها ويخرجون قبل عصاة غيرها كخبر الدارقطني: " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي " قال ابن القيم فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش وأسبقهم إلى فصل القضاء وأسبقهم إلى الجواز على الصراط وأسبقهم إلى دخول الجنة. ووقع في النوادر للحكيم من حديث أبي هريرة " إن أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة " قال ابن حجر وسنده واه (رجل) يختص بالذكر من الناس ويقال الرجلة للمرأة إذا كانت متشبهة به في بعض الأحوال ذكره الراغب (يقال له) أي يدعى (جهينة) بالتصغير: اسم قبيلة سمي به الرجل (فيقول أهل الجنة) أي يقول بعضهم لبعض والمراد بأهلها سكانها من البشر والملائكة والحور العين وغيرهم لكن في السياق إيماء إلى أن القائل من البشر (عند) بتثليث العين (جهينة) بجيم ثم هاء ووقع في التذكرة الحمدونية أنه روى أيضا حنيفة بالفاء ولم أقف على هذه الرواية (الخبر اليقين) أي الجازم الثابت المطابق للواقع من أنه هل بقي أحد في النار يعذب أو لا. وهذه الآخرية لا يعارضها حديث مسلم: " آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك " الحديث لإمكان الجمع بأن جهينة آخر من يدخل الجنة ممن دخل النار وعذب فيها مدة ثم أخرج وهذا آخر من يدخل الجنة ممن ينصرف فيمر على الصراط في ذهابه إلى الجنة ولم يقض بدخوله النار أصلا ولا ينافيه قوله وتسفعه النار مرة لأن المراد أنه يصل إليه لهبها وهو خارج عن حدودها. ثم رأيت ابن أبي جمرة جمع بنحوه فقال: هذا آخر من يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وذاك آخر من يدخل ممن يمر على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشاركه فيه بعض من دخلها. وما ذكر من أن اسمه جهينة هو ما وقع في هذا الخبر. قال القرطبي والسهيلي: وجاء أن اسمه هناد وجمع بأن أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر. ومن الأمثال عند العرب قبل الإسلام: عند جهينة الخبر اليقين. قال ابن حمدون: ولذلك خبر مشهور متداول وهو رجل كان اسمه جهينة عنده خبر من قتيل قد خفي أمره فذكروا ذلك فصار مثلا مستعملا بينهم قال الراغب وآخر: يقابل الأول وآخر يقابل به الواحد والتأخير يقابل التقديم والدخول ضد الخروج ويستعمل في الزمان والمكان والأعمال والاستخبار والسؤال عن الخبر <تنبيه> ما ذكرته آنفا من أن عذاب الكفار في جهنم دائم أبدا هو ما دلت عليه الآيات والأحاديث وأطبق عليه جمهور الأئمة سلفا وخلفا. ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها. فمنها ما ذهب إليه الشيخ محي الدين بن العربي أنهم يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} لم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده. . . وما لوعيد الحق عين تعاين. . . وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم
على لذة فيها نعيم مباين. . . نعيم جنان الخلد والأمر واحد. . . وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه. . . وذاك له كالقشر والقشر صاين
وقال في موضع آخر: إن أهل النار إذا دخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم. قال ابن القيم: وهذا في طرف والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب [ص:40] من توعده بالعذاب في طرف فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أصلا وهذا عنده لا يعذب بها أصلا والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله انتهى. وما ذكره من أن ابن العربي يقول إنه لا يعذب بها أصلا ممنوع فإن حاصل كلامه ومتابعيه أن لأهل النار الخالدين فيها حالات ثلاث الأولى أنهم إذا دخلوها سلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضى عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا والثانية أنهم إذا لم يجابوا وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. والثالثة أنهم بعد مضي الأحقاب ألفوا العذاب واعتادوه ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وإن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هبت عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وعذبوا به كالجعل وتأذيه برائحة الورد: عافانا الله من ذلك. ومنها قول جمع إن النار تفنى فإن الله تعالى جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم يزول عذابها لقوله تعالى {خالدين فيها إلا ما شاء ربك} {خالدين فيها مادامت السماوات والأرض} {لابثين فيها أحقابا} قال هؤلاء: وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وأنهم غير خارجين منها وأنهم لا يفتر عنهم العذاب وأنهم لا يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم. وهذا لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة. وقد نقل ابن تيمية القول بفنائها عن ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وأنس والحسن البصري وحماد بن سلمة وغيرهم روى عبد بن حميد بإسناد رجاله ثقات عن عمر: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. وروى أحمد عن ابن عمرو بن العاص: " ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد " وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره. وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه. وقد أول ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجها وعما نقل عن أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون منها أبدا كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة. وقد قال الإمام الرازي: قال قوم إن عذاب الله منقطع وله نهاية واستدلوا بآية: {لابثين فيها أحقابا} وبأن معصية الظلم متناهية فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم والجواب أن قوله " أحقابا " لا يقتضي أن له نهاية لأن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام. ولا ظلم في ذلك لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا فعوقب دائما فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا
(حط في) كتاب (رواه مالك) أي في كتاب أسماه من روى عن مالك من وجهين من حديث عبد الله بن الحكم عن مالك عن نافع (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب ومن حديث جامع ابن سوار عن زهير بن عباد عن أحمد بن الحسين اللهبي عن عبد الملك ابن الحكم ورواه الدارقطني من هذين الوجهين في غرائب مالك. ثم قال: هذا حديث باطل وجامع ضعيف وكذا عبد الملك انتهى. وأقره عليه في اللسان. وقال في الفتح فيه عبد الملك وهو واه ورواه العقيلي من طريق ضعيف عن أنس. وما جرى عليه المؤلف من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقفت عليه من خطه من نسخ هذا الكتاب. والثابت في رواية الخطيب خلافه ولفظه: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين سلوه هل بقي أحد من الخلائق يعذب؟ فيقول لا. انتهى. ومثله الدارقطني وهكذا أورده عنه المصنف في جامعه الكبير. ثم قال: قال الدارقطني باطل وأقره عليه. وقد أكثر المؤلف في هذا الجامع من الأحاديث الضعيفة. قال ابن مهدي. لا ينبغي الاشتغال بكتابة أحاديث الضعفاء فإن أقل ما يفوته أن يفوته بقدر ما كتب من حديث أهل الضعف من حديث الثقات. وقال ابن المبارك: لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه اه. على أنه كان ينبغي له - أي المؤلف - أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ [ص:41] صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنع ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول بها. وأما ما يوجد في بعض النسخ من الرمز إلى الصحيح والحسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاد فلا ينبغي الوثوق به لغلبة تحريف النساخ على أنه وقع له ذلك في بعض دون بعض كما رأيته بخطه فكان المتعين ذكر كتابه صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث قال الحافظ العلائي على من ذكر حديثا اشتمل سنده على من فيه ضعف أن يوضح حاله خروجا عن عهدته وبراءة من ضعفه انتهى وابن عمر هو العلم الفرد أحد العبادلة الأربعة. قال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا هو وذكر الخلافة يوم موت أبيه فقال بشرط أن لا يجري فيها محجم دم مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين رضي الله عنه(1/39)
4 - (آخر قرية) بفتح القاف وكسرها كما في تاريخ السمهودي من القرى وهو الجمع سميت به لاجتماع الناس فيها (من قرى الإسلام خرابا: المدينة) النبوية علم لها بالغلبة فلا يستعمل معرفا إلا فيها والنكرة اسم لكل مدينة من مدن بالمكان أقام به أو من دان إذا أطاع إذ يطاع السلطان فيها وهي أبيات كثيرة تجاوز حد القرى ولم تبلغ حد الأمصار ونسبوا للكل مديني وللمدينة النبوية مدني للفرق كذا قرره جمع. فإن قلت: ما ذكروه من أنها تجاوز حد القرى بينه وبين هذا الحديث تعارض حيث جعلها من القرى؟ قلت: كلا فإنها كانت في صدر الإسلام قبل الهجرة لا تجاوز حد القرى وكان إذ ذاك الإسلام إنما في في القرى ولم ينتشر في المدن والأمصار فلما هاجر المسلمون إليها واتسع الإسلام تجاوزت حد القرى فغلب عليها حينئذ اسم المدينة والخراب ذهاب العمارة والعمارة إحياء المحل وشغله بما وضع له ذكره الحراني. وفي الكشاف التخريب والإخراب الإفساد بالنقص والهدم قيل وفيه أن بلاده لا تزال عامرة إلى آخر وقت وأنت تعلم أنه لا دلالة في هذا الخبر إذ لا تعرض فيه بكون ديار الكفر تخرب قبل خراب قرى الإسلام التي آخرها خرابا المدينة نعم يؤخذ منه ذلك بضميمة الخبر الآتي بعده ومن ثم حسن تعقيبه به وبه يعلم أن ذكر الإسلام لا مفهوم له على أن عيسى بعد نزوله يرفع الجزية ويقتل الكفرة فتصير الكل دار إسلام
(ت) في أواخر جامعة (عن أبي هريرة) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن مسلم وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فإن الترمذي ذكر في العلل أنه سأل عنه البخاري فلم يعرفه وجعل يتعجب منه. وقال: كنت أرى أن جنادة هذا مقارب الحديث انتهى. وقد جزم بضعف جنادة المذكور جمع منهم المزني وغيره. قال السبكي كغيره: وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله ولم يكن فيه دلالة على بطلانه من أصله ثم قد يصح من طريق أخرى وقد يكون هذا الضعيف صادقا ثبتا في تلك الرواية فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء في نفس الأمر انتهى. قالوا: وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثا " مع كثرة طرقه لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره فإنه ينجبر ويعتضد(1/41)
5 - (آخر من يحشر) بالبناء للمجهول أي يموت. قال عكرمة في قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} حشرها موتها أو المراد آخر من يساق إلى المدينة كما في لفظ رواية مسلم والحشر. كما قال القاضي: السوق من جهات مختلفة إلى مكان واحد وأصله الجمع والضم المتفرق. وقال الزمخشري: الحشر سوق الناس إلى المحشر. وقال الحراني: الجمع وغيره. وقال الراغب: إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم (راعيان) تثنية راع وهو حافظ الماشية. قال الراغب: والرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه يقال رعيته أي حفظته فسمي كل سائس لنفسه أو لغيره [ص:42] (راعيا من مزينة) بالتصغير قبيلة من مضر معروفة وفي رواية " رجل من جهينة وآخر من مزينة " وفي رواية أنهما كانا ينزلان بجبل ورقان (يريدان) أي يقصدان (المدينة) الشريفة أي المدينة الكاملة التي تستحق أن يقال لها مدينة على الإطلاق كالبيت للكعبة ولها نحو مئة اسم منهما طابة وطيبة مشددة ومخففة وطايب ككاتب ودار الأخيار ودار الأبرار ودار الإيمان ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح ودار الهجرة. وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. قال النووي: لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها ومن مكة (ينعقان) بفتح المثناة تحت وسكون النون وكسر العين المهملة. قال الكشاف: النعيق التصويت يقال نعق المؤذن ونعق الراعي صوت (بغنمهما) يزجرانها بأصواتهما ويسوقانها يطلبان الكلأ وفيه إشارة إلى طول أملهما وأن ما وقع من أشراط الساعة لم يشغلهما عن الشغل بالمعاش والاهتمام بالأمور الدنيوية ويحتمل أنهما قصداها بماشيتهما للإقامة بها مع أهل الإيمان للحماية من أهل الطغيان ولعل الغنم مشتركة فلذلك لم يثنها (فيجدانها) أي الغنم والفاء تعقيبية (وحوشا) بضم أوله بأن ينقلب ذواتها أو بأن تتوحش فتنفر من صياحهما أو الضمير للمدينة والواو مفتوحة روايتان أي يجدان المدينة خالية ليس فيها أحد. والوحش الخلاء أو سكنها الوحش لانقراض سكانها. قال النووي: وهو الصحيح والأول غلط وتعقبه ابن حجر بأن قوله (حتى إذا بلغا) أي الراعيان (ثنية الوداع) أي انتهيا إليها يؤيد الأول لأن وقوع ذلك قبل دخول المدينة. وأقول: هذا غير دافع لترجيح النووي إذ إحاطهما بخلو المدينة من سكانها ومصيرها مسكن الوحوش لا يتوقف على دخولها بل يحصل العلم به بالقرب منها والإشراف على حريمها وهذا أمر كالمحسوس وإنكاره مكابرة والبلاغ والإبلاغ الانتهاء إلى المقصد. وثنية الوداع بمثلثة وفتح الواو: ومحل عقبة عند حرم المدينة سمي به لأن المودعين يمشون مع المسافر من المدينة إليها وهو اسم قديم جاهلي كذا ذكره القاضي تبعا لعياض وغيره. وفي تاريخ السمهودي: هي معروفة بباب المدينة خلف سوقها القديم بين مسجد الراية ومسجد النفس الزكية قرب سلع ووهم من قال هي من جهة مكة سميت به لتوديع النساء اللاتي استمتعوا بهن فيها عند رجوعهم من خيبر أو خروجهم إلى تبوك وفي رواية " ما كان أحد يدخل المدينة إلا منها " فإن لم يعبر منها مات قبل أن يخرج لوبائها كما زعمت اليهود فإذا وقف عليها قيل قد ودع فسميت به وقيل لوداع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالمدينة في بعض خرجاته وقيل ودع فيها بعض سراياه وقيل غير ذلك (خرا على وجوههما) ميتين أي أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى وهذا ظاهر في أن ذلك يكون لإدراكهما الساعة ففيه رد لقول البعض أنه وقع في بعض الفتن حين خلت المدينة وبقيت ثمارها للعوافي وذلك في وقعة الحرة حين وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة في جيش إلى المدينة فقتل من فيها من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبع مئة ومن الأخلاط عشرة آلاف. قال السمهودي: قال القرطبي وجالت الخيل في المسجد النبوي وبالت وراثت بين القبر والمنبر وخلت المدينة من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي انتهى. وذكر نحوه ابن حزم والخر السقوط يقال خر سقط سقوطا يسمع منه خرير ذكره الراغب وغيره. فإن قلت: هل لإيثاره " خر " على سقط من فائدة؟ قلت: أجل وهي التنبيه على اجتماع أمرين السقوط وحصول الصوت منه إشارة إلى أن فراق روحيهما لبدنيهما بعنف وشدة وسرعة خطفة من أثر تلك الصعقة التي لم تأت على مخلوق إلا جعلته كالرميم ونظيره قوله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} والوجه مجتمع حواس الحيوان وأحسن ما في الإنسان وموقع الفتنة من الشيء الفتان وهو أول ما يحاول ابتداؤه من الأشياء ذكره الحراني. فإن قلت: المناسب لقوله " خرا " وما قبله تثنية الوجه فما وجه جمعه؟ قلت: لعله أراد بالوجوه مقدم الأعضاء المقدمة فكل عضو له وجه وظهر فالسقوط يكون على كل مقدم من الأعضاء والوجه كما يراد به ما هو المتبادر يطلق ويراد به أشرف ما ظهر من الإنسان أو غيره كما تقرر
(ك) في الفتن (عن أبي هريرة) وقال: على شرطهما وأقره الذهبي لكن رمز المؤلف لحسنه [ص:43] فقط وهو قطعة من حديث رواه الشيخان لفظ برواية البخاري: " ستكون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي وآخر من يحشر " إلى آخر ما هنا بنصه وقال القسطلاني وغيره: وقوله " وآخر " إلى آخره يحتمل كونه حديثا غير الأول لا تعلق له به وكونه من بقيته انتهى وسواء كان كلا أو بعضا فهو في الصحيح فاستدراك الحاكم له غير قويم كرمز المؤلف لحسنه فقط(1/41)
6 - (آخر ما أدرك الناس) من النوس وهو التحرك أو الأنس لأن بعضهم يأنس ببعض. قال ابن الكمال: والإدراك إحاطة الشيء بكماله " والناس " بالرفع في جميع الطرق كما في الفتح قال ويجوز نصبه أي مما بلغ الناس (من كلام النبوة الأولى) أي مما اتفق عليه الأنبياء لأنه جاء في زمن النبوة الأولى وهي عهد آدم واستمر إلى شرعنا إلى آخر ما وجدوا مأمورا به في زمن النبوة الأولى إلى أن أدركناه في شرعنا ولم ينسخ في ملة من الملل بل ما من نبي إلا وقد ندب إليه وحث عليه ولم يبدل فيما بدل من شرائعهم ففائدة إضافة الكلام إلى النبوة الأولى الإشعار بأن ذلك من نتائج الوحي ثم تطابقت عليه العقول وتلقته جميع الأمم بالقبول. ذكره جمع. وقال القاضي: معناه أن مما بقي فأدركوه من كلام الأنبياء المتقدمين أن الحياء هو المانع من اقتراف القبائح والاشتغال بمنهيات الشرع ومستهجنات العقل وذلك أمر قد علم صوابه وظهر فضله واتفقت الشرائع والعقول على حسنه وما هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل وقيد النبوة الأولى إيذانا باتفاق كلمة الأنبياء على استحسانه من أولهم إلى آخرهم (إذا لم تستح) أيها الإنسان وهو بمثناة تحتية واحدة آخره (فاصنع ما شئت) أمر بمعنى الخبر أي إذا لم تخش من العار عملت ما شئت لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع وسيكافئك الله على فعلك ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه عليك. وهذا توبيخ شديد فإن من لم يعظم ربه ليس من الإيمان في شيء أو هو للتهديد من قبيل: " اعملوا ما شئتم " أي اصنع ما شئت فسوف ترى غيه كأنه يقول إذ قد أبيت لزوم الحياء فأنت أهل لأن يقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ويتبين لك فساد حالك أو هو على حقيقته ومعناه إذا كنت في أمورك آمنا من الحياء في فعلها لكونها على القانون الشرعي الذي لا يستحي منه أهله فاصنع ما شئت ولا عليك من متكبر يلومك ولا من متصلف يستعيبك فإن ما أباحه الشرع لا حياء في فعله. وعلى هذا الحديث مدار الإسلام من حيث إن الفعل إما أن يستحيا منه وهو الحرام والمكروه وخلاف الأولى واجتنابها مشروع أولا وهو الواجب والمندوب والمباح وفعلها مشروع وكيفما كان أفاد أن الحياء كان مندوبا إليه في الأولين كما أنه محثوث عليه في الآخرين وقد ثبت أنه شعبة من الإيمان أي من حيث كونه باعثا على امتثال المأمور وتجنب المنهي لا من حيث كونه خلقا فإنه غريزة طبيعية لا يحتاج في كونها شعبة منه إلى قصد. قال الطبراني: وقد ذكر النووي أن قانون الشرع في معنى الحياء لا يحتاج إلى اكتساب ونية فينبغي حمل الحديث على هذا المعنى والقانون فيه أنك إذا أردت أمرا أو اكتساب فعل وأنت بين الإقدام والإحجام فيه فانظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه من الله ولا من أنبيائه قديما وحديثا فافعله ولا تبالي من الخلق وإن استحيت منهم وإلا فدعه. فدخل الحديث إذا في جوامع الكلم التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد عده العسكري وغيره من الأمثال وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال:
إذا لم تخش عاقبة الليالي. . . ولم تستحي فاصنع ما تشاء
والحياء انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح منه ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب وكلاهما جبلي ومكتسب لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام فمنهم من جبل على الكثير من الحياء ومنهم من جبل على القليل ومنهم من جبل على الكثير من التصلف ومنهم من جبل على القليل ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب فمن أخذ نفسه بالحياء واستعمله فاز بالحظ الأوفر ومن تركه فعل ما شاء وحرم [ص:44] خيري الدنيا والآخرة
(ابن عساكر في تاريخه) تاريخ الشام (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة (البدري) الأنصاري قال البخاري وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري لكن يشهد له ما رواه البيهقي في الشعب عن أبي مسعود المذكور بلفظ إن آخر ما بقي من النبوة الأولى والباقي سواء بل رواه البخاري عن ابن مسعود بلفظ إن مما أدرك الناس إلى آخر ما هنا(1/43)
7 - (آخر ما تكلم به إبراهيم) أعجمي معرب أصله إبراهام على ما نقل عن سيبويه لكن في القاموس إبراهيم وإبراهام وإبراهوم مثله الهاء وإبرهم بفتح الهاء بلا ألف اسم أعجمي. قال ابن الكمال: وعليه لا يكون إبراهيم معربا. وقال المحقق في شرح المختصر: إجماع أهل العربية على منع صرف إبراهيم ونحوه للعلمية والعجمة يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرب فيه يعني القرآن (حين ألقي) بالبناء للمفعول أي ألقاه نمروذ (في النار) التي أعدها له ليحترق وكان عمره ستة عشر سنة على ما في الكشاف وتاريخ ابن عساكر. والإلقاء كما قال الراغب طرح الشيء حيث يلقاه ثم صار في التعارف اسما لكل طرح والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا والنور ضوءها وضوء كل نير والإضاءة الإنارة ذكره الزمخشري (حسبي الله) مبتدأ وخبر أي كافيني وكافلني هو الله من أحسبه الشيء كفاه (ونعم) كلمة مبالغة تجمع المدح كله ذكره الحراني. وقال الراغب: كلمة تستعمل في المدح بإزاء بئس (الوكيل) أي نعم الموكول إليه الله تعالى وذلك لأن الخليل لعلو منصبه وسمو مقامه وشموخ همته لم يشخص أمله لشيء سوى ربه ولم يرض بإسعاف أحد غيره بل قصر نظره عليه وأعرض عن الأسباب والعدد ضاربا عنها صفحا واغتنى بمسببها كافيا وحسيبا فإنه تعالى جعل لكل شيء عدة يدفع بها فللبغي التحرز والتحفظ وللمكر الحزم والتيقظ وللحسد التواضع للحاسد ومداراته وللكائد سد الأبواب التي يجد منها السبيل إليه فرأى هذا النبي الجليل السيد الخليل أن الله أكبر من تلك العدد والأسباب فاغتنى به كافيا وحسيبا فكان له حافظا ورقيبا فشمله بالإسعاد والإسعاف فلم يحترق منه إلا موضع الكتاف وفيه ندب إلى اعتقاد العجز واستشعار الافتقار والاعتصام بحول الله وقوته وأن الحازم لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه ولا يعتضد إلا به وفي الخبر أنه إنما نجي بذلك <فائدة> من كرامة هذه الأمة على ربها أنه أوجد فيها من وقع له كما وقع للخليل من عدم تأثير النار فيه. روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الأسود العنسي لما ادعى النبوة وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب الخولاني - وكان أسلم في عهد المصطفى - فألقاه في النار فلم تضره النار فذكر المصطفى ذلك لأصحابه فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في أمتنا مثل إبراهيم الخليل. ووقع عند ابن الكلبي أنه ذؤيب بن وهب. وقال في سياقه طرحه في النار فوجده حيا
(خط) في ترجمة محمد بن يزداد (عن أبي هريرة) الدوسي (وقال) أي الخطيب حديث (غريب) أي تفرد به حافظ ولم يذكره غيره ورواه عنه أيضا الديلمي هكذا (والمحفوظ) عند المحدثين (عن) أبي العباس عبد الله (ابن عباس) ترجمان القرآن الذي قال فيه علي كرم الله وجهه كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمى حكيم المعضلات ولم يرو عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه وعمي آخر عمره كأبيه وجده (موقوف) عليه غير مرفوع لكن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكمه وهذا الموقوف صحيح فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي رواية له عنه أيضا: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم(1/44)
[ص:45] 8 - (آخر أربعاء) بالمد وكسر الموحدة على الأشهر. قال في المصباح: ولا نظير له في المفردات وإنما يأتي وزنه في الجموع وبعض بني أسد يفتح الباء والضم لغة قليلة انتهى. وبه عرف أن من تعقب النووي والرضي في قولهما أنه مثلث الباء فقد وهم. وسمي أربعاء لأن الرابع واحد من أربعة وهو رابع الأيام من الأحد الذي هو أول الأسبوع على الأرجح أشار إليه الراغب قال: ويسمى في الجاهلية دبار لتشاؤمهم به والدبار الهلاك. قال والألف فيه وفي الثلاثاء بدل من الهاء نحو حسن وحسنة وحسناء فخص اللفظ باليوم (في الشهر) لفظ رواية الخطيب من الشهر والشهر من الشهرة يقال أشهر الشهر إذا طلع هلاله وأشهرنا دخلنا في الشهر سمي به لشهرته وظهوره. قال الراغب الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة وقال الإمام الرازي كالحكماء هو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة بعينها (يوم نحس) بالإضافة على الأجود أي شؤم وبلاء (مستمر) مطرد شؤمه أو دائم الشؤم أو مستحكمه وروي " يوم نحس " بالرفع والتنوين فيهما ومستمر نعت لنحس أو ليوم أو عطف بيان أو بدل. واليوم لغة عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمن وشرعا ما بين طلوع الفجر الثاني والغروب قال محقق: وفاؤه ياء وعينه واو. وقال في البحر: وليس قوله " نحس " على جهة الطيرة وكيف يريد ذلك والأيام كلها لله. وقد جاء في تفضيل بعض الأيام على بعض أخبار كثيرة وهو من الفأل الذي كان يحبه. وأما الطيرة فيكرهها وليست من الدين بل من فعل الجاهلية وقول الكهان والمنجمين فانهم يقولون يوم الأربعاء يوم عطارد وعطارد نحس مع النحوس سعد مع السعود وقولهم خارج عن الدين ويجوز كون ذكر الأربعاء نحس على طريق التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا لله توبة خوفا أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلكم وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة فزع إلى الصلاة حتى إذا نزل المطر سري عنه ويقول ما يؤمنني أن يكون فيها عذاب كما وقع لبعض الأمم السابقة فكان يحذر أمته من مثل ما قال أولئك: {هذا عارض ممطرنا} فأتاهم بخلاف ما ظنوا قال تعالى: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} وكما قال حين أتى الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين " وكما رغب في يوم عاشوراء لما جعل الله فيه من نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون حذر من يوم الأربعاء لما كان فيه انتهى. وقال السهيلي نحوسته على من تشاءم وتطير بأن كان عادته التطير وترك الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تركه وتلك صفة من قل توكله فذلك الذي تضره نحوسته في تصرفه فيه. وقال بعضهم: التطير مكروه كراهة شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء من نحو جائحة أن يدع التصرف فيه لا على جهة الطيرة واعتقاد أنه يضره أو يصيبه فيه فقر أو بؤس بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا ابتغاء التطير ولكن إثباتا للرخصة في التوقي فيه لمن شاء مع وجوب اعتقاد أن شيئا لا يضر شيئا. وقال الحليمي: علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحسا والذي يقابل النحس السعد فإذا ثبت أن بعض الأيام نحس ثبت أن بعضها سعد والأيام في هذا كالأشخاص منها مسعودة ومنها منحوسة ومن الناس شقي وسعيد فإذا أضاف أحد إلى الأيام أو الكواكب أنها تسعد باختيارها أوقاتا أو أشخاصا أو تنحسها فذلك باطل وإن قال: إن الكواكب طبائع وأمزجة مختلفة وتلك تتغير منها باتصال بعضها ببعض وانفصال بعضها عن بعض فطرة فطرها الله تعالى عليها تتأدى بتوسط النيرين إلى الأرض وما فيها فأي شيء منها كان هو المتأدى إلى الأجسام الأرضية كانت الآثار التي تحدث فيها عنه بحسبها فقد يكون منها ما هو سبب للاغتنام ما هو سبب للصحة والسلامة وما هو سبب لحسن الخلق وبذل المعروف والإنصاف والرغبة في الخير وما هو سبب للقبائح والظلم والإقدام على [ص:46] الشر فهذا يكون لكنه بفعل الله وحده انتهى
وأخرج الخطيب في التاريخ في ترجمة ابن مجاشع المدائني أن عليا كرم الله وجهه كره أن يتزوج الرجل أو يسافر في المحاق أو إذا نزل القمر العقرب. قال: والمحاق إذا بقي من الشهر يوم أو يومان وفي الفردوس عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا: " لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء وأحب الأيام إلي الشخوص فيها يوم الخميس ". وبيض ولده لسنده. وأما حمل الحديث على الأربعاء الذي أرسل فيه الريح على عاد بخصوصه فمناف للسياق مع أنه لا يلزم من تعذيب قوم فيه كونه نحسا على غيرهم وحمله على أنه نحس على المفسدين لا المصلحين هلهل بالمرة إذ لا اختصاص للأربعاء به وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عدي وتمام في فوائده عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعا: " يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلاطين ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح ". قال السخاوي: وسنده ضعيف وذكر الزمخشري أن يزيدا قال لأخيه: اخرج معي في حاجة فقال: هو الأربعاء. قال: فيه ولد يونس. قال: لا جرم قد بانت به بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله. قال: وفيه ولد يوسف. قال: فما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته. قال: وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب. قال: أجل ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر. وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظافر يوم الأربعاء وأنه يورث البرص قال في المطامح: وأخبر ثقة من أصحابنا عن ابن الحاج وكان من العلماء المتقين أنه هم بقص أظافره يوم الأربعاء فتذاكر الحديث الوارد في كراهته فتركه ثم رأى أنها سنة حاضرة فقصها فلحقه برص فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه فقال له: ألم تسمع نهيي عن ذلك: فقال: يا رسول الله لم يصح عندي الحديث عنك. قال: يكفيك أن تسمع ثم مسح بيده على بدنه فزال البرص جميعا. قال ابن الحاج: فجددت مع الله سبحانه وتعالى توبة أن لا أخالف ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا. والحاصل أن توقي يوم الأربعاء على جهة الطيرة وطن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تضر ولا تنفع بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور ومن تطير حاقت به نحوسته ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله لم يؤثر فيه شيء من ذلك قال:
تعلم أنه لا طير إلا. . . على متطير وهو الشرور
وفي حديث رواه ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا وخرجه الحاكم من طريقين آخرين: " لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء " وكره بعضهم العيادة يوم الأربعاء. وعليه - قيل: لم يؤت في الأربعاء مريض إلا دفناه في الخميس. وفي منهاج الحليمي وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعد الزوال. وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أن ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم فلذلك كان جمع من الشيوخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه وذلك لأن العلم نور فبدايته يوم خلق النور فيه تناسب معنى على التمام واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان والديلمي عن جابر مرفوعا: " من غرس يوم الأربعاء فقال: سبحان الباعث الوارث أتته بأكلها " قالوا: ولما أرسل ملك الروم كتابه إلى المعتصم يتهدده كتب على ظهر الجواب ما تراه لا ما تسمعه وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار وقام فخرج من فوره في وقته يوم الأربعاء ولم يدخل بيته فمنعه المنجمون وقالوا: الطالع نحس فقال: عليهم لا علينا وسار فيه فأسر ستين ألفا وقتل ستين ألفا وكانت وقعة أعز الله فيها الإسلام وأهله: قال الحافظ ابن حجر: غضب السلطان على الكمال البارزي كاتم السر ثم رضي عنه وخلع عليه يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمان مئة وركب في موكب لم ير مثله فاجتمع فيه خمس أربعات والثمان مئة تشتمل على أربعمائتين انتهى. واعلم أنهم كما كانوا ينفرون من يوم الأربعاء كانوا ينفرون من يوم الأحد. قال الزمخشري: صبح ثمود العذاب يوم الأحد. قال: وفي الأثر نعوذ بالله من يوم الأحد فإن له حدا كحد السيف. وكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد أن يوجه عبد الله بن حازم إلى خراسان لمعونة مسلم بن زياد فقال عبيد الله أخرجوه يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع للأبد فأحس ابن حازم فتعلل حتى لم يخرج إلا حتى زاغت الشمس. وقال: قولوا له ذهب حد الأحد وكما ورد في يوم الأربعاء النحوسة [ص:47] ورد في الثلاثاء أنه مكروه ففي الفردوس من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: " خلق الله الأمراض يوم الثلاثاء. وفيه أنزل إبليس إلى الأرض وفيه خلق الله جهنم وفيه سلط الله ملك الموت على أرواح بني آدم وفيه قتل قابيل هابيل وفيه توفي موسى وهارون وفيه ابتلي أيوب " الحديث بطوله وفي ترجمة العلم للبلقيني عن بعضهم أن من المجرب الذي لم يخطئ قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري يوم الأحد وفعل فيه شيء لم يتم وكذا للسفر وغيره وأن ذلك وقع للناصر فرج وغيره. وقد أخر بعضهم السفر في أول السنة وقال إن سافرت في المحرم فجدير أن أحرم أو في صفر خشيت على يدي أن تصفر فأخره إلى ربيع فسافر فمرض ولم يظفر بطائل فقال ظننته ربيع الرياض فإذا هو ربيع الأمراض وفي المثل السائر: " لا تعادي الأيام فتعاديك " قال:
ومن غالب الأيام فاعلم بأنه. . . سينكص عنها لاهيا غير غالب
<فائدة> وقفت على أبيات بخط الحافظ الدمياطي وقال إنها تعزى لعلي رضي الله تعالى عنه وهي:
فنعم اليوم السبت حقا. . . لصيد إن أردت بلا امتراء. . . وفي الأحد البناء لأن فيه
تبدى الله في خلق السماء. . . وفي الاثنين إن سافرت فيه. . . سترجع بالنجاح وبالثراء
وإن ترد الحجامة في الثلاثا. . . ففي ساعاته هرق الدماء. . . وإن شرب امرئ يوما دواء
فنعم اليوم يوم الأربعاء. . . وفي يوم الخميس قضاء حاج. . . فإن الله يأذن بالقضاء
وفي الجمعات تزويج وعرس. . . ولذات الرجال مع النساء. . . وهذا العلم لا يدريه إلا. . . نبي أو وصي الأنبياء
(وكيع) أي القاضي أبو بكر محمد بن الخلف المعروف بوكيع بفتح الواو وكسر الكاف وعين مهملة (في الغرر) أي في كتاب الغرر من الأخبار (وابن مردويه) أبو بكر أحمد بن موسى (في التفسير) المسند من عدة طرق عن ابن عباس وعن عائشة وعن علي وعن أنس وغيرهم. (خط) في ترجمة ابن الوزير صاحب ديوان المهدي (عن ابن عباس) وفيه سلمة بن الصلت قال أبو حاتم متروك وجزم ابن الجوزي بوضعه وحكاه في الكبير ولم يتعقبه وقال ابن رجب: حديث لا يصح ورواه الطبراني من طريق آخر عن ابن عباس موقوفا. قال السخاوي: وطرقه كلها واهية. وروى الطبراني بسند ضعيف: " يوم الأربعاء يوم نحس مستمر " والحديث المشروح يفيده(1/45)
9 - (آدم) أبو البشر من أديم الأرض أي ظاهر وجهها سمي به لخلقه منه أو من الأدمة وهي السمرة ولا يشكل ببراعة جماله وأن حسن يوسف ثلث حسنه لأن سمرته بين البياض والحمرة قيل اشتقاقه يؤيد أنه عربي ومنع بأن توافق اللغتين غير ممتنع وبأنه لا دلالة على أن الاشتقاق من خواص كلام العرب ورد بأن الأصل عدم التوافق واطراد الاشتقاق وهو وإن صح تكلمه بكل لسان لكن الغالب بالسرياني كما تدل عليه أسامي أولاده (في السماء الدنيا) أي القريبة بروحه وزعم أنه بجسمه يأتي رده والسماء اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد ويشمل سائر الأجسام العلوية والمراد هنا هذه المظلة وهي كما قال الحراني وجمع: أشرف من الأرض (قال صاحب الكشف: الأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لأن الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها اه) من جهة العلو الذي لا يرام والجوهر البالغ في الأحكام والزينة البديعة النظام المنبثة عن المصالح الجسام وكثرة المنافع والأعلام (تعرض عليه أعمال) جمع عمل. قال الحراني: " هو فعل بني على علم أو زعم (ذريته) أي نسله فعيلة من الذر بمعنى التفريق أو فعولة أو فعيلة من الذرء بمعنى الخلق ولا مانع من عرض المعاني وإن كانت أعراضا لأنها في عالم الملكوت متشكلة بأشكال تخصها بحيث ترى وتنطق وإنما تمتنع رؤيتها في هذا العالم فلا ضرورة لتأويل الأعمال بصحفها ومعنى العرض أنه يراهم بمواضعهم لكنه يرى السعداء من الجانب الأيمن وغيرهم من الجانب الأيسر فالتقييد للنظر لا للمنظور فلا يلزم من رؤيته لأرواح [ص:48] الكفار وهو في السماء أن تفتح لهم أبوابها ولا لأرواح المؤمنين وفيهم الأحياء أن تنزع من أجسادها وتصعد ثم تعاد للأبدان. ومن فوائد العرض الشفاعة فيمن أذن له ولكونه أول الأنبياء كان في أول السماوات وفي رواية: " إذا نظر إلى جهة يمينه ضحك وإذا نظر إلى جهة شماله بكى " (ويوسف في السماء الثانية) قال في الكشاف: اسم عبراني. وقيل: عربي وليس بصحيح لأنه لو كان عربيا لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف انتهى. قال ابن الكمال: ومن اللطائف الاتفاقية أن الأسف لغة الحزن والأسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما في يوسف (وابنا الخالة يحيى) اسم أعجمي على الأظهر في الكشاف أو عربي ومنع صرفه للعلمية والوزن
قال الحراني: سمي بصفة الدوام مع أنه قتل إشعارا بوفاء حقيقة الروحانية الحياتية دائما لا يطرقه طارق موت الظاهر حيث قتل شهيدا (وعيسى) اسم معرب أصله بالعبرية يسوع وهو غير مشتق وزعم أنه من العيس وهو بياض يخالطه صفرة منع بأن الاشتقاق العربي لا يدخل المعجم عند الأكثر وفيه ما مر. قال ابن السكيت: ويقال ابنا خالة لا ابنا عمة وابنا عم لا ابنا خال لأن ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوما بخلاف ابنا العمة. واعلم أنه قد يشكل جعل عيسى ويحيى ابني خالة بأن امرأة عمران وهي حنة جدة عيسى إنما هي أخت إيشاع أم يحيى. وأجيب بأن الأخت كثيرا ما تطلق على بنت الأخت فبهذا الاعتبار جعلهما ابني خالة وقيل كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولا أم حنة فولدت له أيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب في شرعهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب لأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من أمها (في السماء الثالثة وإدريس في السماء الرابعة) اسم أعجمي غير مشتق ولا منصرف وزعم أنه سمي به لكثرة دراسته أبطله في الكشاف بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فمنع صرفه دليل العجمة واسمه خنوخ أو اخنوخ كما في القاموس وغيره (وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة) غير منصرف للعجمة والعلمية وموسى بالعبري ماء وشجر سمي به لأنه وجد بين ماء وشجر لما ألقته أمه فيه فهو اسم اقتضاه حاله وقيل هو من ماس إذا تبختر في مشيته ولا منافاة بين هذا وبين خبر أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره فقد يكون رآه في مسيره قائما ثم عرج به كالمصطفى فرآه ثم وسرعة الانتقال لهؤلاء كلمح البصر بل هو أقرب وسيجيء لهذا مزيد تنبيه. ولا بينه وبين خبر الشيخين أنه رأى يحيى وعيسى في الثانية لاحتمال الانتقال وأما الجواب بالتعدد فرد بتوقفه على توقيف
(وإبراهيم في السماء السابعة) زاد في رواية: مسندا ظهره إلى البيت المعمور. وذكر في رواية أنه رآهم كذلك في السماء وفي أخرى أنه لقيهم فيها كذلك. وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر واللقاء لما ذكروه أن من رأى نبيا في النوم فإن رؤياه تؤذن بما يشبه حال النبي المرئي من شدة أو رخاء أو غيرهما فأول من لقي آدم الذي أخرجه عدوه إبليس من الجنة وذلك شبيه بأول أحوال المصطفى حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجواره والجامع المشقة وكراهة فراق الوطن ثم رجوعه لما منه خرج ثم يوسف في الثانية المؤذن بحالة ثانية تشبه حالة يوسف لأن يوسف ظفر بإخوته لعد ما أخرجوه فصفح عنهم والمصطفى ظفر يوم بدر بأقاربه كالعباس وعقيل فعفا عنهم ثم يحيى وعيسى في الثالثة وهما الممتحنان باليهود فصار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى حالة ثالثة كحالهما في الامتحان باليهود فكذبوه وآذوه وظاهروا عليه بعد سكنه بالمدينة ثم سموه بالشاه فلم تزل تلك الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره ثم إدريس في الرابعة وهو المكان الذي سماه الله عليا وهو أول من خط بالعلم فكان مؤذنا بحالة رابعة لنبينا من علو الشأن ورفعة المكان حتى كتب بالقلم إلى الملوك بما أخافهم وأزعجهم فهذا مقام علي وخط بالقلم كنحو ما أوتي إدريس وهارون في الخامسة وهو المحبب في قومه فآذن بحب قريش وقاطبة [ص:49] العرب له بعد بغضهم وموسى في السادسة لأن حاله يشبه حاله حين أمر بغزو الشام فظهر على الجبابرة التي فيها وإبراهيم في السابعة إشارة إلى دخوله مكة في السابعة من الهجرة وأن آخر أحوال نبينا حجه إلى البيت وإبراهيم هو الداعي إلى الحج والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة ذكره السهيلي وغيره
وقال ابن أبي جمرة: حكمة رؤية آدم في السماء الدنيا أنه أول الأنبياء وأول الآباء فكان الأول في الأولى لتأنيس البنوة بالأبوة ويوسف في الثانية لأن هذه الأمة تدخل الجنة على صورته ويحيى وعيسى في الثالثة لأنهما أقرب الأنبياء عهدا به وإدريس في الرابعة لقوله تعالى: {ورفعناه مكانا عليا} والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه وموسى أرفع منه لكونه الكليم وإبراهيم في السابعة لأن منزلة الخليل أرفع المنازل. وقال القونوي: العالم السفلي مرآة للآثار والقوى والخواص المودعة في العالم العلوي وكذا العالم العلوي على اختلاف طبقاته مرآة تتعين في كل طبقة منه نتائج القوى والآثار السلفية التي تركبت منه وانعجنت في نشأة أهل هذا العالم ثم انفصلت وعادت إليه بصورة غير صورتها الأولى سيما نتائج الصفات والأفعال والتوجهات الصادرة من الإنسان الذي هو نسخة الكل ومرآة تنطبع فيها قوى كل عالم وآثار كل فلك وتوجه كل ملك وتتفاوت نسبته إلى كل فلك وعالم بحسب غلبة ما نعجن من القوى والخواص فيه من ذلك الفلك في أول تكوينه في أثناء توجهه وترقياته بعلمه وعمله وأخلاقه واستعداداته المستفادة بواسطة نشأته وبحسب حظه من الاعتدال الخصيص بالكمل وإلى ذلك أشار المصطفى بقوله: " آدم في السماء الدنيا " الذي هو ملك القمر ويوسف في الثانية إلى آخره فهو إخبار عن صور مناسباتهم بذلك الفلك وتعريف مراتب مظاهرهم الناتجة من أعمالهم وأخلاقهم وصفاتهم المكتسبة مما انعجن فيهم من قوى الأفلاك وتوجهات الأملاك وحصلت الغلبة لبعض تلك القوى والآثار على بعض في كل منهم حال اجتماعهما فيه وحيازة نشأته لها وإلا فمن البين أن الأرواح غير متحيزة فكيف يوصف سكانها في السماوات
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر واسمه خدرة الأنصاري (الخدري) بضم الخاء المعجمة نسبة إلى خدرة المذكور. وزعم بعضهم أن خدرة أم الأبجر استصغر يوم أحد وغزا مع المصطفى غزوة بايعه على أن لا تأخذه في الله لومة لائم وإسناده ضعيف لكن المتن صحيح فإنه قطعة من حديث الإسراء الذي خرجه الشيخان عن أنس لكن فيه خلف في الترتيب(1/47)
10 - (آفة الظرف الصلف) أي عاهة براعة اللسان وذكاء الجنان التيه والتكبر على الأقران والتمدح بما ليس في الإنسان إذ الآفة بالمد العاهة أو عرض يفسد ما يصيبه أو نقص أو خلل يلحق الشيء فيفسده والكل متقارب والظرف كفلس الكيس والبراعة والذكاء. قال الزمخشري: ومنه قول عمر إذا كان اللص ظريفا لم يقطع أي كيسا يدرأ الحد باحتجاجه. قال بعضهم: والمراد هنا الاتصاف بالحسن والأدب والفصاحة والفهم. وقال الراغب: الظرف بالفتح اسم لحالة نجمع عامة الفضائل النفسية والبدنية والخارجية تشبيها بالظرف الذي هو الوعاء ولكونه واقعا على ذلك قيل لمن حصل له علم وشجاعة ظريف ولمن حسن لباسه ورياشه وأثاثه ظريف فالظرف أعم من الحرية والكرم انتهى. والصلف محركا مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا ذكره الخليل وتفسير ابن العربي الظرف هنا بالفعل لا يلائم السياق (وآفة الشجاعة) بشين معجمة (البغي) أي وعاهة شدة القلب عند البأس تجاوز الحد وطلب الإنسان ما ليس له. والشجاعة: قوة القلب والاستهانة بالحرب. وقال الراغب: إن اعتبرت في النفس فصرامة القلب على الأهوال وربط الجأش وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة وهي فضيلة بين التهور والجبن ومن ثم عرفت بأنها ملكة متوسطة بين الجبن والتهور ويتفرع عنها علو الهمة والصبر والنجدة والبغي: طلب التطاول بالظلم والإفساد من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد ذكره الزمخشري: وقال الراغب: البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه وإلا فتارة تعتبر في القدر الذي هو الكمية وتارة في الوصف الذي هو الكيفية ويكون [ص:50] محمودا وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع ومذموما وهو تجاوز الحق إلى الباطل وهو أكثر استعمالاته ومنه هنا
(وآفة السماحة) بفتح السين المهملة وخفة الميم (المن) أي وعاهة الجود والكرم تعديد النعمة على المنعم عليه والسماحة المساهلة والجود والاتساع فيه يقال عليك بالحق فإن في الحق مسمحا أي متسعا ومندوحة عن الباطل ذكره الزمخشري. والمن الإنعام أو تزيين الفعل وإظهار المعروف وهو منا مذموم ومن الله محمود لأن غيره لا يملك المعطى والعطاء وليس في عطائه شرف بل إهانة والله مالك للكل وعطاؤه تشريف فمنه تشريف وهداية للشكر الجالب للمزيد ومن غيره تكدير وتعيير تنكسر منه الخواطر وتحبط العطايا وإن كانت خواطر. قال بعضهم: والتحقيق أنها لما لم تمش من غيره تعالى واعتادت أنفس الكرام النفرة عنها لا يفعلها وإن حسنت منه للتحرز عن المنفر انتهى. ويرده أنه تعالى من صريحا في مواضع من كتابه فإنكاره مكابرة. قال ابن عربي: والمن هنا من أمراض النفس التي يجب التداوي منها ودواؤه أنه لا يرى أنه أوصل إليه إلا ما هو له في علم الله وأنه أمانة عنده كانت بيده لم يعرف صاحبها فلما أخرجها بالعطاء لمن عين له عرفا فشكر الله على أدائها فمن استحضر ذلك عند الإعطاء نفعه انتهى. وأما من المصطفى على الأنصار في قصة الحديبية فليس من ذلك فإنه من بالهداية إلى الإسلام فهو راجع إلى الله والمصطفى مبلغ وواسطة بدليل قوله لهم في المنة ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟
(وآفة الجمال الخيلاء) أي وعاهة حسن الصور أو المعاني العجب والكبر ومن ثم كره نكاح ذات الجمال البارع لما ينشأ عنه من شدة التيه والإدلال والعجب والتحكم في المقال وقد قيل من بسطه الإدلال قبضه الإذلال. قال الراغب: والجمال الحسن الكثير واعتبر فيه معنى الكثرة ولا بد والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للمرء في نفسه. وقال الراغب: أن يظن بنفسه ما ليس فيها من قولهم خلت الشيء ظننته ولقصور هذا المعنى قال حكيم: إعجاب المرء بنفسه أن يظن بها ما ليس فيها مع ضعف قوة فيظهر فرحه بها والزهو الاستخفاف من الفرح بنفسه (وآفة العبادة الفترة) بفتح فسكون أي وعاهة الطاعة التواني والتكاسل بعد كمال النشاط والاجتهاد فيها. والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد أي مذلل بالأقدام وثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة ولذلك لا يستعمل إلا في الخضوع لله فمن وفق لألف العبادة ولزومها فليحذر من فترة الإخلال بها فان طرقته فترة فليفزع إلى ربه في دفعها
(وآفة الحديث) أي ما يتحدث به وينقل. قال الراغب: كل كلام الإنسان يقال له حديث. والفترة كما قال الزمخشري: السكون بعد الحدة واللين بعد الشدة ومن المجاز فتر البرد وكان الماء حارا ففترته وفتر العامل من عمله قصر فيه وفتر السحاب إذا تحير لا يسير (الكذب) أي الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه فمن أدخل حديثه الكذب عرضه للإعراض عنه وعطل النفع به وهو حرام لتعليقه تعالى استحقاق العذاب به حيث رتب عليه في قوله تعالى {لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} لكن قد يعرض ما يصيره مباحا بل واجبا إن ترتب على عدمه لحوق ضرر بمحترم. فقول القاضي كالزمخشري: هو حرام كله أي أصله ذلك وخروجه عن الحرمة إنما هو العارض كقول الفقهاء العارية سنة مع أنها قد تجب لدفع مؤذ أو ستر وقول النبي: " إنما البيع عن تراض " مع أنه قد يجب لنحو مضطر وكم له من نظير وبه يعرف سقوط اعتراض المؤلف عليهما (وآفة العلم النسيان) أي وعاهة العلم أن يهمله العالم حتى يذهب عن ذهنه ومن ثم قال الحكماء: لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيما ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيما وأعظم آفات العلم النسيان الحادث عن غفلة التقصير وأعمال التواني فعلى من ابتلى به أن يستدرك تقصيره بكثرة الدرس ويوقظ غفلته بإدامة النظر فقد قالوا لن يدرك العلم من لا يطيل درسه ويكد نفسه وكثرة الدرس كدود لا يصبر عليه إلا من يرى العلم مغنما والجهالة مغرما فيحتمل تعب الدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وعلى قدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وربما استثقل المتعلم الدرس والحفظ اعتمادا واتكل بعد فهم المعاني على الرجوع إلى الكتب ومطالعتها عند الحاجة [ص:51] فما هو إلا كمن أطلق ما صاده ثقة بالقدرة عليه بعد الامتناع منه فلا تعقبه الثقة إلا خجلا والتفريط إلا ندما وكان الزهري يسمع على مشايخه إلى الليل ثم يأتي جاريته فيوقظها فيقول لها حدثني فلان بكذا وفلان بكذا فتقول: ومالي ولهذا؟ فيقول: إنك لا تنتفعي لكني سمعت الآن فأردت أن أستذكره. وكان ابن رجاء يأتي صبيان الكتاب فيجمع الغلمان فيحدثهم لئلا ينسى. قال النخعي: من سره أن يحفظ العلم فليحدث حتى يسمعه ولو ممن لا يشتهيه فإذا فعل كان كالكتاب في صدره ولا ينافي ذلك الحديث الآتي إن إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله لأن محله إذا كان لغير مصلحة كالتذكر هنا. والنسيان ذهول ينتهي إلى زوال المدرك من القوة المدركة والحافظة وحيث يحتاج في حصوله إلى سبب جديد والسهو ذهول عن المدركة بحيث لا ينتهي إلى زواله منها بل ينتبه له بأدنى تنبيه. والتذكر استعادة ما أثبته القلب مما تنحى عنه بنسيان أو غفلة
(وآفة الحلم) بكسر المهملة فسكون اللام (السفه) بالتحريك أي وعاهة الأناة والتثبت وعدم العجلة الخفة والطيش والحلم ملكة ورزانة في البدن توجب الصبر على الأذى يورثها وفور العقل. والسفه خفة في البدن أو في المعاني يقتضيها نقصان العقل. وقال الحراني: هو خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والرزانة. وقال الراغب: التسرع إلى القول القبيح والفعل القبيح (وآفة الحسب) بفتح المهملتين (الفخر) بفتح فسكون وتحرك أي وعاهة الشرف بالآباء إدعاء العظم والتمدح بالخصال. قيل لبعض الحكماء: ما الذي لا يحسن وإن كان حقا؟ قال: مدح الرجل نفسه وإن كان محقا. قال الزمخشري: الحسب ما يعده الشخص من مآثره ومآثر آبائه ومنه قولهم من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه. والفخر كما في المصباح: المباهاة بالمكارم والمناقب. وقال الراغب: المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان وذلك نهاية الحمق فمن نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله عرف أن أعراض الدنيا عارية مستردة لا يأمن في كل ساعة أن يسترجع. قال بعض الحكماء لمفتخر: إن افتخرت بفرسك فالحسن له دونك أو بثيابك ومتاعك فالجمال لهما دونك أو بآبائك فالفخر فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت هذه محاسننا فأين محاسنك
(وآفة الجود) بضم الجيم (السرف) بالتحريك أي وعاهة السخاء التبذير والإنفاق في غير طاعة وتجاوز المقاصد الشرعية. والجود إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة. والسرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي. ذكره جمع. وقال الماوردي: الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق. والتبذير تجاوز في موضع الحق فهو جهل بمواقعها وكلاهما مذموم والثاني أدخل في الذم إذ المسرف مخطئ بالزيادة والمبذر مخطئ بالكل ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها فهو كمن جهلها بفعاله. وقال الراغب: التبذير التفريق أصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع ماله فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. ثم القصد بهذه الجملة الحث على تجنب هذه الأخلاق والتنفير عنها والتحذير منها وأنه ما من خلق كريم إلا وله آفة تنشأ من طمع لئيم فنبه على أن الإنسان يكون بالمرصاد لدفع ما يرد عليه من هذه الآفات " تنبيه " قد ذكر الحكماء آفات من هذا الجنس فقالوا: آفة العلم الملل وآفة العمل رؤية النفس وآفة العقل الحذر وآفة العارف الظهور من غير وارد من جهة الحق وآفة المحبة الشهوة وآفة التواضع الذلة وآفة الصبر الشكوى وآفة التسليم التفريط في جنب الله وآفة الغنى الطمع وآفة العز البطر وآفة البطالة فقد الدنيا والآخرة وآفة الكشف التكليم به وآفة الصحبة المنازعة وآفة الجهل الجدل وآفة الطالب التسلل دون الإقدام على المكاره وآفة الفتح الالتفات للعمل وآفة الفقير الكشف وآفة السالك الوهم وآفة الدنيا الطلب وآفة الآخرة الإعراض وطلب الأعواض وآفة الكرامات الميل إليها وآفة العدل الانتقام وآفة التعبد الوسوسة وآفة الاطلاق الخروج عن المراسم وآفة الوجود رؤية الكمال. وذكروا آفات أخر وفي هذا الكفاية
(هب) وكذا ابن لال في المكارم وزاد: " وآفة الدين الهوى " (وضعفه) قال السخاوي: وفيه مع ضعفه انقطاع (عن) باب مدينة العلم ربان سفينة الفهم سيد الحنفاء زين الخلفاء ذي القلب العقول [ص:52] واللسان والسؤال بشهادة الرسول أمير المؤمنين (علي) بن أبي طالب القائل فيه المصطفى: " من كنت مولاه فعلي مولاه " والقائل هو لو شئت لأوقرت لكم من تفسير سورة الفاتحة سبعين وقرا. والقائل: أنا عبد الله وأخو رسوله والصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب. قتل بالكوفة شهيدا وعمر كالنبي وصاحبيه. ثم إن اقتصار المؤلف على عزو تضعيفه للبيهقي يؤذن بأنه غير موضوع وقد رواه الطبراني بتقديم وتأخير عازيا لعلي أيضا وتعقبه الهيتمي بأن فيه أبا رجاء الحبطي وهو كذاب وبما تقرر عرف خطأ من زعم كبعض شراح الشهاب أنه حسن(1/49)
11 - (آفة) أهل (الدين) أو المرا الدين نفسه لأن شؤم كل منهم يعود على الشريعة بالوهن (ثلاثة) من الرجال أحدهم (فقيه) أي عالم (فاجر) أي مائل عن الحق هاتك ستر الديانة. والفجور هو الانبعاث في المعاصي. وفي المغرب: الفجر الشق ومنه الفجور والفسوق والعصيان لأن الفاجر ينفتح له طريق المعصية ويتسع فيها. وفي غيره أصل الفجر الشق ومنه: {وفجرنا خلالهما نهرا} والفجور شق ستر الديانة (و) الثاني (إمام) أي سلطان سمي به لأنه يتقدم على غيره والمراد هنا حاكم (جائر) أي ظالم والإمام من يؤتم أي يقتدى به والجمع إمام أيضا. قال المولى حسن الرومي: فعلم أن ما ذكره القاضي كالزمخشري في: {واجعلنا للمتقين إماما} تمحل لا ضرورة إليه وكثيرا ما يجتمع على أئمة (و) الثالث (مجتهد) أي عابد مجد في العبادة (جاهل) بأحكام الدين. قال الحراني: والجهل التقدم في الأمور المبهمة بغير علم والمراد هنا عدم العلم بالواجب عليه من الشرائع الظاهرة والتنكير للتحقير. وخص هؤلاء لعظم الضرر بهم إذ بهم تزل الأقدام فالعالم يقتدى به والإمام تعتقد العامة وجوب طاعته حتى في غير طاعة والمتعبد يعظم الاعتقاد فيه. وقدم الفقيه لأن ضرره أعظم إذ بتساهله وتهوره تنقلب الأحكام وتضل الأنام ويعود الوهن على الإسلام. قال علي كرم الله وجهه كفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه. وقال بعضهم: خير المواهب العقل وشر المصائب الجهل
(فر) من حديث نهشل عن الضحاك (عن) عبد الله (ابن عباس) ورواه عنه أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي ونهشل. قال الذهبي في الضعفاء. قال ابن راهويه كان كاذبا والضحاك لم يلق ابن عباس ومن ثم قال المؤلف في درر البحار سنده واه اه(1/52)
12 - (آفة العلم النسيان) قال التوربشتي: النسيان ترك ضبط ما استودع إما لضعف قلبه أو عن غفلة أو قصد. قال الماوردي: النسيان نوعان أحدهما ينشأ عن ضعف القوة المتخيلة عن حفظ ما يغفل عنه الذهن ومن هذا حاله قل على الأضداد احتجاجه وكثر إلى الكتب احتياجه وليس لمن بلي به إلا الصبر أو الإقلال لأنه على القليل أقدر وبالصبر أحرى وأن ينال ويظفر. وقال الحكماء: اتعب قدميك فكم تعب قدمك. وقالوا: إذا اشتد الكلف هانت الكلف والثاني يحدث عن غفلة التقصير وإعمال التواني فينبغي لمن ابتلي به استدراك تقصيره بكثرة الدرس وإيقاظ غفلته بإدامة النظر ومن ثم قيل أكمل الراحة ما كان عن كد التعب وأعز العلم ما كان عن ذل الطلب (وإضاعته) أي إهماله وإتلافه وإهلاكه (أن تحدث به غير أهله) ممن لا يفهمه أو لا يعمل به فتحديثك له به إهمال له أي جعلته بحيث صار مهملا أو إتلاف وإهلاك لعدم معرفته بما تحدثه به أو لعدم الانتفاع به وكذا من هو لاه أو متغافل أو مستخف به وهذا على الثاني استعارة بالكناية. وأخرج البيهقي عن وهب أن ذا القرنين لما بلغ مطلع الشمس قال له ملكها صف لي الناس قال: محادثتك من لا يعقل كلامك بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور وكمن يطبخ الحديد يلتمس أدمة. قال لقمان نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم. وأخرج البيهقي عن كثير الحضرمي لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ولا بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ولا تمنع العلم أهله فيأثم ولا تحدث به غير أهله فيحمقك إن عليك في علمك حقا كما أن عليك في مالك حقا
(ش) وكذا ابن عبد البر في كتاب العلم (عن) أبي محمد سليمان بن مهران [ص:53] (الأعمش) الكوفي الكاهلي تابعي ثقة جليل رأى بعض الصحابة ولم يثبت له منهم سماع وكان أكثر أهل عصره حديثا وأعلمهم بالفرائض وكان يسمى بالمصحف لصدقه (مرفوعا) إلى النبي (معضلا) وهو ما سقط من إسناده اثنان على التوالي وهو بفتح الضاد من أعضله أعياه فهو معضل فكأن المحدث الذي حدث به أعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه (وأخرج) ابن أبي شيبة (صدره فقط) وهو: " آفة العلم النسيان " (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (ابن مسعود موقوفا) أي مقصورا عليه فلم يتجاوز به إلى النبي وظاهر اقتصار المؤلف على عزوه لابن أبي شيبة من طريقه أنه لا يعرف لغيره وإلا لذكره تقوية له لكونه معلولا والأمر بخلافه فقد رواه بتمامه من هذا الوجه الدارمي في مسنده والعسكري في الأمثال عن الأعمش معضلا ورواه عنه ابن عدي من عدة طرق بلفظ: " آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به من ليس له بأهل " ورواه من طريق عن قيس بن الربيع بلفظ: " وإضاعته أن تضعه عند غير أهله " وروى صدره عن ابن مسعود أيضا موقوفا البيهقي في المدخل قال الحافظ العراقي ورواه بطين في مسنده من حديث علي بلفظ: " آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء ورواه ابن عدي عن علي مرفوعا بلفظ: " آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان " فكان ينبغي للمؤلف الإكثار من مخرجيه إشارة إلى تقويته(1/52)
13 - (آكل) بكسر الكاف اسم فاعل وزعم أنه بسكونها وهم (الربا) أي متناوله بأي وجه كان وعبر عنه بالأكل مجازا. قال الزمخشري: من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه أي أطعمه الناس وأكلت أطفالي الحجارة انتهى. وبه يستغنى عن قولهم عبر بالأكل لأنه يأخذه ليأكله أو لأنه المقصد الأعظم من المال وهو بكسر الراء والقصر وألفه بدل من واو ويكتب بها وبياء وينسب إليه فيقال ربوي بالكسر. قال المطرزي: وفتح الراء خطأ. وهو لغة الزيادة وشرعا عقد على عوض معلوم مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما. وفي شرح المصابيح للقاضي: الربا في الأصل الزيادة ثم نقل إلى ما يؤخذ زائدا علي ما بذل في المعاملات وإلى العقد المشتمل عليه والمراد به ههنا القدر الزائد أي الذي تحقق وجوده من العقد المشتمل عليه وبهذا التأويل يردان معا ولكونه منهيا عنه لما فيه من أكل المال بالباطل على وجه مخصوص مع العلم والتعمد بعد ما أنزل الله فيه جازي آكله بلغته تنفيرا عنه وعليه يحمل خبر " لعن الله الربا وآكله " إذ اللعنة وإن كانت فيه واقعة على العقد باعتبار اشتماله على الزيادة لكن المراد العاقد لتحقق وقوع اللعنة على من تلبس بمحرم بتلبسه به إذ الربا معنى والمعاني لا تلعن حقيقة وإن عبر بها عن فاعل ذلك مجازا لكونها سببا انتهى. وهو كبيرة إجماعا ولم يحل في شريعة قط ولم يؤذن الله عاصيا بالحرب غير آكله. قال الحراني: يقع الإيثار فيه قهرا وذلك الجور الذي يقابله العدل الذي غايته الفضل فأجور الجور في الأموال الربا كالذي يقتل بقتيل قتيلين وبهذا اشتد الجور بين العبيد الذين حظهم التساوي في أمر بلغة الدنيا انتهى. وبه استبان أن تحريمه معقول المعنى خلافا لبعض الأعاجم لا تعبدي محض وزعم أن ما ذكر إنما يصلح حكمة لا علة ممنوع ولما كان تحريمه فيما بين العبد والرب كان فيه الوعيد بالإيذان بالحرب من الله ورسوله ولذلك حمى جميع ذرائعه أشد الحماية وأشدهم في ذلك عالم المدينة حتى إنه حمى من صورته مع الثقة بسلامة الباطن منه وعمل بضد ذلك في محرمات ما بين العبد ونفسه وكل من طفف في ميزان فتطفيفه ربا بوجه ما فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه (وموكله) مطعمه
قال الخطيب: سوى بينهما في الوعيد لاشتراكهما في الفعل وتعاونهما عليه وإن كان أحدهما مغتبطا والآخر مهتضما ولله سبحانه وتعالى حدود فلا تتجاور عند الوجود والعدم والعسر واليسر فضرورة الموكل لا تبيح له أن يوكله الربا لإمكان إزالتها بوجه من وجوه المعاملة والمبايعة فإن فرض تعذره فعليه أن يتجوز عن صريح الربا بضرب من ضروب الحيل المعروفة انتهى. وحينئذ يظهر أنه لا كراهة فيها عند القائل [ص:54] بأنها تنزيهية كالشافعية ولا حرمة عند غيرهم لأن الضرورات تبيح المحظورات (وكاتبه) الذي يكتب الوثيقة بين المترابين (وشاهداه) أي اللذان يتحملان الشهادة عليهما وإن لم يؤديا كما قاله بعض شراح مسلم وفي معناهما من حضر وأقره. قال: وإنما سوى بينهم في اللعن لأن العقد لا يتم إلا بالمجموع ولم يذكر في نسخ: " وشاهداه " وهي رواية النسائي وعليها فالمراد بالكاتب ما يشمل الشاهد لأنه شاهد وزيادة (إذا علموا ذلك) أي علم كل منهم أنه ربا وأن الربا حرام وهذا الشرط معتبر فيمن بعد هؤلاء أيضا. وإنما لم يؤخره لأنه إذا اشترط العلم في الربا مع اشتهار ذمة وإطباق الملل على تحريمه ففي غيره أولى ولو أخره ربما توهم عود الشرط لما وليه فقط وأطنب بتعدد المذكورين وتفصيلهم ليستوعب مزاولته مزاولة ما بأي وجه كان. ذكره الطيبي. قال: وهذا تصريح بتحريم الكتابة للمترابين والشهادة عليهما وتحريم الإعانة على الباطل (والواشمة) التي تغرز الجلد بنحو إبرة وتذر عليه نحو نيلة ليخضر أو يزرق وتأنيثه على إرادة التسمية فيشمل الرجل أو خص الأنثى لأنها الفاعلة لذلك غالبا لا لإخراج غيرها (والموشومة) المفعول بها ذلك (للحسن) أي لأجل التحسين ولو لحليل ولا مفهوم له لأن الوشم قبيح شرعا مطلقا لأنه تغيير لخلق الله وتجب إزالته حيث لم يخف مبيح تيمم (ولاوى) بكسر الواو (الصدقة) أي المماطل بدفع الزكاة بعد التمكن وحضور المستحق أو الذي لا يدفعها إلا بإكراه يقال لوى مدينه مطله ورجل لوى عسر يلتوي على خصمه (والمرتد) حال كونه (أعرابيا) بفتح وبياء النسبة إلى الجمع (بعد الهجرة) أي والعائد إلى البادية ليقيم مع الأعراب بعد ما هاجر مسلما والمراد أنه هاجر إذا وقع سهمه في الفيء ولزمه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع بعد هجرته أعرابيا كما كان وكان من رجع بعد هجرته بلا عذر يعد كالمرتد لوجوب الإقامة مع النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته وورد في خبر أنه كبيرة
قال القاضي والحكمة في الهجرة أن يتمكن المؤمن من الطاعة بلا مانع ولا وازع ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة والأفعال الشنيعة فهي في الحقيقة التحرز عن ذلك والمهاجر الحقيقي من يتحاشى عنها والأعرابي ساكن البادية والأعراب أهل البدو والأصح نسبتهم إلى عربة بفتحتين وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل نشأ بها كذا في المغرب. وفي المصباح: واحد الأعراب أعرابي بالفتح وهو من يكون ذو نجعة وارتياد للكلأ. زاد الأزهري هبه من الأعراب أو مواليهم (ملعونون) مطرودون عن مواطن الأبرار لما اجترحوه من ارتكاب هذا الفعل الشنيع الذي هو من كبار الآصار لأن اللعن إبعاد في المعنى والمكانة والمكان إلى أن يصير الملعون بمنزلة السفل في أسفل القامة يلاقى به ضرر الوطء ذكره الحراني. وأصل اللعن من الله تعالى إبعاد العبد من رحمته بسخطه ومن الآدمي الدعاء عليه بالسخط واللعن بالوصف جائز حتى لطائفة من عصاة المؤمنين كما هنا لكن ليس المراد به في حقهم الطرد عن رحمة الله بالكلية بل الإهانة والخذلان. ولهذا قال النووي: اتفق العلماء على تحريم اللعن فإن معناه الإبعاد عن الرحمة ولا يجوز أن يبعد منها من لا تعرف خاتمة أمره معرفة قطعية مسلما أو كافرا إلا من علم بنص أنه مات أو يموت كافرا كأبي جهل وإبليس. قال: وأما اللعن بالوصف كآكل الربا وموكله والفاسقين وغيرهم مما جاءت النصوص بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان فجائز. وفي شرح الهداية: اللعن نوعان:
أحدهما الطرد عن رحمة الله وهذا ليس إلا للكافرين والثاني الإبعاد عن درجات الأبرار ومقام الأخيار وهو المراد في هذه الأخبار. والحاصل أن الطرد والإبعاد على مراتب في حق العباد وأن اللعن بالشخص بمعنى اليأس من الرحمة لا يجوز حتى لكافر إلا من علم بالنص أنه مات أو يموت كافرا ولا حجة للمجوز في خبر: " إذا دعى الرجل زوجته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة " لأنه كما قيل يحتمل كونه من خصائص المعصوم لأن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل لأن ذلك ليس من لعن المعين إذ التعيين إنما يحصل باسم أو إشارة ولعن الملائكة ليس من ذلك بل من اللعن بالوصف كأن يقول: اللهم العن من باتت هاجرة فراش زوجها (على لسان محمد) صلى الله عليه وسلم أي لعنا واردا على لسانه مما أوحى الله إليه أو بقوله (يوم [ص:55] القيامة) أي يقول في الموقف إن الله أمرنا بإبعاد من اتصف بهذه الكبائر ومات مصرا عليها عن مواطن الأبرار ودرجات الأخيار ثم بعد ذلك قد يدركهم العفو بشفاعة أو دونها وقد يعذبون ومصير من مات مسلما إلى الجنة وإن فعل ما فعل وزاد في رواية (صلى الله عليه وسلم) وهي من الراوي لا من لفظ الرسول: وفيه أن هذه المذكورات من الكبائر ومن صرح بأن التعرب بعد الهجرة من الكبائر العلائي. وليوم القيامة أسماء كثيرة جمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو ثمانين وهذا الترتيب مقصود فأعظم هؤلاء السبعة إثما آكل
الربا لأنه مغتبط ثم مطعمه لأنه مضطر لذلك غالبا ثم كاتبه لأن إثمه إنما هو لإعانته على باطل ثم الشهود إقرارهما عليه
(ن) في السير وغيرها وكذا أحمد والبيهقي (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (ابن مسعود) وفيه الحارث الأعور. قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد ولأبي يعلى والطبراني. وفيه الحارث الأعور ضعيف وقد وثق وعزاه المنذري لابن خزيمة وابن حبان وأحمد. ثم قال: رووه كلهم عن الحارث الأعور عن ابن مسعود إلا ابن خزيمة فعن مسروق عن ابن مسعود وإسناد ابن خزيمة صحيح انتهى. فأهمل المصنف الطريق الصحيح وذكر الضعيف ورمز لصحته فانعكس عليه. والحاصل أنه روي بإستادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف فالمتن صحيح(1/53)
14 - (آكل) بالمد وضم الكاف قال الزمخشري وحقيقة الأكل تناول الطعام. وقال الكرماني: بلع الطعام بعد مضغه (كما يأكل العبد) أي في القعود له وهيئة التناول والرضا بما حضر تواضعا لله تعالى وأدبا معه فلا أتمكن عند جلوسي له ولا أتكئ كما يفعله أهل الرفاهية ولا أنبسط فيه فالمراد بالعبد هنا الإنسان المتذلل المتواضع لربه (وأجلس) في حالة الأكل وغيرها (كما يجلس العبد) لا كما يجلس الملك فإن التخلق بأخلاق العبودية أشرف الأوصاف البشرية. وقد شارك نبينا في ذلك التشريف بعض الأنبياء واختصاصه إنما هو بالعبد المطلق فإنه لم يسم غيره إلا بالعبد المقيد باسمه: {واذكر عبدنا داود} وعبدنا أيوب فكمال العبودية لم يتهيأ لأحد من العالمين سواه وكمالها في الحرية عما سوى الله بالكلية. وقال الحراني: ومقصود الحديث الاغتباط بالرق والعياذ من العتق فذلك هو أول الاختصاص ومبدأ الاصطفاء والتحقق بالعبودية ثمرة ما قبله وأساس ما بعده وهذا أورده على منهج التربية لأمته فانه المربي الأكبر فإخباره عن نفسه بذلك في ضمن الإرشاد إلى مثل ذلك الفعل وأما في حد ذاته فيخالف الناس في العبادة والعادة تمكن للأكل أم لا أما في عبادته فلأنه يعبد ربه على مرأى منه ومسمع وأما في عادته فإنه سالك مسلك المراقبة فلو وقع لغيره في العبادات ما يقع له في العادات كان ذلك الإنسان سالكا مقام الإحسان وفيه أنه يكره الجلوس للأكل متكئا
(ابن سعد) في الطبقات (ع حب) وكذا الحاكم في تاريخه (عن) أم المؤمنين (عائشة) بالهمز قال الزركشي: وعوام المحدثين يقرؤنه بياء صريحة وهو لحن وهي الصديقة بنت الصديق المبرأة من كل عيب الفقيهة العالمة العاملة حبيبة المصطفى قالت: قال لي يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب أتاني ملك إلى حجرة الكعبة. فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت كنت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا فأشار إلى جبريل: أن ضع نفسك فقلت: نبيا عبدا فكان بعد لا يأكل متكئا ويقول: " آكل كما يأكل العبد " إلى آخره. ورواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير مرسلا وزاد " فإنما أنا عبد " ورواه هناد عن عمرو بن مرة وزاد: " فوا الذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا كأسا " ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه(1/55)
15 - (آل محمد كل تقي) أي من قرابته كما بينه الحليمي لقيام الأدلة على أن آله من حرمت عليهم الصدقة أو المراد آله بالنسبة لمقام نحو الدعاء ورجحه النووي رحمه الله في شرح مسلم فالإضافة للإختصاص أي هم مختصون به اختصاص أهل الرجل به وعليه فيدخل أهل البيت دخولا أوليا كذا حرره بعض المتأخرين أخذا من قول الراغب: آل النبي صلى الله عليه وسلم أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب مختص بالعلم [ص:56] المتقن والعمل النافع المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد ولا يقال آله وكل آل النبي أمته ولا عكس. وقيل لجعفر الصادق: الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي. قال: صدقوا وكذبوا. قيل: كيف؟ قال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله والمتقي من يقي نفسه عما يضره في العقبى أو من سلك سبيل المصطفى ونبذ الدنيا وراء القفا وكلف نفسه الإخلاص والوفا واجتنب الحرام والجفا ولو لم يكن له فضل إلا قوله تقدس: {هدى للمتقين} لكفى لأنه تعالى بين في غير موضع أن القرآن هدى للناس وقال {هدى للمتقين} فكأنه قال: المتقون هم الناس وغير المتقي ليس من الناس. وقال الحراني: المتقي المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير غني بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته. والتقوى تجنب القبيح خوفا من الله وهي أصل كل عبادة ووصية الله لأهل الكتب بأسرها
(طس) وكذا في الصغير وكذا ابن لال وتمام والعقيلي والحاكم في تاريخه والبيهقي (عن أنس) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد؟ فذكره. قال الهيتمي: وفيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف جدا. وقال البيهقي: هو حديث لا يحل الاحتجاج به. وقال ابن حجر: رواه الطبراني عن أنس وسنده واه جدا وأخرجه البيهقي عن جابر من قوله وإسناده واه ضعيف. وقال السخاوي: أسانيده كلها ضعيفة(1/55)
16 - (آل القرآن) أي حفظته العاملون به (آل الله) أي أولياؤه. وأضيفوا إلى القرآن لشدة اعتنائهم به وأضيفوا إلى الله تشريفا. قال ابن عربي آل القرآن هم الذين يقرؤن حروفه من عجم وعرب ويعلمون معانيه وليس الخصوصية من حيث القرآن بل من حيث العلم بمعانيه فإن انضاف إلى حفظه والعلم بمعانيه العمل به فنور على نور. قال في الفائق: وأصل آل أهل ويختص على الأشهر بالإشراف كما هنا فلا يقال آل الخياط. وقال الراغب الآل مقلوب أهل وتصغيره أهيل لكنه خص بالإضافة إلى إعلام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة
(خط في) كتاب (رواه) الإمام (مالك) بن أنس من رواية محمد بن بزيع عن مالك عن الزهري (عن أنس) ابن مالك ثم قال مخرجه الخطيب وبزيع مجهول وفي الميزان خبر باطل وأقره عليه المؤلف في الأصل وقال غيره موضوع(1/56)
17 - (آمروا) بالمد وميم مخففة مكسورة هكذا الرواية فمن شدد الميم لم يصب وإن صح معناه (النساء) اسم لجماعة إناث الأناسي الواحدة امرأة من غير لفظ الجمع (في بناتهن) أي شاوروهن في تزويجهن لأنه أدعى للألفة وأطيب للنفس. إذ البنات للأمهات أميل وقد يكون عند أمها رأي صدر عن علم بباطن حالها أو بالزوج. قال البيهقي: قال الشافعي: لم يختلف الناس أنه ليس للأمهات أمر لكنه على معنى استطابة النفس. وقال ابن العربي: هذا غير لازم إجماعا وإنما هو مستحب والمراد هنا الأم والجدات من جهة الأب ومن جهة الأم فإنها وإن استؤذنت قد تأذن حياء. قال في الكشاف: والائتمار والتشاور يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كلا منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر. وقال الراغب: الائتمار قبول الأمر ويقال للتشاور ائتمارا لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به والأمر طلب الفعل من الدون وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور تسمية المفعول به بالمصدر قال الزمخشري وهذا وما قبله خطاب مشافهة وهو كما قال القاضي وغيره شامل للموجودين وقت الخطاب ومن سيوجد إلى قيام الساعة إلا ما خص بدليل
(د) في النكاح (هق) فيه كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفي رواية إسماعيل بن أمية عن [ص:57] الثقة عن ابن عمر في شأنهن بدل بناتهن ورمز المؤلف لحسنه(1/56)
18 - (آمروا) بضبط ما قبله (النساء) أي البالغات (في أنفسهن) جمع نفس من النفاسة ونفس الشيء ذاته وحقيقته ويقال للروح لأن أنفس الحي به وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقه وللدم لأن به قوامها وللماء لشدة حاجتها له وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه ذكره الزمخشري والمراد هنا الأول يعني شاوروهن في تزويجهن (فإن الثيب) فعيل من ثاب رجع لمعاودتها التزوج غالبا أو لأن الخطاب يثاوبونها أي يراسلونها ويعاودونها. قال الزمخشري: ويقال للرجل والمرأة ثيب وفي الصحاح رجل ثيب وامرأة ثيب. قال ابن السكيت: وهو الذي دخل بامرأته وهي التي دخل بها (تعرب) تبين وتوضح (عن نفسها) من أعربت عنه وعربته بالتنقيل بينته وأوضحته. قال في المصباح: يروى في المهموز ومن المثقل. وقال الزمخشري: أعربت عن حاجته تكلم بها واحتج لها (وإذن البكر) أي العذراء. قال في الصحاح: الذكر والأنثى فيه سواء. وفي المصباح: البكر خلاف الثيب رجلا أو إمرأة. قال القاضي: وتركيب البكر للأولية ومنه البكرة والباكورة. وقال الراغب: البكرة أول النهار وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل بكر وسمى التي تفتض بكرا اعتبارا بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء (صمتها) أي سكوتها والأصل وصماتها كإذنها فشبه الصمات بالإذن شرعا ثم جعل إذنا مجازا ثم قدم مبالغة والمعنى هو كاف في الإذن وهذا كقوله " ذكاة الجنين ذكاة أمه " إذ أصله ذكاة أم الجنين ذكاة. وإنما قلنا أصله صماتها كإذنها لأنه لا يخبر عن الشيء إلا بما يصح كونه وصفا له حقيقة أو مجازا فلا يصح أن يكون إذنها مبتدأ لعدم صحة وصف الإذن بالسكوت لأنه يكون نفيا له فيصير المعنى إذنها مثل سكوتها وقبل الشرع كان سكوتها غير كاف فكذا إذنها فينعكس المعنى ذكره في المصباح وأفاد الخبر أن الولي لا يزوج موليته إلا بإذنها لكن الثيب يشترط نطقها والبكر يكفي سكوتها لما قام بها من شدة الحياء. وهذا عند الشافعي في غير المجبر أما هو فيزوج البكر بغير إذن مطلقا. وقال الأئمة الثلاثة: عقد الولي بغير إذن موقوف على إجازتها. والثيب عند الشافعي من وطئت في قبلها مطلقا وغيرها بكر فالثيب بغير وطء بكر عنده وعند أبي حنيفة وكذا بزنا ظاهر عندهما وطرده الشافعي في الخفي وجعل سبب الإجبار البكارة لا الصغر وعكس أبو حنيفة ومحل التفصيل كتب الفروع
(طب هق) وكذا الحاكم في تاريخه (عن العرس) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها مهملة (ابن عميرة) بفتح العين بضبط المؤلف كغيره الكندي روى عن ابن أخيه عدي وزهدم قيل مات في فتنة ابن الزبير ورمز المؤلف لحسنه وقضيته أنه لا يبلغ درجة الصحة وليس كذلك فقد قال الحافظ الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات هكذا جزم به(1/57)
19 - (آمن) بالمد وفتح الميم (شعر أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت تصغير أمة عبد الله (بن أبي الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام ومثناة فوق وهو ربيعة بن وهب بن عوف ثقفي من شعراء الجاهلية مبرهن غواص على المعاني معتن بالحقائق متعبد في الجاهلية يلبس المسوح ويطمع في النبوة ويؤمن بالبعث وهو أول من كتب باسمك اللهم. وزعم الكلاباذي أنه كان يهوديا ويقال إنه دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد وأحوال القيامة والزهد والرقائق والحكم والمواعظ والأمثال. قال الزمخشري: كان داهية من دواهي ثقيف وثقيف دهاة العرب ومن دهائه ما هم به من ادعاء النبوة وكان جلابة للعلوم جوالا في البلاد (وكفر قلبه) أي اعتقد ما ينافي شعره المشحون بالإيمان والحكمة والتذكير بآلاء الله وأيامه فلم ينفعه ما تلفظ به مع جحود قلبه. روى مسلم عن عمرو بن الشريد قال: " ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل معك من شعر أمية؟ قلت: نعم فأنشدته مئة بيت فقال: لقد كاد أن يسلم في شعره " وروى ابن مردويه بإسناد قال ابن حجر قوي عن ابن عمر وفي قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} قال: نزلت في أمية بن أبي الصلت. وقال غيره في بلعام وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثا من قتل بها من الكفار ومات أيام حصار الطائف كافرا ومن نظمه: [ص:58]
مليك على عرش السماء مهيمن. . . لعزته تعثو الوجوه وتسجد
ومنه قصيدة أخرى
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
ومنه أيضا
مجدوا الله فهو للمجد أهل. . . ربنا في السماء أمسى كبيرا
ومنه من أخرى
يا رب لا تجعلني كافرا أبدا. . . واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا
قال ابن حجر: فلذلك قال: آمن شعره. ومن نظمه أيضا يمدح ابن جدعان يطلب نائلة:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني؟ . . . حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما. . . كفاه من تعرضك الثناء
كريم لا يغيره صباح. . . عن الخلق الجميل ولا مساء
يباري الريح مكرمة وجودا. . . إذا ما الضب أجحره الشتاء
وأخرج ابن عساكر وأبو حذيفة في المبتدأ عن أبي إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها وكانت ذات لب وكمال: هل تحفظين من شعر أخيك شيئا؟ قالت: نعم وأعجب ما رأيته كان أخي في سفر فلما انصرف دخل علي فرقد على السرير وأنا أحلق أديما في يدي إذ أقبل طائران أو كالطائرين فوقع على الكوة أحدهما ودخل الأخر فوقع عليه فشق ما بين ناصيته إلى عانته ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه فقال له الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى ثم رده مكانه فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين ثم ذهب فنبهته فقال: مالي أراك مرتاعة؟ فأخبرته فقال: خير ثم أنشأ يقول:
باتت همومي تسري طوارقها. . . أكفكف عيني والدمع سابقها. . . مما أتاني من اليقين ولم
أوت برأة يقص ناطقها. . . أو من تلظى عليه واقدة االنا. . . ر محيط بهم سرادقها
أم أسكن الجنة التي وعد الأب. . . رار مصفوفة نمارقها. . . لا يستوي المنزلان ثم ولا ال
أعمال لا تستوي طرائقها. . . هما فريقان فرقة تدخل الجن. . . ة حفت بهم حدائقها
وفرقة منهم قد أدخلت النا. . . ر فساءت بهم مرافقها. . . تعاهدت هذه القلوب إذا
همت بخير عاقت عوائقها. . . إن لم تمت غبطة تمت هرما. . . للموت كأس والمرء ذائقها
وصدها الشقاء عن طلب الجن. . . ة دنيا الله ما حقها. . . عبد دعا نفسه فعاتبها
يعلم أن المصير رامقها. . . ما رغبة النفس في الحياة وإن. . . تحيا قليلا فالموت لاحقها
يوشك من فر من منيته. . . يوما على غرة يوافقها
قالت: ثم انصرف إلى رحله فلم يلبث إلا قليلا حتى طعن في خاصرته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها. وأخرج الدينوري في المجالسة عن محمد بن إسماعيل بن طريح الثقفي عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعت ابن أبي الصلت عند وفاته وأغمي عليه قليلا ثم أفاق فرفع رأسه إلى سقف البيت فقال: لبيكما لبيكما. . . ها أنا ذا لديكما. . . لا عشيرتي تحميني ولا مالي يفديني ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال:
كل عيش وإن تطاول دهرا. . . صائرا أمره إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي. . . في رؤس الجبال أرعى الوعولا
ثم فاضت نفسه. وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قال أمية:
ألا رسول لنا منا يخبرنا. . . ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
ثم خرج إلى البحرين فأقام مدة ثم قدم الطائف فقال: ما محمد؟ قالوا يزعم أنه نبي. فقدم عليه فقال: يا ابن عبد المطلب [ص:59] أريد أن أكلمك فموعدك غدا فأتاه في نفر من أصحابه وأمية في جماعة من قريش فجلسوا في ظل البيت فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر ثم قال: أجبني فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم} حتى إذا فرغ منها وثب أمية فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية قال: أشهد أنه على الحق. قالوا: فهل نتبعه؟ قال: حتى أنظر. ثم خرج إلى الشام وقدم رسول الله المدينة فلما قتل أهل بدر أقبل أمية حتى نزل بدرا ثم ترحل يريد رسول الله فقيل له: ما تريد قال: محمدا قيل: وما تصنع به؟ قال: أومن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر قال: تدري من في القليب؟ قال: لا قال: فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خلف فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها فرجع إلى مكة وترك الإسلام فقدم الطائف على أخته فنام عندها فإذا طائران فذكر نحو قصة أخته عنه وأنه مات عقب ذلك <تنبيه> هذا الحديث قد يعارضه الحديث الآتي: " عند الله علم أمية بن أبي الصلت " وقد يقال قال ذلك أولا ثم أوحي إليه بعد ذلك بأنه مات كافرا. وأراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد سمي قلبا للتقلب والتقليب وللطيف معناه في ذلك كان أكثر قسم النبي بمقلب القلوب. قال الغزالي: وحيث ورد في القرآن أو السنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن لكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب. والشعر النظم الموزون وحده ما تركب تركيبا متقاصدا وكان مقفى موزونا مقصودا به ذلك فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسماه ولا يسمى قائله شاعرا لأخذه من شعرت إذا فطنت وعلمت وسمي شاعرا لفطنته وعلمه فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به ذكره في المصباح (أبو بكر) محمد بن القاسم (بن) محمد بن بشار (الأنباري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة نسبة إلى بلدة قديمة على الفرات على عشرة فراسخ من بغداد وكان علامة في النحو واللغة والأدب قال (في) كتاب (المصاحف) حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن حمزة البلخي حدثنا محمد بن عمرو الشيباني عن أبي عمرو الشيباني عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عن النبي في أمية بن أبي الصلت؟ آمن شعره وكفر قلبه؟ فقال هو حق فما أنكرتم منه ذلك قلت قوله في الشمس: إلا معذبة وإلا تجلد من قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلة. . . حمراء يصبح لونها يتورد
تأنى فما تطلع لنا في رسلها. . . إلا معذبة وإلا تجلد
فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك فتشعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها
(خط وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) بإسناد ضعيف. ورواه عنه أيضا الفاكهي وابن منده وسببه أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعر أمية فذكره(1/57)
20 - (آمين) صوت سمي به الفعل الذي هو استجب مبني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين يمد ويقصر وأصله القصر ومد ليرتفع الصوت بالدعاء ذكره ابن خالويه وزعم ابن داستويه أن القصر غير معروف وإنما قصر الشاعر في قوله:
تباعد عنا فطحل إذ سألته. . . أمين فزاد الله ما بيننا بعد
للضرورة. قال ابن الكمال: وهو وهم إذ لا ضرورة فإنه لو قدم الفاء
وقيل:. . . فآمين زاد الله ما بيننا بعدا. . . اندفعت الضرورة وتشديد ميمه لحن وربما فعله العامة وأما {ولا آمين البيت الحرام} فمعناه قاصدين (خاتم) بفتح التاء وكسرها وفيه عشر لغات ذكر منها خمسة ابن مالك في بيت واحد (رب العالمين) أي هو خاتم دعاء رب العالمين بمعنى أنه يمنع الدعاء من فساد الخيبة والرد كما أن الطابع على الكتاب يمنع فساد ظهور ما فيه على الغير ذكره التفتازاني. وفي خبر أبي داود أن المصطفى [ص:60] صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو فقال: " أوجب إن ختم بآمين " والرب مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وصف به الفاعل مبالغة وصف بالعدل وقيل صفة مشبهة سمي به المالك لكونه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كرب الدار. ثم إن ربوبيته تعالى بمعنى الخالقية والمالكية والمعبودية عامة وبمعنى التربية والإصلاح خاصة تتفاوت بسبب أنواع الموجودات فهو مربي الأجساد بأنواع نعته ومربي الأرواح بأصناف كرمه ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة ومربي قلوب العارفين بآداب الطريقة ومربي أسرار الأبرار بأنواع الحقيقة. والعالمين جمع عالم وهو من كلام أهل اللسان اسم لنوع من المخلوقين فيه علامة يمتاز بها عن خلافه من الأنواع كملك وإنس وجن وهو جمع لا واحد له من لفظه. قال الشريف: ويطلق على كل جنس لا فرد فهو للقدر المشترك بين الأجناس (على لسان عباده المؤمنين) أي هو طابع الله على نطق ألسنة عباده لأن العاهات والبلايا تندفع به إذ الختم الطبع أي الأثر الحاصل عن نفس ويتجوز به عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه نظرا إلى ما يحصل بالختم على الكتب والأبواب من المنع فالختم جار مجرى الكتابة عن حفظه وإضافة المؤمنين إليه للتشريف. وذكر ابن المنير عن الضحاك أن آمين أربعة أحرف مقتطعة من أسماء الله تعالى وهو خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة وأهل النار وهي الجائزة التي تجيز أهل الجنة والنار وخرج بالمؤمنين الكافرون فختمهم إياه بآمين لا يمنعه من الخيبة والحرمان بل ذهب جمع إلى عدم استجابته تمسكا بظاهر قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} لكن الجمهور على خلافه
(عد طب في) كتاب (الدعاء) وكذا الديلمي وابن مردويه (عن أبي هريرة) وفيه مؤمل الثقفي أورده الذهبي في الضعفاء عن أبي أمية ابن يعلى الثقفي لا شيء. ومن ثم قال المؤلف في حاشية الشفاء: إسناده ضعيف ولم يرمز له هنا بشيء(1/59)
21 - (آية الكرسي) أي الآية التي ذكر فيها الكرسي فلذكره فيها سميت به وضم كافه أشهر من كسرها (ربع القرآن) لاشتماله على التوحيد والنبوات وأحكام الدارين وآية الكرسي ذكر فيها التوحيد فهي ربعه بهذا الاعتبار والقول بأن المراد أن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ربعه بغير تضعيف أو به متعقب بالرد ويأتي في حديث أنها سيدة آي القرآن أي باعتبار آخر والآية في الأصل العلامة الظاهرة قال:
توهمت آيات لها فعرفتها. . . لستة أعوام وذا العام سابع
وتقال للمصنوعات من حيث دلالتها على الصانع تعالى وعلمه وقدرته ولكل طائفة من كلمات القرآن المميزة عن غيرها بفصل. سميت به لأنها علامة اقتطاع كلام عن كلام وتستعمل في المحسوس كعلامة الطريق والمعقول كالحكم الواضح ويقال لكل جملة دلت على حكم من الأحكام آية ولكل كلام منفصل بفصل لفظي آية وللمعجزة آية لدلالتها على صدق من ظهرت بسببه والقرآن لغة الجمع نقل إلى المجموع المتواتر المفتتح بالفاتحة المختتم بالمعوذتين ويطلق على القدر المشترك بينه وبين بعض أجزائه وعلى الكلام النفسي القائم بأنه الأقدس المدلول عليه بالألفاظ
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان بمهملة فمثناة تحتية مشددة وكذا الطبراني (في) كتاب (الثواب) أي ثواب الأعمال والديلمي (عن أنس) وفيه ابن أبي فديك عن سلمة ابن وردان وسلمة أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقد حسنه المؤلف ولعله لاعتضاده(1/60)
22 - (آية ما بيننا) لفظ رواية الحاكم بإسقاط ما وتنوين آية أي علامة التمييز بيننا أيها المؤمنون (وبين المنافقين) الذين أمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم والمنافق أصله من يظهر ما يبطن خلافه لكنه غلب على من يظهر الإسلام ويبطن الكفر (أنهم لا يتضلعون) لا يكثرون (من) شرب (ماء) بئر (زمزم) حتى تتمدد جنوبهم وضلوعهم [ص:61] كراهة له بعد ما علموا ندب الشارع إلى شربه والإكثار منه. والرغبة في الاستكثار منه عنوان الغرام وكمال الشوق فإن الطباع تحن إلى مناهل الأحبة ومواطن أهل المودة وزمزم منهل المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومحل تنزل الرحمات وفيض البركات فالمتعطش إليها والممتلئ منها قد أقام شعار المحبة وأحسن العهد إلى الأحبة فلذلك جعل التضلع منها علامة فارقة بين النفاق والإيمان. ولله در القائل:
وما شغفي بالماء إلا تذكرا. . . لماء به أهل الحبيب نزول
ثم إن ما أوهمه ظاهر اللفظ من أن من لم يشرب منها مع تمكنه يكون منافقا وإن صدق بقلبه غير مراد بل خرج ذلك مخرج الترغيب فيه والزجر والتنفير عن الزهادة فيه على أن العلامة تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم ما هي له والبين البعد. وقال الحراني: حد فاصل في حس أو معنى. والنفاق اسم إسلامي لا تعرفه العرب بالمعنى المقرر. والتضلع الإكثار والامتلاء شبعا وريا وزمزم معروفة سميت به لكثرة مائها أو لضم هاجر لمائها حين انفجرت أو لزمزمة جبريل أي تكلمه عند فجره لها أو لأنها زمت بالتراب لئلا تأخذ يمينا أو شمالا أو لغير ذلك ولها أسماء كثيرة وماؤها أشرف مياه الدنيا والكوثر أشرف مياه الآخرة
(تخ هـ ك) من حديث إسماعيل بن زكريا عن عثمان ابن الأسود عن ابن (عباس) قال عثمان: جاء رجل إلى ابن عباس. قال: من أين جئت؟ قال: من مكة. قال: شربت من ماء زمزم؟ قال: شربت. قال: شربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف؟ قال: إذا أردت أن تشرب منها فاستقبل البيت واذكر اسم الله واشرب وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره. ثم قال الحاكم إن كان عثمان سمع من ابن عباس فهو على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال: والله ما لحقه. مات عام خمسين ومئة وأكبر مشيخته ابن جبير. وقال ابن حجر حديث حسن انتهى. ورواه الطبراني عن الحبر باللفظ المزبور. قال الهيتمي بإسنادين رجال أحدهما ثقات انتهى. والحاصل أن بعض أسانيده رجاله ثقات لكن فيه انقطاع(1/60)
23 - (آية العز) أي القوة والشدة والصلابة فمنة {فعززنا بثالث} أو الأنفة ومنه {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة} أو الغلبة والمنعة ومنه {بل الذين كفروا في عزة} أي ممانعة {أيبتغون عندهم العزة} أي المنعة والمراد هنا من العلامات الدالة على قوة إيمان الإنسان وشدته في دين الله ملازمته لتلاوة هذه الآية مع الإذعان لمدلولها وأنه بذلك يصير قويا شديدا وقيل المراد أن هذه الآية تسمى أية العز لتضمن قوله فيها {ولم يكن له ولي من الذل} لذلك أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر لأنه العزيز المعز {وقل الحمد لله} أي الوصف بالجميل لله (الآية) كما ذكره في هذا الكتاب والظاهر أنه من تصرفه فأتى بلفظ الآية اختصارا أو اتكالا على حفظ الناس لها فإن الآية بكمالها ثابتة في الحديث كما يحيط به من سبر الروايات ووقف على الأصول ويشهد لكونه إنما حمله على حذفها رعاية الإيجاز أنه أتى بها في جامعه الكبير ولم يذكر لفظ الآية. " فقال وآية العز وقل الحمد لله " (الذي) قال الحراني اسم مبهم مدلوله ذات موصوفة بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة (لم يتخذ ولدا) أي لم يسم أحد له ولدا وأما التولد فمما لا يتصوره عقل ومعنى الحمد لله لعدم الولد احمدوه حيث برئ من الأولاد فتكون منافعه كلها للعباد (ولم يكن له شريك) أي مشارك (في الملك) أي الألوهية وهذا كالرد على اليهود والمشركين (ولم يكن له ولي) ناصر يواليه (من) أجل (الذل) أي المذلة ليدفعها بمناصرته ومعاونته فلم يحالف أحدا ولا ابتغى نصرة أحد لأن من احتاج إلى نصرة غيره فقد ذل له وهو الغالب القاهر فوق عباده وهذا رد على النصارى والمجوس القائلين لولا أولياء الله لذل فنفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا أو اضطرارا أو ما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك ولهذا عطف عليه قوله (وكبره) أي عظمه عن كل ما لا يليق به (تكبيرا) تعظيما تاما عارفا أو اعرف وصفه بأنه أكبر من أن يكون له ولد أو شريك أو ولي من الذل. وفيه تنبيه على أن [ص:62] العبد وإن بالغ في التزيه والتحميد واجتهد في العبادة والتمجيد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه تعالى في ذلك ولعظمة هذه الآية ختمت بها التوراة كما رواه ابن جرير وغيره عن كعب قال المؤلف وتسن قراءتها عند النوم وتعليمها للأهل والعيال لأثر فيه
(حم طب عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة فمعجمة (ابن أنس) الجهني صحابي سكن مصر روى عنه ابنه سهل أحاديث كثيرة. قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف: وقال الهيتمي: رواه أحمد والطبراني من طريقين في أحدهما رشدين بن سعد وهو ضعيف وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه وقد رمز المؤلف لحسنه(1/61)
24 - (آية) وفي رواية الطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر " آيات " وهي مبينة لكون المراد الجنس (الإيمان) كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره (حب) بضم المهملة (الأنصار) أي علامات كمال إيمان الإنسان أو نفس إيمانه حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم وحرموا أموالهم حبا له وروما لرضاه كما يعرف مما يجيء وقوله " آية " بهمزة ممدودة ومثناة تحتية مفتوحة وتاء تأنيث " والإيمان " مجرور بالإضافة. قال ابن حجر: هذا هو المعتمد في جميع الروايات وقول الكعبري بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء والإيمان بالرفع تصحيف فاحش والمحبة لغة ميل القلب إلى الشيء لتصور كماله فيه لكن ليس المراد بالميل هنا ما يستلذه بحواسه كحسن الصورة بل الميل لما يستلذه بعقله إما لإحسانه كجلب نفع ودفع ضر أو لذاته كمحبة الفضل والكمال. ومن ثم قال القاضي المراد بالحب هنا العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الداء بطبعه فينفر عنه ويميل له بعقله واللام للعهد أي أنصار الرسول سماهم أنصارا أخذا من قوله تعالى {والذين آووا ونصروا} فصار علما بالغلبة وهم وإن كانوا ألوفا لكن استعمل فيهم جمع القلة لأن اللام للعموم والتفرقة إنما هي في النكرات (وآية النفاق) بالمعنى الخاص (بغض الأنصار) صرح به مع فهمه مما قبله لاقتضاء المقام التأكيد ولم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان وباطنه الكفر فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي فلم يقل آية الكفر لكونه غير كافرا ظاهرا وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى لما امتازوا به من الفضائل المارة فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض فوجب التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم وأبرز ذلك في هذين التركيبين للحصر لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان فجعل ذلك آية الإيمان والنفاق على منهج القصر الادعائي حتى كأنه لا علامة للإيمان إلا حبهم وليس حبهم إلا علامته ولا علامة للنفاق إلا بغضهم وليس بغضهم إلا علامته تنويها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركا لهم في الفضل كل بقسطه ثم إنه لا دلالة في الخبر على أن من لم يحبهم غير مؤمن إذ العلامة - ويعبر عنها بالخاصة - تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم من هي له أو المراد الإيمان الكامل أو يحمل البغض على التقييد بالجهة فبغضهم من جهة كونهم أنصار المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يجامعه التصديق فيكون من أبغضهم منافقا حقيقيا أو اللفظ خرج مخرج الزجر والتحذير كما يشهد له ما مر من مقابلة الإيمان بالنفاق دون ضده إرشادا إلى أن المخاطب بالترغيب والترهيب مظهر الإيمان لا الكفر لارتكابه أقبح من ذلك. وقول ابن المنير المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لأن ذلك إنما يكون للدين وأما من أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فغير داخل في ذلك تعقبه المؤلف <تنبيه> قال الذهبي: أبناء الأنصار ليسوا من الأنصار كما أن أبناء المهاجرين ليسوا من المهاجرين ولا أولاد الأنبياء بأنبياء ويوضحه حديث " اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء الأنصار " قال: وبغض الأنصار من الكبائر
(حم ق) في الإيمان (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك(1/62)
[ص:63] 25 - (آية المنافق) أي علامته (ثلاث) من الخصال أخبر عن آية بثلاث باعتبار إرادة الجنس أي كل واحد منها أو لأن مجموع الثلاث هو الآية. قال ابن حجر: ويرجح الأول رواية أبي عوانة بلفظ علامات المنافق ثلاث الأولى (إذا حدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع (و) الثانية (إذا وعد) أحدا بخير في المستقبل (أخلف) أي جعل الوعد خلافا بأن لا يفي به لكن لو كان عازما على الوفاء فعرض مانع فلا إثم عليه كما يجيء في خبر أما الشر فيندب إخلافه بل قد يجب ما لم يترتب على ترك إخلافه مفسدة (و) الثالثة (إذا ائتمن) بصيغة المجهول أي جعل أمينا وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واوا وإبدال تاء والإدغام (خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه قال:
فإن تفق الأنام وأنت منهم. . . فإن المسك بعض دم الغزال
وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدنا وخلقا كما يؤذن به حذف المفعول من حدث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شيء كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموما حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره بل يستر فيقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا. قال الكرماني وتبعه ابن حجر. وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي (حكى) أن رجلا من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق. فقال له عطاء: إذا رجعت إليه فقل له: عطاء يقرئك السلام ويقول لك: ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين؟ ففعل فسر الحسن وقال: جزاه الله خيرا. وقال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم. حدثوا به العلماء فما كان صوابا فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه علي. ثم إنه لا منافاة بين قوله: " ثلاث " وقوله في خبر يجيء: " أربع " بزيادة: " إذا عاهد غدر " فرب شيء واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئا وقد تكون العلامة واحدا وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال " إذا عاهد غدر " في " إذا ائتمن خان "
(ق) وكذا أحمد (ت ن) كلهم في باب الإيمان (عن أبي هريرة) زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات(1/63)
26 - (آية) بالتنوين (بيننا وبين المنافقين) نفاقا عمليا وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة (شهود) أي حضور أي ترك حضور جماعة (العشاء) بكسر العين والمد لغة أول الظلام سميت به الصلاة لفعلها حينئذ (والصبح) بضم الصاد لغة أول النهار سميت به الصلاة [ص:64] لمثل ما ذكر ثم وجه ذلك بقوله (لا يستطيعونهما) أي فإنما نحن نستطيع فعلهما بنشاط وانبساط فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة وأما هم فثقيلتان عليهم فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط كما يوضحه حديث الشيخين: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح " وذلك لأن العشاء وقت استراحة والصبح وقت لذة النوم صيفا وشدة البرد شتاء وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم ومن ثم كانت قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ولم يبال بما يلقى من مؤنته. ومن أحب شيئا حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة. ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل؟ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي؟ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكد طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق. وأفاد قوله في حديث الشيخين: " أثقل " أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين قال تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} وأن بعضها أثقل من بعض. واعلم أن المنافق يصلي: لكن من حيث العادة لا القيام بالعبادة فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها بل يصليها في بيته <تنبيه> قال بعض العارفين لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة والعصر والعشاء فيها يورث الزهد ويقمع النفس عن الشهوات ويصحح الاعتقاد مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله حال قسمته أرزاق العباد فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح والمعنوية بعد العصر والعشاء
(ص) وكذا البيهقي في الشعب (عن) أبي محمد (سعيد بن المسيب مرسلا) بفتح المثناة تحت ويجوز كسرها كما في الديباج والأول أشهر وهو رأس التابعين ورئيسهم وعالمهم وفردهم وفقيههم. قال مكحول: طفت الأرض فما لقيت أعلم منه وقد أفردت مناقبه بالتأليف وهذا الحديث إسناده صحيح(1/63)
27 - (آيتان) تثنية آية وهو مبتدأ والخبر قوله (هما قرآن) أي من القرآن (وهما يشفيان) المؤمن من الأمراض الجسمانية والنفسانية بمعنى أن قراءتهما على المريض بإخلاص وهمة صادقة وقوة يقين تزيل مرضه أو تخففه. قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء} (وهما مما يحبهما الله) القياس وهما مما يحبه الله ولعل التثنية من بعض الرواة وهما (الآيتان) فهو خبر مبتدأ محذوف ويجوز جعله بدلا مما قبله (من آخر) سورة (البقرة) ومن بيانية أو للتأكيد ولجلالتهما ومحبته لهما أنزلهما من كنز تحت العرش. وروى ابن الضريس وغيره عن ابن المنكدر مرفوعا أنهما " قرآن ودعاء ويدخلن الجنة ويرضين الرحمن " وسميت البقرة لأن مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب هدى وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب ويجمعه الأيمان بالآخرة ومداره على الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة فسميت بها وكانت بذلك أحرى من قصة إبراهيم لأنها في نوع البشر وما تقدمها في قصة بني إسرائيل من الإحياء بعد الإماتة بالصعق لأن الإحياء في قصة البقرة عن سبب ضعيف في الظاهر وقد ورد في فضل الآيتين نصوص كثيرة وفيه رد على من كره أن يقال البقرة أو سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة. وقول ابن الكمال لا حجة فيه لأن ما يكره من الأمة قد لا يكره من النبي صلى الله عليه وسلم غير سديد لأنا مأمورون بالإقتداء به في أقواله وأفعاله حتى يقوم دليل التخصيص
(فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني فإن كان البردى فصدوق أو الكيال فوضاع كما في الميزان(1/64)
[ص:65] 28 - (ائت) يا إنسان فهو خطاب عام من باب قوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته. . . وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فهذا وأمثاله خطاب لجميع الأمة بحيث لا يختص به أحد دون أحد وقس عليه نظائره (المعروف) أي افعله (واجتنب المنكر) لا تقربه. قال القاضي: والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه عنده. قال الراغب: والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير وفي الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض ومنه: {إنه كان وعده مأتيا} وقولهم ائت المروءة من بابها (وانظر) أي تأمل يا إنسان (ما يعجب أذنك) أي الشيء الذي يسرك سماعه ويعظم في قلبك وقعه من أعجب بكذا إذا سره. فإن قلت هلا اقتصر على قوله " يعجبك " وما فائدة ذكر الأذن والنفس هي المعجبة لا الأذن؟ قلت: لما كان الاستحسان مقترنا بالسماع أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الخارجة التي يعمل بها أبلغ. ألا تراك تقول: إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي. قال الراغب: والأذن الجارحة المعروفة وتستعار لمن أكثر استماعه وقبوله لمن يسمع نحو: {ويقولون هو أذن} (أن يقول لك القوم) أي فيك وعبر عنه بذلك نظرا إلى أنه إذا بلغه فكأنه خوطب به وهذا بيان لما أو بدل منه (إذا أقمت من عندهم) أي فارقتهم أو فارقوك يعني انظر إلى ما يسرك أن يقال عنك وفيك من ثناء حسن وفعل جميل ذكروك به حال غيبتك (فأته) أي افعله والزمه. قال في الكشاف: والقوم مؤنثة وتصغيرها قويمة (وانظر الذي) أي وتأمل الشيء الذي (تكره أن يقول لك القوم) أي فيك (إذا قمت من عندهم) من وصف ذميم كظلم وشح وسوء خلق (فاجتنبه) لقبحه ونبه بذلك على ما يستلزمه من كف الأذى والمكروه عن الناس وأنه كما يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ينبغي له إذا كانت لأخيه عنده مظلمة أن يبادر لانتصافه من نفسه وإن كانت عليه فيها صعوبة ومن ثم قيل للأحنف: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من نفسي كنت إذا كرهت شيئا من غيري لا أفعل مثله بأحد ومصداقه في كلام الله القديم ففي الإنجيل: كلما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوه أنتم بهم هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى. وأخرج البيهقي عن الحسن أن موسى سأل ربه جماعا من الخير فقال: اصحب الناس بما تحب أن تصحب به. وأخرج عن ابن مسعود من أحب أن ينصف الناس من نفسه فليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. وقال الأحنف: من أسرع الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. وقال الحكماء: من قل توقيه كثرت مساويه. والحاصل أن المنهج القويم الموصل إلى الصراط المستقيم والثناء العظيم أن يستعمل الإنسان فكره وقريحته فيما تنتج عنه الأخلاق المحمودة منه ومن غيره ويأخذ نفسه بما حسن منها واستملح ويصرفها عمن استهجن واستقبح فقد قيل كفاك تهذيبا وتأديبا لنفسك وترك ما كرهه الناس منك ومن غيرك. قيل لروح الله عيسى: من أدبك. قال: ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فتجنبته. وقال الشاعر:
إذا أعجبتك خلال امرئ. . . فكنه تكن مثل من يعجبك
وليس على المجد والمكرما. . . ت إذا جئتها حاجب يحجبك
وقالوا: من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق حقا وقال الشاعر:
لا تلم المرء على فعله. . . وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئا وأتى مثله. . . فإنما دل على جهله
(خد وابن سعيد) في طبقاته (و) أبو القاسم (البغوي) نسبة إلى قصبة بن مرو وهراة يقال لها بغ وبعثور (في معجمه) أي معجم الصحابة (و) أبو منصور (الباوردي) بفتح الموحدة وآخره دال مهملة نسبة إلى بلد بنواحي خراسان يقال لها أيبورد وخرج منها جماعة من الفضلاء والمحدثين منهم هذا (في المعرفة) أي كتاب معرفة الصحابة (هب عن حرملة) بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الميم (ابن عبد الله بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وربما نسب إلى جده [ص:66] فظن أنه غيره وليس كذلك كما نبه ابن حجر كغيره وهو التميمي العنبري الصحابي كان من أهل الصفة ونزل البصرة. قال: " قلت يا رسول الله ما تأمرني به أعمل؟ فقال: ائت " إلى آخره وكرر ذلك فكرر وكان من العباد قال البغوي كان له مقام قد غاصت فيه قدماه لطول المقام (وماله) أي لحرملة (غيره) أي لم يرو غير هذا الحديث يعني لا تعرف له رواية غيره ولو عبر بذلك كان أولى على أن ظاهر كلام ابن حجر خلاف ذلك وفيه عبد الله بن رجاء أورده الذهبي في ذيل الضعفاء. وقال: قال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة. وقال أبو حاتم ثقة انتهى لكن كلام الحافظ ابن حجر مصرح بحسن الحديث فإنه قال: حديثه يعني حرملة في الأدب المفرد للبخاري ومسند الطيالسي وغيرهما بإسناد حسن وما جرى عليه المؤلف من أن اسم جده أوس ومن تبع فيه ابن منده وأبا نعيم لكن قال ابن عبد البر وغيره إنما هو إياس وقضية كلام ابن حجر ترجيحه فإنه جزم به ابن إياس أولا ثم قال وقيل ابن أوس(1/65)
29 - (ائت حرثك) أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة أرض تزرع قال الزمخشري: شبهن بالمحارث لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل وقوله {فأتوا حرثكم} معناه ائتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون حرثها؟ قال: ومن المجاز كيف حرثك؟ أي امرأتك قال:
إذا أكل الجراد حروث قوم. . . فحرثي همه أكل الجراد (أنى شئت) أي كيف ومتى وحيث شئت ومن أي جهة شئت لا يخطر عليك جهة دون جهة عمم جميع الكيفيات الموصلة إليه إيماء إلى تحريم مجاورة ما سوى محل البذر لما فيه من العبث بعدم المنفعة فوسع الأمر إزاحة للعلة في إتيان المحل المنهي عنه. وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات البديعة قال الطيبي: وذلك أنه يبيح لهم أن يأتوهن من أي جهة شاؤا كالأراضي المملوكة وبذلك عرف سر تعبيره بأنى المفيدة لتعميم الأحوال والأمكنة والأزمنة. وما ذكر من أن الدبر حرام هو ما استقر عليه الحال وعليه الإجماع الآن في الجملة. وذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكا بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية. قال الهيثمي: فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ثم هذا عام مخصوص بغير حال نحو حيض وصوم وإحرام (وأطعمها) بفتح الهمزة أي الزوجة المعلومة من مرجع الضمير المعبر عنه بالحرث (إذا طعمت) بتاء الخطاب وكذا قوله (واكسها) بوصل الهمزة وسكون الكاف وضم المهملة وكسرها (إذا اكتسيت) قال القاضي وبتاء التأنيث فيهما غلط. والكسوة بالكسر اللباس والضم لغة يقال كسوته إذا ألبسته ثوبا. قال الحراني الكسوة رياش الآدمي الذي يستر ما ينبغي ستره من ذكر وأنثى وعبر " بإذا طعمت " إشارة إلى أنه يبدأ بنفسه للخبر الآتي: " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وهو إجماع والواجب في النفقة عند الشافعي مدان على الموسر ومد ونصف على المتوسط ومد على المعسر حبا سليما من غالب قوت بلدها مع الأدم من غالب أدم البلد وفي الكسوة قميص وسروال وإزار وخمار ونعل ويزاد في الشتاء جبة أو أكثر بحسب الحاجة ومحل بسطه كتب الفقه وفيه ندب مؤاكلة الزوجة خلافا لما يفعله الأعاجم ترفعا وتكبرا وإنه إن أكل بحضرتها بعد دفع الواجب لها ينبغي أن يطعمها مما يأكل جبرا وإيناسا (ولا تقبح) بفوقية مضمومة وقاف مفتوحة وموحدة مشددة (الوجه) أي لا تقل إنه قبيح. ذكره الزمخشري: وقال القاضي: عبر بالوجه عن الذات فالنهي عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه وغيره من ذاتها وصفاتها فشمل نحو لعن وشتم وهجر وسوء عشرة وغير ذلك (ولا تضرب) ضربا مبرحا مطلقا ولا غير مبرح لغير نشوز. وقال الحراني: وفيه إشارة بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا تصل إليها أحكام حكام الأنام مما لا يقع الفصل فيه إلا يوم القيام من حيث إن ما يجري بين الزوجين سر لا يفشى وفي إشعاره إبقاء للمروءة في الوصية بالزوجة بحيث لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا وفيه تهديد على ما يقع في البواطن من المضارة والمضاجرة بين الزوجين في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يصل [ص:67] إلى علمها الحكام وفيه أنه يحرم ضرب الزوجة إلا النشوز فإذا تحققه فله ضربها ضربا غير مبرح ولا مدم فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره وترك الضرب مطلقا أولى. وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك بل لفظه: " قال - أي معاوية بن حيدة - نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: هي حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها " أي جاز وفيه حسن الأدب في السؤال والتعظيم بالكناية عما يستحيا من ذكره صريحا والسعي فيما يديم العشرة ويطيب النفس
(د عن) أبي عبد الملك (بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وزاي معجمة (ابن حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف ابن معاوية (عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة الصحابي القشيري من أهل البصرة: " قال قلنا يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ فذكره وبهمز أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق فيه لين وفي اللسان ضعيف وحكيم قال في التقريب صدوق وسئل ابن معين عن بهز عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة ولذلك رمز المصنف لحسنه(1/66)
30 - (ائتوا) أمر من الإتيان وزعم ابن الأثير أنه " ابنوا " من البناء ومعناه ابنوا المساجد مكشوفة الجدر - وهم. قال المؤلف: ولعله تصحيف عليه (المساجد) جمع مسجد قال في المصباح وهو بيت الصلاة حال كونكم (حسرا) بمهملات بوزن سكر جمع حاسر أي كاشف يعني بغير عمائم. قال الراغب: والحسر كشف البدن مما عليه. وقال الزمخشري: حسر عمامته عن رأسه كشف وحسر كمه عن ذراعيه وكل شيء كشف فقد حسر وامرأة حسنة المحاسر ورجل حاسر مكشوف الرأس (ومعصبين) أي ساترين رؤسكم بالعصابة أي بالعمامة وهو بضم الميم وفتح العين وكسر الصاد مشددة. قال الزمخشري: المعصب المتوج ويقال للتاج والعمامة عصابة: يعني ائتوا المساجد كيف أمكن بنحو قلنسوة فقط أو بتعمم وتقنع ولا تتخلفوا عن الجمعة التي هي فرض عين ولا الجماعة التي هي فرض كفاية والتعمم عند الإمكان أفضل (فإن العمائم) جمع عمامة بكسر العين سميت به لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية (تيجان المسلمين) مجاز على التشبيه أي كتيجان الملوك وفي رواية: " من سيما المسلمين " أي علامتهم كما أن التاج سيما الملوك. وما اقتضاه الحديث من كون فقد العمامة غير عذر في ترك الجمعة والجماعة محله فيمن يليق به ذلك أما لو كان خروجه إلى المسجد بدون العمامة لا يليق به فلا يؤمر بالإتيان حاسرا عند فقدها. " والتاج " الإكليل تجعله ملوك العجم على رؤسها مرصعا بجوهر كالعمامة للعرب. قال الزمخشري: تقول ملك متوج وتوجوه فتتوج وفي صفة العرب العمائم تيجانها والسيوف سيجانها
(عد) من رواية ميسرة بن عبيد عن الحكم بن عيينة عن ابن أبي يعلى (عن علي) أمير المؤمنين قال جدنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقي في شرح الترمذي وميسرة بن عبيد متروك ومن ثم رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما رواه ابن عساكر بلفظ: " ائتوا المساجد حسرا ومقنعين فإن ذلك من سيما المسلمين "(1/67)
31 - (ائتوا) وجوبا (الدعوة) بالفتح وتضم على ما في القاموس لكن نوزع بتغليطهم لقطرب وتغلب في دعواهما جوازه كما حكاه النووي وغيره. قال: ودعوة النسب بكسر الدال وعكس بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام انتهى. وما نسبه لتيم الرباب نسبه صاحب الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب والمراد بها هنا وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم عند الإطلاق (إذا دعيتم إليها) وتوفرت شروط الإجابة وهي عند الشافعية نحو عشرين وخص الإتيان بالأمر ليفيد عدم وجوب الأكل أما وليمة غير العرس من الولائم العشرة المشهورة فإتيانها عند الدعاء إليها [ص:68] مندوب حيث لا عذر. قال بعض حكماء الإسلام: وإنما شرعت الإجابة لأن أصل الدعوة ابتغاء الألفة والمودة ففي النفس هنات وفي الصدر منها سخائم والآدمي مركب على طبائع شتى والنفوس جبلت على حب من أكرمها لحبها للشهوات وأعظمها حب التعظيم وقضاء المنى ففي بر النفوس تقويمها وذلك عون لها على دينها فحث النبي الإجابة لتتأكد الألفة وتصفوا المودة وينتفي وغر الصدر. وفي ترك الإجابة مفاسد لا تكاد تحصى
(م عن ابن عمر) بن الخطاب(1/67)
32 - (ائتدموا بالزيت) إرشادا وندبا أي كلوا الخبز (بالزيت) المعتصر من الزيتون والباء للإلصاق أو الاستعانة أو المصاحبة والإدام بالكسر والأدم بضم فسكون ما يؤتدم به قال الزمخشري: أدم الطعام إصلاحه بالأدم وجعله موافقا للطاعم. وقال المطرزي: مدار التركيب على الموافقة والملائمة وهو يعم المائع وغيره (وادهنوا به) أي اطلوا به بدنكم بشرا وشعرا. قال في الصحاح وغيره: ادهن على وزن افتعل تطلي بالدهن (فإنه يخرج) أي يتفصل ويظهر والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه الظهور والمراد هنا أنه يعصر (من شجرة) أي من ثمرة شجرة (مباركة) لكثرة ما فيها من القوى النافعة أو لأنها لا تكاد تنبت إلا في شريف البقاع التي بورك فيها ويلزم من بركتها بركة ما يخرج منها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس ولا يدرك قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة هو مبارك وفيه بركة. ذكره الراغب قال الغزالي: والزيت يختص من سائر الادهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان. واعلم أن المخصوص المخاطب بهذا الحديث أهل قطر مخصوص وهو الحجاز ونحوه. قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة الحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما بالبلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيه خطر بالبصر. وأنفع الأدهان البسيطة الزيت فالسمن فالشيريج. قال: والزيت رطب حار في الأولى وغلط من قال يابس انتهى. وكلا الإطلاقين غلط وإنما هو بحسب زيتونه فالمعتصر من نضيج أسود حار رطب باعتدال وهو أعدله وأجدوه ومن فج خام بارد يابس ومن زيتون أحمر متوسط والزيت ينفع من السم ويطلق البطن وعتيقه أشد إسخانا وتحليلا والمستخرج بالماء أبلغ نقعا وهذا أنموذج من منافعه التي لا تكاد تحصى والشجر لغة ما بقي أصله بالأرض ويخلف إذا قطع وعرفا ماله ساق
(هـ ك) وقال على شرطهما وأقره الذهبي (هب) وكذا الدارقطني في الأفراد وأبو يعلى وعبد بن حميد كلهم من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب ورواه الترمذي باللفظ المذكور عن عمر في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: هو حديث مرسل. قال: قلت له رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن عمر؟ قال: لا أعلمه(1/68)
33 - (ائتدموا) أي أصلحوا الخبز بالإدام فإن أكل الخبز بدون إدام وعكسه قد يورث أمراضا يعسر استخراجها فينبغي الائتدام (ولو) كنتم إنما تأتدمون (بالماء) القراح بأن تثردوا الخبز فكأنه خشي توهم خروج الماء عما يؤتدم به فأكد دخوله فيه بلو المدخلة لما بعدها فيما قبلها وذلك لأنه مادة الحياة وسيد الشراب وأحد أركان العالم بل ركنه الأصلي فإن السماوات السبع خلقت من بخاره والأرض من زبده وظاهر الحديث أن الماء يتغذى به البدن وهو ما عليه جمع من الأطباء بناء على ما يشاهد من النمو والزيادة والقوة في البدن سيما عند شدة الحاجة له وأنكر قوم منهم حصول التغذية واحتجوا بأمور يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به وأنه لا يزيد في نمو الأعضاء ولا يخلف عليها ما حللته الحرارة وغير ذلك. وعليه فالمراد بالغاية المبالغة " والماء " جوهر سيال يضاد النار برطويته وبرده وعرفه إشارة إلى حصول المقصود بأي نوع كان منه. هبه نزل من السماء أو حدث في الأرض بطريق الانقلاب من الهواء أو غيره وهو شفاف لا لون له على القول المنصور لا يقال: نحن نراه أو نشاهده فلا يكون شفافا لأنا نقول ذاك لتركبه من أجزاء [ص:69] أرضية ومن ثم لو بولغ في تصفيته وتقطيره في أواني صلبة ضيقة صار لا يكاد يرى. ذكره الشريف في حواشي التجريد وغيرها وعرفه بعضهم أيضا بأنه جسم لطيف يبرد غلة العطش به حياة كل نار. قال الحراني: وهو أول ظاهر للعين من أشباح الخلق. قال الزمخشري: وعينه واو ولامه هاء ولذلك صغر وكسر بمويهة وقد جاء أمواه. قال: ومن المجاز ما أحسن موهة وجهه أي ماءه ورونقه ورجل ماه القلب كثير ماء القلب أحمق
(طس) وكذا أبو نعيم والخطيب وتمام (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الهيتمي: وفيه عريك ين سنان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح فيه مجهول وآخر ضعيف(1/68)
34 - (ائتدموا من) عصارة (هذه الشجرة) شجرة الزيتونة لما تقرر من عموم منافعها وقوله (يعني الزيت) مدرج من بعض رواته بيانا لما وقعت الإشارة عليه. قال ابن العربي وللشجر قسمان طيب ومبارك فالطيب النخلة والمبارك الزيتون ومن بركة شجر الزيتون إنارتها بدهنها وهي تكشف به الأسرار للأبصار وتقلب البواطن ظواهر ولذلك ضربه الله مثلا (ومن عرض عليه) أن أظهر وقدم إليه يقال عرضته أي أظهرته وبرزته لع ليأخذه وعرضت المتاع للبيع أظهرته لذوي الرغبة ليشتروه (طيب) بكسر فسكون أي شيء من طيب كمسك وعنبر وغالية أي قدم إليه في نحو ضيافة أو وليمة أو هدية فلا يرده كما يأتي في خبر وإذا قبله (فليصب) أي فليتطيب يقال أصاب بغيته نالها وصاب السهم نحو الرمية وأصاب من امرأته كناية عن استمتاعه بها (منه) ندبا فإن المنة فيه قليلة وهو غذاء الروح التي هي مطية القوى والقوى تتضاعف وتزيد به كما تزيد بالغذاء والسرور ومعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة وغيبة من تسر غيبته ويثقل على الروح مشهده ولهذا كان من أحب الأشياء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وله تأثير كبير في حفظ الصحة ودفع كثير من الأسقام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة. وقد تتبع بعضهم ما ينبغي قبوله لخفة المنة فيه فبلغ سبعة ونظمها في قوله:
عن المصطفى سبع يسن قبولها. . . إذا ما بها قد أنحف المرء خلان
دهان وحلوى ثم در وسادة. . . وآلة تنظيف وطيب وريحان
(طس عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيتمي: فيه النضر بن طاهر وهو ضعيف. وبه يعرف ما في قول المؤلف في الكبير حسن(1/69)
35 - (ائتزروا) أي البسوا الإزار كخمار يذكر ويؤنث من الأزر وهو الشدة لأن المؤتزر يشد به وسطه وأصله إئتزر افتعل بهمزتين الأولى للوصل والثانية فاء افتعل. قال في الفائق: واتزر عامي حرفه بعض الرواة وتأزير الحائط أن تصلح أسفله فتجعل له ذلك كالإزار (كما رأيت) أي أبصرت وشاهدت (الملائكة) ليلة الإسراء أو غيرها فرأى بصرية ولا يتعين جعلها علمية (تأتزر عند) مثلث العين (ربها) أي عند عرشه قالوا يا رسول الله كيف رأيتها تأتزر؟ قال: (إلى أنصاف) جمع نصف (سوقها) بضم فسكون جمع ساق. قال في المصباح: والساق من الأعضاء أنثى وهو ما بين الركبة والقدم. فإن قلت: ما سر اقتصاره على بيان محل انتهاء الإزار من أسفل وعدم تعرضه لمبدئه من أعلى؟ قلت: من المعروف أن معقد الإزار هو الوسط بإزاء السرة. والغرض المسوق له الحديث بيان أن إسبال الإزار منهي عنه وأنه ليس من شأن الملأ الأعلى وأن المطلوب المحبوب تقصيره معتدلا بحيث يكون سابغا سبوغا لا إسبال فيه وذلك بأن يكون إلى نصف الساق والملائكة جمع ملك تخفيف ملاك والتاء لتأنيث الجمع من الألوكة بمعنى الرسالة. وقول الراغب: الملائكة يقع على الواحد والجمع فيه تأمل غلبت على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات البشرية الجسمانية التي هي وسائط بين الله تعالى والبشر فإن قلت: إذا كانت الملائكة نورانية فكيف وصفها بأن لها سوقا؟ قلت: لا مانع من تشكل النور كالإنسان في بعض [ص:70] الأحيان فهذا الشكل المخصوص مثال تمثل به الملك له وإن كانت له صورة حقيقية مشتملة على أجنحة وغيرها والملائكة والجن ترى بصور مختلفة كما بينه الغزالي قال: والملائكة تنكشف لأرباب القلوب تارة بطريق التمثل والمحاكاة وتارة بطريق الحقيقة والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا عين المعنى إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم ولا تدرك حقيقة صورة الملك بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة انتهى. وبه يعلم أن تمثلهم له بهيئة الائتزار إرشاد له إلى الدوام عليه وأمر أمته به وإلا فالملك لا عورة له يطلب سترها بالإزار. قال التفتاراني: والملائكة لا ذكور ولا إناث وقال بعض شراح الشفاء: إطلاق الأنوثة عليهم كفر بخلاف الذكورة وفي تذكرة ابن عبد الهادي عن يحيى بن أبي كثير أنهم صمد لا أجواف لهم. ومقصود الحديث النهي عن إرسال الإزار
(فر) من حديث عمران القطان عن المثنى بن صباح (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله ابن عمرو السهمي قال يحيى القطان: إذا روى عن عمرو ثقة فهو حجة. وقال أحمد: ربما احتججنا به مات سنة ثمان عشر ومئة بالطائف (عن أبيه) شعيب قال الذهبي: سماعه عن أبيه متيقن (عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة أسلم قبل أبيه وكان من علماء الصحابة العباد مات بالطائف أو بمصر سنة خمس وستين ثم إن عمران القطان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه يحيى والنسائي والمثنى ضعفه ابن معين وقال النسائي: متروك وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه المثنى بن الصباح ضعيف عند الجمهور وقال ابن حجر في زهر الفردوس المثنى ضعيف وكرره والحديث رواه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن صحابيه المزبور قال الهيتمي عقبه وفيه المثنى بن الصباح ويحيى بن يشكر ضعيفان وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى(1/69)
36 - (إئذنوا) بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية من الأذن وهو لغة الإعلام وشرعا فك الحجر وإطلاق التصرف في شيء لمن كان ممنوعا منه شرعا (للنساء) اللاتي لا يخاف عليهن ولا منهن فتنة أو ريبة (أن يصلين بالليل في المسجد) لامه للجنس والأمر للندب إذ لو كان للوجوب لكان الخطاب لهن كما في نحو: " وأقمن الصلاة " ولانتفى معنى الاستئذان ولما قال في الرواية الأخرى " وبيوتهن خير لهن " قال ابن جرير: وإذا شرع الآذن لها فيما يندب شهوده كجماعة ففيما هو فرض كأداة شهادة وتعلم ديني أو مندوب مؤكد كشهود جنازة أحد أبويها أولى قال الراغب والآذن يعبر به عن العلم لأنه مبدأ كثير من العلم فتناول الآذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه لكن بين الآذن والعلم فرق فإن الآذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشتبه ضامه أمر أم لا
(الطيالسي) أبو داود وهو بفتح الطاء ومثناه تحت وكسر اللام نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم كذا قاله السمعاني واسمه سليمان بن داود ابن الجارود أصله من فارس وسكن بالبصرة ثقة حافظ غلط في أحاديث (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وفيه إبراهيم بن مهاجر فإن كان البجلي الكوفي فقد أورده الذهبي في الضعفاء أو المدني فقد ضعفه النسائي أو الأزدي الكوفي فقد تركه الدارقطني(1/70)
37 - (إئذنوا للنساء) أن يذهبن (بالليل إلى المساجد) عام في كلهن وعلم منه ومما قبله بمفهوم الموافقة على أنهم يأذنون لهن نهارا أيضا لأنه أذن لهن ليلا مع أن الليل مظنة الفتنة فالنهار أولى فلذلك قدم مفهوم الموافقة مفهوم المخالفة إذ شرط اعتباره أن لا يعارضه مفهوم الموافقة على أن مفهوم الموافقة إذا كان للقب لا لنحو صفة لا اعتبار به أصلا كما قاله الكرماني كغيره ولهذا قال بعض أكابر الشافعية الليل هنا لقب لا مفهوم له وعكس بعض الحنفية فوقف مع التقييد بالليل محتجا بأن الفساق فيه في شغل بنومهم أو فسقهم وينتشرون نهارا ورده ابن حجر بأن مظنة الريبة في الليل أشد وليس لكلهم فيه ما يشغلهم وأما النهار فيفضحهم غالبا ويصدهم عن التعرض لهن ظاهرا لكثرة [ص:71] انتشار الناس وخوف إنكارهم عليهم ثم هذا الأمر الندبي إنما هو باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفسدة ببركة وجود حضرة النبوة ومنصب الرسالة كما يفيده وخبر الشيخين عن عائشة: " لو أدرك النبي ما أحدث النساء بعده لمنعنهن الخروج إلى المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل " أما الآن فالإذن لهن مشروط بأمن الفتنة بهن أو عليهن أن تكون عجوزا غير متطيبة في ثياب بذلة وفيه منع خروج المرأة إلا بإذن حليل لتوجه الأمر إلى الزوج بالإذن ذكره النووي ونازعه ابن دقيق العيد بأنه إذا أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف لكن يقويه أن منع الرجال نساءهم أمر مقرر معروف
(حم م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهره أن هذا مما انفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه. وقد قال العراقي في المعنى: متفق عليه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور(1/70)
38 - (أبى الله) أي لم يرد. قال في الكشاف في قوله تعالى {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} أجرى أبى مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل: {يريدون أن يطفئوا} بقوله {ويأبى الله} وأوقعه موقع لم يرد. وقال الراغب: الإباء شدة الامتناع فكل إباء امتناع ولا عكس والأول هو المناسب هنا (أن يجعل) قال الحراني من الجعل وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير. وقال الراغب: جعل لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها (لقاتل المؤمن) بغير حق (توبة) إن استحل وإلا فهو زجر وتخويف أما كافر غير ذمي فيحل بل يجب قتله ومذهب أهل السنة أنه لا يموت أحد إلا بأجله وأن القانل لا يكفر ولا يخلد في النار وإن مات مصرا وأن له توبة. والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية ومن أطلق بقاءها أراد بقاء حق الله إذ لا يسقط إلا بتوبة صحيحة والتمكين من القود لا يؤثر إلا إن صحبه ندم من حيث الفعل وعزم أن لا يعود
(طب والضياء) الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (في) كتاب الأحاديث (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أنس) قال في الفردوس صحيح ورواه جمع عن عقبة بن مالك الليثي وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال: إني مسلم فقتله فنهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قولا شديدا ثم ذكره(1/71)
39 - (أبى الله أن يرزق عبده المؤمن) المتقي المتوكل على ربه كما تؤذن به إضافته إليه وهو من انقطع إلى الله ومحص قصده للالتجاء إليه فلم يلتفت للأسباب وثوقا بالمسبب بدليل خبر الطبراني. " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ". والحديث يفسر بعضه بعضا ولهذا قال بعضهم هذا لا يكون إلا لخواص عباده لأنه تعالى يغار عليهم أن يعتمدوا أو يلتفتوا لأحد سواه فيصير رزقهم في الدنيا كحالهم في الجنة ليس لأحد من الخلق فيه منة (إلا) قال الحراني مركبة من أن ولا مدلولها نفي حقيقة ذات عن حكم ما قبلها (من حيث لا يحتسب) أي من جهة لا تخطر بباله ولا تختلج بآماله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} والرزق إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أهنأ وأمرأ كما أن الخبر السار إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم وأشر فالتقوى تصير رزقه من غير محتسبه فبسقوط المحتسبية عن قلبه يعلم أنه متق. قال سفيان الثوري: اتق الله فما رأيت تقيا محتاجا. والمحسبة مظان الرزق ومصادره وأسبابه. قال الحراني: وفيه إشعار بأنه عطاء متصل لا يتجدد ولا يتعدد لأن كل محسوب في الابتداء محاسب عليه في الإعادة فكان في الرزق بغير محسبة بشرى برفع الحساب عنه فالمؤمن الكامل يشهد الرزق بيد الرازق يخرج من خزائن الغيب فيجريه بالأسباب فإذا شهد ذلك كان قلبه مراقبا لما يصنع مولاه وعينه ناظرة لمختاره له معرضة عن النظر للأسباب فالساقط عن قلبه محسبة الرزق من أين وكيف ومتى بحيث لا يتهم ربه في قضائه يؤتى رزقه صفوا عفوا وتقواه معه وعلى رزقه طابع الإيمان والمتعلق بالأسباب قلبه جوال فإن لم يدركه لطف فهو كالهمج في [ص:72] المزابل يطير من مزبلة إلى مزبلة حتى يجمع أوساخ الدنيا ثم يتركها وراء ظهره وينزع ملك الموت مخالبه التي اقتنص بها الحطام ويلقى الله بإيمان سقيم دنس وينادى عليه يوم القيامة هذا جزاء من أعرض عن الله وإحسانه واتهم مولاه فلم يرض بضمانه. فتح الله لنا طريق الهداية إليه ويسر لنا منهج التوكل عليه <تنبيه> الحصر المذكور في هذا الحديث غير مراد بل المراد أن هذا هو الغالب فلا ينافي احتراف بعض الأصفياء وقد كان زكريا نجارا وإدريس خياطا وداود زرديا وفي حديث سيجئ: " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " وكان أبو بكر تاجرا قال بعض الصوفية المراد بالرزق هنا ما يشمل المعنوي كالعلوم والمعارف
(فر عن أبي هريرة) لكنه قال من حيث لا يعلم وفيه عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة. قال الذهبي: قال ابن عدي: مجهول منكر الحديث وابن حرملة ضعفه القطان وغيره (هب) وكذا الحاكم في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين وقضية صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه بقوله لا أحفظه إلا بهذا الإسناد وهو ضعيف بمرة انتهى. وقد رواه العسكري بلفظ: " أبى الله أن لا يجعل أرزاق عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون " وسنده واه. وقال الحافظ العراقي: رواه عن علي أيضا ابن حبان في الضعفاء وإسناده واه جدا انتهى. وفي الميزان: متنه منكر بل قال ابن الجوزي: موضوع لكن نوزع(1/71)
40 - (أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة) بكسر الموحدة التحتية وسكون الدال أي مذمومة قبيحة وهي الأهواء والضلالة كما يأتي بمعنى أنه لا يثنيه على ما عمله ما دام متلبسا بها (حتى) أي إلى أن (يدع) أي يترك (بدعته) بأن يتوب منها ويرجع إلى اعتقاد ما عليه أهل الحق ونفي القبول قد يؤذن بانتفاء الصحة كما في خبر: " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " ويفسر القبول حينئذ بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء وقد لا - كما هنا - ونحوه الآبق والناشزة وشارب الخمر ويفسر بأنه الثواب ومنه خبر أحمد الآتي " من صلى في ثوب قيمته عشرة دراهم فيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه " ويميز بين الاستعمالين بالأدلة الخارجية. وأما القبول من حيث ذاته فلا يلزم من نفيه نفي الصحة وإن لزم من إثباته إثباتها وكما أن عمل المبتدع غير مقبول فذنبه غير مغفور. قال حجة الإسلام: الجاني على الدين بابتداع ما خالف السنة بالنسبة لمن يذنب كمن عصى الملك في قلب دولته بالنسبة لمن خالف أمره في خدمة معينة وذلك قد يغفر فأما قلب الدولة فلا فلا فلا انتهى. ولم أر من تعرض للعمل المنفي قبوله في هذا الحديث ما المراد به العمل المشوب بالبدعة فقط أو حتى الموافق للسنة فظاهر الخبر التعميم أما المشوب بها فظاهر لأنه إذا عمل عملا على قانون بدعته عدة سنة وهو لا يشعر ولا ثواب فيما خالف السنة وأما غيره فلأنه إذا عمل السنة فهو حال عمله يعتقد كونه بدعة فهو بمعزل عن قصد التقرب والامتثال. وقد قال ابن القاسم: لا نجد مبتدعا إلا وهو منتقص للرسول وإن زعم أنه يعظمه بتلك البدعة فإنه يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا فيها فهو مشاق لله ولرسوله انتهى. وقد ذم الله قوما رأوا الخير شرا وعكسه ولم يعذرهم فقال {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس إلى ما هو المقصود من السياق وهو الحث على سلامة العقيدة والتنفير من ملازمة البدعة ومجالسة أهلها. والبدعة كما قال في القاموس: الحديث في الدين بعد الإكمال وما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء. وقال غيره: اسم من ابتدع الشيء اخترعه وأحدثه ثم غلبت على ما لم يشهد الشرع لحسنه وعلى ما خالف أصول أهل السنة والجماعة في العقائد وذلك هو المراد بالحديث لإيراده في حيز التحذير منها والذم لها والتوبيخ عليها وأما ما يحمده العقل ولا تأباه أصول الشريعة فحسن والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك
(هـ وابن أبي عاصم في) كتاب محاسن (السنة) وكذا الديلمي والخطيب والسجزي في الابانة وابن النجار (عن ابن عباس) وهو عند ابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد عن بشر بن منصور الحافظ عن أبي زيد عن المغيرة عن ابن [ص:73] عباس قال في الميزان: وأبو زيد وأبو المغيرة لا يدرى من هما نعم يقويه ما رواه ابن ماجه أيضا عن حذيفة مرفوعا " لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين "(1/72)
41 - (أبى الله أن يجعل للبلا) بالكسر والقصر ويجوز فتحها الألم والسقم. قال الراغب: سمي به لأنه يبلي الجسم (سلطانا) سلاطة وشدة ضنك (على بدن عبده) الإضافة للتشريف (المؤمن) أي على الدوام فلا ينافي وقوعه أحيانا لتطهيره وتمحيص ذنوبه. فلا يعارضه الخبر الآتي " إذا أحب الله عبدا ابتلاه " أو المراد هناك المؤمن الكامل بدليل خبر " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " أو يقال المؤمن إذا ابتلي فإنه محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه ووجود حقائق الإيمان في قلبه حتى يحمل عنه من البلاء ما لو جعل شيء منه على غيره عجز عن حمله أو أن شدة محبته لربه الذي ابتلاه تدفع سلطان البلاء عنه حتى يصير عنده البلاء مستعذبا غير مسخوط بل يعده من أجل النعم أو المراد بالبلاء الذنوب وهو شؤم عواقبها فأهل البلاء هم أهل المعاصي وإن صحت أبدانهم وأهل العافية أهل السلامة وإن مرضوا. ثم هذا كله سوق الكلام على ما هو المتبادر للأفهام ببادئ النظر من أن المقصود عدم الجعل حال الحياة وذهب بعضهم إلى تنزيله على ما بعد الموت وعليه فالمراد أن الأرض لا تأكل بدنه ولا ينافيه خبر " كل ابن آدم يأكله التراب " لأنه خص منه عشرة أصناف كما يأتي وأراد هنا واحدا منها. قال الراغب: والبدن الجسد لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة والجسد اعتبارا باللون ومنه قيل امرأة بادن وبدين عظيمة الجسم
(فر عن أنس) وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي كذاب لا يطاق قال في اللسان له عجائب من الأباطيل(1/73)
42 - (إبتدروا) بكسر الهمزة والدال (الأذان) أي سابقوا إلى التأذين للصلاة وسارعوا إليه ندبا والبدار المسارعة (ولا تبتدروا الإمامة) بالكسر ككتابة أي لا تسابقوا إليها ولا تزاحموا عليها لأن المؤذن أمين والإمام ضمين كما في خبر والإمامة أعلى من الضمان ولدعائه له في خبر بالمغفرة والامام بالإرشاد والمفغرة أعلى ومن ثم ذهب النووي إلى تفضيله عليها وإنما لم يواظب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه عليه لاحتياج رعاية المواقيت إلى فراغ وهو مشغولون بشأن الأمة ولهذا قال عمر لولا الخلافة لأذنت وهذا وأشباهه خطاب للصحب الحاضرين وحكمه عام في أمة الإجابة لأن حكم الشارع على الواحد حكمه على الجماعة إلا لدليل
(ش عن يحيى بن أبي كثير) أبي منصور اليمامي أحد الأعلام من العلماء العباد (مرسلا) بفتح السين وتكسر كما في الديباج أرسل عن أنس وغيره وله شواهد(1/73)
43 - (ابتغوا) بكسر الهمزة اطلبوا بجد واجتهاد. قال الراغب الابتغاء مخصوص بالاجتهاد في الطلب. وقال الحراني الابتغاء افتعال تكلف البغي وهو أشد الطلب (الرفعة) بكسر الراء الشرف وعلو المنزلة (عند الله) أي في دار كرامته. قال الراغب: عند لفظ موضوع للقرب يستعمل تارة في المكان وتارة في الاعتقاد وتارة في الزلفى والمنزلة نحو {أحياء عند ربهم يرزقون} وعليه قوله: {هو الحق من عندك} قال بعض الصحب وما هي يا رسول الله أي وما يحصلها قال (تحلم) بضم اللام (عمن جهل) أي سفه (عليك) أي تضبط نفسك عن هيجان الغضب من سفهه. قال الزمخشري: فلان يجهل على قومه يتسافه عليهم قيل
ألا لا يجهلن أحد علينا. . . فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال الراغب: الحلم ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب (وتعطي من حرمك) منعك ما هو لك أو معروفه ورفده لأن مقام الإحسان إلى المسيء ومقابلة إساءته بالصلة من كمال الإيمان الموجب للرفعة وفيه من الفوائد والمصالح ما ينبئ عنه نطاق الحصر فإذا بلغ العبد ذروة هاتين الخصلتين فقد فاز بالقدح المعلى وحل في مقام الرفعة عند [ص:74] المولى وقد اتفقت الملل والنحل على أن الحلم والسخاء يرفعان العبد وإن كان وضيعا وأنهما أصل الخصال الموصلة إلى السعادة العظمى وما سواهما فرع عنهما
(عد عن) أبي عبد الرحمن (بن عمر) بن الخطاب وفيه كما في الأصل الوازع بن نافع متروك وقال الحاكم وغيره يروي أحاديث موضوعة وأطال في اللسان القدح فيه. توهين ما يرويه(1/73)
44 - (ابتغوا الخير) كلمة جامعة تعم كل طاعة ومباح دنيوي وأخروي والمراد هنا الحاجة الأخروية أو الدنيوية كما يفسره رواية أبي يعلى والبيهقي والخرائطي " اطلبوا الحوائج " ورواية ابن عدي " اطلبوا الحاجات " (عند حسان) جمع حسن محركا والحسن بالضم الجمال. وقال الراغب الحسن عبارة عن كل بهيج مرغوب فيه وهو ثلاثة أضرب مستحسن من جهة العقل ومستحسن من جهة الهوى ومستحسن من جهة الحسن. والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر وفي القرآن للمستحسن من جهة البصيرة (الوجوه) لأن حسن الوجه وصباحته يدل على الحياء والجود والمروءة غالبا لكن قد يتخلف كما يشير إليه تعبيره في بعض الروايات " برب " أو المعنى اطلبوا حوائجكم من وجوه الناس أي أكابرهم ويؤيده خبر " إن سألت فاسأل الصالحين " قال بعضهم: الرؤساء والأكابر يحتقرون ما أعطوه والصلحاء لا يشهدون لهم ملكا مع الله أو المراد بحسن الوجه بشاشته عند السؤال وبذل المسؤل عند الوجدان وحسن الاعتذار عند الفقد والعدم
(قط في) كتاب (الأفراد) عن علي بن عبد الله بن ميسرة عن محمد بن جعفر بن عبد الله الغفاري عن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن عمران بن إياس (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي موضوع الغفاري يضع انتهى. وتعقبه المؤلف في مختصر الموضوعات بأن ابن أبي الدنيا خرجه عن مجاهد بن موسى عن سفيان عن يزيد بن عبد الملك به فزالت تهمة الغفاري فكان ينبغي له أعني المؤلف أن يعزوه لابن أبي الدنيا الذي ذكر أن طريقه قد خلت عن الوضاع وأن لا يعزوه للدارقطني لأنه سلم أن في طريقه رضاعا. وقد ذكر السخاوي الحديث من عدة طرق عن نحو عشرة من الصحب. ثم قال طرقه كلها ضعيفة لكن المتن غير موضوع انتهى وسبقه لنحوه ابن حجر فقال: طرقه كلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفا من بعض(1/74)
45 - (أبد) بفتح الهمزة وكسر الدال فعل أمر (المودة لمن وادك) أي أظهر ندبا المحبة الشديدة لمن أخلص حبه لك (فإنها) أي هذه الخصلة وفي رواية " فإنه " أي هذا الفعل (أثبت) أي أدوم وأرسخ والود خالص الحب وهو منه بمنزلة الرأفة من الرحمة والمعنى إذا أحببت إنسانا لغير منهي عنه شرعا فاظهر له ذلك أي أعلمه بأنك تحبه ويأتي تعليله في خبر بأنه يجد لك مثل ما تجد له. قال القاضي:
وبذلك يتأكد الحب وتدوم الألفة والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شمل الدين. ومما يجلب المودة المحافظة على الابتداء بالسلام مراعاة لأخوة الإسلام وتعظيما لشعار الشريعة. قال: والود محبة الشيء مع تمنيه ولذلك يستعمل في كل منهما. وقال الحراني: الود صحة نزوع النفس للشيء المستحق نزوعها له. وقال الزمخشري: تقول ووددته ودا ومودة ووددت لو كان كذا وبودي لو كان كذا. وقال الراغب: الود محبة الشيء وتمني كونه قاله والثبات فيه ضد الزوال
(الحارث) بن محمد (بن أبي أسامة) التميمي صاحب المسند المشهور كان حافظا عارفا بالحديث تكلم فيه بلا حجة (طب) وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم (عن أبي حميد) بالتصغير (الساعدي) عبد الرحمن وقيل المنذر بن سعيد شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافة يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفهم انتهى. وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه عليل(1/74)
46 - (ابدأ) بالهمزة وبدونه فيه وفيما بعده كما ذكره الزركشي (بنفسك) أي بما تحتاجه من مؤنة وغيرها. والنفس ما به ينفس المرء على غيره [ص:75] استبدادا منه واكتفاء بوجود نفاسته على من سواه ذكره الحراني والمراد هنا الذات أي قدم ذاتك فيما تحتاج إليه من نحو نفقة وكسوة (فتصدق عليها) لأنك المخصوص بالنعمة المنعم عليك بها فتلقاها بالقبول وقدم مهجتك وحاجتك على من تعول وسمى الانفاق عليها صدقة لأنه قربة إذا كان من حلال وكفافا وقد ينتهي إلى الوجوب وذلك عند الاضطرار (فإن) وفي رواية: " ثم إن " (فضل) بفتح الضاد ومضارعه بضمها وبكسر الضاد فمضارعه بفتحها وفضل بالكسر يفضل بالضم شاذ (شيء فلأهلك) أي زوجتك. قال الراغب: يعبر عن امرأة الرجل بأهله وذلك لأن نفقتها معاوضة وما بعدها مواساة (فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك) لأنهم في الحقيقة منك فيحصل بذلك الجبر التام بالمواساة وصلة الأرحام ثم إن حمل على التطوع شمل كل قريب أو الواجب اختص بمن تجب نفقته من أصل وفرع عند الشافعي وغيرهما أيضا عند غيره وله تفاريع في الفروع. قال الزين العراقي: وسكت عن القن ولعله لأن أكثر الناس لا أرقاء لهم أو لأن المخاطب لا قن له وزعم دخوله في الأهل للمناقشة فيه مجال وقدم الحنابلة القن على القريب عند التزاحم وسكت عنه الشافعية. قال الولي العراقي: وكأنه لأن له جهة ينفق منها وهي كسبه فإن تعذر بيع أو جزء منه لنفقته (فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) أي بين يديك وعن يمينك وشمالك كما فسره به في رواية مسلم والنسائي وكنى به عن تكثير الصدقة وتنويع جهاتها وليس المراد حقيقة هذه الجهات المخصوصة. وفيه الابتداء بالنفقة على الترتيب المذكور. قال المحقق أبو زرعة: ومحل تقديم النفس فيمن لا يصبر على الإضافة فمن صبر عليها فايثاره محبوب محمود في القرآن وفعله أكابر الأعيان. وفيه أن الإنسان إذا وجد بعض الصيعان في الفطرة قدم نفسه وإن وجدها كلها لأن في تأخيرها غرر لاحتمال أن المال يتلف قبل إخراجها. وفيه أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الآكد وأن الأفضل في صدقة النفل تنويعها في وجوه البر بالمصلحة ولا يحصرها في جهة ونظر الإمام في مصلحة رعيته وأمرهم بما فيه مراشدهم والعمل بالإشارة وأنها قائمة مقام النطق إذا فهم المراد بها إلا أن الشافعية لم يكتفوا بإشارة الناطق إلا في الأمور الخفية لا كالعقود والفسوخ
(ن عن جابر) بن عبد الله الأنصاري قال: " أعتق رجل عبدا له عن دبر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألك مال غيره؟ قال: لا فقال: فمن يشتريه مني فاشتراه نعيم العدوي بثمان مئة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم ذكره وإسناده صحيح(1/74)
47 - (إبدأ) بكسرة الهمزة وفتح المهملة (بمن تعول) أي تمون يعني بمن تلزمك مؤنته من نفسك وزوجك وقريبك وذي روح ملكته فإن اجتمعوا وله ما ينفق على الكل لزمه وإلا قدم نفسه فزوجته فولده الصغير أو المجنون فأمه فأباه فولده المكلف فجده فأبا جده وإن علا ذكره الشافعي. قال السمهودي: والحديث وإن ورد في الإنفاق فالمحققون يستعملونه في أمور الآخرة كالعالم يبدأ بعياله في التعليم ويؤيده قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} الآية. وأخذ بعض الصوفية منه أنه يقصد بتعلم العلم نفسه أولا ثم المسلمين ثانيا: الأقرب فالأقرب. فلا يقصد نفع غيره إلا تبعا ليحوز أجر النية والعمل
(وطب) والقضاعي (عن حكيم بن حزام) بفتح الحاء والزاي كذا ضبطه ابن رسلان ومن خطه نقلت لكن ضبطه ابن حجر كالكرماني بكسر أوله وهو الظاهر وهو ابن خويلد الأسدي من المؤلفة الأشراف الذين حسن إسلامهم عاش مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل فذكره رمز المؤلف لصحته وليس كما قال فقد قال الهيتمي: فيه أبو صالح مولى حكيم ولم أجد من ترجمه(1/75)
48 - (إبدؤا) بكسر الهمزة أيها الأمة في أعمالكم القولية والفعلية (بما) أي بالشيء الذي (بدأ الله به) في التزيل فيجب عليكم [ص:76] الابتداء في السعي بالصفا لابتدائه به في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة} وفيه وجوب السعي. قال الكمال ابن الهمام: ورد بصيغتي الخبر والأمر وهو يفيد الوجوب خصوصا مع ضم خبر: " خذوا عني مناسككم " انتهى. فهو عند الحنفية واجب وعند الشافعي ركن وهذا وإن ورد على سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ثم سعى فبدأ بالصفا وقرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} . ثم ذكره فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد كان الرسول يحافظ على تقديم كل مقدم فقدم غسل الوجه في الوضوء ثم فثم وزكاة الفطر على صلاة العيد تقديما للمقدم في آية: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} وبذلك اتضح استدلال الشافعية به على وجوب ترتيب الوضوء. وأخرج الحاكم عن ابن عباس وصححه: " أنه أتاه رجل فقال أأبدأ بالمروة قبل الصفا أو بالصفا؟ وأصلي قبل أن أطوف أو أطوف قبل؟ وأحلق قبل أن أذبح أو أذبح قبل؟ فقال خذه من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ قال تعالى {إن الصفا والمروة} الآية فالصفا قبل وقال: {وطهر بيتي للطائفين} الآية فالطواف قبل وقال: {لا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله} فالذبح قبل ". انتهى. وما ذكره في غير الصفا محمول على الأكمل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج
(قط) من عدة طرق (عن) أبي عبد الله (جابر) بن عبد الله الخزرجي المدني ورواه عنه أيضا النسائي بإسناد صحيح باللفظ المزبور في حديث طويل وكذا البيهقي وصححه ابن حزم فاقتفاه المؤلف فرمز لتصحيحه ورواه مسلم بلفظ: " ابدؤا " بصيغة المضارع للمتكلم وأحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا بلفظ: " نبدأ " بالنون. وقال ابن دقيق العيد مخرج الحديث عندهم واحد وقد أجمع مالك وسفيان والقطان على رواية: " نبدأ " بنون الجمع. قال ابن حجر: وهو أحفظ من الباقين وهو يؤيد ضبط مسلم(1/75)
49 - (أبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالظهر) وفي رواية للبخاري: " بالصلاة " أي بصلاة الظهر كما بينته هذه الرواية أي أدخلوها في البرد بأن تؤخروها ندبا عن أول وقتها إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة من محل بعيد بشرط عدم وجود ظل يمشي فيه وأن لا يجاوز به نصف الوقت وأن يكون بقطر حار كما يشير إليه قوله (فإن شدة الحر) أي قوته (من) بعض أو ابتداء (فيح) بفتح الفاء وسكون المثناة تحت (جهنم) أي هيجانها وغليانها وانتشار لهبها فعلم أن من تبعيضية أو ابتدائية وقال بعضهم جنسية بناء على ما قيل من أن كون شدة الحر من فيح جهنم تشبيه لا حقيقة وحكمته دفع المشقة لسلب الخشوع أو كماله كما في من حضره طعام يتوق إليه أو يدافعه الخبث والأخبار الآمرة بالتعجيل عامة أو مطلقة والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم وزعم أن التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل منع بأن الأفضلية لا تنحصر في الأشق فقد يكون غير الشاق أفضل كالقصر في الصلاة. وأما خبر مسلم عن خباب بن الأرت " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا " أي لم يزل شكوانا فمنسوخ بالنسبة إلى الإبراد أو محمول على أنهم طلبوا تأخير زائدا على قدر الإبراد وظاهر الخبر وجوب الإبراد لكن لما قام الإجماع على عدمه حمل على الندب وإنما لم نؤمر بالتأخير لشدة البرد مع أنه أيضا من جهنم لأنه إنما يكون وقت الصبح ولا يزول إلا بطلوع الشمس فيخرج الوقت وخرج بالظهر غيرها حتى الجمعة للأمر بالتبكير إليها وإبراد النبي بها لبيان الجواز والأذان وأمره بالإبراد حمل على الإقامة بدليل التصريح بها في رواية الترمذي وجهنم اسم لنار الآخرة عربي لا معرب من الجهامة وهي كراهة المنظر غير منصرف للتعريف والتأنيث
(خ هـ) وكذا أحمد (عن أبي سعيد) الخدري (حم ك) وقال صحيح وكذا الطبراني وابن قانع والضياء (عن صفوان بن مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء والميم الزهري وهو أخو المسور (ن عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس أمير زبيد وعدن للنبي صلى الله عليه وسلم وأمير البصرة والكوفة لعمر. قال الواقدي: كان حليفا لسعيد بن العاص وأسلم بمكة وهاجر الحبشة (طب عن) أبي [ص:77] عبد الرحمن (ابن مسعود) عبدا (عد عن جابر) بن عبد الله (هـ) وكذا البيهقي والطبراني (عن المغيرة) بضم الميم على المشهور وتكسر (ابن شعبة) أحد دهاة العرب أسلم عام الخندق ومات سنة خمسين وأحصن في الإسلام ثلاث مئة امرأة وقيل ألفا. قال المؤلف: حديث متواتر رواه بضعة عشر صحابيا(1/76)
50 - (أبردوا) ندبا (بالطعام) أي أخروا أكله إلى أن يبرد فتناولوه باردا يقال أبرد إذا دخل في البرد وأظهر إذا دخل في الظهيرة وباؤه للتعدية أو زائدة ثم علل الأمر بالتأخير بقوله (فإن الحار لا بركة فيه) أي الطعام الحار أو مطلقا فيفيد الأمر بالابراد بالشراب في الشرب وفي الطهارة وفي رواية بدله " فإن الطعام الحار غير ذي بركة " وفي رواية: " فإنه أعظم للبركة " والمراد هنا نفي ثبوت الخير الإلهي فيكره استعمال الحار لخلوه عن البركة ومخالفته للسنة بل إن غلب على ظنه ضرره حرم
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه إسحاق بن كعب. قال الذهبي: ضعف عن عبد الصمد بن سليمان قال الدارقطني: متروك عن قزعة ابن سويد. قال أحمد: مضطرب الحديث وأبو حاتم لا يحتج به عن عبد الله بن دينار غير قوي (ك عن جابر) بن عبد الله لكن بلفظ: " فإن الطعام الحار غير ذي بركة " (وعن أسماء) بفتح الهمزة وبالمد بنت الصديق أخت عائشة وأم أمير المؤمنين ابن الزبير من المهاجرات عمرت نحو مئة وعاشت بعد صلب ابنها عشر ليال (مسدد) في مسنده المشهور وهو أين مسرهد الأسدي البصري الحافظ من شيوخ البخاري (عن أبي يحيى) جد أبي هريرة الكوفي واسمه شيبان صحابي له هذا الحديث الواحد (طس عن أبي هريرة) . قال الهيتمي: وفيه عبد الله بن يزيد البكري ضعفه أبو حاتم (حل عن أنس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة تفور فرفع يده منها وقال. إن الله لم يطعمنا نارا ثم ذكره(1/77)
51 - (أبشروا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (وبشروا) أي أخبركم بما يسركم وأخبروا (من وراءكم) بفتح الميم في رواية وكسرها في أخرى يعني أخبروا من قدامكم ممن سيوجد في المستقبل أو يقدم عليكم في الآتي كذا قرره شارحون وهو وإن كان صحيحا في نفسه لا يلائم قوله الآتي: " فخرجنا من عنده نبشر " والمناسب له أخبروا من لقيتم وهو وراء كلمة تكون خلفا وتكون قداما وأكثر ما تكون في المواقيت من الأيام والليالي لأن الوقت يأتي بعد مضي الإنسان فيكون وراءه وإن أدركه الإنسان كان قدامه ويجوز أن يكون المعني أخبروا من سواكم فإن وراء أيضا تأتي يمعنى سوى كقوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك} أي سواه والمراد أخبروهم بما يسرهم وهو (أنه) أي بأنه (من شهد أن) أي أنه (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا الله) الواجب الوجود لذاته (صادقا) نصب على الحال (بها) أي الشهادة أي مخلصا في إتيانه بها بأن يصدق قلبه لسانه (دخل الجنة) إن مات على ذلك ولو بعد دخوله النار فمآله إلى الجنة ولا بد فالميت فاسقا تحت المشيئة إن شاء عذبه كما يريد ثم مصيره إلى أن يعفى عنه فيخرج من النار وقد اسود فينغمس في نهر الحياة ثم يعود له أمر عظيم من الحال والنضارة ثم يدخل الجنة ويعطى ما أعد له بسابق إيمانه وما قدمه من العمل الصالح وإن شاء عفا عنه ابتداء فسامحه وأرضى عنه خصماءه ثم يدخله الجنة مع الناجين. وقول الخوارج: مرتكب الكبيرة كافر وقول المعتزلة مخلد في النار حتما ولا يجوز العفو عنه كما لا يجوز عقاب المطيع - من تقولهم وافترائهم على الله تعالى الله عما يقول الظالمون. والبشارة الخبر السار الذي يظهر بأوله أثر السرور على البشرة ذكره القاضي. وقال الراغب: الخبر بما يسر فتنبسط بشرة الوجه وذلك أن النفس إذ سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجر. والصدق: الإخبار المطابق وقيل مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو أمارة واقتصر على أحد الركنين لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصد به نفي ألوهية ما سواه تعالى مع اشتهاره عندهم بأنه رسول الله واستبانته منهم الإيمان بشهادة قدوم كبرائهم عليه مؤمنين [ص:78]
(حم طب عن أبي موسى) الأشعري قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال أبشروا " إلى آخره: " فخرجنا من عنده نبشر الناس فاستقبلنا عمر فرجع بنا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إذن يتكلوا فسكت " قال الهيتمي رجاله ثقات وله طرق كثيرة انتهى ولذلك رمز المؤلف لصحته هنا وقال في الأصل صحيح(1/77)
52 - (أبعد الناس من الله) أي من كرامته ومزيد رحمته من البعد. قال الحراني: وهو انقطاع الوصلة في حس أو معنى (يوم القيامة القاص) بالتشديد أي الذي يأتي بالقصة من قص أثره اتبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال تلى القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ آية بعد آية كما في الكشاف. وقال الحراني: القص تتبع أثر الوقائع والأخبار يبينها شيئا بعد شيء على ترتيبها في معنى قص الأثر وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي أثر (الذي يخالف إلى غير ما أمر به) ببناء أمر للفاعل أي الذي يخالف قوله فعله ويعدل إلى غير ما أمر به الناس من التقوى والاستقامة ويمكن بناؤه للمفعول والفاعل الله أي الذي يخالف ما أمر الله به من مطابقة فعله لقوله وذلك لجرأته على الله بتكذيب فعله لقوله كبني إسرائيل لما قصوا أهلكوا أي تكلموا على القول وتركوا العمل فأهلكوا والمراد هنا من يعلم الناس العلم ولا يعمل به ومن خصه بالواعظ فقد وهم ومن هو كذلك لا ينتفع بعلمه غالبا ولا بوعظه إذ مثل المرشد من المسترشد كمل العود من الظل فمتى يستوي الظل والعود أعوج؟
لا تنه عن خلق وتأتي مثله. . . عار عليك إذا فعلت عظيم
{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم: عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني. وقال مالك بن دينار. إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهما. . . إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
وقال عمر لمن سأله عن القص: " اخش أن تقص فترتفع في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة " رواه أحمد بسند رجاله موثقون. فحق الواعظ أن يتعظ بما يعظ ويبصر ثم يبصر ويهتدي ثم يهدي ولا يكون دفترا يفيد ولا يستفيد ومسنا يشحذ ولا يقطع بل يكون كالشمس التي تفيد القمر الضوء ولها أفضل مما تفيده وكالنار التي تحمي الحديد ولها من الحمى أكثر ويجب أن لا يجرح مقاله بفعله ولا يكذب لسانه بحاله فيكون ممن وصفه الله تعالى بقوله: {ومن الناس من يعجبك قوله} الآية. فالواعظ ما لم يكن مع مقاله فعال لم ينتفع به إذ عمله مدرك بالبصر وعلمه مدرك بالبصيرة وأكثر الناس أهل أبصار لا بصائر فيجب كون عنايته بإظهار ما يدركه جماعتهم أكثر ومنزلة الواعظ من الموعوظ كالمداوي من المداوى فكما أن الطبيب إذا قال للناس لا تأكلوا كذا فإنه سم ثم رأوه يأكله عد سخرية وهزوا كذا الواعظ إذا أمر بما لم يعمله ومن ثم قيل يا طبيب طبب نفسك فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطابع من المطبوع فكما يستحيل انطباع الطين من الطابع بما ليس منتقشا فيه فمحال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس في نفس الواعظ. وقيل من وعظ بقوله ضاع كلامه ومن وعظ بفعله نفذت سهامه. وقيل: عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل. قال ابن قتيبة والحديث ورد سدا لباب الفساد من الزنادقة احتيالا على الطعن في الدين فإن القاص يروي مناكير وغرائب يميل بها وجوه الناس إليه وشأن العامة القعود عند من كان حديثه عجيبا انتهى. وبذلك عرف أن القص منه ما هو مذموم وهو ما اشتمل على محذور مما ذكر وما هو محمود وهو التذكير بآلاء الله وآياته وأفعاله مع العمل بقضية ذلك. قال الغزالي أخرج علي رضي الله تعالى عنه القصاص من مسجد البصرة إلا الحسن لكونه سمعه يتكلم بالتذكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الإهمال وخواطر الشيطان ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف بحقارة الدنيا [ص:79] وعيوبها وتصرمها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا القص محمود إجماعا وهذا القاص محله عند الله عظيم. روي أن يزيد ابن هارون مات وكان واعظا زاهدا فقيل له ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأول ما قال لي منكر ونكير من ربك قلت لهما أما تستحيان من شيخ دعى إلى الله كذا وكذا سنة قالوا وأول من قص تميم الداري في زمن عمر بإذنه وهذه الأولية بالنسبة إلى الأمة المحمدية. روي أن موسى قص في بني إسرائيل فمزق بعضهم ثوبه فأوحى الله إليه قل له مزق قلبك ولا تمزق ثوبك. وإنما قال في الحديث " أبعد الناس " لم يقل الخلق لظهور معنى النوس على أفعاله لاضطرابه في مخالفة قوله فعله والنوس حركة الشيء الخفيف المعلق في الهواء <تنبيه> أخذ جمع من هذا الحديث وما في معناه أنه ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والجمهور على أنه له بل عليه ذلك لأنه مأمور بأمرين ترك المعصية والمنع للغير من فعلها والإخلال بأحد التكليفين لا يقتضي الإخلال بالآخر ولذلك أدلة من الكتاب والسنة
(فر عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وسببه أن فيه عمر بن بكر السكسكي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي له مناكير واتهمه ابن حبان بالوضع(1/78)
53 - (أبغض) أفعل تفضيل بمعنى المفعول من البغض وهو شاذ ومثله أعدم من العدم إذا افتقر (الحلال) أي الشيء الجائز الفعل (إلى الله الطلاق) من حيث إنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة لا من حيث حقيقته في نفسه فإنه ليس بحرام ولا مكروه أصالة وإنما يحرم أو يكره لعارض وقد صح أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آلى وطلق وهو لا يفعل مكروها ذكره في المطامح وغيرها. وهذا كما ترى أولى من تنزيل الذهبي تبعا للبيهقي البغض على إيقاعه في كل وقت من غير رعاية لوقته المسنون واستظهر عليه بخبر: " ما بال أقوام يلعبون بحدود الله طلقتك راجعتك طلقتك راجعتك " وخبر " لم يقول أحدكم لامرأته قد طلقتك قد راجعتك؟ ليس هذا بطلاق المسلمين طلقوا المرأة في طهرها ". وقال الطيبي: فيه أن بغض بعض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض كصلاة الفرد في البيت بلا عذر والصلاة في مغصوب. وقال العراقي: فيه أن بغض الله للشيء لا يدل على تحريمه لكونه وصفه بالحل على إثبات بغضه له فدل على جواز اجتماع الأمرين بغضه تعالى للشيء وكونه حلالا وأنه لا تنافي بينهما وأحب الأشياء إلى الشيطان التفريق بين الزوجين كما يأتي في خبر والمراد بالبغض هنا غايته لا مبدؤه فإنه من صفات المخلوقين والبارئ منزه عنها والقانون في أمثاله أن جميع الأعراض النفسانية كغضب ورحمة وفرح وسرور وحياء وتكبر واستهزاء لها أوائل ونهايات وهي في حقه تعالى محمولة على الغايات لا على المبادئ التي هي من خواص الأجسام فليكن على ذكر منك أي استحضار له بقلبك فإنه ينفع فيما سيلقاك كثيرا
(د هـ ك) في كتاب الطلاق وكذا الطبراني وابن عدي (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب ورواه البيهقي مرسلا بدون ابن عمر وقال الفضل غير محفوظ. قال ابن حجر: ورجح أبو حاتم والدارقطني المرسل وأورده ابن الجوزي في العلل بسند أبي داود وابن ماجه وضعفه بعبد الله الرصافي. وقال: قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك الحديث وبه عرف أن رمز المؤلف لصحته غير صواب(1/79)
54 - (أبغض الخلق) أي الخلائق يقال هم خليقة الله وهم خلق الله. قال الزمخشري ومن المجاز خلق الله الخلق أوجده على تقدير أوجبته الحكمة وهو رب الخليقة والخلائق (إلى الله من) أي مكلف ولفظ رواية تمام لمن باللام (آمن) أي صدق وأذعن وانقاد لأحكامه (ثم كفر) أي ارتد خصه من بين أصناف الكفار بهذه المبالغة والتشديد وأبرز ذمه في هذا النظم العجيب حيث أبهمه غاية الإبهام نعيا عليه وتعجبا من شأنه حيث فعل ما فعل يعني انظروا إلى هذا الخبيث اللعين وقبيح ما ارتكبه حيث فعل ما لم يرض العاقل أن ينسب [ص:80] إليه وهو أنه اشترى الضلالة بالهدى فهو جدير بكونه أبغض الكفرة إلى ربه وأمقتهم عنده لاستعداده للاهتداء وقبوله له ثم نكوصه على عقبيه. والقصد بذلك التوبيخ والتعيير فعسى أن يرتدع بالتشنيع عليه وتفظيع شأنه وتهجين سيرته وتقبيح سريرته ويظهر أن من قتل نبيا مثله أو أبغض وكذا من شهد المصطفى فيه بأنه أشقى الناس وعليه فالمراد أنه من أبغض
(تمام) في فوائده من حديث أحمد البرقي عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن نصر ابن علقمة عن ابن عائذ عن عمرو بن الأسود (عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة وبمعجمة (ابن جبل) ضد السهل ابن عمرو بن أوس الأنصاري من نجباء الصحابة. قال أنس: جمع معاذ القرآن في حياة الرسول وكان أمة قانتا. وقضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور من هذا الوجه. قال الهيتمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وضعفه أحمد وبقية رجاله ثقات وبه يتجه رمز المؤلف لحسنه(1/79)
55 - (أبغض الرجال) المخاصمين وكذا الخنائي والنساء وإنما خص الرجال لأن اللدد فيهم أغلب ولأن غيرهم لهم تبع في جميع المواطن. ألا ترى إلى قول الزمخشري: اكتفى الله بذكر توبة آدم دون حواء لأنها كانت تبعا له كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك (إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وشد الدال أي الشديد الخصومة بالباطل الآخذ في كل لدد أي في كل شيء من المراء والجدال لفرط لجاجه كذا قرره الزمخشري. قال الزركشي: ومنه {لتنذر به قوما لدا} (الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة أي المولع بها الماهر فيها الحريص عليها المتمادي في الخصام بالباطل لا ينقطع جداله وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شيء من خصامه وجها ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق وعكسه بحيث صار ذلك عادته وديدنه فالأول ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة وسمي ألد لاستعماله لدديه أي جانبي فمه وعتقه وذهب بعضهم إلى أن أل في: " الرجال " للجنس وفي: " الألد " للعهد والمراد به الخصم الذي خصامه ومجادلته مع الله. والذم وصف للمخاصم والصفة وهو كونه منشأ من موات وهو المني: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} وقصة أبي بن خلف في قوله لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه مشهورة وذلك لأن الخصومة في ذلك كفر والكافر أبغض الخلق إلى الله قال ولو جعلت أل فيه جنسية لاستلزم كون الألد المؤمن أبغض إلى الله من حيث جنس الرجال وفيهم الكافر ورجح ابن حجر ما تقرر أولا من تنزيل الرجال على المخاصمين أو أن المراد الألد في الباطل المستحل له أو أن ذلك ورد على منهج الزجر لمن هذه صفته وتنبيها على قبح حاله وتفضيحه بتهجين عادته وتفظيع طريقته فعسى أن ينجع فيه هذا التشنيع فيلين قلبه وتنقاد نفسه وتضمحل رذائله فيرجع عما هو عليه من الشرور فيحصل له السرور بدخوله في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} (تتمة) قال الغزالي: إذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وعجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيدك ولا الالتفات إلى من وراءك ولكن اجث على ركبتيك وإذا هدأ غضبك فتكلم وإن قربك الشيطان فكن منه على حذر. فهذه آداب المخاصمة
(ق حم ت عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أيضا عنها أحمد(1/80)
56 - (أبغض العباد) بكسر العين والتخفيف جمع عبد ويحتمل ضمها والتشديد جمع عابد ويشبه أنه أولى لما في إجراء أفعل التفضيل على حقيقته من العموم والصعوبة المحوجة إلى التأويل (إلى الله من) أي إنسان (كان ثوباه) أي إزاره ورداؤه وأصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى حالته المقدرة المقصودة بالفكرة فمن الثاني الثوب سمي به لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدر لها. ذكره الراغب (خيرا من عمله) يعني من تزيا بزي الأبرار وعمله كعمل الفجار كما فسره بقوله (أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء) أي كثيابهم الدالة على التنسك [ص:81] والتزهد (وعمله عمل الجبارين) أي كعملهم في البطش بالخلائق ونسيان نقمة الخالق وعدم التخلق بالرحمة والتهافت على جمع الحطام. والجبار المتكبر المتمرد العاني. وقال القاضي: فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره وهو من يجبر الناس على ما يريده. وقال الزمخشري: الجبار الذي يفعل ما يريد من ضرب وقتل فيظلم لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى انتهى. وذلك لأن أحب الخلق إلى الله تعالى الأنبياء والصديقون فأبغض الخلق إليه من يتشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مرائي كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب. وفيه أن من ظهر من جهال الطريق وبرز بالعدول عن التحقيق وتقشف تقشف أهل التجريد وتمزق حتى أوقع عقول العامة في الحرج الشديد فهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
(عق) وقال في الأصل إنه منكر وأقره عليه (فر) كلاهما من حديث يحيى ابن عثمان عن أبي صالح كاتب الليث عن سليم بن عيسى عن النوري عن جعفر بن برقان عن ميمون (عن عائشة) ويحيى جرحه ابن حبان وكاتب الليث فيه مقال وسليم متروك مجهول وابن برقان لا يحتج به. ولهذا قال ابن الجوزي: موضوع وأقره عليه في الأصل. وقال العقيلي: منكر وفي الميزان باطل. وبه علم أن عزو المؤلف الحديث للعقيلي وسكونه عما عقبه به من الرد غير صواب وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي(1/80)
57 - (أبغض الناس إلى الله) أي أبغض عصاة المؤمنين إليه كما أفاده القاضي: المراد بالناس المقول عليهم جميع عصاة الأمة وأن الكافر أبغض من هؤلاء المعدودين وقول الطيبي: أراد بالناس المسلمين بدليل قوله " ومبتغ في الإسلام " (ثلاثة) أحدهم إنسان (ملحد) بالضم أي مائل عن الاستقامة (في) حق (الحرم) المكي بأن هتك حرمته بفعل محرم فيه من الإلحاد وهو الميل عن الصواب أو من اللحد وهو الحفرة المائلة عن الوسط ومصداقه {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} ذكره القاضي. قال الزمخشري: ومن المجاز لحد السهم عن الهدف ولحد عن القصد عدل عند والحد في دين الله والحد في الحرم ولحد إليه مال إليه انتهى. وقال الراغب: ألحد بلسانه إلى كذا مال ومنه {الذين يلحدون في آياتنا} واحد مال عن الحق والإلحاد ضربان إلحاد إلى الشرك بالله وإلحاد إلى الشرك بالأسباب فالأول ينافي الإيمان ويبطله والثاني يوهن عراه ولا يبطله وذلك لهتك حرمته مع مخالفته أمر ربه فهو عاص من وجهين فهو بالبغض جدير. واستشكل بأن ظاهره أن فعل الصغيرة في الحرم المكي أشد به من فعل الكبيرة في غيره واجيب بأن الإلحاد عرفا يستعمل في الخارج عن الدين فإذا وصف به من ارتكب محرما كان إشارة إلى عظمه ويدل عليه آية {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} الآية فإن الإتيان بالجملة الاسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه والتنوين للتعظيم فهو إشارة إلى عظم الذنب. قالوا وهذا من خصائص الحرم فإنه يعاقب الناوي للشر فيه إذا عزم عليه ولم يفعله. وذهب بعض الصحابة إلى أن السيئات تتضاعف فيه كالحسنات (و) ثاني الثلاثة (مبتغ) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح الفوقية وعين معجمة طالب (في الإسلام) أي في دينه (سنة الجاهلية) أي إحياء طريقة أهل زمن الفترة سمي به لكثرة الجهالة فيه كقتل البنات والطيرة والكهانة والنياحة والميسر والنيروز ومنع القود عن مستحقه وطلب الحق ممن ليس عليه كأصله وفرعه فإطلاق السنة على فعل الجاهلية ورد على أصل اللغة أو للتهكم (و) الثالث (مطلب) بالضم وشد الطاء وكسر اللام مفتعل من الطلب أي متطلب فأبدلت التاء طاء وأدغم أي التكلف للطلب المبالغ فيه (دم) أي إراقة دم (امرئ) مثلث الراء أي رجل وهو للذكر وخص بالذكر هنا وفي نظائره لشرفه وأصالته وغلبة دوران الأحكام عليه كما مر في الخنثى والأنثى مثله في الحكم وما ذكر من أن المرء يختص بالذكر هو ما عليه كثير لكن قال الحراني: المرء اسم سن من سنان الضبع يشارك [ص:82] الرجل فيه المرأة ويكون له فيه فضل ما " والدم " رزق البدن والأقرب إليه المحيط به ولم يقيد هنا بالمسلم اكتقاء بقوله (بغير الحق) وقيده به في رواية زيادة للبيان فخرج نحو حربي ومرتد وقاطع طريق ومهدر بأي سبب كان والقود (ليهريق) بضم أوله وهاء مفتوحة قد تسكن أي يصب (دمه) أي يقتله بنحو ذبح أو ضرب عنق بنحو سيف فيسيل دمه وخص هذه الكيفية المشتملة على إسالة الدم لكونها أغلب طرق القتل والمراد إزهاق روحه بمحدد أو مثقل أو غيرهما كنحو سم ولما كان المنع من إراقة الدم أعظم المقاصد أو هو أعظمها أعاده صريحا ولم يكتف بيهريقه وإن كفى والمراد الطلب المترتب عليه المطلوب أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق بالأولى ففيه مبالغة ذكره الكرماني. وإنما كان هؤلاء الثلاثة أبغض المؤمنين إليه لأنهم جمعوا بين الذنب وما يزيد به قبحا من الإلحاد وكونه في الحرم وإحداث البدعة في الإسلام وكونها من أمر الجاهلية وقتل نفس لا لغرض بل بمجرد كونه قتلا ويزيد القبح في الأول باعتبار المحل وفي الثاني باعتبار الفاعل وفي الثالث باعتبار الفعل. قال القاضي: القاتل بغير حق يقصد ما كرهه الله من وجهين من حيث كونه ظلما والظلم على الإطلاق مكروه مبغوض ومن حيث كونه يتضمن موت العبد ومساءته والله يكره مساءته فلذلك استحق مزيد المقت وفي كل من لفظتي المبتغى والمطلب مبالغة أخرى وذلك لأن هذا الوعيد إذا ترتب على الطالب والمتمني فكيف بالمباشر
(خ) في الديات وكذا في البيهقي والطبراني (عن ابن عباس) ولم يخرجه مسلم(1/81)
58 - (ابغوني) بالوصل من الثلاثي فهو مكسور الهمز أي اطلبوا لي طلبا حثيثا يقال ابغني مطالبي اطلبها لي وفي رواية بالقطع من الرباعي فهو مفتوح الهمزة أي أعينوني على الطلب يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه قال رؤية:. . . فاذكر بخير وابغني ما ينبغي. . . أي اصنع بي ما ينبغي أن يصنع. ذكره الزمخشري. قال ابن حجر: والأول أليق بالقياس وأوفق في المذاق وقال الزركشي الأول هو المراد بالحديث قال تعالى {يبغونكم الفتنة} أي يطلبونها لكم (الضعفاء) من يستضعفهم الناس لفقرهم ورثاثتهم. قال القاضي: أي اطلبوا لي وتقربوا إلي بالتقرب إليهم وتفقد حالهم وحفظ حقوقهم والإحسان إليهم قولا وفعلا واستنصارا بهم. قال الراغب: والضعف يكون في البدن وفي النفس وفي الحال وهو المراد هنا (فإنما ترزقون) تمكنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم (وتنصرون) تعانون على عدوكم ويدفع عنكم البلاء والأذى. قال القاضي: والنصرة أخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضر. قال الحراني والنصر لا يكون إلا لمحق وإنما لغير المحق الظفر والانتقام (بضعفائكم) بسبب كونهم بين أظهركم أو بسبب رعايتكم ذمامهم أو ببركة دعائهم والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص واستعان بالله فكانت له الغلبة وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته فتعجبه نفسه غالبا وذلك سبب للخذلان كما أخبر الله تعالى عن بعض من شهد وقعة حنين وفي رواية (في ضعفائكم) وفي أخرى (في الضعفاء) بزيادة في. قال الزين العراقي: والذي وقع في أصول سماعنا من كتاب الترمذي: (أبغوني في ضعفائكم) وهو عند أبي داود والنسائي بإسقاط حرف الجر: ابغوني الضعفاء وفي مسند أحمد (ابغوني ضعفاءكم) وكذا رواه الطبراني قال وهو أصح من الرواية المتقدمة والمعنى اطلبوا لي ضعفاءكم انتهى. وفي طيه إعلام بإسقاط كلمة النصر بالأسباب والعدة والعدد والآلات المتعبة الشاقة والاستغناء بتعلق القلوب بالله تعالى فنصرة هذه الأمة إنما هي بضعفائها لا بمدافعة الأجسام فلذلك افتتح المصطفى المدينة بالقرآن ويفتح خاتمة هذه الأمة القسطنطينية بالتسبيح والتكبير. قال بعض العارفين: ومن حكمته تعالى أنه أمر بالعدة للعدو وأخذه بالقوة وأخبر أن النصر بعد ذلك يكون بالضعفاء ليعلم الخلق فيما أمروا به من الاستعداد وأخذ الحذر أن يرجعوا للحقيقة ويعلموا أن النصر من عند الله يلقيه على يد الأضعف فالاستعداد [ص:83] للعادة والعلم بجهة النصر في الضعيف للتوحيد وأن الأمر كله لله عادة وحقيقة يدبره كيف شاء. قال الطيبي: وفيه نهي عن مخالطة الأغنياء وتحذير من التكبر على الفقراء والمحافظة على جبر خواطرهم ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحدا لخلقان ثيابه فإن ربك وربه واحد. وقال ابن معاذ: حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من علامات الصالحين وفرارك منهم من علامات المنافقين. وفي بعض الكتب الإلهية أوحى الله إلى بعض أنبيائه احذر أن أمقتك فتسقط من عيني فأصب عليك الدنيا صبا قالوا: خرج موسى يستسقي لبني إسرائيل في سبعين ألفا بعد أن أقحطوا سبع سنين فأوحى الله إليه كيف أستجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم سرائرهم ارجع إلى عبد من عبادي يقال له برخ وقل له يخرج حتى أستجيب له فسأل عنه موسى فلم يعرفه فبينا هو ذات يوم يمشي إذا بعبد أسود يمشي بين عينيه أثر السجود في شملة عقدها على عنقه فعرفه بنور الله فسلم عليه وقال: إنك طلبتنا منذ حين استسق لنا فخرج فقال في كلامه: ما هذا فعالك وما هذا من حلمك وما الذي بدا لك أنقصت غيوثك أم عاندت الرياح طاعتك أم نفد ما عندك أم اشتد غضبك على المذنبين ألست كنت غفارا قبل خلق الخاطئين خلقت الرحمة وأمرت بالعطف ترينا أنك ممتنع أو تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة فما برح حتى أخصبت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله العشب في نصف يوم قال حجة الإسلام فهذا عبد غلب عليه الأنس فلم ينغصه خوف التغير والحجاب فأثمر نوعا من الانبساط وذلك محتمل في مقام الأنس ومن لم يكن في مقامه وتشبه به هلك فالله الله في نفسك <تنبيه> هذا الحديث وما على منواله: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم " قد وقع التعارض ظاهرا بينه وبين خبر مسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " وعند التأمل لا تدافع إذ المراد بمدح القوة القوة في ذات الله وشدة العزيمة وبمدح الضعف لين الجانب ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار وبذم الضعف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار على أنه لم يقل هنا أنهم ينصرون بقوة الضعفاء وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك مما مر
(حم م حب ك) كلهم في الجهاد وكذا ابن حبان والطبراني والبيهقي (عن) حكيم هذه الأمة بنص المصطفى (أبي الدرداء) بفتح المهملتين وسكون الراء واسمه عويمر مصغر عامر بن مالك أو ابن عامر أو ابن ثعلبة أو غير ذلك قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي. وفي الرياض إسناده جيد(1/82)
59 - (أبلغوا) أوصلوا. قال القاضي البلوغ الوصول إلى الشيء ويقال للدنو منه على الاتساع ومنه قوله تعالى {فبلغن أجلهن} (حاجة من لا يستطيع) أي يطيق (إبلاغ حاجته) بنفسه لي أو إلى ذي سلطان وهذا أمر ظاهره الوجوب والترغيب فيه بالوعد بالثواب لا يصلح صارفا للندب. قال جمع: ولا شك في الوجوب في زمنه لأن عدم ضجره وكثرة صبره محقق وأما بعده فشرطه سلامة العاقبة. قال الراغب والحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته قال الزمخشري: ما يحتاج إليه ويطلب (فمن أبلغ سلطانا) أي إنسانا ذا قوة واقتدار على إنفاذ ما يبلغه ولو غير ملك وأمير (حاجة من لا يستطيع إبلاغها) دينية أو دنيوية (ثبت الله) دعاء أو خبر (قدميه) أقرهما وقواهما (على الصراط) الجسر المضروب على متن جهنم (يوم القيامة) لأنه لما حركهما في إبلاغ حاجة هذا العاجز جوزي بمثلها وهي ثباتهما على الصراط يوم تزل الأقدام وبه يخرج الجواب عما قيل الجزاء من جنس العمل وفعل المبلغ التبليغ فالمناسب أن يقال بلغت عنه وأصل الصراط الطريق الخطر السلوك وهو كالطريق في التذكير والتأنيث وبينهما في المعنى فرق لطيف هو أن الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا كان أو لا والسبيل من الطريق ما اعتيد سلوكه والصراط من السبيل ما لا التواء فيه ولا اعوجاج فهو أخص الثلاثة والمراد به هنا ما ينصب بين ظهراني جهنم يوم الجزاء وتحفه خطاطيف وكلاليب [ص:84] تجري أحوال الناس معها في يوم القرار على حسب مجراهم مع حقائقها ابتداء في هذه الدار ثم المراد بالأفعال الواقعة في هذا الخبر وما قبله وبعده إيجاد حقائقها على الدوام
(طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي الدرداء) وفيه إدريس بن يوسف الحراني. قال في اللسان عن ذيل الميزان: لا يعرف حاله. ثم إن المؤلف تبع في عزوه للطبراني الديلمي. قال السخاوي: وهو وهم والذي فيه عنه بلفظ " رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة " وأما لفظ الترجمة فرواه البيهقي في الدلائل عن علي وفيه من لم يسم انتهى. فكان الصواب عزوه للبيهقي عن علي(1/83)
60 - (ابنوا المساجد) ندبا (واتخذوها) أي اجعلوها قال الحراني من الاتخاذ افتعال مما منه المؤاخذة كأنه الوخذ وهو تصير في المعنى نحو الأخذ في الحس (جما) بضم الجيم وشد الميم أي اجعلوها ندبا بلا شرف جمع أجم وهو ثور أو كبش بلا قرن فأطلق القرون على الشرف مجازا. قال الزمخشري: من المجاز حصن أجم لا شرف له وقرية جماء وابنوا المساجد جما فيكره اتخاذ الشرف لأنه من الزينة المنهي عنها ومن المحدث: قال المقريزي في تذكرته: مات عثمان والمسجد بلا شرافات وأول من أحدثها عمر بن عبد العزيز. قال الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد بشرف لما في سنن البيهقي عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي ويحرم نقشه واتخاذ شرافات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه
(ش هق) من حديث زهدم عن ليث بن أبي سليم عن أيوب (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه هنا وصرح به في أصله فقال حسن وليس كما ذكر فقد جزم الذهبي وغيره بأن فيه ضعفا وانقطاعا فإنه لما ساقه البيهقي من سنن أبي داود بسنده استدرك عليه فقال قلت هذا منقطع وتقدمه لذلك ابن القطان فقال ليث ضعيف وفيه انقطاع وأطال في بيانه وأقره مغلطاي(1/84)
61 - (ابنوا مساجدكم) أيها المسلمون (جما) أي مجممة بلا شرف ولا يستقيم جعل المعنى غير مرتفعة نظرا إلى أن المشرف يطلق أيضا على المطول لأنه إن أريد بالطول الامتداد في الجهات الأربع فلا يقول به عاقل لأنه يرجع إلى السعة وتوسيع المسجد مطلوب لا ينهى عنه وإن أريد الارتفاع فهو مأذون فيه بنص الخبر الآتي " ارفع البنيان إلى السماء وسل الله السعة " وأما ما قارنه قصد مباهاة فلا فرق في منعه بين طويل وقصير (وابنوا مدائنكم) بالهمز وتركه قال الكرماني والهمز أفصح جمع مدينة من مدن أقام وهي المصر الجامع وقيل مفعلة من مدنت أي ملكت قال الجوهري سألت أبا علي الفسوى عن همز مدائن فقال من جعله فعيلة همز ومن جعله مفعلة لم يهمز (مشرفة) كمعظمة أي اجعلوها لمساكنها شرافات أو اجعلوا لسورها ذلك أو اجعلوها مرتفعة ارتفاعا حسنا مقتصدا محكما تحصينا لها من العدو وذلك لأن الزينة إنما تليق بالمدن دون المساجد التي هي بيوت الله
(ش عن ابن عباس) رمز لحسنه(1/84)
62 - (ابنوا المساجد) التي هي بيوت الله قال الراغب: المسجد الموضع المعد للصلاة. وقال غيره: لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق منه اسم المكان فقيل مسجد ولم يقل مركع ثم إن العرف خصه بالمكان المهيأ للصلوات الخمس فخرج نحو مصلي العيد ومدرسة ورباط فلا يعطى حكمه لاعدادها لغير ذلك (وأخرجوا القمامة منها) بضم القاف الكناسة. قال الزمخشري تقول بيت مقموم وقممته بالمقمة أي المكنسة وينادى بمكة على المكانس المقام (فمن بنى لله تعالى) أي لأجله ابتغاء لوجهه (بيتا) مكانا يصلى فيه وتقييد البعض بالجماعة غير معتبر (بنى الله له بيتا في الجنة) سعته كسعة المسجد عشر مرات فأكثر كما يفيده التنكير الدال على التعظيم: {من جاء بالحسنة [ص:85] فله عشر أمثالها} وإسناد البناء إليه سبحانه مجاز. قال الحافظ العراقي: ولا بد لحصول هذا الثواب من اسم البناء فلا يكفي جعل الأرض مسجدا بدونه ولا نحو تحويطه بطين أو تراب ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه بل أمره كاف والأوجه عدم دخول الباني لغيره بأجرة وقضية إناطة الحكم بالبناء عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجدا والظاهر خلافه اعتبارا بالمعنى انتهى. وتبعه تلميذه ابن حجر. قال الراغب: والبناء اسم لما يبنى. وقال الزمخشري: مصدر سمى به المبني بيتا أو قبة أو خباء ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا والبيت مأوى الإنسان بالليل ثم قيل من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ويقع على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر ويعبر عن مكان الشيء بأنه بيته. ولما قال المصطفى ذلك قالوا: يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال: " نعم " هكذا هو ثابت في رواية من عزى المؤلف له الحديث ثم لما ذكر جزاء البناء عقبه بذكر جزاء إخراج القمامة على طريق اللف والنشر فقال (وإخراج القمامة) أي الزبالة (منها مهور الحور العين) أي نساء الجنة النجل العيون السود الحدق سمين به لأنهن يشبهن الظباء يعني له بكل مرة من كنسها حوراء في الجنة فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له وهل يدخل الكناس بأجرة أو بمعلوم قياس ما تكرر فيما قبله عدم دخوله والظاهر أنه يشترط لحصول ذلك قصد الامتثال. " والحور " جمع حوراء قال الزمخشري الحور البياض " والعين " جمع عيناء وهي النجلاء العين في حسن وسعة وفيه ندب بناء المساجد. قال النووي: ويدخل فيه من عمره إذا استهدم فيتأكد بناءه وعمارته وإصلاح ما تشعب منه ويسن بناؤه في الدور والمراد بها كما قال ابن دقيق العيد القبائل. وفيه ندب كنسه وتنظيفه وتحريم تقذيره حتى بطاهر لأنه استهانة به <فائدة> أخرج أبو الشيخ [ابن حبان] من مسند عبيدة بن مرزوق كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها المصطفى فمر على قبرها فقال: ما هذا؟ قالوا أم محجن. قال: التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم فصف الناس فصلى عليها ثم قال: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ فقال: ما أنتم بأسمع منها. ثم ذكر أنها أجابته: قم المسجد
(طب) وكذا ابن النجار (والضياء) المقدسي (في) كتاب الأحاديث (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أبي قرصافة) بكسر القاف وفاء مخففة الكناني واسمه جندرة بن خيشنة نزل عسقلان روت عنه ابنته. رمز المؤلف لصحته. وإن تعجب فعجب رمزه مع حكم الحافظ المنذري بضعفه وإعلال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي له بأن في إسناده جهالة وقول الحافظ الهيتمي وغيره في إسناده لكن المؤلف اغتر بتصحيح الضياء(1/84)
63 - (أبن) بفتح فكسر أمر من الإبانة أي أبعد (القدح) بالتحريك الإناء الذي تشرب منه (عن فيك) عند الشرب ندبا ولا تشرب كشرب البعير فإنه يتنفس عند الشرب فيه (ثم تنفس) فإنه أحفظ للحرمة وأبعد عن تغير الماء وأصون عن سقوط الريق فيه وأنفى عن التشبه بالبهائم في كرعها فالتشبه بها مكروه شرعا وطبا لكن هنا شيء ينبغي التفطن له وهو أن الأمر بالإبانة إنما هو فيمن لم يرو من نفس واحد بغير عب ذكره في المطلب والمفهم
(هـ سموية) بفتح المهملة وشد الميم مضمومة ومثناة تحت مفتوحة وهو أبو بشر العبدي الفقيه الأصبهاني. قال ابن أبي حاتم ثقة مأمون وأبو نعيم من الحفاظ الفقهاء (في فوائده) الحديثية (هب) كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري. رمز المؤلف لحسنه وفيه أمران: الأول أنه يوهم أنه لا يوجد مخرجا في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل لعزوه لسمويه لما مر عنه ولقول مغلطاي كغيره لا يجوز لحديثي أن يعدل عن الستة ويعزو حديثا لغيرها مع وجوده في شيء منها إلا إن كان فيه زيادة أو نحو ذلك مع أن هذا الحديث رواه مالك في الموطأ والترمذي في الأشربة عن أبي سعيد المذكور وصححه ولفظهما: " نهى عن [ص:86] النفخ في الشراب فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها قال: فإني لا أروى في نفس واحد؟ قال: أبن القدح عن فيك ثم تنفس " انتهى. ورواه أيضا كذلك البيهقي في الشعب. الثاني أن رمزه لحسنه يوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح بل صحيح كيف هو من أحاديث الموطأ الذي ليس بعد الصحيحين أصح منه. وقال الترمذي: حسن صحيح وأقره عليه النووي وغيره من الحفاظ(1/85)
64 - (ابن آدم) منادى محذوف الأداة والابن من البناء لأنه مبني من أبيه ولذلك ينسب المصنوع لصانعه فيقال ابن حرب وبنت فكر وآدم أبو البشر قال القاضي والمراد من ابن آدم آدم وأولاده فكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر وصدر به تنبيها للمنادى ليقبل بكليته على ما يلقى إليه (أطع ربك) مالكك الذي رباك بأنواع نعمه وصنوف كرمه ففي ذكره دون غيره تقريع للمكلف وتذكير بآلاء الله عليه (تسمى) أي تستحق أن تسمى (عاقلا) كامل العقل (ولا تعصه فتسمى جاهلا) لأن ارتكاب المعاصي مما يدعو إليه السفه والجهل لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل ومن ركب متن العصيان هو الجاهل السفيه عند أهل الإيمان. العاقل من أطاع الله وإن كان دميم المنظر رث الهيئة. والجاهل من عصاه وإن كان جميل المنظر شريف المنزلة حسن الزي فصوحا نطوقا. روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا. قلت: من لي بالعقل؟ قال: اجتنب مساخط الله وأد فرائضه تكن عاقلا. ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا ومن ربك قربا وغلبة وعزا " قال الحكيم: وإنما سمي العقل عقلا لأن الجهل ظلمة وعمله على القلب فإذا غلب نوره العقل وبصره في تلك الظلمة وأبصر صار عقالا للجهل. قال الغزالي فالقردة والخنازير أعظم عند الله ممن عصاه. فلا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين. وقال الزمخشري: من تضرر من مشقة صرف ساعة للطاعة فوقع بسبب ذلك التضرر في مشقة الأبد كان من أجهل الجاهلين فإن العاقل من قاده عقله إلى طاعة مولاه ولم يتابع نفسه وهواه:
ما تبلغ الأعداء من جاهل. . . ما يبلغ الجاهل من نفسه
وقال ابن القيم: مخالفة الرب تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئه وإذا طفئ نوره ضعف ونقص. ولهذا قال حكيم: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله إذ لو حضره عقله حجزه عن العصيان وهو في قبضة الرب وتحت قهره وهو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان بالموت والنار ينهاه فهل يقدم على الاستخفاف بذلك والاستهانة به ذو عقل؟ وأخذ أقضى القضاة الماوردي من الخبر أن من صرف فضل عقله إلى المكر والدهاء والشر كزياد وأضرابه من دهاة العرب أن الداهية منهم لا يسمى عاقلا لأن الخير والدين من موجبات العقل وإنما هذا يسمى صاحب رواية ومكر ومن ثم لما عزله عمر قيل له أعن موجدة أو جناية؟ قال: لا عن واحدة منهما إنما خفت أن أحمل الناس على فضل عقله. أرأيت أن الشجاع إذا زاد على حد الشجاعة نسب إلى التهور؟ والسخي إذا زاد على حد السخاء نسب إلى التبذير؟ والعقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم وقيل قوة يتميز بها الحسن عن القبيح وقيل العلم بالمدركات الضرورية وقيل غيرها ومحله القلب أو الدماغ
(حل) من حديث علي بن زياد المتوتى عن عبد العزيز بن أبي رجاء عن سهل عن أبيه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري. ثم قال: غريب انتهى. وعبد العزيز قال في الميزان عن الدارقطني متروك له مصنف موضوع. ثم ساق له منه هذا قال عقبة في الميزان: هذا باطل وقد اقتصر المؤلف على الرمز لتضعيفه وكان الأولى حذفه(1/86)
65 - (ابن آدم عندك ما يكفيك) أي يسد حاجتك (وأنت تطلب) أي تحاول أخذ (ما يطغيك) أي يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} فإذا كان عندك ما يكفيك حالا فاشكر نعمة ربك ولا تطلب [ص:87] زيادة تطغيك (ابن آدم لا بقليل تقنع) أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة. " والقناعة " الرضا بما قسم وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة وهو معنى قولهم القناعة الرضا باليسير. ولعل المراد هنا بقوله: " تقنع " لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله (ولا من كثير تشبع) وهو من أنواع البديع المستحسنة والباء في " بقليل " للمصاحبة ومن في " من كثير " بمعنى الباء ثم لما نعى عليه حاله وذم إليه خصاله حثه على الزهادة وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة فقال: (ابن آدم إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (معافى) أي سالما من الأسقام والآثام ومن قصره على الأول فقد قصر. والعافية السلامة ودفع البلاء والمكروه (في جسدك) بدنك. قال الراغب: والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء (آمنا) بالمد وكسر الميم (في شربك) بكسر فسكون نفسك أو بفتح فسكون مذهبك ومسلكك أو بفتحتين بيتك (عندك قوت يومك) ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك وخص اليوم لأنه يستتبعها أو لأن الليل غير محل للاقتيات. قال في الصحاح: القوت ما يقوم به البدن وفي المفردات ما يمسك الرمق (فعلى الدنيا العفا) بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر. قال الزمخشري: ومنه قولهم عليه العفاء إذا دعا عليه لعفو أثره. والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا فدع عنك ما عداه واشتغل بما يقربك إلى الله. قال الغزالي: مهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومر سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه. فقال: أتدرون ما يقول. قالوا: الله ونبيه أعلم. قال: يقول: أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاخية فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا. وقال صالح بن جناح لابنه: إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك فأكثر الشكر لله. فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد وانكفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد وميز القريب من البعيد والشقي من السعيد والسادة من العبيد وهذا هو المهيع الذي قبض بسطة وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته وسترة تواري عورته وما زاد متجر إن أنفقه ربحه وإن ادخره خسره. وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها جزيل نفعها بل هي أجل النعم على الإطلاق وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له أن لا يغفل عن وعظ الناس إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده وترهيب يرده ومواعظ ترققه وأعمال تصدقه وإخلاص يحققه لترتفع أستار الغفلة عن عيون القلوب وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه وبداعة ربطه وبراعة تلاحمه: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}
(عد هب) وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار (عن ابن عمر) بن الخطاب ونقله عن ابن عدي وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه والأمر بخلافه. بل قال أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي وذكر نحوه الحافظ ابن حجر فكان ينبغي حذفه(1/86)
66 - (ابن أخت القوم منهم) لأنه ينسب إلى بعضهم وهي أمه فهو متصل بأقربائه في كل ما يجب أن يتصل به [ص:88] كنصرة ومشورة ومودة وإفشاء سر ومعونة وبر وشفقة وإكرام ونحو ذلك. قال الطيبي: فمن اتصالية. ومن هذا التقرير تبين أنه لا حجة فيه لمن قال بتوريث ذوي الأرحام. قال ابن أبي جمرة: وحكمة ذكر ذلك إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلا عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا. . . بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فقصد بالحديث التحريض على الألفة بين الأقارب. قال بعض الأعاظم: ومما يدل على أن الحديث ليس على عمومه أنه لو كان عاما جاز أن ينسب إلى خاله مثلا وكان معارضا للحديث الصحيح: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " إلى غير ذلك من الأحاديث المصححة المصرحة بالوعيد الشديد على ذلك فعلم أنه خاص وأن المراد به أنه منهم في الصلة والمعونة والمدافعة عنه. والابن من البناء لأنه مبنى أبيه كما مر. والأخت تأنيث الأخ وجعل التاء فيها كالعوض من المحذوف منه وهو الواو إذ أصله أخو
(حم ق ت ن عن أنس) بن مالك (د) وكذا أحمد والطبراني (عن أبي موسى) الأشعري (طب) وكذا الضياء في المختارة (عن جبير) بضم الجيم مصغرا (ابن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين وبكسر الميم وكسر المهملة الثانية حكاه الكرماني وهو ابن عدي ابن نوفل القرشي من سادات قريش وأعاظمها. أسلم يوم حنين أو يوم الفتح وحسن إسلامه وكان حليما وقورا سيدا سندا (وعن ابن عباس) ترجمان القرآن (وعن أبي مالك) كعب بن عاصم أو عبيد أو عمرو أو الحارث (الأشعري) صحابي مشهور يعد في الشاميين ورواه أيضا أبو يعلى والحاكم وزاد بيان السبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: " اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم ثم قال: أتخرج إليهم أم يدخلون؟ قال: أخرج فخرج فقال: يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا: لا إلا ابن أختنا فذكره. ثم قال: يا معشر قريش إن أولى الناس بي المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي " قال أبو البقاء: في من وجهان أحدهما زائدة والتقدير هل فيكم غيركم. الثاني صفة لموصوف محذوف أي أحد من غيركم كقوله تعالى: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق} أي قوم مردوا على كل فالكلام تام وقولهم في الجواب إلا ابن أختنا يجوز رفعه على البدل ونصبه على الاستثناء(1/87)
67 - (ابن السبيل) أي المسافر والسبيل الطريق. قال في الكشاف: يذكران ويؤنثان سمي به للزومه له (أول شارب) من الشرب. قال الراغب: هو تناول كل مائع أو غيره قال مخرجه الطبراني وتبعه المؤلف (يعني) هو مقدم على المقيم من شربه (من) ماء بئر (زمزم) أي عند الازدحام لمقاساة المشاق وضعفه بالاغتراب واحتياجه إلى إبراد حر فراق الأحباب وظاهر قوله " من زمزم " أن هذه الأولية من خصائصها ولا كذلك ففي خبر البيهقي " ابن السبيل أحق بالماء والظل من الباني عليه " قال ابن الأثير: أراد أن ابن السبيل إذا مر بركية عليها قوم مقيمون فهو أحق بالماء منهم لأنه مجتاز وهم مقيمون. وأخرج البيهقي عن الحسن أن رجلا أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فأغرمهم عمر ديته
(طس عن أبي هريرة) قال الهيتمي: رجاله ثقات وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته(1/88)
68 - (أبو بكر) عبد الله أمير الشاكرين أفضل من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء وفاقا من أهل السنة وإلزاما للشيعة بما في الصحيح عن علي كرم الله وجهه أنه خير الناس. أسلم وأبوه وابنه وحفدته ولم يسجد لصنم قط ولا شرب خمرا [ص:89] وحديث أنه شربها قبل تحريمها وقعد ينوح على قتلى بدر فنزلت آية التحريم باطل ولهذا كانت عائشة تدعو على من ينسبه إليه:
تحيا بالسلامة أم بكر. . . فهل لي بعد قومي من سلام
وتقول: والله ما قاله. ومن ثم قال الأشعري: لم يزل بعين الرضا وإنما ذكره بكنيته لأن اشتهاره بها أكثر (وعمر) الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق الذي أعز الله به دعوة الصادق المصدوق وفرق به بين الفصل والهزل وأظهر نواميس الفضل والعدل وأيد بما قواه به من لوامع الطول المديد شواهق التوحيد فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة بما منحه الله من الصولة حتى شيدت الدولة (سيدا كهول أهل الجنة) يعني الكهول عند الموت لأنه ليس في الجنة كهل إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين فاعتبر ما كانا عليه عند فراق الدنيا ودخول الآخرة كذا قرره القرطبي وغيره وهو غير قويم إذ لو اعتبر ما كانا عليه عند الموت لما قال كهول بل شيوخ لأنهما ماتا شيخين لا كهلين فالأولى ما صار إليه بعضهم من أن المراد بالكهل هنا الحليم الرئيس العاقل المعتمد عليه يقال فلان كهل بني فلان وكاهلهم أي عمدتهم في المهمات وسيدهم في الملمات على أن ما صار إليه أولئك من أن الكهل من ناهز الأربعين غير متفق عليه ففي النهاية الكهل من زاد عن ثلاثين إلى أربعين وقيل من ثلاث وثلاثين إلى خمسين وفي الصحاح من جاوز الثلاثين وخطه الشيب نعم ذكر الحراني أن الكهولة من نيف وأربعين إلى نيف وستين وعليه يصح اعتبار ما كانا عليه قبل الموت (من الأولين والآخرين) أي الناس أجمعين. وهذا إطناب أتي به لقصد التعميم ودخول الكافة تحت حيطته إلا ما أخرجه بقوله (إلا) وفي رواية لكثيرين ما خلا (النبيين والمرسلين) زاد في رواية " يا علي لا يخبرهما " أي قبلي ليكون إخباري لهما أسر لهما لا أن ذلك لخوف الفتنة عليهما فقد أخبرهما بما هو أعظم ولم يفتتنا
(حم ق) في المناقب (هـ عن علي) قال الصدر المناوي سنده سند البخاري (هـ عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح المهملة وسكون المثناة تحت وبالفاء السوائي بضم المهملة وخفة الواو وبالمد واسمه وهب بن عبد الله أو وهب بن وهب بن سواء بن عامر بن صعصعة ويقال له وهب الخير كان علي يحبه وولاه بيت المال (ع والضياء) المقدسي (في المختارة عن أنس) بن مالك (طس) وكذا الحاكم في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله. قال الهيتمي رواه عن شيخه المقدام بن داود وقد ضعفه النسائي وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن أبي سعيد) الخدري. قال الهيتمي: فيه علي بن عابس وهو ضعيف. فرمز المؤلف لصحته ينزل على الطريق الأول أو مراده المتن(1/88)
69 - (أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس) أي هما مني في العزة كذلك أو هما من المسلمين بمنزلة السمع والبصر من البدن أو منزلتهما في الدين بمنزلتهما في البدن ويرجح الأخير بل تعينه رواية أبي نعيم: " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس " قال القاضي: وإنما وصفهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعهما وشدة حرصهما على النظر في الآيات في الأنفس والآفاق والتأمل فيها والاعتبار بها انتهى. وذلك منه إشارة إلى وجه حكمة تخصيص السمع والبصر دون غيرهما من الحواس والجوارح وقد عمل أبو بكر في الردة ما لم يلحقه فيه أحد ولم يكن بعده ردة مثلها إلى الآن فبعلمه رد الله الإسلام إلى الأمة فيا لها من فعلة توازي عمل الأمة. ومن ثم وزن بهم فرجحهم أما علمت أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ثم لم يجد مهلة حتى يمهد الإسلام ويجلى غريبه ويوضع المعالم ويمصر الأمصار ففعل ذلك عمر حتى ضرب الناس بعطن وأوسع منهل الدين وذلك ليس لأحد إلى مثله من سبيل. وعثمان وإن كان أحيى الأمة وعلي وإن كان أقضى الصحابة والأقضى كما قال السمهودي وغيره أعلم لكنهما وجدا الأمر مفروغا منه فلم يبق إلا التمسك به فبذلك اتضح قول الخبر هما مني بمنزلة السمع والبصر. " والبصر " إدراك العين ويطلق على القوة الباصرة وعلى العضو وكذا السمع
(ع) وكذا الحاكم في تاريخه (عن [ص:90] المطلب) بفتح الطاء المشددة (ابن عبد المطلب بن حنطب) بفتح المهملة وسكون النون وطاء مهملة مفتوحة المخزومي روى عن أبيه وأبي هريرة. وعنه ابناه. قال أبو زرعة: ثقة. وفي التقريب: صدوق كثير التدليس (عن أبيه) عبد الله قال الذهبي: قيل له صحبة ونفاها الترمذي. وقال في التقريب: مختلف في صحبته وله حديث مختلف في إسناده وهو هذا (عن جده) حنطب بن الحارث بن عبيد المخزومي أسلم يوم الفتح (قال) الحافظ أبو عمرو (بن عبد البر) النمري في الاستيعاب: (وماله) حديث (غيره) . قال في الإصابة: واختلف في إسناده اختلافا كثيرا انتهى. وفي أسد الغابة حنطب هذا له حديث واحد إسناده ضعيف وهو هذا (حل) وكذا ابن النجار (عن ابن عباس) وفيه الوليد بن الفضل عن عبد الله بن إدريس. قال الذهبي في الضعفاء: مجهول واه (خط عن جابر) ابن عبد الله لكن بلفظ " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس " ورواه الطبراني أيضا قال الهيتمي ورجاله ثقات انتهى. فكان ينبغي للمؤلف عزوه إليه(1/89)
70 - (أبو بكر خير الناس) لفظ رواية من عزاه له المؤلف: " أبو بكر خير الناس بعدي " وهكذا حكاه عنهم في الكبير فسقط من قلم المؤلف لفظ بعدي وفي رواية: " خير أهل الأرض " (إلا أن يكون) أي يوجد (نبي) فلا يكون خير الناس يعني هو أفضل الناس إلا نبي والمراد الجنس. ويكون هنا تامة ونبي مرفوع بها وجواب أن محذوف كما تقرر وهذه البعدية رتبية ويمكن جعلها زمانية والاستثناء لإخراج عيسى وكذا الخضر إن قلنا بما عليه الجمهور أنه نبي
(طب عد) وكذا الديلمي والخطيب عن عكرمة بن عمار بن إياس بن سلمة (عن سلمة) بفتح المهملة واللام بن عمرو (بن الأكوع) بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو ومهملة واسم الأكوع سنان أحد من بايع تحت الشجرة كان راميا مجيدا يسبق الفرس. ثم قال مخرجه ابن عدي: هذا الحديث أحد ما أنكر على عكرمة. وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني: فيه إسماعيل بن زياد الأبلي ضعيف انتهى. وفي الميزان: تفرد به إسماعيل هذا فإن لم يكن هو وضعه فالآفة ممن دونه(1/90)
71 - (أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار) أي الكهف الذي بجبل ثور حين الهجرة كما قال الله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} قالوا: من أنكر صحبة الصديق كفر لإنكاره النص الجلي. وفيه وما قبله جواز التكني بأبي فلان وإن لم يكن اسم ابنه إذ لم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر ولا يشترط للجواز كونه ذا ولد فقد كنيت عائشة بأم عبد الله ولم تلد وكنى المصطفى صلى الله عليه وسلم الصغير فقال يا أبا عمير ما فعل النغير. قال النووي في تهذيبه: ويستحب أن يكنى أهل الفضل من العلماء وغيرهم والتكنية نوع تفخيم للمكنى وإكرام له ومن ثم اختلف في حل كنية الكافر على أقوال ثالثها يجوز للذمي لا الحربي. قال: ويحرم تكنية الإنسان بما يكرهه سواء كان صفة له أو لأحد أصوله أو غير ذلك إلا إن تعين للتعريف وهل الأفضل الاسم أو الكنية قولان في المطامح عن مالك. قال الراغب: والصاحب الملازم إنسانا أو غيره زلا فرق بين كون مصاحبته بالبدن وهو الأصل أو بالعناية والهمة ولا يقال عرفا إلا لمن كثرت ملازمته <تنبيه> قضية تصرف المؤلف أن سياق الحديث هكذا فحسب والأمر بخلافه بل سقط من قلمه بعضه ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه: " أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا ذلك كله فلو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا " ثم قال: (سدوا كل خوخة) باب صغير (في المسجد) النبوي صيانة له عن التطرق. وقال الزمخشري: الخوخة مخترق بيتين ينصب عليهما باب. وقال مرة [ص:91] أخرى: الباب الصغير على الباب الكبير. وقال ابن حجر: الخوخة طاقة في الجدار تفتح للضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى محل مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب في بعض الروايات (غير) وفي رواية البخاري " إلا " (خوخة أبي بكر) فلا تسد تكريما له وإظهارا لتميزه بين الملأ. ثم هذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فذلك لأن أهل المنازل الملاصقة للمسجد قد جعلوا لبيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون منها إليه فأمر بسدها وترك خوخة أبي بكر إعظاما له ثم رمز للناس في ضمن ذلك إلى شأن الخلافة وإن أريد بها المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب القالة دون التطرق إليها والتطلع نحوها. قال بعضهم: والمجاز أقوى إذ لم يصح أن أبا بكر كان منزله بلصق المسجد بل بعوالي المدينة فالقصد بالأمر بالسد سد طرق منازعته في الخلافة على طريق الاستعارة. وتعقبه المحب الطبري بأنه كان له أيضا دار بلصق المسجد كما رواه عمر بن شيبة في تاريخ المدينة ثم إن ما ذكر عورض بما في عدة أخبار. قال ابن حجر في موضع بأسانيد قوية وفي آخر برجال ثقات من الأمر بسد كل باب في المسجد إلا باب علي وفي بعضها للطبراني: " قالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها " ولأحمد والنسائي والحاكم: " سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته " قال ابن حجر: ورجال الكل ثقات وللطبراني عن ابن سمرة " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب: وللنسائي من طريق العلاء بن عرار قلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه: " وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه " قال ابن حجر: ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء. وقد وثقه ابن معين وغيره قال: فهذه أحاديث كل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضتها لحديث أبي بكر مع أنه قد جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى باب علي لأن بابه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته غيره فلما أمروا بسدها سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول للمسجد منها فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر
(عم) وكذا الديلمي وابن مردويه (عن ابن عباس) . قال في الفتح: رجاله ثقات(1/90)
72 - (أبو بكر مني وأنا منه) أي هو متصل بي وأنا متصل به فهو كبعضي في المحبة والشفقة والطريقة أو هو عندي بمكان جليل أو هو بمكان مني في المودة وأنا منه بمكان فيها (وأبو بكر أخي) أي هو في القرب مني واللصوق بي كالأخ من النسب وزاد قوله (في الدنيا والآخرة) إشارة إلى كمال الارتباط وعدم الافتراق إلى الأبد وأصل الأخ المشارك في الولادة والرضاع ويستعار لكل مشارك لغيره في فضيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غير ذلك من المناسبات ذكره الراغب. " والدنيا " تأنيث الأدنى " والآخرة " تأنيث الآخر غلبتا على الدارين فجريا مجرى الأسماء
(فر عن عائشة) رمز لضعفه وليس يكفي منه ذلك بل كان ينبغي حذفه إذ فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. قال الذهبي في الضعفاء: كذبوه. وفي الميزان عن أبي حاتم: كان يكذب وعن الدارقطني: يضع الحديث. ثم رأيت المؤلف نفسه تعقبه بذلك في الأصل فقال فيه عبد الرحمن بن جبلة كذبوه(1/91)
73 - (أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان) بن عفان (في الجنة) أمير المؤمنين وأمه بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغر من النبي بست سنين. قال ابن سيرين: كثر المال في زمنه حتى يبعث جارية بوزنها وفرس بمئة ألف ونحلة بألف درهم ذبح صبرا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وله نيف وثمانون سنة وفضائله كثيرة (وعلي) بن أبي طالب (في الجنة [ص:92] وطلحة) بن عبد الله التيمي (في الجنة) قتل يوم الجمل ومناقبه ستجيء (والزبير) بن العوام حواري رسول الله وابن عمته (في الجنة) كيف لا وهو أول من سل سيفا في سبيل الله قبل بوم الجمل (وعبد الرحمن بن عوف) ابن عبد عوف بن عبد الحارث (في الجنة) بدري ذو هجرتين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك. قال الزهري: تصدق بأربعين ألف دينار وحمل على خمس مئة فرس في سبيل الله وكان عامة ماله من المتجر ومرض عثمان فعهد له بالخلافة فمات قبله عن خمس وسبعين سنة ونسبه ومن بعده إلى الأب دون من قبله لأن لأولئك من كمال الشهرة ومزيد الرفعة ما يزيد على غيرهم ولهذا كان أفضل العشرة الأربعة ثم طلحة والزبير ثم بقية العشرة (وسعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عيد مناف بن زهرة (في الجنة) كيف لا وهو فارس الإسلام أسلم سابع سبعة مات سنة خمس وسبعين (وسعيد بن زيد في الجنة) هو العدوي من السابقين الأولين أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل عمر مات سنة إحدى وخمسين (وأبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح في الجنة) وهو أمين هذه الأمة قتل أباه كافرا غضبا لله ولرسوله وقد سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم مسلك الإطناب حيث لم يقتصر على ذكر الجنة آخرا " قصدا " للكشف بعد الكشف والإيضاح غب الإيضاح ردا على الفرق الزائغة الطاغية الطاعنة في بعضهم. وكما يجب علي التبليغ في مكان الإجمال والإيجاز أن يحمل ويوجز فكذا الواجب في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع
يرمون بالخطب الطوال وتارة. . . وحي الملاحظ خفية الرقباء
قال بعض المحققين: والتبشير بالجنة لا يلزم منه الأمن من البعد عن كمال القرب وإنما اللازم الأمن من النار على أن الوعد لا يمنع الدهشة والحيرة والخوف عند الصدمة الأولى ومن ثم كانوا باكين خاشعين خائفين من سوء العاقبة سائلين العافية لاحتمالات باقية. فإن قلت: ينافي هذا الحديث ما في مسلم في الفضائل عن سعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي أنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام؟ قلت: لا منافاة لاحتمال أن حديثنا مما لم يسمعه سعد وسمعه غيره. قال ابن جرير: وفيه جواز الشهادة بالجنة لغير نبي وفساد قول من أنكر جوازها لأحد بعد النبي وما ورد في آثار من النهي عنه إنما هو في غير من شهد الله ورسوله له بها. قال: وقد ورد نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبشارة والشهادة بالجنة لغير العشرة أيضا كالحسنين وأمهما وجدتهما وجمع من الصحب أكثر من أن يحصوا انتهى. فتبين أنه لا تدافع بين هذا وبين تبشير العشرة لأن العدد لا ينفي الزائد ولأن العشرة خصوا بأنهم بشروا بها دفعة واحدة وغيرهم وقع مفرقا وقد شهد الله لأهل بيعة الرضوان بأنه رضي عنهم وهو بشارة بالجنة
(حم والضياء) المقدسي في المختارة وأبو نعيم وابن أبي شيبة وغيرهم (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل (ت) وكذا أحمد ولعله أغفله سهوا وأبو نعيم في المعرفة كلهم من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه (عن) جده (عبد الرحمن بن عوف) الزهري وعبد الرحمن هذا تابعي ثقة إمام وأبوه حميد أحد سادات التابعين ومشاهيرهم خرج لهما الجماعة. قال ابن حجر: يكفي من مناقبه هذا الحديث الحسن وحده فكيف مع كثرتها؟ ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده
74 - (أبو سفيان) بتثليث السين واسمه المغيرة (بن الحارث) ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأكبر ولد عبد المطلب كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فلما بعث عاداه وهجاه وصار من أشد الناس عليه ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه (سيد فتيان أهل [ص:93] الجنة) أي شبابها الأسخياء الكرماء وهذا عام مخصوص بغير الحسنين ونحوهما لأدلة أخرى توفي بالمدينة سنة عشرين وحفر قبره قبل موته بثلاث سنين بنفسه (ابن سعد) في طبقاته (ك) في المناقب (عن عروة) بضم أوله ابن الزبير ابن العوام تابعي كبير فقيه مجمع على جلالته وإمامته وهو أحد الفقهاء السبعة صام الدهر ومات وهو صائم سنة ثلاث أو أربع وتسعين (مرسلا) رواه ابن سعد باللفظ المذكور بلفظ: " سيد فتيان أهل الجنة " فلعل عروة سمعه مرتين ورواه الحاكم والطبراني موصولا بلفظ: " أبو سفيان بن الحارث خير أهل الجنة " قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي(1/91)
75 - (أتاكم) جاءكم أيها الصحابة وفي رواية لمسلم " جاء " (أهل اليمن) أي طائفة منهم وهو وفد الأشعريين ثم وفد حمير قدموا عليه بتبوك واليمن اسم لما عن يمين القبلة من بلاد الغور (هم أضعف قلوبا) أعطفها وأشفقها وفي رواية للشافعي: " ألين قلوبا " جمع قلب وهو القوة المدركة أو العقل أو العضو يعني اللحم الصنوبري النابت بالجنب الأيسر بناء على مذهب المتكلمين من أنه محل العلم والقوة المدركة قائمة به لا بالدماغ (وأرق أفئدة) ألينها وأسرعها قبولا للحق واستجابة للداعي لأنهم أجابوا إلى الإسلام بدون محاربة للين قلوبهم بخلاف أهل المشرق فهو وصف لهم بسلامة الفطرة إذ القلب القاسي لا يقبل الحق وإن كثرت دلائله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ولا يقبل الآيات إلا من لان قلبه فهو إلى نظر ما في الغيوب أقرب فهما في تفتيق خلال الحجب عن معرفة المراد " والفؤاد " وسط القلب أو غشاؤه أو عينه وصفه بوصفين إشارة إلى أن بناء الإيمان على الشفقة والرأفة على الخلق فمن كان في هذه الصفة أصفى قلبا كان للحكمة أهلا والمراد باللين خفض الجناح والاحتمال وترك الترفع إذ لا يظهر هذا الجلال إلا فيمن لان قلبه وقد قال صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " فنتج أن أهل اليمن أكمل الناس إيمانا وأن الحكمة من أوصاف من كمل إيمانه. قال بعض العارفين: وهذا مدح رفيع اختص به أهل اليمن وإنما يلين القلب لرطوبة الرحمة لأن المعرفة لا ينالها عبد إلا برحمة الله فإذا لان القلب برطوبة الرحمة ورق الفؤاد بحرارة النور ضعف القلب وذبلت النفس فمن لان قلبه أجاب داعي الإيمان بنور الرحمة الذي ناله ومن لم ينله قسا قلبه وعسر انقياده كغصن شجرة يابسة إذا مددته تكسر انتهى. وهذه صفة خواصهم دون عوامهم الذين أجابوا الأسود العنسي وطليحة الأسدي لما ادعيا النبوة على أن أراد به في خصوص هذه الرواية قوما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم إلى بلدهم كما ذكره ابن حجر. قال: وأبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد به واحد هو أويس القرني. ولما وصفهم بالعطف والشفقة والرقة المقتضية لكمال الإيمان أشار إلى أن ثمرة ذلك الفهم والحكمة بقوله (الفقه) أي الفهم في الدين أو أعم. قال الراغب: " الفقه " التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم: {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} (يمان) أي يمني فالألف فيه عوض عن ياء النسبة (والحكمة) قال القاضي: هي اشتغال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة والمداومة على الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية ولما لم يشمل تعريفه حكمة الله. قال بعض المحققين: الحكمة العلم بالأشياء كما هي والعمل بها كما ينبغي. قال ابن حجر أخذا من كلام النووي: والمراد بها هنا العلم المشتمل على المعرفة بالله. وقال في موضع آخر: أصح ما قيل فيها أنها وضع الشيء في محله (يمانية) بتخفيف الياء وتشدد كما قيل في الاقتضاب وحكاه المبرد وغيره لغة نادرة فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة وكانت الخلتان منتهى هممهم نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رؤسهم كنسبة الشيء إلى مقره ومن اتصف بشيء نسب إليه إشعارا بكماله فيه وإن شاركه غيره في ذلك الكمال. وقال ابن حجر: يحتمل أن المراد أن الإيمان يتأخر باليمن بعد فقده من جميع الأرض [ص:94] حتى تقبض الريح الطيبة أرواح المؤمنين وزعم أن المراد هنا الأنصار لأنهم يمانية أصالة فنسب الإيمان والحكمة إليهم رد بأن المخاطب بقوله: " أتاكم الصحب " كما تقرر وجمهورهم أهل الحرمين وما حولهما فعلم أن المبشر بهم غير المخاطبين
(ق ت عن أبي هريرة) وروياه عنه أيضا من وجه آخر بلفظ: " هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم "(1/93)
76 - (أتاني جبريل) كفعيل بالكسر وفيه نحو عشرين وجها وهو سرياني معناه عبد الرحمن أو عبد العزيز كما صح عن الحبر وإيل اسم الله عند الأكثر. قال البيهقي: واسمه وإن كان أعجميا لكنه موافق لمعناه العربي إذ الجبر إصلاح ما وهي وهو موكل بالوحي المصلح لما وهي من الدين (بالحمى) باؤه للتعدية وهي حرارة بين الجلد واللحم والعظم أنواعها متكثرة (والطاعون) بثرة مع لهب واسوداد من مادة سمية من وخز الجن. قال الزمخشري: هو من الطعن لأنهم يسمون الطواعين رماح الجن (فأمسكت) حبست (الحمى بالمدينة) النبوية لكونها لا تقتل غالبا بل قد تنفع كما بينه ابن القيم. وهذا كان أولا ثم لما رأى ما أصاب أصحابه حين هاجروا إليها من حماها من البلاء والسقم دعى الله فنقلها إلى الجحفة حتى صارت لا يمر بها طائر إلا حم وسقط كما يجيء لكن بقيت منها البقية للتكفير كما يدل له خبر ابن ذبالة مرفوعا فإنه يؤذن كما قال السمهودي ببقاء شيء منها بها كما هو الآن فالذي نقل سلطانا أو أعيد الخفيف منها للتكفير (وأرسلت الطاعون إلا الشأم) كالرأس همزا وتخفيفا وأنكر ابن الأثير المد يذكر ويؤنث إقليم معروف عن شمال القبلة يشتمل على بلاد قاعدتها دمشق سميت به لأن بأرضها شامات ملونة أو لكونها عن شمال القبلة وزعم أنها سميت بسام بن نوح لكونه أول من اختطها رده ابن جماعة بتصريح جمع بأنه لم يدخلها والله قادر على تصوير المعاني المعقولة بهيئة الأجسام المشخصة وخص الشام بإرساله لأنه كان بها في قصة الجبابرة مع موسى ولأنها أخصب الأرض والخصب مظنة الآشر والنظر فجعل بها ليزجرهم عن المنهيات ويقودهم للمأمورات وهذا لم يزل به سلطانها ومن ثم قالوا لا طواعين كطواعين الشام (فالطاعون شهادة) أخروية (لأمتي) أمة الإجابة (ورحمة لهم) أي مغفرة لذنوبهم ورفع لدرجاتهم بشروط تأتي (ورجز) وفي رواية " رجس " أي عذاب نشأ عن غضب. قال الزمخشري: من ارتجز اضطرب لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب (على الكافرين) وفي رواية " الكافر " والمراد به الجنس ولكون هذا كالتتمة والرديف لما قبله لم يراع تمام المقابلة بقوله " ونقمة لهم " قال ابن حجر: هذا يدل على أنه اختارها على الطاعون وأقرها بالمدينة ثم دعا الله فنقلها بالجحفة كما في الصحيحين وبقي منها بقية ولا يعارضه الدعاء برفع الوباء عنها لندرة وقوعه فيها بخلاف الطاعون لم ينقل قط أنه دخلها انتهى. وخص الجحفة بنقلها إليها لأنها كانت مساجد اليهود واستشكل نقل الحمى إليها مع جعلها ميقاتا للحج وأجيب بأنه لما علم من قواعد الشرع أنه لا يأمر بما فيه ضرر وجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها
(حم وابن سعد) في الطبقات والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي والماوردي وأبو نعيم وابن عساكر (عن أبي عسيب) بمهملتين كعظيم ويقال عصيب بصاد مهملة مولى المصطفى له صحبة وسماع ورواية واسمه أحمد. قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات ولذلك رمز المؤلف لصحته(1/94)
77 - (أتاني جبريل) لم يقل قال لي جبريل إيذانا بأنه أمر يهتم به بحيث أتاه تلك المرة خصوص ذلك القول اهتماما بشأنه فلم يكن ذكره له بطريق العرض في أثناء حديث فاوضه فيه وفي رواية للبخاري: " عرض لي في جانب [ص:95] الحرة (فقال: بشر أمتك) أمة الإجابة بقرينة ذكره البشارة ولو قال قل لأمتك لصلح لإرادة العموم (أنه) أي الشأن (من مات لا يشرك بالله شيئا) أي غير مشرك به شيئا فهو نصب على الحال من ضمير مات واقتصر على نفي الشرك لظهوره في ذلك الزمن والمراد مصدقا لما جاء به الشرع من كل ما يجب الإيمان به إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي وجواب الشرط (دخل الجنة) أي عاقبة أمره دخولها وإن مات مصرا على الكبائر ودخل النار (قلت يا جبريل) ناداه ليقبل على استماع سؤاله فيجيبه ويتلذذ بذكر اسم الجبيب (وإن سرق وإن زنى) أي أيدخل الجنة وإن سرق وإن زنى؟ ففيه استفهام مقدر ووجه الاستفهام ما تقرر عنده قبل ذلك من الآيات الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار فلما سمع أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أستفهم عن ذلك بقوله " وإن " إلى آخره (قال نعم) يدخلها وإن فعل ذلك وإنما بشره جبريل بذلك بأمر تلقاه عن ربه فكأنه تعالى قال له بشر محمدا أن من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن وقع منه ذلك ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث. باب كلام الرب مع جبريل ثم أورده (قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم) كرر الاستفهام استثباتا واشتياقا واستعظاما لشأن الدخول مع مباشرة الكبائر أو تعجبا منه واقتصر من الكبائر على ذينك لأن الحق إما لله أو للعباد فأشار بالزنا إلى الأول وبالسرقة إلى الثاني وبين أن دخول الجنة لا يتوقف على تجنبهما. قال السكي: وآثر ذكر السرقة على القتل مع كونه أقبح لكثرة وقوعها وقلة وقوع القتل فآثر ما يكثر وقوعه لشدة الحاجة للسؤال عنه على ما يندر. قال: والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة يبلغ القدر المشترك منها مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة الزاعمين خلود أرباب الكبائر في النار ثم أكد جبريل ما ذكره تتميما للمبالغة بقوله: (وإن شرب الخمر) فإن شربها لا يمنعه من دخولها ونص عليه إشارة إلى نحوسة هذه الكبيرة وفظاعتها لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على غيره من الحيوان وبوقوع الخلل فيه يزول التوقي الحاجز عن ارتكاب بقية الكبائر فأعظم به من مفسدة ومع ذلك يدخل شاربه الجنة وفيه إشعار بأن مجيء جبريل وإخباره بذلك كان بعد تحريمها
(حم ت) وقال صحيح (ن جب عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة أو يزيد بن عبد الله أو زيد بن جنادة أو جندب بن عبد الله أو جندب بن يشكر أو غير ذلك والأصح الأول من أكابر الصحابة وأفاضلهم وقدمائهم(1/94)
78 - (أتاني جبريل) وفي رواية عرض لي الظهر (فبشرني) أخبرني بما يسرني بأن قال لي (من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا) أي وشهد بأنك رسوله ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر لما مر (دخل الجنة) وإن لم يتب ولم يعف عنه (فقلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق) وارتكب كل كبيرة واقتحم كل فجور فلا بد من دخوله إياها إما ابتداء إن عفي عنه أو بعد دخوله النار حسبما نطقت به الأخبار الدالة على أنه لا يبقى في النار موحد فالكبائر لا تسلب الإيمان ولا تحبط الطاعة إذ لو كانت محبطة موازنة أو غيرها لزم أن لا تبقى لبعض الزناة أو السراق طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخول الجنة وبما تقرر آنفا علم أن جواب أن محذوف لدلالة الواو عليه لأنها ترد الكلام على أوله ولو سقطت الواو لكان الزنا والسرقة شرطا في دخول الجنة فالمعنى وإن زنى وإن سرق لم يمنعه ذلك من دخولها ثم إن في اختلاف هذا الحديث وما قبله زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا مع اتحاد الصحابي إما لأنه سمعه من المصطفى مرتين كذلك [ص:96] أو حكاه بلفظه مرة وبمعناه أخرى وسكت عن الخمر في إحدى الروايتين سهوا أو لعروض شاغل (تتمة) سئل شيخ الطائفة الجنيد: هل يسرق العارف؟ قال: لا قيل: فهل يزني؟ فأطرق مليا ثم قال: {وكان أمر الله قدرا مقدورا} . <تنبيه> قال بعض المحققين: قد تتخذ البطلة أمثال هذه الأخبار ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظنا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية لا أثر له فتفضي إلى الانخلاع من الدين وانفكاك قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى هملا وذلك مفض إلى خراب الدنيا والآخرة مع أن قوله في بعض طرق الحديث " أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا " يتضمن اشترط العمل فيجب ضم بعض الأحاديث إلى بعض فإنها كالحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها انتهى. وهذه قعقعة لا حاجة إليها مع ما قررناه أنفا أن كل من مات مؤمنا دخل الجنة فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخلها وحرم على النار وإلا فيقطع بدخوله الجنة آخرا وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه كما قال النووي أنه مذهب أهل السنة قال الطيبي: وهو قانون عظيم في الدين وعليه مبني قواعد الجماعة أن الحسن والقبح شرعيان وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
(ق عن أبي ذر) قال: واللفظ للبخاري. سببه " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة فاستقبلنا أحدا فقال: يا أبا ذر ما يسرني أن عندي مثل هذا ذهبا يمضي علي ثلاث وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وشماله وخلفه ثم قال: مكانك لا تبرح حتى آتيك ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض له فأردت أن أتبعه فذكرت قوله لا تبرح فلم أبرح حتى أتاني فقلت: سمعت صوتا تخوفت منه قال: وهل سمعته قلت: نعم قال: ذاك جبريل أتاني " فذكره(1/95)
79 - (أتاني جبريل) في حجة الوداع (فقال يا محمد كن عجاجا) رافعا صوتك بالتلبية (ثجاجا) بالتشديد فيهما سيالا لدماء الهدي بأن تنحرها أو المراد الأمر بالحج نفسه أي حج الحج الذي فيه العج الثج وأراد بهما الاستيعاب فابتدأ بالإحرام الذي هو الإهلال وختم بالتحلل الذي هو إهراق دماء الهدي فاقتصر بالمبدأ والمنتهى عن جميع الأعمال. والمعنى كن حاجا حجا تستوعب فيه جميع أعماله من أركان وشروط وآداب. أفاده بعض الأعاظم
(حم والضياء) المقدسي وكذا الطبراني وابن لال والديلمي (عن السائب بن خلاد) ابن سويد الخزرجي الكعبي المدني له صحبة ولي إمارة اليمن لمعاوية. قال الهيتمي: فيه ابن اسحاق ثقة لكنه مدلس(1/96)
80 - (أتاني جبريل فقال يا محمد) صرح باسمه تلذذا بذكره وتيمنا وإشعارا بكونه محمودا في الملأ الأعلى (كن عجاجا بالتلبية) أي رافعا صوتك بقول لبيك اللهم لبيك أي إجابة بعد إجابة ولزوما لطاعتك بعد لزوم فالتثنية للتأكيد لا تثنية حقيقية وأصل التلبية إجابة النداء. وهي من آداب الخطاب تدل على تعظيم الداعي في إجابته (ثجاجا بنحر البدن) المهداة أو المجعولة أضحية " والعج " بفتح المهملة وشد الجيم رفع الصوت بالدعاء أو غيره " والثج " بفتح المثلثة وشد الجيم إراقة دم الذبيحة " والبدنة " من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة للذكر والأنثى. وفيه كالذي قبله ندب رفع الصوت بالتلبية في النسك للرجل لكن بحيث لا يتأذى ولا يؤذي وإلا كره لخبر: " اربعوا (1) على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا " ويكثر منها مادام محرما وتتأكد لتغاير الأحوال كصعود وهبوط واجتماع وافتراق وبعد كل صلاة ولو نفلا وإقبال ليل أو نهار وتقتصر المرأة والخنثى على إسماع نفسها فإن جهرت كره ولا يزيد على تلبية المصطفى وهي: " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فإن زاد لم [ص:97] يكره عند الشافعي (القاضي عبد الجبار) بن أحمد الهمداني. قال الرافعي: ولي قضاء قزوين وغيرها واعتنى به الصاحب ابن عباد وسأله تقليدا أطنب فيه كعادته وكان شافعيا في الفروع معتزليا في الأصول وأملى عدة أحاديث وصنف كثيرا في التفسير والكلام. قال الخليل: كنيت عنه وكان ثقة في حديثه لكنه داع إلى البدعة لا تحل الرواية عنه. وقال التوحيدي: خبيث المعتقد قليل اليقين انتهى. وبه ضعف الحديث (في أماليه) الحديثية
(عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه عنه الإمام الرافعي في تاريخ قزوين بإسناده ولو عزاه المؤلف إليه لكان أولى
_________
(1) [اربعوا: بهمزة وصل وفتح الباء كما في شرح مسلم للنووي. دار الحديث](1/96)
81 - (أتاني جبريل فأمرني) عن الله تعالى بدليل الرواية الآتية أمر ندب (أن آمر أصحابي ومن معي) عطفه على أصحابه دفعا لتوهم أن مراده بهم من صحبه وعرف به لطول ملازمته وخدمته دون من رافقه واتبعه وقتا ما فجمع بينهما ليفيد أن مراده بهم من صحبه ولو في وقت حتى من لم يره إلا مرة فالعطف لزيادة الاهتمام بشأن تعليمهم إذ من قرب عهده بالإسلام أو بالهجرة أحق بتأكيد الوصية والتعريف بالسنة والإعلام بالأحكام وأما الخواص فمظنة الإطلاع على خفايا الشريعة ودقائقها واحتمال إرادة المعية في الدين ساقط وفي رواية لمالك والشافعي أو من معي بأو بدل الواو شك من الراوي وتجوز ابن الأثير كون الشك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نوع سهو ولا يعصم عنه ركيك متعسف (أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) إظهارا لشعائر الإسلام وتعليما للجاهل ما هو مندوب في ذلك المقام. قال ابن العربي: وذلك أنهم كانوا يوقرون المصطفى ويمتثلون ما أمروا به من خفض الصوت في التكبير والتسبيح في السفر فاستثنى لهم التلبية من ذلك فصاروا يرفعون أصواتهم بها جدا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما في الفتح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم وأخرج أيضا بإسناد صحيح عن بكر المزني كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين قالوا: ومعنى التلبية كما في حديث ابن عباس وغيره إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج فأجابوه وهم في الأصلاب والأرحام ومن لم يجبه لم يحج وفيه مشروعية التلبية تنبيها على إكرام الله لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه وقوله بالتلبية هي رواية النسائي وفي رواية الترمذي وابن ماجه بدله بالإهلال ولأبي داود بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما
(حم 4 حب ك) وصححه (هق) وكذا مالك والشافعي والضياء في الحج (عن السائب بن خلاد) بن سويد الخزرجي قيل بدري واعترض قال الترمذي: حسن صحيح قال ابن العربي: هذا مع أنه رواه موسى بن عقبة عن المطلب فربك أعلم فلذلك لم يدخله البخاري في صحيحه وأدخل حديث أبي قلابة عن أنس وقال ابن حجر: رجاله ثقات لكن اختلف على التابعي صحابيه(1/97)
82 - (أتاني جبريل فقال لي: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك) ندبا (أن) أي بأن (يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج) أي من أعلامه وعلاماته وأعماله الواحدة شعيرة أو شعارة بالكسر والمشاعر مواضع النسك وقال الزمخشري أعلام الحج وأعماله وكما أنها من شعار الحج هي من شعار العمرة واقتصر عليه لأنه قاله عند إحرامه بحجة الوداع وأخذ أبو حنيفة بظاهر هذا الخبر وما قبله أن الحج لا ينعقد بدون تلبية وسوق هدي وقياسا على الصلاة ورد الشافعية الأول بأن الأمر للندب وإلا لزم الصوت والثاني بأنه قياس مع وجود الفارق إذ القصد من الصلاة الذكر
(حم هـ حب ك) وكذا أبو يعلى وابن خزيمة والطبراني والبيهقي والضياء (عن زيد بن خالد) الجهني(1/97)
[ص:98] 83 - (أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك) المحسن إلي وإليك بجليل التربية المزكي لي ولك بجميل التزكية وفي الإضافة تشريف أي تشريف وكما تفيد إضافة العبد إليه سبحانه تشريفه فكذا إضافته إليه تعالى تفيده بل ذلك أقوى إفادة (يقول لك) أطنب بزيادة لك لينبه على كمال العناية ومزيد الوجاهة عنده والرعاية. وفي المعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن معنى ورفعنا لك ذكرك فقال: قال الله لا أذكر إلا ذكرت معي فكأنه بعد السؤال جاء وقال إن ربي وربك إلى آخره (تدري) مستفهم عنه حذفت همزته تخفيفا لكثرة وقوعها في الاستفهام أي أتدري (كيف رفعت ذكرك) أي على أي حال وكيفية رفعته إذ كيف اسم مبهم يستفهم به عن الحال والرفع من الرفعة وهي الشرف وارتفاع القدر والذكر إجراء اللفظ المعرب عن الشيء على لسان المتكلم وهو بكسر الذال وهذا الكلام بعد السؤال عنها من قبيل الانبساط مع المحبوب ولأجل زيادة التوجه والانتظار قال: (قلت) في رواية فقلت: (الله أعلم) أي من كل عالم وفيه رد على من كره أن يقال: والله أعلم مطلقا أو عقب ختم نحو الدرس ولا إبهام فيه خلافا لزاعمه بل هو في غاية التفويض المطلوب وحسبك في الرد عليه قوله سبحانه {الله أعلم حيث يجعل رسالته} وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: وأبردها على كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول الله أعلم ولا يعارضه ما في البخاري أن عمر سأل الصحب عن سورة النصر فقالوا الله أعلم فغضب وقال قولوا نعلم أو لا نعلم لأنه فيمن جعل الجواب له ذريعة إلى عدم إخباره عما سئل عنه وهو يعلم (قال لا أذكر) مجهول المتكلم (إلا ذكرت) مجهول المخاطب (معي) أي كثيرا أو عادة أو في مواطن معروفة كالخطب والتشهد والتأذين فلا يصح شيء منها من أحد حتى يشهد أنه رسوله شهادة تيقن وأي رفع أعظم من ذلك؟ وبتأمله يعرف اندفاع الاستيعاب بأن الشهادة الثانية قد لا تذكر فتدبر
(ع حب) وابن عساكر والرهاوي في الأربعين (والضياء) المقدسي (في) كتاب (المختارة) مما ليس في الصحيحين (عن أبي سعيد) الخدري ورواه عنه الطبراني باللفظ المذكور قال الهيتمي: وإسناده حسن(1/98)
84 - (أتاني جبريل) قال في الربيع ويقال له طاوس الملائكة وكان هذا الإتيان في المدينة كما ذكره ابن الأثير (في خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين لباس أخضر وروي بسكون الضاد ممدودا ذكره الهروي كالقاضي (تعلق) بمثناة فوقية فمهملة فلام مشددة فقاف مفتوحات (به) أي الخضر (الدر) بضم المهملة اللؤلؤ العظام أي جاءني في لباس أخضر تعلق به اللؤلؤ العظام بأن تمثل له بتلك الهيئة الحسنة وذلك المنظر البهيج البهي فكان يأتيه على هيئات كثيرة ورآه مرتين بصورته الأصلية بست مئة جناح كل جناح يسد ما بين الخافقين وكان يأتيه بصورة دحية وتمثل بمكة بصورة فحل من الإبل فاتحا فاه ليلتقم أبا جهل. واختلف في هذه التطورات فقيل إن الله يفني الزائد من خلقه وقيل مجرد تخلييل للرائي وقيل بالتداخل وقال الراغب: والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد إلى السواد أقرب فلهذا سمي الأسود أخضر وعكسه وقيل سواد العراق للموضع الذي تكثر فيه الخضرة فإن قلت: هل لتمثله له في لباس أخضر دون غيره من الألوان من حكمة؟ قلت: أجل وهي الإشارة إلى أنه كثير الخير والبركة وأن بينه وبينه مودة متأكدة وصداقة ثابتة وهي في كل وقت متجددة وإن ذلك العام خصب وربيع ألا ترى إلى قول الزمخشري من المجاز فلان أخضر كثير الخير والأمر بيننا أخضر جديد لم يخلق والمودة بيننا خضراء؟ انتهى
(قط في) كتاب (الإفراد) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة (عن ابن مسعود) وضعفه(1/98)
[ص:99] 85 - (أتاني جبريل فقال إذا توضأت) من الوضاءة وهي الحسن والنضارة والوضوء بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به وهل المراد أنه اسم للماء مطلقا أو للمعد للوضوء أو لما استعمل في أعضائه؟ خلاف (فخلل) ندبا مؤكدا (لحيتك) من التخليل وهو تفريق الشعر ونحوه وأصله إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه فيندب تخليل لحية الذكر الكثة والأفضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل ونبه بذكر اللحية على ندب تخليل كل شعر يجب غسل ظاهره فقط لكن يستثنى المحرم فلا يخلل إلا إن أمن انتتاف شيء من شعره يقينا ويأتي إن شاء الله تعالى في عدة أحاديث ندب تخليل أصابع اليدين والرجلين أيضا ويظهر أن تخليل اللحية آكد لاختصاره عليها هنا
(ش) وكذا ابن عدي وغيره (عن أنس) رمز لحسنه وهو زلل فقد قال ابن حجر بعد عزوه لابن أبي شيبة وابن ماجه وابن عدي في إسناده ضعف شديد هذه عبارته وقال ابن الهمام وهو معلول لكن يقويه بعض قوة ما رواه ابن منيع والديلمي عن أنس أيضا أتاني جبريل فأمرني أن أخلل لحيتي عند الطهور وفيه الهيثم بن حماد عن الرقاشي قال النسائي وغيره وهما متروكان قال الكمال وللتخلل طرق منكرة عن أكثر من عشرة من الصحابة وبها يتقوى(1/99)
86 - (أتاني جبريل بقدر) أي بطعام في قدر ويأتي في خبر أنه هريسة وهي لحم وقمح يطبخان معا كما في الوشاح وزاد في رواية ذكرها في الأصل كغيره يقال لها الكفيت بالتصغير والقدر بكسر فسكون إناء يطبخ فيه وهي مؤنثة وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس (فأكلت) أي فقال كل فأكلت (منها) أي مما فيها وكان من طعام الجنة لما رواه أبو نعيم في الطب بإسناد رواه عن معاذ قيل يا رسول الله هل أتيت من طعام الجنة بشيء قال نعم أتاني جبريل بهريسة فأكلتها فزادت قوتي قوة أربعين رجلا في النكاح (فأعطيت قوة) أي قدرة (أربعين) فهي صدقة الاقتدار على الشيء والقوة من أعلى صفات الكمال قال تعالى في صفة جبريل {ذي قوة} . (رجلا) في بعض الروايات حذف المميز وهذه الرواية تفسره وفي رواية زيادة من أهل الجنة والرجل الذكر من بني آدم وقد يقال للجن أيضا بخلاف الملك فقد قال ابن حجر كبعض المتقدمين الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا فلا يقال لهم رجال وأما الجن فيتوالدون فلا يمتنع أن يقال لهم رجال (في الجماع) زاد أبو نعيم عن مجاهد وكل رجل من أهل الجنة يعطى قوة مئة وصححه الترمذي وقال غريب وأربعون في مئة بأربعة آلاف (فإن قلت) هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ قلت: نعم بل هي معجزة من معجزاته السنية إذ قد تواتر تواترا معنويا أنه كان قليل الأكل إذ الرحم يجذب قوة الرجل ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء فكثرة الجماع لا تجامع قلة الغذاء عقلا ولا طبا ولا عرفا إلا أن يقع على وجه خرق العادة فكان من قبيل الجمع بين الضدين وذلك من أعظم المعجزات فتدبر ثم رأيت بعضهم قال كان النبي صلى الله عليه وسلم القوة الظاهرة على الخلق في الوطء وكان له في الأكل القناعة ليجمع الله له الفضلين في الأمور الاعتيادية كما جمع له الفضيلتين في الأمور الشرعية ليكون كاملا في الدارين حائزا للفخرين (فإن قلت) إذا كان الجماع مما يمتدح بكثرته فكان القياس أن لا يقتصر منهن على تسع وقد كان لسليمان ألف حليلة وما من فضيلة أوتيها نبي إلا وقد أوتي جامع الرسل مثلها أو أعلى؟ قلت: قلة عدد النسوة مع كثرة الجماع أظهر في المعجزة لأن كثرته في قليلهن أقوى من الكثير في الكثير بشهادة الوجدان قيل: وفيه أن له الزيادة على تسع لأنه لما أعطي قوة ما ذكر من العدد فله التزوج بقدر ما أعطي من القوة وليس في محله إذ العدد القليل منهن يكفي العدد الكثير من الرجال ثم إنه لم يبين هذا المأكول الذي في القدر وبينه في خبر الدارقطني عن جابر وابن عباس [ص:100] مرفوعا: أطعمني جبريل الهريسة أشد بها على ظهري وأتقوى بها على الصلاة انتهى قال الذهبي: وهو واه. وقال بعضهم: ضعيف جدا بل ألف الحافظ ابن ناصر الدين فيه جزءا ذكر فيه أنه موضوع سماه رفع الدسيسة عن أخبار الهريسة <تنبيه> أخذ بعضهم من هذا الحديث أنه يندب للرجل تناول ما يقوي شهوته للوقاع كالأدوية المقوية للمعدة لتعظم شهوتها للطعام وكالأدوية المثيرة للشهوة ورده الغزالي بأن المصطفى إنما فعل ذلك لأنه كان عنده منهن العدد الكثير ويحرم على غيره نكاحهن إن طلقهن فكان طلبه القوة لهذا المعنى لا للتلذذ والتنعم وبأنه لا يشتغل قلبه عن ربه بشيء فلا تقاس الملائكة بالحدادين قال وما مثال من يفعل ما يعظم شهوته إلا كمن بلي بسباع ضارية وبهائم عادية فينام عنه أحيانا فيحتال لإثارتها وتهييجها ثم يشتغل بعلاجها وإصلاحها فإن شهوة الطعام والوقاع على التحقيق آلام يراد التخلص منها والتداوي لدفعها عند كمل المؤمنين وأساطين المتقين ووجوه العارفين
(ابن سعد) في طبقاته (عن صفوان بن سليم) الزهري التابعي (مرسلا) هو الإمام القدوة ممن يستشفى بذكره قيل لم يضع جنبه الأرض منذ أربعين سنة ومناقبه سائرة والحديث وصله أبو نعيم والديلمي من حديث صفوان عن عطاء عن أبي هريرة يرفعه ورواه الخطيب وابن السني في الطب عن حذيفة مرفوعا ثم إن فيه سفيان بن وكيع قال الذهبي عن أبي زرعة متهم بالكذب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شواهد(1/99)
87 - (أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي) وذلك عند انصرافه من غار حراء كما في الدلائل وغيرها (فعلمني الوضوء) بالضم استعمال الماء في الأعضاء الأربعة بالنية عند الشافعية وكذا بدونها عند الحنفية (والصلاة) الأذكار المعروفة والأفعال المشهورة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأصلها الدعاء قال الله تعالى {وصل عليهم} أي ادع لهم وفيما نقله الشرع إليه باشتمال على الدعاء قال في الوفاء لم يذكر كيفية الصلاة في هذا الحديث وقد ذكر في حديث البراء أنها ركعتان وهذه الصلاة كانت نفلا لأن الخمس لم تفرض إلا ليلة الإسراء وقيل بل فرضت الصلاة قبله ركعتين قبل غروب الشمس وركعتين قبل طلوعها ثم فرضت الخمس ليلة الإسراء وهو مروي عن عائشة وغيرها وقيل بل المراد بالصلاة هنا التهجد فإنه فرض عليه ثم نسخ قال السهيلي: فالوضوء على هذا الحديث مكي بالفرض مدني بالتلاوة لأن آية الوضوء كانت قبل فرض الصلاة يعني الصلوات ليلة الإسراء قال: ويقويه قوله في خبر فيه لين أن جبريل علمه إياه حين نزول الوحي عليه في غار حراء وقال: ويؤيده ما في أخبار صحاح أن من قبلنا كانوا يتوضؤن للصلاة كما في قصة سارة والراهب (فلما فرغ الوضوء) أي أتمه (أخذ غرفة من الماء) قال ابن حجر في المختصر: وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف (فنضح) وفي رواية فرش (بها فرجه) يعني رش بالماء الإزار الذي يلي محل الفرح من الآدمي لأن جبريل ليس له فرج إذ الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث كما مر فيندب رش الفرج عقب الوضوء لدفع الوسوسة وفي رواية ذكرها ابن سيد الناس وجهه بدل فرجه وفي رواية الفرج والنضح الرش والفرج أصله فرجة بين شيئين ثم كنى به عن السوأة وكثر حتى صار كالصريح فيه
(حم قط ك) وكذا الحارث بن أبي أسامة (عن أسامة) بضم الهمزة (ابن زيد) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه (عن أبيه زيد) بن حارثة الكلبي مولى الرسول من السابقين الأولين استشهد يوم مؤتة سنة ثمان رمز المؤلف لصحته وليس كما ظن فقد أورده ابن الجوزي في العلل عن أسامة عن أبيه من طريقين في أحدهما ابن لهيعة والأخرى رشدين وقال ضعيفان قال والحديث باطل وقال مخرجه الدارقطني فيه ابن لهيعة ضعفوه وتابعه رشدين وهو ضعيف لكن يقويه كما قال بعض الحفاظ أورده من طريق ابن ماجه بمعناه وروى نحوه عن البراء وابن عباس أما الصحة فلا فلا(1/100)
[ص:101] 88 - (أتاني جبريل في ثلاث) أي ثلاث ليال (بقين) هي لغة عدي بن رباب فجعلوا كل يوم ليلة إذ التاريخ بالليالي فإن أول الشهر ليلته قالوا: وليس في العربية محل غلب فيه المؤنث على المذكر إلا في التاريخ (من ذي القعدة) بفتح القاف وتكسر سمي به لأن العرب قعدت فيه عن القتال تعظيما له قال ابن حجر: وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو أنه ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي (فقال دخلت العمرة) أي أعمالها (في) أعمال (الحج) لمن قرن فكيفية أعمال الحج عنها أو دخلت في وقته وأشهره بمعنى أنه يجوز فعلها فيها وأهل الجاهلية كانوا يرون أن فعلها فيها من أفجر الفجور فأبطله الشرع هذا هو الظاهر المتبادر من فحوى الخبر وتأوله المالكية كالحنفية على معنى سقوط وجوب العمرة بوجوب الحج كما سقط عاشوراء برمضان أي أن الحج أغنى عما دونه فلا يجب وعرض بأن ذلك وإن كان محتملا لكنه محتمل أيضا لأن يكون إشارة إلى القرآن وإلى جواز إيقاعها في أشهر الحج وأنه لا يقبل النسخ ويرشحه ختمه بالتأييد الآتي فحيث تطرق الاحتمال سقط الاستدلال وبقيت أدلة أخرى تدل للوجوب كآية {وأتموا الحج والعمرة لله} ويستمر هذا (إلى يوم القيامة) أول خراب الدنيا وانقراض المؤمنين بالريح الطيبة أي ليس هذا الحكم مختصا بهذا العام بل عام في جميع الأعوام ويلوح من فحواه أن يوم القيامة من الدنيا بمعنى أنه خاتمها ولا يعارضه خبر أشفع يوم القيامة لأن صدره من الدنيا وآخره من الآخرة كما صرح به ما رواه المزني في التهذيب أن الحجاج سأل عكرمة عن يوم القيامة أمن الدنيا أم من الآخرة فقال صدره من الدنيا وآخره من الآخرة
(طب عن ابن عباس) رمز المؤلف لحسنه (قلت) كما قال بعضهم (هذا) أي قوله ثلاث إلى آخره (أصل) يستدل به (في) مشروعية (التاريخ) وهو تعريف الوقت من حيث هو وقت والإرخ بكسر الهمزة الوقت يقال أرخت الكتاب يوم كذا وقته به وأرخه وورخه بمعنى ذكره في الصحاح وقيل هو قلب التأخير وقيل معرب لا عربي وقال الصولي: تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه ومنه قيل فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم وعرف عرفا بأنه توقيت الفعل بالزمان ليعرف ما بين قدر ابتدائه وأي غاية فرضت له وقيل هو عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده وقيل عبارة عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض لتعرف الأوقات المحددة فلا غنى عن التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية ثم إن ما ذكره من أن هذا أصله مراده به من أصوله وإلا فقد وقع الاستدلال بالتاريخ في النص القرآني {قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} وتفردت العرب بأنها تؤرخ بالسنة القمرية لا الشمسية فلذلك تقدم الليالي لأن الهلال إنما يظهر ليلا قال ابن الجوزي: ولما كثر بنو آدم أرخوا بهبوطه فكان التاريخ إلى الطوفان ثم إلى نار الخليل ثم إلى زمن يوسف ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم إلى زمن داود ثم سليمان ثم عيسى وقيل أرخت اليهود بخراب بيت المقدس والنصارى برفع المسيح وأما تاريخ الإسلام فروى الحاكم في الإكليل عن الزهري معضلا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول وروى أيضا الحاكم وغيره أن عمر جمع الناس في خلافته سنة سبع عشرة فقال بعضهم أرخ بالبعث وقال بعضهم بالهجرة فقال الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فاتفقوا عليه ولم يؤرخوا بالبعث لأن في وقته خلافا ولا من وفاته لما في تذكره من التألم لفراقه ولا من وقت قدومه المدينة وإنما جعلوه من أول المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه إذ البيعة كانت في ذي الحجة وهي مقدمة لها وأول هلال هل بعدها المحرم ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ وفوائد التاريخ لا تحصى منها أنه وقع في زمن الخطيب البغدادي أن يهوديا أظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أسقط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة جمع منهم على ذلك فوقع التنازع فيه فعرض على الخطيب فتأمله ثم قال: هذا زور [ص:102] لأن فيه شهادة معاوية وإنما أسلم عام الفتح وفتح خيبر سنة سبع وشهادة سعد بن معاذ وكان مات عقب قريظة ففرح الناس بذلك(1/101)
89 - (أتاني جبريل فقال) لي (يا محمد) خاطبه به دون رسول الله أو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المناسب لمقام الوعظ والتذكير والإيذان بفراق الأحباب والخروج من الدنيا ودخول الآخرة والحساب والجزاء وبدأ بذكر الموت لأنه أفظع ما يلقاه الإنسان وأبشعه فقال (عش ما شئت فإنك ميت) بالتشديد والتخفيف أي آيل إلى الموت عن قرب فهو مجاز باعتبار ما يكون في المستقبل قريبا قطعا (وأحبب) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الأولى (من شئت) من الخلق (فإنك مفارقه) بموت أو غيره وما من أحد في الدنيا إلا وهو ضعيف وما بيده عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة قال الغزالي للقصد بهذا تأديب النفس عن البطر والأشر والفرح بنعيم الدنيا بل بكل ما يزايله بالموت فإنه إذا علم أن من أحب شيئا يلزمه فراقه ويشقى لا محالة بفراقه شغل قلبه بحب من لا يفارقه وهو ذكر الله فإن ذلك يصحبه في القبر فلا يفارقه وكل ذلك يتم بالصبر أياما قلائل فالعمر قليل بالإضافة إلى حياة الآخرة وعند الصباح يحمد القوم السرى فلا بد لكل إنسان من مجاهدة فراق ما يحبه وما فيه فرحه من أسباب الدنيا وذلك يختلف باختلاف الناس فمن يفرح بمال أو جاه أو بقبول في الوعظ أو بالعز في القضاء والولاية أو بكثرة الإتباع في التدريس والإفادة يترك أولا ما به فرحه ثم يراقب الله حتى لا يشتغل إلا بذكر الله والفكر فيه ويكف عن شهواته ووساوسه حتى يقمع مادتها ويلزم ذلك بقية العمر فليس للجهاد آخر إلا الموت. قيل صاح طوطي بحضرة سليمان فقال تدرون ما يقول قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول كل حي ميت وكل جديد بال. وقال النسر يقول في صياحه يا ابن آدم اعمل ما شئت آخرك الموت (واعمل ما شئت) من خير (فإنك مجزي به) بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الزاي وشد المثناة تحت أي مقضى عليك بما يقتضيه عملك وبضم الميم وفتح الزاي منونا أي مكافأ عليه. ولما ذكر الموت والمجازاة وخوف بما علم منه أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره أردفه ببيان أعظم نافع من تلك الأهوال فقال (واعلم) بصيغة الأمر إفادة لغير ما علم للدلالة على أنه تعلم وعلم لأن العلم لا يتم حتى يصل إلى الغير فيجمع فضل العلم والتعليم ذكره الحراني (أن شرف المؤمن) رفعته قال الزمخشري من المجاز لفلان شرف وهو علو المنزلة (قيامه بالليل) أي علاه ورفعته إحياء الليل بدوام التهجد فيه والذكر والتلاوة وهذا بيان لشيء من العمل المشار إليه بقوله اعمل ما شئت ولما كان الشرف والعز أخوين استطرد ذكر ما يحصل به العز فقال (وعزه) قوته وعظمته وغلبته على غيره (استغناؤه) اكتفاؤه بما قسم له (عن الناس) أي عما في أيديهم ولهذا قال حاتم لأحمد وقد سأله: ما السلامة من الدنيا وأهلها؟ قال: أن تغفر لهم جهلهم وتمنع جهلك عنهم وتبذل لهم ما في يدك وتكون مما في أيديهم آيسا قال الغزالي: ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان ففي القناعة العز والحرية ولذلك قيل استغن عمن شئت فأنت نظيره واحتج إلى من شئت فأنت أسيره وأحسن إلى من شئت فأنت أميره وقال بعضهم: الفقر لباس الأحرار والغنى بالله لباس الأبرار والقيام انتصاب القامة ولما كانت هيئة الانتصاب أكمل هيآت من له القامة وأحسنها استعير ذلك للمحافظة على استعمال الإنسان نفسه في الصلاة ليلا فمعنى قيام الليل المحافظة على الصلاة فيه وعدم تعطيله باستغراقه بالنوم أو اللهو قال الزمخشري: قام على الأمر دام وثبت. وقد تضمن الحديث التنبيه على قصر الأمل والتذكير بالموت واغتنام العبادة وعدم الاغترار بالاجتماع والحث على التهجد وبيان جلالة علم جبريل وغير ذلك قال الغزالي: جمعت هذه الكلمات حكم الأولين والآخرين وهي كافية للمتأمل فيها طول العمر إذ لو وقف على معانيها وغلبت على قلبه غلبة يقين استغرقته وحالت بينه وبين النظر إلى الدنيا بالكلية والتلذذ بشهواتها وقد أوتي المصطفى صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وكل كلمة من كلماته بحر من بحور الحكمة
(الشيرازي في) [ص:103] كتاب معرفة (الألقاب) والكنى عن إسماعيل عن زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل بن سعد
(ك) في الرقاق من طريق عيسى بن صبح عن زافر (هب) من طريق محمد بن حميد عن عيسى بن صبح عن زافر عن ابن عيينة عن أبي حازم (عن سهل بن سعد) بن مالك الخزرجي الساعدي قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص مع أن زافر أورده هو وغيره في الضعفاء ولهذا جزم الحافظ العراقي في المغني بضعف الحديث قال: وجعله بعضهم من كلام سهل ومراد القضاعي (هب) من طريق أبي داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير (عن جابر) ابن عبد الله (حل) عن محمد بن عمر عن محمد بن الحسن وعلي بن الوليد قالا: حدثنا علي بن حفص بن عمر عن الحسن ابن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسن (عن علي) أمير المؤمنين وزاد في هذه الرواية فقال صلى الله عليه وسلم لقد أوجز لي جبريل في الخطبة قال ابن حجر في أماليه أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن صبح عن زافر وصححه والبيهقي من طريق ابن حميد عن زافر قال: أعني ابن حجر تفرد به بهذا الإسناد زافر وماله طريق غيره وهو صدوق كثير الوهم والراوي عنه فيه مقال لكن توبع قال: وقد اختلف فيه نظر حافظين فسلكا طريقين متناقضين فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع ولو توبع زافر لكان حسنا لكن جزم العراقي في الرد على الصنعاني والمنذري في ترغيبه بحسنه(1/102)
90 - (أتاني آت) أي ملك أو هو النفث وهو ما يلقيه الله إلى نبيه إلهاما كشفيا بمشاهدة عين اليقين (من عند ربي) أي برسالة بأمره وأطنب بزيادة العندية إيذانا بتأكد القضية (فخيرني) في الآتي عن الله وعبر بالرب المشعر بالتربية والإحسان والامتنان وتبليغ الشيء إلى كماله لأنه أنسب بالمقام (بين أن يدخل) بضم أوله يعني الله (نصف أمتي) أمة الإجابة (الجنة وبين الشفاعة) أي شفاعتي فيهم يوم القيامة (فاخترت الشفاعة) لعمومها إذ بها يدخلها ولو بعد دخول النار كل من مات مؤمنا كما قال (وهي) أي والحال أنها كائنة أو حاصلة ويحتمل جعل الواو للقسم أي والله هي حاصلة (لمن مات) من هذه الأمة ولو مع إصراره على جميع الكبائر لكنه (لا يشرك بالله شيئا) أي ويشهد أني رسوله ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر لعلمهم بأنه لابد من الإتيان بهما لصحة الإسلام فالمراد أنه يكون مؤمنا بكل ما يجب الإيمان به وهذا متضمن لكرامة المصطفى على ربه وأفضاله على أمته ووفور شفقة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم قال الحراني: وحقيقة الشفاعة وصلة بين الشفيع والمشفوع له لمزيد وصلة بين الشفيع والمشفوع عنده وقال القاضي: الشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه والشيء على ما قال سيبويه يقع على كل ما أخبر عنه وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص ويجري على الجسم والعرض والقديم والمعدوم والمحال وقول الأشاعرة المعدوم ليس بشيء معناه ليس يتميز في الأعيان. ثم إنه ليس لك أن تقول هذا يناقضه ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك ولكن وعزتي وكبريائي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله والمراد بالقائل لا إله إلا الله من مات معتقدا لها فهو الذي مات لا يشرك بالله شيئا فإذا لم يكن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكيف قال: إن هؤلاء تنالهم شفاعة لأنا نقول قد قيد المصطفى صلى الله عليه وسلم من تناله شفاعته مع كونه مات غير مشرك بكونه من أمته والذي جاء فيه أنه ليس إليه غير مقيد بها فحصل التوفيق بأن الذين تنالهم شفاعته هم موحدو أمته والذي استأثر الله به موحدو غيرها كما حرره المحقق أبو زرعة
(حم عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعرس بنا فانتهيت ليلا لمناخه فلم أجده [ص:104] فطلبته بارزا فإذا رجل من أصحابي يطلب ما أطلب فطلع علينا فقلنا: أنت بأرض حرب فلو إذ بدت لك حاجة فقلت لبعض صحبك فقام معك فقال: سمعت هزيزا كهزيز الرحى وحنينا كحنين النحل وأتاني آت إلى آخره فكان ينبغي للمؤلف ذكره بتمامه في حرف السين قال الهيتمي: رجال أحمد ثقات (ت حب عن) أبي حماد (عوف) بفتح فسكون (ابن مالك) بن عوف الغطفاني (الأشجعي) نسبة إلى أشجع قبيلة مشهورة صحابي كانت معه راية أشجع يوم الفتح نزل حمص وبقي إلى أول خلافة عبد الملك(1/103)
91 - (أتاني آت من عند ربي عز وجل فقال من صلى عليك من أمتك) الإضافة للتشريف قال الحراني: الصلاة الإقبال بالكلية على أمر فيكون من الأعلى عطفا شاملا ومن الأدنى وفاء بانحاء التذلل والإقبال بالكلية على التلقي (صلاة) أي طلب لك من الله دوام التشريف ومزيد التعظيم ونكرها ليفيد حصولها بأي لفظ كان لكن الأفضل ما في الصحيح قولوا اللهم صل على محمد وقال من صلى دون من ترحم إيذانا بأنه لا يدعى له بالرحمة كما في الاستذكار وإن كانت بمعنى الصلاة عند كثيرين لأنه خص بلفظها تعظيما فلا ينبغي إطلاقها عليه إلا تبعا للصلاة أو السلام كما في التشهد (كتب الله) قدر أو أوجب أو في اللوح أو في جبينه أو في صحيفته وعلى ما عدا الأولين فإضافة الكتابة للذات المتعالية للتشريف إذ الكاتب الملائكة (له بها عشر حسنات) أي ثوابها مضاعفا إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة لأن الصلاة ليست حسنة واحدة بل حسنات إذ بها تجديد الإيمان بالله أولا ثم بالرسالة ثم بتعظيمه ثم العناية بطلب الكرامة له ثم بتجديد الإيمان باليوم الآخر ثم بذكر الله ثم بتعظيمه بنسبتهم إليه ثم بإظهار المودة ثم بالابتهال والتضرع في الدعاء ثم بالاعتراف بأن الأمر كله لله وأن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره مفتقر إلى رحمة ربه فهذه عشر حسنات قال الراغب: والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة ينالها الإنسان في نفسه وبدنه ومتعلقاته سميت به لحسنها والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة قال الحراني: والعشرة بعدها الآحاد في أوله وقال القاضي: أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد (ومحا) أزال يقال محوته محوا ومحيته محيا أزلته وذلك بأن يمحوها من صحف الحفظة وأفكارهم (عنه عشر سيئات) جمع سيئة أي قبيحة سميت به لسوئها لصاحبها والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ ذكره القاضي (ورفع له) في الجنة (عشر درجات) رتبا عالية فيها والدرجات الطبقات من المراتب قال الزمخشري: من المجاز لفلان درجة رفيعة (ورد عليه مثلها) أي رحمة وضاعف أجره نقله النووي عن عياض ثم قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلاما تسمعه الملائكة تشريفا وقال ابن القيم: ليست الصلاة مرادفة للرحمة لعطفها عليها ولأن صلاته خاصة بخواصه ورحمته وسعت كل شيء نعم الرحمة من لوازمها فمن فسرها بها فقد فسرها ببعض لوازمها وما ذكر في هذا الخبر يدل عليه إذ صلاة العبد على النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة الله عليه من جنسها بل ثناء عليه والجزاء من جنس العمل فمن أثنى على رسوله جازاه بمثل عمله بأن يثني عليه فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له فيا لها من بشارة ما أسناها. وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم تقترن الصلاة بسلامة فيشكل على نقل النووي كراهة الإفراد وحصوله مع قرب المصلى عليه وبعده وأنه لا مزية للصلاة عند قبره عليها من بعد لكن ذهب بعضهم إلى أنها عند قبره أفضل
(حم) وابن أبي شيبة (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق فقلت: ما رأيتك بأطيب نفسا ولا أظهر بشرا من يومك قال: ومالي لا تطيب نفسي ويظهر بشري ثم ذكره رمز المصنف لصحته(1/104)
[ص:105] 92 - (أتاني ملك برسالة) أي بشيء مرسل به (من الله) وفي رواية من ربي (عز وجل) يقال حملته رسالة إذا أرسلته للمرسل إليه بكلام وراسله في كذا وبينهما مكاتبات ومراسلات وتراسلوا وأرسلته برسالة وأرسلت إليه أن افعل كذا ذكره الزمخشري والمراد هنا الوحي ولعله مما لم يؤمر بتبليغه وقد جاءه بالوحي جبريل وغيره لكن جبريل أكثر (ثم رفع رجله) بكسر فسكون العضو المخصوص بأكثر الحيوانات ويفهم منه أنه أتاه في صورة إنسان والرفع الاعتلاء ذكره الراغب (فوضعها فوق السماء) وفي رواية السماء الدنيا (والأخرى في الأرض) قال الراغب: الأرض الحرم المقابل للسماء ويعبر بها عن أسفل الشيء كما يعبر بالسماء عن أعلاه (لم يرفعها) تأكيد وتحقيق لما قبله ودفع لتوهم إرادة التجوز لبعده عن الأفهام واستعظامه بين الأنام والقصد بذلك بيان عظم خطوته المستلزم لعظم جثته وأن مسافة خطوته كما بين السماء والأرض والملائكة عند عامة المتكلمين أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة وعند الحكماء جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة وهو قسمان قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الشغل بغيره وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به القدر لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما مر وقد جاء في عظم الملائكة ما هو فوق ذلك فقد ورد: إن لله ملكا يملأ ثلث الكون وملكا يملأ ثلثيه وملكا يملأ الكون كله لا يقال إذا كان يملأ الكون كله فأين يكون الآخران لأنا نقول الأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو وضع سراج في بيت ملأه نورا فلو أتينا بعده بألف سراج وسع البيت أنوارها ذكره العارف ابن عطاء الله عن شيخه المرسي وقد قصر نظر من عزاه لجامع هذا الجامع <تنبيه> ما ذكره من أن سياق الحديث هكذا هو ما في نسخ الكتاب لكن لفظ الكبير أتاني ملك لم ينزل إلى الأرض قبلها قط برسالة من ربي فوضع رجله فوق السماء الدنيا ورجله الأخرى ثابتة في الأرض لم يرفعها انتهى بنصه والمخرج والصحابي متحد
(طس) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في العظمة (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه وهو تقصير بل حقه الرمز لحسنه فإنه وإن كان فيه صدقة بن عبد الله الدمشقي وضعفه جمع لكن وثقه ابن معين ودحيم وغيرهما وهو أرفع من كثير من أحاديث رمز لحسنها(1/105)
93 - (أتاني ملك فسلم علي) فيه أن السلام متعارف بين الملائكة (نزل من السماء) من النزول وهو الإهواء من علو إلى أسفل (لم ينزل قبلها) صريح في أنه غير جبريل ولا يعارضه رواية المستدرك أتاني جبريل لإمكان تعدد المجيء للبشارة فمرة جبريل وأخرى غيره (فبشرني أن) أي بأن (الحسن والحسين) لم يسم بهما أحد قبلهما ففي طبقات ابن سعد عن عمران بن سليمان أنهما اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية لكن في الكشاف ما يخالفه (سيدا شباب أهل الجنة) أي من مات شابا في سبيل الله من أهل الجنة ولم يرد سن الشباب حقيقة لموتهما وقد اكتهلا وهذا مخصوص بغير عيسى ويحيى لاستثنائهما في حديث الحاكم بقوله إلا ابني الخالة وقيل أراد أن لهما السؤدد على أهل الجنة وعليه فيخص بغير الأنبياء والخلفاء الأربعة (وأن فاطمة) أمهما (سيدة نساء أهل الجنة) قال المصنف فيه دلالة على فضلها على مريم سيما إن قلنا بالأصح أنها غير نبية وكانت فاطمة من فضلاء الصحابة وبلغاء الشعراء وكانت أحب أولاده إليه وإذا قدمت عليه قام إليها وقبلها في فمها زاد أبو داود بسند ضعيف ويمص لسانها. وفضائلها وفضائل ابنيها جمة ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم وثناؤه عليهم ونشره لغرر مآثرهم [ص:106] وباهر مناقبهم ومفاخرهم من الشهرة بالمحل الأرفع وقد بسط ذلك خلق في عدة مؤلفات مفردة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن حذيفة) بضم المهملة مصغرا (ابن اليمان) بفتح التحتية والميم واسم اليمان حسل بكسر الحاء المهملة الأولى وسكون الثانية ويقال حسيل بن جابر العبسي بموحدة تحتية ثم الأشهلي حليفهم صاحب السر منعه وأباه شهود بدر استخلاف المشركين لهم ورواه عنه أيضا النسائي خلافا لما أوهمه صنيع المؤلف من أنه لم يخرجه أحد من السنة ورواه بمعناه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي(1/105)
94 - (اتبعوا) بتقديم المثناة الفوقية أمر بالإتباع (العلماء) العاملين يعني اهتدوا بهديهم واقتدوا بقولهم وفعلهم وما ذكر من أن الرواية اتبعوا بعين مهملة هو ما وقفت عليه في أصول قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر ورأيت في نسخ من هذا الكتاب ابتغوا بالغين المعجمة وهو تصحيف من النساخ (فإنهم سرج الدنيا) بضمنين جمع سراج أي يستضاء بهم من ظلمات الجهل كما ينجلي ظلام الليل بالسراج المنير. يهتدي به فيه فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم قال الزمخشري من المجاز سرج الله وجهه حسنه وبهجه ووجه مسرج والشمس سراج النهار والهدى سراج المؤمنين ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم السراج الوهاج انتهى. وشبه العالم بالسراج لأنه تقتبس منه الأنوار بسهولة وتبقى فروعه بعده وكذا العالم ولأن البيت إذا كان فيه سراج لم يتجاسر اللص على دخوله مخافة أن يفتضح وكذا العلماء إذا كانوا بين الناس اهتدوا بهم إلى طلب الحق والسنة وإزاحة ظلم الجهل والبدعة ولأنه إذا كان في البيت سراج موضوع في كوة مسدودة بزجاجة أضاء داخل البيت وخارجه وكذا سراج العلم يضيء في القلب وخارج القلب حتى يرق نوره على الأذنين والعينين واللسان فتظهر فنون الطاعات من هذه الأعضاء ولأن البيت الذي فيه سراج صاحبه مستأنس مسرور فإذا طفئ استوحش فكذا العلماء ما داموا في الناس فهم مستأنسون مسرورون فإذا ماتوا صار الناس في غم وحزن (فإن قلت) ما الحكمة في التشبيه بخصوص السراج وما المناسبة التامة بينهما (قلت) المصباح تضره الرياح والعلم يضره الوسواس والشبهات والسراج لا يبقى بغير دهن والعلم لا يبقى بغير توفيق ولا بد للسراج من حافظ يتعهده ولا بد لمصباح العلم من متعهد وهو فضل الله وهدايته ولأن السراج يحتاج إلى سبعة أشياء زناد وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن فالعبد إذا طلب إيقاد سراج العلم لا بد له من قدح زناد الفكر قال الله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وحجر التضرع قال تعالى {ادعوا ربكم تضرعا} وإحراق النفس بمنعها من شهواتها قال تعالى {ونهى النفس عن الهوى} وكبريت الإنابة قال الله عز وجل {وأنيبوا إلى ربكم} ومسرجة الصبر {إن الله مع الصابرين} وفتيلة الشكر قال تعالى {اشكروا لله} ودهن الرضا بالقضاء المشار إليه بقوله {واصبر لحكم ربك} (فإن قلت) لم لم يشبههم بالقمرين والنجوم مع أنها أرفع وأنور في المشارق والمغارب (قلت) آثره عليها لأنها يحجبها الغمام ونور العلم لا يحجبه سبع سماوات والشمس تغيب ليلا والقمر يختفي نهارا والعلم لا يغيب ليلا ولا نهارا بل هو هو وهو في الليل آكد {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا} والقمران يفنيان والعلم لا يفنى والقمران ينكسفان والعلم لا ينكسف والقمران تارة يضران وتارة ينفعان والعلم ينفع ولا يضر بشرطه والقمران في السماء زينة لأهل الأرض والعلم في الأرض زينة لأهل السماء وهما في الفوق ويضيآن ما تحت والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت ويضيء ما فوقه وتحته وبهما بنكشف وجود الخالق وبالعلم ينكشف وجود الخالق وضوؤهما يقع على الولي والعدو والعلم ليس إلا للولي وشعاع الكواكب إلى أسفل وشعاع العلم يصعد إلى العلو والكواكب تطلع من خزانة الفلك والعلم يطلع من خزانة الملك والكواكب علامة والعلم كرامة والكواكب موضع نظر المخلوقين والعلم موضع نظر رب العالمين " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " الكواكب نفعها في الدنيا والعلم نفعه في الدنيا والآخرة والشمس تسود الأشياء والعلم يبيضها والشمس تحرق [ص:107] والعلم ينجي من الحرق والقمر يبلي الثياب والعلم يجدد المعارف لأولي الألباب (ومصابيح الآخرة) جمع مصباح وهو السراج فمغايرة التعبير مع اتحاد المعنى للتفنن وقد يدعى أن المصباح أعظم فإن من السرج ما يضعف ضوؤه إذا قل سليطه ودقت فتيلته ومن كلامهم ثلاثة تضني: رسول بطئ وسراج لا يضيء ومائدة ينتظر لها من يجيء وهذا على طريق المجاز قال الزمخشري: من المجاز رأيت المصابيح تزهو في وجهه وإنما كانوا كالمصابيح في الآخرة لأن الناس يحتاجون إلى العلماء في الموقف للشفاعة بل وبعد الدخول كما يجيء في خبر فينتفع بهم فيها كما ينتفع بالمصابيح ولذا يقال: إن ذات العالم تكسى نورا يضيء كالمصباح حقيقة. ألا ترى أن هذه الأمة تدعى غرا محجلين من آثار الوضوء فالعالم يتميز على آحاد المؤمنين بأن تصير جثته كلها مضيئة وأشار بالترغيب في اتباع العلماء إلى الترهيب من مصادقة الجهلاء وفيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أفخر النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا إن صحبه عمل وإلا فقد ضل سعي صاحبه وبطل
(فر عن أنس) بن مالك وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي قال الذهبي قال الدارقطني كذاب وأقره ابن حجر وجزم المؤلف في زيادات الموضوعات بوضعه فإيراده له هنا إخلال بشرطه(1/106)
95 - (أتتكم المنية) جاءكم الموت قال في الصحاح: المنية الموت من منى له أي قدر لأنها مقدرة وفي المفردات الأجل المقدر للحيوان (راتبة) أي حال كونها ثابتة مستقرة (لازمة) أي لا تفارق أي ثابتة في الأزل وإذا وقعت لا تنفك. {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر} (إما) بكسر فتشديد مركبة من إن وما (بشقاوة) أي مصاحبة لسوء عاقبة (وإما بسعادة) ضد الشقاوة أي كأنكم بالموت وقد حضرتم والميت لا محالة صائر إما إلى النار وإما إلى الجنة فالزموا العمل الصالح وذلك أن الإنسان إذا بلغ حد التكليف تعلقت به الأحكام وجرت عليه الأقلام وحكم له بالكفر أو الإسلام وأخذ في التأهب لمنازل السعداء أو الأشقياء فتطوى له مراحل الأيام بجد واجتهاد واهتمام إلى الدار التي كتب من أهلها فإذا أتته المنية أشرف منها على المسكن الذي أعد له قبل إيجاده إما وإما فهناك يضع عصى السفر عن عاتقه وتستقر قواه وتصير دار العدل مأواه أو دار السعادة مثواه وبهذا التقرير انكشف لك أن الحديث من جوامع الكلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذكر الموت) أي فيما جاء به
(هب عن زيد) بن عطية (السلمي) الخثعمي (مرسلا) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آنس من أصحابه غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع أتتكم المنية إلى آخره. وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال إلا أن في مرسل آخر ما يقويه ويرقيه إلى درجة أحسن وهو ما رواه البيهقي عن الوضين بن عطاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحس من الناس بغفلة عن الموت جاء فأخذ بعضادتي الباب وهتف ثلاثا وقال: يا أيها الناس يا أهل الإسلام أتتكم المنية راتبة لازمة جاء الموت بما جاء به جاء بالروح والراحة والكرة المباركة لأولياء الرحمن من أهل دار الخلود الذين كان سعيهم ورغبتهم فيها لها ألا إن لكل ساع غاية وغاية كل ساع الموت سابق ومسبوق انتهى(1/107)
96 - (اتجروا) بكسر الهمزة والجيم أمر من التجارة وهي تقليب المال للربح. قال الزمخشري: التجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح (في أموال اليتامى) قال الطيبي: أصله اتجروا بها نحو كتبت بالقلم لأنه عدة للتجارة ومستقرها كقوله تعالى {وأصلح لي في ذريتي} أي أوقع لي الصلاح فيهم وفائدة جعل المال مقرا للتجارة أن لا ينفق من أصله بل يخرج الصدقة من الربح وإليه ينظر قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} إلى قوله {وارزقوهم فيها} (لا تأكلها) أي لئلا تأكلها (الزكاة) أي تفنيها لأن الأكل سبب للفناء أو استعارة حيث جعل الصدقة مشابهة للطاعم [ص:108] ونسب إليها ما هو من لوازم المشبه به وهو الأكل مبالغة في كمال الافناء. قال الزمخشري: من المجاز أكلت النار الحطب وائتكلت النار اشتد التهابها كأنما يأكل بعضها بعضا وأخذ بقضية هذا الحديث المؤكد لعموم الأخبار الصحيحة الصريحة في إيجاب الزكاة مطلقا بقول خمسة من الصحابة الشافعي كمالك وأحمد فأوجبوها في مالهم وخالف أبو حنيفة والقياس على فطرة بدنه الموافق عليها حجة عليه وأما فرق بعض أصحابه بأن الفطرة فيها معنى المؤنة ففيه تعسف وفيه أن على الولي استنماء المال المولى عليه قدر الزكاة والنفقة والمؤن إن أمكنه لا المبالغة فيه
(طس عن أنس) بن مالك قال الهيتمي: أخبرني شيخي يعني الزين العراقي أن سنده صحيح انتهى وإليه أشار في الأصل بقوله وصحح وأما هنا فرمز لحسنه وهو فيه متابع للحافظ ابن حجر فإنه انتصر لمن اقتصر على تحسينه فقط وقال: إن الصحيح خبر البيهقي عن ابن المسيب عن عمر موقوفا مثله وقال: أعني البيهقي سنده صحيح(1/107)
97 - (أتحب) استفهام فيه معنى الشرط أي إن أحببت أيها الرجل الذي شكى إلينا قسوة قلبه (أن يلين قلبك) يترطب ويتسهل قال الزمخشري: من المجاز رجل لين الجانب ولان لقومه وألان لهم جناحه {فبما رحمة من الله لنت لهم} وهو لين الأعطاف وطئ الأكتاف (وتدرك حاجتك) أي تظفر بمطلوبك فقال الرجل بلى يا رسول الله قال (ارحم اليتيم) أي الذي مات أبوه فانفرد عنه واليتم الانفراد ومنه الدرة اليتيمة للمنفردة في صفائها والرملة اليتيمة ذكره في الكشاف وذلك بأن تعطف عليه وتحنو حنوا يقتضي التفضل عليه والإحسان إليه كناية عن مزيد الشفقة والتلطف به. ولما لم تكن الكناية منافية لإرادة الحقيقة لإمكان الجمع بينهما كما تقول فلان طويل النجاد وتريد طول قامته مع طول علاقة سيفه قال (وامسح رأسه) تلطفا وإيناسا أي بالدهن إصلاحا لشعره أو باليد لما جاء في حديث آخر يشعر بإرادة مسح رأسه مع ذلك باليد وهو ما رواه أحمد والترمذي عن أبي أمامة مرفوعا من مسح على رأس اليتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنة وإسناده كما قال ابن حجر ضعيف وإطلاق الأخبار شامل لأيتام الكفار ولم أر من خصها بالمسلم وفي حديث سيأتي عن الحبر أن اليتيم يمسح رأسه من أعلاه إلى مقدمه وغيره بعكسه قال زين الحافظ العراقي: وورد في حديث ابن أبي أوفى أنه يقال عند مسح رأسه جبر الله يتمك وجعلك خلفا من أبيك (وأطعمه من طعامك) أي مما تملكه من الطعام أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام وتطعمه دونه بل أطعمه مما تأكل منه (يلين قلبك) بالرفع على الاستئناف وبالجزم جوابا للأمر (وتدرك حاجتك) أي فإنك إن أحسنت إليه وفعلت ما ذكر يحصل لك لين القلب وتظفر بالبغية وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم وإكرامه لله تعالى خالصا قال الطيبي وهو عام في كل يتيم سواء كان عنده أو لا فيكرمه وهو كافله أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم ويراعي غبطته في ماله وتزويجه وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي كما ورد في عدة أخبار قال الزين العراقي لكن قيده في حديث أبي أمامة المار بأن لا يمسحه إلا لله قال ولا شك في تقييد إطلاق المسح به لأنه قد يقع مسحه لريبة كأمرد جميل يريد مؤانسته بذلك لريبة كشهوة وإن لم يكن مسح الشعر مفضيا إلى الشهوة فربما دعى إلى ذلك انتهى وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء فالتكبر يداوى بالتواضع والبخل بالسماحة وقسوة القلب بالتعطف والرقة قال في الكشاف وحق هذا الاسم أعني اليتيم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه غلب أن يسموه به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا عن كافل وقائم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم زال عنهم وكانت قريش تقول [ص:109] لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم آل أبي طالب على القياس أو حكاية حال كان عليها صغيرا توصيفا له وأما خبر " لا يتم بعد احتلام " فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار انتهى
(طب عن أبي الدرداء) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فذكره قال المنذري رواه الطبراني من رواية بقية وفيه راو لم يسم وبقية مدلس وروى أحمد بسند قال الهيتمي تبعا لشيخه الزين العراقي صحيح أن رجلا شكى إلى المصطفى قسوة قلبه فقال له امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين(1/108)
98 - (اتخذ الله إبراهيم خليلا) اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من تردد الرسل بالرحمة بينه وبينه وإجابة الدعوة وإظهار الخوارق عليه وعلى آله والنصر على أعدائه وغير ذلك من المزايا والمواهب والخليل المخالل وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يدخلك خلال منزله ذكره الزمخشري وقال القاضي سمي خليلا من الخلة بالفتح الخصلة فإنه وافقه في خصاله أو من الخلة بالفتح أيضا الحاجة لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه أو من الخلة بالضم وهي التخلل فإن الحب تخلل شغاف قلبه بحيث لم يدع به خلالا إلا ملأه لما خالله من أسرار الهيبة ومكنون الغيوب والمعرفة لاصطفائه عن أن يطرقه نظر لغيره قال الراغب: الخلة تنسب إلى العبد لا إليه تعالى فيقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليله وهو وإن كان من الأسماء المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر وارتفاعه ارتفاعه لكن ليس المراد بقولهم إبراهيم خليل الله مجرد الصداقة بل الفقر إليه وخص إبراهيم وإن شاركه كل موجود في افتقاره إليه لأنه لما استغنى عن المقتنيات من أعراض الدنيا واعتمد على الله حقا وصار بحيث إنه لما قال له جبريل ألك حاجة قال أما إليك فلا فصبر على إلقائه في النار وعرض ابنه للذبح لاستغنائه عما سواه فخص بهذا الاسم (وموسى) بن عمران (نجيا) خصه بالنجوى أي الخطاب والنجي المناجي الواحد وهو الذي يخاطب الإنسان ويحدثه سرا وهو من قوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} والتناجي التساور (واتخذني حبيبا) فعيل بمعنى مفعول وقضية السياق أنه أعلى درجة من الأوصاف المثبتة لغيره ممن ذكر من الأنبياء (ثم قال وعزتي) قوتي وغلبتي (وجلالي) عظمتي والجلالة عظم القدر والجلال بغير هاء التناهي في ذلك وخص بالله فلا يطلق على غيره كما سيجيء (لأوثرن) بلام القسم وضم الهمزة وشد النون لأفضلن (حبيبي على خليلي) إبراهيم (ونجيي) أي مناجي موسى نبه به على أنه أفضل الرسل وأكملهم وجامع لما تفرق فيهم فالحبيب خليل ومكلم ومشرف وقيل من قاس الحبيب بالخليل فقد أبعد لأن الحبيب من جهة القلب يقال حببته أي أصبت حبه قلبه كما يقال كبدته ورأسته وفأدته أي أصبت كبده ورأسه وفؤاده والخليل من الخلة وهي الحاجة كما مر وقد آثره أيضا بالنظر روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس بإسناد حسن جعل الله الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم قال الراغب يستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضيل والاستئثار للتفرد بالشيء دون غيره والأكثر على أن درجة المحبة أرفع وقيل عكسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى ثبوت الخلة لغير ربه وأثبت المحبة لفاطمة وابنيها وغيرهم وقيل هما سواء
(هب) في كتاب البعث والحكم والديلمي وابن عساكر (عن أبي هريرة) وضعفه مخرجه البيهقي وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال تفرد به مسلمة الخشني وهو متروك والحمل فيه عليه ونوزع بأن مجرد الضعف أو الترك لا يوجب الحكم بالوضع(1/109)
99 - (اتخذوا) خذوا أخذ معتن بالشيء مجتهد فيه والأمر للندب المؤكد (السراويلات) التي ليست بواسعة ولا طويلة جمع [ص:110] سراويل أعجمي عرب جاء بلفظ الجمع وهو مفرد يذكر ويؤنث والسراوين بنون والشراويل بشين معجمة لغة (فإنها من أستر ثيابكم) أي أكثرها سترا ومن مزيدة لسترها للعورة التي يسيء صاحبها كشفها وفيه ندب لبس السراويل لكن إذا لم تكن واسعة ولا طويلة فإنها مكروهة كما جاء في خبر آخر وفي تفسير ابن وكيع أن إبراهيم أول من تسرول قال الداراني: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أوحى إليه أن وار عورتك من الأرض فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحدا سوى السراويل فيتخذ اثنين فإذا غسل أحدهما لبس الآخر حتى لا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة به وروى أبو يعلى أن عثمان لما حوصر أعتق عشرين رقبة ثم دعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في الجاهلية ولا في الإسلام ثم قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام وأبا بكر وعمر وقالوا: اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة ثم دعا بالمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه فدل هذا على أنه أبلغ ما تستر به العورة لأنه لم يلبسه إلا عند تحققه أنه مقتول فآثره لأنه أبلغ في صون عورته عن أن يطلع عليها أحد عند قتله (وحصنوا) استروا (بها نساءكم) أي صونوا بها عورات نسائكم يقال حصن نفسه وماله ومدينة حصينة وتحصن اتخذ الحصن مسكنا ثم يتجوز به في كل تحرز ومنه درع حصين لكونه حصنا للبدن (إذا خرجن) من بيوتهن لما فيها من الأمن من انكشاف العورة بنحو سقوط أو ريح فهو كحصن مانع وكالخروج وجود أجنبي مع المرأة بالبيت ذكره جمع. قالوا: ولم يثبت أن نبيا لبسها لكن روى أحمد والأربعة أنه اشتراها وقول ابن القيم الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها وهم فقد يكون اشتراها لبعض نسائه وقول ابن حجر في شرائه لغيره بعد غير مرضى إذ لا استبعاد في شرائه لعياله وما رواه أبو يعلى وغيره أنه أخبر عن نفسه بأنه لبسه فسيجيء أنه موضوع فلا يتجه القول بندب لبس السراويل حينئذ لأنه حكم شرعي لا يثبت إلا بحديث صحيح أو حسن ومن وهم أن في خبر لا يلبس المحرم السراويل دليل لسن لبسه للرجل فقد وهم إذ لا يلزم من نهي المحرم عن لبسه لكونه مخيطا ندب لبسه لغيره
(عق عد والبيهقي في) كتاب (الأدب) كلهم (عن علي) أمير المؤمنين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع في يوم دجن أي غيم ومطر فمرت امرأة على حمار فسقطت فأعرض عنها فقالوا: إنها متسرولة فذكره في حديث طويل ثم أعله مخرجاه العقيلي وابن عدي بمحمد بن زكريا العجلي فقال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع إلا عليه وقال أبو حاتم: حديثه منكر وقال ابن عدي: حدث بالبواطيل ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه لكن تعقبه ابن حجر بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر قال: فهو ضعيف لا موضوع وذكر نحوه المؤلف في مختصر الموضوعات(1/109)
100 - (اتخذوا) إرشادا (السودان) جمع أسود وهو اسم جنس (فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة) أي من أشرافهم وكبرائهم ولا ينافي الأمر بمطلق الاتخاذ هنا خبر من اتخذ من الخدم غير ما ينكح ثم بغين كان عليه مثل لثامهن لأن ما هنا في الذكور وما في الخبر في الإناث اللاتي يطؤهن فقط أو أن هذا فيه معنى الشرط أي إن كنت متخذا ولا بد فاتخذ السودان (لقمان) بن باعوراء (الحكيم) عبد حبشي لداود عليه السلام أو لرجل من بني إسرائيل أعطاه الله الحكمة لا النبوة عند الجمهور وكان نجارا وقيل خياطا وقيل ابن أخت أيوب النبي غليه الصلاة والسلام وقيل ابن خالته وقيل كان قاضيا وكان عظيم الشفتين مشقق القدمين فقيل له: ما أقبح وجهك قال: تعيب النقش أو النقاش روى ابن الجوزي عن إبراهيم بن أدهم أن قبر لقمان بين مسجد الرملة ومحل سوقها الآن وفيها قبور سبعين نيبا أخرجهم بنو إسرائيل فماتوا كلهم في يوم جوعا (و) الثاني (النجاشي) بفتح النون وتكسر من النجش وهو الإنارة واسمه أصحمة كأربعة بمهملات وقيل بخاء معجمة حكاه الإسماعيلي وقيل مكحول قال في الكشاف: ومعناه بالعربية عطية (و) [ص:111] الثالث (بلال) ككتاب الحبشي وما قيل من أنه ولقمان نوبيان لم يثبت (المؤذن) للنبي من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله تعالى. فإن قلت: هذا يعارضه خبر إياكم والزنج وخبر اجتنبوا هذا السواد فإنه خلق مشوه وخبر إنما الأسود لبطنه وفرجه. قلت: كلا لأن الأسود ينقسم إلى زنجي وحبشي فالمرهوب منه الزنجي والمرغوب فيه الحبشي وهؤلاء من الحبشان ثم رأيت راوي الخبر وهو الطبراني قال: أراد الحبش هذا لفظه وروى الديلمي بسند ضعيف عن ابن عمر مرفوعا من أدخل بيته حبشيا أو حبشية أدخل الله بيته بركة وقد صنف المؤلف كتابا في فضل الحبشان سماه رفع شأن الحبشان استوعب فيه الأحاديث الواردة في ذلك قال: وروى البيهقي عن الشافعي ما نقص من أثمان السودان إلا لضعف عقولهم ولولا ذلك لكان لونا من الألوان ومن الناس من يفضله على غيره قال ابن الجوزي: والسواد لون أصلي لكنا روينا أن بني نوح اقتسموا الأرض فنزل بنو سام سرة الأرة فكانت فيهم الأدمة والبياض وبنو يافث الشمال والصبا فكانت فيهم الحمرة والشقرة وبنو حام مجرى الجنوب والدبور فتغيرت ألوانهم وما روي أن نوحا انكشفت عورته فلم يغطها حام فدعا عليه فاسود لم يثبت
(حب في) كتاب (الضعفاء) والمتروكين (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي بعد عزوه الطبراني فيه أبين بن سفيان وهو ضعيف وقال غيره فيه أيضا أحمد بن عبد الرحمن الحراني أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو عروبة ليس بمؤتمن على دينه عن أبين بن سفيان المقدسي قال في اللسان عن الدارقطني ضعيف له مناكير وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في الكبير لكن نازعه في مختصر الموضوعات على عادته وبالجملة فإن سلم عدم وضعه فهو شديد الضعف جدا(1/110)
101 - (اتخذوا) ندبا (الديك) بكسر الدال ذكر الدجاج وجمعه ديوك وديكه كعنب وعنبة وله أسماء وكنى كثيرة مستوفاة في حياة الحيوان (الأبيض) أي اقتنوه في بيوتكم فإن له خواص كثيرة ذكر منها ابن البيطار في مفرداته جملة ومن خواصه طرد الشيطان والسحر كما قال (فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان) فيعال من شطن بعد لبعده عن الحق أو فعلان من شاط بطل أو احترق غضبا (ولا ساحر) يسحر بمعنى أنه لا يؤثر في أهلها سحر ساحر (ولا الدويرات) بالتصغير جمع دار (حولها) أي المحلات حول تلك الدار والدار اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة ذكره القاضي. وقال الراغب: الدار المنزلة اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط قال التوربشتي: الدار لغة العامر المسكون والعامر المنزول من الاستدارة لأنهم كانوا يخطون بطرف رمحهم قدر ما يريدون إحياءه مسكنا وقال الحراني: أصلها ما أرادته العرب من البيوت كالحلقة استحفاظا لما حوته من أموالها
(طس عن أنس) بن مالك قال الهيتمي: فيه محمد بن محصن العكاشي كذاب انتهى(1/111)
102 - (اتخذوا) ندبا وارشادا (هذه الحمام) كسحاب ما عب وهدر أي شرب الماء بلا مص وصوت يقع على الذكر والأنثى ودخول الهاء لإفادة الوحدة لا للتأنيث قال ابن العماد: ويقع على الذي يألف البيوت واليمام والقماري وساق حر والفاختة والقطا والورشان والعصفور والفتح والحجل والدراج (المقاصيص) جمع مقصوصة أي مقطوعة ريش الأجنحة لئلا تطير. يقال: قصصت الشعر أي قطعته وقصصته بالتثقيل مبالغة (في بيوتكم) بضم الباء وتكسر أي أماكن سكنكم (فإنها تلهي) من لها يلهو لعب (الجن عن) عبثهم بنحو (صبيانكم) وأذاهم قيل وللأحمر في ذلك مزيد خصوصية [ص:112] ولعل وجهه أن الجن تحب من الألوان الحمرة كما ورد في خبر فإذا كان الحمام باللون المحبوب لهم كانوا أكثر إقبالا على اللهو به والإشتغال به عن العبث بالأطفال قال في القاموس: ومجاورتها أمان من الخدر والفالج والسكتة والجمود والثبات ومن فوائد اتخاذ الحمام أنه يطرد الوحشة فقد أخرج الخطيب في التاريخ عن ابن عباس قال: شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال: اتخذ زوج حمام يؤنسك في الليل لكن فيه محمد بن زياد كذاب وأخرج ابن السني عن معاذ أن عليا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فأمره أن يتخذ زوج حمام ويذكر الله تعالى عند هديره وأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله المقاصيص إلى عدم اتخاذ غيرها فإنه يجر إلى اللعب به بالتطير أو المسابقة وذلك مكروه بل ترد الشهادة بإدامته وفيه جواز حبس الطير في القفص مع القيام بمؤنته قال في شرح المقاصد: والجن أجسام لطيفة هوائية تتشكل بأشكال مختلفة ويظهر منها أحوال عجيبة والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء الناس في الفساد والغواية انتهى. والظاهر أن المراد هنا كل منهما كما يدل عليه السياق (الشيرازي) أبو بكر أحمد بن عبدان الملقب بالباز الأبيض منسوب إلى شيراز بكسر المعجمة فمثناة تحتية وآخره زاي: قصبة بلاد فارس ودار الملك خرج منها جماعة من أهل التصوف والفقه والحديث منهم هذا الحافظ (في) كتاب (الألقاب) أي ألقاب الرواة
(خط) في ترجمة محمد بن زياد اليشكري (فر عن ابن عباس) قضبته أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه عقبه بنقله عن أحمد وابن معين وغيرهما أن محمد بن زياد كان كذابا يضع الحديث انتهى. وقال ابن حجر: فيه محمد بن زياد اليشكري كذبوه وفي الميزان كذاب وضاع ثم أورد له هذا الخبر يروي الموضوعات عن الأثبات ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه المؤلف في مختصر الموضوعات ساكتا عليه وحكاه عنه في الكبير وأقره فكان ينبغي حذفه من هذا الكتاب وفاء بشرطه وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي وغيرهما وما في الأدب المفرد للبخاري عن الحسن سمعت عثمان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام فلا دلالة فيه على وضع هذا الحديث ولا عدمه كما وهم(1/111)
103 - (اتخذوا) ندبا وإرشادا (الغنم) محركة الشاء لا واحد لها من لفظها الواحدة شاه اسم مؤنث للجنس يقع على الذكر والأنثى (فإنها بركة) أي خير ونماء لسرعة نتاجها وكثرته لأنها تنتج في العام مرتين وتولد الواحد والاثنين ويؤكل منها ما شاء الله ويمتلئ منها وجه الأرض والسباع تلد ستا وسبعا ولا يرى منها إلا الواحد في الأطراف ومن ثم ورد ما من نبي إلا ورعى الغنم زاد البخاري قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط أي كل شاة بدينار وقيل موضع بقرب مكة وقد كان التفاخر بالغنم بين أهل اللسان معروفا من قديم الزمان حسبما يشهد بذلك قصائد فحول قدماء الشعراء كامرئ القيس <تنبيه> في فتاوى المؤلف عن مقتضى المذاهب الأربعة أن من عير برعي الغنم فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها قبل النبوة أنه يعزر <فائدة> حكى في الوحيد أنه ورد في بعض الآثار أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال فقيل له في ذلك فقال: إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب فدفعتها لطلابها
(طب خط عن أم هانئ) بنون مكسورة وهمزة فاختة أو هند بنت أبي طالب أخت علي لها صحبة ورواية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها هبيرة بن عمرو المخزومي إلى نجران ورواه الإمام الرافعي عن عائشة باللفظ المزبور (ورواه هـ) عنها أيضا ووافقه ابن جرير والطبراني والبيهقي (بلفظ اتخذي) يا أم هانئ (غنما فإن فيها بركة) رمز المصنف لحسنه وهو كما قال أو أعلى فإن رواة ابن ماجه ثقات ورواه أحمد قال الهيتمي: بعد ما عزاه لأحمد وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم أعرفه(1/112)
[ص:113] 104 - (اتخذوا عند الفقراء) جمع فقير فعيل بمعنى فاعل يقال فقر يفقر إذا قل ماله وغلب استعماله في الصوفية وأهل السلوك (أيادي) أي اصنعوا معهم معروفا واليد كما تطلق على الجارحة تطلق على النعمة والإحسان والقوة والسلطان قال الزمخشري: من المجاز لفلان عندي يد وأيديت عنده ويديت أنعمت (فإن لهم دولة) انقلابا من الشدة إلى الرخاء ومن العسر إلى اليسر فلو عرف الغني ما للفقير عند الله لاتخذه صاحبا وترك الأغنياء جانيا قال أبو عثمان المغربي: من آثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله بموت القلب. قال في الكشاف: والدولة بالفتح والضم ما يدول للإنسان أي يدور من الجد يقال دالت له الدولة وأديل لفلان وقيل الدولة بالضم ما يتداول وبالفتح بمعنى التداول وفي الأساس دالت به الدولة ودالت الأيام بكذا وأدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليهم (يوم القيامة) نصب على الظرفية وقد تأدب السلف في هذا بأدب المصطفى تأدبا حسنا حتى حكي عن سفيان الثوري أن الفقراء في مجلسه كانوا أمراء قال اليافعي: وكان بعض الفقراء الواجدين يغني ويبكي ويقول في غنائه: قال لنا حبيبنا اليوم لهم وغدا لنا. وظاهر صنيع المصنف أن هذا الحديث هو بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه فإذا كان يوم القيامة نادى مناد سيروا إلى الفقراء فاعتذروا إليهم كما يعتذر أحدكم إلى أخيه في الدنيا انتهى بنصه <فائدة> رأى بعض العارفين عليا كرم الله وجهه في النوم فقال له: ما أحسن الأعمال قال: عطف الأغنياء على الفقراء وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى
(حل عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا انتهى ورمز المصنف لضعفه لكن ظاهر كلام الحافظ ابن حجر أنه موضوع فإنه قال: لا أصل له وتبعه تلميذه السخاوي فقال بعد ما ساقه وساق أخبارا متعددة من هذا الباب وكل هذا باطل كما بينته في بعض الأجوبة وسيق إلى ذلك الذهبي وابن تيمية وغيرهما قالوا: ومن المقطوع بوضعه حديث اتخذوا مع الفقراء أيادي قبل أن تجيء دولتهم ذكره المؤلف وغيره عنه(1/113)
105 - (اتخذه من ورق) بفتح الواو وتثليث الراء فضة قال في الكشاف: الورق فضة مضروبة أو غير مضروبة (ولا تتمه) بضم فكسر تكمله من أتم الشيء أكمله قال الراغب: وتمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه ويقال ذلك للمعدود والممسوح (مثقالا) بكسر فسكون معروف وهو درهم وثلاثة أسباع درهم فإن بلغ مثقالا كره كراهة تنزيه فإن زاد عليه ففي تحريمه وجهان والأصح أنه إن لم يعد إسرافا عرفا جاز وإلا فلا وفي رواية لأبي داود ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال. قال الحافظ الزين العراقي: ومعنى هذه الزيادة أنه ريما وصل الخاتم بالنفاسة في صنعته إلى أن يكون قيمته مثقالا فهو داخل في النهي أيضا وقوله (يعني الخاتم) تفسير من الراوي لما أشير إليه بضمير اتخذه ولبس الخاتم سنة قال ابن العربي: الخاتم عادة في الأمم ماضية وسنة في الإسلام قائمة وفي المواهب القسطلانية وشرح الشمائل للهيتمي وغيرهما عن جدي الشرف المناوي رحمه الله تعالى تحصل السنة بلبسه مطلقا ولو مستعار أو مستأجرا لكن الأفضل لبسه بالملك واستدامته انتهى
(3) وكذا ابن حبان وصححه (عن بريدة) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة ابن الحصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية فتحتية فموحدة ابن عبد الله الأسلمي قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد فقال: مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من صفر فقال: مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال: مالي أرى عليك حلية أهل الجنة قال: يا رسول الله فمن أي شيء أتخذه قال: اتخذه من ورق إلى آخره قال الترمذي: حديث غريب قال ابن حجر: وفيه عبد الرحمن ابن مسلم أبو طيبة قال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حبان: يخطئ ومع ذلك صححه فدل على قبوله له وأقل درجاته الحسن انتهى. [ص:114] ولذلك رمز المؤلف لحسنه لكن ضعفه النووي في المجموع وشرح مسلم وتبعه جمع من الفقهاء(1/113)
106 - (أتدرون) أتعلمون أو أتعرفون قال الراغب: الدراية المعرفة المدركة بضرب من ضروب الحيل وهو تقديم المقدمة واجالة الخاطر واستعمال الروية ولا يجوز أن يوصف بذلك البارئ لأن معنى الحيل لا يصح عليه ولم يرد به سمع فيتبع وقول الشاعر:
لا هم لا أدري وأنت تدري. . . من تعجرف أجلاف الأعراب
(ما العضه) بفتح المهملة وسكون المعجمة وضم الهاء البهتان الذي يحير قال في الصحاح: العضه الرمي بالبهتان وقال في القاموس: عضه كمنع كذب وجاء بالإفك والبهتان وفلانا أبهته وقال فيه ما لم يكن وسخر ونم انتهى. وعنون بالاستفهام تنبيها على فخامة ما يلقيه من الكلام وإشارة إلى أنه يتعين معرفته ويقبح الجهل به ولما قال ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم قال (نقل الحديث) أي ما يتحدث به (من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم) أي لأجل أن يفسد الناقلون المفهومون من نقل بين المنقول إليهم والمنقول عنهم وعبر بالجمع إشارة لاعتياده واطراده بينهم والمراد التحذير من نقل كلام قوم لآخرين لإلقاء العداوة والبغضاء بينهم وهذا هو النميمة التي هي كما قال جمع: نقل الحديث على وجه الإفساد وهو من الكبائر وقال الغزالي: حد النميمة كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث سواء كان بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء سواء كان عيبا أو نقصا على المنقول عنه أو لا بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه (تتمة) تبع رجل حكيما سبع مئة فرسخ لأجل سبع كلمات قال: أخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن الحجر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال: البهتان على البريء أثقل من السماء والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرص والحسد أحر من النار والحاجة إلى الغير إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر والنمام إذا بان للناس أمره أذل من اليتيم
(خد هق) كلاهما معا من حديث سنان بن سعد (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الذهبي في المذهب متعقبا على البيهقي فقال: فيه سنان بن سعد وهو ضعيف(1/114)
107 - (أترعوا) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الراء: املؤا إرشادا. قال الزمخشري وغيره: أترع الكأس ملأها وجفان مترعات وسد الترعة وهو منفتح الماء ومن المجاز فتح ترعة الدار بابها وحجبني التراع البواب يقولون جاءه القراع فرده التراع (الطسوس) بضم الطاء وسينين مهملتين جمع طس وهو لغة في الطست (وخالفوا المجوس) بفتح الميم فإنهم لا يفعلون ذلك وهم عبدة النار القائلون بأن العالم نور وظلمة. ومعنى الحديث اجمعوا الماء الذي تغسلون به أيديكم في إناء واحد حتى يمتلئ فإن ذلك مستحب ولا تريقوه قبل امتلائه كما تفعله المجوس. وقد جرى على ندب ذلك الغزالي في مختصر الإحياء فقال: يستحب أن يجمع ماء الكل في طست واحد ما أمكن لهذا الحديث وهذا بناء على أن المراد من الحديث غسل الأيدي من الطعام عقب الأكل وحمله بعضهم على الوضوء الشرعي فقال: يسن جمع ماء الوضوء في طست حتى يمتلئ ويطف ولا يبادر باهراقه قبل الامتلاء مخالفة للمجوس ولكل من الحملين وجه أما كون ذلك من سنن الأكل فلأن فيه صون الماء عن التزلق الذي قد يقع فيه بعض الحاضرين فيؤذيه وأما كونه من سنن الوضوء فلأن فيه التحرز عن الرشاش الذي قد يصيب ثوبه بعد إصابته الأرض فيؤدي إلى الوسواس المضر ويوافق ذلك أنه يسن عندنا للمتوضئ أن يتوقى الرشاش المؤدي إلى الوسواس وينضم إلى ذلك مخالفة المجوس. الحديث وإن كان ضعيفا لكن يعمل به في الفضائل وهذا منها وفي الشعب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله [ص:115] بواسط بلغني أن الرجل يتوضأ في طست ثم يأمر بها فتهراق وهذا من زي العجم فتوضؤا فيها فإذا امتلأت فاهريقوها
(هب خط فر عن ابن عمر) بن الخطاب وضعفه البيهقي وقال: في إسناده من يجهل وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأكثر رواته ضعفاء ومجاهيل لكنه ورد بمعناه في خبر جيد رواه القضاعي في مسند الشهاب عن أبي هريرة بلفظ اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم وقال الحافظ العراقي: إسناده لا بأس به. وروى البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا لا ترفعوا الطسوس حتى تطف اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم(1/114)
108 - (أترعون) بفتح همزة الاستفهام والمثناة فوق وكسر الراء أي أتتحرجون وتكفون وتتورعون (عن ذكر) بكسر فسكون (الفاجر) المتظاهر بنحو تخنث وزنا ولواط وشرب خمر وجور غير مبال بما ارتكبه من ذلك وتمتنعون (أن تذكروه) أي تجروا جرائمه على ألسنتكم بين الناس (فاذكروه) بما فيه ولهذا قال الحسن: ثلاثة لا غيبة لهم صاحب هوى والفاسق المعلن والإمام الجائر. وقال الغزالي: وهؤلاء يجمعهم أنهم يتظاهرون به وربما يتفاخرون وكيف يكرهونه وهم يقصدون إظهاره (يعرفه الناس) أي ليعرفوا حاله فيحذروه فليس ذكره حينئذ منهيا عنه بل مأمور به للمصلحة ومن ذلك قول الحسن في الحجاج أخرج البنا بنانا قصيرة قلما عرفت فيها اللعنة في سبيل الله ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول: يا أبا سعيد يا أبا سعيد وقال: لما مات اللهم أنت أمته فاقطع سنته فإنه أتانا خيفش أعيمش يخطر في مشيه لا يصعد المنبر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي فوقه الله وصحبه مئة ألف أو يزيدون لا يقول له قائل الصلاة هيهات دون ذلك السيف. والغيبة تباح في نحو أربعين موضعا ذكرها ابن العماد وغيره والكلام في غير نحو راو وشاهد وأمين صدقة وناظر وقف ويتيم أما هم فيجب جرحهم إجماعا على من علم فيهم قادحا وإن لم يتجاهروا بالفجور ولا أبرزوا الخيانة إلى حين الظهور <تنبيه> هذا الحديث وما بعده شامل للفاجر الميت ولا ينافيه النهي عن سب الأموات في الخبر الآتي لأن السب غير الذكر بالشر وبفرض عدم المغايرة فالجائز سب الأشرار والمنهي سب الأخيار ذكره الكرماني وغيره
(خط في) كتاب (رواه مالك) بن أنس (عن أبي هريرة) وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث الجارود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ثم قال: هذا يعد من أفراد الجارود وليس بشيء وقضية تصرف المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: تفرد به الجارود وهو كما قال البخاري منكر الحديث وكان أبو أسامة يرميه بالكذب هذا كلام الخطيب فنسبته لمخرجه واقتطاعه من كلامه ما عقبه به من بيان حاله غير مرضي وقد قال في الميزان إنه موضوع ونقله عنه في الكبير وأقره عليه لكن نقل الزركشي عن الهروي في كتاب ذم الكلام أنه حسن باعتبار شواهده التي منها ما ذكره المؤلف بقوله:(1/115)
109 - (أترعون عن ذكر الفاجر) أي الذي يفجر الحدود أي يخرقها ويتعداها معلنا غير مبال ولا مستتر فالإسلام كحظيرة حظرها الله على أهله فمن ثلم تلك الحظيرة بالخروج منها متخطيا ما وراءها فقد فجرها وذا يكون من المؤمن والكافر لكن الحديث إنما ورد في المؤمن فيكون غيره أولى بدليل ما ذكر في سبب الحديث أنه لما حث على ستر المسلم وتوعد على هتكه تورعوا عن ذكره لحرمة التوحيد فبين لهم أن الستر إنما هو لأهل الستر فمن لزمه هذا الاسم لغلبة الفجور عليه وقلة مبالاته فلا حرمة له فلا يكتم أمره بل قد يجب ذكره ويكون الكف عنه خيانة. ألا ترى إلى قوله (متى) بفتح الميم مخففا (يعرفه الناس) أي وقت يعرفه الناس إن لم تعرفوهم به (اذكروا الفاجر) الفاسق (بما فيه) من الفجور وهتك ستر الديانة فذكره بذلك من النصيحة الواجبة لئلا يغتر به مسلم فيقتدي به في فعلته أو يضله ببدعته أو يسترسل له فيؤذيه بخدعته وبين قوله بما فيه أنه [ص:116] لا يجوز ذكره بغير ما فيه ولا بما لا يعلن به قال ابن عون: دخلت على ابن سيرين فذكرت الحجاج أي بما لم يتظاهر به فقال: إن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه وإنك إذا لقيت الله غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج وأشار بقوله (يحذره) أي لكي يحذره (الناس) إلى أن مشروعية ذكره بذلك مشروطة بقصد الاحتساب وإرادة النصيحة دفعا للاغترار ونحوه مما ذكر فمن ذكر واحدا من هذا الصنف تشفيا لغيظه أو انتقاما لنفسه أو احتقارا أو ازدراء ونحو ذلك من الحظوظ النفسانية فهو آثم كما ذكره الغزالي ثم السبكي فيما نقله عنه ولده قال: كنت جالسا بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت له: اخسأ كلب بن كلب فزجرني والدي فقلت له: أليس هو كلب ابن كلب قال: شرط الجواز عدم قصد التحقير فقلت هذه فائدة وأخذ الغزالي من هذا الخبر وما قبله أن من استشير في خاطب فله أن يصرح بذكر مساويه إذا علم أن مجرد قوله لا يصلح لك لا يفيد قال الراغب: والحذر احتراز عن مخيف (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغيبة) أي ذكر الناس بما يكرهون (والحكيم) محمد بن علي الترمذي المؤذن الصوفي الشافعي صاحب التصانيف (في) كتابه (نوادر الأصول) سمع الكثير من الحديث بالعراق ونحوه وحدث عن قتيبة بن سعيد وغيره وهو من القرن الثالث من طبقة البخاري قال السلمي: نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر بسبب تفضيله الولاية على النبوة وإنما مراده ولاية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال ابن عطاء الله: كان العارفان الشاذلي والمرسي يعظمانه جدا ولكلامه عندهما الحظوة التامة ويقولان هو أحد الأوتاد الأربعة وقال ابن أبي جمرة في كتاب الختان وابن القيم في كتاب اللمحة في الرد على ابن طلحة أنه لم يكن من أهل الحديث ورواته ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما فيه الكلام على إشارات الصوفية حتى خرج عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وقالوا أدخل في الشريعة ما فارق به الجماعة وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة وحشاها بأخبار لا مروية ولا مسموعة إلى آخر ما قال من الهذيان والبهتان كما لا يخفى على أهل الشأن. كيف وقد قال الحافظ ابن النجار في تاريخه كان إماما من أئمة المسلمين له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الحديث لقي الأئمة الكبار وأخذ عنهم وفي شيوخه كثرة ثم أطال في بيانه وقال السلمي في الطبقات له اللسان العالي والكتب المشهورة وقال القشيري في الرسالة: هو من كبار الشيوخ وأطال في الثناء عليه وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية: له التصانيف الكثيرة في الحديث وهو مستقيم الطريقة تابع للأثر يرد على المرجئة وغيرهم وله حكم عليه الشأن منها قوله كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره وقوله وقد سئل عن الخلق فقال: ضعف ظاهر ودعوى عويضة وقال الكلاباذي في التعرف هو من أئمة الصوفية إلى غير ذلك من الكلام في شأن هذا الإمام وإنما أطلت فيه دفعا لذلك الافتراء فلا تكن من أهل المراء (والحاكم) أبو عبد الله (في) كتاب (الكنى) والألقاب وقال هذا غير صحيح ولا معتمد (والشيرازي) أبو بكر (في) كتاب (الألقاب) وهو أجل كتاب ألف في هذا الباب قبل ظهور تأليف الحافظ ابن حجر
(عد طب هق) وقال أعني البيهقي ليس بشيء (خط) في ترجمة محمد بن القاسم المؤدب من حديث الجارود (عن بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء ثم زاي معجمة (ابن حكيم عن أبيه عن جده) قال الجارود لقيت بهز بن حكيم في الطواف فذكره لي فيه قال الحكيم والخطيب تفرد به الجارود عنه وقال في المهذب كأصله الجارود واه وقد سرقه منه جمع ورووه عن بهز ولم يصح فيه شيء وقال أحمد: حديثه منكر وقال ابن عدي: لا أصل له قال: وكل من روى هذا الحديث فهو ضعيف وقال الدارقطني في علله: هو من وضع الجارود ثم سرقه منه جمع وفي الميزان عن أسامة وأبي حاتم أن الجارود كذاب وأن أبا بكر بن الجارود كان إذا مر بقبر جده قال: يا أبت لو لم تحدث بحديث بهز لزرتك وقد نقل المؤلف في الكبير عن الحكيم أن الجارود تفرد به وأن أبا حاتم وأبا أسامة كذباه وأقر ذلك(1/115)
[ص:117] 110 - (اتركوا) من الترك قال الراغب: وهو رفض الشيء قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا (الترك) بضم فسكون جيل من الناس والجمع أتراك الواحد تركي كرومي وأروام قاله في القاموس. والمصباح ولا يعارضه قول ابن الأثير: الترك جمع تركي لأن الجمع قد يجمع وهو وإن كان مفردا في الأصل اسم الأب فالأب مسماه جمع كثير فالمصباح والقاموس نظرا إلى أنه اسم مفرد في الأصل وابن الأثير نظر إلى مدلوله الآن قال الزمخشري: تقول العرب تراك تراك صحبة الأتراك وفيه جناس الاشتقاق (ما تركوكم) أي لا تتعرضوا لهم مدة تركهم لكم وخصوا لشدة بأسهم وبرد بلادهم ففي غزوهم مشقة فإن لم يتركونا بأن دخلوا دارنا فقتالهم فرض عين وفيه من أنواع البديع جناس الاشتقاق (فإن أول من يسلب أمتي) أي أمة النسب وهو العرب لا أمة الدعوة (ملكهم) أي أول من ينتزع منهم بلادهم التي ملكوها (وما خولهم الله) فيه أي أعطاهم من النعم والسلب بالسكون الأخذ والاستلاب الاختلاس. السلب بالتحريك المسلوب والتخول الإعطاء والتعهد وأراد بالأمة بعضها إذ المسلوب البعض كما تقرر فهو عام أريد به الخصوص. (بنو قنطوراء) بفتح القاف وسكون النون وبالمد على ما في المغرب الجواليقي لكن في البارع بالقصر جارية إبراهيم الخليل وقيل امرأته من الكنعانيين تزوجها بعد موت سارة وأم إسماعيل. ومن نسلها الترك والديلم والغز وقيل هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بني السد كانوا غائبين فتركوا لم يدخلوا معهم فسموا الترك قال القرطبي: ومع ذلك خرج من الترك أمم لا يحصيها إلا الله تعالى وقال ابن دحية: خرج سنة سبع عشرة وست مئة جيش منهم وهم التتر عظم منهم الخطب والخطر وعم الضرر وقضى لهم من قتل الأنفس المؤمنة الوطر فقتلوا من رواء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا آثار ملك بني ساسان وهذا الجيش ممن يكفر بالرحمن ويرى أن الخالق المصور هو النيران وملكهم يعرف بجنكزخان ومن أمثالهم اترك الترك إن أحبوك أكلوك وإن أبغضوك قتلوك وقال ابن حجر: قد ظهر مصداق الخبر وروى أبو يعلى عن معاوية بن خديج قال: كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك فهزمهم فغضب ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح فأنا أكره قتالهم لذلك وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا إلى أن فتح شيئا فشيئا وكثر السبي منهم وتنافس فيهم الملوك لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن استولى على الملك الأتراك طائفة بعد طائفة إلى آل سلجوق فخرج عليهم في المئة الخامسة الغز فخربوا البلاد وقتلوا العباد ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتار فكان خروج جنكزخان بعد الست مئة فاسعرت بهم الدنيا نارا سيما المشرق حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم ثم كان خراب بغداد وقتل المعتصم آخر الخلفاء بأيديهم سنة ست وخمسين وست مئة ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن كان آخرهم التمرلنك فطرق الديار الشامية وخرب دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته حتى أخذه الله وتفرق بنوه في البلاد وظهر بجميع ذلك مصداق الحديث
(طب) وكذا في الأوسط والصغير (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (بن مسعود) قال الهيتمي: فيه مروان بن سالم متروك وذكره في موضع آخر وقال: فيه عثمان بن يحيى الفرقسابي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى. وقال السمهودي: المقال إنما هو في سند الكبير أما الأوسط والصغير فإسنادهما حسن ورجالهما موثوقون انتهى. وبه يعرف أن اقتصار المؤلف على العزو الكبير غير جيد وكيفما كان لم يصب ابن الجوزي حيث حكم بوضعه وقد جمع الضياء فيه جزءا(1/117)
[ص:118] 111 - (اتركوا) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء (الحبشة) بالتحريك جيل من السودان معروف والواحد حبشي والحبش بضم فسكون اسم جنس ولهذا صغر على حبيش قال ابن حجر: ويقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الإسلام وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل (ما تركوكم) أي مدة دوام تركهم لكم لما يخاف من شرهم كما يشير إليه قوله (فإنه لا يستخرج) أي لا يستنبط والاستخراج الاستنباط وهو ما أظهر بعد خفاء (كنز الكعبة) أي المال المدفون فيها حين يهدمها حجرا حجرا ويلقي حجارتها في البحر كما جاء في خبر آخر والكعبة اسم للبيت الحرام سمي به لتكعبه وهو تربيعه وكل بناء مربع مرتفع كعبة وقيل لاستدارتها وعلوها وقيل لكونها على صورة الكعب (إلا ذو السويقتين من الحبشة) تثنية سويقة مصغرا قال الطيبي: وسر التصغير الإشارة إلى أن مثل هذه الكعبة المعظمة يهتك حرمتها مثل هذا الحقير الذميم الخلقة ويحتمل أن يكون الرجل اسمه ذلك أو أنه وصف له أي رجل من الحبشة دقيق الساقين رقيقهما جدا والحبشة وإن كان شأنهم دقة السوق لكن هذا يتميز بمزيد من ذلك ولا يعارضه قوله تعالى {حرما آمنا} لأن معناه آمنا إلى قرب يوم القيامة فإن هذا التخريب يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على ما ذكره بعضهم فيأتي إليه الصريخ فيبعث إليه. وقال الحليمي: بل بعد موته وبعد رفع القرآن ورجحه بعض الأعيان وجمع بحمل الأول على أنه يهدم بعضه في زمن عيسى فيبعث إليه فيهرب ثم بعد موته ورفع القرآن يعود ويكمل هدمه إشارة إلى رفع معالم الدين من أصلها
(د ك) في الفتن وكذا البيهقي (عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لصحته اغترارا بتصحيح الحاكم وهو وهم فقد أعله الحافظ عبد الحق بأن فيه زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سيء الحفظ لا يحتج بحديثه(1/118)
112 - (اتركوا الدنيا لأهلها) أي صيروها من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال ولا تذهب النفس إليه لخسته والمراد بالدنيا الدنانير والدراهم أو المطعم والمشرب والملبس ومتعلقات ذلك أي التوسع في ذلك والتهافت على أخذ ما فوق الكفاية وأما تفسيره بحب الجياة فلا يلائم السوق كما لا يخفى على أهل الذوق قال الفاكهي: ودنيا كل إنسان بحسب حاله فكلام الشيخ بين طلبته والأمير بين جنده دنيا بالنسبة لهم إلا أن يقصدوا به أمرا أخرويا وذا لا يكاد يكون إلا من موفق لاح له من علم الآخرة لائح فاشتاق لمولاه وغلب شيطانه وهواه وذكر الغزالي أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر برجل نائم ملتف بعباءة فقال: يا نائم قم فاذكر الله تعالى قال: ما تريد مني وقد تركت الدنيا لأهلها فقال: نم إذا يا حبيبي نم (فإنه) أي الشأن (من أخذ منها) مقدارا (فوق ما) أي القدر الذي (يكفيه) أي زائدا على الذي يحتاجه لنفسه والممونة من نحو مأكل ومشرب وملبس ومسكن وخادم ومركب وآنية تليق به وبهم (أخذ من حتفه) أي أخذ في أسباب هلاكه والحتف الهلاك قال الزمخشري: قالوا المرء يسعى ويطوف وعاقبته الحتوف قيل هو مصدر بمعنى الحتف وهو القضاء وفي الصحاح الحتف الموت يقال مات حتف أنفه إذا مات بغير قتل ولا ضرب وفي النهاية هو أن يموت على فراشه كأن سقط فمات والحتف الهلاك وخص الأنف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه (وهو لا يشعر) أي والحال أنه لا يدري ولا يحس بذلك ولا يتوقعه لتمادي غفلته. والشعور الإحساس ومشاعر الإنسان حواسه ومنه الشعار وما شعرت به ما فطنت له وما علمته وليت شعري ما كان منه وما يشعركم وما يدريكم ذكره الزمخشري فهلاك هذا الدين وسلوك سبيل الناجين الزهد فيها والإعراض عنها والاقتصار على الكفاف قال الغزالي: وإنما كانت الزيادة على قدر الكفاية مهلكة لأن ذلك يدعو إلى المعاصي فإنها تمكن منها [ص:119] ومن العصمة أن لا يقدر ولأنه يدعو إلى التنعم بالمباحات وهو أقل الدرجات فينبت على التنعيم جسده ولا يمكنه للصبر عنه وذلك لا يمكن استدامته إلا بالاستعانة بالخلق والالتجاء إلى الظلمة وهو يدعو إلى النفاق والكذب والرياء والعداوة والبغضاء ولأنه ينهى عن ذكر الله تعالى الذي هو أساس السعادة الأخروية انتهى. ولهذا كان محط نظر السلف الصالح التجرد المطلق عن علائقها أما الأخذ منها بقدر الكفاية لمن ذكر فلا ضير فيه بل قد يجب بل له أخذ ما زاد على كفايته بقصد صرف الفاضل في وجوه البر إن وثق من نفسه بالوفاء بذلك القصد فمثال المال كحية فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها من يعرف وجه التحرز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت عليه نعمة وإن أصابها من لم يعرف ذلك فهي عليه نقمة وهي كبحر تحته صنوف الجواهر فمن كان عارفا بالسباحة وطرق الغوص والتحرز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمة وإن غاصه جاهل بذلك تورط في المهالك هذا غاية البيان وليس قربة وراء عمان
(فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه من لا يعرف لكن فيه شواهد تصيره حسنا لغيره(1/118)
113 - (اتق) بكسر الهمزة وشد المثناة فوق (الله) أمر من التقوى فعلى من الوقاية ما يتقى به مما يخاف فتقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وقاية تقيه منه وهي هنا الحذر (فيما تعلم) أي تحذره وخفه في العمل أو في ترك العمل بالذي تعلمه وحذف المفعول للتعميم وذلك بأن تجتنب المنهي وتفعل المأمور وخاطب العالم لأن الجاهل لا يعرف كيف يتقي لا من جانب الأمر ولا من جانب النهي والمراد أصالة العلم العيني الذي لا رخصة للمكلف في تركه وما عداه من كمال التقوى قال ابن القيم وللمعاصي من الآثار القبيحة ما لا يعلمه إلا الله فمنها حرمان العلم فإن العلم نور يقذف في القلب والمعصية تطفئه وكتب رجل إلى أخيه أنك أوتيت علما فلا تطفئن نوره بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور علمهم وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي وقال بشر: التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فما اتقى فيما علم
(تخ ت) وكذا الطبراني من حديث أنس بن أشوع (عن زيد بن سلمة) بن يزيد بن مشجعة (الجعفي) بضم الجيم وسكون المهملة نسبة إلى جعفي بن سعد العشيرة قبيلة كبيرة قال قلت يا رسول الله سمعت منك حديثا كثيرا فإني أخاف أن ينسيني آخره أوله فمرني بكلمة جامعة فذكره قال الترمذي في العلل سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال سعيد بن أشوع لم يسمع من يزيد فهو عندي مرسل وقال المؤلف في الكبير منقطع(1/119)
114 - (اتق الله) خفه واحذره (في عسرك) بضم فسكون وبضمتين وبالتحريك كما في القاموس: الضيق والصعوبة والشدة (ويسرك) بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين الغنى والسهولة يعني إذا كنت في ضيق وشدة وفقر فخف الله أن تفعل ما نهى عنه أو تهمل ما أمر به وإن كنت في سرور وغنى فاحذره أن تطغى وتقتحم ما لا يرضاه فإن نعمته إذا زالت عن إنسان قلما تعود إليه وقدم العسر على اليسر لأن اليسر يعقبه كما دل عليه قوله تعالى {إن مع العسر يسرا} أو اهتماما بشأن التقوى فيه. قال بعض العارفين: من علامات التحقق بالتقوى أن يأتي المتقي رزقه من حيث لا يحتسب وإذا أتاه من حيث يحتسب ما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا تقل إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب مؤنتهم فلا بد من الكد في السبب الذي جرت العادة أن يرزقه فيه فإنا ما قلنا لك لا تعمل فيها بل نهيناك عن الاعتماد عليها والسكون عندها فإن وجدت القلب يسكن إليها فاتهم إيمانك وإن وجدت قلبك ساكنا مع الله تعالى واستوى عندك وجود السبب المعين وفقده فأنت الذي لم تشرك بالله شيئا فإن أتى [ص:120] رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى أنك من المتقين (قال العارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطونها حقها بل يعصونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها. قاله شيخنا المحيوي في فتوحاته أه.)
<تنبيه> قال ابن عربي: طريق الوصول إلى علم القوم التقوى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم} أي طالعناهم على العلوم المتعلقة بالعلويات والسفليات وأسرار الجبروت وأنوار الملك والملكوت وقال الله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} والرزق روحاني وجسماني وقال {اتقوا الله ويعلمكم الله} أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط من العلوم الإلهية
(أبو قرة) بضم القاف وشد الراء (الزبيدي في سننه) بفتح الزاء نسبة إلى زبيد البلد المعروف المشهور باليمن واسمه موسى بن طارق (عن طليب) بالتصغير (بن عرفة) له وفادة ولم يرو عنه إلا ابنه كليب وهما مجهولان ذكره الذهبي كابن الأثير وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه(1/119)
115 - (اتق الله) بامتثال أمره وتجنب نهيه (حيثما كنت) أي وحدك أو في جمع فإن كانوا أهل بغي أو فجور فعليك بخويصة نفسك أو المراد في أي زمان ومكان كنت فيه رآك الناس أم لا فإن الله مطلع عليك واتقوا الله إن الله كان عليكم رقيبا والخطاب لكل من يتوجه إليه الأمر فيعم كل مأمور وأفراد الضمير باعتبار كل فرد وما زائدة بشهادة رواية حذفها وهذا من جوامع الكلم فإن التقوى وإن قل لفظها كلمة جامعة فحقه تقدس أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر بقدر الإمكان ومن ثم شملت خير الدارين إذ هي تجنب كل منهي عنه وفعل كل مأمور به فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين أثنى عليهم في كتابه المبين ثم نبه على تدارك ما عساه يفرط من تقصيره في بعض الأوامر والتورط في بعض النواهي فقال (واتبع) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق وكسر الموحدة ألحق (السيئة) الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة كما اقتضاه ظاهر الخبر والحسنة بالنسبة إليها التوبة منها فلا ملجئ لقصره على الصغيرة كما ظن وأيا ما كان فالحسنات تؤثر في السيئات بالتخفيف منها يعني ألحق (الحسنة) إياها صلاة أو صدقة أو استغفارا أو تسبيحا أو غيرها (تمحها) أي السيئة المثبتة في صحيفة الكاتبين وذلك لأن المرض يعالج بضده كالبياض يزال بالسواد وعكسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} يعني فلا يعجزك إذا فرطت منك سيئة أن تتبعها حسنة كصلاة قال ابن عربي: والحسنة تمحو السيئة سواء كانت قبلها أو بعدها وكونها بعدها أولى إذ الأفعال تصدر عن القلوب وتتأثر بها فإذا فعل سيئة فقد تمكن في القلب اختيارها فإذا أتبعها حسنة نشأت عن اختيار في القلب فتمحو ذلك وظاهر قوله تمحها أنها تزال حقيقة من الصحيفة وقيل عبر يه عن ترك المؤاخذة ثم إن ذا يخص من عمومه السيئة المتعلقة بآدمي فلا يمحها إلا الاستحلال مع بيان جهة الظلامة إن أمكن ولم يترتب عليه مفسدة وإلا فالمرجو كفاية الاستغفار والدعاء (وخالق الناس بخلق) بضمتين (حسن) بالتحريك أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه وحلم وشفقة وخفض جانب وعدم ظن السوء بهم وتودد إلى كل كبير وصغير وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم يقال فلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلف وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر والخلق بالضم الطبع والسجية وعرفا ملكة نفسانية تحمل على فعل الجميل وتجنب القبيح كذا ذكره البعض هنا وليس بصواب فإنه تفسير لمطلق الخلق بالخلق الحسن وهو فاسد وقد تكفل حجة الإسلام بتعريفه على طرف التمام فقال: الخلق هيئة للنفس تصدر عنها الأفعال بسهولة وسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا حسنا وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا وحسن [ص:121] الخلق وإن كان جليا لكن في الحديث رمز إلى إمكان اكتسابه وإلا لما صح الأمر به كما سيجيء إيضاحه والأمر به عام خص بمستحقه فخرج الكفرة والظلمة فأغلظ عليهم ثم هذا الحديث من القواعد المهمة لإبانته لخير الدارين وتضمنه لما يلزم المكلف من رعاية حق الحق والخلق. وقال بعضهم: وهو جامع لجميع أحكام الشريعة إذ لا يخرج عنه شيء وقال آخر فصل فيه تفصيلا بديعا فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام كل منها جامع في بابه ومترتب على ما قبله <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الخلق والتخلق أن التخلق معه استثقال واكتساب ويحتاج إلى بعث وتنشيط من خارج والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج
(حم ت) في الزهد (ك) في الإيمان وقال على شرطهما وأيده وأقره الذهبي واعترض (هب) وكذا الضياء في المختارة والدارمي (عن أبي ذر) الغفاري وقال الترمذي حسن صحيح (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك بسند ضعيف ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره فالإسناد الأول صحيح والثاني حسن والثالث ضعيف وأكثر المصنف من مخرجيه إشارة إلى رد الطعن فيه(1/120)
116 - (اتق الله) قال القيصري: قد أكثر الناس القول في التقوى وحقيقتها تنزيه القلب عن الأدناس وطهارة البدن من الآثام وإن شئت قلت: الحذر من موافقة المخالفات. وقال الحرني: عبر هنا وفيما سبق بالاسم الأعظم ليكون أزجر للمأمور (ولا تحقرن) بفتح المثناة فوق وكسر القاف وفتح الراء وشد النون أي لا تستصغرن يقال حقره واحتقره واستصغره قال الزمخشري: تقول أي العرب هو حقير فقير هو حاقر ناقر وفي المثل من حقر حرم وفلان خطير غير حقير (من المعروف) أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شيئا) أي كثيرا كان أو حقيرا (ولو) قال الطيبي: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالغة وقال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئا على كل حال كائنا ما كان ولو (أن تفرغ) بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل (من دلوك) إنائك الذي تستسقي به من البئر (في إناء) أي وعاء (المستسقي) طالب السقيا يعني ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف وتقدم الأحوج فالأحوج والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال:
وليس الرزق في طلب حثيث. . . ولكن ألق دلوك في الدلاء
(وأن تلقى) أي ولو أن تلقى (أخاك) أي تراه وتجتمع به وفي رواية لأبي داود بدله وإن تكلم أخاك قال الطيبي: مصدر وعامله محذوف تقديره كلم أخاك تكليما فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى الفاعل وأراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أن دينه كما تقول للرجل قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال: هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات {ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي لمشاركيهم في الكفر وقوله {يا أخت هارون} يعني في الصلاح لا النسبة وقولهم أخا تميم وقولهم أخا عاد وسماه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه (ووجهك) أي والحال أن وجهك (إليه منبسط) أي منطلق بالسرور والانشراح قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه. ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان وفيه كما قال الغزالي رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه [ص:122] مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطأطأ ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلب أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (وإياك (إياك فعل أمر بمعنى باعد نفسك ما يكره وباعد إسبال الإزار فهو عطف على المحذوف من إياك: أي إياك ما يكره وإسبال الإزار. أه) وإسبال) بالنصب (الإزار) أي إرخاءه إلى أسفل الكعبين (الكعبين) (هما العظمان الناتئان فوق القدم من جانبها بين مفصل الساق والقدم وذلك لإبعاد الإزار عن المستقذر ولمخالفة المتكبرين وللتشبه بالصالحين. أه) أي احذر ذلك يقال أسبل الإزار أرسله ذكره الزمخشري (فإن إسبال الإزار من المخيلة) كعظيمة الكبر والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للإنسان من نفسه ذكره الراغب. وقال الزمخشري: تقول إياك والمخيلة وخايله فاخره وتخايلوا تفاخروا (ولا يحبها الله) أي لا يرضاها ويعذب عليها إن لم يعف وكالإزار سائر ما يلبس فيحرم على الرجل إنزال نحو إزاره عن الكعبين بقصد الخيلاء ويكره بدونه أما المرأة فتسبله قدر ما يستر قدميها (وإن امرؤ) أي إنسان (شتمك) أي سبك (وعيرك) بالتشديد قال فيك ما يعيبك (بأمر) أي بشيء (ليس هو فيك) أي لست متصفا به (فلا تعيره) أنت (بأمر هو فيه) لأن التنزه عن ذلك من مكارم الأخلاق ومن ذم الناس ولو بحق ذموه ولو بباطل ومن ثم قال بعضهم:
ومن دعى الناس إلى ذمه. . . ذموه بالحق وبالباطل
(ودعه) أي اتركه (يكون وباله) أي سوء عاقبته وشؤم وزره (عليه) قال الزمخشري: الوبال سوء العاقبة (وأجره) أي ثوابه (لك) قال الراغب: الأجر ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا والأجرة في الثواب الدنيوي ولا يقال الأجر إلا في النفع دون الضر والجزاء يقال في النافع والضار انتهى والإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة والمقاولة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة والحقيقة وأسلم للعرض والورع ذكره الكشاف ولما كان التعبير يهيج الغضب ويحمل على المقابلة بالسب عقبه بقوله (ولا تسبن) بفتح الفوقية وشد الموحدة ونون التوكيد أي لا تشتمن (أحدا) وإن كان مهينا والشتم توصيف الشيء بما هو إزراء أو نقص فيه ذكره القاضي وفيه تحذير من الاحتقار لا سيما للمسلم المعصوم لأن الله تعالى أحسن تقويم خلقه وخلق ما في السماء والأرض لأجله ومشاركة غيره له فيه إنما هي بطريق التبع وفيه كراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم ومناقلتهم وأن السكوت عن السفيه من المطالب الشرعية قال في الكشاف: ومن أذل نفسه لم يجد مشافها وفيه تنبيه عظيم على كظم الغيظ والحلم على أهل الجهل والترفع عمن أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ولهذا قال البيهقي عن ذي النون: العز الذي لا ذل فيه سكوتك عن السفيه وفيه أنشد الأصمعي:
وما شيء أحب إلى لئيم. . . إذا شتم الكريم من الجواب
متاركة اللئيم بلا جواب. . . أشد على اللئيم من السباب
ومن ثم قال الأعمش جواب الأحمق السكوت والتغافل يطفئ شرا كثيرا ورضا المتجني غاية لا تدرك والاستعطاف عون للظفر ومن غضب على من لا يقدر عليه طال حزنه وقال حكيم ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة حليم من أحمق وبر من فاجر وشريف من دنيء وفيه أنه لا ينبغي للعبد أن يحقر شيئا من المعروف في الإحسان إلى الناس بل إلى خلق الله ولا يحتقر ما يتصدق به وإن قل وندب لقاء الأخ المؤمن بالبشر وطلاقة الوجه وأنه يقوم مقام فعل المعروف إذا لم يمكنه فعل المعروف معه وغير ذلك
(الطيالسي) وأبو داود (عن جابر بن سليم) ويقال سليم بن جابر قال البخاري: والأول أصح (الهجيمي) من بني هجيم بن عمرو بن تميم سكن البصرة وروى عنه ابن سيرين وغيره قال [ص:123] قلت يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله به فذكره وقضية المؤلف تدل على أن الحديث لم يخرجه أحد أشهر من الطيالسي وأنه تفرد به والأمر بخلافه فقد خرجه بمخالفة في الترتيب عن جابر المذكور أئمة أجلاء مشاهير منهم أحمد وأبو داود والنسائي والبغوي والباوردي وابن حبان والطبراني وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة وغيرهم بلفظ اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولا تسبن أحدا وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة انتهى. وفي بعض طرقه رأيت رجلا والناس يصدرون عن رأيه فقلت: من هذا قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله فقال: عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك فقلت: السلام عليك أنت رسول الله قال: نعم فقلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله فذكره قال النووي في رياضه رواه أبو داود والترمذي بالإسناد الصحيح ورمز المصنف لصحته(1/121)
117 - (اتق الله) أي احذره (يا أبا الوليد) كنية عبادة بن الصامت قال ذلك له لما بعثه على الصدقة وفيه تكنية الصاحب والأمير ووعظه (لا تأتي) قال الزمخشري: لا مزيدة أو أصله لئلا تأتي فحذف اللام (وفيه حذف تقديره ما تستحقه فتأتي) (يوم القيامة) يوم الجزاء الأعظم (ببعير) معروف يقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما وجمعه أبعره وأباعير وبعران (تحمله) في رواية على رقبتك قال الزمخشري: وهو ظرف وقع حالا من الضمير في تأتي تقديره مستعليا رقبتك بعيرة وقال الراغب: الحمل معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة فسوى بين لفظه في فعل وفرق بين كثير منها في مصادر فقيل في الأثقال المحمولة في الظاهر على الشيء حمل وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن والثمرة في الشجر تشبيها بحمل المرأة ويقال حملت الثقيل والرسالة والوزن حملا (له رغاء) بضم الراء وبالمعجمة والمد أي تصويت والرغاء صوت الإبل تقول رغا البعير رغاء ورغوة واحدة فالغالب في الأصوات فعال كبكاء وقد يجيء على فعيل كصهيل وعلى فعلة كحمحمة (أو بقرة لها خوار) بخاء معجمة مضمومة وواو خفيفة أي تصويت والخوار صوت البقر قال الراغب: مختص بالبقر وقد يستعار للبعير والبقر واحدة بقرة ويقال في جمعه باقر كحامل وبقير كحكيم ويقال للذكر ثور كجمل وناقة ورجل وامرأة انتهى (أو شاة لها ثواج) بمثلثة مضمومة وفتح الهمزة فألف فجيم صياح الغنم فقال عبادة: يا رسول الله إن ذلك كذلك فقال: أي والذي نفسي بيده إلا من رحم الله قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبدا أي لا إلى الحكم على اثنين ولا أتأمر على أحد (أو لا أكون عاملا لحاكمين أو لا يكون فعلي مخالفا لاعتقادي أه)
وهذا دليل على كراهة الأمارة في ذلك العصر الذي كان فيه مثل عبادة ونحوه من صالحي الأنصار وأشراف المهاجرين الكبار فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين ارتضاهم المصطفى للولاية وخصهم بها فما الظن بالولاة بعد ذلك الطراز الأول والمتنافسين في الولايات الباذلين الأموال في تحصيل الأعمال السلطانية <تنبيه> قال حجة الإسلام هذا الحمل حقيقي قيأتي به حاملا له معذبا بحمله وثقله يعدل الجبل العظيم مرعوبا بصوته وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد والملائكة تنادي هذا ما أغله فلان بن فلانة رغبة فيه وشحا (أي أن الشخص يحشر يوم القيامة وهو حامل على عتقه ما أخذه بغير حق. قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وفي الصحيحين وغيرهما ما هو صريح في ذلك أه) وذهب بعضهم إلى أن الحمل عبارة عن وزر ذلك وشهرة الأمر أي يأتي يوم القيامة وقد شهر الله أمره كما يشهر لو حمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار إلى آخره ورده القرطبي بأنه عدول عن الحقيقة إلى المجاز والتشبيه وقد أخبر المصطفى بالحقيقة فهو أولى إذ لا مانع وعورض بوجود المانع وهو أنه إذا غل ألف دينار مثلا فهي أخف من البعير وهو بالنسبة إليها حقير فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه وأجيب بأن المراد بالعقوبة بذلك فضيحته على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة قال [ص:124] ابن المنير أظن أن الحكام أخذوا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث ونحوه (تتمة) أجمعوا على أن الغال يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة وكذا بعدها عند الشافعي رحمه الله تعالى فيحفظه الإمام كالمال الضائع وقول مالك يدفع الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فيه أنه لم يملكه فكيف يتصدق بمال غيره
(طب) وكذا ابن عساكر (عن عبادة) بضم العين المهملة وفتح الموحدة (ابن الصامت) الخزرجي من بني عمرو بن عوف بدري نقيب فاضل عالم جليل ممن جمع القرآن وولاه عمر قضاء فلسطين رمز المصنف لحسنه وهو تقصير إذ هو أعلى فقد قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الشافعي والبيهقي عن طاوس مرسلا(1/123)
118 - (اتق المحارم) أي احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك (تكن أعبد الناس) أي من أعبدهم لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد وقال الذهبي هنا والله تكسب العبرات فيريد أن يكون يسيرا بكل واجب فيقوم به وعارفا بكل محرم فيجتنبه (وارض) أي اقنع (بما قسم الله لك) أي أعطاك وجعله حظك من الرزق (تكن أغنى الناس) فإن من قنع استغنى ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس والقناعة غنى وعز بالله وضدها فقر وذل للغير ومن لم يقنع لم يشبع أبدا ففي القناعة العز والغنى والحرية وفي فقدها الذل والتعبد للغير تعس عبد الدنيا تعس عبد الدينار فيتعين على كل عاقل أن يعلم أن الرزق بالقسم والحظ لا بالعلم والعقل ولا فائدة للجد حكمة بالغة دل بها على قدرته وإجراء الأمور على مشيئته قال الحكماء: ولو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم ونظمه أبو تمام فقال:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل. . . ويكدى الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأقسام تجري على الحجا. . . هلكن إذن من جهلن البهائم
ومن كلامهم كم رأيت أعرج في المعالي عرج (وأحسن إلى جارك) بالقول والفعل والجار المجاور لك وما قرب من منزلك عرفا (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان فإذا لم تقدر على الإحسان إليه فكف عن أذاه وإن كان مؤذيا لك فيلزمك الصبر حتى يجعل الله لك فرجا قال الراغب: والإحسان يقال للإنعام على الغير وللإحسان في فعله وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا وعليه قول علي كرم الله وجهه " الناس أبناء ما يحسنون أي منسوبون إلى ما يعلمون ويعملون من الأفعال الحسنة والإحسان أعم من الإنعام والعدل إذ العدل أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له (وأحب) أي ارض (للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مسلما) كامل الإسلام بأن تحب لهم حصول ما تحبه لنفسك من جهة لا يزاحمونك فيها فإن انتفت المحبة لنحو حقد أو غل أو حسد انتفى عنه كمال الإيمان وغاير في ما بين لفظي الإيمان والإسلام تفننا إذ المراد بهما هنا واحد قال السدي لي ثلاثون سنة في الاستغفار عن قولي الحمد لله وذلك أنه وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال نجا حانوتك فقلت الحمد لله فمذ قلتها فأنا نادم حيث أردت لنفسي خيرا دون المسلمين (ولا تكثر الضحك) بفتح وكسر وهو كيفية يحصل منها انبساط في القلب مما يعجب الإنسان من السرور ويظهر ذلك في الوجه والإكثار منه مضر بالقلب منهي عنه شرعا وهو من فعل السفهاء والأراذل مورث للأمراض النفسانية ولذا قال (فإن كثرة الضحك تميت القلب) أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها شيئا من مكروه وحياته وإشراقه مادة كل خير وموته وظلمته مادة كل شر وبحياته تكون قوته وسمعه وبصره وتصور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه ولهذا قال لقمان [ص:125] لابنه يا بني لا تكثر الضحك من غير عجب ولا تمشي من غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما أخرت وقال موسى للخضر: أوصني فقال: كن بساما ولا تكن غضابا وكن نفاعا ولا تكن ضرارا وانزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران وفي صحف موسى عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها وفي الحديث إيذان بالإذن في قليل الضحك لا سيما لمصلحته
(حم ت) في الزهد (هب) وأبو نعيم في الحلية كلهم من حديث الحسن (عن أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قلت: أنا فأخذ بيدي فعد خمسا فقال: اتق المحارم وإلى آخره قال الترمذي غريب منقطع انتهى. قال المنذري: وبقية إسناده فيه ضعف انتهى. وفيه جعفر بن سليمان الضبعي شيعي زاهد أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه القطان ووثقه جمع وقال في الكاشف ثقة فيه شيء وفيه أيضا أبو طارق السعدي قال الذهبي مجهول(1/124)
119 - (اتق) يا علي هكذا هو ثابت في رواية مخرجه الخطيب فكان الأولى للمؤلف عدم حذفه (دعوة) بفتح الدال المرة من الدعاء أي تجنب دعاء (المظلوم) أي من ظلمته بأي وجه كان من نحو استيلاء على ما يستحقه أو إيذاء له بأن ترد إليه حقه أو تمكنه من استيفائه فإنك إن ظلمته ودعا عليك استجيب له وإن كان عاصيا مجاهرا فإنه إذا دعى عليك (فإنما يسأل الله حقه) أي الشيء الواجب له على خصمه (وإن الله تعالى لن يمنع ذا حق) أي صاحب حق (حقه) لأنه الحاكم العادل نعم ورد أن الله سبحانه وتعالى يرضي خصوم بعض عباده بما شاء وفي خبر رواه ابن لال والديلمي وغيرهما أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها لبعض لكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وقال ابن عبد العزيز: إن الله يأخذ للمظلوم حقه من الظالم فإياك أن تظلم من ينتصر عليك إلا بالله تعالى فإنه تعالى إذا علم إلتجاء عبده إليه بصدق واضطرار انتصر له ولا بد {أمن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه} وقال عبد الله بن سلام: لما خلق الله الملائكة رفعت رؤوسها إلى السماء فقالت: يا ربنا مع من أنت قال: مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه قال الراغب: والحق يقال على أوجه ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}
(خط) في ترجمة صالح بن حسان (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الخطيب فعزو المصنف للفرع وإهماله الأصل غير صواب ثم قضية صنيعه أن مخرجه الخطيب خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة صالح بن حسان هذا كما تقرر وذكر أن ابن معين قال إنه ليس بشيء وأن البخاري ذكر أنه منكر الحديث والنسائي قال متروك وأبو حاتم ضعيف فإهماله لذلك واقتصاره على عزوه لمخرجه من سوء التصرف ثم إن فيه أيضا منصور بن أبي الأسود أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: صدوق من أعيان الشيعة انتهى وبه عرف اتجاه رمز المؤلف لضعفه(1/125)
120 - (اتقوا الله) المستجمع لصفات العظمة وصيغة جمع المذكر في هذا ونحوه مما مر ويجيء واردة على منهج التغليب لعدم تناولها حقيقة الإناث عند غير الحنابلة (في هذه البهائم) أي في شأن ركوب ما يركب منها وأكل ما يؤكل منها ونحو ذلك وهي جمع بهيمة سميت به لاستبهامها عن الكلام أو لأنها مبهمة عن التمييز أو لانبهام أمرها علينا لا لانبهام الأمور عليها كما قيل فإن لها إدراكا في الجملة قال في الكشاف: البهيمة مبهمة في كل ذات أربع وفي البر والبحر في القاموس هي كل [ص:126] ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يميز وقال الراغب: البهيمة ما لا نطق له لما في صورته من الاستبهام لكن خص في التعارف بما عد السباع لكن إنما أراد المصطفى بهذا الحديث الإبل فقط بدليل قوله وكلوها وبدليل السبب الآتي فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها وإضرارها ذكره القاضي (المعجمة) بضم الميم وفتح الجيم وقيل بكسر ما أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع وعطش. وأصل الأعجم كما قال الرافعي الذي لا يفصح بالعربية ولا يجيد التكلم بها عجميا كان أو عربيا سمى به لعجمة لسانه والتباس كلامه والقصد التحريض على الرفق بها والتحذير من التقصير في حقها (فاركبوها) رشادا حال كونها (صالحة) للركوب عليها يعني تعهدوها بالعلف لتتهيأ لما تريدونه منها فإن أردتم ركوبها وهي صالحة للركوب قوية على المشي بالراكب فاركبوها وإلا فلا تحملوها ما لا تطيقه وكالركوب التحميل عليها (وكلوها صالحة) أي وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينة صالحة للأكل وخص الركوب والأكل لأنهما من أعظم المقاصد ذكره كله القاضي لكن ليس لمن وجب عليه هدي أو منذور الأكل منه قال القاضي: وفيه وجوب علف الدواب وأن الحاكم يجبر المالك عليه وهو مذهب الشافعي والجمهور انتهى. فيلزم المالك كفاية دابته المحترمة وإن تعطلت لمرض أو زمانة أكلا وشربا فإن امتنع الزم به من ماله أو ببيعها أو إجارتها أو ذبح المأكولة للأكل فإن أبى فعل القاضي من ذلك ما يراه <تنبيه> ذكر بعض أكابر الصوفية أنه ينبغي شفقة الراكب على الدابة فيخفف بدنه عليها بكثرة ذكر الله على ظهرها فإنه مجرب للخفة عليها إذ الروح تشتاق إلى حضرة ربها في جهة العلو بحسب غلبة الوهم فتريد الصعود بجسمها إلى تلك الحضرة فلا يصير على الدابة من البدن إلا مجرد المماسة كما جربناه وذكر بعضهم أن الشيخ عبد العزيز الديريني كان إذا ركب دابة لا يحمل صوتا قط ويردها بكمه ويقول هيهات عبد العزيز أن يقدر على ضربة بكم قميص
(حم د) في الجهاد (وابن خزيمة) في صحيحه (حب) كلهم (عن سهل) ضد الصعب (ابن) الربيع ابن عمرو بن عدي المعروف بابن (الحنظلية) صحابي غير صغير أوسي والحنظلية أمه وبها اشتهر شهد أحدا وكان متعبدا متوحدا زاهدا قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فذكره وفي رواية عنه مر ببعير مناخ على باب أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله فقال: أين صاحب هذا فابتغى فلم يوجد فقال: اتقوا الله إلى آخره قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/125)
121 - (اتقوا الله) علق الاتقاء بالاسم العلم دون غيره من بقية أسمائه وصفاته لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بإدخال المهابة بسلطان الأسماء الجلالية (واعدلوا) ندبا (في) وفي رواية بين (أولادكم) أي سووا بينهم في العطية وغيرها لئلا يفضي التفضيل إلى العقوق والتحاسد وذلك بأن يسوي بين ذكورهم وإناثهم وقيل كالإرث فعدم العدل بينهم مكروه تنزيها عند الشافعي لما ذكر وتصح الهبة وقال أحمد إن خص أحدكم لا لمعنى فيه يبيح التفضيل حرم ولزمه التسوية إما برد ما فضل أو إتمام نصيب الباقي ويرده خبر مسلم أشهد على هذا غيري إذ لو كان حراما لم يأذن له في استشهاد غيره وامتناعه من الشهادة تورع ولا يعارضه رواية إني لا أشهد على جور لأن المكروه جور إذ الجور الميل عن الاعتدال والعدل ملكة يقتدر بها على تجنب ما لا يليق فعله إذ هو وضع الشيء بمحله اللائق به في نفس الأمر وإذا طلب العدل بين الأولاد فبين غيرهم أولى فهو مطلوب حتى في الأمور الدينية فقد نقل ابن جماعة عن بعض مشايخه أنه كان يقسم ساعات النهار بين طلبنه بالرمل فإذا غاب أحدهم عن وقته يقول له مشى رملك ولا يقرئك ذلك اليوم
(ق) البخاري في الهبة ومسلم في الفرائض (عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية وهو ابن سعد الخزرجي أبي عبد الله الأمير ولي حمص ليزيد وقتل في آخر سنة أربع وستين قال: أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال: أكل ولدك نحلته مثل [ص:127] هذا قال: لا قال: فارجعه وفي رواية فقال: أفعلت هذا بولدك كلهم قال: لا قال: اتقوا الله واعدلوا إلى آخره قال النعمان: فرجع بي فرد تلك الصدقة وفي رواية قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا بشير ألك ولد سوى هذا قال: نعم قال: أكلهم وهبت له مثل هذا قال: لا قال: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور وفي رواية أشهد على هذا غيري ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال: نعم قال: فلا إذن أخرجه الشيخان(1/126)
122 - (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم) بفتح الياء التحتية والموحدة أي يحسنوا طاعتكم يقال بررت والذي أبره برا وبرورا أحسن طاعته ورفقت به وتحريت محابه وتوقيت مكارهه وذلك لأنه كما للآباء على الأبناء حق فللأبناء على الآباء حق وكما قال سبحانه وتعالى {ووصينا الإنسان بوالديه} وقال {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} فوصية الله للآباء بأبنائهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم وفيه ندب التسوية بين الأولاد في النحل وغيرها من أنواع البر حتى في القبلة ولو فعل خلاف ذلك لم يحرم فقد فضل أبو بكر عائشة بجذاذ عشرين وسقا دون جميع أولاده وعمر عاصما بشيء أعطاه وعبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم قال البيضاوي وقرر ذلك ولم ينكر عليهم فيكون ذلك إجماعا
(طب عنه) أي عن النعمان المذكور(1/127)
123 - (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي الحالة التي وقع بها الاجتماع قال الحراني: والإصلاح تلافي خلل الشيء وفي المصباح الصلح التوفيق أصلحت بين القوم وفقت بينهم وقال الراغب: الصلاح ضد الفساد وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال والصلح مختص بإزالة النفار بين الناس (فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين) وفي رواية المسلمين أي أصلحوا فإن الله يحب الصلح ولذلك يصلح بين المؤمنين (يوم القيامة) أي يوفق بينهم بأن يلهم المظلوم العفو عن ظالمه ويعوضه عن ذلك بأحسن الجزاء وروى ابن مردويه عن أنس مرفوعا إذا كان يوم القيامة نادى مناديا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب
(ع ك) في الأهوال (عن أنس) وقال صحيح ورده الذهبي بأن فيه عباد بن شيبة الحبطي ضعفوه وشيخه سعيد بن أنس لا يعرف فأنى له الصحة(1/127)
124 - (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) من كل آدمي وحيوان محترم وغيرهما لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم أن اتقوا الله بحسن الملكة والقيام بما يحتاجونه وخافوا ما يترتب على إهمالهم والتفريط في حقهم من العذاب ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام فإنه حرام وعلموهم ما لا بد منه من طهر وصلاة وكل واجب ومندوب وأدبوهم على ترك المأمورات وفعل المنهي وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى السيد والأملاك تضاف إلى الأيدي لتصرف الملاك فيها باليد وإنما أضافها إلى اليمين دون اليد لأنه أبلغ وأنفذ إذ اليمين أبلغ في القوة والتصرف ولينبه على شرف اليمين
(خذ عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فذكره والمراد أن ذلك من آخر ما تكلم به رمز المؤلف لصحته(1/127)
125 - (اتقوا الله في الصلاة) التي هي حضرة المراقبة وأفضل أعمال البدن بالمحافظة عليها بشروطها وعدم ارتكاب منهياتها فإنها أول ما يحاسب عليه العبد وعلم الإيمان وعماد الدين وعموده ولما ذكر وصلة الخلق بالخالق وكان اهتمام الناس بمن يمون من أعظم دعائم الدين كما يشير إليه خبر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يمون أو يعول اتبعها به [ص:128] إشارة إلى أن القيام بذلك واجب على المالك وجوب الصلاة التي لا عذر فيها ما دام مناط التكليف فقال (و) في (ما ملكت أيمانكم) من كل آدمي وحيوان محترم وغير ذلك لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم قال التوربشتي: أراد المماليك ونحوهم وقرنه بالصلاة إيذانا بأن القيام بقدر حاجتهم من نفقة وكسوة واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا يسعه تركها وشمل البهائم المملكة وقال الطيبي: الحديث من جوامع الكلم عبر بالصلاة عن كل مأمور ومنهي إذ هي تنهى عن الفحشاء والمنكر وبما ملكت أيمانكم عن كل ما يتصرف فيه ملكا وقهرا ولذلك خص باليمين فنبه بالصلاة على تعظيم أمر الله تعالى وبما ملكت أيمانكم على الشفقة على خلقه. وقال المظهري: أراد الزكاة وإخراجها من المال الذي تملكه الأيدي كأنه علم بما يكون من أمر الردة وإنكارهم وجوبها بعده فقطع حجتهم بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة ويؤيده أن القرآن والحديث إذا ذكر فيهما الصلاة فالغالب ذكر الزكاة بعدها
(خط عن أم سلمة) بفتح المهملة واللام هند أم المؤمنين بنت أمية بن المغيرة المخزومية وأبوها يعرف بزاد الراكب من أشراف قريش رمز المؤلف لضعفه(1/127)
126 - (اتقوا الله في الضعيفين) أي اجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية بالمواظبة على إيفاء حق الضعيفين أي اللذين لا حول لهما ولا قوة أو الضعيفين عن التكبر وعن أذى الناس بمال أو جاه أو قوة بدن قالوا: من هما يا رسول الله قال: (المملوك والمرأة) بأن تعاملوهما برفق وشفقة ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب ووصفهما بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم وانتقامه من ظالمه أشد ووجه ضعف المملوك كونه تحت قهر مالكه والمرأة امتهانها بالوطء ولزوم المنزل والقيام بحق الزوج والخطاب للولي والزوج أو عام ويدخلان دخولا أوليا قال الحراني: والضعف وهن القوى حسا أو معنى
(ابن عساكر) في تاريخه (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لضعفه(1/128)
127 - (اتقوا الله في الصلاة) أي اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية بالمواظبة عليها رجاء لرضا ربكم وخوفا من نقض العهد الذي عهده إليكم نبيكم بقوله " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة " الحديث (اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة) كرره تأكيدا واهتماما لأنها علم الإيمان وعماد الدين وطهرة القلوب من أدناس الذنوب واستفتاح باب الغيوب محل المناجاة معدن المصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها مشارق الأنوار وتجمع من القرب ما تفرق في غيرها كطهر وستر وقراءة وذكر ويمتنع فيها ما يمتنع في غيرها وتزيد بأمور أخرى (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) فعاملوهم بالرعاية وتجاوزوا عما يصدر منهم من الجناية وفي الكشاف عن علي كرم الله وجهه أنه صاح بغلام له كرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال: لم لم تجب قال: لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك فأعتقه وقال: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) كرره مرتين فقط إيماء إلى أن رعاية حق الحق آكد من رعاية حق الخلق (اتقوا الله في الضعيفين) قيل من هما يا رسول الله قال (المرأة الأرملة) أي المحتاجة المسكينة التي لا منفق لها سميت أرملة لما لها من الأرمال وهو الفقر وذهاب الزاد وأصل أرمل نزل بين جبال ورمال قال الزمخشري: ومن المجاز أرمل افتقر وفني زاده وهو من الرمل ومنه الأرملة والأرامل وفي العين لا يقال شيخ أرمل إلا أن يشاء شاعر في تلميح كلامه كقوله:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها. . . فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
[ص:129] وأرملت المرأة ورملت من زوجها ولا يكون إلا مع الحاجة وعام أرمل وسنة رملى جدباء وكلام مرمل مريف كالطعام المرمل إلى هنا كلامه وقول الشافعي رحمه الله هي من بانت بفسخ أو طلاق أو وفاة اصطلاح فقهي وتقييده بالأرملة ليس لإخراج غيرها بدليل إطلاقها فيما قبله بل لأن رعاية حقها آكد (والصبي اليتيم) أي الصغير الذي لا أب له شرعا ذكرا أو أنثى حث على الوصية بهؤلاء لأن ما تضمره النفس من التكبر تظهره فيهم لكونهم تحت قهرها فترى الإنسان يعمل الفكرة في وجوه العظمة عليهم ويتفكر في كيفية زجرهم وكيفية قهرهم وجوابهم عما يتعللون به من مخالفته
(هب عن أنس) قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا: اتقوا الله إلى آخره فجعل يرددها ويقول الصلاة وهو يغرغر حتى فاضت نفسه انتهى. وقد رمز المصنف لحسنه لكن فيه بشر بن منصور الخياط أورده الذهبي في المتروكين وقال هو مجهول قبل المائتين(1/128)
128 - (اتقوا الله) خافوا عقابه واصبروا عن المعاصي وعلى الطاعات (وصلوا) بالتشديد (خمسكم) أي صلواتكم الخمس المعلوم فرضيتها من الدين بالضرورة أضافها إليهم لأنها لم تجتمع لغيرهم وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يناقضه قول جبريل لما صلى به الخمس في أوقاتها مرتين هذا وقت الأنبياء قبلك لاحتمال أنه وقتهم إجمالا وإن اختص كل منهم بوقت (وصوموا شهركم) رمضان والإضافة للاختصاص على ما جرى عليه جمع لكن تعقب بحديث مرفوع خرجه ابن أبي حاتم صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم واحتج الأولون بأن المصطفى كان يصوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ولو كان مشروعا قبلنا لصامه ولم يصم عاشوراء أولا والصوم إذلال النفس لله بإمساكها عما تتشوف إليه نهارا على وجه مخصوص وفرض بالمدينة قال الحراني: وحكمة فرضه فيها أنهم لما أمنوا من عداوة الأمثال والأغيار عادت الفتنة خاصة في الأنفس بالتبسيط في الشهوات وذلك لا يليق بمؤمن يؤثر الدين على الدنيا (وأدوا) أعطوا (زكاة أموالكم) قال الحراني: الزكاة كسر أنفة الغنى بما يؤخذ في حق أصنافها إظهارا لكون المشتغلين بالدين آثر عند الله من الأغنياء وليتميز الذين آمنوا من المنافقين لتمكنهم من الرياء في العمود والركنين ولم يشهد الله بالنفاق جهرا على أحد أعظم من شهادته على مانع الزكاة وقدم الصلاة إتباعا للفظ التنزيل ولعموم وجوبها على كل مكلف ولأن حسنها في نفسها بلا واسطة بخلاف غيرها وصرح بالمضاف في قوله زكاة أموالكم وأضمر في قوله خمسكم أي صلواتكم وأبهم في قوله شهركم أي رمضان للدلالة على أن الإنفاق من المال أشق وأصعب على النفس أي أنفقوا مما تحبونه ومما هو شقيق أنفسكم وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معاشهم ذكره الطيبي ولما كان السخط والرضا من أعمال القلوب زاد في رواية قوله (طيبة) بالتشديد أي منبسطة منشرحة (بها أنفسكم) يقال طابت نفسه تطيب انبسطت وانشرحت قال الزمخشري: ومن المجاز طاب لي كذا إذا حل وطاب القتال والأنفس تذكر في مقام الشح غالبا كقوله تعالى {ومن يوق شح نفسه} وفيه إشارة إلى أنها تطيب المال {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وأنه لا تجب عليهم الزكاة لأنها طهرة وهم مبرؤون من الدنس لعصمتهم ولأنهم لا يشاهدون لهم ملكا مع الله ولم يذكر الحج في الرواية لأنه إن لم يكن له فرض فظاهر وإلا فكان المخاطبون يعرفونه وغالب أهل الحجاز يحجون كل عام وقد ذكره في رواية أخرى (وأطيعوا ذا أمركم) أي من ولي أموركم في غير إثم قال الطيبي: وعدل عن قوله أميركم ليكون أبلغ وأشمل كما في قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال في القواطع الطاعة من الطوع والانقياد ومعناها تلقي الأمر بالقبول (تدخلوا) بالجزم جواب الأمر (جنة ربكم) الذي رباكم في نعمه وصانكم من بأسه ونقمه ويربي لكم الصدقات [ص:130] عنده حتى يصير الحقير عظيما كما في خبر إن الله يقبل الصدقات فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه وهذا هو سر التعبير هنا بالرب دون غيره والمراد بالإدخال مزيد رفع الدرجات والتجاوز عن السيئات وإلا فمجرد الإيمان كاف لمطلق دخولها وقد أشار بهذا الخبر إلى أمهات الأعمال البدنية والمالية من الأفعال والتروك فالصلاة مشار بها إلى التجلي بكل خير والتخلي عن كل شر {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والصوم المطلوب منه سكون النفس الأمارة بالسوء وكسر شهوتها عن الفضول بالجوارح لخمود حركة لذاتها وعنه يصفو القلب ويحصل العطف على الفقراء فإنه لما ذاق الجوع أحيانا ذكر به من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إليه الرقة فيبادر بالإحسان فينال من الجزاء ما أعد له في الجنان والزكاة طهرة للنفس عن دنس البخل والمخالفة وللمال بإخراج الحق لمستحقه والإنفاق خلافه والبخل عزل عن خلافة الله تعالى فمتى جاد الإنسان بالعطية عن طيب قلب ورضا نفس تمت خلافته وعظم فيه سلطانه وانفتح له باب إمداد برزق أعلى وإن بخل واستغنى تضاءل أمر خلافته وانقطع عنه المدد من الأعلى فبحق كانت الزكاة من أمهات الأعمال فافهم هذا المقال <تنبيه> سئل جدنا شيخ الإسلام يحيى المناوي عن وجه تأخير الزكاة عن الصلاة في الذكر مع أن كلا فرض يكفر جاحده فأجاب بأن ذلك لمعان منها أن الزكاة لا تجب إلا على الأغنياء ومنها أنها لا تجب في العام إلا مرة واحدة ومنها أنها تؤخذ جبرا
(ت) وقال حسن صحيح (حب ك) وكذا البيهقي (عن أبي أمامة) بضم الهمزة وخفة الميم واسمه صدى بضم المهملة الأولى وفتح الثانية مصغرا ابن عجلان ضد المتأني الباهلي بالموحدة وكسر اللام السهمي آخر الصحابة موتا بالشام وهو مشهور ورواه الخلعي في فوائده وقال حجوا بيت ربكم وأدوا زكاتكم طيبة بها نفوسكم(1/129)
129 - (اتقوا الله) في تجنب المحارم والقيام بالواجب (وصلوا) بكسر الصاد وضم اللام مخففة من الصلة وهي العطية (أرحامكم) فإن قطيعتها مما يجب أن يتقي جمع رحم عام في كل رحم محرما وارثا وضدهما على الأصح والمراد الإحسان إليهم قولا وفعلا وكف الأذى عنهم وقد تضافرت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وكفاك شاهدا على تأكد حقها والتحذير من قطعها قرنه سبحانه إياها باسمه في قوله تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال في الكشاف: قد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه أن صلتها منه بمكان كما قال {ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وفيه أنه يحرم قطع الرحم بل هو من الكبائر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) بسند ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن جابر وزاد فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم ورواه ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة وزاد فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة وبذلك يصير حسنا(1/130)
130 - (اتقوا الله) خافوه واجتنبوا التطلع إلى ولاية المناصب (فإن أخونكم) أي أكثركم خيانة (عندنا) معشر المسلمين أو النون للتعظيم {وأما بنعمة ربك فحدث} (من طلب العمل) أي الولاية وليس من أهلها لأن طلبه لها وهو كذلك أوضح دليل على خيانته وإن كان أهلا فالأولى أن لا يطلبها ما لم يتعين عليه وإلا وجب قال الراغب: والخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال باعتبار العهد والأمانة والنفاق يقال باعتبار الدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة قال الزمخشري: ومن المجاز خانه سيفه أي نبا عن الضربة وخانته رجلاه إذا لم يقدر على المشي وخان الدلو الرشاء إذا انقطع وتخون فلان حقي تنقصه كأنه خانه شيئا فشيئا
(طب عن أبي موسى) الأشعري ورمز المصنف لحسنه(1/130)
131 - (اتقوا البول) أي احذروا من التقصير في التنزه عنه أو توقوا منه بعد ملابسته وبالتحرز عن مفسدة تتعلق به كانتقاص الطهر لأن التهاون به تهاون بالصلاة التي هي أفضل الأعمال فلذا كان أول ما يسئل عنه كما قال فإنه أول [ص:131] ما يحاسب به العبد) أي المكلف (في القبر) أي أول ما يحاسب فيه على ترك التنزه منه فإما أن يعاتب ولا يعاقب وإما أن يناقش فيعذب ولا ينافيه أن أول ما يحاسب به العبد الصلاة يوم القيامة لأنه يحاسب على أول مقدماتها في أول مقدمات الآخرة ثم يحاسب يوم القيامة على جميع الشروط والأركان كذا جمع به بعضهم ولكن نازع فيه المؤلف بأن ظاهر الأحاديث الواردة في سؤال الملكين في القبر أنه لا يسئل فيه عن شيء من التكاليف غير الاعتقاد فقط ويجاب بأن الملكين منكرا ونكيرا لا يسألان إلا عن الاعتقاد وأما وظيفة المحاسبة فلغيرهما وقد أجمع أهل السنة على وجوب الإيمان بسؤال القبر وعذابه لآيات وأخبار متواترة المعنى وفيه أن ترك التنزه من البول كبيرة لاستلزامه بطلان الصلاة وحرمة التضمخ به بلا حاجة ووجوب الاستبراء أي إن ظن عود شيء لولاه وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. وقال أبو حنيفة سنة ولا ينافي كونه كبيرة قوله في قصة القبرين إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير لأن المعنى لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو التحرز عنه فإنه سهل على من يريد التوقي عنه فليس بكبير عليهم تركه وإن كان كبيرا عند الله {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} وفيه أن كل بول نجس ويدخل تحت عمومه بول ما يؤكل لأن الاسم المفرد للعموم فهو حجة على مالك وأن قليله وكثيره سواء فلا يخفف في شيء منه وعليه الشافعي وجعل أبو حنيفة قدر الدرهم من كل نجاسة عفوا قياسا على العفو عن المخرجين
(طب) وكذا الحكيم (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه وهو أعلى من ذلك فقد قال المنذري: إسناده لا بأس به وقال الحافظ الهيتمي: رجاله موثقون(1/130)
132 - (اتقوا الحجر) بالتحريك قال الحراني: هو ما تحجر أي اشتد تضام أجزائه من الماء والتراب وقال الراغب: هو الجوهر الصلب وجمعه أحجار وحجارة (الحرام) الذي لا يحل لكم أخذه واستعماله والحرام الممنوع منه وقال في المحصول والحرام يسمى معصية وذنبا ومحظورا ومزجورا عنه وممنوعا منه ومتوعدا عليه أي من جهة الشرع (في البنيان) بأن تصونوه عنه وجوبا ونبه بالحجر على غيره من جميع آلات البناء كجص وآجر وخشب وغيرها مما ينبى به وفي رواية بدون ذكر الحجر وهو أعم أي احذروا انفاق المال الحرام في البناء (فإنه) أي فإن إدخال الحجر الحرام وما في معناه في البنيان (أساس الخراب) أي قاعدته وأصله قال الراغب: الأساس القاعدة التي بينى عليها قال الزمخشري: ومن المجاز فلان أساس أمره الكذب ومن لم يؤسس ملكه بالعدل فقد هدمه انتهى والمراد خراب الدين أو الدنيا بقلة البركة وشؤم البيت المبنى به أو أساس خراب البناء نفسه بأن يسرع إليه الخراب في زمن قريب ولو لم يبن به لم يخرب سريعا بل يطول بقاؤه لينتفع بغلته من بعد بنائه قال الزمخشري مكتوب في الإنجيل الحجر الواحد في الحائط من الحرام عربون بالخراب وقال وهب بن منبه: وجدت في بعض كتب الأنبياء من استغنى بأموال الفقراء جعلت عاقبته الفقر وأي دار بنيت بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب. وورد في غير ما أثر أن البناء إذا كان من حرام لم يطل تمتع صاحبه به بل في خبر رواه الحاكم من حديث أمير المؤمنين المرتضى: إن لله عز وجل بقاعا تسمى المنتقمات فإذا كسب الرجل المال من حرام سلط الله عليه الماء والطين ثم لا يمتعه به أه. وذهب بعضهم إلى أن المراد بالبنيان كل أمر أسسه وبناه من دينه ودنياه إذا كان إمداده وإنفاقه من حرام {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار} انتهى وهذا وإن كان لمجيئه مجال في رواية إسقاط لفظ الحجر لا مجال له على رواية إثباته إلا بتكليف يصان عن مثله كلام المصطفى العذب الزلال
(هب) من حديث معاوية بن يحيى عن الأوزاعي عن حسان بن عطية (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب قال ابن الجوزي: حديث لا يصح ومعاوية ضعيف وحسان لم يسمع من ابن عمر انتهى. لكن له طرق وشواهد وممن رواه الخطيب والبيهقي والديلمي وابن عساكر والقضاعي في الشهاب وقال شارحه غريب جدا(1/131)
[ص:132] 133 - (اتقوا الحديث عني) أي لا تحدثوا عني (إلا بما علمتم) أي تعلمونه بمعنى تتيقنون صحة نسبته إلي وقال الطيبي: يجوز أن يراد بالحديث الاسم فالمضاف محذوف أي احذروا رواية الحديث عني أو أن يكون فعيلا بمعنى مفعول وعني متعلق به والاستثناء منقطع والمعنى احذروا من الحديث عني لكن لا تحذروا مما تعلمونه انتهى والحديث عرفا ما روي من قول المصطفى قيل أو الصحابي أو التابعي أو فعلهم أو تقريرهم وقد يخص بما يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير كذا في التلويح وغيره وأهله النقلة له المعتنون بما يتعلق به (فمن كذب علي متعمدا) حال من الضمير المستتر في كذب الراجع إلى من (فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له محلا فيها لينزل فيه فهو أمر بمعنى الخبر قال الرافعي: أو دعاء أي بوأه الله ذلك فليتبوأ اتخاذ المنزل والمقعد محل القعود وجاء به بلفظ الأمر جوابا للشرط ليكون أبلغ في وجوب الفعل وألزم له وقال الطيبي: الأمر بالتبوؤ تهكم وتغليظ إذ لو قال كان مقعده في النار لم يكن كذلك والكذب عليه صلى الله عليه وسلم من الكبائر الموبقة والعظائم المهلكة لإضراره بالدين وإفساده أصل الإيمان والكاذبون عليه كثيرون وقد اختلف طرق كذبهم كما هو مبين في مبسوطات أصول كتب الحديث قال بعضهم: وعموم الخبر يشمل الكذب في غير الدين ومن خصه به فعليه الدليل (ومن قال في القرآن برأيه) أي من شرع في التفسير من غير أن يكون له خبرة بلغة العرب ووجوه استعمالاتها في نحو حقيقة ومجاز ومجمل ومفصل وعام وخاص وغير ذلك من علوم القرآن ومتعلقات التفسير وقوانين التأويل (فليتبوأ مقعده من النار) المعدة في الآخرة لأنه وإن طابق المراد بالآية فقد ارتكب أمرا فظيعا واقتحم هولا شنيعا حيث أقدم على كلام رب العالمين بغير العالمين بغير إذن الشارع ومن تكلم فيه بغير إذنه فقد أخطأ وإن أصاب قال الغزالي: ومن الطامات صرف ألفاظ الشارع عن ظاهرها إلى أمور لم يسبق منها إلى الأفهام كدأب الباطنية فإن الصرف عن مقتضى طواهرها من غير اعتصام فيه بالنقل عن الشارع وبغير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي حرام
(حم ت) في التفسير (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه اغترارا بالترمذي قال ابن القطان: وينبغي أن يضعف إذ فيه سفيان بن وكيع قال أبو زرعة: متهم بالكذب لكن ابن أبي شيبة رواه بسند صحيح. قال أعني ابن القطان فالحديث صحيح من هذا الطريق لا من الطريق الأول انتهى وبه يعرف أن المصنف لم يصب في ضربه صفحا عن عزوه لابن أبي شيبة مع صحته عنده وممن جرى على سنن ابن القطان في تضعيف رواية الترمذي الصدر المناوي فقال فيه شيخ الترمذي سفيان بن وكيع ضعيف وأقول فيه عند أحمد عبد الأعلى الثعلبي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أحمد وأبو زرعة(1/132)
134 - (اتقوا الدنيا) أي احذروا الاغترار بما فيها فإنها في وشك الزوال ومظنة الترحال فلا تقربوا الأسباب المؤدية للانهماك فيها أو الزيادة على الحاجة فإنها عرض زائل وحال حائل وقال بعضهم:
أقبلت الدنيا وكم قتلت. . . كم سترت الدنيا وكم فضحت
فالسعيد من إذا مدت إليه باعها باعها. . . والشقي من إذا مدت إليه باعها أطاعها
والدنيا عند أهل الطريق عبارة عما شغل عن الله سبحانه وتعالى (واتقوا النساء) أي احذروا الافتتان بهن وصونوا أنفسكم عن التطلع إليهن والتقرب منهن بالحرام (فإن إبليس) من أبلس تحير أو من البلس محركا من لا خير فيه أو عنده إبلاس وشر والمبلس الساكت حزنا كذا قرره وأبطله الكشاف بأنه لو كان إفعيلا من الإبلاس كما زعموا لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فمنع صرفه دليل العجمة قال ابن العماد: ولإبليس اثنان وثلاثون اسما ومن أولاده ثلاثة عشر لكل منهم اسم يخصه (طلاع) بفتح الطاء وشد اللام صيغة مبالغة من قولهم رجل طلاع الثنايا مجرب للأمور ركاب لها [ص:133] يعلوها ويقهرها ويهجم عليها بشدة وغلبة قال الزمخشري: ومن المجاز طلع علينا فلان هجم (رصاد) بالتشديد أي رقاب وثاب كما يرصد القطاع القافلة فيثبون عليها. قال الراغب: والرصد الاستعداد والترقب وقال الزمخشري: رصدته رقبته وفلان يخاف رصدا من قدامه وطلبا من ورائه أي عدوا يرصده {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} ومن المجاز أنا لك بالرصد والمرصاد أي لا تفوتني وفي التنزيل {إن ربك لبالمرصاد} أي مراقبك لا تخفى عليه أعمالك ولا تفوته فالشيطان لما رأى الإنسان خلق عجولا راغبا في العجالة توسل إليه بواسطة العجلة التي في طبعه فوعده بالغرور واستغواه وكره إليه المصير للآخرة وزين له الحاضرة ونصب له فخوخا كالبحار الزاخرة (وما) نافية (هو بشيء) الباء زائدة والتنكير للتعميم لأنه في سياق النفي (من) بيانية (فخوخه) جمع فخ بفتح الفاء وشد الخاء المعجمة آلة الصيد قال الزمخشري: من المجاز وثب فلان من فخ إبليس إذا تاب (بأوثق) أحكم (لصيده) أي لمصيده (في الأتقياء) خصهم لما لهم من الشهرة على قهر الشيطان ورد كيده (من النساء) بيان للأوثق أي ما يثق في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء أما كونهن من فخوخه فلأنه جعلهن مصيدة يزينهن في قلوب الرجال ويغريهم بهن فيورطهم في الزنا كصائد ينصب شبكته ليصطاد بها ويغري الصيد عليها ليقع في حبائلها قال أبو حمزة الخراساني: النظر رسول البلايا وسهام المنايا وقال بعض الحكماء: من غلب هواه عقله افتضح ومن غض طرفه استراح وقال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك وقال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكا عبادا فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة. وقال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عنهن لأنهن من ذوات الرجال وشقائقهم ولسن غيرا حتى يمكن التباعد عنه والتحرز عنه {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وما عداهن فاتباع هوى النفس فيه آية تكذيب وعد الرحمن وعلامة الاسترسال مع الشيطان وتصديقه فيما يزينه من البهتان وإذا نرى الكامل الحازم منقادا مسترسل الزمام لتلك الناقصات عقلا ودينا مقهورا تحت حكمهن قال:
إن العيون التي في طرفها حور. . . قتلننا ثم لا يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به. . . وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال الرشيد الخليفة:
ملك الثلاث من الإناث عناني. . . وحللن من قلبي أعز مكاني
ما لي تطاوعني البرية كلها. . . وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى. . . وبه غلبن أعز من سلطاني
فعلى من ابتلي بالميل إليهن مصارعة الشيطان فإذا غلب باعث شهوة الوقاع المحرم بحيث لا يملك معها فرجه أو ملكه ولم يملك طرفه أو ملكه ولم يملك قلبه أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة من الأطعمة فيقللها كما وكيفما ويحسم محرك الغضب وهو النظر ففي خبر أحمد " النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس " وهذا السهم يسدده إبليس نحو القلب ولا طريق إلى رده إلا الغض والانحراف عن جهة المرمى فإنه إنما يرمي هذا السهم عن قوس الصورة فإذا لم تقف في طريقها أخطأك السهم وإن نصبت قلبك غرضا أصابك وأن تسلي النفس بالمباح المعوض عن الحرام فالدواء الأول يشبه قطع العلف عن الدابة الجموح والكلب الضاري لإضعاف قوتهما والثاني كتغييب الشعير عن الدابة وأن تتفكر في مفاسد قضاء هذا الوطر فإنه لو لم يكن جنة ولا نار ففي مفاسده الدنيوية ما يصد عن إجابة ذلك الداعي لكن عين الهوى عمياء
(فر عن معاذ) بن جبل وفيه هشام بن عمار قال أبو حاتم صدوق تغير فكان يتلقن كما يلقن وقال أبو داود حدث بأكثر من أربع مئة حديث لا أصل لها وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية وهو الحمصي قال الذهبي في الضعفاء متهم بالوضع(1/132)
[ص:134] 135 - (اتقوا الظلم) الذي هو مجاوزة الحد والتعدي على الخلق وقال الراغب: هو لغة وضع الشيء في غير موضعه المختص به بنقص أو زيادة أو عدول عن وقته أو مكانه ويقال لمجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة انتهى وذلك لأن الشرائع تطابقت على قبحه واتفقت جميع الملل على رعاية حفظ الأنفس فالأنساب فالأعراض فالعقول فالأموال والظلم يقع في هذه أو في بعضها وأعلاه الشرك {إن الشرك لظلم عظيم} وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات {والكافرون هم الظالمون} ويدخل فيه ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي إذ العصاة ظلام أنفسهم وأقبح أنواع ظلم من ليس له ناصر إلا الله قال ابن العزيز: إياك إياك أن تظلم من لا ينتصر عليك إلا بالله فإنه تعالى إذا علم إلتجاء عبد إليه بصدق واضطرار انتصر له فورا {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (فإن الظلم) في الدنيا (ظلمات) على أصحابه بمعى أنه يورث ظلمة في القلب فإذا أظلم القلب تاه وتحير وتجبر فذهبت الهداية والبصيرة فخرب القلب فصار صاحبه في ظلمة (يوم القيامة) فالظلمة معنوية لما كان الظلم مفضيا بصاحبه إلى الضلال الذي هو ضد الهدى كان جديرا بالتشبيه بالظلمة كما في ضده من تشبيه الهداية بالنور وقيل حسية فيكون ظلمه ظلمات عليه فلا يهتدي في القيامة بسببه وغيره من المؤمنين يسعى نوره بين يديه قال الحراني: والظلمة ما يطمس الباديات حسا أو معنى. وقال الزمخشري: هي عدم النور وانطماسه بالكلية وقيل عرض ينافي النور من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أي ما منعك وشغلك لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية وجمعها دلالة على إرادة الجنس اختلاف أنوار الظلم الذي هو سبب لأنواع الشدائد في القيامة من الوقوف في العرصات والحساب والمرور على الصراط وأنواع العقاب في النار
(حم طب) عن ابن عمر قال الهيتمي: فيه عطاء ابن السائب وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح (هب عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب أورده البيهقي من طريقين وفي أحدهما مالك بن يحيى اليشكري ساقه الذهبي في الضعفاء وقال جرحه ابن حبان وفي الآخرى عمرو بن مرزوق أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال غيره ثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وبما تقرر يعرف ما في رمز المؤلف لصحته من المجازفة(1/134)
136 - (اتقوا الظلم) بأخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرضه ونحو ذلك قال بعضهم: ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم (فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) فلا يهتدي الظالم يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا فربما أوقع قدمه في وهدة فهو في حفرة من حفر النار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى تجنب سبل الردى فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى احتوشت ظلمات ظلم الظالم فغمرته فأعمته حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا. وفي خبر لابن مسعود " يؤتى بالظلمة فيوضعون في تابوت من نار ثم يقذفون فيها (واتقوا الشح) الذي هو بخل مع حرص أو منع الواجب أو البخل بما في يد الغير أو غير ذلك وقال الزمخشري: بالضم والكسر أي والضم أفصح اللوم وأن تكون نفسه كزيزة حريصة والبخل أعم فقد يكون بخل ولا شح ثمة ولا ينعكس قال الطيبي: فالبخل مطلق المنع والشح المنع مع ظلم وعطف الشح الذي هو نوع من أنواع الظلم اشعارا بأن الشح أعظم أنواعه لأنه من نتائج حب الدنيا ولذاتها ومن ثم وجهه بقوله (فإن الشح) بتثليث الشين (أهلك من كان قبلكم) من الأمم (وحملهم على أن سفكوا دماءهم) أي اسالوها بالقوة الغضبية بخلا بالمال وحرصا على الاستئثار به (واستحلوا محارمهم) أي استباحوا نساءهم أو ما حرم الله من أموالهم وغيرها وهذا على سبيل الاستئناف فإن استحلال المحارم جامع لجميع أنواع الظلم وعطفه على سفك الدماء عطف عام على خاص عكس الأول والسفك كما قال الحراني سكب بسطوة وقال القاضي السفك والكسب والسبك والسفح والشن أنواع من الصب فالسفك يقال في الدم والسكب في الدمع والسبك [ص:135] في الجواهر المذابة والسفح في الصب من أعلى والشن في الصب من فم القربة انتهى وإنما كان الشح سبب ما ذكر لأن في بذل المال والمواساة تحابيا وتواصلا وفي الإمساك تهاجر وتقاطع وذلك يجر إلى تشاجر وتغادر من سفك الدماء واستباحة المحارم. ومن السياق عرف أن مقصود الحديث بالذات ذكر الشح وذكر الظلم توطئة وتمهيدا لذكره وأبرزه في هذا التركيب إيذانا بشدة قبح الشح وأنه يفضي بصاحبه إلى أفظع المفاسد حيث جعله حاملا على سفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة وأخبث العواقب الوخيمة {ومن يوق شح نفسه فأولئك هو المفلحون} قال بعض العارفين: الشح مسابقة قدر الله ومن سابق قدر الله سبق ومغالبة لله ومن غالب الحق غلب وذلك لأن الحريص يريد أن ينال ما لم يقدر له فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي الآخرة الخسران
(حم خد عن جابر) بن عبد الله ولم يخرجه البخاري في الصحيح قال الديلمي: وفي الباب جندب وغيره(1/134)
137 - (اتقوا القدر) بالتحريك أي احذروا إنكاره فعليكم أن تعتقدوا أو ما قدر في الأزل لابد من وقوعه وما لم يقدر فوقوعه محال وأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره خالق كل شيء أو المراد احذروا الخوض فيه وقد ورد النهي عن الخوض فيه في غير ما حديث. قال ابن رجب: والخوض فيه يكون على وجوه منها ضرب القرآن بعضه ببعض فينزع المثبت للقدر بآية والنافي بأخرى ويقع التجادل ومنها الخوض فيه إثباتا ونفيا بالأقيسة العقلية كقول القدرية لو قدر ثم غلب ظلم وقول مخالفيهم إن الله جبر العباد على أفعالهم ومنها الخوض في سر القدر فإن العباد لا يطلعون على حقيقته انتهى ومن هذا التقدير عرف أن المنهي عنه الخوض والتوغل لا النظر في أصله فإنه مطلوب محبوب بل واجب على من قدر على تحقيقه. ألا ترى إلى قول المولى ابن الكمال النظر في أصل القدر مما يثاب عليه وأما الخوض في تفصيله وزيادة التوغل في أسراره فمنهي عنه انتهى قال الإمام أبو الليث إن استطعت أن لا تخاصم في مسألة القدر فافعل فإن الشارع نهى عن الخوض فيه فكما أن الخوض في ذلك البحر المتلاطم أمواجه والغوص في جوفه المظلم منهي عنه فكذلك الجدل فيه إذ لا يخلو عن الخلل فلذلك نهى عنه صاحب الشرع وفي حواشي الكشاف كتب عمر بن عبد العزيز لبعضهم بلغني أنك قدري فكتب إليه من أنكر القدر فقد فجر ومن ورك ذنبه على الله فقد كفر ولم يدر أن ما فاته حجة عليه لا له (فإنه شعبة من النصرانية) أي فرقة من فرق دين النصارى لأن المعتزلة الذين هم القدرية أنكروا إيجاد الباري سبحانه وتعالى فعل العبد فجعله بعضهم كالجبائية غير قادر على عينه والبعض كالبلخي وأتباعه غير قادر على مثله وجعلوا العبد قادرا على فعله فهو إثبات للشريك كقول النصارى فالإيمان والكفر عندهم من فعل العبد لا من فعل الرب وبذلك كفرهم قوم لكن المختار عدم تكفيرهم لتعارض الشبهة عليهم قال في القاموس: والنصرانية واحدة النصارى والنصرانية أيضا دينهم والشعبة بالضم الطائفة من الشيء وفي الصحاح شعب الشيء فرقه (ابن أبي عاصم) أحمد بن عمرو
(طب عد) كلهم (عن) عبد الله (بن عباس) قال الهيتمي: وفيه نزار بن حيان ضعيف انتهى وفي الميزان فيه لين وقال ابن حبان: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد لذلك ثم ساق له هذا الخبر اأه(1/135)
138 - (اتقوا اللعانين) وفي رواية لمسلم وأبو داود اللاعنين قال النووي: وهما روايتان صحيحتان أي الأمرين الجالبين للعن أي الشتم والطرد الباعثين عليه من قبيل تسمية الحاصل فاعلا قالوا: وما اللعانان قال: (الذي يتخلى) فيه إضمار تقدير تخلي الذي يتخلى ولا يطابق الجواب السؤال بدون ذلك أي أحدهما تغوط الذي يتغوط (في طريق الناس) يعني طريق المسلمين المسلوك كما قيده بذلك في رواية الحاكم فخرج طريق الكفار الذي لا يسلكه غيرهم والطريق المهجور الذي [ص:136] لا يسلك إلا نادرا لأن من فعلهما يلعن ويسب فلما كانا سببا للعن أسند الفعل إليهما وقيل لاعن بمعنى ملعون كقولهم سر كاتم بمعنى مكتوم فالمراد المسلوك لا المهجور والتعميم رأي مهجور (أو في) في رواية وفي (ظلهم) أي والثاني تغوط الذي يتغوط في ظلهم الذي اتخذوه مقيلا فإذا وجده أحد قال لعن الله من فعله فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما واختاره النووي لهذا الحديث وذلك لأنه إيذاء للناس بإبطال منفعتهم من ذلك بل قال الذهبي إنه كبيرة لكن الأصح عند الشافعي الكراهة التنزيهية وما ذكرته من تفسير التخلي التفرد بالتغوط هو ما مشى عليه النووي جازما لكن قال الولي العراقي: إنه مردود وإن البول كالغائط لأن التخلي التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا والمعنى يساعده إذ التنجيس والاستقذار موجود فيهما والظل لغة الستر ومنه أنا في ظل فلان وعرفا أمر وجودي خلق لنفع البدن تدل عليه الشمس لكن في الدنيا والآخرة بدليل {وظل ممدود} بلا شمس
(حم م د) في الطهارة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري ورواه عنه ابن حبان بلفظ وفي أفنيتهم بدل أو في ظلهم(1/135)
139 - (اتقوا الملاعن) موضع اللعن جمع ملعنة الفعلة التي ليعن عليها فاعلها وذلك لأن من فعلها شتم ولعن فلما كانت سببا لذلك أضيف الفعل إليها (الثلاث) وفي رواية الثلاثة والأول القياس لأنه عدد لمؤنث (البراز في الموارد) بكسر الباء على المختار كناية عن الغائط وبفتحها وهو الفضاء الواسع كذا في المجموع ويشهد له قول مختار الصحاح كأصله البراز بالكسر المبارزة في الحرب وهو أيضا كناية عن الغائط والبراز بالفتح الفضاء الواسع هذه عبارته وجزم بقضيته في القاموس حيث قال البراز ككتاب الغائط فقول الخطابي أكثر الرواة يكسرون أوله وهو غلط هو الغلط قال ابن حجر عقب حكاية ما ذكر عن الصحاح فعلى هذا من فتح أراد الفضاء وإن أطلقه على الخارج فهو من باب اطلاق اسم المحل على الحال ومن كسر أراد نفس الخارج انتهى وفي بعض حواشي المهذب أنه بالكسر لا بالفتح لأنه بالكسر كناية عن ثقل الغذاء قال وهو المراد بالحديث قال في تهذيب الأسماء واللغات وهذا هو الظاهر أو الصواب وأكثر الرواة عليه فتعين المصير إليه أنه قال والمعنى عليه ظاهر ولا يظهر معنى الفضاء الواسع إلا بتأويل وكلفة وقال الكمال ابن أبي شريف وجدت بخط النووي في قطعة كتبها على سنن أبي داود بعد أن نقل قول الخطابي أن الكسر علط ما نصه وليس الكسر غلطا بل هو صحيح أو أصح فقد ذكر الجوهري وغيره أنه بالكسر اسم للغائط الخارج من الإنسان انتهى وقال الولي العراقي في شرح أبي داود إذا ثبت أن البراز بالكسر ثقل الغذاء وأكثر الرواة على الكسر تعين المصير إليه ولا يظهر معنى الفتح إلا بتوسع وانتقال عن المدلول الأصلي إلى غيره انتهى وبتدبر ذلك يعرف أن البيضاوي لم يصب حيث قال هو هنا بفتحها فإن أصل المفتوح الفضاء الواسع قال والتركيب يدل على الظهور فكنوا به عن الغائط ثم اشتق منه تبرز إذا تغوط والمراد الأمكنة التي يوافيها الناس كالأندية انتهى وتبعه على ذلك الهروي في شرح المصابيح وزاد فقال: والبراز بكسرها تصحيف إذ هو المبارزة في الحرب والمراد بالموارد مناهل الماء أو الأمكنة التي يأتيها الناس كالأندية ورجح الأول بموافقته لقوله في الحديث الآتي أو في نقع ماء والحديث يفسر بعضه بعضا وإرادة طرق الماء بعيدة هنا (وقارعة الطريق) أعلاه أو جادته أو وسطه أو صدره أو ما برز منه فكلها متقاربة مشتقة من القرع أي الضرب فهي مقرعة بالقدم والحافر وذلك من تسمية المفعول بالفاعل (والظل) الذي يجتمع فيه الناس لمباح ومثله كل موضع اتخذوه لمصالحهم ومعايشهم المباحة واستدل به على أنه لا يجوز قضاء الحاجة في المواضع التي يردها الناس للاستسقاء منها لإيذاء الناس بتنجيسهم وتقذيرهم وبه صرح ابن قدامة الحنبلي وبعض المالكية والشافعية لكن اقتصر جمهورهم على عده من الآداب وحملوا الأحاديث على الكراهة
(د هـ ك هق) وكذا الطبراني (عن معاذ) بن جبل وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجيه خرجوه ساكتين عليه والأمر بخلافه فقد جزم أبو داود نفسه بأنه منقطع وتبعه عبد الحق وابن القطان وغيرهما مبينين أن انقطاعه فيما بين أبي سعيد الحميري ومعاذ ولم يدركه [ص:137] بل أبو سعيد هذا مجهول أيضا كما قاله الذهبي وغيره لكن قال النووي إنه حديث حسن قال الولي العراقي ولعله ارتقى درجة الحسن بوجود الشواهد قال مغلظاي هو كما قالوا لكن له شواهد عند أحمد انتهى وقد أحسن المؤلف حيث عقبه فقال:(1/136)
140 - (اتقوا الملاعن الثلاث) قالوا: وما هي يا رسول الله قال: (أن يقعد أحدكم) لقضاء حاجته ويقضيها (في ظل) نكره للعموم فيعم ظل الحائط والشجر وغير ذلك (يستظل) بالبناء للمفعول أي يستظل الناس (فيه) للوقاية من حر الشمس وقيس به موضع الشمس في الشتاء (أو في طريق) أي مسلوك للمسلمين قال الولي العراقي: وهل ذكر قارعة الطريق في الحديث قبله تقييد لإطلاق الطريق هنا أو ذكر لبعض أفراده؟ فيه احتمال فعلى الأول يحمل المطلق على المقيد ويختص النهي يقارعة الطريق وعلى الثاني فالحكمة في تخصيص القارعة بالذكر فيما قبله أن حصول الأذى بالبول فيها أشد فالاهتمام بالنهي هنا أشد ويحتمل أن يراد بقارعة الطريق نفس الطريق كما يشير إليه كلام النهاية (أو في نقع ماء) بالإضافة أي ماء ناقع بنون مفتوحة ثم قاف ساكنة أي مجتمع ومستنقع الماء بالفتح مجتمعه قال الزمخشري: نقع الماء في بطن الوادي وانتقع ثبت واجتمع ومن المجاز انقع له الشر أثبته له وأدامه ومقصود الحديث النهي عن البول في الماء الراكد ونحوه فيكره فيه وكذا بقربه تنزيها <تنبيه> قال النووي في الأذكار: ظاهر هذه الأحاديث تدل على جواز لعن العاصي مع التعيين أي أنه لو لم يجز لعنه كانت اللعنة على لاعنه والمشهور حرمة لعن المعين وأجاب الزين العراقي بأنه قد يقال إن ذلك من خواص المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمقولة اللهم إني أتخذ عندك عهدا أيما مسلم سببته أو لعنته الحديث
(حم عن ابن عباس) رمز المؤلف لضعفه وهو كما قال فقد بين مغلطاي أن أحمد رواه من حديث ابن المبارك عن ابن لهيعة ثم قال: أعني مغلطاي هو مرسل لأنه أبهم الراوي فيه عن ابن عباس وابن لهيعة مختلف فيه لكن ذلك لا يقدح في إيراده شاهدا لما قبله لأن الشواهد لا يعتبر لها شرط الصحيح من كل وجه انتهى وقال المنذري ضعيف وقال ابن حجر فيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوي عن ابن عباس متهم انتهى وقال الهيتمي فيه ابن لهيعة ورجل لم يسم(1/137)
141 - (اتقوا) احذروا ندبا وإرشادا (المجذوم) أي مخالطة الذي به جذام وهو داء رديء يحدث من انتشار المرة السوداء بالبدن فيفسد مزاج الأعضاء وتشاكلها وربما تأكلت أو اسودت وسقطت والفعل منه جذم على بناء المفعول (كما يتقى) بضم الياء وشد المثناة فوق مفتوحة بضبط المؤلف أي مثل اتقاء (الأسد) أي اجتنبوا مخالطته كما تجتنبوا مخالطة الأسد الحيوان المفترس فإنه يعدي المعاشر كما جزم به الشافعي في الأم في موضع وحكاه عن الأطباء والمجربين في آخر ونقله غيره عن أفاضل الأطباء فقالوا: مقاربة المجذوم معدية برائحته وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان المجاورين والمخاطبين بل الوهم وحده من أكبر أسباب الإصابة والرائحة أشد أسباب العدوى لكن لا بد معها من كمال استعداد البدن ولا يناقضه خبر لا عدوى ولا طيرة لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله فوقوعه بفعله تقدس أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منه خوف العدوى وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به هذا الخبر وما أشيهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة فإنها تسقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء وأكل المصطفى معه تارة وتارة لم يصافحه لبيان الجواز وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بربه بطريق التوكل ومن ضعف بطريق التحفظ والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها قلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار وعلى ذلك [ص:138] ينزل ما تعارض من الأخبار واحتج بها الشافعي كالجمهور على إثباته الخيار في فسخ النكاح به وعارضه المخالف بأن الخبر يوجب الفرار لا الخيار وأجيب بأن الأمر بالفرار من أعظم الأعذار فلا ثبوت في الخيار
(تخ عن أبي هريرة) رمز المؤلف لصحته(1/137)
142 - (اتقوا) إرشادا (صاحب الجذام كما يتقى السبع) وفي رواية الأسد أي احذروا مخالطته وتجنبوا قربه وفروا منه كفراركم من الأسود الضارية والسباع العادية حتى أنه (إذا هبط واديا فاهبطوا غيره) مبالغة في التباعد عنه (فإن قلت) لم خص الأسد دون الحية ونحوها الأعظم ضررا (قلت) فيه مناسبة لطيفة وهي أنه يسمى داء الأسد ومما قيل في توجيه التسمية أن العلة كثيرا ما تعتريه وأنها تحمر وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد وفيه إشارة أيضا إلى أنه يفترس من يعديه ويدنو منه افتراس الأسد بقوته والحية إنما تقتل بسمها لا بعزمها (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب أول ولد للمهاجرين بالحبشة وكان آية في الكرم بحيث يضرب به المثل وله صحبة رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما قبله(1/138)
143 - (اتقوا النار) أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية أي حجابا من الصدقة (ولو) كان الاتقاء بالتصدق (ب) شيء قليل جدا مثل (شق تمرة) بكسر المعجمة أي جانبها أو نصفها فإنه يفيد فقد يسد الرمق للطفل فلا يحتقر المتصدق ذلك فلو هنا للتقليل كما تقرر وهو معدود من معانيها كما في المغني عن اللخمي وغيره وقد ذكر التمرة دون غيرها كلقمة طعام لأن التمر غالب قوت أهل الحجاز والاتقاء من النار كناية عن محو الذنوب {إن الحسنات يذهبن السيئات} " أتبع السيئة الحسنة تمحها " وبالجملة ففيه حث على التصدق ولو بما قل وهذا الحديث صدره محذوف ولفظ رواية الشيخين عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه
(ق ن عن عدي بن حاتم) ابن عبد الله بن سعد الطائي الجواد ابن الجواد أسلم سنة سبع ونزل في سبسانة منعزلا (حم عن عائشة) الصديقية (البراز) في مسنده (طس والضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك (البراز) في مسنده أيضا (عن النعمان بن بشير) بموحدة مفتوحة ومعجمة مكسورة الأنصاري (وعن أبي هريرة) الدوسي (طب عن ابن عباس) ابن عم المصطفى (وعن أبي أمامة) الباهلي واكثار المؤلف من مخرجيه مع وجوده في الصحيحين لا حاجة إليه لكنه حاول التنبيه بذلك على أنه متواتر وبه أفصح في الأحاديث المتواترة(1/138)
144 - (اتقوا النار) أي احترزوا منها بالتقوى التي هي تجنب المخالفات لئلا يصيبكم ويواقعكم عذابها قال الحراني: وجهنم هي عدة الملك الديان لأهل العصيان بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا (ولو بشق تمرة) واحدة فإنه يسد الرمق (فإن لم تجدوا) ما تتصدقون به حتى التافه لفقده حسا أو شرعا (فبكلمة) أي فاتقوا النار بكلمة (طيبة) تطيب قلب السائل مما يتلطف به في القول والفعل فإن ذلك سبب للنجاة من النار وقيل الكلمة الطيبة ما يدل على هدي أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع تأثيرا أو يسكن غضبا واستدل الشافعية بهذا الخبر وما قبله على أنه لو قال لزيد عندي شيء وفسره بما لا يتمول كحبة بر وشق تمرة قبل (تتمة) قال ابن عربي وشيء ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان في أمر فيه هلاكه فأمر بعقد مجلس وأن الناس إن أجمعوا على حل [ص:139] قتله قتل فجمعوا فاجتمعوا فاحضرهم ليشهدوا في وجهه فيقتل فلم يستطع أحد منهم أن يشهد فسئل الشيخ بعد فقال: تذكرت النار فرأيتها أقوى من الناس غضبا وتذكرت نصف رغيف فرأيته أكثر من نصف تمرة فأسكتت غضبهم بالتصدق بنصف رغيف في طريقي فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق تمرة وفي رواية للخطيب بدل طيبة لينة وفيه حث على الصدقة بما قل وجل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار
(حم ق عن عدي) بن حاتم قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاثا ثم ذكره(1/138)
145 - (اتقوا الدنيا) أي احذروها فإنها أعدى أعدائكم تطالبكم بحظوظها لتصدكم عن طاعة ربكم بطلب شهواتها وتشغلكم عن خدمة مولاكم بخدمة ذاتها ونفسك لها عليك ظهير وهواك لاتباع مرضاتها مشير وأنت غير قليل التماسك عن شهواتها مسترسل معها سريع الانقياد للذاتها (فوالذي نفسي) بسكون الفاء (بيده) بقدرته وإرادته وتدبيره فهو كناية عن تمكنه تعالى منها تصرفا وتقلبا كيف يشاء إذ لا جارحة ولا استقرار وهو مؤذن بطلب اليمين في الأمر المهم وكان أكثر قسم المصطفى به لأنه أشرف الأقسام لأن نفسه الشريفة أنفس الخلق ثم زاده تأكيدا بأن واللام فقال (إنها) أي الدنيا (لأسحر) بلام التوكيد أي أعظم سحرا (من) سحر (هاروت وماروت) قال الحراني: هما ملكان جعلا حكمين في الأرض وقال القاضي كالزمخشري ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس وتمييزا بينه وبين المعجزة وقيل رجلان سميا ملكين باعتبار صلاحهما ومنع صرفهما للعلمية والعجمة وقال الكازوني ملكان من أعبد الملائكة ركب الله فهما الشهوة بعد ما طعن الملائكة فينا ليظهر عذرنا فعصينا فخيرهما بين عذابي الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا فعذبهما إلى يوم القيامة ويمتحن بها عباده انتهى وإنما كانت أسحر منهما لأنهما ليسا من جنس الآدميين وكل شيء إنما يألف جنسه وينخدع له والآدمي خلق من الدنيا يألف لذاتها وينخدع لشهواتها فلذلك صارت أسحر منهما ولأنهما لا يعلمان السحر حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه فهما يعلمان السحر ويبينان فتنته والدنيا تعلم سحرها وتكتم فتنتها وشرها وتدعو إلى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها وهما يعلمان ما يفرق بين المرء وزوجه وهي تعلم ما يفرق بين المرء وربه فشتان بين سحرها وسحرهما كيف وهي تأخذ بالقلوب عن القيام بحق علام الغيوب وعن وعده المطلوب ووعيده المرهوب كيف وهي تسحر العقول وذلك لا يبلغه سحرهما المعقول كيف والسكران بسحرهما يفيق كما يفيق السكران بالرحيق والسكران بسحرها لا يفيق إلا في ظلمة اللحد المضيق المؤذن بعذاب الحريق فالسلامة منها تسليمها لأهلها والإعراض عن فضلها <تنبيه> مر ما يفيد أن السحر إتيان نفس شريرة بخارق عن مزاولة محرم ثم إن اقترن بكفر فكفر وإلا فكبيرة عند الإمام الشافعي وكفر عند غيره وتعلمه إن لم يكن لذب السحرة عند نشره حرام عند الأكثر وعلى ذلك يحمل كلام الإمام الرازي في تفسيره اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محذور ولأن العلم شريف ولعموم {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ولأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة والعلم بكون المعجز معجزا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب قال: فهذا يقتضي كون العلم به واجبا وما يكون واجبا كيف يكون حراما أو قبيحا؟ انتهى
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة ابن صفوان (المازني) نزيل حمص صحابي مشهور عاش أربعا وتسعين سنة وتوفي بحمص أيام سليمان ابن عبد الملك وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه ودعا له صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء وهو صحابي صغير آخر من مات من الصحابة بحمص روى البخاري عنه حديثا واحدا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم. أه. قال الزين العراقي: ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا وقصة هاروت وماروت المشهورة وردت من نحو عشرين طريقا بعضها حسن فزعم بطلانها غير [ص:140] صواب كما بينه الحافظ ابن حجر وقال من وقف عليها يكاد يقطع بوقوع القصة(1/139)
146 - (اتقوا بيتا يقال له الحمام) أي احذروا دخوله فلا تدخلوه ندبا للاغتسال فيه إلا لضرورة أو لحاجة وقال يقال له الحمام لأن العرب بالحجاز لم تكن تعرف الحمام ولم يدخله المصطفى. قال ابن القيم: ولا رآه بعينه وما وقع لبعضهم مما يوهم خلاف ذلك وهم قالوا: يا رسول الله إنه يذهب الوسخ ويذكر النار قال: إن كنتم لابد فاعلين (فمن دخله) منكم (فليستتر) أي فليستر عورته عمن يحرم نظره إليها وجوبا وعن غيره ندبا. قال الحكيم: هذا يفهم أنه إنما أمر بأن يتقى لنظر بعضهم إلى عورة بعض ولم يصرح عن جواب السائل بأنه يذكر النار لأن تذكيره لها غير مطرد في حق كل أحد إذ هو يخص العامة فإن الواحد منا إذا عاين بقعة حامية ذات بخار وماء حميم أخذه الغم ودارت رأسه حتى استروح إلى ما يبرد فؤاده وتروح بما يدخل من خلل الباب من الهواء واستنشق الماء البارد وتذكر بذلك دار العقاب فكان ذلك سببا لاستعادته من فنون العذاب وأما أهل اليقين فالآخرة نصب أعينهم فلا يحتاجون إلى الاتعاظ بحمام وغيره وأول من اتخذ له الحمام سليمان عليه الصلاة والسلام وأول من اتخذها بالقاهرة العزيز بن المعز العبيدي كما في خطط المقريزي وتاريخ المسيحي وقد اختلف السلف والخلف في حكم دخول الحمام على أقوال كثيرة والأصح أنه مباح للرجال بشرط الستر والغض مكروه للنساء إلا لحاجة
(طب ك هب) وكذا الحكيم (عن ابن عباس) قال ك وهو على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص مع أن فيه عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبع أورده أعني الذهبي في الضعفاء وقال: قال البخاري لا يتابع على حديثه وقال أبو حاتم: صدوق ورواه عنه البزار قال عبد الحق وهو أصح حديث في هذا الباب وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي فلا يصح منه شيء وقال في المطامح ليس في شأن الحمام ما يعول عليه إلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفة عيسى كأنما خرج من ديماس وقد ألف فيه بعضهم مؤلفا حافلا جمع فأوعى ولإختلاف أخباره اختلف الفقهاء في دخوله على أقوال متكثرة ومذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الإباحة للرجال بشرط الستر والغض والكراهة للمرأة حيث لا عذر(1/140)
147 - (اتقوا زلة العالم) أي سقطته وهفوته وفعلته الخطيئة جهرا إذ بزلته يزل عالم كثير لاقتدائهم به فهفوته يترتب عليها من المفاسد ما لا يحصى وقد يراقبه للأخذ عنه من لا يراه ويقتدي به من لا يعلمه فاحذروا متابعته عليها والاقتداء به فيها ولكن مع ذلك احملوه على أحسن المحامل وابتغوا له عذرا ما وجدتم لذلك سبيلا وعلم من ذلك أنه لا عذر لنا في قولنا إن أكلنا الحرام فالعالم الفلاني يأكله مثلا قال الغزالي: في هذا جهل وكيف يتعذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فإن من خالف أمر الله تعالى لا يقتدى به كائنا من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر على أن لا تدخلها فلا عذر لك في موافقته. والزلة في الأصل استرسال الرجل بغير قصد والمزلة المكان الزلق وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيها بزلة الرجل ذكره الراغب (وانتظروا فيئته) بفتح الفاء بضبط المصنف أي رجوعه وتوبته عما لابسه من الزلل تقول فاء إلى الله فيئة حسنة إذا تاب ورجع ذكره الزمخشري وغيره إنما قال ذلك لأن العلم يحمله على التوبة كما قال في الحديث الآخر ستنهاه صلاته وفي الحديث الآخر إن المؤمن خلق مفتنا توابا إذا ذكر تذكر قال الغزالي: احذر من الاغترار بعلماء السوء فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بواسطتهم يتصدون إلى انتزاع الدين من قلوب المؤمنين ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشر الخلق قال: اللهم غفرا حتى كرروا عليه فقال: هم علماء السوء وقال ابن عباس: ويل للعالم من الأتباع يزل زلة فيرجع عنها ويتحملها الناس فيذهبون في الآفاق وفي منثور الحكم والمدخل زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير وقيل لعيسى عليه الصلاة [ص:141] والسلام من أشد الناس فتنة قال زلة عالم وفي الإسرائيليات أن عالما كان يضل الناس ببدعته ثم تاب وعمل صالحا فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له لو كان ذنبك فيما بيني وبينك لغفرته لك لكن كيف بمن أضللته من عبادي فأدخلتهم النار؟ فأمر العلماء خطر وعليهم وظيفتان ترك الذنب ثم إخفاؤه إن وقع وكما يتضاعف ثوابهم على الحسنات فيضاعف عقابهم على الذنوب والسيئات إذا اتبعوا والعالم إذا ترك الميل إلى الدنيا وقنع منها بالقليل ومن الطعام بالقوت ومن الكسوة بالخلق اقتدى به العامة فكان له مثل ثوابهم بنص خبر " من سن سنة حسنة " وإن مال إلى التوسع في الدنيا مالت طباع من دونه إلى التشبه به ولا يقدرون على ذلك إلا بخدمة الظلمة وجمع الحطام الحرام فيكون هو السبب في ذلك فحركات العلماء في طوري الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها إما بربح أو خسران (الحلواني) بالضم نسبة إلى حلوان بلد بآخر العراق وهو الحسن بن علي الحلواني الخلال شيخ مسلم
(عد هق) وكذا العسكري في الأمثال كلهم (عن كثير) المزني بمثلثة ضد قليل المزني قال في الكاشف واه وقال أبو داود كذاب وفي الميزان عن الشافعي وأبي داود ركن من أركان الكذب وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك. قال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه وهو (ابن عبد الله) قال الذهبي صحابي وثق (ابن عمرو بن عوف) المزني الصحابي (عن أبيه) عبد الله (عن جده) عمرو المذكور ولم يقتصر المصنف على الصحابي فقط كما هو عادته ليبين أنه من رواية الرجل عن أبيه عم جده وذلك من أنواع علوم الحديث كما هو معروف وقد سكت عليه فلم يرمز له بضعف وغيره ومن قال إنه رمز لضعفه فقد وهم فقد وقفت على نسخته بخطه ولا رمز فيها إن سلم عدم وضعه فقد علمت القول في كثير وقال الزين العراقي رواه ابن عدي من حديث عمرو بن عوف هذا وضعفه انتهى فعزو المصنف الحديث لابن عدي وسكوته عما أعله به غير مرضي ولعله اكتفى بإفصاحه بكثير(1/140)
148 - (اتقوا دعوة المظلوم) أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله لا تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقا ثم بين وجه النهي بقوله (فإنها تحمل على الغمام) أي يأمر الله برفعها حتى تجاوز الغمام أي السحاب الأبيض حتى تصل إلى حضرته تقدس وقيل الغمام شيء أبيض فوق السماء السابعة فإذا سقط لا تقوم به السماوات السبع بل يتشققن قال الله تعالى {ويوم تشقق السماء بالغمام} وعلى هذا فالرفع والغمام حقيقة ولا مانع من تجسيم المعاني كما مر لكن الذي صار إليه القاضي الحمل على المجاز حيث قال استأنف لهذه الجملة لفخامة شأن دعاء المظلوم واختصاصه بمزيد قبوله ورفعه على الغمام وفتح أبواب السماء له مجاز عن إثارة الآثار العلوية وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم وإنزال البأس عليه وقوله (يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك) بلام القسم ونون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف أي لأستخلصن لك الحق ممن ظلمك وفتح الكاف هو ما اقتصر عليه جمع فإن كان الرواية فهو متعين وإلا فلا مانع من الكسر أي لأستخلصن لصاحبك وتجسد المعاني وجعلها بحيث تعقل لا مانع منه (ولو بعد حين) أي أمد طويل بل دل به سبحانه على أنه يمهل الظالم ولا يهمله {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد} وقد جاء في بعض الآثار أنه كان بين قوله قد أجيبت دعوتكما وغرق فرعون أربعون عاما ووقوع العفو عن بعض أفراد الظلمة يكون مع تعويض المظلوم فهو [ص:142] نصر أيضا وفيه تحذير شديد من الظلم وأن مراتعه وخيمة ومصائبه عظيمة قال:
نامت جفونك والمظلوم منتبه. . . يدعو عليك وعين الله لم تنم
والحين الزمان قل أو كثر والمراد هنا الزمان المطلق نحو {ولتعلمن نبأه بعد حين}
(طب والضياء) في المختارة وابن أبي عاصم والخرائطي في مساوي الأخلاق عن خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه (عن) جده (خزيمة) بخاء وزاي معجمتين مصغر (ابن ثابت) بن فاكه الخطمي بفتح المعجمة المدني ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد أحدا وما بعدها وقتل مع علي بصفين قال الهيتمي: وفيه من لا أعرفه انتهى وأقول فيه سعد بن عبد الحميد أورده الذهبي في الضعفاء وقال فحش خطؤه قاله ابن حبان وضعفه غيره أيضا ولم يترك لكن قال المنذري لا بأس بإسناده في المتابعات(1/141)
149 - (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء) بالمعنى المقرر فيما قبله (كأنها شرارة) كناية عن سرعة الوصول لأنه مضطر في دعائه وقد قال سبحانه وتعالى {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} وكلما قوي الظلم قوي تأثيره في النفس فاشتدت ضراعة المظلوم فقويت استجابته والشرر ما تطاير من النار في الهواء شبه سرعة صعودها بسرعة طيران الشرر من النار
(ك) من حديث عاصم بن كليب عن محارب وكذا الديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال عاصم احتج به مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكن أورد عاصما هذا في الضعفاء وقال قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به وفيه أيضا عمرو بن مرزوق أورده في ذيل الضعفاء وقال ثقة قال فيه الدارقطني كثير الوهم وعطاء بن السائب أورده فيهم أيضا وقال قال أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح انتهى وأما المؤلف فقد رمز لحسنه وقال ثقة(1/142)
150 - (اتقوا دعوة المظلوم) أي تجنبوا الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كان كافرا) معصوما فإن دعوته إن كان مظلوما مستجابة وفجوره على نفسه وفي حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده كما في الفتح حسن وروى ابن حبان والحاكم عن أبي ذر من حديث طويل أن في صحف إبراهيم أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو من كافر ولا ينافيه {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} لأن ذلك في دعائهم للنجاة من نار الآخرة فلا يدل على عدم اعتباره في الدنيا ثم علل الاتقاء بقوله (فإنه) أي الشأن قال القرطبي: الرواية الصحيحة فإنه بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل عوده على مذكر الدعوة فإن مذكر الدعوة دعاء وفي رواية فإنها بالتأنيث وهو عائد على لفظ الدعوة (ليس دونه) وفي رواية دونها (حجاب) أي ليس بينها وبين القبول حجاب مانع والحجاب هنا ليس حسيا لاقتضائه نوعا من البعد واستقرار في مكان والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وأقرب لكل شيء من نفسه فهو تمثيل لمن يقصد باب سلطان عادل جالس لرفع المظالم فإنه لا يحجب
(حم ع والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك واتفق عليه الشيخان بدون الكافر(1/142)
151 - (اتقوا فراسة) بكسر الفاء ذكره جمع وهي الحذق في ركوب الخيل والمراد اطلاعه وظاهره أن الفتح لم يسمع هنا لكن في المصباح بعد ذكره الكسر قال إن الفتح لغة ثم قال ومنه اتقوا فراسة فاقتضى كلامه أنه بالفتح وجزم به بعض محققي العجم فقال بالفتح وأما بالكسر فالفروسية على الضمائر. فإن قيل ما معنى الأمر باتقاء فراسة [ص:143] المؤمن؟ أجيب بأن المراد تجنبوا فعل المعاصي لئلا يطلع عليه فتفضحوا بين يديه. (المؤمن) الكامل الإيمان أي احذروا من إضمار شيء من الكبائر القلبية أو إصرار على معصية خفية أو تعد لحد من الحدود الشرعية فإنه بنور إيمانه الذي ميزه الله به عن عوام المؤمنين مطلع على ما في الضمائر شاهد لما في السرائر فتفضحوا عنده فيشهد عليكم به غدا وأهل العرفان هم شهداء الله في أرضه وربما ساءه ما رأى فغار على حق الحق فيمقتكم الله لمقت وليه وقد وجد من ذلك كثير والمتفرس النظار المتثبت في نظره حتى يعرف حقيقة سمة الشيء وفي رواية ذكرها ابن الأثير اتقوا قرابة المؤمن قال يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم والتحقيق بصدق حديثه وإصابته يقال ما هو بعالم ولا قراب عالم والفراسة الاطلاع على ما في الضمائر وقيل مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وقيل سواطع أنوار تلمع في القلب تدرك بها المعاني وقال الراغب: الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله وربما قيل هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله وقد نبه الله سبحانه وتعالى على صدقها بقوله تعالى {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} وقوله تعالى {تعرفهم بسيماهم} ولفظها من قولهم فرس السبع الشاة وسمى الفرس به لأنه يفترس المسافات جريا فكانت الفراسة اختلاس العارف وذلك ضربان ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه وهو ضرب من الإلهام بل من الوحي وهو الذي يسمى صاحبه المحدث كما في خبر: إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر وقد تكون بإلهام حال اليقظة أو المنام والثاني يكون بصناعة متعلمة وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الامزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثابت قوي على الفراسة وقد ألف فيها تأليفات فمن تتبع الصحيح منها اطلع على صدق ما ضمنوه والمراد هنا هو الضرب الأول بقرينة قوله (فإنه ينظر بنور الله عز وجل) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى وباستنارة القلب تصح الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة التي تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة النقش فيها قال بعضهم من غض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته قال ابن عطاء الله واطلاع بعض الأولياء على بعض الغيوب جائز وواقع لشهادته له بأنه إنما ينظر بنور الله لا بوجود نفسه انتهى ومن ثم شرطوا لحصول نورها {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} والحق سبحانه وتعالى يجزئ العبد على عمله من جنسه فمن غض بصره عن المحارم عوضه إطلاق نور بصيرته وقد قال علي كرم الله وجهه لأهل الكوفة سينزل بكم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستغيثون بكم فلم يغاثوا فكان منهم في شأن الحسين ما كان ورأى عمر رضي الله عنه قوما من مذ حج فيهم الأشتر فصعد النظر فيه وصوب ثم قال قاتله الله إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا فكان منه ما كان ونظر رجل إلى امرأة ثم دخل على عثمان رضي الله تعالى عنه فقال يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنا وحاكمت امرأة زوجها إلى بعضهم فأصابته مشغولا بالتقديس فانتظرته حتى فرغ فقال يا جاهلة بمقدار ما جنته على نفسها اعترفي بذنبك وأعلمي زوجك بجنايتك عليه فإن السكران الذي واقعك في ليلة كذا وزوجك قائم في الهيكل يدعو لك فقد أحبلك وستلدين بعد شهرين خلقا مشوها فكان. قال الغزالي وما حكى عن تفرس المشايخ وأخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم تخرج عن الحصر قال بل ما حكى عنهم من مشاهدة عذاب القبر والسؤال ومن سماع صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم يشاهد ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل (سئل) بعض العارفين عن الفراسة ما هي؟ فقال أرواح تتقلب في الملكوت فتشرف على معاني الغيوب فتنطق عن أسرار الحق نطق مشاهدة وعيان وقال أبو عثمان المغربي العارف تضئ له أنوار العلم فيبصر بها عجائب الغيب وقال الحريري لجلسائه: هل فيكم من إذا أراد الله أن يحدث في المملكة شيئا أعلمه قبل أن يبدو قالوا: لا. قال: ابكوا [ص:144] على قلوب لم تجد من الله شيئا وقال البرقي: وقع اليوم في المملكة حدث لا آكل ولا أشرب حتى أعلم ما هو فورد الخبر بعد أيام أن القرمطي دخل مكة في ذلك اليوم وقتل بها المقتلة العظيمة وقال السهروردي لما ذكر كرامات الأولياء قد يعلمون بعض الحوادث قبل تكوينها
(تخ ت) واستغربه (عن أبي سعيد) الخدري وفيه مصعب بن سلام أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن حبان كثير الغلط فلا يحتج به (الحكيم) الترمذي (وسموية) بفتح السين وشد الميم المضمومة وهو الحافظ إسماعيل في فوائده (طب عد) كلهم (عن أبي أمامة) الباهلي وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث ليس بشيء (ابن جرير) في تفسيره وهو محمد الطبري المجتهد المطلق أحد أئمة الدنيا علما ودينا واجتهادا (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مؤمل بن سعيد الرحبي أورده الذهبي في المتروكين وقال: قال أبو حاتم: منكر الحديث وأسد بن وداعة أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان يسب عليا معاصر الدولة مروان الحمار. قال السخاوي بعد ما ساق هذه الطرق: وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع انتهى ومراده رد ما لابن الجوزي حيث حكم بوضعه فلم يصب وحكم السخاوي على الكل بالضعف غير صواب فقد قال الهيتمي: إسناد الطبراني حسن وذكر المؤلف في الدرر أن الترمذي خرجه من حديث ابن عمر وثوبان وينطق بتوفيق الله وذكر في تعقيبات الموضوعات أن الحديث حسن صحيح(1/142)
153 - (اتقوا محاش النساء) بفتح الميم وحاء مهملة وشين معجمة مشددة ويقال بمهملة وهما روايتان كما نبه عليه الشهاب الحجازي وغيره يعني إتيانهن في أدبارهن جمع محشة أو محشاة اسم لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء كنى به عن الدبر كما كنى بالحشوش عن الغائط وفي المجيء به هكذا على منهج الرمز باب من حسن الأدب وتحاش عن التفوه بالعظيمة والنهي للتحريم فيحرم إتيان الحليلة في دبرها كما سبق ولاحد لكنه ينهى فإن عاد عزر في الثالثة وما رواه الحاكم عن مالك في قوله الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل {نساؤكم حرث لكم} فتعقبوه بأنه كذب عليه لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمرو عن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري (سموية) في فوائده
(عد) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن جابر) بن عبد الله وفيه علي بن أبي علي الهاشمي اللهبي المدني قال في الميزان عن أبي حاتم والنسائي متروك وعن أحمد له مناكير ثم أورد منها هذا الخبر وفيه أيضا ابن أبي فديك(1/144)
153 - (اتقوا هذه المذابح) جمع مذبح قال في الفردوس وغيره (يعني المحاريب) أي تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها ووقع للمصنف أنه جعل هذا نهيا عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه ثم تعقب قول الزركشي المشهور أن اتخاذه جائز لا مكروه ولم يزل عمل الناس عليه بلا نكير بأنه لا نفل في المذهب فيه وقد ثبت النهي عنه انتهى أقول وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن ولا كذلك فإن الإمام الشهير المعروف أي بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس قال ومنه حديث أنس كان يكره المحاريب أي لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس ويرتفع على الناس انتهى. واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره وقال الحراني: المحراب صدر البيت ومقدمه الذي لا يكاد يوصل إليه إلا بفضل منه وقوة جهد وفي الكشاف في تفسير {كلما دخل عليها زكريا المحراب} ما نصه: قيل بنى لها زكريا محرابا في المسجد أي غرفة تصعد إليها بسلم وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع في بيت المقدس وقيل كانت [ص:145] مساجدهم تسمى المحاريب انتهى وقال في تفسير {يعملون له ما يشاء من محاريب} المحاريب المساكن والمجالس الشريفة سميت به لأنه يحامى عليها ويذب عنها وقيل المساجد انتهى وفي الأساس مررت بمذبح النصارى ومذابيحهم وهي محاريبهم ومواضع كتبهم ونحوها المناسك للمتعبدات وهي في الأصل المذابح انتهى وفي الفائق المحراب المكان الرفيع والمجلس الشريف لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ومنه قيل محراب الأسد لمأواه وسمي القصر والغرفة المنيفة محرابا انتهى بنصه. وفي القاموس المذابح المحاريب والمقاصير. بيوت النصارى والمحراب الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ومقام الإمام من المسجد والموضع ينفرد به الملك وقال الكمال ابن الهمام في الفتح بعد ما نقل كراهة صلاة الإمام في المحراب لما فيه من التشبه بأهل الكتاب والامتياز عن القوم ما نصه لا يخفى أن امتياز الإمام مفردا مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك فإنه بنى في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تبن لكانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع كما قيل فلا تشبه انتهى
(طب هق عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه قال الهيتمي: فيه عبد الرحمن بن مغرا وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن المديني في روايته عن الأعمش وليس هذا منها انتهى. وقال المصنف حديث ثابت وهو على رأي أبي زرعة ومتابعيه صحيح وعلى رأي ابن عدي حسن والحسن إذا ورد من طريق ثان ارتقى إلى الصحة انتهى وهو غير صواب فقد تعقبه الحافظ الذهبي في المذهب على البيهقي فقال قلت هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغرا وليس بحجة انتهى وحينئذ فإثبات الحكم بصحته بفرض ما فهمه المؤلف منه لا يصار إليه(1/144)
154 - (أتموا الركوع والسجود) أي ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وسننهما وآدابهما وأوفوا الطمأنينة فيهما حقها فتجب الطمأنينة فيهما في الفرض وكذا في النفل عند الشافعية وذلك بأن تستقر أعضاؤه في محلها قال الحراني: الإتمام التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد (فو) الله (الذي نفسي بيده) أراد بالنفس ذاته وجملته وباليد قدرة الله تعالى وتصرفه فيه إشارة إلى أن إرادته وتصرفه مغموران في إرادة الله وتصرفه وفيه جواز القسم بما ذكره ونحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى تأكيدا للأمر وتفخيما للشأن (إني لأراكم) بلام التوكيد وبفتح الهمزة (من وراء ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم) وفي رواية لمسلم إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم بزيادة ما وهذه رؤية إدراكية فلا تتوقف إلى آلتها ولا على شعاع ومقابلة خرقا للعادة ولا يلزم من فرضه محال وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها وقول الزاهدي كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يرى بهما ولا يحجبهما شيء لم يثبت ولما كانت هذه الرؤية الإدراكية خارجة عن القوانين العادية أكد بالقسم وبأن واللام دفعا للإنكار قال الحليمي: لا سبيل للملحدين إلى استنكار ذلك فإنهم يدعون لفيثاغورش أنه كان يسمع أصوات الأفلاك وصرير حركة الكواكب وألف الألحان عليها وهم عندنا كاذبون إلا أن يثبت أنه كان نبيا وزعم أن هذه رؤية قلبية أو بوحي رد بأنه تعطيل للفظ الشارع بلا ضرورة فحمله على ظاهره وأنه إبصار حقيقي خاص به خرقا للعادة معجزة له أولى قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن ذلك خاص بحالة الصلاة ويحتمل العموم انتهى وكلام جمع متقدمين مصرح بالعموم. ألا ترى إلى قول المطامح وغيرها أنه كان يبصر من خلفه لأنه كان يرى من كل جهة من حيث كان نورا كله وهذا من عظيم معجزاته ولهذا كان لا ظل له لأن النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة وقد كان يدعو بسبعة عشر نورا فبهذا الأنوار أبصر من كل جهة ولذلك تجلت له الجنة في الجدار لفقد الحجب وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله وراء لأن وراء يراد به تارة خلف وتارة أمام فإذا قلت زيد ورائي صح أن يراد في المكان الذي أواريه أنا بالنسبة لمن خلفي فيكون أمامي أو يراد في المحل الذي [ص:146] هو متوار عني فيكون خلفي وقال الحراني: وراء ما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان فربما اجتمع أن يكون الشيء وراء من حيث كونه لا يعلم وأما ما في المكان وقال القاضي: وراء في الأصل مصدر جعل ظرفا يضاف للفاعل ويراد به ما يتوارى وهو خلفه وللمفعول ويراد به ما يواريه وهو قدامه ولهذا عد من الأضداد
(حم ق ن عن أنس) بن مالك وفي الباب غيره أيضا وفيه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وخصه أبو حنيفة بالفرض وعمم الشافعي رضي الله تعالى عنه(1/145)
155 - (أتموا) أيها المصلون ندبا مؤكدا (الصفوف) بضم الصاد أكملوها الأول بالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله فإن وجد في صف أمامه فرجة اخترق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها (فإني أراكم خلف ظهري) قال في المطامح في أبي داود عن معاوية ما يدل على أن هذا كان في آخر عمره ولهذا قال عياض كان ذلك له بعد ليلة الإسراء كما كان موسى يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء من عشرة فراسخ بعد ليلة الطور وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله خلفي لما مر قال الحافظ ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر لا أعلم ما وراء جداري فلا أصل له وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا بإطلاعه تعالى
(م عن أنس) بن مالك متفق عليه بلفظ أقيموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري(1/146)
156 - (أتموا) ندبا مؤكدا والصارف عن الوجوب أخبار أخر (الصف المقدم) أي أكملوا الصف الأول وهو الذي يلي الإمام وإن تخاله نحو منبر أو سارية أو جاء أصحابه متأخرين (ثم الذي يليه) وهكذا وقول ابن عبد البر المراد به من يسبق إلى الصلاة وإن تأخر غلطوه فيه (فما كان من نقص) في الصف (فليكن) أي فاجعلوه (في الصف المؤخر) فيكره الشروع في صف قبل إتمام ما قبله كما تقرر وهذا الفعل مفوت لفضيلة الجماعة الذي هو التضعيف لا لأصل بركة الجماعة فالتضعيف للجماعة غير بركة الجماعة وبركتها هي عود بركة الكامل منهم على الناقص ذكره المؤلف في بسط الكف في إتمام الصف قال في المجموع: اتفقوا على ندب سد الفرج في الصفوف وإتمام الأول فالأول ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله وهذا كله في صفوف الصف الواحد كما يأتي
(حم د ن) في الصلاة (حب وابن خزيمة) محمد النيسابوري المجتهد المطلق البحر العجاج المنعوت بإمام الأئمة (والضياء) المقدسي في المختارة وأبو يعلى والبيهقي (عن أنس) ابن مالك وسكت عليه أبو داود والمنذري قال النووي في رياضه بعد عزوه لأبي داود إسناده حسن ولم يرمز له المصنف بشيء(1/146)
157 - (أتموا) هو بمعنى قوله في الرواية الأخرى أسبغوا (الوضوء) أي عمموا به جميع الأعضاء وائتوا به على التمام بفرائضه وسننه من إطالة غرة وتحجيل وتثليث وتكرار غسل ومسح وقد روى أبو يعلى عن أبي هريرة جاء رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: ما إسباغ الوضوء فسكت حتى حضرت الصلاة فدعا بماء فغسل يديه ثم استنثر (ويل) سوغ الابتداء به وهو نكرة كونه في معنى الدعاء (للأعقاب من النار) أي شدة هلكة من نار الآخرة لأصحابها المهملين غسل بعضها في الوضوء ويحتمل أن يخص العقب نفسها بعذاب يعذب به صاحبه قال ابن دقيق العيد: وأل للعهد والمراد الأعقاب التي رآها تلوح لم يسمها الماء. والمراد الأعقاب التي صفتها أن لا تعمم بالمطهر ولا يجوز كون أل للعموم المطلق ومن بمعنى في كما في {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} أو بيانية كما في {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} قال الحراني: والويل جماع الشر كله وفي الكشاف الويل نقيض الوأل وهو النجاة اسم معنى كالهلاك إلا أنه لا يشتق منه [ص:147] فعل وإنما يقال ويلا له فبنصب نصب المصدر ثم يرفع رفعه لإفادة معنى الثبات فيقال ويل له كقولك سلام عليك انتهى وفيه أن فرض الرجلين الغسل وأنه لا يجزئ فيهما المسح وبه قال جمهور السلف والخلف وقال الشيعة الواجب مسحهما وابن جرير والجبائي يخير بين المسح والغسل وبعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وبه نوزع قول النووي أنه لم يثبت المسح عند أحد يعتد به في الإجماع. وممن روى عنه المسح كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره وعكرمة والحسن والشعبي بل وأنس وغيره من الصحابة وفيه أيضا وجوب تعميم الأعضاء بالطهر وأن ترك بعضها غير مجزئ وإنما خص الأعقاب لأنه ورد على سبب وهو أنه رأى قوما يصلون وأعقابهم تلوح وقيل إنما خصها لغلبة التساهل فيها والتهاون بها لأنها في أواخر الوضوء وأسافل البدن وفي محل لا يشاهد غالبا فكان الاهتمام بها أحق من غيرها وفيه الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الدميري: وفيه حجة لأهل السنة أن المعذب الجسد الدنيوي لأنه أثبت الوعيد لتلك الأعقاب المرئية وفيه دلالة للتعذيب على الصغائر لأن ترك بعض العضو غير مغسول ليس من الكبائر للاختلاف في فرض الرجلين إذ ابن جرير يقول بالتخيير بينه وبين المسح والمسح لا يستوعب العضو وما في مقام الاجتهاد لا يصل إلى رتبة الكبائر انتهى وهو في حيز المنع فإن كون الشيء كبيرة ليس مناطه أن يكون مجمعا عليه بل أن يكون فيه وعيد شديد أو حد أو يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين كما سيجيء وقد عدوا من الكبائر ما فيه خلاف حتى بين الأئمة الأربعة الذين لا يجوز الآن تقليد غيرهم. ألا ترى أن الشافعية جزموا بأن شرب النبيذ كبيرة؟ <تنبيه> قال القيصري الوضوء تطهير أطراف الجسد من كل ناحية وفي ذلك تطهير جميعه من الحدث الخارج عنه فإنه إذا قدرته بيديه ورجليه ورأسه كان كالدائرة المحيطة وفي تطهير خارج الدائرة من كل ناحية تطهير جميعها فلو ألقيت ضابطا في وسط بطن الإنسان بعد مد يديه ورجليه وعنقه ثم أردت الضابط وجدته دائرة ومن هذه الجوارح المحيطة تدخل الذنوب والمخالفات إلى البدن ففي تطهيرها إخراج المخالفات منه
(هـ عن خالد بن الوليد) القرشي المخزومي المشهور بالشجاعة والديانة والرآسة سماه المصطفى سيف الله وله آثار كثيرة في إعلاء كلمة الله وهو الذي افتتح دمشق وكان إسلامه قبل غزوة مؤتة بشهرين وكان النصر على يديه يومها (وشرحبيل بن حسنة) هي علم أمه واسم أبيه عبد الله بن المطاح الكندي وقيل التميمي حليف بني زهرة أحد أمراء أجناد الشام وولاه عمر دمشق حتى مات بها في الطاعون (ويزيد بن أبي سفيان) بن حرب الأمير (وعمرو بن العاص) كلهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مغلطاي حديث قال فيه الترمذي عن البخاري هو حسن انتهى ومن ثم رمز المصنف لحسنه وفي نسخ لصحته(1/146)
158 - (أتيت) بضم الهمزة وكسر المثناة فوق والآتي جبريل كما سيذكره (بمقاليد) بحرف الجر أوله في خط المصنف وسقوطها في نسخ من تحريف النساخ (الدنيا) أي بمفاتيح خزائن الأرض كما في رواية الشيخين والحديث يفسر بعضه بعضا جمع مقلد أو مقلاد أو إقليد معرب إكليد وهو المفتاح وفي الكشاف لا واحد له من لفظه وفي رواية مسلم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي أي ألقيت أو صبت في يدي والمراد بالخزائن المعادن من زمرد وياقوت وذهب وفضة أو للبلاد التي فيها أو المماليك التي فتحت لأمته بعده (على فرس) محركة معروف الذكر والأنثى (أبلق) أي لونه مختلط ببياض وسواد ويحتمل أن يكون هو فرس جبريل الذي هو اسمه حيزوم الذي ما خالط موضع حافره مواتا إلا صار حيوانا وجائز أن يكون غيره وأخرج ابن عساكر عن وهب أنه قيل لسليمان إن خيلا بلقا لها أجنحة تطير بها وترد ماء كذا فقالت الشياطين نحن لها فصبوا في البين التي تردها الخمر فشربت فسكرت فربطوها وساسوها [ص:148] حتى استأنست فجائز أن يكون هذا الفرس من ذلك النوع (جاءني بها جبريل) وفي رواية إسرافيل ولا تعارض لأن المجيء إذا كان متعددا فظاهر وإلا فالجائي به جبريل وصحبته إسرافيل خيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فاختار الأول وترك التصرف في خزائن الأرض فعوض التصرف في خزائن السماء برد الشمس بعد غروبها وشق القمر ورجم النجوم واختراق السماوات وحبس المطر وإرساله وإرسال الرياح وإمساكها وتظليل الغمام وغير ذلك من الخوارق (عليه) أي جبريل ويحتمل الفرس (قطيفة) أي مجلل بقطيفة عظيمة كساء مربع له خمل (من سندس) بالضم ديباج رقيق وهو معرب اتفاقا وحكمة كون الحامل فرسا الإشارة إلى أنه أوتي العز إذ الخيل عز كما جاء في عدة أخبار سيجئ بعضها وكونه أبلق ولم يكن لونا واحدا إشارة إلى استيلاء أمته على خزائن جميع ملوك الطوائف من أحمر وأسود وأبيض على اختلاف ألوانها وأشكالها وقد صرح الزمخشري بما محصوله أن الخزائن في هذا وما أشبهه من قبيل التمثيل والاستعارة ففي الكشاف في قوله سبحانه وتعالى {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كل مقدور عليه فتكون المقاليد والفرس كذلك
(حم حب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وفيه رد على ابن الجوزي حيث زعم أن الحديث لا يصح من جميع طرقه(1/147)
159 - (أثبتكم على الصراط) المضروب على جسر جهنم من غير زلة قدم: أي على المرور عليه (أشدكم حبا لأهل بيتي) علي وفاطمة وابناهما وذريتهما أو نساؤه وأولاده المرادون بقوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} (ولأصحابي) من اجتمع به مؤمنا ومات على ذلك لأن محبتهم إنما تنشأ عن محبة متبوعهم ومن أحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحبه الله وأمنه عند المخاوف وتتفاوت درجات محبتهم بحسب تفاوت المعرفة والإيمان كما تتفاوت درجات الأغنياء بقلة المال وكثرته والمعارف بالأنوار ولا يمر المؤمنون على الصراط إلا بأنوار يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. قال حجة الإسلام: ومرورهم عليه على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم كانقضاض الكواكب ومنهم كالفرس ودون ذلك ويحتمل أن يراد بالصراط دين الإسلام: أي أثبتكم وأكملكم فيه أشدكم حبا إلخ. فينتج من هذا أن محبة الآل والأصحاب دليل على كمال الإيمان والمعرفة والمراد حب لا يؤدي لمحذور أو منهي عنه شرعا
(عد فر) وكذا أبو نعيم (عن علي) أمير المؤمنين لم يرمز له بشيء وهو ضعيف وسببه أن فيه الحسين بن علان قال في اللسان عن أصله كابن الجوزي وضع حديثا عن أحمد بن حماد وقاسم بن بهرام ووهاه ابن حبان(1/148)
160 - (اثردوا) بهمزة وصل مضمومة فمثلثة فراء مضمومة أمر ارشاد أي فتوا الخبز في المرق فإن فيه سهولة المساغ وتيسير التناول ومزيد اللذة ويقال الثريد أحد اللحمين (ولو بماء) مبالغة في تأكيد طلبه والمراد ولو مرقا يقرب من الماء قيل وأول من ثرد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. قال الزمخشري: ثردت الخبز أثرده وهو أن تفته ثم تبله بمرق وتشرقه في وسط الصحيفة وتجعل له رقبة
(طس هب عن أنس) بن مالك زين الحافظ العراقي في إسناده عباد بن كثير ضعفه الجمهور وقال الهيتمي: فيه عباد بن كثير الرملي وثقه ابن معين وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات ولم يرمز له المؤلف بشيء(1/148)
161 - (اثنان) مبتدأ صفة لموصوف محذوف ويجوز أن يخصص بالعطف فإن الفاء في قوله (فما فوقهما) للتعقيب ذكره الطيبي والمراد وما يزيد عليهما على التعاقب واحدا بعد واحد كقوله الأمثل فالأمثل (جماعة) قلا يختص فضلهما بما فوقهما وهذا قاله لما رأى [ص:149] رجلا يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فذكره فعلم منه أن أقل الجماعة اثنان إمام ومأموم فإذا صلى الشخص مع شخص آخر كزوجته أو خادمه أو ولده أو غيرهم حصلت له فضيلة الجماعة التي هي خمس وعشرون أو سبع وعشرون وهذا لا خلاف فيه عندنا وذهابه إلى المسجد لو فوتها على أهل بيتع مفضول وإقامتها لهم أفضل وقالت الحنفية: من جمع بأهله لا ينال ثواب الجماعة إلا إذا كان بعذر
(هـ عد) وكذا الدارقطني والبيهقي وضعفه (عن أبي موسى) الأشعري قال مغلطاي في شرح ابن ماجه قال ابن حزم هذا خبر ساقط وكأنه لضعف رواية الربيع بن بدر الملقب عليلة فإنه ذاهب الحديث متروكه ولا يكتب حديثه ولا يتابع عليه كما ذكره ابن معين وأبو حاتم وغيرهما وقال الحاكم يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات المقلوبات وعن الضعفاء الموضوعات انتهى
(حم طب عد عن أبي أمامة) الباهلي (قط) من رواية عثمان بن عبد الرحمن المدني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ابن سعيد بن العاص ثم قال الفريابي في مختصر الدارقطني عثمان هذا لعلة القاضي تركوه (ابن سعد) في الطبقات (والبغوي) في معجم الصحابة (والماوردي) أبو منصور في كتاب المعرفة (عن الحكم) بفتح الكاف مع المهملة (ابن عمير) بالتصغير الثمالي الأزدي قال في أسد الغابة صحابي رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح وفي الإصابة قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة يرويها عيسى بن إبراهيم وهو ضعيف عن موسى بن أبي حبيب وهو ضعيف عن عمه الحكم ومنها هذا الحديث وقال الزيلعي: هذه كلها ضعيفة انتهى وفيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي قال في الميزان أيضا عن البخاري والنسائي منكر الحديث وعن أبي حاتم متروك ثم أورد له نحو عشرين حديثا بإسناد واحد من حديث الحكم هذا منها. وقال عبد الحق فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان منكر الحديث متروكه وقال ابن حجر في تخريج الرافعي رواه ابن ماجه والحاكم عن أبي موسى وفيه الربيع بن بدر ضعيف وأبوه مجهول والبيهقي عن أنس وهو أضعف من حديث أبي موسى والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه عثمان الرابعي متروك وابن عدي عن الحكم عن عمير وإسناده واه انتهى وقال في تخريج المختصر حديث غريب وقد جاء من رواية أبي موسى وأبي أمامة وأنس وعمرو بن العاص وأسانيدها كلها ضعيفة وقال في موضع آخر اتفقوا على تضعيفه وقال القسطلاني في شرح البخاري طرقه كلها ضعيفة(1/148)
162 - (اثنان لا ينظر الله اليهما) نظر رحمة ولطف أو نفي النظر عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه يصرمه ويعرض عنه أو هو مريض بحرمانهم حال كون أكابر أهل الجنة في إكرام الله تعالى إياهم بالنظر إليه (يوم القيامة) نصب على الظرفية قالوا: يا رسول الله ومن هما قال: (قاطع الرحم) أي القرابة بنحو إساءة أو هجر بالفتح والإضافة (وجار السوء) بالفتح والإضافة أي الذي إن رأى حسنة كتمها أو سيئة أفشاها كما فسر به خبر أما قطع الرحم بقطع الإحسان فالأقرب كما قال المحقق أبو زرعة إنه ليس بكبيرة ولا صغيرة وإن ترك ذلك مع القدرة لكن الأقرب إلى ظاهر الخبر أنه صغيرة وسيجيء في عدة أحاديث عدة جماعة لا ينظر الله إليهم ولا تعارض لأنا إن قلنا إن مفهوم الخبر ليس بحجة فظاهر وإلا فنبه بهذين على من في معناهما وكان من عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخاطب كل إنسان بما يليق به ويلائم حاله فلعل المخاطب أو من حضره كان قاطعا للرحم أو مؤذيا لجاره فزجره بذلك
(فر عن أنس) بن مالك ولم يرمز له المصنف بشيء وفيه مهدي البصري قال في اللسان كأصله كذبه يحيى وقال ابن معين صاحب بدعة يضع الحديث وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه(1/149)
163 - (اثنان خير من واحد) أي هما أولى بالاتباع وأبعد عن الابتداع (وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة) [ص:150] وهكذا كلما زاد فهو خير (فعليكم بالجماعة) أي الزموا السواد الأعظم من أهل الإسلام (فإن الله لم يجمع أمتي) أمة الإجابة (إلا على هدى) أي حق وصواب ومن خصائصها أن إجماعهم حجة وأنهم لا يجتمعون على ضلال كما يصرح به وصفه سبحانه لهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأن مقتضى كونهم آمرين بكل معروف ناهين عن كل منكر إذ اللام للاستغراق أن لا يجتمعوا على باطل إذ لو اجتمعوا عليه كان أمرهم على خلاف ذلك ولذلك كان إجماعهم حجة
(حم) من حديث أبي عياش عن أبي البحتري عن عبيد بن سليمان عن أبيه (عن أبي ذر) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أعله الحافظ الهيتمي بأن أبا البحتري هذا ضعيف انتهى وأقول ابن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بالقوي وقال في اللسان وأبو البحتري لا يكاد يعرف كذبه دحيم. قال في ذيل الضعفاء والمتروكين وأبو عبيدة تابعي لا يعرف(1/149)
164 - (اثنان لا تجاوز) أي لا تتعدى (صلاتهما روؤسهما) أي لا ترفع إلى الله تعالى في رفع العمل الصالح بل أدنى شيء من الرفع أحدهما (عبد) يعني قن ولو أنثى (أبق) كفعل أي حرب ويجوز كونه بوزن فاعل أي هارب (من مواليه) أي مالكيه إن كانوا جماعة ومن مالكه إن كان واحدا فلا ترفع صلاته رفعا تاما (حتى يرجع) إن الطاعة إن هرب لغير عذر شرعي (و) الثاني (امرأة عصت زوجها) بنشوز أو غيره مما يجب عليها أن تطيعه فلا ترفع صلاتها كما ذكر (حتى ترجع) إلى طاعته فإباقه ونشوزها بلا عذر كبيرة قالوا: ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة صحيحة لا يجب قضاؤها لكن ثوابها قليل أو لا ثواب فيها أما لو أبق لعذر كخوف قتل أو فعل فاحشة أو تكليفه على الدوام ما لا يطيقه أو عصت المرأة بمعصية كوطئه في دبرها أو حيضها فثواب صلاتهما بحاله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال في المهذب: هذا الحديث يفيد أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله
(ك) في البر والصلة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال صحيح ورده الذهبي بأنه من حديث بكر بن بكار وهو ضعيف انتهى(1/150)
165 - (اثنان) وفي رواية اثنتان (في) بعض (الناس) أي خصلتان من خصالهم (هما بهم كفر) يعني هم بهما كفر فهو من باب القلب أو الاتساع كما في شرح الأحكام والمراد أنهما من أعمال الكفار لا من خصال الأبرار أو المراد كفر النعمة أو سمي ذلك كفرا تغليظا وزجرا كما قرره القاضي وعلى الأول اقتصر ابن تيمية مع بسط وتوضيح فقال قوله هما بهم كفر أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من عمل الكفار كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وفرق بين الكفر المعروف باللام وبين كفر منكر في الاثبات وإحدى الخصلتين هي (الطعن في الأنساب) أي الوقوع في أعراض الناس بنحو القدح في نسب ثبت في ظاهر الشرع (و) الثانية (النياحة على الميت) ولو بغير بكاء ولا شق جيب خلافا لعياض وهي رفع الصوت بالندب بتعديد شمائله وذلك لأن من طعن في نسب غيره فقد كفر نعمة سلامة نسبه من الطعن ومن ناح فقد كفر نعمة الله حيث لم يرض بقضائه وهو المحيي المميت وفيه أن هاتين كبيرتان وبه صرح الذهبي كابن القيم والوعيد شامل للمادح والمؤرخ ما خرج عن ذلك إلا ما وقع لأم عطية فإنها استثنت في المبايعة حين نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم النساء عن النياحة قالت: إلا آل [ص:151] فلان فإنهم أسعدوني في الجاهلية فقال: إلا آل فلان وللشارع أن يخص من العموم ما شاء
(حم عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو نعيم والديلمي أيضا(1/150)
166 - (اثنان يكرههما ابن آدم) غالبا قيل: وما هما قال: (يكره الموت) أي نزوله به (والموت) أي موته (خير له من الفتنة) أي الكفر والضلال أو الإثم أو الاختبار والامتحان ونحوهما وذلك لأنه مادام حيا لا يأمن الوقوع في ذلك ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومن غير الغالب من أتحفه الله بلطف من عنده فحبب إليه الموت كما حببه لسحرة فرعون حين قال لأقطعن أيديكم فكشف لهم عما أعد لهم فقالوا لا ضير وكما لوى على علي كرم الله وجهه رعيته حتى شاقوه وقاتلوه مع كونه الإمام الحق حتى أخذ بلحيته قائلا: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذه وأشار بيده إلى رأسه. قال الراغب: والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة انتهى وقد تكون الفتنة في الدين كالارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي وإليه أشار المصطفى بقوله " إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون (ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب) يعني السؤال عنه كما في خبر " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع " وفيه عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه أي ولو حلالا وسمى المال مالا لأنه يميل القلوب عن الله تعالى قال الراغب: والحساب استعمال العدد
(ص حم) وكذا أبو نعيم والديلمي (عن محمود بن لبيد) الأنصاري قال في الكشاف: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورواياته مرسلة وفي أسد الغابة نحوه قال المنذري: رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح قال ومحمود له رواية ولم يصح له سماع وقال الهيتمي خرجه أحمد بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته هنا وقال في الكبير صحيح انتهى لكن عرفت أنه مرسل(1/151)
167 - (اثنتان) من الخصال (يعجلهما الله) أي يعجل عقوبتهما لفاعلهما (في الدنيا) إحداهما (البغي) أي مجاوزة الحد في الطغيان يعني التعدي بغير حق (و) الثانية (عقوق الوالدين) أي مخالفتهما أو إيذائهما أو أحدهما والمراد من له ولادة وإن علا من الجهتين وألحق بهما الزركشي الخالة والعمة واعترض وقيل العقوق ثكل من لم يثكل وقيل لحكيم كيف ابنك قال عذاب رعف به الدهر وبلاء لا يقاومه الصبر وأصل التعجيل إيقاع الشيء قبل أوانه قال تعالى {أعجلتم أمر ربكم} وفيه أن البغي والعقوق من الكبائر وخص هاتين الخصلتين من بين خصال الشر بذكر الععجيل فيهما لا لإخراج غيرهما فإنه قد يعجل أيضا بل لأن المخاطب بذلك كان لا يحترز من البغي ولا يبر والديه فخاطبه بما يناسب حاله زجرا له وكثيرا ما يخص بعض الأعمال بالحث عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتساهله في أمرها كما مر
(تخ طب عن) عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ومهملة ابن الحارث بن كلدة بفتحات ابن عمرو الثقفي قيل له أبو بكرة لأنه تدلى للنبي صلى الله عليه وسلم ببكرة من حصن الطائف فأسلم كان من فضلاء الصحابة ومشاهيرهم وقيل هو نفيع بن مسروح والحارث بن كلدة مولاه(1/151)
168 - (أثيبوا) كافئوا (أخاكم) في الدين على صنيعه معكم معروفا بالضيافة ونحوها قالوا: يا رسول الله بأي شيء نثيبه قال (ادعوا له بالبركة) أي بالنمو والزيادة من الخير الإلهي (فإن الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان ولو أنثى (إذا أكل طعامه وشرب شرابه ثم دعى له بالبركة) ببناء أكل وشرب ودعى لللمجهول أي أكل الأضياف من طعامه وشربوا [ص:152] من شرابه ثم دعوا له بزيادة الخير ونموه ويمكن بناء المذكورات للفاعل أيضا (فذاك) أي مجرد الدعاء (ثوابه) أي مكافأته (منهم) أي من الأضياف يعني إن عجزوا عن مكافأته بضيافة أو غيرها أو لم يتيسر لهم ذلك لعذر منه أو منهم بدليل الخبر الآتي " من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم كافأتموه " أو المراد أن ذلك من ثوابه أو ثوابه المعجل ثم تكافئونه بالمقابل وفيه ندب الضيافة سيما للإخوان والأمر بالمعروف وتعليم العلم والسؤال عما لا يتضح معناه والدعاء لصاحب الطعام بالبركة وفعل الممكن من المجازاة والمبادرة بذلك. (تتمة) قال بعض العارفين النفوس الزكية تنبعث لمكافأة من أحسن إليها ومن أساء طبعا فتعطي كل ذي حق حقه قال الراغب: والثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو
(د هب عن جابر) بن عبد الله قال صنع أبو الهيتم طعاما ودعا المصطفى وصحبه فلما فرغوا ذكره وقد رمز المصنف لحسنه وفيه ما فيه إذ فيه فليح ابن سليمان المدني أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن معين والنسائي غير قوي ولعله باعتبار شواهده(1/151)
169 - (اجتمعوا) بهمزة وصل مكسورة خطاب لمن شكوا إليه أنهم يأكلون فلا يشبعون (على طعامكم) ندبا من الاجتماع ضد الافتراق (واذكروا) حال شروعكم في الأكل (اسم الله عليه) بأن تقولوا في أوله بسم الله والأكمل إكمال البسملة فإنكم إن فعلتم ذلك (يبارك) أي الله فهو مبني للفاعل ويجوز للمفعول (لكم فيه) فتشبعون فالاجتماع على الطعام وتكثير الأيدي عليه ولو من الأهل والخدم مع التسمية سبب للبركة التي هي سبب للشبع والخير والتسمية على الأكل سنة كفاية والأكمل أن يسمي كل واحد منهم فإن ترك التسمية أوله عمدا أو سهوا تداركها في أثناءه كما يأتي في خبر
(حم د هـ) في الأطعمة (حب ك) وكذا الطبراني والبيهقي في الجهاد كلهم (عن وحشي) بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة (ابن حرب) ضد الصلح الحبشي مولى جبير بن مطعم أو طعيمة بن عدي وهو قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتل مسيلمة الكذاب وقال قتلت خير الناس وشر الناس فهذه بهذه قال رجل: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون على طعامكم اجتمعوا إلى آخره لم يرمز المؤلف له بشيء ونقل بعضهم عنه أنه صححه وهو من رواية وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده كما قال الحاكم وغيره ووحشي هذا قال فيه المزني والذهبي فيه لين وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن وقال ابن حجر في صحته نظر فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة وثبت أنه لما أسلم قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم غيب وجهك عني فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل وقول ابن عساكر أن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده وورد التصريح بأنه قاتله في عدة طرق للطبراني وغيره وأقول مما يوهن تصحيحه أن الحاكم مع كونه مشهورا بالتساهل في التصحيح وعيب بذلك لما أورده لم يصححه بل في كلامه إشعار بضعفه فإنه عقبه بقوله أخرجناه شاهدا(1/152)
170 - (اجتنب) بهمزة وصل مكسورة (الغضب) أي أسبابه أي لا تفعل ما يأمر به ويحمل عليه من قول أو فعل لأن نفس الغضب جبلي إذ هو غليان دم القلب لإرادة الانتقام وقد خلق من نار وغرس في الإنسان فمتى نوزع في غرض ثار الغضب فغلى دم القلب وسرى إلى العروق فإن قدر على الانتقام أحمر وجهه وإلا انقبض الدم واصفر اللون وانقلب الغضب حزنا ومحل قوة الغضب القلب فالناس فيه ما بين تفريط وإفراط واعتدال فالتفريط أن يفقد قوة الغضب وهو مذموم إذ لا حمية ولا غيرة لمن هو كذلك والافراط أن يخرج عن سياسة العقل ويقع في نقص الدين ولا ينظر في العواقب وهذا محل النهي وما بين ذلك هو الوسط المحمود قال البيضاوي ولعله لما رأى جميع المفاسد [ص:153] التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته وغضبه وكانت شهوة السائل مكسورة نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره فإنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان أقوى أعدائه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذم الغضب) أي فيما جاء فيه (وابن عساكر) في تاريخه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (عن رجل من الصحابة) أن رجلا قال: يا رسول الله حدثني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فذكره وجهالته لا تصير الحديث مرسلا كما في تخريج الهداية لابن حجر وهذا الحديث بمعناه في البخاري إذ فيه من حديث أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني قال: لا تغضب(1/152)
171 - (اجتنبوا) أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة ذكره الطيبي (السبع) أي الكبائر السبع ولا ينافيه عدها في أحاديث أكثر لأنه أخبر في كل مجلس بما أوحى إليه أو ألهم أو سنح له باعتبار أحوال السائل أو تفاوت الأوقات أو لزيادة فحشها وفظاظة قبحها أو لأن مفهوم العدد غير حجة أو لغير ذلك (الموبقات) بضم الميم وكسر الموحدة التحتية المهلكات جمع موبقة وهي الخصلة المهلكة أو المراد الكبيرة أجملها وسماها مهلكات ثم فصلها ليكون أوقع في النفس وليؤذن بأنها نفس المهلكات وقول التاج السبكي الموبقة أخص من الكبيرة وليس في حديث أبي هريرة أنها الكبائر تعقبه الحافظ ابن حجر بالرد قال ابن عباس وهي إلى السبعين أقرب وابن جبير إلى السبع مئة أقرب أي باعتبار أصناف أنواعها وللحافظ الذهبي جزء فيه نحو الأربع مئة ذكره الأذرعي (الشرك) بنصبه على البدل ورفعه وكذا ما بعده على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنها الشرك (بالله) أي جعل أحد شريكا لله والمراد الكفر به وخصه لغلبته حينئذ في الوجود فذكره تنبيها على غيره من صنوف الكفر (و) الثانية (السحر) قال الحراني: وهو قلب الحواس في مدركاتها عن الوجه المعتاد لها في ضمنها من سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله تعالى عليه وفي حاشية الكشاف للسعد هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة قال التاج السبكي والسحر والكهانة والتنجيم والسيمياء من واد واحد (و) الثالثة (قتل النفس التي حرم الله) قتلها عمدا كان أو شبه عمد لا خطأ كما صرح به شريح الروياني والهروي وجمع شافعيون أي فإنه لا كبيرة ولا صغيرة لأنه غير معصية (إلا بالحق) أي بفعل موجب للقتل وأعظم الكبائر والشرك ثم القتل ظلما وما عدا ذلك يحتمل كونه في مرتبة واحدة لكونه سردها على الترتيب لأن الواو لا توجبه والأظهر أن هذا النهي وشبهه إنما ورد على أمر مخصوص فأجاب السائل على مقتضى حاله وصدور هذه الخصال منه أوهمه بها أو كان في المجلس من حاله ذلك فعرض به إما أنه مما أوحي إليه أو عرفه بما له معجزة (و) الرابعة (أكل مال اليتيم) يعني التعدي فيه وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع (و) الخامسة (أكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان. قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة ولهذا ذكره عقب ما هو علامة سوء خاتمتها وتردد ابن عبد السلام في تقييده بنصاب السرقة (و) السادسة (التولي) أي الإدبار من وجوه الكفار (يوم الزحف) أي وقت ازدحام الطائفتين إلا إن علم أنه إن ثبت قتل بغير نكاية في العدو فليس بكبيرة بل ولا صغيرة بل يباح بل يجب. قال ابن عبد السلام: وأشد منه ما لو دل الكفار على عورة المسلمين عالما بأنهم يستأصلونهم ويسبون حريمهم والزحف الجيش الدهم سمي به لكثرته وثقل حركته يرى كأنه يزحف زحفا أي يدب دبيبا (و) السابعة (قذف المحصنات) بفتح الصاد المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن منه والمراد رميهن بزنا أو لواط (المؤمنات) بالله تعالى احترازا عن قذف الكافرا ت فإنه من الصغائر قال الراغب: والقذف الرمي البعيد استعير للشتم والعيب والبهتان (الغافلات) عن الفواحش وما قذفهن به فهو كناية عن البريئات \ لأن الغافل بريء عما بهت به من الزنا والقذف [ص:154] به كبيرة إلا لصغيرة لا تحتمل الوقاع ومملوكة وحرة متهتكة فصغيرة لأن الإيذاء في قذفهن دونه في كبيرة مستترة قاله الحليمي وتوقف الأذرعي ونظر الزركشي في المملوكات لخبر من قذف عبدة أقيم عليه الحد يوم القيامة وإلا في قذف المحصنة بخلوة بحيث لا يسمعه أحد إلا الله والحفظة فليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة قاله ابن عبد السلام لكن خالفه البلقيني تمسكا بظاهر {الذين يرمون المحصنات} والخبر المشروح قال الزركشي: ويظهر قول ابن عبد السلام في الصادق لا الكاذب لجرأته عليه تعالى وإلا فقذفه زوجته إذا علم زناها أو ظنه مؤكدا فليس بكبيرة بل ولا صغيرة وكذا جرح راو وشاهد بالزنا إن علم به بل يجب قال ابن عبد السلام وأشد منه ما لو أمسك محصنة لمن يزني بها أو مسلما لمن يقتله
(ق د ن عن أبي هريرة)(1/153)
172 - (اجتنبوا الخمر) مصدر خمره إذا ستره سمي به عصير العنب إذا اشتد لأنه يخمر العقل ولها نحو أربع مئة اسم وتذكر وتؤنث والتأنيث أفصح وهو حرام مطلقا وكذا كل ما أسكر عند الأكثر وإن لم يسكر لقلته بل الشافعي وأحمد ومالك على وصفها بذلك فعندهم الخمر كل مسكر وخالف أبو حنيفة فالمعنى على رأى الجماعة اجتنبوا كل مسكر أي ما من شأنه الاسكار فشمل العصر والاعتصار والبيع والشراء والحمل والمس والنظر وغيرها (فإنها مفتاح كل شر) كان مغلقا من زوال العقل والوقوع في المنهيات واقتحام المستقبحات ونزول الأسقام وحلول الآلام وفي خبر الديلمي عن ابن عمر رفعه تزوج شيطان إلى شيطانة فخطب إبليس اللعين بينهما فقال: أوصيكم بالخمر والغناء وكل مسكر فإني لم أجمع جميع الشر إلا فيهما
(عد ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن ابن عباس) قال ك صحيح وأقره الذهبي لكن فيه محمد بن إسحاق خرج له مسلم وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وكذبه الهيتمي ومالك والقطان وقال ابن معين: ثقة غير حجة وقال مرة أخرى: غير قوي ونعيم بن حماد من رجال الصحيح لكن قال الأزدي وابن عدي يضع وقال أبو داود عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها(1/154)
173 - (اجتنبوا) وجوبا (الوجوه) جمع وجه والمراد الوجه من آدمي محترم أريد حده أو تأديبه أو بهيم كذلك قصد استقامته وتدريبه ثم بين وجه الاجتناب بقوله (لا تضربوها) فيحرم ذلك كما يحرم وشمه ووسمه وذلك لأن الوجه أشرف ما ظهر من الإنسان بل من كل حيوان فامتهانه بما يؤدي إلى تشويه من العصيان أو المراد بالوجه الوجهاء والعظماء فلا تضربوا من توجه عليه تعزير من رؤساء الناس وأكابرهم بل اقتصروا فيه على ما يليق به منن نحو توبيخ بالقول فهو من قبيل: أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم وهذا وإن كان وجيها ففي بعض الروايات ما يعين الأول أما غير المحترم كحربي ومرتد وسبع ضار وكلب عقور فلا والضرب أصله كما قال الراغب وقع شيء على شيء ولتنوع صنوف الضرب خولف بين تفاسيره كضرب الشيء بنحو عصا وضرب الدراهم اعتبارا بضرب المطرقة وقيل له الطبع اعتبارا بتأثير السكة فيه والضرب في الأرض الذهاب فيها وهو ضربها بالأرجل وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة وضرب المثل من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء بظهر أثره في غيره
(عد عن أبي سعيد) الخدري ولم يرمز المؤلف له بشيء وهو ضعيف(1/154)
174 - (اجتنبوا التكبر) بمثناة فوقية قبل الكاف بخط المؤلف فما في بعض النسخ من إسقاطها من تحريف النساخ وهو تعظيم المرء نفسه واحتقار غيره والأنفة مساواته وينشأ عنه الغضب لأن غيره إذا ساراه غضب والحقد لما أضمره المرء في نفسه من الترفع على من تكبر عليه والغش لأنه لا ينصح من تكبر عليه إذ قصده كون غيره معيبا منقوصا وآفات الكبر كثيرة وما من خلق ذميم إلا والكبر محتاج إليه مصاحب له وقلما ينفك عنه العلماء بل والعباد [ص:155] والزهاد إذ يعجبون بكثرة أتباعهم وربما سار الواحد وأتباعه حوله ولو انفرد ساءه ذلك ولو لم يكن من الوعيد للمتكبر إلا نفي محبة الله له في النصوص القرآنية وخبر لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر لكفى (فإن العبد) الإنسان (لا يزال يتكبر حتى يقول الله تعالى) لملائكته (اكتبوا عبدي) وفي رواية عبدي هذا المعتدي طوره الذي نازع ربه رداءه وتعرض للمقت والهلاك (في) الإضافة للملك لا للتشريف (الجبارين) جمع جبار وهو المتكبر العاتي. وكفى بذلك إعلاما باستقباح الاستكبار كيف وهو يفضي بصاحبه إلى بئس القرار النار وقد أفلح من هدى إلى تجنبه وفاز بخيري الدنيا والآخرة وترك الكبر داع إلى السلامة من شر الناس فينتفي عنه بتركه ما يترتب عليه من أنواع الأذى وضروب المهالك. قال الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من أخلاق اللئام وأرفع الناس قدرا من لا يرى قدره وأكبرهم فضلا من لا يرى فضله وقال القاضي أبو الطيب من تصدى قبل أوانه فقد تصدى لهوانه وفي الشعب: من رضي أن يكون ذنبا أبى الله إلا أن يجعله رأسا وقال الماوردي: الكبر يكسب المقت ويلهي عن التأله ويوغر صدور الإخوان
(أبو بكر) وأحمد بن علي بن أحمد (ابن لال) قال الكمال: ومعنى لال أخرس وهو أبو بكر الهمداني من أهل القرن الرابع فقيه شافعي تفقه على أبي إسحاق وغيره وله مؤلفات كثيرة في الحديث قالوا: والدعاء عند قبره مستجاب (في) كتابه (مكارم الأخلاق) أي فيما ورد في فضلها (وعبد الغني بن سعيد) الحافظ المشهور (في) كتاب (إيضاح الإشكال عد) كلهم (عن أبي أمامة) الباهلي وفيه عثمان بن أبي عاتكة ضعفه النسائي وغيره وهو علي ابن يزيد الالهاني قال في التقريب ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن صدوق لكنه يغرب كثيرا(1/154)
175 - (اجتنبوا هذه القاذورات) جمع قاذورة وهي كل قول أو فعل يستفحش أو يستقبح لكن المراد هنا الفاحشة يعني الزنا لأنه لما رجم ماعزا ذكره سميت قاذورة لأن حقها أن تتقذر فوصفت بما يوصف به صاحبها أفاده الزمخشري (التي نهى الله عنها) أي حرمها (فمن ألم) بالتشديد أي نزل به والإلمام كما في الصحاح مقاربة المعصية من غير مواقعة وهذا المعنى له لطف هنا يدرك بالذوق (بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله) بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود (فإنه) أي الشأن (من يبد) بضم المثناة تحت وسكون الموحدة (لنا صفحته) أي ظهر لنا فعله الذي حقه الإخفاء والستر وصفحة كل شيء جانبه ووجهه وناحيته كنى به عن ثبوت موجب الحد عند الحاكم (نقم) نحن معشر الحكام (عليه كتاب الله) أي الحد الذي حده الله في كتابه والسنة من الكتاب فيجب على المكلف إذا ارتكب ما يوجب لله حدا الستر على نفسه والتوبة فإن أقر عند حاكم أقيم عليه الحد أو التعزير وعلم من الحديث أن من واقع شيئا من المعاصي ينبغي أن يستتر وحينئذ فيمتنع التجسس عليه لأدائه إلى هتك الستر قال الغزالي: وحد الاستتار أن يغلق باب داره ويستتر بحيطانه قال فلا يجوز استراق السمع على داره ليسمع صوت الأوتار ولا الدخول عليه لرؤية المعصية إلا أن يظهر عليه ظهورا يعرفه من هو خارج الدار كصوت آلة اللهو والسكارى ولا يجوز أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يستخبر جيرانه ليخبروه بما جرى في داره وقد أنشد في معناه:
لا تلتمس من مساوي الناس مستترا. . . فيكشف الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا. . . ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
(ك هق عن ابن عمر) بن الخطاب قال: قام المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد رجم الأسلمي فذكره قال ك على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال غريب جدا لكنه في المهذب قال إسناده جيد وصححه ابن السكن وذكره الدارقطني في العلل [ص:156] وصحح إرساله وقول ابن عبد البر لا نعلمه بوجه قال ابن حجر مراده من حديث مالك ولما ذكر إمام الحرمين في النهاية هذا الحديث قال صحيح متفق عليه فتعجب منه ابن الصلاح وقال أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث الذي يفتقر إليها كل عالم(1/155)
176 - (اجتنبوا مجالس) أي مواضع جلوس (العشيرة) الرفقاء المتعاشرون. قال الزمخشري: تقول هو عشيرك أي معاشرك أيديكما وأمركما واحد وزوج المرأة عشيرها أي لا تجلسوا في مجالس الجماعة الذين يجلسون للتحدث بالأمور الدنيوية لما يقع فيها من اللغو واللهو وقد يجر لإضاعة صلاة أو وقيعة أما مقاعد الخير كذكر وتعلم علو وتعليمه وقراءة قرآن وأمر بمعروف ونهي عن منكر فيتأكد لزومها ثم إطلاقه المجالس شامل لما كان على الطريق وغيره ففيه أنه يكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه إلا أن يعطيه حقه كغض البصر ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكف الأذى كترك الغيبة والنميمة وسوء الظن واحتقار المار وكون القاعد يهابه المارة ويتركون المرور لأجله ولا طريق سواه قال القرطبي في هذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه لكن محله ما إذا لم يكن إليه حاجة كما قالوا في خبر مسلم ما لنا من ذلك بد لكن العلماء فهموا أن المنع ليس للتحريم بل إرشاد إلى المصالح
(ص عن أبان) بفتح الهمزة والموحدة منصرف لأنه فعال كغزال وقيل هو أفعل فلا ينصرف لوزن الفعل مع العلمية (ابن عثمان) بن عفان (مرسلا) هو تابعي جليل. قال الذهبي: كان فقيها مجتهدا وكان أميرا على المدينة في زمن ابن عم أبيه عبد الملك بن مروان وعدول المؤلف لرواية إرساله واقتصاره عليها يوهم أنه لم يقف عليه مسندا متصلا وهو عجيب فقد خرجه مسلم في صحيحه من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده أبي طلحة الأنصاري الصحابي الكبير الشهير لكن بلفظ: اجتنبوا مجالس الصعدات. وزاد بيان السبب فقال: " كنا قعودا بالأقنية نتحدث إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فقال: ما لكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات. فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا لنتذاكر ونتحدث. قال: أما إذا فأدوا حقها: غض البصر ورد السلام وحسن الكلام " انتهى بنصه وإسحاق أحد الثقات الكبار تابعي جليل إمام خرج له الستة(1/156)
177 - (اجتنبوا الكبائر) جمع كبيرة وقد اضطرب في تعريفها فقيل ما توعد عليه أي بنحو غضب أو لعن بخصوصه في الكتاب أو السنة واختاره في شرح اللب واعترض بعضهم أن هناك كبائر ليس فيها ذلك كظهار وأكل خنزير وإضرار في وصية وقيل ما يوجب الحد وأورد عليه الفرار من الزحف والعقوق وشهادة الزور والربا ونحوها مما لا حد فيه وهو كبيرة وأجيب بتأويله على إرادة ما عدا المنصوص وقيل كل جريمة تؤذن بقلة أكثر أن مرتكبها بالدين ورقة الديانة واختاره التاج السبكي عازيا لإمام الحرمين واعترض نعم هو أشمل التعاريف قال الزركشي: والتحقيق أن كل واحد من الأقوال اقتصر على بعض أنواعها وبالمجموع يحصل الضابط (وسددوا) اطلبوا بأعمالكم السداد أي الاستقامة ما استطعتم والقصد في الأمر والعدل فيه ولا تشددوا فيشدد الله عليكم ولهذا لما تكرر استكشاف بني إسرائيل عن صفة البقرة شدد الله عليهم ولو ذبحوا أدنى بقرة لكفتهم كما جاء في الخبر ومن ثم قالوا الاستقصاء شؤم وكتب بعض الخلفاء إلى عامله أن يقطع أشجار قوم ويهدم دورهم فكتب إليه بأيهما أبدأ فقال إن قلت لك بقطع الشجر قلت بأي نوع منها فعزله حالا (وأبشروا) بقطع الألف المفتوحة وسكون الموحدة وكسر المعجمة أي إذا تجنبتم الكبائر واستعملتم السداد في الظواهر والسرائر فأبشروا بما وعدكم ربكم به بقوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم} الآية
(ابن جرير) الإمام المجتهد المطلق في تفسيره (عن قتادة) بن دعامة بكسر المهملة (مرسلا) وهو أبو الخطاب الدوسي الأعمى البصري الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن أنس [ص:157] وغيره قال في الكشاف لم يكن في هذه الأمة أكمه ممسوح العينين سواه(1/156)
178 - (اجتنبوا) وجوبا (دعوات) وفي رواية دعوة وهو بمعناه لأنه مفرد مضاف فيعم (المظلوم) فإنها (ما) أي ليس (بينها وبين الله) تعالى (حجاب) مجاز عن سرعة القبول كما مر ومن عرف هذا وعلم أن وراء الظالمين طالبا لا يرد بأسه ولم يقلع ويرجع فقد طبع على قلبه وحجب عن ربه. ثم هذا وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الدعاء على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب أو يدخر له أفضل منه أو يدفع عنه من السوء مثله كما قيد {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} بقوله تعالى {ويكشف السوء} وبقوله {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}
(ع عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) الدوسي (معا) رمز المؤلف لضعفه هكذا رأيته في مسودته بخطه(1/157)
179 - (اجتنبوا كل) أي تناول كل (مسكر) يعني ما شأنه الاسكار فشمل قطرة منه وعبر بكل ليشمل بمنطوقه المسكر من ماء العنب وغيره كزبيب وحب وتمر والمائع وغيره كبنج وحشيش لكن المائع أصله حرام نجس وغيره حرام طاهر هذا ما عليه الشافعية كالجمهور وخالف الحنفية فقالوا يحرم المتخذ من ماء العنب وإن قل ولم يسكر إلا إذا طبخ على تفصيل فيه عندهم ولا يحرم المتخذ من غيره إلا القدر الذي يسكر انتهى وشمل إطلاق الحديث تناوله لتداو أو عطش وإن فقد غيره وبه قال الشافعي
(طب عن) أبي عبد الرحمن (عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشدة الفاء ابن عبد نهم بفتح النون وكسر الهاء المزني بضم الميم وفتح الزاي وبالنون من أصحاب الشجرة قال كنت أرفع أغصانها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أول من دخل مكة وكبر وقت الفتح قال ابن حجر سنده لين ورواه عنه أيضا أحمد بلفظ اجتنبوا المسكر وسنده حسن وله طرق كثيرة جدا انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لضعفه(1/157)
180 - (اجتنبوا ما) أي الشراب الذي (أسكر) شربه قال الحراني: ألحق المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتحريم الخمر الذي سكرها مطبوع تحريم المسكر الذي سكره مصنوع فالمتخذ من غير العنب يحرم شرب قليله عند الجمهور كما يحرم شرب قليل الخمر المتخذ من العنب ويحرم كثيره اتفاقا وقد فهم الصحب من الأمر باجتناب المسكر تحريم ما يتخذ للسكر من جميع الأنواع ولم يستفصلوا والصحابة أعرف بالمراد ممن جاء بعدهم
(الحلواني) بضم المهملة الحسن بن علي الخلال (عن علي) أمير المؤمنين رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه علي بن زيد بن جدعان لينه الدارقطني وغيره قال ابن حجر وفي الباب عن نحو ثلاثين صحابيا وأكثر الأحاديث عنهم جياد ومضمونها أن المسكر لا يحل تناوله بحال بل يجب اجتنابه وقد قال ابن المبارك لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء ولا عن التابعين إلا النخعي(1/157)
181 - (اجثوا) بضم الهمزة والمثلثة اجلسوا أو ابركوا معتمدين (على الركب) بين يدي الله تعالى عند إرادة الدعاء لأنه أبلغ في الأدب وأقرب إلى التواضع وهي جلسة العبد الذليل بين يدي الملك الجليل فهو نهي عن التربع حال الدعاء لما فيه من التمكن في الجلوس الذي هو شأن المتكبرين ولهذا قال في الخبر المار " أجلس كما يجلس العبد " والركب جمع ركبة وهي أول المنحدر عن الفخذ إلى أول أعلى الساق كما يشير إليه قول الصحاح الركبة معروفة والمعروف أنها [ص:158] ما ذكروه به رد قول القاموس هي موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق وكثيرا ما يقع للقاموس الخروج عن اللغة لغيرها (ثم قولوا) ثم بمعنى الواو وهي الواردة في خبر الطبراني أي اجثوا على الركب عند دعائكم قائلين حالتئذ (يا رب) أعطنا (يا رب) أعطنا أي كرروا ذلك كثيرا فإن العبد إذا قال ذلك قال الله لبيك عبدي سل تعط هكذا رواه ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفا وخصه لما فيه من معنى التربية والإصلاح وهذا تعليم منه لأمته كيف يدعون ربهم وكيف يضرعون إليه وتكرير يا رب من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة والاثابة من احتمال المشاق في دين الله والصبر على صعوبة تكاليفه وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه بالعمل بالجهل والغباوة ذكره الزمخشري <تنبيه> قال ابن حجر: ذهب بعضهم إلى أن رب هو الاسم الأعظم وقد أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ اسم الله الأكبر رب رب ووجهه بعضهم بأنه الكفيل بتربية ذرات الوجود والمدر عليها أنواع الجود ولم يخرج عن حضرة إحسان هذا الاسم مؤمن ولا كافر ولا بر ولا فاجر بل أدر الأرزاق وأسدى الإحسان وعامل باللطف والامتنان
(أبو عوانة) الحافظ يعقوب في صحيحه (والبغوي) إمام السنة وكذا الطبراني في الأوسط كلهم من حديث عامر بن خارجة بن سعد عن أبيه (عن) جده (سعد) بن أبي وقاص قال شكى قوم إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم قحط المطر فقال اجثوا على الركب وقولوا يا رب يا رب ورفع السبابة إلى السماء ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم. قال في الميزان في ترجمة عامر هذا قال البخاري فيه نظر ثم ساق له هذا الخبر قال في اللسان وقد ذكره ابن حبان في الثقات فقال يروي عن جده حديثا منكرا في المطر لا يعجبني ذكره ثم أورد هذا الحديث بعينه وقال ابن حجر في غير اللسان في سنده اختلاف وعامر بن خارجة ضعفه الذهبي وغيره ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده(1/157)
182 - (أجرؤكم) من الجرأة وهي الإقدام على الشيء (على قسم الجد) أي على الإفتاء أو الحكم بتعيين ما يستحقه من الإرث (أجرؤكم على النار) أي أقدمكم على الوقوع فيها يوم القيامة تسوقه الزبانية إليها لأن الجد يختلف ما يأخذه من فرض وتعصيب وثلث وسدس وتتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد وفي شأنه من الاضطراب ما يحير الألباب فمن تساهل وأقدم على القضاء أو الإفتاء بقدر ما يستحقه بغير تثبت وتحقق فقد عرض نفسه للنار ومن ثم نقل عن عمر أنه لما احتضر قال احفظوا عني لا أقول في الكلالة ولا في الجد شيئا ولا أستخلف وأخرج يزيد بن هارون عن ابن سيرين عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مئة قضية كلها ينقض بعضها بعضا قال ابن الأثير: وفي حديث علي من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجد أي يرمي بنفسه في معاظم عذابها
(ص عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية على الأشهر وتكسر (مرسلا) هو المخزومي أحد الأعلام رأس علماء التابعين وفردهم وأفضل فقهائهم حدث عن عمر وغيره وعنه الزهري وخلق رمز لصحته(1/158)
183 - (اجرؤكم على الفتيا) بضم الفاء أي أقدمكم على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر والإفتاء بيان حكم المسألة. قال في الكشاف: الفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتي في السن (أجرؤكم على النار) أقدمكم على دخولها لأن المفتي مبين عن الله خكمه فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار {الله أذن لكم أم على الله تفترون} قال الزمخشري: كفى بهذه الآية زاجرة زجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيها وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت وإلا فهو مفتر على الله تعالى انتهى. وقال ابن النكدر: المفتي يدخل بين الله [ص:159] وبين خلقه فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر. كان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس فضعها في عنقه وقال: يريدون أن يجعلونا جسرا يمرون علينا على جهنم فمن سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف. وقال ابن مسعود: الذي يفتي عن كل ما يستفتى عنه مجنون. قال الماوردي: فليس لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها ولا له حد يقف عنده ومن كان تكلفه غير محدود فأخلق به أن يضل ويضل وقال الحكماء: من العلم أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من يعلم فحسبك خجلا من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم وإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم من سبيل فلا عار أن تجهل بعضه وإذا لم يكن في جهل بعضه عار فلا تستحي أن تقول لا أعلم فيما لا تعلم وقال ابن أبي ليلى: أدركت مئة وعشرين صحابيا وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول قال حجة الإسلام فانظر كيف انعكس الحال صار المرهوب منه مطلوبا والمطلوب مرهوبا؟ وبما تقرر علم أنه يحرم على المفتي التساهل وعليه التثبت في جوابه ولو ظاهرا فلا يطلق في محل التفصيل فهو خطأ وإذا سئل عن قائل ما يحتمل وجوها كثيرة فلا يطلق بل يقول إن أراد كذا فكذا وينبغي أن لا يفتي مع وجود شاغل لفكره كالقضاء
(الدارمي) عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي في سنده المشهور له بالترجيح المستحق لأن يسمى بالصحيح. قال الحافظ ابن حجر: مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير (عن عبد الله) بالتصغير (ابن أبي جعفر مرسلا) هو أبو بكر المصري الفقيه أحد الأعلام والأئمة الكبار(1/158)
184 - (اجعل) بكسر فسكون يا بلال إذ الخطاب له كما جاء مصرحا به في رواية البيهقي وغيره (بين أذانك وإقامتك) للصلاة (نفسا) بفتح الفاء أي ساعة قال الزمخشري: تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة وتنفس الصبح وتنفس النهار طال (حتى) أي إلى أن (يقضي) أي يتم (المتوضئ) يعني المتطهر أي الشارع في الطهر (حاجته) ويأتي بالشروط والفروض والسنن (في مهل) بفتح أوليه بضبط المؤلف يعني بتؤدة وسكينة إذا اتسع الوقت (و) حتى (يفرغ الآكل) بالمد وكسر الكاف (من) أكل (طعامه في مهل) بأن يشبع فيندب للمؤذن أن يفصل عند اتساع الوقت بين الأذان والإقامة بقدر فعل المذكورات وقدر السنة والاجتماع وهذا الحديث وإن كان واهي الإسناد له شواهد منها حديث الترمذي عن جابر رفعه اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ومنها حديث أبي هريرة وغيره قال في الفتح وكلها واهية وقد أشار البخاري إلى أن التقدير بذلك لا يثبت قال ابن بطال: لاحد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين
(عم) فيما زاد على المسند من غير أبيه من حديث أبي الجوزاء (عن أبي) بن كعب قال الهيتمي: وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي (أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الأذان) والإقامة (عن سلمان) الفارسي هو عبد الله أبو عثمان الهندي مات بالمدائن وعمره قيل ثلاث مئة وخمسين سنة والأكثر على مائتين وخمسين سنة كما في الكاشف (وعن أبي هريرة) معا قال الترمذي في إسناده مجهول وقال الحاكم ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد انتهى قال الذهبي عمرو هذا قال الدارقطني متروك وقال ابن عبد الهادي اتهمه المديني وذكره النووي في الأحاديث الضعيفة وحصر الحاكم منعه الحافظ العراقي بأن فيه أيضا عبد المنعم الرياحي منكر الحديث كما قال البخاري وغيره انتهى وبذلك كله يعلم ما في تحسين المؤلف له إلا أن يريد أنه حسن لغيره(1/159)
185 - (اجعلوا) من الجعل كما قال الحراني وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير (آخر صلاتكم بالليل) يعني [ص:160] تهجدكم فيه (وترا) بالكسر والفتح وهو الفرد ما لم يشفع من العدد والمراد صلاة الوتر وذلك لأن أول صلاة الليل المغرب وهي وتر فناسب كون آخرها وترا والأمر للوجوب عند أبي حنيفة وللندب عند الشافعي بدليل ذكر صلاة الليل فإنها غير واجبة اتفاقا فكذا آخرها وخبر من لم يوتر فليس منا معناه غير عامل بسنتنا وفيه الأمر بجعل صلاة الوتر آخر الليل فتأخيره إلى آخره أفضل لمن وثق بانتباهه آخر الليل وتقديمه لغيره أفضل كما يصرح به خبر مسلم " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة " أي تشهدها ملائكة الرحمة وعلى التفصيل تحمل الأحاديث المطلقة كخبر أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر
(ق د) في الصلاة (عن ابن عمر) بن الخطاب وقضية صنيعه أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الثلاثة والأمر بخلافه فإن النسائي رواه معهم(1/159)
186 - (اجعلوا) ندبا (أئمتكم) أي الذين يؤمون بكم في الصلاة (خياركم) أي قدموا للإمامة أفضلكم بالصفات المبينة في كتب الفروع (فإنهم) أي الأئمة وفي لفظ فإنها (وفدكم) بفتح الواو وسكون الفاء أي متقدموكم المتوسطون (فيما بينكم وبين ربكم) وكلما علت درجة المتوسط كان أرجى للقبول وأقرب إلى إفاضة الرحمة وإدرار البر على المقتدين به والوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقى العظماء لقضاء المهمات ودفع الملمات وذلك أن الإمام خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ هو الواسطة الأفخم والقائد الأعظم والإمام المقدم يوم القيامة فكذا هو إمامهم في وفادتهم في الدنيا في صلاتهم فالإمامة بعده للأقرب فالأقرب منه منزلة والأمثل فالأمثل به مرتبة وأجل مراتب العباد وأعلى منازلهم المعرفة بالله والخلق فيها صنفان عارف في ذات الله وهو مقام الرسل والأنبياء وواصلي الأولياء وعارف بصفات الله وهو مقام خيار المؤمنين فهم أحق بالتقدم بالإمامة فيقدم ندبا في الإمامة العدل على الفاسق ثم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسبق إسلاما ثم الأسن ثم النسيب ثم الأحسن ذكرا ثم الأنظف ثوبا ثم الأحسن صوتا ثم الأحسن صورة ذكره الشافعية
(قط هق) وضعفه كما في الكبير عنه كلاهما من حديث سعيد بن جبير (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الدارقطني بأن فيه عمرو بن يزيد قاضي المدائن وسلام بن سليمان بن سوار بن المنذر قال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه انتهى قال الذهبي في المهذب إسناده ضعيف وفي التنقيح سنده مظلم أه وسبقه لنحوه عبد الحق وابن القطان وغيرهما(1/160)
187 - (اجعلوا من صلاتكم) أي بعضها قال الطيبي: من تبعيضية وهو مفعول أول ل اجعلوا والثاني (في بيوتكم) أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النفل مؤداة في بيوتكم فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت إذ من حقها أن يجعل لها نصيب من الطاعات انتهى وقيل من زائدة كأنه قال اجعلوا صلاتكم النفل في بيوتكم لتعود بركتها على البيت وأهله ولتنزل الرحمة فيها والملائكة ويكثر خيرها ويفر منها الشيطان فالنفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو الحرام إلا ما سن جماعة وركعتا الطواف والإحرام وسنة الجمعة القبلية وقيل أراد بالصلاة الفرض ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نحو امرأة ومريض والجمهور على الأول لقوله في حديث مسلم إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد فليجعل لبيته نصيبا من صلاته (ولا تتخذوها قبورا) أي كالبور مهجورة من الصلاة شبه البيوت التي لا يصلى فيها بالقبور التي لا يمكن الموتى التعبد فيها
(حم ق د) وكذا ابن ماجه كلهم في الصلاة (عن ابن عمر) ابن الخطاب (ع والروياتي) محمد بن هارون الحافظ وليس بالفقيه الشافعي (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن) أبي [ص:161] عبد الرحمن (زيد بن خالد) الجهني بضم الجيم وفتح الهاء وكسر النون صحابي مشهور وكان معه لواء جهينة يوم الفتح (ومحمد ابن نصر) الفقيه الكبير أحد رفعاء الشافعية وعظمائهم (في) كتاب (الصلاة) وهو مؤلف مستقل حافل (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها ومع وجود الحديث في الصحيحين لا حاجة لعزوه لغيرهما اللهم إلا أن يكن قصده إثبات تواتره(1/160)
188 - (اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا) أي وقاية (من الحلال) وهو واحد الستور قال الزمخشري: من المجاز رجل مستور وهتك الله ستره اطلع على مساويه وفلان لا يستتر من الله بستر أي لا يتقي الله فإن (من فعل ذلك) أي جعل بينه وبين الحرام سترا فقد (استبرأ) بالهمز وقد تخفف طلب البراءة (لعرضه) بصونه عما يشينه ويعيبه وفي المختار الاستبراء عبارة عن التبصر والتعرف احتياطا (ودينه) عن الذم الشرعي والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان كما قاله بعض الأعيان قال الزمخشري: تقول اعترض فلان عرضي إذا وقع فيه وتنقصه ومن زعم كالشهاب ابن حجر الهيتمي أن المراد هنا الحسب وما يعده الإنسان من مفاخره ومفاخر آبائه فكأنه نقله من لغة غير ناظر إلى ما يلائم السياق في هذا المحل بخصوصه ومقصود الحديث أن الحلال إذا خيف أن يتولد من فعله خور شرعي في نفسه أو أهله أو سلفه تعين تجنبه ليسلم من الذم والعيب والعذاب ويدخل في زمرة المتقين (ومن أرتع فيه) أي أكل ما شاء وتبسط في المطاعم والملابس كيفما أحب يقال رتعت الماشية أكلت ما شاءت قال الزمخشري: من المجاز رتع القوم أكلوا ما شاءوا في رغد وسعة (كان كالمرتع) بضم الميم وكسر التاء (إلى جنب الحمى) أي جانبه من إطلاق المصدر على المفعول أي المحمي وهو الذي لا يقربه أحد احتراما لمالكه. قال الراغب: وأصل الجنب الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعمال سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال. وقال الزمخشري: حميت المكان منعته أن يقرب فإذا امتنع وعز قلت أحميته أي صيرته حمى فلا يكون حمىإلا بعد الحماية ومن المجاز حميته أن يفعل كذا إذا منعته (يوشك) بضم المثناة تحت وكسر المعجمة مضارع أوشك بفتحها وهو من أفعال المقاربة وقد وضع لدنو الخبر مثل كاد وعسى في الاستعمال فيجوز أوشك زيد يجيء وأوشك أن يجيء زيد على الأوجه الثلاثة معناه هنا يسرع أو يقرب (أن يقع) بفتح القاف فيه وفي ماضيه (فيه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب والوقوع في شيء السقوط فيه وكل سقوط شديد يعبر عنه به فكما أن الراعي الخائف من عقوبة السلطان يبعد لاستلزام القرب الوقوع المترتب عليه العقاب فكذا حمى الله أي محارمه التي حظرها لا ينبغي قرب حماها ليسلم من ورطتها ومن ثم قال الله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} فنهى عن المقاربة حذرا من المواقعة إذ القرب من الشيء يورث داعية وميلا يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى الشرع وقد حرمت أشياء كثيرة لا مفسدة فيها لكونها تجر إليها (وإن لكل ملك) من ملوك العرب (حمى) يحميه عن الناس فلا يقربه أحد خوفا من سطوته كان الواحد من أشرفهم إذا أراد أن يترك لقومه مرعى استعوى كلبا فما بلغه صوته من كل جهة حظره على غيره (وإن حمى الله في الأرض) في رواية في أرضه (محارمه) معاصيه كما في رواية أبي داود من دخل حماه بارتكاب شيء منها استحق العقوبة ومن قارب يوشك أن يقع فيه فالمحتاط لنفسه ولدينه لا يقاربه ولا يفعل ما يقربه منه وهذا السياق من المصطفى صلى الله عليه وسلم إقامة برهان عظيم على تجنب الشبهات
(حم طب عن النعمان بن بشير) لم يرمز المصنف له بشيء وسها من زعم أنه رمز لحسنه. قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدام بن داود وقد وثق على ضعف فيه(1/161)
[ص:162] 189 - (اجعلوا بينكم وبين النار حجابا) أي سترا وحاجزا فتنكير الحجاب للتعظيم (ولو بشق تمرة) أي بشطر منها والحجاب جسم حائل بين شيئين وقد استعمل في المعاني فيقال العجز حجاب بين العبد وقصده والمعصية حجاب بينه وبين ربه وفيه حث على الصدقة وهي سنة كل يوم ولو بما قل كبعض تمرة أو الماء ويتأكد لمن يخص وقتا بالصدقة أن يتحرى الأوقات والأزمان الشريفة والأماكن الفاضلة ويتأكد أن يكون التصدق بطيب قلب وبشاشة وأن يكون من الحلال الصرف فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وذلك هو الذي يكون وقاية من النار
(طب عن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة (ابن عبيد) مصغرا شهد أحدا والحديبية وولي قضاء دمشق رمز المؤلف لحسنه وليس على ما ينبغي فقد أعله الهيتمي وغيره بابن لهيعة لكن يعضده ما رواه أحمد من حديث عائشة قال في الفتح بإسناد حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة لأنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان وكان الجامع بينهما في ذلك حلاوتها(1/162)
190 - (أجلوا) بالجيم وتشديد اللام (الله) المستوجب لجميع صفات الجلال والكمال أي عظموه باللسان والجنان والأركان أو اعتقدوا جلالته وعظمته وأظهروا صفاته الجلالية والجمالية والكمالية وتخلقوا بها بحسب الإمكان ومن قال معناه قولوا يا ذا الجلال فقد قصر حيث قصر وروي بحاء مهملة أي أسلموا هكذا في مسند أحمد عن ابن ثوبان يعني أخرجوا من حظر الشرك إلى حل الإسلام وسعته من قولهم حل الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل فإنكم إن فعلتم ذلك (يغفر لكم) ذنوبكم وحذف المفعول إيذانا بالعموم ومن إجلاله أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر كيف وهو يرى ويسمع ومن قام بقلبه مشهد الإجلال ومن أهل الكمال
(حم ع طب) وكذا في الأوسط والحاكم في الكنى وأبو نعيم (عن أبي الدرداء) قالالحافظ الهيتمي فيه أبو العذراء مجهول وبقية رجال أحمد وثقوا وزعم ابن الأثير أنه موقوف(1/162)
191 - (أجملوا) بهمزة قطع مفتوحة فجيم ساكنة فميم مكسورة (في طلب الدنيا) أي اطلبوا الرزق طلبا جميلا بأن ترفقوا أي تحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كد وتعب ولا تكالب وإشفاق. قال الزمخشري: أجمل في الطلب إذا لم يحرص والدنيا ما دنا من النفس من منافعها وملاذها وجاهها عاجلا فلم يحرم الطلب بالكلية لموضع الحاجة بل أمر بالإجمال فيه وهو كان جميلا في الشرع محمودا في العرف فيطلب من جهة حله ما أمكن. ومن إجماله اعتماد الجهة التي هيأها الله ويسرها له ويسره لها فيقنع بها ولا يتعداها ومنه أن لا يطلب بحرص وقلق وشره ووله حتى لا ينسى ذكر ربه ولا يتورط في شبهة فيدخل فيمن أثنى الله تعالى عليهم بقوله تعالى {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} الآية ثم بين وجه الأمر بذلك بقوله (فإن كلا) أي كل أحد من الخلق (ميسر) كمعظم أي مهيأ مصروف (لما كتب) قدر (له منها) يعني الرزق المقدر له سيأتيه ولا بد فإن الله تعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه الأزلي وإن كان يقع ذلك بتبديل في اللوح أو الصحف بحسب تعليق بشرط وقال أجملوا وما قال اتركوا إشارة إلى أن الإنسان وإن علم أن رزقه المقدر له لا بد له منه لكن لا يترك السعي رأسا فإن من عوائد الله تعالى في خلقه تعلق الأحكام بالأسباب وترتيب الحوادث على العلل وهذه سنته في خلقه مطردة وحكمته في ملكه مستمرة وهو وإن كان قادرا على إيجاد الأشياء اختراعا وابتداعا لا بتقديم سبب وسبق علة بأن يشبع الإنسان بلا أكل ويرويه بغير شرب وينشئ الخلق بدون جماع لكنه أجرى حكمته بأن الشبع والري والولد يحصل عقب الطعم والشرب والجماع فلذا قال أجملوا إيذانا بأنه وإن كان هو الرزاق لكنه قدر حصوله بنحو سعي رفيق وحالة كسب من الطلب جميلة فجمع [ص:163] هذا الخبر بالنظر إلى السبب والمسبب له وذلك هو الله والرزق والعبد والسعي وجمع بين المسبب والسبب لئلا يتكل من تلبس بأهل التوكل وليس منهما فيهلك بتأخر الرزق فربما أوقعه في الكفر ولئلا ينسب الرزق لسعيه فيقع في الشرك فقرن في الخطاب بين تعريف اعتلاق الأشياء بالمسبب اعتلاقا أصليا واعتلاقها بالسبب اعتلاقا شرعيا ليستكمل العبد حالة الصلاح مستمرة وتثبت له قضية الفلاح مستقرة وقد عرف مما سبق أن من اجتهد في طلب الدنيا وتهافت عليها شغل نفسه بما لا يجدي وأتعبها فيما لا يغني ولا يأتيه إلا المقدور فهو فقير وإن ملك الدنيا بأسرها فالواجب على المتأدب بآداب الله تعالى أن يكل أمره إلى الله تعالى ويسلم له ولا يتعدى طوره ولا يتجرأ على ربه ويترك التكلف فإنه ربما كان خذلانا ويترك التدبير فإنه قد يكون هوانا:
والمرء يرزق لا من حيث حيلته. . . ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
وقال بزرجمهر: وكل الله تعالى الحرمان بالعقل والرزق بالجهل ليعلم أنه لو كان الرزق بالحيل لكان العاقل أعلم بوجوه مطلبه والاحتيال لكسبه. التقى ملكان فتساءلا فقال أحدهما أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي وقال الآخر أمرت باهراق زيت اشتهاه فلان العابد
(هـ ك طب هق عن أبي حميد) عبد الرحمن بن المنذر (الساعدي) بكسر العين المهملة قال ك على شرطهما وأقره الذهبي لكن فيه هشام بن عمار أورده هنا أعني الذهبي في ذيل الضعفاء وقال أبو حاتم صدوق تغير فكان كلما لقن تلقن. وقال أبو داود حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل ابن عياش أورده في الضعفاء وقال مختلف فيه وليس بقوي وعمارة بن غذية أورده في الذيل أيضا وقال ثقة ضعفه ابن حزم(1/162)
192 - (أجوع الناس طالب علم وأشبعهم الذي لا يبتغيه) أي طالب العلم المتلذذ بفهمه لا يزال يطلب ما يزيد التذاذه فكلما طلب ازداد لذة فهو يطلب نهاية اللذة ولا نهاية لها فهو يشارك غيره في الجوع غير أن ذلك الغير له نهاية وهذا لا نهاية له فلذلك كان أجوع. قال الامام الرازي: واللذة إدراك الملائم والملائم للقوة الحساسة إدراك المحسوسات والقوة العقلية إدراك المعقولات التي هي العلوم والمعارف وإدراك القوى العاقلة أقوى من إدراك القوى الحساسة وكلما كان الإدراك أقوى والمدرك أشرف كانت اللذة الحاصلة بذلك الإدراك أشرف وأقوى وكانت النفوس الفاضلة عليها أحرص وإليها أشوق وأصل الجوع كما قال الحراني غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى يترامى لأجله فيما لا يتأمل عاقبته فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الفرث وقيل الجوع فراغ الجسم عما به قوامه وقيل الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة عن الطعام وكيفما كان فاستعماله في العلم مجاز. قال الزمخشري: ومن المجاز جاع وشاحها للحصان وفلان جائع القدر وإني لأجوع إلى أهلي وأعطش وأنك جائع إلى فلان وإنما كان أشبعهم الذي لا يبتغيه لغلبة الطبع البهيمي عليه واشتغاله باللذات الحسية التي تشاركه فيها البهائم وعدم إدراكه اللذات العقلية بالكلية
(أبو نعيم في كتاب العلم فر عن ابن عمر) بن الخطاب قال في الكبير وضعف وذلك لأن فيه الجارود عن الحسن بن الفضل وأورد الذهبي الحسن هذا في الضعفاء وقال مزقوا حديثه وفي الميزان حرقوا حديثه وفي اللسان قال ابن حزم مجهول وابن البيلماني ضعفه الدارقطني وغيره(1/163)
193 - (أجيبوا هذه الدعوة) أي دعوة وليمة العرس إذ هي المعهودة عندهم فقوله هذه أي التي تعرفونها وتتبادر الأذهان إليها (إذا دعيتم لها) وتوفرت شروط الإجابة وهي نحو عشرين منها عموم الدعوة وكون الداعي حرا رشيدا مكلفا مسلما على الأصح وأن يخص باليوم الأول على المشهور وأن لا يسبق والأقدم السابق وأن لا يكون ثم من يتأذى بحضوره من منكر وعدو وغيرهما وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص في ترك الجماعة أما الدعوة [ص:164] لغير وليمة عرس فستجيء وقد نقل النووي كابن عبد البر الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس عند توفر الشروط
(ق عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وتتمته كما في البخاري وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغيره وهو صائم(1/163)
194 - (أجيبوا الداعي) الذي يدعوكم إلى وليمة وجوبا إن كانت لعرس وتوفرت الشروط كما مر وندبا إن كانت لغيره مما يندب أن يولم له وهذا بناء على جواز استعمال اللفظ في الإيجاب والندب معا ولا مانع منه عند الشافعي وحمله غيره على عموم المجاز ذكره الكرماني. قال ابن حجر: ويحتمل أنه وإن كان عاما فالمراد به خاص وأما ندب إجابة غير العرس فمن دليل آخر (ولا تردوا) ندبا (الهدية) فإنها وصلة إلى التحابب نعم يحرم قبولها على القاضي كما في خبر آخر أي ممن له حكومة ولو متوقعة ولم تعهد منه قبل ولايته وهو في محل ولايته ويكره لكل أحد قبولها من الأراذل والأخلاط الذين الباعث لهم عليها طلب الاستكثار كما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار وهي لغة ما أتحف به وشرعا تمليك ما يحمل أي يبعث غالبا بلا عوض (ولا تضربوا المسلمين) في غير حد أو تأديب بل تلطفوا معهم بالقول والفعل وقد عاش المصطفى صلى الله عليه وسلم ما عاش وما ضرب بيده خادما ولا عبدا ولا أمة فالعفو أقرب للتقوى فضرب المسلم حرام بل كبيرة والتعبير بالمسلم غالبي فمن له ذمة أو عهد معتبر يحرم ضربه تعديا
(حم خد طب هب عن ابن مسعود) عبد الله قال الحافظ الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى فكان حق المؤلف الرمز لصحته ولا يقتصر على تحسينه(1/164)
195 - (أجيفوا) بفتح الهمزة وكسر الجيم ردوا وأغلقوا يقال جفأت الباب غلقته قاله الفراء ونوزع بأن أجيفوا لامه فاء وجفأت لامه همزة (أبوابكم) مع ذكر الله تعالى (وأكفؤا) قال عياض رويناه بقطع الألف المفتوحة وكسر الفاء رباعي وبوصلها وفتح الفاء وهما فصيحتان (آنيتكم) اقلبوها ولا تتركوها للعق الشيطان ولحس الهوام قال الزمخشري: كفأ الإناء قلبه على فمه واستكفأته طلبت منه أن يكفئ ما في إنائه (وأوكؤا) بكسر الكاف ثم همزة اربطوا (أسقيتكم) جمع سقاء ككساء ظرف الماء من جلد يعني شدوا فم القربة بنحو خيط واذكروا اسم الله تعالى (وأطفؤا) بهمزة وصل أمر من الإطفاء (سرجكم) أي اذهبوا نورها جمع سراج ككتاب يعني اطفؤا النار من بيوتكم عند النوم وهذا وإن كان مطلوبا في الأوقات كلها لكنه في الليل آكد لأن النهار عليه حافظ من العيون بخلاف الليل حتى فتيلة السراج (فإنهم) يعني الشياطين ولم يذكروا استهجانا لذكرهم ومبالغة في تحقيرهم وذمهم (لم يؤذن لهم) ببناء يؤذن للمفعول والفاعل الله (بالتسور) أي التسلق (عليكم) أي لم يجعل الله تعالى لهم قدرة على ذلك أي إذا ذكر اسم الله تعالى عند كل ما ذكر لخبر أبي داود واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا قال ابن العربي: وهذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحد وهو أن الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة ويتولج في المسام الضيقة فيعجز عن ذلك والأمر للإرشاد على ما قاله النووي وقال غيره للندب وقال ابن دقيق العبد والخبر يدل على منع دخول الشيطان الخارج لا الداخل قال واستنبط منه مشروعية غلق الفم عند التثاؤب لدخوله في الأبواب مجازا
(حم) وكذا أبو يعلى (عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ورمز المؤلف لحسنه غير حسن بل حقه الرمز لصحته(1/164)
196 - (أحب الأعمال إلى الله) أي أكثرها ثوابا عند الله تعالى (الصلاة لوقتها) اللام لاستقبال الوقت [ص:165] أو بمعنى في لأن الوقت ظرف لها على وزان {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي فيه وفي رواية للبخاري على وقتها وعلى فيها بمعنى ما ذكر أو للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه وفي رواية للحاكم في أول وقتها قال في المجموع وهي ضعيفة قال في الفتح لكن لها طرق أخرى وأخذ منه ابن بطال كغيره أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل لاشتراطه في كونها أحب إقامتها أوله وقول ابن دقيق العيد ليس في اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا بل القصد التحرز عن إخراجها عن وقتها منع بأن إخراجها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الندب واعترض (ثم بر الوالدين) أي الإحسان إليها وامتثال أمرهما الذي لا يخالف الشرع ومن برهما بر صديقهما ولو بعد موتهما والبر التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع والوالدين تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع زواله بظهور صورة منه بخلق صورة نوعه ذكره الحراني والمراد بهما هنا من له ولادة من الطرفين وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج وعقب الصلاة بالبر اقتداء بقوله تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} الآية ولأن الصلاة أعظم الوصل بين العبد وربه وبر الوالدين أعظم الوصل بين العبد والخلق فأولى الأعظم للأعظم (ثم الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الجبار وإظهار شعر دينه والجمع بين هذا وأخبار إطعام الطعام خير أعمال الإسلام وأحب الأعمال إلى الله أدومها وغير ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يجيب كلا بما يوافقه ويصلحه أو بحسب الوقت أو الحال وقد تعارضت النصوص في تفضيل الصلاة على الصدقة والذي عليه الجمهور أن الصلاة أفضل لكن قد يعرض حال يقتضي مواساة مضطر فتكون الصدقة أفضل وقس عليه قال في المطامح وأخر الجهاد مع أن فيه بذل النفس لأن الصبر على أداء الصلاة أول وقتها وعلى ملازمة برهما أمر متكرر دائم بدوام الأنفاس ولا يصبر على مراقبة أمر الله تعالى فيه إلا الصديقون أو لأن فضل الجهاد يكاد يكون بديهيا إذ لا تنتظم العبادات والعادات إلا به فلما استقل بمنزلته وعرف بدرجته اهتم الشارع ببيان ما قد يخفى من شأن غيره تحقيقا لمراتب الأعمال والعبادات وترغيبا في الجد في الطاعات ثم معنى المحبة من الله تعالى تعلق الإرادة بالثواب ومن غيره غليان دم القلب وثورانه عند هيجانه إلى لقاء محبوبه أو الميل الدائم بالقلب الهائم أو إيثار المحبوب على جميع المصحوب أو سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون أو ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه إذا زاد <تنبيه> إن قيل ما الحكمة في تعبيره بالأعمال دون الأفعال؟ قلنا وجهه أن الفعل عام يقال لما كان بإجادة وغيرها وما كان بعلم وغيره وبقصد وغيره ومن الإنسان وغيره كالحيوان والجماد والعمل لا يقال إلا لما كان بإجادة وتعلم وبقصد من الآدمي كما ذكره الراغب وقال بعضهم: العمل مقلوب عن العلم فإن العلم فعل القلب والعمل فعل الجارحة وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب منه
(حم ق د ن هـ) كلهم (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه ورواه عنه أيضا ابن حبان وغيره(1/164)
197 - (أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله فإلى بمعنى عند وقيل للتبيين لأن إلى المتعلقة بما يفهم حبا أو بغضا من فعل تعجب أو تفضيل معناها التبيين كما ذكره ابن مالك وابن هشام (أدومها) أي أكثرها ثوابا أكثرها تتابعا ومواظبة ولفظ رواية مسلم ما دووم عليه كذا هو في أكثر أصوله بواوين وفي بعضها بواو واحدة والصواب الأول. قال الكرماني: وأدوم أفعل تفضيل من الدوام وهو شمول جميع الأزمنة على التأبيد فإن قيل شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل فما معنى الأدوم؟ قلت: المراد بالدوام العرفي وهو قابل للكثرة أو القلة (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه جدا لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق تقدس ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل ولأن المواظب ملازم للخدمة وليس من لازم الباب كمن جد ثم انقطع عن الأعتاب ولهذا قال بعض الأنجاب: " ولا تقطع [ص:166] الخدمة وإن ظهر لك عدم القبول وكفى بك شرفا أن يقيمك في خدمته " ولا أن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد وفيه فضيلة الدوام على العمل ورأفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة لأن النفس فيه أنشط وبه يحصل مقصود العمل وهو الحضور هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام في هذا المقام وأقول يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس وتدريبها في التعبد لئلا تضجر فيكون من قبيل إن لجسدك عليك حقا يقال استدمت الأمر ترفقت به وتمهلت واستدمت غريمي رفقت به
(ق عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أحمد بلفظ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل والله أعلم(1/165)
198 - (أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك) أي والحال أن لسانك (رطب من ذكر الله) يعني أن تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت ذاكر فإن للذكر فوائد جليلة وعوائد جزيلة وتأثيرا عجيبا في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضد ذلك. قال الطيبي: ورطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن إدامة الذكر قبل ذلك فكأنه قيل أحب الأعمال إلى الله تعالى مداومة الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} انتهى وقال بعض الصوفية أراد بالرطب عدم الغفلة فإن القلب إذا غفل يبس اللسان. قال الزمخشري: ومن المجاز رطب لساني بذكرك وأصل الرطوبة كما قال ابن سينا كيفية تقتضي سهولة التفرق والإتصال والتشكل وضدها اليبوسة والبلة الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل انتهى وفي الحديث حث على الذكر حيث علق به حكم الأحبية وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة ليفوز بهذه المحبة فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الاحوال لكن يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام ويستثنى من عمومه أيضا المجامع وقاضي الحاجة فيكره لهما الذكر اللساني أما القلبي فمستحب على كل حال
(حب وابن السني في عمل يوم وليلة طب هب عن معاذ) بن جبل قال: آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت إلى آخره قال الهيتمي بعد ماعزاه للطبراني: فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ضعفه جمع ووثقه أبو زرعة وبقية رجاله ثقات والمؤلف رمز لصحته تبعا لابن حبان(1/166)
199 - (أحب الأعمال) التي يفعلها أحدكم مع غيره (إلى الله من) أي عمل إنسان (أطعم) محترما (مسكينا) أي مضطرا إلى الطعام (من جوع) قدمه على ما بعده لأنه سبب لحفظ حرمة الروح (أو دفع عنه مغرما) أي دينا بأداء أو ابراء أو إنظار إلى ميسرة والمراد ما استدانه فيما يحل أو ألزم به ولم يلزم به ولم يلزمه وعطف عليه عطف عام على خاص قوله (أو كشف عنه كربا) غما أو شدة أي أزاله عنه والكرب كما في الصحاح الغم الذي يأخذ بالنفس <فائدة> قال الفخر الرازي: جاءت امرأة إلى بعض أكابر الصوفية بزيت وقالت: أسرجه في المسجد فقال: أيما أحب إليك نور يصعد إلى السقف أو نور يصعد إلى العرش؟ قالت: بل إلى العرش قال: إذا صب في القنديل صعد نوره إلى السقف وإذا صب في طعام فقير جائع صعد النور إلى العرش ثم أطعمه الفقراء
(طب عن الحكم بن عمير) فيه سليمان بن سلمة الجنائز وهو ضعيف انتهى ولكن له شواهد(1/166)
[ص:167] 200 - (أحب الأعمال إلى الله بعد أداء الفرائض) أي بعد أداء الفرائض العينية من صلاة وزكاة وصوم وحج (إدخال السرور) أي الفرح (على المسلم) بأن تفعل ما يسره من تبشيره بحدوث نعمة أو اندفاع نقمة أو كشف غمة أو إغائة لهفة أو نحو ذلك من أنواع المسرة. قال الزمخشري: والسرور لذة القلب عند حصول نفع أو توقعه وأما الفرائض فليس شيء أحب إلى الله من أدائها مع أنها لا تنفعه ولا تضره وإنما أوجبها علينا لمصلحتنا ولسنا نقول كما قال من عدل به عن طريق الهدى أنه يجب على الله رعاية مصالح عباده بل إن هذا عادة الحق وشرعته
(طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) لم يرمز المصنف له بشيء قال الهيتمي: فيه إسماعيل بن عمر البجلي وثقه ابن حبان وضعفه غيره انتهى وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف(1/167)
201 - (أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان) أي صيانته عن النطق بما نهى عنه من نحو كذب وغيبة ونميمة وغيرها واللسان إذا لم يحفظ أفسد القلب وبفساده يفسد البدن كله ولهذا قيل في صحف إبراهيم على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل نطقه إلا بما يعنيه. قال الراغب: والحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم وتارة لضبط الشيء في النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد انتهى
(هب عن أبي جحيفة) بضم الجيم السوائي وهب بن عبد الله ويقال وهب بن وهب(1/167)
202 - (أحب الأعمال) وفي رواية أفضل الأعمال وفي أخرى أفضل الإيمان ولا تعارض لأن الحب من متعلقات القلب فناسب الإيمان وهو عمل قلبي فناسب التعبير عنه بالعمل (إلى الله الحب في الله والبغض في الله) أي لأجله وبسببه لا لغرض آخر كميل أو إحسان ففي بمعنى اللام المعبر به في رواية. وقال العيني: في أصلها للظرفية لكنها هنا للسببية أي سبب طاعة الله ومعصيته كما في حديث في النفس المؤمنة مئة من الإبل ومنه قوله تعالى {فذلكن الذي لمتنني فيه} وإنما كان أحب الأعمال إلى الله لدلالته على كمال إيمان فاعله ففي خبر أبي داود عن أبي أمامة مرفوعا من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان فدل على أن من لم يحب لله ويبغض لله لم يستكمل الإيمان قال في الكشاف الحب في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان ومن لازم الحب في الله حب أنبيائه وأصفيائه ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعة أمرهم قال ابن معاذ: وعلامة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء قال القاضي: المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال فيه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله وأن كلما يراه كمالا في نفسه أو غيره فهو من الله وإلى الله وبالله لم يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته فلذا فسرت المحبة بإرادة الطاعة واستلزمت اتباع رسوله انتهى. وقال ابن عطاء الله: الحب في الله يوجب الحب من الله وهنا مراتب أربع الحب لله والحب في الله والحب بالله والحب من الله فالحب لله ابتداء والحب من الله انتهاء والحب في الله وبالله واسطة بينهما والحب لله أن تؤثره ولا تؤثر عليه سواه والحب في الله أن تحب فيه من ولاه والحب بالله أن تحب العبد ما أحبه وما أحبه منقطعا عن نفسه وهواه والحب من الله أن يأخذك من كل شيء فلا تحب إلا إياه وعلامة الحب لله دوام ذكره والحب في الله أن تحب من لم يحسن إليك بدنيا من أهل الطاعات والحب بالله أن يكون باعث الحظ بنور الله مقهورا والحب من الله أن يجذبك إليه فيجعل ما سواه عنك مستورا
(حم عن أبي ذر) قال ابن الجوزي حديث لا يصح ويزيد بن أبي زياد أحد رجاله قال ابن المبارك: ارم به وسوار العنبري قال فيه الثوري ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن تحسين المصنف له ليس في محله(1/167)
[ص:168] 203 - (أحب أهلي إلي فاطمة) الزهراء سميت به لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم عن النار كما في خبر ضعيف خلافا لمن وهم رواه النسائي والحافظ الدمشقي وغيرهما. قال في الفردوس: وهذا قاله حين سأله علي والعباس يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ وحبه إياها كانت أحبية مطلقة وأما غيرها فعلى معنى من وحبه لها كان جبليا ودينيا لما لها من حموم المناقب والفضائل
(ت ك عن أسامة) بضم الهمزة مخففا (ابن زيد) الكلبي مولى النبي صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورواه عنه أيضا الطيالسي والطبراني والديلمي وغيرهم(1/168)
204 - (أحب أهل بيتي إلي) قيل هم هنا علي وفاطمة وابناها أصحاب الكساء وقيل مؤمنو بني هاشم والمطلب (الحسن والحسين) ومن قال بدخول الزوجات فمراده كما قال النووي إنهن من أهل بيته الذين يعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم وأما قرابته فهم من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب. قال الحراني: والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد
(ت) وكذا أبو يعلى (عن أنس) وحسنه الترمذي وتبعه المصنف فرمز لحسنه وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة قال في الميزان قال ابن حبان يروى عن أنس أليس في حديثه لا تحل الرواية عنه وقال أبو حاتم ضعيف عنده عجائب وساق البخاري هذا في الضعفاء ثم قال يوسف أبو شيبة عنده عجائب(1/168)
205 - (أحب الناس إلي) من حلائلي الموجودين بالمدينة إذ ذاك (عائشة) على وزان خبر إن ابن الزبير أول مولود في الإسلام يعني بالمدينة والا فمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم لخديجة أمر معروف شهدت به الأخبار الصحاح ذكره الزين العراقي وأصله قول الكشاف يقال في الرجل أعلم الناس وأفضلهم يراد من في وقته وإنما كانت عائشة أحب إليه من زوجاته الموجودات حالتئذ لاتصافها بالفضل وحسن الشكل قال القرطبي: فيه جواز ذكر الأحب من النساء والرجال وأنه لا يعاب على من فعله إذا كان المقول له من أهل الخير والدين ويقصد بذلك مقاصد الصالحين وليقتدى به في ذلك فيحب من أحب فإن المرء مع من أحب. وإنما بدأ بذكر محبته عائشة لأنها محبة جبلية ودينية وغيرها دينية لا جبلية فسبق الأصل على الطارئ فقيل له ومن الرجال؟ قال (ومن الرجال أبوها) لسابقته في الإسلام ونصحه لله تعالى ورسوله وللإسلام وأهله وبذل ماله ونفسه في رضاهما ولا يعارض ذلك خبر الترمذي أحب أهلي إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد ثم علي وخبر أحمد وأبو داود والنسائي قال ابن حجر صحيح عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي الحديث لما تقرر أن جهات المحبة مختلفة فكأنه قال كل من هؤلاء أحب إلي من جهة مخصوصة لمعنى قام به وفضيلة تخصه
(ق ت عن ابن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الأمير المشهور أسلم سنة ثمان على الأصح وولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم عمان ثم ولاه عمر مصر ثم أقطعه معاوية وبها مات قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال: عائشة قلت: إني لست أعني النساء إني أعني الرجال قال: ومن الرجال أبوها (ت هـ) وكذا ابن حبان (عن أنس) بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال: عائشة قيل له: ليس عن أهلك نسألك فذكره وفي الباب عن عبد الله بن شقيق وغيره(1/168)
206 - (أحب الأسماء) وفي رواية لمسلم إن أحب أسمائكم ومنه يعلم أن المراد أسماء الآدميين (إلى الله) أي أحب ما يسمى [ص:169] به العبد إليه (عبد الله وعبد الرحمن) لأنه لم يقع في القرآن عبد إلى اسم من أسمائه تعالى غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى من حيث المعنى فكان كل منهما يشتمل على الكل ولأنهما لم يسم الله بهما أحد غيره وأما:. . . وأنت غيث الورى لا زلت رحمنا. . . فمن تعنت الكفرة وذكر المصنف أن اسم عبد الله أشرف من عبد الرحمن فإنه تعالى ذكر الأول في حق الأنبياء والثاني في حق المؤمنين وأن التسمي بعبد الرحمن في حق الأمة أولى انتهى. وما ذكره لا يصفو عن كدر فقد قال بعض العلماء الشافعية التسمي بعبد الله أفضل مطلقا لأن البداءة به هنا فتقديمه على غيره يؤذن بمزيد الاهتمام وذهب إلى ذلك صاحب المطامح من المالكية فجزم بأن عبد الله أفضل وعلله بأن اسم الله هو قطب الأسماء وهو العلم الذي يرجع إليه جميع الأسماء ولا يرجع هو إلى شيء فلا اشتراك في التسمية به البتة والرحمة قد يتصف بها الخلق فعبد الله أخص في النسبة من عبد الرحمن فالتسمي به أفضل وأحب إلى الله مطلقا وزعم بعضهم أن هذه أحبية مخصوصة لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى فكأنه قيل لهم أحب الأسماء المضافة إلى العبودية هذان لا مطلقا لأن أحبها إليه محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل رد بأن المفضول قد يؤثر لحكمة وهي هنا الإيماء إلى حيازته مقام الحمد وموافقته للحميد من أسمائه تعالى على أن من أسمائه أيضا عبد الله كما في سورة الجن وإنما سمى ابنه إبراهيم لبيان جواز التسمي بأسماء الأنبياء وإحياء لاسم أبيه إبراهيم ومحبة فيه وطلبا لاستعمال اسمه وتكرره على لسانه وإعلانا لشرف الخليل وتذكيرا للأمة بمقامه الجليل ولذلك ذهب بعضهم إلى أن أفضل الأسماء بعد ذينك إبراهيم لكن قال ابن سبع أفضلها بعدهما محمد وأحمد ثم إبراهيم
(م د ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أيضا عن أنس وغيره(1/168)
207 - (أحب الأسماء) التي يسمى بها الإنسان (إلى الله ما تعبد له) بضمتين فتشديد بضبط المصنف لأنه ليس بين العبد وربه نسبة إلا العبودية فمن تسمى بها فقد عرف قدره ولم يتعد طوره وقال الأذرعي من أجلاء الشافعية ووقع في الفتاوى أن إنسانا سمى بعبد النبي فتوقفت فيه ثم ملت إلى أنه لا يحرم إذا قصد به التشريف بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعبر بالعبد عن الخادم ويحتمل المنع من ذلك خوف التشريك من الجهلة أو اعتقاد أو ظن حقيقة العبودية انتهى. وقال الدميري: التسمي بعبد النبي قيل يجوز إذا قصد به النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الأكثر إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية كما لا تجوز التسمية بعبد الدار وقياسه تحريم عبد الكعبة (وأصدق الأسماء همام) كشداد من هم عزم (وحارث) كصاحب من الحرث وهو الكسب وذلك لمطابقة الاسم لمعناه إذ كل عبد متحرك بالإرادة والهم مبدأ الإرادة ويترتب على إرادته حرثه وكسبه فإذا لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما بخلاف غيرهما. قال في المطامح: وهذا تنبيه على معنى الاشتقاق ولهذا خص الحريري في مقاماته هذين الاسمين. وقال الطيبي: ذكر أولا أن أحب الأسماء ما تعبد له لأن فيه خضوعا واستكانة على ما سبق ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها بحقها فلا يصدق عليه هذا الوصف فتنزل إلى قوله همام وحارث
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي فيه محمد بن محصن العكاشي متروك انتهى. وقال في الفتح: في إسناده ضعف ولم يرمز المؤلف له هنا بشيء ووهم من زعم أنه رمز له بالضعف لكنه جزم بضعفه في الدرر(1/169)
208 - (أحب الأديان) جمع دين وقد سبق معناه والمراد هنا ملل الأنبياء والشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ وفي رواية للبخاري الدين بالإفراد فإن حمل على الجنس وافق ما هنا وإلا فالمراد أحب خصال الدين لأن خصالها كلها [ص:170] محبوبة لكن ما كان منها سمحا أو سهلا فهو أحب إلى الله كما يشهد له خبر أحمد الآتي " خير دينكم أيسره " (إلى الله) دين (الحنيفية) المائلة عن الباطل إلى الحق أو المائلة عن دين اليهود والنصارى فهي المستقيمة والحنيفية ملة إبراهيم والحنيف لغة من كان على ملته. قال الله تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم} (السمحة) السهلة القابلة للاستقامة المنقادة إلى الله المسلمة أمرها إليه لا تتوجه إلى شيء من الكثافة والغلظة والجمود التي يلزم منها العصيان والسماجة والطغيان وأنث الخبر مع أن المبتدأ مذكر لأن الحنيفية غلبت عليها الاسمية فصارت علما وأن أفعل التفضيل المضاف لقصد الزيادة على من أضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة ذكره الكرماني وقال بعض الصوفية: معنى الحنيفية التي تميل بالعبد إلى الله والأحنف الأميل وهو الذي تميل أصابع إحدى رجليه إلى الأخرى فكأنه قال أحب أوصاف أهله إليه أن يميل العبد بقلبه في سائر أحواله وبجوارحه إلى عبادته بحيث يعرض عما سواه ويكون معنى السماحة سهولة الانقياد إلى رب العباد فيما أمر ونهى فيصبر على مر القضاء وحلوه ويشكر فهذه أحب أوصاف أهل الدين إليه. وقال الحراني: أصل مادة حنف بكل ترتيب تدور على الخفة واللطافة ويلزم هذا المعنى الانتشار والضمور والميل فيلزمه الانقياد والاستقامة انتهى. واستنبط الشافعي من الحديث قاعدة أن المشقة تجلب التسيير وإذا ضاق الأمر اتسع
(حم خد طب) كلهم عن علقمة وعلقه البخاري في الصحيح من حديث عكرمة (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري منكر الحديث. قال: قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله فذكره وقال شيخه العراقي فيه محمد بن إسحاق رواه بالعنعنة أي وهو يدلس عن الضعفاء فلا يحتاج إلا بما صرح فيه بالتحديث انتهى. قال العلائي: لكن له طرق لا ينزل عن درجة الحسن بانضمامها وقال ابن حجر في التخريج له شاهد مرسل في طبقات ابن سعد قال: وفي الباب عن أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم وقال أعني ابن حجر في الفتح وفي المختصر إسناده حسن انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لصحته غير جيد(1/169)
209 - (أحب البلاد) أي أحب أماكن البلاد ويمكن أن يراد بالبلد المأوى فلا تقدير (إلى الله مساجدها) لأنها بيوت الطاعة وأساس التقوى ومحل تنزلات الرحمة. قال الراغب: والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وتسمى المفازة بلدا لكونها محل الوحشيات والمقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) جمع سوق سميت به لأن البضائع تساق إليها وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية القاطعة عن الله تعالى وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بالبلاد خصوصا تلميح إلى قوله تعالى {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} وذلك لأن زوار المساجد {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} وقصاد الأسواق شياطين الجن والإنس من الغفلة والحرص والشره وذلك لا يزيد إلا بعدا من الله ومن أوليائه ولا يورث إلا دنوا من الشيطان وأحزابه اللهم إلا من يغد إلى طلب الحلال الذي يصون به عرضه ودينه {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وقال جمع: المراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من القرب وببغض الأسواق بغض ما يقع فيها من المعاصي مما غلب على أهلها من استيلاء الغفلة على قلوبهم وشغل حواسهم بما وضع لهم من التدبير فإليه ينظرون وإليه يطلبون والأسواق معدن النوال ومظان الأرزاق والأفضال وهي مملكة وضعها الله لأهل الدنيا يتداولون فيها ملك الأشياء لكن أهل الغفلة إذا دخلوها تعلقت قلوبهم بهذه الأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فكانت أبغض البقاع من هذه الجهة وإلا فالسوق رجمة من الله تعالى جعله معاشا لخلقه يذر عليهم أرزاقهم فيها من قطر وقطر لتوجد تلك الأشياء عند الحاجة ولو لم يكن ذلك لاحتاج كل منا إلى تعلم جميع الحرف والترحال إلى البلاد ليلا ونهارا. فوضع السوق نعمة وأهل الغفلة [ص:171] صدوا عن هذه الرحمة ودنسوا نفوسهم بتعاطي الخطايا فيه فصارت عليهم نقمة وأما أهل اليقين فهم وإن دخلوها قلوبهم متعلقة بتدبير الله فسلموا من فتنها ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدخل السوق ويشتري ويبيع. قال الطيبي: وإنما قرن المساجد بالأسواق مع وجود ما هو شر منها من البقاع ليقابل بين معنى الالتهاء والاشتغال وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيوي
(م) في الصلاة (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن حبان وابن زنجويه (حم ك عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين ولم يخرجه البخاري(1/170)
210 - (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق) أي موافق للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا ذكره الراغب وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها (تقال لإمام) سلطان (جائر) ظالم لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه فهو أفضل والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا فلا حاجة لتقدير من
(حم طب عن أبي أمامة) قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة وقد وضع رجله في الغرز فقال: أي الجهاد أفضل يا رسول الله فسكت ثم ذكره رمز المصنف لحسنه ورواه النسائي عن جابر بلفظ أفضل وإسناده صحيح(1/171)
211 - (أحب الحديث إلي) بتشديد الياء بضبط المؤلف هكذا رأيته بخطه وهي ياء النسبة (أصدقه) أفعل تفضيل بتقدير من أو بمعنى فاعل والصدق مطابقة الخبر للواقع والكذب عدمها وفي رواية أحب الحديث إلى الله أصدقه وعليها ففيه دلالة على أفضلية القرآن على غيره {ومن أصدق من الله حديثا} وهذا قاله حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد أموالهم وسبيهم إليهم فقال: معي من ترون وأحب الحديث إلى الله أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وكنت استأنيت بكم أي انتظرت وكان انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فاختاروا السبي فأعطاهم إياه
(حم خ عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو مخففة وراء مهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ابن نوفل بن أهيب الزهري صحابي صغير فقيه عالم متدين قتل في فتنة ابن الزبير أصابه حجر المنجنيق وهو قائم يصلي في الحجر وله عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف (ومروان) بن الحكم الأموي (معا) ولد سنة اثنين أو يوم أحد أو يوم الخندق أو غيرها قال في الكاشف ولم يصح له سماع وفي أسد الغابة أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل لما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه الحكم بايعه بعض أهل الشام بالخلافة لما مات معاوية بن يزيد فأقام تسعة أشهر ثم هلك(1/171)
212 - (أحب الصيام) المتطوع به (إلى الله) تعالى أي أكثر ما يكون محبوبا إليه والمراد إرادة الخير بفاعله (صيام) نبي الله (داود) وبين وجه الأحبية بقوله (كان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوما ومفارقته يوما. قال الغزالي: وسره أن من صام الدهر صار الصوم له عادة فلا يحس وقعه في نفسه بالانكسار وفي قلبه بالصفاء وفي شهواته بالضعف فإن النفس إنما تتأثر بما يرد عليها لا بما تمرنت عليه. ألا ترى أن الأطباء نهوا عن اعتياد شرب الدواء وقالوا من تعوده لم ينتفع به إذا مرض لألف مزاجه له فلا يتأثر به وطب القلوب قريب من طب الأبدان انتهى وهذا أوضح في البيان وأبلغ في البرهان من قول من قال صوم الدهر قد يفوت بعض الحقوق وقد لا يشق باعتياده وعليه فالمراد حقيقة اليوم وقال أبو شامة يصوم وقتا ويفطر وقتا أي لا يديم الصيام خوف [ص:172] الضعف عن الجهاد قال وقد جمعت الأيام التي ورد فيها الأخبار أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يصومها فقاربت أن تكون شطر الدهر فهو بمثابة صوم داود. قال ابن المنير: كان داود يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه فأما الليل فاستقام له ذلك في ليله وأما النهار فيتعذر تجزئته لعدم تبعيض الصيام فنزل صوم يوم وفطر يوم بمنزلة التجزئة في شقص اليوم (وأحب الصلاة) من الليل المطلق (إلى الله صلاة داود كان ينام نصف) وفي رواية كان يرقد شطر (الليل) إعانة على قيام البقية المشار إليه بآية {جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} (ويقوم ثلثه) من أول النصف الثاني لكونه وقت التجلي وهو أعظم أوقات العبادة وأفضل ساعات الليل والنهار (وينام سدسه) الأخير ليريح نفسه ويستقبل الصبح وأذكار النهار بنشاط ولا يخفى ما في ذلك من الأخذ بالأرفق على النفس التي يخشى سآمتها المؤدية لترك العبادة والله يحب أن يوالي فضله ويديم إحسانه وفي رواية ثم مكان الواو وهي تفيد الترتيب ففيه رد على من زعم حصول السنة بنوم السدس الأول مثلا وقيام الثلث ونوم النصف الأخير ثم إنه لا تعارض هذه الأحبية قاعدة أن زيادة العمل تقتضي زيادة الفضيلة لأن القاعدة أغلبية كما بينته الشافعية ولا يكره على الأصح عندهم صوم الدهر لمن لا يضره ويكره قيام كل الليل ولو لمن لا يضره وقول المحب الطبري لا يكره كيف وقد عد من مناقب أئمة منع بأن أولئك مجتهدون سيما وساعدهم الزمان والخلان والفرق بين الصلاة والصوم أن الصائم يستوفي ما فاته والمصلي إن نام نهارا تعطلت مصالحه <تنبيه> قال ابن المنير هذا في حق الأمة لا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله بقيام أكثر الليل في قوله تعالى {قم الليل إلا قليلا} وعورض بنسخه وبما صح أنه لم يكن يجري على وتيرة واحدة
(حم ق د ن هـ عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص كان يسرد الصيام والقيام فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم إن لجسدك عليك حقا ثم ذكره(1/171)
213 - (أحب الطعام) عام في كل ما يقتات من بر وغيره (إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) أي أيدي الآكلين لأن اجتماع الأنفاس وعظم الجمع أسباب نصبها الله سبحانه وتعالى مقتضية لفيض الرحمة وتنزلات غيث النعمة وهذا كالمحسوس عند أهل الطريق ولكن العبد يجهله يغلب عليه الشاهد على الغائب والحس على العقل
(ع حب هب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني وأبي يعلى فيه عبد المجيد بن أبي رواد وفيه ضعف وقال الزين العراقي إسناده حسن انتهى ولعله باعتبار تعدد طرقه وإلا فقد قال البيهقي عقب تخريجه ما نصه تفرد به عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج انتهى وعبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال المنذري رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد وقد وثق قال لكن في الحديث نكارة انتهى وبما تقرر عرف أن المؤلف لم يصب في رمزه لصحته بل قصاراه الحسن وزاد في رواية وذكر اسم الله فالأحبية لكل منهما كما يفيده اقتصاره هنا على ما ذكر(1/172)
214 - (أحب الكلام) أل فيه بدل من المضاف إليه أي أحب كلام الناس (إلى الله أن يقول العبد) أي الإنسان حرا كان أو عبدا (سبحان الله) أي أنزهه عن كل سوء فسبحان علم للتسبيح أي التنزيه البليغ لا يصرف ولا ينصرف كذا ذكر في الكشاف فظاهره أنه علم له حتى في حال الإضافة قال وتخصيص ابن الحاجب له بغيرها رده في الكشف بأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها (وبحمده) الواو للحال أي أسبح الله متلبسا بحمده أو عاطفة أي أسبح الله وأتلبس بحمده ومعناها أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات
(حم م ت عن أبي ذر) ولم يخرجه البخاري بهذه الصيغة(1/172)
[ص:173] 215 - (أحب الكلام إلى الله) تعالى أي كلام البشر لأن الرابعة لم توجد في القرآن ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه ويحتمل أن تتناول كلام الله أيضا لأنها وإن لم تكن فيه باللفظ فهي فيه بالمعنى (أربع) في رواية أربعة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) لأنها جامعة لجميع معاني أنواع الذكر من توحيد وتنزيه وصنوف أقسام الحمد والثناء ومشيرة إلى جميع الأسماء الحسنى لأنها إما ذاتية كالله أو جمالية كالمحسن أو جلالية كالكبير فأشير للأول بالتسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني بالتحميد لأنه يستدعي النعم وللثالث بالتكبير وذكر التهليل لما قيل إنه تمام المئة في الأسماء وأنه اسم الله الأعظم وهو داخل في أسماء الجلال (لا يضرك) أيها المتكلم بهن في حصول الثواب على الإتيان بهن (بأيهن بدأت) لاستقلال كل واحدة من الجمل لكن هذا الترتيب حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال التي هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصا ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي بها استحق الحمد ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} ذكره البيضاوي وقال الطيبي: قوله لا يضرك بعد إيراده الكلمات على النسق والترتيب يشعر بأن العزيمة أن يراعى الترتيب والعدول عنه رخصة ورفع للحرج روي أن الباقيات الصالحات هي هذه لكونها جامعة للمعارف الإلهية فالتسبيح تقديس لذاته عما لا يليق بجلاله وتنزيه لصفاته عن النقائص والتحميد منبه على معنى الفضل والإفضال من الصفات الذاتية والإضافية والتهليل توحيد للذات ونفي للمثل والضد والند وتنبيه على التبري عن الحول والقوة إلا به وختامها بالتكبير اعتراف بالقصور في الأقوال والأفعال وفي هذا التدرج لمحة من معنى العروج للسالك العارف وتسميتها بالباقيات الصالحات لما أنه سبحانه وتعالى قابلها بالفانيات الزائلات انتهى وقال الحراني: التسبيح تنزيه الحق سبحانه وتعالى عن بادية نقص في خلق أو رتبة وحمد الله استواء أمر علوا وسفلا ومحو الذم عنه والغض منه انتهى. قال ابن حجر: والحمد أفضل من التسبيح انتهى فذكره قبله من باب الترقي
(حم م عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا نحو عضد في عضد وهي لغة أهل الحجاز (ابن جندب) بضم الجيم وضم المهملة وفتحها ابن هلال وهو الفزاري نزيل البصرة وواليها وكان عظيم الأمانة صدوق الحديث شديدا على الحرورية يقتل من ظفر به منهم وهو أحد المكثرين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم(1/173)
216 - (أحب اللهو) أي اللعب وهو ترويح النفس بما لا تقتضيه (إلى الله تعالى إجراء الخيل) أي مسابقة الفرسان بالأفراس بقصد التأهب للجهاد. وقال الراغب: والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا قال الله تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ويستعمل في كل منهما منفردا كخبر يا خيل الله اركبي فهذه للفرسان وخبر عفوت لكم عن صدقة الخيل يعني الأفراس وسميت خيلا لاختيالها أي إعجابها بنفسها ومن ذكر الجهاد علم أن الكلام في الرجل أما المرأة فخير لهوها المغزل كما في خبر وخروج بعضهن للغزو إنما هو لنحو مداواة الجرحى وحفظ المتاع (والرمي) عن نحو قوس مما فيه إنكاء العدو وقد فسر {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} بأنها الرمي واعلم أن اللحوق بالأخروي يجري في كل مباح حتى اللعب كما إذا مل من عبادة فاشتغل بلهو مباح لينشط ويعود وقد صرح حجة الاسلام بأن لهوه بهذا أفضل من صلاته وله في المقام كلام كالدر فعليك بالإحياء في باب النية. قال الراغب: والرمي يقال في الأعيان كسهم وحجر وفي المقال كناية عن الشتم والقذف
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وإسناده ضعيف(1/173)
[ص:174] 217 - (أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله) أي لعيال الله بدليل خبر أبي يعلى " الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله " وخبر الطبراني " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " والمراد من يستطاع نفعه من الخلق الأهم فالأهم أو المراد عيال الإنسان أنفسهم الذين يمونهم وتلزمه نفقتهم والأول أقرب قال الماوردي ونظمه بعضهم فقال:
الناس كلهم عيا. . . ل الله تحت ظلاله
فأحبهم طرا إلي. . . هـ أبرهم بعياله
قال القاضي: ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل فرائضه ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة وصونه عن المعصية وفي الحديث رد على من رفض الدنيا بالكلية من النساك وترك الناس وتخفى للعبادة محتجا بآية {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون} وخفي عليه أن أعظم عبادة الله ما يكون نفعها عائدا لمصالح عباده (حكي) أن بعض الملوك اعتزل الناس وزهد في الدنيا فكتب إليه بعض الملوك قد اعتزلت لما نحن فيه فإن علمت أن ما اخترته أفضل فعرفنا لنذر ما نحن فيه ولا تحسبني أقبل منك ولا بلا حجة فكتب إليه أعلم أنا عبيد رب رحيم بعثنا إلى حرب عدوه وعرفنا أن القصد بذلك قهره والسلامة منه فلما قربوا من الزحف صاروا ثلاثة أثلاث متحرزا طلب السلامة فاعتزل واكتسب ترك الملامة وإن لم يكتسب المحمدة ومتهورا قدم إلى حرب العدو على غير بصيرة فجرحه العدو وقهره فاستجلب بذلك سخط ربه وشجاعا أقبل على بصيرة فقاتل واجتهد وأبلى فهو الفائز وأنا لما وجدتني ضعيفا رضيت بأدنى الهمتين وأدون المنزلتين فكن أنت أيها الملك من أفضل الطوائف تكن أكرمهم عند الله والسلام
(عبد الله) ابن الامام أحمد بن حنبل (في زوائد) كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن مرسلا) بإسناد ضعيف لكن شواهده كبيرة وهو البصري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت أو جميل بن قطبة أو غيرهما وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقه الربيع بن النضر ولد زمن عمر وشهد الدار وهو ابن أربع عشرة سنة إمام كبير الشأن رفيع القدر رأس في العلم والعمل مات سنة عشر ومئة(1/174)
218 - (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا) بضمتين معنى حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه والتواضع وقد تضمن هذا الخبر عظيم الحث عليه حيث علق به حكم الأحبية إليه فحق لكل مسلم أن يرغب في ذلك كمال الرغبة وفيه رمز إلى أنه ممكن الاكتساب وإلا لاختص بما كان مطبوعا عليه فيفوت معنى الترغيب فيه ويصير حسرة على من لم يمكنه نعم أصله جبلي كما سيجيء تحقيقه وعبر بصيغة أفعل وهو ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره دفعا لتوهم حرمان من طبع على ذلك بل أشعر بأنهم كلهم محبوبون لكن من تكلفه بقهر النفس ومجاهدتها حتى صار أحسن خلقا أحب إليه من أولئك
(طب عن أسامة) بضم الهمزة (ابن شريك) الذبياني صحابي روى عنه زياد ابن علاقة وغيره قال أسامة كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله فذكره قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وإنما كان الأولى أن يرمز لصحته(1/174)
219 - (أحب بيوتكم) أي أهل بيوتكم أيها المسلمون من مجاز وصف المحل بصفة ما يقع فيه (إلى الله بيت فيه يتيم) أي طفل مات أبوه فانفرد عنه (مكرم) بالبناء للمفعول أي بالإحسان إليه وعدم إهانته ونحو ذلك فأراد بمحبة البيوت محبة ما يقع فيها من إكرام الأيتام وفيه حث على إكرام الأيتام وتحذير من إهانتهم وإذلالهم من غير موجب قال [ص:175] ابن الكمال أخذا من الزمخشري واليتيم في عرف الشرع مختص بمن لم يبلغ واحتاج إلى كافل وبالبلوغ يزول ذلك انتهى وأقول سياق الخبر هنا يدل على أن المراد الصغير المحتاج لفقد من كان يقوم بكفالته وما يحتاجه من نحو نفقة وكسوة ذكرا كان أو أنثى حتى لو فرض أن الذي كان هو القائم به أمه دون أبيه لنحو غيبة وانقطاع خبره أو فقره أو حبسه ونحو ذلك فيدخل في ذلك وإن كان تصرف الفقهاء يأباه
(هب) وكذا الطبراني والأصبهاني (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي تفرد به إبراهيم بن إسحاق الضبي عن مالك انتهى وإبراهيم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال في الميزان له أوابد وعد منها هذه وقال العقيلي حديث لا أصل له انتهى وضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه إسحاق بن إبراهيم الضبي وكان ممن يخطئ لكن يشهد له خبر ابن ماجه " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين فيه اليتيم يساء إليه "(1/174)
220 - (أحب الله) تعالى بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة دعاء أو خبر (عبدا) أي إنسانا (سمحا) بفتح فسكون صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذا كرر أحوال البيع والشراء والقضاء والتقاضي فقال (إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا قضى) أي أدى ما عليه (وسمحا إذا اقتضى) أي طلب ما له برفق ولين جانب. قال الجوهري: سمح جاد والمسامحة المساهلة والاقتضاء التقاضي وهو طلب قضاء الحق قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلا للرحمة وفيه فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببا لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة الأبدية
(هب عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه الوافدي والكلام فيه مشهور ومحمد بن الفرج فإن كان هو الأزرق فقد طعن الحاكم في اعتقاده وهشام بن سعد وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وأورده في الضعفاء والمتروكين قال وضعفه النسائي وغيره وقال ابن معين هو ضعيف لكن يكتب حديثه(1/175)
221 - (أحبكم إلى الله أقلكم طعما) بضم الطاء أكلا وكنى به عن الصوم لأن الصائم يقل أكله غالبا أو هو ندب إلى إقلال الأكل فلا يأكل إلا ما يتقوى به على العبادة وما لا بد منه للمعاش (وأخفكم بدنا) أوقعه موقع التعليل لما قبله فإن من قل أكله خف بدنه ومن خف بدنه نشط للعبادة وللعبادة تأثير في تنوير الباطن وإشراقه وخفة البدن أمر محمود والسمن مذموم قال الإمام الشافعي: ما أفلح سمين قط إلا محمد بن الحسن وذلك لأن العاقل إنما يهتم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الغم لا ينعقد فإذا خلي من المعنيين صار في عداد البهائم فانعقد شحمه وقد تطابقت الأخبار والآثار على ذم الشبع والجوع أساس سلوك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فلذلك خص بالأحبية. قالوا شبع يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ليلة من خبز الشعير فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وزهقت روحك اشتياقا ولو اطلعت على جهنم إطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الحديد بعد النسوج وقال الشاذلي جعت مرة ثمانين يوما فخطر لي أيحصل لي من ذلك شيء وإذ بامرأة خرجت من مغارة كأن وجهها الشمس حسنا وهي تقول منحوس جاع ثمانين يوما فأخذ يدل على ربه بعمله ها أنا لي ستة أشهر لم أذق طعاما قط قال الغزالي: من أبواب الشيطان العظيمة الشبع ولو من حلال فإنه يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان وروي أن إبليس ظهر لسيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال: ما هذه فقال: الشهوات التي أصيد بها بني آدم قال: فهل لي فيها شيء قال: ربما شبعت فثقاناك عن الصلاة والذكر قال: لله علي أن لا أملأ بطني أبدا قال إبليس: ولله علي أن لا أنصح أبدا. [ص:176]
(فر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما ورواه عنه أيضا (ك)
في تاريخه ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه أبا بكر بن عياش قال الذهبي رحمه الله في الضعفاء ضعفه ابن نمير وهو ثقة ومن ثم رمز لضعفه(1/175)
122 - (أحب) بفتح الهمزة وكسر المهملة وفتح الموحدة مشددة فعل أمر (للناس ما تحب لنفسك) من الخير كما صرح به في رواية أحمد فلا حاجة لقول البعض عام مخصوص إذ المرء يحب وطء حليلته لنفسه لا لغيره وذلك بأن تفعل بهم ما تحب لن يفعلوه معك وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به وتنصحهم بما تنصح به نفسك وتحكم لهم بما تحب أن يحكم لك به وتحتمل أذاهم وتكف عن أعراضهم وإن رأيت لهم حسنة أذعتها أو سيئة كتمتها وقول ابن الصلاح هذا من الصعب الممتنع لأن المرء مطبوع على حب الإيثار فالتكليف بذلك مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا في حيز المنع إن القيام بذلك يحصل بأن يحب لغيره ما يحب حصول مثله له من جهة لا يزاحمه فيها أحد ولا ينتقص شيئا من نعمته وذلك سهل على القلب السليم وبنحوه يجاب عن قول الطوفي محبته لغيره ما يحب لنفسه إنما هو باعتبار عقله أي يحب له ذلك ويؤثره من جهة عقله أما التكليف به من جهة الطبع فصعب لأنه مطبوع على الاستئثار فيلزم أن لا يكمل إيمان إلا نادرا انتهى ولفظ الناس يشمل الكفار فينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام وما يتفرع عليه من الكمالات
(تخ ع طب ك هب عن يزيد بن أسد) بزيادة ياء وضم همزة وفتحها وفي رواية للطبراني عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحب الجنة قلت نعم قال أحب لأخيك ما تحب لنفسك قال الهيتمي رجال الطبراني كلهم ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء(1/176)
223 - (أحبب) بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية فعل أمر (حبيبك هونا ما) بفتح فسكون أي أحببه حبا قليلا. فهونا منصوب على المصدر صفة لما اشتق منه أحبب. قال الزمخشري: وما إيهامية تزيد النكرة إبهاما وشياعا وتسد عنها طرق التقييد. وقال غيره مزيدة لتأكيد معنى القلة وعليه فلا يتجه قوله في الدر كأصله أي حبا مقتصدا لا إفراط ولا تفريط فيه ويصح نصبه على الظرف لأنه من صفات الأحيان أي أحببه في حين قليل ولا تسرف في حبه فإنه (عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما) فإنه (عسى أن يكون حبيبك يوما ما) أي ربما انقلب ذلك بتغيير الزمان والأحوال بغضا فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته أو حبا فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته ذكره ابن الأثير وقال ابن العربي: معناه أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضا وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب عاد بغيضا كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار وقال عمر رضي الله تعالى عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا وعليه أنشد هدبة بن خشرم:
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت راجع
وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى. . . فإنك راء ما عملت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا. . . فإنك لا تدري متى أنت نازع
ولهذا قال الحسن البصري أحبوا هونا وأبغضوا هونا فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا
(ت) في البر والصلة من حديث سويد بن عمرو الكلبي عن حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال ت غريب ضعيف والصحيح عن علي موقوفا انتهى ورواه ابن حبان في الضعفاء بسند الترمذي وأعله بسويد وقال: يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحيحة (هب عن أبي هريرة) رفعه وظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر [ص:177] بخلافه بل قال هو أي رفعه وهم انتهى وفيه أيضا سويد الكلبي المذكور وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال اتهمه ابن حبان وقال كان يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحاح (طب) من حديث أبي الصلت عبد السلام الهروي عن جميل بن يزيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وجميل ضعيف انتهى وأعله ابن حبان به وقال: بروي في فضائل علي وأهله العجائب لا يحتج به إذا انفرد وقال الزيلعي: عبد السلام الهروي ضعيف جدا (وعن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي: وفيه محمد بن كثير الفهري وهو ضعيف (قط في) كتاب (الأفراد عد عب عن علي) أمير المؤمنين مرفوعا وفيه عطاء بن السائب عن أبي البحتري وقد مر بيان حاله وقال الدارقطني في علله لا يصح رفعه وقال ابن حبان رفعه خطأ فاحش (خد هب عن علي موقوفا) قال الترمذي هذا هو الصحيح وتبعه جمع جم منهم ابن طاهر وغيره وبعد إذ علمت هذه الروايات فاعلم أن أمثلها الأولى وقد استدرك الحافظ العراقي علي الترمذي دعواه غرابته وضعفه فقال قلت رجاله رجال مسلم لكن الراوي تردد في رفعه انتهى والمصنف رمز لحسنه(1/176)
224 - (أحبوا) بفتح الهمزة وكسر المهملة (الله) وجوبا (لما) أي لأجل ما (يغذوكم) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم المعجمة (به) من الغذاء بالكسر ككساء ما به نماء الجسم وقوامه وهو أعم من الغذاء بالفتح إذ كل غذاء غذاء ولا عكس وفي رواية لما يرفدكم به (من نعمه) أي أحبوا الله لأجل إنعامه عليكم بصنوف النعم وضروب الآلاء الحسية كتيسير ما يتغذى به من الطعام والشراب والمعنوية كالتوفيق والهداية ونصب أعلام المعرفة وخلق الحواس وإفاضة أنوار اليقين على القلب وغير ذلك من الأغذية الروحانية المعلوم تفصيلها عند علماء الآخرة قال ابن عطاء الله: ما من وقت ولحظة إلا وهو مورد عليك فيها نعما يجب حبه لها وشكره عليها دائما فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبدا إذ ما من وقت إلا وله عليك فيه حق جديد وهو الشكر وأمر أكيد وهو الاستغفار والتجريد {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} قال بعض العارفين أحبوا الله فعل أمر بمعنى الخبر ومثله غير عزيز ومن كلامهم عش رجبا تر عجبا أي إن تعش إلى رجب والعيش ليس للمرء فيؤمر به فهو من قبيل خبر وجدت الناس أخبر نقله: فالمراد إنما تحبونه لأنه أنعم عليكم فأحبكم فأحببتموه. قال الزمخشري: والنعمة كل نفع قصد به الإحسان والله سبحانه وتعالى خلق العالم كله نعمة لأنه إما حيوان أو غيره فغير الحيوان نعمة على الحيوان والحيوان نعمة من حيث أن إيجاده حيا نعمة عليه لأنه لولا إيجاده حيا لما صح الانتفاع به وكلما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة وقال الفخر الرازي: نعم الله سبحانه وتعالى لا تحصى لأن كلما أودع فينا مع المنافع واللذات التي ننتفع بها والجوارح والأعضاء التي نستعملها في جلب المنافع ودفع المضار وما خلق في العالم مما يستدل به على وجود الصانع وما أوجد فيه مما لا يحصل الزجر برؤيته عن المعاصي مما لا يحصى عدده كله منافع لأن المنفعة من اللذة أو ما يكون وسيلة إليها وجميع ما خلق الله كذلك لأن كلما يلتذ به نعمة وكلما لا يلتذ به وسيلة إلى دفع ضر وهو كذلك وما لا يكون جالبا للنفع الحاضر ولا دافعا للضرر هو صالح للاستدلال به على وجود الصانع الحكيم يقع وسيلة إلى معرفته وطاعته وهما وسيلتان للذات الأبدية فثبت أن جميع مخلوقاته نعمة على العبيد <تنبيه> هل لله تعالى نعمة على الكافر في الدنيا؟ اختلف فيه أهل السنة فقيل لا لأن هذه النعمة لما كانت مؤدية للضرر الدائم الأخروي كانت كلا شيء وقيل نعم وعليه الباقلاني قال الإمام الرازي وهو الأصوب وآية {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} فهذا صريح في أنه أنعم عليهم إذ المخاطب بذلك أهل الكتاب (وأحبوني لحب الله) أي إنما تحبوني لأنه سبحانه وتعالى أحبني فوضع محبتي فيكم كما يصرح به خبر " إذا أحب الله [ص:178] عبدا نادى جبريل " الحديث. والمحبة إذا كانت بشرط النعمة كانت معلولة ناقصة وكان مرجعها إلى حظ المحب لا إلى المحبوب والنعم كلها أو أكثرها ملاذ النفوس ومن أحب اللذة تغير عند المكروه بعدمها وفوت حظ النفس منها ألا ترى أن محبة زليخا ليوسف لما كانت لشهوة آثرت ألمه على ألمها عند فوت حظها منه وأما النسوة فغبن عن حظوظ أنفسهن فقطعن أيديهن بلا إحساس (وأحبوا أهل بيتي لحبي) أي إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم وقد يكون أمرا بحبهم لأن محبتهم لهم تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} وبما تقرر عرف أن محبة العبد لله لا تحتاج إلى تأويل بخلاف عكسه قال الغزالي: محبة العبد لله حقيقية لا مجازية إذ المحبة في وضع أهل اللسان ميل النفس إلى ملائم موافق والعشق الميل الغالب المفرط والله سبحانه وتعالى محسن جميل والإحسان والجمال موافق ومحبة الله للعبد مجازية ترجع إلى كشف الحجاب حتى يراه بقلبه إلى تمكينه إياه من القرب منه وفي شرح المواقف محبتنا لله تعالى كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق له تعالى على الاستمرار ومقتضية إلى التوجه التام لحضرة قدسه بلا فتور ولا فرار ومحبتنا لغير الله كيفية تترتب على تخيل كمال فيه من لذة وشفقة أو مشاكلة كمحبة العاشق لمعشوقه والوالد لولده ثم هي عندنا الرضا والإرادة مع ترك الاعتراض وقيل الإرادة فقط فيترتب عليه كما في الإرشاد أنه تعالى لا تتعلق به محبة على الحقيقة لأنها إرادة والإرادة لا تتعلق إلا بمحدود وهو سبحانه وتعالى لا حد له لأن المريد إنما يريد ما ليس بكائن أو إعدام ما يجوز عدمه وما ثبت قدمه واستحال عدمه لا تتعلق به إرادة أه
(ت) في المناقب (ك) في فضائل أهل البيت (عن ابن عباس) وصححاه وأقره الذهبي في التلخيص وقول ابن الجوزي هو غير صحيح وهموه فيه نعم فيه عبد الله بن سليمان النوفلي قال في الميزان فيه جهالة ما ثم أورد له هذا الحديث ولم يرمز المصنف رحمه الله له بشيء(1/177)
225 - (أحبوا العرب) بالتحريك خلاف العجم (لثلاث) أي لأجل خصال ثلاث امتازت بها (لأني عربي والقرآن عربي) قال تعالى {لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} وأعظم بهذه من منة إذ لو كان أعجميا لكان نازلا على السمع دون القلب لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا تكلم بلغته التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن إقباله إلا على معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهرا فيها خبيرا بمعرفتها كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها ذكره في الكشاف في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجزة لفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض وما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها وما كان أبو حنيفة يحسن الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر إلى هنا كلامه (وكلام أهل الجنة) أي تحاورهم فيما بينهم في الجنة (عربي) وقد كان سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيها إلا به فلما أهبط إلى الأرض تكلم بغيره وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب العرب وهو منزل على قيد الحيثية أي من حيث كونهم عربا وقد يعرض لهم ما يوجب البغض والازياد منه بحسب ما يعرض لهم من الكفر والنفاق وقد قال سبحانه وتعالى في شأن قوم منهم {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم أن القرآن أنزل بلغتهم وأن كلام الرفيق الأعلى بلسانهم لعذوبته وفصاحته واستقامته كان ذلك واسطة في حبه وإذا خذل فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لازمه بغضه وهو كفر وإذا أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان واجبا فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من [ص:179] الحيثية التي سبق الكلام عليها واعلم أن ستة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من العرب نوح وهود وإسماعيل وصالح وشعيب ومحمد وباقيهم من غيرهم <فائدة> رأيت بخط مغلطاي ذكر ابن ظفر عن معمر عن الزهري أشخصت إلى هشام بن عبد الملك فلما كنت بالبلقاء رأيت حجرا مكتوبا عليه بالعبرانية فأرشدت إلى شيخ يقرؤه فلما قرأه ضحك وقال أمر عجيب مكتوب عليه باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله وكتبه موسى بن عمران بخطه انتهى
(عق) عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن العلاء بن عمرو الحنفي عن يحيى بن بريدة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ثم قال الهيتمي بعد ما عزاه له فيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه (ك) في المناقب (هب عن ابن عباس) قال صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يحيى بن بريدة الأشعري ضعفه أحمد وغيره والعلاء بن عمرو والحنفي وليس بعمدة ومحمد بن الفضل متهم قال وأظن الحديث موضوعا انتهى وفي الميزان ترجمة العلاء عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال ثم ساق له هذا الخبر وقال أبو حاتم هذا موضوع وقال هذا كذاب انتهى وذكر مثله في اللسان ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المصنف بما حاصله أن له شاهدا ومتابعا. وقال السخاوي: ابن بريدة والراوي عنه ضعيفان وقد تفردا به كما قال البيهقي ومتابعه ابن الفضل لا يتعد به لاتهامه بالكذب انتهى. وأما قول السلفي هذا حديث حسن فمراده به كما قال ابن تيمية حسن منته على الاصطلاح العام لاحسن إسناده على طريقة المحدثين(1/178)
226 - (أحبوا قريشا) في الأم تصغير قريش دابة بالبحر سميت به القبيلة المعروفة لشدتهم على غيرهم أو تفرقهم بعد اجتماعهم أو غير ذلك وهم ولد النضر بن كنانة وقيل فهر بن مالك بن النضر والمراد المسلمون منهم (فإنه) أي الشأن (من أحبهم) من حيث كونهم قريشا المؤمنين (أحبه الله) تعالى قالوا فإذا كان هذا في مطلق قريش فما ظنك بأهل البيت؟ وسبق أن محبة الله تعالى لعبده إرادته به الخير وهدايته وتوفيقه له وكلما جاء في فضل قريش فهو ثابت لبني هاشم والمطلب لأنهم أخص وما ثبت للأعم ثبت للأخص ولا عكس (تتمة) قالوا حقيقة المحبة أن لا يزيدها البر ولا ينقصا الجفاء
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى. ورواه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن سهل المزبور وفيه عبد المهيمن المذكور(1/179)
227 - (أحبوا الفقراء) أي ذوي المسكنة والحاجة من المسلمين (وجالسوهم) فإن مجالستهم رحمة ورفعة في الدارين ولما خاطب الحاضرين بما ذكر خص بعضهم لما علمه من حاله من البغض فعلم أن ذلك كله واجب على كل مسلم مكلف حر (وأحب العرب) حبا صادقا بأن يكون (بقلبك) لا بمجرد اللسان (وليردك) أي ليمنعك (عن) احتقار (الناس) وإزدرائهم وتتبع عيوبهم وعوراتهم (ما تعلم من نفسك) من معايبها ونقائصها فاشتغل بتطهير نفسك عن أقبح أنواع الحماقة ولا عيب أعظم من الحمق ولو أراد الله بك خيرا لبصرك بعيوب نفسك وجهلك. ثم إن كنت صادقا في ظنك فاشكر الله تعالى عليه ولا تفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم فإنه من أعظم العيوب ذكره الغزالي وقيل للحسن إن الحجاج ذكرك بسوء فقال علم بما في نفسي فنطق عن ضميري وكل امرئ بما كسب رهين
(ك) في الرقائق (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي وتبعهما المصنف فرمز لصحته(1/179)
[ص:180] 228 - (احبسوا) بكسر الهمزة والموحدة التحتية. قال الراغب: الحبس المنع وفي الصحاح ضد التخلية (صبيانكم) جمع صبي قال في الصحاح وهو الغلام والجارية صبية والجمع صبايا انتهى والمراد هنا الصغير ذكرا كان أو أنثى كما يشير إليه التعليل الآتي أي امنعوهم من الخروج من البيوت وفي رواية اكفتوا صبيانكم أي ضموهم (حتى تذهب) أي إلى أن تنقضي (فوعة) بضم الفاء وسكون الواو (العشاء) أي شدة سوادها وظلمتها وفي رواية بدل فوعة فحمة وهي السواد الشديد والمراد هنا أول ساعة من الليل كما يدل له قوله (فإنها ساعة تخترق) بمعجمات وراء: تنتشر (فيها الشياطين) أي مردة الجن فإن أول الليل محل تصرفهم وحركتهم في أول انتشارهم أشد اضطرابا. وقال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان منهم تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة فيهم غالبا والذكر الذي يحترس به منهم مفقود من الصبيان غالبا والسواد أجمع للقسوة الشيطانية من غيره والجن تكره النور وتتشاءم به وإن كانت خلقت من نار وهي ضياء لكن الله تعالى أظلم قلوبها وخلق الآدمي من طين ونور قلبه فهو محب للنور بالطبع وكل جنس يميل إلى ما يروحه من جنسه فيضيع فإن قلت فإذا كان الاختراق بمعنى الانتشار فلم عبر به دونه قلت إشارة إلى أنه انتشار لابتغاء الفساد فإن الخرق في الأصل كما قال الراغب قطع الشيء على سبيل الفساد بغير تفكر وتدبر ثم استعمل في قطع المسافة توصلا إلى حيلة أو إفساده ومن ثم شبه به الريح في تعسف مرورها فقيل ريح خرقاء وفوعة الشيء بالضم حدته وشدته قال الزمخشري: وجدت فوعة الطيب وفوحته وفورته وخمرته وذلك حدة ريحه وشدتها إذا اختمر وأتيته فوعة النهار وفوعة الضحى وهو ارتفاعه وكان ذلك في فوعة الشباب
(ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي(1/180)
229 - (احبسوا على المؤمنين ضالتهم) أي ضائعتهم يعني امنعوا من ضياع ما تقوم به سياستهم الدنيوية ويوصلهم إلى الفوز بالسعادة الأخروية أي بأن تحفظوا ذلك ولا تهملوه فيضيع قالوا يا رسول الله وما ضالة المؤمنين قال (العلم) أي الشرعي فإن الناس لا يزالون عند وقوع الحوادث يتطلبون علم حكمها كما يتطلب الرجل ضالته فهو أمر بتعلم العلم الشرعي الذي به قيام الدين وسياسة عامة المسلمين كالقيام بالحجج والبراهين القاطعة على إثبات الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وإثبات الثواب ودفع الشبه والمشكلات والاشتغال بالفقه وأصوله والتفسير والحديث بحفظه ومعرفة رجاله وجرحهم وتعديلهم واختلاف العلماء واتفاقهم وعلوم العربية والقيام به فرض كفاية فإذا لم ينتصب في كل قطر من تندفع الحاجة بهم أثموا كلهم وعلى الإمام أن يرتب في كل قرية ومحلة عالما متدينا يعلم الناس دينهم ويجيب في الحوادث ويذب عن الدين ويردع من نبغ من الفرق الضالة
(فر وابن النجار) أبو عبد الله محمد بن محمود (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن أنس) رضي الله تعالى عنه وفيه إبراهيم بن هانئ أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول أتى بالبواطيل عن عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي عن بكر بن خنيس قال الدارقطني متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه(1/180)
230 - (احتجموا) إرشادا لا إلزاما (لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين) من الشهر العربي. قال ابن القيم: هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى وقال ابن جرير هذا اختيار منه صلى الله عليه وسلم للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل [ص:181] الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله (لا تتبيغ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج (بكم الدم) يغلبكم ويقهركم (فيقتلكم) أي فيكون ثورانه وهيجانه سببا لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر <تنبيه> قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى صلى الله عليه وسلم الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جدا كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حارا لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هربا من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال
(البزار) في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفا ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه(1/180)
231 - (احترسوا من الناس) أي من شرارهم (بسوء الظن) أي تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم كذا قاله مطرف التابعي الكبير وقيل أراد لا تثقوا بكل أحد فإنه أسلم لكم ويدل عليه خبر ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته وقال معاوية لعبيد بن شبرمة وقد أتت عليه مائتا سنة ما شاهدت؟ قال أدركت الناس وهم يقولون ذهب الناس وقيل ما بقي من الناس إلا كلب نابح أو حمار رامح فاحذروهما وقال بعضهم لو أن الدنيا ملئت سباعا وحيات ما خفتها فلو بقي إنسان واحد لخفته ومن أمثالهم رب زائر يراوحك ويغاديك وهو ممن يكادحك ويعاديك وما أحسن قول الصولي:
لو قيل لي خذ أمانا. . . من أعظم الحدثان
لما أخذت أمانا. . . إلا من الخلان
ولا يعارض هذا خبر إياكم وسوء الظن لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته والأول فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف الوعد والخيانة والقرينة تغلب أحد الطرفين فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن [ص:182] وخلافه خلافه وفي أشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة فإن كل إنسان لا بد له من عدو بل أعداء يأخذ حذره منهم قال بعض العارفين هذه حالة كل موجود لا بد له من عدو وصديق بل هذه حالة سارية في الحق والخلق قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} فهم عبيده وهم أعداؤه فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد؟
(طس عد) وكذا العسكري في الأمثال كلهم (عن أنس) قال الهيتمي تفرد به بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات انتهى. وقال المؤلف في الكبير حسن وهو ممنوع فقد قال ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان التابعي وصح منه قول مطرف أخرجه مسدد(1/181)
232 - (احتكار الطعام) أي احتباسه لانتظار الغلاء به قال الزمخشري احتكر الطعام احتبسه وفلان حرفته الحكرة وهي الاحتكار انتهى وليس عموم الطعام مرادا بل المراد اشتراء ما يقتات وحبسه ليقل فيغلو (في الحرم) المكي حسبما يفسره الخبر الآتي بعده (إلحاد فيه) يعني احتكار القوت حرام في سائر البلاد وبمكة أشد تحريما والإلحاد الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق إلى الباطل ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها ولم يمله عن دين إلى دين ذكره الزمخشري قال الله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} أي ومن يهم فيه بمحرم عذب عليه لعظم حرمة المكان وإنما سماه ظلما لأن الحرم واد غير ذي زرع فالواجب على الناس جلب الأقوات إليه للتوسعة على أهله فمن ضيق عليهم بالاحتكار فقد ظلم ووضع الشيء في غير محله فاستحق الوعيد الشديد
(د) في الحج من حديث جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة عن موسى بن باذان (عن يعلى) بفتح المثناة تحت واللام بينهما مهملة ساكنة (ابن أمية) بضم الهمزة عن أبيه التميمي الحنظلي أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وشهد الجمل مع عائشة ثم تحول إلى علي وقتل معه بصفين قال ابن القطان حديث لا يصح لأن موسى وعمارة وجعفرا كل منهم لا يعرف فهم ثلاثة مجهولون وفي الميزان جعفر مجهول وعمه لين ومن مناكيره وساق هذا الحديث ثم قال لهذا حديث واهي الإسناد(1/182)
232 - (احتكار الطعام بمكة إلحاد) أراد بمكة هي وما حولها من الحرم فلا ينافي ما قبله
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي فيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جمع انتهى ولم يرمز له بشيء ومن زعم أنه رمز لحسنه لم يصب فقد حررته من خطه وظاهر صنيعه حيث لم يعزه إلا للطبراني أنه لم يعرف لغيره ممن هو أعلى والأمر بخلافه فقد أخرجه الإمام البخاري في التاريخ الكبير عن يعلي بن أمية أنه سمع عمر يقول احتكار الطعام بمكة إلحاد انتهى وكان المصنف إنما عدل عنه لكونه فهم أن البخاري أشار إلى وقفه وأنت تعلم أن هذا مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع وأخرجه البيهقي في الشعب مصرحا برفعه فروى عن عطاء أن ابن عمر طلب رجلا فقالوا ذهب ليشتري طعاما فقال للبيت أو للبيع فقالوا للبيع قال أخبروه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره(1/182)
234 - (احثوا) بضم الهمزة وسكون الحاء وضم المثلثة ارموا (التراب في وجوه المداحين) عبر بصيغة المبالغة إشارة إلى أن الكلام فيمن تكرر منه المدح حتى اتخذه صناعة وبضاعة يتأكل بها الناس وجازف في الأوصاف وأكثر الكذب يريد لا تعطوهم على المدح شيئا فالحثي كناية عن الحرمان والرد والتخجيل قال الزمخشري: من المجاز حثى في وجهه الرماد إذا أخجله أو المراد قولوا لهم بأفواهكم التراب والعرب تستعمل ذلك لمن يكرهونه أو المراد أعطوهم [ص:183] ما طلبوا لأن كل ما فوق التراب تراب فشبه الإعطاء بالحثي على سبيل الترشيح والمبالغة في التقليل والاستهانة وبهذا جزم البيضاوي وقيل هو على ظاهره فيرمى في وجوههم التراب وجرى عليه ابن العربي قال: وصورته أن تأخذ كفا من تراب وترمي به بين يديه وتقول ما عسى أن يكون مقدار من خلق من هذا ومن أنا وما قدري توبخ بذلك نفسك ونفسه وتعرف المادح قدرك وقدره هكذا فليحث التراب في وجوههم قال: وقد كان بعض مشايخنا إذا رأى شخصا راكبا ذا شارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول لهم وله إنه تراب راكب على تراب وينشد:
حتى متى وإلى متى تتوانى. . . أتظن ذلك يا فتى نسيانا
قال النووي: ومدح الإنسان يكون في غيبته وفي وجهه فالأول لا يمنع إلا إذا جازف المادح ودخل في الكذب فيحرم للكذب لا لكونه مدحا ويستحب ما لا كذب فيه إن ترتب عليه مصلحة ولم يجر إلى مفسدة والثاني قد جاءت أخبار تقتضي إباحته وأخبار تقتضي منعه كهذا الخبر وجمع بأنه إن كان عند الممدوح كمال إيمان وحسن يقين ورياضة بحيث لا يفتن ولا يغتر ولا تلعب به نفسه فلا يحرم ولا يكره وإن خيف عليه شيء من ذلك كره مدحه
(ت) واستغربه (عن أبي هريرة عد حل عن ابن عمر) بن الخطاب لم يرمز له المصنف بشيء(1/182)
235 - (احثوا في أفواه المداحين التراب) قال الطيبي: يحتمل أن يكون المراد دفعه عنه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من الرضخ والدافع قد يدفع خصمه بحثي التراب على وجهه استهانة به. قال الشافعية: ويحرم مجاوزة الحد في الإطراء في المدح إذا لم يكن حمله على المبالغة وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنيعة قال ابن عبد السلام في قواعده ولا تكاد تجد مداحا إلا رذلا ولا هجاء إلا نذلا انتهى بل ربما تجاوز الحد حتى وقع في الكفر كقول ابن هاني الأندلسي شاعر المعز العبدي مخاطبا له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار. . . فاحكم فأنت الواحد القهار
(عن المقداد) بكسر الميم وسكون القاف ومهملتين (ابن عمرو) بن ثعلبة الكندي بكسر الكاف ثم الزهري بضم الزاي حالف أبوه كنده وتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين الأولين وهو الكندي لأن الأسود تزوج بأمه أو تبناه وقيل غير ذلك قال الذهبي وكان سادسا في الإسلام مات سنة ثلاث وثلاثين
(حب عن ابن عمر) بن الخطاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن عبادة بن الصامت) لم يرمز له بشيء وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في الصحيحين ولا أحدهما وإلا لما ضرب عنه صفحا وعزاه لغيره لما هو متعارف بين القوم أنه ليس لمحدث أن يغزو حديثا في أحدهما ما يفيده لغيرهما وهو ذهول عجيب فقد عزاه الحافظ العراقي إلى الديلمي ثم إلى مسلم وأبي داود وأحمد من حديث المقداد وأعجب من ذلك أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى مسلم(1/183)
236 - (أحد) بفتح الهمزة وكسر المهملة مشددة بصيغة الأمر (يا سعد) بن أبي وقاص أي أشر بأصبع واحدة وهي المسبحة فإن الذي تدعوه واحد قال الزمخشري أراد وحد فقلبت الواو همزة كما قيل أحد وإحدى وآحاد فقد تقلب بهذا القلب مضمومة ومكسورة ومفتوحة انتهى وأصل هذا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مر على سعد أحد العشرة وهو يدعو بأصبعين فذكره ويوافقه ما أخرجه مسلم من حديث عمارة أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على هذا يشير بالسبابة وحكى الطبراني عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره فقال السنة للداعي أن يشير فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيته هكذا ساقه الحافظ ابن حجر وما ذكره من أن ذلك إنما ورد في الخطبة بفرض تسليمة إنما يأتي في خبر [ص:184] مسلم وأما خبر سعد هذا فسياقه كما ترى كالناطق بأنه لم يكن فيها إذ لم يحفظ أن أحدا من الصحابة كان يخطب في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم بحضرته فالأولى أن يجاب بأن الأمر بالإشارة بإصبع واحدة في الدعاء ليس فيه ما يقتضي منع رفع اليدين فيه فيرفعهما ويشير في أثنائه أو أنه تارة يشير وتارة يرفع
(حم عن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على سعد وهو يدعو بأصبعين فذكره قال الهيتمي لم يسم تابعيه وبقية رجاله رجال الصحيح وزاد أحد أحد(1/183)
237 - (أحد أحد) يا سعد كرره للتأكيد ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه يدعو على منبره ولا غيره: كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو لأن الدعاء له حالات ولأن هذا إخلاص أيضا لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد أو أنه لبيان الجواز على أن هذا الحديث قد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار لما رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعا المسألة رفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد ولا دليل عليه
(د) في الدعوات (ن) في الصلاة (ك) في الدعوات وصححه (عن سعد) بن أبي وقاص قال مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة (ت ن ك عن أبي هريرة) أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحد قال ت حسن غريب وصححه ك وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجاله ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء(1/184)
238 - (أحد) بضمتين (جبل) وفي رواية البخاري جبيل بالتصغيير وهو على ثلاثة أميال من المدينة في شامتها كما حرره الشريف السمهودي بالذرع وبه رد قول النووي على نحو ميلين وقول المطرزي على نحو أربعة سمي به لتوحده وانقطاعه عن أجبل هناك أو لأن أهله نصروا التوحيد (يحبنا ونحبه) أي نأنس به وترتاح نفوسنا لرؤيته وهو سد بيننا وبين مايؤذينا فمحبة الحي للجماد إعجابه به وسكون النفس إليه والارتياح لرؤيته ومحبة الجماد وهو الجبل هنا للحي مجاز عن كونه نافعا سادا بينه وبين ما يؤذيه أو المراد أهله الذين هم أهل المدينة على حد {واسأل القرية} والأصوب أن المراد الحقيقة ولا تنكر محبة الجماد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما حن إليه الجذع وسبح الحصى في يده وسلم الحجر والشجر عليه وكلمه الذراع وأمنت حوائط البيت على دعائه فهو إشارة إلى حب الله إياه صلى الله عليه وسلم حتى أسكن حبه في الجماد وغرس محبته في الحجر مع فضل يبسه وفظاظته وكمال قوة صلابته
(خ) في المغازي (عن سهل بن سعد) الساعدي (ت عن أنس) بن مالك (حم طب والضياء) المقدسي (عن سويد) بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحت (ابن عامر) بن زيد بن خارجة (الأنصاري) وفي أسد الغابة عن ابن منده أنه لا يعرف له صحبة انتهى (وما له غيره) أي ليس لسويد غير هذا الحديث وهذا تبع فيه بعضهم وليس بصواب فقد ذكر ابن الأثير له حديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام فكان حقه أن يقول ولا أعرف له غيره (أبو القاسم بن بشر في أماليه عن أبي هريرة) وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم في الحج عن أنس بهذا اللفظ وبه يعرف أن استقصاءه لمخرجيه لا اتجاه له لأن ذلك إنما يحتاج إليه في حديث يراد تقويته لوهنه وما اتفق عليه الشيخان في غاية الصحة والاتقان وليس استيعاب المخرجين من دأبه في هذا الكتاب فإنه يفعله كثيرا ويتركه أكثر حتى في الأحاديث المحتاجة للتقوية والاعتضاد نعم لك أن تقول حاول بذلك إدخاله في حيز المتواتر(1/184)
239 - (أحد) بضم أوله وثانيه اسم مرتجل لهذا الجبل قال ياقوت مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع [ص:185] وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد إشارة إلى الوحدة التي فيه قال في التنقيح هذا أولى ما قيل فيه وقيل أراد الثناء على الأنصار الذين هم سكان المدينة الذي الجبل منها وقيل على الحقيقة لأن الجماد يعقل عند الاعجاز وهذا هو الذي عليه التعويل كما تقرر وقال بعضهم كانت عادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله إشعارا للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء وقد بدل كثير من أسماء البقاع والناس استقباحا لها (جبل يحبنا ونحبه) لأن جزاء من يحب أن يحب وسيجيء في خبر المرء مع من أحب وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب اسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية (فإذا جئتموه) أي حللتم به أو مررتم عليه (فكلوا) ندبا بقصد التبرك (من شجره) الذي لا يضر أكله (ولو من عضاهه) بكسر المهملة ككتاب جمع عضة وقيل عضاهة وهي كل شجرة عظيمة ذات شوك وهذا وارد مورد الحث على عدم إهمال الأكل حتى لو فرض أنه لا يوجد إلا ما يؤكل كالعضاة يمضغ منه للتبرك ولو بلا ابتلاع ثم هذا يخبرك بضعف قول من زعم أن قوله يحبنا ونحبه مجاز عبر عنه بلسان الحال لأنه كان يبشره إذا رآه عند قدومه بالقرب من أهله وذلك فعل المحب فنزل منزلته
(طس عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الهيتمي فيه كثير بن زيد وثقه أحمد وفيه كلام انتهى(1/184)
240 - (أحد ركن من أركان الجنة) أي جانب عظيم من جوانبها أي أصله منها وسيعود إليها ويصير ركنا من أركانها أو أنه وإن كان يتصل إليها في الآخرة إكراما له بمحبته لمن يحبه الله فيكون مع من أحبه كما مر قال السهيلي وقد سمى الله هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده لمشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من المصطفى به اسما ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بست الجبال بسا وأركان الشيء جوانبه التي تقوم بها ماهيته. قال الطيبي: ولعله أراد بالجبل أرض المدينة كلها وخص الجبل لأنه أول ما يبدو من أعلاها
(طب عن سهل بن سعد) قال الهيتمي فيه عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني ضعيف وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا وقال النسائي متروك الحديث وقال الجوزجاني واه ثم أورد له مناكير هذا منها وبالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه(1/185)
241 - (أحد هذا جبل يحبنا ونحبه) بالمعنى المار (على باب من أبواب الجنة) أي من داخلها كما أفصح به في الروض الأنف فلا يناقضه قوله فيما مر قبله ركن من أركانها لأنه ركن يجانب الباب ذكره بعض الأعاظم (وهذا عير) بفتح العين وسكون التحتية وراء مهملة مرادف الحمار ويقال عاير جبل مشهور في قبلي المدينة بقرب ذي الحليفة وفوقه جبل آخر يسمى باسمه ويميز الأول بالوارد والثاني بالصادر وقال أبو عبيدة هو تلقاء غرب وأنشد جعفر بن الزبير:
يا ليت إني في سواء عير. . . فلا أرى ولا أرى إلا الطير
قال السمهودي وشهرة عير غير خافية قديما فقول مصعب بن الزبير ليس بالمدينة جبل يسمى عير غير صواب وقال المجد قال نصر عير جبل بالمدينة يقال له المثنية كمعرفة (يبغضنا ونبغضه) بالمعنى المار (وإنه على باب من أبواب النار) نار جهنم أشار إليه ليدفع توهم إرادة غيره مما يشاركه هناك لعدم شهرته قال السمهودي لما انقسم أهل المدينة [ص:186] إلى مجب وموحد وهم المؤمنون وإلى منافق مبغض وهم المجاملون الجاحدون كأبي عامر الراهب وغيره من المنافقين وكانوا ثلث الناس يوم أحد رجعوا مع ابن أبي ابن سلول فلم يحضروا أحدا انقسمت بقاع المدينة كذلك فجعل الله أحدا حبيبا محبوبا كمن حضر به وجعله معهم في الجنة وخصه بهذا الاسم المشتق من الأحدية المشعر بارتفاع دين الأحد وجعل عيرا مبغوضا وجعل لجهته المنافقين من أهل مسجد الضرار فرجعوا من جهة أحد إلى جهة عير فكان معهم في النار وخصهم باسم العير الذي هو اسم الحمار المذموم أخلاقا وجهلا لها ولم يبدله ولذلك تعلق حبه له اسما ومسمى فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة
(طس) وكذا البزار (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة عبد الرحمن بن جبر ضد كسر الأنصاري الأشهلي قيل اسمه عبد الله من كبار الصحب شهد بدرا وما بعدها قال الهيتمي فيه عبد المجيد ابن أبي عبس لينه أبو حاتم وفيه أيضا من لم أعرفه انتهى وهو مأخوذ من الميزان أورد له هذا الخبر(1/185)
242 - (أحد أبوي بلقيس) بكسر أوله ملكة سبأ التي قص الله سبحانه وتعالى قصتها مع سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة النمل (كان جنيا) قال قتادة ولهذا كان مؤخر قدميها كحافر الدابة وجاء في آثار أن الجني الأم وذلك أن أباها ملك اليمن خرج ليصيد فعطش فرفع له خباء فيه شيخ فاستسقاه فقال يا حسنة اسقي عمك فخرجت كأنها شمس بيدها كأس من ياقوت فخطبها من أبيها فذكر أنه جني وزوجها منه بشرط أنه إن سألها عن شيء عملته فهو طلاقها فأتت منه بولد ذكر ولم يذكر قبل ذلك فذبحته فكرب لذلك وخاف أن يسألها فتبين منه ثم أتت ببلقيس فأظهرت البشر فاغتم فلم يملك أن سألها فقالت هذا جزائي منك باشرت قتل ولدي من أجلك وذلك أن أبي يسترق السمع فسمع الملائكة تقول إن الولد إذا بلغ الحلم ذبحك ثم استرق السمع في هذه فسمعهم يعظمون شأنها ويصفون ملكها وهذا فراق بيني وبينك فلم يرها بعد هذا محصول ما رواه ابن عساكر عن يحيى الغساني قال الماوردي وهذا مستنكر للعقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين إذ الآدمي جسماني والجني روحاني وهذا من صلصال كالفخار وذاك من مارج من نار والامتزاج مع هذا التباين مدفوع والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع ورده القرطبي بوجوه اقناعية من تاريخ دمشق وفي حل نكاح الإنس للجن خلاف ففي الفتاوى السراجية للحنفية لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء لاختلاف الجنس وفي فتاوى البارزي من الشافعية لا يجوز التناكح بينهما ورجح ابن العماد جوازه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه في التفسير وابن عساكر) في ترجمتهما (عن أبي هريرة) وفيه سعيد بن بشر قال في الميزان عن ابن معين ضعيف وعن ابن مسهر لم يكن ببلدنا أحفظ منه وهو ضعيف منكر الحديث ثم ساق من مناكيره هذا الخبر وبشير بن نهيك أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم لا يحتج به ووثقه النسائي(1/186)
243 - (احذروا فراسة المؤمن) الكامل الإيمان كما أشار إليه بعض الأعيان (فإنه ينظر بنور الله) الذي شرح به صدره (وينطق) فيتكلم (بتوفيق الله) إذ النور إذا دخل القلب استنار وانفسح وأفاض على اللسان وظهرت آثاره على الأركان {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال في الكشاف ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله سبحانه وتعالى مخايل كل مختص بصناعة أو فن من العلم في منطقه وشمائله والنطق الكلام
(ابن جرير) الطبري (عن ثوبان) بضم المثلثة السري مولى المصطفى صلى الله عليه وسلم وقضية صنيعه أن هذا لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والطبراني خرجاه ولعله ظهر له أن سند ابن جرير أمتن فإن فرض أنه كذلك فكان ينبغي عزوه للكل وقد [ص:187] رواه العسكري وغيره أيضا عن ثوبان بزيادة احذروا دعوة المؤمن وفراسته(1/186)
244 - (احذروا زلة العالم) أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها كلبه الإبريسم وركوبه مراكب العجم وأخذه ما فيه شبهة من مال السلطان وغيره ودخوله عليه والتردد إليه ومساعدته إياه بترك الإنكار وتمزيقه الأعراض وتعديه باللسان في المناظرة واستخفافه بالناس وترفعه عليهم واشتغاله بالعلوم بما لا يقصد منه إلا الجاه وكتساهله في الإفتاء وفي الإجازة به وكتقصيره في بذل الجهد في الاجتهاد وإعطائه النظر حقه فيما يسأل عنه وتسارعه إلى الجواب من رأس القلم أو اللسان وإجماله في محل التفصيل والبيان فهذه ذنوب يتبع العالم فيها العالم فيموت العالم ويبقى شره مستطيرا في العالم ومن ثم قال (فإن زلته تكبكبه) بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في النار) أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق به ولهذا قال بعض الصوفية إذا زل عالم زل بزلته عالم قال الزمخشري والكبكبة تكرير الكب وجعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ومن ألقى في النار انكب مرة بعد أخرى حتى يستقر بمستقرها فلما قلب الخلق عن الهدى بزلته قلبه الله تعالى في النار جزاء وفاقا وعصيان العالم إنما هو من رين القلب وظلمة الذنب ولو كسف له غطاء قلبه ورأى ما منح عز عليه أن يدنس خلعة الله التي خلعها عليه كما عز عليه أن يدنس خلع الملوك في الدنيا فلو أن ملكا شرفه بخلعه من خز لصانها فكيف بخلعة رب العالمين على ذلك المسكين من عامة المسلمين <تنبيه> قال الغزالي كان بلعم بن باعوراء من العلماء وكان بحيث إذا نظر رأى العرش وهو المعني بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} ولم يقل آية واحدة ولم يكن له إلا زلة واحدة مال إلى الدنيا وأهلها ميلة واحدة وترك لنبي من الأنبياء حرمة واحدة فسلبه معرفته وجعله بمنزلة الكلب المطرود فقال {فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه} الآية فإن قلت كيف تدخل العالم زلته النار مع أنه مأجور على اجتهاده وإن أخطأ ولهذا قال ابن المبارك رب رجل حسن وآثاره صالحة كانت له هفوة وزلة فلا يقتدى به فيهما قلت الزلة والغلط تارة تقع عن تقصير في الاجتهاد وفاعل ذلك غير مأجور بل مأزور وتارة تقع عن اجتهاد تام لكن وقع فيه الغلط في استحلال محرم أو تحريم حلال أو ترك واجب بتأويل وهو نفس الأمر خطأ فهذا يؤجر على اجتهاده ولا يعاقب على زلته
(فر عن أبي هريرة) لم يرمز المصنف له بشيء وهو ضعيف لأن فيه محمد بن ثابت البناني قال الذهبي ضعفه غير واحد ومحمد بن عجلان أورده في الضعفاء وقال صدوق ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم سيء الحفظ عن أبيه عجلان وهو مجهول(1/187)
245 - (احذروا الدنيا) أي تيقظوا واستعملوا الحزم في التحرز من دار الغرور بالإنابة إلى دار الخلود والاقلاع عنها قبل سكن اللحود (فإنها أسحر من هاروت ماروت) لأنها تكتم فتنتها وهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر والاخلاد إليها أصل كل شر ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة وقد قال علي كرم الله وجهه الدنيا تضر وتغر وتمر وقيل لحكيم كيف ترى الدنيا قال تحل يوما في دار عطار ويوما في دار بيطار وطورا في يد أمير وزمنا في يد حقير وقال في الكشاف الحذر التيقظ والحاذر الذي يجدد حذره <فائدة> قال بعض الشافعية يستثنى من جزم الأئمة بقبول التوبة أربعة لا تقبل توبتهم إبليس وهاروت وماروت وعاقر ناقة صالح. قال بعضهم: ولعل المراد أنهم لا يتوبون انتهى واعترض بأن ما ذكره في إبليس غير صواب بل هو على ظاهره وما ذكره في هاروت وماروت غير صحيح لأن قصتهم قد دلت على أنهم يعذبون في الدنيا فقط وأنهم في الآخرة يكونون مع الملائكة بعد [ص:188] ردهم إلى صفاتهم
(ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا هب عن أبي الدرداء) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه هشام بن كمال قال الذهبي قال أبو حاتم صدوق وقد تغير وكان كلما لقن يتلقن وقال أبو داود وحدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها(1/187)
246 - (احذروا الدنيا) أي الاسترسال في شهواتها والانكباب على ملاذها واقتصروا منها على الكفاف (فإنها خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي حسنة المنظر مزينة في العيون آخذة بمجامع القلوب (حلوة) بالضم أي حلوة المذاق صعبة الفراق قال في المطامح فيه استعارة مجازية ومعجزة نبوية فخضرتها عبارة عن زهرتها وحسنها وحلاوتها كناية عن كونها محببة للنفوس مزينة للناظرين وهو إخبار عن غيب واقع فإن قلت إخباره عنها بخضرتها وحلاوتها يناقضه إخباره في عدة أخبار بقذارتها وأن الله جعل البول والغائط مثلا لها؟ قلت لا منافاة فإنها جيفة قذرة في مرأى البصائر وحلوة خضرة في مرأى الأبصار فذكر ثم أنها جيفة قذرة للتنفير وهنا كونها حلوة خضرة للتحذير فكأنه قال لا تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في الحقيقة مرارة وخضرتها يبس. فلله در كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ما أبدعه
(حم في) كتاب (الزهد عن مصعب) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح العين المهملة وبموحدة (ابن سعد مرسلا) وهو ابن أبي وقاص أبو زرارة بضم الزاي وفتح الراء الخفيفة الأولى المدني ثقة نزل الكوفة لم يرمز له المصنف بشيء(1/188)
247 - (احذروا الشهوة) هي كما قال الحراني نزوع النفس إلى محسوس محبوب لا يتمالك عنه وفي المصباح هي اشتياق النفس إلى الشيء (الخفية) قالوا يا رسول الله وما الشهوة الخفية قال (العالم يحب أن يجلس) بالبناء للمفعول أي يجلس الناس (إليه) فإن ذلك يبطل عمله لتفويته الاخلاص وتصحيح النية فليس الشأن حفظ العلم بل في صونه عما يفسده كالرياء والعجب والتعاظم بإظهار علمه وذلك سم وخيم وسهم من سهام الشيطان الرجيم أخرج العلائي في أماليه عن علي كرم الله وجهه سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم وسرهم علنهم يجلسون حلقا حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله تعالى وقال كعب الأحبار سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أو أخذ عنه أولئك الجبارون أعداء الرحمن وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى فقيل ما يبكيك قال رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كغلمان في حجور أمهاتهم إن أمروهم ائتمروا وإن نهوهم انتهوا. قال الغزالي هذا هو الانتكاس على أم الرأس وفاعله الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسا رأسه عند ربه انظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون التقرب إلى الله تعالى بالعلم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه ويقتصر عليه ويقوم معه في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه وينهض حمارا له في حاجاته مسخرا بين يديه في أوطاره ومهماته فإن قصر غضب عليه وعاداه فاخسئ بعالم يرضى لنفسه بهذه المرتبة ثم يفرح بها ثم لا يستحي أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى انتهى. فهذا حال زمن الغزالي فلو رأى زماننا هذا قال البيهقي فعلى هذا ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله تعالى لا يريد أن يزداد من الناس جاها أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده أقماء وأن لا يريد أن يكثر الآخذون عنه وإذا حضروا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره وأن لا يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده وإحياء معالم الذين وصونها عن الدروس (تتمة) قال في الحكيم: ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه
(فر عن أبي هريرة) ولم يرمز له بشيء قال [ص:189] ابن حجر وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك(1/188)
248 - (احذروا الشهرتين) تثنية شهرة وهي كما في القاموس ظهور الشيء في سمعة حتى يشتهر للناس والمراد هنا اشتهار الإنسان بلبس (الصوف) بضم أوله (والخز) بفتح المعجمة الحرير أو نوع منه أي احذروا لبس ما يؤدي إلى الشهرة في الطرفين أي طرفي التخشن وهو الصوف والتحسن وهو الحرير فإنه مذموم مكروه والمراد ما فيه حرير أما الحرير المحض أو ما أكثره حرير فحرام على الرجل وهو أمر بالتباعد عن طلب الشهرة في اللباس وقد أمر الشارع بالتوسط بين التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من الصوفية لبس الصوف دائما ومنع نفسه من غيره وألزمها زيا واحدا وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكرا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يلبس ما وجد فلبس الكتان والصوف والقطن وما الهدي إلا هديه وما الأفضل إلا ما سنه وهو لبس ما تيسر من الوسط المعتدل صوفا تارة وقطنا طورا وكتانا أخرى ولبس البرود اليمانية والأحمر والجبة المكفوفة بالديباج والقباء والقميص والإزار والرداء والشعر الأسود وأرخى العذبة تارة وتركها أخرى وتقنع تارة وتركه أخرى ولبس عمامة بيضاء تارة وسوداء أخرى وتحنك مرة وتركه إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وبهذا علم أنه لا تعارض بين هذا الخبر وبين الخبر الآتي عليكم بلباس الصوف إلى آخره لأن ما هنا في ملازمة زي واحد وذاك في لبس الصوف أحيانا أو يقال التحذير عن لبسه للشهرة والإذن في لبسه بقصد إذلال النفس وقهرها
(أبو عبد الرحمن) محمد بن الحسين (السلمي) الصوفي (في) كتاب (سنن الصوفية) نقل الذهبي وغيره عن الخطيب عن القطان أنه كان يضع للصوفية وفي اللسان كأصله أنه ليس بعمدة ونسبه البيهقي للوهم (فر) من حديث السلمي هذا (عن عائشة) رضي الله عنها قال في الأصل وضعفه وفيه أحمد بن الحسين الصفار كذبوه(1/189)
249 - (احذروا صفر) بضم فسكون (الوجوه) أي الأناسي المصفرة وجوههم أي احذروا مخالطتهم واجتنبوا عشرتهم (فإنه) أي ما بهم من الصفرة (إن لم يكن) ناشئا (من علة) أي مرض قال في المصباح: العلة المرض الشاغل (أو سهر فإنه) يكون (من غل) بكسر المعجمة غش وحقد (في قلوبهم) زاده إيضاحا إذ الغل ليس إلا في القلب (للمسلمين) لأن ما أخفت الصدور يظهر على صفحات الوجوه وذلك مدرك بنور الفراسة الإيمانية ويظهر أن المراد به قوم مخصوصون من أهل زمنه من أهل النفاق أو اليهود لا مطلقا لقولهم إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس وغيرها <فائدة> قال العارف الخواص أرباب الأحوال يعرفون الصالحين بصفرة الوجوه مع سواد البشرة وسعة العيون وخفض الأصوات وأما الكمل فلا يعرفهم إلا من عرف الله وفي إشعاره تحذير من إضمار السوء للمسلمين خوف الفضيحة والعذاب في العقبى
(فر عن ابن عباس) وفيه زيد بن حبان ذكر في اللسان عن ابن حبان أنه يخالف في حديثه وأخرجه أيضا أبو نعيم في الطب بسند واه عن أنس وبه يعرف أن قول ابن حجر لم أقف له على سند إن أراد ثابت جيد فمسلم وإلا فقد علمت وروده(1/189)
250 - (احذروا البغي) أي احترسوا من فعله (فإنه) أي الشأن (ليس من عقوبة هي أحضر) أي أسرع وقوعا (من عقوبة [ص:190] البغي) فإنه يعجل جزاؤه في الدنيا سريعا قال الحراني: والبغي السعي بالقول والفعل في إزالة نعم الله تعالى عن خلقه بما اشتملت عليه ضمائر الباغي من الحسد
(عد وابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه(1/189)
251 - (احرثوا) بضم الهمزة والراء ازرعوا من حرث الأرض أثارها للزراعة (فإن الحرث) أي تهيئة الأرض للزراعة وإلقاء البذر فيها (مبارك) أي كثير الخير نافع للخلق فإن كل عافية تأكل منه وصاحبه مأجور على ذلك مبارك له فيما يصير إليه (وأكثروا فيه) أي في الزرع إذا نبت (من الجماجم) بجيمتين جمع جمجمة البذر أو العظام التي تعلق عليه لدفع الطير أو العين ويدل للثاني ما في خبر منقطع عند البيهقي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين وفيه ندب الاحتراف بالزرع ولا يعارضه الخبر الآتي إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر إلى آخره لأن في زرع معه ترك الجهاد والاشتغال عن وظائف الطاعات وما هنا فيما ليس كذلك وفي السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يزرع أرض بني النضير لما صارت إليه ومن كلامهم الفلاحة بالفلاح مصحوبة والبركة على أهلها مصبوبة
(د في مراسيله عن علي بن الحسين) زين العابدين قال الزهري ما رأيت قريشا أفضل منه (مرسلا) قال: إن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قال: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا واحرثوا فإن الحرث إلى آخره(1/190)
252 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن القارئ (الذي إذا قرأ رأيت) أي علمت (أنه يخشى الله) أي يخافه لأن القراءة حالة تقتضي مطالعة جلال الله وعرفان صفاته ولذلك الحال آثار تنشأ عنها الخشية من وعيد الله وزواجر تذكيره وقوارع تخويفه فمن تلبس بهذا الحال وظهرت عليه هيبة الجلال فهو أحسن الناس قراءة لما دل عليه حاله من عدم غفلة قلبه عن تدبر مواعظ ربه وخشية الله سبب لولوج نور اليقين في القلب والتلذذ بكلام الرب ولم يكن كذلك فالقرآن لا تجاوز حنجرته <تنبيه> قال بعض الكاملين كان طفل يقرأ على بعض الصالحين القرآن فرآه مصفر اللون فسأل عنه فقالوا يقوم الليل بالقرآن كله فقال له في هذه الليلة أحضرني في قبلتك واقرأ علي القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فلما أصبح قال له ختمت القرآن كالعادة قال لم أقدر على أكثر من نصفه فقال في هذه الليلة اجعل من شئت من الصحب الذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه ففعل فلم يمكنه إلا قراءة نحو ربعه فقال اقرأ الليلة على من أنزل عليه ففعل فلم يقدر على أكثر من جزء فقال له الليلة استحضر أنك تقرؤه على جبريل الذي نزل به واعرف قدر من تقرأ عليه ففعل فلم يقدر إلا على سورة فقال الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه واقف بين يديه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأ فليس المراد جمع الحروف بل تدبر المعاني ففعل فأصبح مريضا فعاده أستاذه فلما أبصره الشاب بكى وقال جزاك الله عني خيرا ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما استحضرت الحق وأنا بين يديه أتلو عليه كلامه فوصلت إلى إياك نعبد لم أر نفسي تصدق في قولها فاستحييت أن أقول إياك نعبد وهو يعلم كذبي وصرت أردد في القراءة كلامه إلى مالك يوم الدين حتى طلع الفجر وقد احترق كبدي وما أنا إلا راحل له على حالة لا أرضاها من نفسي فمات فدفن فأتاه أستاذه فناداه فأجابه من القبر يا أستاذ أنا حي قدمت على حي فلم يحاسبني في شيء فقام مريضا فلحق به
(محمد بن نصر في) كتاب (الصلاة هب خط عن ابن عباس) وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال الذهبي: ضعفوه (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان على غير قياس (في) كتاب (الابانة) في أصول الديانة (خط) في ترجمة محمد بن وزير الرشيد (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه حميد بن حماد قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير (فر عن عائشة) رضي [ص:191] الله تعالى عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحسن صوتا بالقرآن فذكره وفيه يحيى بن عثمان ابن صالح قال ابن أبي حاتم تكلموا فيه وابن لهيعة فيه لين لكن بتعدد طرقه يتقوى فيصير حسنا وظاهر صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الستة وإلا لما عدل إلى قول مغلطاي وغيره ليس لمحدث أن يعزو حديثا لغير أصحاب الكتب الستة وهو فيها إلا أن تكون فيه زيادة أو شبهها ما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز إلا عند من لم يكن محدثا وقد خرجه ابن ماجه عن جابر بلفظ " أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى قال الحافظ العراقي وسنده ضعيف وقد رواه البزار بسند كما قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح فحذفه الصحيح واقتصاره على المعلول من التقصير(1/190)
253 - (أحسن الناس قراءة) للقرآن (من قرأ القرآن يتحزن به) أي يرقق به صوته لما أهمه من شأن القرآن وهذا هو المراد بخبر الطبراني أحسنوا الأصوات بالقرآن لا ما يفعله القراء من رعاية الألحان المخرجة للحروف عن مواضعها فالقصد بالتحزن به التخشع عند قراءته لينشأ عن ذلك الخشية
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف وقال ابن حجر فيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه(1/191)
254 - (أحسنوا) بفتح فسكون فكسر (إذا وليتم) بفتح أوله مخففا ويجوز ضمه مثقلا أي إذا وليتم ولاية يعني إمارة ونحوها فأحسنوا إلى الرعية ومن وليتم عليهم قولا وفعلا وفي نسخة فيما وليتم ومن الإحسان إليهم إحسان القتلة وإقامة الحدود والتعازير والتأديب (واعفوا عما ملكتم) من الأرقاء بأن تتجاوزوا عن المسيء إن كان للتجاوز أهلا {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} والإحسان في كل شيء بحسبه ورب نفس كريمة تخضع وترجع بالعفو ونفس لئيمة لو سومحت لفسدت وأفسدت {والله يعلم المفسد من المصلح} وهذا في غير الحدود وحق الخلق أما الحد فيقام لئلا يعصي الله في أمره ونهيه لكن يجب على السيد أن يعاقبه لله لا لنفسه ولا شفاء لغيظه ولا يجاوز الكمية ولا يتعدى في الكيفية وإلا فالقصاص قائم يوم القيامة والتأديب المحمود ما هو لله والمذموم ما للنفس والناس في هذا طبقات فمن كان قلبه لله أمكنه أن يؤدبه في أمر الدنيا والآخرة لله ومن لم يكن كذلك بل غلبه هواه فلا يضرب إلا في أمر الدين فقط بحسبه ليكون لله أما في أمر الدنيا من نفع أو ضر فلا لأنه إنما يغضب لنفسه
(الخرائطبي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي سعيد) الخدري وكذا رواه الديلمي وغيره وفيه ضعف(1/191)
255 - (أحسنوا) في رواية أحسني خطابا لعائشة ولعل الخطاب تعدد (جوار) بالكسر أفصح كذا في الصحاح وفي القاموس الضم أفصح ونحوه في المصباح والمراد الجوار المعنوي (نعم الله) جمع نعمة بمعنى إنعام وهي كل ملائم تحمد عاقبته ثم فسر المراد بحسن الجوار بقوله (لا تنفروها) أي لا تبعدوها عنكم بفعل المعاصي فإنها تزيل النعم ولا تطردوها بترك الشكر (فقلما) ما في قلما لتأكيد معنى القلة كما ذكره في الكشاف في {قليلا ما تشكرون} وإنما أكد القلة بها لابهامها كما تؤكد الكثرة بها لأن المبهم يتناول الكثير والقليل أي في قليل من الأحيان وقال بعضهم ما من قلما يحتمل كونها كافة للفعل عن العمل وكونها مع الفعل لعدها في تأويل المصدرية (زالت عن قوم فعادت إليهم) لأن حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها وتعظيمها من شكرها والرمي بها من الاستخفاف بها وذلك من الكفران والكفور ممقوت [ص:192] مسلوب ولهذا قالوا الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة وقالوا كفران النعم بوار وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم هاربها بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا. وقال الغزالي: فحافظ على إحسان الجوار عسى أن يتم نعمته عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فإن أمر الأمور وأصعبها الإهانة بعد الإكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال. وقال بعضهم إن حقا على من لعب بنعم الله سبحانه وتعالى أن يسلبه إياها. قيل: أنجت امرأة صبيا بكسرة فوضعتها في جحر فابتلى أهل ذلك البلد بالقحط فاضطرت المرأة لشدة الجوع حتى طلبتها فأكلتها. فارتباط النعم بشكرها وزوالها في كفرها فمن عظمها فقد شكرها ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت فالعاقل من حصن نعمته عن الزوال بكثرة العطايا والإفضال وجرى على شاكلة أكابر جنسه من أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين وخواص عباده الذين دأبهم أن يتلقوا نعمة الله القادمة بحسن الشكر كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر بحمد الله <تنبيه> قال ابن الحاج كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق قال فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة مما يؤكل أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه لكن لا يقبله ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة فإنه بدعة قال: وهذا الباب مجرب فمن عظم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا مخرجا
(ع عد) وكذا البيهقي كلهم من حديث عثمان بن مطر عن ثابت (عن أنس) ثم قال البيهقي عثمان ضعيف وقال الذهبي ضعفوه كلهم وقال الهيتمي عقب نسبته لأبي يعلى فيه عثمان بن مطر ضعيف (هب) من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن عروة (عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها ومسحها وأكلها ثم ذكره وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه ولا كذلك بل عقبه ببيان علته فقال الموقري ضعيف قال ورواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام عن أبيه عن عائشة وهو أيضا ضعيف(1/191)
256 - (أحسنوا إقامة الصفوف) جمع صف (في الصلاة) أي أتموها وسدوا الخلل فيها وسووها مع اعتدال القائمين على سمت واحد والأمر للندب ويسن إذا كبر المسجد أن يأمر الإمام رجلا بتسوية الصفوف ويطوف عليهم أو ينادي فيهم ويسن لكل من حضر أن يأمر بذلك من يرى منه خللا في تسوية الصف فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى قال في المجموع والمراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منع على من هو بجنبه
(حم حب عن أبي هريرة) قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح(1/192)
257 - (أحسنوا) ندبا (لباسكم) بالكسر أي ما تلبسونه من نحو إزار ورداء أو قميص وعمامة أي نظفوه واجتنبوا البالغ في الخشونة (وأصلحوا رحالكم) أي أثاثكم أو سروجكم التي تركبون عليها أو الكل (حتى تكونوا كأنكم شامة) بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن يسمى خالا وأثرا والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى تظهروا (في الناس) فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار فيزدريكم أهل الجهل والضلال فيندب تنظيف نحو الثوب والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب وعلى خلافه يحمل ما ورد مما ظاهره مخالف ذلك كخبر اخشوشنوا [ص:193] وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجنب كل ما يزدري ويحتقر لأجله الإنسان لاسيما ولاة الأمور والعلماء
(ك عن سهل ابن الحنظلية) المتعبد الزاهد المتوحد وهو سهل بن الربيع الأنصاري والحنظلية أمه سكن دمشق وبها مات أول خلافة معاوية وهذا روى عن ابن الحنظلية المذكور بزيادة في أوله بلفظ إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا إلى آخره كما يأتي فلعله سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم مرتين كذلك أو حدث به هو مرة مختصرا وأخرى مطولا(1/192)
258 - (أحسنوا الأصوات) لفظ رواية الطبراني على ما وقفت عليه في أصول صحيحة أصواتكم جمع صوت وهو هواء منضغط بين قارع ومقروع (بالقرآن) أي بقراءته بترقيق صوت وترتيل وتدبر وتأمل لأحكامه وقصصه ومواعظه وبذلك تنبعث الخشية ويستنير القلب قال الشافعية تسن القراءة بتحسين الصوت وطلبها من حسنه والإصغاء إليها وقراءته حدرا وتحزينا والحدر رفع الصوت تارة وخفضه أخرى والتحزين تليين الصوت ولا بأس بالإدارة واجتماع جماعة في القراءة وترديد آياته للتدبر
(طب عن ابن عباس) لم يرمز له المؤلف بشيء ووهم من زعم أنه رمز لضعفه قال الحافظ الهيتمي رواه بإسنادين وفي أحدهما عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه البخاري وبقية رجاله رجال الصحيح(1/193)
259 - (أحسنوا إلى محسن الأنصار) بالقول والفعل قال ابن الكمال: والإحسان فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير (واعفوا عن مسيئهم) ما فرط منه من زلة وحذف المفعول للتعميم وذلك لما لهم من المآثر الحميدة من نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه وبإيثارهم من الأموال والأنفس وهذا وإن كان عاما في التجاوز فما هو إلا على منهاج التكرمة وزيادة المبالغة في العفو وإلا فلا مزية لهم إلا فيما كان من إساءة لا تتعلق بحد حر ولا بحد عبد فهو من قبيل خبر " أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم " وهذا من جوامع الكلم لأن الحال منحصر في الضر والنفع وفي الشخص المحسن والمسيء وفيه من أنواع البديع الطباق
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي (وعبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (معا) قال العباس بن سهل دخل سهل على الحجاج وهو متكئ فقال له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا إلى آخره قال من يشهد لك قال هذان عند كتفيك عبد الله بن جعفر وإبراهيم بن محمد بن حاطب فقالا نعم رواه كله الطبراني قال الهيتمي وفيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته نعم رواه الطبراني بمعناه في ضمن حديث خطب به ولفظه أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار يقلون ويكثر الناس فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع به أحدا فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم(1/193)
260 - (أحصوا) بضم الهمزة (قوله أحصوا بضم الهمزة: هو خطأ والصواب بفتح الهمزة لأنه من الاحصاء. أه) عدوا واضبطوا والاحصاء أبلغ من العد في الضبط لما فيه من إعمال الجهد في العد (هلال شعبان لرمضان) أي لأجل صيامه والهلال ما يرفع الصوت عند رؤيته فغلب على الشهر الذي هو الهلال ذكره الحراني وفي القاموس الهلال غرة القمر أو لليلتين أو لسبع والمراد أحصوا هلاله حتى تكملوا العدة إن غم عليكم أو تراؤوا هلال شعبان وأحصوه ليترتب عليه رمضان بالاستكمال أو الرؤية فإن قيل حديث العدد لا يقع فيه اضطراب فالأخذ به أولى ورد بالمنع وإن سلم فحديث الرؤية مثله بل أولى وقد قال أحصوا إلى آخره لأن فيه إظهار الشعار دونه
(ت) في الصوم من طريق مسلم صاحب الصحيح (ك) في الصوم وصححه (عن أبي هريرة) ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن عمرو فإنه لم يخرجه الشيخان(1/193)
[ص:194] 261 - (احضروا) بضم الهمزة (الجمعة) أي خطبتها وصلاتها وجوبا على من هو أهلها ندبا لغيره في رواية بدل الجمعة الذكر (وادنوا) ندبا (من الإمام) أي اقتربوا منه بأن تكونوا في الصف الأول بحيث تسمعون الخطبة (فإن الرجل لا يزال يتباعد) عن الإمام أو عن استماع الخطبة أو عن مقام المقربين أو عن مقاعد الأبرار (حتى يؤخر) بضم أوله وفتح ثانيه أي عن الدرجات العالية (في الجنة) قال الحراني: والتأخر إبعاد الفعل من الاين الكائن وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفسافها والله يحب تلك ويكره هذه كما يأتي في خبر وفي قوله (وإن دخلها) بغير سبق تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن تلك الدرجات والمقامات الرفيعة بمجرد الدخول ولله در القائل في المعنى
حاول جسيمات الأمور ولا تقل. . . إن المحامد والعلى أرزاق
وارغب لنفسك أن تكون مقصرا. . . عن غاية فيها الطلاب سباق
وإذا كان هذا حال المتأخر فكيف بالتارك
(حم د) في الصلاة (ك) في الجمعة (هق عن سمرة) بن جندب ولفظ أحمد وأبي داود والحاكم عن سمرة احضروا الذكر وادنوا من الإمام إلى آخر ما ذكر ورواه أحمد أيضا والبيهقي بلفظ احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليتخلف عن الجمعة حتى إنه ليتخلف عن الجنة وإنه لمن أهلها وسياق المؤلف يخالف الطريقين ثم الحديث قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وسكت عليه أبو داود لكن تعقبه المنذري بأن فيه انقطاعا وقال الذهبي في تعقبه على البيهقي فيه الحكم بن عبد الملك قال ابن معين ليس بشيء(1/194)
262 - (احفظ) بكسر الهمزة (لسانك) صنه عن النطق بما لا يعنيك فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فهو في النار وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم وخص اللسان لأن الأعضاء كلها تابعة له فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت ولكثرة الكلام مفاسد يتعذر إحصاؤها أو المراد لا تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس فإنك غير مؤاخذ به ما لم تتلفظ أو تصمم أو لا تتفوه بما ستره الله عليك فإن التوبة منه أرجى قبولا والعفو عنه أقرب وقوعا ذكره القاضي وهذا ما لم يتعلق بالكلام مصلحة كإبلاغ عن الله ورسوله وتعليم علم شرعي وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإصلاح بين الناس ونحو ذلك من كل أمر ديني أو دنيوي يترتب على السكوت عنه فوت مصلحة وقد تطابقت الملل وتضافرت النحل على مدح حفظ اللسان في غير ذلك لإيراثه جميل المعاشرة ومليح المعاملة وقد قال عيسى عليه الصلاة والسلام للخنزير اذهب بسلام فقيل له فيه فقال: كرهت أن أعود لساني منطق السوء قال الحراني: والحفظ الرعاية لما هو متداع في نفسه فيكون تماسكه بالرعاية له عما يوهنه أو يبطله وقال الراغب: هو المحافظة على مراعاة الشيء وقلة الغفلة عنه ويقال إثبات صورة الشيء في القلب حفظ وللقوة الحافظة حفظ قال الزمخشري: واللسان جارحة الكلام وقد يكنى به عن الكلام ومنه قولهم إن لم تحفظ لسانك ملكت الشيطان فضل عنانك
(ابن عساكر) في تاريخه (عن مالك بن يخامر) بضم المثناة تحت وفتح المعجمة وكسر الميم وبالراء ويقال أخامر بقلب التحتية همزة وأخيمر مصغر خمر وهو السكسكي الالهاني الحمصي قيل مخضرم وقيل له صحبة ولم يثبت والحديث جيد الإسناد ولكنه مرسل على الأصح(1/194)
263 - (احفظ) أيها الإنسان (ما بين لحييك) بفتح اللام على الأشهر وهما العظمان اللذان عليهما الأسنان السفلى بأن [ص:195] لا تنطق إلا بخير ولا تأكل إلا من حلال (وما بين رجليك) بأن تصون فرجك عن الفواحش وتستر عورتك عن العيون فإنك إن فعلت ذلك ضمن لك المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخول الجنة كما ذكره في خبر يأتي وإنما نص على الأمر بذلك ولم يكتف بدخوله في العموميات التي لا تحصى لأن كف داعية اللسان والفرج من أهم الأمور ومن ثم عد من أعظم أنواع الصبر وفضله لشدة الداعي فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كنميمة وغيبة وكذب ومراء وثناء وحكاية كلام الناس وأحوالهم والطعن في عدو ومدح صديق ونحو ذلك ومقاساة كف الفرج أشد من ذلك ومن غيره إذ هو أعظم فخوخ الشيطان لأتقياء الرحمن فما بالك بآحاد الشبان
(ع وابن قانع) عبد الباقي في معجمه (وابن منده) محمد بن إسحاق العبدي الأصبهاني الحافظ الجوال (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ضعضعة) بفتح المهملتين وسكون المهملة بينهما وفتح المهملة الثانية ابن ناجية بن عقال التميمي (المجاشعي) بضم الميم وفتح الجيم مخففة وشين معجمة نسبة إلى مجاشع بن دارم قبيلة معروفة وهو جد الفرزدق لا عمه على الصحيح كما في أسد الغابة لكن في التقريب أنه عمه وهو عم الأقرع بن حابس كان يفتدي الموؤدة في الجاهلية وهو من أشراف مجاشع له وفادة وحديث(1/194)
264 - (احفظ عورتك) صنها عن العيون لأنها خلقت من آدم مستورة وقد كانت مستورة عن آدم وحواء ودخلا الجنة ولم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت فأمرا بسترها أخرج الحكيم الترمذي خبر إن أول ما خلق الله من آدم فرجه ثم قال هذه أمانة قد خبأتها عندك (إلا من زوجتك) بالتاء لغة وبدونها جاء القرآن (أو ما) أي والا الأمة التي (ملكت يمينك) وحل لك وطؤها وعبر باليمين للغالب إذ كانوا يتصافحون بها عند العقود والخطاب وإن كان لمفرد لكن المراد العموم لمن حضر وغاب من جميع الأمة بقرينة عموم السؤال والمرأة تحفظ عورتها حتى مما ملكت يمينها إلا من زوجها قال الطيبي: وعدل عن استر إلى احفظ ليدل السباق على الأمر بسترها استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه أي من الله ومن خلقه يشير به معنى قوله تعالى {الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة وهي إلى الزنا وفيه أن للزوج نظر فرج زوجته وحلقة \ دبرها وأخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين حليلته من الاستمتاع به ورد بأن معنى قوله إلا من إلى آخره أي فهو أولى أن لا تحفظ عورتك منها وذاك لأن الحق في التمتع له لا لها فيلزمها تمكينه ولا عكس (قيل) يعني قال معاوية الصحابي يا رسول الله (إذا كان القوم) أي الجماعة (بعضهم في) وفي نسخ من والأول هو ما في خط المؤلف (بعض) كأب وجد وابن وابنة أو المراد المثل لمثله كرجل لرجل وأنثى لأنثى وعليه فالقوم اسم كان وبعضهم بدل منه ومن بعض خبرها (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن استطعت أن لا يرينها أحدا) بنون التوكيد شديدة أو خفيفة فلا يريها أحد اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها (قيل) أي قلت يا رسول الله (إذا كان أحدنا خاليا) أي في خلوة فما حكم ستر عورته حينئذ (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أحق) أي أوجب (أن يستحيا) بالبناء للمجهول (منه من الناس) عن كشف العورة وهو تعالى وإن كان لا يحجبه شيء ويرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي الستر قال العلائي وغيره وهذا إشارة إلى مقام المراقبة فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحيي من ربه المطلع عليه في [ص:196] كل حال وكل وقت أولى والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء قيل إن إبراهيم بن أدهم صلى قاعدا ثم مد رجله فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك فما مدها بعد أبدا وقال الحكيم من تعرى خاليا ولم يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بأن الله يرى علم اليقين ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه يقنع رأسه عند دخوله الخلاء حياء من الله تعالى وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه قال الماوردي ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لم تر عورته قط ولو رآها أحد عمي وعدوا من خصائص هذه الأمة حرمة كشف العورة وكما يؤمر بحفظ عورته يؤمر بحفظ عورة غيره بترك النظر إليها قال ابن جرير إلا لعذر كحد يقام عليه وعقوبة تدرأ وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة لكن المفتى به عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض كتبريد وخوف غبار على نحو ثوب فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة لا وجوبه وممن وافقهم ابن جرير فأول الخبر في الآثار على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة
(حم ع ك هق عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة القشيري الصحابي المشهور قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فذكره قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي ورواه البخاري معلقا قال ابن حجر وإسناده إلى بهز صحيح ولهذا جزم البخاري بتعليقه وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه وقال الكمال ابن أبي شريف بهز وثقه أحمد وآخرون وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا وأبوه حكيم قال النسائي لا بأس به(1/195)
265 - (احفظ ود أبيك) بضم الواو أي محبته وبكسرها أي صديقه وعلى الأول فيه كما في النهاية حذف تقديره احفظ من كان ودا لأبيك أي صديقا له وعلى الكسر لا تقدير فإن الود بالكسر الصديق (لا تقطعه) بنحو صد وهجر (فيطفئ الله نورك) بالنصب جواب النهي أن يخمد ضياءك ويذهب بهاءك ويمسكه وما يمسك الله فلا مرسل له والمراد احفظ محب أبيك أو صديق أبيك بالإحسان والمحبة سيما بعد موته ولا تهجره فيذهب الله نور إيمانك وهذا وعيد مهول وتقريع يذهب عقول الفحول عن قطع ود الأصول حيث آذن عليه بذهاب نور الإيمان وسخط الرحمن وما يذكر إلا أولوا الألباب ولم يقل ضوءك بدل نورك لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قيل يطفئ الله ضوءك لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض الأبلغية والتوعد بانطماس النور بالكلية قال الحافظ العراقي وهل المراد به نوره في الدنيا أو نوره في الآخرة كل محتمل وقد ورد في التنزيل ما يدل على كل منهما أما في الدنيا ففي قوله {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} وقوله في حديث الحاكم إن النور إذا دخل الصدر انفسح قيل يا رسول الله هل لذلك من علم قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود واستعداد للموت قبل نزوله وأما في الآخرة ففي نحو {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم} قال ويؤيد أن المراد النور الأخروي إذ ترك الود لمن كان من أهل ود أبيه نوع من النفاق فإنه كان يجامل أباه فلما توفي أبوه ترك ذلك وترك النور في الآخرة جزاء من فيه نفاق كما قال تعالى {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} وقد أخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن سلام والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق نبيا إنه لفي كتاب الله تعالى لا تقطع من كان يصل أباك فيطفئ الله نورك وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قال في كتاب الله الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام احفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك وكالأب الجد أبو الأب والأم ويظهر أن يلحق به جميع الأصول من الجهتين ومن البين أن الكلام في أب محترم يحرم عقوقه ويطلب بره
(خد طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال زين الحفاظ العراقي إسناده جيد والهيتمي إسناده حسن وسبب تحديث ابن عمر أنه مر في سفره على أعرابي فقال له ألست ابن فلان فقال نعم فأعطاه حمارا كان يستعقبه ونزع عمامته فأعطاه إياها فقال من معه أما يكفيه درهمان فقال كان أبوه صديقا لعمر وقد قال المصطفى فذكره أه(1/196)
[ص:197] 266 - (احفظوني في العباس) أي احفظوا حرمتي وحقي عليكم في احترامه وإكرامه وكف الأذى عنه (فإنه) أي الشأن أن له تمييزا على غيره من الصحابة فإجلاله ينبغي أن يكون فوق إجلالهم إذ هو (عمي وصنو أبي) بكسر أوله المهمل أي مثله يعني أصلهما واحد فهو مثل أبي فهذا كالعلة في كون حكمهما منه في الإيذاء سواء وأن تعظيمه وإجلاله كتعظيمه وإجلاله لو كان موجودا ولا حجة فيه لمن استدل به على إيمان والدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما لا يخفى وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون العباس ذلك ويبالغون في تعظيمه ويشاورونه ويأخذون برأيه بل واستسقى به عمر غير مرة ولم يمر قط بعمر وعثمان راكبين إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له كما أخرجه ابن عبد البر وغيره وقال يوما يا رسول الله إني أتيت قوما يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا أنهم استنقلوني فقال أو قد فعلوها والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم لمحبتي رواه الطبراني بإسناد صحيح
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين وأخرجه عنه الطبراني في الأوسط والصغير بلفظ احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي قال التفتازاني يعني الذي بقي من جملة آبائي قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم(1/197)
267 - (احفظوني في أصحابي) أي راعوا حرمتي وارقبوني فيهم واقدروهم حق قدرهم وكفوا ألسنتكم عن غمطهم أو الوقيعة فيهم بلوم أو تعنيف لبذلهم نفوسهم وإطراحها بين يدي الله تعالى في الحروب وقتالهم القريب والبعيد في ذات الله وبذلهم أموالهم وخروجهم من ديارهم وصبرهم على البلاء والجهد الذي لا يطيقه غيرهم وليس ذلك إلا عن أمر عظيم ملك البواطن وصرفها على حكم محبة الله ومحبة رسوله فاستوجبوا بذلك الرعاية وكمال العناية والإضافة للتشريف (وأصهاري) جمع صهر وهو ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج. قال الزمخشري: فلان صهر فلان لمن يتزوج بنته وقد يقال لأهل بيت الزوجين معا أصهار انتهى وقال ابن السكيت: من كان من قبل الزوج أحماء ومن قبل المرأة أختان ويجمع الصنفين الأصهار والمتعارف من أصهاره آباء زوجاته كالعمرين وأزواج بناته كعلي وعثمان وأقارب زوجاته (فمن حفظني فيهم) أي راعاني فيهم بإكرامهم وحسن الأدب معهم (حفظه الله) دعاء أو خبر (في الدنيا والآخرة) أي منعه من كل ضر وضير فيهما. قال الراغب: يعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى وربما ترك ذكر الدار كما هنا وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو {وللدار الآخرة خير للذين يتقون} تقديره دار الحياة الآخرة (ومن لم يحفظني فيهم) بما ذكر (تخلى الله) أي أعرض (عنه) وتركه في غيه يتردد وهذا أيضا يحتمل الدعاء والخبر وأيما كان فيا لها من شقاوة كيف (ومن تخلى الله عنه أوشك) أي أسرع وفي نسخ يوشك وهو تحريف من النساخ فإن الأول هو كما في مسودة المؤلف بخطه (أن يأخذه) أخذ عزيز مقتدر وهذا وعيد شديد لمن لم يحفظه فيهم وتحذير بليغ من تعجيل العقوبة له وأن ذلك من أفظع الكبائر وأشنع الجرائم قال الحافظ الزرندي لم يكن من العلماء المجتهدين والأئمة المهتدين إلا وله في ولاية أهل البيت الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أخبر الله بقوله {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
(طب وأبو نعيم في) كتاب (المعرفة) أي معرفة الصحابة (وابن عساكر) في تاريخه وكذا الديلمي (عن عياض) بكسر أوله ومثناة تحت مخففة فمعجمة (الأنصاري) له صحبة قال الهيتمي وفيه ضعفاء وقد وثقوا وقال شيخه العراقي سنده ضعيف(1/197)
[ص:198] 268 - (احفوا) قال النووي بقطع الهمزة ووصلها من أحفاه وحفاه استأصله (الشوارب) أي اجعلوها حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله ومنه {وترى الملائكة حافين من حول العرش} كذا ذكره الغزالي واقتصر عليه وقال القاضي من الإحفاء وأصله الاستقصاء في أخذ الشارب وفي معناه أنهكوا الشوارب في الرواية الأخرى والإنهاك المبالغة في الشيء والمراد بالغوا في قص ما طال منها حتى تتبين الشفة بيانا ظاهرا ندبا وقيل وجوبا أما حلقه بالكلية فمكروه على الأصح عند الشافعية وصرح مالك بأنه بدعة وقال يوجع فاعله ضربا وأخذ الحنفية والحنابلة بظاهر الخبر فسنوا حلقه ونقل بعضهم عن الشافعي ندب حلقه باطل (وأعفوا) بفتح الهمزة (اللحى) بالضم والكسر أي اتركوها بحالها لتكثر وتغزر لأن في ذلك جمالا للوجه وزينة للرجل ومخالفة لزي المجوس والإعفاء التكثير <تنبيه> أخذ من هذه الأحاديث ونحوها أنه يندب مداواة الذقن بما ينبت الشعر أو يطوله فإن الإعفاء هو التكثير كما تقرر وهو غير مأمور به لأنه غير مقدور للرجل إنما المأمور به سبب التكثير وهو إما الترك أو المعالجة بما ينبت الشعر فهو من إقامة المسبب وهو التكثير مكان السبب وهو الترك أو المعالجة في الأمر به ورد بأن الإعفاء بمعنى الترك فلا يكون من ذلك بل يدل على عكسه فإنه إذا أمر بتركها فعالجها لتطول ما فعل ذلك المأمور به وبفرض جعل الإعفاء بمعنى التكثير فالصارف عن القول به أدلة أخرى ذكرها ابن دقيق العيد ولم ينقل عن أحد من السلف أنه كان يعالج لحيته لذلك ولم يذهب أحد إلى دخول المعالجة تحت الإعفاء انتهى ثم محل الإعفاء في غير ما طال من أطرافها حتى تشعث وخرج عن السمت أما هو فلا يكره قصه بدليل ما يجيء أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يأخذ من عرضها وطولها فافهم واللحية الشعر النابت على الذقن ومثلها العارض وأطلقه ابن سيده على ذلك وشعر الخدين ونقل النووي عن الإمام الغزالي كراهة الأخذ من العنفقة وأقره
(م ت ن عن ابن عمر) ابن الخطاب (عد عن أبي هريرة)(1/198)
269 - (أحفوا الشوارب) بألف القطع رباعي أشهر وأكثر وهو المبالغة في استقصائه ومنه أحفى في المسألة إذا أكثر كذا في التنقيح وتحصيل سنية قص الشارب بفعل الرجل بنفسه وبفعل غيره له لحصول المقصود من غير هتك ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة ذكره النووي لكنه بنفسه أولى كما ذكره ابن دقيق العبد ويندب الابتداء بقص الجهة اليمنى لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن لكن يحصل أصل السنة بالعكس كما قاله العراقي ويستثنى من طلب إزالة الشارب حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية والميت على المختار قيل والغازي بدار الحرب لإرهاب العدو والحديث يتناول السبالين وهما طرفاه لدخولهما في مسماه وفي حديث أحمد التصريح بهما لكن في الإحياء لا بأس بتركهما (وأعفوا اللحى) وفروها فلا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها كذا في التنقيح ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة بقوله (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) في زيهم الذي هو عكس ذلك وفي خبر ابن حبان بدل اليهود المجوس وفي آخر المشركين وفي آخر آل كسرى قال الحافظ العراقي والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية واختلف السلف فيما طال منها فقيل لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا كما مر والكلام في غير لحية المرأة والخنثى أما هي فيندب إزالتها وكذا الشارب والعنفقة لهما قال الحافظ العراقي وفي قص الشارب أمر ديني وهو مخالفة دين المجوس ودنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف مما يعلق به من الدهن وكلما يلصق بالمحل كعسل وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين [ص:199] أيضا لأنه يؤدي إلى قبول قول صاحبه وامتثال أمره من ولاة الأمور ونحوهم
(الطحاوي عن أنس) رمز المؤلف لضعفه ووهم من زعم أنه رمز لصحته(1/198)
270 - (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وانتفوا الشعر الذي في الآناف) بمد الهمزة ونون وألف وفاء جمع أنف ولفظ رواية البيهقي في الشعب الأنوف بدل الآناف والأمر للندب ويظهر أن المراد إزالته بنتف أو قص فإن قلت ينافيه قول الحديث الآتي نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام قلت: كلا لأن دلالة ذلك إنما هي على أن صحة منبت باطن الأنف لا يجامعها الجذام فإنه يسقط شعره وحدوثه فيه يدل على عدم فساد المنبت فما دام فيه فالمنبت صحيح والعلة منتفية وأما ما هنا فبين به أن إزالة ذلك الشعر مندوبة لأن الأذى كالمخاط يعلق به
(عد هب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) ظاهر صنيعه يوهم أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بقوله قال الإمام أحمد هذا اللفظ الأخير وفي ثبوته نظر انتهى(1/199)
271 - (أحق) أفعل تفضيل من حق وجب (ما صليتم) أي صلاة الجنازة (على أطفالكم) أي من أوجب شيء صليتموه الصلاة على من مات من أولادكم قبل البلوغ. وفيه أن الصلاة على الميت واجبة ولو طفلا حتى السقط إن استهل صارخا ولا يعارضه خبر عائشة رضي الله تعالى عنها مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحمد هذا حديث منكر جدا وقد روي في مراسيل صحاح البيهقي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه قالوا وهذه المراسيل مع خبر البراء هذا يشد بعضها بعضا وبفرض أن لخبر عائشة أصلا لا يعمل به لأنه نفي عارضه إثبات فيقدم وبفرض الإغضاء عن ذلك فلا تعارض لأنه إنما لم يصل عليه استغناء بنبوة أبيه صلى الله عليه وسلم كالشهداء أو لأنه نبي لو عاش فلا يصلي نبي على نبي ذكره الزركشي أو المراد أنه لم يصل عليه في جماعة ولهذا قال النووي الصحيح الذي عليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وكبر أربعا انتهى وأما الجواب بأنه ترك الصلاة عليه لغيره لاشتغاله بصلاة الكسوف فغير ناهض لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله ولو فعل لنقل
(الطحاوي هق) من حديث عبد السلام ابن جرير عن ليث عن عاصم (عن) أبي عمارة أو عمرو أو الفضل (البراء) بفتح الموحدة وخفة الراء وقد يقصر ابن عازب بمهملة وزاي ابن الحارث الأوسي الحارثي الصحابي ابن الصحابي رمز المؤلف لصحته وهو زلل فقد تعقبه الذهبي في المهذب فقال ليث لين وعاصم لا يعرف فالصحة من أين بل والحسن من أين(1/199)
272 - (أحل) بالبناء لما لم يسم فاعله بضبط المؤلف والفاعل هو الله (الذهب والحرير) أي الخالص أو الزائد وزنا (لإناث أمتي) لبسا وتحلية وغير ذلك من وجوه الاستعمال (وحرم) بالبناء للمفعول أيضا (على ذكورها) المكلفين غير المعذورين أن يستعملوهما لأن في ذلك خنوثة لا تليق بشهامة الرجال وألحق بالرجال الخناثى والمراد من الذهب هنا لبسه أما استعماله في أكل أو شرب فلا فرق في تحريمه بين الذكر والأنثى والفضة كالذهب
(حم ن) في الزينة (عن أبي موسى) الأشعري وظاهر صنع المؤلف أن النسائي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي أيضا وقال حسن صحيح وصححه البغوي وغيره(1/199)
[ص:200] 273 - (أحلت لنا) أي لا لغيرنا من الأمم (ميتتان) تثنية ميتة وهي ما أدركه الموت من الحيوان عن زوال القوة وفناء الحرارة ذكره الحراني وعرفها الفقهاء بأنها ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية (ودمان) تثنية دم بتخفيف ميمه وشدها أي تناولهما في حالة الاختيار (فأما الميتتان فالحوت) يعني حيوان البحر الذي يحل أكله ولو لم يسم سمكا وكان على غير صورته بالكلية ولو طافيا ورفع لابن الرفعة هنا أنه ساق الحديث وأبدل الحوت بالسمك فاعترضه الذهبي بأنه لم يرد وإنما الوارد الحوت ومراده بعدم الورود عدم الثبوت وإلا فقد ورد لفظ السمك في رواية منكرة ذكرها ابن مردويه في تفسيره (والجراد) من الجرد لأنه يجرد الأرض ففي الجمهرة لابن دريد سمي جرادا لأنه يجرد الأرض أي يأكل ما فيها وفي التنزيل {كأنهم جراد منتشر} الآية وذكر نحوه الزمخشري فتحل ميتته هبه مات باصطياد أم بقطع رأسه أم بحتف أنفه على ثبوت ضرره من بين جراد البلاد (وأما الدمان فالكبد) بفتح فكسر أفصح (والطحال) ككتاب قال العراقي وهذا لا يقتضي اختصاص الحل بالميتتين المذكورتين أو الدمين لأنه مفهوم لقب وهذا سماه السكي مفهوم العدد وهو غير حجة اتفاقا وفرق بينه وبين مفهوم المعدود عند القائل بحجيته بأن العدد يشبه الصفة والمعدود لا يذكر معه أمر زائد فيفهم منه انتفاء المحكم عما عداه
(هـ) من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر (ك هق) من رواية ابن أبي أويس عن الثلاثة المذكورة (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم حكى البيهقي عن أحمد وابن المديني أنهما وثقا عبد الله بن زيد قال لكن الصحيح من هذا الحديث هو الأول قال الحافظ العراقي يريد به رواية ابن وهب عن سلمة بن نمير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفا أحلت لنا إلى آخره قال البيهقي بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند انتهى ومن ثم قال النووي هو وإن كان الصحيح وقفه في حكم المرفوع إذ لا يقال من قبل الرأي(1/200)
274 - (احلفوا) ندبا إذا كان الداعي للحلف مصلحة (بالله) أي باسم من أسمائه أو صفة من صفاته لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشد به المواثيق (وبروا) بفتح الموحدة (واصدقوا) في حلفكم (فإن الله) أكد بأن ووضع الظاهر موضع المضمر تفخيما ودفعا لتوهم المنع (يحب أن يحلف به) أي يرضاه إذا كان غرض الحالف طاعة كفعل جهاد أو وعظ أو زجر عن إثم أو حث على خير وقد حكى الله تعالى عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه طلب من بنيه الحلف حين التمسوا إرسال أخيهم معهم فهو إذن منه في ذلك ولا يأذن إلا فيما هو محبوب مطلوب ولا يناقضه {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} فإن معناه لا تكثروا منها أو يحمل الحديث على ما إذا كانت في طاعة أو دعت إليها حاجة والآية على خلافه وبذلك علم أنه لا تدافع قال النووي يستحب الحلف ولو بغير تحليف لمصلحة كتوكيد مبهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وقد كثرت الأخبار الصحاح في حلف المصطقى صلى الله عليه وسلم في هذا النوع لهذا الغرض وخرج بالحلف بالله الحلف بغيره فهو مذموم كما جاء مصرحا به في أخبار أخر قال في الكشاف وقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية تنسب إليها الجاهلية الأولى وذلك أن الواحد لو أقسم بأسماء الله تعالى كلها وصفاته على شيء لم يقبل منه حتى يقسم برأس سلطانه وذلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءه حلف لحالف انتهى وأقول قد استحدث الناس في هذا الباب الآن في إسلامهم جاهلية وهو أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها لم يقبل منه حتى يقول وسر الشيخ فلان وذلك عندهم جهد اليمين
(حل) من حديث معروف بن محمد بن زياد عن الفضل بن عياش الجرجاني عن عفان بن يسار عن مسعر عن وبرة (عن ابن عمر) ثم قال تفرد به عفان عن مسعر وهو ضعيف قال البخاري [ص:201] لا يصح حديثه ومعروف قال الذهبي فيه طعن(1/200)
275 - (احلقوه) بكسر اللام (كله) أي شعر الرأس أي أزيلوه بحلق أو غيره كقص أو نورة وخص الحلق لغلبته وسلامته من الأذى وغيره قد يؤذي. قال الحراني: والحلق إزالة ما يتأتى الزوال فيه بالقطع من الآلة الماضية في عمله والرأس مجتمع الخلقة ومجتمع كل شيء رأسه (أو اتركوه) وفي رواية أو ذروه (كله) فإن الحلق لبعض الرأس وترك بعضه مثله ويسمى القزع فهو مكروه مطلقا تنزيها إلا لعذر سواء كان لرجل أو امرأة ذكره النووي وسواء كان في القفا أو الناصية أو الوسيط خلافا لبعضهم وأكده بقوله كله دفعا لتوهم التجوز بإرادة الأكثر وذلك لما فيه من التشويه وتقبيح الصورة والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه بأنه زي أهل الدعارة والفساد وبأنه زي اليهود وفهم من إطلاقه عموم النهي كما لو ترك منه مواضع متفرقة أو حلق الأكثر وترك محلا واحدا وهذا من كمال محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه عن حلق بعض وترك بعض لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسيا وبعضه عاريا ونظيره المشي في نعل واحدة وقوله احلقوه كله يدل على جواز الحلق وهو مذهب الجمهور وذهب بعض المالكية إلى تخصيصه بحالة الضرورة محتجا بورود النهي عنه إلا في الحج لكونه من فعل المجوس والصواب الحل بلا كراهة ولا خلاف الأولى وأما قول أي شامة الأولى تركه لما فيه من التشويه ومخالفة طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عنه أنه كان يحلقه بل إذا قصد به التقرب في غير نسك أثم لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله ففي حيز المنع بلا ريب كيف وقد حلق المصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوس أبناء جعفر بن أبي طالب وفي أبي داود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس فقال مه أحسن إلى شعرك أو احلقه فانظر كيف سوى بين ترجيله وحلقه وخيره بينهما؟ وأعدل حديث في هذا المقام قول حجة الاسلام لا بأس بحلقه لمريد التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهن ويترجل يعني من قدر على دهنه وترجيله فبقاؤه له أولى ومن عسر عليه كضعيف وفقير منقطع علم من بقائه أنه يتلبد ويجمع الوسخ والقمل فالتنظيف منه بحلقه أولى والكلام كله في الذكر أما الأنثى فحلقها له مكروه حيث لا ضرر بل إن كانت مفترشة ولم يأذن الحليل حرم بل عده في المطامح من الكبائر وشاع على الألسنة أن المرأة إذا حلقت رأسها بلا إذن زوجها سقط صداقها وذلك صرخة من الشيطان لم يقل به أحد
(د) في الترجيل (ن) في الزينة (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا حلق بعض رأسه وترك بعضه فذكره وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو غريب فقد خرجه مسلم تلو حديث النهي عن القزع بالسند الذي ذكره وأخرجه به أبو داود لكنه لم يذكر لفظه بل قال ولذلك فلم يتفطن له المؤلف ومن ثم عزاه الحميدي كأبي مسعود الدمشقي إلى مسلم وتبعهما المزي في الأطراف قال في المجموع وحديث أبي داود صحيح على شرط الشيخين(1/201)
276 - (احملوا) بكسر الهمزة والميم أيها الأولياء (النساء على أهوائهن) أي زوجوهن بمن يرتضينه ويرغبن فيه إذا كان كفأ وكذا إذا كان غير كفء ورضيت المرأة به فإذا التمست بالغة عاقلة التزويج من كفء لزم الولي إجابتها فإن امتنع فعاضل فيزوجها السلطان
(عد) من حديث محمد بن الحارث عن ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب قال في الميزان محمد بن الحارث عن ابن السلماني أحاديثه منكرة متروك الحديث ثم أورد له أخبار هذا منها(1/201)
277 - (أخاف على أمتي) زاد في رواية بعدي فالإضافة للتشريف (ثلاثا) أي خصالا ثلاثا. قال الزمخشري: والخوف غم يلحق الإنسان لتوقع مكروه والحزن غم يلحقه لفوت نافع أو حصول ضار (زلة عالم) أي سقطته يعني عمله بما يخالف [ص:202] علمه ولو مرة واحدة فإنه عظيم المفسدة لأن الناس مرتقبون لأفعاله ليقتدوا به ومن تناول شيئا وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم قاتل سخروا منه واتهموه وزاد حرصهم على ما نهاهم عنه فيقولون لولا أنه أعظم الأشياء وألذها لما استأثر به وأفرد الزلة لندرة وقوعها منه (وجدال منافق بالقرآن) أي مناظرته به ومقابلته الحجة بالحجة لطلب المغالبة بالباطل وربما أول منه شيئا ووجهه بما يؤول إلى الوقوع في محذور {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} وربما غلب بزخرفته وتوجيهه العقائد الزائغة على بعض العقول القاصرة فأضلها (والتكذيب بالقدر) بالتحريك أي أن الله يقدر على عبده الخير والشر كما زعمه المعتزلة حيث أسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم فزعموا أن أفعال العباد خيرها وشرها مسندة إلى قدرة العبد واختياره وعاكستهم الجبرية فأثبتوا التقدير لله تعالى ونفوا قدرة العبد بالكلية وكلا الفريقين من التفريط والإفراط على شفا جرف هار والصراط المستقيم والقصد القويم مذهب أهل السنة أنه لا جبر ولا تفويض إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا يبطل الكسب الذي هو السبب قال الطيبي: وقدم زلة العالم لأنها تسبب في الخصلتين الأخيرتين فلا يحصلان إلا من زلته ولا منافاة بين قوله هنا ثلاثا وفيما يأتي ستا وفي الخبر الآتي على الأثر ضلالة الأهواء إلى آخره لأنا إن قلنا إن مفهوم العدد غير حجة وهو ما عليه المحققون فلا إشكال وإلا فكذلك لأنه أعلم أولا بالقليل ثم بالكثير أو لأن ذلك يقع لطائفة وهذا لأخرى
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف(1/201)
278 - (أخاف على أمتي من بعدي) بين به أن ذلك لا يقع في حياته فإن وجوده بين أظهرهم أمان لهم من ذلك (ثلاثا) من الخصال (ضلالة الأهواء) أي إضلال أهوية نفوسهم لهم وقد يراد بها خصوص البدع والتعصب للمذاهب الباطلة والضلال ضد الرشاد وفي الصحاح أضله أهلكه والأهواء مفرده هوى مقصور وهو عرض نفساني ناشئ عن شهوة نفس في غير أمر الله كذا ذكره بعضهم وأوجز القاضي فقال: رأي يتبع الشهوة. وقال الراغب: والضلال أن يقصد لاعتقاد الحق أو فعل الجميل أو قول الصدق فيظن بتقصيره وسوء تصرفه فيما كان باطلا أنه حق فاعتقده أو فيما هو قبيح أنه جميل وليس بجميل ففعله أو فيما كان كذبا أنه صدق فقاله والجهل عام في كل ذلك (واتباع الشهوات) جمع شهوة قال الحراني: وهي نزوع النفس إلى محبوب لا تتمالك عنه وقال في الكشاف طلب النفس اللذة (في البطون والفروج) بأن يصير الواحد كالبهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة أمره عاجلا ولا آجلا وأنشد بعضهم:
تجنب الشهوات واح. . . ذر أن تكون لها قتيلا
فلرب شهوة ساعة. . . قد أورثت حزنا طويلا
وخصهما لأنهما مرجع جميع الشهوات. قال الراغب: وإنما خاف على أمته الشهوات لأنها أقدم القوى وجودا في الإنسان وأشدها به تثبيتا وأكثرها تمكنا فإنها تولد معه وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه بل وفي النبات الذي هو جنس جنسه ثم توجد فيه قوة الحمية ثم آخرا وجد فيه قوة الفكر والنطق من التمييز ولا يصير الإنسان متميزا عن جملة البهائم متخلصا من أسر الهوى إلا بأمانة الشهوة البهيمية أو بقهرها وقمعها إن لم تمكن إماتتها فهي التي تضره وتغره وتصرفه عن طرق الآخرة ومتى قمعها أو أماتها صار حرا نقيا فتقل حاجاته ويصير غنيا عما في يد غيره سخيا بما في يده محسنا في معاملته لكن هنا شيء يجب التنبيه به وهو أن الشهوة إنما تذم إن أفرطت وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى أما إذا أديت فهي المبلغة للسعادة حتى لو لم تكن لما أمكن الوصول إلى الآخرة وذلك لأنه لا وصول إليها إلا بالعبادة ولا سبيل إليها إلا بالحياة ولا سبيل إليها إلا بحفظ البدن ولا يمكن إلا بإعادة ما تحلل منه ولا يمكن إلا بتناول الغذاء ولا يمكن إلا بالقوة الشهوية فالأمر محتاج إليها ومقتضى الحكمة إيجادها وتزيينها {زين للناس حب الشهوات} لكن هي كعدو تخشى مضرته من وجه ونفعه من وجه ومع عداوته لا يستغنى عنه فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه قال: [ص:203]
ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى. . . عدوا له ما من صداقته بد
(والغفلة بعد المعرفة) أي إهمال الطاعة بعد معرفة وجوبها أو ندبها هذا في حق العوام أما في حق الخواص فالالتفات إلى غير الله حتى بمجرد الدعوى أو العجب أو الركون إلى ما ظهر من مبادئ اللطف وذلك هو المنكر الخفي الذي لا يقدر على التحرز منه إلا ذو القدم الراسخ. قال الغزالي: وإنما كانت الغفلة من أعظم المصائب لأن كل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها لصلاحيتها لأن توصل إلى سعادة الأبد وتبعد من شقاوة الأبد فإذا ضيعته في الغفلة فقد خسرت خسرانا مبينا وإن صرفته للمعصية هلكت هلاكا فاحشا. قال الحراني: والغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به وأراد بأهل الأهواء البدع كما تقرر وبدأ بها إشارة إلى أنها أخوف الثلاثة وأضرها إذ هي مع كونها داعية لأصحابها إلى النار موقعة للعداوة مؤدية إلى التقاطع و'نما حدث التباين والفرق بسبب ذلك حتى أدى إلى أن بعض تلك الفرق سب الشيخين ولعنهما وتعصب كل فريق فضلوا وأضلوا وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقيل لما نزل قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} صاح إبليس ودعا بالويل والثبور فجاءته جنوده وقالوا: ما بال سيدنا قال: نزلت آية لا يضر بعدها آدميا ذنب فقالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ففرح بذلك وقال الغزالي: قال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد المعاصي فقطعوا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوبا لا يستغفرون منها وهي الأهواء قال الغزالي رحمه الله تعالى وصدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر إلى المعاصي فكيف يستغفرون. وقال الجنيد: لو أقبل عارف على الله تعالى ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله وقال الغزالي: قد نظر الحكماء فردوا مصائب العالم ومحنه إلى خمس المرض في الغربة والفقر في الشيب والموت في الشباب والعمى بعد البصر والغفلة بعد المعرفة قال وأحسن منه قول القائل:
لكل شيء إذا فارقته عوض. . . وليس لله إن فارقت من عوض
<تنبيه> قال في المناهج: الغفلة داء عظيم ينشأ عنه مضار دينية ودنيوية وعرفت في اصطلاح الصوفية بأنها غشاوة وصدأ يعلو مرآة القلب يمنعه من التيقظ لما يقرب من حضرة الرب ومداواته أن يعلم أنه غير مغفول عنه ويلحظ قوله تعالى {وما ربك بغافل عما تعملون} ويعلم أنه يحاسب على الخطرة والهم أي المقتونة بالتصميم فمن تحقق بهذا وراعى أوقاته وزان أحواله زالت عنه الغفلة
(الحكيم) أبو جعفر محمد الترمذي (والبغوي) أبو القاسم (وابن منده) عبد الله (وابن نافع) عبد الباقي (وابن شاهين) عمر بن أحمد له زهاء ثلاث مئة مؤلف (وأبو نعيم) الحافظ أحمد المشهور (الخمسة في كتاب الصحابة عن أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وآخره مهملة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد رآه ينفخ إذا سجد ترب وجهك ذكره ابن الأثير وغيره وأفلح في الصحابة متعدد وهذا هو المراد لكن لو ميزه لكان أولى قال في الأصل وسنده ضعيف(1/202)
279 - (أخاف على أمتي من بعدي) في رواية بعدي بإسقاط من (ثلاثا: حيف الأئمة) أي جور الإمام الأعظم ونوابه قال الراغب: الحيف الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين (وإيمانا بالنجوم) أي تصديقا باعتقاد أن لها تأثيرا في العالم ونكره ليفيد الشيوع فيدل على التحذير من التصديق بأي شيء كان من ذلك جزئيا أو كليا مما كان من أحد فسمى علم النجوم وهو علم التأثير لا التسيير فإنه غير ضار (وتكذيبا بالقدر) أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم قال [ص:204] الغزالي العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأسباب ككونه مضرا بصاحبه أو غيره غالبا كعلم النجوم فإنه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان حسابي وقد نطق القرآن العزيز بأن علم تسيير الكواكب محبوب {الشمس والقمر بحسبان} وأحكامي وحاصله يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالأسباب وذلك يضاهي استدلال الطبيب بالنبض على ما يحدث من المرض وهو معرفة مجاري سنة الله تعالى في خلقه لكن ذمه الشرع لإضراره بأكثر الخلق حسما للباب فإنه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عند قران الكواكب أو تناظرها أو صعودها أو هبوطها أو غير ذلك وقع في نفوسهم أنها هي المؤثرة وأنها آلهة لكونها جواهر شريفة سماوية يعظم وقعها في القلوب فيبقى القلب ملتفتا إليها ويرى الخير والشر منها وينمحي ذكر الله من قلبه إذ الضعيف يقصر نظره على الوسائط والعالم الراسخ مطلع على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره وأن أفعالها وتأثيرها بأقداره وبمشيئته لا بقدرها فلا يتزلزل ولا يضطرب بحال وإن شاهد منها عجائب الأحوال
(ابن عساكر) في تاريخ الشام (عن أبي محجن الثقفي) عمرو بن حبيب أو عبد الله كان فارسا جوادا شاعرا بطلا لكنه منهمك في الشرب لا يصده خوف حد ولا لوم جلده عمر رضي الله تعالى عنه مرارا سبعا أو ثمانيا ونفاه. قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف ولم يرمز المؤلف رحمه الله له بشيء ووهم من زعم أنه رمز لحسنه لكنه أشار بتعدد طرقه إلى تقويته(1/203)
280 - (أخاف على أمتي بعدي) وفي نسخ من بعدي ولا وجود لها في نسخة المؤلف التي بخطه (خصلتين) تثنية خصلة وهي كما في الصحاح بالفتح الخلة وفي الأساس الخصلة المرة من الخصل وهي الغلبة في الفضائل يقال فضلهم خصلة وخصالا وأصل الخصل القطع قال ومن المجاز فيه خصلة حسنة وخصال وخصالات كرام (تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم) فإنهم إذا صدقوا بتأثيراتها مع قصور نظرهم على الأسباب القريبة السافلة والانقطاع عن الترقي إلى مسبب الأسباب هلكوا بلا ارتياب فمعرفة الأسباب من حيث كونها معرفة غير مذمومة لكنها تجر إلى الإضرار بأكثر الخلق والوسيلة إلى الشر فلما نظر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ما يتولد منه من الشر خاف على أمته منه وفيه كمال شفقته عليهم ونظره بالرحمة إليهم. قال منجم لعلي كرم الله وجهه لما قصد النهروان: لا تسر في موضع كذا وسر في موضع كذا فقال: ما كان محمد يعلم ما ادعيت اللهم لا طير إلا طيرك وما كان لعمر منجم وقد فتح بلاد كسرى وقيصر
(ع عد خط في) كتاب (النجوم عن أنس) بن مالك وهو حسن لغيره انتهى
(أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء) أي طلب السقيا أي المطر بها جمع نوء وهو نجم مال للغروب أو سقط في المغرب مع الفجر وطلع آخر مقابله من المشرق (وحيف السلطان) أي من له سلاطة وقهر (وتكذيبا بالقدر) وأنشد بعضهم:
إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر. . . فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المحتوم وارض به. . . وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفا لامرئ عيش يسر به. . . إلا سيتبع يوما صفوه الكدر
(رواه) الإمام محمد (بن جرير) الطبري المجتهد المطلق (عن جابر) بن عبد الله وهذا ساقط من كثير من النسخ مع وجوده بخطه(1/204)
281 - (أخبرني جبريل أن حسينا) ابن فاطمة (يقتل بشاطئ الفرات) بضم الفاء أي بجانب نهر الكوفة العظيم المشهور وهو يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بأرض الطف وهي من بلاد كربلاء فلا تدافع بينه وبين خبر الطبراني بأرض الطف وخبره بكربلاء وهذا من أعلام النبوة ومعجزاتها وذلك أنه [ص:205] لما مات معاوية أتته كتب أهل العراق إلى المدينة أنهم بايعوه بعد موته فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فبايعوه وأرسل إليه فتوجه إليهم فخذلوه وقتلوه بها يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين وكسفت الشمس عند قتله كسفة أبدت الكواكب نصف النهار كما رواه البيهقي وسمعت الجن تنوح عليه ورأى ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ذلك اليوم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فسأله عنه فقال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم وطيف برأسه الشريف في البلدان إلى أن انتهت إلى عسقلان فدفنها أميرها بها فلما غلب الفرنج على عسقلان استفداها منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل وبنى عليها المشهد بالقاهرة كما أشار إليه القاضي الفاضل في قصيدة مدح بها الصالح ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره لكن نازع فيه بعضهم بأن الحافظ أبا العلاء الهمداني ذكر أن يزيد بن معاوية أرسلها إلى المدينة فكفنها عامله بها عمرو بن سعيد بن العاص ودفنها بالبقيع عند قبر أمه قال وهذا أصح ما قيل وقال الزبير بن بكار حمل الرأس إلى المدينة فدفن بها وقال القرطبي والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا السبب والإمامية يقولون الرأس أعيد إلى الحبشة ودفن بكربلاء بعد أرعين يوما من القتل قال القرطبي وماذكر من أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فباطل لم يصح ولا يثبت وأخرج ابن خالويه عن الأعمش عن منهال بن عمرو الأسدي قال والله أنا رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله سبحانه وتعالى {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من أياتنا عجبا} فأنطق الله سبحانه وتعالى الرأس بلسان ذرب فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي قال ابن عساكر إسناده مجهول وتفصيل قصة قتله تمزق الأكباد وتذيب الأجساد فلعنة الله على من قتله أو رضي أو أمر وبعدا له كما بعدت عاد وقد أفرد قصة قتله خلائق بالتأليف قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد أجاز العلماء الورعون لعنه وفي فتاوى حافظ الدين الكردي الحنفي لعن يزيد يجوز لكن ينبغي أن لا يفعل وكذا الحجاج قال ابن الكمال وحكى عن الإمام قوام الدين الصفاري ولا بأس بلعن يزيد ولا يجوز لعن معاوية عامل الفاروق لكنه أخطأ في اجتهاده فيتجاوز الله تعالى عنه ونكف اللسان عنه تعظيما لمتبوعه وصاحبه وسئل ابن الجوزي عن يزيد ومعاوية فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو أمن وعلمنا أن أباه دخلها فصار آمنا والابن لم يدخلها ثم قال المولى ابن الكمال والحق أن لعن يزيد على اشتهار كفره وتواتر فظاعته وشره على ما عرف بتفاصيله جائز وإلا فلعن المعين ولو فاسقا لا يجوز بخلاف الجنس وذلك هو محمل قول العلامة التفتازاني لا أشك في إسلامه بل في إيمانه فلعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه قيل لابن الجوزي وهو على كرسي الوعظ كيف يقال يزيد قتل الحسين وهو بدمشق والحسين بالعراق فقال:
سهم أصاب وراميه بذي سلم. . . من بالعراق لقد أبعدت مرماكا
وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال قتله بسيف جده وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفا وسبعين ألفا قال الحاكم صحيح الإسناد وقال الذهبي وعلى شرط مسلم وقال ابن حجر ورد من طريق واه عن علي مرفوعا قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا
(ابن سعد) في طبقاته من حديث المدائني عن يحيى بن زكريا عن رجل عن الشعبي (عن علي) بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان قال فذكره وروى نحوه أحمد في المسند فعزوه إليه كان أولى ولعله لم يستحضره ويحيى بن زكريا أورده في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره انتهى لكن المؤلف رحمه الله رمز لحسنه ولعله لاعتضاده ففي معجم الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه وفيه عن أم سلمة وزينب بنت جحش وأبي أمامة ومعاذ وأبي الطفيل وغيرهم ممن يطول ذكرهم نحوه فرمز المؤلف رحمه الله لحسنه لذلك لكنه لم يصب حيث اقتصر على ابن سعد مع جموم رواته وتكثر طرقه(1/204)
[ص:206] 282 - (أخبروني) يا أصحابي (بشجرة شبه) بكسر فسكون وبفتحتين وفي رواية مثل كذلك وهما بمعنى كما في الصحاح (الرجل المسلم) هذا هو المشبه به والنخلة مشبهة وكان القياس تشبيه المسلم بها ليكون وجه الشبه فيها أظهر لكن قلب التشبيه إيذانا بأن المسلم أتم منها في الثبات وكثرة النفع على حد قوله:
وكأن النجوم بين دجاها. . . سنن لاح بينهن ابتداع
ثم بين وجه الشبه بقوله (لا يتحات) أي لا يتساقط (ورقها) وكذا المسلم لا تسقط له دعوة (ولا) ينقطع ثمرها فإنها من حين يخرج طلعها يؤكل منه إلى أن يصير تمرا يابسا يدخر فكذا المسلم لا ينقطع خيره حيا ولا ميتا (ولا) يبطل نفعها (ولا) يعدم فيؤها بل ظلها دائم ينتفع به هكذا كرر النفي ثلاثا على طريق الاكتفاء ووقع في مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن الراوي عنه تعلقه بما بعده فاستشكله وقال: لعل لا زائدة ولعله وتؤتي إلى آخره وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف اكتفاء كما قدر وقرر ثم ابتدأ كلاما على طريق التفسير لما قبله (تؤتي أكلها كل حين) بإذن ربها فإنها تؤكل من حين تطلع إلى أن تيبس ثم ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في العلف والليف في الحبال والجذع في البناء والخوص في نحو آنية وزنبيل وغير ذلك وكذا المؤمن ثابت بإيمانه متحل بإيقانه جميل الخلال والصفات كثير الصلاة والصلات جزيل الإحسان والصدقات وما يصدر عنه من العلوم والخيور قوت للأرواح وينتفع بكل صادر عنه حيا وميتا قال ابن عمر راوي الخبر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة وأردت أن أقولها فإذا أنا أصغر القوم فاستحييت ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: (هي النخلة) وفيه أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة في السؤال وأن الملغز ينبغي أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أعذب في نفس سامعه وامتحان العالم أذهان طلبته بما يدق مع بيانه إن لم يفهموه ولا ينافيه النهي عن الأغلوطات المفسرة بصعاب المسائل لحمله على ما لا نفع فيه أو ما خرج على طريق تعنت المسؤول أو تعجيزه والتحريض على الفهم في العلم وبركة النخلة وما تثمر. ثم إن ما تقرر من وجه الشبه هو الأنسب مما أورد في هذا المقام قال ابن حجر: ومن زعم أن موقع التشبيه توافق التشبيه من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو أنها لا تحمل حتى تلقح أو أنها إذا غرقت ماتت أو أن لطلعها رائحة كمني الآدمي أو أنها تعشق فكلها أوجه ضعيفة إذ كل ذلك مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف منه زعم أنها خلقت من فضلة طينة آدم فإنه حديث لم يثبت وفيه رمز إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم منه كونه نظيره من كل وجه فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجماد ولا يعادله. قال ابن رشيق كغيره والمشابهة الاتحاد في الكيف كاتفاق لونين أو حرارتين مثلا والتشبيه وصف الشيء بما قاربه وشاكله من جهة أو جهات لا من جميع جهاته إذ لو ناسبه كليا لكان هو إياه
(خ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما(1/206)
283 - (أخبر) بضم الهمزة والموحدة أمر بمعنى الخبر (تقله) بفتح فسكون فضم أو كسر من القلى البغض الشديد قال في الكشاف: كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد انتهى والهاء للسكت وهذا لفظ رواية أبي يعلى ولفظ رواية ابن عدي وغيره وجدت الناس أخبر تقله أي وجدت أكثرهم كذلك أي علمتهم مقولا فيهم هذا القول ما منهم من أحد إلا وهو مسخوط الفعل عند الخبرة فإذا خبرته أبغضته كذا قرره بعض الأعاظم وظاهر اقتصاره على جعل الهاء للسكت أنها ليست إلا له لكن ذكر فيه في الكشف أنها إما للسكت أو ضمير حيث قال قيل مقول في شأنهم فهو ثاني [ص:207] المفعولين والضمير العائد إلى الأول محذوف والهاء للسكت أو هو الضمير نظرا إلى لفظ الناس وقيل وجدت بمعنى عرفت والناس مفعول أخبر مقدما أي عرفت هذه القصة وتحققتها وجدانا وأيا ما كان فالقصد أن من جرب الناس عرف خبث سرائر أكثرهم وندرة إنصافهم وفرط استئثارهم وفي العيان ما يغني عن البرهان وفي هذا اللفظ من البلاغة ما هو غني عن البيان وقد قيل اللفظ الحسن إحدى النفاثات في العقد قال الغزالي واحذر خصوصا مخالطة متفقهة هذا الزمان سيما المشتغلين بالخلاف والجدال فإنهم يتربصون بك لحسدهم ريب المنون ويقطعون عليك بالظنون ويتغامزون وراءك بالعيون يحصون عليك عثراتك في عشرتهم وفي عشيرتهم ويجبهونك بها في عصبتهم ومناظرتهم لا يقيلون لك عثرة ولا يغفرون لك زلة ولا يسترون لك عورة يحاسبونك على النقير والقطمير ويحسدونك على القليل والكثير ويحرضون عليك الإخوان بالتهمة والبهتان إن رضوا فظاهرهم الملق وإن سخطوا فباطنهم الحنق ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب هذا ما قضت به المشاهدة في أكثرهم إلا من رحم الله فصحبتهم خسران ومعاشرتهم خذلان هذا حكم من يظهر لك الصداقة فكيف بمن يجاهرك بالعداوة؟ إلى هنا كلام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله فإذا كان هذا زمانه فما بالك بهذا الزمان؟ ومن نظم أبي الحسين الطائي رحمه الله:
نظرت وما كل امرئ ينظر الهدى. . . إذا اشتبهت أعلامه ومذاهبه
فأيقنت أن الخير والشر فتنة. . . وخيرهما ما كان خيرا عواقبه
أرى الخير كل الخير أن يهجر الفتى. . . أخاه وأن ينأى عن الناس جانبه
يعيش بخير كل من عاش واحدا. . . ويخشى عليه الشر ممن يصاحبه
وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل يقينه: وثق بالناس رويدا انتهى وممن ساقه هكذا هو في جامعه الكبير انتهى
(ع طب عد حل عن أبي الدرداء) قال الزركشي: سنده ضعيف وقال الهيتمي: فيه أبو بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال السخاوي رحمه الله: طرقه كلها ضعيفة لكن شاهده في الصحيحين الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة انتهى كلامه إلى هنا(1/206)
284 - (اختتن) بهمزة وصل مكسورة (إبراهيم) الخليل أي قطع فلقة ذكر نفسه والختان اسم لفعل الخاتن وقيل مصدر ويسمى به محل الختن أيضا ومنه خبر إذا التقى الختانان (وهو ابن ثمانين سنة) وفي رواية وهو اين عشرين ومئة سنة وجمع جمع بأنه عاش مائتي سنة ثمانين غير مختون وعشرين ومئة مختون ورده ابن القيم بأنه قال: اختتن وهو ابن مئة وعشرين سنة ولم يقل اختتن لمئة وعشرين قال: وأما خبر اختتن وهو ابن عشرين ومئة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة فحديث معلول لا يعارض ما في الصحيحين ولا يصح تأويله بما ذكره القائل لأنه قال: ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وبأن الذي يحتمله على بعد قوله اختتن لمئة وعشرين أن يكون المراد بقيت من عمره لا مضت والمعروف من مثل هذا الاستعمال إنما هو إذا كان الباقي أقل من الماضي فإن المشهور من استعمال العرب في خلت ومضت أنه من أول الشهر إلى نصفه يقال خلت وخلون ومن نصفه إلى آخره يقال بقيت وبقين فقوله لمئة وعشرين بقيت من عمره كقوله لثنتين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهو لا يسوغ انتهى وجمع ابن حجر بأن المراد بقوله وهو ابن ثمانين أي من وقت فراق قومه وهاجر من العراق إلى الشام وهو ابن مئة وعشرين أي من مولده وأن بعض الرواة رأى مئة وعشرين فظنها إلا عشرين أو عكسه (بالقدوم) بفتح القاف والتخفيف آلة النجار يعني الفأس كما في رواية ابن عساكر وروي بالتشديد أيضا عن الأصيلي وغيره وأنكره بعضهم وقيل ليس المراد الآلة بل المكان الذي وقع فيه وهو بالوجهين أيضا قرية بالشام أو جبل بالحجاز بقرب المدينة أو قرية بكلب أو موضع بعمان أو ثنية في جبل ببلاد سدوس أو حصن باليمن والأكثر على أنه بالتخفيف وإرادة الآلة ورجحه البيهقي والقرطبي وقال الزركشي وابن [ص:208] حجر أنه الأصح بدليل رواية أبي يعلى أنه عجل قبل أن يعلم الآلة فاشتد عليه انتهى وذكر ابن القيم وأبو نعيم والديلمي ونحوه وقال: قد يتفق الأمران فيكون أختتن بالآلة وفي الموضع قال: وممن اختتن أيضا المسيح قال القرطبي: وأول من اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم لم يزل ذلك سنة عامة معمولا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين لدينه وهذا حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى عليه الصلاة والسلام غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما في التوراة بأن المقصود زوال قلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هو أول جهالتهم فكم لهم منها وكم وكم ويكفيك أنهم زادوا على أنبيائهم في الفهم وغلطوا فيما عملوا عليه وقضوا به من الحكم
(حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا(1/207)
285 - (اختضبوا) بكسر الهمزة أي غيروا ألوان شعوركم ندبا (بالحناء) بكسر الحاء المهملة وشد النون والمد (فإنه طيب الريح) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث (يسكن الروع) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والخضاب يستره يرده أن الأمر بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى الحديث فإن قلت: إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع قلت: أما نفرة الطبع السليم من ريحه فضلا عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء النافع فتدبره فإنه نافع ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل تذكيره قال: فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط
(ع والحاكم في الكنى عن أنس) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان(1/208)
286 - (اختضبوا بالحناء) ندبا (فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم) أي يزيد في الصورة قبولا للناظر وإلا فالخضاب ليس في الوجه (ونكاحكم) لأنه يشد الأعضاء والأعصاب وفيه قبض وترطيب ولونه ناري محبوب مهيج مقو للمحبة وفي ريحه عطرية مع قبض [فإن قلت] كيف يزيد في الشباب مع أن سنه محدود محسوب [قلت] المراد زيادته في هيئة الشبيبة بأن يصير الكهل مثلا كهيئة الشاب إذا داوم عليه لما يكسوه من النضارة والإشراق والقوة وخضب المرأة يديها ورجليها مندوب ومما ورد في الترغيب في الخضاب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد الفهري من حديث عمار بن سبط يرفعه اختضبوا فإن الله وملائكته وأنبياءه ورسله وكلما ذر أو برأ حتى الحيتان في بحارها والطير في أوكارها يصلون على صاحب الخضاب حتى يتصل خضابه
(البزار) أحمد بن عمر بن عبد الخالق صاحب المسند من رواية ثمامة عن أنس بن مالك قال العراقي في شرح الترمذي وإسناده ضعيف (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وفيه عبد الرحمن بن الحارث الغنوي قال في الميزان: لا يعتمد عليه وفي اللسان فيه بعض تساهل وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف متروك (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن) درهم بن زباد بن درهم عن أبيه عن جده (درهم) ودرهم وأبوه لم يدخلا التهذيب ولا رجال المسند ولا ثقات ابن حبان وجده درهم ذكره الذهبي في تجريده وذكر له هذا الحديث وتقدمه ابن خزيمة في الصحابة(1/208)
[ص:209] 287 - (اختضبوا وافرقوا) بهمزة وصل وبضم الراء وقاف أي اجعلوا شعر رؤوسكم فرقتين عن يمين ويسار (وخالفوا اليهود) فإنهم لا يخضبون أي غالبا ولا يفرقون بل يسدلون بضم الدال ففي الخضاب مخالفة أهل الكتاب وتنظيف الشعر وتقويته وتليينه وتحسينه وشد الأعضاء وجلاء البصر وتطييب الريح وزيادة الجمال واتباع السنة وغير ذلك. وقوله وخالفوا اليهود يحتمل أن المراد خالفوهم في جميع أحوالهم التي منها عدم الفرق فيشمل الامتناع من مساكنة الحائض والسبت وغير ذلك وبه جزم القرطبي فقال: كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر حين قدومه المدينة ليتألفهم ليدخلوا في الدين فلما غلبت عليهم الشقوة ولم ينجع معهم أمر بمخالفتهم في أمور كثيرة حتى قالوا ما يريد الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فاستقر آخرا على مخالفتهم في كل ما لم يؤمر فيه بحكم. واعلم أن المشركين كانوا يفرقون رؤوسهم أي يجعلون شعرها نصفين نصفا من جانب اليمين على الصدر ونصفا من جانب اليسار عليه وكان أهل الكتاب يسدلون أي يرسلون شعر رؤوسهم حول الصدر وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء لتمسكهم ببقايا من شرائع الرسل فلما فتحت مكة واستقر الأمر خالفهم ففرق وأمر بالفرق فدل على أنه أفضل لرجوعه إليه آخرا فعلا وأمرا لكنه غير واجب بدليل أن بعض الصحب سدل بعد فلو كان الفرق واجبا لم يسدلوا وزعم نسخ السدل يحتاج لبيان الناسخ وتأخيره عن المنسوخ على أن رجوعه إلى الفرق يحتمل كونه باجتهاده لكونه أنظف وأبعد على الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحارث بن عمران الجعفري قال في الميزان قال ابن حبان وضاع على الثقات وقال مخرجه ابن عدي الضعف على رواته بين(1/209)
288 - (اختلاف) افتعال من الخلف وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور ذكره الحراني (أمتي) أي مجتهدي أمتي في الفروع التي يسوغ الاجتهاد فيها فالكلام في الاجتهاد في الأحكام كما في تفسير القاضي قال: فالنهي مخصوص بالتفرق في الأصول لا الفروع انتهى. قال السبكي: ولا شك أن الاختلاف في الأصول ضلال وسبب كل فساد كما أشار إليه القرآن وأما ما ذهب إليه جمع من أن المراد الاختلاف في الحرف والصنائع فرده السبكي بأنه كان المناسب على هذا أن يقال اختلاف الناس رحمة إذ لا خصوص للأمة بذلك فإن كل الأمم مختلفون في الحرف والصنائع فلا بد من خصوصية قال: وما ذكره إمام الحرمين في النهاية كالحليمي من أن المراد اختلافهم في المناصب والدرجات والمراتب فلا ينساق الذهن من لفظ الاختلاف إليه (رحمة) للناس كذا هو ثابت في رواية من عزى المصنف الحديث إليه فسقطت اللفظة منه سهوا أي اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكلها تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم ولم يكلفوا ما لا طاقة لهم به توسعة في شريعتهم السمحة السهلة فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له وقد وعد بوقوع ذلك فوقع وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم أما الاجتهاد في العقائد فضلال ووبال كما تقرر والحق ما عليه أهل السنة والجماعة فقط فالحديث إنما هو في الاختلاف في الأحكام ورحمة نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي عموما فيكفي في صحته أن يحصل في الاختلاف رحمة ما في وقت ما في حال ما على وجه ما. وأخرج البيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة ويدل لذلك ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيهم اقتديتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة قال السمهودي: واختلاف الصحابة في فتيا اختلاف الأمة وما روي من أن مالكا لما أراده الرشيد على الذهاب معه إلى العراق وأن يحمل الناس [ص:210] على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن. فقال مالك: أما حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم افترقوا بعد موته صلى الله عليه وسلم في الأمصار فحدثوا فعند أهل كل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة كالصريح في أن المراد الاختلاف في الأحكام كما نقله ابن الصلاح عن مالك من أنه قال في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطئ ومصيب فعليك الاجتهاد قال وليس كما قال ناس فيه توسعة على الأمة بالاجتهاد إنما هو بالنسبة إلى المجتهد لقوله فعليك بالاجتهاد فالمجتهد مكلف بما أداه إليه اجتهاده فلا توسعة عليه في اختلافهم وإنما التوسعة على المقلد فقول الحديث اختلاف أمتي رحمة للناس أي لمقلديهم ومساق قول مالك مخطئ ومصيب إلخ إنما هو الرد على من قال من كان أهلا للاجتهاد له تقليد الصحابة دون غيرهم وفي العقائد لابن قدامة الحنبلي أن اختلاف الأئمة رحمة واتفاقهم حجة انتهى
[فإن قلت] هذا كله لا يجامع نهى الله تعالى عن الاختلاف بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} الآية [قلت] هذه دسيسة ظهرت من بعض من في قلبه مرض وقد قام بأعباء الرد عليه جمع جم منهم ابن العربي وغيره بما منه أنه سبحانه وتعالى إنما ذم كثرة الاختلاف على الرسل كفاحا كما دل عليه خبر إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة اختلافهم على أنبيائهم وأما هذه الأمة فمعاذ الله تعالى أن يدخل فيها أحد من العلماء المختلفين لأنه أوعد الذين اختلفوا بعذاب عظيم والمعترض موافق على أن اختلاف هذه الأمة في الفروع مغفور لمن أخطأ منهم فتعين أن الآية فيمن اختلف على الأنبياء فلا تعارض بينها وبين الحديث وفيه رد على المتعصبين لبعض الأئمة على بعض وقد عمت به البلوى وعظم به الخطب قال الذهبي: وبين الأئمة اختلاف كبير في الفروع وبعض الأصول وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات منكرة وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة وكلما خالفوا فيه لقياس أو تأويل قال وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أو رد حديثا أو حرف معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي كرم الله وجهه لمن فال له أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله وما زال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله وأنه ليس كمثله شيء وأن ما شرعه رسوله حق وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة العالم الاذكى العلم لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف فإن داخلها زهو من الأكمل وانكسار من الأصغر فذاك دأب النفوس الزكية في بعض الأحيان غفلة عن الله فما الظن بالنفوس الشريرة المنطفية انتهى
ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه والصحيح وفاقا للجمهور أن المصيب في الفروع واحد ولله تعالى فيما حكم عليه أمارة وأن المجتهد كلف بإصابته وأن مخطئه لا يأثم بل يؤجر فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فأجر نعم إن قصر المجتهد أثم اتفاقا وعلى غير المجتهد أن يقلد مذهبا معينا وقضية جعل الحديث الاختلاف رحمة جواز الانتقال من مذهب لآخر والصحيح عند الشافعية جوازه لكن لا يجوز تقليد الصحابة وكذا التابعين كما قاله إمام الحرمين من كل من لم يدون مذهبه فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء والافتاء لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتى ظهر تقييد مطلقها وتخصيص عامها بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم وقد نقل الإمام الرازي رحمه الله تعالى إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم انتهى
نعم يجوز لغير عامي من الفقهاء المقلدين تقليد غير الأربعة في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه عنده لكن بشرط أن لا يتتبع الرخصة بأن يأخذ من كل مذهب الأهون بحيث تنحل ربقة التكليف من عتقه وإلا لم يجز خلافا لابن عبد السلام حيث أطلق جواز تتبعها وقد يحمل كلامه على ما إذا تتبعها على وجه لا يصل [ص:211] إلى الانحلال المذكور وقول ابن الحاجب كالآمدي من عمل في مسألة بقول إمام ليس له العمل فيها بقول غيره اتفاقا إن أراد به اتفاق الأصوليين فلا يقضي على اتفاق الفقهاء والكلام فيه وإلا فهو مردود ومفروض فيما لو بقي من آثار العمل الأول ما يستلزم تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة فعلم أنه إنما يمتنع تقليد الغير في تلك الواقعة نفسها لا مثلها كأن أفتى ببيونة زوجته بنحو تعليق فنكح أختها ثم أفتى بأن لا بينونة ليس له الرجوع للأولى بغير إبانتها وكان أخذ بشفعة جوار تقييدا للحنفي ثم استحقت عليه فيمتنع تقليده الشافعي في تركها لأن كلا من الإمامين لا يقول به فلو اشترى بعده عقارا وقلد الإمام الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار لم يمنعه ما تقدم من تقليده في ذلك فله الامتناع في تسليم العقار الثاني وإن قال الآمدي وابن الحاجب ومن على قدمها كالمحلى بالمنع في هذا وعمومه في جميع صور ما وقع العمل به أولا فهو ممنوع وزعم الاتفاق عليه باطل وحكى الزركشي أن القاضي أبا الطيب أقيمت صلاة الجمعة فهم بالتكبير فذرق عليه طير فقال أنا حنبلي فأحرم ولم يمنعه عمله بمذهبه من تقليد المخالف عند الحاجة وممن جرى على ذلك السبكي فقال: المنتقل من مذهب لآخر له أحوال: الأول أن يعتقد رحجان مذهب الغير فيجوز عمله به اتباعا للراحج في ظنه الثاني أن يعتقد رجحان شيء فيجوز الثالث أن يقصد بتقليده الرخصة فيما يحتاجه لحاجة لحقته أو ضرورة أرهقته فيجوز الرابع أن يقصد مجرد الترخص فيمتنع لأنه متبع لهواه لا للدين الخامس أن يكثر ذلك ويجعل اتباع الرخص ديدنه فيمتنع لما ذكر ولزيادة فحشه السادس أن يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع فيمتنع السابع أن يعمل بتقليد الأول كحنفي يدعي شفعة جوار فيأخذها بمذهب الحنفي فتستحق عليه فيريد تقليد الإمام الشافعي فيمتنع لخطئه في الأولى أو الثانية وهو شخص واحد مكلف
قال: وكلام الآمدي وابن حجاب منزل عليه وسئل البلقيني عن التقليد في المسألة السريحية فقال: أنا لا أفتي بصحة الدور لكن إذا قلد من قال بعدم وقوع الطلاق كفى ولا يؤاخذه الله سبحانه وتعالى لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها أي مع التقليد وهو ذهاب منه إلى جواز تقليد المرجوح وتتبعه قال بعضهم: ومحل ما مر من منع تتبع الرخص إذا لم يقصد به مصلحة دينية وإلا فلا منع كبيع مال الغائب فإن السبكي أفتى بأن الأولى تقليد الشافعي فيه لاحتياج الناس غالبا في نحو مأكول ومشروب إليه والأمر إذا ضاق اتسع وعدم تكرير الفدية بتكرر المحرم اللبس فالأولى تقليد الشافعي لمالك فيه كما أفتى به الأبشيطي وذهب الحنفية إلى منع الانتقال مطلقا قال في فتح القدير: المنتقل من مذهب لمذهب باجتهاد وبرهان آثم عليه التعزير وبدونهما أولى ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيها وعمل بها وإلا فقوله قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل أو التزمت العمل به على الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل وعد به أو تعليق له كأنه التزم العمل بقوله فيما يقع له فإذا أراد بهذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد بإلزامه نفسه بذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما يحتاجه بقوله تعالى {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمسؤول عنه إنما يتحقق عند وقوع الحادثة قال والغالب أن مثل هذه الالتزامات لكف الناس عن تتبع الرخص إلا أن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه ولا يدري ما يمنع هذا من النقل والعقل انتهى وذهب بعض المالكية إلى جواز الانتقال بشروط ففي التنقيح للقرافي عن الزناتي التقليد يجوز بثلاثة شروط: أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بلا صداق ولا ولي ولا شهود فإنه لم يقل به أحد وأن يعتقد في مقلده الفضل وأن لا يتتبع الرخص والمذاهب وعن غيره يجوز فيا لا ينقض فيه قضاء القاضي وهو ما خالف الإجماع أو القواعد الكلية أو القياس الجلي ونقل عن الحنابلة ما يدل للجواز وقد انتقل جماعة من المذاهب الأربعة من مذهبه لغيره منهم عبد العزيز بن عمران كان مالكيا فلما قدم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مصر تفقه عليه وأبو ثور من مذهب الحنفي إلى مذهب الشافعي وابن عبد الحكم من مذهب مالك إلى الشافعي ثم عاد وأبو جعفر بن نصر من الحنبلي إلى الشافعي والطحاوي من الشافعي إلى الحنفي والإمام السمعاني من الحنفي إلى الشافعي والخطيب البغدادي والآمدي وابن برهان من الحنبلي إلى الشافعي وابن فارس صاحب المجمل من الشافعي [ص:212] للمالكي وابن الدهان من الحنبلي للحنفي ثم تحول شافعيا وابن دقيق العيد من المالكي للشافعي وأبو حيان من الظاهري للشافعي ذكره الأسنوي وغيره. وإنما أطلنا وخرجنا عن جادة الكتاب لشدة الحاجة لذلك وقد ذكر جمع أنه من المهمات التي يتعين إتقانها <تنبيه> قال بعض علماء الروم: المهدي يرفع الخلاف ويجعل الأحكام مختلفة في مسألة واحدة حكما واحدا هو ما في علم الله وتصير المذاهب مذهبا واحدا لشهوده الأمر على ما هو عليه في علم الله لارتفاع الحجاب عن عين جسمه وقلبه كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فإن أراد بالمهدي عيسى عليه الصلاة والسلام فظاهر أو الخليفة الفاطمي الذي يأتي آخر الزمان وقد ملئت الأرض ظلما وجورا فممنوع والله سبحانه وتعالى أعلم
(نصر المقدسي في الحجة) أي في كتاب الحجة له كذا عزاه له الزركشي في الأحاديث المشتهرة ولم يذكر سنده ولا صحابيه وتبعه المؤلف عليه (والبيهقي في الرسالة الأشعرية) معلقا (بغير سند) لكنه لم يجزم به كما فعل المؤلف بل قال روى (وأورده الحليمي) الحسين بن الحسن الإمام أبو عبد الله أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعية بما وراء النهر في كتاب الشهادات من تعليقه (والقاضي حسين) أحد أركان مذهب الشافعي ورفعائه (وإمام الحرمين) الأسد بن الأسد والسبكي وولده التاج (وغيرهم) قال السبكي وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع (ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا) وأسنده في المدخل وكذا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ اختلاف أصحابي رحمة واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة كما مر لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وقال ولده المحقق أبو زرعة رواه أيضا آدم بن أبي إياس في كتاب العلم بلفظ اختلاف أصحابي لأمتي رحمة وهو مرسل ضعيف وفي طبقات ابن سعد عن القاسم بن محمد نحوه(1/209)
289 - (أخذ الأمير) يعني الإمام ونوابه (الهدية) وهي لغة ما أتحف به وعرفا تمليك ما يبعث غالبا بلا عوض كما مر (سحت) بضم فسكون وبضمتين أي حرام يسحت البركة أي يذهبها قال الزمخشري: اشتقاقه من السحت وهو الإهلاك والاستئصال ومنه السحت لما لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة وفي خبر أن عمر أهدى إليه رجل فخذ جزور ثم جاءه يتحاكم مع آخر فقال يا أمير المؤمنين اقض لي قضاء فصلا كما فصل الفخذ من البعي. فقال عمر: الله أكبر اكتبوا إلى جميع الآفاق هدايا العمال سحت (وقبول القاضي الرشوة) بتثليث الراء ما يعطاه ليحق باطلا أو يبطل حقا من رشا الفرخ إذا مد عنقه لأمه لتزقه (كفر) إن استحل وإلا فهو زجر وتهويل على حد خبر: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وبالجملة فإعطاء الرشوة وأخذها من الكبائر وإنما كان القاضي أفظع حالا من الأمير لأن الأمير أخذ لا لشيء يصنعه بل للميل ونحوه والقاضي أخذ لتغيير حكم الله قال النووي: ومن خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن له قبول الهدية بخلاف غيره من الحكام فإن قلت: ما سر تعبيره في الأمير بالأخذ وفي القاضي بالقبول وهلا عكس أو عبر فيهما بالأخذ أو القبول معا؟ قلت: لعل حكمته الإشارة إلى لحوق الوعيد للقاضي بمجرد القبول بلفظ أو إشارة أو كتابة أو أخذ عياله لها فغلظ فيه أكثر من الأمير
(حم في) كتاب (الزهد الكبير عن علي) أمير المؤمنين رمز المولف لحسنه(1/212)
290 - (أخذنا فألك) بالهمز وتركه أي كلامك الحسن أيها المتكلم (من فيك) وإن لم تقصد خطابنا قال الزمخشري: الفأل أن تسمع الكلمة الطيبة فتتيمن بها وتقول دون الغيب أقفال لا يفتحها الزجر والفأل وفي القاموس ضد الطيرة كأن يسمع مريض يا سالم أو طالب ضالة يا واجد ويستعمل في الخير والشر وهذا قاله لما خرج في عسكر فسمع قائلا يقول يا حسن أو لما خرج لغزو خيبر فسمع عليا يقول يا خضرة فقال أخذنا فألك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة فما سل فيها سيف ولا مانع من التعدد
(د عن أبي هريرة) الدوسي (ابن السني وأبو نعيم معا في) كتاب (الطب) [ص:213] النبوي (عن كثير) بمثلثة ضد القليل (ابن عبد الله عن أبيه عن جده) عمرو بن عوف قال خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم لغزاة فسمع عليا يقول يا خضرة فذكره ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عنه أيضا قال الهيتمي: وكثير ضعيف جدا وبقية رجاله ثقات وفي التقريب كأصله وأبوه مقبول (فر) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمة فأعجبته فقاله ورواه العسكري في الأمثال والخلعي في فوائده عن سمرة رمز المؤلف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا فقد سمع القول في كثير على أن فيه أيضا من لا يخلو عن مقال(1/212)
291 - (أخر) بالبناء للمفعول (الكلام في القدر) محركا أي في نفيه (أي في نفي كون الأشياء كلها بتقدير الله سبحانه وتعالى) (لشرار أمتي) وفي رواية لشرار هذه الأمة وأول من تكلم فيه معبد الجهني وأبو الأسود الدؤلي أو سيبويه أو رجل آخر عند احتراق الكعبة فقال قائل هذا من قضاء الله تعالى فقال آخر ما هو من قضائه (في آخر الزمان) أي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فزمنهم هو الزمان لكونه خير الأزمان وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع قال الطيبي: مذهب الجبرية إثبات القدرة لله سبحانه وتعالى ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما في الإفراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد انتهى والزمان مدة قابلة للقسمة تطلق على قليل الوقت وكثيره
(طس ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم على شرط البخاري وتعقبه الذهبي بأن فيه عنبسة بن مهران ثقة لكن لم يرويا له وأورده في الميزان في ترجمة عنبسة وقال قال أبو حاتم منكر الحديث(1/213)
292 - (أخروا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (الأحمال) إلى وسط ظهر الدابة ولا تبالغوا في التأخير بل اجعلوها متوسطة بحيث يسهل حملها على الدابة لئلا تتأذى بالحمل (فإن الأيدي) أي أيدي الدواب المحمول عليها (مغلقة) بضم الميم وسكون المعجمة أي مثقلة بالحمل كأنها ممنوعة من إحسان السير لما عليها من الثقل كأنه شبه بالباب إذا أغلق فإنه يمنع من الدخول والخروج أو من قولهم استغلق عليه الكلام إذا ارتج عليه (والأرجل موثقة) بضم فسكون أي كأنها مشدودة بوثاق من أوثقه شده بوثاق والوثاق ما يشد به من نحو قيد وحبل فينبغي جعل الحمل في وسط ظهر الدابة فإنه إن قدم عليها أضر بيديها وإن أخر أضر برجليها وإنما أمر بالتأخير فقط لأنه رأى بعيرا قد قدم عليه حمله فأمر بالتأخير وأشار إلى مقابله بقوله والأرجل موثقة لئلا يبالغ في التأخير فيضر وفيه الرفق بالدابة وحفظ المال وتعليم الإخوان ما فيه الخير لهم ولدوابهم وتدبر العواقب والنظر لخلق الله سبحانه وتعالى بالشفقة ويحرم إدامة تحميل الدابة ما لا تطيقه دائما وضربها عبثا
(د في مراسيله عن) محمد بن مسلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي (الزهري) بضم الزاي المدني أحد الأعلام وعالم الحرمين والشام تابعي جليل سمع من أكثر من عشرين صحابيا قيل لمكحول: من أعلم من رأيت قال: ابن شهاب قيل: ثم من قال: ابن شهاب قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب مرسلا (ووصله البزار) في مسنده (ع طب عنه) أي الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء أشهر من كسرها المخزومي أحد الأعلام والفقهاء الكمل روى عن عمر وعثمان وسعد وعنه الزهري وخلق (عن أبي هريرة نحوه) رمز المؤلف لحسنه ولعله بالنظر إلى تعدد طرقه وإلا ففيه قيس بن الربيع الأزدي ضعفه كثيرون ورواه الترمذي في العلل مرسلا بلفظ إذا حملتم فأخروا فإن الرجل موثقة واليد مغلقة وقال: سألت محمدا يعني البخاري عنه فلم يعرفه وقال فيه قيس بن الربيع لا أكتب حديثه ولا أروي عنه(1/213)
[ص:214] 293 - (أخرجوا) بفتح فسكون فكسر إرشادا من الإخراج. قال الحراني: وهو إظهار من حجاب (منديل) بكسر أوله ويفتح (الغمر) أي الخرقة المعدة لمسح أيديكم من وضر اللحم والدسم. قال ابن الأنباري: والمنديل مذكر ولا يجوز تأنيثه لعدم العلامة في التصغير والجمع فلا يوصف بمؤنث فلا يقال منديل حسنة والغمر بفتح الغين المعجمة والميم زهومة اللحم وما تعلق باليد منه (من بيوتكم) يعني من الأماكن التي تبيتون فيها (فإنه مبيت) بفتح فكسر مصدر بات أي حيث يبيت ليلا (الخبيث) الشيطان والمراد الجنس (ومجلسه) لأنه يحب الدنس ويأوي إليه وقد يغفل المرء عن المأثور الذي يطرده فأمر بإبعاده بكل ممكن والخبيث في الأصل ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أو معقولا ذكره الراغب
(فر عن جابر) بن عبد الله وفيه عمير بن مرداس قال في اللسان يغرب وسعيد بن خيثم أورده الذهبي في الضعفاء وقال الأزدي منكر الحديث وقال ابن عدي ما يرويه غير محفوظ وحرام بن عثمان قال ابن حبان غال في التشيع يقلب الأسانيد وقال ابن حجر متروك(1/214)
294 - (أخسر الناس صفقة) أي من أشد المؤمنين خسرانا للثواب وأعظمهم حسرة يوم المآب والخسران انتقاص رأس المال ثم استعمل في المقتنيات الخارجة كالمال والجاه وأكثر استعماله في النفيس منها كصحة وسلامة وعقل وإيمان وثواب وهو المراد هنا ذكره الراغب. قال الزمخشري: ومن المجاز خسرت تجارته وربحت ومن لم يطع الله فهو خاسر قال الزمخشري: والصفقة في الأصل ضرب اليد على اليد في البيع والبيعة ومن المجاز له وجه صفيق (رجل) وصف طردي والمراد مكلف (أخلق) من قولهم حجر أخلق أي أملس لا شيء عليه والأخلق الفقير وأخلق الثوب لبسه حتى بلي والمراد هنا أتعب (يديه) وأفقرهما بالكد والجهد وعبر بهما لأن المزاولة بهما غالبا (في) لو (آماله) جمع أمل وهو الرجاء وأكثر استعماله في مستبعد الحصول (ولم تساعده) أي لم تعاونه (الأيام) أي الأوقات (على) بلوغ (أمنيته) أي حصول مطلوبه من المال والمناصب والجاه ونحوها بل عاكسته وغذته فهو لا يزال يتشبث بالطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويتمنى على الله ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته قال بعض العارفين: أماني النفس حديثها بما ليس عندها ولها حلاوة إذا استصحبها عبد لا يفلح أبدا وأهل الدنيا فريقان فريق يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثير منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة فصاروا أخسر الناس صفقة وأما المؤمن المتقي فقد حاز مراده وهو غني القلب المؤدي لغنى الآخرة فما يبالي أوتي حظا من الدنيا أو لا فإن أوتي منها وإلا فربما كان الفقر خيرا له وأعون على مراده فهو أربح الناس صفقة واشتقاق الأمنية من مني إذا قدر لأن التمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه (فخرج من الدنيا) بالموت (بغير زاد) يوصله إلى المعاد وينفعه يوم يقوم الأشهاد ويفصل بين العباد لأن خير الزاد إلى الآخرة إتقاء القبائح وهذا قد تلطخ بأقذارها القبيحة الخبيثة الروائح فهو مهلك لنفسه باسترساله مع الأمل وهجره للعمل حتى تتابعت على قلبه ظلمات الغفلة وغلب عليه زين القسوة ولم يسعفه المقدور بنيل مرامه من ذلك الحطام الفاني فلم يزل مغمورا مقهورا مغموما إلى أن فرق ملك الموت بينه وبين آماله وكل جارحة منه متعلقة بالدنيا التي فاتته فهي تجاذبه إلى الدنيا ومخاليب ملك الموت قد علقت بعروق قلبه تجذبه إلى الآخرة التي لا يريدها (وقدم على الله تعالى بغير حجة) أي معذرة يعتذرها وبرهان يتمسك به على تفريطه بتضييعه عمره النفيس في طلب شيء خبيث خسيس وإعراضه عن عبادة ربه التي إنما خلق لأجلها {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} قال الغزالي ومن كان هذا حاله فهو كالأنعام بل هو [ص:215] أضل إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي بها تجاهد الشهوات وهذا قد خلق له وعطله فهو الناقص عقلا المدبر يقينا وقيل في المعنى:
ولم أر في عيوب الناس عيبا. . . كنقص القادرين على التمام
وفي الحديث إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وتنبيه على إيثار التلذذ والتنعم مما يؤدي إلى طول الأمل وتعطل العمل وهذا هجيرا (قوله هجيرا: قال في النهاية: الهجير والهجيرا: الدأب والعادة والديدن: أه) أكثر الناس ليست من أخلاق المؤمنين ومن ثم قيل التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين ذكره كله الزمخشري
(ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن عامر بن ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وبزاي حليف أل الخطاب من المهاجرين الأولين شهد بدرا وما بعدها (وهو مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه له على سند(1/214)
295 - (أخشى ما خشيت على أمتي) أي أخوف ما خفت عليهم. قال الزمخشري: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علمه بما يخشى منه ولهذا خص العلماء بها فقال {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (كبر البطن) يعني الانهماك في الأكل والشرب والذي يحصل منه كبرها ومن كانت همته ما يدخله بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه إذ لا فرق بين إدخال الطعام إلى البطن وبين إخراجه فهما ضروريان في الجبلة فكما لا يكون قضاء الحاجة من همتك التي تشغل بها قلبك فلا ينبغي كون تناول الطعام من همتك التي تشغل بها قلبك فمن زاد على ثلث بطنه وصرف همته وبهمته لتحصيل لذيذ الأطعمة ولم يقنع بما يتفق فهو من المخوف عليهم قال الغزالي والخوف رعدة تحصل في القلب عن ظن مكروه يناله والخشية نحوه لكن الخشية تقتضي ضربا من الاستعظام والمهابة (ومداومة النوم) المفوت للحقوق المطلوبة شرعا الجالب لغضب الرب وقسوة القلب قال الغزالي قال عبد الله بن الحسن كنت معجبا بجارية رومية لي ففقدتها من محلها في الليل فطلبتها فإذا هي ساجدة تقول بحبك لي إلا ما غفرت لي فقلت لها لا تقولي بحبك لي وقولي بحبي لك قالت لا يا مولاي بحبه لي أخرجني من الكفر إلى الاسلام وبحبه لي أيقظني وكثير من خلقه نيام (والكسل) بالتحريك التقاعس عن النهوض إلى معاظم الأمور وكفايات الخطوب وتحمل المشاق والمتاعب في المجاهدة في الله ولله والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية والنفلية الذي من ثمراته قسوة القلب وظلمة اللب ففي الحديث للديلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها ثلاث خصال تورث قسوة القلب حب الطعام وحب النوم وحب الراحة ومن ثم تشمر لذلك السلف حق التشمير وأقبلوا على إحياء ليلهم ورفضوا له الرقاد والدعة وجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم فظهرت السيما في وجوههم وترامى أمرهم إلى خدمة ربهم فخفف عنهم. قال الراغب: ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة فحب الهوينا يكسب النصب وقد قيل إن أردت أن لا تتعب فاتعب لئلا تتعب وقيل إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على الحق وما أحسن ما قيل:
علو الكعب بالهمم العوالي. . . ومن رام العلى من غير كد. . . أضاع العمر في طلب المحال
<تنبيه> قال بعض العارفين السهر نتيجة الجوع فلذا ذكره عقبه والسهر سهر عين وسهر قلب فسهر القلب انتباهه من نومات الغفلة طلبا للمشاهدة وسهر العين رغبة في إلقاء الهمة في القلب لطلب المسامرة إذ العين إذا نامت بطل عمل القلب فإذا كان القلب غير نائم منع نوم العين فغايته مشاهدة سهره المتقدم فقط وأما أن يلحظ غير ذلك فلا ففائدة السهر استمرار عمل القلب وارتقاء المنازل العلية (وضعيف اليقين) أي استيلاء الغفلة على القلب المانعة من ولوج النور فيه وإيمان العبد على قدر يقينه ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا في اليقين ومطالعتهم أمور الآخرة بقربهم أكثر
(قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة وكذا الديلمي (عن جابر) بن عبد الله وفيه محمد بن [ص:216] القاسم الأزدي قال الذهبي كذبه أحمد والدارقطني(1/215)
296 - (اخضبوا) بكسر الهمزة اصبغوا ندبا (لحاكم) بكسر اللام أفصح جمع لحية أي بغير سواد (فإن الملائكة) الحفظة أو ملائكة الأرض أو أعم (تستبشر) تسر (بخضاب المؤمن) لما فيه من اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب أما الخضاب بالسواد في غير الجهاد فحرام على الرجل
(عد عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما بإسناد ضعيف لكن له شواهد(1/216)
297 - (اخفضي) بكسر الهمزة خطابا لأم عطية التي كانت تخفض الجواري بالمدينة أي تختنهن (ولا تنهكي) بفتح المثناة فوق وسكون النون وكسر الهاء لا تبالغي في استقصاء محل الختان بالقطع بل أبقي ذلك الموضع. قال الزمخشري: وأصل النهك المبالغة في العمل (فإنه أنضر) بفتح الهمزة والمعجمة (للوجه) أي أكثر لمائه ودمه وأبهج لبريقه ولمعته (وأحظى عند الزوج) ومن في معناه من كل واطئ كسيد الأمة يعني أحسن لجماعها عنده وأحب إليه وأشهى له لأن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فكرهت الجماع فقلت حظوتها عند حليلها كما أنها إذا تركتها بحالها فلم تأخذ منها شيئا بقيت غلمتها فقد لا تكتفي بجماع زوجها فتقع في الزنا فأخذ بعضها تعديل للشهوة والخلقة قال حجة الاسلام انظر إلى جزالة هذا اللفظ في الكناية وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التي هي أهم مقاصد النبوة إلى مصالح الدنيا حتى انكشفت له وهو أمي من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره وتطاير من غب عاقبته شرره وتولد منه أعظم القبائح وأشد الفضائح فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم ببعثته مصالح الدارين؟ وفيه أنه لا استحياء من قول مثل ذلك للأجنبية فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ومع ذلك قاله تعليما للأمة ومن استحيا من فعل فعله أو قول قاله فهو جاهل كثيف الطبع ولعله يقع في عدة كبائر ولا يستحي من الله ولا من الخلق
(طب ك عن الضحاك) بالتشديد (ابن قيس بفتح القاف وسكون المثناة تحت الفهري قال كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تختن الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والفهري قال الذهبي يقال له صحبة قتل يوم راهط انتهى وما ذكر من أن الضحاك هذا هو الفهري هو ما ذكره الحاكم وأبو نعيم حيث أورد الحديث في ترجمته ويخالفه ما رواه البيهقي وغيره عن الفضل العلائي قال سألت ابن معين عن هذا فقال الضحاك هذا ليس بالفهري قال ابن حجر: وهذا الحديث رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال مجهول ضعيف وتبعه ابن عدي في تجهيله وخالفهم عبد الغني فقال هو محمد بن سعيد المصلوب وحاله معروف وكيفما كان سنده ضعيف جدا وممن جزم بضعفه الحافظ العراقي وقال ابن حجر في موضع آخر له طريقان كلاهما ضعيف وقال ابن المنذر ليس في الختان خبر يعول عليه ولا سنة تتبع(1/216)
298 - (أخلص) بفتح فسكون فكسر (دينك) بكسر الدال إيمانك عما يفسده من شهوات النفس أو طاعتك بتجنب دواعي الرياء ونحوه بأن تعبده امتثالا لأمره وقياما بحق ربوبيته لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره ولا للسلامة من المصائب الدنيوية (يكفك) بالجزم جواب الأمر وفي نسخ يكفيك بياء بعد الفاء ولا أصل لها في خطه (القليل من العمل) لأن الروح إذا خلصت من شهوات النفس وأسرها ونطقت الجوارح وقامت بالعبادة من غير أن تنازعه النفس ولا القلب ولا الروح فكان ذلك صدقا فيقبل العمل وشتان بين قليل مقبول وكثير مردود وفي التوراة: ماأريد به وجهي فقليله كثير وما أريد غير وجهي فكثيره قليل قال بعض العارفين لا تتسع في إكثار الطاعة بل [ص:217] في إخلاصها وقال الغزالي: أقل طاعة سلمت من الرياء والعجب وقارنها الإخلاص بكون لها عند الله تعالى من القيمة ما لا نهاية له وأكثر طاعة إذا أصابتها هذه الآفة لا قيمة لها إلا أن يتداركها الله تعالى بلطفه كما قال علي كرم الله وجهه: لا يقل عمل البتة وكيف يقل عمل مقبول؟ وسئل النخعي عن عمل كذا ما ثوابه فقال إذا قبل لا يحصى ثوابه ولهذا إنما وقع بصر أهل البصائر من العباد في شأن الإخلاص واهتموا به ولم يعتنوا بكثرة الأعمال وقالوا الشأن في الصفوة لا في الكثرة وجوهرة واحدة خير من ألف خرزة وأما من قل عمله وكل في هذا الباب نظره جهل المعاني وأغفل ما في القلوب من العيوب واشتغل بإتعاب النفس في الركوع والسجود والإمساك عن الطعام والشراب فغره العدد والكثرة ولم ينظر إلى ما فيها من المنح والصفوة وما يغني عدد الجوز ولا لب فيه وما ينفع رفع السقوف ولم تحكم مبانيها وما يعقل هذه الحقائق إلا العالمون إلى هنا كلام الغزالي وقال ابن الكمال: الإخلاص لغة ترك الرياء في الطاعة واصطلاحا تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه وكل شيء تصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه فخلص منه سمي خالصا. قال الإمام الرازي: والتحقيق فيه أن كل شيء يتصور أن يشوبه وخلص لله سمي خالصا وسمى الفعل المصفى خالصا إخلاصا ولا شك أن كل من أتى بفعل اختياري فلا بد فيه من غرض فمهما كان الغرض واحدا سمي الفعل إخلاصا فمن تصدق وغرضه محض الرياء فهو غير مخلص أو محض التقرب لله فهو مخلص لكن جرت العادة بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب من جميع الشوائب فالباعث على الفعل إما أن يكون روحانيا فقط وهو الإخلاص أو شيطانيا فقط وهو الرياء أو مركبا وهو ثلاثة أقسام لأنه إما أن يكونا سواء أو الروحاني أقوى أو الشيطاني أقوى فإذا كان الباعث روحانيا فقط ولا يتصور إلا في محبة الله تعالى مستغرق القلب به بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه مقر حتى لا يأكل ولا يشرب إلا لضرورة الجبلة فهذا عمله خالص وإذا كان نفسانيا فقط ولا يتصور إلا من محب النفس والدنيا مستغرق الهم بهما بحيث لم يبق لحب الله تعالى في قلبه مقر فتكتسب أفعاله تلك الصفة فلم يسلم له شيء من عبادته وإذا استوى الباعثان يتعارضان ويتناقضان فيصير العمل لا له ولا عليه وأما من غلب أحد الطرفين عليه فيحبط منه ما يساوي الآخر وتبقى الزيادة موجبة أثرها اللائق بها وتحقيقه أن الأعمال لها تأثيرات في القلب فإن خلا المؤثر عن المعارض خلا الأثر عن الضعف وإن اقترن بالمعارض فتساويا تساقطا وإن كان أحدهما أغلب فلا بد أن يحصل في الزائد بقدر الناقص فيحصل التساوي بينهما أو يحصل التساقط ويبقى الزائد خاليا عن المعارض فيؤثر أثرا ما فكما لا يخلو مثقال ذرة من طعام أو دواء في البدن لا يضيع مثقال ذرة من خير أو شر عن أثر التقريب من الله تعالى والتبعيد عنه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الإخلاص) في العمل وكذا الديلمي (ك) في النذر (عن معاذ) ابن جبل قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قلت أوصني فذكره قال الحاكم صحيح ورده الذهبي وقال العراقي رواه الديلمي من حديث معاذ وإسناده منقطع(1/216)
299 - (أخلصوا أعمالكم لله) فإن الإخلاص هو كمال الدين وأعم ذلك البراءة من الشرك بأن لا تتخذ مع الله إلها آخر لأن الشرك في الإلهية لا تصح معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا يرى لله تعالى شريكا في شيء من أسمائه الظاهرة فإن الشرك في أسمائه تعالى لا يصح معه قبول كما قال (فإن الله لا يقبل) من الأعمال (إلا ما) أي عملا (خلص له) من جميع الأغيار فالإخلاص شرط لقبول كل طاعة ولكل عمل من المأمورات خصوص اسم في الإخلاص كإخلاص المنفق بأن الإنعام من الله لا من العبد وكإخلاص المجاهد بأن النصر من الله لا من العبد المجاهد قال الله تعالى {وما النصر إلا من عند الله} وكذا سائر الأعمال. وأساس ذلك طمأنينة النفس بربها في قوامها من غير طمأنينتها بشيء سواه فمتى اطمأنت النفس بما تقدر عليه أو بما تملكه من مملوك أو بما تستند إليه من غير الله ردت جميع عبادتها لما اطمأنت إليه وكتب اسمها على وجهه وكان عبد الرياء والمراء وما المرء إلا عبد ربه تعس عبد الدينار [ص:218] والدرهم والخميصة وهذا هو الذي أحبط عمل العاملين من حيث لا يشعرون {إنا لله وإنا إليه راجعون} قال الإمام الغزالي: سبيل النجاة أن تخلص عملك وتجرد إرادتك لله والقلوب والنواصي بيده سبحانه وتعالى فهو يميل إليك القلوب ويجمع لك النفوس ويشحن من حبك الصدور فتنال من ذلك ما لا تناله بجهدك وقصدك وإن لم تفعل وقصدت رضا المخلوق دونه صرف عنك القلوب ونفر منك النفوس وأسخط عليك الخلق فتكون من الخاسرين
(قط عن الضحاك بن قيس) بن خالد الفهري الأمير المشهور ولم يرمز له بشيء(1/217)
300 - (أخلصوا عبادة الله تعالى) بين به أن المراد بالعمل في الخبر قبله العبادة من واجب ومندوب (وأقيموا خمسكم) التي هي أفضل العبادات البدنية ولا تكون إقامتها إلا المحافظة على جميع حدودها ومن ذلك عدم الاصغاء إلى وسواس الشيطان وخشوع الجوارح والهدوء في الأركان وإتمام كل ركن بأذكاره المخصوصة وجمع الحواس إلى القلب كحاله في الشهادة وفيه إشارة إلى أن جمع الخمس على هذه الهيئة من خصوصياتنا وورد أن الصبح لآدم والظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس ولا يعارضه قول جبريل عقب صلاته بالمصطفى صلى الله عليه وسلم الخمس صبيحة الإسراء وهذا وقتك ووقت الأنبياء من قلبك لأن المراد أنه وقتهم إجمالا وإن اختص كل منهم بوقت ولما ذكر ما يزكي البدن ذكر ما يطهر المال وينميه وهو حق الخلق فقال (وأدوا زكاة أموالكم) المفروضة وفي الاقتصار فيها على الأداء إشعار بأن إخراج المال على هذا الوجه لا يكون إلا مع الإخلاص فيطابق المقطع المطلع (طيبة) بنصبه على الحال (بها أنفسكم) وفي رواية قلوبكم بأن تدفعوها إلى مستحقيها بسماح وسخاء نفس ومن كمال ذلك أن يتناول المستحق بنفسه كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتناول السائل بنفسه ولا يكله لغيره (وصوموا شهركم) رمضان بأركانه وشروطه وآدابه ومنها السحور مؤخرا والفطر معجلا وصوم الأعضاء كلها عن العدوان وترك السواك بعد الزوال والأخذ فيه بشهوات العيال والإضافة للتخصيص على ما مر بما فيه (وحجوا بيتكم) أضافه إليهم لأن أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام بنياه ومن مطلوباته زيادة اليقين واستطابة الزاد والاعتماد على ما بيد رب العباد لا على حاصل ما بيد العبد وتزويد التقوى والرفق على الرفيق وبالظهر وتسكين الأخلاق والارفاق في الهدى وهو الثج والاعلان بالتلبية وهو العج وتتبع أركانه على ما تقتضيه أحكامه وإقامة شعاره على معلوم السنة لا على معهود العادة (تدخلوا) بجزمه جواب الأمر (جنة ربكم) أي المحسن إليكم بالهداية إلى الإخلاص وبيان طريق النجاة والخلاص وخص الرب تذكيرا بأنه المربي والمصلح والموفق والهادي والمنعم أولا وآخرا وجعل الدخول بالأعمال لما جرت به العادة الإلهية من الدخول بها فلشدة ملازمتها كانت كأنها سبب الدخول وإلا فالدخول بالرحمة وهذا الحديث موافق لقوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} <فائدة> قال ابن عطاء الله لون الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرما وفضلا لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيتمي فيه يزيد بن فرقد ولم يسمع من أبي الدرداء(1/218)
301 - (اخلعوا) بكسر الهمزة واللام أي انزعوا (نعالكم) وإن كانت طاهرة يقال خلع نعله إذا نزعه وفي القاموس الخلع كالمنع النزع إلا أنه فيه مهانة (عند الطعام) أي عند إرادة أكله (فإنها) أي هذه الخصلة التي هي النزع (سنة) أي طريقة وسيرة (جميلة) أي حسنة مرضية لما فيه من راحة القدم وحسن الهيئة والأدب مع الجليس [ص:219] وغير ذلك والأمر للإرشاد بدليل خبر الديلمي عن ابن عمر مرفوعا أيها الناس إنما خلعت نعلي لأنه أروح لقدمي فمن شاء فليخلعها ومن شاء فليصل فيهما. والنعل كما في المصباح وغيره الحذاء وهي مؤنثة وتطلق على التاسومة ولما كانت السنة تطلق على السيرة جميلة كانت أو ذميمة بين أنها جميلة هنا أي حسنة مرضية محبوبة وبذلك علم أن المراد بالسنة هنا المعنى اللغوي وإلا لما احتاج لوصفها بما ذكر وخرج بحالة الأكل حالة الشرب فلا يطلب فيها نزع النعل كما هو ظاهر ومثل النغل القبقاب ونحوه لا الخف فيما يظهر
(ك) في المناقب (عن أبي عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة كفلس (ابن جبر) بفتح وسكون الموحدة ابن زيد الأنصاري وقد مر وظاهر صنيع المؤلف أن الصحابي الذي رواه عنه الحاكم هو أبو عبس والأمر بخلافه بل الحاكم إنما رواه عن أنس فقال عن يحيى بن العلاء عن موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن أنس قال دعا أبو عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخلعوا إلى آخره ورواه من طريق آخر بلفظ آخر وتعقبه الذهبي على الحاكم وأن فيه يحيى وشيخه متروكان وإسناده مظلم انتهى لكنه اكتسب بعض قوة بوروده من طريق أخرى ضعيفة(1/218)
302 - (اخلفوني) بضم الهمزة واللام أي كونوا خلفائي (في أهل بيتي) علي وفاطمة وابنتهما وذريتهما فاحفظوا حقي فيهم وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم والإحسان إليهم وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} قال المجد اللغوي وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع لا ينجع فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضيا فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها فقالت منع والدي رزقه قاعتل بأنه يسب الشيخين فالتفتت فاطمة إليهما وقالت أتؤاخذان ولدي قالا: لا فانتبه مذعورا في حكاية طويلة ولما جرى للإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ندم وقال اجعلني في حل فقال ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقرابتك منه (وحكى) المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يغض من بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى صلى الله عليه وسلم في النوم فعاتبه فقال يا رسول الله حاش لله ما أكرههم إنما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب قال نعم قال هذا ولد عاق قال السيد السمهودي وحكى لي شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة يحيى المناوي أن شيخه الشريف الطباطبي كان بخلوته بجامع عمرو بمصر فتسلط عليه تركي يسمى قرقماس الشعباني وأخرجه منها فقال له رجل رأيتك الليلة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينشدك هذين البيتين:
يا بني الزهراء والنور الذي. . . ظن موسى أنه نار قبس
لا أوالي الدهر من عاداكم. . . إنه آخر سطر في عبس
إشارة إلى قوله تعالى {أولئك هم الكفرة الفجرة} ثم أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم عذبة سوط بيده فعقدها ثلاث عقد. قال شيخ الاسلام: فكان من تقدير الله تعالى أن ضربت رأس قرقماس فلم تقطع إلا بثلاث ضربات فكان ذلك السوط من قبيل قوله تعالى {فصب عليهم ربك سوط عذاب}
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب وقال إن ذلك آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيتمي فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف(1/219)
303 - (أخنع) بفتح الهمزة والنون بينهما معجمة ساكنة وفي رواية أخنى أي أفحش (الأسماء) أي أقتلها لصاحبه [ص:220] وأهلكها له يعني أدخلها في النخوع وهو الذل والضعة والهوان ذكره الزمخشري (عند الله يوم القيامة) قيد به مع كونه في الدنيا كذلك إشعارا بترتب ما هو مسبب عنه من إنزال الهوان وحلول العذاب (رجل) أي اسم رجل قال الطيبي: لا بد من هذا التأويل ليطابق الخبر ويمكن أن يراد بالاسم المسمى مجازا أي أخنع الرجال رجل كقوله سبحانه وتعالى {سبح اسم ربك الأعلى} وفيه مبالغة لأنه إذا قدس اسمه عما لا يليق بذاته فذاته بالتقديس أولى وإذا كان الاسم محكوما عليه بالصغار والهوان فكيف المسمى به انتهى وما بحثه تقدمه إليه القرطبي فقال المراد بالاسم المسمى بدليل رواية أغيظ رجل وأخبثه ووقع في هذه الرواية وأغيظه معطوفا على أخبثه فجاء مكررا فزعم بعضهم أنه وهم وأن الصواب وأغنطه بالنون والطاء المهملة أي أشد والغنطة شدة الكذب ورده القرطبي أن تطريق الوهم إلى الحفاظ وهم لا ينبغي المبادرة إليه ما وجد للكلام وجه ويمكن حمله على إفادة تكرار عقوبة من تسمى به تغليظا كما قال الله تعالى {فباءوا بغضب على غضب} أي بعقوبة بعد عقوبة (تسمى) أي سمى نفسه أو سماه غيره فأقروه ورضي به (ملك) بكسر اللام (الأملاك) أو ما في معناه نحو شاه شاهان أو شاهان شاه والعجم تقدم المضاف إليه على المضاف وألحق به ملك شاه قيل وإذا امتنع التسمي بما ذكر فباسم من له هذا الوصف كالله والجبار والرحمن أولى وقيد فيما مر بالعندية إيذانا بشدة غضبه ومزيد عقابه لمن سمى بشيء من ذلك أو تسمى به والتزمه فلم يغيره وقال القرطبي وحاصل الحديث أن من تسمى بهذا الاسم انتهى من الكبر إلى الغاية التي لا تنبغي لمخلوق وأنه قد تعاطى ما هو خاص بالإله الحق لما ثبت في الفطرة أنه (لا مالك) لجميع الخلائق (إلا الله) فلا يصدق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه سبحانه وتعالى فعوقب على ذلك من الاذلال والاسترذال بما لم يعاقب به مخلوق والمالك من له الملك والملك أمدح والمالك أخص وكلاهما واجب لله تعالى انتهى وقال الطيبي قوله لا مالك إلى آخره استئناف لبيان تعليل تحريم التسمية فنفى جنس الملاك بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية الغير مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى بذلك نازع الله سبحانه وتعالى في رداء كبريائه واستنكف أن يكون عبده لأن وصف المالكية مختص بالله لا يتجاوز والمملوكية بالعبد لا تتجاوزه فمن تعدى طوره فله في الدنيا الخزي والعار وفي الآخرة الإلقاء في النار انتهى ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية كان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب وألحق بعض المتأخرين بملك الأملاك حاكم الحكام وقد شدد الزمخشري النكير عليه فقال في تفسير قوله تعالى {وأنت أحكم الحاكمين} رب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر انتهى واعترضه ابن المنير بأن خبر أقضاكم علي يؤخذ منه جواز أن يقال لأعدل القضاة وأعلمهم في زمنه قاضي القضاة ورد عليه وشنع العلم العراقي منتصرا للزمخشري ومن النوادر أن العز بن جماعة رأى أباه في النوم فسأله عن حاله فقال ما كان علي أضر من هذا الاسم فنهى الموقعين أن يكتبوا له في الاسجال قاضي القضاة بل قاضي المسلمين ومنع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة ولعل الفرق الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة وقال ابن أبي جمرة يلحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان خلافه وفيه مشروعية الأدب في كل شيء قال ابن القيم وتحرم التسمية بسيد الناس وسيدة الكل كما تحرم بسيد ولد آدم فإن ذا ليس لأحد إلا للرسول عليه الصلاة والسلام فلا يحل إطلاقه على غيره قال ولا تجوز التسمية بأسماء الله الحسنى كالأحد والصمد ولا تسمية الملوك بالظاهر والقاهر والقادر وظاهر الوعيد يقتضي التحريم الشديد هبه قصد أنه ملك على ملوك الأرض أو بعضها لكن القاضي أبا الطيب من أكابر الشافعية يجوزه بالقصد المذكور وخالفه الماوردي كما مر ويأتي
(ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره أيضا انتهى(1/219)
[ص:221] 304 - (إخوانكم) جمع أخ وهو الناشئ مع أخيه من منشأ واحد على السواء بل بوجه ما قال الحراني (خولكم) بفتح المعجمة والواو وضم اللام أي خدمكم جمع خائل أي خادم سمي به لأنه يتخول الأمور أي يصلحها ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان والتخويل التمليك وأخبر عن الأخوة بالخول مع أن القصد عكسه اهتماما بشأن الإخوان أو الحصر الخول في الإخوان أي ليسوا إلا لإخوانكم أي من جهة تفرع الكل عن أصل واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام ومن قال في الدين لم يصب إذ يلزم قصر طلب المواساة في الأرقاء على المسلمين مع عمومها وحينئذ ففي الكلام معنى التشبيه أو إخوانكم مبتدأ و (جعلهم الله) خبره فعليه إخوانكم مستعار لطي المشبه وجوز جمع نصب إخوانكم بفعل مقدر أي احفظوا إخوانكم وخولكم نعت له قال أبو البقاء وهو أجود من الرفع في تخصيص الإخوان بالذكر إشعارا بعلة المواساة وأن ذلك مندوب لأنه وارد على منهج التلطف والتعطف ومعاملتهم بالشفقة والمناصحة والمسامحة وغير ذلك من ضروب الإحسان مما يعود الطبع إليه من مناصحة الإخوان والخلان وهو غير واجب (قنية) بكسر القاف وتضم أي ملكا (تحت أيديكم) يعني قدرتكم فاليد الحسية كناية عن اليد الحكيمة (فمن كان أخوه تحت يده) أي فمن كان مملوكه في قبضته وتحت حكمه وسلطانه وفي رواية للبخاري يديه بلفظ التثنية (فليطعمه) بضم المثناة التحتية فيه وفيما بعده أي وجوبا والأفضل كونه (من طعامه) الذي يأكله هو (وليلبسه) مما يليق (من لباسه) قال الرافعي لا مناقضة بينه وبين الخبر الآتي للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف لأن ما هنا في حق العرب الذين طعامهم وطعام عبيدهم وكسوتهم متقاربة وذلك في حق المترفهين في الطعام واللباس فليس عليهم لمماليكهم إلا المتعارف لهم بالبلد سواء كان من جنس نفقة السيد أو فوقه أو دونه انتهى وخرج بما ذكر نحو عفاف القن فلا يؤمر به سيده والواجب الكفاية (ولا يكلفه) من التكليف وهو تحميل الشخص شيئا معه كلفة وقيل هو الأمر بما يشق أي لا يكلفه من العمل (ما يغلبه) أي ما لا يطيقه في بعض الأحيان (فليعنه) عليه بنفسه أو بغيره فيحرم على السيد أن يكلف قنه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام وله تكليفه عملا شاقا في بعض الأحيان لكن عليه إعانته أي مساعدته ومثل القن نحو خادم وأجير ودابة ولم يصب في التعبير من قال كابن جماعة تدخل في الخول الرقيق والخادم الحر وكذا الدواب انتهى وما ذاك إلا لأن لفظ الخول في الحديث لا يشمل الدابة لوصفه بالأخوة فالشمول ممنوع وليس إلا القياس وفيه الأمر بالعطف على المملوك والشفقة عليه والتذكير بالنعمة والقيام بشكرها والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك
(حم ق د ت هـ عن أبي ذر) قال ابن حجر وفيه قصة أي وذلك لأن المعرور بن سويد رأى أبا ذر عليه حلة وعلى غلامه مثلها فسأله عن ذلك فذكر أنه ساب رجلا فعيره بأمه فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية أي خلق من أخلاقهم ثم ذكره(1/221)
305 - (أخوف) أي من أخوف (ما أخاف على أمتي) وفي رواية أحمد على هذه الأمة (كل منافق عليم اللسان) أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل وقد كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلا على أشرف أحواله خوفا أن يقتدي به فيها أو بسوء ظنه به فيها فلا ينتفع. قال الحراني: والخوف حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها قال صاحب الهداية:
فساد كبير عالم متهتك. . . وأكبر منه جاهل يتنسك
هما فتنة للعالمين عظيمة. . . لمن بهما في دينه يتمسك [ص:222]
وسبب تحديث عمر بذلك أن الأحنف سيد أهل البصرة كان فاضلا فصيحا مفوها فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة فلا يأتيه عنه إلا ما يحب ثم دعاه فقال تدري لم حبستك عني قال لا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا فذكره ثم قال خشيت أن تكون منافقا عليم اللسان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا منه وأرجو أن تكون مؤمنا فانحدر إلى مصرك
(عد عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد ضعيف ورواه أيضا الطبراني في الكبير بل والإمام أحمد قال السيد السمهودي رواته محتج بهم في الصحيح انتهى فعدل المصنف عن الحديث الصحيح إلى الرواية الضعيفة واقتصر عليها(1/221)
306 - (أخوف ما أخاف على أمتي) اتباع (الهوى) بالقصر وهو ميل النفس وانحرافها نحو المذموم شرعا على ما مر (وطول الأمل) بالتحريك رجاء ما تحبه النفس كما مر وذلك لأنه إذا أنس بالدنيا ولذتها ثقل عليه فراقها وأقلع عن التفكير في الموت الذي هو سبب مفارقتها فيمني نفسه أبدا بما يوافق مرادها وهو البقاء في الدنيا فلا يزال يتوهمه ويقدره في نفسه ويقدر توابع البقاء بما يحتاجه من مال وخدم ودار وغيرها فيعكف قلبه على هذا الفكر فيلهو عن الموت ولا يحذر فوته فإن خطر بباله سوف وقال الأيام بين يديك فإلى أن تكبر تتوب فإذا كبر قال حتى أشيخ فإذا شاخ قال حتى أفرغ من بناء داري وعمارة ضيعتي وقهر عدوي الذي يشمت بي فلا يزال كذلك لا يفرغ من شغل إلا علق بتمام آخر إلى أن تخطفه منيته في وقت لا يحتسبه فمن ثم خافه المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهم قال الحراني: أكبر الهم والاهتمام إنما هو من طول الأمل فلأجله يتكلف الأعمال والأشغال ويجمع ويدخر الأمول {الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده؟ كلا} ونبه بقوله وطول الأمل على أن المذموم الاسترسال فيه وعدم الاستعداد للآخرة أما أصله فلا ذم فيه إذ لولاه لم يتهن أحد بعيش ولولاه لم يصنف العلماء
(عد عن جابر) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضا الحاكم باللفظ المزبور وزاد أما الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ورواه أبو نعيم عن علي وزاد ألا وإن الدنيا ترجلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترجلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل(1/222)
307 - (أخوك البكري) بكسر الموحدة أي الذي ولده أبواك أولا وهذا على المبالغة في التحذير أي أخوك شقيقك خفه واحذر منه (ولا تأمنه) فضلا عن الأجنبي فالتحذير منه أبلغ فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر يخاف منه مقدرا وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن فيمن لم يتحقق فيه حسن السيرة. قال الديلمي: وهذه كلمة جاهلية تمثل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العسكري: هذا من الحكم والامثال
(طس) من طريق زيد بن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب قال أسلم: خرجت في سفر فلما رجعت قال لي عمر: من صحبت قلت: رجلا من بكر بن وائل فقال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي: أسلم وأبوه ضعيفان (د عن) عبد الله (بن عمر وابن الغفواء) عن أبيه والفغواء بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة وواو مخففة مع المد ويقال ابن أبي الفغواء قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني إلى أبي سفيان بمال يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس صاحبا فجاءني عمرو بن أميه الضمري فقال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا قال: قلت: أجل قال: فأنا لك صاحب قال: فجئت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت له: قد وجدت صاحبا قال: من؟ فقلت: عمرو بن أمية الضمري فقال: إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه [ص:223] فخرجت حتى إذا كنا بالأبواء قال: أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قلت راشدا فلما ولى ذكرت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري ثم خرجت حتى إذا كنت بالاصافير إذا هو يعارضني في رهط قال: فأوضعت بعيري فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال: كان لي إلى قومي حاجة قال: قلت: أجل فمضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان انتهى وعبد الله قال ابن حبان مستور وقال الذهبي: تابعي مجهول وساقه في الضعفاء وقال في غيرها لا يعرف قال وعمر له صحبة ورواية وفي التقريب عمرو بن الفغواء الخزاعي صحابي في إسناد حديثه اختلاف انتهى يشير إلى هذا الحديث ورواه العسكري رحمه الله تعالى في الأمثال من حديث مسور مرفوعا هذا وقد رمز المؤلف لحسنه ولعله لاعتضاده(1/222)
308 - (أد) وجوبا من الأداء. قال الراغب: وهو دفع ما يحق دفعه وتأديته (الأمانة) هي كل حق لزمك أداؤه وحفظه وقصر جمع لها على حق الحق وآخرين على حق الخلق قصور قال القرطبي: والأمانة تشمل أعدادا كثيرة لكن أمهاتها الوديعة واللقطة والرهن والعارية. قال القاضي: وحفظ الأمانة أثر كمال الإيمان فإذا نقص الإيمان نقصت الأمانة في الناس وإذا زاد زادت (إلى من ائتمنك) عليها وهذا لا مفهوم له بل غالبي والخيانة التفريط في الأمانة. قال الحراني: والائتمان طلب الأمانة وهو إيداع الشيء لحفظه حتى يعاد إلى المؤتمن ولما كانت النفوس نزاعة إلى الخيانة رواغة عند مضايق الأمانة وربما تأولت جوازها مع من لم يلتزمها أعقبه بقوله (ولا تخن من خانك) أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقه إذ لا تعدي فيه أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا بل قابله بالأحسن الذي هو العفو وادفع بالتي هي أحسن وهذا كما قاله الطيبي أحسن قال ابن العربي: وهذه مسألة متكررة على ألسنة الفقهاء ولهم فيها أقوال الأول لا تخن من خانك مطلقا الثاني خن من خانك قاله الشافعي الثالث إن كان مما ائتمنك عليه من خانك فلا تخنه وإن كان ليس في يدك فخذ حقك منه قاله مالك الرابع إن كان من جنس حقك فخذه وإلا فلا قاله أبو حنيفة. قال: والصحيح منها جواز الاعتداء بأن تأخذ مثل مالك من جنسه أو غير جنسه إذا عدلت لأن ما للحاكم فعله إذا قدرت تفعله إذا اضطررت
(تخ د ت) في البيوع وقال ت حسن غريب (ك عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي: فيه شريك قال يحيى ما زال مختلطا عن قيس قال أحمد كثير الخطأ (قط ك والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الدارقطني: فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وجمع (طب عن أبي أمامة) قال الهيتمي: وفيه يحيى بن عثمان المصري قال ابن أبي حاتم: يتكلمون فيه ورواه الطبراني أيضا في الصغير والكبير باللفظ المزبور عن أنس. قال الهيتمي: رجاله ثقات ورواه ابن عساكر من طريق مكحول قال رجل لأبي أمامة: الرجل أستودعه الوديعة أو يكون لي عليه شيء فيجحدني ثم يستودعني أو يكون له علي شيء أفأجحده. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال ابن عساكر وغيره ومكحول لم يسمع من أبي أمامة وقال السخاوي: في أسانيده مقال لكن بطرقه يتقوى (د عن رجل من الصحابة) ولا يضر إبهامه لأن الصحابة كلهم عدول (قط عن أبي بن كعب) بدري سيد سند من فضلاء الصحابة روى عنه أنس وغيره وفي موته أقوال قال ابن الجوزي فيه محمد بن ميمون قال ابن حبان منكر الحديث جدا لا يحل الاحتجاج به وقال في المنار: فيه ثلاثة ولوا القضاء ساء حفظهم وقال أحمد حديث باطل وقال ابن حجر رواه (د ت ك) عن أبي هريرة تفرد به طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس وفيه أيوب بن سويد فيه خلف ورواه أبو داود بسند فيه مجهول وقد صحبه ابن السكن ورواه البيهقي عن أبي أمامة بسند ضعيف وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه(1/223)
[ص:224] 309 - (أد ما افترض الله) أي أوجب (عليك) ومنه السنة يقول فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أي سنه (تكن من أعبد الناس) أي المقبول عبادتهم يعني إذا أديت العبادة على أكمل الأحوال من ركن وشرط وسنة خالصة سالمة من الخلل تكن من أعبد الناس ممن لم يفعلها كذلك والعبادة تتفاوت رتبها في الكمال (واجتنب ما حرم الله عليك) أي لا تقربه فضلا عن أن نفعله فإن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيها (تكن من أورع الناس) أي من أعظمهم كفا عن المحرمات وأكثر الشبهات قال النووي: والورع اجتناب الشبهات خوفا من الله تعالى وقال ابن القيم: ترك ما يخاف ضرره في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع فيها (وارض) اقنع (بما قسمه الله) قدره (لك) قال الله تعالى {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (تكن من أغنى الناس) فإن من قنع بما قسمه الله له صار غني القلب زاهدا فيما في يد غيره والقناعة كنز لا يفنى قال أكتم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بالقسم قال الحكماء: من قنع كان غنيا وإن كان فقيرا ومن تجاوز ما له من القناعة فهو فقير وإن كان غنيا وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم والاقتصار على حال الوقت والإعراض عما كان ويكون لأن ذلك كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه لأنه ليس مما يعنيه (تتمة) قال الغزالي: للشرع حكمان حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط فالجائز يقال له حكم الشرع والأفضل والأحوط يقال له حكم الورع فافهم وبه يخرج الجواب عن قول من قال الورع موضوع على التشديد والشرع موضوع على اليسر والسماحة
(عد عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي قال الدارقطني رفعه وهم والصواب وقفه(1/224)
310 - (أدبني ربي) أي علمني رياضة النفس ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة والأدب ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة وفي شرح النوابغ هو ما يؤدي بالناس إلى المحامد أي يدعوهم (فأحسن تأديبي) بإفضاله علي بالعلوم الكسبية والوهبية بما لم يقع نظيره لأحد من البشر. قال بعضهم: أدبه بآداب العبودية وهذبه بمكارم أخلاق الربوبية ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته وللصديقين في السير إليه {فاتبعوني يحببكم الله} وقال القرطبي: حفظه الله من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم يكله في شيء من ذلك لغيره ولم يزل الله يفعل به حتى كره إليه أحوال الجاهلية وحماه منها فلم يجر عليه شيء منها كل ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه انتهى. وفي هذا من تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى ومن ثم قالوا: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت وقالوا: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله وقالوا: زك قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب وحسن الأدب يستر قبيح النسب. وقال في العوارف: بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحكمة ولما ورد أبو حفص النيسابوري العراق جاءه الجنيد فرأى أصحابه وقوفا على رأسه يأتمرون بأمره فقال: أدبت أصحابك آداب الملوك. قال: لا [ص:225] ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددت رجلي تجاه الكعبة فجاءتني امرأة من العارفات فقالت: إنك من أهل العلم لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محى اسمك من ديوان القرب. وقال السقطي: مددت رجلي ليلة في المحراب فنوديت ما هكذا تجالس الملوك فقلت: وعزتك لا مددتها أبدا فلم يمدها ليلا ولا نهارا. قال في العوارف: وكل الآداب متلقيات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه مجمعها ظاهرا وباطنا وذكر البرهان البقاعي أنه سأله بعض العجم أن يقرأ عليه فأذن فجلس متربعا فامتنع من إقرائه وقال: أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم الذي جئت تطلبه وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس بين يديه وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله مكشوفا فانتهره وقال له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من الاستخفاف بالناس ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم. وقال بعضهم: قد أدب الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللطف والهبة فتكامل له الإنس باللطف والأدب بالهيبة واتصلت بعد ذلك بالبدن ليخرج باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل وينال كل من الروح والبدن بواسطة الأخرى من الكمال ما يليق بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه وقيل: غير ذلك. قال الحراني: والربوبية إقامة المربوب لما خلق وأريد له فرب كل شيء مقيمه بحسب ما أبداه وجوده فرب المؤمن ربه وباه للإيمان ورب الكافر ربه ورباه للكفران ورب محمد صلى الله عليه وسلم ربه ورباه للحمد ورب العالمين رب كل عالم لما خلق له {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فالربوبية بيان في كل رتبة بحسب ما أظهرته آية مربوبه من عرف نفسه فقد عرف ربه
(ابن السمعاني) الإمام أبو سعد (في) كتاب (أدب الإملاء) أي إملاء الحديث من جهة صفوان بن مفلس الحنطي عن محمد بن عبد الله عن سفيان الثوري عن الأعمش (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} هذا سياق رواية السمعاني بحروفه فتصرف فيه المؤلف كما ترى. قال الزركشي: حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي معناه صحيح لكنه لم يأت من طريق صحيح وذكره ابن الجوزي في الواهيات عن علي في ذيل حديث وضعفه وأسنده سبطه في مرآة الزمان وأخرجه بطرق كلها تدور على السدي عن ابن عمارة الجواني عن علي وفيه فقال يا رسول الله إنك تكلم الوفود بكلام أو لسان لا نفهم أكثره فقال إن الله أدبني فأحسن تأديبي ونشأت في بني سعد فقال له عمر يا رسول الله كلنا من العرب فما بالك أفصحنا فقال: أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها وصححه أبو الفضل بن ناصر قال المؤلف وأخرج العسكري عن علي قال قدم بنو فهد بن زبد على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من غور تهامة وذكر خطيبهم وما أجابهم المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فقلت يا نبي الله نحن بنو أب واحد ونشأنا في بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره فقال: أدبني ربي إلى آخره وأخرج ابن عساكر أن أبا بكر قال: يا رسول الله طفت في العرب وسمعت كلام فصائحهم فما سمعت أفصح منك فمن أدبك قال: أدبني ربي ونشأت في بني سعد قال: وإسناده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف وإن اقتصر شيخنا يعني ابن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه. وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت(1/224)
311 - (أدبوا) خطابا للآباء والأجداد ويلحق بهم كل كافل ليتيم (أولادكم) أي دربوهم لينشأوا ويستمروا (على) ملازمة خصال (ثلاث) وخصها لأنها أهم ما يجب تعليمه للطفل (خصال) قالوا: وما هي. قال: (حب نبيكم) المحبة [ص:226] الإيمانية الطيبة لأنها غير اختيارية وهذا واجب لأن محبته تبعث على امتثال ما جاء به قال السمعاني: يجب على الآباء تعليم أولادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة إلى كافة الثقلين ودفن في المدينة وأنه واجب الطاعة والمحبة. وقال ابن القيم: يجب أن يكون أول ما يقرع سمعهم معرفة الله تعالى وتوحيده وأنه يسمع كلامهم وأنه معهم حيث ما كانوا وكذلك كان بنو إسرائيل يفعلون ولهذا كان أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا عقل الطفل ووعى علم أنه عبد الله ثم يعرفه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبوجوب محبته (وحب أهل بيته) علي وفاطمة وبنيهما أو مؤمنو بني هاشم والمطلب (وقراءة القرآن) أي تلاوته ومدارسته وحفظه (فإن حملة القرآن) أي حفظته عن ظهر قلب المداومين لتلاوته العاملين بأحكامه يكونون (في ظل الله) أي في ظل عرشه كما صرح به في رواية أخرى (يوم لا ظل إلا ظله) أي يوم القيامة إذا دنت الشمس من الرؤوس واشتد عليهم حرها وقد يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال الله تعالى {وندخلهم ظلا ظليلا} وقيل: المراد بالظل الكرامة والكنف والأمن من المكاره في ذلك الموقف (مع أنبيائه وأصفيائه) أي يكونون في حزبه الذين اختارهم من خلقه وارتضاهم لجواره وقربه ومعنى كونه معهم أنه يكون رفيقا لهم هناك لاتصافه بصفتهم من حمل كتابه وفيه وجوب تأديب الأولاد وأنه حق لازم وكما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه كذلك بل وصية الله تعالى للآباء أبنائهم سابقة في التنزيل على وصية الأولاد بآبائهم فمن أهمل تعليم ولده وليدا ما ينفعه فقد أساء إليه وأكثر عقوق الأولاد آخرا بسبب الاهمال أولا ومن ثم قال بعضهم لأبيه: أضعتني وليدا فأضعتك شيخا
(أبو نصر) عبد الكريم بن محمد (الشيرازي) نسبة إلى شيراز بلدة (في فوائده) الحديثية (فر وابن النجار) في تاريخه (عن علي) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف لأن فيه شيء وصالح بن أبي الأسود له مناكير وجعفر ابن الصادق قال في الكشاف عن القطان في النفس منه شيء انتهى(1/225)
312 - (أدخل الله) بصيغة الماضي دعاء وقد يجعل خبرا وعبر عنه بالماضي إشعارا بتحقق الوقوع (الجنة) دار الثواب وقدم الجزاء لمزيد التشويق والترغيب (رجلا) يعني إنسانا ذكرا أو أنثى والمراد كل مؤمن (كان سهلا) أي لينا في حال كونه (مشتريا وبائعا وقاضيا) أي مؤديا ما عليه (ومقتضيا) طالبا ماله ليأخذه والقصد بالحديث الإعلام بفضل اللين والسهولة في المعاملات من بيع وشراء وقضاء واقتضاء وغير ذلك وأنه سبب لدخول الجنة موصل للسعادة الأبدية وخص المذكورات لغلبة وقوعها وكثرة المضايقة فيها حتى في التافه لا لإخراج غيرها فجميع العقود والحلول كذلك
(حم) عن وهب (عن عثمان بن عفان) رضي الله تعالى عنه رمز المؤلف رحمه الله لصحته(1/226)
313 - (ادرؤا) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء ادفعوا (الحدود) أي إيجابها أن تنظروا وتبحثوا عما يمنع من ذلك جمع حد وهو لغة المنع وعرفا عقوبة مقدرة على ذنب (عن المسلمين) والملتزمين للأحكام فالتقييد غالبي أو للتنبيه على أن الدرء عن المسلم أهم (ما استطعتم) أي مدة استطاعتكم ذلك بأن وجدتم إلى الترك سبيلا شرعيا فلا تحدوا أحدا منهم إلا بأمر متيقن لا يتطرق إليه التأويل (فإن وجدتم للمسلم مخرجا) عن إيجاب الحد (فخلوا سبيله) أي طريقه يعني اتركوه ولا تحدوه وإن قويت الريبة وقامت قرينة تغلب على الظن صدق ما يرمى به كوجود رجل مع أجنبية [ص:227] في فراش واحد وكلامه شامل لما بعد الإقرار. قال ابن العربي: ومن السعي في الدرء الإعراض عنه والتعريض له كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم بماعز لعلك قبلت لعلك فاخذت وكما قال لمن اتهم بالسرقة ما إخالك سرقت وقوله لآخر: أبك جنون؟ هل أحصنت (فإن الإمام) يعني الحاكم (لأن) بلام التأكيد وفي رواية أن (يخطئ في العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة) أي خطؤه في العفو خير من خطئه في العقوبة واسم التفضيل على غير بابه إذ لا خير في الخطأ بالعقوبة وإنما مراده الترهيب من المؤاخذة مع قيام أدنى شبهة والخطاب في قوله ادرؤا للأئمة. قال الطيبي: فالإمام مظهر أقيم مقام المضمر على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة حثا له على إظهار الرأفة والرحمة يعني من حق إمام المسلمين وقائدهم أن يرجح سبيل العفو ما أمكن والكلام في غير خبيث شرير متظاهر بالإيذاء والفساد أما هو فلا يدرأ عنه بل يتعين السعي في إقامته بدليل الخبر المار أترعون عن ذكر الفاجر أذكروا الفاجر بما فيه والخطأ كما قال الحراني هو الزلل عن الحق من غير تعمد بل مع عزم الاصابة أو ودان لا يخطئ
(ش ت ك هق) في كتاب الحدود (عن عائشة) رضي الله عنها مرفوعا وموقوفا. وقال الحاكم: صحيح ورده الذهبي في التلخيص بأن فيه يزيد بن زياد شامي متروك وقال في المهذب: هو واه وقد وثقه النسائي انتهى وسبقه الترمذي فقال في العلل: فيه يزيد بن زياد سألت عنه محمدا يعني البخاري فقال منكر الحديث ذاهبه. وقال ابن حجر: فيه يزيد بن زياد ضعيف وقال فيه البخاري منكر الحديث (وش) متروك قال الذهبي رحمه الله: وأجود ما في الباب خبر البيهقي ادرؤا الحد والقتل عن المسلمين ما استطعتم. قال هذا موصول جيد انتهى(1/226)
314 - (ادرؤا الحدود) ادفعوا إقامتها جمع حد. قال الحراني: وحقيقة الحاجز بين شيئين متقابلين فأطلق هنا على الحكم تسمية للشيء باسم جزئه بدلالة التضمن (بالشبهات) بضمتين جمع شبهة بالضم وهي كما في القاموس الإلباس. وقال الزمخشري: تشابهت الأمور واشتبهت التبست لاشتباه بعضها ببعض وشبه عليه الأمر لبس عليه (وأقيلوا الكرام) أي خيار الناس ووجوههم نسبا وحسبا وعلما ودينا وصلاحا (عثراتهم) أي زلاتهم بأن لا تعاقبوهم عليها ولا تؤاخذوهم بها يقال للعثرة زلة لأن العثور السقوط والزلة سقوط في الإثم. قال الزمخشري: من المجاز أقال الله عثرتك وعثر على كذا اطلع عليه وأعثره عليه أطلعه وأعثر به عند السلطان قدح فيه وطلب توريطه (إلا في حد من حدود الله) فإنه لا يجوز إقالتهم فيه إذا بلغ الإمام وثبت عنده وخلى عن الشبهة ولم يجد إلى دفعه عنه سبيلا وطلب منه إقامته فيما يتوقف على الطلب وزاد قوله من حدود الله تفخيما وتأكيدا فلا مفهوم له
(عد) قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي خرجه أبو أحمد بن عدي (في جزء له من حديث أهل مصر والجزيرة) من رواية ابن لهيعة (عن ابن عباس) قال الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وهذا الإسناد إن كان من بين ابن عدي وابن لهيعة مقبول فهو حسن وذكر البيهقي في المعرفة أنه جاء من حديث علي مرفوعا وذكر التاج السكي في شرح المختصر أن أبا محمد الحارثي ذكره في مسند أبي حنيفة من حديث ابن عباس ووهم من أخذ كلامه فنسبه إلى أبي محمد الدارمي فكأنه تحرف عليه انتهى (وروى صدره) فقط وهو قوله ادرؤوا الحدود بالشبهات (أبو مسلم الكجي) بفتح الكاف وشد الجيم نسبة إلى الكج وهو الجص لقب به لأه كان كثيرا ما يبني به (وابن السمعاني) أي وروى صدره فقط ابن السمعاني (في الذيل) أي ذيل تاريخ بغداد (عن) أبي حفص (عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين الخليفة العادل الراشد المجمع [ص:228] على وفور فضله وعقله وعلمه وورعه وزهده وعدله (مرسلا) قال ابن حجر: وفي سنده من لا يعرف وفيه قصة (ومسدد) بضم الميم وفتح المهملة وشد المهملة ابن مسرهد البصري ثقة حافظ (في مسنده) الذي هو أول مسند صنف في البصرة قيل اسمه عبد الملك ومسدد لقبه (عن) عبد الله (بن مسعود موقوفا) بلفظ إدرؤوا الحدود بالشبهة بلفظ الإفراد. وقال ابن حجر في شرح المختصر وهو موقوف حسن الإسناد انتهى. وبه يرد قول السخاوي طرقه كلها ضعيفة نعم أطلق الذهبي على الحديث الضعف ولعل مراده المرفوع(1/227)
315 - (ادرؤا الحدود) جمع حد قال الراغب: سميت العقوبة حدا لكونه يمنع الفاعل من المعاودة أو لكونها مقدرة من الشارع أو الإشارة إلى المنع ولذا سمي البواب حدادا قال وتطلق الحدود ويراد بها المعاصي كقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} وعلى فعل فيه شيء مقدر ومنه {ومن يتعد حدود الله} وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سميت حدود إذ الحد الحاجز فمنها ما زجر عن فعله ومنها ما زجر عن الزيادة عليه والنقص منه (و) لكن (لا ينبغي) مع ذلك (للإمام) ونوابه أي لا يجوز (تعطيل الحدود) أي ترك إقامة شيء منها بعد ثبوته على وجه لا مجال للشبهة فيه فالمراد لا تفحصوا عنها إذا لم تثبت عندكم وبعد الثبوت فإن كان ثم شبهة فادرؤا بها وإلا فأقيموها وجوبا ولا تعطلوها فإن تعطيلها يجر إلى اقتحام القبائح وارتكاب الفضائح والتجاهر بالمعاصي وخلع ربقة أحكام الشريعة <تنبيه> أخذ الكرخي من هذه الأخبار أنه لا يجب العمل بخبر الواحد في الحدود لما أنه لا يفيد العلم إلا بقرينة وذلك شبهة وألزم بأن ذلك موجود في شهادة الواحد
(قط هق عن علي) وضعفه البيهقي. وقال السخاوي: فيه المختار بن نافع قال البخاري منكر الحديث انتهى نعم هو حسن بشواهده وعليه يحمل رمز المؤلف لحسنه(1/228)
316 - (ادعوا) بهمزة وصل مضمومة (الله) المنفرد بالإعطاء والمنع والضر والنفع فذكره هنا أنسب من ذكر الرب أي اسألوه من فضله من الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الإفتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية وبه رد على من كره الدعاء من الصوفية وقال الأولى السكوت والرضا والجمود تحت جريان الحكم والقضاء وهذا الحديث نص في رده والذي عليه جمهور الطوائف أن الدعاء أفضل مطلقا لكن بشرط رعاية الأدب والجد في الطلب والعزم في المسألة والجزم بالإجابة كما أشار إليه بقوله (وأنتم موقنون) جازمون (بالإجابة) بأن تكونوا على حال تستحقون فيه الإجابة بخلوص النية وحضور الجنان وفعل الطاعات بالأركان وتجنب المحظور والبهتان وتفريغ السر عما سوى الرحمن أما سمعته يقول {وجاء بقلب منيب} أي راجع إليه عما سواه من إظهار الانكسار والاضطرار ورفض الحول والقوة وغلبة ظن الإجابة بحيث تكون أغلب على القلب من الرد لأن الداعي إذا لم يكن جازما لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يصدق الرجاء لم يخلص الدعاء إذ الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع بدون تحقق الأصل ولأن الداعي إذا لم يدع ربه على يقين أنه يجيبه فعدم إجابته إما لعجز المدعو أو بخله أو عدم علمه بالابتهال وذلك كله على الحق تقدس محال. قال الطيبي: وقيد الأمر بالدعاء باليقين والمراد النهي عن التعرض بما هنا مناف للإيقان من الغفلة واللهو والأمر بضدهما من إحضار القلب كما تقرر أولا والجد في الطلب بالعزم في المسألة فإذا حصل حصل اليقين ونبه على ذلك بقوله (واعلموا أن الله) زاد في رواية الترمذي تبارك وتعالى (لا يستجيب) أي لا يجيب قال في النهاية: المجيب الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء (دعاء) بالمد (من قلب غافل) بالإضافة ويجوز عدمها وتنوينها (لاه) أي لا يعبأ بسؤال سائل غافل عن الحضور مع [ص:229] مولاه مشغوف بما أهمه من دنياه ونظيره قوله تعالى {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} نهاهم عن الموت على غير دين الإسلام وليس بمقدورهم لكنه أمر بالثبات عليه بحيث إذا أدركهم الموت على تلك الحالة والتيقظ والجد في الدعاء من أعظم آدابه قال الإمام الرازي: أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر. قال: وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة ولا بحالة مخصوصة <تنبيه> قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والإشنغال بتحريات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان
(ت) في الدعوات واستغربه عن أبي هريرة قال في الأذكار: وإسناده فيه ضعف (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي هريرة) قال الحاكم مستقيم الإسناد تفرد به صالح المزي أحد زهاد البصرة انتهى ورده الذهبي فقال صالح متروك تركه (س) هذا رمز الذهبي ومراده به النسائي وعبارة المتولي قال المنذري: تركه أبو داود والنسائي انتهى فما في النسخ هن نقط السين خطأ ينشأ من توهم أن رمز الذهبي كرمز المؤلف وغيره له هنا قال (خ) منكر الحديث. وقال أحمد: صاحب قصص لا يعرف الحديث وجرى على منواله الحافظ العراقي ثم تلميذه الحافظ ابن حجر فقالا: صالح وإن كان صالحا ضعيف في الحديث ومن ثم تركه جمع فمن زعم حسنه فضلا عن صحته فقد جازف(1/228)
317 - (ادفعوا الحدود عن عباد الله) أضافهم إليه تذكيرا بأن الدفع عنهم من تعظيم مالكهم (ما وجدتم له) أي للحد الذي هو واحد الحدود أو للدفع المفهوم من ادفعوا أي لا تقيموها مدة دوام وجودكم لها (مدفعا) كمصرع أي تأويلا يدفعها لأن الله تعالى كريم عفو يحب العفو والسر {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} ومن ثم ندب للحاكم إذا أتاه نادم أقر بحد ولم يفسره أن لا يستفسره بل يأمره بالستر فإن كان مما يقبل الرجوع عرض له به كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا مقيد بما إذا لم يكن الفاعل معروفا بالأذى والفساد فعدم الإغضاء عنه أولى كما مر بل قد يجب عدم الستر عليه لأن الستر يطغيه نص عليه مالك وغيره قال الحراني: والدفع رد الشيء بغلبة وقهر عن وجهته التي هو منبعث إليها
(هـ) من حديث إسحاق بن إسرائيل عن وكيع عن إبراهيم بن الفضل عن المقبري (عن أبي هريرة) قال ابن حجر في تخريج المختصر: إبراهيم مدني ضعيف وقد خرجه ابن عدي فعده من منكراته وقال: هذا رجل اتهمه سفيان الثوري انتهى وبه يعرف سقوط رمز المصنف رحمه الله تعالى لحسنه إلا أن يراد أن ما مر يعضده(1/229)
318 - (ادفنوا) أيها المسلمون (موتاكم) المسلمين (وسط) بفتح السين وسكونها وهو أفصح (قوم صالحين) جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته والوسط بمعنى المتوسط بين جماعة من الأموات. لكن ليس المراد هنا حقيقة التوسيط وهو جعل الشيء في الوسط بل الدفن بقرب قبر صالح أو بمقبرة الصلحاء ولو في طرفها فيكره الدفن بقرب قبر مبتدع أو فاسق والأفضل بأفضل مقبرة البلد ويحرم دفن مسلم في مقبرة كفار وعكسه كما أشار إليه بقوله (فإن الميت يتأذى) يتضرر (بجار السوء) بالفتح والإضافة أي بسبب جوار جار السوء الميت وتختلف مراتب الضرر بإختلاف أحوال المتضرر منه لنحو شدة تعذيب أو نتن ريح أو ظلمة أو غير ذلك فليس المراد بالتأذي مدلوله اللغوي [ص:230] وهو الضرر بقيد كونه يسيرا فحسب إذ في القاموس الأذى السوء اليسير (كما يتأذى الحي بجار السوء) الحي وفي رواية قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة قال: هل ينفع في الدنيا قالوا: نعم قال: كذلك ينفع في الآخرة. قال السخاوي: وما روي أن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا إنما يقدس المرء عمله قد لا ينافيه قال عبد الحق في العاقبة: فيندب لولي الميت أن يقصد به قبور الصالحين ومدافن أهل الخير فيدفنه معهم وينزله بإزائهم ويسكنه في جوارهم تبركا وتوسلا بهم وأن يجتنب به قبور من يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدة حاله كما جاء في أثر أن امرأة دفنت بقبر فأتت أهلها في النوم فجعلت تعتبهم وتقول ما وجدتم أن تدفنوني إلا إلى فرن الخبز فلما أصبحوا لم يجدوا بقرب القبر فرن خبز لكن وجدوا رجلا سيافا لابن عامر دفن بقربها. ورأى بعضهم ولده بعد موته فقال: ما فعل الله بك قال: ما ضرني إلا أني دفنت بإزاء فلان وكان فاسقا فروعني ما يعذب به من أنواع العذاب ولو تعارض شرف البقعة وسوء حال المقبورين فاحتمالان رجح بعضهم تقديم الدفن بجوار الصلحاء على الدفن بالبقعة المقدسة وفيه حث على العمل الصالح والبعد عن أهل الشر والزجر عن فعله والنهي عن أذى الجار
(حل) من حديث محمد بن عمران بن الجنيد عن شعيب بن محمد الهمداني عن سلمان بن عيسى عن نافع عن عمه نافع بن مالك عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال غريب من حديث مالك وأقول سليمان ابن عيسى قال في اللسان هالك وقال أبو حاتم كذاب وابن عدي وضاع ومن ثم أورد الجوزقاني الحديث في الموضوعات وكذا ابن الحوزي وتعقبه المؤلف وغاية ما أتى به أن شاهدا حاله كحاله(1/229)
319 - (ادفنوا القتلى) بفتح فسكون أي قتلى أحد والحكم عام (في مصارعهم) وفي رواية في مضاجعهم أي في الأماكن التي قتلوا فيها والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط إلى الأرض ومنه قيل للقتيل صريع وهذا قاله لما نقلوا بعضهم ليدفنوه بالبقيع مقبرة المدينة ولا يصح تعليله لكونه محل الشهادة والأرض تشهد لمن قتل فيها لأن الشهادة لا تتوقف منها على الدفن ولعله لبقاء دمائهم ودفنها معهم قال في المطامح والصحيح أن ذلك كان قبل دفنهم وحينئذ فالأمر للندب
(4 عن جابر) قال الترمذي رحمه الله حسن صحيح ولهذا رمز المؤلف رحمه الله تعالى لصحته(1/230)
320 - (أدمان) تثنية أدم بضم الهمزة والدال المهملة وتسكن جمع إدام وقيل هو بالسكون المفرد وبالضم الجمع أي لبن وعسل (في إناء) واحد (لا آكله ولا أحرمه) صريح في حله خلافا لمن وهم لأنه من الطيبات المأذون في تناولها وإنما لم يأكله لأنه كان يكره التلذذ والتبسط بنعيم الدنيا ويحب التقلل منه تركا للتعمق في التنعم ورفضا لفضول الدنيا كما ورد في عدة أخبار وبين مراده به في خبر عائشة رضي الله عنها وغيره وأكله من برمة فيها سمن وعسل لبيان الجواز أو للإيناس أو جبرا لخاطر من قدمه أو لكونه المتيسر في ذلك الوقت أو للتعديل كالجمع بين حار وبارد أو رطب ويابس أو غير ذلك من المقاصد التي لا تنافي الزهد <تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث نبه به على أنه ينبغي للإنسان أن لا ينهمك في الشهوات فيكفي إسرافا أن يأكل كلما يشتهيه ويفعل كلما يهواه فلا يعطي نفسه شهوتين دفعة فتقوى عليه وقد أدب عمر ولده عبد الله إذ دخل عليه فوجده يأكل لحما مأدوما بسمن فعلاه بالدرة وقال: لا أم لك كل يوما هذا ويوما هذا وإذا كان حد الاعتدال المطلوب خفيا في كل شخص فالحزم أن لا يترك في كل حال وأكل أدم في يوم هو الاعتدال وخلافه إسراف وإفراط ومخالفته إقتار وكان بين ذلك قواما. قال: وإذا اشتهى فاكهة فينبغي أن يترك الخبز ويأكلها بدلا عنه ليكون قوتا لئلا يجمع بين شهوة وعادة
(طس ك) في الأطعمة (عن أنس) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقعب فيه لبن وعسل فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي وقال بل منكر واه وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني [ص:231] فيه عبد الكبير بن شعيب لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر في طريق الطبراني راو مجهول وقد أشار البخاري إلى تضعيفه في صحيحه فزعم صحته خطأ(1/230)
321 - (أدن) بفتح الهمزة وسكون الدال وكسر النون أي قرب (العظم من فيك) قاله لصفوان وقد رآه يأخذ اللحم من العظم بيده (فإنه) أي تقريب اللحم من الفم ونهشه (أهنأ) بفتح الهمزة الأولى ورفع الثانية أي أقل مشقة وتعبا (وأمرأ) بصيغة أهنأ أي أقل ثقلا على المعدة وأسرع هضما وأبعد عن الأذى وأحمد للعاقبة فالأمر إرشادي
(د عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشدة التحتية تصغير أمة وهو ابن خلف الجمحي من المؤلفة الأشراف شهد اليرموك أميرا قال: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فذكره وقد رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر بأن سنده منقطع(1/231)
322 - (أدنى ما تقطع فيه يد السارق) أي أدون ما يجب فيه قطع يد السارق من حرز مثله بشرطه (ثمن) وفي رواية قيمة (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم الترس سمي به لأنه يجن صاحبه أي يستره ويواريه وميمه عند سيبويه أصلية وعند الجمهور زائدة وبقية الحديث عند مخرجه الطحاوي وكان يقوم يومئذ بدينار وفي رواية له أيضا بعشرة دراهم ويوافقه رواية أبي داود والنسائي عن ابن عباس قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم وفي رواية للنسائي لا قطع فيما دون عشرة دراهم وعورض بأحاديث منها خبر الشيخين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وخبر البيهقي عن عمر قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت: ربع دينار وقال ابن عبد البر: هذا أصح حديث في الباب قال ابن حجر: ويجمع بأنه قال أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر وأما سائر الروايات فليس فيها إلا الإخبار عن فعل وقع في عهده وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو مع كونه حكاية فعل لا يخالف حديث عائشة أن قيمته ربع الدينار فإن ربع الدينار صرف ثلاثة دراهم وليس المراد به مجنا بعينه بل الجنس وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن فيكون نصابا ولا يقطع فيما دونه وقد أخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في ثمن المجن وكان يومئذ ذا ثمن ولم يكن يقطع في الشيء التافه وقد قال في رواية الطحاوي أيضا وغيره بدل ثمن قيمة وقيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة فيه والثمن ما يقابل به المبيع عند البيع. قال ابن دقيق العيد: القيمة والثمن قد يختلفان والمعتبر القيمة ولعل التعبير بالثمن لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت أو باعتبار الغلبة والجمع بين مختلف الروايات في ثمن المجن ممكن بالحمل على اختلاف الثمن والقيمة أو على تعدد المجان التي قطع فيها أو اعتماد الشافعي رحمه الله تعالى على حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا قال وهذا صريح في الحصر وسائر الأخبار حكاية فعل لا عموم لها وأما خبر لعن الله السارق يسرق البيضة فيقطع ويسرق الحبل فيقطع فإنه وإن احتمل بهذا الحديث وجوه <تنبيه> قال المازري وغيره وقد صان الله تعالى الأموال بإيجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من نحو نهب وغصب ولسهولة إقامة البينة عليها بخلاف السرقة وشدد العقوبة فيها لتكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفيه إشارة إلى الرد على المعري في قوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت. . . ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه القاضي عبد الوهاب بقوله:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها. . . ذل الخيانة فافهم حكمة الباري [ص:232]
وشرحه أن الدية لو كانت ربع دينار كثرت الجنايات على الأيدي. لو كان نصاب القطع خمس مئة دينار كثرت على الأموال فظهرت الحكمة من الجانبين وكان فيه صيانة على الطرفين. قال الزمخشري: والدون يعبر به عن قلة المقدار وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك والنطع كما في الفتح تأثير في الغير بالإبانة
(الطحاوي طب عن أيمن الحبشي) ابن أم أيمن حاضنة المصطفى صلى الله عليه وسلم واسمها بركة رمز المصنف لحسنه. قال ابن حجر: هذا منقطع لأن أيمن إن كان هو ابن أم أيمن فلم يدركه عطاء ومجاهد لأنه استشهد يوم حنين وإن كان والد عبد الواحد أو ابن امرأة كعب فهو تابعي وبالثاني جزم الشافعي وأبو حاتم وغيرهما وأما رواية الطحاوي فنسب البيهقي الوهم فيها إلى شريك وقد بين من رواية الطبراني أن الوهم ممن دونه انتهى(1/231)
323 - (أدنى أهل النار) أي أهونهم (عذابا) وهو أبو طالب كما يأتي التصريح به في خبر (ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه) أي بسبب حرارتهما أو من أجلهما فيرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم وفيه أن عذاب أهل النار متفاوت فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ومنهم إلى ركبتيه ومنهم ومنهم وكفر من كفر فقط ليس ككفر من كفر وطغى وتمرد وعصى وكفر من قاتل الأنبياء وفتك فيهم وأفسد في الأرض ليس ككفر من كفر وسالمهم وأحسن إلى أحدهم كأبي طالب وقضية الخبر دوام الإحتراق مع الحركات والتحريكات الغير المتناهية في القوة الحيوانية ولا استحالة فيه كما زعمه بعض فرق الضلال وهم منكروا المعاد الجسماني لأن الله تعالى قادر على الممكنات ودوام الحياة مع دوام الإحراق ممكن والقوة الجسمانية قد لا تتناهى انفعالاتها فكذا فعلها بالواسطة
(م عن أبي سعيد) الخدري لكن بلفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه من النسخ المحررة من حديث أبي سعيد: إن أدنى(1/232)
334 - (أدنى) هذا هو لفظ رواية أحمد وغيره ولفظ الترمذي إن أدنى (اهل الجنة) هو جهينة وقيل غيره (منزلة) تمييز أو حال بتأويله بنازلا والمنزلة الدرجة وأصل الدنو القرب في المكان ثم استعير للخسة كما استعير البعد للشرف والرفعة (الذي) أي الرجل وعبر باسم الموصول تفخيما (له ثمانون ألف خادم) من الذكور والإناث فإن الخادم يتناول الغلام والجارية كما صرح به أهل اللغة وهؤلاء الخدم من أولاد المشركين كما يدل عليه الحديث الآتي ويحتمل أن البعض منهم والبعض من الولدان والبعض من الحور وقضية الخبر الحصر في هذا العدد ويحتمل أن المراد المبالغة في الكثرة على قياس ما يأتي بعده عن الغزالي لكنه يبعده ذكر الاثنين مع السبعين في قوله (واثنتان وسبعون زوجة) من الحور العين كما في رواية أي غير ما له من نساء الدنيا. قال السمهودي: وتبين من الأحاديث أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من الحور العين أصالة وسبعين إرثا من أهل النار وذلك غير أزواجه من أهل الدنيا وأخذ منه أن النساء أكثر أهل الجنة كما أنهن أكثر النار أهل وهو ما فهمه أبو هريرة كما في الصحيحين عنه لكن فيهما مرفوعا أن منكن في الجنة ليسير وفي حديث مسلم الآتي أقل ساكني الجنة النساء. قال ابن القيم: فهذا يدل على أنه إنما يكن في الجنة أكثر بالحور وأما نساء أهل الدنيا فأقل أهل الجنة قال السمهودي: وفيه نظر لإمكان الجمع بأن المراد أن منكن في الجنة ليسير بالنسبة لمن يدخل النار منكن لأنهن أكثر أهل النار ويحمل عليه خبر عائشة أقل ساكني الجنة النساء يعني بالنسبة لمن يسكن منهن النار ويأتي لذلك مزيد (وينصب له) في روضة من رياض الجنة أو على حافة نهر الكوثر كما ورد في الصحاح (قبة) بضم القاف وشد الموحدة بيت صغير مستدير (من لؤلؤ) بضم [ص:233] اللامين وسكون الهمزة بينهما (وزبرجد) بدال مهملة كما في الصحاح ولم يصب من جعله بمعجمة وله منافع منها أن شرب حكاكته نافع من الجذام كما نقله المؤلف (وياقوت) قال القاضي: يريد إن القبة معمولة منها أو مكللة بها وقال غيره أراد أنها مركبة من الجوهر الثلاثة وللياقوت خواص شريفة منها أن التختم به والتعلق يمنع إصابة الطاعون على التحقيق وله في التفريح وتقوية القلب الجريح ومقاومة السموم ومدافعة الغموم ما هو مشهور معلوم وسعتها (كما بين الجابية) قرية بالشام (وصنعاء) قصبة باليمن كثيرة الشجر والماء تشبه دمشق قيل أول بلد بنيت بعد الطوفان والمسافة بينهما أكثر من شهر. قال القاضي: أراد أن بعد ما بين طرفيها كما بين الموضعين وهذا للمبالغة في السعة وقد شنع حجة الإسلام على من زعم أن المراد الحقيقة وقال لا تظن أن المراد به تقدير بالمساحة لأطراف الأجسام فإن ذلك جهل بطريق ضرب الأمثال انتهى. وفيه دلالة على سعة الجنان الموعودة لأهل الإيمان وذلك من أعظم المنن عليهم إذ الروح مع السعة كما أن الكرب مع الضيق وكما جمع الله لأهل الجنة السعة والإغداق جمع على أهل النار التضييق والإرهاق
(حم ت) في صفة الجنة واستغربه (حب والضياء) المقدسي (عن أبي سعيد) الخدري وفيه مقال(1/232)
325 - (أدنى جبذات) جمع جبذة بجيم فموحدة والجبذ الجذب وليس مقلوب بل لغة صحيحة كما بينه ابن السراج وتبعه القاموس فجزم به موهما للجوهري (الموت بمنزلة) أي مثل (مئة ضربة بالسيف) تهويل لشدته وإشارة إلى أنه خلق فظيع منكر ثقيل بشع فليس المراد أن ألمه كألم المئة ضربة بل هو إعلام بأنه في الشدة للغاية التي لا شيء فوقها وأن كل عضو لا روح فيه لا يحس بألم فإذا كانت فيه الروح فالروح هو المدرك للألم فكل ألم أصاب العضو سرى أثره للروح فبقدر السراية يألم والموت ألمه مباشر للروح فيستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق فيه جزء إلا دخله الألم فإن المنزوع المجذوب من كل عرق وعصب وشعر وبشر وذلك أشد من ألوف ضربات بالسيوف لأنها لا تبلغ تلك الكلية لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلمه لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المتناول نفس الروح؟ وأخرج ابن عساكر أن عمرو ابن العاص كان يقول: عجبا لمن ينزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به ذكره ابنه عبد الله وقال صفه لنا قال: الموت أجل من أن يوصف لكني سأصف لك منه شيئا كأن على عنقي جبال رضوى وفي جوفي الشوك وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة ويستثنى من ذلك الشهيد فإنه إنما يجد ألمه كما يجد غيره ألم القرصة كما في خبر يأتي
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذكر الموت) وما ورد فيه (عن الضحاك بن حمرة) بضم المهملة وبراء مهملة الأملوكي بضم الهمزة الوسطى قال في التقريب ضعيف (مرسلا) أرسل عن قتادة وجماعة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الموت فذكره(1/233)
326 - (أدوا) أعطوا أهل الزكاة وجوبا وفي رواية أخرجوا (صاعا) عن كل رأس وهو خمسة أرطال وثلث برطل بغداد عند الأئمة الثلاثة وثمانية عند أبي حنيفة (من طعام) من غالب قوت البلد وفي رواية بدله من بر (في الفطر) بكسر الفاء أي في زكاة الفطر شكرا لله تعالى على إحسانه بالهداية إلى صوم رمضان وتوفيقه الصائم لختم صومه واستقبال فطره وامتثالا لأمر ربه وإظهارا لشكره بما خوله من إطعام عيلته فلذلك جرت فيمن يصوم وفيمن يعوله الصائم على ما قرر في الفروع ووجوبها مجمع عليه ولا إلتفات لمن شذ وفي إطلاق الصاع تأكيد لمذهب الأئمة الثلاثة أن الواجب صاع تام من أي جنس كان خلاف ما عليه الحنفية كما يجيء تفصيله
(حل هق) كلاهما من حديث عبد الله بن الجراح عن حماد ابن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي (عن ابن عباس) وقال أبو نعيم رحمه الله تعالى غريب ولا أعلم له راويا إلا ابن الجراح وقال غيره سنده ضعيف لكن له شواهد(1/233)
[ص:234] 327 - (أدوا حق المجالس) أي ما طلب منكم فيها أولها جمع مجلس محل الجلوس قيل وما حقها قال (اذكروا) بضم الهمزة (الله) ذكرا (كثيرا) ندبا ليشهد لكم ذلك المجلس بذلك وليشغلكم ذكره عما لا يعنيكم (وارشدوا) أي اهدوا وجوبا عينيا وقد يكون مندوبا كفاية وقد يكون (السبيل) الطرق للضال عنه ضلالا حسيا أو معنويا والمرشد الهادي إلى سواء الصراط (وغضوا) بضم أوله المعمم (الأبصار) أي اخفضوا أبصاركم حذرا من الإفتتان بامرأة أو غيرها والمراد بالمجالس أعم من الطرق وهذا متأكد على كل جالس والغض خفض الطرف أي حبسه وكفه عن النظر وكل شيء كففته فقد غضضته
(طب عن سهل) ضد الصعب (ابن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون المثناة تحت ابن واهب الأنصاري الأوسي بدري جليل قال قال أهل العالية يا رسول الله لا بد لنا من مجالس فذكره قال الهيتمي فيه أبو بكر ابن عبد الرحمن الأنصاري تابعي لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى والمؤلف رحمه الله تعالى رمز لحسنه(1/234)
328 - (أدوا العزائم) جمع عزيمة وهي لغة القصد المؤكد ومنه {ولم نجد له عزما} وعرفا ما لزم العباد بإلزام الله وقيل الحكم الأصلي السالم عن المعارض (واقبلوا الرخص) جمع رخصة وهي لغة خلاف التشديد وعرفا الحكم المتغير إلى سهولة والمراد اعملوا بهذه وبهذه ولا تشددوا على أنفسكم بإلتزام العزائم فإن الدين يسر وما شاده أحد إلا غلبه وهذه الرخص ما سهله الله على عباده كقصر وفطر المسافر ومسح خف وفطر مريض وشيخ هرم وحامل ومرضع وغير ذلك مما أجمع على حله فإذا أنعم الله سبحانه وتعالى على العبد بنعمة حسن قبولها إجلالا لما صدر من كرمه (ودعوا الناس) اتركوهم ولا تبحثوا عن عيوبهم وأحوالهم الباطنة (فقد كفيتموهم) أي إذا فعلتم ذلك كفاكم شرهم من يعلم السر وأخفى وفيه تحذير من مخالطة الناس وحث على تجنبهم بقدر الإمكان
(خط عن ابن عمر) بإسناد ضعيف لكن له شواهد يأتي بعضها(1/234)
329 - (أديموا) واظبوا وتابعوا ندبا (الحج والعمرة) أي ائتوا بهما على الدوام والمواظبة لوجه الله تعالى (فإنهما ينفيان) ينحيان (الفقر) بفتح الفاء وتضم وكل منهما على حدته ينفي الفقر ففي خبر يأتي ما أمعن حاج قط أي ما افتقر ولا احتاج وتخلفه في بعض الأفراد لعارض (والذنوب) أي ويمحون الذنوب بمعنى أنه سبحانه وتعالى يكفرها بهما أما الحج فيكفر الصغائر والكبائر وأما العمرة فيظهر أنها إنما تكفر الصغائر ثم شبه ذلك تشبيه معقول بمحسوس بقوله (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون المثناة تحت زق ينفخ فيه الحداد والمعنى من الطين كور (خبث الحديد) بفتحات وسخه الذي يخرجه النار فإنه في كل مرة يخرج منه خبث فلا ينفي خبثه إلا تتابع دخوله وتكرره وخص الحديد الذي هو أشد المنطبعات صلابة وأكثرها خبثا إشارة إلى أن الفقر وإن اشتد والذنوب وإن خبثت وعظمت يزيلهما المداومة على النسكين ويأتي في خبر أن متابعتهما أيضا تزيد في العمر والرزق واقتصر هنا على ذينك ليتم وجه التشبيه وفيه مشروعية إدامة الحج والعمرة وإحياء الكعبة وإيقاع المناسك بهما وهو في كل عام فرض كفاية على القادرين وإن حجوا وقد جبلت القلوب على محبة ذلك ويعتبر وقوف جمع بعرفة يحصل بهم الشعار
(قط في الأفراد) بفتح الهمزة (طس عن جابر) قال الهيتمي فيه عبد الملك بن محمد بن عقيل وفيه كلام ومع ذلك حديثه حسن(1/234)
[ص:235] 330 - (إذا آتاك الله) بالمد أعطاك (مالا) أي شيئا له قيمة يباع بها سمي مالا لأنه يميل القلوب أو لسرعة ميله أي زواله (فلير) بالبناء للمجهول أي فلير الناس (أثر) بالتحريك (نعمة الله عليك) أي سمة إفضاله وبهاء عطائه فإن من شكر النعمة إفشاؤها كما في خبر ولما كان من النعم الظاهرة ما يكون استدراجا وليس بنعمة حقيقية أردفه بما يفيد أن الكلام في النعم الحقيقية فقال (وكرامته) التي أكرمك بها وذلك بأن يلبس ثيابا تليق بحاله نفاسة وصفاقة ونظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع رعاية القصد وتجنب الإسراف ذكره المظهر وكان الحسن يلبس ثوبا بأربع مئة وفرقد السنجي يلبس المسح فلقي الحسن فقال ما ألين ثوبك قال يا فرقد ليس لين ثيابي يبعدني عن الله ولا خشونة ثوبك تقربك منه إن الله جميل يحب الجمال. فإن قلت: الحديث يعارضه حديث البس الخشن من الثياب وحديث تمعددوا واخشوشنوا قلت لا فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم طبيب الدين وكان يجيب كلا بما يصلح حاله فمن وجده يميل إلى الرفاهية والتنعم فخرا وكبرا يأمره بلبس الخشن ومن وجده يقتر على نفسه ويبالغ في التقشف مع كونه ذا مال يأمره بتحسين الهيئة والملبس فلا ينبغي لعبد أن يكتم نعمة الله تعالى عليه ولا أن يظهر البؤس والفاقة بل يبالغ في التنظيف وحسن الهيئة وطيب الرائحة والثياب الحسنة اللائقة ولله در القائل:
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة. . . عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن. . . تخشى الإله وتتقي ما يحرم
(3 ك) وصححه (عن والد أبي الأحوص) بحاء مهملة وأبو الأحوص اسمه عوف وأبوه مالك بن ثعلبة أو مالك بن عوف قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة قال هل لك من مال قلت نعم فذكره قال العراقي في أماليه حديث صحيح(1/235)
331 - (إذا آتاك الله مالا) أي متمولا وإن لم تجب فيه الزكاة (فلير) بسكون لام الأمر (عليك فإن الله يحب أن يرى أثره) محركا أي أثر إنعامه (على عبده حسنا) بحسن الهيئة والتجمل. قال البغوي: هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفه ومظاهرة الملبس على الملبس على ما هو عادة العجم والمترفهين (ولا يحب) يعني يبغض (البؤس) بالهمز والتسهيل أي الخضوع والذلة ورثاثة الحال أي إظهار ذلك للناس (ولا التباؤس) بالمد وقد يقصر أي إظهار التمسكن والتخلقن والشكاية لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له وإزدرائهم إياه وشماتة أعدائه فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا كراهة لقضائه ولا تضجر فمطلوب
(طب والضياء) المقدسي (عن زهير) مصغر (ابن أبي علقمة) ويقال ابن علقمة الضبعي ويقال الضبابي له حديث قال الذهبي: أظنه مرسلا. وقال ابن الأثير: قال البخاري زهير هذا لا صحبة له وذكره غيره في الصحابة(1/235)
332 - (إذا آخى الرجل الرجل) أي اتخذه أخا يعني صديقا وذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان (فليسأله) ندبا مؤكدا (عن اسمه) ما هو (واسم أبيه) وجده إن احتيج (وممن) أي من أي قبيلة أو بلد (هو فإنه) أي فإن سؤاله عما ذكر ومعرفته به (أوصل للمودة) أي أشد اتصالا لها لدلالتها على الإهتمام بمزيد الإعتناء وشدة المحبة وأنه لا بد له من تعهده عند الحاجة إلى ذلك وعيادته عند المرض وزيارته عند الاشتياق وغير ذلك
(ابن سعد) في طبقاته (تخ ت) في الزهد [ص:236] (عن يزيد) من الزيادة (ابن نعامة) بفتح النون مخففا (الضبي) نسبة إلى بني ضبة. قال الذهبي: تبعا لابن الأثير مرسل وقال البخاري له صحبة فوهم وقال أبو حاتم يزيد تابعي لا صحبة له وغلط خ في إثباتها. وقال العسكري: غلط خ وفي التقريب لم يثبت له صحبة(1/235)
333 - (إذا آخيت) بالمد (رجلا) مثلا (فسله عن اسمه واسم أبيه) أي وممن هو كما في الحديث قبله ومن ثم زاد هنا في رواية وعشيرته ومنزله وذلك لأن فيه فوائد كثيرة منها ما ذكره بقوله (فإن كان غائبا) أي مسافرا أو محبوسا مثلا (حفظته) في أهله وماله وما يتعلق به (وإن كان مريضا عدته) أي زرته وتعهدته (وإن مات شهدته) أي حضرت جنازته قيل: وفيها ندب الإخاء في الله تعالى ومواصلته والتسبب في إبقائه وحب الإخوان وحفظ حق الأخ حضر أو غاب وتفقد أحواله مسافرا أو مريضا وعيادته وتفقد أهله في غيبته وبرهم وشهود جنازته انتهى وفيه ما فيه لأن ندب نفس المؤاخاة ليس في الحديث ما يفيدها وإنما تعلم من أدلة أخرى
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: رآني المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنا ألتفت فقال: مالك تلتفت قلت: آخيت رجلا فذكره ثم قال مخرجه البيهقي تفرد به مسلمة بن علي بن عبيد الله وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي رحمه الله تعالى في الضعفاء والمتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك(1/236)
334 - (إذا آمنك) بالمد والتخفيف والآمن كصاحب ضد الخائف (الرجل على دمه فلا تقتله) أي لا يجوز لك قتله كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبوله الدية ثم يظفر به فيقتله فتوعد الله على ذلك في القرآن بقوله تعالى {فمن اعتدى بعد ذلك - أي بعد العفو أو أخذ الدية - فله عذاب أليم} قال قتادة: العذاب الأليم أن يقتل لا محالة ولا تقبل ديته لقوله صلى الله عليه وسلم لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية
(حم هـ) وكذا الطبراني (عن) أبي مطرف (سليمان بن صرد) بمهملة مضمومة وراء مفتوحة ومهملة الخزاعي الكوفي رمز المؤلف لصحته وليس كما قال ففيه عبد الله بن ميسرة قال في الكاشف واه وفي الميزان عن البخاري ذاهب الحديث(1/236)
335 - (إذا ابتغيتم) خطاب عام غلب فيه الحاضرين على الغيب كما في قوله تعالى {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (المعروف) النصفة والخير والرفق والإحسان. قال في النهاية: المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان للناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة (فاطلبوه عند حسان) وفي رواية جمال (الوجوه) أي الحسنة وجوههم حسنا حسيا أو معنويا على ما مر وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تتمته عند مخرجه البيهقي فوالله لا يلج النار سخي ولا يلج الجنة شحيح إن السخاء شجرة في الجنة تسمى السخاء وإن الشح شجرة في النار تسمى الشح انتهى
(عد هب عن عبد الله بن جراد) بجيم ومهملتين الخفاجي العقيلي قال البخاري له صحبة وقضية كلام المؤلف أن مخرجيه سكتا عليه ولا كذلك بل تعقبه البيهقي بما نصه هذا إسناد ضعيف انتهى فحذفه ذلك من كلامه غير صواب وذلك لأن فيه إبراهيم العسبلي ويعلى بن الأشدق لا يصدق كما بينه الأئمة(1/236)
[ص:237] 336 - (إذا ابتلى أحدكم) أي اختبر وامتحن (بالقضاء) أي الحكم (بين المسلمين) خصهم لأصالتهم وإلا فالنهي يتناول ما لو قضى بين ذميين (فلا يقض) ندبا (وهو غضبان) ولو كان غضبه لله تعالى خلافا للبلقيني فيكره ذلك تنزيها لا تحريما (وليسو) وجوبا (بينهم) أي بين الخصوم أو الخصمين المتقاضيين عنده بدلالة السياق (في النظر) إليهما معا أو عدم النظر إليهما معا (والمجلس) بأن يجلسهما عن يمينه أو شماله أو تجاهه وهو أولى (والإشارة) فلا يخص أحدهما بها دون الآخر فيحرم ذلك حذرا مما يتوهمه التخصيص من الميل وفرارا من كسر قلب الآخر ولا بدع في كون الكلام الواحد يجمع أحكاما يكون بعضها مكروها وبعضها حراما كما يأتي ونبه بالنهي عن القضاء وقت الغضب على كراهته في كل حال يغير خلقه وكمال عقله كشدة جوع وعطش وشبع وشق وفرح وحزن ونعاس وحقن بول ومؤلم مرض وحر وبرد ومزعج خوف ولو قضى مع ذلك نفذ وكره ونبه بالأمر بالتسوية فيما ذكر على أنه يلزمه التسوية بينهما في الدخول عليه والقيام ورد السلام والنظر والاستماع وطلاقة الوجه ونحو ذلك
(ع عن أم سلمة) زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الهيتمي: فيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف(1/237)
337 - (إذا أبردتم إلي بريدا) أي أرسلتم إلي رسولا. قال الزمخشري: البريد الرسول المستعجل وفي محل آخر فارسية وهي في الأصل البغل أصلها بريدة دم أي محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت كذلك فعربت وخففت ثم سمي الرسول الذي يركبها بريد (فابعثوه حسن الوجه) أي جميله قال قيصري والحسن معنى روحاني تنجذب إليه القلوب بالذات حاصل من تناسب الأعضاء (حسن الاسم) للتفاؤل بحسن صورته واسمه وأهل اليقظة والإنتباه يرون أن الأشياء بأسرها من الله فإذا ورد وارد حسن الوجه حسن الاسم تفاءلوا به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه من مكان أو قبيلة أو جبل أو شخص ومن تأمل معاني السنة وجد معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة منها ألا ترى إلى خبر أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ومما يدل على تأثير الأسماء في مسمياتها خبر البخاري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما اسمك قلت: حزين قال: أنت سهل قلت: لا أغير اسما سماني به أبي. قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد بعد والحزونة الغيظة قال ابن جني: مر بي دهر وأنا أسمى الاسم لا أدري معناه إلا من لفظه ثم أكشفه فإذا هو كذلك قال ابن تيمية: وأنا يقع لي كثيرا. <تنبيه> قال الراغب: الجمال نوعان أحدهما امتداد القامة التي تكون عن الحرارة الغريزية فإن الحرارة إذا حصلت رفعت أجزاء الجسم إلى العلو كالنبات إذا نجم كلما كان أعلى كان أشرف في جنسه وللاعتبار بذلك استعمل في كل ما جاد في جنسه العالي والفائق وكثر المدح بطول القامة الثاني أن يكون مقدودا قوي العصب طويل الأطراف ممتدها رحب الذراع عير مثقل بالشحم واللحم قال أعني الراغب ولا نعني بالجمال هنا ما تتعلق به شهوة الرجال والنساء فذلك أنوثة بل الهيئة التي لا تنبو الطباع عن النظر إليها وهو أدل شيء على فضيلة النفس لأن نورها إذا أشرق تأدى إلى البدن وكل إنسان له حكمان أحدهما من قبل جسمه وهو منظره والآخر من قبل نفسه وهو مخبره فكثيرا ما يتلازمان فلذلك فرع أهل الفراسة في معرفة أحوال النفس أولا إلى الهيئة البدنية حتى قال بعض الحكماء قل صورة حسنة تتبعها نفس رديئة فنقش الخاتم مفروش الطين
(البزار) من عدة طرق (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء تصغير بردة وهو ابن الحصيب بضم المهملة الأولى وفتح الثانية الأسلمي قال الهيتمي وطرق البزار كلها ضعيفة ورواه الطبراني [ص:238] باللفظ المزبور عن أبي هريرة فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات انتهى وبه يعلم أن المؤلف لو عزاه للطبراني كان أولى وأن زعمه في الأصل أنه صحيح فيه ما فيه وإنما رمزه هنا لحسنه إنما هو لاعتضاده(1/237)
338 - (إذا أبق) بفتح الموحدة أفصح من كسرها (العبد) يعني هرب القن من مالكه بغير إذن شرعي والآبق مملوك فر من مالكه قصدا (لم تقبل له صلاة) وإن لم يستحل الأباق بمعنى أنه لا يثاب عليها لكن تصح ولا تلازم بين القبول والصحة كما مر وقيل المنفي كمال القبول لا أصله والأصح كما قاله النووي الأول فصلاته غير مقبولة لاقترانها بمعصية وصحيحة لوجود شروطها وأركانها كما حققه النووي كابن الصلاح زاد ابن علي المازري وعياض تأويله بالمستحل وزاد في رواية حتى يرجع لمواليه. قال العراقي: ونبه بالصلاة على غيرها انتهى وقد عظم في هذا الخبر وما أشبهه جرم الإباق وهو جدير بذلك ذلك لأن الحق تعالى وضع من الحقوق التي على الحر كثيرا عن العبد لأجل سيده وجعل سيده أحق به منه بنفسه في أمور كثيرة فإذا استعصى العبد على سيده فإنما يستعصي على ربه إذ هو الحاكم عليه بالملك لسيده {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} أما لو أبق لعذر كفراره من لواطه به كما غلب في هذا الزمان وكما لو كلفه على الدوام ما لا يطيقه على الدوام فلا ضير
(م) في الإيمان (عن جرير) بن عبد الله وفي الباب غيره(1/238)
339 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي جامع حليلته (ثم أراد العود) للجماع وفي رواية بدا له أن يعود (فليتوضأ) بينهما أي الجماعين وضوءا تاما كوضوء الصلاة بدليل رواية البيهقي وابن عدي إذا أتيت أهلك فإن أردت أن تعود فتوضأ وضوءك للصلاة ولا ينافيه قوله في آخر فليغسل فرجه بدل فليتوضأ لأن كمال السنة إنما يحصل بكمال الوضوء الشرعي وأصلها يحصل بالوضوء اللغوي وهو تنظيف الفرج بالغسل والأمر للندب عند الأربعة وللوجوب عند الظاهرية
(حم م 4) في الطهارة (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه البخاري (وزاد حب ك) قال تفرد به شعبة (هق فإنه أنشط للعود) أي أكثر نشاطا له وأعون عليه مع ما فيه من تخفيف الحدة لأنه يرفعه عن أعضاء الوضوء والمبيت على إحدى الطهارتين خوفا من أن يموت في نومه وأخذ منه أنه يسن للمرأة أيضا. قال في شرح مسلم: ويكره الجماع أي الثاني قبل الوضوء ويقال: أن الامام الشافعي رحمه الله قال: الحديث لم يثبت ولعله لم يقف على سند أبي سعيد(1/238)
340 - (إذا أتى أحدكم أهله) أي أراد جماع حليلته (فليستتر) أي فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما ندبا وخاطبه بالستر دونها لأنه يعلوها وإذا استتر الأعلى استتر الأسفل (ولا يتجردان) خبر بمعنى النهي أي ينزعان الثياب عن عورتيهما فيصيران متجردين عما يسترهما (تجرد العيرين) تشبيه حذفت أداته وهو بفتح العين تثنية عير وهو الحمار الأهلي وغلب على الوحشي وذلك حياء من الله تعالى وأدبا مع الملائكة وحذرا من حضور الشيطان فإن فعل أحدهما ذلك كره تنزيها لا تحريما إلا إن كان ثم من ينظر إلى شيء من عورته فيحرم وجزم الشافعية بحل نظر الزوج إلى جميع عورة زوجته حتى الفرج بل حتى ما لا يحل له التمتع به كحلقة دبرها وخص ضرب المثل بالحمار زيادة في التنفير والتقريع واستهجانا لذلك الأمر الشنيع ولأنه أبلد الحيوان وأعدمه فهما وأقبحه فعلا وفي حديث الطبراني والبزار تعليل الأمر بالستر بأنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب هذا لفظه قال الهيتمي: وفي إسناد الطبراني مجهول وبقية رجاله ثقات وكما يندب الستر يندب تغطية رأسه وخفض صوته لما في خبر يأتي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يفعله
(ش طب هق) وكذا في الشعب (عن ابن مسعود) ثم قال البيهقي في الشعب عقب تخريجه تفرد به مندل العنزي انتهى ومندل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد والدارقطني قال الهيتمي [ص:239] عقب عزوه للطبراني: فيه مندل ضعيف وقد وثق وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه والصواب أنه مرسل وبقية رجاله رجال الصحيح (هـ عن عتبة) بمثناة فوقية (ابن عبد) بغير إضافة وهذا الاسم متعد في الصحابة فكان ينبغي تمييزه (ن عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حليف بني مخزوم صحابي سكن البصرة (طب عن أبي أمامة) لكن بلفظ إذا أتى أحدكم أهله فليستتر عليه وعلى أهله ولا يتعريا تعري الحمير. قال الهيتمي: فيه عفير بن معدان ضعيف. فرمز المؤلف لحسه إنما هو لاعتضاده وتقويه بكثرة طرقه وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعف أسانيده ووجهه ما تقرر(1/238)
341 - (إذا أتى الرجل القوم) أي جاء أو لقي العدول الصلحاء كما يدل عليه السياق فلا اعتبار بأهل الفجور والفساق (فقالوا) له بلسان المقال أو الحال (مرحبا) نصب بمضمر أي صادفت أو لقيت رحبا بضم الراء أي سعة وهي كلمة إكرام وإظهار مودة ومحبة وتلقي الأخيار بها مندوب. قال العسكري وأول من قالها سيف بن ذي يزن (فمرحبا به يوم القيامة) أي فذلك ثابت له يوم القيامة أو فيقال له ذلك فهو علم لسعادته فإن الله تعالى إذا أحب عبدا ألقى محبته في قلوب العباد وهو إشارة وبشارة بنظره إليه تعالى (وإذا أتى الرجل القوم فقالوا له قحطا) بفتح فسكون أو فتح نصب على المصدر أيضا أي صادفت قحطا أي شدة وحبس غيث (فقحطا له يوم القيامة) أصله الدعاء عليه بالجدب فاستعير لانقطاع الخير وجدبه من العمل الصالح والمراد أنه إذا كان ممن يقول فبه العدول عند قدومه عليهم هذا القول فإنه يقال له مثله يوم القيامة أو هو كناية عن كونه يلقى شدة وأهوالا وكربا في الموقف وفي الخبر هم شهداء الله في الأرض فهو كناية عن كونه مغضوبا عليه وذكر اللقاء في الأول وإضافته للربوبية دون الثاني إشارة إلى أن ربه يتلقاه بالإكرام ويربيه بصنوف البر والإنعام وأما الثاني فيعرض عنه وحذف له من الأول لدلالة الثاني عليه
(طب ك) في الفضائل (عن الضحاك بن قيس) الفهري قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيتمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير ابن عمرو الضرير وهو ثقة(1/239)
342 - (إذا أتى أحدكم) وفي رواية إذا أتيتم (الغائط) محل قضاء الحاجة كنى به عن العذرة كراهة لاسمه فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية (فلا يستقبل القبلة) الكعبة قال القاضي: القبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال فصارت عرفا للمكان المتوجه نحوه للصلاة. وقال الحراني: أصل القبلة ما يجعل قبالة الوجه والقبل ما أقبل من الجسد في مقابلة الدبر لما أدبر منه ولا هناء هية بقرينة قوله (ولا يولها) بحذف الياء (ظهره) أي لا يجعلها مقابل ظهره ولمسلم لا يستدبرها وزاد ببول أو غائط فأفاد تخصيص التحريم بحالة خروجه (شرقوا أو غربوا) قال الولي العراقي ضبطناه في سنن أبي داود وغربوا بغير ألف وفي بقية الكتب الستة أو غربوا بألف ولعله من الناسخ وكلاهما صحيح والمعنى توجهوا إلى جهة الشرق أو الغرب وفيه إلتفات من الغيبة إلى الخطاب وهو لأهل المدينة ومن قبلتهم على سمتهم كالشام واليمن فمن قبلته إلى المشرق أو المغرب ينحرف إلى الجنوب أو إلى الشمال وفيه دلالة على [ص:240] عموم النهي في الصحراء والبنيان وهو مذهب النعمان وخصه مالك والشافعي بالصحراء للحوق المشقة في البنيان بتكليف الانحراف عن سمت البناء إذا كان موضوعا للقبلة بخلاف الصحراء ولما رواه الشيخان أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة ولما رواه ابن ماجه بإسناد حسن أنه قضاها مستقبل الكعبة فجمع الشافعي بين الأخبار بحمل أولها المفيد للتحريم على غير البناء لأنه لا يشق فيه تجنب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان قد يشق فيحل فعله كما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وإن كان الأولى لنا تركه ومحل الثاني إذا استتر بمرتفع ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي ومحل الأول إذا لم يستتر بذلك وهذا كله في غير المعد لذلك أما فيه فلا حرمة ولا كراهة
(حم ق 4 عن أبي أيوب) الأنصاري بألفاظ مختلفة(1/239)
343 - (إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما) طائفة من العلم أو علما سنيا عزيزا إذ التنكير للتعظيم والتفخيم. قال ابن حجر: والمراد بالعلم الذي أمره الله تعالى بطلب الازدياد منه ولم يأمره بطلب الازدياد من شيء إلا منه قال والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيده معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته ومداره على التفسير والحديث والفقه إلى هنا كلامه ولو كان لي من الأمر شيء لقلت اللائق بمنصبه الشريف إرادة العلم بالله سبحانه وتعالى الذي هو أسمى المطالب وأسمى المواهب. ثم رأيت بعض العارفين قال: أراد بهذه الزيادة من العلم علم التوحيد المتعلق بالله تعالى لتزيد معرفته بتوحيد الله فتزيد رتبته في تحميده وقد حصل له عليه أفضل الصلاة والسلام من العلوم والأسرار ما لا بيلغه أحد (يقربني إلى الله تعالى) أي إلى رحمته ومزيد رضاه (فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) دعاء أو خبر والقصد تبعيد نفسه من عدم الازدياد وأنه دائم الترقي وقد أراه الله تعالى لطائف في باب العلم وآدابا لم يكن رآها وفيوضات جزيلة لم يكن يعلمها وصار تلقنه لذلك الإمداد بمنزلة الغذاء له بل هو غذاء روحاني فلو فرض انقطاعه عنه لحظة من نهار لم يعده مباركا والعلم لا ساحل له ولا منتهى وهو درجات وبدؤه من العلي العليم وكلما ارتقى الإنسان فيه درجة ازداد قربا من أعلم العالمين والمراد لا بورك لي في ذلك اليوم وذكر طلوع الشمس إشارة إلى أنه كله من أوله إلى آخره كذلك وذكر النهار مثال فالليل كذلك ويحتمل أن ذلك لأن محل تعلم العلم وتعليمه النهار دون الليل وقد كان دائم الترقي في كل لمحة. قال ابن سع: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كلف من العلم وحده ما كلفه الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الخلق قال بعض الصوفية وإنما طلب الزيادة من العلم لا من المال لأن زيادة المال تورث الإنكار على صاحبها واللائق بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الاتصاف بما يتألف به القلوب كالعلم فإنه يزيد صاحبه كشفا وإيضاحا واتساعا وانشراحا وتميل إليه النفوس <تنبيه> قد يراد باليوم معناه المعروف وقد يراد به القطعة من الزمان وقد يراد به الدولة والأنسب هنا إرادة الثاني لولا ذكره طلوع الشمس
(طس) وفيه عنده بقية صدوق ذو مناكير والحكم بن عبيد الله عن الزهري. قال الهيتمي: تركه الصوري وغيره انتهى وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال متهم وقال أبو حاتم كذاب (عد) وفيه عنده سليمان بن بشار قال في الميزان متهم بالوضع وقال ابن حبان وضع على الأثبات ما لا يحصى ووهاه ابن عدي وسرد له من الواهيات عدة هذا منها قال في اللسان ولفظ ابن عدي كان يقلب الأسانيد ويسرق الحديث فما أوهمه صنيع المؤلف من أن ابن عدي خرجه وأقره غير صواب (حل عن عائشة) وفيه عبد الرحمن بن عمروسة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال ثقة مكثر ذو غرائب [ص:241] تكلم فيه ابن الفرات وفيه الحكم المذكور وقد عرفت أنه كذاب ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء الكبير وذكر ابن العراقي أن المؤلف وافق ابن الجوزي على وضعه لكن رأيته تعقبه في مختصر الموضوعات فلم يأت بطائل سوى أن قال: له شاهد عند الطبراني وهو خبر " من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت مالم تعلم " وأنت خبير ببعد ما بين الشاهد والمشهود(1/240)
344 - (إذا أتى أحدكم خادمه) بالرفع وأحدكم منصوب مفعول به (بطعامه) ليأكله والخادم يطلق على القن والحر. قال الزمخشري: وهو بغير تاء التأنيث لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال ومثلها امرأة عاشق (قد كفاه علاجه) أي تحمل المشقة من تحصيل آلاته ومزاولة عمله (ودخانه) بالتخفيف مقاساة شم لهب النار حال الطبخ نص عليه مع شمول ما قبله له لعظم مشقته (فليجلسه) ندبا ليأكل (معه) كفايته مكافأة له على كفايته حره وعلاجه وسلوكا لسبيل التواضع المأمور به في الكتاب والسنة هذا هو الأفضل (فإن لم يجلسه) للأكل (معه) لعذر كقلة طعام أو لكون نفسه تعاف ذلك قهرا عليه ويخشى من إكراهها محذورا أو لغير ذلك كمحبته للاختصاص بالنفيس أو لكون الخادم يكره ذلك حياء منه أو تأدبا أو كونه أمرد يخشى من التهمة به بإجلاسه معه أو لغير ذلك (فليناوله) ندبا مؤكدا من الطعام (أكلة) بضم الهمزة ما يؤكل دفعة واحدة كلقمة (أو أكلتين) ما يؤكل كذلك بحسب حال الطعام والخادم ليرد ما في نفسه من شهوة الطعام وتنكسر سورة الجوع ولفظ رواية البخاري لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين قال الدماميني فإن قلت ما هذا العطف قلت لعل الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أو هذا فجمع وأتى بحرف الشك ليؤدي كما سمع ويحتمل أنه من عطف أحد المترادفين على الأخر بكلمة أو وقد صرح بعضهم بجوازه والخادم يشمل الذكر والأنثى لكنه كما قال المحقق أبو زرعة فيها محمول فيما إذا كان السيد رجلا على أن تكون أمته أو محرمه فإن كانت أجنبية فليس له ذلك قال: وفي معنى الطباخ حامل الطعام في الإجلاس والمناولة لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به وشم ريحه وإراحة صاحب الطعام من حمله فتخصيصه من ولى الطعام ليس لإخراج غيره من الخدم بل لكونه آكد وهذا كله للندب أما الواجب فإطعامه من غالب قوت الأرقاء بذلك البلد
(ق د ت هـ عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ متقاربة(1/241)
345 - (إذا أتاكم كريم قوم) أي رئيسهم المطاع فيهم المعهود منهم بإكثار الإعظام وإكثار الاحترام (فأكرموه) برفع مجلسه واجزال عطيته ونحو ذلك مما يليق به لأن الله تعالى عوده منه ذلك ابتلاء منه له فمن استعمل معه غيره فقد استهان به وجفاه وأفسد عليه دينه فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة وذاك يجر إلى سفك الدماء وفي إكرامه إتقاء شره وإبقاء دينه فإنه قد تعزز بدنياه وتكبر وتاه وعظم في نفسه فإذا حقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا وبه عرف أنه ليس المراد بكريم القوم عالمهم أو صالحهم كما وهم البعض ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا إلى دين؟ ومن هذا السياق انكشف أن استثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغفلة عما تقرر من أن الاكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي أو لحوق ضرر للفاعل أو للمفعول معه فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل قد يجب فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصى مجلسه وعامله معاملة الرعية فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل:
دارهم ما دمت في دارهم. . . وحيهم ما دمت في حيهم
[ص:242] وقال صلى الله عليه وسلم " بعثت بمداراة الناس "
(هب) وهو ضعيف ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين ورحمة لذلك الظالم المبتلى المسكين وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة وغيرهم وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله في خلقه والجمود على ظاهره {ومن يهن الله فما له من مكرم} وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن بيان فموضع طلب إهانة الكافر والفاسق الأمن من حصول مفسدة والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله ويهين لله ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع كبرياءه ورأى نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون لأنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الإلهية ورؤي بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم قال لا تنكره فإن تأدبهم مع من ألبسه الخلعة لا معه ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته فرحم الله القائل:
رب هب لي مذلة وانكسارا. . . وأنلني تواضعا وافتقارا
وفق القلب واهده لصلاح. . . وأذقني حلاوة واصطبار
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الصباح قال في الكشاف: وثقه أبو زرعة له حديث منكر ومحمد بن عجلان ضعفه خ ووثقه غيره (البزار) في مسنده (وابن خزيمة) في صحيحه (طب عد هب عن جرير) بن عبد الله البجلي بفتح الموحدة والجيم والقشيري اليماني أسلم عام توفي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان يحبه ويكرمه وكان عالي الجمال حتى قال فيه عمر هو يوسف هذه الأمة قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني وفيه حصين بن عمر مجمع على ضعفه وسببه أن جريرا قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه انتهى. وفي الميزان عن ابن عدي أنه حديث منكر (عد) من حديث سهل (عن معاذ) بن جبل (وأبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو عمرو أو النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين. قال الهيتمي: وسهل لم يدرك معاذا وفيه أيضا عن عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال لا يخطئ (ك عن جابر) عن عبد الله (طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: وفيه إبراهيم بن يقظان وكذا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث وفيهما ضعف لكن وثق ابن حبان الأول (وعن عبد الله بن ضمرة) بن مالك البجلي قال ابن الأثير: عدوه في أهل البصرة قال الهيتمي: وفيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو كذاب (ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك وضعفه وذكر فيه بيان السبب وهو أنه لما دخل عدي على المصطفى صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض فقال: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا ثم أسلم وفي رواية أخرى فقيل له يا نبي الله لقد رأينا منظرا لم نره لأحد فقال نعم هذا كريم قوم إذا أتاكم إلى آخره (وعن عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية (ابن حاتم) قال ابن الأثير: عدوه في أهل فلسطين وحديثه في الشاميين. قال ابن حجر: يقال له رؤية وفي الميزان عنه أنه منكر (الدولابي) محمد بن أحمد بن حماد من أهل الري (في) كتاب (الكنى) والألقاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي راشد عن عبد الرحمن ابن عبد) بغير إضافة ويقال بن عبيد الأزدي له وفادة (بلفظ) إذا أتاكم (شريف قومه) فأكرموه من الشرف وهو المكان العالي فسمى الشريف شريفا لارتفاع نزلته وعلو مرتبته على قومه قال الذهبي في مختصر المدخل طرقه كلها [ص:243] ضعيفة وله شاهد مرسل وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع(1/241)
346 - (إذا أتاكم الزائر فأكرموه) بالتوقير والتصدير والضيافة والاتحاف لأمره تعالى بحسن المعاشرة وهذا قاله حين أتاه جرير فأكرمه وبسط رداءه له وإطلاق الزائر هنا يشمل كل زائر وتقييده في الحديث قبله بالكريم للآكدية
(هـ عن أنس) قال العراقي هذا حديث منكر قاله ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه(1/243)
347 - (إذا أتاكم) أيها الأولياء (من) أي رجل يخطب موليتكم (ترضون خلقه) بالضم وفي رواية بدله أمانته (ودينه) بأن يكون مساويا للمخطوبة في الدين أو المراد أنه عدل فليس الفاسق كفأ لعفيفة (فزوجوه) إياها وفي رواية فأنكحوه أي ندبا مؤكدا بل إن دعت الحاجة وجب كما مر (إن لا تفعلوا) ما أمرتم به وفي رواية تفعلوه. قال الطيبي: الفعل كناية عن المجموع أي إن لم تزوجوا الخاطب الذي ترضون خلقه ودينه (تكن) تحدث (فتنة في الأرض وفساد) خروج عن حال الاستقامة النافعة المعينة على العفاف (عريض) كذا في رواية البيهقي وغيره وفي رواية كبير والمعنى متقارب وفي رواية كرره ثلاثا يعني أنكم إن لم ترغبوا في الخلق الحسن والدين المرضي الموجبين للصلاح والاستقامة ورغبتم في مجرد المال الجالب للطغيان الجار للبغي والفساد تكن إلى آخره أو المراد إن لم تزوجوا من ترضون ذلك منه ونظرتم إلى ذي مال أو جاه يبق أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة فيكثر الزنا ويلحق العار فيقع القتل ممن نسب إليه العار فتهيج الفتن وتثور المحن. وقال الغزالي: أشار بالحديث إلى أن دفع غائلة الشهوات مهم في الدين فإن الشهوات إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش انتهى. والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة وقول البغوي فيه اعتبار الكفاءة في التناكح وأن الدين أولى ما اعتبر منها فيه نظر إذ ليس فيه ما يدل إلا على اعتبار الدين ولا تعرض فيه لاعتبار النسب الذي اعتبره الشارع عليه الصلاة والسلام وفيه أن المرأة إذا طلبت من الولي تزويجها من مساو لها في الدين لزمه لكن اعتبر الشافعية كونه كفأ وفيه أنه ينبغي تحري محاسن الأخلاق في الخاطب والبعد عمن اتصف بمساويها
(ت هـ ك) في النكاح عن عبد الله بن الحسين عن الحارث بن أبي أسامة عن يزيد بن هارون عن عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن وثيمة البصري (عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد هو أبو فليح قال أبو داود وغيره ثقة وثيمة لا يعرف (عد) من حديث صالح المنيحي عن الحكم بن خلف عن عمار بن مطر عن مالك عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب. قال في الميزان: وعمار هالك ووثقه بعضهم قال أبو حاتم كان يكذب (ت هق عن أبي حاتم المزني) بضم الميم وفتح الزاي صحابي له هذا الحديث الواحد وقيل لا صحبة له ويقال اسمه عقيل بن ميمونة ذكره في التقريب قال البخاري وتبعه الترمذي ولا أعلم له غير هذا الحديث فمن ثم قال المؤلف (وماله غيره) ولو عبر بعبارة البخاري كان أولى إذ لا يلزم من نفي العلم نفي الوجود قال ت حسن غريب قال العراقي عن البخاري إنه لم بعده محفوظا وقال أبو داود إنه أخطأ وعده في المراسيل وأعله ابن القطان بإرساله وضعف رواته(1/243)
348 - (إذا أتاكم السائل) يعني إذا وجدتم من يلتمس الصدقة بقاله أو بحاله فخصوص الإتيان غير مراد (فضعوا في يده) أي أعطوه شيئا يعني أوصلوه ومناولته أفضل (ولو ظلفا) بكسر فسكون للبقر والغنم كالقدم للآدمي والحافر للفرس [ص:244] (محرقا) بضم الميم وفتح الراء أي أعطوه ولو قليلا ولا تردوه خائبا فذكره الظلف مع كونه لا يغني من جوع للمبالغة في القلة ومزيد التحذير من حرمانه الموجب للخيبة وعدم النجاح المؤدي إلى فقد الفلاح ففي خبر يأتي لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم والأمر للندب وإن كان مضطرا فللوجوب
(عد عن جابر) بن عبد الله بسند ضعيف لكن له شواهد(1/243)
349 - (إذا اتسع الثوب) غير المخيط وهو الرداء بقرينة قوله الآتي ثم صل بغير رداء (فتعطف) أي توشح (به) بأن تخالف بين طرفيه كما في رواية البخاري (على منكبيك) فتلقي كل طرف منهما على الطرف الآخر (ثم صل) الفرض أو النفل لأن التعطف به كذلك أصون للعورة وأبلغ في الستر مع ما فيه من المهابة والإجلال وعدم شغل البال بإمساكه لستر عورته وفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى (وإن ضاق عن ذلك) بأن لم تمكن المخالفة بين طرفيه كذلك (فشد به حقوك) بفتح الحاء وتكسر معقد الإزار وخاصرتك (ثم صل بغير رداء) محافظة على الستر ما أمكن والأمر كله للندب عند الثلاثة وللوجوب عند أحمد فلو صلى في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء لم تصح صلاته عنده حكاه عنه الطيبي وغيره وقال الشافعية: إذا اتسع الثوب الواحد للرجل التحف به وخالف بين طرفيه على كتفيه والا ائتزر به وجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا فيكره تركه أما المرأة فتصلي بقميص سابغ وخمار وجلباب كثيف فوق الثياب
(حم والطحاوي) أحمد بن محمد نسبة إلى طحا قرية بمصر (عن جابر) بن عبد الله رمز المؤلف لصحته(1/244)
350 - (إذا أثنى) بتقديم المثلثة على النون (عليك جيرانك) الصالحون للتزكية ولو اثنان فلا أثر لقول كافر وفاسق ومبتدع (أنك) أي بأنك (محسن) أي من المحسنين يعني المطيعين لله تعالى (فأنت محسن) عند الله تعالى (وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء) أي عملك غير صالح (فأنت) عند الله (مسيء) ومحصوله إذا ذكرك صلحاء جيرانك بخير فأنت من أهله وإذا ذكروك بسوء فأنت من أهله فإنهم شهداء الله في الأرض فأحدث في الأول شكرا وفي الثاني توبة واستغفارا فحسن الثناء وضده علامة على ما عند الله تعالى للعبد وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل والثناء بالخير دليل على محبة الله تعالى لعبده حيث حببه لخلقه فأطلق الألسنة بالثناء عليه وعكسه عكسه وفي الحديث دليل لابن عبد السلام حيث ذهب إلى أن الثناء يستعمل في الخير والشر لكن هل هو حقيقة فيهما أو في الخير فقط؟ خلاف وما تقرر من أن لفظ الحديث وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء إلى آخره باطل
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل يا رسول الله متى أكون محسنا ومتى أكون مسيئا فذكره وهذا بمعناه في مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا أنا عملت به دخلت الجنة قال: كن محسنا قال: كيف أعلم أني محسن قال: سل جيرانك فإن قالوا: إنك محسن فأنت محسن وإن قالوا: إنك مسيء فأنت مسيء انتهى قال الحاكم على شرطهما(1/244)
351 - (إذا اجتمع الداعيان) فأكثر إلى وليمة ولو لغير عرس أو إلى غيرها كشفاعة أو قضاء حاجة (فأجب) حيث [ص:245] لا عذر (أقربهما) منك (بابا) من متعلقة بالقرب في أقرب لا صلة التفضيل لأن أفعل التفضيل قد أضيف قلا يجمع بين الإضافة ومن المتعلقة بأفعل التفضيل ثم علله بقوله (فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا) وحق الجار مرجح هذا إن لم يسبق أحدهما بأن تقارنا في الدعوة (و) أما إن (سبق أحدهما) إلى دعوتك (فأجب الذي سبق) لأن إجابته وجبت أو ندبت حين دعاه قبل الآخر فإن استويا سبقا وقربا فأقربهما رحما فإن استويا فأكثرهما علما ودينا فإن استويا أقرع وفيه أن العبرة في الجوار بقرب الباب لا بقرب الجدار وسره أنه أسرع إجابة له عندما ينوبه في أوقات الغفلات فهو بالرعاية أقدم ولا دلالة فيه على أن الشفعة للجار بل لأنه أحق بالإهداء
(حم د عن رجل له صحبة) وإبهامه غير علة لأن الصحب كلهم عدول. قال ابن حجر وغيره: إبهام الصحابي لا يصير الحديث مرسلا وقد أشار المؤلف لحسنه غافلا عن جزم الحافظ ابن حجر بضعفه وعبارته إسناده ضعيف وعن قول جمع فيه يزيد بن عبد الرحمن المعروف بأبي خالد الدالاني قال ابن حبان فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به لكن له شواهد في البخاري إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا(1/244)
352 - (إذا اجتمع العالم) بالعلم الشرعي العامل به (والعابد) القائم بوظائف الطاعات وصنوف العبادات لكنه لا يعلم إلا ما لزمه تعلمه عينا (على الصراط) أي على الجسر المضروب على متن جهنم الذي يمر عليه الكافر للنار والمسلم للجنة (قيل) أي يقول بعض الملائكة أو من شاء الله من خلقه بأمره (للعابد أدخل الجنة) برحمة الله وترفع لك الدرجات فيها بعملك (وتنعم) ترفه من الرفاهية وهي رغد الخصب ولين العيش (بعبادتك) أي بثواب عملك الصالح فإنه قد نفعك لكنه قاصر عليك (وقيل للعالم قف هنا) أي على الصراط (فاشفع لمن أحببت) الشفاعة له من عصاة الموحدين الذين استحقوا دخول النار (فإنك لا تشفع لأحد) ممن ذكر (إلا شفعت) أي قبلت شفاعتك فيه لأنه لما أحسن إلى عباد الله بعلمه الذي أفنى فيه نفائس أوقاته أكرمه الله تعالى بإنالته مقام الإحسان إليهم في الآخرة بشفاعته قيهم جزاء وفاقا (فقام) حينئذ (مقام الأنبياء) في كونه في الدنيا هاديا للرشاد منقذا من الضلالة وكونه في الآخرة شافعا مشفعا ومن ثم قالوا العلماء خلفاء الأنبياء فأعظم بها من منزلة عالية فاخرة في الدنيا والآخرة
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن حبان (في) كتاب (الثواب) على الأعمال (فر) وكذا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له كان أولى (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما رمز المؤلف لضعفه وذلك لأن فيه عثمان بن موسى عن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال له حديث لا يعرف إلا به وفي الميزان له حديث منكر(1/245)
353 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد به الخير ووفقه (ابتلاه) اختبره وامتحنه بنحو مرض أو هم أو ضيق (ليسمع تضرعه) أي تذلله واستكانته وخضوعه ومبالغته في السؤال ليعطى صفة الجود والكرم جميعا فإنهما يطلبانه عند سؤال عبده بالإجابة فإذا دعا قالت الملائكة صوت معروف وقال جبريل يا رب اقض حاجته فيقول دعوا عبدي فإني أحب أن أسمع صوته كذا جاء في خبر. قال الغزالي: ولهذا تراه يكثر ابتلاء أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده وإذا رأيت الله عز وجل يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى فاعلم أنك عزيز عنده وأنك عنده بمكان يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه فإنه يراك ولا يحتاج إلى ذلك أما تسمع إلى قوله تعالى {واصبر لحكم ربك فإنك [ص:246] بأعيينا} بل اعرف منته عليك فيما يحفظ عليك من صلاتك وصلاحك ويكثر من أجورك وثوابك وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة عنده <تنبيه> قال العارف الجيلاني التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين لكن لا يعطيه الله لعبد إلا بعد بذل الجهد في مرضاته فإن البلاء يكون تارة في مقابلة جريمة وتارة تكفيرا وتارة رفع درجات وتبليغا للمنازل العلية ولكل منها علامة فعلامة الأول عدم الصبر عند البلاء وكثرة الجزع والشكوى للخلق وعلامة الثاني الصبر وعدم الشكوى والجزع وخفة الطاعة على بدنه وعلامة الثالث الرضا والطمأنينة وخفة العمل على البدن والقلب
(هب فر عن أبي هريرة هب عن ابن مسعود) عبد الله (وكردوس) بضم الكاف وآخره مهملة (موقوفا عليهما) لم يرمز له بشي ووهم من زعم أنه رمز لضعفه وأنه كذلك. قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى إنه يتقوى بعدد طرقه(1/245)
354 - (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) بأنواع البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}
(طس) وكذا في الكبير (هب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيتمي: رجال الطبراني موثقون سوى شيخه انتهى وله طريق آخر فيها النعمان ابن عدي متهم ومن طريقه أورده ابن الجوزي وحكم بوضعه ورواه أحمد عن محمود بن لبيد وزاد فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع. قال المنذري: رواته ثقات ولعل المؤلف أغفله سهوا(1/246)
355 - (إذا أحب الله عبدا حماه) أي حفظه من متاع (الدنيا) أي حال بينه وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة (كما يحمي) أي يمنع (أحدكم سقيمه الماء) أي شربه إذا كان يضره وللماء حالة مشهورة في الحماية عند الأطباء بل هو منهي عنه للصحيح أيضا إلا بأقل ممكن فإنه يبلد الخاطر ويضعف المعدة ولذلك أمروا بالتقليل منه وحموا المريض عنه فهو جل اسمه يذود من أحبه عنها حتى لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها كيف وهي للكبار مؤذية وللعارفين شاغلة وللمريدين حائلة ولعامة المؤمنين قاطعة والله تعالى لأوليائه ناصر ولهم منها حافظ وان أرادوها
(ت ك) في الطب (هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون زيد ابن عامر بن سوار بن ظفر الظفري الأنصاري بدري من أكابر الصحابة أصيبت عينه يوم بدر أو أحد أو الخندق فتعلقت بعرق فردها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الترمذي حسن غريب وقال المنذري حسن ولم يرمز له المؤلف بشيء(1/246)
356 - (إذا أحب الله عبدا) أي أراد توفيقه وقدر إسعاده (قذف) أي ألقى وأصل القذف الرمي بسرعة فالتعبير به أبلغ منه بالإلقاء (حبه في قلوب) لم يقل في قلب وإن كان المفرد المضاف يعم لأنه أنص على كل فرد فرد (الملائكة) فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة إذ كل منهم تبع لمولاه فإذا والى وليا والوه وناهيك بهذا المقام الجليل الذي يلحظ الملأ الأعلى صاحبه بالتبجيل وعليه فمحبة الملائكة على ظاهرها المتعارف بين الخلق ولا مانع منه فلا ملجأ إلى القول بأن المراد به ثناؤهم عليه واستغفارهم له (وإذا أبغض الله عبدا) وضع الظاهر موضع الضمير تفخيما للشأن (قذف بغضه في قلوب الملائكة) فيتوجه إليه الملأ الأعلى بالبغض (ثم يقذفه) أي ثم يقذف ما ذكر من الحب [ص:247] أو البغض (في قلوب الآدميين) ومن ثمرات المقام الأول وضع القبول لمن أحبه الله للخاص والعام فلا تكاد تجد أحدا إلا مائلا إليه مقبلا بكليته عليه وإذا أحب الله عبدا استنارت جهاته وأشرقت بنور الهداية ساحاته وظهرت عليه آثار الإقبال وصار له سيما من الجمال فنظر الخلق إليه بعين المودة والتكريم {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} وحكم عكسه عكس حكمه وفيه حث عظيم على تحري ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه
(حل) وكذا الديلمي (عن أنس) وفيه يوسف بن عطية الوراق أو الصفار وكلاهما ضعيف. قال الفلاس: لكن الوراق أكذب لكن له شواهد نأتي(1/246)
357 - (إذا أحب أحدكم) محبة دينية قال الحراني: من الحب وهو إحساس بوصلة لا يدرك كنهها (أخاه) في الدين كما يرشد إليه قوله في رواية صاحبه وفي أخرى عبدا (فليعلمه) ندبا مؤكدا أنه أي بأنه (يحبه) لله سبحانه وتعالى لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه واجتلب وده فإنه إذا علم أنه يحبه قبل نصحه ولم يرد عليه قوله في عيب فيه أخبره به ليتركه فتحصل البركة. قال البغدادي: إنما حث على الإعلام بالمحبة إذا كانت لله لا لطمع في الدنيا ولا هوى بل يستجلب مودته فإن إظهار المحبة لأجل الدنيا والعطاء تملق وهو نقص والله أعلم <تنبيه> ظاهر الحديث لا يتناول النساء فإن اللفظ أحد بمعنى واحد وإذا أريد المؤنث إنما يقال إحدى لكنه يشمل الإناث على التغليب وهو مجاز معروف مألوف وإنما خص الرجال لوقوع الخطاب لهم غالبا وحينئذ إذا أحبت المرأة أخرى لله ندب إعلامها
(حم خد د) في الأدب (ت) في الزهد وقال حسن صحيح (حب ك)
وصححه (عن المقداد بن معد يكرب) الكندي صحابي له وفادة وشهرة (حب عن أنس) بن مالك (خد عن رجل من الصحابة) رمز لحسنه وهو أعلى من ذلك إذ لا ريب في صحته(1/247)
358 - (إذا أحب أحدكم صاحبه) أي لصفاته الجميلة لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو المحبة لأجل الصفات المرضية لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم من الكمال أحبوا من يشاركهم في الخلال فهم بالحقيقة ما أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية أيضا إذا عرت عن المقاصد الفاسدة {والله يعلم المفسد من المصلح} (فليأته) وفي (منزله) أفضل (فليخبره أنه يحبه) بأن يقول له إني أحبك (لله) أي لا لغيره من إحسان أو غيره فإنه أبقى للألفة وأثبت للمودة وبه يتزايد الحب ويتضاعف وتجتمع الكلمة وينتظم الشمل بين المسلمين وتزول المفاسد والضغائن وهذا من محاسن الشريعة وجاء في حديث أن المقول له يقول له أحبك الذي أحببتني من أجله
(حم والضياء) المقدسي (عن أبي ذر) نص رواية أحمد عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني جاء إلى أبي أمامة رضي الله تعالى عنه في منزله فقال سمعت أبا ذر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيتمي وإسناده حسن(1/247)
359 - (إذا أحب أحدكم عبدا) أي إنسانا ولا ينفك من هذا النعت قال:
وإن تسألوني قلت ها أنا عبده. . . وإن تسألوه قال ذلك مولاي
فالمراد شخص من المسلمين قريب أو غيره ذكرا أو أنثى لكن يظهر تقييده فيها بما إذا كانت حليلته أو محرمه (فليخبره) بمحبته له ندبا (فإنه) أي المحبوب (يجد مثل الذي يجد له) أي يحبه بالطبع لا محالة كما يحبه هو فإن القلب لا يحب إلا من يحبه كما قال:
يقاس المرء بالمرء. . . إذا ما هو ماشاه
وللشيء على الشيء. . . مقاييس وأشباه [ص:248]
وللقلب على القلب. . . دليل حين يلقاه
وأنشد بعضهم:
سلوا عن مودات الرجال قلوبكم. . . فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا
ولا تسألوا عنها العيون فإنها. . . تشير بشيء ضد ما أضمر الحشا
ولكون القلب يدل على القلب قال الحكماء المحبوب جزء محبوبه فمن أحب إنسانا لأجل أفعاله أو ذاته الجميلة فذاك جمال باطنه أشرق بمرآة جمال محبوبه والجمال الظاهر جزء من الجمال الباطن والألفة بين المتحابين ليست إلا للاشتراك في جمال الباطن أو ضده ولذلك ترى من هو قبيح المنظر وتحبه وترى حسن المنظر وتبغضه ولله در القائل:
وإذا اعتراك الوهم في حال امرئ. . . فأردت تعرف خيره من شره
فاسأل ضميرك عن ضمير فؤاده. . . ينبيك سرك بالذي في سره
وهذا يفتح لك باب سر الفراسة الحكمية ويسن أن يجيبه المخبر بقوله أحبك الذي أحببتني من أجله كما جاء في الخبر المار
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عبد الله بن أبي مرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال تابعي مجهول(1/247)
360 - (إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه) أي يناجيه (فليقرأ القرآن) هذا من قبيل الاستعارة بالكناية فإن القرآن رسالة من الله لعباده فكأن القارئ يقول يارب قلت كذا وكذا فهو مناج له سبحانه وتعالى ويحتمل أنه من مجاز التشبيه وفي إشعاره أنه يتطهر ظاهرا وباطنا ويتدبر ويحضر قلبه وإذا مر بآية رحمة سألها أو آية عذاب استعاذ منه
(خط فر عن أنس) وفيه الحسين بن زيد قال الذهبي ضعيف(1/248)
361 - (إذا أحببت رجلا) لا تعرفه ولم يظهر منه ما تكره (فلا تماره) أي لا تجادله ولا تنازعه (ولا تشاره) روي بالتشديد من المشارة وهي المضادة مفاعلة من الشر أي لا تفعل معه شرا تحوجه إلى فعل مثله معك وروي مخففا من البيع والشراء أي لا تعامله ذكره الديلمي (ولا تسأل عنه أحدا) حيث لم يظهر لك منه ما تكره (فعسى) أي ربما (أن توافى له) أي تصادف وتلاقى يقال وافيته موافاة أتيته (عدوا) أو حاسدا (فيخبرك بما ليس فيه) مما يذم (فيفرق بينك وبينه) لأن هذا شأن العدو وقد قال سبحانه وتعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وهذا أمر إرشادي يقضي الطبع السليم والذكاء بحسنه ولو لم يسأل عنه فأخبره إنسان عنه بشيء مكروه فينبغي أن لا يبادر بمفارقته بل يتثبت ويفحص فربما كان المخبر عدوا
(حل عن معاذ) بن جبل وفيه معاوية بن صالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج به(1/248)
362 - (إذا أحببتم) أي أردتم (أن تعرفوا ما للعبد) أي الإنسان (عند ربه) مما قدر له من خير وشر (فانظروا) أي تأملوا (ما يتبعه) أي الذي يذكر عنه بعد موته وفي حياته (من الثناء) بالفتح والمد فإذا ذكره أهل الصلاح بشيء فاعلموا أن الله تعالى أجرى على ألسنتهم ماله عنده فإنهم ينطقون بإلهامه كما يفيده خبر إن الملائكة تتكلم على ألسنة بني آدم بما في العبد من الخير والشر فإن كان خيرا فليحمد الله ولا يعجب بل يكون خائفا من مكره الخفي وإن كان شرا فليبادر بالتوبة وليحذر سطوته وقهره
(ابن عساكر) في تاريخه (عن علي) وفيه عبد الله بن سلمة متروك (و) عن (مالك) بن أنس (عن كعب موقوفا) وكعب الأحبار هو أبو إسحاق الحميري أسلم في خلافة أبي بكر أو عمر وسكن الشام ومات في زمن عثمان(1/248)
[ص:249] 363 - (إذا أحدث أحدكم) أي انتقض طهره بأي شيء كان وأصل أحدث من الحدث وفي المحكم الحدث الإيذاء وفي المغرب أما قول الفقهاء أحدث إذا أتى منه ما ينقض الطهارة لا تعرفه العرب ولذلك قال الأعرابي لأبي هريرة رضي الله عنه ما الحدث قال فساء أو ضراط (في صلاته) وفي رواية في الصلاة (فليأخذ) ندبا (بأنفه) أي يتناول ويقبض عليه بيده موهما أنه رعف والأولى اليسرى (ثم لينصرف) فليتوضأ وليعد الصلاة كذا هو في رواية أبي داود وذلك لئلا يخجل ويسول له الشيطان بالمضي فيها استحياء عن الناس فيكفر لأن من صلى متعمدا بغير وضوء فقد كفر وليس هو من قبيل الكذب بل من المعاريض بالفعل وفيه إرشاد إلى إخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن ولا يدخل في الرياء بل هو من التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس ومشروعية الحيل التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية بل قد يجب إن خيف وقوع محذور لولاه كقول إبراهيم هي أختي ليسلم من الكافر: وما الشرائع كلها إلا مصالح وطرقا للتخلص من الوقوع في المفاسد وهذا الحديث قد تمسك بظاهره من ذهب من الأئمة إلى أن خروج الدم بنحو فصد أو حجم أو رعاف من نواقض الوضوء ومذهب الإمام الشافعي خلافه
(هـ حب ك) في الطهارة (هق) في الصلاة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها قال الحاكم على شرطهما ومن أفتى بالحيل يحتج به انتهى ورواه أبو داود أيضا والله تعالى أعلم(1/249)
364 - (إذا أحسن الرجل) يعني الإنسان (الصلاة فأتم ركوعها وسجودها) بأن يأتي بها بأركانها وشروطها وهذا تفسير لقوله أحسن واقتصر عليهما مع أن المراد إتمام جميع أركانها لأن العرب كانت تأنف من الإنحناء كراهة لهيئة عمل قوم لوط فأرشدهم إلى أنه ليس من هذا القبيل (قالت الصلاة حفظك الله كما حفظتني) أي حفظا مثل حفظك لي بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح وهذا من باب الجزاء من جنس العمل فكما حفظ حدود الله تعالى فيها قابلته بالدعاء بالحفظ. وإسناد القول إلى الصلاة مجاز ولا مانع من كونه حقيقة لما مر أن للمعاني صورا عند الله لكن الأول أقرب (فترفع) إلى عليين كما في خبر أحمد في رفع صحف الأعمال وهو كناية عن القبول والرضا (وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني) أي ترك كلاءتك وحفظك حتى تهلك جزاء لك على عدم وفائك بتعديل أركاني قال ابن جني: الضيعة الموضع الذي يضيع فيه الإنسان ومنه ضاع يضيع ضياعا إذا هلك قال القرطبي: فمن لم يحافظ على ركوعها وسجودها لم يحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع كما أن من حافظ عليها فقد حفظ دينه ولا دين لمن لا صلاة له (فتلف) عقب فراغه منها كما يؤذن به فاء التعقيب ويحتمل أن ذلك في القيامة (كما يلف الثوب الخلق) بفتح المعجمة واللام أي البالي (فيضرب بها وجهه) أي ذاته وذلك بأن تجسيم كما في نظائره لكن الأوجه أنه كناية عن خيبته وخسرانه وإبعاده وحرمانه فيكون حاله أشد من حال التارك رأسا كيف والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة أسوأ حالا من المعرض عن الخدمة بالكلية؟ قال الغزالي: فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يحضر قلبه ويفرغه من الوسواس وينظر بين يدي من يقوم ومن يناجي ويستحيي أن يناجيه بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس الدنيا وخبائث الشهوات ويعلم أنه مطلع على سريرته ناظر إلى قلبه وإنما يقبل من صلاته بقدر خشوعه وتضرعه وتذلله فإن لم [ص:250] يحضر قلبه هكذا فهو لقصور معرفته بجلال الله تعالى فيقدر أن رجلا صالحا من وجوه الناس ينظر إليه ليعرف كيف صلاته فعند ذلك يحضر قلبه وتسكن جوارحه فإذا قدر اطلاع عبد ذليل لا ينفع ولا يضر يخشع له ولا يخشع لخالقه فما أشد طغيانه وجهله (تتمة) قال في الحكم أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته
(الطيالسي) أبو داود وكذا الطبراني والبيهقي في الشعب (عن عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة (ابن الصامت) ضد الناطق ابن قيس الأنصاري صحابي فاضل رمز المصنف لصحته وليس كما قال ففيه محمد بن مسلم بن أبي وضاح قال في الكاشف وثقه جمع وتكلم فيه البخاري وأحوص بن سليم ضعفه النسائي وقال المديني لا يكتب حديثه(1/249)
365 - (إذا اختلفتم) أي تنازعتم أيها المالكون لأرض وأردتم البناء فيها قال ابن جرير أو قسمتها ولا ضرر على أحد منهم فيها (في الطريق) أي في قدر غرس الطريق التي تجعلونها بينكم للمرور فيها فإذا أراد البعض جعلها أقل من سبعة أذرع وبعضهم سبعة أو أكثر مع اجتماع الكل على طلب فرض الطريق (فاجعلوه) وجوبا بمعنى أنه يقضي بينهم بذلك عند الترافع كما بينه ابن جرير الطبري فليس المراد الإرشاد كما وهم (سبعة) وفي رواية سبع. قال النووي: وهما صحيحان فالذراع يذكر ويؤنث (أذرع) بذراع البنيان المعروف وقيل بذراع اليد المعتدلة ورجحه ابن حجر وأصل الذراع كما قال المطرزي من المرفق إلى طرف الأصابع ثم سمى به الخشبة أو الحديدة التي يذرع بها وتأنيثه أفصح وذلك لأن في السبعة كفاية لمدخل الأحمال والأثقال ومخرجها ومدخل الركبان والرحال ومطرح الرماد وغيره ودونها لا يكفي لذلك قال الإمام الطبري وتبعه الخطابي هذا إذا بقي بعده لكل واحد من الشركاء فيه ما ينتفع به بدون مضرة وإلا جعل على حسب الحال الدافع للضرر أما الطريق المختص فلا تحديد فيه فلمالكه جعله كيف شاء وأما الطريق المسلوك فيبقى على حاله لأن يد المسلمين عليه وأما في الفيافي فيكون أكثر من سبعة لممر الجيوش ومسرح الأنعام وإلتقاء الصفوف. وقال النووي: حديث السبعة أذرع محمول على أمهات الطرق التي هي ممر العامة لأحمالهم وماشيتهم بأن يتشاحح من له أرض يتصل بها مع من له فيها حق فيجعل بينها سبعة أذرع بالذراع المتعارف أما ثنيات الطرق فبحسب الحاجة وحال المتنازعين فيوسع لأهل البدو ما لا يوسع لأهل الحضر وفي الفيافي يجعل أكثر من سبعة لأنها ممر الجيوش والقوافل ولو جعلت الطريق في كل محل سبعة أضر بأملاك كثير من الناس انتهى والحاصل أن الطريق يختلف سعتها بحسب اختلاف أحوالها كما في المطامح قال ابن حجر: ويلحق بأهل البنيان من قعد في حافة الطريق للبيع فإن كلن الطريق أزيد من سبعة لم يمنع من القعود في الزائد وإن كان أقل منع
(حم م د) في البيوع (ت) وقال حسن صحيح (هـ عن أبي هريرة حم هـ هق عن ابن عباس) ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وأمر بخلافه بل رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وعزاه له جمع منهم الديلمي وغيره(1/250)
366 - (إذا أخذ) أي شرع (المؤذن في أذانه) أضاف إليه لأنه المنادى به والمراد الأذان المشروع والمؤذن الذي يصح أذانه ويحتسبه (وضع الرب) وفي رواية للطبراني وضع الرحمن (يده فوق رأسه) كناية عن كثرة ادرار الرحمة والإحسان والبركة والمدد الرباني عليه وإيصال البر والخير إليه فأطلق اليد وأراد النعمة التي خص بها المؤذن وفضله بسببها على كثير من الناس وعبر بالفوقية لأن له المثل الأعلى ويحتمل أن يأمر الله تبارك وتعالى ملكا يضع يده على رأسه حقيقة فأضيف الفعل إلى الله لأنه أمره بذلك كما يقال ضرب الأمير اللص وبنى الأمير المدينة أي أمر بضربه والأول أقعد (فلا يزال كذلك) أي ينعم عليه بما ذكر (حتى) أي إلى أن (يفرغ من [ص:251] أذانه) أي يتمه (وأنه) أي والشأن أو الحال (ليغفر له) بضم التحتية والراء (مد صوته) أي مقدار غايته بمعنى أنه لو كانت ذنوبه متجسمة تملأ ذلك الفضاء لعفرت كلها وأنكر بعض أهل اللغة مد بالتشديد وصوب أنه مدى كما في رواية الطبراني وليس بمنكر بل هما لغتان لكن مدى أشهر (فإذا فرغ) من أذانه (قال الرب) تعالى وآثره لأنه المناسب لتربية الأعمال (صدق عبدي) فيما قاله وأضافه إليه للتشريف (وشهدت) يا عبدي ففيه إلتفات (بشهادة الحق) وهي أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونص على هذا مع دخوله في التصديق إشارة إلى أن المقصود من الأذان الإتيان بالتشهد (فأبشر) بما يسرك من الثواب وهذا في المحتسب ويحتمل العموم وفضل الله واسع وفيه بيان فضل الأذان وكثرة ثوابه وندب رفع الصوت به ما أمكن حيث لا يؤذي <تنبيه> قال ابن المنير تبعا للإمام الرازي اليدان والعينان صفات سمعية ضاق بيان وجه الاستعارة فيها ولم يمكن ردها لأن الشرع أثبتها ولم يمكن حملها على ظاهرها لأن العقل يأباه ولم يمكن حملها على الاستعارة في بعض الموارد فتعين ضرورة أن ثبتت صفات لا جوارح والمعطلة أسرفوا والمشبهة افتتنوا {وكان بين ذلك قواما}
(ك في التاريخ) تاريخ نيسابور (فر) وكذا أبو نعيم (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه له كان أولى ثم إنه رمز لضعفه وسببه أن فيه محمد بن يعلي السلمي ضعفه الذهبي وغيره(1/250)
367 - (إذا أخذت) أي أتيت كما في خبر البراء (مضجعك) بفتح الجيم وكسرها محل نومك والمضجع موضع الضجوع يعني وضعت جنبك بالأرض لتنام (من الليل) بيان لزمن الاضطجاع وذكره للغالب فالنهار كذلك فيما أظن بل يظهر أنه لو أراد النوم قاعدا كان كذلك (فاقرأ) ندبا سورة (قل يا أيها الكافرون) أي السورة التي أولها كذلك (ثم نم على خاتمتها) أي نم على خاتمة قراءتك لها أو اجعلها خاتمة كلامك ثم نم (فإنها) أي السورة المذكورة (براءة من الشرك) أي متضمنة للبراءة من الشرك وهو عبادة الأوثان لأن الجملتين الأوليتين لنفي عبادة غير الله تعالى حالا والأخيرتين لنفي العبادة مآلا عند البغوي وعاكسه القاضي وأطال أبو حيان في الانتصار للأول
(حم د) في الأدب (ت) في الدعوات وقال حسن غريب (ك)
في التفسير (هب) وكذا مالك في الموطأ في باب قل هو الله أحد ولعل المؤلف أغفله سهوا (عن نوفل) بفتح النون وسكون الواو وفتح الفاء (ابن معاوية) قال قلت يا رسول الله علمني شيئا أقوله عند منامي فذكره وهو الديلمي بكسر فسكون صحابي تأخر موته وما جرى عليه المؤلف من صحابية نوفل بن معاوية الظاهر أنه سبق قلم وإنما هو نوفل بن فروة الأشجعي فإن ابن الأثير ترجم نوفل بن فورة هذا ثم قال حديثه في فضل قل يا أيها الكافرون مضطرب الإسناد ولا يثبت ثم ساق هذا الحديث بعينه وذكر أن أبا نعيم وابن عبد البر وابن المديني أخرجوه هكذا ثم ذكر بعده نوفل بن معاوية وذكر له حديثا غير هذا (و) أبو القاسم (البغوي) في الصحابة (و) عبد الباقي (بن قانع) في معجمه (والضياء) المقدسي في المختارة كلهم (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن حارثة) قلت يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله به فذكره وجبلة هذا هو أخو زيد وعم أسامة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في طلب أخيه فأبى أن يرجع فرجع ثم عاد فأسلم وتقديم المؤلف حديث نوفل يوهم أنه أمثل من جبلة وليس كذلك فقد قال ابن عبد البر حديث نوفل في قل يا أيها الكافرون مضطرب الإسناد لا يثبت انتهى. وقال في الإصابة: حديث [ص:252] جبلة هذا متصل صحيح الإسناد. وقال الهيتمي: رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات غير عطاء بن السائب فإنه اختلط(1/251)
368 - (إذا أدخل الله الموحدين) القائلين بأن الله واحد لا شريك له وهذا شامل لموحدي هذه الأمة وغيرها (النار) ليطهرهم والمراد بهم بعضهم وهو من مات عاصيا ولم يتب ولم يعف عنه (أماتهم فيها) لطفا منه بهم وإظهارا لأثر التوحيد بمعنى أنه يغيب إحساسهم أو يقبض أرواحهم بواسطة أو غيرها فعلى الثاني هو موت حقيقي وبه يتجه تأكيده بالمصدر في قوله (إماتة) وذلك لتحققهم بحقيقة لا إله إلا الله صدقا بقلوبهم لكنهم لما لم يوفوا بشروطها عوقبوا بحبسهم عن الجنة والمسارعة إلى جوار الرحمن (فإذا أراد أن يخرجهم منها) أي بالشفاعة أو الرحمة (أمسهم) أي أذاقهم (ألم العذاب تلك الساعة) أي ساعة خروجهم. قال السخاوي: والعذاب إيصال الألم إلى الحي مع الهوان فإيلام الأطفال والحيوان ليس بعذاب انتهى. وقيل: سمي عذابا لأنه يمنع المعاقب من المعاودة لمثل فعله وأصل العذاب المنع والمراد هنا عذاب نار الآخرة وهل هذا الإحساس عام أو خاص؟ احتمالان وعلى العموم يختلف هذا الألم باختلاف الأشخاص فبعضهم يكون تألمه في تلك الساعة اللطيفة شديدا وبعضهم يكون عليه كحر الحمام كما ورد في خبر
(فر عن أبي هريرة) قال الهيتمي: فيه الحسن بن علي بن راشد صدوق رمي بشيء من التدليس وأورده الذهبي في الضعفاء(1/252)
369 - (إذا ادهن أحدكم) افتعل أي أراد دهن شعر رأسه بالدهن (فليبدأ) إرشادا (بحاجبيه) وهما العظمان فور العينين يلجمهما وشعرهما أو شعرهما وحده كذا في القاموس وظاهر أن المراد هنا الشعر والبشرة. قال الراغب: والحاجب المانع عن السلطان والحاجبان في الرأس سميا به لكونهما كالحاجبين للعينين في الذب عنهما (فإنه) أي الدهن (يذهب بالصداع) لفظ رواية الديلمي فإنه ينفع من الصداع والصداع بالضم وجع الرأس وإنما يذهب به لأنه يفتح المسام فيخرج البخار المنحبس في الرأس وقال الحكيم حكمة البداءة بالحاجبين أن أول ما ينبت على ابن آدم من الشعر شعر الحاجبين فإذا بدأ بهما في المشط والدهن فقد أدى حقه لكونه بدئ به في الخلقة وقوله يذهب بفتح أوله أي إذا دهن به الرأس الذي فيه صداع بالدهن فلا يذهب الدهن أي يجف حتى يذهب بالصداع معه ويحتمل كونه بضم أوله والباء زائدة أي يذهب الصداع
(ابن السني وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (وابن عساكر) في تاريخه (عن قتادة) بن دعامة السدوسي المحدث المفسر الفقيه (مرسلا فر) وكذا الحكيم الترمذي (عنه) أي عن قتادة (عن أنس) قال في الأصل وسنده ضعيف لأن فيه بقية والكلام فيه معروف وجبلة بن دعلج ضعفه أحمد والدارقطني ثم الذهبي(1/252)
370 - (إذا أدى العبد) أي الإنسان المؤمن الذي به رق أو كان أنثى أو خنثى (حق الله) أي ما أمره به من نحو صلاة وصوم واجتناب منهي (وحق مواليه) أي ملاكه من نحو خدمة ونصح (كان له أجران) أجر قيامه بحق الله وأجر نصح سيده وإحسانه خدمته ولا يقتضي ذلك تفضيله على الحر لأن جهات الفضل لا تحصى أو المراد ترجيح من أدى الحقين على من أدى أحدهما ومن يؤتى أجره مرتين نحو أربعين نظمها المؤلف وغيره. قال الحراني: والأجر في الأصل جعل العامل على عمله والمراد به أي في لسان الشارع عليه الصلاة والسلام الثواب الذي وعد به على تلك الأعمال المشروطة بالإيمان
(حم م عن أبي هريرة)(1/252)
[ص:253] 371 - (إذا أديت زكاة مالك) الذي وجبت عليك فيه زكاة أي دفعتها إلى المستحقين أو الإمام أو نائبه (فقد قضيت) أي أديت قال تعالى {فإذا قضيتم مناسككم} أي أديتموها فالأداء بمعنى القضاء وعكسه عند أهل اللغة ولم يعبر ثانيا بأديت كراهة لتوالي الأمثال (ما عليك) من الحق الواجب فيه ولا تطالب بإخراج شيء آخر منه ولا تدخل في زمرة الذين وعدهم الله بقوله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}
(ت) وقال حسن غريب (هـ ك) في الزكاة وصححه وأقره الذهبي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل يا رسول الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله فذكره قال العراقي في شرح الترمذي وهو على شرط ابن حبان في صحيحه انتهى لكن جزم ابن حجر تلميذه بضعفه(1/253)
372 - (إذا أديت زكاة مالك) بكسر الكاف الخطاب لأم سلمة لكنه عام الحكم (فقد أذهبت عنك شره) الدنيوي الذي هو تلفه ومحق البركة منه والأخروي الذي هو العذاب وفي إفهامه أنه إذا لم يؤدها فهو شر عليه فيمثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة وتطؤه الغنم بأظلافها وتنطحه بقرونها إلى غير ذلك من ضروب العذاب المفصلة في الأخبار ومن كلامهم البديع: أي مال أديت زكاته درت بركاته
(ابن خزيمه) في صحيحه (ك) في الزكاة وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص (عن جابر) مرفوعا وموقوفا. قال الذهبي في المهذب: والأصح أنه موقوف وقال ابن حجر في الفتح: إسناده صحيح لكن رجح أبو زرعة رفعه وله شاهد أيضا(1/253)
373 - (إذا أذن) بالبناء للمجهول (في قرية) أو بلد أو نحوها من أماكن الاجتماع (آمنها الله) بالقصر والمد أي أمن أهلها (من عذابه) أي من إنزال عذابه بهم (في ذلك اليوم) الذي أذن فيه أو في تلك الليلة كذلك ثم يحتمل عمومه فلا يحصل لهم بلاء من فوقهم ولا من تحتهم ولا يسلط عليهم عدوا ويحتمل اختصاصه بمنع الخسف والمسخ والقذف بالحجارة ونحو ذلك ويحتمل منع المسلمين من قتالهم لأن الأذان من شعار الدين فإذا سمعه منهم من يريد قتالهم لزمه الكف <فائدة> ذكر الإمام الرازي في الأسرار أن الماء زاد ببغداد حتى أشرفت على الغرق فرأى بعض الصلحاء في النوم كأنه واقف على طرف دجلة وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله غرقت بغداد فجاء شخصان فقال أحدهما لصاحبه ما الذي أمرت به قال بتغريق بغداد ثم بهيت قال ولم قال رفعت ملائكة الليل أن البارحة افتض ببغداد سبع مئة فرج حرام فغضب الله فأمرني بتغريقها ثم رفعت ملائكة النهار في صبح ذلك اليوم سبع مئة أذان وإقامة فغفر الله تعالى لهؤلاء بهؤلاء فانتبه وقد نقص الماء
(طص عن أنس) وفيه عبد الرحمن بن سعد ضعفه ابن معين وغيره وظاهر تخصيصه المعجم الصغير بالعزو أنه لم يخرجه إلا فيه والأمر بخلافه فقد خرجه في معاجيمه الثلاثة هكذا ذكره المنذري وضعفه(1/253)
374 - (إذا أذن المؤذن) أي أخذ في الأذان (يوم الجمعة) بعد جلوس الخطيب على المنبر وهي بسكون الميم بمعنى المفعول أي اليوم المجموع فيه وبفتحها بمعنى الفاعل أي اليوم الجامع للناس ويجوز الضم والتاء فيه ليست للتأنيث لأنه صفة لليوم بل للمبالغة كرجل علامة أو هو صفة للساعة (حرم) على من تلزمه الجمعة (العمل) أي الشغل عن السعي إليها بما يفوتها من الأعمال كبيع وإجارة وغيرهما لقوله تعالى {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية وقيس بالبيع غيره ولما فيه من الذهول عن الواجب الذي دخل وقته ويصح البيع ونحوه عند الجمهور وقال المالكية يفسخ الا النكاح والهبة [ص:254] والصدقة أما الأذان الأول فلا يحرم شيئا مما ذكر عنده لأنه إنما أحدثه عثمان أو معاوية وعند الحنفية يكره البيع مطلقا ولا يحرم. قال الحراني: وكلما عمله الانسان في أوقات الصلاة من حين ينادي المؤذن إلى أن تنفصل جماعة مسجده من صلاتهم لا بركة فيه بل يكون وبالا
(فر عن أنس) وفيه عبد الجبار القاضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال كان داعية للاعتزال وفي الميزان من غلاة المعتزلة وإبراهيم بن الحسين الكسائي قال في اللسان ما علمت أحدا طعن فيه حتى وقفت في جلاء الأفهام لابن القيم على أنه ضعيف وما أظنه إلا التبس عليه وسعيد بن ميسرة قال ابن حبان يروي الموضوع وفي الكامل مظلم الأمر وفي الميزان كذبه القطان(1/253)
375 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي كمالا عظيما قيل المراد بالخير المطلق الجنة وقيل عموم خيري الدنيا والآخرة (جعل صنائعه) أي فعله الجميل جمع صنيعة وهي العطية والكرامة والإحسان (ومعروفه) أي حسن صحبته ومواساته (في أهل الحفاظ) بكسر الحاء وخفة الفاء أي أهل الدين والأمانة الشاكرين للناس لأن الصنيعة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها وفي الفردوس قال حسان بن ثابت:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة. . . حتى يصاب بها طريق المصنع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الشيء وهي نقيض الكراهة التي هي النفرة وإرادة الله ليست بصفة زائدة على ذاته كإرادتنا بل هي عين حكمته التي تخصص وقوع الفعل على وجه دون آخر وحكمته عين علمه المقتضي لنظام الأشياء على الوجه الأصلح والترتيب الأكمل وانضمامها مع القدرة هو الاختيار (وإذا أراد الله بعبد شرا) أي خذلانا وهوانا (جعل صنائعه ومعروفه في غير أهل الحفاظ) أي جعل عطاياه وفعله الجميل في غير أهل الدين والأمانة وصرح بالثاني مع فهمه من الأول حثا للإنسان على أنه ينبغي له أن يقصد بمعروفه أهل المعروف ويتحرى إيقاعه فيهم قال بعض الحكماء والمصطنع إلى اللئيم كمن أعطى الخنزير درا وقرظ الكلب تبرا وألبس الحمار وشيا وألقم الحية شهدا وقال ابن غزية: خمسة أشياء ضائعة سراج في شمس وحسناء تزف لأعمى ومطر في سبخة وطعام قدم لشبعان وصنيعة عند من لا يشكرها فينبغي للإنسان تحري اختيار المصرف حتى تقع العطية في المحل اللائق ويسلم من مخالفة الحكمة قال الشاعر:
إنما الجود أن تجود على من. . . هو للفضل والكرامة أهلا
وقال المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا. . . مضر كوضع السيف في موضع الندى
(فر عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن لال وعنه في طريقه عنه خرجه الديلمي فلو عزاه له كان أولى ثم إن فيه خلف بن يحيى قال الذهبي عن أبي حاتم كذاب فمن زعم صحته فقد غلط(1/254)
376 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه) أي جعله قانعا بالكفاف لئلا يتعب في طلب الزيادة وليس له إلا ما قدر له والنفس معدن الشهوات وشهواتها لا تنقطع فهي أبدا فقيرة لتراكم ظلمات الشهوات عليها فهي مفتونة بذلك وخلصت فتنتها إلى القلب فصار مفتونا فأصمته عن الله وأعمته لأن الشهوات ظلمة ذات رياح هفافة والريح إذا وقع في أذن أحد أصم والظلمة إذا وقعت في العين أعمت فلما صارت الشهوة من النفس إلى القلب حجبت النور فعميت وصمت فإذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فأضاء ووجدت النفس لها حلاوة وروحا ولذة تلهي عن لذات الدنيا وشهواتها وتذهب مخاوفها وعجلتها وحرقتها وتلهبها فيطمئن القلب فيصير غنيا بالله والنفس جارة وشريكة ففي غنى الجار غنى وفي غنى الشريك غنى (وتقاه) بضم المثناة فوق وخفة القاف خوفه من ربه (في قلبه) بأن يقذف فيه [ص:255] نور اليقين فينخرق الحجاب ويضيء الصدر فذلك تقواه يتقي بها مساخط الله ويتقي بها حدوده. وبه يؤدي فرائض ربه وبه يخشاه فيصير ذلك النور وقايته (وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه) كناية عن كونه يصير مستحضرا له أبدا ومشفقا من الوقوع فيه سرمدا فهو نصب عينيه على طول المدى فلا يزال فقير القلب حريصا على الدنيا متهافتا عليها منهمكا في تحصيلها وإن كان موسرا ممتد الطمع وإن طال الأمد فلا يزال بين طمع فارغ وأمل كاذب حتى توافيه المنية وهو على هذه الحالة الردية وذلك من علامات سوء الخاتمة والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث تحملها عليه وتقال للقوة التي هي مبدأ النزوع والأول مع الفعل والثاني قبله وكلاهما لا يتصور اتصاف الباري تبارك وتعالى به ولذلك اختلف العلماء في معنى إرادته فقيل إرادته الأفعال أنه غير ساه ولا مكره وقيل اشتمال الأمر على النظام الأكمل والوجه الأصلح والحق أنها ترجيح أحد مقدوريه على الآخر وتخصيصه بوجه دون وجه أو معنى يوجب هذا الترجيح ذكره القاضي
(الحكيم) الترمذي (فر عن أبي هريرة) كتب الحافظ ابن حجر على هامش الفردوس بخطه ينظر في هذا الإسناد انتهى وأقول فيه دراج أبو السمح نقل الذهبي عن أبي حاتم تضعيفه وقال أحمد أحاديثه مناكير(1/254)
377 - (إذا أراد الله بعبد خيرا) أي عظيما (فقهه في الدين) أي فهمه الأحكام الشرعية بتصورها والحكم عليها أو باستنباطها من أدلتها وكل ميسر لما خلق له هذا ما عليه الجمهور قال الغزالي: أراد العلم بالله وصفاته التي تنشأ عنها المعارف القلبية لأن الفقه المتعارف وإن عظم نفعه في الدين لكنه يرجع إلى الظواهر الدينية إذ غايته نظر الفقيه في الصلاة مثلا الحكم بصحتها عند توفر الواجبات وفائدته سقوط الطلب في الدنيا وأما قبولها وترتب الثواب فليس من تعقله بل يرجع إلى عمل القلب وما تلبس به من نحو خشية ومراقبة وحضور وعدم رياء ونحو ذلك فهذا لا يكون أبدا إلا خالصا لوجه الله فهو الذي يصلح كونه علامة على إرادة الخير بالعبد وأما الفقهاء فهم في واد والمتزودون للآخرة بعلمهم في واد ألا ترى إلى قول مجاهد إنما الفقيه من يخاف الله؟ وقول الحسن لمن قال قال الفقهاء وهل رأيت فقيها إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة. والفقه في المعرفة أشرف كل معلوم لأن كل صفة من صفاته توجب أحوالا ينشأ عنها التلبس بكل خلق سني وتجنب كل خلق رديء فالعارفون أفضل الخلق فهو بالإرادة أخلق وأحق وأما تخصيص الفقه بمعرفة الفروع وعللها فتصرف حادث بعد الصدر الأول (وزهده) بالتشديد صيره زاهدا (في الدنيا) أي جعل قلبه معرضا عنها مبغضا محقرا لها رغبة به عنها تكريما له وتطهيرا عن أدناسها ورفعة عن دناءتها (وبصره) بالتشديد (عيوبه) أي عرفه بها وأوضحها له ليتجنبها كأمراض القلب من نحو حسد وحقد وغل وغش وكبر ورياء ومداهنة وخيانة وطول أمل وقسوة قلب وعدم حياء وقلة رحمة وأمثالها قال الطيبي: وهذا إشارة إلى الدرجة الثانية يعني لما زهد في الدنيا علامة إرادة الله الخير بعبده قال الغزالي: والزهد فيها أن تنقطع همته عنها ويستقذرها ويستنكرها فلا يبقى لها في قلبه اختيار ولا إرادة والدنيا وإن كانت محبوبة مطلوبة للإنسان بطبعه لكن لمن وفق التوفيق الخاص وبصره الله بآفاتها تصير عنده كالجيفة وإنما يتعجب من هذا الراغبون في الدنيا العميان عن عيوبها وآفاتها المغترون بزخرفها وزينتها ومثل ذلك كإنسان صنع حلوا من أغلى السكر وعجنها بسم قاتل وأبصر ذلك رجل ولم يبصره آخر ووضعه بينهما ومن أبصر ما جعل فيه من السم زهده وغيره يغتر بظاهره فيحرص عليه ولا يصبر عنه
(هب عن أنس) بن مالك (و) عن (محمد بن كعب القرظي) بضم القاف وفتح الراء [ص:256] ومعجمة نسبة لقريظة اسم لرجل نزل أولاده حصنا بقرب المدينة وهو أخو النضير وهما من ولد هارون عليه الصلاة والسلام (مرسلا) ورواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس أيضا قال العراقي: وإسناده ضعيف جدا وقال غيره واه(1/255)
378 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له من نفسه واعظا) ناصحا ومذكرا بالعواقب (من) وفي بعض النسخ في (نفسه) لفظ رواية الديلمي من قلبه (يأمره) بالخيرات (وينهاه) عن المنكرات ويذكره بالعواقب فيقطع العلائق والأسباب الداعية إلى موافقة النفس والشيطان ويصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد ربه ويفرغ باله لأمر الآخرة فيقبل الله عليه برحمته ويفيض عليه من نعمته وفي معناه ما قيل من كان في عمل الله كان الله في عمله وإذا صدقت إرادة العبد وصفت همته وحسنت مواظبته ولم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا بلغ الحق في قلبه
(فر) وكذا ابن لال ومن طريقه وعنه رواه الديلمي مصرحا فلو عزاه له لكان أولى (عن أم سلمة) قال الحافظ العراقي وغيره إسناده جيد كذا جزم به في المعنى ولم يرمز له المؤلف بشيء(1/256)
379 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عسله) بفتح العين والسين المهملتين تشدد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل ذكره الزمخشري (قيل) أي قالوا يا رسول الله (وما عسله) أي ما معناه (قال يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه) فهذا من كلام الراوي لا المصطفى صلى الله عليه وسلم شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه ذكره الزمخشري قال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده بعد ما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحا قليلا فأعطى جزيلا
(حم طب عن أبي عنبة) بكسر العين المهملة وفتح النون الخولاني واسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة قال ابن الأثير اختلف في صحبته قيل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وقيل صلى للقبلتين وقيل أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره. قال الهيتمي: وفيه بقية مدلس وقد صرح بالسماع في المسند وبقية رجاله ثقات انتهى ومن ثم رمز المؤلف لحسنه(1/256)
380 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل) أي قال بعض الصحب يا رسول الله (وما استعمله) أي ما المراد به (قال يفتح له عملا صالحا) بأن يوفقه له (بين يدي موته) أي قرب موته فسمى ما قرب منه باليدين توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره ودنا منه وقد جرت هذه العبارة هنا على أحسن سنن ضرب المثل (حتى يرضى عنه) بضم أوله والفاعل الله تعالى ويجوز فتحه والفاعل (من حوله) من أهله وجيرانه ومعارفه فيبرؤن ذمته ويثنون عليه خيرا فيجيز الرب شهادتهم ويفيض عليه رحمته وتفريغ المحل شرط لدخول غيث الرحمة فمتى لم يفرغ المحل لم يصادف الغيث [ص:257] محلا قابلا للنزول وهذا كمن أصلح أرضه لقبول الزرع ثم يبذر فإذا طهر العبد تعرض لنفحات رياح الرحمة ونزول الغيث في أوانه وحينئذ يكون جديرا بحصول الغلة <تنبيه> أشار المؤلف بالجمع بين هذين الحديثين في موضع إلى رد قول ابن العربي الرواية استعمله وأما عسله فهو تصحيف فبين أنه غير صحيح
(حم ك) في الجنائز (عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر الميم بعدها قاف ابن كاهل ويقال كاهن - بالنون - ابن حبيب الخزاعي سكن الكوفة ثم مصر له صحبة قتل بالموصل في خلافة معاوية قال الحاكم صحيح وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح(1/256)
381 - (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح) يعمله (قبل الموت ثم يقبضه عليه) أي يلهمه التوبة وملازمة العمل الصالح كما يحب وينبغي حتى يمل الخلق ويستقذر الدنيا ويحن إلى الموت ويشتاق إلى الملأ الأعلى فإذا هو يرسل الله تعالى يردون عليه بالروح والريحان والبشرى والرضوان من رب راض غير غضبان فينقلونه من هذه الدار الفانية إلى الحضرة العالية الباقية فيرى لنفسه الضعيفة الفقيرة نعيما مقيما وملكا عظيما
(حم ت حب ك عن أنس) بن مالك(1/257)
382 - (إذا أراد الله بعبد خيرا طهره قبل موته قالوا) له (وما طهور العبد) بضم الطاء أي ما المراد بتطهيره (قال عمل صالح يلهمه) أي يلهمه الله تعالى (إياه) والإلهام ما يلقى في الروع بطريق الفيض ويدوم كذلك (حتى يقبضه عليه) أي يميته وهو متلبس به قال في المصباح قبضه الله أماته وفي الأساس: من المجاز قبض على غريمه وعلى العامل وقبض فلان إلى رحمة الله تعالى وهو عما قليل مقبوض فمن أراد الله به خيرا طهره من المادة الخبيثة قبل الوفاة حتى لا يحتاج لدخول النار ليطهره فيلهمه الله تعالى التوية ولزوم الطاعات وتجنب المخالفات أو يصاب بالمصائب وأنواع البلاء المكفرات ليطهر من خبائثه مع كراهته لما أصابه {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} ولهذا كان الأب أو الأم يسوق لولده الحجام أو الطبيب ليعالجه بالمراهم المؤلمة الحادة ولو أطاع الولد لما شفي
(طب عن أبي أمامة) لم يرمز له بشيء وسها من زعم أنه رمز لضعفه قال الهيتمي: ورواه الطبراني من عدة طرق وفي أحدها بقية بن الوليد وقد صرح بالسماع وبقية رجاله ثقات انتهى فالحكم عليه بالضعف في غاية الضعف(1/257)
383 - (إذا أراد الله بعبد خيرا صير) بالتشديد (حوائج الناس إليه) أي جعله ملجأ لحاجاتهم الدينية والدنيوية ووفقه للقيام لها وألقى عليه شراشر المهابة والقبول وسدده فيما يفعل ويقول
(فر عن أنس) قال العراقي فيه يحيى بن شبيب ضعفه ابن حبان وقال الذهبي عن ابن حبان لا يحتج به(1/257)
384 - (إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه) أي لامه على تفريطه وحذره من تقصيره برؤيا يراها في منامه فيكون على بصيرة من أمره وبينة من ربه وينتبه من سنة الغفلة ويذكر رقدة الذلة كما وقع لأبي أسيد الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه كان من ورده قراءة سورة البقرة كل ليلة فأغفلها ليلة فرأى بقرة تنطحه فحلف أن لا يعود رواه الترمذي. [ص:258]
(فر عن أنس) وفيه وهب بن راشد قال الذهبي عن الدارقطني متروك وعن ضرار بن عمرو متروك وعلي الرقاشي متروك(1/257)
385 - (إذا أراد الله بعبده الخير) كذا هو في خط المؤلف وفي نسخ بعبد خيرا ولا أصل له في نسخته (عجل) بالتشديد أسرع (له العقوبة) بصب البلاء والمصائب عليه (في الدنيا) جزاء لما فرط منه من الذنوب فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة كما يعلم من مقابلة الآتي ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به لأن من حوسب بعمله عاجلا في الدنيا خف جزاؤه عليه حتى يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى بالقلم الذي يسقط من الكاتب فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه في دنياه حتى يموت على طهارة من دنسه وفراغ من جنايته كالذي يتعاهد ثوبه وبدنه بالتنظيف قاله الحراني (وإذا أراد بعبده الشر) وفي رواية شرا (أمسك عنه بذنبه) أي أمسك عنه ما يستحقه بسبب ذنبه من العقوبة في الدنيا (حتى يوافى به يوم القيامة) إن لم يدركه العفو {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} والله تعالى لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلا لمثابة أحبابه ومن هذا التقرير عرف أن الضمير المرفوع في يوافى راجع إلى الله والمنصوب إلى العبد قال الطيبي: ويجوز عكسه والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الآخرة مستوفي الذنوب وافيها فيستوفي حقه من العذاب. قال الغزالي: والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى من قول أو فعل والحديث له تتمة عند مخرجه الترمذي وهي وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط
(ت) في الزهد وقال حسن غريب (ك) في الحدود من حديث سعد بن سنان (عن أنس) قال الذهبي في موضع: سعد ليس بحجة وفي آخر كأنه غير صحيح (طب ك) وكذا أحمد ولعله أغفله ذهولا (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء أي عبد الرحمن المزني الأنصاري من أصحاب الشجرة قال: لقي رجل أمرأة كانت بغيا فجعل يداعبها حتى بسط يده إليها فقالت مه فإن الله قد أذهب الشرك فولى فأصابه الحائط فشجه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال له أنت عبد أراد الله بك خيرا ثم ذكره قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وكذا أحد إسنادي الطبراني وطريقه الآخر فيه هشام بن لاحق ترك أحمد حديثه وضعفه ابن حبان (طب عن عمار بن ياسر) قال: مرت امرأة برجل فأحدق بصره إليها فمر بجدار فلمس وجهه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسيل دما فقال: هلكت قال: وما أهلكك قال: خرجت من منزلي فإذا أنا بامرأة فأتبعتها بصري فأصاب وجهي الجدار فأصابني ما ترى فذكره رمز المؤلف لصحته(1/258)
386 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده) أي وفقه لإصابة الرشد وهو إصابة الحق ذكره القاضي. قال الزمخشري: والرشد الاهتداء لوجوه المصالح قال تعالى {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} ومعنى إضافته إليه أنه رشد له شأن. قال السمهودي: ومفهومه أن من لم يفقهه في الدين ولم يرشده لم يرد به خيرا وقد أخرجه أبو نعيم وزاد في آخره ومن لم يفقهه في الدين لم يبال الله به وكذا أبو يعلى لكنه قال: ومن لم يفقهه لم يبل به وفيه أن العناية الربانية وان كان غيبها عنا فلها شهادة تدل عليها ودلالة تهدي إليها فمن ألهمه الله الفقه في الدين ظهرت عناية الحق به وأنه أراد به خيرا عظيما كما يؤذن به التنكير وهذا التقرير كله بناء على أن المراد بالفقه علم الأحكام الشرعية الاجتهادية وذهب جمع منهم الحكيم الترمذي إلى أن المراد بالفقه الفهم فالفهم انكشاف الغطاء عن الأمور فإذا عبد الله بما [ص:259] أمر ونهى بعد أن فهم أسرار الشريعة وانكشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى انشرح صدره وكان أشد تسارعا إلى فعل المأمور وتجنب المنهي وذلك أعظم الخيور وغيره إنما يعبده على مكابدة وعسر لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله تعالى فالنفس إنما تنشط وتنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره وأما من فهم تدبير الله تعالى في ذلك فينشرح صدره ويخف عليه فعله فذلك هو الفقه وقد أحل الله النكاح وحرم الزنا وإنما هو إتيان واحد لامرأة واحدة لكن هذا بنكاح وهذا بزنا فإذا كان بنكاح فشأنه العفة والتحصين فإذا أتت بولد ثبت نسبه وحصل العطف من أبيه بالتربية والنفقة والإرث وإذا كان من زنا ضاع الولد لأنه لا يدري أحد الواطئين ممن هو فكل يجعله على غيره وحرم الله الدماء وأمر بالقود لينزجروا {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} وحرم المال وأمر بقطع السارق لتحفظ الأموال بالامتناع من ذلك فعلل المنهيات والمأمورات بينة لأولي الألباب
(البزار) وكذا الطبراني في الكبير من هذا الطريق بهذا اللفظ ولعله غفل عنه (عن ابن مسعود) قال المنذري إسناده لا بأس به وقال الهيتمي: رجاله موثوقون وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه لا يكفي بل حقه الرمز لصحته وظاهر كلامه أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد أخرجه الترمذي باللفظ المزبور من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما(1/258)
387 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح) بالتحريك (له قفل قلبه) بضم القاف وسكون الفاء أي أزال عن قلبه حجب الأشكال وبصر بصيرته مراتب أهل الكمال حتى يصير قابلا للفيض السبحاني مستمدا للإمداد الرحمني فإذا هبت رياح الألطاف انكشفت الحجب عن أعين القلوب وفاضت الرحمة وأشرق النور وانشرح الصدر وانكشف للقلب سر الملكوت من وراء ستر الغيب غرائب العلوم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما وداومه في غاية الندور وتعلق جمع صوفية منهم البوني بإناطة ذلك بمجرد الإرادة على أنه لا يحصل بالعلوم التعليمية قالوا لا طريق إلا الاستعداد بالتصفية المجردة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق واحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتح الله إذ الأنبياء والأولياء انكشفت لهم الأمور وفاض على صدورهم النور لا بالدراسة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها والتفرغ من عوائقها والإقبال بكنه الهمة على الله فمن كان لله كان الله تعالى له انتهى ونوزع بما حاصله أن تقديم تعلم الأحكام متعين معين وأجاب الغزالي رحمه الله تعالى بأن القرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وأصل الفتح زوال الإشكال والغلق صورة أو معنى والقفل واحد الأقفال (وجعل فيه) أي في قلبه (اليقين) أي العلم المتوالي بسبب النظر في المخلوقات أو ارتفاع الريب ومشهد الغيب وقد وصف الله المؤمنين بالإيمان بالغيب والإيمان التصديق وإنما يصدق المرء الشيء حتى يتقرر عنده فيصير كالمشاهد والمشاهدة بالقلب هو اليقين. قال الخواص رحمه الله تعالى: لقيت شابا بالبادية كأنه سبيكة فضة فقلت إلى أين قال إلى مكة قلت بلا زاد ولا راحلة قال يا ضعيف اليقين الذي يقدر على حفظ السماوات والأرض لا يقدر أن يوصلني إلى مكة بلا علاقة؟ (والصدق) أي التصديق الدائم الجازم الذي ينشأ عنه دوام العمل والصدق وإن شاع في خصوص الأقوال لكن يستعمل في بعض الموارد في بعض الأحوال كما بينه أهل الكمال ومن لم يبصر الخير بقلبه ويصدق به لم يتيقنه وإن صدق بلسانه بل هو في عماء وحيرة (وجعل قلبه واعيا) أي حافظا (لما سلك) أي دخل فيه حتى ينجع (فيه) الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة والوعي الحفظ يقال وعيت الحديث حفظته وتدبرته (وجعل قلبه سليما) من الأمراض كحسد وحقد وكبر وغيرها (ولسانه [ص:260] صادقا) لتعظيم حرمته وتظهر ملاحته إذ اللسان الصادق من أعظم المواهب الربانية وبه يستقيم حال العبد في أحواله الدينية والدنيوية. قال الحراني: والصدق مطابقة ظاهر النطق والفعل بباطن الحال (وخليقته) سجيته وطبيعته مستقيمة معتدلة متوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط والاستقامة كون الخط بحيث ينطق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض وفي إصلاح أهل الحقيقة الوفاء بالعهود وملازمة الطريق المستقيم برعاية حق التوسط في كل أمر ديني ودنيوي فذلك هو الصراط المستقيم (وجعل أذنه سميعة) صيغة مبالغة أي مستمعة لما ينفعه في الآخرة مقبلة على ما يسمعه من ذكر الله متأملة لنصوص كلامه مصغية لأوامره وزواجره وأحكامه (وعينه) أي عين قلبه (بصيرة) فيبصر بها ما جاء من الشارع ويتنبأ ويفهم وإن لم يفهم فانهتك عن قلبه ستر الغيوب فشهد الخير عيانا ولزم طريق الكتاب والسنة إيقانا ولم يلتبس عليه المنهاج الواضح المستبين فصار من المهتدين وخص هذه الجوارح بالذكر لأن منها يكون الخير والشر وعليها مدار النفع والضر. قال في الكشاف: والبصر نور العين وهو ما يبصر به المرئيات كما أن البصيرة نور القلب وهو ما يستبصر ويتأمل فكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى آلتين للإبصار وللإستبصار انتهى
وقال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر والضرير يقال له بصير لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قيل إنه على العكس وقال بعض أهل الوفاء البصيرة فقه القلب في حل أشكال مسائل الخلاف فيما لا يتعلق العلم به تعلق القطع وحقيقتها نور يقذف في القلب يستدل به العقل الخابط عشواء على سبيل الإصابة وعين البصيرة أتم في النظر من عين البصر لأن جميع ما حواه العالم تتصرف في جميعه والحكم عليه حكما يقينا صادقا والعين لا تبصر ما بعد ولا ما قرب قربا مفرطا ومن ثم قال الغزالي: العقل متصرف في العرش والكرسي وما وراء السماوات والملأ الأعلى كتصرفه في عالمه ومملكته القريبة أعني بدنه الخاص بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل وإنما حجابه بسبب صفات تقارنه من نفسه تضاهي حجاب العين عند تغميض الأجفان انتهى
وقد انكشف من هذا البيان أن علامة إرادة الله الخير بعبده أن يتولى أمره ظاهره وباطنه سره وعلنه فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحدا والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة مناجاته في خلواته والكاشف عن الحجب بينه وبين معرفته فذلك من علامات حب الله لعبده <فائدة> قال الشبلي: استنار قلبي يوما فشهدت ملكوت السماوات والأرض فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شيء يحل فيها يعطل النظر
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي ذر) وفيه سعيد بن إبراهيم قال الذهبي مجهول عن عبد الله بن رجاء قال أبو حاتم ثقة وقال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس يحجة عن سرجس بن الحكم بن عامر بن وائل قال ابن خزيمة أنا أبرأ من عهدتهما(1/259)
388 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا) نكره لإفادة التعميم أي إذا أراد جميع الخير والمقام يقتضيه (فقههم في الدين) أي جعلهم فقهاء فيه والفقه لفة الفهم أو لما دق وعرفا العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد وقيل معرفة النفس ما لها وعليها عملا قال الكرماني: والأنسب هنا المعنى اللغوي ليشمل فهم كل علم من علوم الدين. وقال الغزالي: أراد فهمهم أمره ونهيه بنور رباني يقذفه في قلوبهم (ووقر) بشد القاف عظم ويجل (صغيرهم كبيرهم) في السن أو المراد بالكبير العالم وبالصغير غيره أي ورحم كبيرهم صغيرهم كما يدل عليه خبر ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا وإنما لم يذكره هنا لأنه كان يخاطب كل أحد بما يليق بحاله ففهم من المخاطب التقصير في التوقير دون القرينة الثانية (ورزقهم الرفق) بكسر الراء اللطف والدربة وحسن التصرف والسياسة (في معيشتهم) أي ما يتعيشون به أو ما يتوصلون به إلى العيش أي إلى الحياة وفي ذلك البركة والنمو كما صرح به في خبر الخرق شؤم والرفق يمن ثم عطف عليه عطف خاص على عام اهتماما بشأنه بقوله (والقصد) بفتح وسكون (في نفقاتهم) [ص:261] أي الوسط المعتدل بين طرفي الإفراط والتفريط فيها قال تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} والقصد العدل والاستقامة يقال قصد في الأمر إذا توسط وطلب الأسد ولم يجاوز الحد (وبصرهم عيوبهم) أي ذنوبهم أي عرفها لهم وجعلها نصب أعينهم وشغلهم بها عن عيوب غيرهم (فيتوبوا) أي ليتوبوا أي يرجعوا إلى الله (منها) بالطاعة وترك المنهي والعزم على عدم العود (وإذا أراد بهم غير ذلك) أي أراد بهم شرا. ولم يذكره لاقتضاء المقام استهجان ذكره يعني سوء الخاتمة أو العذاب (تركهم هملا) بالتحريك أي ضلالا بأن لا يلهمهم فعل ذلك ويخلي بينهم وبين أنفسهم حتى يهلكوا لغضبه عليهم وإعراضه عنهم وهذا كقوله تعالى {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} الآية قال ابن عطاء الله: كل من وكل إلى نفسه لم تفته معصية وإن لم يكن فاعلا ومن نصرته العناية لم تفته طاعة وإن لم يكن فاعلا وقال: الكلب المعلم يغل في السلاسل ليعمل بمقتضى علمه والكلب الجاهل يترك ويتخلى وشهواته وأنشد بعضهم:
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه. . . كما يجلي سواد الظلمة القمر
والعلم فيه حياة للقلوب كما. . . تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
(قط) في كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن أنس) وقال غريب تفرد به ابن المنكدر عنه ولم يروه عنه غير موسى ابن محمد بن عطاء وهو متروك انتهى وفي ل؟ ؟ (1) كذبه أبو زرعة وأبو حاتم
_________
(1) [أحرف ساقطة في الأصل.](1/260)
389 - (إذا أراد الله بقوم) قال الحراني: هم الذين يقومون بالأمر حق القيام وهم في عرف استعمال العرب لأهل النجدة والقوة حتى يقولون قوم أم نساء تقابلا بين المعنيين (خيرا أكثر فقهاءهم) أي علمائهم بالأحكام الشرعية الفرعية أو الأصولية (وأقل جهالهم) بالضم والتشديد (فإذا تكلم الفقيه) بما يوجبه العلم من طاعة كأمر بمعروف ونهي عن منكر (وجد أعوانا) يظاهرونه ويناصرونه جمع عون وهو الظهير (وإذا تكلم الجاهل) بما يخالف الحق (قهر) بالبناء للمجهول أي خذل وغلب ورد عليه والقهر الغلبة (وإذا أراد بقوم شرا أكثر جهالهم وأقل فقهاءهم فإذا تكلم الجاهل) بغير الحق (وجد أعوانا وإذا تكلم الفقيه) بالحق (قهر) أي وجد مقهورا وذلك من أشراط الساعة قال الغزالي: والمراد بالجاهل الجاهل بعلوم الآخرة وإن كان عالما بعلوم الدنيا تلبس بها رياء ونفاقا وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو مظهر من نفسه خلاف ذلك كالعلماء السوء والقراء السوء أولئك بغضاء الله في أرضه انتهى (أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان كما مر (في) كتاب (الابانة) عن أصول الديانة (عن حبان) بكسر المهملة وشد الموحدة التحتية (ابن أبي جبلة) بفتح الجيم والموحدة تابعي ثقة له إدراك
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحسن بن علي التميمي. قال في الميزان عن الخطيب وبقية غير حجة(1/261)
390 - (إذا أراد الله بقوم خيرا أمد) أي طول (لهم في العمر) بالفتح وبالضم وبضمتين أي في الحياة ليكثروا من الطاعة ويعظم ثوابهم والمد الامهال والزيادة يقال مد الله في عمره أمهله وطوله (وألهمهم الشكر) أي ألقى في قلوبهم ما يحلهم [ص:262] على شكر المنعم الموجب للمزيد وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله أو الإتيان بما يفيد التعظيم على النعمة سواء كان ثناء أو غيره وذلك بأن يتأمل الواحد منهم حاله بعين قلبه فينظر فإذا هو غريق في بحار منن الله وأياديه وتأييده من كثرة ما أنعم الله عليه من إمداد التوفيق والعصمة وأنواع التأييد والحراسة وأشفق أن يكون منه إغفال الشكر فيقع في الكفران فينحط عن المنازل العالية وتزول عنه تلك النعم حتى يقع في سهل الفضل وصحراء الشوق وعرصات المحبة ثم في رياض الرضوان وبساتين الأنس إلى بساط الانبساط ومرتبة التقريب ومجلس المناجاة ونيل الخلع والكرامات فهو يتنعم في هذه الحالة ويتقلب في طيها أيام بقائه في هذا السجن إلى دار القرار فيلقى هناك من سيده من اللطف والعطف والترحيب والتقريب والإنعام ما لا يقيد به وصف واصف ولا نعت ناعت {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
(فر عن أبي هريرة) لم يرمز له بشيء وفيه عنبسة بن سعيد تركه الفلاس وضعفه الدارقطني(1/261)
391 - (إذا أراد الله بقوم خيرا) قال بقوم ولم يقل بالناس لأن هذا العالم لا يكمل نظامه إلا بوجود الشر فيه ومن جملته إمارة السفهاء وحكم الجهلاء فلا تخلو الأرض من ذلك فإذا أراد بأهل قطر مخصوص خيرا عمل بهم ما ذكره بقوله (ولى عليهم حلمائهم) جمع حليم والحلم بالكسر الأناة والتثبت (وقضى) أي حكم (بينهم علماؤهم) أي صير الحكم بينهم إلى العلماء بأن يلهم الإمام البحث عمن فيه الأهلية ويؤثره بالولاية على أهل الجهل والغواية (وجعل المال في سمحائهم) أي كرمائهم جمع سميح وهو الجيد الكريم وذلك ليخرج أحدهم الزكاة بطيب نفس ويقوم بما تقتضيه مكارم الأخلاق من مواساة ذوي الضرورات والحاجات ويتساهل في المعاملات وذلك من علامة رضا الله عن الناس وقد أخرج ابن عساكر عن قتادة قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي عليكم (وإذا أراد الله بقوم شرا ولى عليهم سفهاءهم) أي أخفهم أحلاما وأعظمهم طيشا وخفة وهذا إشارة إلى التحذير من إمارة السفهاء ومن فعلهم وما يترتب عليه من الظلم والكذب وما يؤدي إلى طيشهم وخفتهم من سفك الدماء والفساد في الأرض (وقضى بينهم جهالهم) بالأحكام الشرعية (وجعل المال في بخلائهم) الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولا يقرون الضيف ولا يعطون في النائبة وإصلاح ذات البين مع القدرة ونحو ذلك ولو ولى عليهم سفهاءهم وجعل المال في سمحائهم أو عكسه لم يدل على خير ولا شر فيما يظهر
(فر) وكذا ابن لال وعنه خرجه الديلمي فكان الأولى عزوه إليه لأنه الأصل (عن مهران) قال في الفردوس أظنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مسنده وله صحبة انتهى وإسناده جيد ولم يرمز له بشيء(1/262)
392 - (إذا أراد الله بقوم نماء) بالفتح والمد أي زيادة في الخير وسعة في الرزق يقال نما الشيء ينمى كثر (رزقهم السماحة) أي السخاء (والعفاف) بالفتح والتخفيف الكف عن المنهي شرعا وعن السؤال من الناس (وإذا أراد بقوم اقتطاعا) أي يسلبهم ويقطع عنهم ما هم فيه من خير ونعمة وبركة افتعال من القطع الإبانة من قولهم اقتطع من ماله شيئا أخذه يعني أراد أن يأخذ منهم ما خولهم ومنحهم (فتح عليهم باب خيانة) أي نقص بما ائتمنوا عليه من حقوق الله تعالى [ص:263] وحقوق خلقه فإن الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر كما في خبر يأتي والتعبير بالفتح مجاز أو تهكم إذ هو لا يستعمل إلا في الخير غالبا والقصد الترغيب في هاتين الخصلتين والترهيب عن ضدهما. قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة يقال اعتبارا بالعهد والأمانة والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتدخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة والاختيان تحرك شهوة الإنسان ليتحرى الخيانة وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}
(طب وابن عساكر) وكذا الدارمي والديلمي (عن عبادة بن الصامت) ولم يرمز له بشيء(1/262)
393 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) بكسر الراء وفي نسخ أدخل عليهم باب الرفق وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض والرفق لين الجانب واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع. قال الزمخشري: الرفق اللين ولطافة الفعل ومن المجاز هذا الأمر رفق بك وعليك ورفيق نافع وهذا أرفق بك وقال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة والعنف ينتجه الغضب والفظاظة والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه
(حم تخ هب عن عائشة) قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ارفقي ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن جابر) رضي الله عنه قال الهيتمي كالمنذري رجاله رجال الصحيح انتهى وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رمزه لحسنه غير حسن وكان حقه الرمز لصحته(1/263)
394 - (إذا أراد الله بعبيد خيرا رزقهم الرفق في معايشهم) أي مكاسبهم التي يعيشون بها جمع معيشة ولهذا لا تهمز (وإذا أراد بهم شرا رزقهم الخرق) بضم أوله المعجم وسكون الراء ضد الرفق (في معايشهم) والخرق شؤم كما يجيء مصرحا به في خبر فالمراد إذا أراد بأحد خيرا رزقه ما يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك الأمر وإذا أراد به سوءا ابتلاه بضد ذلك والأول علامة حسن الخاتمة والثاني بضده
(هب عن عائشة) لم يرمز له بشيء وهو ضعيف فيه سويد بن سعيد فإن كان الدقاق فقال الذهبي منكر الحديث أو غيره فقال أحمد متروك وأبو حاتم صدوق(1/263)
395 - (إذا أراد الله برجل) أي إنسان ولو أنثى (من أمتي) أمة الإجابة (خيرا) أي عظيما كما يفيده التنكير (ألقى) من الإلقاء وهو الإيقاع بقوة (حب) أي محبة (أصحابي في قلبه) فمحبتهم علامة على إرادة الله الخير لمن يحبهم كما أن بغضهم علامة على عدمه وفيه دلالة على إناقة قدرهم وسمو مجدهم كيف وقد قارعوا دون المصطفى صلى الله عليه وسلم ودينه وكشفوا الكرب عن وجهه وبذلوا الأموال والأنفس في نصرته؟ والمراد محبة الصحابة رضي الله عنهم كلهم حتى أن من أحب بعضهم وأبغض بعضهم لا يكون ذلك علامة على إرادة الخير به وقد اتفق أهل السنة على أن جميع الأصحاب عدول لكن قال المازوي في البرهان لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره وقتا ما أو اجتمع به لغرض ما أو انصرف عن قرب بل الذين لازموه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى قال العلائي وهو غريب
(فر عن أنس) لم يرمز له بشيء فهو ضعيف لكن له شواهد(1/263)
[ص:264] 396 - (إذا أراد الله بالأمير) على الرعية وهو الإمام ونوابه (خيرا جعل له وزيرا) من الوزر وهو الثقل لتحمله عن الملك أو من الوزير وهو الملجأ لاعتصامه برأيه وإلتجائه إليه أو من المؤازرة وهي المعاونة (صدق) أي صالحا صادقا في نصحه ونصح رعيته قال الطيبي: أصله وزير صادق ثم قيل وزير صدق على الوصف به ذهابا إلى أنه نفس الصدق ثم أضيف لمزيد الاختصاص بالقول ولم يرد بالصدق الاختصاص بالقول فقط بل بالأقوال والأفعال (إن نسي) شيئا من أحكام الشرع وآدابه أو نصر المظلوم أو مصلحة الرعية (ذكره) بالتشديد أي ما نسيه ودله على الأصلح والأنفع والأرفق (وإن ذكر) بالتخفيف أي الأمير واحتاج لمساعدة (أعانه) بالرأي أو اللسان أو البدن أو بالكل (وإذا أراد به غير ذلك) أي شرا ولم يعبر به استهجانا للفظه واستقباحا لذكره (جعل له وزير سوء) بالفتح والإضافة (إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه) على ما فيه الرشد والفلاح بل يحاول ضده وذلك علامة سوء الخاتمة كما أن الأول علامة حسنها قال في الكشاف: والسوء الرداءة والقبح في كل شيء <تنبيه> قال الأحنف: لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان ولا تنفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة ولا تنفع المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفاف وأعظم الأمور ضررا على الملوك خاصة وعلى الناس عامة أن يحرموا صالح الوزراء والأعوان وأن يكون وزراؤهم وأعوانهم غير ذي مروءة ولا حياء وقال ليس شيء أهلك للوالي من وزير أو صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل وقال حلية الولاة وزينتهم وزراؤهم فمن فسدت بطانته كان كمن غص بالماء ولم يصلح شأنه (تتمة) أخرج البيهقي عن علي الجراح قال سألت أولاد بني أمية ما سبب زوال دولتكم قالوا خصال أربع أولها أن وزراءنا كتموا عنا ما يجب إظهاره لنا الثانية أن جباة خراجنا ظلموا الناس فرحلوا عن أوطانهم فخلت بيوت أموالنا الثالثة انقطعت الأرزاق عن الجند فتركوا طاعتنا الرابعة يئسوا من انصافنا فاستراحت نفوسهم لغيرنا
(د هب عن عائشة) قال في الرياض رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم لكن جرى الحافظ العراقي على ضعفه فقال ضعفه ابن عدي وغيره ولعله من غير طريق أبي داود(1/264)
397 - (إذا أراد الله بعبد شرا خضر) بمعجمتين كحسن لفظا ومعنى له في اللبن بفتح اللام وكسر الموحد مخففة جمع لبنة بفتح فكسر (والطين حتى يبني) أي حتى يحمله على البناء فيشغله ذلك عن أداء الواجبات ويزين له الحياة وينسيه الممات وقد أنشد بعضهم في المعنى:
وللموت تغذو الوالدات سخالها. . . كما لخراب الدهر تبنى المساكن
ولم يذكر من آلات البناء إلا اللبن والطين لأنهما معظم آلات البناء التي يحصل بهما مسماه وما عداهما فمكملات وخص اللبن الذي هو الطوب النيء دون المحرق لأن عادة الحجاز في ذلك الزمن البناء به وهذا فيما لم يرد به وجه الله وإلا كبناء مسجد خالصا له فهو مثاب مأجور وفي غير ما لا بد منه لنفسه وممونة فمن بنى بيتا لهم بقدر الكفاية على الوجه اللائق به وبهم فليس بمذموم فلا يلحقه هذا الوعيد وسكت عن مقابله زيادة للتنفير به
(طب خط) في ترجمة علي بن الحسن المخزومي (عن جابر) قال الهيتمي ورجاله رجال الصحيح غير شيخ البخاري ولم أجد من ضعفه وقال المنذري رواه في الثلاثة بإسناد جيد انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول فقد عزاه جمع لأبي داود من حديث عائشة قال العراقي واسناده جيد(1/264)
398 - (إذا أراد الله بعبد هوانا) أي ذلا وحقارة وفي رواية للطبراني سوءا بدل هوانا (أنفق ماله) أي أنفده وأفناه [ص:265] يقال نفقت الدراهم نفدت ونفق الشيء نفقا فنى وأنفقته أفنيته (في البنيان) أي في أجر الصناع ونحو ذلك (و) في (الماء والطين) إذا كان البناء لغير غرض شرعي أو أدى لترك واجب أو فعل منهي عنه أو زاد على الحاجة وذلك هو المتوعد عليه لأن الدنيا ليست بدار قرار ولا يعمرها إلا الأشرار ولهذا قال عيسى عليه الصلاة والسلام إنما هي معبرة فاعبروها ولا تعمروها فإن قلت: ما فائدة قوله في الماء والطين بعد قوله في البنيان وهلا اكتفى به؟ قلت: الظاهر أنه أراد بالبنيان أجرة أرباب الحرف كما تقرر وبالماء والطين ثمن المؤن ويكون المراد إنفاقه في أجرة البناء وفي آلاته. قالوا: ولا ينبغي لمن مر على بناء مزخرف مشرف أن لا ينظر إليه لأنه إغراء لبانيه وأمثاله على ذلك إذ هو إنما فعل لينظر الناس إليه قال في الكاشف: قد شدد العلماء من أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها
(البغوي) أبو القاسم في معجمه (هب) وكذا الطبراني في الأوسط (عن محمد بن بشير الأنصاري) قال الهيتمي: رواه عنه ابنه يحيى إن صح (وماله غيره) وفيه سلمة بن شريح قال الذهبي مجهول (عد عن أنس) في ترجمة زكريا المصري الوقاد وقال يضع الحديث كذبه صالح وحرزه غيره انتهى وبه يعرف أن عزو الحديث له وسكوته عما أعله غير صواب ولما عزاه الهيتمي إلى الطبراني قال فيه من لم أعرفهم(1/264)
399 - (إذا أراد الله بقوم سوءا) بالضم أي أن يحل بهم ما يسوؤهم (جعل أمرهم) أي صير الولاية عليهم وتدبير مملكتهم (إلى مترفيهم) أي متنعميهم المتعمقين في اللذات المنهمكين على الشهوات وذلك سبب الهلاك قال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} الآية والمترف بضم الميم وفتح الراء المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها قال في الكاشف: الإتراف إبطار النعمة انتهى وذلك لأنهم أسرع إلى الحماقة والفجور وسفك الدماء وأجرأ على صرف مال بيت المال في حظوظهم ومآربهم غير ناظرين إلى مصالح رعاياهم {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} وفي الكلام حذف والتقدير بقوم أهل سوء سوءا فإنه تعالى إنما يولي عليهم مترفيهم لعدم استقامتهم بدليل الحديث الآتي كما تكونوا يولى عليكم وفي حديث لأحمد كما تدين تدان وفي آخر إنما هي أعمالكم ترد عليكم وفي حديث لأحمد عن موسى عليه الصلاة والسلام نحوه
(فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه حفص بن مسلم السمرقندي قال الذهبي متروك(1/265)
400 - (إذا أراد الله بقوم عذابا) أي عقوبة في الدنيا كقحط وفناء وجور (أصاب) أي أوقع (العذاب) بسرعة وقوة (من كان فيهم ثم بعثوا) بعيد الممات عند النفخة الثانية (على أعمالهم) ليجازوا عليها فمن أعماله صالحة أثيب عليها أو سيئة جوزي بها فيجازون في الآخرة بأعمالهم ونياتهم وأما ما أصابهم في الدنيا عند ظهور المنكر فتطهير للمؤمنين ممن لم ينكر وداهن مع القدرة ونقمة لغيرهم وقضية ما تقرر أن العذاب لا يعم من أنكر ويؤيده آية {أنجينا الذين ينهون عن السوء} لكن ظاهر {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وخبر " أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر السوء " العموم
(ق عن ابن عمر) بن الخطاب(1/265)
401 - (إذا أراد الله بقوم عاهة) أي آفة دينية واحتمال إرادة الدنيوية أيضا بعيد (نظر إلى أهل المساجد) نظر رحمة وموافاة وإكرام وإحسان وأهلها الملازمون والمترددون إليها لنحو صلاة أو ذكر أو اعتكاف فليس المراد بأهلها [ص:266] من عمرها أو رممها بل من عمرها بالصلاة والذكر والتلاوة ونحوها (فصرف عنهم) العاهة أي عن أهل المساجد فتكون مختصة بغيرهم هذا هو المتبادر من عود الضمير على أقرب مذكور ويؤيده خبر البيهقي إذا عاهة من السماء نزلت صرفت عن عمار المساجد ويحتمل رجوعه للقوم وإن كان أبعد فتصرف الآفة عن عموم القوم إكراما لعمار المساجد بأنواع العبادات بدليل خبر: لولا شيوخ ركع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا. نعم هذا مخصوص بما إذا لم يكثر الخبث بدليل الخبر المذكور وقد ورد نظير هذا الإكرام الإلهي لغير عمار المساجد أيضا ففي حديث البيهقي قال الله تعالى " إني لأهم بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت إلى عمار بيتي والمتحابين في والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي الحديث تنويه عظيم بفضل المساجد وشرف قاطنيها للعبادة فيها والخلوة بها وتحذير من غلقها وتعطيلها {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه}
(عد فر عن أنس) ورواه أيضا البيهقي وأبو نعيم وعنه أورده الديلمي فلو عزاه إليه كان أولى ثم إن فيه مكرم بن حكيم ضعفه الذهبي وزافر ضعفه مخرجه ابن عدي وقال لا يتابع على حديثه(1/265)
402 - (إذا أراد الله بقرية) أي بأهلها على حد {واسأل القرية} (هلاكا) بنحو كثرة قتل وطاعون وفقر وذل كما يدل له خبر الحاكم إذا كثر الزنا كثر القتل ووقع الطاعون وذلك لأن حد الزنا القتل فإذا لم يقم الحد فيهم سلط الله عليهم الجن فقتلوهم وفي خبر البزار إذا ظهر الزنا في قوم ظهر فيهم الفقر والمسكنة ونكر الهلاك لمزيد التهويل (أظهر) أي أفشى (فيهم الزنا) أي التجاهر بفعله وهو بالقصر أفصح وذلك لأن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ضرت الخاصة والعامة. وخص الزنا لأنه يفسد الأنساب ونوع الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات ولهذا لم يحل في شريعة قط ولما كان الجزاء من جنس العمل وكانت لذة الزنا تعم البدن جعل الله جزاءهم بعموم إهلاكهم وفي رواية الربا بدل الزنا بموحدة
(فر عن أبي هريرة) وفيه حفص بن غياث فإن كان النخعي ففي الكاشف ثبت إذا حدث من كتابه وإن كان الراوي عن ميمون فمجهول(1/266)
403 - (إذا أراد الله أن يخلق خلقا) أي مخلوقا أي رجلا (للخلافة) أي للملك (مسح ناصيته بيده) لفظ رواية الخطيب بيمينه وخص ناصيته لأنه يعبر بها عن جملة الإنسان وذلك عبارة عن إلقاء المهابة عليه ليطاع فهو استعارة أو تشبيه. قال الزمخشري: أراد بالخلافة الملك والتسلط وقصره على ذلك تحكم فإن الخلافة النبوية تشمل الإمام الأعظم ونوابه وتشمل العلماء فإذا أراد الله تعالى نصب إنسان للقيام لحماية الدين ونشر الأحكام وقهر أعداء الإسلام من الملاحدة وغيرهم ألقى عليه المهابة وصير قوله مقبولا ممتثلا عليه طلاوة وحلاوة وجلالة فإذا قرر شيئا سلموه وإذا أفتى في شيء قبلوه وإذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر امتثلوه فمن قصره على السلطنة فقد قصر
(عق) عن ابن أحمد بن حنبل عن عبد الله بن موسى السلمي عن مصعب النوفلي عن أبي ذؤيب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ثم عقبه مخرجه بقوله مصعب مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ ولا يتابع عليه ولا يعرف إلا به (عد) ثم عقبه بقوله هذا منكر بهذا الإسناد والبلاء فيه من مصعب (خط) في ترجمة عبد الله بن موسى الأنصاري قال ابن حجر وفيه عنده مسرة بن عبد ربه تألف وقال الذهبي كذاب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال البلاء فيه من النوفلي وأورده من حديث أنس وقال فيه مسرة مولى المتوكل ذاهب الحديث لكن له طريق عن ابن عباس خرجه الحاكم بلفظ إن الله إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح على ناصيته بيمينه فلا تقع عليه عين إلا أحبته قال الحاكم رواته هاشميون قال ابن حجر في الأطراف إلا أن شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ (فر عن أبي هريرة)(1/266)
[ص:267] 404 - (إذا أراد الله قبض عبد) أي قبض روح إنسان (بأرض) غير التي هو فيها وفي رواية للترمذي إذا أراد الله لعبد أن يموت بأرض (جعل له بها) وفي رواية للترمذي إليها وفي رواية فيها (حاجة) زاد الترمذي حتى يقدمها وذلك ليقبر بالبقعة التي خلق منها. قال الحكيم: إنما يساق من أرض لأرض ليصير أجله هناك لأنه خلق من تلك البقعة قال تعالى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم} فإنما يعاد الإنسان من حيث بدئ منه وقد مر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقبر يحفر فقال: لمن؟ قيل: لحبشي فقال: لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه حتى دفن بالبقعة التي خلق منها وفي ضمنه إعلام بأن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وأنه لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد
(حم طب حل عن أبي عزة) يسار ابن عبد الله أو ابن عبد أو ابن عمرو الهذلي له صحبة سكن البصرة وقيل هو مطر بن عكامس لأن حديثهما واحد وهو هذا وقيل غيره ورواه عنه الترمذي في العلل ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال لا أعرف لأبي عزة إلا هذا انتهى قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد والطبراني فيه محمد بن موسى الخرشي وفيه خلف انتهى ورواه عنه أيضا البخاري في الأدب والحاكم وبالجملة فهو حسن(1/267)
405 - (إذا أراد الله أن يوتغ) بضم التحتية وسكون الواو وكسر الفوقية وغين معجمة (عبدا) أي يهلكه والوتغ محركا الهلاك كما في الصحاح وفي رواية بدل يوتغ يوتر وهو أن يفعل بالإنسان ما يضره (عمى) بغير ألف كذا بخط المؤلف لكن الذي في نسخ الطبراني أعمى بألف (عليه الحيل) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة تحت أي الاحتيال وهو الحذق في تدبير الأمور وتقليب الفكر ليصل إلى المقصود فالمراد صيره أعمى القلب متحير الفكر فالتبس عليه الأمر فلا يهتدي إلى الصواب فيهلكه والعمى في الأصل فقد البصر ثم استعير لعمى القلب كناية عن الضلال والحيرة والعلاقة عدم الاهتداء وما ذكر من ضبط يوتغ بما ذكر هو ما في بعض الشروح لكن الذي رأيته في أصول صحيحة من المعجم ومجمع الزوائد يزيغ بزاي معجمة فمثناة تحت ثم رأيت نسخة المصنف الذي بخطه من هذا الكتاب المشروح يزيغ بزاي منقوطة وهو مصلح بخطه على كشط ومعنى يزيغ يميل عن الحق ففي القاموس وغيره أزاغه أماله وزاغ يزيغ مال وزاغ البصر كل
(طس عن عثمان) بن عفان لم يرمز له بشيء وهو ضعيف ووجهه أن فيه محمد بن عيسى الطرطوسي وهو كما قال الهيتمي ضعيف وعبد الجبار ابن سعيد ضعفه العقيلي وقال أحاديثه مناكير عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد ضعفه النسائي فتعصيب الهيتمي الجناية برأس الطرطوسي وحده غير جيد(1/267)
406 - (إذا أراد الله إنفاذ) بمعجمة (قضائه وقدره) أي إمضاء حكمه وقضاؤه إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها (سلب) خطف بسرعة على غفلة (ذوي العقول) جمع عقل ومر تعريفه (عقولهم) يعني سترها وغطاها فليس المراد السلب الحقيقي بل التغطية حتى لا يروا بنورها المنافع فيطلبوها ولا المضار فيجتنبوها قال بعض الحروريين لترجمان القرآن لما قال في قضية سليمان عليه الصلاة والسلام أنه طلب الهدهد لأنه ينظر الماء من تحت الأرض كيف ينظره والصبي ينصب له الفخ فلا يراه حتى يقع فيه قال ويحك أما علمت أن القضاء إذا نزل عمي البصر؟ وقيل لم يرد بسلبها رفعها بل سلب نورها وحجبها بحجاب القدرة مع بقاء صورتها فكم من مترد في مهلكة وهو يبصرها ومفوت منفعة في دينه أو دنياه وهو مشرف عليها قال تعالى {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} (حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره فإذا مضى) وفي نسخ [ص:268] أمضى بألف وهو تحريف من النساخ فإن الألف لا وجود لها في خط المصنف (أمره) الذي قدره (رد إليهم عقولهم) فأدركوا قبح ما فرط منهم (ووقعت الندامة) الأسف والحزن ومنه علم أن العبد لا يملك لنفسه صرا ولا نفعا وأنه لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهذا أصل تفرق الأهواء والسبل واختلاف الملل والنحل وذلك لأنهم لما كلفوا بالاقرار بالوحدانية من طريق الخبر وحجبوا عن تعين المخبر به وهو معاينته بالقلب توددوا واضطربوا فرجعوا إلى عقول مسلوبة وأفهام محجوبة وتحيروا في ظلمة أنفسهم وضعفت أبصار فكرهم فلم يبصروا فحصلت قلوبهم في أكنة الخذلان وعليها الصدأ والحرمان
(فر) وكذا أبو نعيم في تاريخ أصبهان (عن أنس) بن مالك (وعلي) أمير المؤمنين وفيه سعيد بن سماك بن حرب متروك كذاب فكان الأولى حذفه من الكتاب وفي الميزان خبر منكر ثم إن ما ذكر من أن الديلمي خرجه من حديث أنس وعلي هو ما رأيته في نسخ الكتاب كالفردوس وذكر المؤلف في الدرر أن البيهقي والخطيب خرجاه من حديث ابن عباس وقال إسناده ضعيف(1/267)
407 - (إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء) فإذا أراد خلق الولد من المني لم يمنعه العزل بل يكون وإن عزل وهذا قاله لما سئل عن العزل فأخبر أنه لا يغني حذر من قدر. وفي إفهامه أن العزل لا يحرم مطلقا فإنه لم ينههم وهو مذهب الإمام الشافعي والنهي عنه محمول على التنزيه جمعا بين الأدلة
(م) في النكاح (عن أبي سعيد) الخدري فظاهر صنيع المؤلف أن هذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه في الفردوس للبخاري(1/268)
408 - (إذا أراد الله بقوم قحطا) جدبا وشدة واحتباس مطر (نادى مناد) أي أمر ملكا أن ينادي (في السماء) أي من جهة العلو ويحتمل أنه جبريل لأنه الموكل بإنزال الرحمة والعذاب (يا أمعاء) وفي نسخ يا معاء بكسر الميم وقد تفتح مقصورا أي يا مصارين أولئك القوم (اتسعي) أي تفسحي حتى لا يملأك إلا أكثر مما كان يملؤك أولا (ويا عين لا تشبعي) أي لا تمتلئي بل انظري نظر شره وشدة شبق للأكل وأضاف عدم الشبع إليها مجازا (ويا بركة) أي يا زيادة في الخير (ارتفعي) أي انتقلي عنهم وارجعي إلى جهة العلو من حيث أفضيتي فيسري نداؤه في الأرواح والأشباح ثم إن ما تقرر من حمل النداء على حقيقته هو المتبادر ولا مانع من أن الله يخلق فيما ذكر إدراكا يعقل به سماع النداء وخص البطن والعين لأنهما مناط الجوع والشبع لكن الأقعد أن المراد المجاز والمعنى إذا أراد الله أن يبتلي قوما بالغلاء والجوع لم يخلق الشبع في بطونهم ويمحق البركة من أرزاقهم عقوبة أو تطهيرا
(ابن النجار) محب الدين (في تاريخه) ذيل تاريخ بغداد (عن أنس وهو مما بيض له الديلمي) في الفردوس لعدم وقوفه له على سند(1/268)
409 - (إذا أراد أحدكم) الخطاب فيه وفيما يأتي وإن كان بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام لأن حكمه على الواحد على الواحد حكم على الجماعة إلا بدليل منفصل وكذا حكم تناوله للنساء (أن يبول فليرتد) أي فليطلب وليتحر ندبا (لبوله) موضعا لينا رخوا ليأمن من عود الرشاش فنجسه وحذف المفعول للعلم به وهو موضعا أو مكانا للعلم به لدلالة الحال عليه فالبول في المكان الصلب مكروه وفيه أنه لا بأس بذكر البول وترك الكناية عنه بلفظ إراقة الماء بل ورد النهي عن استعمال هذه الكناية في خبر الطبراني عن وائلة لا يقولن أحدكم أهرقت الماء ولكن ليقل أبول لكن فيه [ص:269] كما قال العراقي عنبسة ضعيف. قال الزمخشري: والارتياد افتعال من الرود كالابتغاء من البغي ومنه الرائد طالب المرعى والطير يتريد الورق أي يطلبه ومنه المثل الرائد لا يكذب أهله وهو الذي يرسل في طلب المرعى
(د هق عن أبي موسى) قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبول فأتى دمثا أي محلا لينا في أصل جدار فبال ثم ذكره قال المنذري كالنووي ويشبه أن يكون الجدار عاريا غير مملوك أو قعد متراخيا عنه فلا يصيبه البول أو علم رضا صاحبه وقد رمز المؤلف لحسنه فإن أراد لشواهده فمسلم وإن أراد لذاته فقد قال البغوي وغيره حديث ضعيف وقال المنذري في تعقبه على أبي داود فيه مجهول وتبعه الصدر المناوي وقال النووي في المجموع وشرح أبي داود حديث ضعيف لأن فيه مجهولين قال وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر ووافقه الولي العراقي فيما كتبه عليه فقال ضعيف لجهالة روايه والمجهول الذي في إسناد أبي داود في إسناد البيهقي انتهى بل جرى المؤلف في الأصل على ضعفه(1/268)
410 - (إذا أراد أحدكم أن يذهب) أي يسير ويمضي إذ الذهاب السير والمضي. قال الراغب: ويستعمل في الأعيان والمعاني (إلى الخلاء) ليبول أو يتغوط وهو بالمد المحل الخالي ثم نقل لمحل قضاء الحاجة (وأقيمت الصلاة) الفرض وكذا نفل فعل جماعة أي شرع فيها أو أقيم لها (فليذهب) ندبا (إلى الخلاء) قبل الصلاة إذا أمن خروج الوقت ليفرغ نفسه لأنه إذا صلى قبل ذلك تشوش خشوعه واختل حضور قلبه فإن خالف وصلى حاقبا كره تنزيها وصحت
(حم د ن هـ حب ك عن عبد الله بن الأرقم) بفتح الهمزة والقاف ابن عبد يغوث الزهري من الطلقاء كتب أوحى وولى بيت المال لعمر وعثمان بلا أجر وإسناده صحيح(1/269)
411 - (إذا أراد أحدكم أن يبيع عقاره) بالفتح والتخفيف أي ملكه الثابت كدار ومحل (فليعرضه) بفتح التحتية (على جاره) بأن يعلمه بأنه يريد بيعه وأنه يؤثره به إن شاء وعليه عرضه أيضا على الشريك فإن أذن في بيعه فباعه فللشريك أخذه بالشفعة عند الشافعي رضي الله عنه والحنفي والأمر للندب وقيل للوجوب دفعا للضرر وعنه بمجاورة من لا يصلح والمراد به هنا الملاصق واستدل به الحنفية لثبوت الشفعة للجار ويظهر أنه لا يلحق بالبيع الإجارة لأن انتقال الملك إن ضر دام ضرره بخلاف الإجارة
(4 عد عن ابن عباس) ولم يرمز له بشيء وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني نقل الذهبي عن أحمد أنه كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين(1/269)
412 - (إذا أراد أحدكم سفرا) بالتحريك سمي به لأنه يسفر عن الأخلاق (فليسلم) ندبا (على إخوانه) في الدين يعني معارفه فيذهب إلى أماكنهم ويودعهم ويطلب منهم الدعاء (فإنهم يزيدونه بدعائهم) له (إلى دعائه) لنفسه (خيرا) فيقول كل منهم للآخر أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك الدعاء المشهور ويزيد المقيم وردك في خير وإذا رجع المسافر يتلقى ويسلم عليه لأن المسافر أنسب بالتوديع والقادم أحق بأن يتلقى ويهنأ بالسلامة. ويؤخذ من الحديث أنه لو كان أقاربه أو جيرانه كفارا لا يذهب إليهم ولا يودعهم لعدم انتفاعه بدعائهم الذي هو المقصود بالوداع قال تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
(طس عن أبي هريرة) قال العراقي سنده ضعيف وقال الهيتمي فيه يحيى بن العلاء البجلي ضعيف قال ورواه أبو يعلى عن عمرو بن الحصين وهو متروك وقال ابن حجر حديث غريب ويحيى وعمرو ضعيفان جدا(1/269)
[ص:270] 413 - (إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة) أي جماعا وهي ممن يجوز له جماعها بخلاف نحو حائض ومريضة مرضا لا تطيق معه الجماع ومن بفرجها قروح تتأذى به ومعتدة عن شبهة وغير ذلك من الصور التي للرجل فيها الطلب وعلى المرأة الهرب وكنى بالحاجة عن الجماع لمزيد احتشامه وعظيم حيائه وهو من لطيف الكنايات (فليأتها) فليجامعها إن شاء ولتطعه وجوبا (وإن كانت على تنور) بفتح التاء وشد النون أي وإن كانت تخبز عليه مع أنه شغل شاغل لا نتفرغ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه ذكره القاصي قال المرسي: كان عندنا باسكندرية عارفة بالله تعالى قالت لي كنت إذا كنت بحضرة أو موقف وأرادني زوجي ليقضي أربه لا أمنعه فلا يستطيع ذلك مني كلما أراد؟ ؟ لج (1) فعجز حتى يضيق خلقه ويقول يا لها من حسرة هذه الشابة في حسنها بين يدي ولا تمتنع مني ولا أصل إليها. والتنور محل الوقود وصانعه تنار معرب أو عربي توافقت فيه اللغات وقال الزمخشري عن أبي حاتم التنور ليس بعربي صحيح ولم تعرف له العرب اسما غيره فلهذا جاء في التنزيل لأنهم خوطبوا بما عرفوا <تنبيه> قال أبو حبان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره فليأتها على كل حال وإن كانت إلى آخره ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته ألا ترى أنه لا يحسن: فليأتها وإن كانت معطرة مزينة متأهبة
(حم طب عن طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن علي) بن المنذر الحنفي ممن بنى في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز لحسنه وفيه محمد بن حاتم اليمامي
_________
(1) [أحرف سقطت في الأصل](1/270)
414 - (إذا أردت) أي هممت أن تفعل (أمرا فتدبر عاقبته) بأن تتفكر وتتأمل ما يصلحه ويفسده وتدقق النظر في عواقبه مع الاستخارة ومشاروة ذوي العقول فالهجوم على الأمور من غير نظر في العواقب موقع في المعاطب فلذا قيل:
ومن ترك العواقب مهملات. . . فأيسر سعيه أبدا تبار
قال القاضي وأصل التدبير النظر في إدبار الشيء (فإن كان) في فعله (خيرا) وفي رواية رشدا أي غير منهي عنه شرعا (فامضه) أي فافعله وبادر فقد قالوا انتهز الفرصة قبل أن تعود غصة (وإن كان) في فعله (شرا) أي منهي عنه شرعا (فانته) أي كف عنه وعبر به دون لا تمضه لأنه أبلغ وفي رواية بدل فامضه فوجه أي أسرع إليه من الجا وهو السرعة وهذا تنبيه على مذمة الهجوم من غير تدبر قال الراغب: والتدبر تأمل دبر الأمر والفكرة كالآلة للصانع التي لا يستغني عنها ولا تكون إلا في الأمور الممكنة دون الواجبة والممتنعة وتكون في جملة الممكنات فالطبيب لا يحيل رأيه في نفس البرء بل في كيفية الوصول إليه قال الغزالي: إذا أردت أن تعرف خاطر الخير من خاطر الشر فزنه بإحدى الموازين الثلاثة يظهر لك حاله فالأول أن تعرض الذي خطر لك على الشرع فإن وافق حسنه فهو خير وإن كان بالضد فهو شر وإن لم يتبين لك بهذا الميزان فاعرضه على الاقتداء فإن كان في فعله اقتداء بالصالحين فهو خير وإلا فهو شر وإن لم يتبين لك بهذا الميزان فاعرضه على النفس والهوى فإن كان مما تنفر عنه النفس نفرة طبع لا نفرة خشية وترهيب فهو خير وإن كان مما تميل إليه ميل طمع لا ميل رجاء في الله وترغيب فهو شر إذ النفس أمارة بالسوء لا تميل بأصلها إلى خير فتأخذ هذه الموازين إذا نظرت وأمعنت النظر يتبين لك الخير من الشر
(ابن المبارك) عبد الله (في) كتاب (الزهد) والرقائق (عن أبي جعفر) عبد الله (بن مسور) بكسر الميم وفتح الواو ابن عون بن جعفر (الهاشمي) نسبة لبني هاشم (مرسلا) قال الذهبي في المغني قال أحمد وغيره أحاديثه موضوعة وقال النسائي والدارقطني متروك وقال العراقي ضعيف لكن له شواهد عند أبي نعيم(1/270)
[ص:271] 415 - (إذا أردت أن تبزق) بزاي وسين وصاد وإنكار السين غلط أي تخرج الريق من فمك (فلا تبزق) حيث لا عذر (عن) جهة (يمينك) فيكره تنزيها لشرف اليمين وأدبا مع ملكه (ولكن) أبصق (عن) جهة (يسارك إن كان فارغا) أي خاليا من آدمي ونحوه لأن الدنس حق اليسار واليمين بعكسه قال القاضي: خص اليمين بالنهي مع أن عن شماله ملكا أيضا لأنه يكتب الحسنات فهو أشرف (فإن لم يكن فارغا) كأن كان على يسارك إنسان (فتحت قدمك) أي اليسرى كما في خبر هبة في صلاة أو لا قالوا وبصقه في ثوبه من جهة يساره أولى والكلام في غير المسجد أما البصاق فيه فحرام كما يأتي <فائدة> قال ابن عطاء الله وصف لأبي يزيد البسطامي رجل بالولاية فقصده فخرج الرجل يتنخم في حائط المسجد فرجع ولم يجتمع به وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب الشريعة فكيف يؤمن على أسرار الله تعالى
(البزار) في مسنده (طارق) بالمهملة والقاف (ابن عبد الله) المحاربي له صحبة ورواية قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح انتهى فرمز المؤلف لحسنه فقط غير حسن إذ حقه الرمز لصحته(1/271)
416 - (إذا أردت أن تغزو) أي تسير لقتال الكفار (فاشتر فرسا أغر) يعني حصل فرسا أغر تغزو عليه بشراء أو غيره وخص الشراء لأنه الغالب والأمر للندب ويحتمل الإرشاد والأغر الذي في جبهته بياض فوق درهم يقال فرس أغر أدهم غراء كأحمر وحمراء والقول بأن المراد الأغر هنا الأبيض غفلة فإن لفظ رواية الحاكم أدهم أغر وكأن لفظ أدهم سقط من قلم المؤلف ذهولا (محجلا) أي قوائمه تبلغ بياضها ثلث الوظيف أو نصفه أو ثلثيه ولا يبلغ الركبتين (مطلق اليد اليمنى) هي الخالية من البياض مع وجوده في بقية القوائم (فإنك تسلم) من العدو وغيره (وتغنم) أموالهم وتخصيصه لذلك الفرس ظاهر لأن المتصف بذلك أجمل الخيل وأحسنها زيا وشكلا قال ابن الكمال: والتفاؤل بهذه الصفات كان معروفا في الجاهلية فقررهم الشارع عليه وبين أن النجاح والبركة فيما كان بهذه الصفة كما هو عند العامة ويؤخذ من ذلك أنه ينبغي إيثاره لكل سفر وأن تخصيص الأغر فللآكدية قال ابن المعتز:
ومحجل طلق اليمين كأنه. . . متبختر يمشي بكم مسبل
(طب ك) في الجهاد (هق عن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن عامر) الجهني صحابي أمير شريف فرضي شاعر ولي غزو البحر لمعاوية قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في المهذب قال فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني فيه عبيد بن الصباح ضعيف(1/271)
417 - (إذا أردت أمرا) أي فعل شيء من المهمات وأشكل عليك وجهه (فعليك بالتؤدة) كهمزة أي الزم التأني والرزانة والتثبت وعدم العجلة (حتى) أي إلى أن (يريك الله منه مخرجا) بفتح الميم والراء أي المخلص يعني إذا أردت فعل شيء وأشكل عليك أو شق فتثبت ولا تعجل حتى يهديك الله إلى الخلاص ولفظ رواية البيهقي حتى يجعل الله لك مخرجا أو قال فرجا قال الراغب: يحتاج الرأي إلى أربعة أشياء اثنان من جهة الزمان في التقديم والتأخير أحدهما أن يعيد النظر فيما يرتقبه ولا يعجل إمضاءه فقد قيل إياك والرأي الفطير وأكثر من يستعجل في ذلك ذوي النفوس الشهيمة والأمزجة الحادة والثاني أن لا يدافع به بعد إحكامه فقد قيل أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع فيه وأكثر [ص:272] من يدافع ذلك ذوو النفوس المهينة والأمزجة الباردة واثنان من جهة الناس أحدهما ترك الاستبداد بالرأي فإن الاستبداد به من فعل المعجب بنفسه وقد قيل الأحمق من قطعه العجب بنفسه عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة والثاني أن يتخير من يحسن مشاروته قال الشاعر:
فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه. . . وما كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب. . . فحق له من طاعة بنصيب
ومن دخل في أمر بعد الاحتراز عن هذه الأربعة فقد أحكم تدبيره فإن لم ينجح عمله لم تلحقه مذمة
(خد هب) وكذا الطيالسي والخرائطي والبغوي وابن أبي الدنيا كلهم (عن رجل من يلي) بفتح فكسر كرضي قبيلة معروفة قال هذا الرجل: انطلقت مع أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناجاه أبي دوني فقلت لأبي ما قال لك قال قال لي إذا أردت إلى آخره رمز المؤلف لحسنه وفيه سعد بن سعيد ضعفه أحمد والذهبي لكن له شواهد كثيرة(1/271)
418 - (إذا أردت أن يحبك الله فابغض الدنيا) التي منذ خلقها لم ينظر إليها بغضا لها لحقارتها عنده بحيث لا تساوي جناح بعوضة والمراد اكره بقلبك ما نهيت عنه منها وتجاف عنها واقتصر على ما لا بد منه ومن فعل ذلك كشف لسره حجب الغيب فصار الغيب له مشهودا (وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها) بضم الفاء أي بقاياها الزائدة على ما تحتاجه لنفسك وممونك بالمعروف (فانبذه) أي اطرحه (إليهم) فإنهم كالكلاب لا ينازعونك ولا يعادونك إلا عليها فمن زهد فيما في أيديهم وبذل لهم ما عنده وتحمل أثقالهم ولم يكلفهم أثقاله وكف أذاه عنهم وتحمل أذاهم وأنصفهم ولم ينتصف منهم وأعانهم ولم يستمعن بهم ونصرهم ولم يستنصر بهم أجمعوا على محبته. وهذا الحديث من جوامع الكلم وأصل من أصول القوم الذي أسسوا عليها طريقهم ومن وفق للعمل به وإنه لصعب شديد إلا على من شاء الله تعالى ارتاح قلبه واستقام حاله وهانت عليه المصائب والفضول بالضم جمع فضل كفلوس وفلس الزيادة قال في المصباح: وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه ولهذا نسب إليه فقيل فضولي لمن يشنغل بما لا يعنيه لأنه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد وسمى به الواحد والنبذ الإلقاء والطرح ومنه صبي منبوذ أي مطروح
(خط عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بلفظ النسب (ابن الحراش) بمهملة مكسورة وآخره شين معجمة ابن جحش بن عمرو بن عبد الله العبسي الكوفي تابعي ثقة جليل مشهور مات سنة مئة (مرسلا) وقال العجلي له إدراك قال ربعي: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه ويحبني الناس فذكره(1/272)
419 - (إذا أردت) أي هممت (أن تذكر عيوب غيرك) أي تتكلم بها أو تحدث بها نفسك (فاذكر عيوب نفسك) أي تذكرها واستحضرها في ذهنك وأجرها على قلبك مفصلة عيبا عيبا فإن ذلك يكون مانعا لك من الوقيعة في الناس وعلم مما تقرر أنه ليس المراد إباحة ذكر عيوب الناس بل أن يشتغل بذكر عيوب نفسه فقلما يخلو عن عيب فإذا ذكرها واشتغل بمعاتبتها وتوبيخها منعه من ذكر عيوب الناس قال ذو النون: من نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه ومن اهتم بأمر الجنة والنار شغل عن القيل والقال. قال ابن عربي: فلا تداهن نفسك بإخفاء عيبك وإظهار عذرك فيصير عدوك أحظر لك في زجر نفسه بإنكارك من نفسك التي هي أخص بك فهذب نفسك بإنكار عيوبك وانفعها كنفعك لعدوك فإن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ. قال: ومن عيب الناس بما يكرهون وإن كان حقا دل على جهله وسوء طباعه وقلة حيائه من الله تعالى فإنه قلما سلم في نفسه من عيب فلو اشتغل [ص:273] بالنظر في عيوب نفسه شغله ذلك عن عيوب غيره ومن تتبع أمور الناس اشتغل بما لا يعنيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه <تنبيه> قال في الحكم: تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب
(الرافعي) إمام الدين (في تاريخ قزوين عن ابن عباس) ورواه البخاري في الأدب المفرد عنه موقوفا وكذا البيهقي في الشعب(1/272)
420 - (إذا أسأت) أي عملت سيئة (فأحسن) بفتح الهمزة أي قابل الفعلة السيئة بخصلة حسنة كأن تقابل الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة وقس عليه ذكره الزمخشري وشاهده أن الحسنات يذهبن السيئات وهذا إشارة إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ومقتضى البهيمية والسبعية والملكية فإذا ارتكب من تلك الرذائل رذيلة يطفيها بمقتضى الملكية: أتبع السيئة الحسنة تمحها ومن البين أن الكبيرة لا يمحوها إلا التوبة. قال الراغب: والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال المرء في نفسه وبدنه والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة
(ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أراد معاذ بن جبل سفرا فقال يا رسول الله أوصني فذكره ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره(1/273)
421 - (إذا استأجر أحدكم) أي أراد أن يستأجر (أجيرا فليعلمه) لزوما ليصح العقد (أجره) أي يبين قدر أجرته وقدر العمل ليكون على بصيرة ويكون العقد صحيحا ونبه بذلك على أن من أركان الإجارة ذكر الأجرة وكونها مقدرة فمن عمل لغيره عملا بلا معاقدة ولا تعيين أجرة فإن ذكر مقتضيا لها كاقصر هذا الثوب وأنا أرضيك فله أجرة المثل وإن لم يذكر مقتضيا فلا أجرة له وإن اعتاد العمل بها عند الشافعي خلافا لمالك. قال الراغب: والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل والاستئجار طلب الشيء بالإجرة نحو الاستيجاب في استعارته للإيجاب وقال الزمخشري: أجرني فلان داره فاستأجرتها فهو مؤجر ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ قبيح
(قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عن ابن مسعود) رضي الله تعالى عنه وفيه عبد الأعلى بن أبي المشاور قال أبو داود والنسائي متروك(1/273)
422 - (إذا استأذن أحدكم ثلاثا) أي طلب الأذن في الدخول وكرره ثلاث مرات بالقول أو بقرع الباب قرعا خفيفا (فلم يؤذن له) فيه (فليرجع) وجوبا إن غلب على ظنه أنه سمعه وإلا فندبا وبه يحصل التوفيق بين الكلامين ولا يلح في الإذن ولا يقف على الباب منتظرا لأن هذا يجلب الكراهية ويقدح في قلوب الناس سيما إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين بالآداب الحسنة. قال في الكشاف: وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لا يتهذب من أكثر الناس وهذا كله إذا لم يعرض أمر في دار من نحو حريق أو هجوم عدو أو ظهور منكر يجب إنكاره وإلا فهو مستثنى بالدليل القاطع انتهى قالوا: ويسن الجمع بين السلام والاستئذان بأن يقدم السلام وحكمه الثلاث كما في رواية ابن أبي شيبة عن علي أن الأولى إعلام والثانية مؤامرة والثالثة عزيمة <تنبيه> هذا الحديث رواه أبو موسى الأشعري بحضرة عمر فقال أقم عليه البينة فوافقه أبو سعيد الخدري فقبل ذلك منه عمر كما رواه الشيخان ومنه أخذ أبو علي الجبائي أنه يشترط لقبول خبر الواحد موافقة غيره له واعتضاده وأجيب بمن طلب عمر البينة ليس لعدم قبول خبر الوحد بل للتثبت كما يكشف عنه قول عمر رضي الله عنه فيما رواه مسلم إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت
(مالك) في الموطأ (حم ق) في الاستئذان (د) في الأدب (عن أبي موسى) الأشعري (و) عن (أبي سعيد) الخدري (معا) قال بشر بن سعيد سمعت أبا سعيد يقول: [ص:274] كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعا مذعورا فقلنا: ما شأنك قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد فرجعت فقال: ما منعك أن تأتينا فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم ترد فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم قال أبو سعيد: قلت أنا أصغرهم قال: فاذهب به فذهبت إلى عمر فشهدت
(طب والضياء) المقدسي (عن جندب) بضم المعجمة وفتح المهملة ابن عبد الله (البجلي) بفتح الموحدة والجيم وكسر اللام نسبة إلى بجلة قبيلة مشهورة قال في المفصل وغيره له صحبة غير قديمة سكن الكوفة ثم تحول للبصرة قال أبو نعيم وابن منده يقال له جندب الخير وقيل غير ذلك(1/273)
423 - (إذا استأذنت أحدكم امرأته) أي طلبت منه الإذن ويظهر أن المراد ما يشمل نحو أمته وموليته ممن هو مالك أمرها (إلى المسجد) أي في الخروج إلى الصلاة ونحوها في المسجد أو ما في معناه أو شهود عيد وزيارة مريض ليلا (فلا يمنعها) بل يأذن لها ندبا حيث أمن الفتنة لها وعليها وذلك هو الغالب في ذلك الزمن عكس ما بعد ذلك كما مر. قال الكمال: هذا الحديث خصه العلماء بأمور مخصوصة ومقيسة فمن الأول خبر أيما أمرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء وكونه ليلا ففي مسلم: لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد إلا بالليل والثاني حسن الملابس ومزاحمة الرجال والطيب فإنهن يتكلفن للخروج ما لم يكن عليهن في المنزل فمنعن مطلقا لا يقال هذا حينئذ نسخ بالتعليل لأنا نقول المنع يثبت حينئذ بالعمومات المانعة من التعيين أو هو من باب الإطلاق بشرط فيزول بزواله كإنتهاء الحكم بإنتهاء علته وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثته النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل وفي خبر رواه ابن عبد البر عن عائشة مرفوعا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة فتبختروا في المساجد. وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المتزينة أيضا أي الشابة لغلبة الفساق ليلا وإن كان النص يتجه لأن الفساق في زماننا أكثر انتشارا وتعرضهم بالليل أه
: (حم ق) في الصلاة (ن عن ابن عمر) بن الخطاب(1/274)
424 - (إذا استجمر أحدكم) أي مسح مخرجه بالجمار وهو الحجارة الصغار والاستجمار التمسح بالجمار وهي الأحجار سمي به لأنه يطيب الريح كما يطيبه البخور وقيل المراد به استعمال البخور للتطيب (فليوتر) أي فليجعله وترا ثلاثا فأكثر فعلى الأول المراد المسحات وعلى الثاني أن يأخذ من البخور كما قال العراقي ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخرى مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال في المشارق وكان مالك يقول به ثم رجع. قال الولي العراقي: ويمكن حمل هذا المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا ويجمر ثيابه وترا انتهى وفيه إجزاء الاستنجاء بالحجر أي وما في معناه ولم يخالف فيه من يعتد به لكن الأفضل الماء وقول الإمام أحمد لا يصح في الاستنجاء بالماء حديث أطال مغلطاي في رده نعم كرهه بعض الصحابة فقد أخرج ابن أبي شيبة بأسانيد قال ابن حجر صحيحة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذن لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله ونقل ابن المنير عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ومنع ابن حبيب من المالكية الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم وفيه كما قال الخطابي دليل على وجوب ثلاث مسحات إذ من المعلوم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يرد الوتر الذي هو واحد لأنه زيادة صفة على الاسم ولا يحصل بأقل من واحد فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد وأدناه ثلاث. وقال الطيبي: لعله أراد أن الاستجمار هو إزالة النجاسة بالجمار فلو أريد به المفرد لقال فليستجمر بواحد فلما عدل للوتر [ص:275] علم أن المراد الإتقاء وذلك لا يحصل بواحد غالبا فوجب حمله على الوتر الذي هو خلاف الشفع ويحصل به النقاء وأقله ثلاث انتهى وعلم بذلك أنه لا تمسك به للحنفية على جوازه بأقل من ثلاث
(حم عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة وغيره(1/274)
425 - (إذا استشار أحدكم أخاه) في الدين وذكر الأخ غالبي فلو استشاره ذمي كان كذلك أي طلب منه المشورة يعني استأمره في شيء هل يفعله أو لا وذلك مندوب لمدحه تعالى للأنصار بقوله {وأمرهم شورى بينهم} (فليشر عليه) بما هو الأصلح وإلا فقد خانه كما في خبر رواه الخرائطي وغيره فيجب عليه بذل النصح وإعمال الفكر فإنه مؤتمن فإن بذل جهده فأخطأ لم يغرم كما ذكره الخطابي ولا يشاور في العبادة فإنها خير قطعا على ما قيل لكنه بإطلاقه عليل إذ لو أراد الحج مثلا فتردد في كون تركه له أفضل لكونه حج قبل وكان عالم ذاك القطر وليس ثم من يسد مسده أو أراد الازدياد من الصوم وتردد في كونه ربما عطل عليه ما هو أعم منه نفعا فلا ريب في ندب الاستشارة وقس عليه قال الراغب: والاستشارة استنباط الرأي من غيره فيما يعرض من المشكلات ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد فيها بين فعل وترك ونعمت العدة هي قال علي كرم الله وجهه المشاورة حصن من الندامة وأمن من الملامة وقيل الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة والاستبداد عن الاستخارة وكفى بمدحها قوله تعالى {وشاورهم في الأمر} لكن لا يشاور إلا أمينا حاذقا ناصحا مجربا ثابت الجأش غير معجب بنفسه ولا متلون في رأيه ولا كاذب في مقاله فمن كذب لسانه كذب رأيه ويجب كونه فارغ البال وقت الاستشارة
(هـ عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو من حديث ابن الزبير عن جابر وقد رمز المؤلف لصحته(1/275)
426 - (إذا استشاط السلطان) تلهب وتحرق غضبا (تسلط الشيطان) أي تغلب عليه فأغراه بالإيقاع بمن يغضب عليه حتى يوقع به فيهلك فليحذر السلطان من تسلط عدوه عليه فيستحضر أن غضب الله عليه أعظم من غضبه وأن فضل الله عليه أكبر وكم عصاه وخالف أمره ولم يعاقبه ولم يغضب عليه وليرد غضبه ما استطاع ويتيقظ لكيد الخبيث فإنه له بالمرصاد وأخذ منه أن السلطان لا يعاقب من استحق العقوبة حتى يتروى سلطان غضبه لئلا يقدم على ما ليس بجائز ولهذا شرع حبس المجرم حتى ينظر في جرمه ويكرر النظر فقد قال بعض المجتهدين: ينبغي للسلطان تأخير العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه وتعجيل مكافأة المحسن ففي تأخير العقاب إمكان العفو وفي تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة للطاعة
(حم طب عن عطية) بفتح أوله وكسر ثانيه ابن عروة (السعدي) له رؤية ورواية قال الهيتمي: رجاله ثقات وذكره في موضع آخر وقال فيه من لم أعرفه وقد رمز المؤلف لحسنه(1/275)
427 - (إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه) أي إذا استنجى فلا يستنجي بيده اليمنى وسمى الاستنجاء استطابة لتطييبه للبدن بإزالة الخبث الضار كتمه. قال الخطابي: فمعنى الطيب الطهارة ومنه {سلام عليكم طبتم} (ليستنج) بلام الأمر وتسمى لام الطلب لابتدائه وحذف العطف لأن الجملة استئنافية وفي القرآن {لينفق ذو سعة من سعته} (بشماله) لأنها للأذى واليمين لغيره والاستنجاء عند أحمد والشافعي واجب وعند مالك وأبي حنيفة سنة والنهي عنه باليمين للتنزيه وتمسك أهل الظاهر بظاهره فجعلوه للتحريم وفي كلام بعض الشافعية ما يوافقه لكنه ضعيف وعلى التحريم يجزي وقال الظاهرية وبعض الحنابلة لا ومحل الخلاف ما لم تباشر اليد الإزالة بلا حائل وإلا حرم ولم يجز اتفاقا واليسرى في هذا مثلها وشرع الاستنجاء مع الوضوء ليلة الإسراء وقيل أول البعثة حين علمه جبريل الوضوء والصلاة
(هـ عن أبي هريرة) قال مغلطاي: هو قطعة من حديث رواه أبو عوانة في صحيحه معناه وفي مسلم ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/275)
[ص:276] 428 - (إذا استعطرت المرأة) استعملت العطر أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها (فمرت على القوم) الرجال (ليجدوا) أي لأجل أن يشموا (ريحها) أي ريح عطرها (فهي زانية) أي هي بسبب ذلك متعرضة للزنا ساعية في أسبابه داعية إلى طلابه فسميت لذلك زانية مجازا ومجامع الرجال قلما تخلو ممن في قلبه شدة شبق لهن سيما مع التعطر فربما غلبت الشهوة وصمم العزم فوقع الزنا الحقيقي ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها
(3 عن أبي موسى) الأشعري رمز المصنف لحسنه(1/276)
429 - (إذا استقبلتك المرأتان) الأجنبيتان أي صارتا تجاهك (فلا تمر) أي لا تمشي (بينهما) ندبا لأن المرأة مظنة الشهوة وهي أعظم مصائد الشيطان فمزاحمتها تجر إلى محظور ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه (خذ) أي اتخذ طريقا غير البينية (يمنة أو يسرة) بفتح أولهما جواب سؤال مقدر تقديره فكيف أذهب قال: مر عن يمينهما أو عن يسارهما وتباعد عنهما ما أمكن والنهي للتنزيه والأمر للندب ما لم يغلب على الظن أن ذلك يؤدي إلى فتنة فللتحريم وللوجوب
(هب عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف(1/276)
430 - (إذا استكتم) من السواك وهو دلك الأسنان بنحو عود (فاستاكوا عرضا) بفتح أوله وسكون ثانيه أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها فيكره طولا لأنه يجرح اللثة ويدمي ومع ذلك يجزي إلا في اللسان فإنه يستاك فيه طولا لخبر فيه
(ص) عن سعيد بن منصور في معجمه الكبير (عن عطاء) بن أبي رباح (مرسلا) هو أبو محمد القرشي المكي مولاهم أحد الأعلام ورواه أبو داود في مراسيله وعجب للمؤلف كيف أبعد النجعة(1/276)
431 - (إذا استلج) بتشديد الجيم استفعال من اللجاج وهو التمادي في الأمر ولو بعد تبين الخطأ وأصله الاصرار على الشيء مطلقا (أحدكم في اليمين) أي في الشيء المحلوف فيه سمي يمينا لتلبسه بها (فإنه آثم له) بالمد (عند الله من الكفارة التي أمر بها) قال الزمخشري: معناه إذا حلف على الشيء فرأى غيره خير منه ثم لج في إبرارها وترك الحنث والكفارة كان ذلك آثم له من أن يحنث ويكفره انتهى. وقال القاضي: المراد إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كأن أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث لأنه جعل الله لذلك عرضة الامتناع عن البر ومواساة الأهل والاصرار على اللجاج وقد نهي عن ذلك بقوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية قال: وآثم اسم تفضيل أصله أن يطلق للجاج الإثم فأطلقه للجاج الموجب للإثم اتساعا والمراد به أنه يوجب إثم كبير إثم مطلقا لأنه بالإضافة إلى ما نسب إليه من أمر مندوب لا إثم فيه وقيل معناه أنه إن كان يتحرج من الحنث والتأثم فيه ويرى ذلك فاللجاج إثم في زعمه وحسبانه إلى هنا كلام القاضي رحمه الله تعالى. وقال النووي: معناه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله وتضرر بعدم حنثه فالحنث ليس إثما فيحنث ويكفر فإن تورع عن الحنث فهو مخطئ فإدامة الضرر أكثر إثما من الحنث أي في غير محرم فقوله آثم خرج عن المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم عليه باللجاج أكثر لو ثبت الإثم فهذا خلاصة ما للأئمة الأعلام في هذا المقام فلا يلتفت إلى ما وراءه من الأوهام
(هـ عن أبي هريرة) رمز المؤلف لحسنه ورواه عنه الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي ولعل المؤلف لم يستحضره حيث عدل في الأصل لرواية إرساله فعزاه للبيهقي عن عكرمة مرسلا(1/276)
[ص:277] 432 - (إذا استلقى أحدكم على قفاه) أي طرح نفسه على الأرض ملصقا مؤخر عنقه وظهره بها لاستراحة أو نوم والإلقاء الطرح والقفا مؤخر العنق (فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى) حيث لم يأمن من انكشاف شيء من عورته كالمؤتزر فإن أمن كالمتسرول فلا بأس ولو في المسجد لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله فيه كما رواه البخاري ومسلم وإنما أطلق النهي لأن الغالب فيهم الائتزار لا التسرول وهذا أولى من ادعاء أن الحديث المشروح منسوخ بحديث البخاري لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وإلى معنى ما تقرر أشار بعضهم بقوله وضع إحدى الرجلين على الأخرى نوعان أن يكون رجلاه ممدودتين فلا بأس بوضع إحداهما على الأخرى فإنه لا ينكشف من عورته شيء بهذه الهيئة وأن يكون ناصبا ركبة إحدى الرجلين ويضع الأخرى على الركبة المنصوبة فإن أمن من انكشاف عورته لكونه بسراويل أو لكون إزاره أو ردائه طويلين جاز وإلا فلا
(ت عن البراء) بن عازب (حم عن جابر) بن عبد الله (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير خراش العبدي وهو ثقة أه ومن ثم رمز المصنف لصحته(1/277)
433 - (إذا استنشقت) أيها المتوضئ بدليل خبر الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا (فاستنثر) ندبا أخرج الماء الذي استنشقت به ليخرج معه ما في الأنف من نحو مخاط ويخرجه بريح الأنف إن لقي إلا فبيده ويسن كونه باليسرى كما في رواية النسائي وذلك لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن ولإزالة ما فيه من الثقل ليفتح مجاري العروق ولما فيه من طرد الشيطان. قال الطيبي: خص الاستنثار لأن القصد خروج الخطايا وهو مناسب للاستنثار لأنه إخراج (وإذا استجمرت) أي مسحت محل النجو بالجمار (فأوتر) بثلاث أو خمس أو أكثر والواجب عند الشافعية ثلاث فإن لم ينق زيد ويسن الإيتار وحملوا الخبر على الوجوب في الثلاث وعلى الندب فيما زاد استعمالا للأمر في حقيقته ومجازه وهو شائع عندهم والاستنشاق إبلاغ الماء إلى خياشيمه والاستنثار استفعال من النثر بنون ومثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتطهر أي يجذبه بريح الأنف لتنظيف ما في داخله فيخرجه ريح أنفه سواء كان بإعانة يده أو لا وحكي عن مالك رحمه الله تعالى كراهة فعله بغير يده لأنه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وقيل الاستجمار هنا مأخوذ من الجمر الذي يوقد قال الولي العراقي: ويمكن حمل المشترك على معنييه وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يفعل ذلك كما نقله ابن عبد البر وكان يستجمر بالأحجار وترا ويجمر ثيابه وترا
(طب عن سلمة) بفتح المهملة واللام (ابن قيس) الأشجعي ثم الكوفي رمز المؤلف لحسنه(1/277)
434 - (إذا استيقظ الرجل من الليل) أي انتبه من نومه من الليل أو في الليل أو ليلا فمن تبعيضية أو بمعنى في. قال الولي العراقي: ويحتمل أنها لابتداء الغاية من غير تقدير وهذا معنى التهجد عرفا فإنه صلاة تطوع بعد نوم (وأيقظ أهله) حليلته وزعم أنه شامل للأبوين والولد والأقارب لا يلائم قوله (وصليا) بألف التثنية وفي رواية فقاما وصليا (ركعتين) فأكثر ولفظ رواية أبي داود وابن ماجه قصليا أو صلى ركعتين جميعا قال الطيبي: وقوله جميعا حال مؤكدة من فاعل فصليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من الراوي والتقدير فصليا له ركعتين جميعا (كتبا) أي أمر الله الملائكة بكتابتهما (من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن ووعدهم بالغفران أي يلحقان بهم ويبعثان يوم القيامة معهم [ص:278] ويعطيهما ما وعدوا به ومن تبعيضية فيفيد أن الذاكرين أصناف وهذا من تفسير الكتاب بالسنة فإنه بيان لقوله تعالى {والذاكرين الله كثيرا} قال الزمخشري: الذاكرون الله من لا يكاد يخلو بلسانه أو بقلبه أو بهما عن الذكر والقراءة قال الولي العراقي: وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم الشرعي من الذكر والمعنى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فحذف لدلالة الظاهر عليه
(د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) الدوسي (وأبي سعيد) الخدري (معا) ورواه عنه البيهقي أيضا وغيره(1/277)
435 - (إذا استيقظ) أي انتبه وفي رواية إذا قام (أحدكم) خطاب في عمومه خلف والأصح عدمه لكن العموم هنا بدليل آخر ذكره الطيبي وغيره (من نومه) فائدة ذكره من نومه مع أن الاستيقاظ لا يكون إلا من نوم دفع توهم مشاركة الغشي فيه وفائدة إضافة النوم إلى أحدنا مع أن أحدا لا يستيقظ من نوم غيره الإيماء إلى أن نومه مغاير لنومنا إذ لا ينام قلبه وفيه شمول لنوم النهار وقول ابني جرير وراهويه وداود خاص بنوم الليل لقوله في رواية ابن ماجه إذا استيقظ أحدكم من الليل رده ابن دقيق العيد بأن في ذكر السبب المترتب على النوم ما يشعر بتعميم المعنى والحكم يعم بعموم علته فيكون من مفهوم الموافقة أي الأولوية نعم قال الرافعي الكراهة في نوم الليل أشد لأن احتمال الافضاء فيه أظهر (فلا يدخل) وفي رواية فلا يضع أي ندبا فلو فعل لم يتنجس الماء خلافا لداود والحسن البصري والطبري فعلم أن النهي للتنزيه وصرفه عن التحريم التعليل بأمر يقتضي الشك إذ الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا للطهارة ولهذا قال بعضهم هذا يرده القاعدة المتفق عليها أن التردد لا يوجب العمل بخلاف الأصل وهو الطهارة (يده) مفرد مضاف فيعم كل يد ولو زائده (في الإناء) الذي فيه ماء الوضوء أو الغسل وبين به أن النهي مخصوص بالآنية المعدة للطهر وما فيها ماء قليل بخلاف نحو بركة وحوض إذ لا يخاف فساد مائه بغمس اليد فيه بقرض نجاستها لكثرته (حتى يغسلها ثلاثا) فيكره إدخالها قبل استكمال الثلاث ولا تزول الكراهة بمرة مع تيقن الطهر لها لأن الشارع إذا غيا حكما بغاية وعقبه وصفا مصدرا بالفاء وأن أو بأحدهما كان إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله فلا يخرج عن عهدته إلا باستيفائها فاندفع استشكاله بأنه لا كراهة عند تيقن الطهر ابتداء (فإن) قال الكمال ابن أبي شريف: الفاء فيه لبيان أن ما بعدها علة الحكم (أحدكم لا يدري أين باتت يده) من جسده أي هل لاقت محلا طاهرا أم نجسا كبثرة أو جرح أو محل نجو أو غيرها والتعليل به غالبي إذ لو نام نهارا أو علم أن يده لم تلق نجسا كأن لفها في خرقة أو شك في نجاستها بلا نوم ندب غسلها فقد صح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم غسل يديه قبل إدخالهما الإناء حال اليقظة مع تيقن الطهر فمع الشك أولى لكن القائم من النوم يسن له الفعل ويكره تركه والمستيقظ يسن له الفعل ولا يكره تركه لعدم ورود النهي ذكره ابن حجر كغيره وهو غير معتبر لتصريح أئمة مذهبه بالكراهة فيها وقال الولي العراقي قال الخليل في المغني البيتوتة دخولك في الليل وكونك فيه بنوم وغيره ومن قال بت بمعنى نمت وقصره عليه فقد أخطأ. واعلم أن بات قد يكون بمعنى صار كما في {ظل وجهه مسودا}
وذكر غير واحد أن بات هنا بمعنى صار منهم الآمدي وابن عصفور والزمخشري وابن الصائغ وابن برهان فلا يختص بوقت وقال ابن الخباز توهم كثير دلالتها على النوم يبطله قوله تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ويدري من أفعال القلوب وهو معلق عن العمل فيما بعده باسم الاستفهام الذي هو أين وقد أشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يمكن تعلقه بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام فقالوا معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده فيكون فيه مضاف محذوف وليس استفهاما وإن كان صورته صورته والنهي للتنزيه لا للتحريم عند الجمهور ومعقول لا تعبدي خلافا لبعض المالكية والحنابلة وليست الرجل كاليد خلافا لابن حزم لأن اليد آلة الاستعمال والرجل لا تشاركها في الجولان وبفرضه هي أقل جولانا وليس الحكم خاصا بنوم الليل كما مر نعم فرق أحمد بينهما بالنسبة للوجوب وللندب فجعله في نوم الليل واجبا وفي النهار [ص:279] مندوبا وهو كما قال النووي مذهب ضعيف إذ قوله من نومه اسم جنس فيعم كل نوم وقوله في رواية أخرى من الليل من ذكر بعض أفراد العام ثم قال العراقي وإذا تقرر أن العلة احتمال النجاسة فلا يختص الحكم بحال الانتباه من النوم فمتى شك في طهر يده كره غمسها قبل غسلها ثلاثا وإن لم يكن انتبه من نوم. هذا مذهبنا كالجمهور ومن يرى الحكم تعبديا لا يلحق الشك بالنوم. قال ابن قدامة: ولا فرق بين كون النائم متسرولا أو يده في جراب أو لا لأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لبراءة الرحم قال وغمس بعض اليد ولو بعض أصبع أو ظفر ككلها لوجود العلة وقوله فلا يدخل يده يدل على أنه إذا غسل إحداهما أدخلها وإن لم تغسل الآخرى خلافا لبعض المالكية ولا تجب نية عند غسلهما إلا عند من أوجبه وزعم أنه تعبدي وقوله في الإناء محمول على إناء دون قلتين كما في غالب الأواني وفيه أنه يندب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة فالمحققة أولى إذ المتوهمة لا يحصل الاحتياط فيها بالنضح بل لا بد من الغسل وأن محل الاستنجاء بالحجر لا يطهر بل يعفى عنه بالنسة للصلاة وأن الماء القليل ينجس بوصول نجس إليه وإن قل ولم يغيره لأن الذي يعلق باليد ولا يرى في غاية القلة وأن الغسل سبعا غير عام في جميع النجاسات وهو قول الجمهور خلافا لأحمد والأخذ بالوثيقة العمل بالاحتياط ما لم يخرج إلى الوسوسة واستعمال لفظ الكناية فيما يتحاشى عن التصريح به وغير ذلك واستدل بهذا الحديث على التفريق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وهو جلي وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه ما فيه إذ مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن الكراهة بالمتيقن أشد منها بالمظنون فلا دلالة فيه قطعية ذكره ابن دقيق العيد
(تتمة) قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكما به أنا أدري أين باتت يدي ياتت في الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ استخفافا بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله قال النووي: ومن هذا المعنى ما وجد في زماننا وتواترت الأخبار به وثبت عند الثقات أن رجلا بقرية بلاد بصرى في سنة خمس وستين وست مئة كان سيء الاعتقاد في أهل الخير وابنه يعتقدهم فجاءه من عند شيخ صالح ومعه سواك فقال مستهزئا أعطاك شيخك هذا السواك فأخذه وأدخله في دبره استحقارا له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي استدخل السواك جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات الرجل حالا أو بعد يومين
(مالك) في الموطأ (والشافعي) في مسنده (حم ق 4) كلهم في الطهارة عن أبي هريرة واللفظ لمسلم قال المناوي وغيره ولم يقل البخاري ثلاثا انتهى وبه يعرف أن ما أوهمه صنع المؤلف من أن الكل رووا الكل غير صواب فكان عليه تحرير البيان كما هو دأب أهل هذا الشأن(1/278)
436 - (إذا استيقظ أحدكم من منامه) ليلا أو نهارا (فتوضأ) أي أراد الوضوء. قال ابن أبي شريف: والفاء عاطفة (فليستنثر) بأن يخرج ما على أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق. قال القاضي: استنثر حرك النثرة وهي طرف الأنف ويجوز كونها بمعنى نثرت الشيء إذا بذرته. والفاء للجواب (ثلاث مرات) وتحصل سنة الاستنشاق بلا استنثار لكن الأكمل إنما تحصل به (فإن) الفاء لبيان العلة (الشيطان) الظاهر أن المراد الجنس (يبيت) حقيقة أو مجازا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى (على خياشيمه) بخاء وشين معجمة جمع خيشوم فيعول وهو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو محل الحس المشترك ومستقر الحياة فإذا نام اجتمعت فيه الأخلاط وانعقد المخاط وكل الحس وتشوش حتى ينسد مجاري النفس فيتعرض له الشيطان حينئذ لمحبته محل الأقذار بأضغاث أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر عليه القيام على حقوق الصلاة من نحو خضوع وخشوع هذا هو المراد بالبيتوتة أو أن المراد أن الشيطان يترصد للإنسان في اليقظة ويوسوس له في الأحوال مع سمع وبصر ونطق وغيرها فإذا نام [ص:280] انسدت تلك المنافذ إلا منفذ النفس من الخيشوم وهو باب مفتوح إلى قبة الدماغ فيبيت دون ذلك الباب وينفث بنفخه ونفثه في عالم الخيال ليريه من الأضغاث ما يكرهه فأرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته أن تمحو باستعمال الطهور على وجه التعبد آثار تلك النفحات والنفثات عن مجاري الأنفاس. وقال في البحر: خص الخيشوم لأن العين باب النظر إلى خلق السماوات والأرض فهو باب العبرة والفم باب الذكر والأذن باب سماع العلم والذكر وليس في الخيشوم شيء من هذه المعاني فكان محل مدخل الشيطان لبدن الإنسان للوسوسة <تنبيه> قال القاضي: هذه الفاآت الثلاث الأولى للعطف والثانية جواب الشرط دخل على الأمر والثالثة فاء السببية دخلت الجملة لتدل على أن ما بعده علة للأمر بالاستنثار
(ق ن عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن خزيمة(1/279)
437 - (إذا استيقظ أحدكم) أي رجعت روحه لبدنه بعد نومه (فليقل ندبا الحمد لله) أي الثناء على الله سبحانه وتعالى (الذي رد علي روحي) احساسي وشعوري والنوم أخو الموت قال الله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الآية ومن ثم قيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل (وعافاني) سلمني من الآفات والبلاء (في جسدي) أي بدني وظاهره أنه يقوله وإن كان مريضا أو مبتلى لأنه ما من بلاء إلا وفوقه أعظم منه (وأذن لي بذكره) أي فيه بأن أيقظ قلبي وأجري لساني به وفيه ندب الذكر عند الانتباه من النوم وأفضله المأثور وهو كثير ومنه هذا المذكور
(ابن السني) في اليوم والليلة (عن أبي هريرة) قال النووي سنده صحيح. وقال ابن حجر: حسن فقط لتفرد محمد بن عجلان به وهو سيء الحفظ وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وظاهره اقتصاره على ابن السني أنه لم يخرجه أحد من السنة ولا كذلك بل رواه الترمذي والنسائي وقال مغلطاي ليس لحديثي عزو حديث في أحد الستة لغيرها إلا لزيادة ليست فيها أو لبيان سنده ورجاله(1/280)
438 - (إذا أسلم العبد) أي صار مسلما بإتيانه بالشهادتين وانقياده للأحكام هذا ما في النسخ وفي رواية إذا أسلم الكافر وهذا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء فذكره بلفظ المذكر تغليب (فحسن اسلامه) أي قرن الإيمان بحسن العمل وقيل بأن أخلص فيه وصار باطنه كظاهره واستحضر عند عمله قرب ربه منه واطلاعه عليه (يكفر الله عنه) بالرفع لأن إذا وإن كانت أداة شرط لا تجزم إلا في الضرورة واستعمل الجواب مضارعا لأن الشرط بمعنى الاستقبال وإن كانت بلفظ الماضي ذكره ابن حجر وغيره وقال الكرماني: الرواية إنما هي بالرفع وإن جاز الجزم. قال الزمخشري: والتكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة وفي رواية كفر الله فواخى بينهما (كل سيئة كان زلفها) قال الخطابي بالتخفيف وقال النووي بالتشديد أي قدمها من الزلف وهو التقديم وفي رواية النسائي أزلفها أي محى عنه كل خطيئة قدمها على إسلامه بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه لأن الإسلام يجب ما قبله لكن الكلام في خطيئة متعلقة بحق الله تعالى من العقوبات بخلاف الحق المالي نحو كفارة ظهار ويمين وقتل فإنه لا يسقط (وكان بعد ذلك) أي بعد ما علم من المجموع أو بعد حسن الإسلام (القصاص) المقاصصة والمجازاة واتباع كل عمل بمثله والقصاص مقابلة الشيء بالشيء أي كل شيء يعمل يوضع في مقابلة شيء آخر إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهو بالرفع اسم كان ويجوز جعلها تامة وعبر بالمعاصي لتحقق الوقوع ثم فسر القصاص بقوله (الحسنة بعشر أمثالها) مبتدأ وخبر والجملة استئنافية تقديره تكتب بعشر أمثالها كما يدل له خبر: اكتبوها لعبدي عشرا (إلى سبع مئة ضعف) أي [ص:281] منتهية إلى ذلك وأخذ الماوردي بظاهر الغاية فزعم أن نهاية التضعيف سبع مئة ورد بعموم قوله تعالى {والله يضاعف لمن يشاء} وبخبر البخاري كتب الله له عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة (والسيئة بمثلها) أي فيؤاخذ بها مؤاخذة مثلها فلا يزاد عليها فضلا منه تعالى حيث جعل الحسنة بعشر والسيئة كما هي (إلا أن يتجاوز الله عنها) بقبول التوبة أو بالعفو عن الجريمة قال الطيبي: فقوله السيئة بمثلها هو المراد بالقصاص لأن المثلية معتبرة فيه وأن السيئة هي التي تنقص في الشرع مجازاة بمثل ما فعله من نحو جرح وقتل فيؤخذ الجاني بما جنى منه بغير زيادة انتهى وفي أول الحديث رد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصه لأن الحسن تتفاوت درجاته وفي آخره رد على الخوارج المكفرين بالذنوب والمعتزلة الموقنين بخلود المؤمن في النار. وقال ابن حجر: ثبت في جميع الروايات ما سقط في رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام فقيل أسقطه لاشكاله لأن الكافر لا تصح عبادته لفقد النية ورده النووي بأن الذي عليه المحققون بل حكي عليه الإجماع أنه إذا فعل قربة كصدقة وصلة ثم أسلم أثيب عليها. قال ابن حجر: ويحتمل أن القبول يعلق على إسلامه فإن أسلم أثيب وإلا فلا وهذا أقوى
(خ ن) وكذا الدارقطني في غرائب مالك والبزار وسمويه والإسماعيلي والحسن بن أبي سفيان (عن أبي سعيد) الخدري وقضية صنيع المؤلف أن البخاري خرجه مسندا وهو ذهول بل علقه فقال: وقال مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد يرفعه انتهى. قال ابن حجر: ولم يوصله في موضع آخر من الكتاب ووصله أبو ذر ورواه سمويه عنه بلفظ إذا أسلم العبد كتب الله له كل حسنة قدمها ومحا عنه كل سيئة أزلفها(1/280)
439 - (إذا أشار الرجل) أي حمل كما بينته رواية من حمل علينا السلاح (على أخيه) في الإسلام وإن كان أجنبيا (بالسلاح) بالكسر آلة القتال والحرب كسيف وقوس والمراد أنه حمل عليه السلاح ليقتله وكان قصد المحمول عليه قتل الحامل أيضا (فهما على جرف) بالجيم وضم الراء وسكونها وبحاء مهملة وسكون الراء جانب أو طرف (جهنم) أي هما قريب من السقوط فيها (فإذا قتله وقعا فيها جميعا) أما القاتل فظاهر وأما المقتول فلقصده قتل أخيه وفيه أن من نوى معصية وأصر أثم وإن لم يفعلها
(الطيالسي) أبو داود (عن أبي بكرة) الثقفي ورواه عنه الطبراني وغيره ورمز المصنف لصحته(1/281)
440 - (إذا اشتد) أي قوي (الحر فأبردوا) من الإبراد أي الدخول في البرد فالباء في (بالصلاة) للتعدية وقيل زائد أي أدخلوا الصلاة في البرد والمراد صلاة الظهر كما بينته الرواية المارة أي أخروها إلى انحطاط قوة الوهج من حر الظهيرة إلى أن يقع للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة بشروط مر التنبيه عليها وأشار إلى بعض منها بقوله (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سطوع حرها وثوران لهبها وانتشاره سميت جهنم لبعد قعرها وهي عربية أو معربة فارسية أو عبرانية واستشكل بأن فعل الصلاة مظنة وجود الرحمة ففعلها مظنة طرد العذاب فكيف أمر بتركها؟ وأجيب بأن وقت صهور الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه وفي رواية البخاري بدل بالصلاة عن الصلاة. قال الكرماني: والباء هي الأصل وأما عن ففيه تضمين معنى التأخير أي تأخروا عنها مبردين وقيل هما بمعنى وعن تطلق بمعنى الباء كرميت عن القوس أي بها وقال اليعمري والولي العراقي عن بمعنى الباء أو زائدة أي أبردوا الصلاة
(حم ق 3 عن أبي هريرة حم ق د ت عن أبي ذر ق عن ابن عمر) بن الخطاب قال المؤلف: والحديث متواتر(1/281)
[ص:282] 441 - (إذا اشتد كلب) بالتحريك (الجوع) في القاموس الأكل الكثير بلا شبع الظاهر أن لفظ الكلب هنا مقحم للتأكيد (فعليك) يا أبا هريرة والحكم عام (برغيف) فعيل بمعنى مفعول إذ الرغيف جمعك العجين تكتله بيدك مستديرا ذكره الزمخشري قال: ومن المجاز وجه مرغف غليظ (وجر) بفتح الجيم منونا جمع جرة إناء معروف (من ماء القراح) كسحاب الخالص الذي لا يشوبه شيء (وقل) لنفسك مزهدا لها بلسان القال أو الحال بأن تجرد منها نفسا تخاطبها بقولك (على) متاع (الدنيا وأهلها الدمار) بفتح المهملة وخفة الميم الهلاك يعني أنزلهم منزلة الهالكين فلا أنزل بهم حاجاتي ولا أتواضع لهم لغناهم لأنهم في نفس الأمر لا يقدرون على شيء فليس المراد الدعاء عليهم بالهلاك بل أنزلهم منزلة الموتى الهلكى فإن من هلك لا يقدر على شيء وكذا الدنيا وأهلها. والقصد الحث على التقنع باليسير والزهد في الدنيا والإعراض عن شهواتها
(عد هب عن أبي هريرة) وفيه الحسين بن عبد الغفار قال الدارقطني متروك والذهبي متهم وأبو يحيى الوقاد قال الذهبي كذاب(1/282)
442 - (إذا اشتد الحر فاستعينوا) على دفع أذاه (بالحجامة) لغلبة الدم حينئذ (لا يتبيغ) أي لئلا يهيج (الدم بأحدكم فيقتله) وفيه حث على التداوي فهو سنة ولو بالحجامة وذلك لا ينافي التوكل كما مر ويأتي
(ك) في الطب (عن أنس) وقال صحيح وأقره الذهبي وهو مما بيض له الديلمي(1/282)
443 - (إذا اشترى أحدكم بعيرا) بفتح الموحدة وقد تكسر وعبر به دون الجمل لأن البعير يشمل الأنثى بخلافه وقصده التعميم (فليأخذ) ندبا عند تسلمه (بذروة) بالضم والكسر (سنامه) أي بأعلى علوه وسنام كل شيء أعلاه وقوله فليأخذ يحتمل أن المراد به فليقبض على سنامه بيده والأولى كونها اليمنى ويحتمل أن المراد فليركبه (وليتعوذ بالله من الشيطان) الرجيم لأن الإبل من مراكب الشيطان فإذا سمع الاستعاذة فر. وظاهر الحديث أنه يقتصر على الاستعاذة لكن في حديث آخر ما يفيد أنه يندب الإتيان معها بالبسملة وفي آخر أنه يدعو بالبركة روى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى أحدكم الجارية فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وليدع بالبركة وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليدع بالبركة وليقل مثل ذلك انتهى هذا ويحتمل أن الأمر بالاستعاذة إنما هو لما في الإبل من العز والفخر والخيلاء كما يأتي إن شاء الله تعالى فهو استعاذة من شر ذلك الذي يحبه الشيطان ويأمر به ويحث عليه والاشتراء بذل الثمن لتحصيل عين فإن كان أحد العوضين ناضا فهو الثمن وإلا فبأي العوضين تصور بصورة الثمن فباذله مشتر وآخذه بائع ولهذا عدت الكلمتان من الأضداد ويستعار للإعراض عما بيده محصلا به غيره من المعاني أو الأعيان وقد يتسع فيه فيستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره
(د) في النكاح (عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه قال في الفردوس وفي الباب أبو هريرة رضي الله عنه(1/282)
[ص:283] 445 - (إذا اشترى أحدكم لحما) فطبخه (فليكثر مرقته) بفتح الراء وقد تسكن والأمر ندبي أو إرشادي (فإن لم يصب أحدكم لحما) أي شيئا منه لكثرة الآكلين (أصاب مرقا وهو أحد اللحمين) لأنه ينزل منه في المرق بالغليان قوت يحصل به الغذاء قال الحافظ العراقي واشترى خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فالحكم كذلك إن اشترى له أو أهدى له أو تصدق به عليه وغير ذلك ففي كل ذلك يستحب طبخه لإكثار المرق وفيه أن اللحم المطبوخ أفضل من المشوي لعموم نفعه بل قال بعضهم إن في أكل المشوي ضررا من جهة الطب وفيه إيماء إلى الحث على مواساة العيال والإخوان والجيران ومنع الاستبداد وفيه شجاعة للنفس عن تجنب البخل وأن لا يلتفت إلى وعد الشيطان ذهاب الغنى وإتيان الفقر وحث على القناعة والاكتفاء بما تيسر
(ت ك) في الأطعمة (هب) كلهم (عن عبد الله المزني) قال الترمذي غريب وقال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه محمد بن فضالة الأزدي ضعفوه ورواه البيهقي وزاد وليغرف للجيران(1/283)
446 - (إذا اشتريت نعلا) أي حذاء يقي قدمك من الأرض قال في المصباح ويطلق على التاسومة ويظهر أن يلحق به الخف (فاستجدها) بسكون الدال الخفيفة أي اتخذها جيدة كما يدل له خبر إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وأن تكون نعله حسنة لا من الجديد المقابل للقديم وإلا لقال استجدها بالتشديد والرواية بخلافه (وإذا اشتريت ثوبا) قميصا أو جبة أو عمامة أو رداء (فاستجده) فيه العمل المقرر والأمر إرشادي والظاهر أن المراد باستجادة النعل أو الثوب كونه صفيقا محكم الصنعة يبقى مدة مديدة للانتفاع به عادة لا كونه من نعال أو ثياب المترفين المتصلفين المبالغين في التعمق في التزين
(طس عن أبي هريرة وعن ابن عمر بزيادة وإذا اشتريت دابة)
أي إذا أردت شراء دابة للركوب من فرس أو بعير أو بغل أو حمار (فاستفرهها) بهمزة وصل أي اجتهد أن تكون ذات نشاط وخفة وسرعة يقال حمار وبرذون فاره بين الفروهة والفراهة والفره النشاط والخفة والأمر إرشادي (وإذا كانت عندك كريمة قوم) أي زوجة أو سرية كريمة من قوم كرام (فأكرمها) بأن تفعل بها ما يليق بمنصب آبائها وعصباتها وخص المذكورات لأن عليها مدار نظام الأمور الدنيوية وألزم الأشياء للإنسان قال الهيتمي فيه أبو أمية بن يعلى وهو متروك(1/283)
447 - (إذا اشتكى المؤمن) أي أخبر عما يقاسيه من ألم المرض هذا أصله والمراد هنا إذا مرض سمى المرض شكوى لأنه يشكو منه غالبا إلى غيره وقوله المؤمن إشارة إلى البالغ في الإيمان الذي كملت فيه أخلاقه لأنه الذي يتلقاه بحسن صبر ورضا (أخلصه) ذلك (من الذنوب) أي الصغائر قياسا على النظائر (كما تخلص الكير خبث الحديد) أي صفاه تألمه بمرضه من ذنوبه كتصفية الكير للحديد من الخبث فإسناد التصفية إلى المرض مجازية كأنبت الربيع البقل فإن أسند الفعل إلى الله فهو على الحقيقة قال الحراني: وهذا فيما إذا تلقى العبد المرض على أنه طهرة وكفارة فحينئذ ينشيء الله له التصبر فيعاجله بفضل الله الشفاء ويبدل عوض ما أخذه المرض الصحة المباركة والخلق الأطيب كما يحقق بالتجربة لذوي البصائر وقال الحكيم الترمذي: المريض قد توسخ وتدنس وتكدر طيبه فأبى الله أن يضيعه فسلط عليه السقم حتى إذا تمت مدة التمحيص خرج منها كالبردة في الصفاء وفي وجهه طلاوة وحلاوة وقد تقدم أمر الله إلى العباد أن يحفظوا جوارحهم عن الدنس ليصلحوا لجوار القدس فتركوا الرعاية وضيعوا الحفظ فدلهم على [ص:284] أن يتطهروا بالتوبة فلم يفعلوا وأصروا على جهد من نفوسهم الشهوانية ثم دعاهم إلى الفرائض ليتطهروا بها فخلطوها وغشوها وأدوها على النقصان والوسوسة والمكاسب الرديئة فلم تكن مطهرة لهم إذ لا تطهر النجاسة بالنجاسة ولا ينقى الدنس بالوسخ فلما رأى حالتهم هذه رحمهم فداواهم بالأسقام ليطهرهم فإذا قابل المريض ذلك بالصبر أخرجه صافيا طاهرا
(خد حب طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قال الهيتمي رجاله ثقات إلا أني لم أعرف شيخ الطبراني(1/283)
448 - (إذا اشتكيت) أي مرضت (فضع يدك حيث تشتكي) على الموضع الذي يؤلمك ولعل حكمة الوضع أنه كبسط اليد للسؤال (ثم قل) ندبا (بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد البسملة بكمالها (أعوذ) أي أعتصم بحضور قلب وجمع همة. قال الزمخشري: والعياذ واللياذ من واد واحد (بعزة الله وقدرته من شر ما أجد) زاد في رواية لابن ماجه وأحاذر (من وجعي هذا) أي مرضي وألمي هذا تأكيد لطلب زوال الألم وأخر التعوذ لاقتضاء المقام ذلك (ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك) أي الوضع والتسمية والاستعاذة بهذه الكلمات (وترا) أي ثلاثا كما بينه في رواية مسلم وفي حديث آخر سبعا كما يأتي إن شاء الله تعالى وفي أخرى التسمية ثلاثا والاستعاذة سبعا يعني فإن ذلك يزيل الألم أو يخففه بشرط قوة اليقين وصدق النية ويظهر أنه إذا كان المريض نحو طفل أن يأتي به من يعوذه ويقول من شر ما يجد هذا ويحاذر وإطلاق اليد يتناول اليسرى فتحصل السنة بوضعها لكن الظاهر من عدة أحاديث تعين اليمنى للتيمن أي إلا لعذر. فإن قلت لم عبر بالوضع دون الألم؟ قلت: إشارة إلى ندب الذكر المذكور وإن لم يكن المرض شديدا إذ الألم كما قال الراغب: الوجع الشديد فلو عبر به اقتضى أن الندب مقيد بما إذا اشتد الوجع وأنه بدون الشدة غير مشروع وهذا الحديث من الطب الروحاني <تنبيه> قال بعض العارفين الحكمة في كون الرقي سبعا وأنواع التعوذات سبعا ما اجتمع فيه من فردية الأزواج في وتر الباء والسين والعين وزوجية الأفراد في شفع الواحد والثلاث والخمس والسبع بحروفها وهو الألف والجيم والهاء والزاي فتثلثت فيه الأزواج وتربعت فيه الأفراد فكمال السبع كمال عالم الابتداع فكان مجموع السبع كمالا للحكمة وحجابا للأحدية فوقع انحصار الأمر في عالم السبع ورد نحو هذا الحديث
(ت ك) في الطب (عن أنس) رضي الله تعالى عنه قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وكما ورد ذلك من قوله ورد من فعله ففي مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص كان يضع يده على الذي يألم من جسده ويقول بسم الله ثلاثا ويقول أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر قال الطيبي: يتعوذ من وجع ومكروه أو مما يتوقع حصوله في المستقبل من حزن وخوف قال والحذر الاحتراز عن مخوف(1/284)
449 - (إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا) يأكله (فليطعمه) ما اشتهاه ندبا حيث لم يقطع بعظم ضرره له لأن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي وكان فيه ضرر ما: كان أنفع مما لا يشتهيه وإن كلن نافعا في نفسه فإن صدق شهوته ومحبته الطبيعية له يدفع ضرره وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد يجلب له منها ضررا وبهذا التوجيه الوجيه يعرف أنه لا حاجة لقول الطيبي هذا إما بناء على التوكل وأنه تعالى هو الشافي أو أن المريض قد شارف الموت انتهى. ومن البين الذي لا يستراب فيه أن اللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحد الوجوه لكن الكلام في شيء قليل يكسر حدة الشهوة أما الاكثار فالحذر الحذر
(هـ عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قال: عاد المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: ما تشتهي قال: خبز بر فقال: من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم ذكره وفيه صفوان ابن هبيرة ضعفه الذهبي وقال شيخ بصري لا يعرف(1/284)
[ص:285] 450 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة) شدة ونازلة وهي وقوع ما لا يوافق غرض النفس من المكروه فال أبو البقاء: وياؤه منقلبة عن واو لأنها من صاب يصوب إذا نزل وجمعها مصائب على غير قياس وقياسه مصاوب (فليقل) ندبا وعند الصدمة الأولى آكد (إنا) معشر الخلائق (لله) الملك المحيط الذي نحن وأهلونا وأموالنا عبيد له (وإنا إليه) يوم انفراده بالحكم لا إلى غيره (راجعون) بالبعث والنشر والمراد أن جميع أمورنا لا يكون شيء منها إلا به (اللهم عندك) قدم للاختصاص أي لا عند غيرك فإنه لا يملك الضر والنفع إلا أنت (أحتسب) أدخر ثواب (مصيبتي) في صحائف حسناتي (فآجرني) بالمد والقصر يقال آجره يؤجره أثابه وكذا أجره يأجره والأمر منهما آجرني بهمزة قطع ممدودة وكسر الجيم كأكرمني وأجرني كأنصرني (فيها وأبدلني بها خيرا منها) والباء داخلة على المتروك تشبيها للابدال بالتبدل يعني أثبني بهذه المصيبة أي اجعل لي بدل ما فاتني شيئا آخر أنفع منه. وقال ابن القيم: وذا من أبلغ علاج المصاب وأنفعه في عاجلته وآجلته لتضمن ذلك لأصلين عظيمين إذا استحضرهما المصاب سهلاها: هما أن العبد وملكه ملك الله حقيقة وهو عند العبد عارية وأن مرجع العبد إلى مولاه الحق ولا بد أن يخلف الدنيا وراءه ويأتيه فردا ومن هذا غايته كيف يفرح بموجود أو يأسف على مفقود وقد عد بعضهم الاسترجاع من خصائص هذه الأمة لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما أصابه ما أصابه لم يسترجع بل قال {يا أسفا على يوسف} وأنت خبير بأنه لا شاهد فيه لأنه بعد إرخاء العنان وفرض تسليم أنه لم يقله لا يلزم أن غيره من الأنبياء وأممهم لم يشرع لهم فظاهر قوله فليقل أن المراد به مرة واحدة فورا وذلك في الموت عند الصدمة الأولى لكن يأتي في خبر أنه إذا تذكر المصيبة بعد زمن طويل فاسترجع أجرى له أجرها فيحمل ما هنا على الآكد
(د) في الجنائز (ك عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها هي بفتح المهملة واللام بنت أمية أم المؤمنين واسمها هند المخزومية وكانت ذات جمال بارع قالت لما احتضر أبو سلمة قال اللهم اخلفني في أهلي خيرا مني فلما قبض قلت إنا لله إلى آخره قال الترمذي حسن غريب(1/285)
451 - (إذا أصاب أحدكم هم) أطلق القاموس إنه الحزن وقال التوربشتي أنه الحزن الذي يذيب الإنسان قال والحزن خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم أخذا من حزونة الأرض وعليه فالهم أخص وأبلغ من الحزن وقيل الهم مختص بالآتي والحزن بالماضي وقال المظهر الغم الحزن الذي يغم الرجل أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه (أو لأواء) بفتح فسكون فمد: شدة وضيق معيشة (فليقل) ندبا (الله الله) وكرره استلذذا بذكره واستحضارا لعظمته وتأكيدا للتوحيد فإنه الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية (ربي) أي المحسن إلي بإيجادي من العدم وتوفيقي لتوحيده وذكره والمربي لي بجلائل نعمه والمالك الحقيقي لشأني كله ثم أفصح بالتوحيد وصرح بذكره المجيد فقال (لا أشرك به شيئا) وفي رواية لا شريك له أي في كماله وجلاله وجماله وما يجب له وما يستحيل عليه والمراد أن ذلك يفرج الهم والغم والضنك والضيق إن صدقت النية وخلصت الطوية (تتمة) وقع أن عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم المحدث الراحلة رضي الله تعالى عنه أسرته الروم في جماعة في البحر وساروا به إلى قسطنطينية فرفعوه إلى الطاغية فبينما هم في حبسه إذ غشيهم عيد فأقبل عليهم فيه من الحار والبارد ما يفوق المقدار إذ دخلت امرأة نفيسة على الملك وأخبرت بحسن صنيعه بالعرب فمزقت ثيابها ونثرت شعرها وسودت وجهها وأقبلت نحوه فقال: مالك. قالت: إن العرب قتلوا ابني وأخي وزوجي وتفعل بهم الذي رأيت فأغضبه فقال: علي بهم فصاروا بين يديه مسمطين فضرب السياف عنق واحد واحد حتى قرب من عبد الرحمن فحرك شفتيه فقال: الله الله ربي لا أشرك به شيئا فقال: [ص:286] قدموا شماس العرب أي عالمهم فقال: ما قلت فأعلمه فقال: من أين علمته فقال: نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا به فقال: وعيسى عليه الصلاة والسلام أمرنا بهذا في الإنجيل فأطلقه ومن تبعه
(طس عن عائشة) رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من بني هاشم هل معكم أحد من غيركم. قالوا: لا إلا ابن أختنا ومولانا فذكره رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه محمد بن موسى البربري قال في الميزان: عن الدارقطني غير قوي وفي اللسان ما أحد جمع من العلم ما جمع وكان لا يحفظ إلا حديثين انتهى لكن له شواهد(1/285)
452 - (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر) أي يتذكر (مصيبته بي) أي بفقدي من بين أظهر هذه الأمة وانقطاع الوحي والإمداد السماوي (فإنها من أعظم) وفي رواية من أشد (المصائب) بل هي أعظمها بدليل خبر ابن ماجه إن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي وكونها من أعظم لا ينافي كونها أعظم إذ بعض الأعظم قد يكون أعظم بقية أفراده. ألا ترى إلى قول أنس رضي الله تعالى عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا مع كونه أحسنهم خلقا إجماعا ولم ينتبه لهذا من تكلف وزعم زيادة من وإنما كانت أعظم المصائب لانقطاع الوحي وظهور الشر بارتداد العرب وتحزب المنافقين وكان موته أول نقصان الخير قال أنس رضي الله تعالى عنه ما نفضنا أيدينا من التراب من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ومن أحسن ما كتب بعضهم لأخيه يعزيه بابنه ويسليه قوله:
اصبر لكل ملمة وتجلد. . . واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا ذكرت محمدا ومصابه. . . فاذكر مصابك بالنبي محمد
مقصود الحديث أن يذكر المصاب وقوع المصيبة العظمى العامة بفقد المصطفى صلى الله عليه وسلم يهون عليه ويسليه فلا ينافي ذلك الخبر الآتي إن الله إذا أراد رحمة أمة قبض نبيها قبلها لاختلاف الاعتبار
(عد هب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وفيه قطر بن خليفة الذهبي عن السعدي زائغ وشرحبيل بن سعد متهم (طب عن سابط) ابن أبي حميصة بن عمر القرشي (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم وكسر المهملة نسبة إلى بني جمح بطن من قريش وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد ضعيف ولذلك رمز المؤلف لضعفه لكن له شواهد(1/286)
453 - (إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح قال في الكشاف الإصباح بمعنى الصيرورة (آمنا) بالمد أي ذا أمن (في سربك) بكسر أوله المهمل أي نفسك وبفتحات مسلكك وطريقك (معافى في بدنك) من أنواع البلايا وصنوف الرزايا (عندك قوت يومك) أي مؤنتك ومؤنة من تلزمك نفقته ذلك اليوم (فعلى الدنيا العفاء) بالفتح والتخفيف الدروس وذهاب الأثر وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في التقلل منها والاكتفاء بالكفاف وهذا من أقوى أدلة من فضل الفقر على الغنى
(هب عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفيه سلام بن سليم عن إسماعيل بن رافع قال العلائي: ضعيفان جدا وقال الذهبي إسماعيل ضعيف متروك لكن له شواهد منها للبخاري في الأدب المفرد(1/286)
454 - (إذا أصبح ابن آدم) دخل في الصباح (فإن الأعضاء) جمع عضو بضم العين وكسرها كل عظم وافر بلحمه (كلها) تأكيد لدفع توهم عدم إرادة الشمول (تكفر اللسان) تذل وتخضع له من قولهم كفر اليهودي إذا خضع وطأطأ رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه مأخوذ من الكافرة وهي الكاذبة التي هي أصل الفخذ ذكره القاضي وأصله للزمخشري [ص:287] حيث قال وهو من تكفير الذمي وهو أن يطأطئ رأسه ويحني ظهره كالراكع عند تعظيم صاحبه قال:
تكفر باليدين إذا التقينا. . . وتلقى من مخافتنا عصاكا
كأنه من الكافرتين وهما الكاذبتان لأنه يضع يديه عليهما أو ينثي عليهما أي يحكي في ذلك من يكفر شيئا أي يغطيه ويستره انتهى (فتقول) أي بلسان الحال وزعم أن المراد لسان القال جمود (اتق الله فينا) أي خفه في حفظ حقوقنا فلا تقتحم منهيا فيهلك معك (فإنما نحن بك) أي نستقيم ونعوج تبعا لك (فإن استقمت) أي اعتدلت على الصراط المستقيم (استقمنا) اعتدلنا وفي التنزيل {وكان بين ذلك قواما} أي عدلا (وإن اعوججت) ملت عن الاعتدال (اعوججنا) ملنا عنه قال الغزالي رضي الله تعالى عنه: المعنى فيه أن نطق اللسان يؤثر في أعضاء اإنسان بالتوفيق والخذلان فاللسان أشد الأعضاء جماحا وطغيانا وأكثرها فسادا وعدوانا ويؤكد هذا المعنى قول مالك بن دينار رضي الله تعالى عنه إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك قال الطيبي: وهذا لا تناقض بينه وبين خبر إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد إلى آخره لأن اللسان ترجمان القلب وخليفته في ظاهر البدن فإذا أسند إليه الأمر فهو مجاز في الحكم كقولك سقى الطبيب المريض الدواء قال الميداني: المرء بأصغريه قلبه ولسانه أي تقوم معانيه بهما قال الشاعر:
لسان الفتى نصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
(ت) في الزهد (وابن خزيمة) في صحيحه (هب عن أبي سعيد)
الخدري قال العراقي: ووقع في الإحياء عن سعيد بن جبير مرفوعا وإنما هو عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد ورواه الترمذي موقوفا على حماد وقال هذا أصح ومع ذلك إسناد الرفع جيد لكن الموقوف أجود والله أعلم(1/286)
455 - (إذا أصبحتم) أي قاربتم الدخول في الصباح والصباح أول النهار وهو من طلوع الفجر وقبل الشمس والمساء من الغروب وقبل الزوال لكن في ذيل فصيح ثعلب للبغدادي الصباح من نصف الليل الأخير إلى الزوال والمساء منه إلى آخر نصف الليل الأول (فقولوا) ندبا (اللهم بك) قدمه للاختصاص والباء للاستعانة أو المصاحبة أو السببية أي بسبب إنعامك علينا بالإيجاد والإمداد (أصبحنا وبك أمسينا) دخلنا في المساء والباء تتعلق بمحذوف وهو خبر أصبح ولا بد من تقدير مضاف أي أصبحنا وأمسينا متلبسين بنعمتك أو بحياطتك وكلاءتك أو بذكرك واسمك (وبك نحيا وبك نموت) حكاية عن الحال الآتية أي يستمر حالنا على هذا في جميع الأزمان وسائر الأحيان إلى أن نلقاك (وإليك) لا إلى غيرك (المصير) المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا
(هـ وابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه تبعا للترمذي وله شواهد ترقيه إلى الصحة فإنه كما ورد من قوله ورد من فعله روى أبو داود والترمذي أنه كان يقول ذلك إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير انتهى وبه يعلم أن في الحديث المشروح اختصارا(1/287)
456 - (إذا اصطحب) أي تلازم وكل شيء لازم شيئا فقد اصطحب (رجلان مسلمان) ذكر الرجل غالبي فالانثيان والرجل مع محرمه أو حليلته كذلك (فحال) أي حجز (بينهما شجر) هو ما له ساق صلب يقوم به والمراد هنا ما يمنع الرؤية (أو حجر) بالتحريك أي صخرة (أو مدر) جمع مدرة كقصبة تراب ملبد أو قطع طين يابسة أو نحو ذلك (فليسلم [ص:288] أحدهما على الآخر) لأنهما يعدان عرفا متفرقين (ويتباذلوا) بذال معجمة من البذل أي والعطاء أي يعطي كل منهما لصاحبه والقياس يتباذلا ولعله إشارة إلى أن الاثنين مثال وأن الجماعة كذلك (السلام) ندبا للمبتدئ ووجوبا للراد ومثل الاثنين فيما ذكر الجمع وفيه أن السلام يتكرر طلبه بتكرر التلاقي ولو على قرب جدا ويندب إذا التقى اثنان أن يحرص كل منهما على أن يكون البادئ بالسلام وأن يسلم الراكب على الماشي والماشي على الواقف والصغير على الكبير والقليل على الكثير وإن عكس فخلاف السنة لا مكروه
(هب عن أبي الدرداء) رضي الله عنه وفيه بقية رجاله مشهور ولكن له شواهد وذكر بعضهم أن المؤلف رمز لحسنه ولم أره في خطه(1/287)
457 - (إذا اضطجعت) أي وضعت جنبك على الأرض (فقل) ندبا (بسم الله) أي أضع جنبي والباء للمصاحبة أو للملابسة ويظهر أن الأكمل كمال التسمية (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف (من غضبه) سخطه على من عصاه وإعراضه عنه (وعقابه) عقوبته (ومن شر عباده) من أهل الأرض وغيرهم (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين (وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ والذكر عند النوم قال بعضهم: ومن فوائد هذه الاستعاذة أن المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} الآية
(أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة أوله (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص وهو كما في الأصل من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(1/288)
458 - (إذا أطال أحدكم الغيبة) في سفر أو غيره ومن قيد بالسفر فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل اللغة الآتي على الأثر ومرجع الطول العرف (فلا يطرق) بفتح أوله وفي رواية للشيخين فلا يطرقن (أهله) أي لا يفجأ حلائله بالقدوم عليهم بالليل لتفويت التأهب عليهم. والطروق المجيء بالليل من سفر أو غيره من الطرق وهو الدق سمى الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب قالوا: ولا يقال في النهار إلا مجازا فقوله (ليلا) للتأكيد دفعا لمجاز استعمال الطرق في النهار ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر كنا في غزوة فلما قفلنا ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة لأن الأمر بالدخول ليلا لمن علم أهله بقدومه فاستعدوا والنهي لمن فاجأ قبل ذلك وأفهم تقييده بالطول أنه لو قرب سفره بحيث تتوقع حليلته إتيانه فتتأهب أنه لا يكره. وبه جزم جمع منهم الطيبي وجرى عليه ابن حجر حيث قال: التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ والحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجة مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأدى به له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة لم يكن مثله أه. فقول الزين زكريا: الطول ليس بقيد غير جيد كيف والحديث مصرح به والعلة تقتضيه. قال الطيبي: وكذا لو كان في قفل أو عسكر عظيم واشتهر قدومهم تلك الليلة لزوال العلة المقتضية للكراهة وهي عدم تأهب حليلته [ص:289] فيعافها وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة غير مرضية والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي إذ على الإنسان شرعا وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها ولا يقول عاقل فضلا عن عالم فاضل أن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته وإهمال النظر في دواخل أحوالهم ليتمكنوا من فعل ماشاؤوا من ضروب الفساد ويستمر ذلك مستورا عليه واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب فإنه إن رأى ريبة كتمها وفارق أهله أو أدب سرا وحسم طريق الفساد
(حم ق عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو داود والنسائي وغيرهما(1/288)
459 - (إذا اطمأن الرجل إلى الرجل) أي سكن قلبه بتأمينه له وذكر الرجل غالبي فالمرأة كذلك (ثم قتله بعد ما اطمأن إليه) بغير مقتض والمراد أنه أمنه ثم غدره (نصب) أي رفع (له) بالبناء للمفعول لتذهب النفس كل مذهب تهويلا للأمر وتفخيما للشأن (يوم القيامة) خصه وإن كان قد يعاقب في الدنيا لأن ما يسوء إذا ظهر في جمع كان أوجع للقلب وأعظم تنكيلا (لواء) بمد وكسر أي علم (غدر) يعرف به في ذلك الموقف الأعظم تشهيرا له بالغدر على رؤوس الأشهاد فلما كان إنما يقع مكتوما مستورا اشتهر صاحبه بكشف ستره لتتم فضيحته وتشيع عقوبته وذكر في رواية أخرى أن ذلك اللواء ينصب عند أسته مبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته وعلى هذا فاللواء حقيقي وقيل هو استعارة قال بعضهم والمشهور أن هذا الغدر والقتل والحروب من نقض عهد وأمان
(ك عن عمرو بن الحمق) بفتح المهملة وكسر الميم ثم قاف ابن كاهل ويقال كاهن الخزاعي هاجر للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية ثم سكن مصر ثم الكوفة وهو ممن ثار على عثمان وأحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار(1/289)
460 - (إذا أعطى الله أحدكم خيرا) أي مالا (فليبدأ) وجوبا (بنفسه) أي بالإنفاق منه على نفسه لأنه المنعم عليه به (وأهل بيته) يعني من يلزمه مؤنتهم فإن ضاق قدم نفسه كما مر والخير المال أو الكثير أو الطيب قال الراغب: سمي خيرا إشارة إلى أن المال الذي يحسن الإنفاق منه ما جمع من وجه محمود
(حم) مطولا (م) في المغازي من حديث طويل (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه بفتح السين وضم الميم وقد تسكن له ولأبيه صحبة ولم يذكر البخاري هذه القضية التي اقتصر عليها المؤلف(1/289)
461 - (إذا أعطي أحدكم الريحان) هو كما في المفردات ما له رائحة طيبة وفي المصباح كل نبت مشموم طيب الريح لكنه إذا أطلق عند العامة يراد به نبات مخصوص والمراد به هنا التعميم (فلا يرده) بضم الدال على الأفصح الأبلغ لأن الخبر من الشارع آكد في النهي من النهي صريحا ندبا فإن قبوله محبوب (فإنه خرج من الجنة) أي كأنه خرج منها فهو على التشبيه فإن ريحان الجنة لا يتغير ولا ينقطع ريحه ويمكن إجراؤه على ظاهره ويدعى سلب خاصيته ويجئ في خبر أنه ليس في الدنيا شيء يشبه ما في الجنة إلا في الاسم ويحتمل أن يراد بالجنة ما التف من الشجر أي أنه خارج من الأشجار الملتفة فلا مؤنة في بذله ولا منة في قبوله
(د في مراسيله ت) في الاستئذان من حديث حنان بحاء مهملة ونونين (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشد اللام ابن عمرو بن عدي (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة مخضرم عابد من كبار التابعين (مرسلا) وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف حنان إلا في هذا الحديث وأبو عثمان أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فمن ثم عد حديثه في المراسيل(1/289)
[ص:290] 462 - (إذا أعطيت) بضم الهمزة بضبط المؤلف (شيئا) من جنس المال (من غير أن تسأل) فيه (فكل) منه أي اقبله وانتفع به في مؤنتك ومؤنة أهلك وغير ذلك وإن كان من السلطان إن لم يغلب الحرام فيما في يده والحاصل أنه إن علم حرمة المال حرم قبوله أو حله جاز وكذا إن شك لكن الورع تركه وعبر بالأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع (وتصدق) منه بين به أن شرط قبول المبذول كونه حلالا لأن الصدقة لا تكون صدقة متقبلة إلا منه فشرط قبول المبذول علم حله كما تقرر أي باعتبار الظاهر والحاصل أنه عند الجهل لا يلزم البحث عن الأصول فقد وقع للشاذلي وهو إمام في الروع أنه جاع وصحبه أياما فبعث لهم بعض عدول الاسكندرية بطعام فمنع الشيخ جماعته منه فطووا فلما أصبح قال كلوه قيل لي الليلة أحل الحلال ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحدا من نساء أو رجال وقال ياقوت عزم علي إنسان وقدم لي طعاما فرأيت عليه ظلمة كالمكبة فقلت هذا حرام ولم آكل فدخلت على المرسي فقال من جهلة المريدين من يقدم له طعام فيرى عليه ظلمة فيقول هذا حرام يا مسكين ما يساوي ورعك بسوء ظنك بأخيك المسلم هلا قلت هذا طعام لم يردني الله به
(م دن عن عمر) بن الخطاب قال استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمالة فأديتها فأمر لي بعمالتي فقلت إنما عملت لله فذكره وفيه جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو دنيا كقضاء وحسبة لكن بشروط(1/290)
463 - (إذا أعطيتم الزكاة) المالية أو البدنية فلا (تنسوا ثوابها) أي لا تتركوا السبب في حصوله وذلك (أن تقولوا) أي تدعوا بنحو (اللهم اجعلها مغنما) أي قولكم ذلك من أسباب قبولها وحصول ثوابها فلا تتركوه والمراد يسر لي الفوز بثوابها وأصل المغنم والغنائم ما أصيب من مال الحرب والنسيان مشترك بين ترك الشيء على ذهول وغفلة وتركه على تعمد وهو المراد هنا ومنه {ولا تنسوا الفضل بينكم} أي تقصدوا الترك والإهمال (ولا تجعلها مغرما) مصدر ميمي من الغرامة أي لا تجعلني أرى إخراجها غرامة أغرمها ويسن أن يقول مع ذلك {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} وهذا التقرير كله بناء على أن أعطيتم مبني للفاعل كما جرى عليه بعضهم وزعم أنه الرواية ويجوز بناؤه للمفعول أي إذا أعطيتم يعني أيها المستحقون الزكاة فلا تتركوا مكافأة المزكي على إحسانه بأن تقولوا اللهم اجعلها له مغنما ولا تجعلها عليه مغرما وفيه أنه يندب قول ذلك وإن لم يذكروه لأنه من الفضائل وقد دخل تحت أصل كلي وهو طلب الدعاء له والحديث ليس بشديد الضعف كما وهم
(هـ ع عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال في الأصل وضعف وذلك لأن فيه سويد ين سعيد قال أحمد متروك(1/290)
464 - (إذا أفطر أحدكم) أي دخل وقت فطره من صومه (فليفطر) ندبا (على تمر) أي بتمر والأفضل سبع والأولى من رطب فعجوة لخبر الترمذي كان يفطر على رطبات فإن لم يكن فتمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء ولم ينص على الرطب هنا لقصر زمنه (فإنه بركة) أي فإن الإفطار عليه ثوابا كثيرا فالأمر به شرعي وفيه شوب إرشاد لأن الصوم ينقص البصر ويفرقه والتمر يجمعه ويرد الذاهب لخاصية فيه ولأن التمر إن وصل إلى المعدة وهي خالية أغذى وإلا أخرج بقايا الطعام (فإن لم يجد تمرا) يعني لم يتيسر (فليفطر على الماء) القراح (فإنه طهور) بالفتح مطهر محصل للمقصود مزيل للوصال الممنوع ومن ثم من الله به على عباده بقوله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء [ص:291] طهورا} وبما تقرر علم وجه حكمة تخصيص التمر دون غيره مما في معناه من نحو تين وزبيب وأنه لا يقوم غيره مقامه عند تيسره فزعم أن القصد منه أن لا يدخل جوفه إلا حلوا لم تمسه النار في حيز المنع وورد الفطر على اللبن لكن سنده ساقط فيقدم الماء عليه لهذا الحديث
(حم 4 وابن خزيمة حب) كلهم في الصوم (عن سلمان) بفتح فسكون (ابن عامر) بن أوس (الضبي) بفتح المعجمة وكسر الموحدة صحابي سكن البصرة وبها مات. قال مسلم: ليس في الصحب ضبي غيره واعترض قال الترمذي حسن صحيح(1/290)
465 - (إذا أقبل الليل) يعني ظلمته (من ههنا) أي من جهة المشرق إذ الظلمة تبدو منه (وأدبر النهار) أي ضوؤه (من ههنا) من جهة المغرب وزاد (وغربت الشمس) مع أن ما قبله كاف إيماء إلى اشتراط تحقق كمال الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة الغروب لا غيره فالأمور الثلاثة وإن كانت متلازمة لكن قد يعرض لبعضها انفكاك فيظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة كأن يكون بمحل لا يشهد غروبها كواد فيعتمد إقبال الظلام أو إدبار الضياء فلذلك جمع بينهما (فقد أفطر الصائم) أي انقضى صومه أو تم شرعا أو أفطر حكما بدليل الاحتياج لنية الصوم للغد وإن واصل لأنه صار مفطرا حقيقة كما قيل فمن حلف لا يفطر على حار ولا بارد لا يفطر بدخول الليل على الأصح والحكم بفطره بدخوله لكونه غير حار ولا بارد غير قويم إذ هو تعلق لفظي غير مقصود للحالف ومبنى الأيمان على المقاصد العرفية وفيه رد على المواصلين. قال الطيبي: ويمكن حمل الأخبار على الإنشاء إظهارا للحرص على وقوع المأمور به أي إذا أقبل الليل فليفطر الصائم ولأن الخبرية منوطة بتعجيل الإفطار فكأنه حصل وهو مخبر عنه وأل في الصائم للجنس
(ق د ت عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وله سبب مشهور وظاهر صنيعه أنه لم يخرجه أحد من الأربعة إلا ذين ولا كذلك بل رواه كما قال المناوي الكل إلا ابن ماجه(1/291)
466 - (إذا اقترب) افتعل من القرب وروي تقارب (الزمان) أي دنت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتن فكان الناس على مثل الفطرة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين قال القاضي اقتراب الزمان دنو الساعة إذ الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ومن ثم قيل للقصير متقارب ويقال تقاربت الإبل إذا قلت أو أراد استواء الليل والنهار عند انطباق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع فلا يكون في المنام أضغاث أحلام فإن من موجبات التخليط فيها غلبة بعض الأخلاط على بعض ومن ثم قال المعبرون أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار وإدراك الثمار واستواء الليل والنهار وعند ذلك تصح الأمزجة وتصح الحواس أو أراد بتقارب الزمان حين تكون السنة كشهر للهنا وبلوغ المنى وبسط العدل زمن المهدي وذلك زمن يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه ذكره الزمخشري قال ويعضد الأول قوله (لم تكد رؤيا الرجل المسلم) في منامه (تكذب) أي لا تكون إلا صادقة لأن المغيبات تنكشف حينئذ والخوارق تظهر ولأن أكثر العلم يقبض بقبض العلماء وتندرس معالم الدين فيكون في الرؤيا الصادقة حينئذ بعض غنى ولو كان المراد بالاقتراب الاعتدال لما قيده بالمسلم وقيل المراد إذا اقترب أجل الإنسان بمشيبه فإن رؤياه قلما تكذب لصفاء باطنه ونزوع الشهوات عنه فنفسه حينئذ لمشاهدة الغيب أميل وقوله لم تكد رؤيا المسلم تكذب مبالغة في لم تكذب أي لم تقرب أن تكذب [ص:292] فضلا عن أن تكذب ومنه قول ذي الرمة:
إذا غير الدهر المحبين لم يكد. . . رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح ذكره الزمخشري اختلف في خبر كاد المنفي والأظهر أنه يكون أيضا منفيا لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه ويدل عليه قوله تعالى {إذا أخرج يده لم يكد يراها} قال القاضي: وأول الأقوال هو الأصح لأنه جاء في رواية أخرى إذا كان آخر الزمان (وأصدقهم) أي المسلمون المدلول عليهم بلفظ المسلم (رؤيا أصدقهم حديثا) أي قولا ولفظ رواية مسلم فيما وقفت عليه في نسخ صحيحة أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا وذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانشقت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة وظاهره أنه على إطلاقه وقيل يكون آخر الزمان عند ارتفاع العلم وموت الصلحاء فجعل جبرا وعوضا والأول أظهر لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها ذكره النووي وقد قال بعض العارفين ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أصدق الناس كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فكان لا يحدث بحديث عن تزوير يزوره في نفسه بل يحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو كلها ما كان يقول ما لم يكن ولا ينطق في اليقظة عن شيء تصوره في الخيال ما لم ير لتلك الصورة عين في الحس
(ق هـ) في الرؤيا (عن أبي هريرة)(1/291)
467 - (إذا أقرض أحدكم أخاه) في الدين (قرضا) قال الطيبي: اسم مصدر والمصدر حقيقة هو الإقراض قال ويجوز كونه هنا بمعنى المقروض فيكون مفعولا ثانيا لا قرض والأول مقدر (فأهدى) أي الأخ المقترض (إليه) أي إلى المقرض (طبقا) محركا ما يؤكل عليه أو فيه ويحتمل الحقيقة ويحتمل إرادة المظروف أي شيئا في طبق (فلا يقبله) قال الطيبي: الضمير الفاعل في فأهدى عائد إلى المفعول المقدر والضمير في لا يقبله راجع إلى مصدر أهدى وقوله فأهدى عطف على الشرط (أو حمله) أي أراد حمله أو حمل متاعه (على دابته فلا يركبها) يعني لا ينتفع بها بركوب أو إركاب أو تحميل عليها (إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) أي القرض وهذا محمول على الورع لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء فيجوز بل يندب رد الزائد وللمقرض قبوله حيث لا شرط والورع تركه
(ص هـ هق عن أنس) بن مالك رمز لحسنه(1/292)
468 - (إذا اقشعر) بهمزة وصل وتشديد الراء (جلد العبد) أي أخذته قشعريرة أي رعدة (من خشية الله) أي خوفه. قال في الكشاف: اقشعر الجلد إذا انقبض قبضا شديدا وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضموما إليه حرف رابع وهو الراء ليكون رباعيا دالا على معنى زائد يقال اقشعر جلده من الخوف وقف شعره وهو مثل في شدة الخوف قال الراغب: والجلد قشر البدن (تحاتت) تساقطت وزالت (عنه خطاياه) أي ذنوبه (كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها) تشبيه تمثيلي لانتزاع أمور متوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب على الإنسان سبب كماله وإزالة الورق على الشجر سبب نقصانه قال الترمذي الحكيم والمراد بالعبد هنا عبد ممنون عليه بالتوحيد ونفسه شرهة أشرة بطرة شهوانية قاهرة له فأدركه اللطف فهاج منه خوف التوحيد فطلبت نفسه الملجأ من الله إليه فأخذته الخشية فارتعد وصار لا يعقل ما يقول من الرهب فانكشف له الغطاء فسترت تلك الخشية مساويه كلها {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} [ص:293] ولم يعبر بالخوف لأن الخشية أعلى فإن الفرق إذا هجم على القلب نفر عن مستقره نفارا ربما قطع أفلاذ الكبد من شدة نفاره وانزعاجه عن محله والخوف دون ذلك وقال بعض العارفين هذا إشارة إلى أن الخشية والمرض ونحو ذلك إنما يحط أولا صغائر الذنوب التي هي من شجرة المخالفة بمنزلة الورق من شجر الدنيا وشجرة المخالفة شجرة خبيثة أصلها الكفر وورقها صغائر الذنوب ونبتها من الأجساد والفروع والأغصان منازل فقد يعظم الارتكاب حتى يأخذ من الأغصان فيذهب بكثير منها وهكذا يترقى حتى قد يتحتت الأصل (سمويه) في فوائده
(طب) وكذا البزار والبيهقي في الشعب (عن العباس) بن عبد المطلب قال المنذري والعراقي سنده ضعيف وبينه الهيتمي فقال فيه أم كلثوم بنت العباس رضي الله عنها لم أعرفها وبقية رجاله ثقات(1/292)
469 - (إذا أقل الرجل) ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان (الطعم) بالضم أي جعل مأكله قليلا لصوم أو غيره ومن زعم أنه أراد الصائم فحسب لم يصب (ملء) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله ويمكن بناؤه للفاعل أي ملأ الرجل (جوفه نورا) أي تسبب في ملء باطنه بالنور أصل الجوف الخلاء ثم استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ فقيل جوف الدار لداخلها وباطنها فقلة الأكل محمودة شرعا وطبا. ومن فوائد الكلام ما دار على ألسنة الأنام: من غرس الطعام جنى ثمرة السقام ومن الأمثال: كل قليلا تعش طويلا ومنها أقلل طعاما تحمد مناما ومنها كل قصدا لا تبغي فصدا ومنها البطنة تذهب الفطنة وحث الرجل آخر على الأكل من طعامه فقال عليكم تقريب الطعام وعلينا تأديب الأجسام وفي إفهامه أن كثرة الأكل تملؤه ظلمة فيكون فاعل ذلك حمالا للطعام مضيعا للأيام قال الغزالي علمنا يقينا بل رأينا عيانا أن العبادة لا يجيء منها شيء إذا امتلأ البطن وإن أكرهت النفس على ذلك وجاهدت بضروب الحيل فلا يكون لتلك العبادة لذة ولا حلاوة ولذا قيل لا تطمع بحلاوة العبادة مع كثرة الأكل
(فر عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفيه علان الكرخي قال الذهبي لعله واضع حديث طلب الحق غربة عن إبراهيم بن مهدي الأيلي قال الأزدي كان يضع على محمد بن إبراهيم بن العلاء قال الدارقطني كذاب(1/293)
470 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع في إقامتها بدليل رواية ابن حبان إذا أخذ المؤذن في الإقامة (فلا صلاة) كاملة سالمة من الكراهة (إلا المكتوبة) فلا ينبغي إنشاء صلاة حينئذ غيرها أي المفروضة الحاضرة التي أقيم لها بدليل رواية أحمد إلا التي أقيمت وجعل بعضهم النفي بمعنى النهي أي فلا تصلوا حينئذ واختاره المؤلف فإنه سئل هل المراد هنا الكمال أو عدم الصحة فأجاب بأنه ليس المراد هذا ولا هذا لأن ذلك إنما يكون في النهي المراد به النفي على ظاهره والنفي هنا المراد به النهي أي لا تصلوا إلا المكتوبة وذلك لئلا يفوته فضل تحرمه مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة وما يناله من أجر الفعل لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه ولأنه يشبه المخالفة للجماعة وأما زيادة إلا ركعتي الفجر في خبر فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر فلا أصل لها كما بينه البيهقي وبفرضه حمل على الجواز قال في المطامح: وهذه المسألة وقعت لأبي يوسف حين دخل المسجد النبوي والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر ثم دخل مع الإمام في الصبح فقال رجل عامي يا جاهل الذي فاتك من أجر فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك انتهى قال ابن الهمام: وأشد ما يكون كراهة أن يصلي سنة أو غيرها عند إقامة المكتوبة مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة
(م 4 عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما(1/293)
[ص:294] 471 - (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا نادى المؤذن بالإقامة فأقيم المسبب مقام السبب ذكره الطيبي. ونبه بالإقامة على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة أولى (فلا تأتوها وأنتم تسعون) تهرولون وإن خفتم فوت التكبير أو التبكير فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والخضوع فالقصد من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئا والنهي للكراهة وأما قوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} فليس المراد به الاسراع بل الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري. قال الطيبي: وقوله وأنتم تسعون حال من ضمير الفاعل وهو أبلغ في النهي من لا تسعوا وذلك لأنه مناف لما هو أولى به من الوقار والأدب ثم عقبه بما ينبه على حسن الأدب بقوله (وائتوها) في رواية ولكن ائتوها (وأنتم تمشون) بهينة لقوله تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} ثم ذيل المفهومين بقوله (وعليكم السكينة) أي الزموا السكينة في جميع أموركم سيما في الوفود على رب العزة فالزموا الوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات والعبث. والسكينة فعيلة من السكون وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد نعم فرق بعض الأعاظم بينهما بأن السكينة التأني في الحركات والوقار التأني في الهيئة وخفض الصوت وفي رواية للبخاري بالسكينة واعترض بتعديه بنفسه في عليكم أنفسكم ومنعه الرضي بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال التي بمعناها لكن كثيرا ما تزاد الباء في مدخولها نحو عليك به لضعفها عن العمل (فما) أي فإذا فعلتم ما أمرتم به من السكينة فما (أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) وقد حصلت لكم فضيلة الجماعة بالجزء المدرك وإن قل فقوله فأتموا أي فأكملوه وحدكم وفي رواية بدل فأتموا فاقضوا واستدل به الحنفية على أن ما أدركه المسبوق آخر صلاته فيجهر في الركعتين الأخيرتين ويقرأ السورة مع الفاتحة وبالأول الشافعية على أنه أولها فلا يجهر لكن يقضي السورة لأن الإتمام يستلزم سبق أول وأجابوا بأن القضاء يرد بمعنى الأداء فيحمل عليه جمعا بينهما ولهذا قال في تنقيح التحقيق: الصواب لا فرق بين اللفظين لأن القضاء هو الإتمام في عرف الشرع {فإذا قضيتم مناسككم} {فإذا قضيتم الصلاة} وفيه أنه يندب لقاصد الجماعة المشي إليها بسكينة ووقار وإن خاف فوت التحريم وأن لا يعبث في طريقه إليها ولا يتعاطى ما لا يليق بها لخبر مسلم: إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة
(حم ق 4 عن أبي هريرة) وزاد مسلم فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة قال ابن حجر له طرق كثيرة وألفاظ متقاربة(1/294)
472 - (إذا أقيمت الصلاة) أي شرع المؤذن في الإقامة فأقام المسبب مقام السبب (فلا تقوموا) للصلاة ندبا (حتى تروني) تبصروني فإذا رأيتموني فقوموا وذلك لئلا يطول قيامكم وقد يعرض له ما يؤخره وأما خبر مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا فبيان للجواز أو لعذر أو كان قبل النهي ولا ينافي ما اقتضاه هذا من أن الصلاة كانت تقام قبل خروجه ما في مسلم أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج لأنه كان يراقب خروجه فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا ووقت القيام للصلاة عند الشافعي الفراغ من الإقامة ومالك أولها والحنفي حي على الصلاة والحنبلي قد قامت الصلاة
(حم ق د ن عن أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي وقيل النعمان (زاد 3 قد خرجت إليكم) وهي موضحة للرواية الأولى مبينة للمراد بالرؤية وقال في رواية مسلم قد خرجت(1/294)
[ص:295] 473 - (إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء) كسماء ما يؤكل عند العشاء والمراد بحضوره وضعه بين يدي الآكل أو قرب حضوره لديه وقد تاقت نفسه له (فابدؤوا) ندبا (بالعشاء) إن إتسع الوقت فيأكل لقيمات يكسر بها حدة الجوع على وجه لكن الأصح يأكل حاجته وذلك لما في تركه من فوت الخشوع أو كماله وأراد يالصلاة هنا المغرب للصائم بدليل رواية ابن حبان إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وفي رواية للبخاري فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب لكنه يطرد في كل صلاة نظرا للعلة وهو خوف فوت الخشوع وأما خبر أنه كان يحتز من ذراع شاة بسكين ويأكل فأعلمه بلال بالصلاة فطرح السكين فصلى فأجيب بأنه إنما قطع الأكل للصلاة مع كونه أمر غيره بتقديم الأكل لأنه قضى حاجته منه أو لأنه أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة وأمر غيره بالرخصة لأن غيره لا يقوى على مداقعة الشهوة قوته وفيه رد على الظاهرية الزاعمين أنه لا يجوز صلاة من حضر الطعام بين يديه
(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ق هـ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (خ هـ عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (حم طب عن سلمة) بفتحات (بن الأكوع) وقيل عمرو بن الأكوع الأسلمي واسم الأكوع سنان كما مر (طب عن ابن عباس)
رضي الله عنهما قال العراقي وما اشتهر من خبر إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له بهذا اللفظ ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة(1/295)
474 - (إذا اكتحل) أي أراد (أحدكم) أي يكتحل افتعل من كحل عينه كنصر جعل فيها الكحل (فليكتحل) ندبا (وترا) أي اكتحالا وترا في كل عين وكونه ثلاثا وليلا أولى ويحصل أصل السنة بثنتين في كل عين وواحدة بينهما لوروده من فعله في حديث أنس (وإذا استجمر) أي تجمر بنحو عود أو استنجى والأول أنسب بما قبله (فليستجمر وترا) قال بعضهم فيه ندب الاكتحال وليس كما قال إذ ليس مفاده إلا أن الاكتحال إن وقع فالمطلوب كونه وترا فالمستفاد منه ندب الوترية لا أصل الاكتحال نعم ثبت ندب الاكتحال بالأثمد بنصوص أخر قولا وفعلا قال بعض شراح أبي داود ولا فرق في حصول السنة بين اكتحاله بنفسه أو بأمره قال وينشأ عنه جواز التوكيل في العبادة وفيه إن قلنا أن المراد بالاستجمار الاستنجاء بالأحجار وجوب الإيتار بثلاث والصارف للأول عن الوجوب خبر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وجواز العمل بالمفهوم حتى لا يجب الإيتار إذا استنجى بالماء ووجوب تعدد المسحات لضرورة تصحيح الإيتار بما تقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بمسحة واحدة
(حم عن أبي هريرة) رمز لصحته(1/295)
475 - (إذا كفر الرجل أخاه) أي نسبه إلى الكفر بأن قال أنت كافر أو يا كافر أو قال عنه فلان كافر وذكر الرجل وصف طردي (فقد باء) بالمد أي رجع (بها) أي بالمعصية المذكورة حكما يعني رجع (أحدهما) بمعصية إكفاره على حد {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} فالمراد خصمه لكن تلطف في القول كذا قرره بعض الأعاظم ومنه أخذ جمع قولهم الراجح التكفير لا الكفر وهو أوجه من تأويله بالمستحيل أو بأنه يؤول إليه لكون المعاصي بريد الكفر قال بعضهم والجزم في هذا الخبر بأنه لا بد أن يبوء بها أحدهما بينه قوله في الحديث الآتي إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ومن ثم كانت هذه الرواية في قوة قضية منفصلة أقيم البرهان على صدقها بخلاف تلك إذ معناه كل مكفر أخاه فدائما إما أن يكفر القائل أو المقول له وبرهن على صدق ذلك بأنه إن كان كما قال وإلا كفر القائل أي بالمعنى المقرر كما يأتي
(م عن ابن عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما(1/295)
[ص:296] 476 - (إذا أكل أحدكم طعاما) أي تناول شيئا لشبعه ومثل الأكل الشرب بدليل خبر الديلمي إذا أكلت طعاما أو شربت فقل بسم الله وبالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم (فليذكر) ندبا عند الشافعية ولو حائضا أو جنبا (اسم الله) عليه بأن يقول بسم الله في ابتداء الأكل والأفضل البسملة بكمالها فإن اقتصر على بسم الله حصلت السنة ذكره في الأذكار قال ابن حجر: ولم أقف لما ادعاه من الأفضلية على دليل انتهى لكن يدل له خبر كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم وقول الغزالي يقول مع اللقمة الأولى بسم الله ويزيد في الثانية الرحمن والثالثة الرحيم لم أر ما يدل له (فإن نسي) أو تعمد بالأولى (أن يذكر اسم الله في أوله فليقل) ولو بعد الفراغ من الأكل ليقيء الشيطان ما أكله على ما بحثه بعض مشايخنا لكنه مضعف وأخذ بظاهره جمع حنابلة فأوجبوه قالوا لصحة الخبر بلا معارض (بسم الله على) وفي رواية في (أوله وآخره) أي آكل أوله وآخره بسم الله فالجار والمجرور حال من فاعل الفعل المقدر ذكره الطيبي وفي رواية أوله وآخره بدون على وعليه قال أبو البقاء الجيد النصب فيها والتقدير عند أوله وعند آخره ويجوز جره بتقدير في أوله وآخره أي جميع أجزائه كما يشهد له المعنى الذي شرعت التسمية له وبه سقط زعم أن ذكرهما يخرج الوسط لا يقال كيف تصدق الاستعانة ببسم الله في الأول وقد خلا الأول عنها لأنا نقول الشرع جعله إنشاء استعانة في أوله وليس هذا إخبارا حتى يكذب وبه يصير المتكلم مستعينا في أوله ويترتب عليه ما يترتب على الاستعانة في أوله وألحق الشافعي بالناسي ما لو تعمد أو جهل أو أكره وليس لقائل أن يقول الناسي معذور فمكن من تدارك ما فاته بخلاف المتعمد لأن القصد إضرار الشيطان بمنعه من طعامنا ولو نظر للعذر لمنع الشيطان من مؤاكلة الناسي ولم يحتج إلى أن يجعل له طريقا فالملحظ ليس العذر فقط
(د ت ك عن عائشة) رضي الله عنها قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي(1/296)
477 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل ويحتمل جعله على ظاهره (طعاما) غير لبن (فليقل) ندبا (اللهم بارك لنا فيه) من البركة وهي زيادة الخير ودوامه (وأبدلنا) بفتح الهمزة (خيرا) اسم تفضيل وأصله أخير فلا يراد أنها ليست على وزن أفعل (منه) من طعام الجنة أو أعم فيشمل خير الدارين ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم وإن كانت للإثبات (وإذا شرب) أي تناول (لبنا) ولو غير حليب وعبر بالشرب لأنه الغالب (فليقل) ندبا (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ولا يقل خيرا منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه (فإنه ليس بشيء يجزئ) بضم أوله أي يكفي يقال جزأت الإبل بالرطب عن الماء اكتفت (من الطعام والشراب إلا اللبن) يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معا شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطا في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيبا طبيعيا من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره وهو أفضل من العسل على ما عليه السبكي وألف فيه لكن عكس بعضهم وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن والعسل أفضل من حيث جموم المنافع والحلاوة وقضية الحديث أيضا أن اللبن أفضل من اللحم ويعارضه الخبر الآتي أفضل طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم <تنبيه> سيأتي في خبر اللبن فطرة قال القرطبي يعني بها فطرة [ص:297] دين الإسلام كما قال تعالى {فطرة الله} الآية ثم قال {ذلك الدين القيم} وقد جعل الله ذلك لجبريل علامة على هداية هذه الأمة لأن اللبن أول ما يتغذى به الإنسان وهو قوت خلي عن المفاسد به قوام الأجساد ولذلك آثره المصطفى صلى الله عليه وسلم على الخمر ليلة الإسراء ودين الإسلام كذلك بل هو أول ما أخذ على بني آدم وهو كالذر ثم هو قوت الأرواح به قوامها الأبدي وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته فكان العدول عنه إلى الخمر لو وقع علامة على الغواية وقد أعاذ الله تعالى نبيه من ذلك طبعا وشرعا
(حم د ت) وقال حسن (هـ هب عن ابن عباس) رضي الله عنه قال كنت عند ميمونة فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه خالد فجاؤوا بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال خالد: أخالك تقذره فقال: أجل ثم أتى بلبن فذكره وظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أن ما ذكر جميعه هو لفظ الحديث والأمر بخلافه فقد ذكر الصدر المناوي عن الخطابي أن قوله فإنه إلى آخره من قول مسدد لا من تتمة الحديث(1/296)
478 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا وفرغ من الأكل (فلا يمسح يده بالمنديل) بكسر الميم (حتى يلعقها) بفتح أوله يلحسها بنفسه (أو يلعقها) غيره بضم أوله يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كحليلته وخادمه وولده وتلميذه لأن المسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة والمراد باليد الأصابع بدليل خبر مسلم كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها فأطلق اليد على الأصابع ويحتمل أن المراد الكف كلها فيتناول من أكل بكل كفه أو بأصابعه أو ببعضها قال في محاسن الشريعة وأراد بالمنديل هنا المعد لإزالة الزهومة لا للمسح بعد الغسل وظاهر الخبر أنهم كان لهم مناديل معدة لمسح الأيدي ولا ينافيه ما في خبر أنهم لم يكن لهم مناديل لأن ذلك كان في أول الأمر قبل ظهور الإسلام وانتشاره فلما ظهر وحث على النظافة اتخذوا لهم مناديل لما قبل الغسل ولما بعده ففيه ندب اتخاذ ذلك ورد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم لا يفعله أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه فيستقذر فإن احتاج لإزالة ما بيده مسحها بالمنديل ومحل ندب مسح اليد بعد الطعام كما قال عياض في ما لم يحتج فيه للغسل لغمر أو لزوجة وإلا غسلها أي بعد اللعق لإزالة الريح. قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والارشاد وحمله الظاهرية على الوجوب وبالغ ابن حزم في المحلى فقال هو فرض قال العراقي وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو إلعاقها
(حم ق د هـ عن ابن عباس حم م ن هـ عن جابر) بن عبد الله (بزيادة) تعليل وهو قوله (فإنه لا يدري في أي) جزء من أجزاء (طعامه) تكون (البركة) أفيما أكل أو في الباقي بأصابعه أو الباقي بأسفل القصعة؟ قال القرطبي: ومعناه أنه تعالى قد يخلق الشبع عند لعقها فلا يترك شيئا احتقارا له فيحفظ تلك البركة بلعقها قال النووي: والمراد بالبركة ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من نحو أذى وتقوى على الطاعة انتهى ومما علل به ندب اللعق أيضا أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ومنه يؤخذ أن تقييد المسح بالمنديل لا مفهوم له وأن المنهي عنه المسح بأي شيء كان وذكر المنديل لبيان الواقع غالبا(1/297)
479 - (إذا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه) قال العراقي: أطلق الأمر بلعق الأصابع والمراد بها الثلاث التي أمر بالأكل بها في حديث مسلم وغيره وهو دال على أن أكله عليه الصلاة والسلام كان بهذه الثلاث فقط وقول ابن العربي: [ص:298] إن شاء أحد أن يأكل بخمس فليأكل فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بخمس غير قويم إذ لا يسلم أنه لا يمكن تعرق العظم ونهش اللحم إلا بالكل بل يمكن بثلاث وبفرض عدم إمكانه ليس هذا أكلا بكل الأصابع بل هو مسك بالأصابع فقط لا أكل بها وتقدير كونه أكل بها فهل محل ضرورة كمن لا يمين له فأكل بشماله انتهى وفي خبر الطبراني كان يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام. قال المؤلف في شرح الترمذي: والوسطى تكون مثالا فيبقى فيها الطعام أكثر ولأنها لطولها أول ما ينزل فيه ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه ثم الإبهام (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) أي ما يحصل به التغذي ويقوى به على الطاعة كما تقرر ومنه أخذ أن الكلام فيما يحل تناوله وذكر اسم الله عليه قيل وقد يراد بالبركة صلاحية كون الطعام بصفة صالحة للإنسانية
(حم م ت عن أبي هريرة) الدوسي (طب عن زيد بن ثابت)
بمثلثة (طس عن أنس) بن مالك رضي الله عنه(1/297)
480 - (إذا أكل أحدكم طعاما) ملوثا (فليغسل يده) التي أكل بها (من وضر) بالتحريك (اللحم) أي دسمه وريحه وزهومته فإن إهمال ذلك والمبيت به يورث اللمم والوضح كما جاء في أخبار أخر وغسل اليد بعد الأكل مندوب مطلقا وإنما أراد أنه من اللحم آكد
(عد عن ابن عمر) بن الخطاب وإسناده ضعيف(1/298)
481 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل (فليأكل) قال الحراني: في تقديم الأكل على الشرب إجراء الحكم على هذا الشرع على وفق الطباع ولأنه سبب العطش (بيمينه) من اليمين وهو للبركة (وإذا شرب فليشرب بيمينه) لأن من حق النعمة القيام بشكرها ومن حق الكرامة أن يتناول باليمين ويمميز بها بين ما كان من النعمة وما كان من الأذى فيكره تنزيها لا تحريما عند الجمهور فعلهما بالشمال إلا لعذر كما أرشد إلى بيان وجه العلة بقوله (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لا ينكره أو المراد يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليصاد به الصلحاء وأخذ جمع حنابلة ومالكية منهم ابن العربي من التعليل به حرمة أكله أو شربه بها لأن فاعله إما شيطان أو يشبهه وأيدوه بما عند مسلم وغيره عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن أكل عنده بشماله كل بيمينك فقال: لا أستطيع فقال: لا استطعت فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو جاز لما دعا عليه وجوابه أن مشابهته للشيطان لا تدل على الحرمة بل للكراهة ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الإمتثال كما هو بين
(حم م د عن ابن عمر) بن الخطاب (ن عن أبي هريرة) قال الهيتمي ورجال أحمد ثقات(1/298)
482 - (إذا أكل أحدكم) أي أراد أن يأكل (فليأكل بيمينه) أي بيده اليمنى (وإذا شرب) أحدكم (فليشرب بيمينه) كذلك (وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه) قال العراقي: هذا خرج مخرج الغالب في أكل كل أحد بيده فلو أطعمه غيره بشماله كان داخلا في النهي بدليل خبر لا تأكلوا بالشمال (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله) فخالفوه أنتم [ص:299] لما ذكر قال العراقي في شرح الترمذي: حمل أكثر الشافعية الأمر بالأكل والشرب باليمين على الندب وبه جزم الغزالي والنووي لكن نص الشافعي في الرسالة وموضع من الأم على الوجوب قال ابن حجر وكذا ذكره عنه الصيرفي في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره أن الأكل رأس الثريد والتعريس على الطريق والقران في التمر وغير ذلك مما ورد الأمر بضده حرام وميل القاضي في منهاجه للندب لخبر كل مما يليك وتعقبه التاج السبكي بأن الشافعي نص في موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهي عصى قال وقد جمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب. قال ابن حجر: ويدل لوجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال في مسلم وغيره <تنبيه> قال ابن عربي: لما أنكر الجهلة أن يكون للشيطان جسما أنكروا أن تكون له يدان وقد جاءت الأخبار بإثبات اليد له والعقل لا يحيله واليمين والشمال هما حد الجسم من جهة العرض والفوق والتحت حده من جهة الطول
(الحسن بن سفيان في مسنده) المشهور (عن أبي هريرة) رضي الله عنه(1/298)
483 - (إذا أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمته) أي الآكل أو من يطعمه (فليمط) أي فليأخذها وليزل ما بها (ما رابه منها) أي ما حصل عنده من شك مما أصابه مما يعافه وفي رواية فليمط عنها الأذى (ثم ليطعمها) بفتح التحتية وسكون الطاء أي ليأكلها ندبا (ولا يدعها) أي لا يتركها (للشيطان) جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين والمانع من تناول تلك اللقمة غالبا إنما هو الكبر وذلك من عمل الشيطان كذا قرره بعض الأعيان فرارا من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان وحمله بعضهم على الحقيقة وانتصر له ابن العربي فقال: من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون وذلك جائز عقلا ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار فلا يخرج عن المضمار إلا حمار. ومن رعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم. قال: وقوله ولا يدعها للشيطان دليل على أنه لم يسم أولا ولذلك اختطفها منه. قال العراقي: وفيه نظر فإن ظاهر الحديث أن ما سقط من الطعام على الأرض أو ترك في الإناء يتناوله الشيطان سواء سمى على الطعام أم لا قال: وقد حمل الجمهور الأمر بأكل اللقمة الساقطة بعد إماطة الأذى عنها على الندب والإرشاد وذهب أهل الظاهر على وجوبه. قال النووي: والمراد بالأذى المستقذر من نحو تراب وهذا إن لم تقع بمحل نجس وإلا فإن أمكن تطهيرها فعل وإلا أطعمها حيوانا ولا يدعها للشيطان
(ت عن جابر) قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث ثم ذكره قال الترمذي حسن صحيح فاقتصار المؤلف رحمه الله على الرمز لحسنه تقصير(1/299)
484 - (إذا أكلتم الطعام) أي أردتم أكله (فاخلعوا نعالكم) انزعوها من أرجلكم مبتدئين باليسار ندبا كما يأتي في خبر وعلله بقوله (فإنه) أي الخلع المفهوم من فاخلعوا (أروح لأقدامكم) أي أكثر راحة لها وظاهره لا يطلب خلعها للشرب ولفظ رواية الحاكم كما رأيته في نسخة بخط الحافظ الذهبي أبدانكم بدل أقدامكم وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره وأنها سنة جميلة وفيه تنبيه على علة مخالفة جفاة الأعراب وأهل البوادي وأفاد بقوله أروح أن ذلك مطلوب وإن كانت القدم في راحة
(طس) وأبو يعلى (ك عن أنس) قال الحاكم صحيح فشنع عليه الذهبي وقال أحسبه موضوعا وإسناده مظلم وموسى بن محمد أحد رجاله تركه الدارقطني وقال الهيتمي عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني رجال الطبراني [ص:300] ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكوتي لم أجد له عن محمد بن الحارث سماعا انتهى وقال في الكبير لأن تصحيحه متعقب(1/299)
485 - (إذا التقى) من اللقاء قال الراغب: وهو مقابلة الشيء ومصادفته معا وقد يعبر به عن كل منهما قال الإمام: اللقاء أن يستقبل الشيء قريبا منه (المسلمان بسيفيهما) فيضرب كل منهما الآخر قاصدا قتله عدوانا بغير تأويل سائغ ولا شبهة فالمراد أنهما التقيا يتقاتلان بآلة القتال سيفا أو غيره وإنما خص السيف لأنه أعظم آلاته وأكثرها استعمالا (فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل) بالفاء جواب إذا (والمقتول في النار) إذا كان قتالهما على عداوة دنيوية أو طلب ملك ونحوه ومعنى في النار أن حقهما أن يكونا فيها وقد يعفو الله (قيل) أي قال أبو بكرة رواية لما استغرب ذلك من جهة عدم تعدي المقتول (يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار (فما بال المقتول) أي فما ذنبه حتى يكون فيها (قال) صلى الله عليه وسلم (إنه) أي المقتول (كان حريصا على قتل صاحبه) أي جازما بذلك مصمما عليه حال المقاتلة فلم يقدر على تنفيذه كما قدر صاحبه القاتل فكان كالقاتل لأنه في الباطن قاتل فكل منهما ظالم متعد ولا يلزم من كونهما في النار كونهما في رتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط وأفاد قوله حريصا أن العازم على المعصية يأثم وأن كلا منهما كان قصده القتل كما تقرر لا الدفع عن نفسه فلو قصد أحدهما الدفع فلم يندفع إلا بقتله فقتل هدر المقتول لا القاتل وخرج بقولنا بلا تأويل ما لو كان به كقتال علي وطلحة فإن كلا منهما لديانته وفرط صيانته كأن يرى أن الإمامة متعينة عليه لا يسوغ له تركها <تنبيه> عدوا من خصائص هذه الأمة جواز دفع الصائل وكانت بنو إسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده إلى رجل لا يمتنع منه حتى يقتله قاله مجاهد وغيره
(حم ق د ن عن أبي بكرة) الثقفي (هـ عن أبي موسى) الأشعري(1/300)
486 - (إذا التقى المسلمان) الذكران أو الأنثيان أو ذكر وأنثى هي حليلته أو محرمه (فتصافحا) وضع كل منهما يده في يد الآخر عقب تلاقيهما بلا تراخ بعد سلامهما زاد الطبراني وضحك أي تبسم كل منهما في وجه صاحبه (وحمدا الله) بكسر الميم (واستغفرا) الله أي طلبا منه المغفرة كل لنفسه ولأخيه (غفر) الله (لهما) زاد أبو داود قبل أن يتفرقا المراد الصغائر قياسا على النظائر فيندب لكل مسلم إذا لقي مسلما وإن لم يعرفه السلام عليه ومصافحته. قال ابن رسلان: ولا تحصل السنة إلا بتلاقي بشرة الكفين بلا حائل ككم انتهى وفيه وقفة والظاهر من آداب الشريعة تعيين اليمنى من الجاني لحصول السنة فلا تحصل باليسرى في اليسرى ولا في اليمنى واستثنى العبادي من ندب المصافحة نحو أمرد جميل فتحرم مصافحته أي إن خاف فتنة ونحو مجذوم وأبرص فتكره
(د عن البراء) بن عازب رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال المنذري إسناده مضطرب وفيه ضعف(1/300)
487 - (إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه) أي مشاركة في الدين (كان أحبهما إلى الله) أي أكثرهما ثوابا عنده وأحظاهما لديه (أحسنهما بشرا) بكسر الموحدة طلاقة وجه وفرح وحسن إقبال (بصاحبه) لأن المؤمن عليه سمة الإيمان ووقاره وبهاء الإسلام وجماله فأحسنهما بشرا أفهمهما لذلك وأغفلهما عن الله أغفلهما عما من الله به عليهما ولأن المؤمن ظمآن للقاء ربه شوقا إليه فإذا رأى مؤمنا نشط لذلك روحه وتبسم قلبه بروح ما وجد من آثار مولاه فيظهر [ص:301] بشره فصار أحب إلى الله بما له من الحظ منه (فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مئة رحمة للبادئ) بالسلام والمصافحة (تسعون وللمصافح) بفتح الفاء (عشرة) وذلك لأن المصافح كالبيعة لأن من شرط الإيمان الأخوة والولاية {إنما المؤمنون إخوة} {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} فإذا لقيه فصافحه فكأنه بايعه على هاتين الخصلتين ففي كل مرة يلقاه يجدد بيعة فيجدد الله له ثوابها كما يجدد ثواب المصيبة بالاسترجاع وكما يجدد للحامد على النعمة ثوابا على شكرها فإذا فارقه بعد مصافحته لم يخل في أثناء ذلك من خلل فيجدد عند لقائه فالسابق إلى التجديد له من المئة تسعون لاهتمامه بشأن التمسك بالأخوة والولاية ومسارعته إلى تجديد ما وهى وحثه على ذلك وحرصه عليه <تنبيه> قال السمهودي أخذا من كلام الغزالي والحليمي أن معنى سلام عليكم أحييكم بالسلامة الكاملة من جميع معاطب الدارين وآفاتهما مع الأمن والمسالمة محيطة بكم من جميع جهاتكم إكراما لكم بحيث لا يكون لشيء من ضد ذلك سبيل عليكم فإني مسالم لكم بكل حال ظاهرا وباطنا فلا يصلكم مني أذى فقد طلبت لكم تلك السلامة الموصوفة من السلام الذي هو المالك تسليم عباده والمسلم لهم وصاحب السلامة لا معطي في الدارين غيره ولا مرجوا فيهما إلا خيره
(الحكيم) في نوادره (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال المنذري: ضعيف انتهى وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من هذين وهو عجيب فقد رواه البزار عن عمر بهذا اللفظ. قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه انتهى فرمز المصنف لحسنه غير حسن إلا أن يريد لاعتضاده فقد رواه الطبراني بسند أحسن من هذا بلفظ: إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا إلى آخره(1/300)
488 - (إذا التقى الختانان) أي تحاذيا لا تماسا والمراد ختان الرجل وخفاض المرأة فجمعهما بلفظ واحد تغليبا (فقد وجب الغسل) أي على الفاعل والمفعول وإن لم يحصل إنزال كما صرح به في رواية فالموجب تغييب الحشفة والحصر في خبر إنما الماء من الماء منسوخ كما صرح به خبر أبي داود مثل به أصحابنا في الأصول لنسخ السنة بالسنة كما يأتي وذكر الختان غالبي فيجب الغسل بدخول ذكر لا حشفة له في دبر أو فرج بهيمة عند الشافعي لأنه في معنى المنصوص إذ هو جماع في فرج قال جدي المناوي رحمه الله: وعبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بإذا دون غيرها إشارة إلى غلبة وقوع شرطها وأن الالتقاء سبب وجوب الغسل وأن الوجوب يكون وقت الالتقاء لدلالة إذا على الزمان ولأن الأصل أن لا يتأخر المسبب عن السبب وأنه إذا لم يوجد الالتقاء ولا في معناه بأن غيب بعض الحشفة لا يجب الغسل عملا بمفهوم الشرط وإذا لم يجب الغسل مع كونه أخف ما يترتب على الإيلاج فلا يجب ما هو أشد منه من الحد ووجوب المهر وغير ذلك من باب أولى بدلالة فحوى الخطاب. وفي الحديث قصة وذلك أن رفاعة بن رافع قال: كنت عند عمر فقيل له إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد وفي رواية يفتي بأنه لا غسل على من يجامع ولا ينزل. فقال عمر: علي به فأوتي به فقال عمر: يا عدو نفسه أو بلغ من أمرك أن تفتي برأيك؟ فقال: ما فعلت يا أمير المؤمنين وإنما حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي عمومتك؟ قال: أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة قال: فالتفت عمر إلي وقال: ما تقول؟ قلت: كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فاتفقوا على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا علي ومعاذ فقالا إذا التقى الختانان وجب الغسل فقال علي: يا أمير المؤمنين سل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حفصة فقالت: لا أعلم فأرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل فتحطم عمر - أي تغلظ - وقال: لا أوتى بأحد فعله ولم يغتسل إلا أهلكته عقوبة. قال ابن حجر: حديث حسن أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني وسياقه أتم قال: كان زيد يفتي بالمسجد فقال: إذا خالطها ولم يمن لا غسل فقام رجل إلى عمر فقال فيه فالتفت عمر إلى رفاعة [ص:302] وقال فيه بعد قول علي ومعاذ قد اختلفتم وأنتم أهل بدر إلى آخره
(هـ) في الطهارة (عن عائشة وعن ابن عمرو) ابن العاص قال ابن حجر: ورجال حديث عائشة ثقات ورواه الشافعي رضي الله عنه في الأم والمختصر وأحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان وصححه وإعلال البخاري له بأن الأوزاعي أخطأ فيه أجيب عنه وقال النووي في التنقيح: أصله صحيح إلا أن فيه تغييرا انتهى ومن ثم رمز المؤلف لصحته لكنه قصر حيث اقتصر على عزوه لابن ماجه وحده مع وجوده لهؤلاء جميعا ورواه مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبيها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل(1/301)
489 - (إذا القى الله في قلب امرئ) زاد في رواية منكم (خطبة امرأة) بكسر الخاء أي التماس نكاحها (فلا بأس أن ينظر إليها) أي لا حرج عليه في ذلك بل يسن وإن لم تأذن هي ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع وإن خاف الفتنة بالنظر إليها على الأصح عند الشافعية وظاهر الخبر أنه يكرر النظر بقدر الحاجة فلا يتقيد بثلاث خلافا لبعضهم وإضافة الإلقاء إلى الله تعالى تفيد أن الندب بل الجواز مقصور على راجي الإجابة عادة بأن مثله ينكح مثلها وبه صرح ابن عبد السلام بخلاف نحو كناس وحجام خطب بنت أمير أو شيخ إسلام لأن هذا الإلقاء من وسوسة الشيطان لا من إلقاء الرحمن بل تردد ابن عبد السلام فيما لو احتمل ومال إلى المنع لفقد السبب المجوز وهو غلبة الظن وليس المنظور على إطلاقه بل مقيدا بما عدا عورة الصلاة كما يفيده خبر آخر وأما خبر أبي داود فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فمبهم مطلق يرد إلى هذا المقيد واقتصاره على الإذن يفيد حرمة المس
(حم هـ ك) في المناقب (هق) من حديث إبراهيم بن صدقة (عن محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام الخزرجي البدري كان كبير المقدار أسود ضخما اعتزل الفتنة بأمر نبوي ثم قال الحاكم غريب وإبراهيم ليس من شرط الكتاب قال الذهبي ضعفه الدارقطني(1/302)
490 - (إذا أم أحدكم الناس) بأن كان منصوبا للإمامة بنصب الإمام أو الناس أو أهل المحلة أو تقدم للإمامة بنفسه أو صار إماما ولو بغير قصد منه سمي إماما لأن الناس يأتمون بأفعاله أي يقصدونها (فليخفف) صلاته ندبا وقيل وجوبا بأن لا يخل بأصل سننها ولا يستوعب الأكمل كما في المجموع وقيل بأن ينظر ما يحتمله أضعف القوم فيصلي مراعيا له وأيده ابن دقيق العيد بأن التطويل والتخفيف من الأمور الاعتبارية فرب تطويل لقوم تخفيف لآخرين وعلم من ذلك أنه ليس المراد بالتخفيف الاختصار والنقصان بدليل أنه نهى عن نقرة الغراب ورأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال ارجع فصل فإنك لم تصل وقال لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده (فإن فيهم) وفي رواية منهم (الصغير) الطفل (والكبير) سنا (والضعيف) خلقة بدليل تعقيبه بقوله (والمريض) مرضا يشق معه احتمال التطويل (وذا الحاجة) عطف عام على خاص قال ابن حجر وهذه أشمل الأوصاف وزاد الطبراني والحامل والمرضع والعابر السبيل وحذف المعمول ليفيد العموم فيتناول الأوصاف وزاد الطبراني فيتناول أية صلاة كانت ولو نفلا جماعة وليس لك أن تقول مفهوم الخبر أه إذا لم يكن ثم من هو متصف بما ذكر لا يخفف لأن الأحكام إنما تناط بالغالب لا النادر فليس التخفيف وإن علم عدم طرو من هذه صفته نعم له التطويل إذا أم محصورين راضين لم يتعلق بعينهم حق كما بين في الفروع (وإذا صلى لنفسه) أي منفردا (فليطول ما شاء) فلا حرج عليه في ذلك وإن خرج الوقت على الأصح عند الشافعية بشرط أن يوقع بركعة منها في الوقت كما رجحه الاسنوي وخبر النهي عن إخراجها عن وقتها محله إذا أخر الشروع إلى خروجه أو ضيقه ويكره للمنفرد إفراط التطويل المؤدي إلى نحو سهو أو فوت خشوع أو مصلحة وفيه الاهتمام [ص:303] بتعليم الأحكام والرفق بالخاص والعام واستدل بعمومه على جواز تطويل الاعتدال والقعود بين السجدتين لكن الأصح عند الشافعية أن تطويلهما مبطل ونزلوا الخبر على الأركان الطويلة جمعا بين الأدلة
(حم ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله عنه بألفاظ مختلفة لكن متقاربة(1/302)
491 - (إذا أمن) بالتشديد (الإمام) أي أراد التأمين أي أن يقول آمين عقب الفاتحة في جهرية (فأمنوا) أي قولوا آمين مقارنين له لأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه فلا يتأخر عنه وفيه ندب التأمين للإمام خلافا لمالك ورفع صوته به إذ لو لم يجهر به لما علم تأمينه المأموم وظاهر الحديث أنه إذا لم يؤمن لا يؤمن المقتدي وهو غير مراد ووقع لبعض أعاظم الشافعية من سوء التعبير ما لا يليق بمقامه وهو أنه قال قضية الخبر أن الإمام إذا لم يؤمن لا يؤمن وهو وجه والأصح خلافه هذه عبارته ولعله سرى لذهنه أنه تقرر في الفقه وحاشاه أن يقصد أن الأصح خلاف قضية كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي الشأن وهذا كالتعليل لما قبله (من وافق تأمينه تأمين الملائكة) قولا وزمنا وقيل إخلاصا وخشوعا واعترض والمراد جميعهم لأن أل الداخلة على الجمع تفيد الاستغراق أو الحفظة أو الذين يتعاقبون أو من يشهد تلك الصلاة ممن في الأرض أو في السماء ورجحه ابن حجر ولا يعد في سماع تأمين من في الأرض لقوة الإدراك المودعة فيهم والمراد بتأمينهم قولهم عقب القراءة آمين ومعناه استجب للمصلين ما سألوه من نحو طلب الهداية والاستعانة وقد خفي هذا مع ظهوره على من أول التأمين بالاستغفار (غفر له ما تقدم) زاد في رواية للجرجاني في أماليه وما تأخر قال ابن حجر وهي شاذة (من ذنبه) أي من الصغائر لا الكبائر لأنه صح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر فإذا لم تكفر الفروض الكبائر فكيف يكفرها سنة التأمين لكن نازع فيه التاج السبكي بأن المكفر ليس التأمين الذي هو صنع المؤمن بل وفاق الملائكة وليس صنعه بل فضل الله وعلامة على سعادة الموافق قال فالحق أنه علم خص منه تبعات الناس وجرى عليه الكرماني فقال عموم اللفظ يقتضي المغفرة فيستدل بالعام ما لم يظهر المخصص ومن للبيان لا للتبعيض وفيه ندب التأمين مطلقا ورد على الإمامية الزاعمين أن يبطل الصلاة لكونه ليس قرآنا ولا ذكرا وأن الملائكة يدعون للبشر ووجوب الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها (مالك) في الموطأ
(حم ق) في الصلاة (4) كلهم (عن أبي هريرة) وغيره(1/303)
492 - (إذا أنا) زاد أنا لمزيد التقوية والتحقيق (مت و) مات (أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (وعثمان) ذو النورين (فإن استطعت أن تموت فمت) أي إن أمكنك الموت فرضا فافعل فإنه خير لك من الحياة حالتئذ لما يقع من الفتن وسفك الدماء قاله لمن قال له: يا رسول الله إن جئت فلم أجدك فإلى من آتي قال: أبا بكر قال: فإن لم أجده قال: عمر قال: فإن لم أجده قال: عثمان قال: فإن لم أجده فذكره وذلك إشارة إلى أن عمر قفل الفتنة كما ورد مصرحا به وأن بقتل عثمان تقع الفتن ويعظم الهرج حتى يصير الموت خيرا من الحياة وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع
(حل) وكذا الطبراني في الأوسط وابن عدي وابن عساكر (عن سهل بن أبي حيثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة وعبد الله الأنصاري وفيه مسلم بن ميمون الخواص ضعيف لغفلته(1/303)
493 - (إذا انتاط) بنون فمثناة فوقية قال الزمخشري افتعل من نياط المفازة وهو بعدها كأنها نيطت بأخرى (غزوكم) أي [ص:304] مواضع الغزو ومتوجهات الغزاة (وكثرت العزائم) بعين مهملة وزاي أي عزمات الأمراء على الناس في الغزو إلى الأقطار النائية (واستحلت الغنائم) أي استحل الأئمة ونوابهم الاستئثار بها ولم يقسموها على الغانمين كما أمروا (فخير جهادكم) حينئذ (الرباط) أي المرابطة وهي الإقامة في الثغور ولا حرج عليكم في ترك الغزو وقرره كله الزمخشري
(طب وابن منده) في الصحابة (خط) في ترجمة العباس بن حماد كلهم (عن عتيبة) بضم المهملة وفتح المثناة فوق (ابن الندر) بضم النون ودال مهملة مشددة كما في التقريب كأصله وذكره الذهبي شامي حضر فتح مصر وفيه سويد ابن عبد العزيز قال أحمد متروك(1/303)
494 - (إذا انتصف شعبان) أي مضى نصفه الأول ولفظ رواية الترمذي والنسائي إذا بقي النصف من شعبان (فلا تصوموا) أي يحرم عليكم ابتداء الصوم بلا سبب (حتى يكون رمضان) أي حتى يجيء على حد قوله. . . إذا كان الشتاء فأدفؤني. . . ذكره العكبري وحكمة النهي التقوي على صوم رمضان واستقباله بنشأة وعزم وقد اختلف في التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان على أربعة أقوال أحدها الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف. الثاني قال ابن عبد البر وهو الذي عليه أئمة الفتوى لا بأس بصيام الشك تطوعا كما قاله مالك الثالث عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية الرابع يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء
(حم 4) في الصوم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن صحيح وتبعه المؤلف فرمز لحسنه وتعقبه مغلطاي لقول أحمد هو غير محفوظ وفي سنن البيهقي عن أبي داود عن أحمد منكر وقال ابن حجر: وكان ابن مهدي يتوقاه وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل بهذا اللفظ ولا كذلك فعند أبي داود إذا انتصف شعبان فلا تصوموا وعند النسائي فكفوا عن الصيام وعند ابن ماجه إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان وعند ابن حبان فأفطروا حتى يجيء رمضان وفي رواية له لا صوم بعد نصف شعبان حتى يجيء رمضان ولابن عدي إذا انتصف شعبان فأفطروا وللبيهقي إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا حتى يدخل رمضان(1/304)
495 - (إذا انتعل أحدكم) أي لبس نعله (فليبدأ) ندبا (باليمنى) أي بإنعال رجله اليمنى وفي رواية باليمين (وإذا خلع) نعله أي نزعه وبه جاءت رواية (فليبدأ) ندبا (باليسرى) أي يخلعها لأن اللبس كرامة للبدن إذ هو وقاية من الآفات واليمين أحق بالإكرام فبدئ بها في اللبس وأخرت في النزع ليكون الإكرام بها أدوم وصيانتها وحفظها أكثر كما أشار إليه بقوله (لتكن) الرجل (اليمنى أولهما) قال الطيبي متعلق بقوله (تنعل) وهو خبر كان وذكره بتأويل العضو أو هو مبتدأ وتنعل خبر والجملة خبر كان (وآخرهما تنزع) ونقل ابن التين عن ابن وضاح أن قوله لتكن إلى آخره مدرج وأن المرفوع إلى باليسرى وضبط قوله أولهما وآخرها بالنصب خبر كان أو حال قال وتنعل وتنزع بمثناتين فوقيتين وبتحتيتين مذكرين باعتبار الفعل والخلع. قال النووي: يندب البداءة باليمين في كل ما فيه تكريم وزينة كوضوء وغسل وتيمم ولبس ثوب ونعل وخف وسراويل ودخول مسجد وسواك واكتحال وقلم ظفر وقص شارب ونتف إبط [ص:305] وحلق رأس وسلام من صلاة وأكل وشرب ومصافحة واستلام الحجر الأسود والركن اليماني وخروج من خلاء وأخذ وإعطاء ونحو ذلك مما هو في معناه وباليسار في ضده كخلع نعل وخف وسراويل وثوب ودخول خلاء وخروج من مسجد واستنجاء وفعل كل مستقذر. وقال الترمذي الحكيم: اليمين محبوب الله ومختاره من الأشياء فأهل الجنة عن يمين العرش يوم القيامة وأهل السعادة يعطون كتبهم بأيمانهم وكاتب الحسنات وكفة الحسنات عن اليمين إلى غير ذلك فابتدئ باليمين في اللبس ونحوه وفاء بحقه بأن الله اختاره وفضله ثم يستصحب ذلك الحق فلا ينزع اليمين إلا آخرا ليبقى ذلك الفضل أكثر
(حم م د ت هـ) في اللباس (عن أبي هريرة) وزاد في الكبير عزوه للبخاري ولا أدري لم تركه هنا وظاهر صنيعه أن الكل روى الكل وهو وهم فلم يقل مسلم ولا ابن ماجه لتكن إلى آخره(1/304)
496 - (إذا انتهى أحدكم) أي انتهى به السير حتى وصل (إلى المجلس) أي مجلس التخاطب والمسامرة بين القوم المجتمعين للتحدث فيه وهو النادي (فإن وسع له) ببنائه للمفعول أي فسح وفي رواية للفاعل أي فسح له أخوه المسلم كما في رواية (فليجلس) فيه ولا يأبى الكرامة (وإلا) أي وإن لم يوسع له (فلينظر إلى أوسع مكان) يعني مكان واسع (يراه) في المجلس (فليجلس فيه) إن شاء وإلا انصرف ولا يزاحم غيره فيؤذيه ولا يجلس وسط الحلقة للتوعد عليه باللعن في الخبر الآتي ولا أمام غيره لأنه إضرار له وإن أذن حياء كما يقع كثيرا ولا يقيم أحدا ليجلس مكانه منهي عنه كما يأتي في أخبار ولا يستنكف أن يجلس في أخريات الناس بل يقصد كسر النفس ومخالفة الشيطان ويسلك سبيل أولياء الرحمن فإن الرضا بالدون من شرف المجالس كما في خبر يأتي وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجلس حيث ينتهي به المجلس كما يأتي وقد عم الابتلاء بالتنافس في ذلك وطم في هذا الزمان وقبله بأزمان سيما العلماء ولو علموا أن الصدر صدر أينما حل لما كان ما كان ويندب القيام لمن دخل عليه ذو فضل ظاهر كعلم وصلاح بقصد البركة والإكرام لا الرياء والاعظام ويحرم على الداخل محبة القيام له
(البغوي) أبو القاسم في المعجم (طب هب عن شيبة) ضد الشباب (وابن عثمان) المكي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم صاحب مفتاح الكعبة قال الهيتمي إسناده حسن(1/305)
497 - (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس) بحيث يرى الجالسين ويرونه ويسمع كلامهم ويسمعون كلامه (فليسلم) عليهم ندبا مؤكدا نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة ورده فرض (فإن بدأ) أي عن (له أن يجلس) معهم (فليجلس) معهم إن شاء (ثم إذا قام) لينصرف (فليسلم) عليهم أيضا ندبا مؤكدا وإن قصر الفصل بين سلامه وقيامه وإن قام فورا وعلله بقوله (فليست) التسليمة (الأولى بأحق) أي بأولى (من) التسليمة (الآخرة) وفي نسخة الأخرى أي كلا التسليمتين حق وسنة وكما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة. قال النووي: ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على من سلم عليهم وفارقهم وقول القاضي والمتولي السلام عند المفارقة دعاء يندب رده ولا يجب لأن التحتية إنما تكون عند اللقاء رده الشاشي بأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند الجلوس قال أعني النووي وهذا هو الصواب
(حم د ت حب ك) وكذا النسائي في اليوم والليلة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال الترمذي حسن صحيح قال في الأذكار وأسانيده جيدة قال المنذري زاد فيه رزين ومن سلم على قوم حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا فيه من خير بعده(1/305)
[ص:306] 498 - (إذا أنفق الرجل) وفي رواية بدله المسلم (على أهله) أي زوجته وأقاربه أو زوجته وهم ملحقون بها بالأولى لأنه إذا ثبت في الواجب ففي غيره أولى (نفقة) حذف المقدر لإرادة العموم فشمل الكثير والقليل (وهو يحتسبها) أي والحال أنه يقصد بها الاحتساب وهو طلب الثواب من الوهاب (كانت) وفي رواية للبخاري فهي (له صدقة) أي يثاب عليها كالصدقة وإطلاق الصدقة على الثواب مجاز والصارف عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت الصدقة عليها أي الفرض والعلاقة بين المعنى الموضوع له وبين المعنى المجازي ترتب الثواب عليهما وتشابههما فيه والتشبيه في أصل الثواب لا في كميته وكيفيته فسقط ما قيل الإنفاق واجب والصدقة لا تطلق إلا على غيره فكيف يتشابهان وافهم قوله يحتسبها أن الغافل عن نية التقرب لا تكون له صدقة كتسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة للرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يلزمه لها شيء لكنه تعالى خصه بالفضل والقيام عليها فمن ثم أطلق على الصداق والنفقة صدقة وفيه حث على الإخلاص وإحضار النية في كل عمل ظاهر أو خفي
(حم ق ن أبي مسعود) واسمه عقبة بالقاف(1/306)
499 - (إذا أنفقت المرأة) على عيال زوجها أو ضيف أو نحو ذلك (من) الطعام الذي في (بيت زوجها) أي مما فيه من نحو طعام وقد أذن لها بالتصرف فيه بصريح أو ما ينزل منزلته كاطراد عرف وعلم رضا حال كونها (غير مفسدة) له بأن لم تجاوز العادة ولم تقصر ولم تبذر وقيد الطعام لأن الزوج سمح به عادة بخلاف النقد ونحوه فإن اضطرب العرف أو شكت في رضاه حرم وليس في الخبر تصريح بجواز التصدق بغير إذنه بل ولا في خبر مسلم المصرح فيه بأنه بغير أمره لأن المراد أمره الصريح في ذلك القدر المعين أو يكون معها إذن سابق متناول لهذا القدر ولغيره بصريح أو مفهوم قوي (كان لها) أي المرأة (أجرها بما) أي بسبب الذي (أنفقت) غير مفسدة والباء للسببية (ولزوجها) عبر به لكونه الغالب والمراد الحليل ونحوه (أجره بما كسب) أي بسبب كسبه (وللخارن) الذي النفقة بيده أو الحافظ للطعام أي المسلم إذ الكافر لا ثواب له وكذا يقال في الزوجة (مثل ذلك) الأجر بالشرط المذكور (لا ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه (بعضهم من أجر) وفي رواية أجر بدون من (بعض) فهم في أصل الأجر سواء وإن اختلف مقداره فلو أعطى المتصدق خادمه مئة ليدفعها لفقير على باب داره فأجر المتصدق أكثر ولو أعطاه رغيفا ليدفعه له بمحل بعيد فأجر مشي الخادم فوق قيمة الرغيف فأجر الخادم أوفر وإن تساويا تساويا وقوله (شيئا) بالنصب مفعول ينقص إذ ينقص يتعدى إلى مفعولين الأول أجر والثاني شيئا ك {زادهم الله مرضا}
(ق 4 عن عائشة) رضي الله عنها(1/306)
500 - (إذا أنفقت المرأة من بيت) في رواية من كسب وفي أخرى من طعام (زوجها عن) وفي رواية من (غير أمره) أي في ذلك القدر المعين بعد وجود إذن سابق عام صريح أو عرف (فلها) أي المرأة وفي رواية للبخاري فله أي الزوج (نصف أجره) يعني قسم مثل أجره وإن كان أحدهما أكثر على حد. . . إذا مت كان الناس نصفان. . . والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر وتنزيل الحافظ ابن حجر ذلك على ما تعطاه المرأة نفقة لها فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما لكونه يؤجر على ما ينفقه عليها: ليس في محله لاقتضائه أنه إذا لم يحتسبها لا يكون بينهما لأن الاحتساب شرط حصول [ص:307] الثواب له كما نص عليه في الحديث المار وهو قد صور ذلك بغير علمه على أن الأجر له إنما هو في دفع النفقة لها وأما إذا قبضتها واستقر ملكها عليها ثم أنفقت منها فلا أحسب أحدا يقول إنه يكون له أجر فيما تنفقه هي من مال نفسها خالصا وفيه فضل الإنفاق وسخاوة النفس والحث على فعل الخير
(ق د عن أبي هريرة) رضي الله عنه(1/306)
501 - (إذا انفلتت دابة أحدكم) كفرسه أو بعيره أي فرت وخرجت مسرعة يقال انفلت الطائر وغيره تخلص وانطلق (بأرض) بالتنوين (فلاة) أي صحراء واسعة ليس فيها أحد. ففي القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة انتهى والمراد هنا الأخير (فليناد) أي بأعلى صوته (يا عباد الله احبسوا علي دابتي) أي امنعوها من الهرب وعلله بقوله (فإن لله في الأرض حاضرا) أي خلقا من خلقه إنسيا أو جنيا أو ملكا لا يغيب (سيحبسه عليكم) يعني الحيوان المنفلت فإذا قال ذلك بنية صادقة وتوجه تام حصل المراد بعون الجواد ويظهر أن المراد بالدابة ما يشمل كل حيوان كثور أو ظبي بل يحتمل شموله للعبد ونحوه قال النووي عقب إيراده هذا الحديث: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلة فقال هذا الحديث فحبسها الله عليه حالا قال: وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت بهيمة وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا. وأخرج ابن السني عن السيد الجليل المجمع على زهده وورعه يونس بن عبيد التابعي المشهور قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} إلا وقفت بإذن الله. وقال اقشيري وقع لجعفر الخلدي فص في دجلة وعنده دعاء مجرب للضالة ترد فدعا به فوجده في أوراق يتصفحها وهو: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي وقال النووي في بستانه جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب وقد علمنيه شيخنا أبو البقاء انتهى. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة أو احتياج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل أعينوا عباد الله رحمكم الله فإنه إن شاء الله يعان
(ع وابن السني طب) من حديث الحسن بن عمر عن معروف بن حسان عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي بريدة (عن ابن مسعود) رضي الله عنه قال ابن حجر حديث غريب ومعروف قالوا منكر الحديث وقد تفرد به وفيه انقطاع أيضا بين أبي بريدة وابن مسعود انتهى وقال الهيتمي فيه معروف بن حسان ضعيف قال وجاء في معناه خبر آخر أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان مرفوعا إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ثلاثا فإن لله عبادا لا يراهم. وقد جرب ذلك كذا في الأصل ولم أعرف تعيين قائله ولعله مضنف المعجم(1/307)
502 - (إذا انقطع شسع نعل أحدكم) بكسر الشين المعجمة سيرها الذي بين الأصابع (فلا يمش) ندبا (في) النعل (الأخرى) التي لم تنقطع (حتى يصلحها) أي النعل التي انقطع شسعها قال ابن حجر وهذا لا مفهوم له حتى يدل على الأذن في غير هذه الصورة بل هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن كونه من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدمه أولى فيكره تنزيها المشي في نعل واحدة أو خف أو مداس بلا عذر ولا يحرم إجماعا على ما حكاه النووي لكن نوزع بقول ابن حزم لا يحل وقد يجاب بأن مراده الحل المستوي الطرفين ومثل [ص:308] النعل إخراج إحدى اليدين من إحدى الكمين وترك الأخرى داخلة وإرسال الرداء من إحدى الكتفين وإعراء الأخرى منه ذكره النووي وإنما كره ذلك في النعل ونحوه لأنه يؤدي إلى العثار ومخالفة الوقار ويفوت العدل بين الجوارح ويصير فاعله ضحكة لمن يراه وهذه من المسائل التي كانت عائشة تنكرها ويرجح الناس خلاف قولها. فإن قلت: ينافي القول بالكراهة ما ورد أن رجلا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فقال: يا خير من يمشي بنعل فرد. قلت: ليس المراد أنه كان يمشي بنعل واحدة بل المراد بالفرد كما قاله ابن الأثير هي التي لم تخصف ولم تطارق وإنما هي طاق واحدة والعرب تتمدح برقة النعال وجعلها كذلك وأما ما خرجه الترمذي عن عائشة قالت: ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها فمع كونه ضعيفا لا يقاوم ما في الصحيح فقد رجح البخاري وغيره كما في الفتح وقفه على عائشة رضي الله عنها قال الحافظ العراقي: وبفرض ثبوته ورفعه وقع منه نادرا لبيان الجواز كما يشير إليه التعبير بربما المفيدة للتقليل أو هو لعذر بل جاء في بعض الروايات الإفصاح به وأخذ بعض السلف من قوله فلا يمشي أن له الوقوف بنعل واحدة حتى يصلح الأخرى وقال مالك: بل يخلعها ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر بالمشي وأن له القعود وخالف فيه بعضهم نظرا إلى التعليل بطلب العدل بين الجوارح
(خد م ن) من حديث أبي رزين (عن أبي هريرة) قال: خرج علينا أبو هريرة وضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا وأضل؟ ألا وإني أشهد لسمعته يقول - فذكره (طب عن شداد بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو بمهملة أو بيعلى الأنصاري المدني الشاعر قال الذهبي غلط من عده بدريا(1/307)
503 - (إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع) أي ليقل ندبا: {إنا لله وإنا إليه راجعون} (فإنها) يعني هذه الحادثة التي هي انقطاع النعل (من المصائب) فإنها تؤذي الإنسان وكل ما أذاه فهو مصيبة والمصائب درجات (البزار عد عن أبي هريرة) قال الهيتمي وفيه بكر بن خنيس ضعيف وقال شيخه العراقي فيه أيضا يحيى بن عبيد الله التميمي ضعفوه ورواه البزار أيضا عن شداد بن أوس وفيه خارجة بن مصعب متروك وهو من طريقته معلول(1/308)
504 - (إذا أوى) بقصر الهمزة على الأفصح قال الزين زكريا كغيره إن كان أوى لازما كما هنا فالقصر أفصح وإن كان متعديا كما في الحمد لله الذي آوانا فالمد أفصح عكس ما وقع لبعضهم انتهى. (أحدكم إلى فراشه) أي انضم إليه ودخل فيه لينام كما تفسره الرواية الأخرى الواردة بهذا اللفظ وقال القاضي: أوى إلى فراشه انقلب إليه ليستريح (فلينفضه) بضم الفاء قبل أن يدخل فيه ندبا وإرشادا (بداخلة) بتاء التأنيث على ما في نسخ هذا الكتاب كأصله لكن في كثير من الأصول بدونها (إزاره) أي أحد جانبيه الذي يلي البدن خص النفض بالإزار لا لأنه لا يكون إلا به لأن العرب لا تترك الائتزار فهو به أولى لملازمته للرجل فمن لا إزار له ينفض بما حضر وأمره بداخلة الإزار دون خارجته لا لأنه أبلغ وأجدى وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه على ما يلي جسده والآخر بشماله فيرد ما أمسكه بشماله على بدنه وذلك داخلة الإزار ويرد ما أمسك بيمينه على ما يلي جسده من الإزار فإذا صار إلى فراشه فحل ببمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض. فإن قيل: فلم لا يقدر الأمر فيه بالعكس؟ قلنا: لأن تلك الهيئة صنع ذوي الآداب في عقد الإزار. ذكره الزمخشري واختصره القاضي [ص:309] فقال: داخلة الإزار هي الحاشية التي تلي الجسد وتماسه وإنما أمرنا بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة إزاره وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وروى بصنفة إزاره بكسر النون وهو جانبه الذي لا هدب له وهو موافق لما ذكر (فإنه لا) وفي رواية ما (يدري ما خلفه) بالتشديد وبالتخفيف. قال الزمخشري: ما مبتدأ ويدري معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام (عليه) أي على الفراش يعني لا يدري ما حصل في فراشه بعد خروجه منه إلى عوده من قذر وهوام مؤذية (ثم ليضطجع) ندبا و (على شقه الأيمن) أولى (ثم ليقل) ندبا (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه) أي بك أستعين على وضع جنبي ورفعه فالباء للاستعانة وقد استدل جمع متأخرون به على أن متعلق البسملة يقدر فعلا مؤخرا مناسبا لما جعلت التسمية مبدأ كما جنح إليه الكشاف وفيه إشعار بأنه لا يقول إن شاء الله إذ لو شرعت المشيئة هنا لذكرها فالاقتصار على الوارد أولى ذكره السبكي (إن أمسكت نفسي) أي قبضت روحي في نومي (فارحمها) وفي رواية البخاري فاغفر لها (وإن أرسلتها) أي رددت الحياة لي وأيقظتني من النوم (فاحفظها) إشارة إلى آية {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (بما) أي بالذي (تحفظ به عبادك الصالحين) أي القائمين بحقوقك. وذكر المغفرة للميت والحفظ عند الإرسال لمناسبته له والتاء في بما تحفظ مثلها في كتبت بالقلم وما موصولة مبهة وبيانها ما دل عليه صلتها لأنه تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي وأن لا يهنوا في طاعته بتوفيقه وفيه ندب هذه الأذكار عند الأوي إلى الفراش ليكون نومه على ذكر وتختم يقظته بعبادة
(ق د) في الأدب (عن أبي هريرة) ولفظ رواية مسلم عنه: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربي وبحمدك إلى آخره(1/308)
505 - (إذا باتت المرأة) أي دخلت في المبيت يعني أوت إلى فراشها ليلا للنوم حال كونها (هاجرة) بلفظ اسم الفاعل وهو ظاهر وفي رواية مهاجرة وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد يأتي لفظها ويراد به نفس الفعل وإنما يتجه عليها اللوم إذا بدأت بالهجر فغضب (فراش زوجها) بلا سبب بخلاف ما لو بدأ بهجرها ظالما لها فهجرته كذلك (لعنتها الملائكة) الحفظة أو من وكل منهم بذلك أو أعم ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء إن كان المراد به سكانها ثم هذا مقيد بما إذا غضب الزوج عليها كما تقرر بخلاف ما لو ترك حقه ثم لا تزال تلعنها في تلك الليلة (حتى تصبح) أي تدخل الصباح لمخالفتها أمر ربها بمشاقة زوجها وخص الليل لأنه المظنة لوقوع الاستمتاع فيه فإن وقع نهارا لعنتها حتى تمسي بدليل قوله في رواية حتى ترجع. قال في الكشاف: البيتوتة خلاف الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم وليس الحيض عذرا إذ له حق التمتع بما فوق الإزار ذكره النووي وبه علم أن قول ابن أبي جمرة: الفراش كناية عن الجماع ليس في محله وليس المراد باللعن اللغوي الذي هو الطرد والبعد عن رحمة الله لأنه لا يجوز على مسلم بل العرفي وهو مطلق السب والذم والحرمان من الدعاء لها والاستغفار إذ الملائكة تستغفر لمن في الأرض كما جاء به القرآن فتبيت محرومة من ذلك وفيه أن سخط الزوج يوجب سخط الرب وإذا كان هذا في قضاء الشهوة فكيف به في أمر دينها وأن الملائكة تدعوا على العصاة وأن دعاءهم من خير أو شر مقبول لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم خوف بذلك وأن السنة أن يبيت الرجل مع أهله في فراش واحد ولا يجري على سنن الأعاجم من كونهم لا يضاجعون نساءهم بل لكل من الزوجين فراش فإذا احتاجها يأتيها أو تأتيه
(حم ق) في النكاح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه(1/309)
506 - (إذا بال أحدكم) أي شرع في البول والمراد به مس الذكر عند الاستبراء منه ولا يصح كون بال بمعنى فرغ إذ [ص:310] يكون معناه النهي عن مس الذكر باليمين في الاستنجاء ولا يصح إذ يصير حينئذ قوله بعده وإذا دخل الخلاء فلا يتمسح تكرارا ذكره العراقي (فلا يمس ذكره بيمينه) تكريما لليمين فيكره مسه بها بلا حاجة تنزيها عند الشافعية وتحريما عند الحنابلة والظاهرية تمسكا بظاهر النهي وافهم تقييده المس بحالة البول عدم كراهته في غير تلك الحالة وبه أخذ بعضهم فقال: ووجه التخصيص أن مجاور الشيء حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته في تلك الحالة ولا ينافيه ما في مسلم والترمذي والنسائي من إطلاق النهي لوجوب حمل المطلق على المقيد فإن الحديث واحد والمخرج واحد لا خلاف في حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الواقعة انتهى لكن الأصح كما قال النووي لا فرق بين حالة الاستنجاء وغيرها ولا يلزم منه ترك حمل العام على الخاص إذ لا محذور فيه هنا لأن ذلك محله إذا لم يخرج القيد مخرج الغالب ولم يكن العام أولى بالحكم وإنما ذكر حالة الاستنجاء في الحديث تنبيها على ما سواها لأنه إذا كره المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة فغيره أولى ولأن الغالب أنه لا يحصل مس الذكر إلا في تلك الحالة فخصت بالذكر لغلبة حضورها في الذهن وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له والحق أن هذا من ذكر بعض أفراد العموم لا من المطلق والمقيد لأن الأفعال في حكم النكرات والنكرة في سياق النفي نعم والحديث لا يشمل النساء لأن لفظ أحد هنا بمعنى واحد فلو أريد المؤنث لقيل إحدى لكنهن ملحقات بهم قياسا لأن علة النهي إكرام اليمين وصونها عن النجس والقذر ومحله وهو موجود في الأنثى والمنهي عنه المس بغير حائل فلو مس ذكره به لم يكره لأن لم يسمه حقيقة بل الثوب والدبر كالذكر بل أولى فإن الذكر يحتاج لمسه في نحو الاستبراء بخلاف الدبر ووهم الطيبي وخرج بإضافة الذكر إلى البائل ذكر غيره فيحرم مسه مطلقا إلا في الضرورة <تنبيه> استشكل النهي عن مس الذكر بيمينه وعن الاستنجاء بها بأنه متعذر لأنه إن أمسك ذكره بيساره استنجى بيمينه وإن استنجى بيساره أمسك ذكره بيمينه فوقع في منهي بكل حال وأجيب بأنه يمسك الحجر بيمينه والذكر بيساره ويمسحه عليه ولا يحرك اليمين (وإذا دخل الخلاء) أي فبال أو تغوط (فلا يتمسح) أي يستنجي (بيمينه) بل يفعل ذلك بيساره لأن اليمين لما شرف وعلا واليسار لما خس ودنا ولأنه إذا باشر النجاسة بها فقد يذكر عند تناول الطعام ما باشر بيمينه فينفر طبعه. وعلم بما تقرر أن معنى لا يتمسح بيمينه لا يجعلها آلة لاستعمال الماء والحجر الذي يستنجى به فإنه مكروه تنزيها أو تحريما على ما تقرر أما الاستنجاء بها بمعنى جعلها بمنزلة الجامد فحرام غير مجزئ بها وباليسار بل وسائر أجزائه كما هو بين والنهي عن التمسح بها يشمل الفرجين (وإذا شرب فلا يتنفس) جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية ومعطوفة إن كانت ناهية لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد كون المعطوف مقيدا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول بل حكم مستقل. وحكمة ذكره هنا أن غالب أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوئه والتنفس في الإناء خاص بحالة الشرب (في) داخل (الإناء) أي لا يخرج نفسه فيه بل يفصل القدح عن فيه ثم يتنفس لئلا يتقذر الماء أو نحوه به وليأمن خروج شيء تعافه النفس من الفم وكل ذي رئة يتنفس بالمعنى المذكور. واعلم أن هذا لفظ الجماعة ولفظ أبي داود وحده وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا فيكره الشرب بنفس واحد تنزيها لأنه إذا استوفى شربه نفسا واحدا تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل معدته فلهذا جاء في حديث يأتي الكباد من العب فإذا قطع شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع وأخف ولا منافاة بين هذا وحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا لأن المنهي التنفس في نفس الإناء وأما خارجه فلا نزاع في ندبه نقله الولي العراقي عن ابن المنذر
(حم ق 4 عن أبي قتادة) الأنصاري واسمه الحارث أو النعمان أو عمرو بن ربعي(1/309)
507 - (إذا بال أحدكم) أي أراد أن يبول (فليرتد) أي فليطلب (لبوله مكانا لينا) لئلا يعود عليه رشاشه فينجسه كما مر (د) وكذا الطبراني (عن أبي موسى) الأشعري رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال شارح أبي داود ابن محمود [ص:311] حديث ضعيف لجهل الراوي وقال في المجموع حديث أبي موسى هذا ضعيف(1/310)
508 - (إذا بال أحدكم) أي فرغ من بوله (فلينتر) بمثناة فوقية لا مثلثة (ذكره ثلاث نترات) أي يجذبه بقوة فالاستبراء بذلك ونحوه مندوب فلو تركه واستنجى عقب الانقطاع ثم توضأ صح وضوءه وقيل واجب وأطيل في الانتصار له وحمل على ما لو غلب على ظنه حصول شيء لولا الاستبراء. قال الومخشري: والنتر جذب فيه جفوة ومنه نترني فلان بكلامه إذا شدد ذلك وغلظ واستنتر طلب النتر وحرص عليه واهتم به
(حم د في مراسيله هـ) في الطهارة (عن عيسى بن يزداد) الفارسي عن أبيه قال ابن عساكر ويقال ابن ازداد وهو ابن فساءة بفتح الفاء وسين مهملة مخففة أو مشددة وهمزة الفارسي قال أبو داود كالبخاري لا صحبة ليزداد فالحديث مرسل وفيه علة أخرى غير الإرسال أشار إليها عبد الحق وبينها ابن القطان فقال عيسى وأبوه لا يعرفان وقال ابن معين وابن أبي حاتم مجهولان وقال ابن الأثير مدار حديثه على زمعة بن صالح وقد قال البخاري ليس حديثه بالقائم وقال ابن حجر عيسى مجهول وأبوه مختلف في صحبته(1/311)
509 - (إذا بال أحدكم) أي أراد البول (فلا يستقبل الريح) حال بوله ندبا وفي رواية لا يستقبل الريح ببوله (فيرده عليه) أي لئلا يرده عليه فينجسه ويؤخذ منه أن الغائط المائع كالبول (ولا يستنجي بيمينه) لأنها أشرف العضوين فتنزه عن ذلك وتفضيل الناقص وإهانة الفاضل عدول عن العدل والله لا يأمر إلا بالعدل
(ع و) عبد الباقي (ابن قانع) في معجمه (عن حضرمي) بمهملة مفتوحة فمعجمة ساكنة وراء مفتوحة بلفظ النسبة (ابن عامر) الأسدي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا من الأشراف (وهو) أي هذا الحديث (مما بيض له) أي لسنده (الديلمي) في مسند الفردوس لعدم وقوفه له على مخرج قال ابن حجر وإسناده ضعيف جدا(1/311)
510 - (إذا بعثت) أي أرسلت إلى عدو والخطاب لمن يصير إماما أو نائبه ممن له ولاية بعث ذلك (سرية) هي طائفة من الجيش أقصاها أربع مئة تبعث للعدو وسميت به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس أو لأنهم ينفذون سرا أي خفية كذا قبل ورد بأن لام السر واو وهذه ياء فالأصح الأول (فلا تنتقهم) أي لا تنتقي الجلد القوي (واقتطعهم) أي ولكن خذ قطعة أي طائفة اقتطعها من الجند فيهم القوي والضعيف وابعثهم (فإن الله ينصر القوم بأضعفهم) كما فعل في قصة طالوت {وما النصر إلا من عند الله} لا بالقوة والشجاعة {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} وأما الأبطال والشجعان فيغلب عليهم الزهو والاعجاب وقصر النظر على الأسباب فإن تمحض الجيش من هؤلاء خيف عليهم عدم الظفر لعدم اعتمادهم على الله سبحانه وتعالى وملاك النصر والورع في التناول باليد وذلك في صعاليك المؤمنين أغلب وكل سرية غلب عليها الورع والزهد فإلى النصر أقرب ولهذا قيل لعلي كرم الله وجهه ما بال فرسك لم يكب بك قط قال ما وطئت به زرع مسلم قط قالوا وأعظم السرايا سرية فيها من أهل الورع بعدد التائبين من أصحاب طالوت الذين كان بعددهم أهل بدر وهذا من الآداب الحربية والأحكام السلطانية
(الحارث) ابن محمد الشهير بابن أبي أسامة التميمي (في مسنده عن ابن عباس) رضي الله عنهما بإسناد ضعيف لكن له شواهد(1/311)
511 - (إذا بعثتم إلي رجلا) وفي رواية بدله بريدا وفي أخرى رسولا (فابعثوه حسن الوجه) لأن الوجه القبيح مذموم [ص:312] والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى الإجابة أقرب وجاهة في الصدور أوسع وجميل الوجه يقدر على تنجز الحاجة ما لا يمكن القبيح وكل معين على قضاء الحوائج في الدنيا معين على الآخرة بواسطتها ولأن الجمال أيضا يدل غالبا على فضيلة النفس إذ نور النفس إذا تم إشراقه تأدى إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان ولذلك عول أهل الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيآت البدن وقالوا الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك يظهر فيه أثر الغضب والسرور والغم. ومن ثم قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس. واستعرض المأمون جيشا فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه فوجده ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إن أشرق على الظاهر فصباحة أو على الباطن ففصاحة وذا ليس له ظاهر ولا باطن ولهذا قال تعالى مثنيا {وزاده بسطة في العلم والجسم} قال الغزالي: وليس يعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإنه أنوثة وإنما عني ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه (حسن الاسم) لأجل التفاؤل فإن الفأل الحسن حسن وبين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما تخلف ذلك فإن الألفاظ قوالب المعاني والأسماء قوالب المسميات فقبيح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن وبه يعرف أن ذا ليس من الطيرة في شيء وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء كلها من الله فإذا ورد على أحدهم حسن الوجه والاسم تتفاءلوا به <تنبيه> من كلامهم البليغ: إذا قلت الأنصار كلت الأبصار وما وراء الخلق الدميم إلا الخلق اللئيم
(البزار) في مسنده (طس) وكذا العقيلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يصب كما أن الهيثمي لم يصب في تصحيحه بل هو حسن كما رمز له المؤلف(1/311)
512 - (إذا بلغ الماء قلتين) بقلال هجر كما في رواية أخرى ضعيفة وفي رواية: إذا كان الماء قلتين. وفيه مضاف محذوف أي ملأ قلتين أو قدر قلتين وهما خمس قرب وقدرهما بالوزن خمس مئة رطل بغدادي تقريبا وبالحلبي تسع وثمانون رطلا وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهما وخمسة أسباع درهم. قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني: الأصح أنها تقريب أرطالا تحديد قربا (لم يحمل الخبث) أي النجس يعني يدفعه ولا يقبله. يقال: فلان لا يحمل الضيم أي يدفعه عن نفسه وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه يرده رواية أي داود: فإنه لا ينجس. ورواية غيره لم ينجسه شيء. على أن الضعف إنما يكون في الأجسام لا المعاني. وفي الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى. فإنه سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فأورد الجواب معللا بذكر السبب المانع من نجاسته وهو بلوغه قلتين ولو أجابه بأنه طاهر أو نجس حصل الغرض لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد لها فيه من زيادة البيان وتقرير البرهان وأنه لو لم يحده بذلك استوى القليل والكثير في الحكم وذلك في محل الابهام. ذكره ابن الأثير وغيره قال القاضي: والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجس وذلك إذا لم يتغير وإلا كان نجسا لخبر " خلق الله الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه " وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بالملاقاة وإن لم يتغير لأنه علق عدم التنجيس ببلوغه قلتين والمعلق بشرط يعدم عند عدمه ويلزم تغير الحالين في المتنجس وعدمه والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعا فتعين أن يكون حين ما لم يتغير وذلك ينافي عموم الحديث المذكور فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به فيكون كل واحد من الحديثين مخصصا للآخر ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه وأجرى الحديث الثاني على عمومه كمالك فإنه لا ينجس الماء إلا بالتغير قل أو كثر وهو مذهب ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقل عن أبي هريرة والنخعي قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول واختاره الغزالي في الإحياء والروياني في كتابيه البحر والحلية. وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل وقامة الرجل وشموله نحو كوز وجرة والمشترك [ص:313] لا يصح حدا ولأنه روي قلتان وثلاث وأربع فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا مرجح رد الأول بأنه للآنية لأنه أشهر في الخطاب وأكثر عرفا والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها. والثالث بأنه ورد من قلال هجر وهي تسع قربتين وشيئا فحمل الشيء على النصف احتياطا وخبر الثلاث والأربع على ما يقل باليد شك فيه الراوي ومعنى لم يحمل خبثا لم يقبله لقوله تعالى {حملوا التوراة ثم لم يحملوها} أي لم يقبلوها للعمل بها ولأنه روى " لا ينجس " فحمل " لم يحمل خبثا " على عدم قبول النجاسة جمعا ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه
(حم 3 حب قط ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض فلاة وما ينوبه وفي رواية ينتابه من السباع والدواب فذكره وفي غالب الطرق لم يذكر أرض القلاة. قال جدي في أماليه: حديث حسن صحيح. وقال شيخه العراقي: سكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج وقول صاحب هداية الحنفية ضعفه أبو داود وهو وكفى شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ابن خزيمة وابن حبان واعترف الطحاوي بصحته وقال المنذري: إسناده جيد لا غبار عليه والحاكم على شرطهما وابن معين جيد والنووي في الخلاصة صحيح والبيهقي موصول صحيح ولم ير الاضطراب فيه قادحا قال ابن حجر: أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه وجود ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه ووافق الشافعي على العمل به أحمد دون الإمامين(1/312)
513 - (إذا تاب العبد) أي الإنسان المكلف توبة صحيحة بأن ندم وأقلع وعزم أن لا يعود ورد المظالم (أنسى الله الحفظة) وهم المعقبات (ذنوبه) بأن يمحوها من أفكارهم وصحفهم. وفي رواية: بدله ما كان يعمل (وأنسى ذلك جوارحه) جمع جارحة. قال الزمخشري: جوارح الإنسان عوامله من يديه ورجليه والمراد هنا أعضاؤه وأجزاؤه المعينة بآية {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم} وبآية {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} (ومعالمه) جمع معلم وهو الأثر من الأرض: أي آثاره منها يعني المواضع التي اقترف السيئات فيها. قال الومخشري: تقول هو من أعلام العلم الخافقة ومن أعلام الدين الشاهقة وهو معلم الخير ومن معالمه أي مظانه وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدل بها عليها: يعني أنساها ذنوبه أيضا فلا تشهد عليه يوم القيامة (حتى) هي وإن كانت غائبة فيها معنى التعليل أي لأجل أن (يلقى الله) والحال أنه (ليس عليه شاهد من الله) من قبل الله ممن جعل لهم الشهادة عليه من الحفظة والجوارح والبقاع (بذنب) وذلك لأنه تعالى هو الآمر بالتوبة وهو يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو الذين رجعوا إليه وطهروا بقربه من أرجاسهم فإذا تقربوا إليه بما يحبه أحبهم وإذا أحبهم غار عليهم أن يظهر أحد على نقص أو على خلل فيهم ويسبل عليهم ستره الأعظم ومن شأن الآدمي إذا أحب إنسانا ثم استقبله في طريق وهو ثمل التفت هكذا وهكذا هل يراه أحد ثم ستره وأدخله منزله فأنامه إشفاقا عليه وإكراما أن يراه أحد على تلك الحالة فما ظنك بالغفار الستار؟ فإذا قبل توبة عبده أنسى الخلق ذنوبه وسبل عليه ستر الوقار لينظر إليه بعين الإجلال لا الاحتقار وذلك لأن المؤمن عليه لباس التقوى وهو وقايته وهو بين الخلق في ذلك اللباس موقر ومهاب وتقواه لا ترى وإنما يرى طلاوة ذلك اللباس وزهوته فإذا أذنب فقد تدنس اللباس وذهب ذلك الوقار فإذا تاب أنسى الله الحفظة وجوارحه ذلك لتعود له المهابة والإجلال
(ابن عساكر) في تاريخه والحكيم في نوادره (عن أنس) ورواه عنه أيضا الأصبهاني في ترغيبه وضعفه المنذري(1/313)
514 - (إذا تبايعتم بالعينة) بكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت ونون: وهو أن يبيع سلعة بثمن معلوم لأجل ثم [ص:314] يشتريها منه بأقل ليبقى الكثير في ذمته وهي مكروهة عند الشافعية والبيع صحيح وحرمها غيرهم تمسكا بظاهر الخبر سميت عينة لحصول العين أي النقد فيها (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث (ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان (سلط الله) أي أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلا) بضم الذال المعمجة وكسرها ضعفا واستهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين وهذا دليل قوي لمن حرم العينة ولذلك اختاره بعض الشافعية وقال أوصانا الشافعي باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه
(د هـ) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المؤلف لحسنه وفيه أبو عبد الرحمن الخراساني واسمه إسحاق عد في الميزان من مناكيره خبر أبو داود هذا ورواه عن ابن عمر باللفظ المزبور أحمد والبزار وأبو يعلى. قال ابن حجر: وسنده ضعيف وله عنه أحمد إسناد آخر أمثل من هذا اه. وبه يعرف أن اقتصار المصنف على عزوه لأبي داود من سوء التصرف فإنه من طريق أحمد أمثل كما تقرر عن خاتمة الحفاظ وكان الصواب جمع طرقه فإنها كثيرة عقد لها البيهقي بابا وبين عللها(1/313)
515 - (إذا تبعتم الجنازة) أي مشيتم معها مشيعين لها والجنازة اسم للميت في النعش (فلا تجلسوا) ندبا (حتى توضع) بالأرض كما في أبي داود عن أبي هريرة وتبعه النووي ورجحه البخاري بفعل الراوي أو باللحد كما رواه أبو معاوية عن سهل وذلك لأن الميت كالمتبوع فلا يجلس التابع قبله ولأن المعقول من ندب الشرع لحضور دفنه إكرامه وفي قعودهم قبل دفنه إزراء به. هذا في حق الماشي معها أما القاعد بالطريق إذا مرت به أو على القبر إذا أتي بها فقيل يقوم وقيل لا وقد صح عن المصطفى أنه قام وأمر بالقيام وصح أنه قعد فقيل القيام منسوخ والقعود آخر الأمرين وقيل هما جائزان وفعله بيان للندب وتركه للجواز قال ابن القيم وهو أولى من دعوى النسخ ولهذا اختار في المجموع القيام من حيث الدليل لكن جرى في الروضة على الكراهة من حيث المذهب
(م) (عن أبي سعيد) الخدري(1/314)
516 - (إذا تثاءب) بهمزة بعد الألف قال القاضي: وبالواو غلط. أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المختنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء (أحدكم فليضع) ندبا حال التثاؤب (يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين. قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى (على فيه) سترا على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل الشيطان. وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التئاؤب فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد فالتقييد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره ولذاكره للمصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتئاؤب ونحوه ثم علل النهي بقوله (فإن الشيطان يدخل) جوفه إذا فتح فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خترب كمنبر موكل بذلك أو الجنس (مع التئاؤب) يعني يتمكن منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو يترك الشروع في غيرها بعدها وخص هذه الحالة لأن الفم إذا انفتح لشيء مكروه شرعا صار طريقا للشيطان والأول أقرب فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم وورد أنه واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه [ص:315] وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد التئاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي فيتمكن منه في هذه الحالة. وفي حديث الطبراني من أطاع الله فقد ذكره والممتثل للأمر ذاكر لله. فهو ممنوع من الشيطان
(حم ق د) (عن أبي سعيد) الخدري(1/314)
517 - (إذا تثاءب أحدكم) أي عن له التثاؤب (فليرده) أي ليأخذ ندبا في أسباب رده لأن المراد أنه يملك دفعه (ما استطاع) رده (فإن أحدكم إذا قال ها) أي بالغ في التثاؤب فظهر منه هذا الحرف (ضحك منه الشيطان) أي حقيقة فرحا بنفوذ تصرفه فيه أو هو كناية عن سروره وفرحه به وكلام النووي يميل للحقيقة وفيه ندب ترك كثرة الأكل التي هي سبب التثاؤب. قال القاضي: والتثاؤب تفاعل من الثوباء بالمد وهو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد للكسل وامتلاء ولهذا السبب قيل ما تثاءب نبي قط
(خ عن أبي هريرة) وكذا رواه أبو داود عنه(1/315)
518 - (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده) ندبا (على فيه ولا يعوي) بمثناة تحتية مفتوحة وعين مهملة وواو مكسورة أي لا يصوت ويصيح يقال عوى الكلب نبح والذئب يعوي بالكسر عواء بالمد والضم صاح قال الزمخشري: فلان لا يعوي لا ينبح. ومن المستعار عويت عن الرجل إذا اغتيب فرددت عنه عواء المغتاب انتهى (فإن الشيطان يضحك منه) شبه المسترسل في التثاؤب بعواء الكلب تنفيرا منه واستقباحا له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي والمتثاءب إذا أفرط في التثاؤب أشبهه ومنه تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه يصيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة <تنبيه> قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى الأمر بوضع اليد على فمه هل المراد به وضعها عليه إذا انفتح بالتثاؤب أو وضعها على الفم المنطبق حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك؟ كل محتمل أما لو رده فارتد فلا حاجة للاستعانة بيده مع انتفائه بدون ذلك
(هـ) في الصلاة (عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وهو كذلك. وممن جزم بضعفه مغلطاي فقال ضعيف لضعف رواية عبد الله بن سعيد المقبري ونكارة حديثه انتهى. والحديث له أصل عند مسلم وغيره بتغيير قليل في اللفظ(1/315)
519 - (إذا تجشأ أحدكم) من الجشإ بالضم وهو صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع (أو عطس) بفتح الطاء ومضارعه بكسرها وضمها (فلا يرفع) ندبا (بهما الصوت) أي صوته (فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت) فيضحك منه ويهزأ به فيندب خفض صوته لهما قدر الإمكان ويكره الرفع عمدا فإن تأذى بهما أحد اشتدت الكراهة بل قد تحرم ومدح العطاس في الخبر الآتي لكونه من الله لا يستلزم مدح رفع الصوت به والصوت هواء منضغط بين قارع ومقروع
(هب عن عبادة بن الصامت) الأنصاري (وعن شداد بن أوس) عن (واثلة) بكسر المثلثة ابن الأسقع بفتح الهمزة والقاف من أهل الصفة وفيه أحمد بن الفرج وبقية والوضين وفيهم مقال معروف (د في مراسيله عن يزيد) من الزيادة ابن مرثد بسكون الراء بعدها مثلثة(1/315)
520 - (إذا تخففت أمتي بالخفاف ذات المناقب) أي لبست الخفاف الملونة أو البيض المزينة أو الجعول عليها أرقاع زينة [ص:316] ففي القاموس نقب الخف رقعه (الرجال والنساء) مشتركون فيها بقصد الزينة وهذا بدل من الأمة لفائدة النص على البدع (وخصفوا) وكان القياس خصفت أي الأمة لكن غلب المذكر لأن الأصل نعالهم (تخلى الله عنهم) أي ترك حفظهم وأعرض عنهم ومن تخلى عنه فهو من الهالكين وأصل الخصف ترقيع النعل أو خرزها أو نسجها ويظهر أن المراد هنا جعلوها براقة لامعة متلونة لقصد الزينة والمباهاة. قال الراغب: الأخصف والخصيف الأبرق من الطعام وحقيقة ما جعل من اللين ونحوه في خصفة فيتلون بلونها وفي الميزان من حديث أبي هريرة أربع خصال من خصال آل قارون لباس الخفاف المتلونة ولباس الأرجوان وجر لقال السيوف وكان أحدهم لا ينظر إلى وجه خادمه تكبرا انتهى. فلعل الإشارة بالخفاف في الحديث المشروح إلى ذلك وقضيته أن المراد بالنعال هنا نعال السيوف وفيه النهي عن لبس الخفاف المزينة الملونة والنعال المذكورة ونحوها مما ظهر بعده من البدع والتحذير منه وأنه علامة على حصول الوبال والنكال أما لبس الخفاف الخالية عن ذلك فمباح بل مندوب فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم عدة خفاف وكان الصحب يلبسونها حضرا وسفرا
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه عثمان بن عبد الله الشامي ضعيف وقال الذهبي قال ابن عدي له موضوعات(1/315)
521 - (إذا تزوج أحدكم فليقل له) بالبناء للمفعول أي فليقل له ندبا عند العقد أو الدخول أو عندهما أهله وجيرانه وصحبه ومعارفه (بارك الله لك) في زوجك (وبارك عليك) أي أدخل عليك البركة في مؤنتها ويسرها لك وأعاد العامل لزيادة الابتهال وكانت عادة العرب إذا تزوج أحدهم قالوا له بالرفاء والبنين فنهى عن ذلك وأبدله بالدعاء المذكور. قال النووي: ويكره أن يقال بالرفاء والبنين لهذا الحديث ويظهر أن التسري كالتزوج وأن المرأة كالرجل لكنه آكد لما لزمه من المؤنة فتخصيص التزوج والرجل غالبي وزاد في رواية وجمع بينكما في خير
(الحارث) ابن أبي أسامة (طب عن عقيل) بفتح المهملة وكسر القاف (ابن أبي طالب) أخو علي وجعفر ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه بمعناه وسياقه عن عقيل أنه تزوج بامرأة من بني جشم وقالوا بالرفاء والبنين فقال: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لهم وبارك عليهم وعقيل هذا كان أسن من علي بعشرين سنة وكان نسابة أخباريا مات زمن معاوية وقد عمي وهو الذي قال له معاوية إنكم يا بني هشام تصابون في أبصاركم فقال فورا وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم رمز لحسنه ولم يصححه لأن فيه أبا هلال قال في اللسان لا يعرف وذكره البخاري في الضعفاء وسماه عميرا وقال لا يتابع على حديثه(1/316)
522 - (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها) أي لأجل أنها دينة أي متصفة بصفة العدالة وليس المراد العفة عن خصوص الزنا (وجمالها) أي حسنها وبراعة صورتها (كان فيها سدادا) بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة (من عوز) بالتحريك أي كان فيها ما يدفع الحاجة ويسد الخلة ويقوم ببعض الأمر والسداد بالكسر ما يسد به الفقر وتدفع به فاقة الحاجة قيل والفتح هنا خطأ واعترض وعوز الشيء عوزا من باب تعب عن فلم يوجد وأعوزه الشيء احتاج إليه. وقال الزمخشري وغيره: أصابه عوز وهو الحاجة والفقر وشيء معوز عزيز لم يوجد انتهى. وفي تعبير المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات إيماء إلى أن ذلك غير مبالغ في حمده لأنه في تزوج الجميلة حظا شهوانيا وميلا نفسانيا وأن اللائق بالكمال تمحض القصد للدين وعدم الالتفات إلى جهة الجمال وإن كان حاصلا وقيل أراد أنه إذا تزوجها لدينه ليستعف بها ويصون نفسه [ص:317] لا لرغبته في مالها وجمالها أعين عليها وكان فيها سدادا من عوز المال والنكاح
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب) والكنى وكذا العسكري (عن ابن عباس وعن علي) أمير المؤمنين وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال حجة حافظ يدلس وهو في الزهري لين وحكم ابن الجوزي بوضعه(1/316)
523 - (إذا تزين القوم بالآخرة) أي تزينوا بزي أهل الآخرة في الهيئة أو الملبس والتصرف مع كونهم ليسوا على مناهجهم (وتجملوا للدنيا) أي طلبوا حصولها بإظهار عمل الدين أو بإظهار النسك ونحوه من الأعمال الأخروية لأجل تحصيل الدنيا (فالنار مأواهم) محل سكناهم يعني يستحقون المكث في نار الآخرة لاشتغالهم بما لا ينجيهم منها وعدم نظرهم في أدبار الأمور وعواقبها المردية وتلبيسهم وتدليسهم وجعلهم الآخرة مصيدة للحطام الفاني كما هو دأب كثير ممن يدعي العلم أو التصرف في هذا الزمان {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة}
(عد عن أبي هريرة وهو مما بيض له الديلمي) لعدم وقوفه على مخرجه(1/317)
524 - (إذا تسارعتم) أي تبادرتم (إلى الخير) أي إلى فعل قربة (فامشوا حفاة) ندبا أي بلا نعل ولا خف (فإن الله يضاعف) من المضاعفة يعني الزيادة (أجره) أي أجر الماشي حافيا أو الحفا المفهوم من حفاة ويصح عود الضمير على الله (على) أجر (المنتعل) أي لابس النعل إن قصد به التواضع والمسكنة وكسر النفس الأمارة فإن الأجر على قدر النصب وما يقاسيه الحافي من تألم رجليه بنحو شوك وأذى وحرارة الأرض أو بردها فوق ما يحصل للمنتعل بأضعاف مضاعفة قال ابن الجوزي: من أهل العلم من يمشي حافيا عملا بهذا الحديث الموضوع وشبهه وذلك مما تنزه الشريعة عنه والمشي حافيا يؤذي العين والقدم وينجسها انتهى. والأوجه أنه إن أمن تنجس قدميه ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه فهو محبوب أحيانا بقصد هضم النفس وتأديبها ولهذا ورد أن المصطفى كان يمشي حافيا ومنتعلا وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين وعلى خلاف ذلك يحمل الأمر بالانتعال وإكثار النعال
(طس خط عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم في تاريخه والديلمي وفيه سليمان عن عيسى بن نجيح. قال الذهبي: كان يضع وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات لكن يقويه بعض قوة خبر الطبراني من مشى حافيا في طاعة لم يسأله الله يوم القيامة عما افترض عليه لكن قيل بوضعه أيضا(1/317)
525 - (إذا تسميتم بي) أي باسمي وهو محمد وليس مثله أحمد خلافا لمن وهم (فلا تكنوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفا (بي) أي بتكذيبي يعني لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي لواحد قال جمع وهذا في عصره لئلا يشتبه فيقال يا أبا القاسم فيظن أنه المدعو فيلتفت فيتأذى {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} واسمه قد سمي به قبل مولده نحو خمسة عشر وسمى به في حياته محمد بن أبي بكر وابن أبي سلمة وغيرهما فإذا سمعه لم يلتفت إليه حتى بتحقق أنه المدعو وأما كنيته فلم يتكن بها أحد غيره والأصح عند الشافعية حرمة التكني به مطلقا في زمنه وبعده لمن اسمه محمد وغيره وإنما خص بهذه الكنية إيذانا بأنه الخليفة الأعظم الممد لكل موجود من حضرة المعبود سيما في قسمة الأرزاق والعلوم والمعارف
(ت عن جابر) بن عبد الله رمز لحسنه(1/317)
[ص:318] 526 - (إذا تصافح المسلمان) الرجلان أو المرأتان أو رجل ومحرمه أو حليلته يعني جعل كل منهما بطن يده على بطن يد الآخر إذ المصافحة كما في النهاية إلصاق صفح الكف بالكف. وقال التلمساني: وضع باطن الكف على باطن الأخرى مع ملازمة بقدر ما يقع من سلام أو كلام (لم تفرق) بحذف إحدى التاءين (أكفهما) يعني كفاهما كقوله تعالى {فقد صغت قلوبكما} (حتى يغفر لهما) أي الصغائر لا الكبائر لما مر فيتأكذ المصافحة كذلك وهي كما في الأذكار سنة مجمع عليها انتهى ولا تحصل السنة إلا بوضع اليمين في اليمين حيث لا عذر كما مر وظاهر الحديث لا فرق بين كون الوضع بحائل ككم قميص ودونه وهو عن بعضهم خلافه ويكره اختطاف اليد ومصافحته الأمرد ومعانقته كنظره فإن كان بشهوة حرم اتفاقا أو بدونها جاز عند الرافعي وحرم عند النووي وخرج بالمسلم الكافر فتكره مصافحته لندب الوضوء من مسه
(طب عن أبي أمامة) قال الهيتمي فيه مهلب بن العلاء لا أعرفه وبقية رجاله ثقات(1/318)
527 - (إذا تصدقت) أي أردت التصدق (بصدقة فأمضها) أي فورا ندبا لئلا يحول بينك وبينها الشيطان فإنها لا تخرج حتى تفك لحى سبعين شيطانا كما يأتي في خبر بل ربما حال بينك وبينها بعض شياطين الإنس أيضا وعلى كل خير مانع وقد تأتي المنية قبل إنجازها ويحتمل أن المراد بقوله فأمضها لا تعد فيها بنحو شر كما يدل عليه السبب الآتي
(حم تخ عن ابن عمرو) بن العاص قال حمل عمر بن الخطاب رجلا على فرس في سبيل الله ثم وجد صاحبه أوقفه يبيعه فأراد أن يشتريه فنهاه المصطفى ثم ذكره رمز المؤلف لصحته(1/318)
528 - (إذا تطيبت المرأة لغير زوجها) أي استعملت الطيب في شيء من بدنها أو ملبوسها لاستمتاع غير حليل كزان أو مساحقة أو ليجد الأجانب ريحها وإن خلى عن الزنا والسحاق (فإنما هو) أي تطيبها لذلك (نار) أي يجر إليها ويؤدي إلى استحقاقها فهو من مجاز التشبيه (وشنار) بشين معجمة ونون مفتوحتين مخفف عيب وعار. قال الزمخشري: رجل شنير كثير الشنار قال بعضهم:
ونحن رعية وهم رعاة. . . ولولا رعيهم شنع الشنار
يريد أن الناس يقولون النار ولا العار وفعل هذه العاهرة قد بلغ من الشناعة ما اجتمع لها فيه النار والعار معا وقد جمع لهاتين العقوبتين الدنيوية والأخروية عار بعده نار
(طس عن أنس) قال الهيتمي فيه امرأتان لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات(1/318)
529 - (إذا تغولت لكم الغيلان) أي ظهرت وتلونت بصور مختلفة قال في الأذكار الغيلان جنس من الجن والشياطين وهو سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور وقال بعضهم غيره كانت العرب تزعم أنها تتراءى في الفلوات فتتلون في صور شتى فتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد نفى ذلك الشارع بقوله " لا غول " لكن ليس المراد به نفي وجوده بل إبطال زمن إضلاله فمعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدا قال القزويني: وقد رأى الغول جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف ويقال إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه رجلا حمار (فنادوا بالأذان) أي ادفعوا شرها برفع الصوت بذكر الله كذا عند ابن حجر وظاهره أنه ليس المراد بالأذان هنا حقيقته الشرعية بالإتيان بأي ذكر كان وهو غير قويم فقد عدوا من المواطن التي يندب فيها الأذان الشرعي تغول الغيلان وقال في الأذكار المراد بقوله فنادوا بالأذان ادفعوا شرها بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر كما قال (فإن الشيطان) إبليس على ما درج عليه جمع أو جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن [ص:319] والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن (إذا سمع النداء) بالأذان (أدبر) ولى هاربا (وله حصاص) بمهملات كغراب أي ولى وله شدة عدو وضراط لثقل الأذان عليه كما يضرط الحمار لثقل الحمل واستخفافا بالذكر. قال عياض: ويمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل كونه عبارة عن شدة نفاره. قال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي غلب على السمع ومنعه من سماع غيره ثم سماه حصاصا أو ضراطا تقبيحا له وزاد في رواية البخاري حتى لا يسمع التأذين وظاهره أنه يتعمد ذلك لئلا يسمع وفيه ندب رفع الصوت بالأذان تنفيرا للشياطين وإنما كان الشيطان ينفر منه لأنه جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعية العقليات والسمعيات لأنه ابتدأ أولا بالذات وما يستحقه من الكمال بقوله الله أكبر ثم أثبت الوحدانية ونفى ضدها من الشرك ثم أثبت الرسالة ثم دعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة إذ معرفة وجوبها من جهته لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم الدائم وفيه إشعار بأمور الآخرة من بعث وجزاء وذلك كله متضمن لتأكيد الإيمان ومزيد الإيقان فلذلك نفر منه الشيطان
(طس) من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه (عن أبي هريرة) قال أعني الطبراني لم يروه عن سهيل إلا عدي قال ابن حجر لعله أراد أول الحديث وإلا فباقيه خرجه مسلم وغيره من غير وجه عن سهيل انتهى وقال الهيتمي فيه الفضل وهو متروك وذكر الدميري في الحيوان أن النووي ذكر الخبر في الأذكار وصححه قال ابن حجر ولم أره فيها لا تخريجا ولا تصحيحا وأنى له بالصحة وعدي الذي تفرد به متفق على ضعفه؟(1/318)
530 - (إذا تم) أي كمل (فجور العبد) أي استحكم فسق الإنسان وانهمك في العصيان والطغيان قال الزمخشري: ومن المجاز انفجر عليهم العدو وجاءهم بغتة بكثرة وانفجرت عليهم الدواهي وفجر الراكب على السرج مال (ملك عينيه) أي إرسال دمع عينيه فصار دمعها كأنه في يده (فبكى بهما متى شاء) أي أي وقت أراد إظهارا للخشوع والانقياد ليرتب عليه ما هو دأبه من السعي بين الناس بالفساد وهذا من معجزاته وآيات نبوته الظاهرة الباهرة فقد عم وطم في هذا الزمان وتوصل به أشقياء هذا الأوان لمن يدعي العلم إلى جر الحطام والقرب من الحكام إيذاءا للأنام ومحاربة للملك العلام
(عد عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) الجهني قال ابن الجوزي حديث لا يصح(1/319)
531 - (إذا تمنى أحدكم) أي اشتهى حصول أمر مرغوب فيه تفعل من الأمنية والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كان في خير فمحبوب وإلا فمذموم وقيل حديث النفس بما يكون وما لا يكون وهو أعم من الترجي لاختصاصه بالممكن (فلينظر) أي يتأمل ويتدبر في (ما يتمنى) أي فيما يريد أن يتمناه فإن كان خيرا تمناه وإلا كف عنه (فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته) أي ما يقدر له منها وتكون أمنيته لسبب حصول ما تمناه وله ساعات لا يوافقها سؤال سائل إلا وقع المطلوب على الأثر فالحذر من تمني المذموم الحذر وفيه أمر المتمني أن يحسن أمنيته وكان الصديق كثيرا ما يتمثل بقوله:
احذر لسانك أن تقول فتبتلى. . . إن البلاء موكل بالمنطق
ولما نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فجرى ما جرى
(حم خد هب عن أبي هريرة) رمز لحسنه وهو أعلا فقد قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وأقول في مسند البيهقي ضعفاء(1/319)
[ص:320] 532 - (إذا تمنى أحدكم) على ربه من خير الدارين (فليكثر) الأماني (فإنما يسأل ربه) الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه (عز وجل) فيعظم الرغبة ويوسع المسألة ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لا يتيسر كما في الحديث الآتي: فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار أي دائمة لا ينقصها شيء ولا يفنيها عطاء وإن جل وعظم لأن عطاءه بين الكاف والنون {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} قال الزمخشري: وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه وتعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغيا وحسدا وهذا تمني على الله عز اسمه خيرا في دينه ودنياه وطلب من خزائنه فهو نظير {واسألوا الله من فضله}
(طس عن عائشة) رمز لحسنه وهو تقصر أو قصور وحقه الرمز لصحته فقد قال الحافظ الهيتمي وغيره رجاله رجال الصحيح(1/320)
533 - (إذا تناول أحدكم) أي أخذ (عن أخيه) في الدين (شيئا) أي أماط عن نحو ثوبه أو بدنه نحو قذاة مما أصابه ولم يشعر به (فليره) بضم التحتية وسكون اللام وكسر الراء وسكون الهاء من أراه يريه (إياه) ندبا تطييبا لخاطره وإشعارا بأنه بصدد إزالة ما يشينه ويعيبه وذلك باعث على مزيد الود وتضاعف الحب وخرج بالأخ في الدين الكافر فلا ينبغي فعل شيء من وجوه الإكرام والاحترام معه إلا لضرورة
(د في مراسيله عن ابن شهاب) الزهري (قط في) كتاب (الأفراد) بفتح الهمزة (عنه) أي الزهري (عن أنس) ابن مالك لكن (بلفظ: إذا نزع) بدل تناول وإسناده ضعيف لكن انجبر المرسل بالمسند فصار متماسكا(1/320)
534 - (إذا تنخم) بالتشديد (أحدكم) أي دفع النخامة من صدره أو رأسه والنخامة البصاق الغليظ (وهو في المسجد فليغيب نخامته) بتثليث أوله وهو النون ومن اقتصر على الضم فإنما هو لكونه الأشهر بأن يواريها (في التراب) أي غير تراب المسجد أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه ثم يحك بعضه ببعض ليضمحل ومثل النخامة البصاق وكل ما نزل من الرأس أو صعد من الصدر قال يغيب دون يغطي إشارة إلى عدم حصول المقصود بالتغطية إذ قد يزلق بها أحدا أو يقعد عليها وذلك مطلوب في غير المسجد أيضا وإنما خصه لأن البصاق في أرضه أو جزء من أجزائه حرام ومواراته في غير ترابه أو إخراجه واجب وتركه حرام وأما مواراته في غير المسجد فمندوحة لما بينه بقوله (لا يصيب) بالدفع أي لئلا يصيب (جلد مؤمن) أي شيئا من بدنه (أو ثوبه) يعني ملبوسه ثوبا أو رداءا أو عمامة أو غيرها (فيؤذيه) أي فيتأذى به بإصابتها له ونحن مأمورون بكف الأذى عن خلق الله فإن تحقق الأذى حرم وخص المؤمن لأهميته كف الأذى عنه وإلا فكف الأذى عن الذمي واجب
(حم ع وابن خزيمة) في صحيحه (هب والضياء) المقدسي والديلمي (عن سعد) ابن أبي وقاص. قال الهيتمي رجاله موثقون وعزاه في محل آخر للبزار ثم قال رجاله ثقات(1/320)
535 - (إذا توضأ أحدكم) في نحو بيته (فأحسن الوضوء) بأن راعى فروضه وسننه وآدابه وتجنب منهياته (ثم خرج) زاد في رواية عامدا (إلى المسجد) يعني محل الجماعة (لا ينزعه) بفتح أوله وكسر الزاي (إلا الصلاة) أي لا يخرجه ويذهبه من محله إلا قصد فعلها فيه يقال نزع إلى الشيء نزاعا ذهب إليه والمراد أن يكون باعث خروجه قصد إقامتها وإن عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه والمدار على الإخلاص فحسب (لم تزل رجله اليسرى تمحو) [ص:321] وفي رواية تحط (عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة) يعني يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة لكن لما كان مشيه برجليه سببا لذلك صارت كأنها فاعلة وهذا أبلغ في الترغيب وأشوق إلى الأعمال الصالحة. قال العراقي: وخص تحصيل الحسنة باليمنى لشرف جهة اليمين وحكمة ترتب الحسنة على رفعها حصول رفع الدرجة بها وحكمة ترتب حط السيئة على وضع اليسرى مناسبة الحط للوضع فلم يترتب حط السيئة على رفع اليسرى كما فعل باليمنى بل على وضعها أو يقال إن قاصد المشي للعبادة أول ما يبدأ برفع اليمنى للمشي فترتب الأجر على ابتداء العمل انتهى وفيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب أي بلا عذر وذكر الرجل غالبي فبدلها في حق فاقدها مثلها ويستمر المحو والكتب (حتى) ينتهي مشيه إليه بأن (يدخل المسجد) أي محل الجماعة وفيه تكفير للسيئات مع رفع الدرجات وسببه أنه قد يجتمع في العمل شيئان أحدهما رافع والآخر مكفر كل منهما باعتبار فلا إشكال فيه ولا حاجة لتأويل كما ظن. ولما حث على لزوم الجماعة نبه على أن آكد الجماعة جماعة الصبح والعشاء لعظم المشقة فيهما كما مر بقوله (ولو يعلم الناس ما في) صلاة (العتمة) العشاء وسميت باسم وقتها لأنهم يعتمون فيها بحلاب الإبل ولعل هذا قبل نهيه عن تسميتها به (و) صلاة (الصبح) أي ما فيها من جزيل الثواب (لأتوهما) أي سعوا إلى فعلهما (ولو حبوا) أي زاحفين على الركب وفيه أن المساجد بنيت للصلاة أي الأصل ذلك وأن المعنى المترتب عليه الجزاء هو المشي وهو أمر زائد على إدراك فضل الجماعة فلو كان المصلي معتكفا حصل له ثواب الجماعة دون ذلك
(طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني موثقون(1/320)
536 - (إذا توضأ أحدكم في بيته) يعني في محل إقامته (ثم أتى المسجد) يعني محل الجماعة (كان في صلاة) أي حكمه حكم من هو في صلاة من جهة كونه مأمورا بترك العبث واستعمال الخشوع وللوسائل حكم المقاصد ويستمر هذا الحكم (حتى يرجع) أي إلى أن يعود إلى محله. قال الراغب: والرجوع العود إلى ما كان البدء منه مكانا أو فعلا أو قولا بذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله (فلا يقل هكذا) أي لا يشبك بين أصابعه فالمشار إليه قول الراوي (وشبك) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أصابعه) أي أدخل أصابع يديه في بعض من اشتباك النجوم وهو كثرتها وانضمامها وكل متداخلين متشابكان ومنه شباك الحديد وإطلاق القول على الفعل جائز شائع ذائع في استعمال أهل اللسان ومطارح البلغاء قال الطيبي: لعل النهي عن إدخال الأصابع بعضها في بعض لما فيه من الإيماء إلى ملابسة الخصومات والخوض فيها بدليل أنه حين ذكر الفتن شبك بين أصابعه وقال اختلفوا فكانوا هكذا: ثم إن هذا الخبر لا يعارضه ما ورد من أن المصطفى شبك بين أصابعه لأن النهي لمن كان في صلاة أو قاصدها أو منتظرها لأنه في حكم المصلي وقال ابن المنير: التحقيق أنه لا تعارض إذ المنهي فعله عبثا وما في الحديث قصد به التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ بصورة الحس وفيه كراهة تشبيك من خرج إلى المسجد للصلاة. في الطريق والمسجد في الصلاة وغيرها كما في التحقيق وأنه يكتب لقاصد المسجد لصلاة أجر المصلي من حين يخرج حتى يعود
(ك) في الصلاة (عن أبي هريرة) وقال على شرطهما وأقره الذهبي(1/321)
537 - (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه) أي أتى به تاما كاملا غير طويل ولا قصير بل متوسط بينهما ذكره القاضي [ص:322] (ثم خرج) من محله (عامدا إلى المسجد) أي قاصدا لمحل الجماعة يقال عمد للشيء قصد له (فلا يشبكن بين أصابع يديه) ندبا أي لا يدخل أصابع إحداهما في أصابع الأخرى لما فيه من التشبيه بالشيطان أو لدلالته على ذلك أو لكونه دالا على تشبيك الأحوال قال ابن العربي: وقد شاهدت ممن يكره رؤيته ويقول فيه نظير في تشبيك الأحوال والأمور ومثل تشبيكها تفقيعها كما في حديث آخر (فإنه في صلاة) أي في حكم من فيها والتشبيك من هيآت التصرفات الاختيارية والصلاة تصان عن ذلك مع أن التشبيك جالب للنوم وهو مظنة للحديث فلذلك كره تنزيها. قال العراقي: وهل يتعدى النهي عن التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره أو يختص بيد نفسه لأنه عبث؟ كل محتمل ويظهر أن تشبيكه بيد غيره إذا كان لنحو مودة أو ألفة لا يكره وقد رفع حديث التشبيك مسلسلا بجمع من الحفاظ ثم إن مفهوم الشرط ليس قيدا معتبرا حتى إنه إنما ينهى عن التشبيك من توضأ فأحسن وضوءه بل من توضأ فأسبغ الواجب وترك المندوب فهو مأمور بذلك وكذا من خرج من بيته غير متوضئ ليتوضأ في طريقه أو عند المسجد لأنه قاصد للصلاة في المسجد وفائدة ذكره الشرط أن الآتي بصفات الكمال من توضئه قبل خروجه من بيته وإحسانه للوضوء وذهابه للمسجد أنه لا يأتي بما يخالف ما ابتدأ به عبادته من العبث في طريقه إلى المسجد بتشبيك اليدين بغير ضرورة بل ينبغي أن يواظب على صفات الكمال في خروجه ودخوله المسجد وصلاته وخروجه منه حتى يرجع إلى بيته ليكون آخر عبادته مناسبا لأولها والنهي عن التشبيك في الصلاة لا يتقيد بكونه في المسجد بل لو صلى في بيته أو سوقه فكذلك لتعليله النهي عن التشبيك في الصلاة إذا خرج من بيته بأنه في صلاة فإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدها فحالة الصلاة الحقيقية أولى بترك العبث سواء كانت الصلاة بالمسجد وغيره
(حم د ت) في الصلاة من حديث أبي ثمامة الخياط (عن كعب بن عجرة) بفتح العين (الذي في القاموس بضم العين) المهملة وسكون الجيم البلوى حليف الأنصار أو منهم تأخر إسلامه قال أبو ثمامة أدركني كعب متوجها إلى المسجد مشبكا بين أصابعي فقال إن رسول الله قال فذكره وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال ابن حجر في إسناده اختلاف ضعفه بعضهم لأجله وقال الذهبي في التنقيح رواه جماعة عن المعتز عن أبي ثمامة وهو لا يعرف إلا بهذا الحديث وفيه نكارة وفي الميزان خبره عن كعب ولذلك رمز المؤلف لضعفه(1/321)