قال -رحمه الله-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر" هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، عبد الله بن عمر هو الذي يروي عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، محمد بن أبي بكر الصديق، هذا الذي ولد في المحرم بذي الحليفة حينما حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومعه أصحابه سنة عشرٍ من الهجرة حجة الوداع، ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، وهذا ابنه عبد الله، ويأتي في الروايات الأخرى أن عبد الله بن أبي بكر الصديق، وهناك نسب إلى جده، وإلا فهو عبد الله بن محمد بن أبي بكر، فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، "أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" الآن سالم بن عبد الله يرويه عن من؟ عن سالم بن عبد الله أن عبد الله أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة، الآن بين عبد الله بن عمر وعائشة واسطة، يعني كأن الإسناد: عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، هذا تركيب الإسناد؛ لأن سالم يروي عن أبيه، وابن عمر يرويه عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة -رضي الله عنها-، فكأن سالماً شهد القصة، قصة الإخبار، شهد عبد الله بن محمد بن أبي بكر وهو يحدث أباه بهذا الحديث.
"عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألم تري أن قومك .. ؟ )) " ألم تري هنا الاستفهام تقريري وإلا إنكاري؟ تقريري، وحينئذٍ يكون قوله: ((ألم أتري؟ )) ألم تعلمي؟ خلاف أرأيت، أرأيتِ كذا بدون (لم) فيكون معناه حينئذٍ (أخبريني) أرأيت يعني أخبرني، وهنا: ((ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ )) يعني قصروا عنها، "قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ يعني اقتصر عن قواعد إبراهيم في جميع البيت؟ وإلا في الجهة الشمالية منه، جهة الحجر؟ وهل القواعد الأركان الأربعة أو القواعد أسس البيت كاملاً؟
طالب:. . . . . . . . .
أسس البيت كامل، إذاً قصروا في جميع جوانبه، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .(22/10)
لا، هنا ((حين بنوا اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) إذا قلنا: القواعد المراد بها الأربع، الزوايا الأربع، قلنا: التقصير في جهة، ولذا الجهة التي فيها الحجر لا تمسح، بينما الجهة الأخرى تمسح؛ لأنه على قواعد إبراهيم، وإذا قلنا: أن المراد بقواعد إبراهيم القواعد الشاملة لجميع البيت من جميع الجهات، وليست الزوايا فقط، قلنا: قصروا في جميعه بدليل؟.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الشذروان من البيت، المحيط بالكعبة من جميع الجوانب، هذا من البيت، فيكون قصروا في جميع جدران البيت، لا في زواياه فقط، " ((اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ )) قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا ... )) " تكررت هذه، وهي حرف امتناع لوجود، يمتنع من ردها لوجود المفسدة الناشئة عن حدثان القوم بالكفر ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أُرى -ما أظن- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".
هذا يرد على ما تقدم من أن التقصير حصل في جميع الجهات، ولا شك أن الشذروان من البيت عند جمهور أهل العلم، وأنه لا يجوز الطواف عليه، بل لا بد أن يكون الطواف دونه، "ما أُرى النبي -عليه الصلاة والسلام- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر -يعني في الجهة الشمالية جهة الشام- إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم" وجاء عن معاوية وبعض الصحابة أنهم كانوا يمسحون الأركان الأربعة، ويقولون: "ما كان شيء من البيت مهجوراً" وعدم مسحه هجرٌ له؛ لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.(22/11)
قال: حدثني أبو الطاهر قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن مخرمة ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت نافعاً مولى ابن عمر يقول: سمعت عبد الله بن أبي بكر" هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر نسب هنا إلى جده، "بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر" فحضر هذا التحديث كلٌ من سالم ونافع، "عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية)) " يعني يمكن يؤخذ من هذا فائدة تربوية يستفيدها الدعاة والعلماء والآباء وغيرهم، كل من يزاول هذا الأمر حتى الأب يستفيد، إذا كان عنده جمع من الأولاد، عشرة، خمسة منهم من الأصل على الاستقامة، ونشأوا عليها، وخمسة منهم زاولوا ما زاولوا في أول العمر ثم تاب الله عليهم فتابوا، أولئك إيمانهم قديم، وما عرفوا جاهلية؛ لكن الآخرون؟ حديثو عهدٍ بالتزام واستقامة، هل يراعى مثل هؤلاء أكثر مما يراعى أولئك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حتى يثبت الإيمان في قلوبهم، حتى يبعد عهدهم بالجاهلية؛ لأن هؤلاء ما زال الجرح قريب، ما زال المرض حديث، ما تماثلوا للشفاء التام، ثم بعد ذلك إذا أنس منهم وعرف منهم أنهم التزموا، وتركوا ما كانوا عليه، ولا تشرئب قلوبهم ولا نفوسهم إليه حينئذٍ يعاملون معاملة غيرهم.
طالب:. . . . . . . . .
هو بعد الفتح بلا شك، هو الكلام هذا بعد الفتح.
طالب:. . . . . . . . .
هم قريش الذين فتح النبي -عليه الصلاة والسلام- مكة، ومن عليهم بأنفسهم، هؤلاء ما زالوا ..
طالب:. . . . . . . . .
بما لا يخل بالعدل، يعني وإن كان بالإمكان أن الأب يراعي نفوسهم، ويسترضي إخوانهم، ويمكن أن يزيدهم تأليفاً لقلوبهم بعد إذن إخوانهم، ولا يشدد في الإنكار عليهم، ولا يأمرهم ما يأمر به، ولا يأطرهم على ما يأطر إخوانهم عليه حتى يشفوا تماماً من هذه الأمراض.(22/12)
يقول: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهلية -أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله)) كنز الكعبة هو ما يهدى إليها من أموال، ينفق في سبيل الله، والنفقة هذه حكمها حكم الوقف، يعني لا تنفق في غير ما صرفت له إلا إذا تعطلت المنافع، يعني ما صار يستفاد منها في هذا الموضع، فتصرف إلى جهة مماثلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله))، بناء الكعبة في سبيل الله وإلا ليس في سبيل الله؟ سبيل الله إذا أطلق فالمراد به عند الجمهور الجهاد، فهل يقصد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينفق كنز الكعبة في الجهاد أو جميع سبل الخير في سبيل الله؟ والحج في سبيل الله، والعلم في سبيل الله، ومن سبيل الله بناء الكعبة الذي أهديت الأموال من أجلها ((لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله))، والمصرف من مصارف الزكاة {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [(60) سورة التوبة] عامة أهل العلم على أنه الجهاد، ولا يدخل فيه غيره، ومنهم من يرى العموم، فيرى التعليم في سبيل الله، والحج في سبيل الله، فكلٌ منهم يأخذ من الزكاة، والأحوط قول الجمهور في هذه المسألة.
طالب: ما يوضح هذا الحديث في سبيل الله آية الصدقة، ما يفسره؟
يعني يحمل سبيل الله على ما جاء في آية الصدقة في المصارف؟ يعني أنه الجهاد؟.
طالب: ... لأنه يشمل لأنه هنا سماه الرسول في سبيل الله
سمى الحج في سبيل الله؛ لكن عامة أهل العلم على أنه الجهاد خاصٌ به، عامة أهل العلم كل سياق أو كل ينص يحدده مناسبته، وسياقه، وسببه.
طالب:. . . . . . . . .(22/13)
نعم، علة، ولذلك: ((ولجعلت بابها ... )) على طول، ((لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها)) يعني في عمرانها، في بنائها على قواعد إبراهيم، ولجعلتُ بابها بالأرض ليتاح الدخول لكل من شاء، ((ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر)) ما أدخلت الحجر، ما قال: أدخلت الحجر؛ لأن الحجر فيه قدرٌ زائد على ما كان أخرج من البيت، يعني ستة أذرع أو سبعة أذرع، والذي من الحجر خمسة أو ستة على اختلاف بين ما جاء في الروايات.
طالب:. . . . . . . . .
هو أكثر من ستة، إيه احتياطاً نعم، ((ولأدخلت فيها من الحجر)).
"وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثني ابن مهدي قال: حدثنا سليم بن حيان عن سعيد يعني ابن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي -يعني عائشة- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك)) بكفر، بجاهلية، والمعنى واحد، ((لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض -يعني الباب- وجعلت لها بابين، باباً شرقياً، وباباً غربياً)) الباب الموجود هو الباب الشرقي، ولجعل لها باب غربي مقابل للباب القائم، ((وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة)) لو ترك الإنسان ستة أذرع من الحجر، وطاف من داخل الحجر، يعني طاف، ترك ستة أذرع، وطاف من دونه، الآن هل يمكن الاختلاف في مثل هذا هل هو ستة أو سبعة أو خمسة؟ في أمرٍ يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة؟ يمكن الاختلاف في مثل هذا؟ يعني بالإمكان أن نأتي بالمقياس ونقيس ونقف عليه بدقة، يعني إذا قيست أطوال المشاعر رغم أنها كبيرة، قيست قبل وجود الآلات الحديثة الدقيقة، كيف يقال: ستة أو سبعة؟ وندخل خمسة ندخل ستة؟ ألا يمكن الوصول إلى الحقيقة بما يرفع مثل هذا الاختلاف؟
طالب: ما نحتاج لأن الطواف ....
من وراء الجدار، طيب لو طاف من دون الجدار، وترك ستة أذرع، بناءً على ما جاء في هذا الحديث؟ ((وزدت فيها ستة أذرع))؟
طالب: يخشى أن يترتب عليه الدخول.
هو بيترتب عليه الدخول.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لا بد من وجود حاجز يعني، طيب ندخل الجدار شوية، بحيث يكون بقدر الكعبة،
طالب: يحدث فتنة.(22/14)
صحيح يحذف؛ لأن هذا أي خلل في مثل هذه المواطن يحدث فتنة، وأصل العبادة قائم، يعني من دون خلل، ولذا لو طاف على الجدار، جدار الحجر، وهو خارج الكعبة، خارج قواعد إبراهيم عند الشافعية فيه وجهان: هل يصح الطواف أو لا يصح؟ والأكثر على أنه لا يصح، لا بد أن يطوف من وراء الجدار.
طالب: هذه المسألة ما زالت. . . . . . . . . بحيث أنه لا يدخل عن ستة أذرع.
هو قال: الجدار، لو طاف على الجدار القائم الآن ...
طالب: ... الجدار هذا بعد الستة
قطعاً بعد الستة، لو طاف يصح طوافه وإلا ما يصح؟
طالب:. . . . . . . . .
عند الشافعية وجهان، والأكثر على أنه لا يصح حتى يكون الجدار داخل؛ لأن مثل هذا يقرره قولهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كغسل جزء من الرأس تبعاً للوجه، الآن لما قالوا: ستة أو سبعة، أو قالوا: خمسة أحياناً، ليش؟ لأنه نفترض أنه مثلاً خمسة وشيء جبر الكسر، أو حذفوا الكسر أحياناً، أو حسبوا من دون الشذروان اللي هو أساس الجدار المائل، حسبوا من دونه، أو من جدار الكعبة، فمثل هذا يوجد الخلاف.
طالب: ما يقال مفسدة الطواف. . . . . . . . .
هذا وجه قول الأكثر أنه لا يصح إلا من وراء الحجر، من وراء الجدار، النووي يقول: "فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يجوز لظواهر هذه الأحاديث، وهذا هو الذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين، والثاني: لا يصح طوافه في شيء من الحجر، ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجاً من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح، وهو الذي نص عليه الشافعي، وقطع به جماهير أصحابنا، ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة".
((فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت -أو حين على اختلاف في النسخ- حيث بنت الكعبة)).(22/15)
قال: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرني ابن أبي سليمان عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير" احترق البيت، والسبب رميه بالمنجنيق على يد الحجاج، "احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد .. " شوف الهدف، الهدف هذا سياسي وإلا ديني؟
طالب: سياسي.(22/16)
نعم، سياسي مبناه على أمر ديني؛ لأنه يرى أنه هو الأحق، وأنه تمت له البيعة، المقصود أنه الظاهر منه سياسي، "يريد أن يجرئهم أو يحربهم" وفي نسخة: "أو يجربهم" يجرئهم، يعني الآن في السياسيات القديمة والحديثة، إذا قامت دولة جديدة خالفة لدولة سابقة، هل تذكر محاسن الدولة السابقة التي قامت على أنقاضها أو تذكر مساوئها؟ لا سيما الأمور المشاهدة تتركها ليشهدها الناس كلهم، فلا يلوموا الدولة الخالفة، المقصود أن ابن الزبير ترك الكعبة حتى قدم الناس الموسم، "يريد أن يجرئهم أو يحربهم" يجرئهم على أن يقدحوا فيمن فعل هذا، أو يحربهم: يستثير هممهم لحربهم، وإعانته عليهم "على أهل الشام، فلما صدر الناس" صدر الناس، انتهى الحج، وأرادوا أن يصدروا، صدر يعني أرادوا، قلنا مراراً: إن الفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، ويطلق ويراد به الفراغ من الفعل وهو الأصل؛ لكن هنا إرادة الفعل، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني أردتم، وهنا: "فلما صدر الناس" أرادوا الصدور، "قال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة" في مثل هذا الأسلوب من استدرار العواطف ما فيه، "أشيروا عليّ في الكعبة" وعلى الإمام أن يستشير أهل الرأي، وأهل الحل والعقد والمشورة، ولا يعتمد على نفسه فقط، نعم الرأي الأخير له بعد مشورة أهل الرأي؛ لكن يبقى أنه لا بد من الاستشارة، وقد أُمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المعصوم، "أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها؟ أو أصلح -ما وهي منها؟ - أو ما وهى منها" يعني أتركها على ما كانت عليه؟ أو أنقضها وأهدمها وأعيدها على قواعد إبراهيم، وما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أحقق هذه الأمنية بعد أن زالت المفسدة؟ أو أتركها على ما كانت عليه؟ يستشير، "قال ابن عباس: فإني قد فُرق -فرق يعني كُشف- لي رأي" ترجح عندي رأي، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} [(106) سورة الإسراء] يعني وضحناه، وكشفنا معانيه، وفي بعض النسخ: "فَرق" يعني خفتُ، جاءني الفَرَق وهو الخوف من نقضها، و"فُرق لي" يعني: كشف لي(22/17)
فيها رأي، وهذا أوضح من حيث المعنى، "أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه" تتركه على بنائهم، وما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، "وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبُعث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذه وجهة نظر قوية أيضاً، ولها حجتها، "فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟ " يعني قياس المساجد على البيوت هل هو مطرد أو غير مطرد؟ إذا قلنا: أن بيت الله أحق لا شك أنه أحق بالتكريم وبالتعظيم وبالمراعاة والتنظيف.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو احترق البيت لا بد من إصلاحه؛ لكن هل قياسه على بيت كل أحدٍ منا متجه؟ بمعنى أنه يتجه قول أبي حنيفة، قول الحنفية: إذا زخرفت البيوت فبيوت الله أحق وأولى بالزخرفة؛ لأنها أولها بالتشييد وأولى بالجمال، إذا شيدت البيوت فبيوت الله أولى منها، حتى لو ... شوف كلام ابن الزبير: "لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟ " يعني أولى بهذا الأمر، وأولى بالعناية؛ لكن هل هذا مطلق أو فيما يناسب بيت الله -جل وعلا-؟ وبما يناسب البيوت بحيث لا تتعدى فيها النصوص الشرعية؟ لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية لعمارة المساجد، ولذا نهينا عن تشييد المساجد، وعن زخرفتها، زخرفتها من علامات الساعة، ويحدث هذا في آخر الزمان، وقد حدث.
"لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟ " يعني يتم استدلال ابن الزبير بهذا لو أعاده كما هو من غير أثرٍ للاحتراق، يعني أزال ما سببه الاحتراق، وبقي على ما كان عليه، "إني مستخيرٌ ربي ثلاثاً، ثم عازمٌ على أمري، فلما مضت ثلاث" ثلاث ليال "أجمع -يعني عزم- رأيه على أن ينقضها" ينقض ما بقي منها؛ لأنها احترقت، "أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء" يعني كما حصل لأصحاب الفيل.
طالب:. . . . . . . . .
هو استشار، ثم استخار.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يستشير، ثم يستخير؛ ليكون أمر ربه قبل أمر الناس له.(22/18)
"فتحاماه الناس" خاف الناس "أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء" يعني مثل ما حصل لأصحاب الفيل، "حتى صعده رجلٌ فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوه فنقضوه" خلاص اطمأنوا، تتابعوا وفي بعض النسخ" "تتايعوا" والمعنى واحد، إلا أن التتايع أكثر ما يكون في الشر، "تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض" يعني سووه في الأرض، "فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور" لكي يصلي الناس إلى شاخصٍ قائم، ولا يصلون إلى موضعها، مع إمكان وجود ما يقوم مقامها من الشاخص، من أهل العلم من يرى أنه لا يصلى إلى موضعها، وإنما لا بد أن تكون الصلاة إلى شاخص، ومنهم من يرى جواز ذلك، لا سيما إذا نقضت، نقضها ذو السويقتين من الحبشة في آخر الزمان، يُصلى إلى موضعها.
هنا: ستر عليها الستور ليصلي الناس إلى شاخص، وأيضاً لأن منظرها مؤثر في القلوب، مؤثر بلا شك، تجد مكان الكعبة وما فيه شيء، من يحتمل مثل هذا؟ لا شك أن هذا مؤثر، يعني رممت قبل ثلاث سنوات أو أربع ووضع لها الستور من خشب حتى فرغ منها، وهذا عمل عين الحكمة، وعين السياسة؛ لأن الناس في قلوبهم هيبة وتعظيم لهذا الأمر العظيم لبيت الله -جل وعلا-، فإذا رأوه مثل بيوت الناس من حجارة، وينقض، ويرد لا شك أن هذا مما يذهب بعض هيبته، فالستور هذه قال: "فستر عليها الستور -عين الحكمة- حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه)) النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر ما عنده شيء، الذي يأتيه ينفقه في يومه، تأتيه الأموال الطائلة وينفقها في سبيل الله في يومها، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ما يسرني أن يكون عندي مثل جبل أحدٍ ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، حتى أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) يعني عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه، لا يترك شيئاً -عليه الصلاة والسلام-.
((لولا أن الناس حديثٌ عهدهم)) عهدهم إعرابها؟
طالب: فاعل.
فاعل لإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
حديثٌ خبر أن؛ لكن عهدهم؟
طالب:. . . . . . . . .(22/19)
حديث فاعل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، حديثٌ عهدهم.
طالب:. . . . . . . . .
صفة مشبهة، صفة مشبهة باسم الفاعل تعمل عمل الفعل كاسم الفاعل، ((وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع)) وهناك ستة أذرع ((وزدت فيها ستة أذرع من الحجر)) وهنا: ((لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع)).
طالب:. . . . . . . . .
نعم، العلة مركبة من خشية المفسدة، وقلة المال؛ لكن لو عنده مال مع خشية المفسدة ما أقدم، لو ارتفعت المفسدة، وبقيت قلة ذات اليد عدم المال ما فعل، فالعلة مركبة من الأمرين.
يقول في أول الأمر: ((وزدت فيها ستة أذرع)) ستة، وهنا قال: ((أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع)) خمس وهناك ستة، الأذرع جمع ذراع، وهو يذكر ويؤنث، ولذا قال فيه: ستة أذرع، وخمس أذرع، ((ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه)) ومثل ما ذكرنا إما أن تكون خمس وشيء، فهنا حذف الكسر وهناك جبره، أو أن القياس كان من الجدار أو من الشذروان، الأمر يحتمل هذا، علماً بأنهم لا يهتمون بالأرقام، الأرقام عندهم تقريبية.
طالب:. . . . . . . . .
لكان يدخل ما أدخل، هذا ما بعد صار، فما ندري أيش بيصير؟ فهمت؟ المقصود أن مثل هذه الأرقام التي تأتي في الأحاديث تقريبية، يعني مثل: "قرأ عشر آيات من آخر آل عمران" قام من النوم فقرأ الآيات العشر من آخر آل عمران، هن إحدى عشر ما هن بعشر، ومثل العشر الآيات من سورة الكهف من أولها، ومن آخرها، وهذا كثير في النصوص، المقصود أن مثل هذه الأعداد لا تأتي في النصوص، وجرى على هذا عهد السلف، وتتابع عليه العلماء قديماً إلى أن أعتنى الناس بمثل هذه الأرقام بدقة، وجعلوا لها مفهوم.(22/20)
دعونا فيما يتعبد فيه، الأرقام المتعبد فيها من الأذكار وغيرها هذا شيء ثاني؛ لكن يبقى أن مثل هذه الأمور، مثلاً أهل العلم يختلفون في صحيح البخاري، كم فيه من حديث؟ في صحيح مسلم، قالوا: ثمانية آلاف، قالوا: سبعة آلاف، وقيل: اثني عشر ألف، هو هو، ما زاد ولا نقص، بالإمكان أن يأتي بالقلم ويرقم، ويصل في النهاية إلى العدد بدقة؛ لكن ما يهمهم هذا، مسند أحمد قالوا: أربعين ألف، وقالوا: ثلاثين ألف، يعني الفرق ما هو بعشرات الفرق ألوف، فدل على أن الأعداد لا يعتنى بها، لا سيما إذا كانت لا يترتب عليها أمرٌ من التعبد، لا يتعبد بها، فمثل هذه الأمور الحجر مضبوط بجدار سواء ستة أو سبعة أو عشرة أو خمسة، المقصود أنه ما يحويه هذا الجدار.
نعم، هو زيد فيه احتياطاً، هذا أمر، زيد فيه احتياطاً، وكانت هذه الزيادة مقرة منه -عليه الصلاة والسلام- وطاف من ورائها، ما يقال: أن القدر المشروع ما يزاد فيه، اكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وطوافه من ورائه.
طالب:. . . . . . . . .
ذكرنا في قصة من أراد القراءة في تفسير الجلالين من غير طهارة، وأشكل عليه؛ لأن الحكم للغالب، هل الحروف أكثر حروف التفسير؟ أو حروف القرآن؟ فعد حروف القرآن وحروف التفسير ليمشي على القاعد، إذا كانت حروف القرآن أكثر لا بد أن يتوضأ، إذا كانت حروف التفسير أكثر ما يحتاج إلى وضوء، فعد حروف القرآن على جهة، وحروف التفسير على جهة، على حدة، يقول: إلى المزمل العدد واحد، ثم بعد من المدثر إلى آخره زاد التفسير شيئاً يسيراً، فانحلت عنده المشكلة؛ لكن هل مثل هذا الصنيع يوجد عند سلف الأمة، ما يمكن، هو بدل هذا العدد يحفظ له جزء من القرآن، أو يحفظ مائة حديث.
طالب:. . . . . . . . .
زاد التفسير.
طالب:. . . . . . . . .
ما يتوضأ، يقرأ في تفسير الجلالين ولا يتوضأ.
طالب:. . . . . . . . .
يطلع عليه؟ في الطواف؟ ويتعدى مكانه وإلا ينزل لبغى يمشي؟.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه ما هو بمائل هذا، إذا ما في شذروان المائل هذا؟ ما له حكم خلاص، الحكم للجدار.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما يعيد ما يعيد، ما دام ما في شذروان فالحكم لجدار الكعبة.(22/21)
طالب:. . . . . . . . .
شيء يسير جداً وإلا ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، خطوات لا، لا ما يصلح، لا، لا بد أن يرجع.
" ((ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه)) قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق" يقول ابن الزبير: أنا أجد، هذا جزء من العلة، "فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس" بمعنى أنه يخاف عليهم من الردة، "ولستُ أخاف الناس" يعني أن يرتدوا، قال فزاد، يعني ارتفعت العلة بجزئيها، ولا يوجد ما يمنع من تنفيذ ما أراده النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "فزاد فيه خمس أذرع من الحجر، حتى أبدى أساً نظر الناس إليه" وفي رواية أخرى: العدول، "نظر الناس إليه" يعني من قواعد إبراهيم -عليه السلام-، "فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً" يعني تسعة أمتار، يعني يقارب ثلاثة أدوار من بيوت الناس، "فلما زاد فيه استقصره" رأى الثماني عشر ذراع التسعة أمتار قصيرة، وهو يريد أن يعظم هذا البيت في ارتفاعه، "فزاد فيه في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يُدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما ... " إلى آخره، المقصود أن ابن الزبير زاد، هل نقول: أن هذه الزيادة جائزة وإلا غير جائزة؟ يعني لو زاد في أطوالها في طولها وعرضها يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، لا يجوز أن يزيد في طولها وعرضها، يعني المسطح على الأرض؛ لكن في الارتفاع زاد، ولا أحد أنكر عليه حتى خصومه من بني أمية ما أنكروا عليه، كان هذا بمحضر من الصحابة، وخيار الأمة من التابعين، فما أنكر عليه، "فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين" مقتضى القياس السابق لابن الزبير قياس البيوت على بيت الله -جل وعلا- أو العكس، هل نقول: أنه يستحب للإنسان أن لا يزيد عن ثماني عشرة ذراع لئلا يكون بيته أرفع من بيت الله، يعني يبني ثلاثة أدوار فقط، ولا يزيد عليها؟ لأن هذا يلمح من كلام ابن الزبير أيها الإخوان السابق، يلمح من كلامه السابق.
طالب:. . . . . . . . .
يرى أن بيت الله أعظم من بيوت الناس، فكل ما يقتضي التعظيم فبيت الله أحق به، والارتفاع لا شك أنه فيه تعظيم، ولذلك زاد فيه لما استقصره.
طالب:. . . . . . . . .(22/22)
الحاجة؟ يعني البنايات الشواهق هذه حاجة وإلا ليست لحاجة؟ بعض الناس يرى أنها حاجة، وبدلاً من أن يمتد العمران أفقي، يمتد رأسي أسهل، علشان يمكن الإحاطة بالبلد، وتأمين الخدمات، وتسهيل أمر المواصلات، بدلاً من أن يكون مساحة الرياض خمسة آلاف كيلو، خلاص تصير ألف كيلو، ألف واحد، يكفي، بينما الامتداد أفقي يصير رأسي، عشرين دور، ثلاثين دور، خمسين دور إلى آخره، فهذا فيه تيسير للناس من جهة؛ لكن يبقى أنك .. ، شوف الآثار، لو قدر أن المرافق العامة حصل لها ما حصل، أيهما أسهل تمشي على الأرض وإلا تطلع فوق؟ مهما بلغت المسافة أيسر من أن تطلع فوق، تصور نفسك معك الغاز طالع الدور العشرين، والمسألة مفترضة أنه ما في كهرب، أو تمشي على الأرض؟
طالب:. . . . . . . . .
أو حريق أو شيء من هذا، فهم يوازنون بين المصالح والمفاسد، ويقولون: أن الرأسي أوفر وأيسر، يعني يمكن الإحاطة بالبلد إذا كان مساحتها أقل؛ لكن لا شك أن الأرض أيسر، المشي على الأرض، والحمل على الأرض، وتداول الأمور، ولو كانت شاقة في الأرض أسهل من الطلوع فيها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، وبنايات بعضها فيه ما فيه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إنما أنشئت من أجل تيسير الوصول إلى هذا الحرم.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذه ما حلت إشكال، الأسعار زادت، يعني ما نقصت.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال البناية المباحة ما فيها إشكال، وعموم التشييد للبنيان والإسراف فيه هذا مذموم شرعاً، هذا مذموم، جاء فيه النصوص، وأنه لا تُخلف نفقته، فعلى الإنسان أن يقتصد، ابن عمر، وهو يمتثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان إذا أصبح لا ينتظر، ويقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" يعني هذا في عرف الناس حتى بعض من ينتسب إلى العلم هذه أساطير هذه، ما يتصورون مثل هذا الكلام، أنه إذا أصبح خلاص يصلي صلاة مودع، وأنه ما هو مدرك للمساء، ابن عمر في أسبوع بنى بيتاً بنفسه.
طالب:. . . . . . . . .(22/23)
إيه ما فيه إشكال؛ لكن لماذا بنو هذه العمارات الشاهقة وزخرفوها؟ هذا إسراف، على كل حال ما هو بموضوعنا هذا، الموضوع هذا يحتاج إلى بحث على مستوى، ما هو .. ، إذا كنا نريد أن نطبق ما ورد في الشرع، وإلا لا شك أن كون العمارة فيها مائة شقة، يسكنها مائة أسرة أفضل من أن يكون فيها عشرة أو عشرين شقة يسكنها عشرين أسرة، هذا أفضل، وفيه تيسير على الناس، والأمور تقدر بقدرها، والحاجة تفرض، الحاجة هي التي تفرض مثل هذه الأمور؛ لكن يبقى أن القدر الزائد على ما تقوم به الحاجة فيه ما فيه.
طالب:. . . . . . . . . حتى أصبح الحرم صغيراً جداً ...
لا شك أن وجود بعضها أرفع من منارات الحرم، يبقى أن هذه الأصل فيها الإباحة؛ لكن يعتريها ما يعتريها من الزيادة على هذا الأصل، من الإسراف وغيره.
طالب:. . . . . . . . .
ما أنكرنا زيادة الأدوار، أنا قلت في الأخير: أن عمارة أو مساحة تتسع لمائة أسرة أفضل من أن تتسع لعشر أسر؛ لكن آت أسرة مركبة من زوج وزوجة وطفل وشغالة ومربية وسواق وخياطة ومدري أيش؟ ويسكون في مساحة ألفين متر! هذا الكلام اللي يمكن أن ينظر فيه، أما عمارة من أدوار يسكن مستغلة كلها ما فيه إشكال، هذا ما فيه إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
هو لو صلى إلى هواء الكعبة، يعني لو كان مثلاً على جبل أبي قبيس وصلى ما فيه إشكال.
طالب: .... إذا كان البناء من أعلى. . . . . . . . .
زاد فيه عشرة أذرع.
طالب: نفس الحجم؟
نفس الحجم.
"فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍ نظر إليه العدول" هو ما طعن في العدول، العدول من أهل مكة، والعدل هو من يأتي بالواجبات، ويترك المحظورات، "نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير" يريد بذلك سبه وعيبه، وأن فعله قبيح، "أنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاده في طوله فأقره" يعني وافقه عليه الخصم، "وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه".(22/24)
وعرفنا أن المسألة ينتابها وجهتا نظر، وكل وجهة لها علتها، يعني كلام ابن عباس: بيت أسلم الناس عليه، حجارة ألفوها وأسلموا عليها تنقض وتهدم! لا شك أن هذا مؤثر في القلوب، وأيضاً وجهة النظر الثانية التي تمناها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعلها؛ لأمرين زالا كلهما، وجهة نظر قوية، وهذه الأمنية التي تمناها في حديث عائشة تحققت في عهد ابن الزبير بعد ارتفاع العلة المركبة من أمرين ارتفعت، فما الذي يمنع من تحقيق ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
وهي أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا فيما بعد، ألعوبة الملوك، تصير ألعوبة إذا تكرر عليها الأمر، كانت على شيء، ثم نُقض، ثم تنقض ثانية، تصير ألعوبة؛ لكن هذا مرة واحدة تحقيق ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن الزبير، فلماذا لا تبقى؟ يعني أنت لو أن شخصاً أدرك والده وهو يتمنى شيء في هذه الدنيا، ومات وما حصل له، ثم بعد وفاته تيسر صار عند الناس كلهم، أنا أعرف شيخ كبير عامي هرم، يتمنى دجاجة، كان الدجاج ما هو موجود في ذلك الوقت، يتمنى، فلما مات صارت المشاريع، وصارت ... ، الدجاجة أرخص من الجراد، يعني لو أن أحداً تصدق بدجاجة، ونوى ثوابها له أيش اللي يمنع؟ فضلاً عن أن يكون هذا بيت الله، وتمناه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فحققه ابن الزبير لا شك أنه مصيب في هذا الأمر، لا سيما وأن العلة مرتفعة، والأحاديث فيه صحيحة.
طالب:. . . . . . . . .
التردد الخمسة أو الستة؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا إخبارٌ من الرواة، لا يُدرى عن حقيقة الأمر، ابن الزبير وقف على الأساس، وأشهد عليه العدول من أهل مكة، وبناه على قواعد إبراهيم مائة بالمائة، لا يشك في هذا، كونه خمسة أو ستة مثل ما ذكرنا، ترى ما يهتمون بهذه الأمور؛ لأنها أمور مقررة وواضحة، ما يحتاج إلى أن تذرع، أو تحسب بدقة.
طالب:. . . . . . . . .(22/25)
هو عندهم الذين يقسمون التواتر إلى أربعة أقسام، قالوا: من أقسامه تواتر العمل والتوارث، يعني لو قيل لشخص: ائتنا بدليل قطعي، أيش معنى قطعي؟ دليل متواتر، يعني إما من القرآن، أو من متواتر السنة، دليل قطعي من المتواتر أن صلاة الظهر أربع ركعات، هل تبلغ الطرق التي رويت بها أن صلاة الظهر أربع ركعات حد التواتر؟ المعروف لا؛ لكن تواتر العمل والتوارث، لذا لو قال شخص: أن صلاة الظهر ثلاث ركعات يكفر وإلا ما يكفر؟ يكفر؛ لكن هل الكفر دليلٌ ظني؟ لا كفرناه بدليلٍ قطعي، وهو تواتر العمل والتوارث.
طالب:. . . . . . . . .
يُذكر عن شخص في جهة من الجهات أنه قال: ما في ما يدل على أن صلاة الظهر أربع ركعات، قريب، نسأل الله السلامة والعافية.
"أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه".
قال: "حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قال عبد الله بن عبيد: وفد الحارث" يعني ابن عبد الله بن أبي ربيعة "وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب" هذه كنية عبد الله بن الزبير، "ما أظن أبا خبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها"
كم من شخص بيمشي بمثل هذا، هذا الكلام، كم من شخص يبي يسكت؟ يمرر مثل هذا الكلام، إذا كان يمرر المنكر، فكيف لا يسكت عن مثل هذا؟!
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال اشتهر بهذا، فإذا اشتهر بما يكره، ولا يعرف إلا به، ولا يراد بذلك عيبه، سواءٌ كانت كنية أو لقب ما في إشكال، مثل الأعمش والأعرج وغيره، هذا نص عليه أهل العلم، ولو كرهه، ابن المسيِّب يكره أن يقال: ابن المسيَّب، والناس تتابعوا عليه.(22/26)
"ما أظن أن أبا خبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم" الزعم هو القول، وقد يستعمل في القول المشكوك فيه؛ ولكنه في الأصل أنه مرادف للقول، وكثيراً ما يقول سيبويه: "زعم الكسائي في كتابه"، زعم الكسائي ثم يوافقه على ذلك، يدل على أن الزعم مرادف للقول؛ لكنه هنا القرينة تدل على أنه لا سيما وقد قال: "ما أظن أبا خبيب" أن الزعم في القول الذي يغلب على الظن عدم ثبوته، "يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول: ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه)) فأراها قريباً من سبعة أذرع" هذا حديث عبد الله بن عبيد، وزاد عليه الوليد بن عطاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ )) قالت: قلت: لا، قال: ((تعززاً ألا يدخلها .. )) أو (تعززاً أن يدخلها)، (ألا يدخلها إلا .. ) الاستثناء دليلٌ على وجود النفي، وقد تزاد لا في مثل هذا الموضع، {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ ... } [(75) سورة ص] والموضع الثاني: {أَلاَّ تَسْجُدَ ... } [(12) سورة الأعراف] وفي الحديث: ((لولا أن تدافنوا))، والرواية الأخرى: ((لولا أن لا تدافنوا)) قد تزاد (لا) في مثل هذا الموضع، لا سيما مع عدم اللبس، ((تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط)).
طالب: لها سلم؟
على درج إيه، ما يمكن أن تصعد إلا بدرج.
(( ... فسقط)) قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول: هذا؟ قال: نعم، قال: فنكت ساعة بعصاه -بطرف عصاه ينكت الأرض، يحرثها به- ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل".
لأن التصرف في مثل هذه الأمور له تبعاته في الدنيا والآخرة، فلو تركه على ما تحمل، فالأمر الذي يتردد فيه الإنسان، وهو شيء قائم، هل يفعله أو لا يفعله؟ لو تركه أحوط.(22/27)
"وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق كلاههما عن ابن جريج بهذا الإسناد مثل حديث ابن بكر.
وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير" أشد من الأسلوب الأول "ما أظن أن أبا خبيب" ولعله قال هذا وهذا، وهذا سمعه بعضهم، وهذا سمعه آخرون، "إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء)) فقال الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين" إنصاف وعدل، يعني ما ترك الإنكار، وما سلبه وصفه، هو أمير المؤمنين بالبيعة الشرعية، ما قال: يا عبد الملك لا تقل هذا الكلام، ولا جامل، ولا ترك الإنكار، قال: "لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير".
قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: ((نعم)) " الجدر أيش؟ هو الحجر أو هو الشذروان، إما الحجر أو الشذروان، أمن البيت هو؟ قال: ((نعم))، قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال: ((إن قومك قصرت بهم النفقة)) قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: ((فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض)).
طالب:. . . . . . . . .
أُدخل الجدر في البيت، على كل حال بعض الشراح يرى أنه الشذروان، وكونه الحجر؛ لأن أحاديث الباب كلها تدور حول إدخال الحجر.(22/28)
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله يعني ابن موسى قال: حدثنا شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحجر، وساق الحديث بمعنى حديث أبي الأحوص، وقال فيه: فقلت: فما شأن بابه مرتفعاً لا يصعد إليه إلا بسلم؟ وقال: ((مخافة أن تنفر قلوبهم)) بدلاً من قوله في الرواية الأولى: ((أن تنكر قلوبهم)) وهذا من دقة الإمام مسلم، بحيث ينبه على اختلاف الرواة، ولو كان يسيراً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
ما يصح، كلهم أتباعه، وكلهم لهم حقٌ علينا.
طالب:. . . . . . . . .
وصحبه، وصحبه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، العرف خصهم بمن ..
طالب:. . . . . . . . .
هو لولا أسف النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تردد أحد بالسنية، لولا أسفه -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الأمر مرتبط بالمشقة وعدمها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، فدل على أن ما يشق مفضول، هذا من أسفه -عليه الصلاة والسلام-.
هذا شخص يريد أن يضحي، وهو مبتلىً بحلق لحيته، فما نصيحتكم؟(22/29)
نصيحتنا أن يكون دخول هذه الأيام، هذا الموسم العظيم بداية تحول في حياته، ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله)) ويش أعظم من الجهاد؟ ((ولا الجهاد في سبيل الله)) وإذا كان هذا في الاستزادة من الأعمال الصالحة من المندوبات؛ لأنه ما يمكن أن يقال في مثل هذه الأمور في الواجبات، مثل هذا النص ما يمكن أن يقال في الواجبات، إنما هو في الازدياد من المندوبات، فكيف بترك الواجبات؟! فما بالك بارتكاب المحرمات، نسأل الله السلامة والعافية، استغلال هذه المواسم لا شك أنها علامة توفيق من الله -جل وعلا-، فعلى السائل أن يكون هذا اليوم، أو هذه الليلة بداية تحول في حياته، وأن يتوب إلى الله -جل وعلا- من جميع ما يرتكبه من محظورات، أو يترك من واجبات، وأن يلزم ما أوجب الله عليه فيفعل، وأن يترك ما نهى الله عنه، وأن يستزيد من المندوبات؛ ليكون بعد ذلك من أولياء الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
دلت عليه الدليل، بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصوم عشر ذي الحجة، ثبت عن عائشة أنها قالت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم عشر ذي الحجة، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على الأعمال الصالحة، وبين أن من أفضل الأعمال الصيام ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فما أفضل من ...
طالب: صح الحديث هذا؟
حديث عائشة صححه الإمام أحمد -رحمه الله-، حديث بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما حديث عائشة فهو في الصحيح.
طالب: مقدم على حديث عائشة؟(22/30)
المثبت مقدم على النفي عند أهل العلم، ومنهم من يرى أن مثل هذا الترك منزلٌ على حاله -عليه الصلاة والسلام-، وفي حكمه من يقوم مقامه بأمور المسلمين العامة، يعني لو فرضنا أن شيخ كبير عالم تحتاجه الأمة، والصيام يشق عليه مع القيام بأعباء هذه التبعة، لا شك أن الصيام يضعف البدن، وبعض الناس ما يتحمل أدنى عمل مع الصيام، فنقول يا أخي: قيامك بالأمور العامة أفضل من صيامك، النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الناس يحتاجونه؛ لكن شخص ما يشق عليه الصيام، لا شك أن الصيام له أجره، وله فضله، وصيام يوم عرفة معروف، وصيام كل يوم منها له أجره.
طالب:. . . . . . . . .
والمحرم أيضاً؛ لأنه جاء ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان.
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ ولكن حتى المحرم، فهذا يدل على الغالب بلا شك، يدل على الغالب؛ لكن كل من حصل له ظرف، أو عاقه عن تحصيل ما هو أهم من الصيام، لا شك أن الصيام بالنسبة له مفضول، لو قلنا مثلاً: أن ولي الأمر برأسه، يعني ما يستطيع أن يقوم بأعباء ما أنيط به إلا إذا ترك الصيام، أو مثلاً عالم كبير تحتاجه الأمة بكاملها يصرون على رأيه، ولا يستطيع أن ينوء بهذه المهمة إلا إذا ترك الصيام، نقول له: أجر الصيام الذي عزم عليه، وعاقه عنه ما عاقه من الأمر المهم.
الآن نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
طالب:. . . . . . . . .
لا في السنن، سنن أبي داود صحيح ما في إشكال، الحديث صحيح؛ لكن ما المراد بالتحلق؟ منهم من قال: سببه التضييق على المصلين.
طالب:. . . . . . . . .
إيه حلقات تؤثر على المصلين، وتضيق عليهم، الذين جاؤوا لانتظار الصلاة، ولو كانوا في زاوية من المسجد، ولم يحن وقت الصلاة، وما ضيقوا عليهم فلا يدخل في هذا؛ لكن المتجه أنه ينهى عنه مطلقاً، لا سيما قبل الصلاة، أما بعد الصلاة إما الظهر أو العصر فلا إشكال فيه.
طالب:. . . . . . . . .
سنن أبي داود.(22/31)
صحيح مسلم - كتاب الحج (23)
مسألة: حج الصبي، وهل الحج كل عام؟
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع.
حدثني علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى عن ابن جريج عن ابن شهاب قال: حدثنا سليمان بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الفضل أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فحجي عنه)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(23/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالكٍ عن ابن شهابٍ عن سليمان بن يسار" تقدم الكلام على هؤلاء، وسليمان بن يسار أحد الفقهاء السبعة من التابعين، من فقهاء المدينة "عن عبد الله بن عباس -حبر الأمة، وترجمان القرآن- أنه قال: "كان الفضل" يعني أخاه الفضل بن عباس "رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رديف يعني وراءه، ركب خلفه على الدابة، وفي هذا جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة لذلك، بحيث تتحمل الإرداف، وهذا أمرٌ ينظر فيه إلى الراكب والمركوب، فإن كان الراكب من وزنٍ يحتمل الإرداف فلا بأس به، وإذا كان المركوب يطيق ذلك .. ، فبعض الناس تحتمل الدابة منه جمعاً اثنين وثلاثة وأربعة، وبعض الناس لا تحتمله بمفرده، فالمسألة ينظر فيها إلى كل حالة بمفردها، وجمع من أردف النبي -عليه الصلاة والسلام- فبلغوا نحو الثلاثين، وألف فيهم ابن مندة جزءً، كل هذا يدل على جواز الإرداف، وعلى تواضعه -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الناس ينتطي دابة بمفرده أنفةً أن يركب معه أحد، لئلا يظن أن فيه المساواة، ومنهم من يركب السيارة بمفرده، ومنهم من يستقل الطائرة بمفرده، كل هذا من باب الأنفة؛ لئلا يركب مع الناس، أو يُركب معه الناس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ركب على الحمار، أشرف الخلق، وأكرمهم على الله، وأردف وراءه ما يزيد على الثلاثين من صحابته -رضوان الله عليهم-.
"فجاءته امرأةٌ من خثعم تستفتيه" فدل على حرص ذلك الجيل على أمور الدين، وأن المرأة تستفتي فيما ينوبها من الأحكام الشرعية، ولا تترك ذلك كما يفعله كثيرٌ من نساء الوقت، وإن كان الآن ظهر شيء من ذلك من كثرة الاستفتاء لسهولة وسائل الاتصال، يعني المرأة لا يشق عليها أن ترفع التلفون وتستفتي، لكن قبل كان النساء تموت المرأة وحاجتها ومسألتها في صدرها ما تستفتي أحد؛ لأنه يلزم عليها الخروج من بيتها إلى من تستفتيه، هذه خرجت للحج، فجاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تستفتيه.(23/2)
"فجعل الفضل ينظر إليها" أمرٌ جبلي، طبع عليه البشر، الرجال فيهم ميلٌ إلى النساء، والنساء فيهن ميلٌ إلى الرجال، "وتنظر إليه" أيضاً، مع أنه لا يجوز شرعاً، فجاء الأمر للرجال والنساء على حدٍ سواء بغض البصر، {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فجعل ينظر إليها وتنظر إليه، وكانت وضيئة، وكان الفضل حسناً جميلاً، فتنظر إليه، وينظر إليها، وهذا لا شك أنه منكر بين يدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- فغيره بيده، "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل" لأنه به يتم الإنكار، يعني لئلا يقول قائل: لماذا لم يصرف وجهها؟ إذا صرف وجهه عنه انتهى المنكر، تنظر إلى أي شيء؟
كونها وضيئة كما جاء وصفها في بعض الروايات الصحيحة، وكونه حسن جميل هذا لا شك أن الطباع تميل إلى مثل هذا، والنظر إليه، ووضاءتها تبين من شيء يسير منها، ولو أصبع منها، والمرأة إذا ركبت الدابة مهما احتاطت لنفسها لا بد أن يظهر منها شيء يسير، ولا يقال: إنها كاشفة أو حاسرة عن وجهها أبداً، لا يلزم هذا، وضاءتها تبين من خلال أصبع من أصابعها، ولولا هذا الوصف لقلنا أنه ينظر إلى حجمها، وجرمها وطولها وعرضها، ولا شك أن مثل هذا يستهوي الرجال، والكلام في الحديث طويل يستدل به من يرى جواز كشف الوجه، ولا دليل فيه؛ لأن الوضاءة تبين من أدنى شيء، لا سيما مع ركوب الدابة، على خلاف الوضع الطبيعي للمرأة، يعني الوضع الطبيعي للمرأة أنها لا يرى منها شيء، لكن إذا ركبت، الآن والناس في السيارات التي هي أشبه ما تكون بالغرف لا بد من أن يبين من المرأة شيء، يعني إذا أرادت أن تركب لا بد أن يبين من رجلها شيء، إذا أرادت أن تنزل، إذا أرادت أن تتصرف أي تصرف لا بد أن يبين منها شيء، مهما بالغت في الاحتياط، فهذا على خلاف الأصل، وعلى خلاف العادة، ولا يقرر مثل هذا ما يحصل في مثل هذه الظروف على الأحوال العادية أبداً.(23/3)
فالمرأة مطالبة بتغطية وجهها، ومن يدعي أن تغطية الوجه خاص بنساء النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد ادعى التفريق بين المتماثلات، وزعم أن الشرع يقول بذلك، والشرع لا يأتي بالتفريق بين المتماثلات أبداً، كما أنه لا يجمع بين المختلفات، وإذا كان نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجة إلى التطهير، فنساء المؤمنين، وبنات المؤمنين كذلك، وإلا كان التنصيص على العلة لغواً من الكلام {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [(33) سورة الأحزاب] طيب ونساء المؤمنين لا مانع أن يقترفن الرجس، لسن بحاجة إلى التطهير؟ هن بحاجة إلى التطهير، فالعلة مشتركة بين نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- ونساء المؤمنين على حدٍ سواء، كلٌ منهم مطلوبٌ منه اجتناب الرجس، وإذهاب الرجس، والتطهير، فالحكم واحد.
"فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه" سكت النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تركهم؟ لا، "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل" في بعض الروايات: "فلوى عنق الفضل" وقال له العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لويت عنق ابن أخيك" هذا إنكار المنكر باليد لمن يستطيع، وهذا هو المتعين على المستطيع ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يستطيع تغيير المنكر بيده فغيره.
طالب:. . . . . . . . .
إذا لم يترتب عليه منكر أعظم منه، أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
يجب عليه، يجب عليه أن يغير بيده.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما ينتقل، ما يكفي إلا إذا كان باللسان يتغير، إذا كان باللسان يتغير، فالبداءة بالأسهل لا شك أنه مطلوب.
طالب:. . . . . . . . .
هو المرتبة الأولى باليد، إذا لم يستطع اليد فباللسان، لكن أحياناً بكل بساطة يستطيع أن يأخذ من ولده الآلة المحرمة، أو الصورة المحرمة ويكسرها، هذا تغيير باليد، ويستطيع ذلك، بل بماله اشتري، اشتري هذا المنكر، لكن إذا قال له: يا بني أتلف الآلة هذه، فجاء إليها وكسرها من باب التمرين على تغيير المنكر.
طالب:. . . . . . . . .
يتلفها بيده، بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .(23/4)
لا ما يكفي، ما يكفي، إذا كان يستطيع التغيير باليد لا يكفي القول.
طالب:. . . . . . . . .
إيه استدلوا بهذا الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
هذا قيل، وجاء في بعض الروايات ما يدل على أنها جاءت لتعرض نفسها على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأبدت شيئاً مما يبين عن وضاءتها هذا قيل به، على كل حال هذا فيه ضعف، فيه أبو معشر نجيح السندي وله وجه، ولعل الفضل حينما نظر إليها لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس بحاجة إليها، كما في حديث الواهبة: "زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة" على كل حال قيل بهذا، لكن فيه ضعف، وهو وجيه، لو كان مجرد استنباط لا بأس، لكن جاء من طريق فيه ضعف.
طالب:. . . . . . . . .
لا، النظر للمرأة تنظر بكل بساطة وهي متحجبة، تنظر وهي متحجبة، المرأة تنظر وهي متحجبة، يعني ما يبين منها شيء ومع ذلك تنظر، وإلا لكان تكليفها بالحجاب تكليف بما لا يطاق، بالحجاب تمشي وما تشوف ما هو بصحيح، الحجاب ما يمنع نظر المرأة إلى غيرها، وفرق بين الحجاب حينما يكون قريب جداً إلى الوجه وبينه حينما يكون بعيد، حينما يكون قريب لا يحجب ما وراءه، وإذا يكون بعيد يحجب، والتجربة ظاهرة، النساء كلهم يمشون بالحجاب، ويرون الذي أمامهم.(23/5)
"فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: "يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة" فريضة الله على عباده، الحج فريضة، بل ركن من أركان الإسلام، لكن هل هي فريضة بالنسبة لهذا الرجل أو ليست فريضة؟ الرجل لا يستطيع الرجل بنفسه لا يستطيع، لكنه مستطيع بغيره، فهي فريضة عليه لاستطاعته بغيره، إما بماله أو بولده البار الذي يتبرع بالحج عنه، "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً" حال كونه شيخاً كبيراً "لا يستطيع أن يثبت على الراحلة" هل مثل هذا يمكن أن يشد على الراحلة؟ يثبت بالشد، لكن هذا تكليف بما لا يطاق، يعني ما هو بمعنى أنه يشد بحزام الأمان، لا، حزام الأمان لا يجدي شيئاً بالنسبة للراحلة، إنما اللي يلزم منه أن يربط مثل تربيط العفش، وهذا يضره، يعني لو قلنا: بالشد ولا يثبت على الراحلة لازم يربط تربيط عفش، علشان ما يطيح، لكن حزام الأمان ما يكفي؛ لأن حزام الأمان فيه شيء من الحرية، ولا يتضرر به مستعمله، ولهذا الذي لا يثبت على الراحلة يسقط عنه الحج، وجوب الحج بنفسه، لكن إن كان مستطيعاً بماله أو بولده المتبرع لا تسقط عنه الفريضة، ولذلك قالت: "إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع" قال: ((نعم)) ففيه دليلٌ على النيابة في الحج، وأنه يقبل النيابة، هذا الركن من أركان الإسلام يقبل النيابة، وفيه أيضاً جواز حج المرأة عن الرجل، خلافاً لمن منع ذلك؛ لأن المرأة يعتريها من النقص من الحج ما لا يعتري الرجل، فعلى هذا لا يصح حج المرأة عن الرجل عند بعضهم، والحديث دليلٌ صحيح صريح في الرد عليهم، فتحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة.(23/6)
النيابة في الحج في مثل هذه الصورة لا إشكال في جوازه، غير المستطيع في الفريضة، هذا تقبل النيابة، والنيابة في النصوص ظاهرة، لكن النيابة عن المستطيع، أو النيابة عن المستطيع وغيره في النافلة، يعني مما لم يرد به خبر، هل نقول: ما دام الحج قبل النيابة فليقبل في جميع الصور قياساً على هذه؟ أو نقول: هذا خاص بغير المستطيع العاجز عن تأدية الفريضة وقوفاً مع النص؟ وعلى هذا لا نيابة في النفل، ولا نيابة عن المستطيع، إذا أردنا أن نطبق هذه الأوصاف المذكورة في الحديث، ونقول: إنها أوصاف مؤثرة لها مفهوم، "إن فريضة الله" فقال: ((حجي عنه)) لو كانت نافلة يقول: حجي وإلا ما يقول؟ "أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع" لو كان يستطيع يقبل النيابة وإلا لا؟ الفريضة لا تقبل، لكن هل النافلة تقبل وإلا ما تقبل؟ يعني إذا قلنا: أن هذه أوصاف مؤثرة، ولها مفهوم، قلنا: نقتصر على هذه الأوصاف فقط، لكن من أهل العلم يقول: أبداً، ما دامت الفريضة، والركن من أركان الإسلام قبل النيابة، فلأن يقبل النفل من باب أولى، أما المستطيع في الفريضة هذا محل اتفاق، المستطيع في الفريضة محل اتفاق أنه لا يقبل النيابة، المستطيع في النافلة هذا أيضاً محل خلاف بين أهل العلم، المقصود أن مثل هذا ما دام قبل النيابة في الركن من أركان الإسلام، فلأن يقبل في التطوع من باب أولى؛ لأن التطوع أخف من الفريضة.
وذلك في حجة الوداع ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما دام جاءت هذه الصورة وغيرها من الصور ((حج عن أبيك واعتمر))، وجاء في أيضاً النيابة في أبعاضه، النيابة في أبعاضه جاءت، فمما يدل على أن الأمر فيه شيء من السعة، لا سيما في النفل، النفل ما دام هذه الفريضة التي هي ركن الإسلام، فلا أرى ما يمنع -إن شاء الله تعالى- من قبوله كالصيام، ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وهذا أقرب إلى العبادات البدنية من العبادات التي تقبل النيابة، الصيام، ولذا خصه بعضهم بالنذر لا ما أوجب الله عليه، "وذلك في حجة الوداع" نعم، ...
طالب:. . . . . . . . .
إن شاء الله، للمستطيع في النفل، ولغير المستطيع مطلقاً.(23/7)
"وذلك في حجة الوداع" إذا أوصى، ميت وأوصى، في وصيته أن يحج عنه حج الفريضة أيش نقول؟ يحج عنه وإلا ما يحج عنه؟ الذين يقولون: أنه لا يقبل النيابة ما يحج عنه، يعني هذا على خلاف الأصل، قيل: بأن النيابة لا تدخل إلا في مثل هذه الصورة، والأوصاف المذكورة في الحديث أوصاف مؤثرة، قيل بهذا، وأنه لا يقبل النيابة مطلقاً إلا في هذه الصورة المخصوصة، على كل حال الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
"قال: حدثني علي بن خشرم، قال: أخبرنا عيسى عن ابن جريج عن ابن شهاب قال: حدثنا سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل" هناك عن عبد الله بن عباس أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان الفضل بن عباس، وهنا: عن الفضل أن امرأة، الفرق بين الصيغتين؟ هنا سند معنعن، وهناك سند مؤنن، ولا فرق بينهما عند أهل العلم، وكلهما محمولٌ على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، كون الراوي غير معروف بالتدليس، وأن يثبت لقاؤه لمن روى عنه، فلا فرق بينهما.
عن ابن عباس عن الفضل أن امرأة، وهذا ينبني على كون عبد الله بن عباس حضر حجة الوداع، حضر وإلا ما حضر؟
طالب:. . . . . . . . .
لما جاء وهم بمنى على الأتان؟ نعم حضر.
"عن الفضل أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج" يعني وجبت عليه فريضة الله في الحج، "وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فحجي عنه)).
الآن النووي -رحمه الله تعالى- قال: باب الحج عن العاجز لزمانة وهرمٍ ونحوهما أو للموت، كون الإنسان مقعد لا يستطيع أن يحج فهذا يحج عنه، لزمانة الزمِن هو المقعد، أو الهرم كبير لا يستطيع أن يحج بنفسه، ونحوهما أو ميت، وجبت عليه الفريضة، ثم مات قبل أن يؤديها فحينئذٍ يحج عنه من ماله، وجوباً تجب عليه في ماله.
يعني من باب ((أنت ومالك لأبيك)) يعني بدن .. ، الولد هل يلزمه أن يحج عن والده وإلا ما يلزمه؟ الولد مستطيع والوالد غير مستطيع هل يجب على الولد أن يحج عن والده؟ وهل يجب عليه إذا مات وليس لديه مال والولد عنده مال أن يحجج عن أبيه؟ هذه فرع عن تلك، لا يجب عليه إلا من باب البر.(23/8)
طالب:. . . . . . . . .
إيه يملكه في حياته، أما بعد وفاته فلا، في حياته يملك أن يأخذ من مال ولده فيحج، ما في ما يمنع ((أنت ومالك لأبيك)) وجوباً، نعم، وإلا لا يلزمهم إلا من باب البر، لا يجب عليهم إلا من باب البر.
طالب:. . . . . . . . .
كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه لا يجب عليهم إلا من باب البر، لكن لو كان حي وأخذ منهم له ذلك، لو كان حياً فأخذ منهم ما لا يضر بهم بهذا الشرط ما لا يضر بهم له ذلك، ومن أبر البر بالوالدين أن تسدد ديونهم.
"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، وابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي ركباً بالروحاء فقال: ((من القوم؟ )) قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) فرفعت إليه امرأة صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: رفعت امرأة صبياً لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).
وحدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أن امرأة رفعت صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).
وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس بمثله".(23/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة، قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة" مثل ما تقدم أنه إذا أعاد واحد من الجماعة، وساق الحديث بإسناده فإنه يكون صاحب اللفظ، هذا هو الغالب، قال: "حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي ركباً بالروحاء، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هل هذه رواية يرويها ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بمعنى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدثه بهذا الكلام، أو عن قصة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما لقي ركباً بالروحاء؟ وتأتي (عن) ويراد بها القصة، تأتي (عن) لا يراد بها التحديث، وإنما يراد بها القصة، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، هذه رواية وإلا قصة؟ قصة، ما يمكن أن تكون رواية، ما يمكن أن يحدث بعد موته.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه "لقي ركباً بالروحاء" الروحاء: مكانٌ على ستةٍ وثلاثين ميلاً من المدينة، كما قال ذلك الإمام مسلم في كتاب الأذان، ستة وثلاثين ميلاً، يعني قريب من ستين كيلو، لقي ركباً بالروحاء، "فقال: ((من القوم؟ )) قالوا: المسلمون" والسؤال عن الشخص أو عن الجماعة سنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل من فلان؟ والصحابة يسألون؛ لكي ينزل المسئول عنه في منزلته اللائقة به، وكم من حرج وقع بسبب ترك السؤال، كم من حرج يقع بسبب ترك السؤال، فيسأل عن الداخل سواءٌ كان واحد أو عن جماعة؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ويعامل كل إنسان بما يليق به.
"فقال: ((من القوم؟ )) قالوا: المسلمون" يعني هم من المسلمين، وليس كل المسلمين، "فقالوا: من أنت؟ " ما عرفوه -عليه الصلاة والسلام-، إما لكونهم بالليل في الظلام، فلم يروا وجهه الشريف -عليه الصلاة والسلام-، أو لكونهم أسلموا في بلدانهم، ولم يهاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يروه قبل ذلك، فما عرفوه، ولذا سألوا عنه "فقالوا: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) -صلى الله عليه وسلم-، "فرفعت إليه امرأة صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).(23/10)
الآن هذا الصبي أمه أحرمت به أو لم تحرم به؟
طالب: أحرمت به، وسألت عن الأجر.
هل السؤال قبل الإحرام أو بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تعدينا الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ألا يحتمل أن هؤلاء الركب بعد الميقات، هي لا يمكن أن تتصرف وتحرم به قبل أن تسأل، طيب لو قال: ما له حج، إيش تبي تسوي؟ الأصل أن يكون السؤال قبل الفعل، هذا الأصل، وأن الإنسان لا يتعبد بشيء إلا على بصيرة، ومعه عليه دليل، تحرم به وتحج به من غير سؤال؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم إذا كان مكانهم الروحاء، يحرمون من مكانهم دون الميقات هم.
طالب:. . . . . . . . .
هي محرمة هي، هي تسأل عن الصبي، الآن ما تعرض لها بشيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما يلزم لا، لا، أبداً ما يلزم، اللي يظهر أن السؤال قبل أن تحرم به، والركب: جمعه راكب كصحب وصاحب، وهم القوم الركبان، يحددونهم بما دون العشرة.
"فرفعت إليه امرأة صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)) " هذا يدل على صحة حج الصبي الذي لم يبلغ، والصبي يشمل ما كان قبل التمييز، وما بعد التمييز، ما قبل التمييز وما بعده، وبهذا قال جمهور أهل العلم بصحة حج الصبي، وجمهور من قال بصحته قالوا: لا يجزئه عن حجة الإسلام، بل لا بد أن يحج بعد أن يكلف، وشذ قومٌ قالوا: بأنه يجزئه، ولا حظ لهذا القول من النظر، وأيضاً جمهور من قال بصحة حجه قالوا: تترتب عليه الآثار المترتبة على حج الكبير من ترك المحظورات، وما يلزم على فعلها، وقال أبو حنيفة: لا يلزم شيء من مخالفات الصبي؛ لأنه غير مكلف، فلا يلزم عليه فداء ولا كفارات ولا شيء، كما أنه لا تجب عليه الزكاة في ماله، يعني طرداً لمذهبه -رحمه الله-، والجمهور على أنه يلزمه، تلزمه الزكاة في ماله، تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون عند الجمهور، وتجب عليه أروش الجنايات والكفارات، المقصود أنه في الحج وما يلتزمه؛ لأنه من باب ربط الأسباب بالمسببات، وليست من باب التكليف، فهي من باب الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي، يعني لو أن صبياً كسر آلة لشخص من الأشخاص، وطالبه بقيمتها يلزمه دفعها، فهذا من باب ربط الأسباب بالمسببات.(23/11)
قال: ((نعم، ولك أجر)) فحجه صحيح، وتلزمه، ويلزمه ما يلزم الكبير من اجتناب المحظورات، ويحرم له وليه في المال؛ لأنه هو الذي سوف يتولى هذه التبعات، وليه في المال هو الذي يحرم له، وهنا امرأة التي سألت، فتكون وليةً عليه بالوصاية، بالوصاية تكون ولية له.
طالب:. . . . . . . . .
هذا قول الحنفية فقط، وإلا من دخل في الحج يلزمه الإتمام.
قال: ((ولك أجر)) لها أجر باعتبار أنها تعبت على حجه، فلها أجر المشقة اللاحقة بها بسبب حجه، وإدخاله في هذه العبادة، وتحملها المشاق بسببه، فلها أجر، ماذا عن الصبي؟ الصبي له حج، معنى له حج قلنا: إنه لا يجزئه عن حجة الإسلام، وقلنا: إن القلم مرفوعٌ عنه، لكن تكليفه بتبعات المحظورات من باب ربط الأسباب بالمسببات، فهل له أجر؟ الصبي غير المكلف لا يكتب عليه إثم ولا وزر، وهذا أمر متفق عليه، لكن هل له أجر أو ليس له أجر؟ من أهل العلم من يقول: لا له ولا عليه، ما دام ما كلف؛ لأن القلم مرفوعٌ عنه، وإذا رفع القلم إيش معناه؟ معناه ما يكتب شيء، لا في الأجور، ولا في الأوزار، ومنهم من قال: تكتب الحسنات فضلاً من الله -جل وعلا-، ولا يكتب عليه سيئات، فإذا ثبت له أن أجر له حج، هل لوليه في المال أن يصرف هذا الحج لغيره كما يفعله كثير من الناس؟ الآن إذا ركبوا إلى مكة، وأدوا عمرة، أحرموا بالعمرة، فقال الأب: عمرة فلان لوالدي، وفلان لوالدتي، وفلانة لجدتي، وفلان لخالي، يفعلون هذا الناس، يفعلونه، هل معنى كونه له حج يعني أن الحج ما دام هو ما يكتب له ولا عليه هذا الصبي فلا يضيع سدى، لا بد أن نصرفه لشخصٍ ينتفع به من المكلفين، هذه وجهة نظر من يفعل مثل هذا الصنيع، بعض الناس لما يفهم أن الصبي غير مكلف، صبي غير مكلف أيش معنى غير المكلف؟ لم يجر عليه قلم التكليف، فلا يكتب له ولا عليه، وهذا له حج هل هذه الحجة تذهب سدى؟ لا سيما على قول من يقول: إنه لا يكتب له ولا عليه، ليس له أجر، الأجر لأمه، لكن له حج، أيش معنى له حج؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الصبي هذا رفع عنه القلم، أيش معنى رفع القلم؟ أنه لا يكتب له شيء، لا ملك اليمين، ولا ملك الشمال، لا ملك الحسنات، ولا ملك السيئات.(23/12)
طالب:. . . . . . . . .
أجر لمن؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: له رجعنا إلى ما استشكلنا.
طالب:. . . . . . . . .
الآن بحث ما بعد قررنا شيء، نحن نمشي على خطوة خطوة، علشان تستقر المسألة، الأم لها أجر، وعرفنا لماذا صار لها أجر؟ وليُّ الصبي الذي يحج به، أو يعتمر به له أجر، لكن الصبي له عمرة إذا اعتمر، له حج إذا حج بالنص، أيش معنى له حج وهو مرفوعٌ عنه القلم؟ ورفع القلم يقتضي أن لا يكتب له ولا عليه؛ لأننا لو قلنا: إنه يكتب له أثبتنا عدم رفع القلم.
طالب: صحة وقوع الفعل منه.
يصح لمجرد التمرين، كأمره بالصلاة، هذا قول كثير من أهل العلم أنه لا له ولا عليه؛ لأن القلم مرفوع، وهذا مقتضى رفع القلم، يعني لو قلنا: إنه يكتب له ما قلنا: إنه رفع القلم، هل نقول: إنه يكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات كما قال بعضهم؟ أو نقول: لا يكتب له شيء وإنما هذا لمجرد التمرين، كما يؤمر بالصلاة لسبع ويضرب عليها لعشر؟
طالب: تكتب له الحسنات ولا تكتب السيئات
هذا قول، وفضل الله واسع لا يحد، لكن أيش مقتضى رفع القلم؟
طالب:. . . . . . . . .
شاب، يعني مكلف، ما هو بطفل ولا صبي.
طالب:. . . . . . . . .
أي نشأ من تكليفه، ما يمنع، نبي كلام تلتئم فيه النصوص.
طالب: لما صح وقوع الفعل منه كان الأجر لأمه الذي حجت به، والأجر الذي حصل لأمه من حجه ومن فعله.
ها إيش في يا عمر؟
طالب:. . . . . . . . .
مسلم بغير شك.
طالب:. . . . . . . . .(23/13)
يعني كما يؤمر بالصلاة لسبع، ويضرب عليها لعشر، لكن مقتضى كون الصلاة صحيحة من الصبي، والحج صحيح من الصبي هل يترتب عليه ثواب أو لا ثواب له؟ الأجر لأمه، والحج له، وإنما يؤمر به لمجرد التمرين، ولذا الأمر بالأمر هل هو أمرٌ به أو لا؟ ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) هذا أمر، وهل هذا الأمر متجه للصبي أو متجه للولي؟ هو متجه للولي بلا شك، الأمر بالأمر متجه للولي، لكن الأمر المباشر؟ الآن عندنا ((مروا)) يعني يا أيها الولي قل لولدك: صلِ، فأنت مأمور بأن تقول للولد: صلّ، والولد مأمورٌ بقولك: صلّ، فإذا عصى الولد مثلاً ولا صلى هل هو عاصٍ لوليه أو عاصٍ لربه؟ شوية شوية علشان تتقرر المسألة؛ لأن المسألة كبيرة في الأصول، ويبحثونها بقوة، الأمر بالأمر بالشيء، الآن أنت مأمور أن تقول لولدك: صل، ((مروا أولادكم بالصلاة)) فزيد يجب عليه أن يقول لولده: صلّ، الأمر المتجه إلى الأب الأصل فيه الوجوب أو الاستحباب؟ الوجوب، الأمر الأصل فيه للوجوب، لكن أمر الصبي بقول وليه: صلّ وجوب وإلا استحباب؟
طالب:. . . . . . . . .
لأن مثل هذه الصيغة تشتمل على أمرين: أمر من الشارع للأب أن يأمر ولده بالصلاة، فإذا عصى، الشارع ما أمر ولده، إذا عصى الولي لم يأمر ولده فهو عاصٍ لله -جل وعلا-، إذا عصى الولد، قال: صلّ، قال: ما أنا بمصلي، قال: لا، هل يكون عاصياً لله -جل وعلا- أو عاصياً لوالده الذي أمر بأمره؟ الذي أمره بقوله: صل؟ ولذا نتصور مسألة الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمرٌ به أو لا؟ وهل يختلف مثل هذا بين مأمور ومأمور أو لا يختلف؟ يعني إذا قلت لولدك الكبير: قل لأخيك يأتي بخبز لنا، إذا قال الأب لولده الأكبر: قل لأخيك الأصغر يجيب لنا خبز، الولد امتثل وقال لأخيه الأصغر: هات لنا خبز، الأصغر ما جاب خبز، هل هو عاصٍ لأبيه أو هو عاصٍ لأخيه الكبير؟
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أن المسألة ما تحررت في الأذهان.
طالب: التصور واضح يا شيخ.
إذا تصورنا المسألة، وهي شائكة ما حسموها الكبار ترى، لكن .. ، ولذا ينبغي أن ينظر إلى كل مسألة بعينها، فإذا كان هذا العمل، هذا الأمر يليق بالصغير له حكم، إذا كان لا يليق به إنما يليق بالكبير له حكم.(23/14)
طالب:. . . . . . . . .
فينظر إلى كل مسألة بحالها، فننظر إلى ما عندنا، الآن الصلاة مثلاً، الصبي غير مكلف، ومرفوع عنه القلم، ولا يأثم إذا عصى هذا الأمر، يأثم وإلا ما يأثم؟ ما يأثم، إنما أمره على سبيل الاستحباب من أجل التمرين، فالأمر بهذا الأمر استحباب وإلا وجوب؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب ((مروا)) هذا الأمر للوجوب، أن يأمر الأب ابنه بالصلاة.
طالب: والولد ليس ملزم، ليس مكلف.
لأنه مرفوعٌ عنه القلم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، نأتي إلى ما عندنا، هل نقول: إن قولها: ألهذا حج؟ يكون مثل الصلاة من باب التمرين فقط ليس له أجر؟ وإذا كان له أجر .. ، وإلا خلينا مع الاحتمال الأول أنه ليس له أجر فيه، الأجر للأم، وحجه صحيح للتمرين فقط، ولا يترتب عليه حسنات، هل لوليه الذي تعب عليه أن يصرف هذا الحج الصحيح لمن يقبل الأجر، لجهة قابلة؟ الآن الصبي جهة غير قابلة باعتبار أيش؟ أنه مرفوعٌ عنه القلم، جهة غير قابلة، فهل له أن يصرفه إلى جهة قابلة؟
طالب:. . . . . . . . .
لأن المباشر لا يستحق، على هذا القول لا يستحق، إذاً ما دام ليس له أجر فيكيف يهدى هذا الأجر؟ عكس ذلك مسألة إهداء الثواب، شخص يقرأ القرآن وإذا انتهى قال: أجره لوالدي أو لوالديّ، الذي يقول بأن مثل هذا العمل صحيح، ويجوز إهداء القرب والثواب ويصل هذا ما فيه إشكال، لكن عند من يقول: إنه لا يصل، الأصل قابل والفرع غير قابل، عكس مسألتنا، الأصل غير قابل والفرع قابل.
طالب:. . . . . . . . .
ويش المانع؟ اقرأ لوالديك ما يضرك -إن شاء الله-، اقرأ لوالديك -إن شاء الله- ما يضرك، مو بتقرأ قراءة، إذا قرأت لنفسك أنت تقرأ، وثبت لك الثواب، تهدي الثواب لوالديك هذا ما فيه إشكال، أما تقرأ لوالديك هذه المسألة البدعية ندخل بها، أما المسألة مسألة إهداء الثواب مسألة كبيرة، ومختلف فيها اختلاف بين أهل العلم بيِّن.
أنا أتيت بمسألتين متقابلتين، هنا الأصل غير قابل والفرع قابل، وفي مسألة إهداء الثواب عند من يقول: بأنه لا يصل، الأصل قابل والفرع غير قابل، عكس هذه المسألة، نعم يا شيخ.(23/15)
طالب: أقول: بالنسبة للصغير في الإهداء، في دليل يدل على عدم صحة ذلك، دليل من السنة، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع الرجل يلبي عن شبرمة، قال: ((من شبرمة؟ )) قال: أخي، قال: ((هل حججت عن نفسك؟ )) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم عن شبرمة)) الصغير لم يحج عن نفسه حتى الآن حجته ...
هو ما حج عن أحد، هو لن يحج عن أحد.
طالب:. . . . . . . . .
الثواب؟
طالب: إيه هو نفسه. . . . . . . . .
لا، لا، مجرد ثواب، ثواب، شخص ما يجب عليه حج أصلاً، مات وهو فقير عاجز عن الحج، هذا شخص ما بعد كلف في الحج ...
طالب:. . . . . . . . .
خلونا نمشي المسائل على مسألة مسألة، هل نقرر أن له حج، هذا الصبي له حج، فكونه له حج، دعونا من قول: إنه يكتب له الحسنات، إذا كتبت له الحسنات انتهينا منه، لكن على مقتضى رفع القلم عنه أنه لا حسنات ولا سيئات، فما معنى: ((ألهذا حج؟ قال: ((نعم)) لماذا إذا كان لا يقبل هذه العبادة ما تصرف إلى شخص يقبل كما يفعله كثير من الناس الآن؟ ما دام طفل ما جرى عليه القلم، وهذا حجٌ صحيح شرعاً، لماذا لا يصرف ثوابه لجهة قابلة؟ تقبل الثواب؟ يأتي أن الفرع تابع للأصل، فإذا كان الأصل غير قابل، فالفرع من باب أولى، أنه لا أجر له ما دام قررنا أنه ليس له أجر باعتبار أن القلم مرفوعٌ عنه، إذاً ما الذي يهدى لغيره؟ هو ما كتب له ثواب من أجل أن يهدى، وهذا مقتضى قول من يقول: إنه لا أجر ولا وزر على غير المكلف، نعم.
طالب: المسألة فيها عام وخاص رفع القلم هذا عام، له أجر تخصيص. . . . . . . . .
لا ما له أجر لو حج، الأجر للأم ((ولكِ أجر)).
طالب:. . . . . . . . .
يعني باعتبار إثبات الحج من لازمه إثبات الأجر، يعني من لازم صحة الحج وقوع الأجر المرتب عليه.
طالب: يا شيخ أعطى واحد حجة، وقال: حج عن نفسك -أعطاه مبلغ من المال- ما يكون له أجر هذا؟
له أجر.
طالب: وذاك؟
لو حج، بس هذا ما رفع عنه القلم، قلم التكليف يجري عليه، يكتب له، ويكتب عليه غير الصبي، أنت تصور شخص حج بمجنون، مرفوع عنه القلم، هل هو مثل الصبي؟ الصبي أثبت الشرع أن له حج، المجنون ليس له حج، لا يصح منه الحج ..
طالب:. . . . . . . . .
التعب.(23/16)
طالب: إذاً التعب هو فعل الصبي، حج الصبي فيعود على أمه.
لا، لا، تعبها هي.
طالب: أيضاً يا شيخ من فعل ابنها.
من فعلها بابنها، ما هو من فعله هو، أنت لا تتصور الصبي أبو اثنا عشر سنة يروح ويجي ولا مكلفها شيء، لا، تصور صبي أبو سنة، لها أجر على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما يبعد أنه لو أثبتنا صحة العبادة أن نثبت الثواب المرتب عليها، مقتضى ذلك أن نثبت الثواب المرتب عليها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا، ما هو بأجر الولي، الولي يقول: أنا مكلف، ويكتب لي، ويكتب علي، ما أنا بصارف أجري، نبي ها الصبي الذي لا يكتب له ولا عليه ما تروح الحجة سدى.
يعني بالنسبة لإهداء الثواب في قصة لواحد من العباد، وهو ليس من أهل العلم، يختم القرآن كل يوم ...
طالب:. . . . . . . . .
لحظة خلونا نكمل القصة هذه؛ لأنها تبين بعض الشيء، شخص من العباد يقرأ القرآن كل يوم الختم، وإذا انتهى قال: أجرها وثوابها لوالدي، ومن الغد: لوالدتي، ومن بعده: لجدي فلان، ومن بعده .. إلى آخره، إمام المسجد من أهل العلم، ولا يرى صرف الثواب، قال: ترى عملك هذا بدعة يا أخي، قال: هذا الكلام موجه إلى حكمٍ عدل، إن قبلها عن والدي وإلا رجعت إليّ ما هي بضائعة -إن شاء الله-، يعني إن كان الجد أو الأب جهة قابلة، يعني على القول الآخر الذي يفتى به عند كثيرٍ من الناس أن مثل هذا مقبول، ومعتمد عند الحنابلة وغيرهم، أي عبادة فعلها ثم صرف ثوابها لحيٍ أو ميت وصلت، أو قُربة .. ، هذا كلام الحنابلة، فهذا ماشي على هذا القول، وإمام المسجد ماشي على القول الآخر، فماذا قال هذا الشخص الكبير سنه، وعابد هو وتوفي -رحمه الله-، قال: الكلام أنا أخاطب حكم عدل، إن كانت الجهة قابلة، المصروف إليها وصلت، وإلا رجعت لي، لن تضيع، فهل يتصور مثل هذا؟ هل الكلام مقبول وإلا غير مقبول؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو باعتبار أنه مشي على قول معتبر عند أهل العلم ما يلام، لكن جوابه لهذا، نقول: إذا كانت الجهة غير قابلة، والقول قول من يعتد به من أهل العلم، وأنت مقتنع بهذا القول صرت مبتدع.
طالب:. . . . . . . . .(23/17)
شوف يا أخي لو كان غير مقبول ممن لا يرى هذا الرأي، يعني لو شخص يرى أنه لا يصل الثواب، الثواب المهدى لا يصل، ثم قال مثل هذا الكلام هذا تردد في النية، وحينئذٍ يكون غير مقبول، لكن شخص يرى القول الآخر ويريد أن يقنع غيره يقبل من هذه الحيثية.
المقصود لعل المتجه من إثبات الحج وأمره بالصلاة، وتحميله المشاق من أجل الصلاة في الأيام الشديدة البرد، والأيام الشديدة الحر أن الله -جل وعلا- لا يخيبه دون ثواب، ولهذا يتجه القول بأنه يثاب على الطاعات، ولا يعاقب على السيئات.
طالب:. . . . . . . . .
مدخر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
مثله، مثله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
والله هو إذا ضمنها لنفسه وأهداها لغيره، الثواب، جاء ((لا يصلي أحد عن أحد)) تصلي عنه لا، تصوم عنه لا، لكن إذا ملكت الثواب، وحزت عليه، وأهديته هذا قول معتبر عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا عمله، واجتهد فيه بشروطه وواجباته وأركانه ويش اللي يمنع؟ هذا مسألة عمل ظاهر، والنتائج عند الله -جل وعلا-، فكأنه مشروط، يعني إن كان هذا العمل مقبولاً فاجعل ثوابه لوالدي.
طالب:. . . . . . . . .
بس ما تقرأ للأموات، إهداء الثواب غير القراءة للأموات، مسألة ثانية هذه، يعني مثل تصلي لأبيك؟ ما تصلي، ما يجوز، ((لا يصلي أحدٌ عن أحد)) لكن مقتضى المذهب عند الحنابلة أنك إذا صليت نافلة، وقلت: اللهم اجعل ثوابها ... ، الآن العوام إذا قال: لا إله إلا الله، قال: ثوابها لوالدي، فالثواب غير الفعل، لا بد أن نفرق بين هذا وهذا، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، عند الحنابلة، وعند الشافعية، وعند جمع غفير من أهل العلم، إهداء الثواب، وهو قول الجمهور.
طالب:. . . . . . . . .
الأعمال التي قبلت النيابة ...
طالب:. . . . . . . . .
شوف الآن الذي ورد فيه النص الدعاء، الصدقة، الحج، الحج والعمرة والصيام، هذه قبلت النيابة ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الواجب، الواجب بالنذر بعد، المرجح أنه ما وجب بالنذر، لا بأصل الشرع ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) مصروف ...
طالب:. . . . . . . . .
وأين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه من الصدقة، تلحق بالصدقات.(23/18)
طالب:. . . . . . . . .
صيام رمضان، ما يصام، لا لا، يكفر عنه.
طالب: إذا فرط في الصيام في صحته ثم مرض ومات، وقد استطاع الصيام ثم أخر، ثم مرض ...
صيام الفرض؟ هذا ما عليه يطعم عنه.
طالب: عليه صيام رمضان ثم أخر ومات ....
يجوز له التأخير إلى شعبان.
طالب: لكن ما يصام عنه.
ما يصام عنه، يكفر عنه، إطعام، يطعم عنه، يعني القول المتجه في الحديث: ((من مات وعليه صوم صام عن وليه)) وهذا ما قرره شيخ الإسلام وابن القيم أنه في النذر؛ لأن ما وجب في أصل الشرع ما يقبل النيابة إلا ما خصه الدليل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، لا لا.
طالب:. . . . . . . . .
هذا قول أيضاً عند أهل العلم، وهو أحوط بلا شك، وهو أحوط.
طالب:. . . . . . . . .
هو أحوط، وقد جاء النهي أنه ((لا يصلي أحدٌ عن أحد)) ويشمل هذا أصل الصلاة، ويشمل ثوابها أيضاً.
طالب:. . . . . . . . .
بالصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
تصح، على هذا يؤخذ من هذا صحة إمامة الصبي، وصحة صلاته لنفسه، إذاً تصح لغيره، ومن صحت صلاته صحت إمامته.
طالب:. . . . . . . . .
صلاته صحيحة بلا شك، وأن من صحت صلاته صحت إمامته.
طالب: مطلقاً يا شيخ؟
وين؟
طالب: من صحت صلاته صحت إمامته.
من صحت صلاته صحت إمامته، أيوه مطلقاً إلا في ما لا ... ، امرأة برجال، أو شيء من هذا، لا، لكن هم يقولون عند الحنابلة: لا تصح إمامة فاسق مثلاً، الفاسق لا تصح إمامته، والمرجح عند أهل العلم أنه ما دام تصح صلاته لنفسه تصح إمامته.
طالب: ولو أبو سبع سنين؟
ولو صغير، غير مكلف.
طالب:. . . . . . . . .
نكرة بلى، متى تعم النكرة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن النكرة متى تكون عامة؟ إذا كانت في سياق: النفي أو نهي أو شرط.
طالب:. . . . . . . . .(23/19)
إيه، لكن النكرة لا تقتضي العموم إلا إذا كانت في سياق النهي أو النفي أو ما يتبع ذلك، هنا ما في شيء، في سياق الإثبات، في سياق الإثبات، لكن لك أن تقول: إنها نكرة في سياق امتنان فتعم، لكن أجر تعم إيش؟ هي ما تعم، هي سيقت لحج هذا الصبي، أجر في مقابل حج هذا الصبي الذي السياق يحدده، ولو قلنا: لك أجر، أيش أجر؟ أجر جهاد بعد، وإلا أجر صيام وإلا أجر صلاة؟ أجر حج يتعلق بهذا الصبي.
طالب:. . . . . . . . .
هم أهل العلم ماذا قالوا بالنسبة لأجر الأم، قالوا: أجرها بسبب تعبها على ولدها، وإدخاله في النسك، وحمله إياه، وتكبد المشاق بسببه، يعني ما يدرك معاناة الأم إذا أحرمت بولدها، أنا رأيت واحد من المشايخ في الحرم الناس مجتمعين عليه، لماذا؟ معه صبي عمره ثمان سنوات يبي يطوف نكس، عجز عنه، هذا من المعاناة هذه، يعانون لا سيما في أوقات الزحام، وبعض الأطفال فيهم شر، فمتعبين لآبائهم، فهذا لا شك أن الأجر أعظم، فلها أجر بسبب هذه المشقة، والصبي له حج، ومن لازم كونه له حج أن يكتب له أجر.
طالب: قول المرأة ألهذا أجر؟ أما يشعر الإحرام. . . . . . . . .
لا، لا، أصل الإحرام للحج، الإحرام للحج، يعني ألهذا حجٌ فنحرم له؟ وإلا ما له حج نتركه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يمنع، ما يمنع، قال: له حج.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، بسبب حجه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يمكن أن تقدم بدون دليل، ما تدري، هي تسأل هي، يعني تحرم وهي ما تعرف أن له حج أو ما له حج؟ لا، لا، ما هو من طبعهم، لا، الآن يتصرفون قبل أن يسألون، وإلا قبل ما كان الإنسان يتعبد إلا بدليل، إلى أن كثر المبتدعة والبدع.
طالب:. . . . . . . . . صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كان بالروحاء لقي قوم فقال. . . . . . . . .
يعني بعد رجوعه من الحج؟ هل يتصور أنها تدخله في الحج، وتحج به وهي لا تدري أن له حج؟
طالب: قد يكون للاطمئنان يا شيخ، هي عملت بعموم النصوص، وأرادت أن تطمئن، كم من إنسان يفعل الشيء ويسأل، ما يلزم يا شيخ أن تكون جاهلة وفاعلة، قد تكون مطمئنة ومتأكدة؛ لأن الرسول يقول: ((ولك أجر)) لماذا لا يكون ((ولك أجر)) قد قرر هذا تقريراً وليس ...(23/20)
لا، أما من اللفظ ما يلزم منه هذا، من اللفظ ما يلزم، والأصل أن يكون السؤال قبل الفعل لا سيما وأن هذه عبادة توقيفية، فكيف تقدم من غير سؤال؟
طالب: الذي ما وقف بعرفه ....
وما ترك جبل ...
طالب: وما ترك جبل ولا وادياً ....
احتياط؛ لأن هذا يفوت، شيء يفوت ...
طالب:. . . . . . . . .
شيء يفوت، لا بد أن يفعل.
طالب: والحج يفوت ...
انتهينا، هذه الاحتمالات التي نذكرها قطعتها رواية النسائي وغيره أن السؤال بعد القفول، وإلا مجرد اللفظ لا يلزم منه ذلك، مجرد اللفظ لا يلزم منه.
طالب: سؤال خارج الموضوع هذا في مسألة المسح رجل. . . . . . . . . في المغرب، وهو قد توضأ في العصر ومسح فنتهى المسح المغرب وهو على طهارة فهل يستمر في الصلاة أم ....
خلاص، صلي بغير طهارة هو، يصلي بغير طهارة الآن.
طالب:. . . . . . . . .
خلاص انتهت الطهارة، يصلي بوضوء ناقص، يصلي بقدمٍ لا مغسولة ولا مأذون بمسحها، كأنه توضأ وضوء ولا غسل رجليه، ولذلك لا نقول: ناقض، انتهاء الوضوء ناقض، ما هو بناقض، نفس الوضوء الذي مسح فيه غير مأذون فيه غير صحيح؛ لأنه وضوء ناقص، الرجل غير مغسولة، والخف غير مأذون بمسحها.
طالب:. . . . . . . . .
لا تقل لي فلان، ولا ابن تيمية ولا غيره، أنت تسألني أنا وإلا هم ...
طالب:. . . . . . . . .
خلاص، شوف اللي تطمئن له وافعله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، في طواف الصبي، وهذه مسألة يكثر فيها الخطأ لا بد أن يكون البيت عن يساره كالكبير، وأن ما يستطاع أن يفعل به مثل الكبير على الوجه الشرعي لا بد أن يقع، كونه صبي أبو سنة وسنتين، وركعتي الطواف ولا يستطيع أن يؤديها تسقط، لكن ما يستطاع لا بد من فعله.
طالب: إذا أنت ألزمته المحظورات فلماذا لا يؤدي ولي الأمر الركعتين عنه؟
لا، لا، لا يصلي أحد عن أحد.
طالب:. . . . . . . . .
يوجه سهل، يحمل على الصدر، وفيه الآن حوامل تحط على ... ، نشوفها يعني ما يشق.
طالب:. . . . . . . . .
كذلك إيه ما في إشكال، لا مجرد وجوده في المطاف ودورانه هذا هو الطواف بنيته، خلينا نكمل يا إخوان ترى صيفنا ولا .. ، الله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(23/21)
يعني صبي ما يفعل محرمات، يمتثل، يمتثل هو مقدم على المحرم، فرق بين المقدم والغافل، يعني لو قلنا: إن الغافل قلنا: إن كلكم مأجورون على ترك السرقة، لكن ما هي بذهنكم السرقة، لكن هل قال بهذا أحد من أهل العلم؟ ما قال به أحد، لكن مقدم على السرقة فنبه فكف هذا الذي يؤجر عليها، ففرقٌ بين الذاكر للمعصية والتارك لها من أجل الله -جل وعلا- وبين من غفل عنها.
طالب:. . . . . . . . .
هذا قول معروف عند أهل العلم، لكن هذا تكليف بما لا يطاق، ما له داعي، لا سيما في أوقات الزحام، لا ما يلزم.
"حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن سفيان عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: رفعت امرأة صبياً لها، فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).
وحدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أن امرأة رفعت صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)).
وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس بمثله.
المقصود أن حج الصبي صحيح، ويلزمه ما يلزم الكبير من اجتناب المحظورات، وفعل ما يستطيعه من المأمورات، ولا يجزئه عن حجة الإسلام، وشذ من قال بذلك، ويلزمه ما يلزم خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، ويلزمه إتمامه كالكبير، ويقع من بعض من يشرف على المكتبات، مكتبات الشباب يقع في بعض المخالفات، يعتمر بهم مثلاً، شباب غير مكلفين، ثم إذا وصل إلى الحرم وجد زحام قال: البسوا ثيابكم ومشينا، حصل كثير هذا، أقول: حصل هذا كثير، وهو ما يدري أنهم ما زالوا محرمين عليهم أن يؤدوا هذه العمرة.(23/22)
وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج .. )) " الشارح يقول: باب فرض الحج مرةً في العمر، ((قد فرض الله عليكم الحج .. )) والحج فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]، وهذا تقدم الكلام فيه، وفي حديث ابن عمر المتفق عليه: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله .. )) إلى آخره.(23/23)
((قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) قوله: ((فحجوا)) أمرٌ منه -عليه الصلاة والسلام- تأكيداً للأمر الثابت عن الله -جل وعلا-، "فقال رجل" وهو الأقرع بن حابس، "أكل عام يا رسول الله" الأقرع تردد في قوله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [(97) سورة آل عمران] المقتضية لفريضة هذا الركن العظيم، هل يلزم من هذا النص، وما جاء في معناه التكرار في كل عام، أو أنه مرة واحدة؟ أم ماذا؟ فقال: ((أكل عامٍ يا رسول الله)) الصيغة صيغة الأمر هل تقتضي التكرار؟ أو يتأدى الأمر، ويسقط الطلب بمرة واحدة، من أهل العلم من يرى أن الأمر يقتضي التكرار، ومنهم من يرى أنه يسقط الطلب بفعله مرةً واحدة، ومنهم من يتوقف في مثل هذا، ومنهم من يرى أن كل نصٍ له حكمه، فمن النصوص، ومن الأوامر ما يقتضي التكرار بدلائل وقرائن أخرى، ومنها ما لا يقتضي التكرار.
ما دام هذه الاحتمالات موجودة، فلما فرض الله -جل وعلا- الحج، فمثلاً الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] الفرض يتأدى بمرة واحدة أو كلما ذكر، امتثال الأمر؟ كلما ذكر، بدلائل أخرى، ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ)) فدل على أنه يصلى عليه كلما ذكر -عليه الصلاة والسلام-، ومن الأوامر لا شك أنها تتأدى ويسقط الفرض بها مرة واحدة، ومنها ما يكون متردداً بين هذا وهذا، ويكون الترجيح للدلائل الأخرى، كل هذا يجعل السائل يسأل.
"أكل عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً .. " سكت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الجواب، لماذا سكت؟
طالب: حتى يأتي الوحي من السماء.
الآن في مناسبات كثيرة يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسكت، أحياناً ينتظر الوحي، وأحياناً ...
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(23/24)
لا هذا حديثنا هذا، أحياناً ينتظر الوحي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يضع منهج للمفتين بعده ألا يستعجلوا في الجواب حتى يتأملوا السؤال، وأن العجلة في الجواب مظنة للخطأ في فهم السؤال والإجابة عليه، وبعض من يتصدى للفتوى ما يكمل السؤال أصلاً، ما يكمل السؤال، سائل يسأل يقول: إن ابنه يضربه، وقبل أن يكمل السؤال، قال: نعم التأديب شرعي، وللوالد أن يضرب ولده، وألا يرفع عصاه عنه، هذا جواب؟! سببه أيش؟ العجلة، ما تأمل السؤال، يعني قلب الجواب قلب، يا أخي تأمل، ويش أنت عجلان عليه؟ افهم السؤال، واستفصل إذا كان هناك ما يستدعي الاستفصال، ثم أجب على بينة.
سكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ينتظر وحي؟ لأنه يقول: ((لو قلت: نعم لوجبت)) الآن ما كان ينتظر وحي، هذا من عنده -عليه الصلاة والسلام-، في مواطن أخرى لا شك أنه ينتظر الجواب، ينتظر الوحي، هنا: ((لو قلت: نعم لوجبت)) فدل على أن الجواب من عنده -عليه الصلاة والسلام-، ولذا يقولون: النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يجتهد، وهو المؤيد بالوحي، كثير من الأسئلة يسأل عنها فيجيب بالوحي، ويؤيده الوحي، وينزل عليه الوحي، وأحياناً يجيب باجتهاده، وقد يجيب بخلاف الأولى -عليه الصلاة والسلام-، وهذا دليلٌ على أنه يجتهد، يجيب بخلاف الأولى، وحينئذٍ يسدد ويصوب، بل قد يعاتب كما في قصة الأسرى، وهذا لا يحط من منزلته عند ربه، بل هو أشرف الخلق على الإطلاق، وهو أفضل الرسل فضلاً عن غيرهم.
طالب:. . . . . . . . .(23/25)
لا، ما نقول: أخطأ، لا، لا، ما يقول: أخطأ، لماذا؟ لأن كلامه كله وحي، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3، 4) سورة النجم] ما نقول: أخطأ، المسألة تحتمل، المسألة اجتهادية، فقد -وهذا الكثير والغالب- يفتي بالأولى، وبما يوافق ما عند الله -جل وعلا-، وقد يفتي بخلاف الأولى، فيسدد ويصوب، ولا يقر على ذلك، وهذا كله كأمره -عليه الصلاة والسلام- بالاستغفار، يعني توجيه له ولأمته من بعده، توجيه له ولأمته، فحينما يخطئ أو ما ... "أستغفر الله، وأتوب إليه" حينما يفتي بخلاف الأولى في مسألة الأسرى هذا يفتح آفاق، ويسلي المفتين من بعده، إذا كان المؤيد بالوحي حصل له مثل هذا، يعني لو لم يحصل مثل هذا للنبي -عليه الصلاة والسلام- لكان المفتي لا سيما صاحب التحري والتثبت الحريص على براءة ذمته يقع في حرجٍ عظيم إذا أخطأ، فيحصل منه ما يحصل من الفتوى بخلاف الأولى، والحكم به، ((إنما أنا بشرٌ أحكم على نحو ما أسمع)) وأيضاً يسهو في الصلاة، سهى ليسن ويشرع، وأيضاً نام عن صلاة الفجر، وإن كان الأصل فيه أنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه، كل هذا فيه تسلية لمن يقوم مقامه من أمته -عليه الصلاة والسلام-، وإذا تصور العباد الحريصون على أداء الصلاة في أوقاتها، لولا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى صلاة الفجر إلا بعد ما طلعت الشمس، إيش يصير وضعهم؟ يتقطعون أسى وحسرة، لكن لو عرفوا أنه هو المعصوم الذي تنام عينه، ولا ينام قلبه ما أيقضه إلا حر الشمس، هذا فيه تسلية لهم، لكن لا يعني هذا أنه حصلت مرة واحدة أن الإنسان لا يبذل الأسباب، ولا ينفي الموانع، يوجد الموانع، ولا يبذل الأسباب، وينام عن صلاة الفجر يومياً، أو في الأسبوع مرتين ثلاث، نقول: لا يا أخي أنت مفرط آثم بصنيعك هذا، لكن لو حصل لك مرة في الشهر، مرة في السنة لك قدوة، وكل هذا كله تسلية، وهذا كله للتسلية وللتشريع، وهو في حقه أفضل وأولى، حينما سهى أفضل مما لم يسهُ؛ لأنه تشريع، فهو في حقه أكمل، حينما يؤمر بالاستغفار ويستغفر في اليوم أكثر من مائة مرة، وفي المجلس يحفظ عنه أكثر من سبعين مرة، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لماذا؟ ليقتدي به(23/26)
خيار الناس فضلاً عن المفرطين في هذا، ولذا لما طلب منه أبو بكر دعاءً يقوله في آخر صلاته، فقال: ((قل: ربي إن ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) أبو بكر ظلم نفسه ظلماً كثيراً، فكيف بنا؟ لذلك يكون الإنسان في عمله باستمرار يلاحظ مثل هذه المواقف؛ لئلا يعجب بنفسه وبعمله، النفس أمارة، والنية والإخلاص شرود، فلا بد من تعاهده بمثل هذه الأحوال.
فالمقرر عند أهل العلم، وإن كانت المسألة خلافية أنه يجتهد، واجتهاده منزلٌ منزلة الوحي، الوحي إما أن يكون قرآن أو غير قرآن، فاجتهاده وهو كلامه وهو حديثه، لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم] إما باللفظ الإلهي في القرآن، أو بالإقرار الإلهي، فكله وحي، إما باللفظ أو بالإقرار، يعني مثل ما نقول مثلاً: الرؤيا لا يترتب عليها حكم شرعي، لكن رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان لماذا رتبنا عليها حكم شرعي؟ اكتسبت الشرعية بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي من هذه الوجهة من الوحي.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الله -جل وعلا- كما جاء في حديث عائشة يحقق له ما يحب -عليه الصلاة والسلام-، كما جاء في حديث عائشة، يحقق له ما يحب، في أمور، بس ترى الوقت تأخرنا قليلاً، وإلا في أشياء تلتحق بهذا، في كلام العباس في استثناء الإذخر، فقال العباس: "إلا الإذخر" فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)) هذا استثناء يسمونه تلقيني، وهل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذه الأمور يقبل التلقين؟ تلقيني وافق الوحي، نزل الوحي بمقتضاه، أو كأن النص جاء مشروطاً، كما قال بعض الشراح بالاستدراك، وهذا غير ظاهر، يعني كون الوحي نزل مباشرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستثناء هذا ظاهر، وهذا يقول به أكثر أهل العلم.(23/27)
أيضاً مسألة ((إنكم تقولون قولاً ما يمنعني من إنكاره إلا الحياء)) لما قالت اليهودية لعائشة إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، تشركون، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، لولا الحياء .. )) يعني يمنعه من إنكارها الحياء، هل نقول: إن الحياء يمنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من الإنكار، ترى النص مشكل، ودقيق جداً، يحتاج إلى فهم وانتباه، ننتبه يا الإخوان؛ لأنه مشكل، ويثار أحياناً، وقل مثل هذا في ((أردت أن أنهى عن الغيلة، فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضيرهم، أو يضرهم)) والآن نشوف الصحف والقنوات تبحث مثل هذه الأمور، فلا بد من بيانها.(23/28)
واحد يكتب أن الديانة الإسلامية مزيج من الحضارات السابقة، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استفاد هذا الحكم من فارس والروم، قالوا، والله بصحفنا كتب هذا، قي الصحف كتب مثل هذا الكلام، لكن كيف نجيب عن هذا؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى عن الغيلة باعتبار أنها مضرة، وضررها ظاهر، لكن مضرة بمن؟ في بيئته -عليه الصلاة والسلام-، وهل الرسول مبعوث لبلاده في الحجاز، أو في نجد أو في غيرها؟ مبعوث إلى العالمين كلهم، وكم نسبة من يسكن الحجاز بالنسبة لفارس والروم، فأراد أن ينهى عنها لضررها، فإذا هي لا ما تأثر، أكثر الناس ما يتضررون بها، فترك النهي عنها؛ لأن أكثر الناس لا يتضرر بها، والحكم للغالب، فكون بعض الناس يتضرر من شيء لا يقتضي النهي العام عنه، يعني كون أهل الحجاز، أو أهل نجد يتضررون بالغيلة، وهي إرضاع الحامل، وعامة الناس دول فارس والروم وأوروبا، والجهات كلها ما تتضرر، الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعث للعالمين كلهم، فما ينهى لأن بعض الناس يتضرر، ما ينهى لا لأن أولئك أثروا عليه، لا، العلة، علة النهي أيش هو؟ ما هي؟ الضرر، إذاً الضرر كونه في أناس معينين هل يقتضي أن يعمم الحكم على الجميع؟ لا، يعني كون بعض الناس يتضرر من التمر نقول: حرام التمر، قطاع كبير من الناس يتضرر من التمر، لكن الأصل مباح، لكن من يضره هذا الأمر يمتنع منه، لوجود الضرر، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينهى عن الغيلة ظناً منه أن الناس كلهم يتضررون بها، فلما رأى فارس والروم وهم السواد الأعظم ممن على وجه الأرض، ورسالته عالمية للناس كلهم عدل عن هذا؛ لأن العلة غير متحققة.(23/29)
نعود إلى حديث: ((ما شاء الله وشئت)) شرك هذا، وأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ينهى عنه، فكان يمنعه منه الحياء، ينهى عنه لا لأنه شرك، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينهى عنه لا لأنه شرك؛ لأنه لم ينزل عليه فيه وحي، إنما ينهى عنه لأنه مبالغة في تعظيمه، والإنسان سوي الطبع الذي على الفطرة لا شك أنه يحرج من زيادة التعظيم، أي شخص سوي الفطرة يحرج من زيادة التعظيم، فيريد أن ينهى، ولا يريد أن يفعل به مثل هذا، فأراد أن ينهى عن هذا، ومن باب أنه احترامٌ له يمنعه الحياء، يعني لو جاء واحد بيقبل يدك، وهذا ما فعله بك إلا احتراماً لك وتقديراً لك، وأنت تكره هذا الأمر؛ لأنه زيادة، ونفسك تنفر منه، وما عندك نص يحرم، يمنعك الحياء أن تنكر عليه؛ لأنه ما فعله إلا من باب الاحترام، مع أن في نفسك ما فيها من زيادة هذا التعظيم والمبالغة فيه، فيمنعك الحياء أن تنكر عليه، لكن إذا نزل الخبر بالتحريم ما تردد، ولذلك لما قالت اليهودية ما قالت، ونزل الوحي مؤيداً لكلامها ما تردد في بيان أنه شرك، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ والمسألة دقيقة، تحتاج إلى شيء من التأمل، وفيها إشكال كبير، يعني هؤلاء الفسقة الذين يتصيدون مثل هذه الأمور يحتاجون إلى مواجهة، ولا بد من أن توضح مثل هذه الأمور، وإن كان فيها شيء من الخفاء لكن لا بد من توضيحها.
عرفنا أنه منعه الحياء أن ينكر على شخص يريد تقديره وتعظيمه في شيء لم ينزل فيه عليه شيء، وإلا لو نزل عليه وحي ما تردد، لما نزل عليه الوحي ما تردد في الإنكار، وبين أنه شرك، لكن قبل ذلك يريد أن ينكر عليهم؛ لأن نفسه تأبى الزيادة، إحراج، زيادة الإكرام إحراج، هذا الحاصل وإلا ما هو بحاصل؟ إحراج، فكون الإنسان ينفر من هذا الإحراج، ولا ينكر على صاحبه؛ لأنه ما بعثه عليه إلا زيادة التقدير والاحترام.
نعود إلى مسألة تقبل اليد، ومعروف ما صدر فيها من أمر، وأن ولي الأمر منعها بالنسبة له، ثلاثة أحاديث صحيحة تثبتها، وعلى هذا لا شيء فيها، وشيوخنا كلهم يكرونها باعتبار أنها من هذا الباب، أنها زيادة في التعظيم لا لأنها حرام، بل فيها ثلاثة أحاديث صحيحة.(23/30)
((لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)) تصور الآن كم نسبة من يحج من المسلمين؟ إذا قلنا: مليونين بالنسبة لمليار وزيادة، كم؟ اثنين بالألف، لو كان الناس كل هؤلاء المليار يحجوا كل سنة، أو قل: المستطيع منهم مائة مليون مثلاً كلهم يحجون، أي مكانٍ يسعهم، ولذلك قال: ((ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني)) اتركوني، وجاء في الحديث الصحيح: ((شر الناس من سأل عن شيء فحرم من أجله)) هذا التضييق على الناس بسبب السؤال، أما الآن بعد انقطاع الوحي لا مانع من السؤال؛ لأنه المحظور المرتب على السؤال في حياته -عليه الصلاة والسلام- ارتفع، ولذا جاء النهي عن السؤال في حياته -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه جاء في الآية: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] والعلماء سألوا، وفصلوا في المسائل، وشققوها وفرعوها، وليس هذا من التعنت، ولا من التكلف؛ لأن الإشكال وسبب المنع ارتفع.
((ذروني)) اتركوني، هذا الفعل جاء فيه الأمر (ذروني) وجاء فيه أيضاً -ومعناه دعوني، وأقصد الفعل المفسر- جاء فيه (دع) الأمر، وجاء فيه: ((من لم يدع)) وجاء فيه: ((لئن لم ينته المنافقون عن ودعهم الجمعات)) يعني: تركهم، فجاء فيها الأمر والمضارع والمصدر، وأميت الماضي، وهنا ذر ((ذروني)) (ولم يذر) يعني لم يدع ولم يترك، لكن هل فيه ذر؟ ذره: يعني اتركه، أو دعه؟
طالب: ذرهم.
ذرهم، نعم، فيه أمر، و (ذروني) أمر، وهل فيه مضارع (من لم يذر)؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم قالوا بالنسبة لـ (وَدَعَ) الماضي من هذه المادة أميت، ما فيه (وَدَعَ)، وأما قراءة: {ما وَدَعَك} فهي شاذة، يعني تركك، ((ذروني -يعني اتركوني- ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم)).
طالب:. . . . . . . . .(23/31)
نعم، في شيء؟ ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم)) المسلم مأمور بالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] وأيضاً: ((ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيِّ السؤال)) فالذي يعرض للمسلم من إشكال في دينه يسأل عنه، وهنا باعتبار أن المترتب على السؤال أمراً شاق، وفيه عنت على الأمة، جاء مثل هذا الكلام، ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم)) اليهود لما أمروا بذبح البقرة، لو ذهبوا إلى السوق وأول بقرة رأوها اشتروها وذبحوها، انتهى، امتثلوا، لكن سألوا أسئلة حتى ضاق عليهم الأمر، وفي النهاية {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] أمة تؤمر بذبح بقرة ما كادوا يفعلون، فرق بين امتثال وامتثال، فرق بين من يؤمر بذبح ولده فيتله للجبين، وبين أمة بكاملها تؤمر بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، كل إنسان يجد في نفسه مثل هذا، فإذا كان ينشط للأمر إذا أمر سمع وطاعة وامتثل فيه شبه من أبينا إبراهيم -عليه السلام-، وإذا كان يتثاقل ففيه شبه من الفرقة الثانية.
طالب: الأقرع لو قال: كل عام. . . . . . . . .
أكل عامٍ.
طالب: أقول: لو قال لكان السؤال فيه وجيه، وفيه تخفيف على الأمة. . . . . . . . .
لأنه سأل عما يقتضي التكرار؛ لأن سؤاله مبطنٌ بما يقتضي التكرار.
طالب: لكن لو قال: عام واحد يا رسول. . . . . . . . .
بلا شك نعم.
((فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) هذه قاعدة عامة وكبرى من قواعد الشريعة، ومن جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الحديث مقلوباً عند بعض أهل الحديث: ((فإذا نهيتكم عن شيء فذروا منه ما استطعتم، وإذا أمرتكم بشيء فافعلوه)) جاء مقلوب، لكن صوابه هكذا: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) والمعنى يؤيد هذه الرواية، والتي في الصحيح، الرواية الأخرى ليست في شيء من الصحيحين.(23/32)
على كل حال هذه القاعدة العامة ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)) لأن من الأوامر ما لا يستطيعه بعض الناس و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] من الناس من لا يستطيع الصلاة من قيام، من الناس من لا يستطيع القراءة، من الناس من لا يستطيع الغسل، من الناس من لا يستطيع الوضوء، منهم من لا يستطيع غسل بعض أعضاء الوضوء، المقصود أن من الأوامر ما لا يستطاع، فجاء فيها هذا التخفيف ((فأتوا منها ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) ما في شيء من النواهي لا يستطاع، لا شيء من النواهي؛ لأنها ترك، والترك كلٌ يستطيعه، لكن قد تدع الضرورة إلى ارتكاب شيء من النواهي، قد تدع الضرورة إلى ارتكاب شيء من المنهيات، يضطر إلى أكل الميتة، فأبيح له، رخص له في أكل الميتة، مقابلة الأمر والنهي هنا، وتخفيف الأمر بتعليقه بالاستطاعة، وحسم المنهيات دون تعليق، جعل الجمهور يجعلون ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، ويؤيده القاعدة العامة عندهم: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، وهذا قول الجمهور، ويؤيده هذا الحديث؛ لأن الأمر علق بالاستطاعة، بينما النهي فيه الجزم، ما في تعليق باستطاعة.
شيخ الإسلام يرى عكس هذا، يرى أن ترك المأمور أعظم من ارتكاب المحظور، وحجته في ذلك معصية آدم، ومعصية إبليس، معصية إبليس بترك مأمور بترك السجود، ومعصية آدم بارتكاب محظور الأكل من الشجرة، ولا شك أن معصية إبليس أعظم من معصية آدم، أيُّ القولين أرجح؟
طالب:. . . . . . . . .
ينظر إلى كل متقابلين على حدة، إيش معنى هذا الكلام؟ ننظر في المأمور وميزانه في الشرع، وننظر إلى المحظور وأثره في الفاعل وفي غيره، وما ورد فيهما من النصوص، فكم من مأمور أعظم من محظور، كم من ترك مأمور أعظم من ارتكاب محظور، وكم من ارتكاب محظور أعظم من ترك مأمور.(23/33)
لو مثلنا بمثال وقلنا: الصلاة ركنٌ من أركان الإسلام، الصلاة فعلها ركن من أركان الإسلام، وفعلها في المسجد مع الجماعة واجب، أنت لا تستطيع أن تذهب إلى المسجد إلا مع طريق فيه بغي، وعندها ظالم، تجتاز هذا الطريق، تذهب إلى المسجد لا بد أن تقع على هذه البغي، عندنا ارتكاب محظور، وفعل مأمور، هل تترك الصلاة مع الجماعة أو تترك المحظور؟ تصلي ببيتك أسهل من وقوعك على هذه البغي؟ أو تقول: والله صلاة الجماعة واجبة، وبعض أهل العلم يقول: شرط، وهذه معصية ومكره عليها، ماذا تصنع؟ تصلي ببيتك يا أخي، وحينئذٍ ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور.
أنت تذهب إلى المسجد لتؤدي الصلاة جماعة واجبة، وفي طريقك شباب يلعبون وتأمرهم ولا يأتمرون، في طريقك منكر لا تستطيع إزالته، تقول: أصلي بالبيت علشان ها اللي يلعبون؟ لا، تصلي مع الجماعة، تأمرهم، تبذل ما في وسعك، وإن لم يتغير المنكر هذا أخف بكثير، فالمسألة مسألة موازنة.
مثلما إذا أمرك أبوك ونهتك أمك، كيف تصنع؟
طالب: أنظر بم أمرني أبي، وعما نهتني أمي.
هم ينهونك عن شيء واحد، الجهة واحدة، قال أبوك: اذهب إلى المحل، قالت أمك: لا تذهب.
طالب: أسالها إيش المانع؟
إيش المانع؟ المانع نهي الوالدة، وأمر الوالد.
طالب: ليش منعتني الوالدة، ما السبب؟
الوالدة افترض أنها مطلقة، ولا تبيك تنفع أبوك، يالله.
طالب:. . . . . . . . .
يعني جواب الإمام مالك -رحمه الله- في مثل هذا: "أطع أباك، ولا تعصِ أمك" أجاب وإلا ما أجاب؟ الإمام مالك؟
طالب:. . . . . . . . .(23/34)
يعني احرص أن تسدد وتقارب في مثل هذه الصور، هل يختلف الحكم فيما إذا كانت الأم في ذمة الأب، ويكون أمرها من أمره، وطاعته من طاعتها، أو كانت في غير ذمته، المشاحة إنما تكون في حالة الانفصال؛ لأن أمر الأب نافذ على الولد، وعلى الأم أيضاً إذا كانت في ذمته، أمر الأب نافذ على الجميع، وحينئذٍ يُلحظ الأب في مثل هذا، وترضى الأم أيضاً، ما يكون الإنسان جافي مع أحد من والديه، وعلى الإنسان عموماً أن يسدد ويقارب، وكل مسألة لها حكمها، ما يحكم على الجميع، كل مسألة لها ظروفها، أحياناً تكون حاجة الأم أشد من حاجة الأب في هذا الوقت، فتقدم حاجة الأم، إذا كانت حاجة الأم لا تفوت، بإمكانه أن يذهب إلى المحل، ويخدم أباه في هذا المحل، وإذا انتهى منه قضى حاجة أمه التي لا تفوت، ينظر فيها على حسب المصالح والمفاسد المرتبة عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(23/35)
صحيح مسلم - كتاب الحج (24)
سفر المرأة مع محرم إلى حج – لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى، وهو القطان، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم)).
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير، وأبو أسامة ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي جميعاً عن عبيد الله بهذا الإسناد في رواية أبي بكر: ((فوق ثلاث)) وقال ابن نمير في روايته عن أبيه: ((ثلاثة إلا ومعها ذو محرم)).
وحدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم)).
وحدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جميعاً عن جرير قال قتيبة: حدثنا جرير عن عبد الملك، وهو ابن عمير عن قزعة عن أبي سعيد قال: سمعت منه حديثاً فأعجبني، فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فأقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم أسمع! قال: سمعته يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى)) وسمعته يقول: ((لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها، أو زوجها)).
وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت قزعة قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أربعاً فأعجبنني وآنقنني، نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها، أو ذو محرم، واقتص باقي الحديث.(24/1)
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم ابن منجاب عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذي محرم)).
وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن بشار جميعاً عن معاذ بن هشام، قال أبو غسان: حدثنا معاذ، قال: حدثني أبي عن قتادة عن قزعة عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم)).
وحدثناه ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة بهذا الإسناد، وقال: ((أكثر من ثلاث إلا مع ذي محرم)).
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها)).
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)).
وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها)).
ح دثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا بشر يعني ابن مفضل قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم منها)).
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعاً عن أبي معاوية قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها)).(24/2)
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج قالا: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش بهذا الإسناد مثله.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)).
وحدثناه أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حماد عن عمرو بهذا الإسناد نحوه.
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا هشام يعني ابن سليمان المخزومي عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه، ولم يذكر: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى وهو القطان"، وتقدم الحديث في مثل هذا، "عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم)).(24/3)
في روايات كثيرة، مفادها تحريم سفر المرأة دون محرم منها، ولذا ترجم النووي -رحمه الله تعالى- بقوله: باب سفر المرأة مع محرمٍ إلى حجٍ وغيره، ((إلا ومعها ذو محرم)) بعض الروايات: "منها" يعني محرمٌ لها، وجاء توضيح ذلك بأنه أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها، وعلى هذا يتحدد المحرم بأنه زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بسبب مباح، المحرم هو الزوج، أو من تحرم عليه على التأبيد، لا من تحرم عليه مؤقتاً، كزوج الأخت والعمة والخالة، إنما من تحرم عليه مؤبداً بسبب مباح إما نسب أو رضاع أو مصاهرة، كأم الزوجة وبنتها التي هي الربيبة، وكونه مباح يخرج السبب المحرم الذي هو في الأصل لا يجوز، كاللعان مثلاً، ليس بسببٍ مباح، إنما أمر به لدرء الحد عن الطرفين، ولانتفاء الولد، فلا يفيد المحرمية، هي تحرم على من لاعنها مؤبداً لكنه ليس بسببٍ شرعي معتبر كالسبب المحرم مؤبداً كالنسب والرضاع والمصاهرة، هذا ما يقرره أهل العلم، ((ومعها ذو محرم)) يعني منها؛ لأن بعض الروايات تقول: ((ومعها ذو محرمٍ)) وبعضها تقول: ((ذو محرمٍ منها)) لأن الرواية الأولى: ((ومعها ذو محرم)) محتملة لأن يكون ذو المحرم منها أو منه، من الرجل الذي صحبها في السفر، بهذا قال بعض العلماء، يقولون: إذا كان الرجل الذي يريد أن يسافر بهذه المرأة، وليس من محارمها، معه محرمٌ منه، يعني زوجته أو أخته أو أمه يدخل في هذا، إلا معها ذو محرم لمن يسافر بها، لكن الرواية الأخرى: ((ذو محرمٍ منها)) يحدد المراد بالمحرم، وهو أنه محرم لها مما فسر به الحديث في بعض رواياته: وزوجها، أبوها، ابنها، أخوها، جاء التفسير بهذا، وبهذا نعرف أن قول من يقول: أن للمرأة أن تسافر مع الجماعة رجال ونساء، أو مع مجموعة من النساء مع أمن الطريق، إذا وقعن في المخالفة، وصلن إلى قول من يقول: أنها تسافر مع رجلٍ ثقة، المسألة ما تنتهي، يعني من أهل العلم من يقول: تسافر مع مجموعة من النساء إذا أمنت الفتة، ومنهم من يقول: تسافر مع الجماعة رجال ونساء، وقيل: بأنها تسافر مع رجلٍ ثقة، إذاً ممن يخشَ عليها إذا سافرت مع رجل ثقة؟ أين الخشية؟ ومثل هذا القول لا يلتفت إليه، فلا بد من المحرم في السفر، لا بد(24/4)
منه.
وهذا الباب برواياته الكثيرة التي فيها: ((فوق ثلاث)) وفيها: ((ثلاث)) وفيها: ((يوم وليلة)) وفيها: ((ليلة)) وفيها: ((يوم)) وفيها: ((بريد)) عند أبي داود وغيره بسند صحيح، بريد، ففوق ثلاث، ثلاث، يوم وليلة، ليلة، يوم، بريد، هل لمن قال بالثلاث، وأنها هي الحد المعتبر حجة، مع هذه الروايات؟ قوله غير معتبر، من قال: باليوم والليلة، هل هو معتبر مع رواية بريد؟ لا يعتبر؛ لأن العبرة بالأقل، إذاً كيف نوفق بين هذه الروايات التي في هذه الأقوال المختلفة؟ أهل العلم يقولون: إن هذه الأحاديث جاءت علاج لوقائع معينة، امرأة سافرت ثلاث ليال، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاث ليال إلا مع ذي محرم)) امرأة سافرت فوق ثلاث فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل لامرأة تسافر ثلاث ليالٍ إلا ومعها ذو محرم))، امرأة سافرت يوم، امرأة سافرت ليلة، امرأة سافرت يوم وليلة، فجاء الجواب على قدر السؤال، وجاء الإطلاق: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم)) فعلى هذا أن الوصف الذي أنيط به الحكم هو السفر، فدل على أن هذه الأعداد المذكورة غير معتبرة؛ لأنها جاءت علاجاً لقضايا معينة، فدل على أن الوصف المؤثر هو السفر، والسفر: مأخوذ من الإسفار، وهو البروز والظهور، فمجرد بروز المرأة عن البلد هذا سفر، ومنه السفور الذي هو إخراج وإبراز شيء من جسد المرأة هذا سفور، فالسفر مجرد البروز عن البلد، إذا باشر الوصف جاء الحكم، فعلى هذا لا يجوز لامرأة أن تسافر بغير محرم، ولا ميل واحد، ولا كيلو، إيش معنى السفر؟ السفر أنها برزت وخرجت عن البلد، طيب الأحاديث: ((ثلاث ليالٍ)) وأكثر من ثلاث، ويوم وليلة، ويوم، كل هذه أعداد لا مفهوم لها؛ لأنها جاءت على قضايا بعينها، والمحظور المترتب على الثلاث هو المحظور المرتب على ساعة، المحظور الذي من أجله نهي عن سفر المرأة ثلاثاً، أو يوم وليلة، أو أكثر من ثلاث، أو بريد هو المحظور المرتب على ساعة، إذاً هذه الأعداد لا مفهوم لها عند أهل العلم؛ لأنها جاءت علاج لقضايا بعينها، فالوصف المؤثر هو السفر، ((إلا ومعها ذو محرم)).(24/5)
إذاً غير السفر، في البلد ما في سفر، إذاً تركب مع شخص بدون محرم، تأتي مسألة الخلوة، في السفر ولو لم تحصل خلوة يحرم عليها، لكن إذا انتفى الوصف المؤثر يأتينا محظورٌ آخر: ((لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) وأحاديث الخلوة معروفة، فإذا كانت داخل البلد لا بد أن ترتفع الخلوة، وإذا برزت عن البلد لا بد أن يكون معها ذو محرم، تسامح بعضهم، بعض من يفتي الآن يتسامح يقول: إذا كان السفر ساعة، أو السفر مضمون، توديها المطار، وتركب الطائرة، ما فيها إشكال مع جمع من الناس، وتنزل في المطار ويستقبلها محرم، فلا إشكال، نقول: ما اللي يضمن أن يكون السفر ساعة؟ هذا على سبيل التنزل، من الذي يضمن؟ قضايا كثيرة حاولت الطائرة الهبوط في المطار المراد ما استطاعت، فصرفت إلى آلاف الكليوات، وباتت المرأة مع غيرها، من جراء مثل هذا التساهل، تخطف الطائرة، يحصل لها ما يحصل، يحصل ما يمنعها من الهبوط، القطار كذلك، القطار أحياناً يسافر خمسمائة امرأة ما معهم ولا خمسين رجل، وحصل أن تعطل القطار في آخر الشهر، في ليلةٍ مظلمة في شدة حر، وتعطل في الطريق، وفتحت لهم الأبواب يخرجون، من اللي يضمن مثل هذه الحوادث؟ هذا على سبيل التنزل، وإلا ما فيه مفر، ولا محيد عن هذه النصوص، ثم بعد ذلك يركب على مثل هذه الفتاوى ظلمات، يقول: السفر ساعة، ساعة ما يضر، مجموعة جمع من المدرسات يسافر بهن سائق لا يمتُّ لهن بصلة، ثم هذا السائق يقول: أنا معي جمع من النسوة، لا أستطيع أن أقف في وقت صلاة الفجر؛ لأنه لا بد من الاستعداد، يدور في الرياض ساعة ساعتين يجمع المدرسات، ثم يخرج بهن إلى مدرستهن في قرية من القرى تبعد مائة وخمسين كيلو، ثم يحين وقت الصلاة يقول: ما أستطيع أنزلهن بالبر، لا بد أن تؤخر الصلاة حتى يصلن إلى المدرسة، حتى يخرج وقتها، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، طيب العلاج؟ العلاج رأس المال الدين، وحماية العرض ضرورة من ضرورات الدين، فنؤثر الدنيا على الدين، في مقابل أنها تستلم راتب، يا أخي لا تستلم راتب، ومن النسوة من ابتلت أمها تذهب معها، وهذا احتياط وجيد أحسن من الانفلات الحاصل من بعض الناس، تذهب بأمها مسكينة عجوز تسافر يومياً ستمائة(24/6)
كيلو، هذه واقعة ما هي بـ ... ، يومياً تذهب وترجع، ترجع تجهز لها الأكل، ثم ترجع إلى القرية التي فيها هذه البنت وتجيبها بعد صلاة الظهر، مثل هذه الأمور لا بد لها من علاج، الدين ما يضيق بعلاج مثل هذه الأمور أبداً، لكن لا بد أن نسلك المسالك الشرعية، ونحتاط لأعراضنا، والله الآن يقال: الآن ما في خطر، إلا الآن الخطر محدق من كل جانب، نصير مثل النعام ندس رؤوسنا في التراب ونقول: ما في خطر، ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم)).
ولذا الحج ركنٌ من أركان الإسلام من شرطه وجود المحرم، يسقط عن المرأة إذا كانت لا تجد محرم، نأتي إلى بقية الروايات:
يقول: "وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي جميعاً عن عبيد الله بهذا الإسناد في رواية أبي بكر: ((فوق ثلاث)) وقال ابن نمير في روايته عن أبيه: ((ثلاثة -يعني ثلاثة أيام- إلا ومعها ذو محرم)) وإذا حذف التمييز جاز تذكير العدد وتأنيثه، ((إلا ومعها ذو محرم)).
وحدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم)) كسابقه.(24/7)
قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جميعاً عن جرير قال قتيبة: حدثنا جرير عن عبد الملك وهو ابن عمير عن قزعة عن أبي سعيد قال: سمعت منه حديثاً فأعجبني، فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فأقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم أسمع؟! " يعني مع ثبوت ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) الصحابة بعضهم امتنع عن التحديث بما سمع خشية أن يقع في مثل هذا الحديث، "فأقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم أسمع؟! قال: سمعته يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى)) " لا تشدوا الرحال، المساجد والبقاع المتميزة هي هذه الثلاثة، وما عداها على حدٍ سواء، مسجد في أقصى الدنيا، أو في قلب الجزيرة العربية لا فرق، غير هذه المساجد الثلاثة، ما في فرق، نعم قد يتميز المسجد بأمرٍ خارج، بكونه أقدم، بكون إمامه عالم يتقن الصلاة، وينفع المصلين، بكون الجماعة أكثر، يعني تمتاز الصلاة في مثل هذا، لكن لا تشد له الرحال، يعني كون مثل هذا يطلب من غير شد رحل، كون الإمام مؤثر بصوته، يذكر الناس بالقرآن أيضاً هذا مطلب، مؤثر بالقرآن، ومرده إلى الصلاة نفسها، فمثل هذا يطلب، لكن لا يشد له الرحل، إنما المساجد التي تشد لها الرحال هي الثلاثة: ((مسجدي هذا)) مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه الإشارة استدل بها من يقول: إن الزيادات لا تدخل في مضاعفة الصلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أشار ((مسجدي هذا)) والأكثر على أن الزيادات تأخذ حكم الأصل، ((والمسجد الحرام)) ...
طالب:. . . . . . . . .(24/8)
الزيادة التركية، زيادة الملك سعود، زيادة الملك فهد، هذه زيادات، توسعات يعني، يعني ما زيد فيه زيادة عثمان، ما زيد فيه على المسجد النبوي الأصلي؛ لأنه أشار إلى مسجدي هذا، وجمهور أهل العلم على أن هذه الزيادات، وهذه التوسعات له حكم الأصل، ((والمسجد الحرام)) جاءت النصوص بهذا اللفظ المسجد الحرام في مناسبات كثيرة، فهل المراد به المسجد مسجد الكعبة معروف الحدود، المحيط بالكعبة ببيت الله -جل وعلا-، أو المراد به الحرم؟ الجمهور على أن المراد به الحرم، وعندهم أدلة كثيرة، {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ} [(217) سورة البقرة] هل أهله أخرجوا من المسجد أو من مكة؟ من مكة، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [(1) سورة الإسراء] قالوا: إنه كان في بيت أم هانئ، لكن فيه ضعف، لكن المعول في هذا عند جمهور أهل العلم على أدلة ذكروها في موطنها لا نطيل بذكرها، لكن من أهل العلم من يرى أن المسجد هو المحدود بحدوده، المحيط ببيت الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
المسجد، الكعبة إذا قلنا: إن مكة صارت كلها مسجد صارت مسجد الكعبة، وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الحديبية، وأنه كان ينتقل للصلاة داخل الحرم، والصحابة -رضوان الله عليهم- انتقلوا من مكة، انتقل ابن عباس للطائف، ومنهم من اتخذ بيتين، واحد داخل الحرم، وواحد خارجه، المقصود أن أفعالهم بمجموعها تشعر بأن المضاعفة في جميع نواحي الحرم.
((والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى)). . . . . . . . . شد الرحال لا يجوز بحال من أجل بقعة اعتقاداً لفضلها سوى هذه المساجد الثلاثة، ولذا لو نذر أن يعتكف في هذا المسجد، له أن يعتكف في أي مسجد؛ لأن الحكم واحد، لو نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، له أن يعتكف في المسجد النبوي، وله أن يعتكف في المسجد الحرام، وإذا نذر أن يعتكف في المسجد النبوي له أن يعتكف في المسجد الحرام، وليس له أن يعتكف في الأقصى، وقل مثل هذا في المسجد الحرام إذا نذر أن يعتكف به لا يقوم غيره مقامه؛ لأنه لا بد أن يأتي بما نذر والزيادة مقبولة.(24/9)
السفر لا للعبادة، أو للعبادة غير الصلاة، السفر للجهاد لا إشكال فيه، جاءت به النصوص، السفر لطلب العلم شد الرحل لطلب العلم ما فيه إشكال، شد الرحل لزيارة مريض، شد الرحل لصلة رحم، ما فيه إشكال، شد الرحل للصلاة على ميت مثل زيارته لو كان مريضاً؛ لأن عيادة المريض، واتباع الجنائز كلها سيقت مساقاً واحداً، لا لقصد البقعة، ولذا كثر الكلام لما ذهبوا إلى الصلاة على الشيخ ابن باز -رحمه الله-، كثر الكلام في هذه المسألة، كثيرٌ من أهل العلم ما تردد في الذهاب، لكن منهم من وجد إشكال، وقال: إننا نشد الرحل، ومنهم من أجاب أننا شددنا الرحل إلى المسجد الحرام، هذا ما هو بصحيح ذا، يعني لو أن الشيخ صلي عليه في الطائف ما يروحون الناس؟ اللي بيروح بيروح، يعني اللي شاد الرحل شاده، لا لأجل البقعة، واللي ذاهب إلى المسجد الحرام ما ذهب إلى المسجد الحرام لذاته، إنما ذهب ليصلي على الشيخ، فالصلاة على الميت افترض أن أباك مثلاً توفي في بلدٍ بعيد ما تذهب تصلي عليه، كما لو مرض تذهب تعوده، وأيضاً تشد الرحل لزيارته، وصلته، وبره، هذا لا يدخل في مثل هذا الحديث.
الشراح، وفيهم شيء من شوائب البدع، بعضهم فيه شيء من شوائب البدع يطرد هذا، ويقول: إن هذا من أجل الصلاة، وأما سائر العبادات فلا، يعني زيارة القبور، تشد الرحل لزيارة القبور والأولياء والصالحين ويتوسعون في هذا، حتى وقع كثيرٌ منهم في الشرك، وكثيرٌ منهم وقع في الوسائل الموصلة إلى الشرك من الغلو والتبرك وغير ذلك، المقصود أن مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، وتنزل النصوص مواردها، كون أننا نعود مريض هذا لا إشكال فيه، كوننا نتبع جنازته أيضاً هذا من حقه علينا، من حق المسلم علينا، لا سيما إذا كان له أثر من والد أو قريب أو شخص أحسن إليك فضلاً على أن يكون له إحسان على الأمة بكاملها، من أهل العلم.(24/10)
"وسمعته يقول: ((لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم)) " تقدم ثلاث، أو فوق ثلاث، والآن يقول: ((يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم)) محرم منها؛ لأن من أهل العلم من يقول: معها ذو محرمٍ منه، إذا جاء بأمه أو زوجته أو أخته يكفي، وهذه الرواية ترد هذا القول، وتفسر الرواية السابقة، ((أو زوجها)) ((ذو محرمٍ منها)) وهو من تحرم عليه على التأبيد ((أو زوجها)).
"وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت قزعة قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعاً فأعجبنني وآنقنني" آنقنني هو معنى أعجبنني، هذا من المترادف، وجاز العطف لاختلاف اللفظ، "نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، واقتص باقي الحديث" أين بقية الأربع؟ في الرواية الأولى والحديث كله لأبي سعيد، منها قوله: ((ولا تشد الرحال)) ومنها: ((لا تسافر المرأة)) هذه فيها ثنتين، والبقية؟ "واقتص باقي الحديث" ماذا عن باقي الحديث؟ ذكر في الشروح وإلا ما ذكر؟ طيب كيف نصل إلى هذه الخصال الأربع؟
طالب:. . . . . . . . .
التتبع، تتبع طرق الحديث خارج الصحيح، يعني بإمكانك أن ترجع إلى جامع الأصول، فإن كانت هذه الأربع موجودة في روايات الحديث خارج الصحيح من السنن بها ونعمت، لك أن ترجع إلى المسند، وقد تقف إلى بعضها، ترجع إلى سنن البيهقي، ترجع إلى المستدرك، المستدرك يمكن ما يأتي بها؛ لأنه قدر زائد على ما في الصحيح، لكن سنن البيهقي في الغالب كفيل بمثل هذه الأمور لماذا؟ لأنه يعتمد على المستخرجات، يعني المستخرجات مثل مسند أبي عوان احتمال يأتي ببقيتها، وإذا جاء بها جاء بها صاحب جامع الأصول؛ لأنه يعتمد على المستخرجات، يأتي بها البيهقي؛ لأنه يعتمد على المستخرجات، ولعل بعض الإخوان يحضرها غداً، تحضرها يا عبد الله؟ طيب.(24/11)
قال: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم ابن منجاب عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذي محرم)) " الآن مسافة ثلاث، لو أخذنا بمفهوم مثل هذا لقلنا: بإمكانها أن تجوب أقطار الدنيا في ثلاث، والمحظور المتوقع من ثلاث هو المحظور المتوقع من ساعة، إذاً هذه أوصاف، أو هذه أعداد لا أثر لها في الحكم، وإنما الوصف المؤثر هو السفر.
"وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن بشار جميعاً عن معاذ بن هشام قال أبو غسان: حدثنا معاذ، قال: حدثني أبي عن قتادة عن قزعة عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم)) " قد يقول قائل: هذا التكرار يمل بعض طلاب العلم؛ لأنه ما في فائدة زائدة من وجهة نظره، لكن ...
طالب:. . . . . . . . .(24/12)
أنا أقول: من عانى علم الحديث يطرب لمثل هذا التكرار، ولذلكم لو أحدٌ منكم قرأ في مواقيت الصلاة، من صحيح مسلم، وذكر أسانيد كثيرة وألفاظ وكذا، الذي لا يعرف مثل هذه الأمور يقول: ما الفائدة؟ ومسلم جاء بكلامٍ لا مناسبة له في هذا المقام؛ ليبين أهمية مثل هذه التصرفات في هذه الأسانيد التي لا يدركها كثيرٌ من طلاب العلم، مسلم -رحمه الله- لما ساق أحاديث مواقيت الصلاة ببراعة فائقة عن شيوخه الحفاظ الضابطين المتقنين، قال: وقال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، يعني هل شخص مسترخي مرتاح يبي يحفظ مثل هذه الأسانيد بألفاظها ومتونها، ويؤديها كما سمعها؟ مستحيل، لا يستطاع العلم براحة الجسم، وعلى هذا على طالب العلم أن يتذوق مثل هذه الأمور، ويعرف لماذا أورد مسلم هذه؟ صحيح الإمام البخاري على طوله وعرضه وكثرة تكراره، يكرر الحديث أحياناً في عشرين موضع، وطريقة البخاري في التكرار أيضاً ما هي مثل طريقة مسلم يجمعها في مكانٍ واحد، يستغنى ببعضها عن بعض، في كل موضع يستنبط حكم من هذا المتن الذي أورده، وقد أورده سابقاً، واستنبط منه حكماً آخر، فاستنبط من الحديث عشرين فائدة، أودعها في تراجمه على هذه الروايات، بعض الناس يقول: ليش البخاري يكرر في عشرين موضع؟ ألا تعلم أنه لم يكرر حديث واحد في موضعين من غير فائدة، سواءٌ كانت في متنه أو في إسناده، ما كرر ولا حديث واحد بلفظه بإسناده ومتنه إلا في نحو عشرين موضع من سبعة آلاف وخمسمائة موضع، نادرة، فالإنسان الذي يعاني مثل هذه الأمور، ويتذوقها لا شك أنه يتكشف له أشياء يتمنى أن الإمام مسلم لو أطال وأورد كل ما بلغه من الروايات ليستفيد، وكل رواية فيها فائدة زائدة، ولولا أننا محصورون بوقت معين كان تكلمنا عليها من كل ناحية، لكن الإشكال أننا ما أخذنا ولا ربع المقرر الآن.(24/13)
فعلى طالب العلم أن لا يستثقل مثل هذه الأمور، بل يعزم على فهمها، ولماذا أتى مسلم بهذا الإسناد؟ وقدم هذا الإسناد على هذا؟ ولماذا أخر هذا؟ ولماذا رتب هذا الترتيب؟ ليس من العبث أن يقدم مسلم الرواية الأولى على الثانية أبداً، أحياناً يقدم مجمل ويتبعه بمفسر، أحياناً يقدم منسوخ ويتبعه بناسخ، أحياناً العكس؛ لمقامٍ يقتضي هذا.
نعم وجد أمور تعب الشراح في إيجاد رابط بينها، تعب الشراح بسبب تقديم هذا على هذا، ما يمنع، هذا صنيع البشر، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] لكن في الجملة الصحيحين أو الصحيحان في غاية الضبط والدقة والإتقان، يعني ما تستطيع أن تقدم إسناد على آخر، يمكن يختل الترتيب.
طالب:. . . . . . . . .
لماذا أهدرنا الروايات الأخرى؟ وجود هذه الروايات المختلفة يجعلنا نجزم يقيناً أن الأعداد غير مقصودة، وإذا ألغينا الأعداد علقنا الحكم بالمادة التي هي السفر، الوصف المؤثر، ومجرد ما يبرز عن البلد هذا هو السفر، وهو البروز وهو السفور وانتهينا، ما دام علقنا بالسفر انتهى الإشكال.
طالب:. . . . . . . . .
الضعينة من علامة الساعة في آخر الزمان، وهذا مما يحدث كوناً لا شرعاً، يعني الأمور التي أخبر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ستقع، هل علينا أن نحققها؟ هل علينا أن نسعى أن تلد الأمة ربتها؟ هل علينا أن نسعى؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال ذلك؟ نعم، هل علينا أن نسعى، أنا ننتبع سنن من كان قبلنا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أنه سيكون؟ لا، الأمور تحدث كوناً، هذا ما لنا علاقة به، نحن مطالبون بالأوامر والنواهي الشرعية، أما كون الضعينة تسافر من كذا أو كذا دون محرم لا تخشى .. ، هذا يحدث كوناً، لكن محرم شرعاً، فلا نسعى لتحقيقه.
طالب: إذا كانت في مكة وذهبت إلى عرفات مع أنه قريب بدون ....
المقصود أن مثل هذا ما يسمى في الغالب سفر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المحرم في السفر، متى يشترط المحرم للحج؟ إذا ترتب عليه سفر، أما بدون سفر ما يشترط، لا فرق.
طالب:. . . . . . . . .(24/14)
فرق بعضهم بين الشابة وبين الكبيرة التي لا تشتهى، لكن كما قالوا: "لكل ساقطة في الحي لاقطةٌ"، والضرورات لها أحكامها، لو أسلمت امرأة بين كفار، وتيسر لها أن تهاجر هذه ضرورة لها حكمها، لو مات المحرم في أثناء الطريق تجلس إلى أن تموت في الطريق، الضرورات لها أحكامها، فالضرورات ما تدخل في مثل هذه الأمور، أما إذا استفت من يتدين بشرطية المحرم، وأنها لا يجوز أن تسافر بغير محرم، فالمقرر أن ما عند الله لا ينال بسخطه، لكن إذا قالت: هذا مذهبنا، نحن شافعية نرى أن تحج مع جمعٍ من النسوة، إذا قالت هذا الكلام تتولى أمرها، لا أحد يلزمها، لكن إذا كان لأحد الولاية عليها لا يجوز لها أن يمكنها أن تسافر بغير محرم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان الأمر إليه ما يمكنها.
طالب: يا شيخ لو قيل -حفظك الله- أن سفر الخادمة مع أهل البيت للضرورة؛ لأن تغيبها في البيت قد يفضي إلى فتنة، فيأخذونها من هذا الباب تخفيفاً للشر.
هذه المسألة أفتى بها الشيخ -رحمه الله-، الشيخ ابن باز (سنة 11) لما كانت أحداث الكويت، والناس تفرقوا، وعندهم خادمات سئل، قالوا له: تبقى لمن؟ يعني الضرر لا بد أن يزال، وإذا وجد ضرر خفيف، وضرر أشد منه لا بد أن يدفع أعلى الضررين، ولو ارتكب أخفهما، فينظر في مثل هذا.
طالب: يعني لو قلنا: بجواز هذه الصورة هي ضرورة لا نسحبها على غيرها، يعني لو قلنا: إنه يجوز للخادمة أخذها لئلا تجلس في البيت لحالها طيب إذا أمن بقاؤها في البيت .... ؟
إذا كان يؤمن ما يجوز.
طالب: أليس بقاؤها يا شيخ في بيتهم من دون محرم، وأيضاً السفر ومجيئها من بلدها، بقاؤها في البيت بدون محرم.
على كل حال الضرورات تقدر بقدرها، مثل ما أفتوا من أسلمت في بلد كفار، وخافت على نفسها، ومثل من مات محرمها، الضرورات تبقى أنها بقدر الضرورة، ما يزاد عليها.
طالب: لكن ألا يستوي السفر مع البقاء في بيتها، الآن جلست سنتين بمفردها مع أصحابها ... ؟
لا، لا، هذا ما فيه خلوة، المحظور في مثل هذه الأمور الخلوة؛ لأنه ما في سفر يقال: تحتاج إلى محرم، لكن الخلوة حرام ...
طالب:. . . . . . . . .(24/15)
المقصود أنه ما في سفر بالنسبة لها، هي مقيمة، مقيمة حكماً، وعلى هذا لا يشترط لها المحرم، إنما الواجب عدم الخلوة، الخلوة حرام بها.
طالب: ضابط البلد الذي يقال: أنها سافرت منه، هل هو مسقط الرأس .... ؟
لا، بلدها هي التي ولدت فيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟ والله بالنسبة للترخص في الصلاة وغيرها، الصيام والمسح، قول الجمهور منضبط، منضبط قول الجمهور، وإن كان لا ينهض من حيث الدليل، دليله غير ملزم، لكن مع ذلك هو منضبط، ومعتمد على أقوال صحابة، صحيحة عنهم، عن ابن عباس وغيره من مكة إلى جدة، من مكة إلى عسفان، من مكة إلى الطائف، هذا بالنسبة إلى المسافة، والمدة الإذن للمهاجرين بالبقاء ثلاثة أيام يدل على أن الأربعة إقامة، المقصود أن مثل هذا قد لا ينهض بإلزام الخصم، لكنه مع ذلك منضبط، ولذا الذين يفتون بالقول الآخر بالإطلاق، ولا سيما من يفتي العوام، يعني بعض طلاب العلم يقدر الأمور قدرها، ويعرف يحدد، لكن من يفتي العوام؟ العوام ما يفهمون، شلون ترده إلى العرف العامي، كيف ترده إلى العرف؟ أشباه العوام من الطلاب الذين يدرسون سنتين، ثلاث، خمس، عشر سنوات تقوله: مسافر وإلا مقيم؟ ضاعت الصلوات، وتركت الجماعات، وأفطر في رمضان سنوات عديدة، ومع ذلك نحن مسافرون، الذي ينوي إلى الرجوع إلى بلده، توظف في بلده عشر سنين، عشرين سنة يتشبث بمثل هذا القول، يقول: والله أنا ما نويت أستمر بهذا البلد، أنا بأرجع إلى بلدي، ولذلكم يعني الإنسان لا بد أن يكون لديه فقه نفس، الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- كان يقول بالإطلاق اللي يقول شيخ الإسلام، لكن رأى أن المسألة ضاعت، فرجع إلى قول الجمهور.
طالب:. . . . . . . . .
والشيخ محمد بن إبراهيم سئل عن ابن ثلاثة عشر، فاستفصل هل هو ولد نبيه، وإلا يمكن فيه شيء من التغفيل؟ أو يمكن يضحك عليه أو شيء من هذا؟ فلما أجيب بأنه في غاية النباهة قال: يجزئ -إن شاء الله-، يختلفون في الأعمى هل يكفي أن يكون محرم وإلا لا؟ الأعمى هل يصلح محرم وإلا ما يصلح؟
طالب:. . . . . . . . .(24/16)
زوجها وهو أعمى، ألا يمكن أن تذهب إلى كذا أو كذا وهو عندها، وهو ما يشوف، لكن من الحكم الإلهية أن العميان في هذه المسألة وفي غيرها لكن في هذه المسألة ملاحظ، كثيرٌ منهم مبتلى بالشك الزائد بحيث يتحسس من أدنى شيء، فكثيرٌ منهم أشد في المحافظة على المرأة من المبصرين، عنده حساسية زائدة في هذا الباب، وهذا مبعثه الغيرة على عرضه، لكن المبصر يعتمد على بصره، فلا يتحسس أكثر من اللازم، والأعمى فاقد هذه الحاسة فيحتاط أكثر من غيره، ولا شك أن بعض الناس، يعني المسألة تحتاج عندنا أمور إذا جاءت بالشرع بمثل هذا وأطلقها؛ لأن النظر في القضايا الخاصة لا يمكن ضبطه؛ لأن بعض الناس زوج مثلاً، وبالإمكان بأدنى حيلة وبأدنى شيء تؤخذ منه زوجته بأدنى حيلة، نقول: ما يصلح هذا محرم؟ الأمور الشرعية إذا جاءت تعم، فإذا حدد زوج أخ ابن، بعضهم يتحسس، بعض العلماء يتحسس من ابن الزوج، فيقول: إذا فسدت الأوقات عند فساد الزمان لا يصح أن يكون محرماً، ولا يعتمد عليه بمفرده؛ لأنه لا يغار على زوجة أبيه مثل غيرته على أمه وأخته وابنته وإلى آخره، لكن ما دام محرم شرعي، مقرر شرعاً أنه محرم، نعم ينظر في قضايا معينة، فلان لا يصلح محرم، مثل كونه لا يصلح ولي، ينظر في كل قضية بعينها، فإذا ثبت أن هذا لا يصلح، ولا يعتمد عليه في هذا الباب يبحث عن غيره، مثل الولاية.
طالب:. . . . . . . . .
ما يجوز، ولو مائة بدون محرم، ما يجوز أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الذي نقرر أنه محرمٌ منها، شوف ((إلا ومعها ذو محرمٍ منها)) انتهى الإشكال يا أخي، يعني في داخل البلد، ومعه أخته أو زوجته، زوجته أشد تحري أشد حرصاً عليه من غيره، يعني داخل ما في، تحرم الخلوة، لكن كونها تركب مع السائق من دون محرمٍ له أو لها، يعني بمعنى وجود الخلوة لا يجوز، لكن معها نسوة لا بأس؛ لأن المحظور اشتراط المحرم إنما هو للسفر، وفي البلد تحرم الخلوة، ونفرق بين هذا وهذا.
طالب:. . . . . . . . .
شرط وجوب، لا شرط صحة، بمعنى أنها لو حجت عصت، حجت بدون محرم نقول: عاصية، ومرتكبة لإثم، ومعرضةٍ نفسها لخطر، وآثمة في سفرها، ومع ذلك حجها صحيح.(24/17)
طالب: بعض العلماء ما لازموا بين المحرم و. . . . . . . . .؟
على مذهب الظاهرية، أن كل أمرٍ شرعي يعتريه إثم فهو باطل.
طالب:. . . . . . . . .
عموماً يعني النهي عندهم يقتضي الفساد، لكن الجمهور إذا كان لأمرٍ خارج لا لذات العبادة، ولا إلى شرطها يعني شرط الصحة ما هو بشرط الوجوب.
طالب: لكن عملنا بعموم قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل علماً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فكون المرأة تسافر تحج بدون محرم، فهي عملت عملاً ليس عليه أمر الشرع إذا هو رد.
رد، يعني غير مقبول، الأجر المترتب عليه ما لها شيء منها، مثل القبول، مثل نفي القبول.
"وحدثناه ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة بهذا الإسناد، وقال: ((أكثر من ثلاث إلا مع ذي محرم)).
قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها)) " قلنا: إن هذا يرد قول من يقول: محرم منه.
قال: حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)).
ثم قال: "وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها)).
قال: حدثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا بشر يعني ابن مفضل، قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم منها)).(24/18)
"وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب جميعاً عن أبي معاوية قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح" وهذا فيه ما تقدم من إعادة واحد من الشيوخ، "قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها)) ".
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش بهذا الإسناد مثله.
وقال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) " فالخلوة سواءٌ كانت في السفر أو في الحضر لا تجوز، وأما بالنسبة لاشتراط المحرم فهو في السفر فقط دون خلوة ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال: "يا رسول الله: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا" المرأة خرجت حاجة، وهو اكتتب في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)).
وحدثناه أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا حماد عن عمرو بهذا الإسناد نحوه.
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا هشام يعني ابن سليمان المخزومي عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه، ولم يذكر: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم".(24/19)
هذا الرجل الذي خرجت امرأته إلى الحج، "أن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتب في غزوة كذا وكذا" الآن حجت مع من؟ هي حجت بدون محرم، لكن هل حجت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أو مع أبي بكر؟ وهل غزا وقد حج أو لم يحج؟ وإن كان قد حج فمتى؟ أبو بكر حج بالناس سنة تسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حج سنة عشر، فهل نقول: إن هذه المرأة خرجت مع أبي بكر، وهو خرج يغزو؟ أو نقول: إنها خرجت في حجة الوداع وهو قد حج مع أبي بكر سنة تسع، وهذه السنة للغزو؟ لأنه قد يقول قائل -ما يستشكل مثل؟ - يعني هل تحج المرأة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما حج؟ ويبي يغزو؟ نعم قد يكون الغزو متعين، والحاجة إليه أدعى من الحاجة إلى الحج؛ لخطرٍ يهدد المسلمين مثلاً، فيكون الغزو في حقه متعين، وتخرج هي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع، وهو يخرج في الغزو، اكتتب في الغزوة، وعلى هذا يتأكد أمر المحرم، يعني إذا ترك غزو متعين، غزوٌ متعين يترك من أجله الحج -خلوكم معي يا الإخوان- ماذا نريد من هذا الكلام؟ هل النبي -عليه الصلاة والسلام- كل سنة يحج؟ حج مرة واحدة، يعني بعد الهجرة حج مرة واحدة، وقبل الهجرة حج -عليه الصلاة والسلام-، ما يتصور أنها مسقطة للفرض أبداً؛ لأن فرض الحج ما فرض إلا متأخر، فحجته قبل الهجرة هذه على طريقة قومه، وليست مما افترض الله عليه، يعني من باب تعظيم هذه المشاعر، ثبت أنه حج قبل الهجرة، وبعد فرض الحج حجة أبي بكر سنة تسع وحجة الوداع، هذه المرأة متى حجت؟ وزوجها متى حج؟ الآن حجة الزوج هذه فريضته أو من أجل أن يكون محرماً لزوجته؟ يعني ظاهر السياق أنه محرم لزوجته، وعلى هذا الذي يغلب على الظن أنه حج قبل ذلك، فتكون هي حجت حجة الوداع، وهو حج قبل ذلك مع أبي بكر.
طالب:. . . . . . . . . يلزم على الزوج أن يخرج مع زوجته ....(24/20)
لا، هو خارج خارج، يعني في أمرٍ شرعي خارج خارج، والأمر لولي الأمر، هل يوجه للغزو أو للحج؟ هو باذلٌ نفسه، يقال: لا يا أخي، الحج أحسن لك، أو أفضل لك، وألزم عليك من أن تغزو، وهذا يبين أهمية المحرم، ما قال: يكفي أنها تحج مع الناس، أو مع الرسول وإلا مع أمهات المؤمنين ما يكفي، اترك الغزو وحج مع امرأتك.
طالب:. . . . . . . . .
إلا خاصةٌ بهذا، لكن ويش دلالة هذه الحادثة؟ يعني ما لها دلالة؟ ما لها دلالةٍ أن الحج مع المرأة كونه محرم أفضل من الجهاد، وأهم من الجهاد.
طالب:. . . . . . . . .
وش إيش المانع؟ ويش الأحاديث التي قرأناها تو ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرمٍ منها)).
طالب:. . . . . . . . .
طيب، "عليها" يعني مما يحرم نكاحها عليه، منها عليها، نفس الشيء، "عليها" يعني تحرم عليه، ويحرم عليها، نفس الشيء، "منها" انتهينا منها، لكن على الرواية اللي يقول: الآن أنا عندي "عليها" أصرح من "منها"، أنا عندي "عليها" أصرح من "منها".
طالب:. . . . . . . . .
شوف ما يلزمه عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . . الحج ليس. . . . . . . . . تجلس المرأة في بيتها ويذهب إلى الجهاد. . . . . . . . .
خلي الأمور تنزل منازلها، هذا شخص باذلٍ نفسه لولي الأمر، وولي الأمر وجهه للجهاد، والخيار بين الأمرين، بين جهاد وبين حجٍ مع المرأة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- رجح حج المرأة على الجهاد، وما دام باذل نفسه خارج خارج، يعني لو شخص يقول لك: والله إيش رأيك أحج بامرأتي وإلا أروح أطلب العلم؟ إيش يقال له؟ نقول: حج مع امرأتك؛ لأن هذا باذلٌ نفسه، ولذلك هو في عرضه يقول: إن امرأتي خرجت حاجة، وإن اكتتبت في غزوة كذا وكذا، يعني فماذا أصنع؟ أتركها تروح لحالها وأنا أغزو؟ قال: لا، ((انطلق فحج مع امرأتك)) لكن لو قال: أنا مانا بحاج ولا بغازي، بأجلس ببيتي، يلزم بأن يكون محرم؟ لا ما يلزم، والفرق ظاهر بين هذا وهذا.(24/21)
طالب: ما يدل يا شيخ -أحسن الله إليك- من قوله: ((انطلق فحج مع امرأتك)) أنه لم يسبق له الحج لهذا نص النبي على الحج وإلا لقال: "فحج بامرأتك" أو لقال: "فكن محرماً لها". . . . . . . . .
المعية تحتمل كل هذا، يعني كونه حج قبل يحج معها، ما في ما يمنع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لو كان ما حج متى بيحج؟ وهذه حجة، افترضنا أنها حجة الوداع، يعني ما في إلا حجتين، هل حج مع أبي بكر، وصار في حقه حجة الوداع نفل، أسقط حجة الإسلام؟ أو نقول: ما حج، والجهاد متعين، والجهاد متعين، وهو ما حج فقال: ((حج مع امرأتك))؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يأتينا أن قوة المحرم من ترك الحج المتعين، على أي حال المحرم في غاية الأهمية من هذا النص، على أي احتمال يعني.
طالب:. . . . . . . . .
هو انتهت جهته محددة ومنتهية غزو، ما قصد حج ولا نوى يحج، بل يمكن أنه موجه إلى الغزو؛ لأن الأمة بهذا الظرف لا سيما إذا عرف العدو أن المدينة سوف تخلو من النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه في حجة الوداع، لا بد أن يوضع احتياطات في الثغور وفي الحدود بينهم وبين الأعداء، فهذا في غاية الأهمية، فكون هذا الأمر يترك من أجل أن يذهب محرم مع زوجته هذا يدل على أهمية المحرم في الميزان الشرعي.
طالب:. . . . . . . . .
كتب عليه الجهاد، فدل على أن المحرمية أهم من الجهاد الواجب.
طالب:. . . . . . . . .
ماذا يجاب عنه؟ يعني سفر أمهات المؤمنين.
طالب: قد يكون لهن محرم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- توفي، يعني بعد وفاته صرن الحج، ولذلك قال لبعضهن: ((هذه ولزوم الحصر)) نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فكيف يجب الحجاب عليهن؟ من وراء حجاب؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . . قد يكون متوقع من الصحابة استحضار هذا المعنى ....(24/22)
يعني أمر مقرر بأدلة صحيحة صريحة، نأتي بأمور ملتبسة، يعني ما ذكر فيها، وعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، عدم الذكر .. ، فيكفينا قيام الحجة بنصٍ واحد، إذا قامت الحجة بنصٍ واحد، نعم إذا عارضه نصٌ ينفي نعم، لكن عدم الذكر لا يقاوم الذكر في النصوص الأخرى.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، هذا ما نتردد في هذا ما يكفي. . . . . . . . .، ما عند الله لا ينال بسخط الله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المحرمية غير لازمة. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
المال هي تابعة للنفقة الأصلية، ما دام تزوجت انتقلت منه إلى الزوج، ولو حصل؟ يجلس الدين في ذمة الأب؟ لا، كسائر النفقات، المقصود أنها خرجت أرادت الخروج مثل الفعل الماضي الذي يطلق ويراد به حصول الفعل، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل، فتفسره الروايات الأخرى، المقصود أنها عازمة على الحج.
نأخذ هذا باب الذكر؛ لأنه خفيف ما فيه مشاكل، بابين في الذكر ما فيهن إشكال؛ لأنه تأخرنا جداً، اقرأ.
قال: حدثني هارون بن عبد الله قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أن عليا الأزدي أخبره أن ابن عمر علمهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً، ثم قال: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [(13 - 14) سورة الزخرف] ((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)) وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: ((آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)).
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال.(24/23)
وحدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب جميعاً عن أبي معاوية ح وحدثني حامد بن عمر قال: حدثنا عبد الواحد كلاهما عن عاصم بهذا الإسناد مثله، غير أن في حديث عبد الواحد في المال والأهل، وفي رواية محمد بن خازم قال: "يبدأ بالأهل إذا رجع" وفي روايتها جميعاً: ((اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في دعاء الركوب إذا ركب دابته في السفر، سواءٌ كان للحج أو لغيره يقول: "حدثني هارون بن عبد الله قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أن علياً الأزدي أخبره أن ابن عمر علمهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره" في الإسناد أبو الزبير أن علياً، والمقرر عند أهل العلم أن السند المؤنن مثل المعنعن.
. . . . . . . . . سووا ... وحكم (أنَّ) حكم (عن) فالجلُّ
وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
أبو الزبير عرف بالتدليس، وهنا جاء بالسند بـ (أن) وهي في حكم (عن) والمدلس لا سيما في الطبقة الثالثة من المدلسين لا بد أن يصرح بالتحديث، وهنا ما صرح أبو الزبير، مع أن تدليسه شديد، ومع ذلكم كلما جاء من عنعنات المدلسين، وما في أحكامها في الصحيحين فهي محمولة على الاتصال، لا يتردد في هذا؛ لأنها وجدت في المصادر الأخرى، وفي الروايات الأخرى، وفي المستخرجات وغيرها مصرحٌ بها، ولو لم يكن في هذا الباب إلا تلقي الأمة للصحيحين بالقبول؛ لأنه يوجد من ينبش مثل هذه الأمور، ويأتي إلى أحاديث، ويضعف بعض الأحاديث لكلام أهل العلم في بعض الرواة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما هي بمسألة تحسين،. . . . . . . . . ما نتردد في صحته.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو له ما يشهد له.
طالب:. . . . . . . . .(24/24)
لا، لا، الصحة لا إشكال فيها، في بعض الرواة تُكلم فيهم بكلام أشد من هذا، هم أحاديثهم التي تكلم فيها الحفاظ هي التي ينازع في تصحيحها وتحسينها، أما بقية الأحاديث التي لم يتكلم فيها أحد من أهل العلم مقطوعٌ بصحتها عند أهل العلم، ولذلك يأتي ممن دخل الهوى في قلبه، ودخلت الفتنة في نفسه، ويعرف أن من رواة الصحيح من تكلم فيه، فيأتي إلى حديثٍ الأمة مطبقة على قبوله فيجد في رواته ممن تكلم فيه، فيطعن في الحديث، ولذلك الذين يتكلمون في صلاة الجماعة مثلاً، والآن المجال واسع للكلام في مثل هذه الأمور، والصحف تتسع لمثل هذا وغيرها، حتى المؤلفات والمنشورات، صاروا ينبشون بعض الأمور، أمور تلقتها الأمة بالقبول، لا تقبل الجدال، ومع ذلك ينبش، في حديث الأعمى ابن أمِّ مكتوم ((هل تسمع النداء؟ )) قال: لا، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) ذهب في بعض الرواة، طيب الرواة منهم من تكلم فيه من رواة الصحيحين، لكن رواة الصحيحين المقرر عند أهل العلم أنهم جازوا القنطرة، يعني كون الراوي متكلم فيه، يعني هل الراوي الذي حصل فيه هذا الكلام كل حديثه خطأ، أخطأ في أحاديث، لكن بقية أحاديثه؟ أتقنها وضبطها، ولبعض أحاديثه ما يشهد له من روايات الثقات المتقنين، ومع ذلكم عرف الشيخان بالتحري، وشدة الانتقاء، يعني هذا الراوي المتكلم فيه يروي ألف حديث، تكلم في عشرة أحاديث، عشرين منها مثلاً، هل ينزل عن حد الضبط والإتقان؟ ما ينزل، أيضاً أصحاب الصحيحين ما يمكن أن يخرجوا لهذا الراوي ما انتقدَ عليه، هذا أمرٌ مقطوعٌ به، مجزومٌ به، ولذا ابن الصلاح، وتبعه جمعٌ غفير من أهل العلم يقول: وجميع ما في الصحيحين مقطوعٌ به، ولو لم يكن إلا تلقي الأمة بالقبول لهذين الكتابين، سوى أحرف يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ، مع أن هذه الأحرف اليسيرة التي تكلم فيها بعض الحفاظ الصواب مع الشيخين، ومع ذلك يأتي من ينبش، ومن ... ، وهذا الكلام يمشي على عوام الناس، وعلى أشباه العوام، هو. . . . . . . . . من فتنة، كل حديث في الصحيحين هو صحيح، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ، وجد أحاديث لا يمكن الإجابة عنها مثل حديث التربة في صحيح مسلم لا يمكن الإجابة عنه، لكن حديث:(24/25)
((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الجمهور قالوا: مقلوب، ومثلوا به للمقلوب، وأنا أقول: ليس بمقلوب، ويش المانع أن يتصدق بشماله؟ ما هو المسألة مسألة إخفاء صدقة، إذا كان عن يمينه ناس، وأراد أن يتصدق على هذا ويخفيها ألا يمكن أن يدفع ما يتصدق به بشماله؟
طالب: زيادة إخفاء.
زيادة إخفاء، ومع ذلكم جاء في الحديث الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحدٍ ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، إلا أن أقول به: هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه)) فالصدقة بالشمال .. ، صح اليمين أفضل، لكن هذا. . . . . . . . . الصدقة بالشمال إيش المانع؟ هل الفقير يصير بنفسه لو أعطيته شيء بشمالك، يحمل في نفسه شيء؟ كلا، أبداً، وهذا لا شك أنه مبالغة في إخفاء الصدقة، فعلى هذا نحتاط لهذا الأمر، ونعد العدة إلى مثل هؤلاء؛ لأن هؤلاء معاول هدم؛ لأنه لو تكلم في الصحيحين ما بقي لنا شيء، وتصورنا المرجئة يعتمدون على آيات الوعد، والخوارج يستدلون بآيات الوعيد، وينهدم الدين بهذه الطريقة، إذا خلت الأمة من الراسخين في العلم، الذين يتصدون لمثل هؤلاء، فإذا لم يقم كل إنسان بمهمته بما أوجب الله عليه في الدفاع عن الدين معناه انتهى الأمر.(24/26)
"أن علياً الأسدي أخبره أن ابن عمر علمهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره" يعني ركبه استوى على بعيره " خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً، ثم قال: ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين)) " سخر لنا هذه الدابة التي نركبها ((وما كنا له)) لهذا المركوب مقرنين، يعني مطيقين، لولا أن الله سخر لنا، من الذي يطيق البعير لو هاج عليك؟ تطيق؟ والله ما تسوى شيء عنده، رفسة ولك منتهي، ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين)) سخر لنا هؤلاء الكفرة، يصنعون لنا ما يريحنا في الانتقال من بلد إلى بلد، هذا تسخير من الله -جل وعلا-، ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون -راجعون إليه- اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى)) هذا الدعاء ينبغي أن يقوله الرجل مخلصاً لربه ليعينه على سفره، وكل ما ينوبه من أمر دينه ودنياه، ((اللهم هون علينا سفرنا)) والسفر كما جاء في الحديث: ((قطعة من العذاب)) أو من نار، فإذا لم يهون الله -جل وعلا- صار شقاء، ((اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده)) بدل من أن نستغرق الأوقات الطويلة نقطعه بأيسر وأقصر مدة ومسافة، وصحف هذا، سمعه الناس كلهم في المطاف، الناس يسمعون من يصحف ويقول: "وطوعنا بعده" وهو تصحيف، يعني من حيث المعنى، ماشي من حيث المعنى، لكن الرواية على خلافه، ما في ما يمنع أبداً، أحياناً تحس بأن السفر لا شيء، وأحياناً يكون السفر فيه مشقة وكلفة أكثر والطريق واحد، ((واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر)) نعم؛ لأن الله -جل وعلا- معنا، ((اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر)) مشقته وشدته، ((من وعثاء السفر، وكآبة المنظر)) تغير النفس التي تبدو على المنظر، على الوجه، التي تبدو على الوجه ((وكآبة المنظر)) يعني كآبة المنظر لها دلالتها على ما يخالج نفس الإنسان، فإذا وجد ما يكدر في النفس ظهر ذلك على المنظر، ((وسوء المنقلب)) يعني المرجع، ((في المال والأهل)) يعني أن يرجع الإنسان إلى أهله، وقد حصل لهم انقلاب، إيش انقلاب؟ يعني تغير في أحوالهم، سواءٌ كانت في(24/27)
أديانهم، أو في أبدانهم، أو في معيشتهم، ((في المال والأهل)) وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: ((آيبون)) يعني راجعون ((عابدون لربنا حامدون)) وهذه أخبار، وهي في الحقيقة أذكار.
قال: "حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر –المشقة- وكآبة المنقلب" وهناك قال: "وكآبة المنظر" والمراد به السوء سواءً كان في المنظر أو في المنقلب، "والحور بعد الكور" وأكثر الروايات: "بعد الكون" بالنون، وإن كانت الرواية: "الكور" بالراء أشهر، الحور: يعني الرجوع، إلا حار إليه يعني رجع إليه، "الحور بعد الكور" يعني بعد الاجتماع، أن نرجع عن هذا الاجتماع إلى فرقة وشتات، أو نرجع عن اجتماع النفس على هذا الدين العظيم إلى فسقٍ أو فجور؟ فضلاً عن ردة وكفور؟ والحور بعد الكور، وأما بالنسبة للرواية الأخرى: "الكون" يعني بعد أن كنا، هذا مصدر (كان) بعد أن كنا مجتمعين على أمرنا الماثل في أمر ديننا ودنيانا نرجع عنه، يستعاذ بالله من هذا، "ودعوة المظلوم" هذا دعاء بأن يعصم الله -جل وعلا- هذا الداعي من الظلم، الذي يسبب دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب، "وسوء المنظر" وهو كآبة المنظر، في الأهل والمال.
"وحدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب جميعاً عن أبي معاوية" أبو معاوية: هو محمد بن خازم، الذي تأتي الإشارة إليه في آخر الرواية، "عن أبي معاوية ح وحدثني حامد بن عمر قال: حدثنا عبد الواحد كلاهما عن عاصم بهذا الإسناد مثله، غير أن في حديث عبد الواحد: "في المال والأهل" وفي رواية محمد بن خازم قال: يبدأ بالأهل إذا رجع، وفي روايتها جميعاً" هذه من الفروق التي يعتني بها الإمام مسلم ويبينها، قال: "وفي رواية محمد بن خازم الذي هو أبو معاوية، قال: يبدأ بالأهل إذا رجع، وفي روايتهما جميعاً: ((اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه، رواية خارج الصحيحين، ثابتة نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وهم داخلون في الأهل نعم، لكن التنصيص عليهم؛ لأن الفتن إليهم أقرب.
طالب:. . . . . . . . .
إذا رجع، إذا ركب، إذا ركب.(24/28)
طالب:. . . . . . . . .
في غير الصحيح وردت، ما أدري الآن ما أذكرها، لكنها داخلة في الأهل في الجملة.
طالب: سوء المنقلب في الأهل والمال يعكس يعني.
ما يضر هذا؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب، وفي كلٍ منهما رواية.
طالب:. . . . . . . . .
ما يضر، ما يضر.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا ذكرت الأهل شمل الجميع، والآل والأهل يدخل فيهم الشخص دخولاً أولياً، يدخل فيهم الشخص نفسه فضلاً عن والديه ومن .. ، فهم أهله، والأصل أن الأهل الزوجة، أهل الرجل زوجته، لكن بالمعنى الأعم يشمل كل من يتأهل عندك في بيتك أو تتأهل عنده، ودخول الرجل في أهله وآله دخول أولي، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} [(46) سورة غافر] يعني فرعون ما يدخل؟ هو يدخل قبلهم {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} [(98) سورة هود].
نأخذ الباب هذا علشان أنه أيضاً ذكر.
طالب:. . . . . . . . .
ابن خازم، هو أبو معاوية الضرير محمد بن ....
طالب:. . . . . . . . .
خازم، نعم، إيه، حامد بن عمر البكراوي هذا معروف، كلهم معروفين، عبد الواحد بن زياد ثقة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
تكرارها؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هذه الروايات ما فيها إلا أن تقال مع دعاء الركوب، وزاد، قال: وزاد.
طالب: المحرمية في الحج يجب عليه يا شيخ، الأم.
ولا يجد ثمَّ مانع؟ ولا يوجد مانع؟ والله إلزامه فيه ما فيه، وإن كان عاد البر، والأمر به، والتشديد في شأنه في النصوص قد يرتقي إلى مثل هذا، لكن الإلزام يحتاج إلى نصٍ خاص.
طالب:. . . . . . . . .
إذا أراد السفر.
طالب:. . . . . . . . .
من تحقق الوصف، الذي هو البروز.
نأخذ هذا الباب تروا مثله، نقف على هذا إيش رأيكم؟ إذا روجع قصير، وذكر أيضاً ما فيه إشكالات.(24/29)
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد (واللفظ له) قال: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قفل من الجيوش، أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا وفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً، ثم قال: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)).
وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل يعني ابن علية عن أيوب ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا معن عن مالك ح وحدثنا ابن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله إلا حديث أيوب، فإن فيه التكبير مرتين.
وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أقبلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته على ناقته، حتى إذا كنا بظهر المدينة قال: ((آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون)) فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة.
وحدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما يتعلق بأذكار الرجوع من السفر، الباب السابق فيمن أراد سفراً في ابتدائه، وهنا إذا رجع من سفر الحج أو غيره.(24/30)
يقول: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد واللفظ له قال: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة" هذه أسفاره -عليه الصلاة والسلام-، ما سافر إلا لطاعة من حجٍ أو عمرة أو غزو أو هجرة، إذا قفل من الجيوش أو السرايا، إذا قفل النبي -عليه الصلاة والسلام-، الجيوش التي يقودها -عليه الصلاة والسلام-، فماذا عن السرايا؟ السرية ...
طالب: ما كان يخرج معهم إلى ....
يودعهم يعني، إذا خرج يودعهم؟
طالب:. . . . . . . . .
أو يستقبلهم، يعني يستقر التعريف، ويتجه القول بأن السرية ليس معها النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا يعرفها العلماء، يعرفون السرية: بأنها التي لم يكن فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة، يعني كونه يودع إلى أطراف البلد، أو يستقبل في أطراف البلد، هذا قفول؟ ثم إذا قفل يحتاج إلى مثل هذا؟ أو مثل هذا يقال في القفول من سفر؟ بدلالة الجيوش حج، عمرة؟
طالب: يقولون: سرية فلان سرية فلان ما ذكر أن فيها الرسول مثلاً.
طالب آخر: أيضاً ما ثبت عنه يا شيخ الخروج.
خل السرايا التي لم يذكر فيها، لكن هل يطلق بأن السرية كما يقرر أهل العلم أنها هي الغزو الذي لم يكن فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
طالب: الهجوم على المدينة. . . . . . . . . بعض الأقوام ولا تسمى جيوش.
ولا تسمى غزوة؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا تبوك.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الغزوة أوسع أوسع من السرية، توسعوا فيها أكثر من السرية، المقصود أن هذا النص الصحيح يدل على أن الأمر فيه سعة في التعريف.
طالب:. . . . . . . . .
سفر مباح؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما في إشكال، كل ما يفعل في الأسفار يفعل فيه، من الترخص وغيره، فضلاً عن الأذكار، الخلاف في سفر المعصية هل تقال مثل هذه الأمور؟ وهل يترخص فيها أو لا؟ والجمهور على أنه لا يترخص فيها أسفار المعصية، خلافاً للحنفية.(24/31)
"إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى" أوفى يعني ارتفع وعلا، "على ثنية"، الثنية: هي الجبل الصغير، أو فدفد، يعني مكان مرتفع، "كبر ثلاثاً"، وجاء في الحديث الصحيح: "كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا أو هبطنا سبحانا"والمناسبة ظاهرة؛ لأنك إذا ارتفعت وعلوت قد تحس في نفسك شيء من التعاظم، فتذكر أن الله -جل وعلا- أكبر، وإذا نزلت وهبطت تستحضر شيء من النزول، فتسبح الله -جل وعلا- وتنزهه عن مثل هذا التوهم، والآن يسأل عن ما في دواخل البلدان، هل يكبر إذا طلع على جسر، ويسبح إذا نزل في نفق؟ ما في ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، أو المصعد من حيث الصعود والنزول ما في ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، والأمر فيه سعه -إن شاء الله تعالى-.
"كبر ثلاثاً ثم قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) إذا أوفى" يعني إذا حصل هذا الوصف، تحقق هذا الوصف، وهو أنه طلع على ثنية، أو فدفد، كبر ثلاثاً ثم قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون)) هنا يتجه القول بأن مثل هذا يكرر إلى أن يصل البلد، لكن يربط ذلك ويعلق بالوصف المذكور في الحديث، وهو أنه إذا أوفى، يعني ارتفع على ثنية، إذا ارتفع على مكان مرتفع يكرر مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إلى أن يصل إيش المانع؟ لأنه علق على أمرٍ، وهو إذا أوفى على ثنية أو فدفد، يعني في الطريق كله؛ لأن (إذا) تقتضي التكرار.
قال: ((آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده -محمد عليه الصلاة والسلام- وهزم الأحزاب وحده)) في غزوة الأحزاب، تحزب طوائف الكفر على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، لكن الله -جل وعلا- أرسل عليهم الرياح أو الريح العاتية التي فرقتهم، ((وهزم الأحزاب وحده)).(24/32)
"وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل يعني ابن علية عن أيوب ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا معن عن مالك ح وحدثنا ابن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله إلا حديث أيوب فإن فيه التكبير مرتين" يعني يقول: الله أكبر، الله أكبر، بدلاً من التكبير ثلاثاً، وقل مثل هذا في الاختلاف في التكبير في هذه الأيام، من أهل العلم من يرى أنه مرتين، ومنهم من يرى أنه ثلاث، وكلُّ هذا مرده إلى اختلاف الرواة.
"وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قال أنس بن مالك: أقبلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته" يعني والحال أن صفية رديفته على ناقته، وتقدم ما في الإرداف من الحكم، "حتى إذا كنا بظهر المدينة قال" بظهر المدينة يعني راجع، يعني إلى أن وصل قرب المدينة، قال: ((آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون)) فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة.
وحدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك عن النبي عليه الصلاة والسلام بمثله.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(24/33)
صحيح مسلم - كتاب الحج (25)
التعريس بذي الحليفة والصلاة – لا يحج البيت مشرك ولا يطوف - فضل الحج والعمرة ويوم عرفة - النزول بمكة للحاج وتوريث دورها - جواز الإقامة بمكة للمهاجر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث الذي طُلب من الأخ عبد الله أمس في الأربع الواردة في حديث أبي سعيد الخدري، الذي أورده الإمام مسلم مختصراً، ولم يذكر فيه إلا خصلتين فقط، يقول في صحيح البخاري: في باب الصوم يوم النحر، قال -رحمه الله-: "حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، قال: سمعت قزعة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وكان غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثنتي عشر غزوة، قال: سمعت أربعاً من النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعجبني قال: ((لا تسافر المرأة مسيرة يومين وإلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صومَ في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)) هذه هي الأربع الخصال المذكورة في البخاري.
وأورد الحديث مسلم في كتاب الحج هنا، وفي كتاب الصيام مقتصراً على ثنتين فقط، التي هما: النهي عن السفر بدون محرم، والنهي عن شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة، وفي البخاري الحديث مفصل، فيه زيادة الصيام يومي العيد، وفيه أيضاً النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك.(25/1)
وحدثني محمد بن رمح بن المهاجر المصري، قال: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة واللفظ له قال: حدثنا ليث عن نافع قال: كان ابن عمر ينيخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينيخ بها، ويصلي بها.
وحدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أنس يعني أبا ضمرة عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا صدر من الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان ينيخ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل عن موسى وهو ابن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُتي في معرسه بذي الحليفة فقيل له: "إنك ببطحاء مباركة".
وحدثنا محمد بن بكار بن الريان وسريج بن يونس واللفظ لسريج قالا: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل: إنك ببطحاء مباركة، قال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان عبد الله ينيخ به؛ يتحرى معرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين القبلة وسطاً من ذلك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(25/2)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة" لما أن أتم النبي -عليه الصلاة والسلام- حجه نزل الأبطح وهذا بمكة، ولما قفل راجعاً إلى مدينته -عليه الصلاة والسلام- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وهي قريبةٌ جداً من المدينة، قريبة من المدينة "البطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها" يعني أدركته الصلاة فصلى بها، وهل الصلاة في هذا المكان في هذه البطحاء، في هذا المكان المبارك لها ميزة بحيث تقصد الصلاة فيها؟ إن وافقت فريضة فبها ونعمت، وإلا انتظرت الفريضة أو صلي بها نافلة، أو أن هذا مكان اتفاقي؟ يعني لم يكن عن قصد، إنما أناخ به -عليه الصلاة والسلام- ونام فيه؛ لكي لا يفجأ الرجال نسائهم بالمدينة، وقد نهى عن ذلك، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطرق الرجل أهله ليلاً؛ ليكونوا على علمٍ بمجيئه، وليستعدوا له، ولئلا يطلع منهم على شيء ينفره منهم، فمن أهل العلم من يرى أن هذا المكان مقصود، وهو مبارك، ويناخ فيه، وينام فيه، ويصلى فيه، فإن كان وقت فريضة كفى، وإلا أنشأ نافلة أو انتظر فريضة، وهذا ما كان يصنعه ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، ومنهجه وطريقته في مثل هذا معروف، ويرجحه الإمام مالك، وقد جاء الأمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقت إحرامه بأن قيل له: "صلِ في هذا الوادي المبارك" فأمر بالصلاة في هذا الوادي، وأمر أن يحرم منه، وقل: "حجةً وعمرة" فمن أهل العلم من يرى كالإمام مالك رأي ابن عمر، ابن عمر رأيه مطرد في مثل هذا، أي مكان ينزل فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- ينزل فيه ابن عمر، وذكر ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد أن ابن عمر كان يكفكف دابته لتطأ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذه الأمور، وإن عملها من عملها كابن عمر لكنها غير مشروعة؛ لأن أكابر الصحابة، ومن هو أفضل من ابن عمر لم يعملها، ما فعلها أبوه ولا أبو بكر، وهما أفضل منه، ولا غيرهما من الصحابة، لكن مثل هذا الوادي، أو هذه البطحاء التي وصفت بالبركة، ما الفائدة من وصفها بالبركة؟ هل(25/3)
الفائدة منها أن تخص بمزيد تعبد؟ أو أن هذا وصف كاشف يبين فضل هذه البقة وأنها لا تزيد على غيرها في العبادة؟ لا شك أن مثل هذا ينتابه وجهات النظر، منهم أن يقول: إن البقاع المقدسة هي ما جاءت النصوص بالحث على الصلاة فيها، وبيان مضاعفتها وفضلها، وما عدا ذلك وإن ذكر فيه شيء من المزية، أو شيء من البركة.
يعني الشام بلادٌ مباركة، هل معنى هذا أن الصلاة في الشام أفضل من الصلاة في غيرها من البلدان؟ لا يعني هذا، وإن وصفت بالبركة {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء] بلاد الشام كلها حول بيت المقدس، فهي بلاد مباركة، لكن هل يعني هذا أن البركة في العبادة فيها؟ وأنها تضاعف على غيرها؟ أو أن خيرها تكون مباركة كما هو الواقع؟ على كل حال القول الثاني له حظٌ من النظر، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أناخ بهذا الوادي، وبهذه البطحاء لكي يستعد النساء لأزواجهن، وقد جاء الأمر بذلك أن لا يطرق الرجل أهله ليلاً، والعلة ظاهرة، فكيف ما اتفق له أن يبيت بات، لو افترضنا أنه بعد هذا المكان بكيلو واحد أو قبله بكيلو مكان مناسب للنوم، فندق أو شبهه، معد للنزول والراحة، هل نقول: إلا تجلس في هذا الوادي المبارك؟ والآن في وسائل الاتصال ما يقوم مقام مثل هذا العمل من النوم قبل دخول البلد، يعني قبل ساعة أو ساعتين من الوصول تتصل على أهلك تقول: أنا باقي لي ساعتين، وينتهي الإشكال، لا سيما وأن العلة معقولة، والعلة منصوصة، وإذا نص على العلة فإن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً، بخلاف العلل المستنبطة، فأكثر أهل العلم لا يرون أن لهذه البطحاء مزية من أجل النوم فيها، وإنما نام النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها اتفاقاً، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل مكة بات بذي طوى، وابن عمر لا يدخل مكة إلا يبيت بذي طوى، ولا عرف عن أحدٍ من الصحابة أنه كان يفعله، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يدل على أن هذا حسب التيسير، إن كان هذا المكان أيسر من غيره بها ونعمت، أولى، وإن لم يكن أيسر من غيره فالمتيسر هو الأصل.
"أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك.(25/4)
وحدثني محمد بن رمح بن المهاجر المصري قال: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة واللفظ له قال: حدثنا ليث عن نافع قال: كان ابن عمر ينيخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينيخ بها ويصلي بها.
وحدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أنس يعني أبا ضمرة عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صدر من الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء" تقول: أنخت البعير فبرك، ما تقول: أنخت البعير فناخ، فبرك، فالفعل المطاوع من غير المادة، "أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، التي كان ينيخ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، كان ينيخ بها، و (كان) الأصل فيها تدل على الاستمرار، أنه كلما قدم إلى المدينة أناخ بها، وإذا كان الأمر كذلك اتجه القول بقصدها، لكن جاء في النصوص ما يدل على أن (كان) ترد فيما فُعل مرةً واحدة.
"وحدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل عن موسى وهو ابن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُتي في معرسه" المعرس: هو موضع النزول، سواءٌ كان النزول بالليل أو النهار، ومنهم من يقول: إن المعروس هو موضع النزول، والمبيت آخر الليل، "أتي في معرسه بذي الحليفة فقيل له: "إنك ببطحاء مباركة".
"وحدثنا محمد بن بكار بن الريان وسريج بن يونس واللفظ لسريج قالا: حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له: "إنك ببطحاء مباركة"، قال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان عبد الله ينيخ به؛ يتحرى معرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين القبلة وسطاً من ذلك" يعني يكون المكان بين المسجد وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي بينه وبين القبلة، بين المسجد وبين القبلة وسطاً من ذلك، فيكون حينئذٍ أمام المسجد، يكون المسجد خلفه، والقبلة أمامه، فهو وسط بينهما.(25/5)
ويقال: في هذا الوادي المبارك، وأن قصده لا على جهة التعبد، وإنما هو على سبيل الاتفاق، ووصفه بكونه مبارك وصفٌ كاشف، لا يترتب عليه مزيد عمل، كما جاء في وصف النيل والفرات، على ما تقدم ذكره.
"حدثني هارون بن سعيد الأيلى قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس أن ابن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل حجة الوداع، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، قال ابن شهاب فكان حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر، من أجل حديث أبي هريرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثني هارون بن سعيد الأيلى قال: حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس أن ابن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: بعثني، الحاء هذه هل وقعت موقعها من التحويل من إسناد إلى آخر؟ أو أنها اختصار لكلمة الحديث، يعني هل تختصر الإسناد هنا؟ ما تختصر الإسناد على غير عادة الإمام مسلم -رحمه الله-؛ لأن عادته أن يذكرها في أثناء الإسناد، وهنا ذكرها في آخره، كما يذكرها البخاري -رحمه الله تعالى-.(25/6)
"أن ابن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت هذه الحجة سنة تسع من الهجرة ليؤذن في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان" امتثالاً لأمر الله -جل وعلا-: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [(3) سورة التوبة] يعني في هذا اليوم يؤذن بهذا، للبراءة من الشرك وأهله، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحج، لماذا لم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- سنة تسع، وأخر الحج إلى سنة عشر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الأصنام حطمت يوم الفتح.
طالب:. . . . . . . . .
وعام الوفود، لكن هل الوفود تمنعه من الحج الذي هو ركن ووجوبه على الفور؟
طالب: لتطهير البيت يا شيخ.(25/7)
لوجود العراة، الطواف كان يطوف الناس عراة في البيت، ويحجه مشركون، أما الأصنام فحطمت يوم الفتح، يحجه مشركون، ويطوف بالبيت عراة، وأمرٌ ثالث، وأشار إليه بعضهم، وهذا أشار إليه بعضهم، وقد يستدل له من حديث: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)) النسيء معروف عند المشركين، وهم يؤخرون في كل سنة شهر، فكان الحج في السنة التاسعة في ذي الحجة أو في القعدة؟ الحج في سنة تسع في ذي الحجة وإلا القعدة؟ سنة تسع؟ يعني ((استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)) في حجة الوداع، يعني في الحجة التي قبلها استدار وإلا ما استدار؟ يعني على طريقة العرب في النسيء؟ نعم يكون في ذي القعدة، ومع النسيء الذي يؤخره العرب على عادتهم استدار الزمان في حجة الوداع فصادفت وقتها، هذا متصور وإلا ما هو متصور؟ يعني يستدل لهذا القول، هذا قيل على كل حال، ويستدل له بقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)) يعني كونه استدار في هذه السنة، يدل على أنه في التي قبلها استدار وإلا ما استدار؟ ما استدار، هذا يستدل به لهذا القول، وعلى كل حال الحجة التي حجها أبو بكر لا شك أنها صحيحة، لكن يبقى أن الزمان إنما استدار في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يكن مانع للنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وجود المشركين، ووجود العراة.(25/8)
فأذن أبو بكر، وبعث من يؤذن معه، بعث أبا هريرة وعلي -رضي الله عنهما- أن يؤذنا في الناس، قال: "بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، في رهطٍ يؤذنون -في جمع- يؤذنون في الناس يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، قال ابن شهاب: فكان حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة" من أين أخذ هذا؟ إذا ضممنا الآية {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [(3) سورة التوبة] ومتى حصل هذا الأذان؟ في يوم النحر، في يوم النحر حصل، إذاً يوم النحر هو يوم الحج الأكبر الذي جاء ذكره في الآية، يعني جاء ذكره في الآية مجملاً فبين بالفعل، فصار يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وهذا هو قول أكثر العلماء، ومنهم من يرى أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة، يستدلون بحديث: ((الحج عرفة)) وتعريف الجزأين يقتضي الحصر.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا عرفت المبتدأ والخبر معنى حصر، إذا قلت: الشاعر زيد يعني ما في غيره، ((الحج عرفة)) يعني ما في غيره، تعريف الجزأين، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، لكن هل هذا الحصر حقيقي أو إضافي؟ إن قلنا: حقيقي فما في حج غير يوم عرفة، احضر عرفة وارجع هذا الحج، وإذا قلنا: إضافي قلنا: إن يوم عرفة استحق هذا الحصر؛ لأنه أهم أعمال الحج، وبه يفوت، يعني كل شيء من أعمال الحج يمكن إدراكه إلا الوقوف بعرفة، ولذا جاء التأكيد بأن الحج عرفة، وعلى هذا فالراجح ما دل عليه هذا الخبر، مضموماً إلى الآية من أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.
حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يقول: عن ابن المسيب قال: قالت عائشة -رضي الله عنها: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ))(25/9)
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس جزاء إلا الجنة)).
وحدثناه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني محمد بن عبد الملك الأموي قال: حدثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله ح وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن جميعاً عن سفيان كل هؤلاء عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث مالك.
حدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب قال: يحيى أخبرنا وقال زهير: حدثنا جرير عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)).
وحدثناه سعيد بن منصور عن أبي عوانة وأبي الأحوص ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ح وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة كل هؤلاء عن منصور بهذا الإسناد، وفي حديثهم جميعاً: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)).
حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم عن سيار عن أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله.(25/10)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يقول: عن ابن المسيب قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من يوم)) " ما نافية هذه، ومن زائدة لتأكيد النفي، ويوم نكرة في سياق النفي فتعم جميع الأيام، ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة)) يومٍ نكرة في سياق النفي، فتشمل جميع الأيام عامة، وعلى هذا يكون يوم عرفة أفضل الأيام على الإطلاق لما فيه من هذا الثواب العظيم، وهو العتق من النار، فهو أفضل الأيام على الإطلاق، قال بهذا جمعٌ غفير من أهل العلم، ورجح بعضهم يوم الجمعة عليه؛ لحديث: ((ما طلعت الشمس على أفضل من يوم الجمعة)) وحمل هذا الحديث عند أكثر العلماء على أنه أفضل يوم في الأسبوع، وأما يوم عرفة فهو أفضل يومٍ في العام، وجاء في الحديث الصحيح: أنه يكفر سنتين، السنة الماضية والباقية، فيوم عرفة شأنه عظيم، كثيرٌ من الناس يمر عليه كغيره من الأيام، لا يستشعر أنه في هذا اليوم العظيم، إذا وجد في صعيد عرفة، في يوم عرفة، وبين الحجاج من ينام من صلاة الجمع إلى غروب الشمس، يوجد، يعني مو المسألة كلام افتراضي وإلا توقع، لا، واقع، وعلى كل حال هذا أفضل بكثير ممن استغل هذا الوقت فيما حرم الله عليه، يعني كونه ينام أفضل من كونه يتتبع عورات المسلمين، ويدور بين مخيمات الناس، وبصره يمين وشمال، وكلامه في القيل والقال، وقد يخرج عنه إلى الكلام المحرم من الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وغيره، إضافةً إلى فعله المحرم، وكما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] وكلٌ على ما اعتاد، ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) ورأينا من هذا النوع وذاك النوع، ورأينا من استغل وقته كله بالذكر وتلاوة القرآن والدعاء، لا يفتر عن ذلك، ورأينا في هذا الصعيد المبارك من لم يثنِ ركبته، أمر ونهي في كل الوقت، على ما تعود طول العام، فاحتط لنفسك، واعمل وقدم في أيام السعة؛ لتحفظ في أيام الشدة، أما تقول: والله هذه ساعات أحفظها، لو(25/11)
أن الإنسان خاط فمه ما هو بكثير، ويجزم أنه خلاص، ثلاثة أيام الحج لا يرفث ولا يفسق، ثم بعد ذلك لا يصبر ولا لحظة، إن جاءه أحد، وإلا ذهب يبحث عن أحد، على ما تعود على طول العام، ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) وإلا هذه الأجور، وهذا الفضل العظيم المرتب على هذه الأيام الأربعة، الحج الآن لا يزيد على أربعة أيام، يعني إن زاد خامس فهو متأخر ما هو متعجل، ولا يستطيع الإنسان أن يحفظ نفسه في هذه الأيام اليسيرة، في هذه الساعات القليلة، لا شك أن مثل هذا ليس بعلامة قبول، ولا علامة توفيق، والحرمان ظاهر بالنسبة لكثيرٍ من الناس، حتى مع الأسف ممن ينتسب إلى طلب العلم، على ما تعود، تجده طول العام روحات وجيات، ومع الإخوان، ومع الزملاء، واستراحات وسهرات، ولا يعرف القرآن إلا إن تقدم قبل الإقامة بخمس دقائق، أو عشر دقائق وإلا راح ورده من القرآن، وغير القرآن من الأذكار التي جاء الحث عليها.
يقول: ((ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وما روئي الشيطان أحقر، ولا أغيض منه في هذا اليوم)) لما يرى من تنزل الرحمات على عباد الله، ((وإنه ليدنو)) والضمير يعود إلى الله -جل وعلا-، ليدنوا دنواً يليق بجلاله وعظمته، كما أثبته لنفسه، ((ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟ )) ما أراد هؤلاء؟ هؤلاء الذين أتوا شعثاً غبراً، ضاحين، مكشوفي الرؤوس للشمس وللبرد والحر، جاءوا من أصقاع الدنيا لبوا النداء، ثم جاءوا يبحثون عن أي شيء؟ يبحثون عن هذا العتق، لكن لا شك أن هذا نص من نصوص الوعد إذا لم يحصل مانع، فالوقوف في هذا الصعيد، والحج والتعرض للنفحات، وأيضاً صيام رمضان وقيامه، وقيام ليلة القدر كلها أسباب، إذا لم تعارَض بمانع، قد يكون السبب موجود لكن هو معارضٌ بمانع، فلا يترتب عليه أثر؛ لأن الذي يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه من هو؟ ((من حج فلم يفسق ولم يرفث)) الذي يفسق ويرفث أنى له ذلك، وإن كانت رحمة أرحم الراحمين واسعة، لكن يبقى أن هذه أمور رتبت على مقدمات، لا بد من توافرها.
طالب:. . . . . . . . .
تأويل تأويلها هذا، هو عرف بالتأويل -رحمه الله-.(25/12)
قال: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة)) " وجاء أيضاً: ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، كفارة لما بينهما)) والشرط جاء ذكره في روايات أخرى: ((ما اجتنبت الكبر)) ((ما لم تغشَ كبيرة))، ((والحج المبرور ليس جزاء إلا الجنة)) العمرة إلى العمرة كفارة، وفي هذا الحث على تكرار العمرة، ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) فهذا فيه الحث على تكرار العمرة، الإمام مالك -رحمه الله- يكره تكرار العمرة في العام الواحد، يعني ما يعتمر إلا في كل سنة مرة، ومع عدا ذلك يكرهه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في سنةٍ مرتين، ومنهم من يكره التكرار في الشهر، ومنهم من يجعل الفاصل اسوداد الشعر، وعلى كل حال هذا الحديث دليل على التكرار، وأنه لا حد في ذلك، وعمرة عائشة من التنعيم بعد عمرتها التي مع حجتها، وليس بينهما إلا أيام دليلٌ على التكرار من غير تحديد، شريطة أن لا تعوق هذه العمرة عما هو أهم منها وأفضل وأوجب، يعني المسألة مسألة موازنة بين قربات، فلا يعتمر، يكرر العمرة، يخرج من مكة ويكرر العمرة ويضيع واجبات، هذا مفروغٌ منه، أيضاً لا يضيع مندوبات أفضل منها، هذا مفروغٌ منه، لكن إذا ترك مندوبات أقل منها يعتمر، إذا لم تتعارض مع مندوبات أخرى كذلك، يعني قد يقول قائل: اجلس واقرأ قرآن، اجلس في المسجد واقرأ قرآن، وبدل ما تروح عشرة كيلو، خمسة عشر كيلو، ترجع كذلك، اقرأ قرآن، يقول: أنا بالسيارة رائح أقرأ قرآن، وأنا ما خرجت من الحرم إلا لمجرد الإحرام وأرجع، أنا ما ضيعت قراءة القرآن، ولا الأذكار، ولا ضيعت شيء، نقول: إذا لم يترتب على ذلك تضييع ما هو أهم فأكثر، والله أكثر، ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) هل الإنسان غني أن تكفر عنه ذنوبه؟ أليس بحاجة ماسة إلى أن تكفر عنه ذنوبه؟ تكفر بالعمرة إلى العمرة، تكفر بالجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، الصلوات الخمس أيضاً كفارة لما بينهما، كل هذه ((ما لم تغشَ كبيرة)) دليلٌ على أن هذه(25/13)
العبادات إنما تكفر الصغائر.
قد يقول قائل: هذا الشرط إذا تحقق ((ما لم تغشَ)) فبمجرد اجتناب الكبائر تكفر الصغائر، ما الفائدة من هذه الأعمال؟ {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] إذا اجتنبت الكبيرة. . . . . . . . . تبعاً، ما أحدٍ يقول: إنك محتاج إلى هذا، ومحتاج إلى العمرة، ومحتاج إلى الجمعة، ومحتاج للصلوات، ومحتاج للاستغفار، لو يكون الاستغفار عدد أنفاسك ما أنت بغني، فأنت محتاج إلى جميع هذه المكفرات وعسى، مع الإلحاح في الدعاء، وإخلاص العمل لله -جل وعلا-، والانكسار بين يديه، من الذي يستغني عن ربه طرفة عين؟ لأنه قد يقول قائل: أنا ما دام ما لم تغش كبيرة، وهذه الأعمال ما تكفر إلا الصغائر، أنا مجرد ما أترك الكبائر مكفراتٍ للصغائر، نقول: يا أخي لا تغتر، أنت إذا ارتكبت الصغائر جرتك إلى الكبائر، وإذا عملت هذه الأعمال، وكفرت عنك الصغائر، صارت حجاباً دونك ودون الكبائر، حصن بينك وبين الكبائر، سياج منيع تمنعك من الوقوع وغشيان الكبائر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، مقتضى النفي ((ما لم تغشَ كبيرة)) يدل على أن الصغائر كلها داخلة في هذا، يدل على أن الصغائر كلها تدخل في هذا، وإذا كفرت الصغائر، وجاء بأعمال تقتضي تكفير صغائر، ولا تصل إلى تكفير كبائر، لا يبعد أن الله -جل وعلا- يخفف عنه من آثام الكبائر، وقد قال بهذا بعض أهل العلم، ومنهم من يرى أنها تكفر حتى الكبائر.
طالب:. . . . . . . . .
وإيش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال، بس لا تضيع ما هو أهم منها.
طالب: يؤدي أكثر من عمرة؟
لا تضيع ما هو أهم منها، إهداء الثواب تكلمنا فيه، وعرفنا أنه مذهب الأكثر أنه يجوز إهداء الثواب، لكن تعتمر عن فلان وتنوب عن فلان أيضاً الأمر فيه سعة؛ لأن الحج والعمرة تقبل النيابة -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إغاثة ملهوف مثلاً، إعانة محتاج،. . . . . . . . . نفع متعدي، هذا لا شك، بر والدين، أو صلة رحم غير واجبة، هذه أهم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ يعني منهم من يرى أن مقتضى كونه يوم الحج الأكبر أنه أفضل الأيام.(25/14)
طالب:. . . . . . . . .
لا، في حديث: ((يوم الحج الأكبر يوم النحر)).
طالب:. . . . . . . . .
المعروف أنه يوم الحج الأكبر يوم النحر، هذا وارد بنص، وهذا قالوا: إنه يقطع الخلاف في يوم الحج الأكبر، والحديث الذي ذكرناه سابقاً كالصريح في هذا، هو ما في شك أن فيه أكثر أعمال الحج.
طالب:. . . . . . . . .
هو اللي أشار إليه أنه يوم النحر أفضل الأيام.
طالب:. . . . . . . . .
ما أذكر هنا الآن.
طالب:. . . . . . . . .
الكبيرة عند عامة أهل العلم لا بد لها من توبة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، كل شيء بحقه، لا، كل نص ينزل منزلته، يعني {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا} [(31) سورة النساء] بمجرد الاجتناب تكفر الصغائر، بالعمرة إلى العمرة تكفر الصغائر، برمضان إلى رمضان، ولو ارتكب كبيرة، كل شيء بحسابه، الميزان حكمٍ عدل.
طالب:. . . . . . . . .
يوم عرفة؟ يعني هل يوم عرفة ممتد امتداد الوقوف أو ينتهي بغروب الشمس؟ الأصل أنه ينتهي بغروب الشمس، وأما ما بعده من غروب الشمس يسمى ليلة الجمع، وليس بيوم عرفة، كونه يجزئ الوقوف هذا حكم شرعي.
طالب:. . . . . . . . .
الذي هو يوم النحر؟ جاء ما يدل صراحة على أنه يوم الحج الأكبر، لكن هل جاء ما يدل على أنه أفضل الأيام؟ هو فيه أكثر أعمال الحج، والحديث الذي سقناه سابقاً كالصريح بأن يوم الحج الأكبر يوم النحر، يعني إذا ضممنا الحديث للآية، والحديث أيضاً الذي ساقه الشيخ يدل كذلك صراحة، ويقطع الخلاف، مع أن الخلاف موجود أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة، والخلاف في المفاضلة بين يوم النحر ويوم عرفة، وبين يوم الجمعة ويوم عرفة، وعلى كل حال هي أيام معظمة شرعاً عند الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
وطاف طواف الإفاضة وإلا ما طاف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما زال محرم، هذا ما زال محرماً.
طالب:. . . . . . . . .
قبل التحلل الأول يبطل حجه يا أخي وراك أنت، يبطل حجه، هذه مسائل انتهت هذه، أنت راجع شرح الأحاديث السابقة، هذه أطلنا فيها، ترى لنا ثالث سنة هذه.
طالب:. . . . . . . . .
الطواف له أجره، له بكل خطوة حسنة، لكن ما يفي بما تفي به العمرة.
طالب:. . . . . . . . .(25/15)
أعظم يومٍ، لكن هل يعني هذا أنه أفضل يوم؟ هل هذا يعني أنه أفضل من يوم عرفة؟
طالب:. . . . . . . . .
كلام صحيح، الصلوات الخمس منضبطة، الجمعة إلى الجمعة منضبطة، رمضان إلى رمضان منضبط، لكن ماذا عن العمرة إلى العمرة؟ يعني لو اعتمر في أول عمره وفي آخر عمره، وبينهما خمسون سنة، نقول: كفارة لما بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو كان بينهما خمسين سنة؟
طالب:. . . . . . . . .
((العمرة إلى العمرة)) يعني اعتمر وعمره خمسة عشر سنة، ثم اعتمر وعمره خمسة وسبعين، أو خمسة وثمانين، هذه السبعين السنة مكفرة لما بين العمرتين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا اجتنب الكبائر ما يحتاج إلى عمرة، مجرد اجتناب الكبائر مكفر للصغائر، ولا شك أن النص ظاهره الحث على تكرار العمرة، ((كفارة لما بينهما)) وعرفنا القيد الذي جاءت به النصوص الأخرى، ومن أهل العلم أنها كفارة حتى للكبائر، قال بعضهم: بأنها تكفر حتى الكبائر.
النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في المسند عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه عشية عرفة سأل المغفرة لعموم الحاج، فقيل له: ((إلا المظالم)) فقال: ((والمظالم)) فقيل له: ((إلا المظالم)) يعني حقوق العباد، ثم لما وقف في المشعر الحرام بعد صلاة الصبح، ليلة جمع، فسأل السؤال فقيل له: ((إلا المظالم)) فقال: ((والمظالم)) قيل له: ((والمظالم)) لكن الحديث ضعيف، هذا بالمسند، النبي -عليه الصلاة والسلام-، لو راجعت الفتح ذكره وخرجه وذكر ما فيه.
طالب:. . . . . . . . .
سؤاله؟ عموم بعض النصوص يكون لا مفهوم لها، يعني عمرتين بينها سبعين سنة، هل نتصور أن كل ما اقترفه من صغائر تدخل بين هاتين العمرتين؟ النص ظاهره الحث على تكرار العمرة ...
طالب:. . . . . . . . .
يعني ألا يكون بين العمرتين أكثر مما بين الحجتين؟ هذا قصدك؟ ما هو ببعيد.
طالب:. . . . . . . . .
جاء أيضاً الأمر بالمتابعة، ((فإنهما ينفيان الفقر)).(25/16)
((والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة)) الحج المبرور قيل: هو الذي هو لا يخالطه إثم، وقيل: هو الذي تكون حال صاحبه بعده أفضل من حاله قبله، ويلاحظ على كثيرٍ من الناس أنه إذا رجع من الحج كأن شيئاً لم يكن، على العادة، وأنا ذكرت لكم الذي يعتكف في العشر الأواخر، ثم يخرج بعد إعلان الشهر مغرب ليلة العيد بغروب الشمس ليلة العيد، ثم تفوته صلاة العشاء؛ لأنه قبل ذلك يفوته بعض الركعات، أمور محسوسة، ما تحتاج إلى .. ، يرجع الإنسان على عادته إذا لم تكن العبادة التي زاولها على الوجه المطلوب شرعاً، يصير فيها شيء من التفريط، فلا تترتب عليها آثار، ((الحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة)) فإذا كانت حال الإنسان بعد حجه أفضل من حاله قبله، وكان مخلصاً في حجه، ولم يخالطه إثم، وحرص فيه على نفع نفسه، ونفع غيره، هذا ليس له جزاء إلا الجنة.
"وحدثناه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني محمد بن عبد الملك الأُموي" بضم الهمزة نسبة إلى أمية؛ لأن فيه ابن خير الإشبيلي، صاحب الفهرس المعروف الشهير أَموي، وهذا أُموي فالنسبة إلى أمية أُموي، والنسبة إلى أَموي جبل بالأندلس بالفتح، فتح الهمزة أَموي، وابن خير نسبة إلى هذا الجبل وليس نسبة إلى بني أمية.
قال: "حدثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله ح وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن جميعاً عن سفيان كل هؤلاء عن سُمي عن أبي صالح، سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث مالك".(25/17)
قال: "حدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب قال: يحيى أخبرنا وقال زهير: حدثنا جرير عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة" وحازم عندنا اثنان، سلمة بن دينار الواعظ المشهور، وسلمان مولى عزة، سلمان الأغر، أيهما؟ الثاني، أما سلمة بن دينار فهو الذي يروي عن سعد بن سعد، "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) " في البخاري: ((كيوم ولدته أمه)) والكاف جارة واليوم؟ لكن مجرور وإلا منصوب؟
طالب:. . . . . . . . .
وين الذي يقول؟ من الذي يتكلم؟ ممنوع من الصرف؟ تقول: صمتُ يوماً، وجئتكَ في يوم الجمعة، مجرور بالكسرة {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [(119) سورة المائدة] فنفرق بين ما بعد اليوم، إذا كان ما بعد اليوم جملة صدرها مبني بني، وإن كان صدرها معرب أعرب ((كيومَ ولدته أمه)) صدرها مبني، {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ}
صدرها معرب فيعرب، فإذا كان صدر الجملة مبني بني ((كيوم ولدته أمه)) ((من أتى هذا البيت)) يعني حاجاً، لا لمجرد الإتيان لزيارة أو نزهة، إنما من أتاه حاجاً ((فلم يرفث)) والرفث: هو الجماع ومقدماته، والكلام بما يدور حوله، وإن كان ابن عباس يرى أن الرفث الكلام بالجماع في مواجهة النساء، أما الكلام بين الرجال فلا يدخل فيه، وذكر عنه بيت ولا أدري أيثبت عنه أما لا، ذكره المفسرون، وذكره أهل اللغة:
إن تصدق الطير ... إلى آخر البيت.
المقصود أن هذا الكلام المنسوب لابن عباس، يعني الكلام في الرفث بين الرجال، وإن كان حبر الأمة، وترجمان القرآن، وفي كتب اللغة ما يدل عليه، لكن هذه العبادة أعظم من أن يتحدث بها بمثل هذا الحديث ولا بين الرجال، ((فلم يرفث ولم يفسق)) هذا اللفظ عند عامة الناس، وفي عرفهم له معنى، إذا قيل: فلان يفسق، أو فسقان، أو شيء من هذا، معناه أنه مكثر للتنكيت والضحك وما أشبه ذلك، ولو كان مباحاً، لكن الفسق والفسوق: الخروج عن الطاعة بارتكاب المعصية، ((ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)) يعني من غير ذنوب.(25/18)
وفي هذا ما جاء من قول الله -جل وعلا-: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] والقيد هذا راجع للجملة الأخيرة أو للجملتين معاً؟ {لِمَنِ اتَّقَى} {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فالقيد راجع للجملتين، تعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، وأيهما أفضل التعجل أو التأخر من الآية؟ ما في تفضيل، لا تفضيل بين التعجل والتأخر من الآية، تكفر ذنوبه إذا اتقى، لا إثم عليه، يعني ارتفع عنه الإثم، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا اتقى الله في حجه، لم يفسق ولم يرفث، لكن يؤخذ تفضيل التأخر من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بعض الناس يقرن من اتقى بالتأخير، ويجعلها فضيلة للتأخير، لا هي قيد، يعني ما يرفع إثمه إلا إذا اتقى، إذاً ماذا عمن تعجل؟ يرفع إثمه مطلقاً؟ اتقى أو لم يتق؟ لا.
طالب:. . . . . . . . .
كون الله -جل وعلا- يطلع على هؤلاء الذين في صعيد عرفة، ويباهي بهم، هذه خصوصية لهم، لكن فضل الله أوسع من أن يحد، حتى قال جمعٌ من أهل العلم: باستحباب التعريف بالأمصار، وبعضهم عد هذا من البدع، ونفرق بين تعريف وتعريف، التعريف الذي يقتضي مشابهة أهل عرفة من كل وجه، بمعنى أن الإنسان يلبس إحرام، ويجلس في مسجد، أو يخرج إلى صحراء، نقول: هذا مبتدع، لكن يصوم في يوم عرفة، ويتعرض للنفحات، ويجلس في المسجد يحفظ صيامه، ولا يرتبط بالناس ولا يختلط بهم، ويدعو الله -جل وعلا-، ويكثر من ذكره، هذا التعريف الذي حث عليه أهل العلم، ولا يمكن أن يوصف مثل هذا بالبدعة؛ لأن السلف كانوا يحفظون صيامهم بالمكث في المساجد، وهذا منه.
وجاء أيضاً الحث على الجلوس من صلاة العصر إلى غروب الشمس، كالجلوس من صلاة الصبح إلى طلوعها.(25/19)
"وحدثناه سعيد بن منصور عن أبي عوانة وأبي الأحوص ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ح وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة كل هؤلاء عن منصور بهذا الإسناد، وفي حديثهم جميعاً: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)).
قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم عن سيار عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مثله".
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ابن حجر، والشيخ الألباني يراه أيضاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، باعتبار أن الله -جل وعلا- يدنو فيه من عباده.
طالب:. . . . . . . . .
إيش المانع؟ لأن الله -جل وعلا- يدنو في هذا الوقت مثل ما يدنو في آخر الليل.
طالب:. . . . . . . . .
الدنو خاص بهم، فضل الله واسع، ولا تحجر واسعاً، ما دام المسألة فيها نص يشملها لا بأس -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
لأن الجدال منه ما أمر به، ومنه ما نهي عنه، أما ما نهي عنه فمفروغٌ منه بالنص الآخر، الجدال المنهي عنه، وأما المجادلة لإظهار الحق فهذه مأمورٌ بها على كل حال، وهي عبادة، {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ} [(197) سورة البقرة] يعني الجدال المنهي عنه بمعنى أن الإنسان يجتمع على نفسه، ويترك ما كان يزاوله في وقت الساعة حتى من الجدال.
طالب:. . . . . . . . .
هذا ملحظ، لكن يبقى أن الجدال يرجع إلى حكمه الأصلي، إن كان الجدال المأمور به شرعاً لبيان الحق وإظهاره هذا عبادة، بل من أفضل العبادات، وإن كان هو المشار إليه في الآية فهو ممنوعٌ بلا إشكال.
طالب: لكن لا يعتبر قيد؟
لا، لا يعتبر قيد؛ لأنه ما نص عليه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو النبي -عليه الصلاة والسلام- أناب أبا بكر، وأمره على الحاج في تلك السنة، ولم يحج، لماذا لم يحج؟ لأن هذه حجة من يقول: إن الحج على التراخي، ولو كان على الفور لحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه حجة من يقول: إن الحج ليس على الفور، لا سيما إذا كان الحج عند بعضهم قد فرض سنة ست، لا سنة تسع، فالحج على التراخي على هذا، ولكن أهل العلم الذين يرون أنه على الفور قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما منعه إلا ذلك.(25/20)
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي اجتماع الناس في موسم الحج غير اجتماعهم في موسم العمرة، غيرهم، يعني يأتون من أقطار الدنيا للحج، العرب كلها تجتمع في موسم الحج، ما هو بمثل العمرة، يمكن ما يشوف أحد، لا وقل: واعتمر في وقتٍ يعني يختلف وقت العمرة وقت سعة ما هو بمثل وقت الضيق وقت الحج، لا، لا، يختلف الأمر، سم.
حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن علي بن حسين أخبره أن عمرو بن عثمان بن عفان أخبره عن أسامة بن زيد بن حارثة أنه قال: يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ )) وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي شيئاً؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين.
حدثنا محمد بن مهران الرازي وابن أبي عمر وعبد بن حميد جميعاً عن عبد الرزاق قال ابن مهران: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غداً؟ وذلك في حجته حين دنونا من مكة، فقال: ((وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟ )).
وحدثنيه محمد بن حاتم قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا محمد بن أبي حفصة وزمعة بن صالح قالا: حدثنا ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله أين تنزل غداً -إن شاء الله-؟ وذلك زمن الفتح، قال: ((وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ )).
يقول -رحمه الله تعالى-: " حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن علي بن حسين أخبره أن عمرو بن عثمان بن عفان أخبره عن أسامة بن زيد بن حارثة أنه قال: يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ " الإضافة، إضافة الدار إليه -عليه الصلاة والسلام- هل هي إضافة ملك أو اختصاص؟ هل كان يملك داراً؟ دارك، هل هي إضافة ملك أو اختصاص؟
طالب:. . . . . . . . .(25/21)
طيب، دارك كيف يملك؟ عقيل يبيع هذه الدار وهي له -عليه الصلاة والسلام-، وعقيل إنما باع تركة أبيه، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينزل داراً لعمه، وإضافتها إليهم من إضافة الاختصاص، لا إضافة الملك؟ يعني مال مشترك بين أبيه وعمه، فكان يسكن ما يخص أباه فتكن له، تؤول إليه، لكن هل يرث من أبيه وهو مسلم وأبوه كافر؟
طالب:. . . . . . . . .
قبل، معروف.
طالب:. . . . . . . . .
ما يرث، ما يرث إلا أبو طالب، مات قبل أبيه، عبد الله مات قبل أبيه، يبقى أن الوارث هو أبو طالب، وتصرف فيها طالب وعقيل؛ لأنهما على دينه فيرثانه، وأما علي وجعفر فلا يرثيان؛ لأنهما مسلمان.
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما زال السؤال قائم، هل الإضافة إضافة ملك أو إضافة اختصاص؟ ثم إذا كانت إضافة ملك وداراً تركها لله -جل وعلا-، وهاجر منها هل له يعود فيها أو يرجع؟ والمسألة ما زالت مسألة حية، المسألة يعني طرية إلى قيام الساعة، شخص يسكن في بلد وتيسرت له الهجرة، هل نقول: إن هذه الدار له أن يرجع إليها فيما بعد إذا حسنت الأحوال أحوال هذه البلاد؟ أو نقول: إنه تركها لله فلا يعود فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
عن سكنى مكة، إيه، يعني ورثها من أبيه، رجعنا إلى أنها إضافة ملك، إذاً كيف تصرف فيها عقيل؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، غيره هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لما تركها، كأنه تركها راغباً عنها، فاستولى عليها ابن عمه، وهو أقرب الناس إليه، وعلى هذا يكون ما ترك لهم شيء فباعها، مثل ما باع ما تركه أبوه، ما ورثه من أبيه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو تربى .. ، الذي رباه جده، لكن حاطه عمه برعايته وعنايته بعد البعثة، ما يمنع أن يكون أسكنه بيتاً من بيوته، لا يمنع.
طالب:. . . . . . . . .(25/22)
ساكنين بيته، لكن الكلام ويش هو عليه؟ على أنه كيف يتصرف عقيل ببيوتٍ لا يملكها؟ هو كل كلام أهل العلم في هذه المسألة، يعني أنا تلخيصاً لكلامهم الكثير ركزت الكلام كله في دارك، علشان ننطلق منها؛ لأنه ما أشاروا هم إلى هذا، هم قالوا: احتمال أن يكون ورث بيت، واحتمال أن يكون أسكنه عمه، واحتمال أن يكون اشترى بيت وملك، واحتمال .. ، خلي دارك هذه هل إضافة ملك وإلا اختصاص؟ هل هي من أملاك عمه، أسكنه إياها كما كان يحوطه بعنايته ورعايته، وينفق عليه؟ وأسكنه من بيوت تكون اختصاص؟ ويبيعها عقيل لهم هي، ولا يترك لهم شيء، أو تكون إضافة ملك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تركها لله بعد أن هاجر من غير نية رجوع، أو كونه يعلق الحكم بعقيل، يدل على أنها لو كانت موجودة ما بيعت لسكنها.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ظاهر السياق أنها لو كانت موجودة ما تصرف فيها لسكنها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، كون الإنسان يبيت في بيت غيره ما فيه إشكال، لا سيما إذا وكلت إليه هذه المهمة.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال كل هذا قيل يعني، كل هذا قيل، والمدار على هذه الإضافة، هل هي ملك أو اختصاص؟ والفائدة العملية منها: أن من هاجر من بلد سواءٌ كان بلد كفر أو بلد تنتشر فيه البدع والمعاصي، وتركها لله -جل وعلا-، هل له أن يرجع إليها فيما بعد إذا حسنت الأحوال ويرجع إلى أملاكه فيها؟ أو نقول: إنه تركها لله، فلا يعود فيها، كمن أخرج ماله صدقةً لله؟
طالب:. . . . . . . . .
نأتي إلى النص أنه قال: "يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ )) ((لنا)) يعني لأسرتنا، ما يلزم أن يكون له -عليه الصلاة والسلام-، "وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي شيئاً؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين" دل على أن هذه الأرض أو هذه الدار مما ورثها عقيل صح وإلا لا؟ "وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليٌ شيئاً؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين".
طالب:. . . . . . . . .(25/23)
لا، اللي قطع الصلة بين علي وأبيه الإسلام ما هو بالهجرة، فلا يرثوا منه، وكون هذه الدار مما باعه عقيل وقد آلت إليه بالإرث من أبيه، كما هو ظاهر الحديث، وكأنه حينما قال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباعٍ؟ )) يعني لأسرتنا في الجملة، يعني من البيوت التي نسكنها نحن بنو عبد المطلب، أو نحن بني عبد المطلب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، مقطوعة، فيها النص.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يرث المسلم الكافر، والعكس.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يتصور أنه ملك ما قسم مثلاً ...
طالب: ملك عام، وأقرب الناس للرسول -صلى الله عليه وسلم-. . . . . . . . .
لا، أنت تصور أسرة كبيرة، تركة عبد المطلب لهم دور، ولهم رباع، وما زالوا يشتركون فيها جميعاً، يعني افترض أنه ما قسمت ...
طالب:. . . . . . . . .
هو بحاجة إلى أن ينفق عليه أبو طالب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم، عقيل هذا أقرب الناس إلى البيت المطلبي، لا ما يحتاج.
طالب:. . . . . . . . .
المحشي ينقل من الشروح.
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه نعم واضح، مفهوم كلامه أنه لو كانت باقية لنزلها.
طالب:. . . . . . . . .
مفهومه أنه لو تركت، لو تركها عقيل لسكنها.
قال: حدثنا محمد بن مهران الرازي وابن أبي عمر وعبد بن حميد جميعاً عن عبد الرزاق قال ابن مهران: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قلت: يا رسول الله أين تنزل غداً؟ وذلك في حجته حين دنونا من مكة، فقال: ((وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟ )).
وحدثنيه محمد بن حاتم قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا محمد بن أبي حفصة وزمعة بن صالح قالا: حدثنا ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله أين تنزل غداً -إن شاء الله-؟ وذلك زمن الفتح، قال: ((وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ )) " هناك: وكان في حجة الوداع، وهنا: وكان ذلك في زمن الفتح، ما في تنصيص على أنها حجة الوداع؟ وذلك في حجته حين دنونا من مكة، والرواية الأخرى تقول: وذلك زمن الفتح، ولا يمنع أن يكرر هذا الكلام في حجته بعد أن ذكر زمن الفتح.(25/24)
طالب:. . . . . . . . .
هو ما تركه لله لا سيما وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدد الثلاثة الأيام، وأنه لا يجوز المقام بمكانٍ تركه لله -عز وجل-، أنه لا يملك، مقتضى ذلك أنه لا يملك فيها مسكناً، لكن لو تغيرت حالها، يعني ترك هذه البلاد، ترك بلد من البلدان؛ لأنها بلاد تحكم بغير ما أنزل الله مثلاً، أو بلد تكثر فيها البدع والمنكرات فتركها إلى بلاد يكثر فيها الصالحون، ويكثر فيها الصلاح، ويكثر فيها أهل الاستقامة، هل نقول: إنه لا يجوز له أن يرجع إليها؟ أو لا يجوز له أن يقيم فيها أكثر من ثلاثة أيام؟ وهل يختلف ما إذا استمرت على حالتها أو تغيرت حالتها؟ لكن لا سيما الصحابة لا يجوز لهم البقاء معروف، لكن غيرهم لو هاجر واحد من أي بلد من بلدان الكفر، ثم صارت بلد إسلام يرجع إليها أو لا يرجع؟ زالت العلة التي من أجلها انتقل.
حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد يقول: هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً؟ فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((للمهاجر إقامة ثلاثة بعد الصدر بمكة)) كأنه يقول: "لا يزيد عليها".
حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لجلسائه: ما سمعتم في سكني مكة؟ فقال السائب بن يزيد: سمعت العلاء أو قال: العلاء بن الحضرمي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً)).
وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد جميعاً عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن صالح عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد، فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر)).(25/25)
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج، وأملاه علينا إملاءً، أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن السائب بن يزيد أخبره أن العلاء بن الحضرمي أخبره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مُكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاث)).
وحدثني حجاج بن الشاعر قال: حدثنا الضحاك بن مخلد قال: أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد مثله.
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب –القعنبي- قال: حدثنا سليمان، يعني ابن بلال عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز -الخليفة الراشد المعروف- يسأل السائب بن يزيد يقول: هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً؟ فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((للمهاجر إقامة ثلاثة بعد الصدر بمكة)) كأنه يقول: "لا يزيد عليها" يقيم ثلاث ليالٍ بعد انتهاء نسكه بعد الصدر، طواف الوداع يسمى طواف الصدر، طواف الوداع يسمونه طواف الصَدَر؛ لأنه بعده يصدر الإنسان، ويفارق مكة، فهل قوله: إقامة ثلاثٍ بعد الصدَر، يعني بعد طواف الصدر يقيم بمكة، في الرواية الأخرى: بعد قضاء نسكه، يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، يعني قبل نهاية جميع أعمال الحج، بعد قضاء نسكه، ولا يبقى بعد ذلك إلا طواف الوداع، فاستدل به من يقول: إن طواف الوداع ليس من أعمال الحج، ولذا لا يجب على المكي، يجب عليه طواف وداع؟ شخص آفاقي جاء وأقام بمكة يجب عليه طواف وداع؟ إنما طواف الوداع لمن أراد الخروج، وعلى هذا إذا انتهى نسكه، يعني المهاجر أقام ثلاث ليالي، ثم طاف للوداع؛ ليكون آخر عهده بالبيت الطواف ثم يصدر ((إقامة ثلاثة بعد الصدر بمكة)) كأنه يقول: "لا يزيد عليها".(25/26)
حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لجلسائه: ما سمعتم في سكني مكة؟ قال السائب بن يزيد: سمعت العلاء، أو قال العلاء بن الحضرمي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) " بعد قضاء نسكه، وهذا قبل طواف الوداع، فدل على أن النسك ينتهي قبل طواف الوداع، فعلى هذا يكون طواف الوداع ليس من النسك، طيب إذا ترك طواف الوداع ماذا يلزمه؟ هو واجب بلا شك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به، وخفف عن الحائض، ولو لم يكن واجباً لما احتاجت الحائض للتخفيف، ولو كان ركناً ما قبل التخفيف على أي حال، فدل على أنه واجب، في خبر ابن عباس: ((من ترك نسك فليرق دماً)) وهذا بعد قضاء نسكه، فدل على أنه ليس بنسك، فكيف نلزم من ترك طواف الوداع بالدم؟ هم يذكرون أن طواف الوداع من واجبات الحج، والحديث يقول: ((بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) هل نقول: إنه بعد قضاء غالب نسكه، ولا يبقى إلا ما يتعلق بالفراق والوداع؟ فعلى هذا يكون الكلام أغلبي، ولا يرد عليه قول من يقول: إن من ترك طواف الوداع لا يلزمه شيء؛ لأنه من النسك، وإن أثم، ترى الكلام يحتاج إلى انتباه هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يأثم؛ لأنه مأمورٌ به.
طالب:. . . . . . . . .
لا، كيف؟ ما يلزم، كما يأثم بسائر المنهيات، ولو كان نسك ما سقط عن من أراد الإقامة، وهنا قال: ((بعد قضاء نسكه)) هل يمكث بعد الوداع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، يأثم لمخالفة الأمر، بأن يكون آخر عهده بالبيت، ما صار نسك، شوف أنت الآن بعد قضاء نسكه تكلم عن النص، فكونه يأثم بترك ما أمر به هذا .. ، كل مأمور يترتب عليه إثم إذا قلنا: بالوجوب.
طالب:. . . . . . . . .(25/27)
ما زلنا، ما زلنا في المسألة، يعني ما زلنا، أنا بأفرع عليها فروع، لكن إذا قلنا: بعد قضاء نسكه، وقلنا: إن الوداع ليس من النسك إنما هو بعد إقامة ثلاثة أيام، وبعد قضاء نسكه، وإثمه من أجل مخالفته الأمر، ولذا لا يؤمر به من أراد الإقامة بمكة، فدل على أنه لا ارتباط له بالنسك، لكن يلزم عليه أنه إذا فصلناه من النسك قلنا: كل خارج من مكة، ولو لم يحج، ولو لم يعتمر يلزمه أن يكون آخر عهده بالبيت، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب: نقول: عبادة مستقلة في هذا الباب.
لا، إذا قلنا: عبادة مستقلة، وليس من النسك ألزمنا كل خارج من مكة، ولو لم يأتِ لعمرة ولا حج، ولو كان من المقيمين أن يكون آخر عهده بالبيت، إذا فصلناه عن الحج، وقلنا: يجب لمن فارق مكة بالعمرة بعد العمرة كما يجب عليه مفارقتها بعد الحج، والمرجح أنه بعد الحج فقط، ولذا لم يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- كل من غادر أن يطوف، فدل على أن له ارتباط بالحج، وقوله: ((بعد قضاء نسكه)) يعني الأنساك المرتبطة بالإقامة للحج، أما ما يرتبط بسفر الحاج فهو بعد الإقامة ثلاثة أيام.
"وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد جميعاً عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن صالح عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد، فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ثلاث ليالٍ يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر)) " ولا يمكن حمله على طواف الصدر الذي هو طواف الوداع؛ لأنه إذا أقام بعد طواف الوداع يلزمه إعادته تلزمه إعادته، وإلا لو قلنا: إنه بعد طواف الوداع انتهينا ما عندنا إشكال إلا فيمن أقام بعد طواف الوداع هل يعيد أو لا يعيد؟
"وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج وأملاه علينا إملاءً" كيف يقول: أخبرنا ابن جريج وأملاه علينا إملاءً؟ فيه إشكال في الاصطلاح أو ما في إشكال؟
طالب: ما فيه .. ..(25/28)
يا الإخوان لا نتكلم كلام جزاف، لا بد نصير مستحضرين التفريق بين الإخبار والتحديث والإملاء، لا بد أن نكون مستحضرين ما يقوله أهل العلم في التفريق بين صيغ الأداء، وطرق التحمل، الإملاء: هل هو تابع للعرض أو تابع للسماع؟
طالب:. . . . . . . . .
سبحان الله! العرض: قراءة الطالب على الشيخ، هذا إملاء؟ يمكن يصير إملاء الطالب اللي يقرأ على الشيخ يصير إملاء؟! لا، الإملاء: أعلى أنواع السماع من لفظ الشيخ، لما فيه من تحرز الشيخ والطالب، كلهم متحرزين، الشيخ يملي إملاء، حرفاً بحرف، والطالب يكتب، بخلاف ما كان الشيخ يلقي، والطالب يستمع، ما فيه من التحرز مثل تحرز الإملاء، فالإملاء فرعٌ عن السماع، ونوعٌ منه، بل أعلى أنواعه، ومعروفٌ أن الإمام مسلم -رحمه الله- من أدق الناس في التفريق بين صيغ الأداء، يعني لو غيره مشيناه ترى، لو غير مسلم مشينا الكلام، لكن يقول: أخبرنا، أخبرنا متى تستعمل؟ إذا كانت طريقة التحمل العرض التي هي القراءة على الشيخ، فكيف يقول: أخبرنا ابن جريج، وأملاه علينا إملاءً؟
طالب: لعله جمع بين الفعلين، أو تكرر المجلس.
يعني أخبرهم به، يعني قرأوا عليه، ثم أملاه عليهم، ما يجي. . . . . . . . .، أو العكس؟ أملاه عليهم ثم قرأوه عليه؟
طالب: تكرر لهم.
لا، بس لا بد أن يكون الإملاء قبل الإخبار، يعني أملاه عليهم، ثم عرضوه عليه؛ ليصح التعبير: بأخبرنا، أخبرنا إنما تقال إذا كان طريقة التحمل العرض على الشيخ، أما إذا كانت طريقة التحمل السماع من لفظ الشيخ فلا بد أن يقول: حدثنا أو سمعت، ما يقول: أخبرنا، لا سيما ونحن نقرأ كتاب يفرق بين هذه الصيغ، يعني لو كان الكلام في البخاري ما التفتنا إليه؛ لأن البخاري كله واحد عنده، أخبرنا وحدثنا بمعنىً واحد.
قال: "أخبرنا ابن جريج، وأملاه علينا إملاءً قال: أخبرني إسماعيل بن محمد أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن السائب بن يزيد أخبره أن العلاء بن الحضرمي أخبره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاث)) ".(25/29)
"وحدثني حجاج بن الشاعر قال: حدثنا الضحاك بن مخلد -هذا أبو عاصم النبيل اسمه الضحاك بن مخلد- قال: أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد مثله".
وعلى هذا لا يجوز للمهاجر أن يمكث في البلد الذي هاجر منه أكثر من ثلاث، ولو ارتفع السبب الذي من أجله هاجر، وهل هذا خاصٌ بمكة بالنسبة لمن هاجر إليه -عليه الصلاة والسلام-، أو عامٌ في جميع البلدان التي يهاجر منها؟ لو شخص هاجر من أوروبا مثلاً، من بلد أوروبي ثم صار بلد إسلام هذا البلد، وأراد أن يرجع إلى أهله ومعارفه وأقاربه وبلده الذي يعجبه، يعجبه مناخه، يعجبه الجو، يعجبه المناظر، يرجع وإلا ما يرجع؟ أو أن هذا خاص بمكة، والحث والتحريض على مثل هذا، وعدم البقاء من أجل اللحاق به -عليه الصلاة والسلام-، وغيره لا يقوم مقامه؟ وأن الهجرة لسبب وارتفع السبب؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أن هذا خاص بمكة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني كل مهاجر من أي بلد كان لا يجوز له أن يرجع إليه؟
طالب: الحبشة عندما هاجروا إليها ....
طالب آخر: لا يجوز له الرجوع إذا ....
((لا هجرة بعد الفتح)) يعني من مكة ((ولكن جهاد ونية)) لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت بلد إسلام، لكن الذي هاجر لا يجوز له أن يرجع إليها.
طالب: لا يكون هذا خاص بالصحابة؟
لأن الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست كالهجرة إلى غيره، يعني ما دام بلد إسلام إيش الفرق بين الرياض أو الأحساء أو القصيم أو غيرها؟ في فرق؟ ما في فرق، لكن الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الهجرة واجبة، بل من أوجب الواجبات، الذي لا يهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، نعم إسلامه مقبول، لكن يبقى أنه كأعراب المسلمين.
طالب: يا شيخ إيش قلنا: في الإملاء والإخبار آخر شيء؟
آخر شيء قلنا: إن الإملاء فرع من فروع السماع من لفظ الشيخ، وهذا يقتضي أن تكون صيغة الأداء: حدثنا وليست أخبرنا؛ لأن أخبرنا إنما تستعمل في العرض على الشيخ، القراءة على الشيخ، فلعله أملاه عليهم، ثم عرضوه عليه.
طالب: يعني في موقفٍ ما حدث التحمل بالإخبار، وموقف آخر حدث التحمل بالإملاء، فالراوي جمع بين الأمرين بصيغة ....(25/30)
هو هذا مقتضى ما قلنا، أنه أملاه عليهم، ثم قرأوه عليه؛ لأنه لا يمكن أن يكون الإخبار قبل الإملاء، ويش فائدة من الإملاء وهم حافظينه؟ وعرضوه عليه وانتهوا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو لا بد أن يكون الإملاء قبل ثم الإخبار.
طالب: ثم عرضوه عليه.
ثم عرضوه عليه، فصار إخبار.(25/31)
صحيح مسلم – كتاب الحج (26)
تحريم مكة وصيدها وخلاها - جواز دخول مكة بغير إحرام
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال مسلم -رحمه الله تعالى-:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح -فتح مكة-: ((لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا))، وقال يوم الفتح -فتح مكة-: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها))، فقال العباس: "يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم"، فقال: ((إلا الإذخر)).
وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا مفضل عن منصور في هذا الإسناد بمثله، ولم يذكر: يوم خلق السماوات والأرض، وقال بدل القتال: القتل، وقال: ((لا يلتقط لقطته إلا من عرفها)).(26/1)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: "ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب))، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: "أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة".
حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد جميعاً عن الوليد قال زهير: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة -هو ابن عبد الرحمن- قال: حدثني أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما فتح الله -عز وجل- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل))، فقال العباس: "إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر))، فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: "اكتبوا لي يا رسول الله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اكتبوا لأبي شاه))، قال الوليد: "فقلت للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ " قال: "هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم".(26/2)
حدثني إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى، قال: أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: "إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب، فقال: ((إن الله -عز وجل- حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يخبط شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتَها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يعطى -يعني الدية- وإما أن يقاد أهل القتيل))، قال: فجاء رجل من أهل اليمن -يقال له: أبو شاه- فقال: "اكتب لي يا رسول الله"، فقال: ((اكتبوا لأبي شاه))، فقال رجل من قريش: "إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: المعروف بابن راهوية، الإمام الفقيه المعروف.(26/3)
قال: أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح -فتح مكة-: وصار الفتح علم على هذه الغزوة التي هي فتح مكة، على الخلاف في المراد بالفتح المذكور في السورة: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [(1) سورة الفتح]، والأكثر على أن الفتح في السورة هو الصلح -صلح الحديبية- ولا شك أنه فتح عظيم، فتح عظيم، ومقدمات الفتح فتح -كما يقول أهل العلم- وحصل به من الخير لهذا الدين ولأهله ما لا يدرك بالعقل ولا بالرأي؛ بدليل الاعتراض على ما جاء في كتاب الصلح، ثم تبين أن الحكمة -عين الحكمة- فيما عاهد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا فتح؛ لأنه مقدمة للفتح، وحصل فيه من الفتوح والخيرات على هذه الأمة ما حصل، فهو فتح، والمراد بالفتح المذكور في الحديث: فتح مكة، ولذا قال: "يوم الفتح فتح مكة"؛ لأنه لو قال: يوم الفتح وسكت، احتمل أن يكون يوم الصلح؛ لأن الصلح فتح، ونزلت فيه سورة الفتح.
فتح مكة: ((لا هجرة .. )): يعني من مكة كما جاء في الروايات الأخرى، ((لا هجرة بعد الفتح)): والمراد من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، والهجرة إنما هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وما دام صارت مكة دار إسلام فلا داعي للهجرة.
((لا هجرة بعد الفتح)): قال أهل العلم: في هذا علم من أعلام النبوة؛ وهو أن مكة تستمر إلى قيام الساعة دار إسلام، بدليل أنه نفى الهجرة منها، يعني من الآن إلى قيام الساعة لا هجرة من مكة بعد الفتح، ((لا هجرة بعد الفتح))، ومنهم من يحمل الحديث على عمومه ويقول: لا هجرة مطلقاً فضلها، لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وهذا يشمل مكة وغير مكة.
طالب:. . . . . . . . .
ما تستحل -إن شاء الله- وعلى مدارجها ملائكة يحمونها، لا أبداً ما يمكن هذا، ما يمكن هذا، ولو هددوا، ولو قالوا .. ، بإذن الله يعجزون.
طالب:. . . . . . . . .
الحديث قاله أهل العلم، وأيضاً هناك أدلة أصرح منه، هناك أدلة أصرح منه، لا مكة ولا المدينة؛ على مدارجها ملائكة يحرسونها.(26/4)
((لا هجرة، ولكن جهاد ونية)): يعني الهجرة انقطعت من مكة، أو فضل الهجرة المرتب عليها قبل الفتح انقطع، وبقي فضل الهجرة المرتب عليها بعد الفتح، ولا شك أن وقت الحاجة تعظم الأجور أكثر من الأجور المرتبة على العمل نفسه بعد ذلك، ولذا: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد]، فالنفقة والقتال قبل الفتح أعظم منهما بعده؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، وكذلك الهجرة قبل الفتح فضلها أعظم من الهجرة بعد الفتح، ويطَّرد ذلك على مرور الزمان، ففي آخر الزمان حينما يكثر الهرج وتكثر الفتن العبادة كالهجرة، في صحيح مسلم في كتاب الفتن: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ))، وللعامل عند فساد الزمان للعامل بالسنة أجر خمسين من الصحابة؛ كما جاء في المسند وسنن أبي داود بإسناد حسن، أجر خمسين من الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
من الصحابة نعم منهم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
مقصدنا هذا مفاده، يعني ابن القيم أشار إليه في نونيته:
هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمان
إلى آخره.
المقصود أنه موجود مخرج في السنن -سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وغيرهما- بسند حسن، ((أجر خمسين من الصحابة)) قالوا: منهم يا رسول الله، قال: ((بل منكم))، ولا يتطاول أحد على مثل هذا الفضل ويزعم أنه يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة، لا؛ لأن هذا العمل في مقابل العمل، وأما شرف الصحبة ونصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا يمكن أن يدركه أحد، كائناً من كان، يعني أقل الصحابة ممن حصل له شرف هذا الوصف أفضل من عمر بن عبد العزيز، يعني لا يتطاول أحد يتنقص الصحابة بأنه يأتي آخر الزمان من هو أفضل منهم، لا، لكن العمل أفضل من عمل خمسين من الصحابة في مقابل أجر العمل نفسه، لا في أجر العامل، وميزان العامل في الشرع ..
بقي مما يدرك بعد ذلك: الجهاد والنية الصالحة؛ ((ولكن جهاد ونية))، الجهاد أجره ثابت وفضله عظيم، وذروة سنام الإسلام، ومصدر عز الأمة، وما ضربت الذلة على هذه الأمة إلا بتركهم الجهاد، ولن تعود العزة لها إلا بإقامة علم الجهاد.(26/5)
((ولكن جهاد ونية)): النية الصالحة تبلغ بصاحبها ما لا يبلغه عمله، قد يقول قائل: أنا أتمنى أن أكون صحبت النبي -عليه الصلاة والسلام- ونصرت دينه وقتلت بين يديه ..
النبي -عليه الصلاة والسلام- تمنى الشهادة، تمنى أن يُقتل في سبيل الله، ثم يُحيى ثم يقتل، ثم يُحيى، ثم يقتل، فهل للإنسان أن يتمنى مثل هذا -أن يتمنى لو كان صحابياً- أو يدخل في النهي: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]؟
الأمنية فيما يمكن تدخل في الحديث، لكن فيما لا يمكن، كتمني المرأة أن تكون رجلاً يجاهد في سبيل الله -الذي هو سبب نزول الآية- لا يجوز، تتمنى المرأة أن لو كانت رجلاً، يتمنى الرجل أن يكون -بعد ختم النبوة- أن لو كان نبياً، لا يمكن، هذا اعتداء؛ لأن النبوة ختمت؛ لأن هذا لا يمكن، يتمنى الشخص أن يعطى ملك لم يعطه أحد قبله، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} [(35) سورة ص]، لا يمكن، فكيف إذا كانت القائلة امرأة تطوف بالبيت، سُمعت تقول هذا: رب هب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، يعني بالمقابل سمع رجل يقول: إني نذرت لك ما في بطني محرراً! يسمع هذا وهذا، امرأة تطوف بالبيت تقول: رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي.
الأماني تبلغ بأصحابها ما تبلغ، لكن كل شيء بقدره، كل شيء فيما يمكنه، أما اختراق السنن الإلهية من أجل فلان أو علان ما يمكن إطلاقاً. ((ولكن جهاد ونية)): فالنية شأنها عظيم؛ تبلغ بالمؤمن ما لا يبلغه عمله، وجاء في الحديث -وهو ضعيف-: ((نية المؤمن خير من عمله))، وخُرج على أن النية المجردة أفضل من العمل المجرد عن النية، يعني النية فقط، يتمنى الخير أفضل من أن يعمل الخير بدون نية.(26/6)
((ولكن جهاد ونية)): و ((في المدينة أقوام شاركوا المجاهدين في أجورهم، وهم في بيوتهم ما منعهم إلا العذر)): يعني شخص يتمنى الشهادة بصدق من قلبه، مثل هذا تحصل له ولو مات على فراشه؛ فضل الله واسع، لكن بصدق ليست مجرد دعوى، وإذا جاء الوقت الذي يطلب فيه ويندب فيه الجهاد، ((وإذا استنفرتم فانفروا)) يتمنى أن لو كان أعمى أو أعرجاً أو مقعداً، هل هذا يتمنى الشهادة بصدق؟ لا والله.
((ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)): إذا طلب منكم النفرة للجهاد فانفروا، وهذا أحد المواطن الثلاثة التي يتعين فيها الجهاد، يكون فيها الجهاد فرض عين، إذا استنفره الإمام، والموضع الثاني: إذا حضر الصف، والثالث إذا دهمه العدو، إذا دهم العدو بلده تعين عليه الجهاد.
وقال يوم الفتح -فتح مكة-: ((إن هذا البلد)): يعني مكة، {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [(1) سورة البلد]، و (ال) هذه للعهد، البلد المعهود، يعني مكة.
((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)): ((حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض)): وسيأتي في الأحاديث ما يدل على أن الذي حرم مكة إبراهيم -عليه السلام- وفي هذا الحديث حرمه الله يوم خلق السماوات .. -نقلل المداخلات بقدر الإمكان؛ لأن القدر الباقي طويل، والمقرر شرحه في هذه الليلة أيضاً طويل، بقدر الإمكان نقلل-.
نعم يا أبو رضوان، ولتكن الأخيرة إن شاء الله ..
طالب -أبو رضوان-:. . . . . . . . .
هو الجهاد لا بد له من نية، لكن النية أعم من أن تكون في الجهاد وفي غيره.
طالب:. . . . . . . . .
نية الجهاد وغير الجهاد، تنوي الخير، تعيش على خير وتموت عليه، هذا الذي تنويه
طالب:. . . . . . . . .؟
وهو عاجز عنها؟
طالب:. . . . . . . . .؟
هو بقي الجهاد والنية، الجهاد والنية بقي إلى قيام الساعة، لكن هل يدرك أجر من فعل؟ هذه مسألة معروفة، وفي الحديث: ((رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل يتمنى أن لو آتاه الله القرآن فيعمل عمله فهو مثله، ورجل آتاه الله مالاً ... )).
طالب:. . . . . . . . .(26/7)
المقصود أن الرابع يتمنى هذا فيكون مثله، والمثلية من أهل العلم من يقرر أنه مثله في أصل الأجر، لا في قدره، على كل حال الإنسان إذا نوى الخير يدرك خيراً إن شاء الله.
طالب:. . . . . . . . .؟
على كل حال الجهاد لا بد له من إمام، لا بد له من إمام، وإذا استنفره الإمام تعين عليه.
وقال يوم الفتح -فتح مكة-: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)): وجاء في الأحاديث وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ما يدل على أن إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حرم مكة، فذهب إلى ما جاء في هذا الحديث جمع من أهل العلم، وقالوا: إن الله -جل وعلا- هو الذي حرم مكة، واستدل بالأدلة الأخرى من يقول: إن إبراهيم هو الذي حرم مكة، كما حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولكل قوم جواب عن دليل الآخرين.
فمن يقول: إن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض يجيب عن الأحاديث اللاحقة: إن إبراهيم هو الذي حرم مكة، وأن تحريمها اندرس بين الناس ونُسي فأعاده إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وأحيا هذه السنة وهذا التحريم فنسب إليه، وهو مبلغ عن الله -جل وعلا-، والتحريم أولاً وأخراً لله -جل وعلا-، والأحكام كلها له، لكن إبراهيم حرم مكة: يعني جاء تحريمها على لسانه من قبل الله -جل وعلا-، ومحمد –عليه الصلاة والسلام- كذلك حرم المدينة، لكن تحريم مكة هل هو من يوم خلق الله السماوات والأرض كما في هذا الحديث، أو أنها ليست بحرام إلى أن جاء وقت إبراهيم عليه السلام؟
((يوم خلق السماوات والأرض)): الذين أجابوا عن الأحاديث اللاحقة قالوا: إن حرمتها يوم خلق الله السماوات على ما جاء في هذا الحديث، وإبراهيم إنما جدد التحريم؛ لأنه اندرس.
والذين يقولون: إن الذي حرمها إبراهيم، وما كانت محرمة قبله كالمدينة قالوا: إن الله -جل وعلا- كتب في اللوح المحفوظ تحريمها على لسان إبراهيم، فلا يكون تحريمها من يوم خلق الله السماوات والأرض، إنما كتابته في اللوح المحفوظ -كتابة هذا الحكم في اللوح المحفوظ- يوم خلق الله السماوات والأرض، وتحريمها يأتي على لسان إبراهيم، والحديث الذي معنا كالصريح في أنها منذ خلق الله السماوات والأرض حرام.(26/8)
((فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي)): هذا يدل على القول الأول، وهو مفاد هذا الحديث: ((لم يحل القتال فيه لأحد قبلي)): أحد نكرة في سياق النفي فيعم كل أحد.
((ولم يحل لي إلا ساعة من نهار)): ساعة واحدة، وليس المراد بذلك الساعة الفلكية التي هي عبارة عن ستين دقيقة، لا، مقدار من الزمان، قد يكون ساعة فلكية أو أكثر أو أقل.
((فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه)): لا يقطع، لا يقطع شوكه، ((ولا ينفر صيده)): طيب الشوك مؤذي، من أهل العلم من يقول: إن الشوك يقطع؛ لأنه مؤذٍ كالفواسق، والحديث نص أنه لا يقطع، أنه لا يعضد.
((ولا ينفر صيده)): ينفر صيده: التنفير هو ذعره -ذعر الصيد- وجعله ينفر من مكانه، فلا يجوز، مجرد تنفير الصيد حرام، فضلاً عن تولي قتله، فضلاً عن أن يقوم الإنسان بقتله، فإذا حصل له ما يقتله بسبب هذا التنفير ضمنه المنفر، وإن سلم أثم على التنفير ولا يضمنه، يعني لو أن حمامة وقعت على ثوب شخص، ثم أراد أن يلبس الثوب فطارت الحمامة، وهذا في المسجد الحرام يحصل، في حال الاعتكاف يعلق الإنسان ثوبه فتقع عليه حمامة، فيأتي ليلبس الثوب فتطير الحمامة فتضربها المروحة وتموت، يضمن وإلا ما يضمن؟ أو يتركها حتى تطير؟
المقصود ولا ينفر صيده ..
طالب:. . . . . . . . .
ما علق بقصد ولا غيره.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم ما يلزم، لا لا، عموم، منهم من قال بهذا.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
بسببه .. ، على كل حال ينفر صيده يشمل مثل هذا، التنفير شامل، يا أخي انتظر حتى تطير هي، وإلا أيش معنى آمن؟
يذكرون في سيرة الرازي: أنه وهو بين طلابه في حمامة تتبعها .. ، ما أدري والله أيش قالوا، يتبعها شيء يريد أن يأكلها، فدارت في المسجد دارت، دارت ثم وقعت في حجر الرازي، ثم الشاعر بن عنين قال ما قال في هذه القصة، وشبهه بالحرم وأنه ملاذ الخائف، لكن هذا الكلام فيه ما فيه ..(26/9)
((ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها)): ((ولا يلتقط)): كما جاء في الروايات الأخرى ((لقطتها إلا من عرفها)): يعني أنها لا تملك، ولو عرفها أبد الآباد، لا يملكها، ولا يقتصر على المدة المقررة لغيرها من البلدان كالسنة، لقطة البلدان الأخرى تعرف سنة، ثم بعد ذلك تملك بنية الرجوع إذا جاء صاحبها يوماً من الدهر، أما لقطة الحرم فلا تملك، بل يستمر يعرفها، ولا يلتقط إلا من عرفها.
ومن أهل العلم من يرى أنها كغيرها من البلدان تملك لكن التعريف يختلف، لا يكتفى بتعريفها كما يكتفى بتعريف لقطة البلدان الأخرى، والمرجح ما دل عليه الحديث صراحة أنها لا تلتقط ولا تملك، فإما أن تترك في مكانها، أو يلتقطها من نوى تعريفها، ولا يملكها.
((ولا يختلى خلاها)): الخلا هو الحشيش، لا يختلى ..
طالب:. . . . . . . . .
أيش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
وأيش فيه؟ نص في الموضوع يا أخي أيش ...
طالب:. . . . . . . . .؟
تجلس اللقطة إلا إن بغى يعرفها أبد الآباد، لا بد، إما أن يتركها وإلا يعرفها.
طالب:. . . . . . . . .
إن أعطيت للأمانات وغيرها .. ، إن أعطيت من يتصف بهذا الوصف لا بأس.
طالب:. . . . . . . . .
ولو شيئاً يسير، ولو شيئاً لا تلتفت له همة أوساط الناس؛ هذا من خصائص مكة يا إخوان.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال النعال، يعني لو أخذت نعلاه، ووجد نعال شبيهة لها، وغلب على ظنه أن صاحب النعال هو الذي أخذ نعاله من ماركة واحدة يأخذ وإلا ما يأخذ؟
هذا نص في الزاد إن كان تحفظون الزاد: "ومن أخذت نعلاه فوجد مكانها بدلها فلقطة لا بد أن يعرفها".
طالب:. . . . . . . . .
لا بد يعرفها، أحياناً يقول قائل: هذه النعال المكومة التي ما لها أحد تجي البلدية وترميها، هذا بحكم .. ، وعند الجمرات شيء كثير من هذا، والمشي حافي مضر هناك، يتضرر به، فهل يأخذ؟ الأورع ألا يأخذ، بل الورع ألا يأخذ إلا ما يجزم بأنه ملكه، ولو غلب على ظنه أنها نعلاه.
طالب:. . . . . . . . .
معروف هذه بيئته ما أنبته الآدمي ....
((ولا يختلى خلاها)): يعني ولا يحتش حشيشها ولا يقطع، والخلاء هو الرطب، والحشيش هو اليابس كما يقرر أهل العلم.(26/10)
الشيخ يسأل عما ينبته الآدمي: هل هذا خاص بما ينبته الله -جل وعلا- أو عام فيما ينبته الآدميون؟
أهل العلم يقولون: لا ما ينبته الآدمي لا سيما إذا كان .. ، أقول: ما ينبته الآدميون يرون أن لهم قطع، كالنخيل ونحوها لهم قطعه.
لو تدلى غصن يؤذي المارة يقطع وإلا ما يقطع؟
ما دام منع من قطع الشوك، وعرفنا أن الشوك من أهل العلم من خالف وقال: ما دام تقتل الفويسقة إذن يقطع الشوك الذي يؤذي الناس، فمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى ألا يتولى الإنسان بنفسه شيئاً من ذلك، يترك الاجتهاد لمن يجتهد، أما هو بنفسه يترك كل شيء على ما كان.
((ولا يختلى خلاها))، فقال العباس: ابن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم": الإذخر نبت، حشيش طيب الرائحة، لقينهم: يوقدون به النار، القين الحداد يوقد به النار، ولبيوتهم: يجعلونها في السقوف بين الأخشاب؛ لئلا ينزل التراب والطين، وفي رواية: "ولقبورهم": أيضاً بين اللبن؛ لئلا ينزل التراب على الميت.
ولبيوتهم"، فقال: ((إلا الإذخر)): هذا الاستثناء حصل فيه كلام كثير لأهل العلم، والذي يجزم به أنه بالوحي، يقولون: هذا استثناء تلقيني، لكن التلقين في الجملة ذمُّ، مذموم التلقين، ومن قبل التلقين روايته مردودة عند أهل العلم، فعموم التلقين يحتاجه من فيه قصور، فالطفل يلقن، المحدِّث إذا كان يخطئ كثيراً يلقن، فهذا اللفظ باعتباره في الجملة وتعارف أهل العلم على أنه وصف ذم لا ينبغي أن يقال هنا.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل الإذخر، أو عموم ما تقدم، عموم ما تقدم: ((لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه)): هل هو عام أريد به العموم، أو أريد به الخصوص؟ أو هو عام مخصوص؟ هل هو عام يراد به العموم على عمومه، أو عام يراد به الخصوص، أو هو عام مخصوص؟
فإذا قلنا: عام مخصوص، قلنا: ما كان في ذهن المتكلم استثناء الإذخر، ثم استثناه بالوحي، خصص بالاستثناء.(26/11)
وإذا قلنا: عام أريد به الخصوص، فما كان في ذهن المتكلم أن الإذخر داخل في عمومه، بل هو مقصود إخراجه من الأصل، ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد دخول الإذخر في الخلا، ولا شك أن وجود الاستثناء مخصص، سواءً قلنا: إن كلام العباس أدى إلى بيان هذا العام الذي أريد به الخصوص، أو أدى إلى إخراج ما يتناوله اللفظ العام، إذا قلنا مخصص.
نفرق بين العبارات هذه، فرق بين عام مخصوص، وعام أريد به الخصوص، إذا قلنا: عام مخصوص، قلنا: النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد كل الخلا، كل الأنواع بما في ذلك الإذخر، ثم لما استثناه العباس، ونزل الوحي بموافقته: ((إلا الإذخر)) استثني، فخرج بالاستثناء، خصص بالاستثناء، وإذا قلنا: إن العام أريد به الخصوص من الأصل ما دخل، من الأصل ما دخل الإذخر، لكن البيان حصل بهذا الاستثناء.
طالب:. . . . . . . . .
حصل الفاصل، بمَ نجيب عن هذا؟
نقول: الكلام الأول في حكم المعاد في الكلام الثاني، في حكم المعاد، أيش معنى هذا؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاها))، فقال العباس: "إلا الإذخر": فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعاد الكلام مرة ثانية، فقال: ((إلا الإذخر))؛ ليكون الاستثناء متصلاً، ومن أهل العلم من يرى جوازه منفصلاً، يرى جوازه منفصلاً، ويستدلون بقصة سليمان، قصة سليمان لما آل أو حلف أن يأتي على تسع وتسعين امرأة تلد كل واحدة منهن فارساً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، قال له الملك: قل: إن شاء الله، فدل على أنه لو قال: إن شاء الله لنفعه، وهذا منقطع ليس بمتصل.
على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، ومن يرى الاشتراط -اشتراط الاتصال- يقدر تكرار الكلام.(26/12)
وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا مفضل عن منصور في هذا الإسناد بمثله، ولم يذكر: ((يوم خلق السماوات والأرض))، وقال بدل القتال: القتل: فيما سبق: ((وإنه لم يحل القتال))، في الرواية التي تليها: القتل بدل القتال، والفرق بين القتال والقتل واضح، القتال والمقاتلة مفاعلة، قتال مصدر قاتل، والقتال والمقاتلة تقتضي من الطرفين، فإذا وجد من يقاتل لا يجوز أن يقاتل في حال القتال، وفي لفظ القتل أنه لا يُقتل أحد ابتداءً، لكن إن قاتل يجوز قتاله. وقال: ((لا يلتقط لقطته إلا من عرفها)).
قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي: الكعبي الخزاعي صحابي، أنه قال لعمرو بن سعيد: الأشدق، وهو يبعث البعوث إلى مكة: من أجل قتال ابن الزبير: "ائذن لي أيها الأمير: هذا فيه الأدب مع الأمراء؛ ليكون أدعى إلى القبول، "ائذن لي أيها الأمير: صحابي جليل يقوله لتابعي، وليس من التابعين بإحسان أيضاً، يستأذنه يستلطفه يسترفقه؛ من أجل أن يكون كلامه أدعى للقبول ليقبل كلامه.
"ائذن لي أيها الأمير أحدثك: أحدثْك: مجزوم على أنه جواب الطلب ائذن، جواب الطلب مجزوم.
أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح: يعني من الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به: ليبين أنه متأكد مما يقول، كأنه يسمعه الآن، وكأنه يبصره الآن.
حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه: والخُطب تبدأ بالحمد والثناء على الله -جل وعلا- والصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأما بعد؛ للانتقال أيضاً سنة، جاء بها أكثر من ثلاثين حديثاً.
وأثنى عليه ثم قال: ((إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس)): وهذا دليل للقول الأول أن الذي حرم مكة هو الله -جل وعلا-.(26/13)
((فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر)): وهذا وعيد شديد، ((أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحدٌ ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم)): وأحد فاعل لفعل مقدر يفسره المذكور، ((فإن ترخص أحد)): ترخص بقتال رسول الله، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [(6) سورة التوبة]: استجارك، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين.
((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقولوا له)): يعني ردوا عليه، لا يترك، لو قال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة بالسلاح، ودخل على رأسه المغفر، وقاتل أهل مكة، ((فإن أحد ترخص بقتال)): هذا يدل على وجود القتال من النبي -عليه الصلاة والسلام- منه وممن معه، ومن خالد وممن معه، ((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم)): قد يقول قائل: الرسول ما قاتل، الذي قاتل خالد، نقول: قاتل بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يرجح قول من يقول: إن مكة فتحت عنوة، مكة فتحت عنوة.
((فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم)): خلاف معروف بين أهل العلم، هل مكة فتحت عنوة أو فتحت صلحاً؟ مقتضى كونها فتحت عنوة ...
طالب:. . . . . . . . .
ما تملك نعم، تكون للغانمين، لو فتحت عنوة لوجب قسمتها على الغانمين؛ كسائر الغنائم.
وإذا قلنا: إنها فتحت صلحاً نقول: إن كل واحد في بيته له بيته، وهذا الذي دعا الإمام الشافعي أن يقول صلحاً، أنهم بقوا في بيوتهم، وما قسمت أرضها، والأكثر يقولون: إنها فتحت عنوة، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما منَّ عليهم بأنفسهم، من عليهم ببيوتهم وأملاكهم، ولا يوجد مانع من هذا، وقد استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- الغانمين في غزوة حنين أن يرد الغنائم إلى أهلها فردها -عليه الصلاة والسلام-.(26/14)
((فقولوا له: إن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار)): يعني أبو شريح العدوي صحابي -رضي الله تعالى عنه- ما منعه بطش هذا الأمير، وظلم هذا الأمير، وفي ظرف تجَّيش فيه الجيوش يعني ما منعه أن يقول كلمة الحق، وفي حديث البيعة من حديث عبادة بن الصامت: "وأن نقول، أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم"، لكن لا يعني هذا أنها تنزع اليد من الطاعة أبداً، وهذا لا ينافي هذا البتة؛ لأنها سيقت مساقاً واحداً في حديث عبادة: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره؛ على أن نقوم أو نقول بالحق لا نخاف في الله لومة لائم": وهذا من النصح الواجب لولي الأمر، هذا من النصح الواجب لولي الأمر.
((ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها)): يعني هذه الساعة انتهت.
((وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب)): وجاء الأمر بالبلاغ في نصوص كثيرة، واللام لام الأمر، والأمر للوجوب، والتبليغ فرض كفاية، ((وليبلغ الشاهد الغائب)).
فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟: بمَ ردَّ عليك عمرو؟ وحكى الواقع، وبعض الناس لو ذكر في مجلس من المجالس أنه أسدى نصيحة لكبير ورد عليه الكبير ردَّاً غير مناسب، يمكن ما يجرؤ أن يقول للناس: والله الأمير طردني، أو فعل ما فعل، أو ردَّ عليَّ رداً غير مقبول .. ، والله المستعان.
يقول: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك: وهذا من سوء أدبه مع الصحابي الجليل، ومن سوء أدبه مع النص، قال: "أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة: ويختلف أهل العلم في إقامة الحدود والقصاص في الحرم، هل يقتص، وهل يقاد في الحرم، وهل يرجم، وهل يقتل القاتل؟
المسألة خلافية بين أهل العلم، فعموم الحديث يستدل به من يقول أنه لا يقتل أحد بمكة، لا يقتل أحد بمكة مهما كانت جريمته، طيب نترك الناس يجرمون بمكة؟ قال: لا، يضيق عليهم، يمنع عنهم الطعام والشراب حتى يخرجوا منها، فيقاد منهم ويقتص منهم، وتقام الحدود عليهم خارج مكة.(26/15)
ومنهم من يقول: إن مثل هذا لا يدخل في النص، فتقام الحدود، ويقتل القاتل، ويقطع السارق بمكة؛ لأن هذا مستثنى شرعاً؛ هذه حدود، عموم نصوص الحدود تشمل مكة وغير مكة.
طيب، البغاة، البغاة نزعوا يد الطاعة من ولي الأمر، وشهروا السلاح، يقاتلون أو لا يقاتلون؟
طالب:. . . . . . . . .
القفال الشاشي من الشافعية، قال: لا، يتركون ما يقاتلون، ورد عليه هذا القول، رده جمهور أهل العلم، وقالوا: إن هذا غلط، يعني لو كل من اعتصم بمكة وشهر السيف ويش تصير المسألة؟ تصير فوضى، فإذا قاتل يُقاتل، وتقمع شوكته وتكسر، ويرد كيده في نحره كائناً من كان، ولو كان في مكة، لكن المقصود الممنوع أن يقتل ابتداءً، أو يبتدأ بالقتال، يبتدأ بالقتال لا، لكن إذا قاتل يقاتل.
والخربة: الخيانة كانت تطلق على سرقة الإبل خاصة.
قال: حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد جميعاً عن الوليد قال زهير: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن قال: حدثني أبو هريرة قال: "لما فتح الله -عز وجل- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، فقال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل)): وجاء في بعض الروايات القتل، وقصة الفيل مشهورة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، الفيل الذي جاء به أبرهة؛ ليهدم الكعبة، قصته مشهورة ومتواترة، وعُبِّر عنها في القرآن بالرؤية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرها، لم يرَ أصحاب الفيل، ولم يرَ كيف فعل الله بهم، لكن لما بلغته بطريق قطعي متواتر صار كالمرئي والمشاهد في القطعية، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]، يعني بلغت هذه القصة الخاص والعام بطريق قطعي متواتر بمثابة المرئي.(26/16)
((وسلط عليها رسوله والمؤمنين)): سلط: بمعنى أنه أقدرهم عليها في هذه الساعة، سلط: أقدرهم على .. ، سلط الله، يعني هل للإنسان أن يقول: سلط الله عليَّ –مثلاً- شخص يقول: سلط الله عليه الأمراض والديون أو لا؟ بدلاً من أن يقول: قدر الله عليّ، وكتب عليَّ، هنا في الحديث: ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين))؟
لأنه وجد سائل يسأل أمام الناس، وقال: سلَّط الله عليَّ الأمراض، وسلط الله علي الديون، فرد عليه واحد من كبار المشايخ، من كبار العلماء، وقال: لا تقل سلط الله عليَّ، قل: قدر الله عليَّ، فهل في هذا اللفظ من محظور، وفي الحديث: ((سلط عليها رسوله والمؤمنين))؟
طالب:. . . . . . . . .
هو التسليط في الجملة سواءً هنا أو هناك فيه شيء من القهر والغلبة؛ لأن هذا اللفظ حينما يتحدث الإنسان عن نفسه، وأنه .. ، كأنه يشعر بأنه قهر بهذه الأمراض، وقهر بهذه الديون، بينما لو قال: قدَّر الله عليَّ، وكتب الله عليَّ، أمر واضح وظاهر، فهذا وجه الإنكار، وما دام ثبتت في النص، ومن لفظه -عليه الصلاة والسلام- لا يكون منعها إلا من قبيل الأدب في التعبير، وإلا ما فيها محظور شرعي، إنما كونه أدب في التعبير، وإرشاد إلى الأولى ما فيه إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه مع القهر والغلبة، مع ما يتضمنه اللفظ من وجود القهر والغلبة.
طالب:. . . . . . . . .
أيش لون سلَّط؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني شخص عاصي فعوقب بهذه الأمراض، هذا قصدك؟ سلط الله عليه الأمراض؟
أن تتحدث عنه شيء، لكن كونه يتحدث عن نفسه بما يظهر أنه مقهور من هذه الأمراض .. هذا فيه شيء من الجزع، فالإرشاد إلى حسن الأسلوب والتعبير ظاهر في مثل هذا.
((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي)): لا من الأنبياء، ولا من الملوك، ولا من غيرهم. ((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد)): هذا تقدم.(26/17)
((ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل)): ((ومن قتل له قتيل)): في الصحيح -في البخاري-: ((ومن قتل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى، وإما أن يقتل: ((وإما أن يقاد)): ولا شك أن الرواية التي في البخاري فيها حذف، تبينها هذه الرواية؛ لأنه إذا قتل، خلاص انتهى، كيف يخير وهو مقتول؟ فالمخير ولي الدم.
((ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى)): هذا القتيل بالمال بالدية، ((وإما أن يقتل)): القاتل، والتخيير بين الأمرين يدل أن الولي له أن يختار، وهذا قول الأكثر، له أن يختار، فإذا عفى عن القصاص له أن يطالب بالدية، إذا عفى عن القصاص له أن يطالب بالدية.
ومن أهل العلم من يرى أنه ليس له إلا القصاص أو العفو، ومثل هذا فائدة الخلاف فيما إذا عفى ولي الدم عن القتل، وطالب بالدية، قال القاتل: أنا ما عندي دراهم، تبي تقتل تفضل، وإلا فالعفو، يلزم وإلا ما يلزم؟ يعني هل لولي الدم أن ينتقل من القتل إلى الدية، أو ليس له ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن من الحديث له ذلك، لكن من أهل العلم من يقول: لا، الأصل القتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة]، {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [(45) سورة المائدة]، هذا الأصل في المسألة، فإذا قال القاتل: والله ما عندي دراهم اقتل، نقول إلا دبر دراهم؟! ترى القول الثاني ما جاء من فراغ ..
طالب:. . . . . . . . .
أينه هذا؟ هذا في قتل الخطأ.
طالب:. . . . . . . . .
هذا من هذا الحديث، لكن النصوص الأخرى.
طالب:. . . . . . . . .
ما يخالف، لكن لا تظن أن القول الثاني قال: والله ما له بنصيب؛ لأنه قد يكون الشخص في وقت قتله أسهل من أن يدبر دية.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، بعض الناس ترى متساوية عندهم، متساوية؛ الآن تروا الذي جرب الفقر وشح الموارد ويتمنى أحياناً أنه يموت ولا يتجبه الناس، وهو عايش هو وأولاده ومن تحت يده على شيء تحت الصفر من الفقر، مثل هذا ما يستطيع يدبر.(26/18)
نعم إذا نظرنا من جهة أن الشرع رحم مثل هؤلاء، وجعل الدية على العاقلة، زما أشبه ذلك .. ، المقصود أن المسألة، القول الثاني ما جاء من فراغ ترى؛ لأن الشارع حينما ينظر في حق المقتول، وفي حق الولي أيضاً لا يهدر حقوق آخرين، الشرع جاء بالتوازن، يعني حينما ينظر في حق الفقير ما أهدر حق الغني في الزكاة أبداً، وحينما يقول لك: أنا والله ما أستطيع أدبر دية، ما أستطيع، افعل .. اصنع ما شئت.
طالب:. . . . . . . . .
لكن أئمة الذين قالوا بهذا الكلام، يقول لك: ما عندي، أيش تسوي له، نقول: مدين وتدخل السجن بهذا الدين، دبر، والله ما أنا مدبر ما عندي شيء، ولا لي وسيلة، ولا .. ، منقطع عن السبل كلها.
طالب:. . . . . . . . .
يعني تبقى دين في ذمته.
لما نشير إلى الخلاف فهو قول أئمة، ما هو بقول متعلمين، وهو يعني تصوره ظاهر، ما هو بي قال: والله ما يمكن تصور مثل هذا، يعني يمكن واحد بالمائة يقول لك: أنا والله ما أقدر أدفع ريال، وواحد مستعد يدفع مائة مليون، يدفع ألف دية، أو ألفين دية، لا تنظر إلى أحوال من عندهم الأموال ويبذلون، لا، أنت انظر إلى شخص تكفف الناس، وتقطع وجهه من سؤال ريال الخبز، وقال لك: أنا والله ما عندي، هذه رقبتي أرخص ما عندي هي، خذها، ولا عندي .. ، أنا ما عندي دراهم، خذ إما أن تقتل وإلا تسمح، هذه وجهة نظر من يقول بالقول الآخر، لكن الحديث كالصريح في أنه إذا عفي عنه للولي أن يعفو عن القتل وينزل إلى الخيار الثاني.
((إما أن يفدى، وإما أن يقتل))، فقال العباس: "إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر))، فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن-: أبو شاه بالهاء، وليس بلفظ الحيوان المعروف لا، أبو شاهٍ.
طالب:. . . . . . . . .
ما يدرى ويش هو، لا هو بالشاه المعروفة؛ لأنها تنطق بالتاء ..
طالب:. . . . . . . . .
أنت تبي نقول لك مثل الذي صحف المثل، الذي صحف المثل يليق بهذه الحال، أبعدت النجعة، لا، ما هو بهو ..
طالب:. . . . . . . . .
لا، معروف، أبو رضوان معروف، لكن أبعد النجعة، وإن بغيت التصحيف فقد ذكرناه.(26/19)
أبو شاهٍ: ما في لغة العرب على هذا أبداً، على هذا الوزن، فالذي يظهر أنه أعجمي، كيف صرف؟ هو يقرأ بالهاء في الوقف والدرج، يعني مثل منده، ومثل داسه، ومثل ماجه، كلها تقرأ بالهاء؛ ألفاظ أعجمية، هنا ليش صرف أبو شاهٍ ما قيل أبو شاهَ؟
طالب:. . . . . . . . .؟
لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا.
طالب:. . . . . . . . .
لماذا صُرِف؟
من رواة الصحيح، من رواة البخاري عبد الله بن سياه، وسياه أعجمي، والعُجمى تمنع عبد الله بن سياه؛ لأن استعماله في الأعجمية ليس بعلَم، يستعملونه وصف في الأعجمية، ما يستعملونه علم، والذي يمنع من الصرف العلمية مع العجمة، فكونه استعمل غير علم، لا يمنعه من الصرف وإن كان أعجمياً.
فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله ..
طالب:. . . . . . . . .
هذا ملك ذا، ملك .. يمكن يجي على هذا يصير أبو ملك، شاهٍ شاه هذا ملك الملوك عندهم، ويمكن يصير أبو ملك ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
غير علم، في الأعجمية غير علم، وكما أشار الشيخ، الشاه عندهم الملك، فلعله من هذا يصير أبو ملك، كنيته أبو ملك.
فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: "اكتبوا لي يا رسول الله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اكتبوا لأبي شاه)): وفي هذا الأمر بكتابة العلم، الأمر بكتابة العلم وتقييده، وأن هذا ناسخ لحديث النهي عن الكتابة -حديث أبي سعيد في صحيح مسلم-: ((لا تكتبوا شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه))، جاء النهي عن الكتابة، وجاء الأمر بها في مثل هذا الحديث، وفي مثل قول أبي هريرة -رضي الله عنهما-: "ما كان أحد من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر حديثاً مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب"، فجاءت نصوص تدل على الكتابة، وجاء حديث أبي سعيد في المنع منها، فالنهي منسوخ، أو محمول على كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ فيخشى اختلاط غير القرآن به، فلما أمن هذا المحظور أذن بالكتابة، أذن في الكتابة.(26/20)
ومنهم من يقول: إن النهي عن الكتابة؛ لئلا يعتمد الإنسان عليها فيضيع الحفظ، وهذا شيء مجرب ومشاهد، الذي يعتمد على الكتابة لا يثبت في ذهنه شيء؛ لأنه اعتمد على غيره، الذي يعتمد على الكتابة لا يثبت في ذهنه المحفوظ، وجرب الإخوان كلهم لما كانت التلفونات والأدلة الصغيرة التي في الجيوب التي تسجله ما أنت بحافظه، صحيح وإلا لا؟ الرقم الذي تسجله خلاص على ها الكتابة ذه، ثم جاءت عاد الجوالات التي تخزن ما يمكن تحفظ ولا تستذكر ولا شيء، يقسم واحد أنه ما يعرف كم رقم أمه، يضغط على رقم كذا الوالدة وتطلع ليش؟ لأنهم اعتمدوا، فالاعتماد هذا مشكلة، ولذلك تجدون على مر العصور الحافظة في ضعف؛ لوجود الوسائل التي يعتمد عليها، الحافظة ضعفت لما كثرت الكتابة وانتشرت، ثم بعد ذلك مشى الناس على الكتابة وجوزت بالإجماع وطلبت؛ لأنها بها حفظ العلم ودون، ثم جاءت الطباعة وأيش صار بعد الطباعة؟ الإنسان إذا احتاج كتاب نسخه، استعاره ونسخه، والتجربة تثبت أن الكتابة أفضل من القراءة عشر مرات، يثبت الكتاب إذا كتبته، يعني يثبت إذا حفظته؛ هذا أفضل، لكن إذا ما حفظته وكتبته تتصور الكتاب، ثم جاءت الطباعة تأتي بالكتاب عشرة مجلدات عشرين مجلد ترصه في الدالوب، وهذا آخر عهدك به، ولذا أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة كتب العلم؛ لا شك أن هذا أثره على التحصيل ظاهر، يعني ممكن شاب من الشبان عنده عشرة آلاف مجلد، لكن ما يعرف ولا أسماء هذه الكتب، فضلا ًعما تحتويه لما ظهرت الطباعة، الآن الطباعة شيء ما يخطر على البال، بينما أدركنا شيوخنا الواحد عنده دالوب دالوبين من الكتب، ويعرف ما في هذه الكتب، قرأ هذه الكتب مراراً وحفظ كثيراً مما فيها، وتردد عليها مراراً فضبطها، لكن كثرة التصانيف -كما يقول ابن خلدون- مشغلة عن التحصيل، كثرة التصانيف لهذه الكتب .. ، الألوف المؤلفة من الكتب لا شك أنها مشغلة، مشغلة لما يجي طالب العلم التردد بأيها يبدأ؟ يأخذ له مدة ما؟ أو يبدأ بهذا ويمل وينتقل للثاني والثالث والعاشر والمائة، ما يدرك شيء، لكن لو ما عنده من كل فن إلا كتاب واحد، ما عنده خيار، تردد على هذا الكتاب حتى ... نعم.
طالب:. . . . . . . . .(26/21)
لا، لا هذه أسوأ، الآن ظهر ما يقول الشيخ، الآلات اللي بإمكانك تخرج حديث من مائة طريق بضغطة زر، والكلام على أسانيد هذه الأحاديث أو هذه الطريق بزر، وتنسف لك هذه الآلة ما تريد بثواني، لكن النتيجة؟ النتيجة يطفأ الكهرب ترجع عامي ما تحسن شيئاً!!
وأنا أضرب مثال محسوس: لو أن شخصاً مسك شارع البطحاء من أوله إلى آخره يمشي على رجليه، ثم وصل إلى آخره، ثم جاء أحد يسأله، ويش شفت؟
يبي يعد عليه ستين سبعين بالمائة مما رآه، صح وإلا لا؟ لكن خله يمشي بالسيارة مائة وعشرين، ويش يبي يدرك؟
ولا شيء؛ السرعة ما تفيد بالعلم، أبداً لا تجدي شيئاً بالعلم، والعلم متين وفحل لا يطيقه إلا الفحول رتب عليه أجور، أجور عظيمة في الدنيا والآخرة، وبضغطة زر تدرك العلم؟ ما هو بصحيح، ولا يمكن أن يتخرج طالب علم على هذه الآلات أبداً، نعم، شخص مدرك أسس وأصَّل ويريد أن يستزيد لا بأس، خرج الحديث بنفسه لا عن طريق الفهارس، ولا عن طريق الآلات، بلغ الجهد، وبذل الوسع، وخرج الحديث من عشرين طريق، قال: والله عجزت ما عندي أكثر من هذا، فأراد الاستزادة ضغط هذا الزر وشاف، لا شك أن هذا القدر الزائد على ما تعب عليه يثبت في ذهنه؛ لأنه متشوف إليه، لكن إذا جاء خالي الذهن ما عنده شيء وضغط الزر وشاف هذه الطرق ما يدرك شيئاً أبداً، فلاختبار العمل تصلح هذه الآلات.
إذا ضاق الوقت، خطيب عنده حديث يبي يتكلم عليه ومهم الحديث في الباب، لكن ما يدري هو صحيح وإلا ضعيف يضغط الزر ويشوف ما يخالف؛ إذا ضاق عليه الوقت معذور، لكن معه الوقت يروح مباشرة، لا ما يدرك علم البتة، والعلم لا ينال براحة الجسم، لا يستطاع العلم براحة الجسم.
طالب:. . . . . . . . .
الانتقاء، ينتقي ما يشتري كل شيء، ينتقي ..
قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: "اكتبوا لي يا رسول الله؟ " قال: "هذه الخطبة": التي خطبها النبي -عليه الصلاة والسلام- والتي سمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(26/22)
قال: حدثني إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان: شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة: بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا هريرة يقول: "إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب: خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة؛ بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يلامون لما قتلوا بقتيلهم في الساعة التي أحلت للنبي عليه الصلاة والسلام؟ ودماء الجاهلية ما وضعت إلى الآن، متى وضعت دماء الجاهلية؟
في حجة الوداع لما خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- دماء الجاهلية وضعت، والربا موضوع، وأول رباً نضعه ربا العباس، هذا تقدم.
في فتح مكة ما أهدرت دماء الجاهلية أو ما وضعت، فيلامون أنهم قتلوا قتيلاً؟ يلامون، لماذا؟
لأنه على طريقتهم، يقتلون غير القاتل، ينتقمون من القبيلة بغير القاتل، فهنا يلامون، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
لأنه قد يقول قائل: قتلوه بقتيل لهم، وفي الساعة التي أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ودماء الجاهلية ما وضعت إلا في حجة الوداع.
نقول: قتلوا من بني ليث قتيلاً غير قاتل قتيلهم، على عادة العرب ينتقمون من القبيلة بأي شخص.
بقتيل منهم قتلوه فاخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركب راحلته فخطب، فقال: ((إن الله -عز وجل- حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام)): يعني أحلت له ساعة وانتهت، الآن الساعة التي فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، هي حرام.
((لا يخبط شوكها)): يعني لا يضرب بالمخبط الذي هو العصا؛ ليتناثر ما يسقط من الشجر من ورق أو شوك أو غيرهما.
((ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يعطى -يعني الدية- وإما أن يقاد أهل القتيل)): يعني على ما تقدم.(26/23)
قال: فجاء رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاهٍ، فقال: "اكتب لي يا رسول الله"، فقال: ((اكتبوا لأبي شاه))، فقال رجل من قريش: "إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)).
حدثني سلمة بن شبيب قال: حدثنا ابن أعين قال: حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
حدثني سلمة بن شبيب قال: حدثنا ابن أعين قال: حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح)): وهذا من تمام الأمن في هذه البلاد الآمنة، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [(67) سورة العنكبوت]، فهذا من تمام الأمن في هذا البلد، لا يجوز حمل السلاح فضلاً عن استعمال السلاح، حمله لا يجوز فضلاً عن استعماله، وقد جاء النهي عن حمل السلاح في المساجد وأماكن الزحام؛ لئلا تؤذي أحداً بها، ففي هذا البلد من باب أولى، وهو البلد الأمين.
ومنهم من يرى أن هذا على إطلاقه، وأنه لا يجوز حمله مطلقاً، ومنهم من يبيحه للحاجة والضرورة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة عام الفتح بالسلاح، دخل مكة بالسلاح وعلى رأسه المغفر، وعليه الدرع، فالمقصود أنه دخلها بالسلاح، ولعل هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- في تلك الساعة التي أبيحت له، وأما بعد ذلك فقد عادت حرمتها، فلا يحمل فيها سلاح.
هل يدخل في هذا –مثلاً- رجال الأمن الآن -معهم أسلحة- ويقفون في الطرقات، وفي النقاط نقاط التقاطعات وغيرها يقفون منهم بسلاحه، هل نقول أن هذا يدخل في قول بعض أهل العلم أنه للحاجة؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب: يقول: إن عامة الناس لا يجوز لهم حمل السلاح، بينما ولي الأمر أو خاصته فإنه يجوز خصوصاً إذا كان لحاجة؟
لا؛ ((أحدكم)): أحد مفرد مضاف يعم، من صيغ العموم المفرد المضاف، لا، المقصود أن من أهل العلم من يرى أنه يحمل للحاجة، لا سيما إذا غلب على الظن وجود هذه الحاجة إلى السلاح.(26/24)
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، أما القعنبي فقال: "قرأت على مالك بن أنس"، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك، وقال يحيى -واللفظ له-: "قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: "ابن خطل متعلق بأستار الكعبة" فقال: ((اقتلوه))؟ " فقال مالك: "نعم".
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد الثقفي، قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، وقال قتيبة: "دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام". وفي رواية قتيبة: قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر.
حدثنا علي بن حكيم الأودي قال: أخبرنا شريك عن عمار الدهنيِّ عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم قالا: أخبرنا وكيع عن مُساوِر الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وعليه عمامة سوداء.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن الحلواني قالا: حدثنا أبو أسامة عن مساور الوراق قال: حدثني، وفي رواية الحلواني: قال: سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه"، ولم يقل أبو بكر على المنبر.
يقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، أما القعنبي فقال: قرأت على مالك، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك: صيغ الأداء اختلفت بين الثلاثة، ومسلم يفصل في هذه الأمور تفصيلاً دقيقاً حسب ما يرده من شيوخه.(26/25)
أما القعنبي فقال: "قرأت على مالك"، وأما قتيبة فقال: "حدثنا مالك"، وقال يحيى واللفظ له: قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب: يعني رواية القعنبي ورواية يحيى بالعرض على مالك، وهذه هي الجادة عند الإمام مالك، لا يقرأ على أحد وإنما يُقرأ عليه، ويغلظ القول على من قال حدِّثْنا، ويقول: أعراقي أنت؟ العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟
والإمام مالك -رحمه الله- لا يمكن أن يحدِّث أحداً، ما يمكن أن يحدث أحداً، وإنما يُقرأ عليه، منهم من صحب الإمام مالك سنين عديدة فما سمعه يقرأ الموطأ على أحد، وإنما يقرؤون عليه، فقوله: "قرأت على الإمام مالك": بيان للواقع.، وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك: هذا تجوز في العبارة تجوُّز، الإمام مسلم يفرق بدقة، لكن لعل قتيبة بن سعيد ممن لا يفرق بين هذه الصيغ، ممن لا يفرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني حدث به ابتداءً، لا يقصد به التحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
فيكون كونه يقرأ عليه ويعرض عليه هذا هو الغالب، أو عند قصد إرادة التحديث، على كل حال هذا الحاصل، واحتمال أن قتيبة لا يرى التفريق بين التحديث والإخبار، جمع غفير، البخاري ما يرى، كثير من العلماء ما يرون التفريق بينهما.
وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك وقال يحيى -واللفظ له-: قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب: هذا عرض.
أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر؟: الجواب، قال مالك، سؤال أحدثك؟ قال مالك: نعم، في نهاية الحديث عندك، فقال مالك: نعم: جواب لقوله أحدثك.
وهل يلزم في العرض أن يقول المعروض عليه نعم، أو يكفيه أن يسكت؟ يكفي السكوت وإلا لا بد أن يقول نعم؟ إذا قيل: أحدثك فلان، أأخبرك فلان، هل يلزم أن يقول: نعم، وإلا يكفي السكوت؟
طالب:. . . . . . . . .(26/26)
الآن مسألة اصطلاحية منصوصة، والخلاف معروف فيها بين أهل العلم، عامة أهل العلم على أن السكوت يكفي، ولذا ما ذكر عن أحد من أهل العلم في مثل هذا المقام أنه قال: نعم، إلا في القليل النادر، وبعض العلماء –بعضهم، ومنهم من أهل الظاهر- من قال: لا بد أن يقول: نعم، وإذا لم يقل: نعم فإنه لا يجوز تحمل الحديث عنه، إذا لم يقل نعم.
أحدثك ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، الإقرار لا ينسب إلى صاحبه إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذلك ما ذكروه في تعريف الموقوف على الصحابي ما قالوا: قوله أو فعله أو إقراره أو تقريره، لا؛ لأنه قد يجامل ما هو معصوم، قد يرى أن المصلحة أفضل من الكلام، المصلحة في السكوت أفضل، فالتقرير تشريع منه -عليه الصلاة والسلام- وأما من عداه فلا.
دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر: فدل على أنه حلال، وليس بمحرم -عليه الصلاة والسلام- حلال وليس بمحرم، وهذا يستدل به من يقول بجواز دخول مكة من غير إحرام، والأكثر على أنه لا يجوز أن يدخلها أحد إلا لحاجة تتكرر إلا محرماً، غير الحاجات المتكررة كالحطاب ونحوه .. ، هذا الحطاب ونحوه الذي تتكرر حاجته هذا يدخل بغير إحرام، أما من لا تتكرر حاجته فلا يدخلها إلا محرم.
طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، قال: نعم، لم تحل لأحد قبله وإنما أحلت له ساعة من نهار، يقاتل فيها ويدخل وهو غير محرم، فهذا في الساعة التي أحلت له، فإحلالها له من أجل القتال، ومن أجل الدخول بغير إحرام.
والقول الثاني أنه يجوز لمن لم يرد الحج والعمرة أن يدخل بغير إحرام؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، وقال في حديث المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة)): فدل على أن الذي لا يريد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام.
وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: "ابن خطل متعلق بأستار الكعبة"، فقال: ((اقتلوه)): نزع المغفر، نزعه في أثناء الساعة أو بعد الساعة؟
بعد الساعة، يعني لما عادت حرمتها قال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة.(26/27)
فقال: ((اقتلوه)): هذا لا يدخل في الأمن؛ لأن بعض الروايات تدل على أنه رد هذا الأمان، وارتكب جرماً عظيماً، سب النبي -عليه الصلاة والسلام- وسبَّ الدين، واتخذ مغنيتين تغنيان بهجو النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا يقتل ..
طالب:. . . . . . . . .
وقتل مسلماً، وقتل مسلماً، فمثل هذا يقتل، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.
منهم من يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر عليه تعلقه بأستار الكعبة، فدل على أن التعلق بأستار الكعبة مباح!!
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ جرمه أعظم من جرم التعلق، فهو بصدد أن يقتل، فقتله أعظم من الإنكار عليه التعلق، يعني من قتل، يعني من زنا وهو بكر مثلاً، ثم قتل، ثم يقال: لماذا لا يجلد قبل أن يقتل؟
نقول: جرمه أعظم، والخلاف في الزاني المحصن، هل يجلد قبل الرجم أو لا يجلد، في حديث عبادة: ((خذوا عني، خذوا عني، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)): فدل على أنه يجلد، ثم يرجم، وهذا الذي زنا ثم قتل يجلد ثم يقتل.
ومنهم من يقول: لا، إذا كان عنده مصيبة، أو جريمة أعظم من الجريمة التي تقتضي الجلد فقتله يقضي على الجلد، ويقولون: إن القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- من رجم المحصنين خمس قضايا فقط، لا تزيد، هي خمس قضايا في عصره -عليه الصلاة والسلام-، كل القضايا خمس ما تزيد، ما فيها ولا واحدة من هذه القضايا أنه أمر بالجلد ثم الرجم، ما قال: اغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فاجلدها ثم ارجمها، ((فإن اعترفت فارجمها))، ومنهم من يقول: ما دام ثبت الجلد، وسكت عنه في نصوص أخرى لا يعني أنه يلغى أو يهدر، يعمل بالجلد في حديث عبادة والرجم، والمسألة معروفة الخلاف بين أهل العلم.
وعلى كل حال في مثل هذا الموطن، هل يتعين البيان؟ يعني أنت رأيت شخصاً بيده زجاجة الخمر ومسبل، ما الذي تنكره عليه؟
الشرب، إيه تنكر عليه الشرب.
رجل اغتصب امرأة وفر بها، وهو حالق للحيته –مثلاً- تقول له: نبي نطالب حالق اللحية .. ، وإلا ننكر عليه؟ هذا عنده جرم أعظم، فيقتصر على الأعظم.(26/28)
وهذه حجة من يقول: أنه لا يجوز التعلق بأستار الكعبة؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى الشرك والتعلق بغير الله -جل وعلا-، ولا شك أن سد الذرائع الموصلة إلى الشرك هي الأصل.
فقال: ((اقتلوه))، فقال: مالك: نعم": جواباً لقوله: أحدثك؟
قال -رحمه الله-:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد الثقفي، قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
وفي رواية قتيبة قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر: لكن لو كان محرماً وعلى رأسه العمامة السوداء –مثلاً-غير النبي -عليه الصلاة والسلام- لحاجة برد شديد وهو لا يتحمله وغطى رأسه لحاجة، نقول: يفدي فدية أذى، إذا كان لحاجة يرتفع عنه الإثم، وإلا فهو آثم، وبعض الناس يتحايل فيلبس الثياب ويدخل، يحرم من الميقات ويدخل بثيابه تحايلاً على الأنظمة، ولا شك أن مثل هذا لا يعفيه من الإثم بارتكابه المحظور.
طالب: لو كان هذا الداخل عمرة الإسلام وحجته؟
إيه مثل هذا أمره أخف من غيره، أخف من التكثر.
طالب: بالنسبة للتعلق بأستار الكعبة، وإن تعلق بأستار الكعبة.
الحد ما يسقط، حقوق الخلق ما تسقط.
طالب:. . . . . . . . .
هو ارتكب ما يوجب القتل، والحدود إذا بلغت السلطان انتهت، ((فإن عفا فلا عفا الله عنه))، هذه ما فيه مساومة؛ هذه حدود الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .؟
هذا لو جاء بنفسه قبل أن يُطَّلع عليه، جاء تائباً مثل ماعز، مثل هذا يلقَّن، فرق بين من بحث عنه وارتكب جرائم، وفي النهاية يتوب ما يكفي هذا، هذا توبته تنفعه عند الله -جل وعلا- أما الحدود لا بد من إقامتها.
حدثنا علي بن حكيم الأودي قال: حدثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.(26/29)
قال: حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم قالا: أخبرنا وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس وعليه عمامة سوداء: يعني بعد أن تم الفتح خلع المغفر ولبس العمامة، والأصل في الثياب أن البياض أفضل من السواد، البياض جاء الأمر به: ((البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا بها موتاكم))، جاء الأمر بلبس البياض، لكن لبس السواد وغيره من الألوان، إلا الأحمر الخالص أو المزعفر فقد جاء النهي عنهما.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نادر لكنه لبسه، ثبت أنه لبسه، وإلا فالأصل البياض.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن الحلواني قالا: حدثنا أبو أسامة عن مساور الوراق قال: حدثني، وفي رواية الحلواني: قال: "سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها: العمامة لها طرفان وإلا طرف واحد؟ طرف واحد -ذؤابة واحدة- ولذا جاء في بعض الروايات: "قد أرخى طرفها"، وحكموا على هذه الرواية بأنها مرجوحة، وعلى كل حال هي في الصحيح، لا يتطاول أحد على الصحيح.
قد أرخى طرفيها بين كتفيه"، ولم يقل أبو بكر على المنبر: احتمال أن يكون خطب على الأرض واقفاً، وأما الرواية المصرحة على المنبر، تدل على أن خطبته كانت على المنبر، وليس المنبر مقصوداً لهذه الخطبة.
هذا من المغرب يسأل: هل هناك حديث حول وقفة عرفة ونزول الله -جل وعلا- إلى السماء الدنيا .. وكيف، أو هذا وجود الله في كل مكان؟
أعوذ بالله، لا، الله -جل وعلا- على عرشه بائن من خلقه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه فوق سماواته، وينزل إلى سماء الدنيا، ويقرب ويدنو من الناس يوم عرفة.
يقول: هل من السنة إحياء ليلة عيد الأضحى؟
جاء في الحديث: ((من أحيا ليليتي العيدين، أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب)) لكنه ضعيف، لا يثبت بمثله هذه العبادة.
يقول: رجل أتى من الفلبين، وعندما جاء جدة خلع إحرامه ولبس ثيابه، وعندما وصل إلى مكة أراد العمرة، وقد نواها مع الحج مسبقاً، فهل يلبس إحرامه ويفدي فدية لبس المخيط؟
ليش الخلط هذا؟
طالب:. . . . . . . . .(26/30)
لا هو محرم، لما وصل جدة خلع إحرامه، ولبس ثيابه، وعندما وصل إلى مكة أراد العمرة وقد نواها مع الحج مسبقاً، فهل يلبس إحرامه ويفدي؟
لا، هو عليه فدية تجاوز الميقات، عليه فدية تجاوز الميقات وهو واجب، وقد ترك نسكاً فليرق دماً.
طالب. . . . . . . . .
على شان؟
طالب. . . . . . . . .
هو إن ترك .. ، إن أحرم دون الميقات فعليه دم، متعين، لكن إن أحرم بثيابه ..
طالب: لبس .. ،
لبس عليه فدية أذى، ما عليه .. ، مخير؛ أحرم من الميقات وتجاوز بثيابه، يعني ما خلع، لكن يبقى أن عليه أكثر من فدية؛ تغطية البدن وتغطية الرأس.
طالب:. . . . . . . . .
ما عليه إلا فدية أذى.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، كلها، كلها مخالفات.
طالب:. . . . . . . . .
محتاج يعني برد؟
طالب: احتيال؟
احتيال، لا، الحيلة يا أخي ما جاءت في النصوص، ما جاءت الحيلة في النصوص إلا في الهجرة: الذِّين {إلاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء]، نعم الحيلة للوصول إلى الواجب أو للفرار من محرم شرعية، تحتال لتتوصل إلى واجب لا بأس، تحتال لتتخلص من محرم لا بأس، أما حيل اليهود التي يحتالون بها لارتكاب المحرم أو ترك الواجب، هذه حيل يهودية، لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل.
طالب:. . . . . . . . .
خدعة، لغة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
يعني فيها نوع من الاحتيال، خدعة فيها نوع ...
طالب:. . . . . . . . .
عموم النصوص يشمله.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وصحبه.(26/31)
صحيح مسلم – كتاب الحج (27)
فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وحدود حرمها – الترغيب في سكنى المدينة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا .. برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد الدراوردي- عن عمرو بن يحيى المازني، عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة)).
وحدثنيه أبو كامل الجحدري قال: حدثنا عبد العزيز -يعني ابن المختار- ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثني سليمان بن بلال ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا المخزومي قال: حدثنا وهيب كلهم عن عمرو بن يحيى -هو المازني- بهذا الإسناد، أما حديث وهيب فكرواية الدراوردي: ((بمثلي ما دعا به إبراهيم))، وأما سليمان بن بلال وعبد العزيز بن المختار ففي روايتهما: ((مثل ما دعا به إبراهيم)).
وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بكر -يعني ابن مضر- عن ابن الهاد عن أبي بكر بن محمد عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها)) يريد المدينة.
وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم خطب الناس، فذكر مكة وأهلها وحرمتها، ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها، فناداه رافع بن خديج، فقال: "ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولاني إن شئت أقرأتكه"؟، قال: فسكت مروان، ثم قال: "قد سمعت بعض ذلك".(27/1)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد كلاهما عن أبي أحمد قال أبو بكر: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عثمان بن حكيم قال: حدثني عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهُها أو يقتل صيدها))، وقال: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)).
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثم ذكر مثل حديث ابن نمير"، وزاد في الحديث: ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)).
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعاً عن العقدي قال عبد: أخبرنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم، أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: "معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأبى أن يرد عليهم".(27/2)
حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر جميعاً عن إسماعيل قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة: ((التمس لي غلاماً من غلمانكم يخدمني))، فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل"، وقال في الحديث: "ثم أقبل، حتى إذا بدا له أُحُدٌ قال: ((هذا جبل يحبنا ونحبه))، فلما أشرف على المدينة قال: ((اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم)).
وحدثناه سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله، غير أنه قال: ((إني أحرم ما بين لابتيها)).
وحدثناه حامد بن عمر قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عاصم قال: "قلت لأنس بن مالك: أحرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ قال: "نعم، ما بين كذا إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً، قال: ثم قال لي: ((هذه شديدة، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا))، قال: فقال ابن أنس: ((أو آوى محدثا)).
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عاصم الأحول قال: "سألت أنساً، أحرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ قال: "نعم، هي حرام لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس -فيما قرئ عليه- عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مدهم)).(27/3)
وحدثني زهير بن حرب وإبراهيم بن محمد السامي قالا: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت يونس يحدث عن الزهري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفيْ ما بمكة من البركة)).
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب جميعاً عن أبي معاوية قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: "خطبنا علي بن أبي طالب فقال: "من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة -قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه- فقد كذب، فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً))، وانتهى حديث أبي بكر وزهير عند قوله: ((يسعى بها أدناهم))، ولم يذكرا ما بعده، وليس في حديثهما: "معلقة في قراب سيفه".
وحدثني علي بن حجر السعدي قال: أخبرنا علي بن مسهر ح وحدثني أبو سعيد الأشج قال: حدثنا وكيع جميعاً عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية إلى آخره، وزاد في الحديث: ((فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل))، وليس في حديثهما: ((من ادعى إلى غير أبيه))، وليس في رواية وكيع ذكر يوم القيامة".
وحدثني عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن أبي بكر المقدمي قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث ابن مسهر ووكيع، إلا قوله: ((من تولى غير مواليه))، وذكر اللعنة له.(27/4)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف)).
وحدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال: حدثني أبو النضر قال: حدثني عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل: "يوم القيامة"، وزاد: ((وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف)).
حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها"؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بين لابتيها حرام)).
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد قال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "حرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتي المدينة"، قال أبو هريرة: "فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى".
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس -فيما قرئ عليه- عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا أخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه))، قال: "ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر".(27/5)
حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بأول الثمر فيقول: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا وفي مدنا، وفي صاعنا بركة مع بركة))، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان.
حدثنا حماد بن إسماعيل ابن علية قال: حدثنا أبي عن وهيب عن يحيى بن أبي إسحاق أنه حدث عن أبي سعيد مولى المهري أنه أصابهم بالمدينة جهد وشدة، وأنه أتى أبا سعيد الخدري فقال له: "إني كثير العيال، وقد أصابتنا شدة، فأردت أن أنقل عيالي إلى بعض الريف"، فقال أبو سعيد: "لا تفعل، الزم المدينة؛ فإنا خرجنا مع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أظن أنه قال: حتى قدمنا عسفان، فأقام بها ليالي، فقال الناس: والله ما نحن ها هنا في شيء، وإن عيالنا لخلوف ما نأمن عليهم، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما هذا الذي بلغني من حديثكم؟ ))، ما أدري كيف قال؟ ((والذي أحلف به، أو والذي نفسي بيده، لقد هممت)) أو إن شئتم -لا أدري أيتهما قال- ((لآمرن بناقتي ترحل، ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة)) وقال: ((اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً، وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده، ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها))، ثم قال للناس: ((ارتحلوا))، فارتحلنا، فأقبلنا إلى المدينة، فوالذي نحلف به، أو يحلف به -الشك من حماد- ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء.(27/6)
وحدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا إسماعيل ابن علية عن علي بن المبارك قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير فال: حدثنا أبو سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، واجعل مع البركة بركتين)).
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا شيبان ح وحدثني إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الصمد قال: حدثنا حرب -يعني ابن شداد- كلاهما عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مثله.
وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: "ويحك، لا آمرك بذلك؛ إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب جميعاً عن أبي أسامة -واللفظ لأبي بكر وابن نمير- قالا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري أن عبد الرحمن حدثه عن أبيه -أبي سعيد- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إني حرمت ما بين لابتي المدينة، كما حرم إبراهيم مكة))، قال: ثم كان أبو سعيد يأخذ، وقال أبو بكر: "يجد أحدنا في يده الطير فيفكه من يده ثم يرسله".
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن يسير بن عمرو عن سهل بن حنيف قال: "أهوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده إلى المدينة فقال: ((إنها حرم آمن)).
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قدمنا المدينة وهي وبيئة، فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شكوى أصحابه قال: ((اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة)).(27/7)
وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد نحوه.
وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم قال: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صبر على لأوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)).
حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يحنَّس مولى الزبير أخبره أنه كان جالساً عند عبد الله بن عمر في الفتنة، فأتته مولاة له تسلم عليه، فقالت: "إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن؛ اشتد علينا الزمان"، فقال لها عبد الله: "اقعدي لكاع؛ فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)).
وحدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي عن يحنَّس -مولى مصعب- عن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)) يعني المدينة.
وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً)).
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنه سمع أبا عبد الله القراظ يقول: "سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله".
وحدثني يوسف بن عيسى قال: حدثنا الفضل بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصبر أحد على لأواء المدينة .. )) بمثله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(27/8)
فقد ساق المؤلف -رحمه الله تعالى- أحاديث في فضل المدينة بطرقها وأسانيدها، وأطال في سردها وأجاد وأفاد -رحمه الله تعالى- وجملتها تفيد أن المدينة حرم كمكة، وأن الله حرمها كما حرم مكة.
في النصوص ما يدل على أن المدينة ثاني الحرمين بعد تحريم مكة على يد إبراهيم -عليه والسلام- وسبق الحديث في تحريم مكة، وأنه منذ خلق الله السماوات والأرض، أو منذ زمن إبراهيم -عليه السلام- والخلاف في ذلك، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فهي حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، ولا يجوز أن يعضد شجرها ولا ينفر صيدها كمكة.
والخلاف بين أهل العلم بعد استقرار التحريم على الفدية، هل يفدى ما قطع منها من شجر، أو ما قتل منها من صيد؟
من أهل العلم من يقول: إنه لا فدية في ذلك، بل فيه الإثم، وعلى فاعله التوبة والاستغفار، ومنهم من يقول: إن حكمها حكم مكة، تفدى الشجرة الكبيرة ببقرة، والصغيرة بشاة، والصيد يقدر على ما جاء نظيره في مكة، ومنهم من يقول -استدلالاً بحديث سعد، الآتي الذي ساقه المؤلف- أن من صنع شيئاً من ذلك يسلب، يسلب ما معه من مال ومركوب وثياب، ولا يترك إلا ما يستر سوءته.
ولا ثالث للحرمين، فبيت المقدس جاء في فضله النصوص الكثثيرة، وأن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، لكنه ليس بحرم.
وأما ما يذكر على ألسنة الناس من أنه ثالث الحرمين: هو ثالث المسجدين قي الفضل، لكنه ليس بثالث للحرمين في الحرمة، وفضله ثابت لا يمارى فيه ولا يشك فيه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد الدراوردي- عن عمرو بن يحيى المازني عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم: عبد الله بن زيد بن عاصم: راوي حديث الوضوء، وليس عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان، ومنهم من يجعلهما واحد، لكن الصواب أنهما اثنان.
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها)): يعني جاء التحريم على لسانه، والمحرم هو الله -جل وعلا-.(27/9)
((وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة)): والبركة ظاهرة في زروع المدينة وثمارها، وفي صاعها وفي مدها. وحدثنيه أبو كامل الجحدري.
((دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة)): هذا من أدلة من يزعم أو يقول: إن المدينة أفضل من مكة، وهذا المشهور عند المالكية، والجمهور على أن مكة أفضل من المدينة، ورجحه ابن عبد البر من أئمة المالكية.
قال: وحدثنيه أبو كامل الجحدري قال: حدثنا عبد العزيز -يعني ابن المختار- ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثني سليمان بن بلال ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المخزومي حدثنا وهيب كلهم عن عمرو بن يحيى المازني بهذا الإسناد: يعني السابق.
أما حديث وهيب فكرواية الدراوردي: الطريق الأول الذي ذكره المؤلف.
((بمثلي ما دعا به إبراهيم))، وأما سليمان بن بلال وعبد العزيز بن المختار ففي روايتهما: ((مثل ما دعا به إبراهيم)): والرواية الأولى: ((بمثلي ما دعا به إبراهيم))
وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بكر -يعني ابن مضر- عن ابن الهاد: هذه البركة ظاهرة في الصاع والمد في أمر الدنيا، وأن الصاع والمد يمكث عند أهله من الطعام أكثر مما يمكثه في غيرها من البلدان، وهذا شيء محسوس وملموس، ويشهد به الناس كلهم إلى يومنا هذا، لكن هل من بركة -أو هذه البركة- نالت الأجر الأخروي، أما في أمر الدنيا فظاهر، وأما في أمر الآخرة فهل معنى هذا أن من يتصدق بصاع في المدينة أفضل ممن يتصدق بصاع في غيرها من البلدان؟ بمعنى أنه ضعف ما يتصدق به أهل مكة، وأكثر من ذلك في غيرهما من البلدان؟(27/10)
قيل بذلك، قيل بذلك وأن المضاعفة والتعظيم يشمل غير الصلاة، فمن تصدق بصاع في المدينة أو في مكة كان أجره أعظم وأكثر ممن تصدق بالصاع في غيرهما من البلدان، ولا شك أن الأماكن المعظمة شرعاً لا بد من هذا، لا ما يعظمه الناس تبعاً لأهوائهم، إنما ما جاء تعظيمه في الشرع وثبتت به النصوص من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن له مزية، فللَّه أن يختار من خلقه ما شاء من الأشخاص والأزمان والأماكن، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم في أول كتابه النافع (زاد المعاد)، وعلى هذا تكون الأعمال الصالحة -كالصدقة مثلاً- يزاد في ثوابها، ولا يقال: إنه مثل زيادة الصلاة بألف صلاة، أو بألف صاع مثلاً في المدينة، ومائة ألف صاع في مكة، لا؛ إنما النص دل على الصلاة وما عدا ذلك له ما يناسبه من شرف المكان ويزيد بذلك إذا كان هناك شرف للزمان.
قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بكر -يعني ابن مضر- عن ابن الهاد: بدون ياء.
الهاد، والقاعدة: أن المنقوص إذا اقترن بأل، تلحقه الياء، وإنما تحذف الياء إذا جرد عن (أل) في حالتي الرفع والجر، أما في حالة النصب (هادياً) تثبت، ولذا يقولون: إن الجادة أن يقال: عمرو بن العاصي، هذا الأصل؛ لأنه منقوص فيه (أل)، فتثبت الياء.
قد يقول قائل: الكبير المتعال في القرآن، نعم، لكن هذا روعي فيه رؤوس الآي، روعي فيه رؤوس الآي، وعلى كل حال إذا كان الحذف لا يوقع في لبس، وجرت به العادة ولاكته الألسنة مثل: ابن الهاد ومثل: ابن العاص، فلا يظهر أن هناك ما يمنع، لا سيما وقد تتابعوا على ذلك.
عن أبي بكر بن محمد عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها)) يعني المدينة: اللابتان تنثية لابة، وهي الحرة، الأرض التي تعلوها الحجارة السود، ما بين اللابتين حرم، ويدخل في ذلك اللابتان أيضاً من الحرم، وهذه حدودها من جهة الشرق والغرب، وأما من جهة الشمال والجنوب فما بين عير إلى ثور على ما سيأتي.(27/11)
وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم خطب الناس، فذكر مكة وأهلها وحرمتها، ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها، فناداه رافع بن خديج فقال: "ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتيها؟: ما الذي جعل مروان يذكر فضل مكة ولم يذكر فضل المدينة؟ ما الذي جعله .. ؟
طالب: ما بلغه.
لا، بلغه عنده.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الاستباحة، وأيضاً الخلافة نقلت من المدينة على يد بني أمية إلى الشام، فإذا ذكر فضائل المدينة يُلزم لماذا تنتقلون إلى الشام؟ لماذا لا ترجعون إلى المدينة؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بعلي، علي نقلها إلى جهة الكوفة، نعم، لكن يلزمون، يعني الخليفة وهو يتحدث وهو يخطب ويذكر فضائل مدينة مات النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها، وكانت مقره -عليه الصلاة والسلام- ما الذي يدعوهم إلى أن ينتقلوا إلى .. ؟
قد تدعو الظروف في وقت من الأوقات كزمن علي أو زمن معاوية، ظروف تحتف بمثل هذا النقل، لكن الآن استتب الأمر، لماذا لا تعود إلى المدينة وأنت تعرف أن فيها الفضائل، ما ذكر الفضائل؛ لئلا يلزم بمثل هذا اللازم.
طالب: لكن يا شيخ. . . . . . . . .؟
وإيش اللي منع، ما الذي، لماذا لم يفعل أبو بكر ولا عمر ولا عثمان؟
ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتيها؟ وذلك عندنا في أديم خولاني: الأديم الخولاني يعني منسوب إلى خولان باليمن، نعم الأديم يعني الجلد، أتي به من هناك، وكأنه أو كأن الحديث يشير إلى أن .. ، أو الخبر يشير إلى أن مثل هذا الأديم فيه قوة ومتانة يحفظ به مثل هذه الأمور.
في أديم خولاني، إن شئت أقرأتُكه: أقرأتُكه: أيهما أفصح أن يقال: أقرأتكه أو أقرأتك إياه؟ أيهما أفصح؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أقرأتكه، هذا الموجود، لكن أيهما أفصح أن يقال: أقرأتكه، أو أقرأتك إياه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يعني الوصل أولى من الفصل، مع جواز الفصل، يعني المسألة الزنبورية تعرفونها وإلا ما تعرفونها؟(27/12)
طالب:. . . . . . . . .
لا، (كنت أظن أن الزنبور أشدُّ لسعاً من العقرب فإذا هو إياها، أو فإذا هو هي).
أقرأتكه، قال: فسكت مروان، ثم قال: "قد سمعت بعض ذلك": يعني ما يخفى عليه؛ لأن الخلفاء في الزمن الأول على علم في الجملة.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد كلاهما عن أبي أحمد قال أبو بكر: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها)): يعني نظير ما جاء في مكة، والخلاف في الفدية، هل يفدى ما يقطع أو يصاد من المدينة كما يفعل في مكة أو لا؟ أو أن هذا مجرد تحريم مع الإثم ولا شيء فيه؟ ويأتي في حديث سعد بن أبي وقاص مسألة السلب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عثمان بن حكيم قال: حدثني عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها))، وقال: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): وهذا يدل على فضل سكنى المدينة، وأن سكناها أفضل من غيرها.
((خير لهم)): يعني مطلقاً، ويستدل به من يرى أنها أفضل من مكة في السكن، ومضاعفة الصلاة بمكة بمائة ألف صلاة لا شك أن هذا يدل على أن مكة أفضل وهو قول الجماهير.
((خير لهم لو كانوا يعلمون)): قد يقول قائل: لماذا .. ، ما دامت المدينة خير لهم لماذا تفرق الصحابة في الأمصار، ونرى خيار الأمة موجودين في بقاع الأرض؟
يعني في وقت من الأوقات علماء الأمة جلهم في العراق وفي المشرق في خراسان وما ورواءه، وفي بعض الأوقات يكونون في مصر وما والاها من جهات المغرب، ويقلُّ أهل العلم في بلاد الحرمين، ويكثرون في وقت دون وقت، لماذا لا يتكدس أهل العلم كلهم في الحرمين؛ لوجود هذه المضاعفات؟(27/13)
يعني هل يستطيع أحد أن يفرط، -لو قيل له مثلاً-: هذه البضاعة تكسِّب مائة ألف مثلاً، أو تكسِّب ألف مثلاً وبضاعة أخرى لا ربح فيها، يعني رأس مالك فقط؟ لا شك أن الناس يسعون إلى الأكثر ربح، لا يتردد أحد في هذا، فكيف يفرط العلماء وخيار الأمة من عبادها وزهادها ودعاتها وقضاتها -يفرطون بهذه الأجور- ويسكنون في مشرق الأرض وغربها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، تفرقوا من أجل النفع المتعدي، من أجل النفع المتعدي: للجهاد والتعليم والدعوة وغير ذلك؛ ولو تكدس العلماء كلهم في الحرمين ما انتشر الدين، ولا بلغت دعوته إلى الشرق والغرب.
وقال: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها)): بهذا القيد ((رغبة عنها)): يعني لا ترجيحاً لما هو أفضل من البقاء فيها، والنفع المتعدي في الجملة أفضل من النفع القاصر، وهذا ما يقرره أهل العلم.
وإن كان هذا ليس على إطلاقه، ليس على إطلاقه؛ فإن أركان الإسلام النفع القاصر فيها أفضل من المتعدي، فالصلاة أفضل من الزكاة وأفضل من الحج، والمقصود أن هذه القاعدة ليست على عمومها ولا على إطلاقها.
((لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها)): يعني شدتها.
((إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)): من الشراح من يرى أن (أو) هذه للشك، ولا يتصور أن الشك من النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما هو من الرواة، لكن هذا الحديث جاء عن .. ، من طرق متعددة عن صحابة كثر، جاء عن جابر وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبي عبيد، كلهم بـ (أو)، هل نقول: إن كلهم ينقلون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويشكون في ذلك؟
قال بعض الشراح: إن (أو) هذه للشك من بعض الرواة، لكن كون هؤلاء الصحابة وغيرهم يتفقون على إثبات (أو) هل يتصور أنهم كلهم شكوا؟ أو يقال: إن هذا ثابت من لفظه عليه الصلاة والسلام؟(27/14)
وحينئذ تكون (أو) للتقسيم، تكون (أو) للتقسيم، فقسم يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم شفيعاً، وقسم يكون لهم شهيداً، فمن يحتاج الشهادة، فالشهادة ينالها منه -عليه الصلاة والسلام- ومن يحتاج الشفاعة ينالها منه -عليه الصلاة والسلام- إذا بقي في المدينة وصبر عليها.
هو شهيد على الجميع، نعم، والأمة تشهد على الأمم السابقة، نعم، والأمة تشهد .. ، لكن هذه شهادة خاصة لمن يصبر على شدة المدينة ولأوائها، فبعض الناس يحتاج إلى شفاعة؛ مقصر ومخلط، هذا يحتاج إلى شفاعة، وبعض الناس محسن هذا يحتاج إلى شهادة، وإلى درجة أعلى من مجرد الشفاعة يوم القيامة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، بعض خيار الناس من الصحابة وغيرهم خرجوا من مكة والمدينة؛ خشية من الآثار المترتبة على الأوزار، ابن عباس خرج إلى الطائف ترك مكة، وغيره خرج من المدينة خشية من أن تعظم الأوزار، والإنسان معروف أنه خطاء، كلهم خطاء.
طالب: خاصة بهم؟
خاصة بهم نعم، ومنهم من يقول: إن (أو) هذه بمعنى الواو، وتأتي (أو) بمعنى الواو، إذا لم يفضِ ذلك إلى لبس، فيكون شفيعاً وشهيداً لهم:
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف. . . . . . . . .
أيش؟ لم يلف إيش للبس منفذا؟ كلام ابن مالك لكن .. ، ما في أحد يحفظ من الألفية؟ أين أهل العربية؟ المقصود أن أو تأتي بمعنى الواو إذا أُمن اللبس ..
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثم ذكر مثل حديث ابن نمير، وزاد في الحديث: ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص)): يعني فيها، الرصاص يذوب في النار، ((أو ذوب الملح في الماء)): يعني كما يذوب الدجال إذا رأى عيسى -عليه السلام- ((أو ذوب الملح في الماء)).(27/15)
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعاً عن العقدي: عبد الملك بن عمرو، قال عبد: أخبرنا عبد الملك بن عمرو: يعني سماه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق: قرب المدينة، فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه: يضربه بعصاه؛ ليسقط منه ما يسقط، فسلبه: أخذ ما عليه من ثياب، فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم -أو عليهم- ما أخذ من غلامهم، فقال: "معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى أن يرد عليهم": مثل هذا من سعد -رضي الله عنه- تنفيذ لما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا تنفيذه أولى أو عدم تنفيذه أولى؟ يعني هل ألزمك أو أوجب عليك النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تسلب، أو أباح لك ذلك: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) يعني لو تركه يلام وإلا ما يلام؟
من كلام سعد، فقال: "معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأبى أن يرد عليهم: يعني لو تنازل عنه، هو ملكه بالسلب، سلبه فملكه، لو تنازل عنه ورده إلى أهله، لا سيما إذا كان الفاعل يرتدع .. ، بعض الناس إذا رد إليه في مثل هذه الصورة كفاه ذلك وارتدع ولم يعد إلى مثله، وبعض الناس إذا رد إليه عاد إلى مثل ما صنع، وقل مثل هذا في العفو، في العفو بعض الناس، نعم، من الناس من هو كريم، ومنهم من هو لئيم، بعض الناس إذا عفي عنه تغيرت حاله إلى أحسن، وبعض الناس من إذا عفي عنه ازداد شراً، ولذا يختلف الحكم في العفو والسلب هنا أيضاً باختلاف ما يترتب عليه، باختلاف .. ، حسب اختلاف ما يترتب عليه.
طالب:. . . . . . . . .
أن يرد؛ لأنه نفله -أعطاه إياه- يعني منحه إياه النبي -عليه الصلاة والسلام- ويجوز يتنازل عن حقه، يعني: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)): يعني يجب عليه أن يأخذ السلب؟ له أن يترك.
لو نظرنا إلى قصة الخضر مع قصة أبي سعيد -يعني وجه الشبه بين قصة الخضر وقصة أبي سعيد- الخضر مع موسى، أو موسى مع الخضر -عليهما السلام- لما دخلا المدينة وأبوا أن يضيفوهما ما الذي حصل؟ أبوا أن يضيفوهما، ماذا صنع الخضر بالجدار؟(27/16)
أقامه، {فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} [(77) سورة الكهف]، وهم أبوا أن يضيفوهما، أبو سعيد مع الرهط، أضاف القوم وأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد القوم فأخذ منه الجعل، أيهما أفضل، صنيع الخضر، وإلا صنيع أبي سعيد؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقر أبا سعيد وقال: ((اضربوا لي بسهم)) أيهما أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم حسب الحال، حسب الحال، فإذا كان الشخص الذي أمامك كريماً -ينفع فيه بذل المعروف- ابذل المعروف، وإلا إذا كان لئيماً يزداد عتواً ونفوراً، ويتقوى بما تترك له على شره، هذا لا تتركه، وأما إذا جهلت حاله: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة]، هذا الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
لغلامين يتيمين، فكونه للغلامين .. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذان الغلامان منسوبان إلى القرية، يعني في الجملة.
قال: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر جميعاً عن إسماعيل قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني عمرو بن أبي عمرو -مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب- أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة: ((التمس لي غلاماً من غلمانكم يخدمني)): لما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، طلب من يخدمه، فأتى أبو طلحة بأنس بن مالك يردفه وراءه، فكان أنس يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- خدمه عشر سنين، فكنت أخدمُ: عندك مضمومة وإلا مكسورة؟ يعني من باب نصر وإلا من باب ضرب؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن من باب نصر.
أخدمُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل، وقال في الحديث: "ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد، قال: ((هذا جبل يحبنا ونحبه)): محبة من جماد، والقدرة الإلهية فوق ذلك، ولا مانع أن تكون المحبة حقيقية؛ ولما صعده النبي -عليه الصلاة والسلام- هو وأبو بكر وعمر وعثمان قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اثبت)) فثبت.(27/17)
((هذا جبل يحبنا ونحبه))، فلما أشرف على المدينة قال: ((اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم)): ما بين الجبلين: هذا سيأتي أنه ما بين عير إلى ثور، وينازع الشراح في هذا التحديد، وهل هو محفوظ أو وهم، وأن ثور بمكة وليس بالمدينة، وعير كذلك مختلف فيه، أما عير فثابت أنه في المدينة، وثور لا شك أن المشهور بمكة، لكن بالمدينة جبيل يقال له: ثور قريب من أحد؛ وكلما أمكن صيانة الرواة الحفاظ الثقات من الوهم تعين المصير إليه. ((اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم)).
وحدثناه سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله، غير أنه قال: ((إني أحرم ما بين لابتيها)): يعني عرفنا حدود حرم المدينة من الجهتين الشرقية والغربية ما بين اللابتين، ومن الشمال إلى الجنوب ما بين عير إلى ثور.
وحدثناه حامد بن عمر قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عاصم قال: قلت لأنس بن مالك: أحرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ قال: "نعم ما بين كذا إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً، قال: ثم قال لي: ((هذه شديدة)): يعني هذه شديدة: ((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)): يحدث حدثاً، وأعظم ما يحدث في الدين من البدع -نسأل الله السلامة والعافية- هل يمكن أن يحمل الحدث هذا على المعنى -الأمر المعنوي الذي يمنع من الصلاة؟
لا، لا يمكن، لا يمكن حمله على هذا.
إذن الحدث: ما يترتب عليه الإثم من عمل أو اعتقاد يخالف ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة، يقال: محدث: ((كلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) -نسأل الله السلامة والعافية- ولذا جاء في الحديث: ((إن الملائكة تستغفر لأحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يحدث)): ما لم يؤذِ، والحدث هنا يحتمل هذا وهذا، نعم.(27/18)
((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)): فريضة ولا نفلاً، كما قال كثير من أهل العلم. ((لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)): منهم من قال: الصرف الفريضة والعدل النافلة، وعكس بعضهم، ومنهم من قال: الصرف التوبة، والعدل الفدية.
قال: فقال ابن أنس: ((أو آوى محدثاً)): ابن أنس، في بعض النسخ فقال أنس، الحديث حديث .. ، من رواية أنس بن مالك، وجاءت من روايته أيضاً: ((أو آوى محدثاً))، والصواب .. ؟ لأن بعض النسخ الصحيحة الموثقة فقال أنس: ((أو آوى محدثاً))، والذي معنا -وهي أيضاً رواية ثابتة في صحيح مسلم- قال: فقال ابن أنس نعم، والحديث من روايته أيضاً، ابن أنس، يعني كأن أنساً غفل عن قوله: ((أو آوى محدثاً)) فذكَّره ابنه.
قال: حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عاصم الأحول قال: سألت أنساً: أحرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ قال: "نعم، هي حرام لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
قال: حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس -فيما قرئ عليه- عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مدهم)).
قال: وحدثني زهير بن حرب وإبراهيم بن محمد السامي قالا: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت يونس يحدث عن الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة)): ولا شك أن مثل هذه البركة تعود إلى أمور الدنيا، وهذا ظاهر، وقد تعود إلى أمور الآخرة، وقد يتيسر للإنسان من التعبد في المدينة أكثر مما يتيسر له من التعبد بمكة، والعالِم يتيسر له من التحديث والتأليف والتعليم ما لم يتيسر له بمكة، فالبركة ظاهرة في المدينة، وعلى كل حال مكة أفضل من المدينة -عند جماهير أهل العلم- وليس المقام مقام بسط الأدلة، فهي موجودة، وذكرها واستوعبها ابن عبد البر في التمهيد، ورجح رأي الجمهور، وخرج عن مذهبه في هذا.(27/19)
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب جميعاً عن أبي معاوية قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: "خطبنا علي بن أبي طالب فقال: "من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه: من زعم أن عندنا: يعني أهل البيت، شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه فقد كذب: وفي هذا هدم ونسف لما تدعيه الطوائف المبتدعة من الرافضة، وفرق الشيعة الذين يقولون: إن عند أهل البيت ما ليس عند غيرهم، وهذا كبيرهم ومقدمهم علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- يقول هذا الكلام: "من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب": وهذا نسف لما لكثير مما يعتمد عليه هذه الفئة وهذه الفرقة من ضلالات وينسبونها إلى أئمتهم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا مفصلة اللي في الصحيفة ما فيها .. ، الصحيفة وإيش تتصور .... تشيل،، صحيفة معلقة بقراب السيف.
طالب:. . . . . . . . .
هؤلاء بسبب الصحبة يوفقون للتوبة، لكن من أحدث في المدينة مثلاً ما يترتب عليه إثم يسمى حدث، وأما الإحداث في الدين فشأنه عظيم، هؤلاء المبتدعة، وهذه البدع التي منها ما يصل إلى ما يخرج من الملة من البدع المغلظة هذا يدخل في النص دخولاً أولياً.
طالب:. . . . . . . . .
من يشهر السيف في المدينة محدث حدثاً عظيماً.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه سواءً أحدث في الدين من شيء يختص به، أو يسري إلى غيره بدعوته إليه، أو ما ينال الآخرين من أذى، يعني سواءً كان محسوساً أو معنوياً، فاللفظ عام، نكرة في سياق الشرط، فتعم.
فقد كذب، وفيها: يعني فصل، ذُكر ما في هذه الصحيفة، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات: ما فيها لا مدح ولا ذم لأحد، ولا في شيء من دعاوى الغيب التي تزعمه وتقوله الرافضة وتنقله عن أئمتهم.(27/20)
وأشياء من الجراحات، قال وفيها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً، وذمة المسلمين واحدة)): العهد والأمان الذي يعطى بشرطه المدوَّن -لأن العهود والمواثيق والأمان لها شروط عند أهل العلم- من أعطى هذا العهد وهذا الأمان بشرطه ..
((ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم)): حتى قال جمع من أهل العلم: إن ذمة المرأة -يعني لو أعطت عهد- وكذلك العبد الرقيق لا يجوز خفر ذمته: ((وقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ، )).
((يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه)): لكن في مثل ظروفنا التي نعيشها هل تنزل هذه الكفالات للوافدين منزلة الأمان والعهد؛ من الناس -يعني امرأة تستقدم عاملاً، صغير يستقدم عاملاً، كبير أي شخص يستقدم عاملاً فيكون له الأمان بهذا الاستقدام هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أليس الاستقدام صورة من صور الأمان؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه أعطى، أعطى إذناً إجمالياً، أعطى إذناً إجمالياً، لكن الإذن التفصيلي الذي يستدعي فلان وفلان، وأريد فلان، ولا أريد فلان ..
طالب:. . . . . . . . .
يعني كون زيد من الناس يستقدم عاملاً على كفالته ويتحمل ما يصدر منه من تبعات، هل نقول: إن هذا أمان وعهد من هذا الشخص لا يجوز أن يخفر، أو أن هذا داخل تحت الإطار العام -وهو الإذن من ولي الأمر الإجمالي، الإذن الإجمالي- وتدخل فيه كل هذه التفاصيل وهذه الفروع؟
إذن هل لزيد من الناس -بغير هذه العمالة مثلاً- يستقدم شخصاً من غير إجراءات رسمية، ويعطيه أماناً وعهوداً ومواثيق، ولا يجوز لأحد أن يتعرض له، يعني على .... الحديث، هاه؟ شخص من دون إجراءات رسمية يستقدم شخصاً ويعطيه أمان، ولا يجوز لأحد أن يتعرض له.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الأنظمة إذا كانت وجدت للمصلحة، وأن عدم الالتزام بها يفضي إلى فساد ذريع مثلاً، لا شك أنها .. ، المصالح مراعاة في الشريعة، المصالح مراعاة في الشريعة، وهو باب عظيم من أبوابها.(27/21)
المقصود أن الذمة هذه يسعى بها أدناهم، لما كان .. ، لما كانت الأمة -بل الأرض كلها- مكاناً واحداً يتنقلون الناس فيه من غير جوازات ولا حدود، ولا قسمت البلدان، ولا اضطر إلى مثل هذه الحدود وهذه التقييدات يسري مثل هذا الكلام، لكن الآن لو فتح المجال من دون قيد ولا شرط -وتغيرت فطر الناس وتغير .. ، ودخلتها الأهواء ودخلها ما دخلها من فساد للفطر- مثل هذا يترتب عليه فساد، فإذا رأى ولي الأمر مثلاً -بمشورة أهل العلم، أو بتوجيه أهل العلم- أن مثل هذا لا بد من ضبطه وتحديده، قاعدة المصالح والمفاسد لا تضيق بمثل هذا.
يعني مثلما .. ، الآن الظروف التي نعيشها في الحج مثلاً الأصل أن الحج، ((تابعوا بين الحج والعمرة)): هذا الأصل، لكن رأى ولي الأمر أنه لو فتح المجال وحجوا الناس كلهم، ما المكان الذي يسعهم؟ فرأى أن المصلحة راجحة في التحديد كتحديد الأفراد، يعني الأمة كم؟ مليار وربع، لو قلنا: عشرة بالمائة يستطيعون الحج، يعني مائة وعشرين مليون، المشاعر ما تحتمل أكثر من ثلاثة، إذن لا بد من تحديد، لا بد من تحديد، فتعطى نسب البلدان الإسلامية تعطى بالنسبة، كل بلد له نسبة بحسب كثرة المسلمين فيها، كعدد سكانها.
متى يصل الدور إلى المستطيع، إذا قلنا: إن عشرة بالمائة يستطيعون، وقلنا: إن المشاعر لا تستوعب من العشرة بالمائة إلا واحد من أربعين، يعني اثنين ونصف بالمائة، إذن لا بد من أن يتدخل في مثل هذا، لا بد من أن يتدخل في مثل هذا، فالنسب أمر لا بد منه، إضافة إلى أن التحديد بمدة معينة مبني على فتوى من أهل العلم واستشارة لهم، ويبقى أن: ((تابعوا بين الحج والعمرة))، ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما))، إذا تيسر ذلك لشخص من الأشخاص ولا منع ولا ترتب على ذلك كذب ولا رشوة ولا ارتكاب محظور، فالمسألة فيها -إن شاء الله- شيء من السعة.
طالب:. . . . . . . . .(27/22)
والله الناس يتفاوتون، بعض الناس بقاؤه في بلده واستعماله لـ .. ، أو مزاولته للعبادات المتعدية والقاصرة قد يكون أفضل من ذهابه بهذه الطريقة، وبعض الناس لو يحج كل سنة ذهابه أفضل؛ لأن الأمة تحتاجه، فيختلف طالب علم عن عامي، يختلف عن .. ، لكن الإشكال فيما إذا عاق، إذا كان وجوده يعوق عن حج شخص لم يحج.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المسألة أن يقدرها بقدرها، لكن كل واحد منكم كرر الحج، أو كثير منكم يكرر الحج بغير إذن، وهو مبني على أن مثل هذا عموم دخله مخصصات ودخله أشياء، ويبقى أن الأصل الالتزام، طاعة ولي الأمر في مثل هذا الذي مصلحته ظاهرة ومبني على فتوى من أهل العلم يبقى أن الأصل الالتزام به، والطاعة فيه متعينة في مثل هذا، ويبقى أن الناس بعضهم له ظروف، والأمة تحتاجه في توجيه في فتوى في دعوة، في سقيا حاج، في إغاثة ملهوف، مثل هذا له ظرفه.
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا كان يستطيع نظاماً وفيه نفع هناك، لا شك أن الحج ما يعدله شيء، ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
طالب: قصدي الذي جلس تأدباً مع النظام ولو سمح له مثلاً .. ؟
يعني ولا .. ، ما منعه إلا النظام؟
طالب: ما منعه إلا النظام.
هذا له أجره إن جلس، ((إن بالمدينة أقواماً ما سلكتم وادياً ولا فجاً إلا وهم معكم؛ منعهم العذر))، هذا عذر، فله الأجر إن شاء الله تعالى.
طالب: يجوز أن يكذب في هذه الحالة؟
لا ما يجوز الكذب، لا، لا ما يجوز ..
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يجوز الكذب في مثل هذا؛ لأنه لا يتوصل به إلى واجب، لو كانت فريضة الإسلام، وورَّى تورية، أو حصل منه حيلة للتوصل إليها لا بأس، وهذا للتوصل إلى الفريضة، أما كذب يتوصل به إلى نافلة، لا.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا يدل على أن الأمر .. ، يعني من ولي الأمر نفسه، يعني ما فيه تشديد، وولي الأمر باعتبار أن هذا النظام وإن كان مبنياً على مصلحة، لكنه فيه معارضة ظاهرة لنصوص فما يشددون في مثل هذا؛ يتأثمون من منع الناس عن الحج، والله المستعان.(27/23)
((ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)): ادعى إلى غير أبيه، وهذا موجود، في بعض البلدان رسمي، الزوجة تضاف إلى زوجها باسمه، رسمي هذا، ويوجد لكنه قليل عند بعض الجهَّال ولا سيما في البادية، يذهب العم مثلاً، يكون الأب متوفى، والأم تحت هذا العم، فيذهب به إلى المدرسة وينسبه إليه، إما صراحة أو تورية، فيقول مثلاً الذي يسجل: أيش اسم الولد؟ يعطيه اسمه، وأنت إيش اسمك؟ يعطيه اسمه، فيضيفه إليه، وهذا حصل لجمع من الناس، ثم الأنظمة صعب تغيير الاسم، أقول: التغيير فيه شيء من الإجراءات، وفيه شيء من الإجراءات حتى التأديبية، فيترك، لكن هذا يجب عليه ويتعين عليه إذا بلغه مثل هذا الخبر أن يغيِّر، وينتسب إلى أبيه الحقيقي.
((ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه)): قد يكون الابن مكلوم من أبيه؛ طلق أمه وآذاها وضيق عليها، وآذى الابن تبعاً له، ثم الولد ينتسب إلى زوج أمه مثلاً، وهذا يحصل، يحصل ومع ذلك يجب عليه يتعين عليه؛ ليخرج من هذا الوعيد أن يصحح وضعه.
((أو انتمى إلى غير مواليه)): مولى ينتمي إلى بني فلان مواليه الحقيقيين، ثم يتركهم وينتمي إلى غيرهم، فمثل هذا جرم عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً))، وانتهى حديث أبي بكر وزهير عند قوله: ((يسعى بها أدناهم))، ولم يذكرا ما بعده، وليس في حديثهما: "معلقة في قراب سيفه": وهذه من دقة الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- حيث بين ما بين الرواة من فروق.
وحدثني علي بن حجر السعدي قال: أخبرنا علي بن مسهر ح وحدثني أبو سعيد الأشجّ، قال: حدثنا وكيع جميعاً عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية إلى آخره، وزاد في الحديث: ((فمن أخفر مسلماً)): ((أخفر مسلماً)): يعني نقض عهده، ((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل))، وليس في حديثهما: ((من ادعى إلى غير أبيه))، وليس في رواية وكيع ذكر يوم القيامة.(27/24)
وحدثني عبد الله بن عمر القواريري ومحمد بن أبي بكر المقدَّمي قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث ابن مسهر ووكيع إلا قوله: ((من تولى غير مواليه))، وذكْر اللعنة له.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً)): يعني تستر عليه، ((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ((أو انتمى إلى غير مواليه)).
طالب:. . . . . . . . .
في الرواية الثانية؟
طالب:. . . . . . . . .
آخر شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا قوله: ((من تولى غير مواليه)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم، غير غير، بدون إلى، إي نعم، كأن تولى فيها يعني .. ، في صورة إلى.
((من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً)): هذا الوعيد الشديد هل نقول: إن مثل هذا يشمل عاملاً إقامته ليست نظامية، ويشمل من تستر على هذا العامل، أو شغل عاملاً وهو على غير كفالته تستر عليه، هذا الإثم العظيم المرتب: ((لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))، إذا قلنا: إقامته غير نظامية.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام على أن هذه الأمور تنظيمها تبعاً حسب المصلحة، حسب المصلحة، فعلى الناس مراعاتها، لكن هل مثل هذه الأحداث ترقى إلى أن يصل إلى مثل هذا الوعيد، أو نقول: هو آثم ولا يلزم منه أن يقع عليه مثل هذا الوعيد الشديد؟
يعني مخالفة النظام ما فيه شك أنها معصية، الأنظمة المبنية على مراعاة المصالح والمفاسد لا شك أنها معصية، لكن هل ترقى مثل هذه .. ، كل معصية ترقى إلى مثل هذا وإلا لا؟ أو نقول: إن الحدث الابتداع في الدين، الذي يستحق مثل هذه العقوبة؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يعرف المتستر عليه أن هذا يعمل هذا العمل.
طالب:. . . . . . . . .
هذا لا إشكال في دخوله.
طالب:. . . . . . . . .
نعم نعم، على حسب ما يترتب عليه من مفسدة.(27/25)
طالب:. . . . . . . . .
والله، ما ما .. ، واضح هذا، واضح، يعني لو وجد محدث مثلاً مبتدع بدعته مغلظة تصل إلى حد الإخراج من الدين، بدع كبرى، فالذي يؤجر هذا المبتدع .. ؟
ينطبق
ما في شك أنه تعاون معه على هذا الإثم العظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل يمكن الخروج منه؟ هل يمكن الخروج منه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، في حال الضعف الذي نعيشه، لا شك أننا .. ، أقول: لا شك أننا ملزمون به، شئنا أم أبينا، شئنا أم أبينا، لا نستطيع أن نفارقه، وإلا متى قدرت الأمة على الاستقلال بذاتها تعين عليها.
وحدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال: حدثني أبو النضر: يعني أباه، قال: حدثني عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل: ((يوم القيامة))، وزاد: ((وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف)): ترون كثير من الوافدين الذين إقامتهم ليست نظامية، وعلى هذا لا يمكنون من العمل الذي يقتاتون من ورائه، فتجد مهنتهم التسول، فهل يعطى أو لا يعطى؟ هل نقول: إن إعطاءَه إعانة له على هذا البقاء؟ أو نقول: هو مسلم مستحق للزكاة انقطعت به السبيل، فهو ابن سبيل؟ لأن هذه الأمور تحتاج إلى حل، تحتاج ..
طالب: تترتب عليه مفسدة، يعني إذا ما أعطيته يمكن يسرق وإلا يسلب ..
وإذا أعطتيه استمر إلى بقائه بغير نظام.
طالب: الثانية أخف يا شيخ، الثانية أخف.
طالب آخر: تعطيه ولا تكثر عليه ..
يعني تجمع بين الأمرين؟(27/26)
أقول: بعض الأمور .. ، نحن نرتب أمور شرعية على أمور بعضها فيه نظر، فما تطلع النتائج مستقيمة، أقول: بعضها مرتبة على أمور فيها ما فيها، قد تكون ملاحظ فيها مصلحة، وملاحظة هذه المصلحة ينتابها مفسدة من وجه آخر، ولذلك أمور المصالح الدنيوية كلها لا تسلم من مفاسد، وهذا ما قرره أهل العلم؛ لأنه ما في مصلحة محضة، وعند تقدير هذه المصلحة والمفسدة قد يلوح للمقنن أن هذه المصلحة راجحة، وقد يلوح لغيره أن المفسدة راجحة، ومثلما ذكرنا الآن ينتابها أمران: إن أعطيته مكنته من البقاء، وإن ما أعطيته ألجأته إلى سرقة وغيرها، أو صنع أمور محرمة، أو اتجار بأمور محظورة، فمثل ما قرر الشاطبي وغيره من أهل العلم أنه لا مصلحة محضة في أمور الدنيا، هو يقرر بناء الأحكام على المصالح والمفاسد، لكن إذا كانت المصلحة راجحة شرع الفعل، إذا كانت المصلحة مرجوحة منع، إذا كانت المصلحة متساوية مع المفسدة ينظر، ودرء المفاسد في الجملة مقدم على جلب المصالح، فمثل هذه الأمور لا بد من مراعاتها، ولا بد أن يشترك في تقريرها أهل العلم، لا بد من أن يشترك في تقريرها أهل العلم.
قال: وحدثنا: إيش بعد ذلك؟
ولم يقل: أيش؟ عن سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل: ((يوم القيامة))، وزاد: ((وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف)).
قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول: "لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها": ما نفرتها، بل تركتها كما هي؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بين لابتيها حرام)).
ثم قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد، قال إسحاق: وأخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: "حرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين لابتي المدينة"، قال أبو هريرة: "فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها": ما نفرتها، وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى": يعني حدود عشرين كيلو، يقرب من عشرين كيلاً.(27/27)
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس -فيما قرئ عليه-: الأصل أن يقول: وأنا أسمع، فيما قرئ عليه وأنا أسمع، لكن يتركون هذا للعلم به.
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا أخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وبرك عليه ودعا، فقال: ((اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك)): ما ذكر خليلك، {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [(125) سورة النساء]، ((وصاحبكم خليل الله))، فهو خليل، لكن من باب الأدب منه -عليه الصلاة والسلام- والتواضع مع أبيه ما ذكره.
((وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة، ومثله معه))، قال: "ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك التمر": وليد له، الضمير يعود على من؟ على النبي -عليه الصلاة والسلام- أو على صاحب الثمرة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا الذي يظهر، أنه صاحب الثمرة، وليد لصاحب الثمرة، ويقدم هذا الوليد، وهذا الصغير، وهذا الطفل على غيره؛ لأن نفسه تتشوف إلى هذه الثمرة أكثر من الكبير؛ الكبير عنده صبر، يصبر، لكن الصغير إما أعطيته وإلا جاء هو يأخذ، فيبادر بمثل هذا.
قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بأول الثمر فيقول: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدنا، وفي صاعنا، بركة مع بركة))، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان: سواءً كان لصاحب الثمرة أو لغيره.(27/28)
قال: حدثنا حماد بن إسماعيل ابن علية قال: حدثنا أبي عن وهيب عن يحيى بن أبي إسحاق أنه حدث عن أبي سعيد -مولى المهري- أنه أصابهم بالمدينة جهد شديد: مشقة، وأنه أتى أبا سعيد فقال له: "إني كثير العيال، وقد أصابتنا شدة فأردت أن أنقل عيالي إلى بعض الريف": لا شك أن البلدان والمدن والقرى والأرياف تتفاوت في المصروفات؛ كلما صغرت البلدة قلَّت المصروفات، كلما كبرت وانتشر الناس فيها، وصار بعضهم يقلد بعضاً لا شك أنها تعظم المصروفات، المصاريف في الرياض مثل المصاريف في غيرها من البلدان الصغيرة؟ أبداً، هذا أراد أن ينتقل إلى الريف، وهي الأرض التي .. ، الضواحي التي فيها الزروع.
إلى بعض الريف، فقال أبو سعيد: "لا تفعل، الزم المدينة": يعني ولو نالك ما نالك من المشقة والجهد.
فإنا خرجنا مع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أظنه قال: "حتى قدمنا عسفان، فأقام بها ليالي، فقال الناس: والله ما نحن ها هنا في شيء: يعني ما جلسنا على شيء، ما معنا فائدة، لا ننتظر عدواً، ولا نريد سفراً تترتب عليه مصلحة، لماذا لا نعود إلى بلدنا؟
"والله ما نحن ها هنا في شيء، وإن عيالنا لخلوف": يعني ليس لديهم من يحميهم، ليس لديهم من يحميهم، فبزعمهم أنهم إذا رجعوا إليهم حموهم من العدو.
"وإن عيالنا لخلوف، ما نأمن عليهم"، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما هذا الذي بلغني من حديثكم؟ )) ما أدري كيف قال؟ ((والذي أحلف به أو والذي نفسي بيده)): كثيراً ما يحلف النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، ((والذي نفسي بيده)): وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ((لقد هممت أو إن شئتم)) -لا أدري أيتهما قال- ((لآمرن بناقتي ترحل)): ما في ما يمنع أننا نرجع إلى المدينة، لكن اطمئنوا أن المدينة لها من يحرسها من قبل الله -جل وعلا-.
((والذي نفسي بيده لقد هممت أو إن شئتم)) -لا أدري أيتهما قال- ((لآمرن بناقتي ترحل، ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة))، وقال: ((اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً، وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها)): الجبلين؛ المأزم الجبل
طالب:. . . . . . . . .
الفعل قَدِمَ من باب أيش؟(27/29)
من باب فَهِمَ يَفْهَم، عَلِمَ يَعْلَم، أَقْدِم، أو قَدِمَ يَقَْدَم، يقدُمُ: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} [(98) سورة هود]، ويقدُم يعني يتقدم، وهو غير القدوم، التقدم غير القُدوم، وأول الحجرات فيها ..
طالب:. . . . . . . . .
لا بد أن ننتبه إلى أبنية الأفعال، وكل فعل ينزل في منزلته، فـ (قدَم يقدُم هذا يتقدم، وعندنا من القدوم لا من التقدم)، حتى أقدَمَ المدينة: من باب عَلِم يعلم، فهم يفهم.
وقال: ((اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً، وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها، أن لا يهراق فيها دم)): وهذا حدث، حدث عظيم. ((ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في صاعنا)): كرر ذلك، ((اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده، ما من المدينة شعب ولا نقب)): ((ما بالمدينة شِعْب ولا نَقَب)): والشعْب هو الطريق بين الجبلين، والنقَب: الطريق في الجبل.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا نقْب، نعم نقْب.
((ما بالمدينة شعْب ولا نقْب)): النقْب هو إيش؟ مصدر بمعنى اسم المفعول، يعني شق في الجبل، طريق تمهيد لمن يمشي عليه، المقصود أن الطرق والسكك والشعاب كلها محفوظة، ((إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها)).
ثم قال للناس: ((ارتحلوا)) فارتحلنا، فأقبلنا إلى المدينة، فوالذي يحلف به، فوالذي أو .. ، نحلف به أو يحلف به -الشك من حماد- ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء: يعني قبل قدومنا ما في ما يثيرهم ولا يهيجهم إلى القتال، ما عندهم نية للإغارة على المدينة، لكن هذه عقوبة لهم حين تعجلوا، وما يهيجهم قبل ذلك شيء.
قال: وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل ابن علية عن علي بن المبارك قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير فال: حدثنا أبو سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، واجعل مع البركة بركتين)).(27/30)
قال: وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا شيبان ح وحدثني إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الصمد قال: حدثنا حرب -يعني ابن شداد- كلاهما عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مثله.
وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة: يعني حينما استبيحت المدينة، صار الناس في خوف، وعلى خطر على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى أعراضهم.
فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها: في مثل هذه الظروف ترتفع الأسعار، وتشتد المعيشية.
وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: "ويحك، لا آمرك بذلك؛ إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً)): يعني إذا كان قابلاً لذلك، إذا كان قابلاً لذلك، أما إذا كان غير قابل، مهما صبر ومهما تحمل فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يكون له شفيعاً ولا شهيداً.
((إذا كان مسلماً)): وهذا مفترض أنه في المدينة، فهل معنى هذا أن غير المسلم يسكن المدينة؟
طالب:. . . . . . . . .
النفاق، وأيضاً من يظهر الإسلام وقد ارتكب -ولو علناً- بدعة مخرجة عن الملة، نعم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب جميعاً عن أبي أسامة -واللفظ لأبي بكر وابن نمير- قالا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري أن عبد الرحمن حدثه عن أبيه أبي سعيد أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إني حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة))، قال: ثم كان أبو سعيد يأخذ، وقال أبو بكر: يعني ابن أبي شيبة: يجد: يعني في حديثه -في روايته- يجد بدل يأخذ.
يجد أحدنا في يده الطير فيفكه من يده، ثم يرسله: يعني في المدينة؛ لئلا يقتله.(27/31)
وثبت في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرى أبا عمير -أخاً لأنس من أمه- وبيده طائر صغير يسمى نُغَر -على وزن صُرَد- وكان يداعبه ويقول: ((يا أبا عمير، ماذا فعل النغير))، فما أرسله ولا فكه -عليه الصلاة والسلام- فمنهم من يقول: إن الصيد إذا أدخل من الحل إلى المدينة لا يأخذ حكم صيد المدينة، لا يأخذ حكم صيد المدينة.
ثم يرسله، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن يُسير بن عمرو عن سهل بن حنيف قال: "أهوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده إلى المدينة، وقال: ((إنها حرم آمن)): يعني مثل مكة: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [(57) سورة القصص].
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: "قدمنا المدينة وهي وبيئة: فيها وباء، لما قدموا المدينة وهاجروا إليها.
فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال: يعني يستوخمها الوافد إليها، يتأثر بجوها واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شكوى أصحابه قال: ((اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة)): هم قدموا إلى المدينة وهي وبيئة، وقد ثبت النهي عن قدوم بلد فيه الوباء، منهم من حمل هذا الحديث الذي فيه النهي على الطاعون فقط، وأن ما عداه من الأوبئة التي لا تبلغ بالإنسان مبلغ الطاعون أنه لا يدخل في هذا، ومنهم من يقول: إن هذا قبل النهي، والنهي كان بعد الهجرة.
((وحول حماها إلى الجحفة)): الجحفة الميقات المعروف ..
طالب:. . . . . . . . .
لا، بينها وبينها أميال، قريبة منها، لكن ليست فيها؛ هي خراب، الآن ما تسكن؛ لأن الحمى .. ، ما يسكنها أحد إلا حُمّ.
((فحول حماها إلى .. )): يجوز أن يدعى على أهل بلد تحول لهم الحمى؟
طالب: يهود.
يهود، فيها يهود في ذلك الوقت، وعلى هذا يجوز الدعاء عليهم، يجوز الدعاء عليهم بجملتهم، ما في ما يمنع أنه يدعى على اليهود والنصارى، وفي موطأ مالك: "أدركنا الناس وهم يدعون على اليهود والنصارى".
طالب:. . . . . . . . .
((وحول حماها إلى الجحفة)).
طالب:. . . . . . . . .(27/32)
ما في ما يمنع، ما في ما يمنع، هذا .... شرعي.
لكن من يذهب إلى المدينة للبركة يقول: أسهل نفقة، الصاع عن صاعين أو ثلاثة! "الأمور بمقاصدها".
طالب:. . . . . . . . .
نسيت والله، من التابعين هو يقصد الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
((قاتل الله اليهود والنصارى))، كثير هذا، كثير.
طالب:. . . . . . . . .
كثير، لكن موصوف، الذين يصدون.
طالب:. . . . . . . . .
أيش المانع.
طلب: الأفراد؟
الأفراد من باب أولى؛ من عرف بالأذى بعينه هذا من باب أولى، هذا من باب أولى بعينه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم العن فلاناً وفلاناً، وفلاناً)).
طالب:. . . . . . . . .
لا، لابد ما يضر بعامة، والذي في غيب الله وفي علمه وما قدره عنده، كما تدعو للمسلمين بعامة، ولا تجاب هذه الدعوة ما يلزم.
طالب: حديث: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير)) ليس حجة لمن قال لا يحرم صيد المدينة كالحنفية؟
لا بس النص ظاهر في منعه، لكن هو حجة لمن قال: إن الصيد إذا أدخل من الحل.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، أصله طائر، لا لا، طائر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن صيد، لكنه صيد.
طالب:. . . . . . . . .
ولو تربى ما يتحول، الأهلي أهلي ولو توحش، والطائر والصيد صيد ولو تأهل، نعم.
وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد نحوه: قد يقول قائل: إن من الناس، أو من أهل العلم من يمنع الدعاء على اليهود والنصارى؟
لا لأنه ممنوع شرعاً، وإنما مراعاة للمصلحة، كفاً لشرهم وأذاهم؛ ولئلا يتسلطوا على المسلمين، فإذا لحظ مثل هذا فما المانع من أن لا يدعى عليهم جهراً، لا سيما إذا كانوا يتسلطون بهذا الدعاء أو يزيد شرهم، ويدعى عليهم خفية، والله -جل وعلا- منعنا من سب آلهة الكفار إذا كان يترتب عليه أن الكفار يسبون الله -جل وعلا- فسد الذرائع معروف في الشرع -أمر مقرر في الشريعة- فإذا كان يترتب عليه أن هؤلاء كفار يتسلطون على المسلمين يسر به.
طالب:. . . . . . . . .(27/33)
لا هو مراعاة المصلحة والمفسدة وتقدير هذه المصلحة والمفسدة، والتقدير لهذه المصلحة، منهم من يقول: يدعى عليهم ويعلن من أجل أن يُؤمن الأخيار ممن غفل عن الدعاء، ويرى أن المصلحة في هذا، ومنهم من يقول: إذا مررت بجانب أسد لا تلمسه ولا تقرب حوله، ما دام هم شرهم الآن مستطير، ويبحثون عن أدنى سبب يؤذون به المسلمين اتركهم، خلهم مادام .. ، والفتنة نائمة، وادع عليهم في سجودك، في خلواتك في .. ، إيش المانع؟ في مواطن الإجابة، والله المستعان، فهذه مصالح ومفاسد تقدر بقدرها.
طالب:. . . . . . . . .
يعني التعميم التعميم .. ، على كل حال عندنا أصول مقررة شرعاً، أصول .. ، سد الذرائع مطلوب، وإذا كان آلهة الكفار التي تعبد من دون الله، طواغيت تعبد من دون الله نهينا عن سبها إذا كان سبها يترتب عليه سب الرب -جل وعلا-: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام].
قال: وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد نحوه.
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم قال: حدثنا نافع: قد يقول قائل مثلاً: إذا كانوا لا يؤمنون بالله، ولا يروننا على حق، لماذا يمنعوننا من الدعاء؟ هم ما يروننا على الحق أصلاً، ولا يتوقعون إجابة دعوتنا عليهم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هم إذا كانوا لا يرون .. ، إن كانوا يرون دعوتنا مجابة عليهم، فلماذا لا يسلمون؟ وإذا كانوا يرون أننا لسنا بأهل لإجابة الدعاء، وأننا لسنا على حق، لماذا يخافون من هذا الدعاء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم .. ، أما رؤوسهم: فـ {جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [(14) سورة النمل]، يعرفون أننا على حق، لكن هم يخشون من أتباعهم، من الأتباع، وأيضاً هم ظلمة ويعرفون أن المظلوم منصور.
وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد نحوه.(27/34)
قال: حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم قال: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صبر على لأوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)): وهذا تقدم.
قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يحنس: بفتح النون وبكسرها، يُحنَّس ويُحنِِّس، مولى الزبير، أخبره أنه كان جالساً عند عبد الله بن عمر في الفتنة، فأتته مولاة له: يعني فتنة الاستباحة ... الحرة، فأتته مولاة له تسلم عليه، فقالت: "إني أردت الخروج": مولاة تخرج من دون سيدها؛ لأنها كانت مولاته، وهي معتقة الآن، تسلم عليه فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن؛ اشتد علينا الزمان، فقال لها عبد الله: "اقعدي لكاع": اللكاع واللكع، المرأة يقال لها: لكاعِ مبني على الكسر، ورجل لكع، ويطلق ذلك .. ، ويطلق هذا في الغالب إذا كان من الأحرار فهو على اللئيم: ((حتى يسود الناس لكع ابن لكع)): اللئيم، وإذا كان مولىً أو عبداً جاز إطلاقه عليه ولو لم يكن لئيماً.
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع
فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)).
وحدثنا بن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي عن يُحنَّس -مولى مصعب- عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)) يعني المدينة.
وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً)).(27/35)
وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنه سمع أبا عبد الله القراظ: أنه سمع أبا عبد الله القرَّاظ: نسبة إلى القَرَظ الذي يدبغ به، يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله: والمؤذن اسمه سعد القرظ -غير القُرظي المنسوب إلى بني قريظة- المؤذن بمكة اسمه سعد القرظ -أحد المؤذنين- على عهده -عليه الصلاة والسلام-.
وحدثنا يوسف بن عيسى قال: حدثنا الفضل بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه: ذكوان السمان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصبر أحد على لأواء المدينة)) بمثله: بمثل ما تقدم
طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم، الذي يضحي عنه والده يشرع له ... ؟
هو في بيته نفسه؟
طالب: إيه ببيت هو وأبوه.
إن كان بنفس البيت ما .. ، إن ضحى زيادة، إن ضحى لا بأس، يؤجر عليه، كما لو ضحى الأب بثنتين أو ثلاث ..(27/36)
صحيح مسلم – كتاب الحج (28)
صيانة المدينة من دخول الطاعون - المدينة تنفي شرارها وأن من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء - الترغيب في المدنية عند فتح الأمصار - في صفة المدينة حين يتركها أهلها
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الحج:
حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)).
وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في أبواب فضائل المدينة التي ذكرها في آخر كتاب المناسك، والمناسبة ظاهرة لما بين البيتين من القاسم المشترك في الفضل والشرف على الخلاف في المفاضلة بينهما على ما سيأتي، فمن حج البيت غالباً يزور المدينة، وما الذي يبعثه إلى زيارتها، وما الذي يدعوه إلى ذلك؟ هو النصوص الدالة على فضلها وفضل زيارتها وفضل مسجدها.
من ذلكم ما ذكره المؤلف، قال -رحمه الله تعالى-:
حدثنا يحيى بن يحيى: وقد مر بنا مراراً أن هذا هو الليثي وليس التميمي وإن كان ممن يروي عن مالك أيضاً، فالليثي هو المراد هنا، التميمي هو المراد هنا، والليثي هو راوي الموطأ عن الإمام مالك، والليثي ليست له رواية في الكتب الستة وإن روى الموطأ، روى أشهر الموطآت عن مالك.(28/1)
قال: "قرأت على مالك": تصريح بالقراءة على مالك، والعادة جرت أن يقال: أخبرنا مالك، وهذه الصيغة تكفي عن قوله: قرأت على مالك؛ لأن صيغة (أخبرنا) إنما تستعمل في حال العرض الذي هو القراءة على الشيخ، وهنا يقول: قرأت على مالك، ومعلوم أن مالكاً -رحمه الله- لا يقرأ على أحد، وإنما يُقرأ عليه، لا يقرأ على أحد، ولذلكم لا تجدون من يقول: حدثنا مالك، أو سمعت مالكاً.
يقول: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((على أنقاب المدينة)): الأنقاب جمع نقب، هو الطريق في الجبل، وقيل: إن المراد بالأنقاب طرق المدينة وفجاجها، طرقها، يعني على أفواه طرقها وعلى فجاجها.
((ملائكة يحرسونها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)): يعني رد الدجال من قبل الملائكة محسوس وواضح، لكن ماذا عن رد الطاعون، هل يستطيع الملائكة أن يردوا الطاعون، والطاعون أمر معنوي لا يرى بالعين المجردة، نعم له جراثيمه وله أسبابه، لكن كيف يردون الطاعون، ((لا يدخلها الطاعون))؟
كل هذا بأمر الله -جل وعلا- وقدرته أمر سهل ميسر لهؤلاء الملائكة الذين ينفون عنها ويدفعون عنها الطاعون.
وهو مرض يأتي على الناس فيموتون بعامة -يأخذ النفر الكثير- والطاعون لا شك أنه شهادة، الطاعون شهادة، وقد جمع الحافظ ابن حجر كتاباً أسماه: (بذل الماعون في فضل الطاعون).
وإذا كان شهادة فكيف يمنع من المدينة على فضلها؟ وأهل العلم يقولون في قنوت النوازل: يقنت الإمام في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة غير الطاعون"، يستثنون الطاعون؛ لأنه شهادة.
وما نزل بهذه البلاد من الطاعون قبل كم؟
تسعين سنة، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وألف، يسمونه سنة الرحمة، مات خلائق لا يحصون في نجد، يسمون ذلك بسنة الرحمة؛ لأنه طاعون، ويأخذ بالجملة، يعني يموت من البيت الواحد خمسة ستة، يبقى واحد أو اثنين.
والطاعون على مر التاريخ موجود، سنة ثماني عشرة طاعون عمواس مات به كثير من الصحابة، الطاعون الجارف، والطواعين على مر التاريخ كثيرة، ولا يوجد منها واحد بالمدينة، ما وجد ولا واحد بالمدينة؛ لأن أنقاب المدينة عليها ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.(28/2)
قال: وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي المسيح من قبل المشرق)): يأتي من قبل المشرق، ويتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً، أصبهان بلد بإيران، فيها جمع غفير من اليهود يتبعون الدجال، يتبعه منها سبعون ألفاً من يهود أصبهان، يأتون من قبل المشرق.
يأتي الدجال الأفاك المسيح من قبل المشرق، ((همته المدينة)): يعني قصده بالدرجة الأولى المدينة -مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهناك يهلك)): وفي أحاديث الفتن -في آخر الكتاب-: ينزل هنالك الدجال -يقرب من المدينة- ((ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات يخرج منها كل منافق))؛ لأنه قد يخيل للناس أنه ما دامت مكة والمدينة لا يدخلها الدجال لماذا لا نسكن مكة والمدينة؟ نقول: اختبر قلبك، إن كان فيك شيء من النفاق تبي تخرج ولو لم يدخل، فإذا رجفت المدينة ثلاث رجفات خرج من كان فيها من المنافقين ولحقوا بالدجال.
يقول: ((همته المدينة حتى ينزل دبر أحد)): يعني خلف أحد الجبل المعروف، ((ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهناك يهلك)): يهلك على يد من؟
على يد مسيح الهداية، هذا مسيح الغواية، ويهلك على يد مسيح الهداية، المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- وهذا لا شك أنه من فضائل المدينة ومن مناقبها، فالمدينة بلا شك أنها أفضل البقاع وأحبها إلى الله وإلى رسوله -عليه الصلاة والسلام- بعد مكة، والمفاضلة بينها وبين مكة معروف بين أهل العلم، الجمهور على أن مكة أفضل، وأن مسجدها أفضل وأعظم أجراً، والإمام مالك -ومن يرى قوله ويقول بقوله- يفضلون المدينة، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.(28/3)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد)).
وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: "سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد)).
وحدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان ح وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب جميعاً عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، وقالا: ((كما ينفي الكير الخبث))، لم يذكرا الحديد.
حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن أعرابياً بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصاب الأعرابي وعكٌ بالمدينة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا محمد أقلني بيعتي"، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاءه، فقال: "أقلني بيعتي"، فأبى، ثم جاءه فقال: "أقلني بيعتي" فأبى، فخرج الأعرابي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)).
وحدثنا عبيد الله بن معاذ -وهو العنبري- قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة عن عدي -وهو ابن ثابت- سمع عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنها طيبة -يعني المدينة- وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة)).
وحدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله تعالى سمى المدينة طابة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(28/4)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي-: ومر بنا مراراً الإتيان بكلمة (يعني)، وأحياناً يقولون: (هو)، وأكثر ما يقول الإمام مسلم: (يعني)، وأكثر ما يقول الإمام البخاري: (وهو الدراوردي) -هو أو غيره يعني- ويحتاجون إلى مثل هذا التعبير (يعني، وهو) وإلا لو قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي كفى، لكنه من باب حرصهم وأمانتهم ودقتهم في التعبير.
مسلم حينما حدثه قتيبة بن سعيد ما قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، قال: حدثنا عبد العزيز فقط، ولأجل بيانه من قبل الإمام مسلم يقول: يعني، ويأتي بهذا الفعل ليبين أنه هو الذي زاد النسب، ولم يروِِّيه شيخه الاسم كاملاً، فقال: حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي- عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء)): يعني لما فتحت الأمصار -كما سيأتي- فتح اليمن، فتح الشام، العراق، مصر، لا شك أنها بلاد خصب، وبلاد رخاء، والمدينة فيها التمر وفيها الماء، لكن ليست مثل البلدان التي جوها مما يستمتع به صيفاً وشتاءً، هي حارة في الصيف وباردة في الشتاء، وأرضها حجارة، ليست كأرض مصر والشام والعراق ولا اليمن، المقصود أن المدينة صارت بهذه الهيئة وهذه الكيفية كمكة -غير ذي زرع- لماذا؟
لتتمحض العبادة في سكناها، يعني الذي يسكن مكة ويصبر على حرها الشديد، وليس فيها المناظر التي يستمتع بها كما في الأقطار الأخرى، وكذلك المدينة، لا شك أنه يدل على أن السكنى رغبة في الخير، السكنى رغبة في الخير لا غير، ولذا هؤلاء الذين في الإجازات يتفرقون في الأمصار لا شك أن سعيهم شتى، منهم من يذهب إلى البلاد الباردة من أجل الجو، منهم من يذهب إلى المناظر الطبيعية، ومنهم من يذهب إلى المقاصد الأخرى، ومنهم من يذهب إلى مكة والمدينة للعبادة؛ لأنها بلاد مفضلة والعمل فيها مضاعف، فالمدينة .. ،
يقول: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء)): يعني سعة العيش، الرخاء السعة في العيش، ويقابله شظف العيش، وشدة العيش.(28/5)
((هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء)): لكن الموازنة بين الدنيا والآخرة، يعني من فضل الرخاء على المضاعفات لا شك أنه .. ، أن موازينه فيها خلل، وينبغي أن تكون الموازين شرعية، فما فضله الله ورسوله هو الفاضل عند المسلم.
((هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): قد يقول قائل: لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- تفرق الصحابة في الأمصار، فهل تفرقهم خير لهم؟ أم بقاؤهم بالمدينة خير لهم؟ هل بقاؤهم .. ؟، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).
طالب:. . . . . . . . .
{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ} [(122) سورة التوبة]، نعم، المقصود أن من ترك المدينة وتفرق في الأمصار؛ من أجل الرخاء فالمدينة خير له لو كان يعلم، ومن ترك المدينة وذهب إلى الأمصار المفتوحة؛ ليساهم في الدعوة وإدخال الناس في دين الله، وحل منازعاتهم وحل إشكالاتهم، وإفتائهم وإمامتهم، هذا لا شك أنه خير؛ لأن هذا نفعه متعدٍّ، ولهذا تفرق الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم أحرص الناس على الخير، ولا يخفى عليهم مثل هذه النصوص، فالمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون يعني: من يقال له: "هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء"، فإذا وازنا الرخاء بسكنى مكة أو المدينة، لا شك أن سكنى الحرمين خير ((والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لا المسألة مسألة مضاعفة وفضل لهذه البقعة، لا شك أنها إذا تجرد الإنسان من النفع المتعدي المدينة خير له لو كان يعلم، لو لم يحصل عليه من الأجر إلا مضاعفة الصلاة، صلاة بألف صلاة على ما سيأتي، صلاة بالمسجد -بمسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بألف صلاة. . . . . . . . .، وهذا سيأتي تقريره.
فمن ذهب إلى الأمصار لا شك أنها خير له، وقل مثل هذا فيما لو كان موجوداً في مثل هذه البلاد -في نجد مثلاً، أو في مصر أو في الشام، أو في غيرها من البلدان- وقد نفع الله به نفعاً عظيماً؛ يعلم الناس الخير، فهل الأفضل له أن يترك هذا التعليم ويذهب ليجاور بمكة أو المدينة، أو يبقى في بلده وينفع الله به نفعاً متعدياً؟(28/6)
يعني لو نظرنا إلى صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، كم سنة يعني خمسة وخمسون عاماً وزيادة الصلاة الواحدة، المسألة ما هي بضعف أو ضعفين أو عشرة أضعاف أو مائة .. ، مائة ألف ضعف، إضافة إلى ما يكتسبه ويجنيه من الأمور الأخرى كالصلوات على الجنائز وغيرها مما يحتف بذلك، وسائر العبادات لا شك أنها أفضل في الحرمين من غيرهما، فلا شك أن السكنى هناك أفضل بكثير ممن تجرد عن وصف زائد!
لكن قد يقول قائل: إن هناك أيضاً هذه الإيجابيات وفي أيضاً سلبيات، قد يقول قائل: أنا أحب أن أجاور في بيت الله الحرام، وأكثر من العبادات، وأصلي بمسجد الكعبة، وأطوف ما يكتب لي من ذلك، واقرأ القرآن، وأعلم العلم أيضاً هناك قد يقوم .. ، قد يقال: إذا كنت تعلم الناس الخير علم هناك أيضاً فتحصل على الجميع، فيقول: هناك أيضاً سلبيات، هناك تبرج، هناك طواف نساء مع الرجال، وهناك .. ، يعني لا شك أن مثل هذه لا بد أن يحسب لها الإنسان حسابه، نعم، إذا كان لا يتأثر بمثل هذه المناظر وينفع بحيث لا يتضرر، ينفع وينتفع لا شك أن هذا أفضل له، لكن إذا كان يتضرر بذلك، شاب عنده شهوة قوية ولا يصبر ولا يملك بصره ولا نظره، مثل هذا يقال له: يا أخي درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ويذكر عن ابن عباس أنه إنما ترك مكة إلى الطائف خشية من تعظيم السيئات، وهذا مقصد بلا شك، فـ ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): يعني خير لهؤلاء الذين دُعوا إلى الرخاء، فإذا كان النظر إلى الرخاء المجرد فالمدينة خير لهم.
طالب:. . . . . . . . .
لا ليست مضاعفة تلك المضاعفة، لا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أفضل باعتبار أن العمل يزيد فضله بشرف الزمان والمكان، بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .(28/7)
لا، مائة ألف، لا، ما نقول: إن من تصدق بريال كأنه تصدق بمائة ألف، أو صام يوم كأنه صام مائة ألف يوم، وإن قيل بهذا، قيل به، لكن النص خاص بالصلاة والمضاعفة معروفة عند أهل العلم لذلك تعظم الذنوب، {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج]، والغنم مع الغرم، والمسألة مطَّردة، فنساء النبي -عليه الصلاة والسلام- {مَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} [(31) سورة الأحزاب]، كم؟ لها الأجر مرتين، وأيضاً المخالفة بالنسبة لهن: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [(30) سورة الأحزاب]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في مرض موته -كما في حديث ابن مسعود- ((يوعك كما يوعك الرجلان منكم))، قال: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل))، فهذا بهذا، فإذا كانت تعظم الذنوب، فالحسنات كذلك، وهذا هو العدل الإلهي كما هو معروف.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لا هذا مكة، نعم، الإرادة فقط يعني وهي عمل قلبي وحديث: نفس تجاوز الله عنها إلا في المدينة، وليس المراد، بظلم بإلحاد، أن يلحد ويزندق هناك، ويظلم الناس، ويأخذ أموالهم، ويهتك أعراضهم.
من يرد فيه بظلم: نكرة في سياق الشرط فتعم، أي ظلم، وقد سيقت مساق .. ، يعني عقبت بقوله أو سبقت بقول الله -جل وعلا-: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحج]، يعني سواء المقيم في المسجد الذي لا يخرج منه، والبادي الذي يأتي لأداء فرض واحد ويرجع، لا فرق، ولذا الذين يحجزون الأماكن ويضيقون على الناس على خطر عظيم، داخل في الآية دخولاً أولياً، منصوص عليه في الآية، دخوله في هذا الوعيد دخولاً أولياً، قطعي دخوله، فتجد كثيراً من الناس يؤذون الناس ويضيقون عليهم؛ باعتبار أنهم أهل البيت، أو أنهم جاءوا بمدة طويلة، يقول: أنا من أول الشهر وأنا موجود هنا.(28/8)
طيب، {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ}: المجاور فيه، المقيم عمره كله، {وَالْبَادِ}: الذي يأتي لأداء فرض واحد، ما فيه فرق يستوون فيه، وبعض الناس يقول: أنا لا أؤذي الناس، لكنه يترك أو يستأجر من يؤذي الناس، هو شريك له في الإثم؛ لأن بعض الناس يكل الأمر، يعطيه سجادته ويقول: احجز لي مكاناً، ويعطي شخصاً جاهلاً عنده استعداد تام للمضاربة، ويؤذي هذا ويدفع هذا، فعليه أن يتقيَ الله -جل وعلا-؛ المسألة مسألة كسب حسنات، ما هو كسب سيئات.
وقل مثل هذا فيمن يقدمون الإفطار للناس، تجد بعض المحسنين يخسر الخسائر الطائلة؛ من أجل تفطير الناس الصوام في رمضان وفي غير رمضان، لكن يكل الأمر إلى جاهل يسوم الناس سوء العذاب، ناس يقرؤون، أنت كف رجلك، أنت قم من هذا المكان، ويؤذيهم، هذا المكان محجوز من أول الشهر، يعني الإنسان الذي عنده هذه النية -نية الخير- عليه أن يتحرى فيمن يقوم مقامه من أهل العقل والرأي والحلم.
كم حصل من مضاربات داخل المسجد الحرام والمسجد النبوي من أجل هذا، من أجل هؤلاء الجهال!! يعني في آخر لحظة في ليلة العيد قبيل الغروب بخمس دقائق مضاربة أمام الكعبة في صحن الحرم، وتكايس بعضهم قال: أنا لا أضارب في هذا الوقت، لكن -إن شاء الله- إذا أفطرنا ميعادك عرفة، يعني سمع هذا ما هي بافتراضات، والله سمع، هو يبي يريد أن يخرج من الحرم ليضارب بعرفة؛ لأنها من الحل، يعني الأمور المتعدية لا شك أن لها شأن في الشرع، يعني ظلم الناس هذا {إوَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}: نكرة في سياق الشرط، هذه تعم أدنى الظلم، والله المستعان.
((هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده، لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه)): قد يوجد من بعض الناس، وممن ظاهره الصلاح ممن لا يرتاح لسكنى المدينة، أو إذا ذهب إلى المدينة وأقام فيها أياماً -لا سيما مع شدة الحر مثلاً- تضايق وخرج، قال: نخرج إلى الطائف، نخرج إلى كذا، يعني هل يدخل في هذا أو لا يدخل؟
طالب: في شرط هنا.(28/9)
((والذي نفسي بيده)): فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم على الأمور المهمة ويحلف من غير استحلاف، وهو الصادق المصدوق، والقسم هذا فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- وإن قال كثير من الشراح: روعيَ في تصرفه، لكن فيه إثبات اليد على كل حال، واللازم ليس بباطل.
((والذي نفسي بيده، لا يخرج منهم أحد رغبة عنها)): رغبة عنها، نعم، كيف رغبة عنها؟ يعني عنها يعني عن المدينة بجميع ما تحتويه من جو، ومن أمور الراحة كلها، فلا شك أن فيها هدوء، وفيها ارتياح نفسي، لكن بعض الناس يصعب عليه السكن في المدينة، وفي نفسه، يحز في نفسه وجود مثل هذا الإحسان؛ لأنه يعرف مثل هذه النصوص، ومع ذلك إذا راح وذهب أسبوع تضايق ورجع إلى بلده، أو بحث عن بلد هو على حد زعمه يرتاح فيه أكثر، على كل حال القيد معتبر ((رغبة عنها)): يعني لا يرغب عن سكناها إلى غيرها إلا أخلف الله فيها خيراً منه، يعني جاء ليسكن المدينة من هو خير منه.
((ألا إن المدينة كالكير)): كالكير: إما الموضع الذي توقد فيه النار -نار الحداد- أو المنفاخ الذي ينفخ به هذه النار، وكلاهما يستعمل في نفي الخبث والوسخ عن الذهب والفضة.
((كالكير تخرج الخبيث)): يعني لا يطيق البقاء فيها، ((لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد)): هل يلزم من هذا أن سكان المدينة أفضل الناس؟ وأنه لا يسكنها إلا أفضل الناس؟
لا يلزم منه ذلك.
طالب: ولو سكنوا كلهم ما في مكان، ما يسع الجميع.
ولا عشرين مليون حتى .. ، أيش التحديد هذا إيش سببه؟
طالب:. . . . . . . . .(28/10)
إذا خرج لأمر شرعي يقول: أرى بعض المنكرات لا أستطيع إنكارها، وأرى بعض البدع التي لا أستطيع إنكارها، وأرى التبرج الذي لا أستطيع إنكاره، كل هذا موجود، هذا يدخل في مسألة العزلة، العزلة معروفة، يعني العزلة شرعية، ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال))، وإلا هذا الذي يقول: أنا أرى المنكر لا أستطيع أن أنكره إلى أين يذهب؟ يذهب إلى بلد ثاني فيه نفس المنكرات، ما يمكن، لكنه يريد أن يعتزل في بلد أقل .. ، تكون منكراته أقل من المنكرات الموجودة في بلاد الحرمين فضلاً عن غيرهما، فالمنكرات موجودة في كل مكان، لكن إذا كان يريد العزلة فالعزلة شرعية، لكن في حق من؟
((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن)): العزلة لا شك أنها شرعية لكن في حق من يتأثر ولا يؤثر في الناس، الذي يتأثر بمعاصيهم وجرائمهم، ولا يستطيع أن يؤثر فيهم، أما من كان لديه القدرة في تأثيره على الناس، وينفع الناس، ولا يتأثر بمعاصيهم هذا الخلطة هي المتعينة في حقه، هذا يقال له: اثبت في هذه الأماكن، لما يترتب على ذلك من النفع العظيم، فالمقصود أن المدينة تنفي شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد.
قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قُرئ عليه: الإمام مالك -رحمه الله- عرف أنه لا يقرأ على أحد، وإنما يُقرأ عليه.
عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت بقرية تأكل القرى)): تأكل القرى بمعنى أن أهل هذه القرى المجاورة يهاجرون إليها، أو أن أهلها يأكلون مما يرد إليها من القرى.
((أمرت بقرية تأكل القرى يقولون: يثرب)): يعني قوله: ((قرية)) ((أمرت بقرية)): ((وهي المدينة)): في نصوص الكتاب والسنة والعرف أن القرية غير المدينة، فكيف توصف بأنها قرية، وتوصف في الوقت نفسه أنها مدينة؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لا يلزم أن تكون قرية.
طالب:. . . . . . . . .
لكن أنت أبو الشباب –مثلاً- أولادك شباب، أنت شاب، إيه لا أنت شايب أنت، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(28/11)
يعني كيف يتفق أن يقال بقرية، والله -جل وعلا- سماها المدينة في الكتاب والسنة، واصطلاح العرف يجعل القرية شيئاً غير المدينة، أو نقول: إن هذا اصطلاح حادث والأصل أن القرية والمدينة معناهما واحد؟ يعني الحقيقة الشرعية للقرية لا تختص بالمكان الصغير، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف]؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [(82) سورة يوسف]: مدينة، بل إقليم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل يمكن أن يوصف الشيء بشيء مناقض لاسمه؟ هذا اصطلاح عرفي حادث، المدن الكبيرة، والقرى الصغيرة، لكن لا يلزم أن تنزل النصوص على الاصطلاحات الحادثة، لا يلزم أبداً؛ إذا وجد الاختلاف بين الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية فالعبرة بالحقيقة الشرعية.
((أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب)): هذا اسمها القديم، يسمونها يثرب، وهو اسم مكروه، اسم مكروه؛ لأنه من التثريب، وهو التوبيخ والملامة، {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [(92) سورة يوسف]، يعني لا توبيخ ولا ملامة عليكم، جاء اسمها يثرب في القرآن، لكنه على لسان المنافقين، ولا يعني أن هذا إقرار بهذه التسمية.
((يقولون: يثرب وهي المدينة)): تسمية جاءت في الكتاب والسنة، ((نفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد)): والمراد بالناس خيارهم؟! شرارهم، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد؛ لأن شرار الناس هم المقابلون لخبث الحديد.
قال: وحدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان ح وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب جميعاً عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد وقالا: ((كما ينفي الكير الخبث)) لم يذكرا الحديد: ((كما ينفي الكير الخبث)): يعني سواءً كان من الحديد أو من غيره، من الذهب من الفضة، من النحاس، من أي شيء يعرض على النار، وينتفي خبثه ويزول وسخه، والتعميم أولى، لكن خبث الحديد هذا من باب التمثيل، والتنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص، التنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص.(28/12)
قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: "قرأت على مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن أعرابياً بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصاب الأعرابي وعكٌ: وعك يعني مرض، وأكثر ما يوصف الوعك بالشيء الخفيف، وأكثر ما يقال أيضاً بإزاء الحمى.
فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة: استوخمها واجتواها، وإن كان الجوى في البطن، المقصود أنه أصيب؛ ما ناسبه جوها، ولم يصبر على لأوائها.
فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا محمد، أقلني بيعتي": يا محمد: هذا التعبير دليل على أنه ندم على هذه البيعة وطلب الإقالة، يا محمد: ما قال يا رسول الله؛ دل على أن الإسلام ما وقر في قلبه، "أقلني بيعتي": بايع على الإسلام وعلى الهجرة.
فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يعني هذا حكم شرعي أسلم، خلاص يلزمه ما يلزم المسلم، فإن رجع عن دينه فحكمه حكم المرتد، يعني هل يسوغ أن يدخل الإنسان في الإسلام ثم يرجع عنه بدون تبعات، يعني هل لداعية من الدعاة أن يقبل إسلام شخص، ثم يقول له: أنت بالخيار؟ أو يطلب منه هذا المسلم الجديد أن يرجع إلى دينه ويقول: أبداً ما صار شيء؟؟
لا، لا إذا دخل في الإسلام ثم رجع عنه صار شراً من الكافر الأصلي؛ الآن صار مرتداً، يتحتم في حقه القتل؛ ((من بدل دينه فاقتلوه))، وهذه مسألة يواجهها كثير من الدعاة، تجده يسلم على يديه فئام من الناس، ويرجع منهم من يرجع ويثبت من يثب .. ، لا شك أن هؤلاء يصيرون في حكم المرتدين.
يقول: " يا محمد أقلني بيعتي"، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل يملك الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يقيله ما دام دخل في الإسلام؟
طالب: لا يلزمه.
يلزمه أن يستمر على إسلامه، وإلا صار مرتداً حكمه القتل.(28/13)
فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاءه فقال: "أقلني بيعتي"، فأبى: جاءه مرة ثانية فقال: أقلني بيعتي فأبى الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثم جاءه فقال: "أقلني بيعتي"، فأبى: ثلاثاً، ما الذي حصل، رضي الأعرابي وسلم واستسلم وبقي في المدينة؟ لا، فخرج الأعرابي: يعني من المدينة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)): أو طيبها، ((كالكير تنفي خبثها وينصع)): يعني يبرز ويظهر ويلمع، طَيّبها أو طِيبَها: يعني رائحتها الطيبة، أو طيبها أي طيب مادتها.
هذا الذي خرج، هذا الذي خرج –الأعرابي- الآن ما حكمه؟
"أقلني بيعتي": المشتملة على الهجرة فقط أو على الإسلام والهجرة؟ هو جاء مسلماً مهاجراً، فلما ما أعجبه الجو ووعك بسببه طلب الإقالة، هل طلب الإقالة من الهجرة فقط أو من الإسلام والهجرة، وما الحكم إذا طلب الإقالة من الإسلام، وما الحكم إذا طلب الإقالة من الهجرة؟
إذا طلب الإقالة من الإسلام كفر –ارتد- إذا بقي على إسلامه وطلب الإقالة من الهجرة قال: أنا أبقى على إسلامي وأذهب إلى بلد أنسب لي؟
طالب: في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة كونه يرجع إلى بلده ويطلب الإقالة من الإسلام هي واحدة.
لو قال: هو مسلم، نعم، يعني ما أُقر الأعراب في أماكنهم؟ وما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أناساً أن يرجعوا إلى أهليهم؟ هاه؟
طالب: كانوا يؤمرون بالخروج، وهذا لازم لهذا.(28/14)
يعني ما يحكم بإسلامه حتى يهاجر؟ أو بإمكانه أن يسلم وهو في بلده باق؟ والهجرة واجبة ويأثم في بقائه، يأثم في بقائه، لكن فرق بين أن يقال: آثم، وبين أن يقال كافر، يعني المسألة الآن اللفظ محتمل لأن تكون الإقالة من الإسلام والهجرة لا شك أن هذا كفر، ورفض النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقيله، ورجع يعني ارتد على عقبيه ورجع إلى أهله كافراً -نسأل الله السلامة والعافية- مرتداً، وبين أن يبقى على دينه -على إسلامه- ويستقيل من الهجرة ويرجع إلى أهله، وحينئذ خرج ومع ذلك نكص على عقبيه، وصار خبيثاً، كخبث الحديد، فنفته المدينة، إلا أن حكمه أخف من الأول، وعلى كل حال هو خبيث، ونفته المدينة؛ لأنه خبيث، لكن الخبث يتفاوت، ونسبي أيضاً.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في ما يبين الآن "أقلني بيعتي": هو بايع على الإسلام والهجرة.
طالب: ما الذي يمنعه؟
لا الهجرة واجبة، الهجرة واجبة.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لو ثبت وصبر وصار طيباً، ناسبه المقام مثل غيره.
طالب:. . . . . . . . .
لا، منهم من بقي في بلده، نعم، وهاجر بعد ذلك، منهم من بقي في بلده، وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالانصراف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مالك بن الحويرث، شباب متقاربون أمرهم أن يذهبوا إلى أهليهم، المقصود أن مثل هذا الهجرة واجبة، الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام واجبة، فإذا بايع عليها لزمته، وتأكدت في حقه، لكن لا يحكم بكفره بمجرد ذلك.
طالب: لكن لو قلنا أنه قال أقلني عن الإسلام .... ؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً يترك مثل هذا؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، كما ترك قتل بعض المنافقين الذين تفوهوا بالكفر الصريح، على كل حال المسألة محتملة.
طالب: هذا ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن له زمناً يكون آخر الزمان .. ، أن المدنية تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد؟
منهم من قال: إن هذا مختص بزمن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم، جاء منهم من قال -منهم القاضي عياض- قال: الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهم من قال: مطلقاً إلى قيام الساعة المدينة تنفي الخبث.(28/15)
طالب:. . . . . . . . .
لكن يستقرون يسكنون؟ موجود. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال شوف أنت تتبع النص، أحنا نحلل النص الذي معنا، هي تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، كون الإنسان يبقى في بلد ما لمصلحة ما، لا لمصلحة دينية، فالناس بقوا في الشعاب على رؤوس الجبال في الحر والبرد؛ من أجل مصالح الدنيا، فكونه يبقى في المدينة لمصلحة دنيوية هذا ما فيه إشكال، على كل حال الاحتمالات كلها واردة وهي موجودة عند أهل العلم، والشراح ما تركوا شيئاً.
قال: وحدثنا عبيد الله بن معاذ -وهو العنبري- قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة عن عدي -وهو ابن ثابت- سمع عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنها طيبة -يعني المدينة- وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة)): ((إنها طيبة)) يعني المدينة: يعني من أسمائها: المدينة وهذا في القرآن، الدار أيضاً يعني المستقر؛ {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [(9) سورة الحشر]، من أسماء المدينة، ومنها طيبة وطابة أيضاً، وكلاهما من الطيب، وكان اسمها يثرب، فعدل عنه، وجاءت الكراهية ..
هذا يسأل عن المضاعفات: الصلوات هل تشمل الفرائض والنوافل أو الفرائض فقط، وهل إطلاق اسم المدينة المنورة هل له أصل شرعي؟
كل هذا سيأتي، لأن له أحاديث.
((إنها طيبة)): يعني الدار، يعني المدينة، ((وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة)): وهذا تقدم.
مما قيل في قصة الأعرابي: قالوا: وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على المقام معه، قال القاضي: ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة، وسقوط الهجرة إليه -صلى الله عليه وسلم- وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يُقله، والصحيح الأول، يعني أنه بايع على الهجرة.(28/16)
ثم قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله تعالى سمى المدينة طابة)): فأسماء المدينة كثيرة منها ما له أصل، ومنها ما لا أصل له، وفي تواريخ المدينة الأسماء الكثيرة، لكن ما جاءت تسميته في الكتاب والسنة يقتصر عليه، فمنها المدينة والدار وطيبة وطابة، وأكثر الأسماء التي يوردها المؤرخون هي أوصاف وليست بأسماء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ}: يعني المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
اسم، والإيمان تَبَوَّؤُوا الإيمان: يعني آمنوا بالله -جل وعلا- وبرسوله عليه الصلاة والسلام.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا معطوف، الدار والإيمان.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يصلح.
حدثني محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار قالا: حدثنا حجاج بن محمد ح وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن أبي عبد الله القراظ أنه قال: "أشهد على أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهل هذه البلدة بسوء -يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)).
وحدثني محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار قالا: حدثنا حجاج ح وحدثنيه محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق جميعاً عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن يحيى بن عمارة أنه سمع القراظ -وكان من أصحاب أبي هريرة -رضي الله عنه- يزعم أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهلها بسوء -يريد المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء))، قال ابن حاتم في حديث ابن يحنس: بدل قوله: ((بسوء)) ((شراً)).
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا الدراوردي عن محمد بن عمرو جميعاً سمعا أبا عبد الله القراظ، سمع أبا هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله.(28/17)
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم -يعني ابن إسماعيل- عن عمر بن نبيه قال: أخبرني دينار القراظ قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)).
وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر- عن عمر بن نبيه الكعبي عن أبي عبد الله القراظ أنه سمع سعد بن مالك يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله، غير أنه قال: ((بدهم أو بسوء)).
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا أسامة بن زيد عن أبي عبد الله القراظ قال: سمعته يقول: "سمعت أبا هريرة وسعداً يقولان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم بارك لأهل المدينة في مدهم))، وساق الحديث وفيه: ((من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثني محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار قالا: حدثنا حجاج بن محمد ح وحدثني محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنَّس: أو يحنِِّس، عن أبي عبد الله القراظ: وسيأتي اسمه في الطريق اللاحقة أنه دينار، عن أبي عبد الله القراظ: نسبة إلى القرظ الذي يدبغ به؛ لأنه كان يبيعه، أنه قال: "أشهد على أبي هريرة أنه قال: هذه من صيغ الرواية والأداء، وهي أقوى من مجرد قوله: (حدثنا) أو (أخبرنا)؛ لأن الشهادة ينبغي أن تكون على مثل الشمس، فهذا دليل على أنه متأكد مما يروي.
"أشهد على أبي هريرة أنه قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهل هذه البلدة بسوء)): هذه البلدة يعني المدينة، ولو قيل: إن من أسمائها البلدة، هذا اسم وإلا خبر؟
((من أراد هذه البلدة)): يعني بإمكانك أن تقول: من أراد هذه البلدة الرياض مثلاً، أراد بهذه البلدة الخرج، أراد بهذه البلدة كذا يعني تخبر عنها، أو تصفها بأنها بلدة وليس علماً من أعلامها، من أسمائها؟(28/18)
((من أراد أهل هذه البلدة بسوء -يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): قد يقول قائل: أريدت المدينة وأريد أهلها بسوء، واستبيحت زمن الحرة وما ذابوا، ولا حصل لهم شيء، استبيحت في الحرة وما حصل لهم شيء، ((من أراد أهل هذه البلدة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): واستبيحت المدينة.
((أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): لا شك أن الذين شاركوا في استباحتها يوم الحرة أنهم عوجلوا بالعقوبة، عوجلوا بالعقوبة وماتوا قريباً من زمن الاستباحة، يعني ما طالت أعمارهم بل عوجلوا، والله المستعان.
وهل المراد حقيقة الأسلوب كما يذوب الملح في الماء؟
إن كان المراد هذا الوعيد على مر العصور -يعني من زمن الصحابة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة- فلا شك أن الذي حصل -وقد حصل أريدت هذه البلدة بسوء وما ذابوا مثل ذواب الملح في الماء- وإن كان المراد بذلك الاستمرار إلى قيام الساعة فقد يحصل في آخر الزمان ذوبانهم كما يذوب الملح في الماء حقيقة.
يعني هل يراد حقيقة التعبير أنهم يذوبون يتلاشون، أو أن هذا كناية عن أنهم يتفرقون ولا تقوم لهم قائمة؟ يعني ما حصل في زمن الصحابة عام الحرة -أو سنة الحرة- هذا لا شك أنهم ما ذابوا مثلما يذوب الملح في الماء، إلا أنهم تلاشوا وتفرقوا ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك، وهذا ذوبان، وإن كان المراد به إلى قيام الساعة فقد يأتي ما يصدق الخبر، والخبر قول من لا ينطق عن الهوى، خبر الصادق المصدوق، فما حصل يحمل على ما تقدم، وما يحصل قد يذوبون كما يذوب الملح، وهذا الذي يغلب على الظن، وهذا الذي يغلب على الظن أنه يأتيها أناس فيما بقي من الزمان -في آخره- ثم بعد ذلك يذوبون كما يذوب الملح في الماء حقيقة، ولا مانع من وجود هذه الحقيقة؛ وإذا أخذهم الله -جل وعلا- أخذهم أخذ عزيز مقتدر، لا يفلتهم، ولا مانع أن يذوبوا كما يذوب الملح في الماء.(28/19)
وحدثني محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار قالا: حدثنا حجاج، وحدثنيه محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق جميعاً عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن يحيى بن عمارة أنه سمع القراظ: (ح) هذه مرت بنا مراراً في دروس سبقت، ولذلك ما احتجنا إلى إعادتها، إنما يراد بها التحويل من إسناد إلى آخر، التحويل من إسناد إلى آخر؛ يستفاد منها اختصار الأسانيد، والمغاربة يقولون: إنها اختصار لكلمة الحديث (حدثنا حجاج الحديث).
طالب:. . . . . . . . .
ح وحدثنا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا كتب المصطلح كلها نصت على أنه يقول: ح ويمر، أيش معنى ح ويمر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، ما يقول تحويل، يمر بالقراءة، ح وحدثنا، انتهى الإشكال.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، ما يقول: تحويل.
قال: حدثنا حجاج ح وحدثنيه محمد بن رافع: لأن المسألة مختلف .. ، ما هو متفق عليها أنه تحويل، ليس متفق عليها أنها تحويل، لكن يتجه القول بأنها تحويل في مثل هذا الإسناد، لكن ماذا عما لو ذكرها الإمام بعد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يأتي بالإسناد كاملاً كما يفعل البخاري: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ح وحدثنا فلان)، هذه لا شك أنها اختصار للحديث، وبعضهم يقول: أصلها خاء وليست حاء -رمز الإمام البخاري- ثم يرجع الإسناد إلى شيخه، فليس متفق عليها؛ المغاربة يرون أنها الحديث باضطراد، مختصرة من قوله الحديث.
وحدثنيه محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق جميعاً عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن يحيى بن عمارة أنه سمع القراظ: يعني أبا عبد الله دينار.
وكان من أصحاب أبي هريرة، يزعم أنه سمع أبا هريرة: يزعم: الزعم هنا بمعنى القول، وليس المراد من ذلك التشكيك في هذا القول؛ فتأتي زعم بمعنى قال، وكثيراً ما يذكر سيبويه في كتابه: "زعم الكسائي" ويوافقه، "زعم الكسائي" ويوافقه، ولذلك لا فرق بين قوله: يزعم أنه سمع، وبين قوله: أشهد على أبي هريرة: من دون شك ولا تردد.
أنه سمع أبا هريرة يقول: يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهلها بسوء -يريد المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)).
طالب:. . . . . . . . .(28/20)
فقال: كذب أبو السنابل: يعني ليست باضطراد، حتى القول المحقق قال فلان ويكذب، هي مثل قال.
((من أراد أهلها بسوء -يريد المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء))، قال ابن حاتم في حديث ابن يحنَّس: بدل قوله: ((بسوء)) ((شراً)): من أراد أهل هذه البلدة بسوء، قال ابن حاتم: شراً بدل بسوء.
قال: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا الدراوردي عن محمد بن عمرو جميعاً سمعا أبا عبد الله القراظ سمع أبا هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله: ثم بعد هذا قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم -يعني ابن إسماعيل- عن عمر بن نبيه أخبرني دينار القرَّاظ: هذا اسمه، والأول كنيته، عن أبي عبد الله القراظ.
قال: سمعت سعد بن أبي وقاص: فيكون روى الحديث عن أبي هريرة وعن سعد، سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): كسابقه.
قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر- عن عمر بن نبيه الكعبي عن أبي عبد الله القراظ أنه سمع سعد بن مالك يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله، غير أنه قال: ((بدهم أو بسوء)): سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله، غير أنه قال: ((بدهم أو بسوء)): الدهم والمداهمة الإتيان على غرة، والأخذ غيلة، والدهماء الأمر الشديد العظيم.
((أو بسوء)): هذا للشك أو للتنويع؟ غير أنه قال: ((بدهم أو بسوء)) هناك: ((بسوء))، ورواية: ((شر))، ورواية: ((دهم))، هل نقول: إن اللفظ واحد والرواية بغيره رواية بالمعنى، أو نقول: بجميع الألفاظ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم معنى واحد، ويكون من باب الرواية بالمعنى.
طالب: لو قلنا الدهم يختلف والمداهمة والسوء .... ؟
هو المداهمة سوء وشر أيضاً ًتجتمع هي.
((بدهم أو بسوء)) هل نقول: إن (أو) هذه للتنويع والتقسيم، فمنهم من يقصدها بدهم، ومنهم من يقصدها بشر، ومنهم من يقصدها بسوء، أو نقول: إنها كلها كلمات متقاربة، وأنها كلها شر وكلها سوء وكلها دهم؟(28/21)
طالب:. . . . . . . . .
((بدهم أو بسوء)): (أو) هذه تأتي للشك، وتأتي أيضاً للتقسيم، وتأتي بمعنى الواو، (بدهم وبسوء)، وتأتي أيضاً للتقسيم، تأتي للتنويع .. ، المقصود أن لها معان:
خيِّر أبح قسم بـ (أو) وأبهم ... . . . . . . . . . إلى آخره
والذي يظهر أنها شك من الراوي.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله بن موسىحدثنا أسامة بن زيد عن أبي عبد الله القراظ قال: سمعته يقول: "سمعت أبا هريرة وسعداً يقولان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم بارك لأهل المدينة في مدهم)): يعني اجعل البركة تنزل في مد أهل المدينة، فتكون فائدته أكثر من مد غيرهم، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل المدينة، ودعا لأهل اليمن، ودعا لأهل الشام، دعا لأهل المدينة أن يبارك لهم في مدهم وصاعهم.
وساق الحديث وفيه: ((من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): كما تقدم، وفي هذا كله فضل المدينة النبوية، فضل المدينة النبوية، وأنها أفضل من سائر البقاع، والخلاف في المفاضلة بينها وبين مكة سيأتي إن شاء الله تعالى.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).
حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)).(28/22)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يفتح الشام)): هذا علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام- وقد وقع الأمر كما أخبر، فُتح الشام، ثم اليمن، ثم العراق على الترتيب الذي ذكره عليه الصلاة والسلام.
((يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): الشام لا شك أن جوها وأرضها وطبيعتها مغرية -كما تقدم في الحديث السابق: ((هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء)) - فتترك المدينة رغبة عنها؛ نظراً للرخاء وطلباً للرخاء.
يقول: ((يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم)): يعني المسألة مسألة رحيل لا رجعة فيه، ((بأهليهم يبسون)): وفي رواية ضبطت: ((يُبِِسُّون)): من الرباعي بمعنى أنهم يتحملون ويذهبون بأهليهم، وقيل معناه على ما سبق في الحديث السابق: ((هلم إلى الرخاء)): يدعون الناس إلى بلاد الخصب.
وفي المفردات للراغب الأصبهاني في قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [(5) سورة الواقعة]، قال: بُست: أي فتت، فتت، وهل هذا المعنى يناسب ما عندنا؟ يناسب وإلا ما يناسب؟
لا يناسب.
وقيل معناه: سيقت سوقاً سريعاً، نعم مناسب جداً، أنهم يسوقون دوابهم حثيثاً إلى الوصول إلى أماكن الخصب والرخاء؛ من قوله انبست الحيات: انسابت انسياباً سريعاً، انبست الحيات: انسابت سريعاً، فيكون كقوله -عز وجل-: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [(47) سورة الكهف]، وكقوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(88) سورة النمل]، المقصود أنهم يسوقون دوابهم سوقاً سريعاً حثيثاً؛ رغبة في بلاد الرخاء رغبة عن بلاد الخير والفضل مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
((فيخرج من المدينة أقوام بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): يعني هو لو فاتهم شيء من الرخاء، ولو فاتهم شيء من الأنس بهذه الدنيا والمتعة فيها، هي متاع زائل، لكن العبرة بالباقي أما الفاني لا نظر له ولا يلتفت إليه طالب الآخرة، وقد يكون على حساب الآخرة.(28/23)
نعم هناك شيء من الراحة والاطمنان، راحة النفس والمتعة والاستجمام قد يوجد، لكن في الغالب أن هذا على حساب ما يعين على العبادة، من ذلك لما فتحت الدنيا انصرف الناس إليها، أقبلت عليهم بزهرتها فانصرف الناس إليها وتركوا الآخرة، فكون الإنسان يجلس في مكان إن أصابته الشمس بحرها ولهيبها تذكر فيح جهنم -نسأل الله السلامة- تذكر حر جهنم، إذا لفحه البرد القارس بشدته تذكر زمهرير جهنم، هذا لا شك أنه يذكره في الآخرة، لكن ماذا عما لو كان في بلد لا حر فيه مقلق، ولا برد فيه مؤذٍ ولا قاتل، مثل هذا يغفل عن الآخرة، إذا وجدت المناظر الطبيعية انشغل الإنسان بها عما ينفعه في آخرته، إذا وجد الرخاء: ((هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء)) كذلك، كل هذا على حساب ما يوصل إلى الله -جل وعلا- والدار الآخرة.
ولا يعني أن الإنسان يعذب نفسه أو يعذب من تحت يده، لا، لكن يوازن بين مصالح دينه ودنياه، فيؤثر الباقي على الفاني، وهؤلاء يبسون يخرجون من المدينة خروجاً سريعاً يحثون فيه المطي من أجل الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
((ثم يفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): نعم المدنية ما فيها شيء يغري من أمور الدنيا، لكن فيها مضاعفة الحسنات، مضاعفة الصلوات، فأيضاً الصبر على لأوائها، وجاءت فيه من النصوص ما جاء مما تقدم، المقصود أن الصبر على مثل هذا لا شك أن عاقبته حميدة.
حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم)): يعني ممن أجاب دعوتهم: ((هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء)) كما تقدم.(28/24)
((ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم)): في الرواية الأولى قال: ((يفتح الشام ثم يفتح اليمن)): وهنا قال: ((يفتح اليمن ثم يفتح الشام)): العطف بـ (ثم) يقتضي الترتيب في الموضعين، فما الأول من القطرين الشام أو اليمن؟ أيهما الذي فتح أولاً؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم في حياته، وهل تم فتحها بكاملها؟ أو نقول: إنه فتح بعضها، بحيث يصح تقديمه على الشام وأخر بعضها -تأخر بعضها- بحيث يصح تأخيره على الشام، ويكون العطف ماشي بـ (ثم).
((ثم يفتح الشام فيأتي قوم يبسون أو يبُسون فيتحملون بأهليهم ومن ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)): وهذا معجزة من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلم من أعلام نبوته؛ حيث أخبر عن أمور مستقبلة، وقد حصلت كما أخبر، ووجد من يبس، ووجد .. ، وقد يوجد من سمع مثل هذا الخبر ويفعل، قد يسمع مثل هذا الخبر، يسمع هذا الخبر ومع ذلك يفعل –يطبق- يبسون ويخرجون والمدينة خير لهم!
ولا شك أن من الناس من يسمع مثل هذه الأخبار ولا تحرك به ساكن، وإلا لا شك أن هذه الأخبار التي تقدمت وما سيأتي دليل على فضل المدينة وعلى سكناها والله المستعان.
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد ح وحدثني حرملة بن يحيى واللفظ له قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمدينة: ((ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير. قال مسلم: أبو صفوان هذا هو عبد الله بن عبد الملك، يتيم ابن جريج عشر سنين كان في حجره.(28/25)
وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي -يريد عوافي السباع والطير- ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثني زهير بن حرب قال: حدثنا أبو صفوان عن يونس بن يزيد ح وحدثني حرملة بن يحيى واللفظ له قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمدينة: قال للمدينة، اللام هذ ...
طالب: لأهلها عنها.
يعني لأهلها؟
طالب: عنها.
يعني هل يصح أن يقال: إن هذا من مجاز الحذف، كما قالوا في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف]: يعني أهل القرية؟ أو أن المدينة -والقرية أيضاً- تطلق ويراد بها المجموع من المساكن والسكان، فلا نحتاج إلى تقدير، المدينة تطلق على المساكن والسكان، والقرية تطلق على المساكن والسكان، وعلى هذا: اسأل القرية حقيقة، ولا نحتاج إلى تقدير، قال للمدينة حقيقة، يعني لأهلها ولا نحتاج إلى تقدير؛ لأن المدينة كما تطلق على المساكن تطلق أيضاً على السكان.
قال للمدينة: ((ليتركنها)): أو في حق المدينة وفي شأن المدينة، قال في حقها وفي شأنها؛ لأن الحروف تتبادل، وهناك ما يستحيل إجراؤه على ظاهره.
عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه: إسناد كامل إلى أن قال: وعن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه: هل هذا الحرف حرف رواية؟ هل هذه العنعنة موجودة في الأسانيد؟
لا أبداً، وإنما المقصود عن قصته، يعني عما يذكر في قصته أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، وهنا: للمدينة: يعني لشأنها وأمرها.(28/26)
((ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير: منهم من يقول: إن هذا أمر قد حصل، وقد كانت أفضل ما كانت في عهد الخلافة الراشدة، بلغت أوج عزها ومجدها؛ حيث يتوافر العلماء والفضلاء والعباد في المدينة، في زمن الخلفاء، إلى أن انتقلت عنها الخلافة إلى الكوفة ثم إلى الشام، فتركها الناس ((مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير: لكن هل حصل بانتقال الخلافة عنها أن تركت تركاً تاماً بحيث لا يسكنها أحد؟ يعني وجود السباع والطير لا شك أنه بسبب وجود ما يؤكل مع عدم آكله، ولا شك أنها فيها النخيل، وفيها شيء من المراعي، وفيها بهيمة الأنعام وانتقل أكثر الناس عنها إلى الحواضر الأخرى ممن قصده الخلفاء، والناس لا شك أنهم يتبعون الملوك والأمراء، لا شك أنهم يتبعونهم؛ لأن البلد الذي فيه الخليفة، والبلد الذي فيه الأمير، والبلد الذي فيه الوجهاء لا شك أنه يكون محل عناية، والذي يُترك يُنسى، فهذه السباع وهذه العوافي وهذه الطيور تأتي لتأكل من أرزاق المدينة التي تفيض عن أهلها بعد أن هاجر .. ، تركها أكثرهم، ولا يلزم من ذلك أن تكون تركت منهم بالكلية. ((مذللة للعوافي)) يعني السباع والطير.
وقال مسلم: الإمام مسلم المؤلف -رحمه الله-: أبو صفوان: هذا الذي ورد ذكره في الإسناد، الذي يروي عن يونس بن يزيد الأيلي، هذا هو عبد الله بن عبد الملك، يتيم ابن جريج عشر سنين كان في حجره: يتيم يعني مات أبوه، فكفله ابن جريج، ولعله كان ربيباً له؛ لأنه تزوج أمه بعد أبيه فعاش في حجره عشر سنين.
وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يتركون المدينة على خير ما كانت)): لأنها حديثة عهد بالسكان، وهذا كما يحتمل ما ذكره الشراح من أنها تركت لما انتقلت الخلافة عنها إلى الكوفة أو إلى الشام أو إلى العراق في عهد بني العباس، ويحتمل أن يكون أيضاً في آخر الزمان، وأنها تترك رغبة عنها.(28/27)
((يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي)) يريد عوافي السباع والطير: والاحتمال الثاني لا شك أنه تقويه هذه الرواية؛ بدليل قصة الراعيين من مزينة، ((ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما)): يصوتان لهما ويزجرانهما؛ ليسيرا ((فيجدانها وحشاً)): ((وحشاً)): إما أن تكون مأوى للوحوش، أو تكون موحشة؛ لفراغها وخلائها من السكان، ((فيجدانها وحشاً)): فإما أن تكون موحشة؛ البلد الخالية الذي لا سكان فيه لا شك أنه موحش، أو أنها صارت بعد السكان للوحوش.
((حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما)): وجاء في الخبر أن هذين الرجلين هما آخر من يحشر، قال أهل العلم: لأنهما آخر من يموت، كذا قيل. ((حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما)).
((ينعقان بغنمهما فيجدانها)): الضمير هذا يرجع إلى إيش؟ فيجدانها؟ المدينة أو الغنم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه أقرب مذكور الغنم، يجدان الغنم وحشاً، تتوحش هذه الغنم، هي في الأصل غنم من ألطف المخلوقات، وتتسم باللطف والرفق والهدوء، ويكتسب راعيها منها هذه الصفات كما جاء في الأحاديث الصحيحة، تنقلب وحشاً، وهذا احتمال، ((يجدانها)): يحتمل أن يكون .. ، أن يعود الضمير على ما فسرناه أولاً أنهما يجدان المدينة وحشاً –موحشة- أو أنها مأوى للوحوش، أو يجدان غنمهما وحشاً: تنقلب الغنم وحشية، يعني إما أن تنقلب خلقتها كالوحوش، أو أن طباعها تكون كالوحوش.
((حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما)): يقول الشارح: فيجدانها وحشاً وفي رواية البخاري: ((وحوشاً)): قيل معناه يجدانها خلاءً أي خالية ليس بها أحد.(28/28)
قال إبراهيم الحربي: الوحش من الأرض هو الخلاء، والصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش كما في رواية البخاري، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يغشاها إلا العوافي))، ويكون وحشاً بمعنى وحوشاً، وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان، وجمعه وحوش، وقد يعبر بواحده عن جمعه، وحش، ويراد به حينئذ الجنس -جنس الوحش- فيشمل الواحد والاثنين والجمع الغفير، وقد يعبر بواحده عن جمعه كما في غيره، وحكا القاضي عن ابن المرابط أن معناه: أن غنمهما تصير وحوشاً، إما تنقلب ذاتها فتصير وحوشاً، وإما أن تتوحش وتنفر من أصواتها.
وأنكر القاضي هذا واختار أن الضمير في: ((يجدانها)): عائد إلى المدينة لا إلى الغنم، وهذا هو الصواب وقول ابن المرابط غلط والله أعلم.
لكنه على كل حال احتمال، والضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهذا يؤيد قول ابن المرابط، وإن كان الجمهور على خلافه، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(28/29)
صحيح مسلم - كتاب الحج (29)
ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة - أحد جبل يحبنا ونحبه - فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة - لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد - المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم - فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما حكم من يفطر في يوم عرفة، وهو مقيم إذا صادف يوم جمعة أو سبت، بحجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إفرادهما بالصوم؟
مثل هذا يحرص على أن يصوم اليوم الثامن مع التاسع، فإن ترك ذلك فهذه علامة حرمان؛ لأن صوم يوم عرفة يكفر سنتين.
يقول: يوجد قناة يقال لها: شهرزاد يبدو أنها لبنانية أو عراقية فيها رجل ساحر يقال له: أبو علي الشامي يتصل عليه الناس من إحدى عشر إلى الثانية مساءً، يسأل الشخص عنه، عن اسمه واسم أمه، ثم يقول له: أشياء غيبية، يقول: حقيقية كما يزعم المتصلون عليه، ويتصل عليه أناس يشكرونه بإطراء شديد على شفاء أبنائهم من أمراض مستعصية كالشلل والسرطان وغيرهما؟
لا شك أن هذا هو السحر، السحر وهو الكفر الأكبر المخرج عن الملة، نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا وإن سمي بأسماء غير السحر؛ لأن قد يبرز على أنه محترف، ومع الأسف أنه يوجد في بعض الأماكن التي يكثر فيها أهل السنة، ويكثر فيها أهل التحقيق، ثم يقال: المحترف، وإذا فحص، ونظر إلى عمله، فإذا هو ساحر.
طالب: يخشى من الذين يتصلون ويقولون: أنهم شفوا.
بلا شك، لا، معروف، معروف، هاذولا من أعوانه، هؤلاء من أعوانه، هؤلاء من أعوانه، ولا يمنع أن يشفى أحد، ما يمنع أبداً، استدراج للطرفين.
طالب. . . . . . . . .
إيه معروف أنهم من أعوانه، لكن يبقى أنه لا يمنع أن يكون حقيقة يشفون استدراج، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: هل تثبت صفة الساعد لله تعالى بناءً على حديث: ((وساعد الله أشد من ساعدك)) قال الحافظ ابن كثير: وهذا حديث صحيح جيد الإسناد، وصححه الأرنؤوط في تحقيق المسند؟(29/1)
على كل حال الخبر معروف، ولا يقل عن الحسن، ويثبت لله -جل وعلا- هذه الصفة بمثل هذا الخبر، ولا يلزم أن يكون الخبر على ما يقوله بعض من ينتسب إلى العلم، بأنه لا بد أن يكون قطعياً لتثبت به العقائد، لا، العقائد تثبت بأخبار الآحاد كالعبادات، فالدين متساوي الأقدام، الذي تثبت به الصلاة والزكاة والصوم، تثبت به الأسماء والصفات، وغيرها من أبواب العقائد.
يقول: ما حكم صيام السبت مفرداً أو موصولاً بما قبله أو بعده؟ وهل يصح فيه نهي؟
السبت لا شك أنه عيد اليهود، فمن قصده، وخصه بالصيام لم يسلم من المشابهة، وأما ما جاء من تخصيصه أو ما جاء في تخصيصه من نهي فلا يثبت الذي خص بالنهي إفراد الجمعة، وهذا صحيح بلا إشكال، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين أن تفطر.
يقول: ما حكم اتباع العشر بالصيام دون فصل، وجعله سنة لدخوله في عموم العمل الصالح، وفيمن يجعل ذلك بدعة إذا لم ينكر على سنية سردها، وتتابعها بالصيام؟
على كل حال العشر هي أفضل الأيام، و ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) وثبت في السنة أن الصيام من أفضل الأعمال، فإذا ضممنا المقدمتين ظهرت لنا النتيجة الشرعية: أن الصيام في العشر من أفضل الأعمال.
وقول عائشة: "ما صام النبي -عليه الصلاة والسلام- العشر، أو في العشر" هذا لا شك في صحته، لكنه على حسب علمها، وقد أثبت ذلك غيرها من الصحابة منهن من أمهات المؤمنين، فنفيه على حد علمها، والمثبت مقدم على النافي، وعلى كل حال لو قدر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صام، وحث على الصيام، ذكرنا مراراً أن من يحتاجه الناس، ويتأثر قضاء حوائجهم بالصيام، فالنفع المتعدي لا شك أنه أفضل من اللازم، على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما ثبت من حديث عائشة أنه قد يترك العمل الصالح شفقة على أمته، ورأفة بها.
طالب: يا شيخ عفا الله عنك، من كان له صوم عادة كأيام البيض، ثلاثة عشر وأربعة عشر، وصادف مع البيض اثنين أو خميس من أيام التشريق؟
أما أيام التشريق فلا تصام، أيام التشريق لا تصام، ولو كانت له عادة.
يقول: هل مرض السرطان مثل الطاعون، يعني رحمة؟(29/2)
هو شهادة إذا كان في البطن، إذا كان في البطن لا شك أنه شهادة؛ لأن المبطون شهيد.
يقول: لما لا يقبل الإمام مالك إلا السماع والقراءة عليه ولا يحدث؟
الإمام مالك ينكر على من طلب منه أن يحدثه، أو يقرأ عليه، وقال لشخص: أعراقي أنت؟ تقبل العرض في القرآن، ولا تقبله في الحديث، والقرآن أعظم، فعرف منه حتى من صحبه ولزمه قال: صحبت مالكاً سبعة عشر سنة، فرأيت الناس يقرءون عليه، ولا يقرأ على أحد.
هل يصح ما يذكره بعض كتب الأدب أن الإمام مالك كان يلحن؟
لا، لا، هذا الكلام ليس بصحيح، إمام من أئمة المسلمين، وفي عصر في الصدر الأول قبل أن تتغير اللغة، قبل أن تتغير، والشعراء الذين في عصره يستدل بهم، ويحتج بشعرهم؛ لأن اللغات ما تغيرت، لغة العرب باقية كما هي.
طالب: طيب يا شيخ مع أن الكتب الستة بعده. . . . . . . . .
هو من كتب الأوائل، لكن لا يلزم من تقدمه أن ينظم إلى الستة لقلة ما فيه من الزوائد، الأحاديث المرفوعة فيه كلها خمسمائة حديث، وفيه مراسيل، وفيه بلاغات، وفيه مقطوعات، وفيه أشياء، وإن كان الإمام مالك -رحمه الله- إمام الأئمة، ونجم السنن ما يقدح فيه، لكن لا يعني أن مؤلفه ينبغي أن يضم إلى الستة.
اختلفوا في السادس منهم من جعله الموطأ، ابن الأثير مشى على هذا، وقبله رزين في تجريد الأصول، ومنهم من جعل السادس ابن ماجه، كأبي الفضل ابن طاهر، ثم تبعه الناس على ذلك، ومنهم من جعل الدارمي السابع، والخلاف معروف عند أهل العلم.
طالب. . . . . . . . .
لا ابن ماجه أكثر زوائد، أكثر زوائد.
طالب: لكن الموطأ يا شيخ وابن ماجه أولى من الدارمي؟
منهم من جعل الدارمي؛ لأن أسانيده عوالي، أعلى من ابن ماجه، وأنظف أسانيد، لكنه أقل زوائد، ولكل وجه.
يقول: في إسناد الحديث يأتي حرف حاء هكذا مفردة، فهل الصحيح أن يقرأ حاء أو تحويل؟
لا، كما نص أهل العلم على ذلك، قالوا: يقول: حاء ويمر، يعني ويواصل قراءته.
من باب المحبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أحد الصحابة هل يجوز للإنسان أن يحج عنهم؟(29/3)
أما النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا؛ لأنك إذا حججت عن نفسك فله مثل أجرك؛ لأنه هو الذي دلك على هذا الخير، ولم يفعله بالنسبة له لا أبو بكر ولا عمر، ولا أحد من خيار الأمة.
وأما بالنسبة للصحابة فالأمر محتمل، وفيه سعة، لكن هم ليسوا بحاجة إلى حجك، وإذا ترضيت عنهم كفاك، ولم يفعل هذا أيضاً سادات الأمة من التابعين والأئمة.
يقول: ما يوم الحرة؟
يوم الحرة هو الذي استبيحت فيه المدينة سنة ثلاث وستين.
يقول: ما حكم أن يخرج المرء إلى الحج كل عام، إما عن أموات لم يحجوا الفريضة، أو يحج عنهم نفلاً، أو يحج عن نفسه، وهو يتحرى هو وعائلته عدم مضايقة الحجاج، والرمي في آخر الليل، ويطوف الإفاضة مع القدوم؟
ما تجي، هذا ما تقدم أمره سهل، لكن طواف الإفاضة مع القدوم، يعني يؤخر القدوم إلى طواف الإفاضة أو يقدم طواف الإفاضة إلى القدوم؟ لأنه يقول: يطوف الإفاضة مع القدوم، مقتضى العبارة أنه يقدم طواف الإفاضة عن وقته، وهو يوم النحر، لا يصح الطواف إذا قدم، لكن لو ترك طواف القدوم باعبتار أنه سنة، ما يلام على هذا.
ولا يتعجل في آخر يوم من الرمي، بل يتأخر حتى يغادر أغلب الحجاج، حتى يخفف عنهم الزحام، فهل في ذلك إثم أو تضييق عليهم؟
على كل حال متابعة الحج مأمور بها: ((تابعوا بين الحج والعمرة)) و ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) لكن ينبغي ألا يتحايل ولا يكذب في حجه، لا سيما بعد المنع.
يقول: وهل فيه مخالفة لولاة الأمر؟(29/4)
نعم ولاة الأمر حددوا، وتحديدهم مبني على فتوى، لكن إذا قارنا هذا بما جاء في فضل الحج من نصوص قلنا: إنه إذا لم يترتب على ذلك كذب ولا احتيال، وتيسر له الحج بدون ذلك، فالباب مفتوح، وولاة الأمر ما يشددون في هذا، تجد المنافذ يعني يندر أن يردوا الناس، يندر جداً أن يوجد من يرد الناس، هذا يدل على أن الأمر عندهم ليس على العزيمة، وإنما يريدون أن يسددوا ويقاربوا، يريدون التسديد والمقاربة، يعني لا يحرمون الناس من هذا الفضل العظيم، ولا يحرجون الناس بالزحام الشديد، فالمسألة مسألة تهييب يعني، ولا شك أن مثل هذا الأمر، وهذا النظام يحد جمع من أهل التحري، ويحصل التخفيف بمثل هذا، وإن تجاوزه الناس وتخطوه، فولاة الأمر من خلال الأعوام السابقة يدل على أنهم لم يجرؤا على منع الناس مما أمر الله به، نعم صدر الأمر، ومبني على فتوى، ومع ذلك ما في جرأة تلزم الناس بالرجوع، كل هذا من أجل التسديد والمقاربة، وعلى كل حال الإنسان إذا رأى أنه يستفيد من حجه، ويفيد الناس، وينفعهم، ونفعه متعدي، مثل هذا لو حج، وأما من كان نفعه قاصراً فلو ترك المجال لغيره ممن لم يحج الفريضة له وجه.
يقول: هل أو هذه تقول: هل للمرأة المحرمة بالحج أن تغير ملابسها متى شاءت؟ وهل للإحرام ملابس معينة بحيث نلاحظ أقوال البعض أنه لا بد للمرأة من لبس الأخضر والأسود؟
هذا ليس بصحيح، على المرأة أن تلبس ما يلبسه النساء، وليس بثياب زينة، ولا شهرة، وتجتنب الممنوع والضيق من الثياب والشفاف، وأي لون كان معمولاً به في بلدها؛ لأن المسألة، مسألة اللباس مردها إلى الأعراف، مردها إلى العرف، لكن لا تلبس ما فيه مشابهة للرجال، ولا تلبس شيء يصف بدنها، سواءً كان ضيقاً أو شفافاً، وأما بالنسبة للون فتختار، ولها أن تغير ملابس الإحرام متى شاءت كالرجل.
سم.
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام مسلم -رحمه الله- تعالى في صحيحه في كتاب الحج:(29/5)
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)).
وحدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني عن يزيد بن الهاد عن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة)).
حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)).
وهذا الحديث متفق عليه، وجاء بلفظ: ((ما بين قبري ومنبر روضة من رياض الجنة)) وهذا اللفظ ليس بمحفوظ، ولو صح لكان معناه صحيحاً؛ لأن قبره في بيته، فهذه المسافة التي بين المنبر وبين البيت هذه روضة من رياض الجنة.(29/6)
ويختلف أهل العلم في المراد بهذا الحديث، هل هذه البقعة تنقل من الدنيا، من هذا المكان بعينه إلى أن تكون وتوضع، إلى أن توضع في الجنة؟ وهذا المعنى الحسي للخبر، وهناك معنى معنوي، وهو أن ملازمة هذا المكان يؤدي إلى رياض الجنة، ومثل هذا الخبر: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) تتباين فيه الأقوال تبايناً بعيداً، فمن أهل العلم من يقول: إن هذا المكان لا مزية له، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((روضة من رياض الجنة))، وأنه لا فضل للتعبد، لا مزيد فضل للتعبد في هذا المكان، وإنما هذا مجرد خبر، يعني مثلما قيل عن النيل والفرات وسيحان وجيحان أنها من أنهار الجنة، يعني هل لهذه الأنهار مزيد فضل؟ هل لها مزيد فضل؟ ويش تسوي بالنيل؟
طالب ....
إذا رحت للنيل ويش تبي تسوي؟
طالب. . . . . . . . .
هذا قول لبعض أهل العلم، وأن هذا مجرد إخبار، ولا شك أن مثل هذا القول يعطل الخبر عن فائدته، يعطل الخبر عن فائدته، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) لا شك أنه مزية لهذه البقعة، مزية لهذه البقعة، لكن ما الفائدة من ذكر هذه المزية وهذا الفضل؟ لا شك أن الفائدة لا بد أن تكون متعدية وإلا فلا فائدة في الخبر، إذا كان مجرد إخبار، تكون متعدية، وعلى هذا يكون للعبادة في هذا المكان مزيد فضل، المسجد على ما سيأتي الصلاة فيه بألف صلاة، وإذا صلى الإنسان وتحرى هذا المكان بين البيت والمنبر لا شك أنه فيه مزيد فضل، فيه مزيد فضل، وجاء في الحديث: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قيل: وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)) التنصيص على حلق الذكر، وتفسير رياض الجنة بها، هل يقتضي هذا التخصيص أو لا يقتضي؟ نعم.
طالب: قد يخصصه، والروضة تكون من الرياض التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرتع فيها.
يقول: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)).
طالب: هذا يا شيخ بالنظر إلى الأحاديث الأخرى، بالنظر إلى الأحاديث الأخرى يا شيخ تفيد العموم.(29/7)
إيه، قيل: وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)) يعني التنصيص على بعض الأفراد عند بعض أهل العلم لا يقتضي التخصيص، كما جاء في التفسير النبوي لقول الله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] صح الخبر بأن القوة الرمي، ((ألا إن القوة الرمي)) يعني ما نستعد للعدو إلا بالرمي؟ نعم.
طالب ....
كيف؟
طالب ....
التنصيص على فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص، لكن إذا نص على بعض الأفراد لا شك أنه يدل على أن دخوله في النص العام قطعي، وأن له مزيد فضل، والتنصيص عليه من باب الاهتمام بشأنه، والعناية به، وهذا مثله، وعلى هذا يحرص الإنسان أن يصلي في هذه البقعة، ويتلو في هذه البقعة، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة إما زحام شديد، بحيث لا يتمكن من خشوع، أو صار بحيث يقلد، يقلد ويقلده من لا يفهم مقصده، ممن يغلو بهذه البقعة، ويتبرك بهذه البقعة، إذا خشي ذلك فحماية جناب التوحيد أولى من تحصيل مثل هذا الأجر، ويكتب له أجر الفعل بالترك لهذا القصد، يعني إذا قيل: والله الشيخ فلان ملازم ها المكان ذا، فيأتي العوام، من عامة الناس والجهال فيجلسون في هذا المكان ويتبركون به؛ لأن الشيخ يجلس فيه، إذا خشي مثل هذا يترك، حماية لجناب التوحيد، وإلا فالأصل أنه ما ذكر إلا لأن له مزيد فضل، ولا مزيد في فضل التراب، وإنما هو لفضل العمل به، العمل فيه، طيب هذه البقعة مجاروة لبيته الذي فيه القبر، ويسمح للنساء ساعة من أول النهار، وساعة من المساء بدخول هذه البقعة، هل في هذا من بأس أو لا بأس به؟
طالب: أقول: الأولى المنع ولكن بالنسبة للزائر على حسب المقصد إن كان قصده ...
لا، لا، المقاصد ولو بالهند تؤثر، ولو هو جالس بالهند ويقول: لا، أنا باستقبل القبر ما أستقبل القبلة، هذا شيء، لا، لا، دعنا من .. ، لكن الأصل في العمل الظاهر، يعني هل للنساء أن تصلي في هذه البقعة كما يصلي الرجال، ويفسح لهن المجال؟ وإلا نقول: لا، النساء يمنعن باعتبار مجاورة القبر، وليس للنساء زيارة؟
أولاً: الجالس في الروضة ليس بداخل على القبر أصلاً، حتى قرر شيخ الإسلام أن زيارة القبر ممتنعة بعد هذه الأسوار التي لا يمكن دخولها.(29/8)
طالب: بس الآن التوسعة على الداخل، ولو كانت التوسعة بالجهة. . . . . . . . .
ما أنت بلمنا يا أبو رضوان الله يهديك، ما أنت بلمنا، انتبه انتبه، انتبه هذه مسألة ثانية، يمكن نعرض لها -إن شاء الله-، لا، لا مسألتنا عندنا هذه البقعة بين الحجرة هذه وهذا المنبر وهذه البقعة روضة من رياض الجنة، واضحة الصورة وإلا لا؟
طالب: واضحة.
يفتح للنساء من هذه الجهة تجي وتجلس تصلي هنا، وهذا البيت الذي فيه القبر محاط بالأسوار الثلاثة، هل نقول: إن النساء بوجودهن في هذه زوارات قبور، أو ما له علاقة بالقبر تزور هذه البقعة المباركة الفضلة؟ ما له علاقة، ليس لها علاقة، لكن إذا وجد من يستقبل مُنع سواءً كان رجل أو امرأة، وقد وجد من يستقبل القبر، فهذا يمنع في أي جهة كانت، وجد خارج المسجد من يصلي إلى القبر من يمين من شمال، وهذا يمنع، سجود لغير الله شرك، نسأل الله العافية، لكن زيارة هذه البقعة للرجال والنساء على حد سواءً، فلا إشكال في هذا؛ لأنهن لم يزرن القبر، حتى قرر شيخ الإسلام في كتاب الزيارة من الفتاوى أن القبر زيارته مستحيلة، بعد إحاطته بالأسوار، إلا لو فتح الباب ووقف الإنسان على القبر.(29/9)
ولذا يقرر بعض العلماء أن المار بالمقابر لا يسلم، المار بالمقابر يعني مع الشارع، مررت بسور المقبرة ما تسلم: السلام عليكم أهل الديار؛ لأنك ما زرت، ما دخلت، وهذا إن كان ممن يرى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يزار، ويسلم عليه من خارج الأسوار من لازمه أن يسلم على القبور من خارج السور، ولا فرق؛ لأنه بعد إحاطته بالجدران صار مثل سور المقبرة، فإن كان يزار أو يسلم عليه كما كان يفعل ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا قررنا هذا حكم شرعي، وأن الزيارة شرعية قلنا: إن السلام على القبور إذا مررت بها من خارج السور شرعي، ولا فرق، هل يوجد من فرق؟ إذا ولجت مع باب المقبرة، وقفت على القبور يقابله فيما لو فتح لك الباب ودخلت، وإذا سلمت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعلى صاحبيه -رضي الله تعالى عنهما- خارج السور، ولو وجد فتحات صغيرة، هي لا تؤدي إلى المراد، فيه حواجز، نعم، فكأنك سلمت على المقبرة من خارج السور، وهذه حجة من يقول: إن الزيارة ممتنعة، شيخ الإسلام قرر في كتاب الزيارة أنها ممتنعة؛ لأنه لا يمكن الوصول إلى القبر.
أقول: هذه البقعة التي نص على فضلها، وأنها روضة من رياض الجنة، يتحرى الإنسان الصلاة فيها والذكر والتلاوة مع استصحاب ما تقدم ألا يؤذي ولا يتأذى بنفسه، وأن يكون بحيث يحضر قلبه هذه العبادة لا يتشوش؛ لأن أحياناً الزحام يذهب الخشوع، يذهب حضور القلب، فإذا ذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة، فالصلاة في أبعد الأماكن أفضل، بلا شك، وإذا ترتب على ذلك، إذا كان هذا الذي قصد هذا المكان ممن يقتدى به، وينظر إليه، ينظر إليه العارف وغير العارف من الجهال، ولا يتمكن من البيان للناس كلهم ممن يقتدي به، بحيث يتبرك الناس بهذا المكان بسبب فعله فإن مثل هذا يترك، حماية لجناب التوحيد.
طالب: ما يقال بالنسبة لزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة أن هذا هو. . . . . . . . .
لا إذا كان من مسماها اللغوي ....
طالب ....
لا، من مسماها اللغوي ما تسمى زيارة، يعني لو جاء واحد ووقف عند الباب، وكلمك من رواء الباب، قد زارك؟
طالب: هذا القياس يا شيخ.(29/10)
لا، لغوي، المسألة لغوية، يعني هل يتأدى بذلك أن تزور المقبرة من خارج السور؟
طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))
أنا أقول: من يقتدي بابن عمر ويقول: هذه زيارة من لازم ذلك أنه إذا مر مع سور المقبرة يقول: السلام عليكم، إيش المانع؟
طالب: سور المقبرة يا شيخ. . . . . . . . .
ما هي مسألة يقدر، المسألة تنظير شرعي، مدعوم بلغة، بلغة العرب، ما فعله إلا ابن عمر ترى، ما عرف إلا عن ابن عمر.
طالب: يعني قول النبي: ((فأتوا منه ما استطعتم)) والقرآن يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] هذا الذي استطاع.
طيب الذي ما استطاع يسافر إلى المدينة، يزوره في بلده؟ ما استطاع أبداً يزوره في بلده؟ ما استطاع، ما تيسر له يزور المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
اللهم صلي على محمد، على كل حال أينما كنت يبلغه سلامك، وتبلغه صلاتك، على كل حال أنا ممن يزور، وأقف، وأقتدي بابن عمر في مثل هذا، وإذا مررت بالقبور سلمت، وفضل الله واسع، يعني ما يضر -إن شاء الله-، لكن المسألة مسألة التفريق بين هذا وهذا يحتاج إلى نص.
طالب: منع النساء من زيارة القبور يشمل قبر النبي؟
يشمله.
طالب: بس الآن يفسح للنساء؟
ما يفسح لزيارة القبر، للروضة يجون، لمه أنت ما تشوف التصوير الذي أنت تصورت، الآن شوف هذا الكتاب هو الحجرة جيد، والروضة هذه، وهذا هو المنبر، المسافة التي بين المنبر والقبر روضة من رياض الجنة للرجال والنساء جميعاً، ما يتمكن النساء من زيارة القبر، ما في زيارة، حتى ولا يمكن من الفتحات التي في الجهة القبلية، ما يتمكنون فلا محظور في هذا.
طالب. . . . . . . . .
إيش هي؟
طالب. . . . . . . . .
الروضة موجودة، يعني المنبر موجود، والبيت موجود.
طالب. . . . . . . . .
فرشاة لون أبيض، ووضع مدة طويلة فرشاة باللون الأبيض تحت المكبرية بالمسجد الحرام، وجاء من يسأل هل هذه روضة؟ لأنها تشابه فرشة الروضة بالمدينة، ثم بعد ذلك شيلت، وكانت موجودة، وعلى كل حال هم يقبلون يعني مثل هذه الأمور والتوجيهات، والأمور بحمد الله، يعني بالمقدور، نعم.(29/11)
طالب: هل علم أو حفظ عن أحد الصحابة المخالفة لابن عمر؟
ما حفظ فعل، يعني ما نقل فعل.
طالب: مخالفة يا شيخ؟
يعني إنكار عليه؟ أما ابن عمر في مثل هذه المواطن والأماكن والبقاع فهو مخالف من جماهير الصحابة؛ لأنه يقصد ما كان يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكفكف دابته حتى تقع مواطئ قدميها أو خفيها على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو لم يوافق على هذه الاختيارات، ومع ذلك هو مجتهد، وبحار الحسنات المعروفة عنه التي يغمر فيها مثل هذه الأمور، والمسألة اجتهاد، ولم يصل إلى حد غلو، أو تبرك في بقاع أو آثار.
طالب: تسمية الناس ما يكون خلف الإمام روضة له أصل؟
لا ما له أصل، يعني روضة المسجد التي خلف الإمام يسمونه روضة، ما له أصل.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، هل يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة يكون له مزيد فضل؟
ما في شك أن المزيد بموافقة حجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر الثاني أنه يكون فيه أكثر من سبب لإجابة الدعاء، كونه آخر ساعة من الجمعة، وكونه عشية عرفة.
قال: وحدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني عن يزيد بن الهاد" الأصل الهادي بالياء، وتحذف الياء تخفيفاً مثل العاص، وإلا فالأصل أنه بالياء، مثل العاصي، هذا الأصل؛ لأنه منقوص مقترن بـ (أل) فلا تحذف الياء إلا في حالتي الرفع والجر مع التجرد من (أل) مررت بقاضٍ، جاء قاضٍ، نعم.
طالب. . . . . . . . .
إيش فيه؟ هذا مشترك، هذا مشترك، الاسم مشترك، مثل: كريم، ما في إشكال، وأثبتت الهداية لبعض الخلق، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} [(52) سورة الشورى] فهو هادٍ، قال: وحدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني عن يزيد بن الهاد عن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة)).(29/12)
ثم قال: وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله ح وحدثنا ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)).
كيف يكون المنبر على الحوض؟ يعني هل مقتضاه يعني كما قيل في البيت المعمور: إنه مسامت للكعبة؟ فيكون هذا مقلوب، يكون الحوض على المنبر، لكن ليس هذا المراد، وإنما منبر النبي -عليه الصلاة والسلام- إما أن يكون هذا الذي في الدنيا ينقل ليكون على الحوض، أو ينصب له منبر على الحوض، هو أفضل المنابر؛ لأنه ثبت أن المقسطين على منابر من نور، والأنبياء أولى من غيرهم، وهو -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق أولى بذلك من غيره، فيكون على منبر يذود الناس عن الحوض، يذود من يستحق أن يذاد، فيأتون للشرب منه، ثم يذودهم، كما يذود الراعي إبل غيره عن حوضه، ثم بعد ذلك يذادون، فيقول: ((أصحابي أصحابي)) وفي بعض الروايات: يذود بعضهم هو، ممن عرف أنه غيّر، أو تغير، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
على منابر من نور، لا، ما يلزم، إنما يلزم منه ارتفاع على الناس.
طالب: لا، لا، الحوض، ((منبري على حوضي))؟
لا المسألة مسألة ارتفاع على المنبر، يكون مرتفعاً عن غيره.
طالب: يُرى؟
يُرى نعم، هذا تكرمة، تكرمة، ((المقسطون على منابر من نور)).
طالب: بس هذا داخل الجنة يا شيخ والحوض خارج؟
معروف، لكنه يبقى أنه مثلما قرر هناك منبر، يوجد منابر في العرصات.
طالب: قوله: خطيبهم. . . . . . . . .
ما أعرف في هذا معروف، لكنه يذكر هذا، يذكره أهل العلم في فضائله، وفي مناقبه -عليه الصلاة والسلام-، في شمائله يذكر مثل هذا.
طالب: يا شيخ بالنسبة للحوض يذود الناس عنه لأهل اليمن؟
ويش فيهم؟ يذود أهل اليمن وإلا يذود الناس عنهم؟ يعني هذه مزية لأهل اليمن؟
طالب: أنا أسأل يا شيخ؟(29/13)
أنت اللي وردت، لا شك أن فضائل أهل اليمن ثابتة في الأحاديث الصحيحة، لهم فضائل ثابتة ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، ((يأتيكم أهل اليمن أرق الناس قلوباً، وأعمقهم إيماناً)) إلى آخره، على كل حال الفضائل ما تنكر، نعم.
طالب: ما المقصود من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-. . . . . . . . .
كل ما كان في جهة الجنوب مما يسامت اليمن الحالي إلى الطائف أو قريب منه، في العرف القديم كله يمن،
نعم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل الساعدي عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وساق الحديث وفيه: ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث)) فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: ((هذه طابة، وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه)).
حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا قرة بن خالد عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحداً جبل يحبنا ونحبه)).
وحدثنيه عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثني حرمي بن عمارة قال: حدثنا قرة عن قتادة عن أنس قال: نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أحد فقال: ((إن أحداً جبل يحبنا ونحبه)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن عباس بن سهل الساعدي عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، وساق الحديث" يعني بطوله بالتفصيل وفيه: "ثم أقبلنا" يعني رجعنا، قفلنا "حتى قدمنا وادي القرى" أين يقع وادي القرى؟
طالب: في الشمال يا شيخ.
طالب آخر: في المدينة.
هو بينهما، لكن بالتحديد، ويش يصير؟
طالب. . . . . . . . .
يعني ما في بلد دخل في هذا الوادي وصار معروف؟
طالب. . . . . . . . .
عليه قرى، لكن المكان الذي أسرع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي))؟
طالب: العلاء.(29/14)
العلاء، نعم بالعلاء، والعلاء موطن حصل فيه عذاب لقوم، ومع الأسف أنه يزار الآن، بدل من أن يسرع الناس يزورونه، ولا شك أنه محاط بسياج وشبوك، وما أشبه ذلك، وهناك مسجد قديم يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه، ولا يثبت هذا الخبر، وقد رمم وجدد، وأعيد بناؤه، نعم.
طالب: في العلاء؟
بالعلاء إيه، وفي مطالبات الآن بهدمه، وإزالة معالمه؛ لأن البيوت المجاورة لها كلهم انتقلوا ما في أحد. ((فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث)) فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال: ((هذه طابة)) تقدم بعض أسمائها، ومنها طابة ((وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه)).
وقعت حوله المشهورة، الغزوة المشهورة بغزوة أحد، ولا شك أن أحد جماد، ومحبة بعض الأماكن، وبعض البقاع لا شك أن منها ما هو شرعي، مما جعل الله له مزية، شرف الله -جل وعلا- بعض البقاع على بعض، وهذا الجبل يحبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يحب النبي وأصحابه، ولما صعد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر وبعض الصحابة ارتجف، فقال: ((اثبت أحد، فأنما عليك نبي وصديق وشهيدان)) اللهم صلي عليه، فثبت، ((يحبنا ونحبه)) محبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- للجبل ما فيها إشكال، ظاهرة؛ لأنه محل للحبة، لكن محبة الجبل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهو جماد، منهم من يقول: يحبنا يعني يحبنا أهله، الذين يسكنون حوله، ومنهم من يقول: لا مانع من أن يجعل الله -جل وعلا- في هذا الجماد تمييزاً، تصدر منه علامات المحبة، لا سيما وقد استجاب لطلب النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اثبت)) فثبت، والقدرة الإلهية ما في شك في صلاحيتها لمثل هذا، فالجمادات تتكلم {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] ولا مانع أن يوجد فيها هذا الميل القلبي، والمحبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ووجد من بعض الجمادات قريب من هذا، مثل حنين الجذع، الذي كان يخطب إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومثل تسبيح الحصى، ومثل أمور كثيرة، رد السلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، السلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها أمور كثيرة ذكرت في شمائله، كثير منها صحيح، وأكثرها لا يثبت، نعم.(29/15)
حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ لعمرو قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)).
حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام)).
حدثني إسحق بن منصور قال: حدثنا عيسى بن المنذر الحمصي قال: حدثنا محمد بن حرب قال: حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين، وكان من أصحاب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "صلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد"، قال أبو سلمة وأبو عبد الله: "لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك، وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك، حتى يسنده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن كان سمعه منه فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكرنا ذلك الحديث، والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: "أشهد أني سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد)).(29/16)
حدثني محمد بن المثنى وابن أبي عمر جميعاً عن الثقفي قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سألت أبا صالح: هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لا، ولكن أخبرني عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه سمع أبا هريرة يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة، أو كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا أن يكون المسجد الحرام)).
وحدثنيه زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن حاتم قالوا: حدثنا يحيى القطان عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد.
وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)).
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ح وحدثناه ابن نمير قال: حدثنا أبي ح وحدثناه محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب كلهم عن عبيد الله بهذا الإسناد.
وحدثني إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بمثله، وحدثناه ابن أبي عمر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله.
وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعاً عن الليث بن سعد قال قتيبة: حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسلم عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعتِ، وصلي في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)).
اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.(29/17)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ لعمرو" وإذا كان اللفظ لعمرو فما لزهير؟ له المعنى "قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهذه الصيغة كما قرر أهل العلم صيغة رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)).
((مسجدي هذا)) يقتضي أن يكون المراد به المسجد الذي بناه النبي -عليه الصلاة والسلام- بحدوده دون ما زيد فيه؛ لأنه أشار إلى موجود، وحينما أراد بيان فضل المسجد الحرام قال أطلق، ولم يقل المسجد المعروف المحدود فتدخل فيه زياداته، وهذا اختيار جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: المسجد هو مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- مهما زيد فيه، فالزيادة لها حكم المزيد.
((أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))
((أفضل من ألف صلاة)) ومعلوم أن هذا الفضل إنما هو في الأجر المرتب على الصلوات، لا في ما يعادلها من الصلوات، بمعنى أنه لو كان عليه قضاء صلوات ألف يوم، وذهب إلى المسجد النبوي، وصلى فيه الفرائض الخمس تكفي وإلا ما تكفي؟ ما تكفي إجماعاً، كما أن من قرأ: قل هو الله أحد، وإن كانت تعدل ثلث القرآن إلا أنها لا تكفي لمن نذر أن يقرأ القرآن، أو يختم ختمة، أو ما أشبه ذلك.
((إلا المسجد الحرام)) ((أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)).
الحديث يستدل به المالكية على تفضيل المسجد النبوي على جميع المساجد حتى المسجد الحرام، ويستدل به الجمهور على تفضيل المسجد الحرام على المسجد النبوي، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ قرر.
طالب:. . . . . . . . .
يعني واضح أن الفريقين كلهم يستدلون بالاستثناء؟
طالب:. . . . . . . . .
احتمال أن يكون يفضل عليه بتسعمائة، أقل، تسعمائة مثلاً، أو خمسمائة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
فيما هو أقل من ألف، والاحتمال الثاني، وهو قول الجمهور، صلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإنه يفضل أكثر من ذلك، فإن فضله أكثر من ذلك.(29/18)
حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام)) يعني لو لم يرد إلا هذا اللفظ لكان لقول المالكية وجه، يعني لصار القولان متساويين؛ لأن الاحتمالين على حد سواء، لكن جاء ما يرجح الاحتمال الثاني، وهو أن المسجد الحرام أفضل من المسجد .. ، الصلاة في المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي بمائة صلاة، فيكون صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: حدثني إسحق بن منصور قال: حدثنا عيسى بن المنذر الحمصي قال: حدثنا محمد بن حرب قال: حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين، وكان من أصحاب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "صلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يقول: صلاةٌ، ما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني في هذا الطريق ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "صلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: "آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد" يعني هل هذه علة مطردة في التفضيل؟
طالب:. . . . . . . . . في حالة واحدة المساجد المفضلة مثلاً، أو مساجد المدينة. . . . . . . . .(29/19)
يعني هل كونه آخر المساجد؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كونه خاتم النبيين من مناقبه ومن فضائله وشمائله وخصائصه، لكن كون المسجد آخر المساجد، العلماء يقررون أن القدم له مزية على التأخر، فالمسجد القديم أكثر أجراً -من يصلي فيه- من المسجد الجديد، هذه أمور زائدة على القدر الذي يشترك فيه جميع الناس مما يحصلون عليه من أجر الصلوات، يعني لو قدر أن إنسان مع آخر حضور القلب بالنسبة لهما على حد سواء، وكل منهما يحصل من الأجر على نصف الصلاة، إلا أن هذا صلى في المسجد قديم، وهذا صلى في مسجد جديد، أو هذا صلى في مسجد تكثر فيه الجماعة، وهذا صلى في مسجد تقل فيه الجماعة، أو أن هذا صلى في مسجد يؤمه إمام من أئمة المسلمين، وهذا يؤمه شخص عادي، ففضل الإمام له مزية بلا شك على من دونه.
العلة المنصوصة هذه "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وأن مسجد آخر المساجد" يعني هل هذه مطردة، والتأخر له مزية؟ لا.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك أن هذه مطابقة، نعم.
طالب: كونه بناه هو النبي بنفسه، وآخر مسجد بني بيد نبي. . . . . . . . .
طيب لو انهدم وبني بيد غيره؟
طالب: هذا لا بأس، بس الأصل التأسيس.
لا هنا عندنا العلة المذكورة المنصوص عليها في كونه -عليه الصلاة والسلام- آخر الأنبياء هذا ما فيه إشكال، كونه آخر المساجد، والمقصود بذلك مساجد الأنبياء، وإلا المساجد ما زالت تعمر إلى قيام الساعة، آخر المساجد، لا شك أن هذه مطابقة من وجه، هذا اشتركا في الآخرية، لكن لا يلزم من الآخرية الفضل المطلق.(29/20)
قال أبو سلمة وأبو عبد الله: "لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة" يقولون: نحن نجزم أن أبا هريرة لا يمكن أن يقول هذا الكلام من تلقاء نفسه، لا يمكن أن يقول هذا التفضيل من كيسه، إنما يأوي فيه إلى شيء يأثره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا الأمر تركوه ما سألوه، "فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك وتلاومنا" كل منهم قال: ليتنا سألنا، "وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك حتى يسنده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني صراحة، "إن كان سمعه منه، فبينا نحن على ذلك" على ذلك المجلس والتلاوم "جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكرنا ذلك الحديث، والذي فرطنا فيه" قلنا له: إننا ما استثبتنا، سمعنا أبا هريرة يقول، ولم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا تثبتنا منه حتى مات، فتلاومنا على ذلك، لام بعضنا بعضاً "والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة عنه فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: "أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد)).
كونه آخر الأنبياء، يدل على أن شريعته نسخت الشرائع، وهذه فائدة عملية من كونه آخر الأنبياء، لكن ماذا عن آخرية المسجد؟ لا سيما وأن عامة أهل العلم على تفضيل المسجد الحرام على المسجد النبوي، نعم.
طالب: الأول: آخر الأنبياء تفضيل، آخر المساجد فُضّل.
فضل بكونه آخر، طيب.
طالب: المساجد فناءً، تفنى، تفنى المساجد كلها في الأرض فيكون مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر مسجد.
لا، هو السياق، سياق تفضيل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- فضل لكونه آخر الأنبياء، وشريعته نسخت الشرائع، والمسجد النبوي فضل لكونه آخر المساجد.
طالب:. . . . . . . . .
كيف له؟
طالب: مساجد يصلي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيها هذا الفضل الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن صلاة فيه تعدل ألف صلاة.(29/21)
يعني كون آخر الأنبياء يصلي في آخر مسجد هذه ميزة، يعني كونه انتقل من المسجد الحرام إلى المسجد النبوي هذه ميزة، لكن متى تكون ميزة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، متى تكون ميزة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا انتقل عن الأول رغبة عنه، وانتقل منه إلى الثانية رغبة إليه، تكون ميزة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لمكة: ((إنك لأحب البقاع إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما خرج من مكة، ولا ترك مسجدها رغبة عنها، فتكون الميزة فيما لو خرج رغبة عن المسجد الأول إلى الثاني، لا شك أن كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في هذا المسجد، وتطول صلاته فيه، وتطول ملازمته له، لا شك أنها ميزة، ميزة لهذا المسجد، نعم.
ما يقال: إن المسجد. . . . . . . . . من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. . . . . . . . .
لكن السياق سياق تفضيل، تفضيل أو فضل؟
طالب:. . . . . . . . .
هل السياق سياق تفضيل أو سياق فضل؟ كونه سياق فضل ما في إشكال.
طالب: تفضيل نسبي يا شيخ، قد يكون تفضيل نسبي، بعض الصحابة. . . . . . . . .
كونه فضل ...
طالب:. . . . . . . . . ولكن أبو بكر أفضل منه وجهاً، مثل أبي في القرآن، وزيد في الفرائض، وأبو بكر أفضل. . . . . . . . .
شوف ترى مثل هذا الكلام يقوله بعض الغلاة، يقول: هو أفضل من المسجد الحرام نسبياً؛ لوجود البقعة الطاهرة التي هي أفضل من كل بقعة، أفضل حتى من العرش، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
القبر.
طالب: لا أنا ما أقصد.
أنا أعرف أنك ما تقصد، يعني كونه سياق فضل لا إشكال فيه، لكن كونه سياق تفضيل لا يمنع، يكون هذا فضل عام، نعم، يخص بما جاء في فضل المسجد الحرام، فضل عام يخص بما جاء في فضل المسجد الحرام(29/22)
وإشارتك إلى الفضل النسبي نعم، النبي -عليه الصلاة والسلام- آخر الأنبياء وأفضل الأنبياء بلا شك، وسيد ولد آدم، ولا أحد يشك في هذا، لكن الأمور النسبية، يعني هذا من حيث الإطلاق، لكن في أمور نسبية، كون إبراهيم يكسى قبل محمد -عليه الصلاة والسلام-، نسبي، لا يقتضي التفضيل المطلق، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض، فإذا قام إذا موسى آخذ بقائمة العرش، هذا تفضيل نسبي، لكن يبقى أن محمد -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وما قررته قريب ترى، ما هو بعيد، لكن نريد أن نفرق بين من يتجه الاتجاه المبني على قواعد علمية، وبين من يبني على لا شيء، يعني من فضل المسجد النبوي لأن فيه هذه البقعة التي لا يعدلها شيء، بل هي أفضل البقاع وأحبها إلى الله -جل وعلا-؛ لوجود الجسد الطاهر فيها، نعم إذا كان على ما قال أهل العلم إذا كان المراد هذه البقعة بما تضمه من هذا الجسد فالكلام صحيح، لكن إذا كانت البقعة مجردة فلا، إذا كان مجرد .. ، القبر مجرد، أما وفيه هذا الجسد الطاهر فلا أفضل منه ولا أشرف من أي مخلوق، فالكلام الذي أشار إليه الشيخ وأن المسألة نسبية كلام صحيح ما في إشكال، فهو من هذه الحيثية كونه آخر أفضل، ويبقى تفضيل المسجد الحرام عليه من جهات أخرى.
قال: حدثنا محمد بن المثنى وابن أبي عمر جميعاً عن الثقفي قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: سألت أبا صالح: هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لا، ولكن أخبرني عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه سمع أبا هريرة يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة، أو كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا أن يكون المسجد الحرام)).
قال: وحدثنيه زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن حاتم قالوا: حدثنا يحيى القطان عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد.
قال: وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)).(29/23)
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ح وحدثناه ابن نمير قال: حدثنا أبي" إلى آخر الطرق كلها بمثله، أو نحوه.
ثم قال: "وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعاً عن الليث بن سعد قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس" قالوا: الصواب ابن عباس، إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، هكذا قال الدارقطني، والبخاري في تاريخه الكبير، "أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني" يعني مرضت فنذرت إن شفاها الله -جل وعلا- لتخرجن فلتصلين "في بيت المقدس فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسلم عليها فأخبرتها ذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت" إيش كلي ما صنعت؟ يعني ما أعددته لسفرها كليه هنا، وارتاحي، "كلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة)).
وهذا بالنسبة لمن نذر أن يصلي في أي مسجد لا مزية له لا يلزمه الوفاء بالنذر، يصلي في أي مسجد، فإن كانت له مزية لا يكفي أو لا يفي بنذره حتى يصلي فيه، أو فيما هو أفضل منه، فإن نذر أن يصلي في بيت المقدس فله أن يصلي فيه، وله أن يصلي في المسجد النبوي والمسجد الحرام، لكن إن نذر أن يصلي في المسجد النبوي لا يكفيه أن يصلي في بيت المقدس، وإن صلى في المسجد النبوي أجزأه، وإن صلى في المسجد الحرام أجزأه، وإن نذر أن يصلي في المسجد الحرام فلا يجزيه أن يصلي إلا أن يصلي في المسجد الحرام، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وكذلك الاعتكاف إذا نذره.
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا قلنا: إن الصلاة في المسجد النبوي بألف، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، نقول: مائة، مائة مرة بالمسجد النبوي.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، نشوف ما قال الشيخ في هذه الملاحظة يقول: كون مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر المساجد أي آخرها يفضل، فلا يفضل مسجد بعده، وهذا فيه إغلاق لباب الابتداع في مساجد أخرى، يزعم المبتدعة أن لها فضل، السياق ظاهر؟
طالب: واضح الكلام.(29/24)
وهو متجه وإلا ما هو بمتجه؟
طالب: احتمال.
يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- آخر نبي، وفُضّل بكونه آخر .. ، هل من أجل أن يسد الباب على ألا يدعي أحد الأفضلية؛ لأن السياق واحد، كون النبي -صلى الله عليه وسلم- .. ، لا شك ملحظ جميل هذا، لكن هل السياق يدل عليه؟ كون مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر المساجد، أي آخرها يفضل، يعني آخر مسجد له فضل، ومزية على غيره، فلا يفضل مسجد بعده، وهذا فيه إغلاق لباب الابتداع في مساجد أخرى يزعم المبتدعة أن لها فضل.
طالب: مسجد يا شيخ قباء فيه فضل؟
لكنه قبله، بني قبله، ما يرد.
طالب:. . . . . . . . .
ما يرد، ما يرد، ما يرد على كلام الشيخ، وعلى كل حال كل هذه احتمالات، وكلها مقبولة، والأمر قد يعلل بأكثر من وجه، هذا التفضيل لهذه المساجد، المسجد الحرام عند الجمهور بمائة ألف صلاة، والمسجد النبوي بألف صلاة، وجاء في المسجد الأقصى أنه بخمسمائة صلاة، لكن ما جاء في المسجدين، أو في الحرمين أكثر، وإذا قال أهل العلم: أكثر، يعني أقوى، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من جمع الروايات كلها، لا بد من جمعها، وباجتماعها يتبين هذا، أن المسجد النبوي بألف صلاة، والمسجد الحرام بمائة صلاة بالنسبة للنبوي، ومائة ألف من حاصل الضرب بالنسبة لغيره، وبيت المقدس إن ثبت فيه الخبر ففي خمسمائة صلاة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
وهم من راويها، وهم، سمع المائة ألف فظنها على الجميع.
طالب: بس يا شيخ ما جاء عدد أقل من الخمسمائة يا شيخ؟
الأقصى؟
طالب:. . . . . . . . .
كم؟
طالب: مائتين وخمسين.
اللي أحفظ خمسمائة، على كل حال الثابت في المسجدين، وأما المسجد الأقصى ففيه، جاء في فضله أحاديث، وهي الأرض المباركة {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء].(29/25)
المراد بالصلاة في هذا التفضيل، منهم من حملها على عمومها، قال: جنس الصلاة، حتى من يقول: إن سجدة الشكر أو سجدة التلاوة صلاة تفضل بمائة ألف سجدة في المسجد الحرام، ومنهم من يحمل الحديث على عمومه فيقيس سائر العبادات على الصلاة، الجنازة وغير الجنازة، ومنهم من يخص ذلك بالفرائض، الصلوات المفروضة التي تؤدى في المساجد، أما ما جاء تفضيل فعله في البيوت فهي في البيت أفضل من فعلها في المسجد، ولو حصلت هذه المضاعفات، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)) أين قال هذا الكلام؟ في المدينة، فهل نقول: إن الإنسان يحرص على النوافل في المسجد النبوي؛ ليحصل على مائة ألف صلاة، ويترك البيت؟ لا،
طالب: بألف صلاة.
ألف صلاة نعم، أفضل من البيت؟ لا، يصلي النوافل في البيت وهي أفضل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها في بيته، لا سيما ما كان منها بالليل، راتبة المغرب، راتبة العشاء، راتبة الصبح، كلها يصليها في بيته، ويصلي بقية النوافل، وحث على ذلك، فلا تدخل في هذا عند جمع من أهل العلم، وإن قال بعضهم: الحديث على إطلاقه، فما كان في المسجد فضله في فعله في المسجد، وما كان في البيت فضله في فعله بالبيت بنفس النسبة، أما بالنسبة للمسجد الحرام ومكة كلها حرم عند جمهور أهل العلم، هذا ما فيه إشكال، يعني تصلي في بيتك بمائة ألف صلاة، عند عامة أهل العلم، عند جماهير أهل العلم.
وأما من يخص المسجد الحرام بالمسجد، مسجد الكعبة، المحوط بالأسوار بزياداته مهما زيد فيه على قول الجمهور، فإنه يجعل البيوت بمكة كغيرها من البلدان، لكن فضل الله واسع، والأدلة تضافرت على إرادة جميع الحرم بهذا التفضيل.
طالب: يقول مسجد الكعبة.
بلد الكعبة بعد، إيش يصير؟ لو قال: بلد الكعبة إيش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} [(217) سورة البقرة] من أين أُخرجوا من المسجد وإلا من مكة؟ من البيوت، من مكة.
طالب:. . . . . . . . .
لا عاد كونه أسري به من بيت أم هانئ فيه ضعف.
طالب: فيه ضعف يا شيخ؟
فيه ضعف نعم، وأنه كان نائم في المسجد، لكن "إخراج أهله" من أين أخرجوهم؟(29/26)
طالب:. . . . . . . . . في مسجد الكعبة.
وأخرجوهم من المسجد؟ مسجد الكعبة وإلا من مكة؟
طالب:. . . . . . . . . الأحاديث في المسجد الحرام ...
لا، لا، النصوص تجمع بكاملها، وفيه أكثر من دليل على أن المراد مكة، وهو قول جماهير أهل العلم.
طالب: الصحابة، من الصحابة ...
ابن عباس، ابن عباس انتقل من مكة إلى الطائف، وجاء في قصة الحديبية أنهم إذا جاء وقت الصلاة دخلوا إلى الحرم.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن الأدلة متضافرة على هذا، والتحجير، تحجير الواسع، وفضل الله -جل وعلا- أعظم من أن يحد بمثل هذه الأقوال.
طالب: هل يفرق بين الزائر، يقول: أنا أمكث بضعة أيام فأصلي النوافل في الحرم بدل ما أصليها في البيت؟
هذا إذا قلنا: إن النوافل تشرع في حقه، اقرأ الباب الأخير خلينا نشوف.
حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب جميعاً عن ابن عيينة قال عمرو: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة: مساجد مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى)).
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد غير أنه قال: ((تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد)).
وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر أن عمران بن أبي أنس حدثه أن سلمان الأغر حدثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء)).(29/27)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب جميعاً عن ابن عيينة قال عمرو: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) " هذه هي المساجد التي يجوز أن تشد الرحال إليها، وما عدى ذلك لا يجوز السفر إليها باعتبارها لذاتها، لكن إذا سافر إلى مسجد لأن إمامه متميز، فيه ميزة عن غيره، إما بصوته المؤثر، أو لعلمه الذي يبذله لمن يصلي معه، يعني المسألة مسألة بقاع، البقاع لذاتها لا تشد إليها الرحال إلا إلى هذه البقاع الثلاث، لكن لو وجد إمام مؤثر بالخرج مثلاً، وقال: أنا أذهب إلى الخرج، وأعتكف هناك، أو في القصيم، أو في الشمال، أو في الجنوب، أو حتى في مكة، أو في المدينة غير المسجدين، يقول: في إمام مؤثر، وإذا ابتعدت عن بلدي لا شك أنه أتفرغ للعبادة أكثر مما لو اعتكفت في بلدي، لهذه المقاصد، لا لذات البقعة، مبرر وإلا غير مبرر؟ يعني المنع من مثل هذا الاحتمال، من مثل هذا الإيراد، لذات المقصد، أو لما يجر إليه.
طالب:. . . . . . . . .(29/28)
إيه؛ لأنه أحياناً يكون مقصد الإنسان حسن، في باطنه، لكنه في الظاهر يفتح باب، يعني لو وجد مثلاً إمام في جهة ما، يعني مسافة قصر أو أكثر، لكن هذا الإمام يحضر قلبك عند قراءته، بغض النظر عن المسجد، يقول: لو أنا قصدت المسجد ما ذهبت، أنا أذهب لهذا الإمام، يعني كما تذهب إلى زيارة فلان، أو صلة فلان، أو الصلاة على فلان، يعني أنت ما قصدت البقعة، يعني حينما صلي على الشيخ مثلاً بالمسجد الحرام مثلاً، أنكر بعض الناس، من أنكر أن يُسافر من أجل هذا، لكن افترض أنه صلي عليه بالطائف حيث مات، يسافر الناس وإلا ما يسافرون؟ يسافرون؛ لأنه ليس المقصود البقعة، المقصود الصلاة براً بهذا الشيخ، كما لو كان حياً في زيارته، أو كان مريضاً في زيارته، ونقول مثل هذا: لو توفي الأب أو الأم في بلد آخر، نقول: ما يجوز أن تسافر تصلي على أبيك أو على أمك؟ ما يقول بهذا أحد، وقد وجد من ينكر، لكن لا وجه للإنكار؛ لأنه ليس المقصود السفر إلى البقعة، والإجابة بأن الصلاة عليه، السفر للصلاة عليه من أجل المسجد الحرام، لا، يعني لو كان بالطائف مثلاً، سافر الناس للصلاة عليه، يموت العلماء في الرياض، ويفد طلاب العلم من الجهات إلى الرياض، لم يسافروا من أجل تقديس بقعة، بل سافروا لأمر شرعي نظير الصلة، ونظير الزيارة، وزيارة المريض، وزيارة العالم، والرحلة في طلب العلم، المقصود أن المراد بذلك الأجر المرتب، والأمور بمقاصدها، لكن لو زار بقعة لا يعرف، أو لا يُعرف السبب، لا يعرف السبب إلا هو، إمام عادي عند الناس كلهم، يوجد في الخرج إمام عادي أو في القصيم الناس ما يعرفون له مزية، فسافر قال: أنا والله أرتاح لهذا الإمام، أنا ما ذهبت من أجل البقعة، إنما ذهبت من أجل الإمام أرتاح له، وهذا يخفى على الناس كلهم، لا شك أن مثل هذا يمنع، مثل هذا يمنع، لماذا؟ لأنه يفتح باب، والأحكام الشرعية ينبغي أن تكون معللة بعلل ظاهرة، لا تربط بعلل خفية، كثير من الناس ورأيناهم يذهبون من الرياض ومن الشرقية ومن الشمال والجنوب يعتكفون بمسجد الذي يصلي فيه المحيسني بمكة، ما ذهبوا إلى المسجد الحرام، نعم لو ذهبوا إلى المسجد الحرام، وأدوا العمرة، سافروا من أجل العمرة(29/29)
والاعتكاف هناك لا يحتاج إلى شد رحل ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، بس ما في ذهنه أنه يعتمر، هو من الأصل رائح يبي يعتكف في مسجد المحيسني، وقال: ما دام رايح رايح ...
طالب:. . . . . . . . .
هذه علل مقبولة وهي الظاهر، ولا يظن بهم إلا هذا، لكن أنت افترض أن شخصاً قال: المسجد الحرام، مكة كلها حرام، في مسألة الشد خاص بالمسجد، والمضاعفة عامة في البلد، فلا يشد إلا إلى المسجد الحرام، فلا يشد الرحل من أجل أن يعتكف في المكان الفلاني أو العلاني، لا، طيب ذهب إلى مكة واعتمر وانتهى، وأهله في الرياض، وفي القصيم شخص يتأثر بقراءته وهو راجع راجع من مكة يا إلى الرياض، أو إلى القصيم، وقال: بدل ما أروح للرياض أروح للقصيم، هو شد الرحال من أجل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز وإلا ما يجوز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
خلونا نتجاوز هذه المرحلة هذه قررناها، مسألة مفترضة في شخص اعتمر وبدلاً من أن يأتي إلى مسكنه بالرياض قال: أذهب إلى القصيم، وأعتكف هناك لأتفرغ للعبادة، وأسمع صوت هذا العبد الصالح، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟
طالب: ما في إشكال لأنه سافر من أجل سماع صوته ...
لكن لو رجع إلى الرياض ثم سافر إلى القصيم؟ مسألة الأمور الخفية لا شك أنه لا يعلق عليها حكم شرعي، وسد الذرائع في مثل هذا الباب أمر مطلوب، وأردت أن أنتقل في العشر الأواخر إلى مسجد معين في القصيم ثم تركت، من أجل سد الذريعة؛ لأني أعرف طلاب من طلابنا يمكن في السنوات القادمة يسوون مثل هذا، وقد تختلف مقاصدهم، أنت ما تضمن قلوب الناس، فمثل هذا لا بد من سده، والرحال لا تشد إلا إلى المساجد الثلاثة، ولو وجد مثل هذا المبرر يحتسب الإنسان، ويتجاوزه لينال من الأجر أعظم مما قصد -إن شاء الله تعالى- في فعله هذا.(29/30)
شد الرحال إلى المساجد الثلاثة، البقع الثلاث، شد الرحال لطلب العلم في أي بقعة كانت هذا شرعي، شد الرحال للجهاد للتجارة لأي مقصد للسياحة إنما من أجل الصلاة في بقعة معينة غير البقاع الثلاث هذا ممنوع، وجاء: ((لا تشد الرحال)) تشد الرحال إلى الأضرحة والمزارات والبقاع والعتبات وما أشبه ذلك مما وقع فيه كثير من المبتدعة، إذا منع من شد الرحل إلى مسجد فلأن يمنع من شد الرحل إلى قبر أو مزار أو عتبة أو ما أشبه ذلك من باب أولى.
وأفتى جمع من أهل العلم بتحريم ذلك، منهم أبو محمد الجويني وشيخ الإسلام ابن تيمية وعامة أهل العلم، شد الرحل إلى زيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- لزيارة قبره، وجاء فيها أحاديث كثيرة، وكلها ضعيفة جداً، بل حكم جمع من أهل العلم بوضعها، وقرر شيخ الإسلام هذا في رسائل، ليس في رسالة واحدة، وهي مجموعة، جمع بعضها في المجلد السابع والعشرين من مجموع الفتاوى، وقرر أن شد الرحل لزيارة القبر لا تجوز، قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن غيره، وإن جاء ما فيه من الأحاديث الضعيفة، فإنها لا تقوى على أن تكون أصلاً يعتمد عليه في هذه المسألة.
رد عليه السبكي في شفاء السقام بمشروعية زيارة خير الأنام -عليه الصلاة والسلام-، رد على شيخ الإسلام، وأورد من أقوال أهل العلم، وأورد أيضاً من الأحاديث الضعيفة، وأورد أيضاً عموم الأمر بزيارة القبور، ((زوروا القبور))، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) شيخ الإسلام ما يمنع زيارة القبور، إنما يمنع شد الرحل للقبور، هذا الذي يمنعه شيخ الإسلام، لكن من كان بالمدينة ولا يحتاج إلى شد رحل من أفضل الأعمال، مأمور بها، من أهل العلم من أوجب زيارة القبور، وهذا منها، بل من أهمها وأشرفها، فشيخ الإسلام لا يمنع من زيارة القبور، وإنما يمنع من شد الرحال إلى القبور، فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.(29/31)
السبكي رد على شيخ الإسلام بمجلد، ثم جاء ابن عبد الهادي فرد على السبكي في كتاب سماه: (الصارم المنكي أو المبكي في الرد على السبكي) رحم الله الجميع، ثم جاء بعد ذلك من ينتصر للسبكي في رسالة، في مجلد صغير اسمه: (نصرة السبكي) وأورد ما أورده السبكي، وزاد عليه من الأخبار والآثار التي لا تثبت، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ} [(64) سورة النساء] جاءوك شامل لما كان في حياته وبعد مماته، لكن عامة أهل العلم على أنه في حياته، كيف يستغفر لك الرسول وهو ميت؟ نعم وقصة العتبي وإن أوردها الحافظ بن كثير لا تثبت.
طالب. . . . . . . . .
إيه موضوعة بلا شك.
طالب: وإن ثبتت فهي رؤيا منام، هل يحكم فيها؟
على كل حال مثل هذه الأمور لا يثبت فيها حكم.
قال: وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد غير أنه قال: ((تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد)).
تشد الرحال، واللفظ الأول الذي فيه الحصر أقوى في الدلالة على المنع.
قال: وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر أن عمران بن أبي أنس حدثه أن سلمان الأغر حدثه أنه سمع أبا هريرة يخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما يسافر –حصر- إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء)).
إيلياء: بيت المقدس، وتقال بهذا الضبط بالهمزة في أولها مع الياء مع الياءين واللام والمدة في آخره، ويقال: إليا، بدون الياء الأولى، ويقال: إيليا بدون همز، ثلاث لغات.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يمنع، مادام قصده العمرة، لكن ماذا عما لو شد الرحل من هنا من الرياض إلى زيارة المسجد والقبر؟ زيارة مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- والصلاة فيه مع القبر، هل يقال: ممنوع؟ التشريك في مثل هذه النية؟ تشريك مأمور بمحظور، ما يصلح، فيمحض الزيارة للمسجد، وإذا وصل يزور بدون شد.
طالب: بس النية مبيتة مسبقاً.
نعم؟
طالب: يخطر على الإنسان ولكن لا يعزم. . . . . . . . .(29/32)
شوف النيات إذا هجمت على القلوب فلا يخلو: إما أن يكون هو أحد أمرين: إما أن يكون ممن يرى تحريم شد الرحل، فهذا يبي يشد إلى المسجد، أو يرى جواز شد الرحل فهذا لو تقول له: مساجد الدنيا ما عدلت القبر عنده، والله المستعان.
طالب: فعل مسلم الآن، الحديث الأول: قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) هنا النهي المؤكد، ثم خفف النهي بقول: ((تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد))؟
هذا من تصرف الرواة، المسألة حصر، كل الطرق لا تشد، أو إنما يسافر، اقرأ الباب.
قال: حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: ((هو مسجدكم هذا)) لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي قال سعيد: أخبرنا وقال أبو بكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد عن أبي سلمة عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله، ولم يذكر عبد الرحمن بن أبي سعيد في الإسناد.(29/33)
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ يعني أي المسجدين؟ مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو مسجد قباء؟ لا شك أن مسجد قباء بني قبل المسجد النبوي، بناه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل دخوله المدينة، ثم دخل المدينة فبنا مسجده، فالأولية المطلقة لمسجد قباء، وإذا قلنا: إن أول مسجد أسس على التقوى هو المسجد النبوي، فماذا عن مسجد قباء؟ هو أول، لكن هل نقول: إنه لم يؤسس على التقوى؟ إذا قلنا: إن أول مسجد أسس على التقوى هو مسجد قباء خالفنا هذا الحديث، مع أنه جاء في سنن أبي داود وفيه ضعف لما نزلت الآية: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل قباء: ((إن الله أثنى عليكم فما صنيعكم؟ )) قالوا: كنا نتبع الحجارة الماء، لكن الحديث ضعيف، ولا يقاوم مثل هذا الخبر الذي بين أيدينا، فإذا قلنا: إن أول مسجد أسس على التقوى كما هو مقتضى وصريح حديث الباب وهو أصح ما ورد في الباب فماذا عن مسجد قباء؟ لا نستطيع أن نقول: إنه قبل المسجد النبوي؛ لأن الواقع يرد هذا، ولا نقول: إنه لم يؤسسه النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي امتلأ قلبه بالتقوى، فماذا نجيب؟ فبماذا نجيب؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
شوف السياق: فقلت: يا رسول الله أي المسجدين أسس على التقوى؟
طالب: يعرف أول مسجد في الإسلام، من هذا الطريق أنه هذا أسس الذي هو مسجد قباء، ما يكون دفع توهم، دفع توهم.
كيف؟
دفع توهم إن كان توهمه بعض الناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسجد قباء، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا مؤسس على التقوى.
إيه لو كان السياق أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ مفهوم الكلام أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ ألا يفهم منه أن الثاني ما أسس على التقوى؟ تحليل ألفاظ، الذي نعتقده وندين الله بغير هذا، لكن الكلام في التعامل مع اللفظ.
طالب: هذا يسأل عن. . . . . . . . .(29/34)
الله يزيد فهمك يا أبو رضوان، مريح فهمك، ما يشكل عليك، أقول: ما تتعب مع النصوص ما شاء الله عليك.
طالب: أول مسجد أسس على التقوى. . . . . . . . .
صحيح كلامك، ما هو ببعيد، كلها أسست على التقوى، لكن المراد بالآية هو المسجد النبوي، وأكد ذلك، ما قال: مسجدي هذا وسكت، أخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: ((هو مسجدكم هذا)) لمسجد المدينة، فقال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره" انحل الإشكال وإلا ما انحل؟
طالب: طيب يا شيخ لو أوردنا الآية {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} [(108) سورة التوبة] لو توقفنا هنا لكان تفضيل ظاهر تفضيل مسجد المدينة على المسجد الذي أنشأه المنافقون، ثم لما أكملنا الآية {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [(108) سورة التوبة] فيه إلماح هذه يا شيخ، هل الكلام على غير مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
فهمنا الكلام، يقول: المعادلة والمفاضلة ليست بين مسجد قباء ومسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، المسألة بين أي المسجدين الذي أسس على التقوى، مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- ومسجد الضرار؟ ولذا قال: {أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} [(108) سورة التوبة] من مسجد هؤلاء المنافقين الذين بنوه ضراراً.
طالب:. . . . . . . . .
لو تلوت الآية ما صار في بعد، قد يسأل سائل أي سائل، يعني أنت رأيك في أي المسجدين الذين أسس؟ هو الإشكال وارد هنا وهناك، الإشكال وارد، يعني مفاده أن مسجد قباء ما أسس على التقوى.
طالب: ما يلزم.
ما يلزم؟ يا الله خرج لنا، الله يقويك.
طالب: لا هو قوله: أيهما اللي تتناوله الآية؟ أيهما الذين نصت عليه ونعتته الآية بالتقوى؟
طالب آخر: الآية يا شيخ في مقابل مسجد الضرار.
طالب: من أول يوم ما تدل على أولوية؟
من أول يوم مسجد قباء، من أول يوم.
طالب:. . . . . . . . .
لكان هو المراد مسجد قباء، ما قال: مسجدي هذا، يعني لو قال: مسجد قباء ما حصل أدنى إشكال؛ لأن كونه أسس على التقوى لا ينفي أن يكون المسجد النبوي أسس على التقوى؛ لأن المسألة مسألة أولية، نعم.(29/35)
طالب: نص الحديث أن الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنص الحديث الذي معنا؟
نعم، صح.
طالب: هذا هو.
إيه لكن في مقابل، لكن هو في مقابل مسجد قباء وإلا في مسجد الضرار؟
طالب: مسجد الضرار انتهينا منه، وهو أن الله -سبحانه وتعالى- فضح أمورهم، ما يحتاج لأن يتفاوض مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يلزم من ذلك المفاضلة ما بين يعني مسجد قباء ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن السائل سأل على ما هو المقصود بالآية هنا؟
اسمع يقول الشارح: " ((هو مسجدكم هذا)) لمسجد المدينة" يقول: "هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى" لأن تعريف الجزأين يقتضي الحصر، المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن وردٌ لما يقول بعض المفسرين: إنه مسجد قباء، وأما أخذه -صلى الله عليه وسلم- الحصباء وضربه في الأرض فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة، والحصباء بالمد الحصى الصغار.
إحنا ما عندنا إشكال في فهم الحديث، الحديث واضح، الحديث ظاهر ما في فهمه إشكال، إلا أنه قد يفهم منه أن مسجد قباء لم يؤسس على التقوى بس لا أكثر ولا أقل.
طالب:. . . . . . . . .
كلام صحيح، نعم.
طالب: مسجد المدينة؟
لا هو أخذ كف من حصى وضرب به مسجده هو، مسجدكم هذا، ليس المراد بالحديث مسجد قباء، أبداً، قطعاً، وإن جاء في بعض الأحاديث التي فيها كلام أن المراد به مسجد قباء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
هو الإشكالات ما تنحل إلا إذا قلنا مثل ما قال الأخ: منطوق الحديث معتبر ومفهومه ملغى: لأنه معارض، وله نظائر كثيرة، يعني يعمل بالمنطوق، ويلغى المفهوم.
نقول: أن صفة أخرى لا تنضبط على المسجد النبوي، وهو أنه أول يوم؟
أول يوم من دخولك المدينة، أما كونك في الطريق ما بعد دخلت؛ لأنه كان خارج.
طالب: هل يقال: أول يوم في الدولة الإسلامية؟
أول يوم من دخولك واستقرارك في هذه البلدة، ما في إلا مثل هذا الجواب يدفع الإشكال.
طالب: من بناه؟
ويش هو؟
طالب: قباء؟
بناه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: بيده؟
نعم بإعانة من معه.
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟(29/36)
أقول: لا معارضة بين حديثين مسجد قباء والمسجد النبوي إلى أنه أسس على التقوى من أول يوم؟
يعني مسجد قباء هو المراد في الآية لقوله: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [(108) سورة التوبة]؟
طالب: دفع توهم يا شيخ صار في نفوس الصحابة فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ تروا زاد إشكال، ما انحل إشكال.
طالب: إذا كان هذا فمسجد قباء على المنافقين وعلى مسجد الضرار. . . . . . . . .
لا إله إلا الله، ما شاء الله عليك.
طالب: ما يكون هذا يا شيخ لا يكون الجواب بزيادة يا شيخ تعليم للصحابة أن هذا لا ينافي أن هذا المسجد لم يؤسس فعلمهم أن. . . . . . . . . ولكن لم يجب على الآية على أنها تنطبق على المسجد النبوي؟
أي المسجدين؟ إما أن نقول: المفاضلة بين قباء والمسجد النبوي، أو نقول: المفاضلة الآن بين مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسجد الضرار، فإذا قلنا: أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ تعريف الجزأين لغة يقتضي الحصر، ومفهوم الحصر معروف، السياق ما زال مشكل إلا إذا قلنا: بأن المفهوم غير مراد.
طالب:. . . . . . . . . مفاضلة بينهما فقال: كأنه يقول: للأتقى أو الأكثر؟
الذي أسس على التقوى، أنا ما يتجه لي حل إلا ما ذكره الأخ من أن المفهوم غير مراد، وأن غيره لا يلزم أن يكون غيره غير مؤسس على التقوى، وإلا تعريف الجزأين يقتضي الحصر، ومفهوم الحصر أن الثاني لم يؤسس على التقوى، فإما أن نقول: إن المراد بالثاني مسجد الضرار، وهو غير مؤسس على التقوى، أو نقول: إن الثاني مسجد قباء، ونقول: المفهوم غير مراد، وكثير من النصوص ألغيت مفاهيمها لمعارض راجح، كثير من النصوص ألغيت مفاهيمها لمعارض راجح.
قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: ((هو مسجدكم هذا)) لمسجد المدينة، فقال: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي قال سعيد: أخبرنا وقال أبو بكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد عن أبي سلمة عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله، ولم يذكر عبد الرحمن بن أبي سعيد في الإسناد.
هات الباب الأخير؟
أحسن الله إليك.(29/37)
حدثنا أبو جعفر أحمد بن منيع قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر
-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يزور قباءً راكباً وماشياً.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي مسجد قباءٍ راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين، قال أبو بكر في روايته: قال ابن نمير: فيصلي فيه ركعتين.
وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباءً راكباً وماشياً.
وحدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد الثقفي بصري ثقة قال: حدثنا خالد يعني ابن الحارث عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث يحيى القطان.
وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكباً وماشياً.
وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي قباء راكباً وماشياً".
وحدثني زهير بن حرب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يأتي قباءً كل سبت، وكان يقول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه كل سبت".
وحدثناه ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباءً يعني كل سبت كان يأتيه راكباً وماشياً".
قال ابن دينار: وكان ابن عمر يفعله.
وحدثنيه عبد الله بن هاشم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن دينار بهذا الإسناد، ولم يذكر كل سبت.(29/38)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو جعفر أحمد بن منيع قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يزور قباءً" قباء موضع قريب من المدينة، ينال بالمشي والركوب، ولا يشق المشي إليه، وهو مضبوط بالمد والقصر، والصرف وعدمه، والتذكير والتأنيث، لكن الصحيح المشهور المد والتذكير والصرف، المد والتذكير والصرف "راكباً وماشياً" يعني حال كونه راكباً، وحال كونه ماشياً.
طالب:. . . . . . . . .
قباء.
طالب: بالكسر؟
لا، هو ضبط بضبوط كثيرة، لكن هذا الصحيح المشهور قُباء، "راكباً وماشياً" وهذه الواو للتقسيم، يعني أحياناً يزوره راكباً، وأحياناً يزوره ماشياً.
قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي مسجد قباءٍ راكباً وماشياً" في الطريق الأول كان يزور قباء، قد يفهم منه الحي، الطريق الثاني مفسر كان يأتي مسجد قباء "راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين، قال أبو بكر في روايته: قال ابن نمير: فيصلي فيه ركعتين.
وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباءً راكباً وماشياً.
ثم قال: وحدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد الثقفي بصري ثقة" هذا من كلام الإمام مسلم على الرواة، أبو معن الرقاشي، زيد بن يزيد الثقفي بصري ثقة، ويتكلم الإمام مسلم على الرواة، لكنه قليل، يعني مثلاً في الجزء الذي يلي هذا في طلاق الحائض، نعم حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير الباهلي، وكان ذا ثبت، يعني هذا توثيق له، وهذا من كلام الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- عن رواته، وهو قليل، قليل في هذا الكتاب في أثناء الكتاب، حدثني حجاج الشاعر وكان ثقة؛ لأنه يظن بالشعراء على ما جاء في وصفهم في القرآن، أنهم يقولون ما لا يفعلون، وأنهم مظنة للتزيد، فالتنصيص على توثيقه مطلوب.(29/39)
وحدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد الثقفي بصري ثقة حدثنا خالد يعني ابن الحارث عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل حديث يحيى القطان.
ثم قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكباً وماشياً.
وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي قباء راكباً وماشياً".
في الطريق الذي يليه أن ابن عمر كان يأتي قباء كل سبت، وكان يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه كل سبت، ثم قال بعد ذلك، أن ابن عمر .. ، "عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباءً، يعني كل سبت، كان يأتيه راكباً وماشياً"، قال ابن دينار: وكان ابن عمر يفعله" إلى آخره.
هذا الحديث، وهو حديث واحد كله من طريق ابن عمر بروايته وطرقه يدل على فضل هذا المسجد، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يأتيه كل سبت، ويصلي فيه ركعتين، فقصده لصلاة ركعتين في ضحى يوم السبت من كل أسبوع، ويأتيه مرة راكباً، ويأتيه مرة ماشياً، لا شك أنه عمل خير وفاضل، وجاء عدله بإيش؟ بعمرة، جاء عدل زيارة مسجد قباء بعمرة، وحكم هذا الخبر؟ من عنده؟
طالب: ابن ماجه في السنن.
عند ابن ماجه، ودرجته؟
طالب: صححه الشيخ الألباني في. . . . . . . . .
نعم على كل حال هو قابل للتحسين، وإذا كان يعدل عمرة المسألة مسألة عشرة كيلو، أو حدود عشرة كيلو، ما تضر الإنسان، يعني أن يذهب إليه كل سبت.
الشيخ كتب حول أول مسجد يقول: "لعله -والله أعلم- أن أول مسجد أسس على التقوى في الآية مسجد قباء، يعني هل في هذا مخالفة للآية؟ لا، وأنا أنقدح في ذهني بعد تبعاً لما كتبه الشيخ شيء.(29/40)
"أن أول مسجد أسس على التقوى في الآية مسجد قباء بدليل {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} [(108) سورة التوبة] لأن المسجد النبوي هو قائم فيه، -صلى الله عليه وسلم-، وقباء صار بعد ذلك يزوره -صلى الله عليه وسلم-، ويقوم فيه، فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على السؤال أنه مسجدي، وليعلم أنه أسس على التقوى، وأن الآية تشمله كذلك في المعنى، والله أعلم" لكن يرد على هذا أي المسجدين؟
طالب: أي المسجدين ما هو كلام الرسول هو كلام السائل.
السائل، أي المسجدين؟
طالب: الرسول صرفه، صرفه كما كان يصرف كثير من السائلين إلى الأهم، كسؤال الأعرابي الذي سأله متى الساعة؟ الرسول أجابه: ((ما أعددت لها؟ )) فهذا صرفه؛ لأن هذا المسجد أسس على التقوى؛ لأن الرسول لما رآهم يسألون وكأنهم يريدون تفضيل مسجد قباء أراد. . . . . . . . . إلى فضل هذا المسجد، وأنه أسس على التقوى.
كلام الشيخ متجه بلا شك وواضح، لكن يبقى في زيادة إيضاحه أنه إذا توهم التنقص منع التفضيل، إذا توهم التنقص منع التفضيل، كما جاء في حديث: ((لا تفضلوني على يونس بن متى))، ((ولا تفضلوا بين الأنبياء)) مع أنه جاء في القرآن التصريح بالتفضيل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) هذا إنما يقال مع توهم التنقص، إذا قرن ذلك بالتنقص، اليهودي لما قال: والذي فضل موسى على البشر، المسلم قال: والذي فضل محمد على البشر، فقال: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) يونس بن متى حصل منه ما حصل، وليم على ذلك، وعوتب على صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، فجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) وهذا في الصحيح، ((لا تفضلوني)) يعني أشرف الأنبياء، وهذا حصل منه ما حصل، يقول: ((لا تفضلوني)) لأن هذا التفضيل مقرون بالتنقص، فإذا تنقص، حصل التنقص لا بد من رفع شأن المتنقص، لا بد من رفع شأنه، فإذا كانت المفاضلة بين المسجدين من قبل بعض الصحابة، وأن الصحابة فهموا من الآية أنه مسجد قباء؛ لأنه هو الذي أسس على التقوى من أول يوم نعم، قد يدعوهم ذلك إلى الزهد في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم، إذا توهم ذلك رفع من شأنه، وذكرت مآثره ومناقبه؛ ليرد على من يريد تنقصه، أو يتوهم تنقصه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(29/41)